قشرة الأرض
قشرة الأرض
دراسة جيومورفولوجية
أ.د. محمد صفي الدين أبو العز
دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة
رقم الإيداع: 3769
تاريخ النشر: 2001
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فهرس الكتاب
- الفصل الأول: تطور الدراسة الجيومورفولوجية
- الجيومورفولوجيا والجيولوجيا
- تطور الدراسة الجيومورفولوجية
- الاتجاهات الحديثة في الدراسة الجيومورفولوجية
- الفصل الثاني: وصف قشرة الأرض
- أغلفة الكرة الأرضية
- تحليل المنحى الهبسومتري لتضاريس الكرة الأرضية
- تباين تضاريس الكتل القارية
- ظاهرة التوزان الأرضي
- أثر الغطاءات الجليدية في التوازن الأرضي
- توزيع اليابس والماء
- النظريات الهامة التي تفسر توزيع اليابس والماء
- الفصل الثالث: التكوين الصخري لقشرة الأرض
- العناصر الرئيسية التي تدخل في تكوين المعادن
- المعادن
- أنواع الصخور
- الصخور النارية
- الصخور الرسوبية
- الصخور المتحولة
- أهمية دراسة الصخور
- الأهمية الاقتصادية للصخور
- الصخور والمعادن
- الأقاليم الصخرية
- الفصل الرابع: دراسة تحليلة للعمليات الجيومورفولوجية
- مجموعة العمليات الخارجية
- مجموعة العمليات الداخلية
- عمليات التخفيض
- عملية التجوية=
- التجوية الميكانيكية
- التجوية الكيميائية
- عملية الانهيار الأرضي
- عوامل النحت
- عملية الارساب الأرضي
- العمليات الداخلية
- عمليات النشاط البركاني
- مدى تأثر العمليات الجيومورفية المختلفة بالعوامل المناخية
- الفصل الخامس: عمليات التجوية والانهيار الأرضي
- عمليات التجوية
- التربة
- عملية الانهيار الأرضي
- الانهيار الأرضي البطئ
- الانهيار الأرضي السريع
- الانزلاقات الأرضية
- الفصل السادس: الأنهار وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
- مصادر مياه الأنهار
- نظام جريان النهر
- طاقة النهر
- كيف تكونت أودية الأنهار
- تطور الأودية النهرية
- المقطع الطولي للنهر
- أسباب عدم انتظام القطاع الطولي للنهر
- المقطع العرضي للنهر
- تصنيف الأودية النهرية
- أنماط التصريف النهري
- كثافة التصريف النهري
- مناطق تقسيم المياه
- الإرساب النهري
- السهول الفيضية
- الدالات
- المراوح الفضية والبهادات
- أثر الأنهار في البنية الجيولوجية
- الفصل السابع:دورة التعرية النهرية
- المقصود بدورة التعرية
- مرحلة الشباب
- مرحلة النضج
- مرحلة الشيخوخة
- تعقد دورة التعرية النهرية
- الآثار الجيومورفية الناجمة عن تجديد الشباب
- أشباه السهول
- الدورة الجيومورفية في نظر "بنك"
- الفصل الثامن: المياه الباطنية وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
- أنواع المياه الباطنية
- الينابيع
- الآبار الإرتوازية
- العيون الحارة
- توزيع أقاليم الكارست في العالم
- شروط تطون ظاهرات الكارست
- بعض الظاهرات الجيومورفية التي توجد بأقاليم الكارست
- الدورة الجيومورفية في مناطق الكارست=
- الفصل التاسع: المظاهر الجيومورفية في الأقاليم الجافة
- الخصائص المناخية والنباتية للأقاليم الجافة
- بعض الخصائص الجيومورفية للمناطق الصحراوية
- أنواع التضاريس الصحراوية
- الرياح وأثرها في تشكيل سطح الأرض
- الرواسب الهوائية
- النقل بفعل الرياح
- أنواع الرواسب الرملية
- رواسب اللويس
- دورة التعرية الصحراوية
- الفصل العاشر: الجلدي وأثره في تشكيل قشرة الأرض
- خط الثلج الدائم
- حقول الثلج
- الأنهار الجليدية
- أنواع الكتل الجليدية
- النحت بفعل الثلج
- الإرساب بفعل الثلج
- الرواسب الجليدية النهرية
- ثلاث حقائق هامة في التعرية الجليدية
- الفصل الحادي عشر:جيومورفولوجية السواحل
- المقصود بالسواحل
- الأمواج
- التيارات البحرية
- تيارات المد
- النحت بفعل الأمواج
- القطاع الجانبي للساحل
- الصور الجيوموروفية الناجمة عن عمليات النحت بفعل الأمواج
- الإرساب بفعل الأمواج
- الرواسب الساحلية
- الرواسب التي تتراكم بعيدا عن الساحل
- حواجز المرجان والجزر المرجانية الحلقية
- أنواع السواحل
- أنواع السواحل حسب تقسيم "جونسون"
- أنواع السواحل حسب تقسيم "شبرد"
- تطور السواحل الغائصة
- الفصل الثاني عشر:الحركات الباطنية وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
- الزلازل
- النشاط البركاني
- أثر الحركات التكتونية الفجائية في تشكيل سطح الأرض
- الصدوع
- أنواع الإلتواءات
- بعض المصطلحات الجيومورفولوجية
- المراجع الهامة
الفصل الأول: تطور الدراسة الجيومورفولوجية وطبيعتها
قشرة الأرض هي تلك الطبقة العليا من الكرة الأرضية التي كثيرا ما يطلق عليها اسم الغلاف الصخري Lithosphere ، وقد تكون هذا الغلاف بقاراته ومحيطاته نتيجة لعمليات جيولوجية طويلة ومعقدة لن يتسع المجال لدراستها في هذا الكتاب إذ أن إهتمامتنا سيقتصر على دراسة المظاهر التضاريسية الثانوية، والعوامل التي أسهمت في تكوينها وتشكيلها، وهي دراسة جرى العرف على تسميتها بالدراسة الجيومورفولوجية Geomorphology.
وعلم الجيومورفولوجيا – كما جاء في قاموس وبستر – هو ذلك الفرع من فروع الجغرافيا الطبيعية الذي يهتم بدراسة شكل الأرض وتضاريس سطحها، وتوزيع اليابس والماء ..الخ، أو قد يهدف إلى دراسة قصة التغيرات التي كانت تطرأ على سطح الأرض خلال الأزمنة والعصور الجيولوجية، وذلك عن طريق تحليل الصور الطبوغرافية واستخلاص النتائج من هذا التحليل.
وتعني الدراسة الجيومورفولوجية في الواقع أكثر ما تعني بدراسة الصور التضاريسية الثانوية كالجبال والهضاب والسهول من حيث نشأتها ووصفها وتوزيعها، أما دراسة المظاهر التضاريسية الرئيسية كالقارات والأحواض فتدخل في صميم الجيولوجيا الديناميكية Dynamic geology.
وجدير بالذكر أن موضوعات علم الجيومورفولوجيا كانت تدخل حتى عهد ليس ببعيد ، في نطاق علم واسع هو علم الفزيوجرافيا Physiography الذي وضع أسسه وأرسى قواعده الجغرافي الأمريكي و. م. ديفز W.M. Davis في سنة 1899 وقد اختلف الجغرافيون وتضاربت أقوالهم بصدد تعريف هذا الفرع من فروع علم الجغرافيا، ومن قائل أن الدراسة الفيزوجرافية إنما يجب أن تشمل نفس الموضوعات التي تضمها الجيومورفولوجيا، إلى قائل بأن مضمونها ومحتواها لا يختلف في قليل أو كثير عن مضمون الجغرافيا الطبيعية ومحتواها، إلى تعريف ثالث شائع في المدارس الجغرافية الاوروبية، وهو أن علم الفزيوجرافيا يجب أن تدخل في دائرته دراسات أخرى عديدة إلى جانب دراسة الصور التضاريسسية كالدراسات المناخية والميتورولوجية، والهيدرولوجية والنباتية والأوقيانوغرافية.. مما جعل دارئتها تتسع كثيرا عن تلك التي حددها ديفز والتي جعلها تقتصر على دراسة مظاهر سطح الأرض . ولهذا السبب بطل استخدام كلمة فزيوجرافيا وخاصة في الولايات المتحدة ، وحلت محلها كلمة جيومورفولوجيا التي ذاع استخدامها وانتشر حتى في المدارس الجغرافية الاوروبية التي كانت تغالي في توسيع نفوذ الدراسة الفزيوجرافية.
على أننا نرى – رغم هذا – من بين الجغرافيين المعاصرين من يحبذ الرجوع إلى استخدام كلمة فزيوجرافيا لتدل على دراسة اشكال الأرض وذلك لسببين رئيسييين:
أولهما: أن الدراسات الميتورولوجية والمناخية، والهيدرولوجية والنباتية قد شهدت من التطور في العقود الأخيرة مما جعلهما تمثل علوما مستقلة لها كيانها المنفصل تماما عن كيان العمل الفزيوجرافي.
ثانيهما: أن دراسة أشكال التضاريس الأرضية ، إنما تستدعي بعض الإلمام أو المعرفة التامة – في بعض الأحيان – بنواحي الدراسات المناخية والنباتية والهيدرولوجية الآنفة الذكر حتى يتحقق الفهم الصحيح والتحليل السليم لهذه الأشكال، وإن كان هذا القول لا يعني أن الدراسة الجيومورفولوجية قاصرة في اعتمادها على هذه الدراسات، إلا أن استخدام كلمة فزيوجرافيا بمدلولها الواسع يجعلها أثر توفقيا كاسم لعلم الأشكال الأرضية.
ومهما كان الاختلاف في تعريف كل من الجيومورفولوجيا والفزيوجرافيا – وهو ذلك الاختلاف الذي مازال مستمرا حتى وقتنا الحالي – إلا أننا نجد أن كلمة جيومورفولوجيا ما زالت أكثر استخداما وشيوعا، ولهذا سنستخدمها كعنوان لهذا الكتاب إلى أن يستقر الجغرافيون على أخد هذين اللفظين.
الجيومورفولوجيا والجيولوجيا
تعتمد الدراسة الجيومورفولوجية في أساسها اعتمادا كبيرا على علم الجيولوجيا بشتى فروعه.
فعند الكلام عن التركيب الصخري لقشرة الأرض نجد أن لا مفر أمامنا من الاعتماد على علم الطبقات بالاضافة إلى علم الصخور ذاته كما أنه لابد لنا عند دراسة التركيب الصخري لقشرة الأرض أن نلم إلماما عاما بالمعادن المختلفة التي تتكون منها الصخور. وهذا يستدعي بالضرورة اللجوء إلى علم المعادن.
كما أن علم الحفريات الذي يعتبر في الواقع أحد فروع الجيولوجيا التاريخية – (التي تهتم إلى جانب إهتمامها بدراسة العمليات الطويلة التي توالت على كوكب الأرض حتى تكونت قاراته ومحيطاته، تهتم إلى جانب هذا بمعرفة تطور صور الحياة على سطح الأرض سواء كانت حياة نباتية أو حيوانية) – يفيدنا هو الآخر في معرفة أنواع الحفريات التي قد تتكون منها بعض الأنواع الصخرية.
وتعنى الدارسة الجيومورفولوجية إلى جانب هذا بالالمام بنواحي علم الجيولوجيا الطبيعية الذي يهتم بمعرفة الوسائل والعمليات المختلفة التي أسهمت في تشكيل قشرة الأرض.
ومن هذا نرى تلك الصلة الوثيقة بين علمي الجيومورفولوجيا والجيولوجيا. وهي صلة جعلت كلا من الجغرافيين والجيولوجيين على حد سواء يخوضون في موضوعات الجيومورفولوجيا ، ولكن هناك اختلافا واضحا في معالجة كل منهم لهذه الموضوعات، فالجيولوجي ينظر إلى الجيومورفولوجيا على أنها نهاية قصة تطور طويلة، أما الجغرافي فيعتبرها بداية لدراسته، وهو أيضا بحكم تشعب دراسته وتعدد نواحيها يمكنه أن يلم بكل العوامل التي تؤثر في الصور التضاريسية وتتأثر بها، ولو أنه نظرا لعدم تخصصه في أي من هذه الدراسات لا يستطيع الخوض فيها بشئ من التعمق، ولهذا كثيرا ما توصم أبحاثه بالسطحية. ومن هنا كانت ضرورة تضافر جهود الجغرافيين للقيام بأبحاث مثمرة في نطاق الجيومورفولوجيا كل في دائرة تخصصه الذي لا يخرج عن كونه مجرد ميل نحو ناحية معينة من نواحي الدراسة الجغرافية المتشعبة، وحتى إذا انعدم وجود الجغرافي المتخصص في ناحية معينة إلا أنه يمكنه أن يشترك في الدراسات الحقلية الجماعية التي تضم مجموعة كبيرة من المتخصصين في كل النواحي التي تؤثر في دراسة الأشكال الأرضية (المناخ ، النبات، الهيدرولوجيا، ...الخ)، بحيث يقوم الجغرافي بدور المنسق بين هؤلاء المتخصصين بمنهجه العلمي الذي يقوم على ربط عناصر البيئة الطبيعية بعضها ببعض، وإبراز تفاعلها وتداخلها وتأثيرها مجتمعة على شكل التضاريس في إطار إقليمي معين. مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به الجيولوجي أو عالم المناخ أو غيرهما من المتخصصين بحكم ضيق دوائر تخصصاتهم.
تطور الدراسة الجيومورفولوجية
أولا: في العصور القديمة:
يحسن بنا قبل البدء في دراسة موضوعات علم الجيومورفولوجيا أن نبين أن هذا النوع من الدراسة قد بدئ في الاهتمام به منذ عهد بعيد، إذ أن بعض الظواهر الطبيعية، كالاضطرابات الجوية، وحركة المد والجزر، والثورانات البكرانية حفزت فلاسفة الإغريق والرومان ومفكريهم إلى التأمل في طبيعتها وكنهها فنجد كتابات أرسطو (384-322 ق.م) تعكس بوضوح هذه النزعة التأملية، فقد كان يعتقد مثلا أن لمياه الآبار ثلاثة مصادر:
أ- مياه الأمطار التي تترسب سفليا في باطن الأرض. ب- المياه التي تكونت داخل الأرض نتيجة تكاثف بخار الماء الساخن الذي يوجد في باطنها والذي يبرد عند إقترابه من سطحها. ت- المياه التي تخزن في الصخور ولا تعرف مصادرها.
كما كان يعتقد بأن سقوط الأمطار يؤدي إلى تكوين مسيلات مائية مؤقتة، وفي رأيه أن المياه الجوفية هي المسئولة الى حد كبير عن جريان مياه الأنهار جريانا مستديما، وكل هذه التخمينات التي وصل إليها أرسطو عن طريق التأمل لا تختلف كثيرا عما وصل إلى العلماء في العصر الحديث.
كما نجد أن بوليبيوس Pollybius (210-128 ق.م) يهتم بدراسة كيفية تكون دالات الأنار وكيف أن الأنهار تنحت أوديتها نحتا بطيئا.
كما يعتبر بوسيدونيوس Posodonius (135-50 ق.م) من أحسن الجغرافيين الطبيعيين في بلاد الإغريق ، فقد درس ظاهرة المد والجزر عند قادس في البحر المتوسط، كما قام بقياس أعماق هذا البحر بالقرب من ساحل جزيرة سردينيا.
وحتى كتابات هيرودت (485-425 ق.م) المؤرخ، لم تخل من معلومات جيومورفولوجية، فقد وضح مثلا أهمية الفيضان السنوي لنهر النيل في تجديد خصوبة أراضي مصر الزراعية، كما لاحظ وجود بعض أنواع من الصدف والمحار في أعلى المرتفعات في جهات متفرقة من أرض مصر، وعزا وجودها إلى أن البحر في وقت من الأوقات كان يغظي معظم أنحاء مصر السفلى. وسترابون، الذي جاب أنحاء مصر وايطاليا واليونان وآسيا الصغرى، ووصل في مصر جنوبا حتى مدينة أسوان – قد ذكر هو الآخر أمثلة عديدة لتعرض اليابس في أنحاء كثيرة لحركات مختلفة من الإرتفاع والهبوط ، كما كان أول من قرر أن جبل فزيوفيس بالقرب من نابلي جبل بركاني، وذلك بعد دراسته لتكوين قمته، كما درس دالات الأنهار ولاحظ حركة المد والجزر كثيرا ما تعوق نموها قدما على حساب مياه البحار.
ومن الفلاسفة الذي نحوا منهجا جغرافيا طبيعيا، الفيلسوف سنكا (توفي في سنة 65 م). الذي قام بدراسة الزلازل التي اعتقد أنها ناجمة عن تفاعلا الرياح وتصارعها في باطن الأرض.
ثانيا: في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة:
وما أن انتشرت الإضطرابات والفوضى بعد ذلك في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الغربية، حتى اختفت المعرفة الجغرافية وتلاشت من عقلية الاوروبيين لفترة طويلة حمل فيها العرب شعلة العلوم والفنون في وقت كانت فيه اوروبا غارفة في ظلمات الجهالة.
فقد درس ابن سينا (980-1037) كيفية تكون الجبال التي قسمها من حيث النشأة إلى قسمين: جبال تكونت نتيجة حركات رافعة كتلك التي تصاحب الزلازل ، وجبال عملت المياه الجارية والرياح على تشكيلها وتغيير معالمها. فكأنه بهذا كان أول من أشار إلى وجود جبال التعرية.
وكان ابن سينا من المؤمنين بأن عملية النحت تتم ببطء شديد للغاية، وتستغرق وقتا طويلا لكي تتم، وهنا يجدر بنا بأن نذكر أن الفكرة التي كانت تسطير على العقول فيما يتصل بنشأة التضاريس الأرضية إبان القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت ترجع التضاريس الأرضية إما أنها خلقت كما هي عليه، أو إلى عوامل فجائية أحدثت تغيرات جوهرية سريعة في سطح الأرض. ويمثل هذا الاحتمال الأخير أساس مبدأ ذاع وانتشر إبان هذه الفترة ألا وهو مبدأت الطفرة Catastrophism، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تتعرض لها الأرض تغيرات سريعة وفجائية، وأن عمر الأرض لا يعدو بضعة ألاف من السنين. ولهذا نجد مثلا أن كبير الأساقفة في إيرلندا يعلن في سنة 1654 أن خلق العالم قد تم في يوم 26 اكتوبر سنة 4004 ق.م. في الساعة التاسعة صباحا!! وقد سادت مثل هذه الظنون التي لا ترقى عن مستوى الحدس والتخمين قرابة قرن من الزمان، وأصبح المسيحيون يعتقدون أن شتى أنواع التكوينات الجيولوجية التي تتمثل على سطح الأرض قد تم بناؤها في فترة لا تتجاوز الستة آلاف عام.
ولا شك أن الدين كان له دخل كبير في تفسير الظاهرات الطبيعية وغير الطبيعية في ذلك الوقت، فقد فسر البعض مثل وجود الركامات الجليدية وغيرها من الرواسب المرتبطة بالعصر الجليدي بأنها تمثل ما تخلف عن فيضان نوح!! كما أعتقد نفر آخر أن الأنهار الخانقية وأوديتها ما هي إلا نتيجة زلازل أرضية أنزلها الله على الكون، والجبال قد برزت بفعل حركات رافعة فجائية وعنيفة.
وقصارى القول أن الاعتقاد بمبدأ الطفرة في ذلك الوقت كان سببا في ألا يلقى العلماء أي بال للعمليات الجيولوجية التي تعمل ببطء مثناه، والتي لا تلاحظ آثارها إلى على مدى فترات طويلة.
ثالث:العصور الحديثة:
وقد استمرت هذه الاعتقادات تسيطر على عقول الناس حقبة من الزمن ليست قصيرة حتى قيض الله لعلم الجيولوجيا عالما وضع أسسه وأرسى قواعده وهو الجيولوجي الاسكتلندي جيمس هاتون J. Hutton، الذي تعد أراؤه بمثابة نقطة تحول خطيرة في الدراسة الجيولوجية ، ولهذا يحسن أن تقسم تطور العلم في الفترة الحديثة إلى ثلاث مراحل على اعتبار أن الفترة التي ظهر فيها هاتون هي الفترة القياسية التي وضعت فيها كل أسس العلم:
1- مرحلة ما قبل هاتون Pre-Huttonian period. 2- مرحلة هاتون Classical era Huttonian. 3- مرحلة ما بعد هاتون Post-Huttonian Period.
أما المرحلة الأولى فقد كانت مرحلة طويلة استمرت زهاء ثلاثة قرون، ولا يتسع المجال لذكر كل أسلاف هاتون الذين أضاءوا له السبيل ومهدوه، بل يكفي أن نذكر منهم: العالم الايطالي الفنان ليوناردو دافنشي (1452-1519) الذي برع في العلوم الطبيعية إلى جانب نبوغه في الفن، فهو الذي وضح كيف أن المجاري المائية هي التي تشق أوديتها وهي التي تنقل المفتتات الصخرية من مكان إلى آخر، وتعتبر لهذا هي العامل الأساسي في تشكيل تضاريس قشرة الأرض، كما أنه كان أول من بين بجلاء ووضوح الأصل العضوي للحفريات وبقايا الحيوان والنبات مما يوجد في الصخور، فقضى بذلك على الأفكار اللاهوتية التي كانت تقول بأن الحفريات تمثل محاولات للخلق من عمل الشيطان!!!
ومن أسلاف هاتون أيضا: الفرنسي بيفون Buffon، الذي نادى بأن الأنهار لها قدرة هائلة على نحت المناطق المرتفعة وتسويتها حتى تصبح في مستوى سطح البحر، ولهذا يعد أول من أشار بطرف أو بآخر إلى وجود مستوى أدنى لعمليات النحت على اليابس.
ومن الذين اهتموا كذلك بدراسة قدرة الأنهار على نحت مجاريها أو شق أوديتها وتكوين سهولها الفيضية: الايطالي ترجيوني توزتي Targioni Tozetti، والفرنسيات جوثار Guethard، وديمرسيه Desmarset.
على أن أهم العلماء الذين ظهرو في فترة ما قبل هاتون كان العالم السويسري دي سوسير De Saussure الذي كان أول من ابتدع كلمة جيولوجيا وأطلقها على علم الأرض الذي يهتم بدراسة صخورها ومعادنها وتضاريسها تمييزا لهاذ العلم الجديد عن عمل الجغرافيا الذي هو عبارة عن وصف الأرض والذي كانت تدخل في نطاقه كافة الدراسات العملية الطبيعية التي استحوذت على اهتمام الانسان. وقد درس دي سوسير الأنهار وحلل قدرتها على النحت والإرساب، كما قام بأباحاث طويلة في جبال الألب السويسرية وبين أن هناك أنهارا جليدية لها هي الأخرى القدرة على النحت وتشكيل سطح الأرض.
أما المرحلة الهاتونية فتعد بحث مرحلة حاسمة في تطور علم الجيولوجيا ، إذ يعد جيمس هاتون (1726-1797) واضع الأسس الأولى لهذا العلم، فقد تقدم بفكرة جديدة كانت الأولى من نوعها هي: "أن الحاضر هو مفتاح لدراسة الماضي وهي التي بنى عليها مبدأت Uniformitatanism أي التغير التدريجي البطئ، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تعرض لها سطح الأرض قد تمت بطريقة تدريجية استغرقت فترات طويلة تقدر بملايين السنين ، وليس بالطفرة الفجائية.
وقد ظهرت أراء هاتون مفصلة في كتابه عن "نظرية الأرض" الذي نشر سنة 1795، وقد توخى في هذا المؤلف القيم توضيح العمليات المختلفة التي أسهمت في الماضي ومازالت تسهم في الحاضر في تشكيل سطح الارض وهذه العمليات لا تخرج عن كونها إما عمليات ميكانيكية أو كيميائية، وتؤدي كلها في النهاية إلى نحت التضاريس وخفضها.
ومن كبار الوراد الاوائل الذين وضعوا أسس الجيولوجيا الحديثة أيضا "إبراهام فيرنر Abraham Werner" (1750-1817)، وهو صاحب مدرسة كبيرة كانت تعرف بمدرسة النبتونيين (نسبة إلى اله البحر نبتون) فقد كان من رأيه أن جميع الصخور – رسوبية كانت أم نارية – قد تكونت بفعل عمليات كيميائية في محيط قديم هائل كان يغلف الأرض كلها في العصور السحيقة في القدم. وقد هاجم هاتون هذا الرأي الخاطئ، وبين أن الصخور الجرنيتية مثلا – صخور نارية تكونت أول ما تكونت في أعماق الأرض ثم اندفعت بعد ذلك إلى سطحها وأخذت أشكالات وصورا عديدة، وأنها كثيرا ما تتعرض للتحول والتغير بعد ذلك ، ومن هنا عرفت مدرسة هاتون بمدرسة البلوطونيين (نسبة إلى بلوتو اله عالم ما تحت الأرض)، وقد استمر الجدل والنقاش بين البلوطنيين والبنتونيين فترة طويلة استغرقت النصف الثاني من القرن الثاني عشر.
وقد ظهر أيضا في نفس الحقبة التي عاش فيها هاتون الجيولوجي بلايفير Playfair، الذي درس النظم النهرية دراسة كانت الأولى من نوعها، فهو يرى أن لكل نهر مجرى رئيسيا تغذيه روافد متنوعة تجري في مجاري يتناسب كل منها في اتساعه مع طول النهر الرئيسي وحجمه، وتكون هذه المجاري كلها في النهاية نظاما نهريا متكاملا. ومثل هذه الأنظمة هي المسئولة عن وجود تلك الخطوط العميقة المحفورة على سطح الكرة الأرضية والتي تعرف بالأودية. ويمكننا القول بصفة عامة بأن معظم الأفكار الحديثة التي وضحت الكيفية التي يتم بها تشكيل سطح الأرض قد تضمنها كتاب نظرية الأرض لهاتون وهو الكتاب الذي اهتم فيه مؤلفه أيما اهتمام بدراسة عمليات النحت البحري والنهري.
أما المرحلة التالية لهاتون فقد ظهر فيها عدد غير قليل من الجيولوجيين نذكر منهم على سبيل المثال السير تشارلز لييل Sir Charles lyell (1797-1875)، الذي كان من أشد المتحمسين لمبدأت التغير التدريجي البطئ، ولكنه عارض الرأي الذي نادى به هاتون، وهو أن المجاري المائية هي التي تنحت أوديتها، وذكر أنه من المحتمل أن يكون قد تم حفر الاودية النهرية الكبيرة بفعل الأمطار والمياه الجارية، ولكن مما لا شك فيه أن بعض الحركات الباطنية تسهم هي الأهرى في زيادة سرعة عملية الحفر خلال بعض مراحل تكون هذه الأودية.
كما أن لوي أجاسز L. Agssiz (1807-1873)، كان أول من ذكر بأن الجزء الشمالي من اوربات تركمنت فوقه أثناء عصر البلايستوسين غطاءات جليدية ، وهو الذي أطلق على الفترة التي تم فيها تكون هذه الغطاءات اسم العصر الجليدي وقد درس رامزي A. Ramssy (1814-1891)، الجيولوجي الانجليزي عمليات التعرية البحرية دراسة دقيقة لم يسبقه إليها أحد.
أما في الولايات المتحدة فقد ظهر عدد كبير من الجيومورفولوجيين منهم "باول J. W. Powell" وجلبرت G. K. Gilbert، وداتن C. D. Dutton ، وقد اهتم باول بتصنيف التضاريس الأرضية على أساس عامل التركيب الجيولوجي، كما قام بدارسة منطقة الانكسارات في هضات كولورادو، ويونيتا في جنوب غرب الولايات المتحدة ، وقسم أودية الأنهار إلى مجموعتين كبيرتين: أودية ترتبط ارتباطا وثيقا في شكلها واتجاهاتها بالطبقات التي تخترفها، وأودية أخرى تتشابه فيما بينها من حيث النشأة: فهنالك أودية سالفة Antecedent وأودية رئيسية Consequent وأودية منطبعة Superimposed ، وكل هذه المصطلحات شاع استخدامها بعد ذلك وأصبحت تستخدم حتى وقتنا لحالي. وقد كان باول أول من أطلق الاصطلاح المعروف بمستوى القاعدة Base level على المستوى الأدنى الذي تصل إليه عملية النحت التي لابد أن تنتهي إليه إذا ما استمرت تعمل دون توقف ودون تدخل عوامل أخرى باطنية مما يؤدي غلى تحول المنطقة المنضرسة إلى سهل منخفض يعلو قليلا فوق مستوى سطح البحر وهذا السهل المنخفض هو الذي أطلق عليه ديفيز فيما بعد اسم السهل Peneplain.
أما جلبرت فيعد بحق أول جيوموروفولوجي ظهر في الولايات المتحدة ، وقد اهتم بدراسة العمليات الجيومورفية المعقدة سواءتلك التي تسببها العوامل الجوية أو المائية أو الجليدية أو الباطينة، كما قام بدراسات طويلة في منطقة هضبة الحوض العظيم في الولايات المتحدة ،خرج منها بأن بحيرة جريت سولت ليك كانت خلال عصر البلايستوسين أكثر مساحة واتساعا مما هي عليه الآن، وقد أطلق على البحيرة البلايستوسينة القديمة اسم بحيرة بنفيل Bonneville. وتعتبر دراسة جلبرت للشواطئ القديمة لهذه البحيرة أول دراسة جيومورفولوجية دقيقة في الولايات المتحدة.
وترجع أهمية دات إلى دقته في تحليل الصور التضاريسية، والى ما وصل إليه من نتائج عند دراسته لمنطقة كولورادو، فقد ذكر أن هضبة كولورادو قد تعرضت لحركة هبوط قبل أن يشق نهر كولورادو خانقه العظيم خلالها، وإلى أنه كان أول من لفت الأنظار إلى ظاهرة التوازن الأرض Isostasy.
ويمكننا أن نلاحظ من عرضنا السابق لتطور الدراسة الجيومورفولوجية أن الجيولوجيين وحدهم هم الذين احتكروا هذه الدراسة، ولكن هذا لا يعني أن الجغرافيين لم يكن لهم نصيب في تطويرها. فمنذ بداية الاهتمام بعلم الجغرافيا كان الاتجاه الأول هو دراسة شتى المظاهر الأرضية، ويظهر هذا بجلاء واضح في كتابات أساطين هذا العمل القدامى مثل "كانت E. Kant" و "هامبولت Hambolt" و "ريتر K. Ritter" الذين ضربوا بسهم وافر في تطوير الدراسة الجغرافية بالمعنى الذي نفهمه الآن، بل كانت تدور حول الانسان فنجد كانت مثلا يعتبر الانسان بمثابة أحد العوامل الخمسة التي تشكل في سطح الأرض، إذ اعتبره متشابها في تأثيره على قدم وساق مع الهواء والمياه الجارية والجليد والنبات والحيوان، وهذا دليل على أن الجغرافيا الطبيعية التي كانت تعرف خلال القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر لم تكن طبيعية بالمعنى الذي نفهمه الآن، أي تهتم بدراسة المظاهر الطبيعية الأرضية في حد ذاتها.
وفي خلال فترات تطور علم الجغرافيا نجد أن الفترة التي استمرت من 1870-1882 كانت بمثابة رد فعل لدراسة ريتر وأتباعه التي كانت تنحو اتجاها تاريخيا ، فقد ظهر فيها ميل قوي واضح نحو الجغرافيا العلمية. وهكذا تحول اتجاه علم الجغرافيا من دراسة الانسان إلى دراسة مورفولوجية الأشكال الأرضية ووصف أنواع التضاريس. وقد كانت الأستاذ أوسكار بشل O. Peschel من السابقين في هذا الاتجاه، فهو الذي قاد الجغرافيين منذ 1870 نحو دراسة مورفولوجية سطح الأرض وصوره التضاريسسية، ويعتبر في الواقع أول من أرسى قواعد علم الجيومورفولوجيا . ومن رأيه أن الجغرافي عليه أن يبحث عن الظارهات التضاريسسية المتشابهة في جهات العالم المختلفة ثم يقارنها من حيث نشأته وتوزيعها مستعينا في ذلك بخرائط ذات مقاييس كبيرة.
وقد سار على خطى بشل ثلاثة من أساطين الجغرافيا الطبيعية بدأو دراستهم كجيولوجيين وهو "ريشتوفن F. V. Richthofen" و"بنك W. Penck" و"ديفز W. M. Davis" وقد اهتم أولهم بالدراسات الجغرافية الطبيعية المقارنة وبتقسيم العالم إلى أقاليم فزيوجغرافية. كما قام بدراسة بلاد الصين دراسة جيولوجية وجيومورفولوجية لا يزال بعض الجيولوجيين المعاصرين يتخذونها أساسا لدراساتهم الحديثة. أما بنك فقد اهتم بدراسة مورفولوجية سطح الأرض بالاضافة إلى تخصه في الدراسات الجليدية وأثر عوامل التعرية الجليدية في تشكيل سطح الأرض.ط
أما وليام موريس ديفز فقد وصل باتجاه بشل المورفولوجي إلى منتهاه عندما درس عملية النحت النهري وقسم مراحل التطور النهري إلى المراحل الثلاث المعروفة: مرحلة الشباب، ومرحلة النضج، ومرحلة الشيخوخة – وإن دل هذا التقسيم على شئ فهو يدل على تأثره بالنظرية الدارونية للتطور – هذا وقد أطلق ديفز على هذه المراحل اسم دورة التعرية العادية، وهي التي جعلت منه صاحب مدرسة جيومورفولوجية في الولايات المتحدة كانت على اتصال وثيق بتطور العلم في ألمانيا، وبالأستاذ بنك بصفة خاصة، فقد حاضر ديفز بجامعة برلين لمدة سنة ، كما حاضر بنك في جامعتي كولومبيا وييل بالولايات المتحدة لنفس المدة.
ويمكن القول بصفة عامة بأن الدراسات الخاصة بمورفولوجية الأرض – وهي التي بدأها بشل – شاعت بين الجغرافيين في تلك الفترة لدرجة أن الغالبية العظمى منهم اقتصرت دراساتهم الجغرافية عليها مما أدى إلى طغيان النزعة الجيومرفولوجية طغيانا كبيرا على مجال البحث الجغرافي ، ولا يزال أثر هذا واضحا تمام الوضوح في بعض الجامعات حتى وقتنا هذا.
وقد بالغ البعض في هذا الاتجاه الجيومورفولوجي حتى خرجو عن ميدان الدراسة الجغرافية التي اعتبرها علم الأرض Erdkunde ، ولهذا يجب أن تكون علما بالمعنى الحقيقي له قوانين ثابتة، ومن ثم ينبغي أني يستبعد الإنسان منها استبعادا كليا على أساس أن الإنسان لا يمكن أن تتناول دراسته وفق قوانين موضوعة ثابتة، وعلى أساس أن الدراسات الإنسانية في حد ذاتها لا تفيدنا في معرفة الأرض نفسها، محور الدراسة الجغرافية. وخلاصة الكلام أن الحركة المورفولوجية التي بدأها بشل قد أسفرت عن حقيقة هامة ألا وهي الاهتمام بالناحية الطبيعية وإهمال الناحية البشرية في الدراسات الجغرافية.
ديفز وبنك:
وفي أثناء العقدين الأولين من القرن العشرين انتشرت آراء ديفز انتشارا كبيرا وكان لها الكثير من المؤيدين والمعارضين على السواء، ومما يستحق الذكر أنه رغم الصلة المستمرة التي كانت قائمة بين بنك وديفز إلى أن بنك وأتباعه حملوا حملة كبيرة على دورة التعرية كما وضحها ديفز، وقد بلغت هذه الحملة أوجها إبان العقد الثالث من القرن العشرين.
فقد اعتقد ديفز بأن دورة التعرية التي تسببها المياه الجارية تبدأ في الغالب بحركات رافعة سريعة تتعرض لها المنطقة، وتنتهي بفترة ثبات تام تؤدي إلى إتمام هذه الدورة واكتمالها وتصبح المنطقة المتضرسة في النهاية عبارة عن سهل تحاتي ينعدم فيه التضرس. ولكن بنك وأتباعه عارضوا هذا الرأي وبينوا أن تتابع مراحل الدورة الجيومورفية لا يتم على هذا النحو الذي بينه ديفز إذ أن هذه الدورة – في نظرهم – تبدأ في المعتاد بتعرض المنطقة لحركات رافعة متناهية في البطء تزداد سرعة بعد ذلك مما يحول دون مرور المنطقة بالمراحل التي تحولها إلى شبه سهل منخفض. كما أن عددا آخر من الجيولوجيين الأمريكيين الذين تخصصوا في دراسة ساحل أمريكا الغربي – وهي منطقة تعتبر من مناطق التغير السريع على سطح الأرض – تطرق إلى أذهانهم الشك في صحة دورة التعرية التي نادي بها المدرسة الديفزية، وذلك لأن سطح الأرض في هذه المنطقة نادرا ما يظل في حالة من الثبات لفترة طويلة تسمح باكتمال الدورة الجيومورفية.
ولكن رغم الحملات العنيفة التي وجهت إلى ديفز إلا أنها لا تقلل بأي حال من أهميته وقيمة الحقائق التي أضافها إلى الدراسة الجيومورفولوجية، والتي ما زالت حتى وقتنا هذا تحمل طابعه وأراؤه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاتجاهات الحديثة في الدراسة الجيومورفولوجية
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة اتجاهات جديدة في علم الجيومورفولوجيا يمكن أن نوجها بما يلي:
أولا: الاتجاه بالدراسة الجيومورفولجية – وخصوصا في الولايات المتحدة – لكي تصبح أكثر صلة بعلم الجيولوجيا منها بعلم الجغرافيا ، ويرجع هذا إلى زيادة اعتماد هذه الدراسة على علم الجيولوجيا بشتى فروعه – كما بينا من قبل – كما يرجع كذلك إلى أن الجغرافيين في الفترة الأخيرة يركزون أغلب اهتمامهم على دراسة الانسان ، ولذك قل نصيبهم لدرجة ملحوظة في تطوير الدراسات الجيومورفولوجية.
ثانيا: زيادة الاهتمام بالدراسات الجيومورفولوجية الاقليمية التي تهدف إلى تقسيم القارات إلى أقاليم تتشابه في سماتها الجيومورفية، وفي تاريخا الجيولوجي. وهنا يجب أن يسهم الجغرافيون بأوفر نصيب في تنمية هذا الاتجاه وتقويته، فالجغرافي يهتم في دراساته الأصولية سواء كانت هذه الدراسات جيومورفولوجية، أو مناخية، أو نباتية، أو بشرة – أولا وقبل كل شئ بتوضيح وإبراز مدى التغاير الاقليمي على سطح الأرض في هذه النواحي الأصولية، ولهذا يجب أن يهدف من وراء دراسته الجيومورفولوجية إلى أن يوضح في النهاية كيف أن سطح الأرض ينقسم إلى أنماط وأنواع من حيث تكوينه، ومن حيث صوره التضاريسية، ومن حيث العوامل التي أدت إلى تباين تشكيل قشرة الأرض، وبهذا تختلف الدراسات الجغرافية عن الدراسة الجيولوجية.
ثالثا: الاتجاه نحو إبراز الأهمية النفعية للدراسة الجيومورفولجية، وتطبيق الأسس الجيومورفية على بعض الدراسات في ميادين مختلفة كالدراسة الجيولوجية للمياه الجوفية، ودراسة التربة، والهندسة الجيولوجية.
رابعا: بداية مرحلة الدراسة الاحصائية في علم الجيومورفولوجيا، وهذه المرحلة يجب السير فيها ببطء وحذر حتى لا تطغي النواحي الرياضية والطبيعية والكيماوية على هذا العلم وعندئذ يفقد قيمته كعلم دراسة الأشكال الأرضية . كما ذكر الجيومورفولوجي الفرنس B. Baulig: "أن قوانين الدراسة الجيمومورفولوجية قوانين معقدة ونسبية ويندر أن تعبر عنها أرقام ثابتة". ولهذا من المفضل دائما ألا نتمادى في هذا الاتجاه الكمي الذي لا مناص من أن يعوق تقدم هذه الدراسة اذا ما اهتم الجيومورفولوجيون بالرياضة والطبيعة والكيمياء أكثر من اهتمامهم بالتكوين الصخري والبنية الجيولوجية والتاريخ الجيولوجي والمؤثرات المناخية، وذلك أثناء مناقشاتهم ودراساتهم الجيومورفولوجية.
الفصل الثاني: وصف قشرة الأرض
يمكننا أن نصف الأرض من الناحية الطبيعية بأنها عبارة عن كرة من الصخر هائلة الحجم تتكون قشرتها الخارجية من عدة أغلفة ترتكز على نواة باطنية مركزية هي التي تعرف باسم كتلة الباريسفير (مشتقة من الكلمة اليونانية Baros ومعناها قل). وتتكون هذه الكتلة الباطنية في جملتها من معادن ثقيلة كالحديد والنيكل، وهي لهذا كثيرا ما يطلق عليها اسم كتلة النيف Nife على أساس أن هذه الكلمة تجميع بين الحرفين الأولين من كلمة نيكل، وكلمة حديد Ferrum. ووجود هذه المعدنيين بنسبة كبيرة في باطن الأرض هو السبب في إعطاء الأرض تلك الخاصية المغناطيسية التي تتميز بها.
أما الأغلفة الخارجية التي تحيط بالنواة المركزية فتتمثل في الغلاف الصخري Lithosphere (مشتقة من كلمة Litho اليونانية ومعناها صخر)، والعلاف المائي Hyposphere ، والغلاف الغازي Atmosphere، ويمكننا أن نضيف إلى هذه الأغلفة الثلاثة غلافا آخر وهو الغلاف الحيوي Biosphere. وعلى هذا نجد أن هنالك أربعة نطاقات تحيط بنواة الكرة الأرضية.
أغلفة الكرة الأرضية
الغلاف الغازي
أما الغلاف الغازي فهو عبارة عن طبقة من الغازات والأبخرة تغلف الكرة الأرضية وتتألف في جملتها من غازي النيتروجين والأكسجين (78%، 21% حجما على التوالي)، بالإضافة إلى غازات اخرى تتقاسم نسبة ضئية من مجموع الغازات التي يتألف منها الغلاف الغازي. وتتمثل في غاز الأرجون Argon، وغاز الهيلوم Helium، وثاني أكسيد الكربون ، وبخار الماء . وسنرى فيما بعد كيف أن الغلاف الغازي باعتباره بمثابة المحور الذي تتمثل فيه كل صور الجو وظواهره لابد أن يكون له أثر كبير في تشكيل سطح الأرض وتغيره.
الغلاف المائي
أما الغلاف المائي الذي يتمثل في مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، فيغطي حوالي 71% من مساحة الأرض، ولا يقتصر امتداد هذا الغلاف على مناطق الأحواض المحيطية ومجاري الأنهار والبحيرات فوق قشرة الأرض، بل يمتد أيضا على مناطق الأرض ممثلا في تلك المياه الجوفية التي تملأ الفراغات البينية في التربة، كما تملأ الشروخ والفوالق التي توجد بكثرة في بعض الأنواع الصخرية، فكأن هنالك إذن طبقة مستمرة من المياه التي تحيط بالكرة الأرضية بحث تملأ الأحواض المحيطية وتتشبها بها صخور الكتل القارية . ولهذا الغلاف المائي هو الآخر آثار كبيرة على تشكيل قشرة الأرض كما سنرى فيما بعد عند الكلام عن جيومورفولوجية السواحل وأثر المياه الجوفية في تغيير سطح الأرض سواء بالنحت أو بالإرساب.
الغلاف الحيوي
أما الغلاف الحيوي فهو عبارة عن ذلك النطاق الذي تتمثل به شتى صور الحياة على سطح الأرض، بحيث يمتد هو الآخر مغلفا للكرة الأرضية في منطقة الاحتكاك بين الغلافين الغازي والصخري، وذلك لأنه تكون في الواقع نتيجة التفاعل بين هذين الغلافين. وأهمية هذا الغلاف بالنسبة لدارسي الجغرافيا بصفة عامة أهمية عظمى لا يمكن إغفالها، كما أن له تأثيرا مباشرا في تشكيل سطح الأرض، إذ أنه بالاضافة إلى كونه يمثل أحيانا عاملا مساعدا في تكوين بعض الأنواع الصخرية نجده كثيرا ما يساهم كذلك في عمليات النحت المختلفة.
الغلاف الصخري
أما الغلاف الصخري فهو ذلك الغلاف الذي يتأثر – كما بينا من قبل – تأثيرا كبيرا بالأغلفة السابقة، وهو الذي كثيرا ما يطلق عليه اسم قشرة الارض، وتتكون هذه القشرة الخارجية من أنواع عديدة ومتباينة من الصخور تتوزع على سطح اليابس، وتتكون منها قيعان المحيطات، مع ملاحظة أن صخور الغلاف الصخري على اليابس تغطيها دائما طبقة صخرية مفككة كونتها عوامل عديدة ومتعددة، وهذه الطبقة المفككة هي التي تتألف منها التربة وبعض الإرسابات الرملية كتلك التي تملأ المناطق الحوضية في الجهات الصحراوية.
ويكن أن نقسم الغلاف الصحري إلى ثلاثة مناطق متفاوتة في السمك والكثافة والتكوين الصخري ، نجدها على النحو الآتي:
القشرة السطحية الخارجية
وأهم ما يميزها أن الصخور التي تتكون منها صخور غير متجانسة Heterpgenous أفقيا عند مستوى معين، إذ تتألف في بعض الجهات من تكوينات صخرية رسوبية، وتتألف في جهات أخرى من صخور نارية سواء كانت هذه الصخور النارية حمضية ترتفع بها نسبة السليكا الداخلية في تكوينها أو صخور نارية قاعدية تقل بها نسبة السليكا، وقد جرى العرف على تسمية مجموعة الصخور النارية الحمضية أو الجرانيتية – بمعنى آخر – بصخور السيال Sial (وهي كلمة تجمع بين الحرفين الأولين لمادتي السليكا Silica والألومنيوم ALuminium) كما أنه كثيرا ما تعرف الصخور النارية القاعدية أو البازلتية بصخور السيما Sima (وهي كلمة تجمع بين الحرفين الأولين من صخور عضوية)، وإزاء هذا التباين في التكوين الصخري لهذه القشرة نجد أنه كثيرا ما يطلق عليها اسم طبقة السالسيما Sal-Sima.
طبقة السيال
تتكون في جملتها من صخور جرانيتية متجانسة، وهذا هو الفرق الرئيسي بينها وبين القشرة الخارجية التي تعلوها. وتتكون هذه الصخور من الناحية المعدنية من نسبة كبيرة من السليكا بينما يحتل معدن الألومنيوم المقام الثاني بين مجموعة المعادن التي تدخل في تكوينها. وتبلغ كثافتها في المتوسط 2.7 ولاحظ أن سمك هذه الطبقة يختلف من مكان إلى آخر على سطح الأرض، إذ تكاد تختفي اختفاءا تاما من قاع المحيط الهادي، كما أن سمكها تحت المناطق الجبلية أكبر بكثير من سمكها تحت المناطق السهلية، ولهذا نجد أنه من الصعوبة بمكان أن نحدد سمكها تحديدا دقيقا، ويكفي أن نذكر هنا أن المتوسط الذي اتفق عليه معظم العلماء هو 50 كم تقريبا.
طبقة السيما
وتتكون من صخور نارية قاعدية تتراوح كثافتها بين 2.9-3.6 ويبلغ سمكها حوالي 120 كم. ويمكننا أن نتصور دائما تلك الطبقة السفى من الغلاف الصخري ليست في حالة تامة من الصلابة بل تتميز بمرونة واضحة، واذا أخذنا بهذه الفكرة أمكننا أن نفسر تعرض القشرة الخارجية للأرض للالتواء والانثناء والهبوط، ولاستطعنا كذلك أن نفسر ظاهرة النشاط البركاني على أساس أن هذه الطبقة المرنة قد تتحول المواد التي تتكون منها إلى حالة منصهرة إذا ما ارتفعت درجة حرارتها لسبب من الاسباب. ولهذا يمكن أن نقول بأن طبقة السيما تعتبر في الواقع المصدر الرئيسي لحمم اللابه والمصهورات البركانية التي تنبثق من فوهات البراكين.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في تلك الطبقة تفكك وتفاعل المواد المشعة التي يكثر وجودها في طبقة خارجية من قشر الأرض لا يزيد سمكها على العشرين ميلا، كما توجد هذه المواد في نفس الوقت بنسب أقل في الطبقات الداخلية التي تتكون منها الكرة الأرضية. ولهذا السب يمكننا أن نعزو ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة بالتعمق في باطن الأرض – بالمعدل المعروف، وهو درجة واحدة مئوية في كل ارتفاع 31.8 مترا – إلى أثر تحلل وتفكك المواد المشعة السابق ذكرها ، وهذه الظاهرة لا تتعلق اذن بكون باطن الأرض في حالة منصهرة أو شبه منصرة – كما يعتقد عدد كبير من العلماء – بحيث تنبعث منه الحرارة على هيئة موجات تنتقل من باطن الأرض إلى سطحها، بل ترجع إلى أن المعدل السابق ذكره، قد سجله العلماء في المناجم والآبار العميقة التي توجد في قشرة الأرض، والتي انما ترتفع درجة الحرارة فيها نتيجة لتفكك المواد المشعة السابق ذكرها. ولهذا لا يمكننا أن نجزم بأن درجة الحرارة ترتفع باطراد كلما تعمقنا في باطن الأرض من قشرتها إلى مركزها حتى تصبح درجة حرارة المركز أثر من 5000 درجة مئوية وهي درجة أعلى من درجة غليان الحديد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تحليل المنحى الهبسومتري لتضاريس الكرة الأرضية
يتميز سطح الغلاف الصخري بالاضافة إلى الخصائص السابقة بتباينه في الارتفاع والانخفاض، وإذا حاولنا أن نرسم رسما بيانيا لمستى سطح الأرض بحيث نوضح فيه أعلى ارتفاع تصل إليه تضاريس الأرض الموجبة وأعمق غور تصل اليه تضاريسها السالبة (شكل 1)، لوجدنا أن هنالك منسوبين واضحين، أحدهما يمكن أن نطلق عليه اسم الرصيف القاري Continental platform ، ويمكن أن نسمى الآخر بمستوى الرصيف البحري العميق Deep-sea platform. ويعرف الخط المنحدر الذي يصل بين هذه المنسوبين بالمنحدر القاري Continental slope، وكثيرا ما تغمر مياه المحيطات والبحار الأجزاء الهامشية من الأرصفة القارية، وتعرف الأجزاء المغمورة بالمياه من هذه الرفارف بالرفارف القارية Continental shelves، وغالبا ما تمتد مثل هذه الحافات بعيدا عن خطوط الوساحل، ويتراوح انخفاضها عن مستوى سطح البحر بين 150-200 متر، ولهذا نجد أن الأحواض المحيطية تبدأ في الواقع عند نهايات الرفارف القارية المغمورة بالمياه وليس عند خطوط السواحل كما قد يتصور البعض. وتبلغ جملة المساحة المغمورة من هذه الأرصفة حوالي 11 مليون ميل مربع تقريبا، وهي تلك التي تعرف بالبحار الساحلية Epicontinental seas، ومن أمثلتها بحر الشمال، وخليج هدسون، بحر البلطيق، ومساحات كبيرة من البحر الأبيض المتوسط.
وجدير بالذكر أنه إبان العصر الجليدي عندما تكونت الغطاءات الجليدية السميكة فوق مساحات واسعة من شمال اوروبا، وشمال قارة أمريكا الشمالية، كانت معظم البحار الساحلية التي توجد في هوامش الكتل القارية عبارة عن أرضي يابسة لا تغمرها مياه المحيط. وقد ظهرت هذه البحار بعد ذوبان الجليد وانتهاء العصر الجلديي، وعلى هذا اذا افترضنا نظريا ذوبان الغطاءات الجليدية المتراكمة في وقتنا الحالي – فوق جزيرة جرينلند والجزء الأكبر من مساحة قارة أنتاركتيكا، فلابد أن يعق هذا طغيان مياه المحيط على تلك الكتل القارية وتكون بحار ساحلية على غرار خليج هدسون وبحر البلطيق وبحر الشمال.
تباين تضاريس الكتل القارية
وتتميز الكتل القارية بوجه خاص بتباين تضاريسها من سهول إلى هضاب إلى سلاسل جبلية يصل أقصى ارتفاع لها إلى 29140 قدم (قمة إفرست). أما قيعان الأحواض المحيطية فهي دون شكل أقل تضرسا من كتل القارات ذاتها، ولكنها رغم هذا توجد بها بعض الجزر والحافات البحرية الغائصة Submarine ridges كحافة دولفن Dolphin ridge، التي توجد غائصة تحت مياه المحيط الأطلسي الشمالين وتظهر لها نتوؤات بارزة توجد على هيئة جزر كمجموعة جزر آزور التي هي في الواقع عبارة عن بعض القمم العالية لهذه الحافة، التي تخترق المحيط الأطلسي الشمالي من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. ومن أمثلة هذه الحافات أيضا حافة تشالنجر الغائصة تحت مياه المحيط الاطلسي الجنوبي، والتي لها هي الأخرى نتوءات بارزة فوق سطح البحر تظهر على هيئة جزر محيطية كجزيرة أسنسيون Ascension Island، وجزيرة تريستان داكونا Tristan da Cunha.
كما تتميز كذلك قيعان المحيطات بوجود أخاديد بحرية عميقة تجاور في معظم الحالات نطاقات جبلية التوائية تمتد على طول هوامش الكتل القارية، ويتمثل الاقليم الرئيسي لمثل هذه الأخاديد البحرية في ذلك النطاق الدائري الذي يقع حول المحيط الهادي، حيث توجد هذه الأخاديد متجاورة مع الجزر القوسية التي توجد في شرق آسيا كجزر ألوشيان Aleutian، وجزر كوريل Kurile، وقوس الجزر اليابانية، وقوس جزر ريو كيو Ryu Kyu، وقوس جزر الفلبين، وقوس جزر سوندا، وتجاور كل هذه الاقواس الجزرية أخاديد بحرية عميقة لعل أكثرها غورا أخدود إمدن، الذي يوجد إلى الشرق من جزر الفلبين إذا يزيد عمقه على 10800 متر.
ظاهرة التوزان الأرضي
ظاهرة التوازن الأرضي Isostasy، لم تعد مجرد نظرية قد يشك في صحتها، بل انتقلت من حيز المسائل النظرية إلى حيز الظاهرات الحقيقية التي تشاهد بالحس والتي استطاع العلماء أن يسجلوها في كثير من جهات العالم وأن يعتقدوا فيها اعتقادا راسخا.
ويمكن ايجاز هذه النظرية في أن ارتفاع الكتل القارية بالنسبة للأحواض المحيطية إنما يرجع إلى أن الصخور التي تتكون منها كتل القارات صخور قليلة الكثافة خفيفة الوزن وهي صخور السيال الجرانيتية التي لا مفر من طفوها فوق صخور السيما الثقيلة الوزن والمرتفعة الكثافة، والتي تتكون منها قيعان الأحواض المحيطية،ولذلك تبدو تلك الكتل كالسفن الطافية فوق سطح الماء. ويمكن القول كذلك بأن السلاسل الجبلية ترتفع هي الأخرى فوق سطح القارات لأنها تتكون من صخور قليلة الكثافة لها جذور تمتد إلى أعماق بعيدة عن سطح الأرض.
ولكي تحتفظ كتل السيال الجرانيتية – التي تكون القارات – بتوازنها فوق طبقة السيما البازلتية التي تكون قيعان الأحواض الميحيطة، ولكي تحتفظ السلاسل الجبلية المرتفعة أيضا بتوازنها فوق كتل القارات، لابد أن يغطس ويتعمق جزء كبير منها في طبقة السيما يبلغ في المتوسط حوالي ثمانية أمثال الجزء الظاهر من هذه الكتل فوق سطح الأرض. وهي في هذا تشبه الجبال الثلجية التي إنما يساعد على حفظ توازنها فوق سطح الماء أن أجزاءها الغائصة تبلغ في المعتاد تسعة أمثال الأجزاء الظاهرة منها فقو سطح البحر، فالأجزاء الغاطسة من كتل السيال في طبقة السيما عبارة عن أعمدة تحفظ توازن الأجزاء الظاهرة فقو طبقة السميا أو الطافية فوقها بمعنى آخر. فكأن كتل القارات إنا يساعد على حفظ توزانها أنها تتألف من مواد جرانيتية خفيفة تتمعق في مادة السيما البازلتية الثقيلة، وبذا تشغل في هذه المادة الأخيرة فراغا لولاه لشغتله المواد البازلتية، ولأصبحت الجبال والقارات موادا زائدة عن حاجة الارض، ولكانت عرضة لأن تتطاير مع دوران الكرة الأرضية.
ويؤدي الأخذ بنظرية التوازن إلى الاعتقاد بأن طبقة السيما التي تمثل الطبقة السفلية من الغلاف الصخري، لابد أن تكون في حالة سائلة كي تتمكن كتل السيال من أن تتعمق فيها بسهولة. أما اذا كانت طبقة السيما في حالة تامة من الصلابة فلا يمكن بأي حال لجذور كتل السيال من أن تتعمق فيها. ولكننا اذا تذكرنا ما قيل من قبل من أن طبقة السيما في حالة مرنة، فإن هذا يفسر لنا توازن كتل السيال فوق طبقة السيما المرنة المطاطة التي تتكون منها في أغلب الحالات قيعان الأحواض المحيطية.
اختلاف التوازن الأرضي
ومن المؤكد الآن أن حالة التوازن الأرضي حالة نظرية نادرا ما تتم، وذلك بسبب العمليات الجيولوجية التي تؤثر في منطقة ما ويتسبب عنها إزالة بعض التكوينات من قمم الجبال وإرسابها في المناطق المنخفضة، كما أن تراكم الرواسب بشتى أنواعها وتكون الغطاءات الجليدية إلى غير ذلك مما ينجم عن العمليات الجيولوجية المختلفة التي تشكل سطح الأرض، لابد أن يؤدي إلى الاخلال بحالة التوازن الأرضي التي ذكرناها. فاذا ما عملت عوامل النحت مثلا على تقطيع سلسلة جبلية متصلة إلى مجموعة من القمم الجبلية تفصل بينها أودية عميقة، أو اذا أزالت هذه العوامل بعض التكوينات من تلك القمم، فان معنى هذا أن كتلة عمود السيال الذي يتعمق في مادة السيما تحت السلسلة الجبلية المذكورة لابد أن تتناقص، ولابد أن يزيد في نفس الوقت الضغط الواقع على عمود مجاور يقع تحت منطقة دلتاوية نتيجة تراكم الوراسب الدلتاوية فوقه، ولهذا لابد أن تحدث حركة ما في طبقة السيما بحيث تعمل على استعادة توازن هذين العمودين إلى ما كانا عليه قبل تعرضهما لعوامل النحت والإرساب، فيهبط العمود الذي زادت كتلته ، ويرتفع العمود الذي اقتطعت منه بعض التكوينات، ونظرا لمرونة الطبقات السفلى من الغلاف الصخري وعدم سيولتها فإن مثل هذا الارتفاع والهبوط في الكتل اليابسة لابد أني يستغرف وقتا طويلا لكي يتم، وتسمى مثل هذه الحركات البطئية التي تتعرض لها قشرة الأرض بالحركات التوازنية isostatic movements.
أثر الغطاءات الجليدية في التوازن الأرضي
وتعتبر كتلة شبه جزيرة اسكندناوة التي تأثرت أكثر ما تأثرت بالغطاءات الجليدية التي تكونت في عصر البلايستوسين – أي ما يقرب من 25 ألف سنة – مثالا واضحا لما يحدث إذا ما تعرضت قشرة الأرض نتيجة ضغط الغطاءات الجليدية ، أثناء العصر الجليدي كان الجليد يغطي مساحة كبيرة من شبه جزيرة اسكندناوة والمناطق المحيطة بها تبلغ أكثر من مليون ونصف مليون ميل مربع وامتد الجليد من شبه الجزيرة صوب الجنوب والجنوب الشرقي، وغطى مساحات واسعة من شمال اوروبا، وقد بلغ متوسط سمك هذه الطبقة الهائلة من الجليد أثر من ثلاثة ألاف قدم، ووصل إلى أكثر من ستة آلاف قدم في بعض جهات النرويج. وقدر ضغط هذا الغطاء الجليدي السميك بأنه يعادل ضغط كتلة ضخمة من الصخر تبلغ حوالي 80 طنا على القدم المربع من قشرة الأرض.
وكان لابد إزاء هذا الضغط الهائل من أن تنوء قشرة الأرض وتتحول إلى حوض واسع عميق بلغ متوسط عمقه حوالي 275 مترا، وقد ظل هذا الحوض موجودا لفترة طويلة من الزمن بعد ذوبان الغطاءات الجليدية مما أدى إلى طغيان مياه البحر على كثير من جهاته، فمنذ بضعة آلاف من السنين كان بحر البلطيق وخليجا بوثنيا وفنلندا أكثر اتساعا مما هما عليه الآن، اذ أن بحر البلطيق القديم الذي يعرف باسم بحر بولديا والذي تكون في الانخفاض الهائل الذي أعقب ذوبان الجليد في شمال اوروبا، كان يشغل مساحة واسعة كما كان يتصل بالمحيط الأطلسي عبر سلسلة من البحيرات التي توجد في بلاد السويد الوسطى (ومنها بحيرة فنر Wenner وفتر Wetter) ويمتد بين هذا المحيط والبحر الأبيض الروسي مارا بسهول فنلندا، كما أن بلاد النرويج كانت هي الأخرى أكثر انخفاضا مما هي عليه الآن إذ غمرت المياه معظم سواحلها بعد انتهاء عصر الجليد، ثم أخذت الأرض ترتفع ارتفاعا تدريجيا بطيئا، وأخذت مياه المحيط في الانحسار، وظهرت الفيوردات على طول سواحل النرويج بعد أن كانت غائصة تحت مياه بحر الشمال، كما ارتفع قاع بحر يولديا القديم وانكمشت مساحته. ومازالت توجد في الوقت الحالي بعض الشواطئ المرتفعة في فنلندا وشبه جزيرة اسكندناوه ، ووجودها دليل قاطع على أن هذه المنطقة قد ارتفعت أكثر من 900 قدم منذ بداية فترة الارتفاع التالية للعصر الجليدي حتى وقتنا الحالي.
وترتفع المناطق الشمالية من خليج بوثنيا في الوقت الحالي ارتفاعا محسوسا بمعدل قدم واحد في كل 28 سنة، ويقدر أن هذا الاقليم لابد أن يرتفع 700 قدم أخرى حتى يستعيد في النهاية توازنها الذي فقده ، نتيجة تراكم الغطاءات الجليدية.
توزيع اليابس والماء
يتميز التوزيع الحالي لليابس والمياه ببعض الحقائق الفريدة التي أثارت الشئ الكثير من الجدل والنقاش بين العلماء منذ أن تم اكتشاف المعالم الرئيسية لتضاريس الكرة الأرضية. والذي يهمنا من هذه الحقائق ثلاث:
أولا: تركز المساحة الكبرى من اليابس في نصف الكرة الشمالي ،وتركز معظم الماء في نصفها الجنوبي. وهذه الحقيقة نجدها معكوسة تماما في المناطق القطبية، اذ أن المنطقة القطبية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية عبارة عن منطقة حوضية تملؤفها المياه ويحيط بها اليابس من كل الجهات تقريبا، أما شقيقتها في النصف الجنوبي من الكرة فعبارة عن كتلة قارية مرتفعة تحيط بها المياه من كل جهاتها.
ثانيا: تتميز القارات الثلاث الجنوبية: أفريقيا، وأستراليا، وأمريكا الجنوبية بامتدادها امتدادا كبيرا في نصف الكرة الجنوبي، كما تتميز أطرافها الجنوبية بضيق واضح اذا ما قورنت بالأجزاء الشمالية منها.
ثالثا: تقابل اليابس والماء، اذ أن حوالي 44.6% من مساحة سطح الكرة الأرضية تتميز بأن الماء فيها يتقابل مع الماء في الجانب اللآخر من الكرة، بينما نجد أن 1.4% فقط من جملة مساحة سطحها يتقابل فيها اليابس مع اليابس. والذي يهمنا في الواقع في هذا الصدد هو أنه 5% من مساحة اليابس تقابلها مياه المحيطات على الجانب الآخر من الأرض.
وقد ظلت هذه الحقائق الثلاث مجهولة لفترة طويلة إلى أن تمكن العلماء من نزع ستر مجاهلها، ورغم هذا ما زال الغموض يكتنف تفسيرها. وقد تقدم عدد كبير من العلماء بنظريات حاولوا فيها أن يفسروا بعض الحقائق الفريدة المتعلقة بتوزيع اليابس والماء، ويكفي أن نعرض في هذا المجال لبعض النظريات الهامة منها.
النظريات الهامة التي تفسر توزيع اليابس والماء
أولا: النظرية التتراهيدية
فقد تقدم الأستاذ لوثيان جرين بنظريته التتراهيدية Tetrahedral theory المشهورة (في كتاب باسم بقايا الأرض المنصهرة Vestiges of the molten globe) ، وقد نجحت هذه النظرية في أنها فسرت الحقائق الثلاث السابقة التي ترتبط بتوزيع اليابس والماء على سطح الكرة.
وفي اعتقاد صاحب هذه النظرية أن باطن الأرض قد تعرض للانكماش لانخفاض درجة حرارته لسبب ما مما أدى الى تكون فراغ بين الباطن المنكمش والقشرة الخارجية للأرض أعقبه تجعد في هذه القشرة وميلها الى اتخاذ شكل هرم ثلاثي بحيث تحتل البحار والمحيطات وجوه جوانبه، بينما تمتد على حوافه الكتل اليابسة اذا ما قام هذا المنشور على احدى رؤوسه. فالمحيط المتجمد الشمالي فينظر جرين يحتل السطح العلوي للهرم الثلاثي، وتحتل سيبريا وألاسكا الجوانب العليا على طول حافته الوسطن،ويظهر نفس نمط التوزيع على الجانب الآخر للهرم الثلاثي، حيث توجد الأمريكتين وآسيا وأستراليا ممتدة على حوافه، أما قارة أنتاركتيكا فتحتل رأسه (شكل-4).
واذا كان هذا التوزيع – كما هو واضح – يتمشى الى حد كبير مع التوزيع الحالي لليابس والماء الا أنه يتنافى تمام مع نظرية التوازن الأرضي، اذ أن الكرة الأرضية لو اتخذت بانكماشها شكل الهرم الثلاثي فان عامل التوازن الأرضي كفيل في النهاية بارجاعها الى شكلها المعروف، لأن ثقل حواف هذا الهرم لابد أن يؤدي إلى هبوطها وعودة الأرض إلى اتخاذ شكلها الكروي. كما أنه لو كانت النظرية صحيحة لوجب أن يكون أحد وجوه جوانب الهرم الثلاثي أكبر مساحة من الوجوه الأخرى، لأن هذا الجانب هو الذي يحتله المحيط الهادي.
وعلى أي حال كان من المحتمل أن تحدث فعلا ظاهرة انكماش الارض، واتخاذها شكل هرم ثلاث، لو كانت الكرة الارضية أصغر حجما من كوكبنا الذي نعيش فوق سطحه.
ثانيا تكون الأحواض الميحيطة واختفاء مادة السيال منها
ومن الموضوعات التي كانت محل نقاش العلماء ،واختلف فيها وجهات نظرهم ولم يصلوا إلى رأي قاطع بشأنها، موضوع تكون الأحواض المحيطية واختفاء طبقة السيال منها، اذ أنه اذا سلمنا بأن الكرة الأرضية قد انتقلت تدريجيا من المرحلة الغازية الأولى إلى السيولة ثم الصلابة –وما يتبع من ترتيب الكثافات الأرضية بحيث تطرد السليكات القليلة الكثافة الى الطبقات العليا من الأرض وترتكز المواد الثقيلة في باطن الأرض – اذا سلمنا بهذا لكان من المتوقع أن تغطي مادة السيال الجرانيتية التي تكون كتل القارات سطح الأرض بأكمله مكونة قشرة سطحية متصلة الأجزاء، بحيث تغلف الكرة الأرضية، ولكن مادة السيال تكاد تختفي في الواقع من قيعان المحيطات وبصفة هاصة من قاع المحيط الهادي.
ويدعو هذا بطبيعة الحال الى التساؤل عن مصير المواد السيالية التي كان مفروضا أن تملأ الأحواض المحيطية. فمن قائل بأن مادة السيال لابد أن تكون قد انتزعت من قشرة الأرض في مناطق الأحواض المحيطية، إلى قائل بأن هذه المادة مازالت تحتويها القشرة الخارجية للأرض.
أما أنصار الرأي الأول فيتزعمهم الأستاذ أزمند فيشر Osmond Fisher الذي علل اختفاء مادة السيال من قاع المحيط الهادي بالذات بأن الحوض الهائل الذي تشغله مياه هذا المحيط ما هو الا تلك المنطقة من قشرة الأرض التي سلخت منها مادة السيال لتكون كتلة القمر، وذلك في الوقت الذي تصلبت فيه القشرة الارضية (مع ملاحظة أن مادة السيال قد تم تكونها بعد أن تحولت الأرض إلى حالة الصلابة، وتم ترتيب الكثافات الأرضية بحيث ترتكز المواد الثقيلة في الباطن، وتطرد المواد الخفيفة (السيال) إلى السطح الخارجي. ومعنى هذا أن مادة السيال لم تكن قد تكونت بعد عندما كانت الأرض في حالة منصهرة)، ومما يؤيد نظرية فيشر أن حجم المادة التي تكون الكتلة الاجمالية للقمر يكفي لأن يملأ الفراغ الذي تشغله مياه المحيط الهادي بطبقة سمكها حوالي 60 كيلو مترا. وقد وجهت هذه النظرية بعض الاعتراضات التي يكفي أن نذكر منها ما يأتي:
(أ) أن سمك طبقة السيال التي تفترض النظرية انتزاعها من الأرض يفوق كثيرا سمك كتل السيال التي تكون القارات. (ب) أن كثافة المواد التي تكون كتلة القمر تزيد كثيرا على كثافة مادة السيال التي تكون الكتل القارية.
ويرد مؤيدو نظرية فيشر على هذين الاعتراضين بأن من المحتمل أن الجزء الذي انتزع من مادة السيال ليكون كتلة الثمر، لم يقتصر على هذه المادة وحدها، بل انتزعت معه أجزاء من مادة السيما، وهذا يعلل السمك الزائد والكثافة الكبيرة.
ولكن حتى مع امكان الرد على هذين الاعتراضين على هذا النحو، إلا أن نظرية فيشر عليها أن تواجه الاعتراض الرئيسي الذي يهدمها من أساسها، وهو أنه من الممكن فقط أن يحدث الانسلاخ لكتلة القمر من قشرة السيال والكرة الأرضية في مرحلة السيولة. وكما وضحنا من قبل لم تتكون طبقة السيال إلا عندما كانت الأرض صلبة بعد أن تم طرد مواد السيال الخفيفة إلى سطحها. أما انسلاخ كتلة القمر من الأرض وهي في حالة صلبة فأمر لا يمكن حدوثه من الناحية الميكانيكية.
أما أنصار الرأي الآخر القائل بأن مادة السيال مازالت تحتويها القشرة الخارجية للأرض، فيعتقدون بأن هذه المادة قد أزيحت من مناطق الأحواض المحيطية والبحار لتتركز في كتل القارات ذاتها.
وهنالك نظرية واحدة هي التي يمكن أن تفسر إمكان حدوث تلك الإزاحة وهي نظرية التيارات التصاعدية الساخنة (Convectional Currents Hypothsis)، وقد تقدم بهذه النظرية الجيولوجي الانجليزي السير آرثر هولمز A. Holmes، وكتوضيح بسيط لهذه النظرية يكفي أن نشاهد ما يحدث عند غليان سائل غليظ القوام، وما يحدث بالذات للزبد الناتج عن الغليان، إذ تعمل الحرارة القادمة من أسفل على دوران السائل دورانا بطيئا، ثم يتعرض سطح هذا السائل لتيارات تصاعدية ساخنة في الوسط تقريبا تتجه بعد ذلك أفقيا نحو الأطراف بحيث تزيح الزبد الناتج عن الغليان في طريقها، ثم تأخذ هذه التيارات مرة أخرى في الهبوط. وعند هبوط هذه التيارات يتراكم الزبد عن الأطراف لخفة وزنه وهو بهذا لا يهبط بهبوط التيارات الحرارية.
وقد حدث للكرة الأرضية شئ شبيه بهذا إلى حد كبير عندما كانت في حالة منصهرة (في مرحلة السيولة)، إذ حدثت هذه التيارات التصاعدية في بعض المناطق وانتشرت بعد ذلك أفقيا، ويعتقد الكثيرون أن مثل هذه التيارات الحرارية التصاعدية مازالت مستمرة حتى وقتنا الحالي ولكن على نطاق أضيق بكثير مما كانت عليه عندما كانت الكرة الأرضية في حالة منصهرة.
وقد تمكنت تلك التيارات التصاعدية أثناء حركتها الأفقية من إزالة مادة السيال الخفية من مناطق معينة هي التي أصبحت أحواضا محيطية فيما بعد، أما في المناطق التي كانت تتقابل فيها تيارات أفقية تابعة لنظام معين من التيارات الصاعدة مع تيارات أفقية أخرى تابعة لنظام آخر، فكانت تحدث فيها تيارات هابطة مما أدى إلى تراكمها وتركز مادة السيال فوق مناطق التيارات الهابطة ومثل هذه المناطق هي التي أصبحت كتلا قارية فيما بعد.
ومازال موضوع نشأة القارات والأحواض المحيطية حتى وقتنا هذا موضوع يحوطه شئ كثير من الغموض. ونظرية التيارات التصاعدية الساخنة لهومز نطرية كما يبدو تطابق المنطق العلمي إلى حد كبير ولكنها لي تصبح قضية مسلما بها وبصحتها لابد أن يتناولها العلماء بالنقد لكي يتمكنوا من اكتشاف عيوبها وتلافيها. هذا وتوجد نظريات أخرى عديدة يحاول أصحابها أن يفسروا بها نشأة القارات والمحيطات، وأغلب هذه النظريات تعتمد في أساسها علىمبدأ زحزحة القارات الذي خلقه العالم ألفرد لوثر فجنر وشاع وانتشر بعد ذلك في شتى وجهات العالم لمطابقته للقواعد الجيوفزيقية وتمشيه مع ظاهرة التوازن الأرضي.
الفصل الثالث: التكوين الصخري لقشرة الأرض
إختلف العلماء في تعريف الصخر, فمن قائل بأن الصخر عبارة عن أي كتلة طبيعية ضخمة قد تكون معدنية, أو شبه معدنية, أو زجاجية, أو من بقايا الأحياء, وفي هذا يكون الفحم والأسفلت من الصخور, إلى قائل بأن الصخور هي الكتل غير الحية (غير العضوية) المكونة لقشرة الأرض, إلى تعريف ثاالث يقول بأن الصخر عبارة عن مجموعة من المعادن , والتعريف الأخير في الواقع هو الذي يهمنا من بين التعريفات الثلاثة السابق ذكرها, مادام المعدن يمثل وحدة تركيب الصخر. والمعدن كما يعرفه العلماء هو أي مادة تتألف من عنصر كيمائي أو أكثر ومن عنصر, وهو ذو شكل بلوري خاص يميزه العلماء عن غيره من المعادن الأخرى. ولهذا يحسن في دراساتنا للصخور أن نتناولها من النواحي الآتية:
أولاً: معرفة العناصر الكيمائية الرئيسية التي تدخل في تكوين المعادن.
ثانياً: معرفة المعادن الرئيسية التي تتكون منها الصخور المختلفة, إذ أن معظم الأنواع الصخرية تتكون في اغالب نتيجة إختلاط معدنين أو أكثر نادراً ما تتكون من معدن واحد.
ثالثاً: دراسة أنواع الصخور, من حيث تفاوت درجات مقاومتها لعمليات النحت المختلفة وصور بنائها , وما يرتبط بها من معادن إقتصادية.
أولاً العناصر الرئيسية التي تدخل في تكوين المعادن: إشتقت معظم العناصر التي تتكون منها المعادن الشائعة الإنتشار في صخور القشرة’ إما من صخور القشرة الأرضية عند تعرضها للعوامل الكيمائية والميكانيكة, أو من مادة الصهير النارية بعد برودتها.
وعلى الرغم من أن عدد العناصر المعروفة هو 98 عنصراً (حسب دراسة "كلارك", و "واشنجتون"), إلا ما يقرب من 99.5% من معادن قشرة الأرض الخارجية (حتى عمق عشرة أميال) يتكون من ثلاثة عشر عنصراً فقط, بينما تدخل العناصر ال 85 الأخرى في تكوين نحو .5% من معادن القشرة الأرضية, وتضم ههذ العناصر معظم المعادن المفيدة, والثمينة والنادرة مثل: البلاتين, والذهب, والفضة, والنحاس, والرصاص, والزنك, والنيكل.
أما العناصر الثلاثة الباقية وهي: الفسفور, والكربون, والمنجنيز, فتدخل في تكوين نسبة ضئيلة من معادن القشرة(نحو .15%).
ويتضح لنا أن الأكسجين هو أكثر العناصر الكيمائية إنتشاراً في صخور القشرة, إذ يوجد متحداً إتحاداً كيمائياً مع العناصر الأخرى مكوناً لما يعرف بالكاسيد مثل: السيلكا (أكسيد السيلكون) والألومنيا (أكسيد الألومنيوم) . . . إلخ.
ويلاحظ أيضاً أن السيلكون هو العنصر الكيمائي الذي يلي الأكسجين في الأهمية, كما أن أكسيد السيلكون (السيلكا) هو أكثر أنواع الأكاسيد إنتشاراً في صخور القشرة,وهو يدخل في تكوين الصخرو الرملية والجرانيتية كما سنرى فيما بعد.
ومما يجدر ذكره أيضاً أن جميع العناصر الكيمائية السابق ذكرها - فيما عدا الأكسجين, والسليكوة والإيدروجين - يكون كل منها في حد ذاته فلزاً من الفلزات المعروفة, والسيلكون بالذات له وضع خاص فهو يدرج في عداد الفلزات واللافلزات على حد سواء, فإذا إتحد مثلأً أكسيد السيلكون مع أي أكسيد فلزي آخر فهو يكون في المعتاد ما يسمى بالسيلكات مثل: سيلكات الألومنيوم,وسيللكات الماغنسيوم . . . إلخ.
ثانياً: المعادن : أما المعادن فعبارة عن مواد طبيعية غير عضوية , لها تركيب عنصري خاص وصفات متجانسة, وقد جرى العرف على تقسيم المعادن إلى معادن فلزية معادن لافلزية (أو مواد أرضية مثل الفحم, والصلصال, والبترول).
أما المعادن الفلزية مثل الذهب والنحاس والحديد والنيكل فهي ذات ألوان طبيعية ثابتة, كما أن لها بريقاً معدنياً, ولها شكل خاص , فهي إما كلوية الشكل مثل بعض معادن الحديد, أو شجرية مثل معادن المنجنيز. وتتميز المعادن الفلزية أيضاً بأنها ذات صفات خاصة من حيث الصلادة, فالمعدن الصلد يمكن أن يخدش ما هو أقل منه صلادة.
أما المعادن اللافلزية فتختلف عن الفلزات في أنها تستخدم وهي على صورتها التي تستخرج بها من الطبيعة, فالصلصال مثلأً يستخدمه الإنسان لخواصه الطبيعية وليس لإحتوائه على الألومنيوم, كما أن الأسبستوس (الصخر الحريري) يستخدمه الإنسان لبريقه الحريري ,و لشكله الليفي, ولا للحصول على الماغنسيوم الداخل في تكوينه.
وقصاري القول أن المعادن اللافلزية إنما تستخدم في الحقيقة لما لها من خصائص ومميزات طبيعية وليس لخصائصها الكيمائية.
أما من حيث المعادن الرئيسية التي تتكون منها الصخور المختلفة, فهي الأخرى على الرغم من أن المعروف منها يزيد على 2000 معدن إلا أنه يمكن القول بأن التركيب المعدني لكثير من الأنواع الصخرية يمكن الإلمام به في حدود معرفة ما يقرب من 12 معدناً.
وتتكون معظم هذه المعادن من أكثر من عنصر كيمائي واحد (ولو أن بعضها مثل الذهب والنحاس والكبريت يمثل عنصراً واحداً) فالكوارتز مثلأً يتكون من عنصري الأوكسجين, والسيلكون, وهو يدخل في تركيب الرجانيت والصخورالرملية والجيرية.
والفلسبار وهو المعدن الذي يدخل في تركيب معظم الصخور النارية يتكون هو الآخر من خليط من عناصر الصوديوم, والكالسيوم, والبوتاسيوم, بالإضافة إلى السيلكا وينقسم إلى نوعين رئيسيين:
1-نوع يعرف بالبلاجيوكليز يتكون من سيلكات الألومنيوم, والصوديوم, والكالسيوم.
2-نوع يعرف الأرثوكليز يتكون من الأومنيوم, والبوتاسيوم. وكثيراً ما يتعرض معدن الفلسبار لعوامل التفكك والتحلل المائي في الأقاليم المدارية المطيرة, وذلك بفعل الأمطار الغزيرة التي تسبب غسل الصخر من السيلكات, وتتخلف في النهاية بعض الأكاسيد التي لا تذوب في الماء مثل أكسيد الألومنيوم الذي يستخرج من خام البوكسيت
وهكذا يمكننا أن نتناول معظم المعادن الأخرى بالتحليل لنجد أنها تتكون جميعأً من عناصر كيمائية متحدة مع بعضها البعض وتختلف في نسبها من معدن إلى آخر.
ويمكن أحيانأً رؤية المعادن المكونة لنوع معين من الصخر بواسطة العين المجردة, فإذا نظرنا مثلأً إلى قطعة من الجرانيت لاستطعنا أن نعرف تكوينها المعدني, ولاستطعنا أن نميز بين معدن الفلسبار - الذي يتكون من بلورات بيضاء, أو رمادية, أو وردية اللون, وبين معدن الميكا الذي هو عبارة عن شظايا سمراء براقة. وبين معدن الكوارتز ذي اللون الأبيض وهو الذي يملأ الفراغ بين المعدنين الأولين. ولهذا نجد أن صخر الجرانيت يتكون من ثلاثة معادن رئيسية هي: الكوارتز ونسبته 31.3%, والفلسبار ونسبته 52.3%, والميكا 11.5%.
ويمكن كذلك أن نعرف التركيب المعدني للحجر الرملي بواسطة العين المجردة إذ إنه عبارة عن ذرات من الكوارتز ملتحمة ببعضها البعض, ولهذا نجد أن الكوارتز يؤلف 70% تقريباً من التركيب المعدني للحجر الرملي, مع ملاحظة أن الكالسيت والدلومايت يتبعان الكوارتز في الأهمية إذ يعتبران بمثابة المواد اللاحمة التي عملت على تماسك ذرات معدن الكوارتز.
على أن تمييز معادن الصخر بواسطة العين كثيراً ما تحول دونه صعوبات عديدة, وذلك لأن المعدن عادة مايكون مختلطاً ببعض الشوائب الأخرى , كما أن معظم المعادن توجد في مركبات, إذ نجد بعضها مختلطاً بالكبريت, وبعضها الآخر متحداً مع بخار الماء او الجير, ولهذا يصعب تمييز المعدن وتشخصيه من وسط كل هذه الشوائب.
وهنالك بضع طرق يمكن بواسطتها تشخيص المعادن منها:
1-معرفة بريق المعادن , فبعض المعادن لها بريق معدني مثل الذهب, والجالينا (خام الرصاص), وبعضها الآخر ليس له بريق معدني بل قد تكون زجاجية الملمس (مثل ملح الطعام, والكالسيت), أو شحمية (مثل الكبريت), أو حريرية (مثل الأسبستوس والجبس).
2-معرفة شكل المعدن, فقد تكون بعض المعادن على هيئة عنقودية مثل الكالسيدوني, أو شجرية مثل المنجنيز, أو ليفية مثل الأسبستوس, أو كلوية مثل بعض خامات الحديد (الليمونايت).
3-معرفة درجة الصلادة , إذ أن المعادن الصلدة تخدش الأقل صلادة’ فالماس يخدش الياقوت (الكورندوم), والياقوت يخدشض التوباز, والتوباز يخدش الكوارتز, والكوارتز يخدش أكسيد الحديد الأحمر (الهيماتيت) وهذا بدوره يخدش الكالسايت, والكالسايت أكثر صلادة من الجبس, والأخير أكثر صلابة من التلك.
4-معرفة التشقق , فالميكا مثلأً على شكل شرائح رقيقة جداً في إتجاه واحد, والكوارتز لا يتشقق, والهورنبلند يتشقق في أكثر من إتجاه.
5-معرفة الكثافة النوعية , إذ قد تتشابه المعادن في اللون أو البريق أو الشكل, ولكنها تختلف في كثافتها النوعية (التي هي عبارة عن النسبة بين وزن المعدن في الهواء, والفرق بين وزنه في الهواء والماء).
6-معرفة التكسر , إذ إن بعض المعادن إذا ما تكسرت يصبح سطحها أملس ويصبح بعضها أيضاً ذا سطح خشن غير منتظم.
7-معرفة الشكل البلوري , وهذه أهم وسيلة من وسائل تشخيص المعادن, فكل معدن من المعادن المتبلورة تنتظم ذراته في أشكا هندسية معينة, أما المعادن غير المتبلورة فليس لذراتها نظام معين, والفرق بين هذين النوعين يشبه الفرق بين جيش إنتظم جنوده في كتائب وتشكيلات مرسومة وفق خطة معينة, وبين جموع من المتظاهرين المتناثرين هنا وهناك.
وقد كان "نيكولاوس ستينو", أول من أرسى قواعد علم البلورات (سنة 1669) مما أدى بعد ذلك إلى القانون المعروف بقانون ثبات السطوح البللورية , فبلورة الملح مثلاً تبدو على شكل مكعب وبلورة الكوراتز أو الكالسايت سداسية وبلورة القصدير رباعية وهلم جرا.
تقسيم المعادن
وتنقسم المعادن في المعتاد إلى قسمين رئيسيين:
1-معادن أولية , ويقصد بها تلك المعادن التي تكونت أول ما تكونت أثناء فترة تكوين المعادن في فجر حياة الكرة الأرضية, وقد كان تكوينها (المعادن) نتيجة صعود محاليل كيمائية مركزة من باطن الأرض إلى قشرتها الخارجية, وترسبها بعد ذلك.
2-معادن ثانوية وتضم المعادن التي تعدلت, وتغيرت طبيعتها الأولى نتيجة تأثر المعادن الأولية الآنفة الذكر بعوامل التعرية, أو التحول . . . إلخ.
طرق تكوين المعادن
أجريت في السنوات الأخيرة أبحاث عديدة لغرض معرفة الطرق المختلفة التي تكونت بها معادن قشرة الأرض, وقد تمحضت هذه البحوض عن معرفة طرائق عديدة وفيما يلي بعضها:
1-طريقة الضغط والحرارة: فمن المعروف أن أي معدن من المعادن - قبل أن يتخذ شكله الحالي - وقد مر من الحالة الغازية إلى المنصهرة إلى الصلبة, وأن أي إنخفاض في درجة الحرارة تتعرض له مادة "الصهير" لابد أن يؤدي إلى إرساب بعض المعادن التي تدخل في تكوينها, وأول ما يرسب من هذه المعادن هو اقلها إنصهاراً, وهذا يفسر تتباع العناصر المعدنية في بعض الخامات .ويؤثر عامل الضغط أيضاً على إنصهار المعادن المخلفة, إذ تؤدي زيادة الضغط إلى زيادة الإنصهار, كما يؤدي نقصانه - الذي قد ينتج عن صعود المحاليل المنصهرة إلى سطح الأرض خلال الشقوق والمفاصل التي توجد في الصخر - إلى الإرساب .
2-التبلور مباشرة من الصهير فعندما تبرد مادة الصهير (التي هي عبارة عن كتلة مائعة شبه منصهرة تتألف من مركبات السيلكا) إزاء إنخفاض درجة الحرارة, بحيث يصاحب البرودة تشبع الصهير من عنصر معين, لابد أ، يتبلور هذا العنصر بالبرودة. ولهذا نجد أنبعض المعادن الإقتصادية مثل الماجنيتايت , والكرومايت قد تكونت نتيجة تبلورها مباشرة من الصهير بفعل البرودة.
3-التسامي , إذ تتكون بعض المعادن بفعل الحرارة الشديدة التي قد تؤدي إلى تطاير بعض الفلزات واللافلزات مباشرة, أي تحولها من الحالة الصلبة إلى الغازية, ثم ترسب هذه المعادن مرة أخرى إذا ما إنخفضت درجة الحرارة, أو تغير الضغط , وهذا ما يحدث عادة عند فوهات البراكين. ومن أهم العناصر "المتسامسة" زهر الكبريت.
4-التقطير، إذ يعتبر بعض الجيولوجيين أن تكون البترول وما يرتبط يه من غازات طبيعية قد تم في الحقيقة في باطن الأرض عن طريق عملية التقطير بطئ للمواد العضوية التي ترسب خلال الرواسب البحرية التي تتألف منها الصخور الرسوبية الساحلية.
5-الإفراط في التشبع والتبخر عندما تتعرض بعض المحاليل للتبخر, لابد أن يعقب هذا زيادة درجة تشبعها وبالتالي ترسب العناصر المذابة, وقد تكونت بهذه الطريقة قشور الكبريتات (مثل كبريتات النحاس, أو الزنك, أو الماغنسيوم, أو الكالسيوم) فوق سطح الأرض في المناطق الجافة, كما هي الحال في شيلي حيث تراكمت قشور من كبريتات النحاس في تشوكيكاماتا , ورانكاجوا في شمال شيلي, كما تراكمت في نفس هذا البلد, ونحن نفس اظروف رواسب النترات الهائلة في تاراباكا في مقاطعة أنتوفاجاستا, وفي شمال أتاكاما.
6-إرساب المعادن بواسطة البكتيريا: ومن أهم المعادن التي تترسب بهذه الطريقة, الحديد الخام, إذ توجد ثلاثة أنواع من البكتيريا المرسبة الحديد أشهرها النوع المعروف بإسم , ويعتقد عدد كبير من العلماء أن هذا النوع من أنواع البكتيريا هو اذلي ساعد على ترسيب تكوينات الحديد في مناطق شاسعة من العالم.
كما أن بكتيريا التربة العادية تعمل هي الأخرى على ترسيب المنجنيز الموجود في المياه الباطنية, وهذا هو فعلاً ما يسبب إنسداد عيون الآبار الإرتوازية في كثير من من جهات العالم.
وهنالك نوع ثان من البكتيريا يعيش تحت الماء ويساعد على ترسيب الكبريتات, أما النوع الثالث, وهوالبكتيريا النباتية فيعد عاملاً رئيسياً في ترسيب السيلكا, وهذا ما يحدث في خزان أسوان في فترة التحاريق عندما ترتفع نسبة البكتيريا وتصبح عاملاً من العوامل التي تؤدي إلى زيادة معد الإرساب.
7-أثر التعرية : وهي من العمليات الهامة التي تساعد على تكوين المعادن الرئيسية. وتنقسم عمليات التعرية إلى قسمين: تعرية ميكانيكية وتعرية كيمائية, وعلى الرغم من أهمية التعرية الميكانيكية في نقل المعادن وتركيزها في أماكن وتركيزها في أماكن معينة, إلا أنها لا تعمل على خلق معادن جديدة مختلفة في صفاتها الكيمائية.
أما التعرية الكيمائية فتعمل على:
(أ) التأثير في المعادن الموجودة سواء في باطن الأرض أم على سطحها, وذلك عن طريق المياه (الباطنية أو السطحية) أو الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. وقد تتغير خصائص بعض المعادم موضعياً , وقد تحمل المياه بعضها الآخر على شكل محاليل (أي وهي مذابة) ثم يتم ترسيبها بعد ذلك.
(ب) تؤثر التعرية الكيمائية في المعادن الهامشية - أي التي تعتبر في الأحوال العادية عديمة الجدوى من الناحية الإقتصادية - مثل ال (خام ردئ للنحاس) فتحولها وتغير طبيعتها وتصبح من المعادن التجارية الهامة.
(ج) تؤثر على الشوائب المعدنية مثل السيدارايت (كربونات الحديد) الذي يتحول إلى حديد بعد إذابة الكربونات.
(د) تؤثر التعرية الكيمائية تأثيراً مباشراً على الصخور, فالصخور التي تحتوي على عنصر الألومنيوم - مثلأً والتي توجد في الأقاليم المدارية تتحول إلى بوكسايت وهو الخام الرئيسي للألومنيوم, كما أن صخر السربنتين في جزيرة كيوبا, يتحول هو الآخر بواسطة العمليات الكيمائية الجوية إلى طبقة هشة تعرف باللاترايت الحديدي ويستخرج منها الحديد بكميات كبيرة في منطقة ماياري , كما أن لاترايت المنجنيز قد تكون بنفس الطريقة في شمال غرب الهند.
8-أثر عمليات التحول، إذ يؤدي الضغط أو الحرارة أو كلاهما معاً, إلى إعادة تشكيل وبلورة بعض العناصر المعدنية, وتحويلها إلى عناصر أخرى في خصائصها تمام الإختلاف. ولكثير من الصخور المتحولة أهمية إقتصادية كبيرة مثل العقيق (الذي يتركب من سليكات الحديد والألومنيوم, ويستخدم في أعمال الصقل), والجرافيت (الذي يستخدم في صنع أقلام الرصاص) والأردواز .
ثانياً: أنواع الصخور
تنقسم الصخور إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي:
1-مجموعة الصخور النارية.
2-مجموعة الصخور الرسوبية.
3-مجموعة الصخور المتحولة.
وقد بين العلماء أن قشرة الأرض تتكون حجماً من 5% من صخور رسوبية, و95% من صخور نارية, أما بالمساحة فقد وجدوا أن الصخور الرسوبية تغطي حوالي 75% من مساحة الأرض بينما الصخور النارية تظهر في 25% فقط من سطح الأرض.
الصخور النارية
الجرانيت : يتمثل مصدر هذه الصخور في تلك المادة المنصهرة اليت قد تخرج من أعماق الأرض والتي تعرف بإسم "الصهير ". وقد كان الإعتقاد السائد من قبل هو أن صخر الجرانيت (وهو نوع رئيسي من أنواع الصخور النارية) يعتبر اقدم أنواع الصخور المعروفة على سطح الأرض, وأنه قد ترسب في محيط قديم هائل كان يغلف الكرة الأرضية باكملها. وقد كان الجيولوجي الألماني "فرنر " من أشد محبذي هذا الرأي إلى أن جاء الجيولوجي الإسكتلندي "هاتون " وأثبت أن وجود الجرانيت على هيئة جدران وسدود مختلفة الصور تخترق غيرها من الصخور, يدحض نظرية "فرنر" وأن منشأ الجرانيت في الواقع هو المادة المنصهرة المرتفعة في درجة حرارتها, والتي تبلورت في أعماق بعيدة عن سطح الأرض ببطء شديد. وقد لاحظ "هاتون" كذلك أن الصخور التي تجاور جدران الجرانيت وسدوده قد تحولت طبيعتها مثلما يحدث تماماً للطمي عندما تحوله الحرارة الشديدة إلى طوب أحمر.
البازلت : أما صخر البازلت فله من لونه القاتم ودقة تماسك حبيباته, ملا يدع مجالاً للشك في أنه تكون عن تبريد مادة منصهرة. وقد إختلفت آراء العلماء بشأنه وبصدد طريقة تكوينه, فالمعروف أن بعض أنواع البازلت التي تنتشر على سطح الأرض على هيئة طفوح, تتعرض عند تصلبها لأن تنكمش وتتشقق إلى أشكال مسدسة , تبدو على هيئة أعمدة قائمة الزوايا بالنسبة لمستوى سطح الأرض, وأعمدة التي توجد في أقصى شمال مقاطعة أنتريم بأيرلنده الشمالية من أوضح الأمثلة لهذه الصورة من صور الطفوح البازلتية. وقد كان هذا مدعاة لإ‘تقاد الجيولوجي الألماني "فرنر" بأن تلك الأقسام المسدسة الشكل ما هي إلا بلورات ضخمة من البازلت تكونت ونمت في محلول مائي يتمثل في ذلك المحيط الهائل الذي كان يحيط بالكرة الأرضية.
وقد ثبت بعد ذلك أن صخور البازلت قد إنبثقت من باطن الأرض على هيئة طفوح من اللابه , فكان مصدرها هي الأخرى هو باطنت ألرض. ولعل السبب في اللون الأسود القاتم لصخر البازلت هو وجود الحديد ومركباته التي تمثل الطبقة السوداء المصقولة الخارجية.
وتتميز أسطح الطفوح البازلتية في معظم المناطق التي توجد بهافجوات عديدة ترجع في أصلها إلى أنها كانت عبارة عن فقاقيع تنتشر على سطح اللابه المنبثقة, ثم تعرضت هذه الفقاقيع للإنفجار وإلى إنطلاق الغازات التي سببت وجودها. ولهذا تتكون على سطح الطفوح البازلتية فجوات عديدة مختلفة الإتساع والعمق وتعرف بإسم (مشتقة من الكلمة اليونانية ومعناها لوزة)*. ويطلق على البازلت الذي يتميز سطحه بتلك الفجوات إسم البازلت "الأمجدالي). وكثيراً ما تمتلئ تلك الفجوات ببلورات بعض المعادن, ومن أشهر المعادن التي تملأ فجوات البازلت. معدن العقيق الأخمر وهونوع من أنواع السيلكا, كما قد تمتلئ هذه الفجوات ببلورات من الكوراتز, أو بنوع بنفسجي اللون من الكوراتز يعرف بالأميثست , وقد يشغلها أحياناً معدن الكالسيدوني.
ونظراً لأن مادة الصهير التي - تمثل في الواقع المادة التي إشتقت منها كل الصخور النارية - نظراُ لأن هذه المادةتندفع من أعماق الأرض فتكون الأجسام المنصهرة التي تبرد فتتحول إلى صخر ناري إما بعيدأً عن سطح الأرض أو قرب هذا السطح أو فوق سطح الأرض أو تحت مستوى المياه, فإن هذا هو السبب في أن الصخور النارية تختلف من حيث حالتها البلورية, فصخر الجرانيت واضح البلورات, وبلوراته تتميز بكبر حجمها, وهذا دليل على أنه تبلور على أعماق بعيدة عن سطح الأرض, أي أنه برد ببطء شديد. أما البازلت فلا يتميز ببلورات واضحة كتلك التي يتكون منها الجرانيت, بل يبدو زجاجي الشكل . ويرجع هذا إلى أن البازلت قد إنبثق على سطح الأرض من فوهة بركان, أو عن طريق سد أفقي أو رأسي, ثم إنتشر على هيئة طفوح منصهرة تغطي مساحة كبيرة مما سبب برودتها بسرعة, وقد أدى هذا بالتالي إلى عدم تكون البلورات. ومن هنا قسم العلماء الصخور النارية إلى أقسان ثلاثة على أساس درجة التبلور.
1-صخور سطحية : وتتميز هذه الصخور بأنها تعرضت للبرودة السريعة بواسطة الهواء أو الماؤ, فلم تتبلور جيدأً. وقد تسمى مثل هذه الصخور أحياناً بالصخور البركانية .ويمثل البازلت أوضح نموذج لها.
2-صخور داخلية : وهي صخور جيدة التبلور (كالجرانيت) وذلك لأنها بردت على أعماق سحيقة من سطح الأرض ببطء شديد, ولذا تسمى أحياناً بالصخور البلوطونية (نسبة إلى بلوتو إله عالم ما تحت الأرض عند الإغريق).
3-صخور وسيطة : وهي تجمع بين صخور تامة التبلور, وصخور لم تتبلور جيدأً, وهذا يدل على أنها بردت على أعماق متوسطة من قشرة الأرض, ومن أمثلتها السدود الراسية والخزانات الصخرية , وغيرها من صور التداخل.
تقسيم الصخور النارية على أساس نسبة السيلكا التي توجد بها: ولعل أسلم تقسيم للصخور النارية هو تصنيفها من حيث تركيبها العنصري على أساس نسبة السيلكا, فهنالك ثلاثة أنواع رئيسية:
1-الصخور الحمضية : التي تتراوح نسبة السيلكا فيها بين 65%, و70%, وهي صخور غالباً ما تكون ذات ألوان غير قاتمة, وتتميز بقلة كثافتها, ومن أمثلتها الجرانيت واتلسيانيت (نسبة إلى مدينة وهو الإسم الإغريقي لمدينة أسوان) وهو من الصخور الحمضية كلك, ولكن نسبةالسيلكا الداخلة في تركيبه أقل من تلك التي توجد في الجرانيت.
2-صخور نارية وسيطة : وتتراوح نسبة السيلكا الداخلة في تكوينها بين 55% - 65%, وتتكون منها في معظم الأحوال السدود والخزانات الصخرية وشتى الصور الأخرى التي تنجم عن إندفاع كتل من "الصهير" صوب سطح ألأرض, ثم برودتها على أعماق متوسطة في قشرتها.
3-الصخور الناريةالقاعدية : التي تتراوح فيها نسبة السيلكا بين 45% - 55%, وترتفع في نفس الوقت نسب الحديد والماغنسيوم, ولهذا تماز بإرتفاع كثافتها, وبألوان قاتمة ترجع إلى إزدياد نسبة مركبات الحديد, كما أن درجة إنصهارها أعلى بكثير من درجة إنصهار الصخور الحمضية. أما فيما يتصل بمقاومتها لعوامل التعرية فنجد أن الصخور الحمضية تفوقها في ذلك, إذ إن الصخور القاعدية أقل منها مقاومة لتلك العوامل ومن أمثلة الصخور القاعدية صخر الجابرو وهو عبارة عن فصيلة كبيرة من الصخور القاعدية تضم تضم صخ رالبلزلت (الذي يتكون معدنياً من 46.2% من الفلسبار, 36.9% أوجيت, 7.6% أوليين, 6.5% مركبات حديد, ومعادن أخرى تصل نسبتها إلى 2.8%).
ومما يستحق الذكر أن هنالك ستة معادن رئيسية تدخل في تركيب الصخور النارية وهي: الكوارتز, الفلسبار,والميكا, والهورنبلند, والأوجيت, والأوليفين: تتألف الصخور الحمضية في معظم الحالات من نسب كبيرة من المعادن الثلاثة الأولى, بينما تتكون الصخور القاعدية من نسب كبيرة من المعادن الثلاثة الأولى, بينما تتكونالصخور القاعدية من نسب كبيرة من المعادن الثلاثة الأخيرة.
وهنالك مجموعة رابعة تضم بعض أنواع الصخور النارية التي يمكن أن نطلق عليها إسم مجموعة الصخور فوق القاعدية وتتراوح فيها نسبة السيلكا بين 5% - 35% ومن أمثلة صخور هذه المجموعة صخر السربنتين .
ولابد لنا أن نذكر أن هذه المجموعات الأربع لا تستقل إحداها عن الأخرى تمام الإستقلال, فالطبيعة لا ترسم حدوداً فاصلة, إذ إن كل مجموعة منها تتدرج إلى تاليتها, فصخور السيانيت مثلأً نظراً لقلة نسبة السيلكا الداخلة في تكوينه, لا يمكن أن يدخل ضمن مجموعة الصخور الجارنيتية الحمضية, كما لا يمكن إعتباره ضمن مجموعة الصخور الوسيطة كالديوريت , وذلك لأن نسبة السيلكا في الديوريت أقل منها في صخر السيانيت, ويمكننا أن نسوق أمثلة أخرى عديدة توضح جميعها أن محاولات تقسيم الصخور النارية إلى فصائل ومجموعات لا يمكن بأي حال أن تكون جامعة مانعة.
الصخور الرسوبية تكونت الصخور الرسوبية التي تغطي حوالي 75% من جملة مساحة الأرض إما من بقايا الصخور النارية القديمة, أو من بقايا نباتية وحيوانية, ومن أهم خصائصها أنها ترسبت في طبقات متتابعة, وهذا هو الفرق الرئيسي بينها وبين الصخو رالنارية, التي تتميز بأنها إما متبلورة أو زجاجية, وبأنها لا توجد على طبقات, ولا تحتوي على حفريات, أما الصخور الرسوبية فليست بالتيلورة او الزجاجية, وتحتوي طبقاتها على أنواع عديدة من الحفريات النباتية والحيوانية.
ولابد بطبيعة الحال أن تختلف خصئص هذه الطبقات الرسوبية بغختلاف الظروف الجغرافية للمناطق التي ترسبت فيها في مبدأ الأمر, ولهذا كانت لعلم الطبقات الجيولوجية أهمية كبيرة بالنسبة للجيومورفولوجين إذ تساعدهم على رسم صور واضحة للأحوال الجغرافية التي كانت سائدة في الماضي البعيد.
فإذا ما تكونت الصخور الرسوبية مثلأً من طبقات من الحصى المستدير المتلاحم فإن هذا دليل على أن مثل هذه المواد الحصوية لابد أنها ترسبت في قاع نهر أو بحيرة أو في شقة بحرية ضحلة. أما إذ تكونت الصخور الرسوبية من حبيبات دقيقة ملتحمة تحوي بقايا حيوانات بحرية, فإن هذا دليل على ترسبها في مياه بحر عميق. وإذا ما تألفت الصخور الرسوبيةمن طبقات من الملح الصخري فلابد أنها ترسبت بعد جفاف بحيرة ملحة أو بحر داخلي صغير. ويمكن أن نذكر أمثلة أخرى عديدة تدل كلها على ما لدراسة الطبقات الرسوبية من أهمية لدراسي الجغرافيا القديمة , وهذا بالإضافة إلى أن دراسة الصخور الرسوبية تعطينا فكرة صحيحة عن توزيع البحار منذ بدء العصور اليولوجية,وعن التغيرات المناخية التي تعرضت لها الأرض خلال عمرها الطويل, وعما كان يقطن فوق سطحها من حيوان ونبات.
وجدير بالذكر أن علم الجيولوجيا ذاته بدأ أول ما بدأ بالإهتمام بدراسة الصخور الرسوبية, وذلك عقب ظهور الجيولوجي "هاتون" الذي كان أول من وضع مبدأ تتابع الطبقات الرسوبية, وأول من قرر الحقيقة الهامة وهي ان الحاضر مفتاح الماضي فيما يختص بالصخور الرسوبية.
وتختلف الطبقات التي توجد عليها الصخور الرسوبية إختلافاً كبيراً, فقد تكون على شكل شرائح قد لا يزيد سمكها في بعض الحالت على الملليمتر أو جز منه, أو قد تتخذ شكل طبقات عظيمة السمك قد يصل سمكها إلى بضع مئات من الأمتار. كما تختلف هذه الصخور أيضاً في ألوانها وصلابتها.
وقد ترسبت في بادئ الأمر كل هذه الطبقات التي يعلو بعضها بعضاً في مياه البحار, أو البحيرات, أو الأنهار, أو فوق سطح الأرض مباشرة, وهي في وضع أفقي. وقد يحدث أحيانأً أن تترسب بعض الطبقات في قاع أحد البحار القديمة ثم تظهر بعد ذلك على سطح الأرض, بعد أن تنحسر عنها مياه هذا البحر في صورة أفقية منتظمة. وتعرف مثل هذه الطبقات بالطبقات المنتظمة وقد تعتري هذه الطبقات المنتظمة حركة أرضية تؤدي إلى ميلها إلى ناحية أو أخرى أو إلى إلتوائها. وإذا ظلت الصخور المائلة أو الملتوية دون أن تغمر بمياه البحر, فلابد أن تتأثر بعوامل التعرية التي تعمل على تفتيت أعاليها وتقليل إرتفاعها, وتتراكم عليهات في نفس الوقت بعض تكوينات من الزلط والحصى والرمال, تنمو عليها بعض الحشائش والأشجار, ثم يغمرها البحر مرة ثانية, فتترسب طبقة أفقية أخرى تتألف من تكوينات أحدث وتصبح الصخور الرسوبية حينئذ صخورأً غير منتظمة الطباقية .
وتدلنا خطوط عدم الإنتظام في الطبقات الرسوبية على ما طرأ على قشرة الأرض من أحداث, فطبقة الزلط والرمل والحشائش - السابقة الذكر - تمثل خط عدم إنتظام يدل على إنحسار مياه البحر, وتحول المنطقة إلى أرض يابسة لفترة ما ثم طغيانها على هذه الأرض اليابسة مرة أخرى. وكثيراً ما تعرف الطبقات الرسوبية المتوازية التي يعلو بعضها بعضاً بالطبقات المتوافقة أما تلك التي تختلف في أفقيتها ودرجة ميلها فتعرف بالطبقات غير المتوافقة .
ويطلق على الزاوية التي تنحصر بين أي طبقة رسوبية و مجموعة من الطبقات, وبين المستوى الأفقي لسطح الأرض, إسم زاوية الميل أما إتجاه الميل فهو ذلك الإتجاه الذي تميل نحوه الطبقة. ففي مصر مثلاً نجد الميل العام لطبقاتها الرسوبية هو صوب الشمال بحيث يكاد يتمشى مع الإنحدار العام لأراضيها. أما الخط الذي يتعامد مع إتجاه الميل فيعرف بالإمتداد . ومن الضروري دائماً عند الكلام عن الجيولوجيا السطحية لأية منطقة, من أن نتناول ميل الطبقات, وإتجا خط الإمتداد, لكي يتسنى لنا أن نعرف ما إذا كانت هذه المنطقة قد تعرضت لحركات أخلت بنظام طبقاتها, أم ظلت طبقاتها الرسوبية منتظمة متوافقة.
وتتميز الصخور الرسوبية بما يعرف بسطوح الإنفصال وهي عبارة عن السطوح التي تتغير عندها طبيعة التكوينات الرسوبية, أو التي إنقطعت عندها عمليات الإرساب المختلفة. كما تتميز هذه الصخور كذلك بوجود الكثير من الشقوق والمفاصل . فهي لا تمثل إذن كتلاً صماء من الصخر, بل تكثر على سطوحها هذه الشقوق والشروخ والمفاصل التي تتكون في معظم الحالات نتيجة لجفافها.
ولا تقتصر ظاهرة الشقوق والمفاصل في وجودها على الصخور الرسوبية وحدها, بل تتميز بها الصخور النارية كذلك, ووجودها في هذه الصخور الأخيرة لم ينجم عن جفافها كما هي الحال في الصخور الرسوبية, بل نتج عن تصلبها وإنكماشها نتيجة إنخفاض درجة الحرارة مما يؤدي إلى برودة كتل "الصهير" التي تكونها. وتتخذ هذه الشقوق والمفاصل - سواء وجدت في الصخور الرسوبية أم النارية - إتجاهات عديدة, فإما أن تتمشى مع الإتجاه العام للميل, أوتمتد عمودية عليه, أي أن تكون موازية لخط الإمتداد, أو لا تتمشى في إتجاهها مع إتجاه أي منهما.
وأياً كانت الإتجاهات التي تتخذها, إلا أنه يمكن القول إجمالاً بأن ظاهرة الشقوق والمفاصل تظهر متكائفة متقاربة في معظم صخور قشرة الأرض الظاهرة فوق سطحها, ولكنها تأخذ في القلة والتباعد كلما تعمقنا في باطن الأرض حتى تختفي تماماً على عمق يقرب من 12 ميلاً من سطحها, ولذا نعرف المنطقة المتشققة الظاهرة فوق سطح الأرض بإسم منطقة التشقق ويعتبر وجود الفوالق والمفاصل في كل من الصخور النارية والرسوبية عاملأً مساعداً لقوى التعرية المختلفة سواء كانت ممثلة في الرياح أو الأمطار أوالثلوج, إذ إن هذه القوى عندما تأخذ في نحت سطح الأرض تبدأ عملها في المفاصل التي يمكن أن تعد بمثابة مناطق الضعف في صخور القشرة. ولعوامل التعرية قدرة فائقة على تخير هذه المناطق, إذ سرعان ما تتخللها مياه الأمطار, وتبدأ عملية التحلل الكيماوي عن طريقها, كما أن الجليد والصقيع يؤديان إلى توسيعها وإلى تفكك الصخر تفككاً ميكانيكياً.
وتكاد تجمع الآراء الآن على ا، أصل الصخور الرسوبية هو تلك الرواسب التي فتتها عوامل التعرية من الصخور القديمة الجرانيتية, ثم حملتها وأرسبتها إما في مياه المحيطات والبحار, وتعرف حينئذ بالرواسب البحرية, وإما على سطح اليابس في المنخفضات أو في مياه البحيرات والأنهار, وتعرف حينئذ بالرواسب القارية.
أنواع الرواسب البحرية: أما الرواسب البحرية فقد جرى العرف على تقسيمها - على أساس أعماق الأحواض البحرية التي تراكمت فيها, وعلى أساس بعدها من شواطئ القارات - إلى الأقسام الآتية:
1-رواسب شاطئية: وتتكون على الشواطئ بين منسوبي المد والجزر في مناطق ضحلة المياه, وهي رواسب تتألف إما من جلاميد صخرية (وهي أكبر المفتتات التي تتألف منها الصخور الرسوبية إذ لا تقل أقطارها بأي حال عن المائة ملليمتر) أو من الزلط أو من رمال خشنة.
2-رواسب مياه غير عميقة: ويتفق توزيعها مع مناطق الهوامش القارية الغائصة التي تعرف بالرفارف القارية ولا يزيد عمق المياه التي تتراكم فيها عن المائة قامة (200 متر) وتتألف هذه الرواسب من رمال دقيقة الحبيبات حملتها مجاري الأنهار إلى البحار والمحيطات, وأرسبتها عند حافات الرفارف القارية التي تسمح قلة عمقها بوصول ضوء الشمس وحرارتها إليها, ولذا نجد هذه الرواسب زاخرة بالكائنات الحية سواء كانت حيوانية أم نباتية.
3-رواسب المياه العميقة التي يتراوح عمقها بين 100, 1500 قامة وتتكون من المواد الطينية التي تحمله مياه الأنهار, وقد ساعدت دقة حبيباتها على أن تظل عالقة بالمياه لمسافات طويلة, ولذا لا يتم ترسيبها إلا على مسافات بعيدة عن خطوط السواحل.
4-رواسب أعماق المحيطات, وتتراكم على أعماق تزيد على 1500 قامة وهي رواسب من نوع خاص يعرف بتكوينات الأوز حبيباتها بالغة الدقة وتتألف من باقاي الأصداف وبعض الكائنات الأميبية الدنيئة وحيدة الخلايا (مثل ال وال أو العصويات) التي تعيش عادة على سطح الماء ولكنها تترسب في أعماق المحيطات بعد موتها.
الرواسب القارية: أما الرواسب القارية فهي تلك التي تتراكم على أسطح القارات, إما بفعل الرياح اليت تؤدي إلى تراكم الكثبان الروملية بصورها المتعددة, أو بفعل مياه الأنهار التي تعمل على ترسيب رواسب طميية على كلا جانبيها ممثلة في سهولها الفيضية أو دالاتها, أو قد تتراكم هذه لرواسب القارية في مياه البحيرات العذبة, وفي هذه الحالة تتشابه تشابهاً كبيراً مع الرواسب الشاطئية السابق ذكرها. أما إذا ترسبت في قيعان بحيرات ملحة فتتكون رواسب من الملح الصخري, بعد أن تتبخر مياهها, كما أن الأنهار الجليدية تعمل هي الأخرى على تجيمع رواسب قارية في مناطق قارية معينة من سطح الأرض, والركامات الجليدية خير مثل لهذه الرواسب.
ولكي تتحول الرواسب التي قد نجدها حالياً على سطح الأرض, أو تحت الماء إلى صخور صلبة متماسكة, لابد لها أن تمر بإحدى عمليتين أو كلتيهما معاً: عملية تجفيف يسببها تراكم رواسب حديثة تعمل على عصر الرواسب القديمة, وطرد ما يتخلل شقوقها ومفاصلها ومسامها من مياه, وبذا تجف وتتماسك, أو عملية إلتحام للرواسب نتيجة تسرب بعض الأملاح ومحاليل بعض المعادن الأخرى من المياه الجوفية أو السطحية (كتماسك الرمل بالأسمنت).
وللصخور الرسوبية التي توجد حالياً على سطح الأرض مميزات وخصائص لا تدع مجالاً للشك في أن كل نوع منها كان عند تكونه ينتمي إلى نوع من أنواع الرواسب التي سبقت الإشارة إليها بحرية كانت أم قارية, ولهذا يكاد يتفق العلماء على تقسيم الصخور الرسوبية إلى أربعة أقسام رئيسية هي:
أولا - الصخور الحصوية : وترجع في أصلها إما إلى رواسب شاطئية ترسبت في مناطق ضحل المياه أو إلى رواسب قارية تجمعت عن عمليات الإنهيار أو التهدي الأرضي اليت كثيراً ما تحدث على منحدرات الجبال. وترعف أنواع الحصى التي تزيد أقطارها على الست بوصات بالجلاميد, وهي في المعتاد أكثر إستدارة في مياه البحار منها في مياه الأنهار, وإذا ما تم إلتحام هذه الرواسب المستديرة بواسطة مادة كلسية أو حديدية تكون ما يعرف بالخراسان الطبيعي أو "الدماليك" ووجود هذه التكوينات دليل على أنها قد نقلت بواسطة الأنهار أو بفعل الأمواج مما أدى إلى إستدارتها ثم تماسكها بعد ذلك في مناطق بعيدة عن مصادرها.
أما الرواسب الحصوية التي تتراكم على اليابس كالتي نجدها عند حضيض المرتفعات بعد السيول (تعرف بركام السفوح أو ) أو نتيجة لفعل الصقيع في العروض العليا, أو لتتابع التمدد والإنكماش في المناطق الجافة فمعظمها حاد الزوايا ويتكون عند إلتحامها نوع من الصخر يعرف "بالبريشيا" ويعد وجوده دليلاً على أن تماسكه قد تم قريباً من مصدره ولذا يكاد يقتصر إنتشار صخر البريشيا على المناطق المنخفضة المتاخمة للمرتفعات.
ثانياً: الصخور الرملية : وترجع في أصلها إلى رواسب من الرمال تراكمت على اليابس, أو في مياه بحرية ضحلة, وتعمل المياه التي تترسب خلالها على إلتحامها. وأهم المواد اللاحمة الكالسايت والسيلكا وبعض أنواع من أكاسيد الحديد, فالصخر الرملي لونه إلى الإحمرار قد إلتحمت ذراته بواسطة محاليل من الليمونايت (أكسيد الحديد المائي) أو الهمياتيت . أما الصخر الرملي الأبيض اللون فتختلف مادته اللاحمة, فإذا ما كان شديد الصلابة فإن هذه يدل على أن الكوارتز يمثل المادة اللاحمة, أما إذا كان من السهل تفيته فإن هذا يعني أن معدن الكالسايت كان مادته اللاحمة. ولهذا كثيراً ما تقسم لصخور الرملية إلى: صخور سليكية, وصخور جيرية, وصخور حديدية, وعلى أساس المادة التي عملت على إلتحام ذرات رمالها. ولابد بطبيعة الحال أن تختلف هذه الأنواع الثلاثة إختلافاً كبيراً في صلابتها ومقاومتها لعوامل التعرية.ولعل الصخور الرملية الجيرية - التي كانت مادتها اللاحمة إما الكالسايت أو الدولومايت - أقله وأضعفها مقاومة لهذه العوامل.
ثالثاُ: الصخور الطينية : ويرجع أصل هذه الصخور إلى الرواسب الدقيقة الناعمة التي تلقي بها الأنهار في مياه عميقة, أو التي تتراكم في بحيرات عذبة, وقد تم تماسكها بعد ذلك بعد أن ترعضت لعملية تجفيف أدت إلى فقدانها لكل ما تحمله من مياه, وتعزى عملية التجفيف ذاتها إلى الضغط الذي يقع على تلك الرواسب من طبقات أخرى تعلوها.
ومن أمثلة هذه الصخور الحجر الطيني اذلي يتميز بشدة تماسكه وصلابته. وإذا كان الطين الذي يدخل في تكوين هذه الصخور نقياً خالياً من الشوائب, فيسمى حينئذ بالصلصال العازل للحرارة , أما إذا كانت تدخل في تكوينه بعض مركبات الجير فيعرف حينئذ بالطين الجيري . وهنالك صخور طينية تختلف عن النوعين السابقين في أنها لا تظهر على هيئة كتلة صلدة متماسكة من الصخور بل تظهر على شكل شرائح تشبه الطبقات وتتميز بشدة إلتحامها ببعضها البعض,ويعرف هذا النوع من الصخور الطينية بشرائح الطين ويرجع السبب في وجودها على صورة شرائح, إلى أن عملية الإرساب التي أدت إلى تكوينها لم تكن عملية مستمرة أدت إلى تكوين طبقة واحدة, بل كانت متقطعة تتخللها فترات كانت تتوقف فيها عملية الإرساب. ومن أمثلة هذه الرواسب الطينية شرائح طين إسنا المشهورة اليت توجد في مناطق متفرقة على جانبي وادي النيل في محافظتي قنا وأسوان, ويستخدمها الأهالي أحياناً كمسمد للتربة ويطلقون عليها إسم "المروج" هذا على الرغم من أن هذه الرواسب ضارة بالتربة, وذلك لإحتوائها على نترات مختلطة ببعض أملاح الصوديوم,وإستخدامها في تسميد الأراضي التي تفتقر إلى مركبات نتروجينية لابد أن يؤدي إلى رفع نسبة الملوحة في التربة.
رابعاً: الصخور الجيري : ويوجد من هذه الصخور نوعان: نوع تم ترسيبه بطرق كيمائية كأن ترسب مثلاً نتيجة لتبخر المياه من محلول ترتفع به نسبة كربونات الكالسيوم, وقد تكونت بهذه الطريقة صخور الكالسايت - الذي هو عبارة عن كربونات الكالسيوم المتبلورة واليت قد توجد كذلك على صورة ليفية حبيبية أو مندمجة - وصخر الرتافرتين خير مثال لهذا النوع من الصخور الجيرية.
أما النوع الآخر فيمكن أن نطلق عليه إسم الصخور الجيرية العضوية.وينتشر هذا النوع من الصخور الجيرية إنتشاراً هائلاً على سطح الأرض, وترجع صخوره في أصلها إلى بقايا الحيوانات البرية لدرجة أنه يمكن بواسطة العين المجردة أن نميز بعض حفريات هذه الحيوانات في الصخور الجيرية, إذ قد تظهر على شكل حلوزني, أو إسطواني, ومن أمثلة الحفريات الأسطوانية الشكل: النصليات , والأمونيات وأنواع عديدة من القواقع والأصداف. فالصخور الجيرية إذن عبارة عن مقابر هائلة دفنت بها جميع صور الحياة الحيوانية اليت كانت تزخر بها مياه البحار الجيولوجية القديمة.
وهناك نوع من أنواع الصخر الجيري يعرف بالصخر الجيري البويضي (مشتقة من الكلمةاليونانية القديمة ومعناها بويضة) وتوجد الصخور الجيرية التي تنتمي إلى هذا النوع على هيئة بويضات ملتحمة, كل بويضة منها لها نواة مركزية عبارة عن محارة في معظم الأحيان, وتغطي هذه النواة طبقات متتالية من الجير (كربونات الكالسيوم) وتمتد على طول ساحل مصر الشمالي في المنطقة الواقعة إلى الغرب من مدينة الإسكندرية سلاسل من التلال الجيرية البويضية تفصل بينها بعض الأودية.
ومما يجدر ذكره أن البقايا الحيوانية التي تتألف الصخور الجيرية من حفرياتها قد تكونت وتراكمت في بحار عميقة هادئة, لا تعكرها الرواسب الطينية, أي في مناطق لابد أن تكون بعيدة كل البعد عن خطوط السواحل ومصبات الأنهار ودالاتها.
الصخور المتحولة
من المعروف أن قشرة الأرض تتعرض لعوامل غامضة من الضغط, أو الحرارة أو كليهما معاً. وكثيراً ما تعمل هذه العوامل على تغيير المعالم الأصلية للصخور نارية كانت أم رسوبية, وقد سميت الصخور التي تتعرض للتغير من جراء الضغط والحرارة بالصخور المتحولة.
وقد يحدث التغيير في طبيعة الصخور نتيجة تعرضها للتشقق والتفلق, فقد تتعرض الصخور الجيرية مثلاً لهذه الظاهرة مما يؤدي إلى تحولها إلى أنواع متعددة الأشكال والألوان هي التي تعرف من الناحية التجارية بالرخام. ويرجع سبب تعدد أنواعها إلى تسرب محاليل سليكية مختلفة في خصائصها تملأ شروخ هذه الصخور ومفاصلها, ولكننا هنا يجب أن نعرف أن كلمة رخام نادراً ما يطلقها الجيولوجيون على الصخور الجيرية التي تتحول بالطريقة السابقة, إذ إن الرخام في نظرهم هو الصخر الجيري الذي أعيد تبلوره بفعل الضغط والحرارة. أما الضغط فمصدره في الغالب تلك الطبقات البالغة السمك التي قد تعلو الطبقة الجيرية, وأما مصدر الحرارة فهو تلك الإندفاعات النارية التي تؤدي إلى تحويل مادة كربونات الكالسيوم - التي تمثل المادى الرئيسية التي تدخل في تكوين الصخور الجيرية - إلى بلورات ملتحمة من الكالسايت تتشابه تشابهاً كبيراً في أحجامها. وكثيراً ما تؤدي عملية التحول هذه إلى إزالة كلأثر للحفريات التي يتألف منها الصخر الجيري.
وقد جرى العرف على تقسيم التحول إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
(أ) تحول ديناميكي : فقد يحدث أحيانأً أن تتوسط طبقة من صخر لين كالصخر الطيني أو الصلصال طبقتين من صخر أكثر صلابة كالحجر الجيري مثلاً. وتعرف في هذه الحالة طبقة الصخر اللين بالطبقة غير المتكافئة بينما ترعف طبقات الصخر الجيري الصلدة بالطبقات المتكافئة . وإذا ما تعرضت المنطقة التى توجد بها هذه الصخور لحركة ضاغطة شديدة في قشرة الأرض تسببها ضغوط جانبية, فالذي يحدث هو تعرض الصخور المتكافئة الصلبة للإلتواء, أما طبقة الطين اللينة فتنثني إزاء هذه الضغوط ثنيات صغيرة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات ممدودة في بعض الأحيان, وتسير عمودية على الإتجاه الذي حدث منه الضغط, وفي خلال هذه العملية يتحول الصخر الطيني إلى ما يعرف بالإردواز .
(ب) تحول حراري : ويحدث هذا النوع من التحول عندما تندفع صخور نارية تحرق ما حولها من صخور تماماً كما يحرق الطين ليصير فخاراً. ويؤدي حرق الصخور المجاورة للإندفاعات النارية إلى تغير في طبيعتها كما يؤدي إلى إعادة تبلورها, وهذا ما يحدث عند تحول الكوارتز إلى صخر الكوراتزيت .
(ج) تحول إحتكاكي : ويحدث هو الآخر للصخور الواقعة حول منطقة تداخلت فيها تكوينات نارية إذ تتحول طبيعتها نتيجة إرتفاع درجة الحرارة, فتحترق, كما تتغير خصائصها وتتعدل أيضاً نتيجة تسرب بعض المواد المنصهرة والمياه المرتفعة في درجة حرارتها, والتي عادة ما تصاحب الإندفاعات النارية, وتعرف المنطقة الواقعة حول صخور متداخلة - بحيث أدى تداخلها إلى أن تتحول طبيعة صخورها - بالهالة المتحولة وتتحول صخور الهاالة في معظم الحالات نتيجة الحرارة والإحتكاك إلى صخور نارية صلبة تدخل ضمن مجموعة كبيرة من الصخور هي التي تعرف بمجموعة الصخور الرنانة .
وقد يحدث التحول بالسوائل الثلاث السابقة على نطاق واسع وتتأثر به منطقة كبيرة من قشرة الأرض, وتعرف التحول الذي يحدث في هذه الحالة بالتحول الإقليمي وتوجد أمثلة عديدة لمناطق واسعة تكثر بها الصخور المتحولة, ومن أمثلتها هضبة الحبشة, وشمال شبه جزيرة الداكن, ومقاطعة كولومبيا بأمريكا الشمالية, وبعض المناطق الجنوبية من هضبة البرازيل وجبال البحر الأحمر في الجمهورية العربية المتحدة.
وتنقسم الصخور المتحولة عامة إلى نوعين رئيسيين:
1-صخور النايس : وهي صخور متحولة عن الجرانيت وتتركب من نفس المعادن التي يتكون منها, وقد نجم عن تحولها ظهور معادن الجرانيت على شكل صفائح رقيقة , وقد تبدو هذه الصفائح متموجة, وهي ملتحمة مع بعضها البعض إلتحاماًَ شديداً في معظم الحالات ولذا ينتمي صخر النايس بصفة عامة إلى فصيلة الصخور الرنانة الصلبة. والمهم هو أن التركيب المعدنمي للناس مماثل لتركيب صخر الجرانيت مما يدل على أصله الجرانيتي. وعلى أننا كثيراً ما نجد أنواعاً كثيرة من النايس بعضها مشتق من أصل ناري, وبعضها ألآخر ذو أصل رسوبي.
2-صخور الشست : وتظهر هي الأخرى على شكل صفائح ملتحمة ببعضها البعض والفرق الرئيسي بينها وبين صخور النايس هو أن الأخيرة لا تتميز بتشابهها, إذ قد تظهر بينها حبيبات بعض المعادن, أما صخور الشست فصفائحها متشابهة, كما أ، وجود بعض المعادن (كالميكا والكلورايت والتلك وبعض أنواع من الهورنبلند) التي تظهر اصلاً على شكل صفائح رقيقة (قابلة للسحب) يعتبر عاملأً رئيسياً في تكون صخور الشست. ومن أمثلة صخور الشست: شست الميكا وشست الأوجيت, وتظهر فيه ظاهرة الطابقية "الصفائحية" ولكنا تقتصر على معدن الأوجيت, وذلك عندما يتعرض صخر البازلت للتحول.
ولهذا نجد أن أنواع صخور الشست تختلف إختلافاً كبيراً بإختلاف التركيب المعدني الأصلي للصخر قبل تحوله, كما لابد أن تختلف كذلك بإختلاف درجة الحرارة, ودرجة الضغط, التي تسبب التحول. وقد أثبت العلماء أن هناك أنواعاً من المعادن لا يمكن أن توجد إلا في الصخور المتحركة دون الصخور النارية أو الرسوبية, وكل معدن من هذه المعادن له القدرة على التحول تحت ظروف معينة من الضغط والحرارة.
أهمية دراسة الصخور: يحسن بنا قبل ألإنتهاء من دراسة صخور قشرة الأرض أن نعرض الأقاليم الصخرية الرئيسية التي ينقسم إلهي سطح الكرة الأرضية, وخصوصاًِ أن دارس الجغرافية الموفولوجية يهمه أن يوضح إلى أي مدى يتغاير ويتباين التركيب الصخري في جهات العالم المختلفة, وبهذا يصل إلى نتيجة وخاتمة لا يتناولها الجيولوجي, وبهذا يختلف علم الجيومورفولوجيا - الذي يجب أن ينحو إتجاهاً إقليمياً - عن علم الجيولوجيا. ومما لاشك فيه أن الصخور التي يتألف منها إقليم ترتبط إرتباطاً وثيقاً بشتى مظاهر هذا الإقليم الطبيعية والبشرية.
الصخور وعلاقتها بتكون التربة: فهنالك مثلاً علاقة وثيقة للغاية بين التركيب الصخري ونوع التربة في كثير من جهات العالم,وخصوصاً في المناطق التي تكونت فيها تربات محلية موضعية , ليست منقولة , وذلك لأن التربة في مثل هذه المناطق إنما إشتقت مكوناتها نتيجة تفكك وتآكل وتحلل المواد المعدنية التي تـألف منها صخور قشرة الأرض الأصلية .
الصخور والتضاريس: كما أن هنالك إرتباطاً وثيقاً بينه وبين الصخور وإتجاه ميلها إن كانت رسوبية, وصور تداخلها إن كانت نارية, وبين المظاهر التضاريسية الرئيسية اليت تتميز بها قشرة الأرض. فكثيراً ما تحدد الصخور الرسوبية المظهر التضاريسي العام في المناطق التي توجد بها.
فإذا ظهرت هذه الصخور في منطقة من المناطق على صورة طبقات في وضع أفقي تقريباً فلابد أن يتخذ سطح الأرض في تلك المنطقة المظهر الهضبي, أما إذا كانت هذه الطبقات الرسوبية الأفقية متفاوتة في درجة صلابتها, فيبدو المنظر التضاريسي العام للأقليم على شكل هضيبقات تفصلها مجار ماشية هي التي إستطاعت أن تحفر أوديتها خلال الطبقات الأكثر ليونة, ويعرف المظهر الجيومورفولوجية الذي يتكون نتيجة لهذه الظروف بالتركيب الهضبي ,ولعل هضبة المزيتا في شبه جزيرة أيبيريا من أوضح الأمثلة لهذا النوع ن الهضاب.
أما إذا تميزت طبقات الصخور الرسوبية بميل واضح كما هو مشاهد فعلأ في كثير من جهات العالم, فتتكون حافات لها خصائص مميزة تعرف بالكويستات (كلمة أسبانية أصلأً) ومن خصائص الكويستا أنها عبارة عن حافة تنشأ نتيجة لعمليات التعرية المختلفة, وينحدر أحد جانبيها إنحداراً تدريجيأً يكاد يتمشى مع الإنحدار العام للأرض ومع ميل الطبقات الرسوبية ذاتها, بينما ينحدر جانبها الآخر إنحداراً فجائياً, وتظهر الطبقات الصلبة على شكل حوائط من الصخر الصلد ومن أمثلة الكويستات تلك التي توجد في منطقة حوض باريس الذي يتميز بوجود مجموعة من الحافات التي تبدو على هيئة أقواس تحد الحوض من الناحيتين الشرقية والجنوبية الشرقية, وتواجه جوانبها المقعرة الشمال الغربي (القنال الإنجليزي) بينما تواجه جوانبها المحدبة ألمانيا في اشلرق والجنوب الشرقي. وتوجد ست من هذه الحافات في حوض باريس وقد قطعتتها روافد نهر السين وجعلتها تبدو على هيئة تلال متقطعة تنتشر في أرجاء الحوض الخصيب. وقد لعبت الكويستات دوراً كبيراً في تطور سهل بارس ونمو العمران فيه, فهي التي حددت الإستغلال الزراعي وطرق المواصلات, فضلاً عن قيمتها الكبيرة كخطوط طبيعية للدفاع في هذا الموضع. ويطلق على المناطق التي توجد فيها الكويستات على هذا النحو من التتابع والتوالي إسم أراضي الحافات , وتفصل هذه الحافات عن بعضها البعض في معظم الحالت أودية نهرية تخترق التكوينات الرسوبية اللينة. على أننا نلاحظ بصورة عامة أن هذه الحافات (الكويستات) أجف بكثير من سهول الأودية التي تفصلها عن بعضها البعض. ويرجع هذا إلى إنحدار مياه ألأمطار على جانبيها صوب الأراضي الواطئة التي تخترقها الأودية.
أما إذا كانت الطبقات الرسوبية في إقليم ما شديدة الميل, أو عمودية في بعض الحالت على مستوى سطح الأرض, أو تميزت هذه الطبقات بإلتوائها فتتكون ظاهرة الحافات الفقرية (تسمى أحياناً بال ومعناها ظهور الخنازير) التي تمثل في هذه الحالة المظهر الجيومورفولوجي الرئيسي في "اللاندشافت الطبيعي", وتتميز مثل هذه الحافات الفقرية بشدة إنحدار جانبيها, وهذا هو وجه الإختلاف الرئيسي بينها وبين الكويستات التي يشتد إنحدارها في جانب واحد من جانبيها.
وفي الأقاليم التي تلتوي فيها الطبقات الرسوبية إلتواءات محدبة أو مقعرة , كثيراً ما نجد مناطق الإلتواءات المقعرة هي بعينها مناطق الأحواض النهرية. ومن الأمثلة الواضحة حوض النيل الذي يعتبره عدد غير قليل من الجيولوجيين بمثابة ثنية إلتوائية مقعرة كبيرة في قشرة الأرض تحدها من معظم جهاتها حواجز جبلية مرتفعة, كما يحدها البحر المتوسط من الشمال.ويعتقد هذ النفر من العلماء الذي يؤمن بهذه الظاهرة, أن الثنية المقعرة الهائلة التي يشغلها نهر النيل إنما نتجت عن هبوط قشرة الأرض تح ضغط التكوينات الصخرية الرسوبية الجيرية والرملية اليت ملأت هذا الحوض خلال فترة جيولوجية طويلة شملت العضر الكريتاسي, وعصري الإيوسين, والأوليجوسين, مكا أن حوض نهر التيمز يحتل هو الآخر ثنية إلتوائية مقعرة إخترقها نهر التيمز وروافده العديدة.
ويتميز سطح الأرض في الأقاليم التي تتألف تكويناتها الصخرية من صخور جيرية بأن المياه هي العامل الرئيسي للنحت, إذ إن مياه الأمطار في مثل هذه المناطق تتسرب إلى باطن الأرض خلال الشقوق والمفاصل, وذلك بفعل عمليات الإذابة الكيمائية, ولذا تكاد تختفي من مناطق الصخور الجيرية معظم المجاري المائية السطحية, وتتحول إلى مجاري باطنية, وتعرف هذه الظاهرة الجيومولوجية بظاهرة الكارست , وذلك نسبة إلى إقليم كاريت في شبه جزيرة إيستريا في شمال يوغوسلافيا, وتكاد تتألف معظم التكوينات الصخرية لشبه الدزيرة من صخور جيرية, وتمتد هذه التكوينات الصخرية شرقاً لتضم مناطق واسعة في شمال يوغوسلافيا.
ويختلف "اللاندشافت الطبيعي" في مناطق الصخرو النارية إختلافاً كبيراً عنه في مناطق الصخرو الرسوبية, وظهور الصخور النارية على سطح الأرض في منطقة ما دليل على أن هذه المنطقة قد تعرضت لتداخل صخور نارية في تكويناتها الرسوبةي. وتتميز مثل هذه الصخور المتداخلة بأنها تتفكك بطريقة خاصة هي التي تعرف بالتقشر وخصوصاً في الأقاليم الجافة, إذ تتفكك كتل الجرانيت بوسائل ميكانيكة - كتتابع الحرارة والبرودة - على شكل قشور تتساقط الواحدة تلو الأخرى, أو بفعل الصقيع في الأقاليم الباردة, إذ إن للصقيع قدرة هائلة على تفكيك الصخر وذلك بتجمد المياه التي تملأ المفاصل والشروخ التي تتميز بها الصخور النارية, مما يؤدي إلى تمددها وتفكيكها للصخر. وتعتبر عملية تفكيك الصخر بمثابة الأولى لبدء عمليات التعرية الأخرى كالنحت والحمل والنقل ثم الإرساب كما سيأتي ذكره فيما بعد.
وقد تظهر في بعض الحالات الصخرو النارية المتداخلة وسط تكوينات رسوبية - على سطح الأرض على هيئة تلال قبابية سرعان ما تعمل عوامل التعرية على نحت التكوينات الرسوبية التي تعلوها, وتظل الصخرو النارية المتداخلة ناتئة فوق سطح الأرض, لأنها إستطاعت بصلابتها أن تقاوم عوامل التعرية. وقد أطلق الجغرافي الألماني "تزيجفريد بسارجه " على مثل هذه الكتل الصخرية إسم الجزر الجبلية .
ويتميز "اللاندشافت الطبيعي" في مناطق التكوينات النارية - بالإضافة إلى هذا - بظاهرة البراكين اليت تختلف وتتباين في أشكالها بغختلاف طبيعة مادة اللابة اليت تنبثق من فوهاتها وكثيراً ما تنبثق الطفوح البركانية وتغطي مساحات واسعة من سطح الأرض, كما هي الحال, في هضبة حوران بسورية, ومنطقة أبي زعبل في جمهورية مصر العربية, وفي شضمال هضبة الدكن بالهند, وفي هضبة الحبشة وفي مناطق أخرى عديدة.
الصخور كمورد طبيعي
وللصخور في حد ذاتها (وليس لما تحتويه من معادن) أهمية كبيرة كمصادر رئيسية لمواد البناء, ولغيرها من الأغراض,فصخر الجرانيت بصلابته وقوة إحتماله وقابليته للصقل كثيراًِ ما يستخدم في بناء التماثيل, وفي تجميل المباني.
والصخور الجرانيتية واسعة الإنتشار في المناطق الجبلية بصورة عامة كجبال الأبلاش والروكي في الولايات المتحدة, وجبال البحر الأحمر في مصر, ومرتفعات إسكتلندة,وجبال النرويج, ومرتفعات شمال السويد, ويضاف إلى هذا أن الصخور الجرانيتية تدخل في التركيب الصخري لمعظم النظم الجبلية الهائلة في وسط أوروبا وفي جنوبها (الألب, والبرنس . . . إلخ), وفي قارة آسيا (الهيملايا والقوقاز).
ولعل أهم الأغراض التي يستخدم فيها الجرانيت حالياً, هي إستعماله وهو في صورة مصحونة في دق أساسات المباني الشاهقة الضخمة. وقد عظمت في السنوات الأخيرة كمية الجرانيت المستخدم في هذا الغرض وفاقت كثيراً الكمية التي تستخدم في الأغراض الأخرى.
وتوجد أهم محاجر الجرانيت العالمية في شرق الويلايات المتحدة في الإقليم الممتد من نيو إنجلند حتى ولاية كارولينا الشمالية, وخصوصاً في ولاية فرمونت التي يوجد بها محجر باري أكبر محاجر الجانيت العالمية. أما في مصر فتوجد أهم محاجر الجرانيت في جنوب شرق مدينة أسوان, وهي نفس المنطقة التي كانت تزود المصريين القدماء بحاجتهم منه.
وللصخور الرسوبية أيضاً أهميتها من الناحية الإقتصادية, فالصلصال العازل للحرارة يعد بمثابة المادة الخام الرئيسية في اصلناعات الفخارية والخزفية التي قامت وإزدهرت في ألمانيا, وفرنسا, وإنجلترا, وتشيكوسلوفاكيا. وتأتي ألمانيا في مقدمة الدول المنتجة للخرف رغم المنافسة الشديدة بينها وبين فرنسا - وهي التي إستمرت أكثر من قرنين من الزمان - أما إنجلترا, فقد قامت فيها هذه الصناعة في القسم الغربي من إقليمها الأوسط في المنطقة الواقعة تقريباً في منتصف المسافة بين برمنجهام ومانشستر. ويرجع قيام الصناعة الخزفية في هذه المنطقة بالذات إلى: توافر الفحم, والعمال المدربين ووسائل النقل, هذا على الرغم من أن الصلصال المستخدم في هذه الصناعة ينقل مسافة تزيد على المائة ميل من محاجره الرئيسية في كورنوول وديفن في جنوب غرب إنجلترا, إلى منطقة الصناعات الخزفية .
وأهم أسواق منتجات الخزف البريطانية هي كندا, وإستراليا, والولايات المتحدة, وبعض دول أمريكا الجنوبية.
وتستخدم الصخور الجيرية أيضاً في اغراض عديدة, فهي ضرورية للصناعات الصلبية,ولصناعة تكرير السكر, ولأغراض زراعية عديدة (كمعادلة التربة الحمضية, وصناعة الأسمدة الكيمائية). والصخور الجيرية واسعة الإنتشار وتكاد توجد محاجرها في معظم دول العالم, وليس ادل على هذا من أن تحجير الصخرو الجيرية في الولايات المتحدة يمثل 75% تقريباً من جملة منتجات المحاجر, كما أن الصخور الجيرية في جمهورية مصر العربية تغطي حوالي نصف المساحة الإجمالية للبلاد وتنتشر محاجرها على طول الوادي فيما بين خطي عرض إسنا والقاهرة.
أما الصخور المتحولة, فأكثر انواعها إستخداماً هما الإردواز والرخام . أما الإردواز فتوجد أعظم محاجره في شمال ويلز, وكذلك في إقليم البحيرات في إنجلترا. وأهم غرض يستخدم فيه بناء سقوف المنازل, ومازالت إنجلترا حتى يومنا هذا أكبر الدول المصدرة له, وتأتي بعدها الولايات المتحدة. أما الرخام - وخو ما ذكرنا صخر متحول عن الحجر الجيري - فيستخدم هو الآخر في بناء التماثيل, والنصب التذكارية, والمباني الخالدة وفي غيرها من الأغراض,وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول المنتجة له حيث توجد أغلب محاجره في الولايات الأربع: فرمونت وتنسي , وجورجيا, وميزوري, وهي تنتج مجتمعة زهاء 85% من جملة إنتاج الولايات المتحدة من الرخام. وللرخام الإيطالي المستخرج من كرارا شهرة عالمية في صناعة التماثيل. في الوقت الحالي - أن إستخدام الرخام في صناعة التماثيل وما إليها قد هبط بصورة واضحة, وذلك لتأثر هذا الصخر بعوامل التجوية , ولتعرضه للبري والتلف, وقد حل الجرانيت محله في هذه الصناعة.
ومن الصناعات الهامة التي ترتبط بالصخور, والتي تطورت تطوراً كبيراً في سنوات ما بعد الحرب الأخيرة, صناعة الأسمنت. وبصنع الأسمنت عن طريق تسخين خليك من الصلصال والحجر الجيري المصحون, ويضاف إليهما الرمل. ويعرف الأسمنت المصنوع بهذه الطريقة "بأسمنت بورلاند ", وقد إنتشرت هذه الصناعة بعد الحرب اعالمية الثانية في كل دول أوروبا التي قاست ويلات الحرب, وذلك لشدة الحاجة إلى الأسمنت لإعادة بناء ما دمرته وخربته, ولهذا تأتي ألمانيا وإنجلترا,والإتحاد السوفيتي, وفرنسا على رأس الدول المنتجة. ويمكن القول بأن أوروبا والولايات المتحدة تنتجان معاً نحو 80% ممن جملة الإنتاج العالمي من الأسمنت.
ويكفي أن نذكر هنا للدلالة على عظم الزيادة التي قفزها إنتاج الأسمنت بعد اغلحرب الأخيرة, أن إنتاج الإقليم المصري من الأسمنت لم يزد في سنة 1939 عن 368 ألف طن. ولكنه قفز إلى نحو 1.800.000 طن في سنة 1962, وذلك لإطراد حركة تنفيذ الشمروعات العمرانية والإنتاجيةالإجتماعية منذ سنة 1952.
الصخور المعادن: يرتبط توزيع الخامات المعدنية المنتشرة على سطح الأرض إرتباطاً وثيقاً بتوزيع الأنواع الصخرية, فالصخور النارية تحوي معظم خامات المعادن الفلزية , ومثل هذه المعادن لا توجد فقط في الصخور النارية ولكنه تكونت أصلاًِ نتيجة وجود هذه الصخور, ولهذا فهي كثيراً ما توجد مركزة في صخور المناطق المحيطة بالكتل النارية,وهي التي تعرف "بالهالات المتحولة", أو قد تكون مترسبة في صورة عروق تمتد من الكتل النارية ذاتها, وتغزو الصخور الرسوبية التي توجد حولها.
وقد ترتبط بالصخور النارية معادن فلزية, تنجم عن تحللها وتآكلها بفعل عوامل التعرية المختلفة كما هي الحال في خامات الكاولين, والصلصال العازل للحرارة.
ويرجع السبب الرئيسي في إرتباط أهم المعادن الفلزيةبالصخور النارية, إلىأن هذه المعادن قد تكونت أول ما تكونت منمادة "الصهير " وهي في بداية مرحلة تبلورها, إذ كثيراً مايصاحب إندفاع كتل الصهير وتداخلها في صخور سطح الرض, تصاعد غازات وأبخرة تحتوي على كثير من العناصر التي تدخل في تركيب بعض المعادن. وقد تقابل هذه الأبخرة بعض المياه الهابطة من قشرة الأرض بالقرب من سطحها, فتبرد وتتحول إلى ما يشبه "الزبد" الذي يجد طريقه تحت الضغط الشديد إلى الشقوق والمفاصل - التي تتخلل الصخور المجاوةر للكتل النارية - حيث يتصلب على شكل عروق معدنية, منها ما يحتوي على القصدير, أو التنجستين, أو النحاس, أو الرصاص, أو الفضة, أو الزنك.
وقد تتكون المعادن من الكتل النارية - في أحيان أخرى - نتيجة التبلور المباشر من كتل الصهير, فعند برودة مادة الصهير المندفعة من أعماق الأرض نحو سطحها, تنفصل عنها بعض خامات المعادن الثقيلة مثل: الماجينتات, والإلمينايت, والكرومايت وغيرها,بحيث تترتب حسب درجة إنصهارها.
ولهذا - إذن - ليس بالغريب أن نجد الغالبية العظمى من المعادن متركزة في الصخور النارية أو بالقرب منها, أو في الصخور التي توجد حولها.
وقد تعرضت الصخور النارية في أغلب مناطق توزيعها لعمليات طويلة من الإلتواء تظهر على نطاق واسع, ولهذا يرتبط توزيعها السكاني على سطح الأرض بنطاقات الجبال الإلتوائية. وقد خضع كل نطاق من هذه الإلتواءات - بعد ذلك - لعمليات نحت وتفتيت وتقطيع, ولهذا نجد أن السلاسل الجبلية العظمى في العالم اليوم مثل: جبال الأنديز, والأورال, والقوقاز, وجبال الملايو . . . إلخ. تزود العالم بالكثير من إحتياجاته من المعادن الفلزية الرئيسية كالذهب, والفضة, والبلاتين, والنحاس, والرصاص, والزنك, والقصدير, والتنجستين وغيرها.
على أننا كثيراً ما نجد أنواعاً معينة من المعادن الرئيسية ترتبط بأنواع وفصائل معينة من الصخور النارية, فمعدن الكاسترايت - مثلأً - وهو خام القصدير الرئيسي, لا يوجد بكميات إقتصادية إلا مرتبطاً بصخور من عائلة الجرانيت, ونجد أيضاً أن معدناً مثل الكرومايت يكاد يرتبط هو الآخر بصخور البازلت أو الأوليفين. ومن هنا تبرز لنا أهمية تحديد نوع الصخور في تشخيص ومعرفة المعادن التي تحتويها.
وعلى هذا يمكن القول - بصورة عامة - بأن معظم المعادن الفلزية, يكاد يقتصر توزيعها المركز على مناطق الكتل القارية القديمة وعلى النطاقات الجبلية الإلتوائية
أما الصخور الرسوبية, فلها أيضاً أهميتها من ناحية ما تحتويه من معادن معظمها من اللافلزات مثل: الأسبستوس أو الصخر الحريري, والجبس والفوسفات, والبوتاس, علاوة على إحتوائها على خامات بعض المعادن الفلزية في صورة رواسب ضخمة مثل رواسب الهيماتيت .
ولا جدال في أن الفحم والبترول هماأهم مصادر الثروة التي ترتبط أيضاً بالصخور الرسوبية. فالفحم يوجد في أغلب الأحيان على شكل طبقات توجد خلال صخور العصر الكربوني,وهو العصر الذي تكون فيه الفحم في معظم جهات العالم. ويتألف الفحم كما هو معروف من بقايا نباتية تكونت تحت ظروف مناخ إستوائي بكل خصائصه وسماته. أما البترول فيوجد على هيئة سائل غليظ القوام, ولهاذ يرتبط توزيعه بالصخر الرسوبةي المسامية, رملية كانت أم جيرية, وهي التي يمكنها أن تمتص هذا السائل وتتشبع به. وقد سبق أن ذكرنا - أن البترول قد تكون في الحقيقة إزاء عملية تقطير بطئ للمواد العضوية (التي تتألف من بعض الكائنات العضوية الأولية) التي ترسبت في أول أمرها مع بعض الرواسب البحرية في المناطق الساحلية.
ويرتبط وجود حقول البترول بأنواع معينة من صور البناء الجيولوجي, بحيث تسمح بتراكمه في خزانات أو "مصايد" في باطن الأرض تتخلل الصخرو المسامية الرسوبية. ولعل أكثر المناطق الجيولوجية إحتمالاً لزيت البترول, هي الجهات الهامشية من المناطق الجبلية الإلتوائية الرئيسية.
ومن أهم العوامل التي ساعدت على الإستغلال الإقتصادي للمعادن التي تتوزع فوق سطح الأرض أو خلال صخورها, أن جميع هذه المعادن لا تتوزع في صخورالقشرة الأرضية بنسب متساوية, ولكن بعضه يتركز في مواضع معينة في صورة خامات معينة يمكن إستغلالها إقتصادياً والإستفادة منها كموارد إقتصادية ذات شأن.وحتىبعض العناصر المعدنية الواسعة الإنتشار مثل الحديد والألومنيوم - اللذين تبلغ نسبتهما في صخور القشرة 5.05%, 8.0% على التوالي - تتركز رواسبهما في مناطق معينة من سطح الأرض, فالحديد الخام مثلاً تتركز رواسبه في: إقليم اللورين في فرنسا, وفي لوكسمبورج, وفي شمال السويد, كما يتمثل ركازه في رواسب الحديد الضخمة في هضبة لبرادور.
لهذا نلاحظ أنه ما دولة مهما بلغت رقعة مساحتها, يمكنها أن تكتفي ذاتياً في إنتاج ما تحتاج إليه من معادن, فالمعادن المستغلة إقتصادية توجد في أقل من 1% من مساحة اليابس, ولا عجب إذن, إذا ما وجدنا القوى الإقتصادية الثلاث: الولايات المتحدة, والإتحاد السوفيتي, والكومنولث البريطاني, يعتمد كل منها على مصادر خارجية في الحصول في كثير من إحتياجاتها من المعادن.
الأقاليم الصخرية في العالم : تختلف صخور القشرة وتتباين من مكان إلى آخر فوق سطح كوكبنا, فقد نجد التركيب الصخري لإقليم من الأقاليم متناهياً في التعقيد كما قد نجد مناطق واسعة يسود فيه نوع معين الصخور, ولهذا إذا ما حاولنا أن نقسم العالم إلى أقاليم صخرية فلابد أن تجنح بنا مثل هذه التقسيمات نحو التعميم, إذ كثيراً ما نجد فروقات متعددة في داخل الإقليم الواحد, وإغفال مثل هذه الفروقات أمريبعدنا عن الدقة العلمية. ولكن مثل هذا الإعتراض ينطبق إلى حد كبير على التقسيمات الإقليمية العالمية ولا مفر من اللجوء إليه, لأنه يعطينا في النهاية فكرة عامة عن أنماط توزيع الأنواع الصخرية في العالم على النحو الآتي:
أولاً - إقليم الصخور البلورية القديمة : ويضم هذا الإقليم مناطق واسعة من العالم تتمثل في كل الكتل الصلبة القديمة التي كانت بمثل النويات التي نمت حولها كتل القارات,ومن أمثلتها كتلة لورنشيا الواقعة حول خليج هدسون في أمريكا الشمالية, وكتلة فنوسكانديا الواقعة حول بحر البلطيق, وكتلتي جيانا والبرازيل في أمريكا الجنوبية, وكتلة أفريقيا التي تضم مناطق واسعة من هذه القارة, وكتلة إستراليا التي توجد في الجزء الجنوبي الغربي من قارة إستراليا.
ثانياً - إقليم الصخور الرسوبية المتماسكة : وتضم معظم المناطق التي تتكون من صخور رسوبية لم تتعرض لحركات التصدع والإلتواء, كما هي الحال في سهول سيبيريا, وسهول أمريكا الشمالية, ومناطق الأحواض في أفريقيا . . . إلخ, وكلا مناطق تعرضت خلال تاريخها الجيولوجي الطويل لطغيان مياه البحار الجيولوجية, مما أدى إلى تراكم طبقات من الصخور الرسوبية وتغطيتها لمساحات واسعة من سطح الأرض.
ثالثاً - إقليم الإرسابات الحديثة "السائبة" : ويضم المناطق التي تنتشر على سطح الأرض فيها تكوينات من الرمال السافية كالتي تملأ بعض المناطق الحوضية في الإقاليم الجافة بصفة خاصة, والتي يطلق عليها إٍسم صحاري العرق , وهي عبارة عن مناطق حوضية تنتشر بها كثبان من الرمال. كما يضم هذا الإقليم المناطق التي تغطي سطح الأرض فيها تربة اللويس المعروفة, كما هي الحال في حوض الصين العظيم, وجنوب غرب آسيا, وبراري الولايات المتحدة, وشرق أوروبا, وسهول المجر. ويمكننا ا، نضم أيضاً إلى هذا الإقليم معظم أودية الأنهار وسهولها الفيضية على أساس أنها تتكون من رواسب حديثة غير متماسكة معظمها من النوع الفيضي .
رابعاً - إقليم الصخور "الطفحية" : ويضم مناطق الطفوح البازلتية والصخور الزجاجية الشكل كما هي الحال في هضبة الحبشة - حيث تتألف هذه الطفوح من طبقتين طبقة سفلى قديمة تعرف بطيقة أشانجي وطبقة عليا حديثة تعرف بطبقة مجدالا ويبلغ سمكهما معاً أكثر من ثلاثلة كيلومترات - وكما هي الحال أيضاً في طفوح الدكن في شمال غرب هضبة الدكن, وطفوح هضبة كولومبيا والمكسيك بأمريكا الشمالية.
خامساً - إقليم الصخور المختلطة: ويتميز هذا الإقليم بتعقيد تكوينه الصخري, وبوجود الصخور البلورية القديمة جنباً إلى جنب مع الصخرو الرسوبية, وتتميز أنواع الصخور الأخيرة في هذا الإقليم بأنها تعرضت للإلتواء والتصدع, ولتداخل كتل من الصخور النارية فيها, مما أدى إلى تعقد تركيبها. ويضم هذا الإقليم معظم النطاقات الجبلية الإلتوائية التي ما هي إلا تكوينات رسوبية تعرضت لحركات أوروجينية أدت إلى إلتوائها على هيئة سلاسل جبلية.
سادساً - إقليم الغطاءات الجليدية: ويضم المنطق التي تغطي سطح الأرض فيها غطاءات جليدية سميكة أدت إلى إخفاء كل معالم التكوين الصخري كما هي الحال في جزيرة جرينلند وقارة أنتراكتيكا.
الفصل الرابع: دراسة تحليلية للعمليات الجيومورفية
تعرضت قشرة الأرض بعد أن تم تكوينها لعمليات عديدة معقدة أدت إلى تشكيل معالمها السطحية وتغييرها. وقد كان "بنك " أول من قسم هذه العمليات إلى مجموعتين رئيسيتين:
1-مجموعة العمليات الخارجية : وهي تؤثر في سطح الأرض بواسطة عوامل الحرارة, والرياح, والمياه الجارية, والمياه الجوفية, والجلدي, والكائنات الحية, وتهدف هذه العوامل في النهاية إلى إزالة تضرس قشرة الأرض الخارجية وتسويتها, ومن هنا سمهاها "تشمبرلن " و"سولزبري ", بالعمليات التحاتية . وتستمد معظم العوامل التحاتية طاقتها بطيق غير مباشر من طاقة الشمس متآزرة مع الجاذبية الأرضية, فطاقة الشمس الحرارية هي التي تبخر ميه المحيطات التي تتكاثف في طبقات الجو العليا, ثم تتساقط على سطح الأرض على صوة أمطار وثلوج, وتنحدر على هذا السطح مرة أخرى صوب المحيط بفعل الجاذبية الأرضية على هيئة أنهار جارية وجليد متحرك. وطاقة الشمس وقوة الجاذبية الأرضية مسئولتان كذلك عن حركة الرياح, فطاقة الشمس هي التي تخلق النطاقات المتغايرة من الضغط الجوي على سطح الأرض, كما أن حركة الرياح - التي هي عبارة عن كتل الهواء - تنتقل من منطقة ضغط إلى أخرى بفعل الجاذبية الأرضية ما هي في الواقع إلا محاولة من جانب الطبيعة لإحداث نوع من التوازن في توزيع الضغط الجوي على سطح الكرة ألرضية, هذا بالإضافة إلى أن الرياح في حد ذاتها هي المسئولة عن ظاهرة التساقط, وعن حركة الأمواج على طول خطوط السواحل, هذا فضلأً عن كونها تؤثر تأثيراً مباشراً في تشكيل تضاريس اليابس ذلاته.
وتعمل قوى التحات على مر الأزمنة على نحت المناطق المرتفعة وملء المنخفضات, ومن هنا جاء تقسيم تلك القوى إلأى قسمين رئيسيين: قوى "التخفيض"، وقوى الإرساب أو الردم .
2-مجموعة العمليات الداخلية : ومصدرها باطن الأرض, ومن هنا جاءت تسميتها بالعمليات التكتونية (مشتقة من كلمة الإغريقية ومعناها باطني) وتؤدي هذه العمليات إلى إحداث تغيرات فجئية أو بطيئة في قشرة الأرض. وهذه المجموعة من العمليات الجيومورفية هي المسئولة وحدها عن تكون المظاهر التضاريسية الأصلية, فهي التي تكون المرتفعات والمنخفضات, وهي التي تسبب الصدوع والأخاديد, وتتأثر كل هذه الصور التضاريسية بدروها بمجموعة العمليات الخارجية ممثلة في قوى النحت والإرساب, فكـأن هاتين المجموعتين في صراع أبدي مستمر على مدى الأزمنة والعصور, إذ بينما تعمل الأولى على تضرس قشرة الأرض وجعل سطحها دائماً ذا مناسيب متفاوتة, نجد أ، قوى التحات تدأب على تسوية هذا التضرس, وجعل سطح الأرض في صورة سهل منبسط. فالجزر البريطانية, مثلأً, كانت في وقت من الأوقات عبارة عن سهل منبسط يكاد يعلو قليلاً عن مستوى سطح البحر, وهذا دليل على أن قوى التحات في ذلك الوقت هي التي كانت لها الغلبة في صراعها مع القوى التكتونية. ثم إنقلبت الآية بعد ذلك, وتمكنت القوى التكتونية من التغلب على قوى التحات, فأدى هذا إلى أن يبدأ الصراع من جديد بين هاتين القوتين. ويرى بعض العلماء أن الجزر البريطانية في وقتنا الحالي (رغم تنوعها الهائل في صورها التضاريسية والجيومورفولوجية) في طريقها إلى أن تتحول إلى سهل منبسط مستو مرة أخرى, ومعنى هذا ن منسوبها العام في إنخفاض مستمر يقدر البعض معدله بقدم واحد في كل 3500 سنة تقريباً. أي أنه بعد حوالي مليون سنة ستزال جميع الصور التضاريسية المتنوعة التي يتميز يها سطح الجزر البريطانية, وتتحول إلى شبه سهل منبسط أو قريب من الإنبساط.
أولاًك عمليات التخفيض : تنقسم عمليات التخفيض التي تؤدي إلى نحت المناطق المرتفعة من سطح الأرض حتى تسويتها بمستوى القاعدة إلى ثلاث عمليات: عملية التجوية , وعملية الإنهيار الأرضي , وعملية النحت .
أما عملية "التجوية" فتؤدي إلى تفكيك الصخر أو تحلله محلياً, فهي إذن عملية ثابتة لا يرتبط بعملها التحرك والإنتقال, وتؤدي إلى إعداد الصخر لأن ينقل بعد ذلك بواسطة عوامل متحركة كالهواء أو المياه الجارية والجليد, ولذا تعد بمثاية المرحلة الأولى في عملية التعرية .
وأما عملية "الإنهيار الأرضي" فتؤدي إلى إنحدار كميات هائلة من المفتتات والمواد الصخرية على طول المنحدرات والسفوح الجبلية وذلك بفعل الجاذبية الأرضية. وغالباً ما يساعد وجود المياه على إتمام هذه العملية بشرط ألا تكون المياه بكميات تجعل منا عاملأً متحركاً يستطيع حمل المفتتات الصخرية ونقلها. وعلى أساس نسبة المياه التي توجد بأنواع الإنهيارات الأرضية, يمكن التفرقة بينها وبين المياه الجارية التي تحمل حطامأً صخرياً. ولكنه رغم هذا تصعب التفرقة بين التدفقات الطينية التي كثيراً ما تنحدر على سفوح الجبال في الإقاليم الرطبة, وبين مجرى نهر سريع موحل وقد ذكر "شارب " الأمريكي أن هنالك سلسلة كبيرة من أنواع الإنهيارات الأرضية تتدرج من الأنواع المتناهية البطء التي يرتبط تحركها بوجود كميات محدودة من المياه, إلى الأنواع السريعة الفجائية التي إنما يساعد على سرعتها إرتفاع نسبة المياه بها, فهنالك الإنزلاقات الأرضية وتتحرك على طول منحدرات معتدلة, وتقل نسبة المياه بينما تعظم حمولتها من المفتتات والمواد الصخرية, وهنالك الهيارات الثلجية التي تشبهها إلى حد كبير مع إختلاف ظروف التكوين, وهنالك أيضاً تدفقات التربة والتدفقات الطينية, ثم المجاري المائية السريعة التي تتميز بعظم حمولتها من المياه وكميات قليلة نسبياً من المفتتات الصخرية.
أما عوامل النحت فيقصد بها مجموعة العوامل التي يرتبط بعملها التحرك والإنتقال, والتي تعمل أثناء تحركها على إزالة المواد الصخرية المفتتة ونقلها, فكأنها تختلف في هذا إختلافأً جوهرياً عن عوامل التجوية التي تعد الصخر لكي تؤثر فيه عوامل النحت بعد ذلك ويجب أن نلحظ دائماً أن عمليتي التجوية والنحت مستقلتان تمام الإستقلال عن بعضهما البعض ولس من الضروري أن تبدأ الثانية بعد نهاية الأولى.
عملية التجوية : وتتحكم في عملية التجوية أربعة عوامل هي:
- عامل تركيب الصخر.
- العامل المناخي.
- العامل الأوروجرافي.
- العامل الحيوي.
ويتوقف تأثير العامل الأول على التكوين المعدني للصخر, فهو وحده الذي سيحدد ما إذا كان الصخر عرضة لأن يتفكك بوسائل ميكانيكة أو كيمائية, كما يتوقف تأثير هذا العامل على بعض الخصائص الطبيعية الأخرى التي تميز الصخر كوجود المفاصل والشقوق , وسطوح الإنفصال, والإنكسارات. ولا جدال في أن تميز الصخر بمثل هذه الخصائص لابد أن يساعد عملية التجوية على إتمام عملها.
أما العامل المناخي بعنصريه الرئيسيين: الحرارة والرطوبة, فهو الذي يحدد كذلك درجة تاثر الصخر بعملية التجوية ونوعها, كما أن العامل الأوروجرافي هو الذي يحدد مدى تعرض الصخر للظواهر الجوية من حرارة إلى تساقط, وللعامل الحيوي هو الآخر تأثير مباشرعملية تفكك الصخر, فهو الذي يؤدي إلى معرفة كمية المواد العضوية المتحللة التي تسهم في تحليل الصخر بوسائل كيمائية. وقد جرى العرف على تقسيم عمليات التجوية إلى قسمين:
1-عمليات التجوية الميكانيكية, ويقصد بها تلك العمليات التي يمر بها الصخر الصلد والتي تؤدي إلى إنفصاله إلى جزيئات ومفتتات بشرط أن يظل تكوينه العنصري كما هو دون أن يتغير.
2-عمليات التجوية الكيمائية, وتضم كل العمليات التي تعمل على تآكل الصخر وتحلله والتي تتعرض خلالها المعادن التي يتكون منها الصخر لأ، يتغير تركيبها العنصري.
1-التجوية الميكانيكة: أما عمليات التجوية الميكانيكية فتسببها عدة عوامل هي:
1-عامل التعدد الذي يؤثر في الصخور النارية إذا ما أزيل الحمل الواقع عليها من طبقات رسوبية.
2-عامل النمو البلوري.
3-عامل التمدد الحراري.
4-عامل النشاط العضوي.
أما العامل الأول وهو عامل التمدد الذي يصاحب إزالة الطبقات الرسوبية الواقعة فوق كتل جرانيتية تكونت في أعماق سحيقة, فيؤدي إلى تكون شروخ على نطاق واسع في هذه الكتل بحيث تتمشى مع سطح الأرض, وتعمل على إنقسام كتل الجرانيت إلى قشور وشرائح تزداد كثافتها كلما إقتربنا من سطح الأرض.
ويساعد عامل النو البلوري على تشقق الصخر, وتفلقه, إذ إنه ما تعرضت مياه الأمطار - التي كثيراً ما تملأ شقوق الصخر ومفاصله - للتجمد فلابد أن يزداد حجمها بحوالي 10% وذلك لنمو بلورات من الثلج تضغط على كتل الصخر التي تجاورها, مما يؤدي إلى تمزقها ثم تفتتها عندما تذوب البلورات أو تضمر.
ويتزايد تأثير هذا العامل في المناطق التي تتعاقب عليها فترات من التجمد والذوبان كما هي الحال في العروض الوسطى والعليا أثناء فصل الشتاء بصفة خاصة, إذ يؤدي تعاقب مرور الأعاصير وأضدادها على تلك المناطق - وما يصاحبهما في المعتاد من كتل هوائية دفئية وباردة - إلى إحداث حالات متتالية من التجمد والذوبان تعمل على تفكيك الصخر. وكثيراً ما يزداد نمو بلروات بعض الأملاح بواسطة الجاذبية الشعرية أو بمعنى آخر أثناء صعود محاليل هذه الأملاح من جوف الأرض إلى سطحها, مما يساعد على تفكك سطوح الصخور التي تنفذ خلالها, ولكن تأثير هذه العملية تأثير محلي محدود وقلما تحدث على نطاق واسع.
وكثيراً ما تتعرض الصخور في المناطق الصحراوية الحارة لعامل التمدد الحراري إذ يؤدي إلى إرتفاع درجة الحرارة إلى تمدد معادن الصخر بنسب متفاوتة, والصخور أياً كان نوعها ليست جيدة التوصيل للحرارة, ولهذا يبدو أن تكرار عملية تسخين الصخر وبرودته لابد أن يؤدي إلى تقشر سطح الكتلة الصخرية وحده, ثم تساقط قشوره الواحدة تلو الأخرى. ويرجع السبب في تقشر سطح الكتلة الصخرية وحده إلى بطء إنتقال الحرارة المكتسبة عن طريق التسخين الشديد إلى بقية أجزاء الكتلة الصخرية. والذي يهمنا هو أ، تتابع الحرارة والبرودة لابد أن يؤدي إلى تمدد الصخر ثم إنكماشه, فتتكون بعض الشروخ والشقوق في الكتلة الصخرية, بحيث تكون كلها عمودية على سطحها. هذا وتتعرض الصخور النارية بالذات في المناطق الصحراوية لظاهرة التقشر بصورة واضحة فينتج عنها سقوط جوانب الكتلة الصخرية الحادة الزوايا وهي التي تتفكك وتتشقق أكثر من قلب الكتلة ذاتها, وتزداد بعد ذلك إستدارة الكتلة الداخلية بتوالي عملية التمدد والإنكماش على هذا النخو مما يؤدي إلى ظهور الكتلة الصخرية على هيئة نواة داخلية تحيط بها قشور تتساقط بعد ذلك, وكثيراً ما تسمع قرقعة هذه القشور وصوت سقوطها على مسافات بعيدة.
أما العامل الحيوي أو عامل التفكك بفعل الكائنات الحية, فله هو الآخر تأثير مباشر على عملية تفكيك الصخر بوسائل ميكانيكية, إذ إن لكثير من أنواع الحيوانات القارضة , وأنواع عديدة من النمل , قدرة كبيرة على إعداد الصخر للتفكك كخطوة أولى لنحته ونقله بفعل المياه والرياح والجليد. كما تلعب ديدان الأرض دوراً كبيراً في الصخور الأصلية طبقة سميكة من التربة, ويرجع عظم تأثير هذه الديدان في تفكيك التربة والصخر إلى كثرة أعدادها في الرقعة المحدودة من الأرض, إذ يبلغ عددها في المتوسط حوالي 150 ألف دودة في الفدان الواحد من الأرض. كما أن نمو جذور النباتات في الصخر كثيراً ما يساعد على توسيع شقوق الصخر ومفاصله مما يؤدي في النهاية إلى تفككه. وهناك بعض أنواع من النبات الفطر (كنوع من أنواع عيش الغراب يعرف بال وبعض أنواع من الأشن ) لها قدرة كبيرة على إستخلاص بعض العناصر الكيماوية الداخلة في تركيب معادن الصخر مما يؤدي إلى تفككه وسهولة إنجرافه بعد ذلك. كما أن للبكتيريا أثر واضحاً في تحليل بقايا الكائنات الحية النباتية والحيوانية, مما يؤدي إلى إنطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون, وبعض الأحماض العضوية, بالإضافة إلى النشادر وحامض النتريك, وكلها تعمل على زيادة طاقة المياه الموجودة في التربة على الإذابة, ويتكون نتيجة لهذا مركب غروي الملمس هو الذي عرف بالدبال , وهي تلك الطبقة الغروية السوداء التي تعلو سطح ألرض في المناطق التي يزداد فيها نشاط عمليات التحلل العضوي.
وتساعد غرويات التربة كما ذكر "رايخ ", على تفكيك وإجتذاب قطع وشظايا صخرية, وذلك في مناطق الإحتكاك بينها وبين الصخور. وقد أطلق "رايخ" على عملية التفكيك الميكانيكي التي تحدث على هذا النحو إسم عملية "الجذب الغري" , ودراسة أثر هذه العملية في تفكيك الصخر لم يقم بها أحد إلى الآن سوى "رايخ" ولذا يصعب تقييم مساهمتها في هذا الصدد.
وجدير بالذكر أن الكائنات الحية ليست دائماً عوامل هدم, إذ تعمل جذور النبات على تماسك التربة ومنع الإنزلاقها على الجوانب المنحدرات, وتعمل كذلك على تهوية التربة, كما أن الغابات تحد دائماً من قوة مياه الأمطار, وتعمل على ذوبان الجليد بصورة بطيئة وليست فجائية, ولهذا كانت لإزالة الغابات وإجتثاثها آثار سيئة على التربة, وعلى تكوين الصخر, ومن الأمثلة الواضحة لهذا مناطق "البادلاندز ", أو الأراضي الوعرة التي توجد في غرب الولايات المتحدة, وهي التي تعرضت السلاسل الجبلية فيها لأن تتقطع اليهودية في فلسطين مع هذه المناطق في أنها هي الأخرى تعتبر بمثابة "بادلاند" هو الآخر - بتقطيعه للغابات - أحد عوامل الهدم في الطبيعة, ويمكن أن نعتبره ضمن مجموعة العوامل البيولوجية اليت تسبب التفكك.
التجوية الكيمائية: أما عوامل التجوية الكيمائية للصخر فتنتج في المعتاد عن إتحاد الأوكسجين أو ثاني أوكسيد الكربون أو الماء مع العناصر التي تتكون منها المعادن الصخرية. ولهذا تنقسم عمليات التجوية الكيماوية للصخور إلى أربعة أقسام رئيسية:
1-عملية التأكسد .
2-عملية التكربن .
3-عملية التموء (إضافة بخار الماء) .
4-عملية الإذابة .
وتسهم هذه العمليات مساهمة كبيرة في تحليل الصخر وتفكيكه, وذلك لأنها تساعد على تكوين معادن جديدة لها خصائص تختلف تماماً عن خصائص المعادن الأصلية وذلك من حيث الشكل والصلابة وقابليتها للذوبان. ولهذا نجد أن عملية التجوية الكيمائية للصخر تعمل على تفكيكه أما بتكيون معادن جديدة أقل في مقاومتها لعوامل النحت من المعادن الأصلية, أو بواسطة قوةالتمدد الناجمة عن إزدياد حجم معادن الصخر إذا ما تعرضت للتأكسد أو التموء.
ومما يساعد على عملية التأكسد, أن مياه الأمطار ومياه الأنهار التي تتسرب في قشرة الأرض, تحوي جميعاً مقادير كبيرة من الأوكسجين, فإذا ما إتحد بعض هذا الأوكسجين مع عنصر من العناصر المتعددة التي تتألف منها عمادن الصخر, تحول هذا العنصر إلى مادة أقل مقاومة لعوامل النحت هي التي تعرف بالأكسيد, ويتأثر عنصر الحديد أكثر ما يتأثر بهذه العملية, ولهذا كانت أكاسيده واسعة الإنتشار على سطح الأرض إذ تدخل في تكوين الصخور النارية كما تمثل المواد اللاحمة لبعض أنواع الصخور الرسوبية. ولابد أن يتعرض الحديد للتمدد وإزدياد حجمه إذا ما تعرض للصدأ سواء كان هذا الصدأ ناتجاً عن تأكسده أو عن تموئه, مما يؤدي في النهاية إلى تمزيق جزئيات الصخر وتفكيكها.
أما عملية التكربن فتسود في الجهات المعتدلة الرطبة وفيها تندمج مياه الأمطار مع ثاني أوكسيد الكربون الذي يوجد في الجو, فتتحول إلى محلول مخفف من حامض الكربونيك يؤثر على عناصر البوتاسيوم والكالسيوم التي تتألف منها بعض معادن الصخور النارية (معدن الفلسبار) مما يؤدي إلى تكوين بلروات كبيرة الحجم من الكربونات تختلف في شكلها عن معادن الصخر الأصلية, وجعله عرضة للنحت والإزالة. ولا يقتصر تأثير هذه العملية على الصخور النارية وحدها بل تتأثر يها شتى أنواع الصخور.
أما عملية التموء فيقصد بها إتحاد بعض العناصر التي تتألف منها معادن الصخور بالماء أو بخاره فيساعد هذا الإتحاد على تحول معادن الصخر الأصلية إلى معادن جديدة أقل منها صلابة ومقاومة لعمليات النحت.
ولعل عملية الإذابة هي أهم هذه العمليات وأكثرها مساهمة في تفكيك الصخور بصفة عامة, وبنوع خاص في تفكيك الصخور التي تـتألف معادنها من عناصر قابلة للإذابة. وتؤدي هذه العملية إلى زيادة الفراغات البينية اليت توجد بين جزيئات الصخر. فعندما تتعرض مادة كربونات الكالسيوم - التي تتألف منها الصخور الجيرية - لفعل مياه الأمطار فلابد أ، تذاب, ومن المعروف أ، هذه الكربونات لا يذيبها الماء النقي إلا بدرجة قليلة, أمامياه الأمطار وما يندمج بها غاز ثاني أوكسيد الكربون فتعمل على إذابتها بصورة ملحوظة. وكثيراً ما تتخلف عن عملية إذابة كربونات الكالسيوم التي تكاد تتألف منها الصخور الجيرية, بعض المفتتات الصخرية وامواد غير القابلة للذوبان كالصوان والرمل والطين, وذلك لأن الصخور الجيرية لا تتألف في الوقاع من مادة كروبنات الكالسيوم وهي نقية تمام النقاوة, بل كثيراً ما تندمج بها بعض الشوائب من الرمل والحصى والعقد الصوانية. وكثيراً ما تعرف عملية إذابة بعض المواد القابلة للذوبان من الصخور بعملية غسل الصخر والنتيجة المباشرة لإذابة بعض المركبات الكيماوية من الصخور بواسطة هذه العملية, هي تحول الصخر من حالة التماسك والصلابة إلى حالة من التفكك وعدم التماسك, إذا ما يسهل بعد ذلك عملية نحته وإزالته بواسطة عوامل النحت المختلفة, وهذا ما يحدث, إذا ما تعرضت المواد الكلسية اللاحمة في الصخرو الرملية الجيرية لأن تذاب بفعل مياه الأمطار, إذ تتحول كتلة الصخر الرملي الصلبة إلى كتلة هشة مسامية تتألف من ذرات غير متلاحمة من الرمال.
وتحدث عملية التفكك الكيماوي لشتى أنواع الصخور سواء كانت هذه الصخور رسوبية أم نارية. ومياه الأمطار التي غالباً ما تختلط بثاني أوكسيد الكربون الموجود في الجو, هي المسئولة إلى حد كبير عن إذابة بعض المواد الصخرية التي تقبل الإذابة, ولابد لكي تكون مياه الأمطار ذات أثر فعال على صخور القشرة منأ، تؤازرها حرارة مرتفعة, ولهذا نجد أن الأقاليم المدارية المطيرة تفوق بقية جهات العالم الأخرى في ظاهرة تعرض صخورها لعمليات التحليل الكيمائية, باللاتريت (مشتقة من اليونانية ومعناها طوب أحمر) وذلك لأن غزارة الأمطار مع إرتفاع درجة الحرارة تؤدي إلى غسل الصخر في هذه الأقاليم, وإذابة المواد السليكية التي تدخل في تركيبه, وتتخلف في النهاية بعض الأكاسيد التي لا تقبل الذوبان في الماء كأكاسيد الحديد والألومينوم, ووجود هذه الأكاسيد بنسب كبيرة في المناطق المدارية هو السبب ف غعطاء تربة اللاتريت ذلك اللون الضارب إلى الإحمرار الذي تتميز به.
وجدير بالملاحظة, أنه في حالة ترعض منطقة ما تتكون من طبقات متتالية من الصخرو الرسوبية المتفاوتة فر درجة صلابتها, لعمليات التحلل الكيمائي فلابد أن يتم إنحلال الطبقات اللينة بدرجة تفوق إنحلال الطبقات الصلبة اليت تظل صخورها بارزة فوق سطح الرض, وتعرف هذه العملية التجوية المتغايرة .
ولا جدال في أن وجود الشروخ والمفاصل في الصخرو, يساعد على تسرب مياه الأمطار المحملة بثاني أوكسيد الكربون خلالها ثم تأثيرها في كل كتلة من كتل الصخر المتشقق على حدة,مما يؤدي في النهاية إلى تفككها إلى صورة شبه كروية, ولهذا يعرف هذا النوع من أنواع التفكك - الذي يشترط لإتمامه كثرة المفاصل والشروخ في الصخر - بالتفكك شبه الكروي .
ويعزى إتخاذ كتلة الصخر المشتقق ذلك المظهر شبه الكروي, إلى أن زوايا كتلة الصخر غالباً ما تكون أكثر تحللاً من داخلها, ولذا تتعرض هذه الزوايا لتحلل السريع وتتحول كتلة الصخر إلى كتلة ذات شكل كروي.
عملية الإنهيارالأرضي : وتعد من العمليات الجيومورفية الهامة التي لها أثر كبير في تشكيل سطح الأرض, ولكن دراستها على الرغم من هذا, لم تلق كل ما يستحتق من عناية إلا في السنوات الأخيرة. ويرجع الفضل في إبراز أهمية هذه العملية إلى الجيومورفولوجي الأمريكي "شارب " الذي كان أول من قام بدراستها دراسة تحليلية أسس علمية ثابتة, كما كان أول قسم أنواع الإنهيار الأرضي إلى أقسام واضحة ذاعت وإنتشرت بعد ذلك بين الجيومورفولوجيين على الرغم مما يوجه إليها من نقد وإعتراض من بعضهم, وقد وضح "شارب" ثلاثة أنواع رئيسية على النحو التالي:
أولاً - أنواع الإنهيار الأرضي البطىء: وتتمثل في عمليات زحف التربة والمفتتات الصخرية على طول سفوح الجبال ومنحدارتها بصورة بطيئة بحيث لا يمكن مشاهدتها إلا بدراستها عن كثب لمدة فترة طويلة, وعلى هذا تضم أنواع الإنهيار الأرضي البطئ عمليات زحف التربة , وعمليات زحف ركام السفوح , وعمليات الزحف الصخري التي تؤدي إلى إنحدار كتل منفردة من الصخر إنحداراً بطيئاً على طول سفح جبلي أو حافة هضبة, وعمليات إنحدار كميات كبيرة من المفتتات الصخرية المشبعة بالمياه على طول منحدر ما دون أ، يحددها مجرى مائي واتضح, وهي التي اطلق عليها "شارب" إسم الإنهيار المشبع بالمياه أو تدفق التربة .
ثانياً - أنواع الإنهيار الأرضي السريع: وتتمثل في تدفق كميات من المواد الصلصالية المتشبعة بالمياه تدفقاً سريعأً على طول منحدر ما, كما تتمثل في التدفقات الطينية التي تنحدر من على مصطبة أو حافة, بحيث يحدد تدفقها مجرى مائي واضخ, وإنهيار المفتتات الجلدية على طول حافات شديدة الإنحدار.
ثالثاً - أنواع الإنزلاق الأرضي : وتتمثل في أنواع الإنهيار الأرضي التي يمكننا أن نلحظ آثارها السريعة في كثير من حهات العالم, ويرتبط بها ف يمعظم الحالات تدحرج وإنحدار كتل كبيرة من الصخر, جافة نسبياً, وكثيرأً ما تعمل هذه الأنواع على سد المجاري العليا للأنهار في المناطق الجبلية بواسطة كميات كبيرة من المفتتات والكتل الصخرية مما يؤدي إلى حجر مياه الأنهار أمامها, وتحويل الأجزاء العليا من مجاريها إلى بحيرات طولية.
وتضم أنواع الإنزلاق الأرضي, عمليات إنزلاق كتل من الصخر تتميز بدورة خلفية على طول منحدر ما (تعرف بال ), وعمليات إنزلاق مفتتات صخرية دون دورتها على طول المنحدر دورة خلفية (وهي التي تعرف بال ) وعمليات سقوط الحطام من على حافى رأسية, وعمليات إنزلاق الصخر اليت هي عبارة عن سقوط كتل كبيرة من الصخر على طول سفح جبلي, وتنفصل مثل هذه الكتل الصخرية الكبيرة في المعتاد من سطح المنحدر الذي تتميز صخوره بكثرة شقوقها ومفاصلها أو بتعرضها للإنكسار, كما تضم هذه الأنواع أيضاً عملية سقوط الصخر من على منحدرات شديدة بفعل قوى الجاذبية. وجدير بالذكر أن أنواع الإنزلاق الأرضي هي أكثر أنواع الإنهيار سرعة, وأكثرها مساهمة في تغيير المعالم التضاريسية لسطح الأرض.
ولابد بطبيعة الحال من توافر عدة شروط - بعضها جيولوجي والبعض الآخر طبوغرافي أو مناخي - لكي تتم عملية الإنهيار الأرضي بصورة سريعة. أما الشروط الجيولوجية فتتمثل في:
1-وجود تكوينات غير متماسكة تتحول إلى حالة زلقة إذا ما تشبعت بالرطوبة بحيث تؤدي دور "تشحيم" كتل الصخر ومساعدتها على الإنزلاق.
2-وجود سطح إنفصال بين الطبقات, وتعدد شقوق الصخر ومفاصله وتقاربها من بعضها البعض, وميل الطبقات ميلاً شديداً.
وأما الشروط الطبوغرافية فتتمثل في ضرورة وجود منحدرات شديدة أو حوائط عاليو بحيث تعمل المياه الجارية على زيادة إنحدارها وراسيتها مما يساعد على حدوث عملية الإنهيار السريع بفعل الجاذبية.
وأما الشروط المناخية فتتمثل في: 1-عظم المدى الحراري اليومي والسنوي.
2-تتابع ظاهرة التجمد والذوبان .
3-عظم كميات التساقط وغزارة الأمطار وإتخاذها شكل سيول جارفة, كما أ، ندرة النباتات الطبيعية, وقلة كثافتها تؤدي أيضاً إلى عدم تثبيت تكوينات المنحدرات مما يسهل عملية إنزلاقها.
عوامل النحت: تعتبر المياه الجارية والهواء والجليد أهم عوامل النحت: فالمعروف أن الصخر الذي يتفكك محلياً لا يبقى في مكانه وإنما يتم نقله بواسطة هذه العوامل ويؤدي هذا إلى تحرك المفتتات الصخرية على وجه الأرض وإحتكاكها ببعضها البعض مما يساعد في الواقع على زيادة تفتتيتها. وينبغي أن ندرك دائماً أن عوامل النحت من هواء إلى مياه جارية إلى جليد, لا تنحت الصخر بنفسها بل يساعدها على إتمام هذه العملية ما تدفعه معها وهي تتحرك من مواد مفتتة. فكأن المواد المفتتة إذن, هي بمثابة مطارق الهدم التي يستخدمها عوامل النحت في نحت الصخور وتفتتيتها, ولكن هذا لا ينفي القول بأن بعض العوامل تستطيع القيام بعملية النحت من تلقاء نفسها, ويمكن حصر العوامل تساعد على عملية النحت على النحو التالي:
(أ) المياه الجارية: وهي أكثر عوامل النحت اثراً في تشكيل سطح الأرض, وذلك لأن مياه الأمطار إذا ما تجمعت, تكون مسيلات مائية وجداول ترتبط ببعضها البعض, وتكون أنهاراً جارية وتنجدر على سطح الأرض بفعل قوة الجاذبية الأرضية وتساعد على نحت سطح الأرض وتشكيله. ولا يقتصر تأثير المايه الجارية على المناطق المطيرة وحدها بل يتعداها إلى المناطق الصحرايوة سواء كانت هذه الصحاري باردة أم دفيئة, إذ يؤدي تكون المياه بعد ذوبان الثلوج في الصحاري الباردة إلى نحت الصخور وتعريتها, كما يؤدي تساقط الأمطار الفجائية في الصحاري المدارية إلى تكوين سيول جارفة تعتبر عاملاً هاماً في تشكيل سطح الأرض في هذه الصحاري.
(ب) الهواء: ويعتبر هو الآخر عاملاً هاماً يساهم في نحت الصخر وتفتيته, ولاشك في أن الهواء الثابت ليس لهل أثر يذكر في هذا الصدد, فلهواء المتحرك على شكل رياح هو وحده الذي يستطيع النحت والنقل. وتتوقف مقدرة هذا الهواء على النحت على: سرعته, وعلى مقدار ما يدفعه من المواد المفككة, وعلى درجة رطوبته. ويعتبر عامل المواد المفتتة التي تدفعها الرياح أهم هذه العوامل قاطبة, فهذه المواد هي التي تساعدها على النحت, وكلما كان الهواء سريعاً في حركته كان دفعه للمواد المفككة شديدأً, ولابد بالضرورة كذلك من أن يزداد ضغط هذه المواد المندفعة على الصخور التي تصطدم بها أثناء إندفاعها مع الهواء, مما يؤدي في النهاية إلى تفككها وتفتتها. كما نلاحظ أيضاً أن الرياح القوية في المناطق الجافة, أقدر على النحت من الرياح الرطبة في المناطق المطيرة, وذلك لأن الهواء الجاف يستطيع إثارة الأتربة والرمال ودغعها معه, وخصوصاً أن الأقاليم الجافة ليس بها من الرطوبة القدر الذي يكفي لتماسك هذه الأتربة والرمال. أما في الجهات الرطبة التي تغزر بها الأمطار, أو ترتفع بها نسبة الرطوبة, أو تغطيتها غطاءات نباتية كثيفة, فلا تستطيع الرياح فيها أن تثير الأتربة أو الرمال, وتصبح مجردة تماماً منمعاول الهدم والنحت مما يؤدي إلأى قلة مقدرتها على النحت.
(ج) الجليد المتحرك: ويعتبر هو الآخر عاملا ً هاماً من عوامل النحت, إذ يساعد ثقله العظيم على نحت الصخور أثناء حركته فوقها. ويختلف أثر الجليد المتحرك في هاذ الصدد عن أثر الرياح لأنه يستطيع أن ينحت سواء كان يحمل من معاول الهدم, أو كان خلوا منها, وذلك لأن الجليد ثقلأً وضغطاً , وضغط الجليد على الصخور التي تيحرك فوقها, هو الذي يؤدي إلى تفتيتها ونحتها. ويظهر أثر الجليد المتحرك - في نحت الصخور - أكثر ما يظهر في المناطق الجبلية العظيمة الإرتفاع, وذلك لأن البرودة الشديدة في مثل هذه المناطق هي التي تساعد على تكون الجليد وتراكمه.
وقد قسم الأستاذ الأمريكي "ثورنبري ", عمليات النحت تمر بأربع خطوات رئيسية هي:
أولاً: إجتذاب المواد الصخرية المفككة وإكتسابها بواسطة أحد عوامل النحت لخمسة السالف ذكرها.
ثانياً: تفكك الصخر وتفتته نتيجة الضغط الواقع عليه من المواد المفككة أثناء حركتها.
ثالثاً زيادة تفتت المواد الصخرية المفتتة نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض الآخر أثناء حركتها,ويتم هذا عادة بطريقة الجر أو السحب أو بطريقة التعلق الإذابة او الطفو.
رابعاً: نقل الحطام الصخري: وفيما يتصل بقدرة امياه الجارية على النحت, نجد أن الخطوة الأولى التي تساعد على إكتساب المواد الصخرية المفككة وإجتذابها, تتم في الواقع بوساطة قوة ضغط المياه التي اطلق عليه الأستاذ الأمريكي "مالوت " إسم الإغتصاب النهري (مشتقة من الكلمتين اللاتينيتين ومعناها نهر والفعل ومعناها يغتصب أو يستولي على). أماالخطوة الأولى التي تبدأ بها عملية النحت بفعل الرياح فتتم بواسطة قوة دفع الرياح التي تسبب التذرية , كما أن عملية النحت بفعل الجليد المتحرك تبدأ بإكتساب المواد المفككة بقوة ضغط الجليد وثقله على الصخور .
والمعروف أن عوامل النحت المختلفة من رياح إلى مياه جارية . . . إلخ, إنما تساعدها على إتمام عملية النحت تلك المفتتات الصخرية التي تحملها، وتعرف عملية النحت بفعل هذه المفتتات بعملية ال أو ال (البري بالنسبة للرياح), إذ تتم مثلاً عملية نحت جوانب الأنهار وقيعانها بواسطة قة ضغط مياه ألأنهار بمساعدة تلك المفتتات الصخرية التي تحملها هذه المياه, إذ تعمل هذه المفتتات الصخرية على تعميق قاع النهر نتيجة تحرك المفتتات الصخرية التي تحملها مياهه حركة دائرية متأثرة القاع في المناطق التي تتحرك فيها هذه المفتتات الصخرية, ثم تتسع هذه الفجوات ويكبر حجمها بالتدريج حتى تتصلب ببعضها التي في النهاية مما يؤدي إلى زيادة عمق المجرى.
أما إذا ساهمت في عملية النحت وسائل كيماوية كأن تذاب التكوينات الصخرية التي يشق النهر طريقه خلها وذلك بواسطة مياه النهر وما تحمله من ثاني أكسيد الكربون, فتعرف عملية النحت حينئذ بعملية النحت الكيمائي وجدير بالذكر أن المياه الجوفية تعمل على نحت سطح ألرض وجوفها عن طريق عملية النحت الكيمائي وحدها.
وتتشارك عوامل النحت الئيسية (بإستثناء المياه الجوفية) في أن المواد المفككة التي تحملها يزداد تفتتها نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض ما يسهل بعد ذلك عملية نقلها من مكان إلى آخر بواسطة هذه العوامل, وتؤدي عملية إحتكاك المواد الصخرية المفككة ببعضها البعض إلى صقلها وطحنها مما يعمل في النهاية على زيادة صغر حجمها وتضاؤله.
وتتم عملية نقل المواد الصخرية المفتتة باربع وسائل:
(أ) الجرار أو السحب : وهي الطريقة الرئيسية التي تنقل بها هذه المواد سواء بقوة ضغط المياه أو الهواء, ويرتبط بها تدحرج حطام الصخر وجزيئاته الكبيرة الحجم نسبياً بحيث لا يمكن أن تظل عالقة بالهواء أو بمياه نهر من الأنهار. ومن المعروف - رغم هذا - أن المياه الجارية تستطيع أن تنقل وتحمل الجزيئات الصخرية سواء كانت كبيرة الأحجام أو صغيرة, في حين أن الرياح لا يمكنها أن تحمل إلا المفتتات الدقيقة, ويرجع هذا إلى قلة كثافة الهواء بالنسبة إلى الماء. وتستطيع الرياح أن تحمل بعض الجزيئات الصخرية الكبيرة الحجم - كالزلط مثلاً - إذا كانت شديدة في سرعتها بحيث تصبح عاصفة هوجاء عارمة.
(ب) التعلق : ويرتبط بهذه الطريقة تعلق المفتتات الصخرية تعلقاً مؤقتاً بالهواء أو بمياه الأنهار, ويتم على هذا النحو نقلها لمسافات بعيدة.
(ج) الإذابة : إذ إن جزءاً كبيراً من حمولة مياه النهر نم المواد المفتتة كثيراً ما يكون في صورة مواد مذابة (بعض عناصر المعادن الصخرية القابلة للذوبان في الماء) تصبح جزءاً من مياه النهر بحي ثلا يحتاج النهر إلى بذل طاقته في حملها ونقلها.
(د) الطفو : وهذه طريقة من طرق نقل المواد المفتتة ذات أهمية محدودة, إذ تقتصر على طفو بعض المواد غير العضوية القليلة الكثافة كصفائح الميكا أو الرماد البركاني فوق سطح المياه, ونقلها لمسافات بعيدة عن مصادرها.
وجدير بالذكر أن المفتتات الصخرية التي كثيراً ما توجد على سطح نهر جليدي, لا يمكن أن توصف بانها طافية فوقه إذ إنها مستقرة في الواقع فوق سطح الجليد الصلب ويتم نقلها يتحرك كتلة الجليد وزحفها.
أولاً - عمليات الإرساب : ذكرنا من قبل أن قوى التحات تعمل على مر الأزمنة والعصور على نحت المناطق المرتفعة وملء المنخفضات, ولهذا تقسم إلى قسمين رئيسيين: قوى التخفيض وقوى الإرساب وقد درسنا قوى النحت دراسة تحليلة في الصفحات القللية السابقة, أما قوى الإرساب فالمعروف أنها تلازم وتصاحب عمليات النحت ملازمة لا مفر منها وتساهم هي الأخرى كذلك في ملء المنخفضات مما يؤدي في النهاية إلى تسوية سطح الأرض وإزالة مابه من تضاريس سالبة, فهي تعمل إذن على إلقاء الرواسب في المناطق الهامشية من البحار والأحواض المحيطية وفي شتى أنواع المنخفضات التي توجد دون مستوى القاعدة, وبذلك ترتفع هذه المظاهر التضاريسية السالبة إلى هذا المستوى. وتنتج عملية الإرساب بوجه عام - إذا إستثنينا عمليات الإرساب التي تتم بفعل المياه الباطنية - عن إنعدام مقدرة عوامل النحت السابقة الذكر (المياه الجارية, والرياح, والأمواج والتيارات البحرية والجليد) على حمل المفتتات الصخرية ونقلها. أما عملية الإرساب بفعل المياه الباطنية فغالباً ما تحدث نتيجة حدوث إختلافات في حالة الضغط والحرارة في بطن الأرض, أو لوجود بعض الكائنات الحية التي تساعد على ترسيب بعض الأملاح والعناصر المذابة في هذه المياه. وتعد عملية الإرساب التي تحدث في حالة نهر جليدي, عملية فريدة في نوعها وذلك لأنها تنجم عن إنعدام مقدرة هذا النهر الجليدي على حمل المفتتات الصخرية عندما يتعرض جليده للذوبان بعدإرتفاع درجة الحرارة.
ومما يجدر ذكره في صدد دراسة قوى الإرساب أو "الردم" أن هذه الدراسة لم تلق من عناية العلماء وإهتمامهم ما لقيته دراسة قوى النحت, وقد يعزى هذا إلى ا، المظاهر التضاريسية المنحوتة أكثر وضوحاً وبروزاً بحيث يسهل تتبعها والتدقيق في طبيتعها على معظم الخارئط الطبوغرافية, هذا في حين أن الصور التضاريسية الناتجة عن عوامل الإرساب تكاد تتميز بإستوائها وقلة تضرسها, مما يصعب معه إظهارها على معظم الخرائط الطبوغرافية, وينسحب هذا القول على شتى صور الإرساب التي تنجم عن الهواء والمياه الباطنية والأمواج والتيارات البحرية التي تنقصها الدراسة التحليلية التصنيفية, الهم إذا إستثنينا بعض صور الإرساب الفيضي (كالسهول الفيضية والدالات . .. إلخ), والجليدي, التي إستطاع العلماء دراستها بدقة وإمعان في كثير من جهات العالم.
ثانياً - العمليات الداخلية : ترجعتسمية هذه العمليات بالداخلية إلى أن مصدرها باطن الأرض, ولذا تسمى بالعمليات التكتونية, وهي تؤدي إلى إحداث تغيرات فجائية كالنشاط البركاني أو تغيرات بطيئة كالتصدع والإلتواء (كثيراً ما تعرف بالتقلقلات البطيئة ) وتعمل كل هذه التغيرات على تكوين المظاهر التضاريسية الأصلية من مرتفعات إلأى منخفضات إلى صدوع وأخاديد ... إلخ, وهي بهذا تحول دائماً بين قوى التحات وبين بلوغ هدفها الأكبر إلا وهو تسوية سطح الأرض وإزالة ما به من تضرس.
وقد جرى العرف على تقسيم التقلقلات الباطنية البطيئة إلى نوعين رئيسيين: حركات إلتوائية أو أوروجينية تعمل في حركة أفقية وتؤدي إلى إلتواء الصخر وإنثنائه وتكوين السلاسل الجبلية الإلتوائية. وحركات راسية تؤدي إلى إرتفاع أو هبوط أجزاء كبيرة من قشرة الأرض.
والحركات الأوروجينة في المعتاد أكثر تركيزاً من الحركات الرأسية أو الإبيروجينية وتنتج في المعتاد عن ضغط أو شد أفقي, وقد كان اجيومورفولوجي الأمريكي (1890) أول من فرق بين هذين النوعين الرئيسيين من الحركات الباطنية. فقد وضح أن هضاب كولورادو تعتبر مثلأً حياً لإقليم تأثر بالرحكات الأبيروجينية (الراٍية) على نطاق واسع, وهو بهذا تختلف تماماً عن منطقة سلسلة جبال واساتش (بولاية يوتاه وتعتبر جزءاً من سلسلة جبال الروكي العظيمة) التي تعرضت لحركات أوروجينية على نطاق واسع. والتفرقة بين الحركات الأوروجينية والإيبروجينية ممكنة من الناحية النظرية, ولكننا عند تطبيقها على بعض جهات العالم كثيراً ما نجد آثار الحركات الأوروجينية واضحة جنباً إلى جنب مع صور تضاريسية ناجمة عن حركات إيبروجينية, وهذا يدل دلالة قاطعة على أن هذين النوعين, وإن تميزا عن بعضهما البعض, إلا أنهما مرتبطان ببعضهما, فالحركات الرأسية سواء كانت إلى أعلى أن أسفل, تصحبها في العادة حركات أفقية كما تلازم الحركات الأفقية حركات رأسية. وعلى هذا الأساس ليست الحركات الأفقية وحدها هي العامل الرئيسي في تكوين الجبال الإلتوائية, كما أ، الحركات الرأسية ليست وحدها مسئولة عن تكون الهضاب بشتى أنواعها.
ومن المعروف أن الحركات الأوروجينية قد حدثت على فترات موزعة خلال العصور الجيولوجية الطيولة, وكانت تسود بين كل فترة وتاليتها فترات من الهدوء النسبي أو فترات كانت تتعرض فيها قشرة الأرض لحركات أيبروجينية من الإرتفاع أ, الهبوط, ومع هذا يمكن القول بأننا نعيش الآن في فترة جيولوجية تتميز بهدوء نسبي أو بمعنى آخر في فترة "أنوروجينية " ولابد أن تتعرض فيها حتمأً الجيال والهضاب التي توجد على سطح الأرض, لأن تنحت وتزال بفعل عوامل النحت المختلفة, وبذا يتحول يتحول هذا السطح إلى سهل منبسط يعلو قليلاً عن سطح البحر, هذا إذا لم تحدث حركات أوروجينية أو إيبروجينية جديدة.
وقد عارض الجيومورفولوجي الأمريكي "جيمس جيللالي" في سنة 1949 فكرة حدوث الحركات الأوروجينية على فترات إبان التاريخ الجيولوجي الطويل للكرة الأرضية, إذ يعتقد بأن عصرنا الحالي لا يختلف في كثير أو قليل عن العصور الجيولوجية الماضية, وأن حركات تكوين الجبال مازالت مستمرة بنفس السرعة التي كانت تحدث بها في الماضي البعيد, هذا فضلاً عن أنه لا يعتقد في سهولة التفرقة بين الحركات الإلتوائية والحركات الرأسية. ومما يستحق الذكر أن "ديفز" صاحب فكرة الدورة الجيومورفولوجية للتعرية إستطاع في الواقع أن يبني فكرته على أساس هذه الإفتراضات التي رفضها "جيللالي" ونبذها, وخصوصاً ذلك الإفتراض القائل بأننا نعيش الآن في فترة هدوء نسبي تؤدي إلى إتما الدورة الجيومورفية وإكتمالها.
ويظهر من هذه الآراء المتعارضة أن هنالك إتجاهين فيما يتصل بالعلقاة بين العوامل التحاتية والتكتونية 0 أو بمعنى آخر - بين العوامل الخارجية والداخلية, إتجاه ينادي أنصاره بأن الحركات التكتونية تعمل على فترات تتخللها أوقات ثبات وهدوء طويلة, تتعرض فيها المظاهر التضاريسية التي تكونها هذه الحركات لأن تنحت وتزال, وبذا تكتمل الدورة الالجيومورفية, وتتزعم هذا الإتجاه المدرسة "الديفيزية". وإتجاه آخر يشك أصحابه في إحتمال حدوث فترات طويلة من الثبات والهدوء مما يحول دون إتمام دورة التعرية. ويتزعم هذا الإتجاه "بنك" وأتباعه". فكأن هنالك إذن من يؤمن بالدورة الجيومورفية "الديفيزية" ومنلا يؤمن بها إطلاقاً, وسنعود إلى تفصيل هذه الآراء المتضاربة فيما بعد.
عمليات النشاط البركاني: أما عمليات النشاط البركاني فيقصد بها تحرك كتل من الصهير فوق قشرة الأرض أو صوب سطحها, وما يرتبط بهذه الحركة من إنبثاق كتل من الصخر المنصهر خلال أعناق تنتهي على سطح الأرض, فتتكون البراكين, أو قد تنتشر هذه المواد الصخرية المنصهرة على سطح الأرض عن طريق بعض الشروخ والفلوق في قشرتها, وبذا تغطي مساحات واسعة, وتعرف هذه الظاهرة بالطفح البركاني . وتؤدي مثل هذه الطفوح البركانية إلى إحداث تغيرات مباشرة في المظهر الطبوغارفي العام للإقليم الذي يتأثر بها, فطفوح هضبة كولومبيا البركانية الشمالية تغطي مساحة واسعة تزيد على المائة الف ميل مربع ويصل متوسط سمكها إلى أكثر من نصف ميل, وقد أدى إنتشار هذه الطفوح الهائلة على سطح الأرض إلى ملء الأدوية وتغطية عدد كبير من التلال المرتفعة, مكا أصبحت بعض القمم الجبلية الشاهقة تبدو ظاهرة فوق سطح سطح الأرض أشبه بجزر صغيرة وسط محيط هائل من اللابه.
وكثيراً ما ينجم عن عمليات تداخل كتل الصهير في الطبقات الصخرية الرسوبية تكون بعض المظاهر الجيومورفية البارزة كالخزانات الصخرية (مشتقة من الكلمتين اليونانيتين ومعناها خزان. ومعناها صخر) التي تتكون نتيجة تداخل كتل الصهيرفي الطبقات الرسوبية وإنتشارها خلال سطوح الإنفصال التي تفصل بين هذه الطبقات, وتعمل على تقويس الطبقات الرسوبية التي فوقها إلى أعلى, أو قد تتكون أحواض ضحلة تشبه الأطباق , أو تتداخل هذه الكتل في صورة سدود أفقية (يمكن أن تسمى بالسدود التوافقية لأنها تتمشى مع ميل الطبقات وتسير موازية لها) تتمشى مع سطوح افنفصال بينالطبقات, أو في صورة سدود رأسية أو قواطع (يمكن أن تسمى بالسدود التعارضية لأنها تتعارض مع ميل الطبقات وتتقاطع معها, وكل هذه الصور تؤدي إلى تكوين مظاهر جيومورفية قد تكون لها أهمية كبيرة في بعض جهات عالمنا الواسع.
وقد تتكون في بعض الحالات صور تضاريسية لا ترتبط بعوامل خارجية أو داخلية بل تنشأ عن حركات كونية, كتلك التي تنشأ عن عملية تساقط الشهب والنيازك فوق سطح الأرض. والصور الجيومورفية التي تنشأ عن هذه الظاهرة الكونيةالنادرة بالقرب من ونسلو بولاية أريزونا بالولايات المتحدة, والتي يبلغ طول قطرها زهاء الميل كما يزيد عمقها عن الستمائة قدم. وترجع فرادة مثل هذه الحفر الشهبية إلا أن تكونها لا يرتبط بعوامل أرضية, هذا على الرغم من أن ظاهرة سقوط الشهب والنايزك إنما تنتج في الحقيقة عن تأثير الجاذبية الأرضية.
كما أننا لا يمكن بأي حال أن نغفل أثر الكائنات الحية - ومن بينها الإنسان - في هذا المضمار, فالإنسان يعتبر إلى حد كبير أحد العوامل الحيوية اليت تساهم في تشكيل سطح الأرض, وذلك بقيامه بعمليات التحجير وأنواع عديدة من الحفر التي قد يستغلها في بعض الأغراض التعدينية, كما أنه إذا إستمرت الحروب التي تحدث على سطح كوكبنا على النحو الذي شاهدناه في الحربين الماضيتيين, فلا مفر منأن تصبح ظاهرة "حفر القنابل " ظاهرة جيومورفية هامة. وهنالك بالإضافة إلى الإنسان كائنات حية أخرى تبني بعض الصور الجيومورفية على سطح الأرض ومن أمثلتها حيوانات المرجان التي ساهمت في تكوين حواجظ المرجان الهائلة في البحار المدارية, وأنواع من النمل الأبيض والطيور التي تستطيع أن تبني تلالً قد تكون لها أهمية كبيرة محلياً, إذ قد يصل إرتفاع بعض تلال النمل الأبيض إلى أكثر من 25 قدماً, كما أن النباتات الطبيعية قد تساهم في كثير من الأحيان في تكوين سطح الأرض, فهي التي تؤدي إلى ملء البحيرات في المرحلة النهائية من مراحل إمتلائها, ومن هنا ينشأ الفحم النباتي وبعض نباتات المستنقعات المعروفة بالأجمات .
مدى تأثر العمليات الجيومورفية المختلفة بالعوامل المناخية: مما لاش ك فيه أن عناصر المناخ - وبصفة خاصة عنصري الحرارة والتساقط - تلعب دوراً هاماً في تشكيل سطح الأرض, ولابد بالضرورة أن تتأثر بها العمليات الجيومورفية المختلفة التي تعمل لهذا الغرض, علىاننا نلحظ - رغم هذه الحقيقة - أن الدراسات الخاصة بتوضيح مدى تأثر العمليات الجيوموفية بالعوامل المناخية, لازالت في مهدها, ويرجع هذا إلى أنم دارية الجيولوجيين بالدراسات المناخية دراية محدودة, كما أن الجغرافيين - اذلين لا جدال في أنهم أكثر إلماماً بمثل هذه الدراسات - أصبحوا يركزون جل إهتماهم على الدراسات الجغرافية البشرية وحدها.
وتؤثر العوامل المناخية على العمليات الجيومورفية إما بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر. وتتمثل المؤثرات المناخية المباشرة في:
(أ) كمية الأمطار ونظام سقوطها.
(ب) العلاقة بين التساقط ودرجة التبخر.
(ج) المدى اليومي للحرارة.
(ه) سرعة الرياح وإتجاهاتها - طول الفترة التي يتعرض فيها سطح الأرض للتجمد - فصول النهاية العظمى للأمطار - تتابع فترات من التجمد والذوبان - الإختلاف في الظروف المناخية على السفوح المواجهة للشمس وعلى تلك التي لا تواجهها - تغير الظورف المناخية وبزيادة الإرتفاع عن سطح الأرض, أما المؤثرات غير المباشرة فترتبط بمعرفة كيف أن التوزيع النباتي على سطح الأرض يتأثر بتغاير الظورف المناخية وتباينها.
ولابد أنيلحظ دارسو الصور التضاريسية على سطح الأرض أ، هناك علاقة وثيقة للغاية بين الظروف المناخية وبين الصور التضاريسية الرئيسية والثانوية التي تنشأ في كل إقليم مناخي. وقد كان "كرايناين " (1936) أول فرق بين الأقاليم المعتدلة الرطبة وبين الأقاليم المدارية المطيرة من حيث نوع العملايت الجيومورفية التي تعمل في كل منها. فالأقاليم المدارية الرطبةتتفكك صخورها بطريقة التحليل اليماوي بصورة ملحوظة,ويتمثل هذا بصورة خاصة ف يالمناطق الواطئة المسطحة في هذه الأقاليم. أما المناطق الجبلية فكثيراً ما تكون على منحدارتها طبقة سميكة من تربة اللاترتي قد يزيد سمكها على العشرين قدماً, كما قد تنحدر علىطولها أنهار خانقية عميقة وسريعة الجريان. ويرجع وجود هاتين الظاهرتين المتناقضتين في المناطق الجبلية من الأقاليم المدارية الرطبة إلى أثر الغطاء النباتي الذي ينمو كثيفأً حتى على المنحدرات التي يزيد درجة إنحدارها على 70 درجة, وقد تمتد هذه النباتات الطبيعية حتى ضفاف المجاري المائية, مما يعوق عملية النحت الجانبي, ويصبح لا مفر أمام مياه هذه المجاي منأن تعمق أوديتها, ولهذا يمكن القول با، الغطاء النباتي الكثيف في المناطق المدارية المطيرة, يلعب دور حماية التربة من الإنجراف بفعل الأمطار الغزيرة, كما يساعد على تفوق عملية النحتلرأسي على عملية النحتالجانب, وما يتبع هذا من تكون أنهار خانقية عميقة, كما تساهم بعض عمليات الإنهيالر الأرضي (كالتدفقات الطينية) في زيادة إنحدار جوانب هذه الأنهار وتحويلها إلى حوائط رأسية مرتفعة. ولاشك في أن كل هذه العمليات الجيومورفية يقتصر نشاطها على الأقاليم المدارية المطيرة وحدها.
ويختلف كذلك تأثر بعض الأنواع الصخرية بالعمليات الجيومورفية المختلفة بإختلاف الظروف المناخية, فالصخور الجيرية في الأقاليم المدارية المطيرة صخور ضعيفة لا تقوى على مقاومة عمليات التجوية الكيماوية وخاصة عملية الإذابة, ولذا تتميز المناطق التي تتألف من صخور جيرية بأنا منخفضة بالنسبة لما يجاورها من مناطق قد تتأف من أنواع صخرية أكثر مقاومة لهذه العمليات, هذا في حين أن الصخور الجيرية في الأقاليم الجافة - حيث تقل درجة الرطوبة ويكاد يتلاشى تأثير عملية الإذابة - صخور ذات صلابة عجيبة وتبدو على صورة حوائط أو حافات فقرية مرتفعة.
وإذا ما قارنا الأقاليم الرطبة بالأقاليم الجافة من الناحية اطبوغرافية لوجدنا أن المظهر الطبوغرافي للأقاليم الجافة يتميز بصور تضاريسية عالية.وهذا ما يندر أن نجده في الأقاليم الرطبة التي تتميز أشكالها التضاريسية بإستدارتها وإنصقالها بصورة عامة,ويرجع هذا الإختلاف إلى:
أولاُ: عمليات الإنهيار الأرضي - كعمليات زحف التربة والتدفقات الطينية - نادرة الحدوث في الأقاليم الجافة ويرجع هذا إلى قلة الأمطار التي لابد أن تساعد على إتمام هذه العمليات مما يحول في النهاية دون "صقل" الصور التضاريسية وإستدارتها في هذه الأقاليم.
ثانياً: عملية تكون التربة في المناطق الجافة عملية بطيئة تستغرق وقتاً طويلأً لكي تتم.
ثالثاً" عدم وجود غطاء نباتي مستديم في الأقاليم الجافة.
ولا يقتصر أثر العوامل المناخية في العمليات الجيومورفية على الأقاليم المناخية الكبيرة, بل كثيراً ما تظهر ف يداخل الإقليم المناخي الواحد فروقات مناخية تؤثر تأثيراً كبيراً على "اللاندشافت الطبيعي" فالمعروف - مثلاً - أن منحدارات الأودية العرضية (التي تمتد من الشرق إلى الغرب في نصف الكرة الشمالي) التي تواجه الجنوب تتميز بصورة عامة بأنها أقل إنحداراً من سفوحاه التي تواجه الشمال, ويرجع هذا إلى أن السفوح التي تواجه الشمال والتي لا تتعرض تعرضاً مباشراً للإشعاع الشمسي يتكون فوقها غطاء ثلجي يستمر لفترة طويلة, كما تتميز بغطاء نباتي أغنى بكثر من ذلك الذي ينمو على المنحدارات التي تواجه الجنوب (الشمس). وتؤدي كل هذه العوامل إلى إعاقة عمليات النحت على طول هذه المنحدارات في القوت الذي ينشط فيه هذه العمليات نشاطاً ملحوظاً على طول المنحدارات المواجهة للشمس, مما يجعل هذه المنحدرات في النهاية أقل إنحداراً من شقيقتها التي تجابه الشمال.
ومما يلاحظ أيضاً, أن عمليات التجوية الكيماوية تصل إلى أقصى نشاط لها في المناطق المدارية المطيرة التي تغزر فيها الأمطار المقرونة بإرتفاع في درجة حرارة الهواء, أما في الأقاليم الجافة - حيث يندر سقوط الأمطار - وكذلك في الأقاليم الباردة - اليت ينعدم فيها نشاط عمليات التفاعل الكيمائي نظراً لإنخفاض درجة الحرارة - فيقل نشاط عمليات التجوية الكيمائية ويصل إلى نهايته الصغرى, كما ا، عمليات التفكك الميكانيكي للصخر, تصبح في عنفوان نشاطها في المناطق التي تتعاقب عليها فترات من التجمد والذوبان, أو التي تتابع فيها الحرارة والبرودة, ويقل نشاطها بصفة خاصة في الأقاليم التي تتميز بإرتفاع درجة الحرارة إرتفاعاً منتظماً بحيث يندر هبوطها إلى ما دون نقطة التجمد, وفي الأقاليم التي تنخفض فيها درجة الحرارة إنخفاضاً مستديمأً دون نقطة التجمد مما يؤدي إلى عدم ذوبان الجليد الذي يتراكم.
ويتوقف نشاط عملية النحت بفعل المياه الجارية على العوامل الآتية:
1-درجة إنفاذ الصخر للمياه .
2-درجة تماسك الصخور الأصلية.
3- كثافة الغطاء النباتي.
4- درجة التبخر والنتح.
5-كمية الأمطار.
6-تكرر العواصف المطيرة.
وترتبط العوامل الأربعة الأخيرة بالمناخ إما بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر. وسنرى فيما بعد كيف أن هذه العوامل . هي المسئولة أولأً وقبل كل شئ عن تلك الإختلافات الملموسة بين الأقاليم الجافة من جهة والأقاليم الرطبة من جهة أخرى.
ويبو لنا من كل ما سبق أنه لاشك في أن هناك علاقة وثيقة بين الظروف المناخية التي تسود في أجزاء العالم المختلفة وبين الأشكال التضاريسية التي يتميز بها كل جزء إذ أن كل إقليم من أقاليم سطح الأرض كان عرضة للتأثر بظروف معينة هي التي حددت تضاريسية وصوره الأرضية بعد ما تفاعلت هذه الظروف مع تكويناته الجيولوجية. ولهذا يجب أن يهتم الجيوموفولوجيون بتقسيم العالم إلى أقاليم مورفوجينية على أساس أن كل إقليم منها قد ساهمت في تشكيله مجموعة من العمليت الجيومورفية, وفي هذا يقول الجغرافي الأمريكي "كارل ساور ".
والدراسة الجغرافية - التي تعتمد في أساسها على توضيح وإبراز العلاقات التي توجد بين شتى عناصر البيئة الطبيعية - هي التي يمكن أ، تفسر ذلك الإرتباط الوثيق بين المؤثرات المناخية والتضاريسية, ولذا كان الجغرافيون أقدر من غيرهم على إيضاح تشابه أنماط التوزيع المناخي والنباتي والفزيوجرافي على سطح الكرة الأرضية, على أساس أن العامل المشترك لاذي يفسر هذا التشابه هو عامل المناخ وحده. وقد إستطاع الجغرافي الألماني " " أن يفصل فكرة الأقاليم الموفوجينية التي أطلق عليها إسم على أساس أن "عمليات جيومورفية معينة تساهم في تشكيل سطح الأرض في إقليم ما تحت ظروف مناخية معينة, بحيث تطبع هذه العمليات "اللاندشافت الطبيعي" في هذا الإقليم بخصائص تختلف تماماً عن الخصائص الجيومورفية التي يتميز بها إقليم آخر في ظروفه المناخية".
على أنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا دائماً أنه إذا إفترضنا أن التكوين الجيولوجي والصخري لسطح الأرض ليس بذلك التنوع والتباين الهائل الذي يتميز به, لأصبحت المظاهر الطبوغرافية في جهات سطح الأرض المختلفة نتيجة حتمية لظورف المناخ. وهذا يدل دلالة قاطعة على أن عامل التكوين الجيولوجي يحد من تأثير العامل المناخي في تكوين الصور التضاريسية, وذلك لإختلاف وتباين التركيب الجيولوجي والصخري لجهات سطح الأرض المختلفة, كما أ، العمليات الجيومروفية لم تدأب على عملها في تشكيل سطح الأرض وذلك على مدى فترات زمنية واحدة في كلجهات العالم, بل يختلف الوقت الذي إستغرقته من مكان إلى آخر على سطح الأرض, ولهذا كان من الأوفق ألا تغالي في إبراز أثر المناخ في تشكيل سطح الأرض, وخاصة أن هنالك عوامل أخرى غير عامل المناخ تساهم كله متضافرة من اجل هذا الهدف.
الفصل الخامس: عملية التجوية والإنهيار الأرضي
أولاً: عملية التجوية : عرضنا في الفصل السابق - عرضاً عماً - للعمليات الجيومورفية المختلفة ومن بينها عمليتا التجوية والإنهيار الأرضي, وسنحاول في هذا الفصل أن نفصل الآثار الجيومورفولوجية اليت تنجم عن هاتين العمليتين, وسنبدأ بدراسة عملية التجوية من أربع نواح:
(أ) إعتبارها بمثابة عملية مساعدة للنحت والإنهيار الأرضي.
(ب) تأثيرها في نحت سطح الأرض وتخفيضه.
(ج) مساهمتها في تكوين وتشكيل الصور التضاريسية.
(د) أهميتها في تكوين الترية.
أما من ناحية إعتبار عملية التجوية بمثابة عملية مساعدة للنحت والإنهيار الأرضي, فمن المعروف أن عمليات التجوية المختلفة سواء كانت ميكانيكية أم كيماوية تعمل دائماً على إضعاف التماسك الصخري, وعلى تفتيت صخور قشرة الأرض أو تحليلها, وذلك لأعماق تتفاوت من مكان إلى آخر, فقد يزيد سمك الطبقة السطحية المفككة من قشرة الأرض على المائة قدم كما هي الحال في بعض المناطق المدارية المطيرة, وقد يقل عن هذا بكثير في المناطق الجافة. وغني عن الذكر أن عوامل النحت المختلفة من هواء إلى مياه جارية إلى جليد, يعظم نحتها لصخور قشرة الأرض إذا ما كانت هذه الصخور قد تعرضت أولاً لعملية التجوية, كماا، عمليات الإنهيار الأرضي لا يمكن هي الأخرى أن تتم إلا إذا كانت الصخور الأصلية لسفوح الجبال والمنحدارات قد تعرضت للتفكك والتحلل مما يسهل معه إنحدارها بفعل الجاذبية الأرضية.
وفي المناطق التي تتكون من صخور من النوع الذي يشتد تأثره بعمليات التجوية الكيماوية (الإذابة) كالصخر الجيري أو الدولومايت أو الجبس - لابد أن ينجم عن تعرض مثل هذه الصخور لعملية الإذابة - إنخفاض سطح الأرض على نطاق واسع. وقد سبق أن ذكرنا أن المناطق التي تتألف من صخور جيرية تتميز بصفة عامة في الأقاليم الرطبة بأنها أقل إنخفاضاً من المناطق التي تجاورها والتي قد تتألف من أنواع صخرية أكثر مقاومة لعملية الإذابة, أما الأقاليم الجافة, فتتميز الصخور الجيرية فيها بصلابة واضحة.
ولا يقتصر أثر عملية التجوية علىانها تساعد عملية النحت أو انها تعمل على إنخفاض سطح الأرض, بل تساهم كذلك في تكوين وتشكيل الصور الأرضية, إذ تعمل على تكوين الفجوات والحفر على سطح الأرض, ويكثر وجود الحفر بصفة خاصة في المناطق ذات التكوينات الجيرية, وقد توجد أحياناً في الصخور الجرانيتية, وتتراوح أقطار هذه الحفر بين 10, 40 قدماً, ويكثر وجودها بصفة خاصة في المناطق المسطحة. ومما يساعد على تكون مثل هذه الحفر, وجود بعض النباتات الفطرية والطحلبية التي لها القدرة على الإحتفاظ بالرطوبة وعلى إضافة ثاني أكسيد الكربون.
وكثيراً ما تتراكم المفتتات الصخرية على مناسيب عالية حي ثيعظم أثر عملية التجوية الميكانيكية, وتتألف مثل هذه المفتتات من جلاميد كروية الشكل يبدو أنها تكونت بفعل عملية التقشر, وقد تؤلف هذه الجلاميد الكروية تلالً قبابية الشكل يرجع تكونها أولاً وقبل كل شئ إلى عمليات التجوية سواء كانت ميكانيكية أم كيمائية, وذلك عندما تتأثر بها بوجه خاصة الصخور الجرانيتية أو المتحولة (النايس).
وتساهم عملية التجوية المتغايرة في تغيير معالم بعض المظاهر التضاريسية البارزة كالأعمدة, وبعض الكتل الجبلية المنفردة التي تتألف من طبقات متفاوتة في صلابتها, وتتكون إزاء هذا بعض المتراكمات الصخرية التي تتخذ أشكالاً غريبة, وتعمل هذه المتراكمات الصخرية على حماية الطبقات الصخرية الأكثر ليونة التي قد توجد تحتها.
وتؤدي عمليات التجوية - بالإضافة إلى كل ما سبق - إلى تراجع الحافات, وهي ظاهرة جيومورفولوجية كثيراً ما تحدث في المناطق التي تتألف من صخور رسوبية تتفاوات في صلابتها وتميل ميلاً طفيفاً, وذلك عندما تتعرض صخور هذه المناطق لعمليات النحت الثلاث (التجوية, والأنهيار الأرضي, والنحت), وتعرف الحافات التي تتكون إزاء هذه العمليات بحافات التجوية , وهذه التسمية ليست دقيقة - كما يبدو - لأنا تبالغ في إبراز الدور الذي تساهم به عمليات التجيوة في تكوينها, علماً بأنها تتكون في الواقع إزاء تضافر عمليات النحت الثلاث.
ويكثر حدوث ظاهرة تراجع الحافات بصفة خاصة في الأقاليم الجافة, وسنرى فيما بعد أن هذه الظاهرة تعتبربمثابة العملية الرئيسية في تكون ما يعرف بال في هذه الأقاليم . . . ويمكن القول بأن عملية التجوية تشترك كذلك في توسيع مجاري الأودية وذلك أثناء المرحلة الأولى من مراحل دورة التعرية. كما يعظم تأثيرها هي وعمليات الإنهيار الأرضي في المرحلة النهائية من مراحل دورة التعرية النهرية.
ولا يمكننا أن نغفل كذلك مساهمة عملية التجوية في تكوين أنواع من ركام السفوح او كالتي يكثر وجودها عند أقدام المرتفعات, إذ تعد هذه العملية بمثابة الخطوة الأولى الرئيسية التي تساعد بعد ذلك على إنزلاق مفتتات سفوح الجبال والمرتفعات بواسطة عمليات الإنهيار الأرضي. وعلى هذا يمكن القول بأن ركامات السفوح إنما تتكون في الواقع بفعل عوامل التجوية متآزرة مع عامل الجاذبية الأرضية.
ويبدو من كل ما سبق أنه من الصعوبة بمكان أن نعزو بعض الصور التضاريسية إلى عملية التجوية وحدها, بل لابد أن تساهم معها كذلك عمليات النحت الأخرى, ولكن هذا لا يعني - بأي حال - أن عملية التجيوة ذات قيمة محدودة من الناحية الجيومورفية إذ إنها مسئولة إلى حد كبير عن تكون التربة التي تعتبر ضرورية لحياة الإنسان والنبات وتأتي في المقام الثاني بعد الماء. ويمكن القول بأن دراسة التربة في اقاليم سطح الأرض المختلفة تعكس بوضوح التاريخ الجيومروفولوجي لهذه الأقاليم, وذلك لأن التربة تعتبر بمثابة النتاج النهائي لتفاعل عوامل عديدة بعضها جيولوجي والبعض الآخر مناخي أو نباتي.
التربة: إختلفت وتضاربت تعاريف العلماء لما هو مقصود بالتربة, ويظهر هذا الإختلاف والتضارب حتى بين العلماء المتخصصين في دراسة التربة (البدولوجيين ) ومن أحسن التعريفات تعريف "بوشنل " في سنة 1944, فالتربة في نظره تع: "جزءاً طبيعياً من قشرة الأرض, وتنتمي بظهورها على هيئة طبقات تسير موازية لسطح الأرض, وقد تكونت هذه الطبقات نتيجة تحول وتغير طبيعة المواد الصخرية الأصلية بوسائل طبيعية وكيماوية وحيوية, عملت تحت ظروف متغيرة خلال فترات متفاوتة من الزمن".
ويتفق العلماء الآن على أن هنالك خمسة عوامل رئيسية تتآزر جميعها في تكوين التربة وهي:
(أ) عامل المناخ وبصفة خاصة عنصراً الحرارة والتساقط.
(ب) العامل الطبوغرافي وخصوصاً فيما يتصل بتأثيرها في نوع التصريف المائي سواء كان هذا التصريف داخلياً أم خارجياً.
(ج) العامل الحيوي وبصفة خاصة تأثير الغطاء النباتي الطبيعي, وتاثير الكائنات الحية اليت توجد في التربة.
(د) العامل الجيولوجي ويشمل نوع الصخور الأصلية وتكوينها الكيماوي والمعدني.
(ه) العامل الزمني ويقصد به طول الفترة التي إستمرت تعمل فيها العوامل البدولوجية حتى تكونت التربة في النهائية.
وقد كان الإعتقاد السائد في بادئ الأمر هو أن العامل الجيولوجي هو العامل الرئيسي في تكوين التربة, ومن هنا جاء تقسيم التربة إلى مجموعتين: محلية ومنقولة . وقد قسمت بعدذ لك كل مجموعة إلى أقسام ثانوية, فأنواع التربات المحلية كانت تصنف على أساس أنواع الصخور اليت إشتقت منها إلى: فأنواع التربات وتربات رملية وتربات جرانيتية وبازلتية . . .إلخ, أما مجموعة التربات المنقولة فقد كانت تقسم إلى أقسام ثانوية بحسب العوامل التي نقلتها, فهنالك التربة الفيضية والجليدية والهوائية والبحيرية والبحرية .
ويرجع الفضل الأول في إبراز تأثير العوامل الخمسة السابقة مجتمعة على تكيون التربة, إلى العالم البدلوجي الروسي "دوكتشيف " وأتباعه الذين وضحوا أهمية العوامل المناخية والحيوية والزمنية بصفة خاص في تكيون التربة, كما ذكروا أنه ". . بصرف النظر عن نوع التكوينات الصخرية اليت إشتقت منها التربة إلا أنه يمكن القول بأنه إذا ما تشابهت الظروف المناخية والطبوغرافية والحيوية, وبعد مضى فترات زمنية متساوية فلابد أن تتكون في النهاية أنواع متشابهة من التربة. . .". ومثل هذا الكلام كما يبدو به مغالاة كبيرة مادام يغفل أثر العامل الجيولوجي الذي يجب أيضاً عمل كل حساب له.
ويلاحظ إذا ما عمل قطاع في التربة, أن هذا القطاع يتألف في معظم الحالات من طبقات واضحة تختلف في خصائصها الطبيعية والكيماوية, وتكون هذه الطبقات ما يعرف بالقطاع الجانبي للتربة .
ويتكون القطاع الجانبي البسيط من ثلاث طبقات متتالية ومتوازية هي التي جرى البدولوجيون على تسميتها بالطبقات أ, ب, ج, وقد تنقسم كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث إلى بضع طبقات رقيقة, (أ) وهي الطبقة الظاهرة على سطح الأرض مباشرة وكثيراً ما تسمى بالطبقة التي تفقد بعض موادها أو طبقة الإستخلاص , وذلك لأن بعض عناصرها قد أزيلت منها في حركة هابطة إلى الطبقة ب التي تحتها وذلك في صورة مذابة, ثم يتم بعد ذلك ترسيبها في الطبقة ب. كما أن بعض ذرات التربة الغروية الدقيقة كثيراً ما تحملها المياه في حركة هبوطها في باطن التربة ثم ترسبها في الطبقات التي كثيراً ما تسمى لهذا السبب بالطبقة المكتسبة لمواد التربة أو طبقة التركيز , وذلك لوجود بعض المواد التي إكتسبتها من الطبقة العليا داخلة في تكوينها (وكثيراً ما تسمى الطبقة ب بالتربة السفلية ) وتتألف معظم هذه المواد من معادن من معادن الحديد والألومنيوم أو من الصلصال. ويؤدي تركيز هذه المواد في التربة السفلية إلى تكوين ما يعرف بالطبقة الصماء أو وكثيراً ما تتراكم بعض الأملاح وكربونات الكالسيوم في أسفل الطبقة وذلك في الأقاليم الجافة. أما الطبقة (ج) فهي الطبقة السفلية من القطاع, وهي التي تعلو الصخور الأصلية مباشرة, وتتميز بأن المواد التي تتألف منها لم تتعرض للعمليات البدولوجية اليت تؤدي إلى تغير خصائص الصخور الأصلية بنفس درجة تعرض الطبقتين (أ) و (ب) (تعرفان معاً بالتربة ) وقد تظهر فيها رغم هذا بعض الدلائل التي تشير إلى تأثرها بعمليات التأكسد أو التموء ولكن المهم هو أن هذه الطبقة لم تعمل فيها عوامل التجوية المختلفة بدرجة تؤدي إلى تغيير الخصائص الأصلية للصخر وإزالة معالمها تماماً.
ويعتبر العامل الزمني عاملأً هاماً في تحديد سمك طبقات التربة ودرجة نضوجها, فالتربة الناضجة هي التي تظهر طبقاتها وهي تامة التكيون. وفي هذا دليل على أن الوامل المختلفة اليت تكون التربة قد تضافرت من أجل هذا الغرض لفترة كافية. أما إذا كانت طبقات التربة غير تامة التكوين أو ناقصة فإن هذا الدليل واضح على أن العمليات البدولوجية لم تعمل لمدة كافية, وتسمى التربة في هذه الحالة بالتربة غير الناضجة . ويؤثر العامل الزمني كذلك في تحديد العمق الذي أثرت فيه عوامل تكوين التربة, وبهذا يمكن تحيدد أعمار أنواع اتربة المختلفة.
أما العامل الطبوغرافي, فله هو الآخر أهمية كبيرة في تكوين اتلتربة, فعلى طول سفوح الجبال الشديدة الإنحدار, نادراً ما تكتمل التربة أو تنضج, ويرجع هذا إلى إزالة عوامل النحت للمواد المفككة إزالة سريعة بمجرد تكونها, ولذا تتميز قطاعات مثل هذه المنحدرات بأنها ناقصة وقد تختفي منها تماما الطبقات العليا ، ويؤثر هذا العامل أيضا في تحديد كمية المياه التي تتسرب إلى التربة وذلك عن طريق تحكمه في كمية المياه التي تتراكم على سطح الأرض أو تنحدر عليه ، كما يؤثر كذلك في الوضع الذي تتخذه المياه الجوفية ، وبالتالي في تحديد العمق الذي تعمل فيه عمليات التجوية الكيميائية .
وقد أشار كل من (ليون ) و(بكمان ) إلى عدة حقائق ترتبط بتصنيف التربة وتقسيمها إلى أنواع : أولا : أن أنواع التربة في جهات سطح الأرض المختلفة قد تكونت في أول الأمر بفعل عمليات طبيعية وكيماوية .
ثانيا : أن تباين أنواع التربة واختلافها من مكان إلى آخر على سطح الأرض يرجع إلى وجود اختلافات مناخية وحيوية وجيولوجية وطبوغرافية ، وتؤثر كل هذه العوامل في المراحل الأخيرة لتكون التربة .
ثالثا : كلما ازدادت التربة في نضوجها واكتمالها قل وضوح الاختلافات الأصلية التي ترجع إلى عوامل جيولوجية ، وأصبح العامل المناخي هو العامل الفيصل الفعال في تكوين التربة في صورتها النهائية ، وخصوصا وأن هذا العامل يساهم في هذا الصدد إما بطريق مباشر ، وذلك بتأثير عنصري الحرارة وبالتساقط في التربة ، أو بطريق غير مباشر وذلك بتأثيره في الحياة النباتية . ولهذا كثيرا ما تتشابه أنواع التربة الناضجة التي تتكون في مناطق متشابهة في ظروفها المناخية ، ويمكن أ، تضم كل هذه المناطق إلى إقليم واحد . وتسمى أنواع التربة التي يمكن أن تضم في إقليم مناخي واحد بالتربة النطاقية . أما أنواع المستنقعات أو المسطحات القلوية - فتعرف بالتربة بين النطاقية وقد توجد كذلك في الإقليم المناخي الواحد أنواع من التربة غيرناضجة ولا تظهر لها قطاعات واضحة وتعرف مثل هذه الأنواع بالتربة اللانطاقية كالرمال المتراكمة والطمي الفيضي, وهي أنواع منقولة في معظم الحالات ولم تتكون محلياً.
وقد قسم "ليون وبكمان" أنواع التربة إلى عدة مجموعات, وقد حرصاً في تقسيمها على إبراز الظروف المناخية والنباتية التي تكونت فيها كل مجموعة, وقد جاء تقسيمها على هذا النحو:
1- تربة التندرا: وتتكون في العروض العليا أو في أعالي المرتفعات تحت ظروف إقليم التندرا المناخية والنباتية. والتصريف المائي في هذه التربة ردئ, ولذا تتميز بكثرة المستنقعات بها فضلاً عن تجمد الطبقة السفلية من التربة. ويتميز قطاع التربة بضحالته ويرتاكم مواد عضوية غيرمتحللة على سطحها.
2- تربة البدرزول : وتتكون ف يمناطق الغابات الإبرية المخروطية بصفة خاصة ويتميز سطحها بإرتفاع نسبة المواد العضوية الداخلة ف يتكوينها. أما الطبقة السفلية فهي عبارة عن طبقة جافة ذات لون أبيض أو رمادي,ومن هنا جاءت تسميتها (فكلمة كلمة روسية تعني الرماد السفلي, رماد سفلي ) وتوجد تحت هذه الطبقة الجافة طبقة أخرى تتراكم فيها معادن الحديد والأومنيوم. والمهم هو أن الطبقتين أ, ب في تربة البدرزول غالباً ما تكونان في حالة إسفنجية بحيث تعملان على خزن كمية كبيرة من مياه الأمطار مما يحول دون وصولها إلى الطبقة السفلى, وتتكون هاتان الطبقتان من مواد عضوية تتحلل ببطء شديد لطول فصل الشتاء وبرودته, ولذا تتحول مياه المطار المخزونة بهما بمضي الزمن إلى محلول حمضي.
3- تربة اللاتريت: وتتكون في المناطق المدارية المطيرة حيث تنمو حياة نباتية غابية وتتكون من طبقة سطحية رقيقة من المواد العضوية تليها طبقة أخرى قد تم غسلها من المواد السليكية, بفعل الأمطار الغزيرة, ويميل لونها إلى الإحمرار وتمتد هذه الطبقة إلى أعماق بعيدة.
وقد ساهمت في تكوين هذه التربة عدة عمليات هي: عملية غسل التربة التي تسببها غزراة الأمطار, إذ تعمل مياه الأمطار أثناء هبوطها إلى باطن التربة على إذابة المواد السليكية,وتتخلف في الطبقة السطحية منها المواد التي تقبل الذوبان في الماء كأسيد الحديد والألومنيوم. والعملية الثانية مرتبطة هي الأخرى بهبوط المياه في باطن التربة, إذ تعمل هذه المياه في أثناء حركتها نحو باطن التربة على حمل ذرات التربة الطينية والصلصالية الدقيقة, وترسيب كل هذه المواد الناعمة بعد ذلك في الطبقة السفلى من التاربة اليت تصبح في هذه الحالة بمثابة طبقة صلصالية صماء تعوق تعمق جذور النبات في التربة. وترتبط العملية الجيومورفية الثالثة - التي تساهم في تكوين تربة النبات في التربة.وترتبط العملية الجيومورفية الثالثة - التي تساهم في تكوين تربة اللاتريت - هي الأخرى بغزارة الأمطار, التي تؤدي إلى إزالة الدبالة العضوية المتحللة مما يسبب عدم خصوبة التربة بشكل واضح. هذا وتتميز الطبقة السطحية من تربة اللاتريت بأنها تـألف من مواد خشنة وتبدو حبيبية ف ينسيجها.
4- التربة السوداء أو التشرنوزم : ويوجد هذا النوع من التربة في مناطق الحشائش التي تنمو في ظروف مناخية خاصة أهمها فصلية الأمطار, وتساعد هذه الفصلية على موت الأعشاب وتحللها إبان فصل الجفاف, وخصوصاً, وأن هذا الفصل هو في نفس الوقت فصل البرودة, كما أن كمية الأمطار الفصلية ليست بالغزارة التي تعمل على غسل التربة من المواد المعدنية والعضوية, ولذا تتميز تربة التشرنوزم بخصبها وغناها بكل العناصر الضرورية لغذاء النبات. وكلمة "تشرنوزم" كلمة روسية معناها التربة السوداء, ويرجع السبب في تسميتها بهذا الأسم إلى اونها الذي يسببه إرتفاع درجة التحلل العضوي بصور ملحوظة وخصوصاً في الطبقة السطحية من التربة, أما الطبقة ب فتتميز بتراكم كربونات الكالسيوم بنسبة كبيرة, وهي مادة إكتسبتها هذه الطبقة من الطبقة التي تعلوها عن طريق عملية التركيز.
5- التربة القسطلية : وهي ذات لون بني أو رمادي, وتتكون بصفة خاصة في أقاليم الأعشاب القصية التي تتيمز بقلة كمية أمطارها الفصلية إذا ما قورنت بالأمطار اليت تسقط في أقاليم الحشائش الأغنى حيث تتكون التربة السوداء. والتربة القسطلية غير ناضجة لم تكتمل. وقد تكتمل بعض مركبات الجير في الطبقة السطحية منها.
6- التربة البنية الجافة : وتوجد في المناطق الهامشية من الصحاري أو الأقاليم شبه الجافة, وتتميز بفقرها في المواد العضوية وبغرتفاع نسبة الجير بها بصورة ملحوظة.
7- تربة الصحاري او السيرزوم : وتتكون في المناطق شبه الجافة التي تنمو بها حشائش صحراوية فقيرة,وكذلك في الأقاليم الصحرايوة الجافة, ومن أهم خصائصها تراكم قشور من كربونات الكالسيوم بالقرب من سطحها. ويرجع هذا إلى صعود المياه التي تحتويها التربة بواسطة القوة الشعرية وذلك نتيجة لإرتفاع درجة التبخر, وتعمل هذه المياه أثناء صعودها إلى أعلى إذابة المواد القابلة للذوبان ثم ترسيبها بالقرب من سطح الأرض أو فوقه على شكل قشور من الأملاح.
ومن الطبيعي أننجد إختلافات عديدة في نوع التربة حتى في داخل المجموعة المتشابهة, وتعزى هذه الإختلافات إلى تباين الظروف الطبوغرافية والجيولوجية والمناخية, ولهذا نجد مثلأًُ أن نسبة المواد العضوية السطحية تختلف إختلافاً كبيراص في إقليم تربة التشرنوزم بسبب الظروف الطبوغرافية فهي في المناطق المستوية السطح أعلى ما تكون, وفي الجهات الشديدة الإنحدار أقل ما تكون, فقد يصل سمك الطبقة السوداء السطحية في الحالة الأولى إلى أكثر من ثلاثة أقدام لا يزيد سمكها في المناطق الشديدة الإنحدار على بضعة سنتيمترات, أو قد تختفي تماماً.
وهناك بعض أنواع من التربة لم تتكون بفعل عوامل واحدة خلال كل مراحل تطورها, بل قد تتكونت لعوامل مختلفة, ومثل هذه الأنواع نجدها تتألف من مجموعتين من الطبقات: مجموعة سطحية أو عليا تكونت تحت الظروف الطبوغرافية والمناخية والحيوية السائدة فعلاً ف يالوقت الحالي, ومجموعة سفلى - أقدم من العليا - تكونت في ظروف مختلة تماماً عن الظروف الحالية,وتسمى التربة في هذه الحالة بالتربة المعقدة أو المتعددة النشأة . ولابد أن التغيرات المناخية العديدة التي شاهدتها الكرة الأرضية, كانت عاملاً هاماً ف يتكوين بعض أنواع التربة المعقدة.
وهناك أيضاً أنواع أخرى من التربة اليت يمكن أن نسميها بالأنواع القديمة أو الحفرية , وأوضح الأمثلة لهذه الأنواع, التربة التي تكونت في أعقاب العصر الجليدي ثم دفنت وطمرت بعد ذلك ببعض التكوينات الهوائية أو النهرية. ولاشك في أن دراسة مثل هذه الأنواع المطمورة من التربة تساعدنا كثيراً في معرفة الأحوال المناخية والطبوغرافية القديمة التي تكونت فيه, مثلها في هذا مثل دراسة الأشكال الأرضية ذاتها.
ثانياً: عملية الإنهيار الأرضي : أشرنا في الفصل السابق إلى عملية الأنهيار الأرضي, وكيف أنها تعد من العمليات الرئيسية التي تعمل على تخفيض سطح الأرض وتسويته, وسنحاول في هذا الفصل أن نوضح بعض الآثار الطبوغرافية التي تنجم عن هذه العملية, علماً بأن هذه الآثار قلما نلحظها على نطاق واسع.
1- الأنهيار الأرضي البطئ: ويضم كل عمليات الزحف التي قسمها "شارب" إلى أربعة أنواع: زحف التربة, زحف ركام السفوح, الزحف الجليدي, الزحف الصخري, وتنجم عن هذه العمليات بعض الآثار الطبوغرافية اليت قد تكون كبيرة الأثر في حياة الإنسان, على أننا نلاحظ أن عملية زحف التربة مثلأً ليست لا آثار طبوغرافية ملموسة, إذ يقتصر تأثيرها في كثير من الحالات على النبات أو بعض المظاهر التي من صنع الإنسان, ذلك حينما يؤدي زحف التربة على سفوح الجبال إلى ثني جذوع الأشجار أو إقتلاعها, وتدمير أسوار الحقول وأعمدة التليفون والتلغراف كما ينجم عن هذه العملية في بعض الحالت تكون بعض الحافات الصغيرة ومنخفضات غير محدودة المجاري, وذلك على طول المنحدارات التي تتـأثر بها.
أما عمليات زحف ركام السفوح فلها أهمية كبيرة وخصوصاً عند أقدام المرتفعات والجبال, إذ كثيراً ماتتراكم في مثل هذه المناطق رواسب هائلة تتألف من مواد ومفتتات كبيرة الأحجام, وهذا بطبيعة الحال يجعلها شديدة الإنحدار, فقد لاحظ "بهر " أن الرواسب المتراكمة عند "حضيض" جبال الروكي في كولورادو تتراوح درجة إنحدارها ما بني 26, 35 درجة, ويرجع هذا بصفة خاصة إلى كبر حجم المواد الت يتتألف منها هذه الرواسب. وقد ذكر أيضاً أن عمليات زحف ركام السفوح تصل إلى أوج نشاطها في المناطق التي تتعاقب عليها فترات من التجمد والذوبان. وكثيراً ما تتحول ركامات السفوح - والتي تنجم من عمليات الإنهيار بفعل الجاذبية - إلى ما يعرف بأنهار الصخر وذلك إذا ما إشتدت درجة تدفق وإنحدار المفتتات الصخرية من على جوانب المنحدرات, قد تمتد بعض أنهار الصخر من مناطق هذه الركامات على شكل أذرع تستمر في إنحدارها في مجاري الأودية. هذا وقد تضاربت الآراء بشأن أنهار الصخر والطريقة التي تكونت بها خصوصاً أ، الكثيرين يرجعونها إلى بعض الأنهار الجليدية القديمة, وإلى أنا تمثل في الواقع المرحلة النهائية ف يتطور النهر الجيلدي, وهي التي لابد أن تنتهي حتماً إلى تحوله إلى نهر صخري, وقد يعتبرها بعضهم بمثابة أنهار جليدية حفرية " " أو قديمة.
وكثيراً ما تنحدر كتل منفردة من الصخر, كبيرة الأحجام, على طول منحدر ما. وقد أطلق "شارب" على هذه العملية إسم الزحف الصخري , إذ تبدو الجلاميد الصخرية الهائلة وكأنها قد إنتزعت من جانب المنحدر أو الحافة. ويمكننا أن نسجل هذه الصورة من صور الإنهيار - بصفة خاصة - في مناطق الحافات أو المنحدرات التي تتكون من صخور رملية أو جرانيتية تكثر بها المفاصل والشقوق (ولكنها لا توجد متقاربة). كما هي الحال على طول الصحراء الشرقية المطلة على وادي النيل ف يمديرية أسوان, والتي تكاد تتكون برمتها من صخور رملية.
وهنالك أيضاً, إنحدار كميات كبيرة من المفتتات الصخرية المشبعة بالمياه على طول منحدر ما دون أن يحددها مجرى مائي واضح وهي التي أطلق عليها "شارب" إسم الإنهيار الشمبع أو تدفق التربة (مشتقة من الكلمتين اليونانيتين ومعناها تربة, والفعل تربة, والفعل ومعناها يتدفق).
ويعظم حدوث هذه الظاهرة في الجهات الواقعة في العروض العليا - كما هي الحال - في جزيرة سبتزبرجن, وشبه جزيرة إسكندناوة - وكذلك في أعالي المرتفعات الشهقة. ويجب أن تتوافر عدة شروط لكي يتم حدوث هذه الظاهرة وهي:
1-كمية وفيرة من المياه الناتجة عن ذوبان الثلوج والجليد الأرضي.
2-وجود سفوح جبيلة متوسطة أو شديدة الإنحدار خالية من النباتات الطبيعية.
3-وجود طبقة مستديمة التجمد تحت سطح الأرض مباشرة وهي التي تعرف بالتيايلة " " ف يشبه جزيرة إسكندناوة.
4-سرعة تكون المواد المفككة بفعل عمليات التجوية وخصوصاً العمليات الميكانيكية.
هذا وتختلف عملية تدفق التربة (الإنهيار الأرضي المشبع) عن التدفقات الطينية , في أنها أبطأ حركة وأكثر إنتظاماً في حدوثها,وتتميز أيضاً بأنها لا ترتبط بمجار منأي نوع كما هي ف يالحال في التدفقات الطينية, وبأنها تحدث في ظروف مناخية قطبية أو ألبية, ولا تحدث بتاتً تحت ظروف المناخ الجاف كالتدفقات الطينية. وتتلخص ظروف حوث هذه الظاهرة, في أنه أثناء فصل الصيف, عندما يتعرض الجليد للذوبان - وذلك لعمق قد يصل إلى بضعة أقدام - تتكون طبقة من المفتتات الصخرية والمواد المفككة المتشبعة بالمياه, وذلك فوق طبقة التيايلة المستديمة التجمد, ومن ثم تتدفق هذه المفتتات ببطء ملحوظ على طول جوانب المنحدر بفعل الجاذبية الأرضية. وتنجم عن هذه الظاهرة آثار جيومورفولوجية محدودة, وذلك لأنها تحدث على مساحة كبيرة ولا ترتبط بأي حال بمجار مائية, وتقتصر هذه الآثار على تكون ما يشبه المدرجات على طول المنحدر, وعلى ملء بعض المنخفضات الصغيرة المحدودة المساحة.
2-الإنهيار الأرضي السريع: ويضم كل أنواع التدفقات الطينية التي تنحدر على جوانب المنحدرات بسرعة ملحوظة,وتتميز أيضاً بإرتفاع درجة تشبع الدقائق الطينية بالمياه بحيث يحدد تدفقها مجرى مائي واضح. وقد ذكر "بلا كويلدر " (1928) أن لظلهرة التدفقات الطينية آثار جيومورفية هامة, وذلك في الأقاليم الجافة وشبه الجافة, إذ تعتبر عاملاً من العوامل الأساسية التي تشكل سطح الأرض في هذه الأقاليم, ولابد لكي تحدث هذه الظاهرة من توافر عدة شروط:
1-وجود كميات من المواد الدقيقة غير المتماسكة التي تتحول إلى حالة لزوجة إذا ما تشبعت بالرطوبة.
2-وجود منحدرات وسفوح شديدة الإنحدار.
3-أمطار فجائية غزيرة تتساقط على فترات متقطعة.
4-ندرة النباتات الطبيعية وفقرها.
وتكاد تتوافر كل هذه الشروط في الأقاليم الجافة حيث تندر الحياة النباتية وحي ثتتساقط أمطار فجائية تتخذ شكل سيول جارفة, وتندفع التدفقات الطينية التي تحدث في هذه الأقاليم في مجار مائية محددة المعالم, عبر الدالات المروحية التي توجد عند حضيض المرتفعات, والتي كانت هذه التدفقات سبباً ف يتكوينها في مبدأ الأمر. وتتألف التدفقات الطينية في المعتاد من طين ومواد أخرى دقيقة ناعمة ولكنها قد ترتفع معها في كثير منالأحيان جلاميد ضخمة منالصخر قد يزن بعضها عدةأطنان,لهذا كثيراً ما تنتشر فوق سطح الرواسب الفيضية التي تتألف منها الدالات المروحية بعض الجلاميد الصخرية المنعزلة التي تبعد مسافات كبيرة عن قواعد المرتفعات وأقامها. وكثيراً ما تعمل التدفقات الطينية على سد المجاري العليا للأنهاؤ وتكوين بحيرات طولية, كما حدث تماماً لنهر جانيسون في القسم الغربي من كولورادو.مماأدى إلى تكوين بحيرة طويلة هي بحيرة كريستوبال في مجراه الأعلى. وقد حدث في سنة 1914 تدفق طيني شبيه بالذي حدث ف يالمجرى الأعلى لنهر جانيسون, وذلك على طول المنحدرات الغربية لجبال سان جوان مماأدى إلى طمر بلدة تلورايد التعدينية طمراً جزيئاً وقد هجرها سكانها بعد ذلك.
3-الإنزلاقات الأرضية : وهي أكثر أنواع الإنهيار الأرضي سرعة, وأقلها إحتواءً للمياه. ويوجد منها خمسة أنواع هي: (أ) إنزلاق كتل من الصخر على جانب منحدر ما بحيث يتميز إنزلاقها بدورة خلفية (وتعرف بال ) وكثيراً ما تحدث هذه الظاهرة على مراحل مستقلة مما يؤدي إلى تكون منحدرات شبه سلمية يمكن أن تسمى بالمدرجات الصغيرة . ومن الأسباب اشائعة التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة ال , وعمليات النحت السلفي للمنحدرات بفعل المجاري المائية والأمواج.
(ب) إنزلاق مفتتات صخرية وتدحرجها على طول منحدر ما دون أن تدور خلفية وتحتوي مثل هذه المفتتات ف يالمعتاد على كميات محدودة جداً من المياه.
(ج) عملية سقوط الحطام الصخري من على حافة رأسية أو جرف هاوٍ. وعظم حدوثها بصفة خاصة على طول جوانب الأنهار التي إستطاعت أن تنجتها نحتاً سفلياً.
(د) عملية إنزلاق الصخر , وهي عبارة عن سقوطها كتل كبيرة من الصخر على طول سفح جبلي تتميز صخوره بكثرة مفاصلها وشقوقها, ومن أشهر أنواع الإنزلاق الصخري ذلك اذلي حدث في ولاية وايومنج (بالولايات المتحدة) في سنة 1925 والذي يعرف بال . وقد قدرت كمية المواد الصخرية التي إنزلقت من على المنحدرات الشرقية لجبال الروكي, بحوالي 50 مليون ياردة مكعبة. وقد حدث قبل ذلك في سنة 1903 إنزلاق صخري مماثل في مقاطعة ألبرتا بكندا (يعرف بال ) وإنقض هذا الإنزلاق على بلدة فرانك مسبباً خسائر كبيرة في الأرواح.
(ه) عملية سقوط الصخر , وتحدث عندما تنفصل كتل صخرية صغيرة الأجسام نسبياً من السفوح الجبلية الشديدة الإنحدار, ثم تتساقط من فوق هذه السفوح بسرعة هائلة. ويعظم حدوث هذه العملية الجيومورفية في المناطق الجبلية في أشه الربيع بصفة خاصة عندما يتعاقب التجمد مع الذوبان.
الفصل السادس: الأنهار وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
الأنهار هي أطثر العوامل الجيومورفية إسهاماً في تشكيل سطح الأرض, ويرجع هذا إلى أن اثرها يظهر في كل مكان على وجه الأرض سواء في المناطق الغزيرة الأمطار, أم في الجهات الباردةالتي لا تسقط بهاأمطار, أو في المناطق الصحراوية الشديدة الجفاف, إذ إن كل هذه المناطق تنحدر على سطح الأرض فيها مياه الأمطار بأي شكل من الأشكال, هذا وإن كانت مقادير المياه التي تجري جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, إذن هي المصدر الرئيسي لكل أنواع المياه التي تجري جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, فهي التي تعمل على إكتساح المواد الصخرية المفككة ونقلها من مكان إلى آخر, مدفوعة في هذا بقوة الجاذبية الأرضية, وهي بهذا تسبب جريان الأنهار على سطح الأرض, وهي التي تملأ المنخفضات بالمياه, وبهذا تتكون البحيرات والمستنقعات. ولكننا نجد, رغم هذا, أن معظم عمل المياه الجارية في تشكيل قشرة ألأرض, يتم في واقع الأمر بواسطة مياه الأنهار, وذلك لأنها أكثر عمقاً وقوة من مياه الأمطار التي تسقط سقوطاً مباشراً على سطح الأرض.
ولمياه الأنهار ثلاثة مصادر, يتمثل أولها في المايه التي تجري على سطح الأرض عقب سقوط الأمطار مباشرة. ويتمثل المصدر الثاني في المايه الجوفية المختزنة في المسافات البينية بين جزيئات الصخر أو التربة, وتتسرب هذه المياه الباطنية تسرباً جانبياً إلى المجاري المائية, فتعوض ما قد تفقده هذه المجاري من المياه نتيجة لإرتفاع درجة التبخر, ولهذا نجد أن نسبة كبيرة من مياه نهر النيل في مصر في فترات التحاريق’ إنما تتسرب إلى مجرى النهر من طبقة المياه الجوفية التي توجد تحت الصحراوين الشرقية والغربية. أما المصدر الثالث لمياه الأنهار فيتمثل في إنطلاق كميات كبيرة من المياه, كانت تختزنها البحيرات, والمستنقعات, والغطاءات الثلجية, والأنهار الجليدية, وكلها تعمل على أن تضيف إلى مياه الأنهار مورداً آخر.
ولاابد أن تعمل قوة لإندفاع مياه الأنهار على سطح الأرض, على نحت وإكتساح المواد الصخرية المفككة, التي تخلفت عن تعرض صخور القشرة لعمليات التجوية, سواء كانت هذه التجوية ميكانيكية أو كيماوية. ويتم تكون المجاري النهرية والأودية أثناء عملية النحت ذاتها.
وبعد سقوط امطار بماثبة الخطة الأولى في سبيل تكون الأنهار, ومياه الأمطار التي تسقط على سطح الأرض منها ما ينساب إنسياباً سطحياً فوق قشرة الأرض ويتوقف بقاؤه فوقها على: كمية الأمطار, على درجة إنحدار الأرض, ودرجة نفاذية التربة , وعلى نسبة التبخر - التي تزداد بإزدياد المساحة المائية وبغزدياد سرعة الرياح - وعلى وجود الغطاءات النباتية.
ومن مياه الأمطار ما يتسرب إلى باطن الأرض - ويتوقف هذا التسرب على درجة نفاذية التربة, وعلى وجود الشقوق والمفاصل في الصخر - ومنهاأيضاً ما يعود إلى الجو ثانية على شكل بخار قبل ملامستة لسطح الأرض والذي يهمنا من هذه الصور الثلاث لمياه الأمطار, هي تلك الأمطار التي تتجمع على سطح الأرض. والتي قد تسيل غلى المناطق المنخفضة فتملؤها وتكون البحيرات والمستنقعات, أو التي تجري جرياناً سطحياً فتتكون الأنهار, وتتفاوت كميات الأمطار التي تسقط على سطح الأرض تفاوتاً كبيراًً من مكان إلى آخر, كما تختلف مواسم سقوط الأمطار إختلافاً واضحاً, ولهذا نجد أن هذا الإختلاف في نظام سقوط الأمطار وكمياتها له أثر مباشر على مائية الأنهار وعلى طاقتها على عميلات النحت والنقل.
نظام جريان النهر : ويقصد به التفاوت الفصلي في كمية المياه التي يحملها النهر , ويتوقف نظام جريان أي نهر من الأنهار على العوامل الآتية:
(أ) كمية التساقط الفصلي سواتء كان هذا التساقط في صورة أمطار أم ثلج أم برد. . إلى غير ذلك من صو رالتساقط.
(ب) وجود حقول أو أنهار جليدية.
(ج) درجة إنحدار الأرض في المنطقة التي يتلقى منها النهر مياهه.
(د) طبيعة الصخور وخصوصاً درجة إنفاذها للمياه .
(ه) خصائص الغطاء النباتي.
وإذا كان النهر يستقي مياه نتيجة ذوبان الثلوج المتراكمة على المرتفعات في منابعه, فلابد أن يتبع هذا حدوث الفيضان إبان فصل الربيع وأوائل الصيف, ووصول منسوب مياه النهر إلى نهايته الدنيا من الإنخفاض أثناء فصل الشتاء. وبمثل إنخفاض مناسيب الأنهار الألبية في فصل الشتاء المشكلة الرئيسية التي تواجه محطات توليد الكهرابء في هذه المناطق. وتتساقط في بعض الحالت أمطار صيفية, كما هي الحال في حوضي الراين والرون, مما يؤدي إلى حدوث الفيضان فيما بين شهري يونية ويولية وإنخفاض منسوب الماء في النهرين إنخفاضاً كبيراً في أواخر فصل الخريف. أما في حالة الأنهار التي تستمد مياهها من الأمطار وحدها كنهري السين والساءون, فنجد أن منسوب المياه فيها يصل إلى أقصى إنخفاض له في فصل الصيف عندما ترتفع نسبة التبخر وتشتد حاجة النبات إلى المياه.
أما في العروض المدارية - حيث يعظم إرتفاع درجة الحرارة, وحيث ترتفع نسبة التبخر طوال معظم شهور السنة - فنجد توافقاً ملحوظاً بين جريان الأنهار, وبين نظاتم سقوط الأمطار, فنهر كنهر ماها ويلي جانجا بجيزرة سيريلانكا يكاد يختفي تماماً في شهر مايو ولكنه سرعان ما يتلء بالمياه في شهر يوليه عقب سقوط الأمطار الموسيمة,
1- أما في العروض المدارية - حيث يعظم إرتفاع درجة الحرارة, وحيث ترتفع نسبة التبخر طوال معظم شهور السنة - فنجد توافقاً ملحوظاً بين جريان الأنهار, وبين نظام سقوط الأمطار, فنهر كنهر ماها ويلي جانجا بجيزرة سيريلانكا يكاد يختفي تماماً في شهر مايو ولكنه سرعان ما يتلء بالمياه في شهر يوليه عقب سقوط الأمطار الموسمية, ويصبح نهراً عارماً متدفقاً يفيض على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الواقعة على كلا جانبيه. كما نلحظ أيضاً أن معظم الأنهار الرئيسية التي توجد في جنوب شرقي آسيا - كنهر إيراوادي ونهر ميكونج , ونهر اليانجتس - يرتفع منسوب المياه فيها أثناء فصل الصيف, ويتفق هذا مع نظام سقوط الأمطار الموسمية, التي يتركز هطولها في أشهر الصيف وحدها, بينما تتميز أشهر الشتاء بجفاف واضح.
طاقة النهر : النهر ككتلة متحركة من الماء, لابد أن يكون له قوة أو طاقة تتوقف على مقدار مياهه , وسرعة جريان هذه المياه . وتنطلق الطاقة نتيجة إحتكاك مياه النهر بجوانبه الصخرية أو بقاعه, كما أن بعض هذه الطاقة يبذل في حمل مياه النهر للمواد الصخرية المفككة التي قد تكون عالقة بها.
فإذا ما إزدادت سرعة مياه النهر أثناء موسم فيضانه فلابد أن يتبع هذا إزدياد طاقته على حمل المفتتات الصخرية التي تخلفت عن عمليات التجوية, أو التي تنحتها مياه النهر أثناء إندفاعها. وقد لاحظ اجيومورفولجي الإنجليزي "جيكي " أنه إذا كانت سرعة مياه النهر حوالي 1/6 ميل في الساعة, فإن هذا يعني أن النهر لا يستطيع أن يحمل من المواد الصخرية المفتتة إلا الصلصال الناعم, وإذا زادت سرعته إلى 1/4 ميل في الساعة, يصبح في مقدور مياهه أن تحمل المواد الرملية الخشنة, وإذا كانت سرعة مياه النهر 2/3 ميل في الساعة, فمعنى هذا أنه يستطيع أن يحمل المواد الحصوية, كما يستطيع النهر أن يحمل حبات كبيرة من الزلط قد يزيد قطرها على البوصة, إذا زادت سرعة جريان مياهه على 11/2 ميل في اسلاعة.
وإذا ما إنخفض منسوب مياه النهر في وقت التحاريق, أو حدث تغير فجائي في إنحدار الأرض التي تجري عليها مياهه, أو إنتهى النهر إلى بحيرة أو مستنقع, فلابد أن تنعدم وتتلاشى طاقة النهر على حمل المواد الصخرية المفككة ونقلها, ويتحول من النحت إلى الإرساب بحيث يلقى ويرسب في بادئ الأمر الجزيئات الصخرية الكبيرة, ثم يرسب بعد ذلك حمولته من المواد الناعمة في الجزء الأدنى من مجراه بالقرب من مصبه, فكأن مياهه - والحالة هذه تقوم بعملية تصنيف للرواسب التي تحملها .
وقد سبق أن ذكرنا أن عملية النحت بفعل مياه الأنهار تمر في الواقع بعدة خطوات:
1- عملية الإغتصاب النهري أو إكتساب المواد الصخرية المفككة بقوة ضغط المياه وإندفاعها.
2-عملية نحت الجوانب والقاع بواسطة قوة ضغط المياه وما تحمله من مفتتات صخرية (تعرف بال ), أو عن طريق عملية الإذابة, فنهر كنهر شانون في إيرلنده لم يتمكن من نحت مجراه خلال التكوينات الجيرية إلا بمساهمة عملية النحت الكيماوي مساهمة كبيرة في هذا السبيل.
3- إزدياد تفتت المواد المفككة التي يحملها النهر نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض مما يسهل نقلها بعد ذلك.
4- نقل المواد اصخرية إما بطريقة الجر, أو التعلق, أو الإذابة, أو الطفو. وعملية النقل بطريقة الإذابة لها أهمية خاصة في الجزر البريطانية إذ إن أكثر من ثلث حمولة مياه النهار التي توجد في هذه الجزر تتألف من مواد مذابة.
كيف تكونت أودية الأنهار: ويعتقد بعض العلماء أن الأنهار ليست هي التي تكون مجاريها وتحفر أوديتها,بل تساهم حركات قشرة الأرض في هذا الصدد وإن لم تكن هي المسئولة أصلاً عن تكون هذه الأودية, ولكن مثل هذا الإعتقاد إن صح في بعض الأنهار إلا أنه لا يجب تعميمه على شتى أنهار العالم. فقد كان الإعتقاد السائد حتى عهد ليس ببعيد, أنوادي نهر النيل قد تكون بفعل حركات قشرة الأرض التي أحدثت إنكساراً هائلاً في قشرة الأرض مما أدى إلى هبوط تلك الأجزاء المنخفضة التي تسمى بوادي النيل,والتي تنحصر بين الصحراوين الشرقية والغربية.أما الآن فيؤمن علماء لاجيولوجيا بأن نهر النيل هو الذي شق مجراه بواسطة عملية النحت المائي العادي, أي أن مياهه هي التي حفرت بنفسها ذلك الوادي العريض الهائل,في التكوينات الجيولوجية اليت تحده من كلا جانبيه, إذ إنها دأبت منذ جريانها فوق الصخرو الرسوبية التي توجد في القسم الشمالي من القارة الإفريقية على نحت الأرض التي جري فوقها, وعلى إزالة المواد التي تنحتها حتى كونت في النهايةذلك الوادي الواسع الذيتجري فيه مياه النهر في الوقت الحالي.
وهنالك رأيللأاستاذ "جورج كنيتش " يؤيد فيه إسهام الحركات الباطنية في نشأة نهر النيل, فهناك إنكسار أفقي (وليس عمودي رأسي) يمتد محوره على طول مجرى النيل الحالي في محافظة أسوان, وقد أدى هذا الإنكسار إلى تزحزح ضفتي الوادي أفقيأً على محور يمثله مجرى النيل الحالي, ويؤيد هذا أن أودية الصحراء الشرقية لا تتوافق في إتجاهاتها مع أودية الصحراء الغربية إمتداد للأودية الضخمة القادمة من جبال البحر الأحمر.
وليس وادي النيل هو الوادي الوحيد الذي إستطاعت المياه العادية أن تحفره,فهناك أودية أخرى عديدة تفوقه طولأً وأعظم منه ضخامة, وقد تكونت كلها بفعل المياه الجارية, ومازالت المياه عارمة متدفقة في هذه الأودية حتى وقتنا هذا, ومن أمثل ذلك أودية نهر المسيسبي والأمازون. وهنالك أيضاً من الأودية النهرية, مالا يجري فيها الماء الآن, وذلك لتبخر مياهها بعد أن تحول المناخ في مناطقها من حالة مطيرة إلى حالة جافة, ولم يبق من آثار تلك الأنهار القديمة إلا الأودية اليت حفرتها, وتنتشر مثل هذه الأودية في المناطق الصحراوية, كما هي الحال في أودية صحاري مصر وشبه جزيرة سيناء, ويعرفها البدو في هذه الجهات أحياناً, بالأودية الفارغة, وأحياناً أخرى بالبحار التي بلا ماء.
ويظهر لنا من كل ما سبق أن النهر يتكون نتيجة جريان الأمطار جرياناً سطحياً على وجه الأرض, إذ تكون مياه الأمطار بعد سقوطها على المرتفعات وجريانها على سطح الأرض, مسيلات وشعاباً مائية دقيقة وصغيرة,تتمشى مع إنحدار الكتلة الجبلية, وتعمل المياه التي تحملها والتي يتوالى سقوطها عليها زيادة طول هذه المسيلات,وتعميقها وتوسيعها. وسنرى فيما بعدأن زيادة طول هذه المسيلات ترجع إلى تضافر عدة عمليات من بينها عملية النحتالاصعد . ولا تستمر كل المسيلات والشعاب المائية في الزيادة طولاً وعمقاً وإتساعاً, بل تتطرد هذه الزيادة في بعضها دون البعض الآخر وتتكون بعض الروافد للمسيلات المائية الطيولة, كما تتكون روافد ثانيوة للروافد الرئيسية ... وهكذا إلى ان يتكون نظام نهري كامل, يمثل أوضح صورة جيومروفولوجية على سطح الأرض, إذ يتألف هذا النظام من شقوق طولية منخفضة.
تجري فيها مياه النهر الرئيسي وروافده - هي التي تعرف بالأودية. وتعرف المناطق المرتفعة التي تفصل كل واد عن الوادي الذي يجاوره, بأرض ما بين الأنهار , كما تعرف المنطقة الواسعة التي نصرف إليها كل مياه الأمطار التي تسقط على الإقليم, بحضو التصريف النهري أما المنطقة المرتفعة التي تفصل بين حوضين متجاورين فتعرف بمنطقة تقسيم المياه .
تطور الأودية النهرية: تكونت معظم الأودية التي تجري بها المياه بفعل ثلاث عمليات مرتبطة ومتلازمة وهي:
1- عملية تعميق الوادي.
2- عملية توسيع الوادي.
3- عملية إطالة الوادي.
أولاً: تعميق الوادي: ويتم هذا التعميق بفعل عدة وسائل هي:
(أ) قوة إندفاع المياه.
(ب) نحت قاع الوادي بفعل قوة ضغط امياه وما تحمله من مفتتات ومواد صخرية مفككة.
(ج) تكون الحفر الوعائية في قاع الوادي.
(د) النحت الكيماوي .
(ه) تعرض قاع النهر لعملية التجوية, وما يتبع هذا من إزالة المواد المفككة التي تخلفت عن هذه العملية بفعل قوة ضغط المايه,ويظهر هذا بصفة خاصة في حالة الأنهار المتقطعة الجريان اليت تفيض في بعض المواسم, وتغيض أو تخف في مواسم أخرى.
ثانياً: توسيع الوادي: ويقصد بإتساع الوادي طول المسافة العرضية التي تمتد بين جانبيه, وهو ما يصوره لنا القطاع العرضي للوادي.وتتم عملية توسيع الوادي بطرق عديدة نذكر منها:
(أ) طريقة النحت الجانبي , إذ تستطيع مياه النهر بواسطة إندفاعها وما تحمله من أدوات الحفر, أن تزيل بعض المواد من قواعد جانبي الوادي مما يؤدي إلى نحت هذه القواعد نحتاً سفلياً فتنهال, وتنهار كتل ومفتتات صخرية من أعالي هذه الجوانب, في مياه النهر.
وتحدث هذه العملية في كل مراحل تطور الوادي, ولكنها تظهر بصفة خاصة في فترتي النضوج والشيخوخة, عندما تتوقف عملية تعميق الوادي, وتحل محلها عملية النحتا الجانبي التي تهدف إلى توسيعه.
(ب) إنهيار الجوانب نتيجة عمليات زحف التربة, إذا ما كانت هذه الجوانب شديدة الإنحدار, وكانت الأمطار غزيرة,وقد تنهار جوانب النره أيضاً, نتيجة حدوث هيارات ثلجية . ويظهر هذا بصفة خاصة في الأقاليم التي تتعرض لسقوط الثلج أثناء فصل الحرارة المنخفضة.
(ج) فعل المياه الجوفية التي تتسرب تسرباً جانبياً إلى مياه النهر, وتحدث هذه العملية بصفة خاصة في الأقاليم الجافة.
(د) عملية نحت الجوانب نحتاً جانبياً وخصوصاً إذا ما كانت مياه النهر تحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح المذابة.
(ه) فعل الرياح, إذ إن عامل الرياح عامل فعال في إزدياد إتساع الأودية الجافة اليت قد تمتلئ بالمياه في مواسم سقوط الأمطار.
(و) يزداد إتساع الوادي كذلك, في المناطق التي يلتقي فيها المجرى الرئيسي بروافد جانبيه, وفي هذه المناطق بالذات, حيث تضغط المياه على جانبي الوادي من إتجاهين, يصل إتساع الوادي إلى أقصى حد له.
ثالثاً: إطالة الوادي: وتتم بعدة طرق أهمها:
(أ) طريقة النحت الصاعد , وهذه الطريقة نجدها محققة في سائر الأودية الصغيرة نسبياً, حيث يجري نحت الوادي من أسفله إلى أعلاه. أي من المصب إلى المنبع, ويرجع هذا إلى إحتكاك الماء الجاري والمواد التي يحملها النهر, بقاعه. ولذا نجد أ، عملية النحت الصاعد تتناسب طردياً مع كمية المياه التي يحملها النهر, ومع سرعة جريان الماء فيه.
غير أنه من الخطأ أن نتصور أن بعض الأنهار الكبيرة - كنهر المسيسبي مثلاً - بدأت كأودية نهرية صغيرة وقصيرة تقع منابعها بالقرب من البحار, ثم إزدادت طولاً بعد ذلك بواسطة عملية النحت الصاعد حتى وصلت إلى منابعها الحالية اليت تبعد عن مياه البحر عدة مئات من الكيلو مترات, إذ لم تتكون فعلأً بهذه الطريقة إلا بعض الروافد الثانيوة الصغيرة, أما الأودية الرئيسية فيمكننا أن نجزم بأنها لم تزد طولأً بعملية النحت التراجعي وحدها بل ساهمت معها عمليات أخرى عديدة.
(ب) طريقة التقويض أو الهدم بفعل الينابيع (أو التقويض الينبوعي) وهي طريقة أخرى من طرق النحت الصاعد - التي تؤدي إلى زيادة أطوال أودية الأنهار - وتتحقق في الحالات التي تظهر فيها بعض الينابيع عند رءوس الأودية, فعندما تتدفق مياه الينوبع إلى سطح الأرض فإنها تستطيع أن تجتذب بعض المواد الصغيرة المفككة من المناطق التي تجاورها إما في صورة عالقة أو مذابة, ويتم بهذه الطريقة تقويض وهدم المناطق المحيطة بهذا الينوبع المتدفق, وتصبح على شكل حوض تحيط به حوائط صخرية رأسية تتراجع مطرداً إلى الوراء.
(ج) تصريف المستنقعات,فقد توجد في بعض الحالات عند رءوس الأودية, بطائح ومستنقعات مائية يستقي منها النهر مياهه, ويستطيع النهر أن يشق طريقه صاعدأً خلال هذه البطائح بواسطة عملية النحت الصاعد, ولذك بعد أن يكون قد إستطاع تعميق واديه في جزئه الأدنى. بدرجة تسمح بإنصراف مياه هذه البطائح إلى الجزء الأدنى من الوادي.
(د) إزدياد أطوال ثنيات الأنهار وإلتواءها فما دام وادي النهر الكثير الإنثناء والإلتواء تحده حوائط مرتفعة على كلا جانبيه, فلابد أن يؤدي إزدياد أحجام ثنياته وإلتواءته إلى زيادة طول النهر ذاته.
(ه) زيادة أطوال الأنهار عند مصباتها, وذلك إذا ما تعرض اليابس في هذه المناطق للإرتفاع, أو إنخفض منسوب مياه البحيرة أو البحر الذي ينتهي إليه النهر مما يؤدي إلى أن يشق النهر طريقه عبر الأرض الجديدة التي تظهر, وقد زادت أطوال معظم الأدوية النهرية التي تنتهي إلى المحيط الأطلسي وتلك التب تنتهي إلى خليج المكسيك (في أمريكا الشمالية) بهذه الطريقة. وقد تزداد بعض الأدوية النهرية في أطوالها إذا ما تزايد إمكتداد دالاتها في مياه البحر, وهذا ما حدث فعلأً للوادي الأدني لنهر المسيسبي فقد كان مصب هذا النهر في عصر البلايستوسين يقع في اليابس على بعد 125 ميلأً من مصبه الحالي, وإستطاع وادي هذا النهر أن يشق طريقه عبر هذه المسافة نتيجة لزيادة إمتداد دلتاه على حساب مياه خليج المكسيك.
مستوى القاعدة أو الحد الأدني للنحت: من المعروف أن هنالك مستوىأدنى تصل إليه عملية النحت الرأسي التي لابد أن تنتهي حتمأً إلى هذا المستوى, إذا ما إستمرت تعمل دون توقف, دون تدخل عوامل أخرى باطنية, ويعرف هذا المستوى, الأدنى لعملية النحت الرأسي بمستوى القاعدة , وقد كان الجيومورفولوجي الأمريكي "باول " (1875) أول من أشار إلى وجود هذا المستوى وذلك بعد البعثة التي رأسها وهي التي زارت منطقة كولورادو في غرب الولايات المتحدة. وقد عبر عن فكرة مستوى القاعدة وهو المستوى الأدنى لعمليات النحت بما يلي: ". . . يمكننا أن نعتبر مستوى سطح البحر بمثابة مستوى قاعدة عظيم لا يمكن للأرض اليابسة أن تنحت دونه, وقد نجا في بعض الحالات مستويات دنيا للنحت غير مستوى سطح البحر, وتظهر هذه المستويات لظروف محلية, ومؤقتة . . . ففي المناطق التي يخترق النهر فيها مجموعة من الصخور ممتفاوتة في صلابته - أي أن بعضها صلب يستطيع مقاومة عملية النحت المائي, والبعض الآخر لين تسهل إزالته - تصبح الصخور الصلبة بمثابة حواجز مؤقتة, تؤدي إلى إرتفاع منسوب مياه النهر أمامها, ويسفر هذا بالتالي عن توقف عمليات النحت المائي في الصخور اللينة, وبهذا تتكون سلسلة من مستويات القاعدة المؤقتة في مجرى النهر الذي لا تستطيع مياهه أن تواصل النحت إلى ما دونها, هذا على الرغم من ليونة ورخاوة التكوينات الصخرية.
ويتضح لنا من كلام "باول" السابق, أنه قصد بمستوى القاعدة, الحد الأدنى لتخفيض سطح الأرض , ولكنه لم يصف لنا الصورة النهائية لسطح الأرض, إذا ما إنخفضت به عمليات النحت إلى مستوى القاعدة, كما أنه لم يبين بوضوح, ما إذا ما كانت توجد ثلاثة مستويات للقاعدة أو مستويان فقط. . . إذا إن كل ما ذكره في هذا الصدد ". . . أن هنالك مستويات قاعدة أخرى غير مستوى سطح البحر تظهر لظروف محلية مؤقتة . . .".
وقد فسر "مالوت " (1928) كلام "باول" هذا على أنه يعني وجود ثلاثة مستويات للقاعدة مستوى قاعدة نهائي , ومحلي , ومؤقت .
فمستوى القاعدة النهائي - الذي لابد حتماً أن تنتهي إليه كل عمليات نحت سطح الأرض - هو مستوى سطح البحر, ومستوى القاعدة المحلي, وهو مستوى سطح مياه نهر أو بحيرة تنتهي إليها مياه نهر آخر, فإذا ما إنتهت مياه نهر من الأنهار إلى بحيرة, فإن مستوى سطح مياه هذه البحيرة هو المستوى الأدنى للنحت بالنسبة لهذا النهر, كما أنه إذا ما إنصرفت مياه رافد أي نهر إلى النهر الرئيسي, فيصبح حينئذ مستوى سطح الماء في النهر الرئيسي بمستوى القاعدة المحلي وذلك بالنسبة لهذا الرافد. أما مستوى القاعدة المؤقت فقد يتكون إذا ما إنصرفت مثلأً مياه نهر من الأنهار إلى بحيرة بحيث يصبح مستوى سطح مياه هذه البحيرة بمثابة مستوى قاعدة محلي بالنسبة لهذا النهر. والذي يحدث إذا كانت هذه البحيرة تتميز بضحالتها, هو تعرضها لأن تملأ بالرواسب اليت يلقي بها النهر, بعد توقفه عن عملية النحت نتيجة إنصبابه في هذه البحيرة, ويؤدي هذا إلى إرتفاع منسوب مياه البحيرة اليت تبحث لها عن مخرج في صورة نهر جديد, فينخفض منسوبها مرة أخرى حتى تنصرف منها المياه تماماً, وتتحول في النهاية إلى مسطح من الرواسب البحيرية . ثم يزداد النهر الجديد, بعد ذلك, طولأً بواسطة عملية النحت الصاعد في تلك الرواسب البحيرية, حتى يصبح له إنحدار واضح, كما يصبح القطاع الطولي للنهرمقعر الشكل, وتتلاشى البحيرة - أو مستوى القاعدة المؤقت للنهر الأول - تلاشياً تاماً خلال هذه العملية التي تعرف لهذا السبب بعملية إزالة البحيرات , وتتميز البحيرات التي توجد بإقليم البحيرات في الجزر البريطانية, بأنها تمر بمراحل مختلفة في طريقها النهائي نحو التلاشي.
من هذا يظهر أن مستوى القاعدة المؤقت والمحلي,إنما يؤديان نفس المعنى تقريباً وأن أي مستوى قاعدة محلي لابد أن يكون مؤقتاً, وهذا يدل بالتالي على أن "مالوت" كان مخطئاً فيما ذكره بأن "باول" كان يعني وجود ثلاثة مشتويات للقاعدة" نهائي ومؤقت ومحلي, وخصوصاً أن "ديفز" نفسه فسر كلام "بالو" علىأنه يعني وجود مستويين فقط وليس ثلاثة مستويات للقاعدة.
وقد كان الجيومروفولوجي "جونسون ", من أشد معضدي النظرية اليت تنادي بأ، مستوى سطح البحر هو الحد النهائي لمحن سطح الأرض بوسائل النحت المختلفة, وأنه إذا ما تخيلنا خطاً مستوياً يمتد تحت الأرض اليابسة على طول سطح الأرض, فإن هذا الخط المستوي هو الذي تتوقف عنده شتىأنواع عمليات النحت وهو الذي يعرف بمستوى القاعدة. وقد عارض الأستاذ الأمريكي "ثورنبري ", هذا الكلام أشد معارضة, وذكر أنه كلام نظري قلما ينطبق على واقع الطبيعة إلا في المناطق القريبة من البحار, وحتى إذا إفترضنا نظرياً, صحة الإحتمال القائل بأن الكتل القارية تنحت بإطراد حتى تسوى بمستوى سطح البحر, فإن من المستبعد أن تظل هذه الكتل في حالة من الثبات والإستقرار لمدة طويلة تسمح بإتمام عملية نحتها حتى تصل إلى مستوى سطح البحر.
ويؤيد هذا القول دراستنا لتقلقلات الباطنية التي تدل دلالة قاطعة على أن منسوب سطح البحر ليس له دخل إطلاقاً في "تخفيض" سطح الأرض في المناطق التي تبعد مئات الكيلومترات عن السواحل. وينطبق هذا بصفة خاصة على كل مناطق التغير السريع في قشرة الأرض, وهي المناطق اليت تتعرض دوماً لتقلقلات باطنية ونشاط بركاني إلى غير ذلك من العمليات اليت ترتبط بباطن الأرض.
ثم يعود "ثورنبري" فيقول بأن هذا الكلام لا ينفي وجود مستوى أدنى لعمليات النحت,إذ إن هذا المستوى الذي يمكن أن يسمى بمستوى القاعدة موجود فعلاً, وأنه قد يمتد نحت اليابس متمشياً مع مستوى سطح البحر, أو أخفض منه قليلاً وذلك لأن بعض المجاري المائية تستطيع أن تشق مجاريها دون مستوى سطح البحر عند مصباتها. وبعدأ، يتعرض إقليم من الأقاليم لأن ينحت ويزال تضرسه بحيث يصبح في مستوى القاعدة, وبحيث يتوقف حمل مجاريه المائية للرواسب, فلابد أن تطغى مياه البحر على اليابس وتجعله يتمشى مع مستوى أقل إنخفاضاً من مستوى سطح البحر هو ما يعرف بقاعدةالأمواج . ويتراوح عمق قاعدة الأمواج بين 200, 600 قدم دون مستوى سطح البحر. ويرى "ثورنبري" أن هذا يحدث لمناطق محلية محدودة قريبة من سواحل البحار, ومن الصعوبة بمكان أ، ينطبق هذا التغيرعلى المناطق القارية الداخلية الواسعة المساحة, إذ إن المستوى الأدنى للنحت في هذه المناطق يتمثل في مستوى سطح المايه في الأنهار الرئيسية,وذلك بالنسبة للروافد العديدة لهذه الأنهار.
القطاع الطولي للنهر : يركز النهر نشاطه دائماً في أن يجعل لمجراه إنحداراً من منبعه إلى مصبه, ويكاد يتمشى هذا الإنحدار مع الإنحدار الأول لسطح الأرض , وذلك على الأقل في المرحلة الأولى منحياة النهر, ويكفي هذا الإنحدار لإعطاء مياه النهر سرعة تسمح بتوازن عمليات النحت والإرساب على طول مجرى النهر.
فإذا كانت مياه النهر في أحد أجزاء مجراه تفتقر إلى مزيد من الحمولة (وهي الرواسب التي تحملها المايه) فلابد أن تعمل على نحت مجراها وتعميقه حتى تضاف الرواسب الجديدة الناجمة عن عمليات النحت إلى مايحمله النهر من رواسب, ويتم في هذه العملية خفض قاع النهر وتعميقه . على أن عملية نحت المجرى لا تلبث حدتها أن تخف كلمازادت حملة مياه النهر من الرواسب, وبهذا يقل إنحدار النهر تدريجياً حتى يحدث نوع من التوازن بين عمليات النحت والإرساب.
ونلاحظ في نفس الوقت, أنه إذا كانت مياه النهر في جزء آخر من مجراه تحمل كميات كبيرة من الرواسب بحيث لا تتناسب مع سرعة جريانه, فلابد أن تتخلص مياه النهر من هذه الحمولة الزائدة, وذلك لإرسابها, وحينئذ يقال أن النهر قد تحول من النحت إلى الإرساب , وكلما إزداد تراكم الرواسب إزداد إنحدار المجرى مما يؤدي في النهاية إلى زيادة سرعة مياه النهر مرة أخرى وتوقف عملية الإرساب.
ونشاهد في كلتا الحالتين السابقتين أن النهر يجاهد دائماًِ لكي يكون له إنحدار منتظم يسمح لمياهه بسرعة وقوة تكفي لحمل المواد المفتتة التي توجد في مياهه لا أكثر ولا أقل, ويكون النهر في هذه الحالة قد بلغ درجة التعادل أو التوازن,ويسمى حينئذ بالنهر المتعادل .
وقد قام "ديفز" بدراسة النهر المتعادل, بنى دراسته على الأفكار التي تقدم بها سلفه "جلبرت", ذكر بأن النهر في مرحلة مبكرة من قصة حياته يكون له إنحدار يكفي لنقل حمولته ولا يسمح بعمليات النحت والإرساب.
والنهر المتعادل في الواقع ليس هو ذلك النهر الذي يحمل من الرواسب إلى أقصى طاقة له لأن الأنهار نادراً ما تحمل إلى طاقتها القصوى.
كماأنه ليس ذلك النهر الذي توقف تماماً عن عمليات النحت والإرساب كما كان يعتقد "جلبرت" و "ديفز" من قبل, لأ، لبعض أجزاء مجرى النهر المتعادل او غير المتعادل قدرة على النحت, كما أن لأجزاء أخرى منه قدرة على الإرساب.
وقد عرض "كسيلي " (1941) نظرية النهر المتعادل وذكر أن النهر المتعاد هو النهر الذي تختفي من مجراه الشلالات ومناطق الإسراع. ويبدو من تعريفه هذا أنه أسأ فهم المقصود من النهر المتعادل.
وعلى الرغم من أن النهر المتعادل له إنحدار خاص هو الذي يمكن من حالة التعادل هذه, إلا أن هذه الحالة (حالة التعادل) تتوقف على عوامل أخرى هي:
1- سرعة مياه النهر, وهي لا تتوقف على صورة الإنحدار وحدها.
2- خصائص مجرى النهر.
3- نوع وأحجام المواد الصخرية المفتتة التي على النهر أن يحملها.
وكما أن لنظرية النهر المتعادل بعض المعارضين, فلها أيضاً عدد كبير من المؤيدين والمتحمسين نذكر منهم أشدهم تأييدأً وتحمساً لها وهو الجيومروفولوجي الأمريكي "ماكين " (1948). والنهر المتعادل في نظره هو: "ذلك النهر الذي كيف إنحداره على مدى فترة من السنين لكي يسمح بالسرعة المطلوبة لنقل حمولته من الرواسب اليت إشتقها من حوض تصريفه المائي, وذلك في ظل خصائص مجراه وتصريفه المائي .. فالنهر المتعادل إذن في حالة توازن, ومن خصائصه المميزة, أن أي تغيير يطرأ على أي عامل من العوامل المتحكمة في حالة التوازن هذه, لابد أن يؤدي إلى الإخلال بهذا التوازن, ويجعل النهر يجنح إما صوب النحت أو الإرساب. . . ".
ولا يشترط في النهر المتعادل أن تقل درجة إنحداره, إذ إن هنالك فعلاً بعض الأنهار المتعادلة التي تتميز مجاريها بشدةإنحدارها. وقد أعطى "ماكن" أمثلة لبعض هذه الأنهار, كنهر شوشوني في ولاية وايومنج (بالولايات المتحدة) الذي يبلغ إنحداره أكثر من 30 قدماً في كل ميل, ومعظم حمولة هذا النهر منالجلاميد الكبيرة التي تتراوح أقطارها بين 8, 12 بوصة . . . ويعد نهر الإلينوي مثلاً آخر لنهر متعادل ذي إنحدار متناه في البطء, إذ لا يزيد إنحداره على البوصتين في كل ميل, ولذا نجد أن معظم حمولته من المواد الطينية والصلصالية الناعمة.
ويبدو القطاع الطولي للنهر المتعادل الذي يعرف بقطاع التوازن - على شكل قوس مقعر إلى أعلى تقعراً بسيطاً, ويقل إنحداره ببطء وإنتظام كلما هبطنا مع مجراه. . . وهذا للوصف على حد قول "ثورنبري" وصف نظري بحت, إذ نادراًِ ما يظهر القطاع الطولي للنهر المتعادل مطابقاً لهذا الوصف, حتىإذا كان هذا النهر متعادلاً في سائر أجزاء مجراه, إذ لابد أن تحدث تغيرات ملحوظة في شكل الإنحدار عند مناطق إلتقاء النهر الرئيسي بروافد جانبية, وتعزى هذه التغيرات إلى زيادة كمية الرواسب التي تجلبها الروفد إلى المجرى الرئيسي. فعند إلتقاء نهر المسوري برافد بلاته يشتد إنحدار نهر المسوري (وهو نهر متعادل) وذلك لأن بلاته يجلب إليه في المعتادل كميات كبيرة من المفتتات الصخرية التي في حجم الزلط, وهذا يستدعي إشتداد إنحدار مياه نهر المسوري كي تتمكن من حملها.
وقد لخص "مكن" العوامل التي تؤدي إلى تغير شكل إنحدار النهر المتعادل فيما يلي:
1-زيادة تصريف النهر كلما هبطنا مع إنحداره, ونقصان حمولته تبعاً لهذا, ويظهر هذا بصفة خاصة في الأقاليم التي تتدفق فيها الأنهار من مناطق مرتفعة إلى سهول وطيئة رطبة.
2-تناقض أحجام المواد الصخرية كلما هبطنا مع النهر وذلك نتيجة لإحتكاك المواد الصخرية ببعضها البعض .
3-إلتقاء النهر المتعادل بروافد جانبية تجلب إليه حمولة جديدة من المفتتات الصخرية كما تزيد من كمية مياهه .
4-تأثر جوانب النهر ببعض عمليات الإنهيار الأرضي بما يؤدي إلى زيادة حمولته من المفتتات الصخرية.
ولكن يجب أن نلحظ دائماً أن النهر إذا ما إستطاع أن يحقق لنفسه قطاعاص طولياً متوازناً, فإن هاذ لا يعني أنه قد إستطاع أن يصل إلى أقل إنحدار يمكن لمياهه أن تتدفق في إتجاهه, بل كل ما في الأمر أن القطاع الطولي للنهر المتعادل يصبح في هذه الحالة بمثابة مستوى القاعدة المحلي أو الحد الأدنى لنحت وتخفيض المناطق المتاخمة له.
ويتضح لنا من كل ما سبق أن فكرة النهر المتعادل, فكرة أقرب إلى الناحية النظرية منها إلى واقع الطبيعة, وخصوصاً أن التعرية في مختلف أجزاء المجرى تختلف وتتباين من جهة إلى أخرى: ففي الأجزاء الدنيا من مجرى النهر حيث تنخفض سطح الأرض ويصح قريباً نم سطح البحر, تضعف عملية النحت الرأسي التي ينجم عنها تعميق القاع عظيمة الأثر, أما في الأجزاء العليا من المجرى, فالنحت النهري قليل الأثر وذلك لأن المسيلات المائية في هاذ الجزء من المجرى قليلة ومحدودة, ولذا تقل مقدرة النهر على الحفر والتعميق.
أسباب عدم إنتظام القطاع الطولي للنهر: هذا وتعترض مجرى النهر في كثير من الحالات عقبات عديدة تؤدي إلى إحداث تغيرات فجائية في شكل إنحداره.ومن هذه العقبات المشاقط المائية والمسارع والجنادل والبحيرات . . . إلخ. وينجم عن وجود هذه العقبات أن تحول شكل القطاع الطولي للنهر الشكل القوسي المتوازن إلى شكل متقطع, ويسمى قطاع النهر الطولي حينئذ بالمتقطع .
ويرجع السبب الرئيسي في تقطع القطاع الطولي للنهر, إلى أن مياه الأنهار - في الطبيعة - نادراً ما تتدفق على طول منحدرات تـألف من صخور ذات صلابة واحدة, وذات مقاومة متشابهة لعوامل النحت, إذ كثيراً ما تعترض مجرى النهر بعض التكوينات الصخرية الصلبة, التي تجعل إنحداره عندها غير متفق مع إنحداره العام, وتعمل مياه النهر في هذه الحالة على جعل آجزاء النهر - التي تعلو منطقة التكوينات الصلبة - في حالة من التعادل بينما تركز قوتها على نحت وإزالة التكوينات الصلبة ذاتها فتتكون المساقط المائية والشلالات والجنادل. وتعظم - بطبيعة الحال - سرعة تيار النهر في مثل هذه الأماكن, كما تزداد قوتها على النحت, وتستمر على هذا النحو حتى تتلاشى المساقط المائية والشلالات.
وما دمنا بصدد الكلام عن المساقط المائية, فيحسن أن نوجز السباب الرئيسية التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة التي يمكن أن نعتبرها - بصورة عامة - بمثابة إحدى ثمار عمليات النحت لنهري.
أولاً: من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تكون المساقط المائية - وأكثرها شيوعاً, وجود حواجز من الصخور الصلبة التي تمتد إمتداداً عرضياً عبر مجرى النهر, بحيث تحول جون وصول النهر إلى حالة التعادل - كما سبق أن ذكرنا. وقد تظهر هذه الكتل الصخرية الصلبة أحياناً في وضع أفقي, وأحياناً أخرى ف يوضع مائل,إذ قد تميل هذه الكتلة قليلاً نحو الأجزاء العليا من النهر, أو صوب الأجزاء الدنيا من مجراه. فإذا إمتدت التكوينات الصلبة إمتداداً ألإقياً (أو كانت تميل قليلاً نحو الأجزاء العليا من مجرى النهر), وإذا كانت الصخور التي تركز عليها هذه التكيونات صخوراً لينة يسهل نحتها, فسرعان ما تتآكل التكيونات السفلية اللينة وتنحدر مياه النهر نحوها على شكل مسقط مائي رأسي.
ومثل هذه الظروف هي التي أدت إلى تكوين شلالات نياجرا في مجرى نهر سانت لورانس في جزئه الذي يمتد بين بحيرتي إيري وأنتاريو , إذ تتألف اتلطبقات الصخرية العليا من الأقليم من تكوينات من صخر الدولومايت الجيري الشديد الصلابة, ترتكز فوق طبقات من شرائح الطين والحجر الرملي, وتسقط مياه النهر من فوق طبقات الدلومايت الصلبة 167 قدماً عند الجانب الأمريكي من الشلالات, ويؤدي سقوطها من هذا الإرتفاع الكبير إلى تكوين دوامات مائية شديدة في قاع النره تعمل على تآكل ونحت الطبقات الصخرية اللينة, وعلى تعميق قاع النهر وتكوين ما يشبه الخانق.
ولابد ببيعةالحال من أن يؤدي نحت الطبقات اللينة, إلى تكسر الطبقات الصلبة المعلقة وسقوطها هاوية في مياه النهر من علو شاهق, وبهذا تتقهقر شلالات نياجرا بإطراد صوب المنبع. وقد بلغ طول الخانق الذي تكون في مجرى نهر سانت لوارنس بعد تراجع الشلالات حوالي سبعة أميال.
هذا وتفصل شلالات نيارجا التي توجد في الجانب الأمريكي, وعن شقيقاتها التي توجد ف يالجانب الكندي كبيرة هي جزيرة جوت , ويبلغ طول الجبهة التي تطل بها الشلالات الأمريكية على النهر 1060 قدماً, بينما يبلغ طول جبنة الشلالات الكندية التي تسمى بال (لأنها تظهر على شكل قوس قريب الشبه من حدوة الحصان) 2800 قدم. وتتدفق معظم مياه نهر سانت لورنس التي تنحدر من بحيرة إيري إلى بحيرة أنتاريو, فوق الشلالات الكندية اليت تتقهقر لهذا السبب بمعدل يتراوح بين ثلاثة وأربعة أقدام سنوياً, وهي بهذا تفوق تقهقر الشلالات الأمريكية الذي لا يزيد معدله على قدم واحد في كل عام. ولابد أن تستمر عملية تراجع هذه الشلالات حتى تنصرف مياه بحيرة إيري إلى بحيرة أنتاريو الأقل منها منسوباًِ.
ثانياً: تتكون المساقط المائية حينما توجد حافة واضحة المعالم لهضبة من الهضاب من فوقها المجاري المائية إلى الأراضي السهلية الواطئة. ويظهر هذا بجلاء ووضوح ف يحالة الهضبة الأفريقية الجنوبية, وهكذا يمكن أن نفسر عدم صلاحية أنهارها للملاحة, فنهر الكنغو ينحدر من فوقها حوالي 900 قدم في سلسلة من الشلالات يبلغ عددها 32 وهي التي تعرف بشلالات لفنجستون , كما أن نهر الأورانج يسقط من فوقها - وهو في طريقه إلى المحيط الأطلسي - حوالي 460 قدماً بشلالات أوجراب .
ثالثاً: تتكون الشلالات إذا ما إجتازت مياه النهر منطقة إنكسارية يعلو عندما مستوى الأرض في أحد جانبي الإنكسار أكثر منه في الجانب الآخر فتهوى المياه من المستوى المرتفع إلى المستوى المنخفض, ويتكون مسقط مائي. ويمكن القول في هذا المجال بأ، شلالات فيكتوريا على نهر الزمبيزي (يبلغ مقدار سقوطها 360 قدماً) إنما ساعد على تكونها وجود إنكسارات عديدة في التكوينات البازلتية التي تجري فوقها مياه النهر.
رابعاً: كثيراً ما تتكون المساقط المائية في مناطق تعرضت للتعرية الجليدية, إذ إن زيادة تعمق الأودية الرئيسية للأنهار الجليدية, تؤدي, بعد ذوبان الجليد منها, إلى تكوين أودية معلقة هي عبارة عن الأجزاء العليا من مجرى النهر الجليدي أو بعض روافده التي تعلو كثيراً عن مستوى سطح أرضه, فتسقط منها المياه إلى الأجزاء المنخفضة من مجرى النهر الجليدي واليت زاد تعميقها أثناء تراكم الجليد.
أما إذا كانت التكوينات الصلبة التي تعترض مجاري الأنهار, تميل قليلاً نحو الأجزاء الدنيا من مجرى النهر, أو كانت هذه التكوينات في وضع رأسي أو شبه رأسي, فتتكون سلسلة من "المسارع " على طول مجرى النهر, وذلك في منطقة التكيونات الصلبة, إذ تنحدر مياه النهر فوق هذه التكوينات على هيئة جنادل أو مسارع, وليس على شكل شلالات كما هي الحال ف يجنادل نهر النيل الستة.
ويظهر لنا من كل ما شبق أن المشاقط المائية تتكون عندما يفشل النه رفشلاً مؤقتاً في جعل قطاعه الطولي في حالة من التعادل, وذلك بسبب تغاير مقاومة التكوينات الصخرية - التي يشق طريقه خلالها - لعمليات النحت أو بسبب حركات أرضية.
ومن العقبات الأخرى التي تحول دون بلوغ النهر درجة التعادل, إعتراض البحيرات الضحلة لمجاري الأنهار الحديثة, ولكن هذه البحيرات هي الأخرى قصيرة الأمد, إذ لا تلبث أن تختفي بعد إرتفاع منسوبها, وتصريف مياهها التي تبحث لها عن مخرج في صوةر نهر جديد, فتتحول في النهاية إلى مسطح من الرواسب البحيرية, ثم يزداد النهر الجديد بعد ذلك طولأً بواسطة عملية النحت الصاعد في تلك الرواسب البحيرية, ويصبح القطاع الطولي للنهر ذا شكل مقعر مما يدل على أن النهر قد إقترب من درجة التعادل أو وصل إليها فعلأً.
القطاع العرضي للنهر: لدراسة المقاطع العرضية للأنهار أهمية كبيرة من الناحية الجيومورفولوجية, إذ يمكننا أن نستخلص منها معرفة التاريخ الجيومورفولوجي للنهر, كما تمكننا من معرفة الضوابط الجيولوجية, والمناخية المحلية التي تحكمت في تطور هذا النهر. وكثيراً ما كان يظن خطأ من قبل, بأن عملية تعميق النهر لمجراه في مرحلة شبابه, تفوق عملية توسيع هذا المجرى كثيراً غير أننا نلاحظ أنه على الرغم من أن الأنهار تركز نشاطها في الأطوار الأولى من حياتها في تعميق مجرايها, إلا أن عمليات تعميق المجرى لا تتفوق بأي حال على عمليات النحت الجانبي التي تؤدي إلى توسيع المجرى, ولذلك نلاحظ في أغلب الأحوال أن القطاع العرضي للأنهار الفتية التي طور في الشباب, وهو الذي كثيراً ما يبدو على شكل حرف , له من الإتساع عند سطحه العلوي ما قد يفوق ما لها من عمق. فخانق كولورادو العظيم يبلغ إتساعه عند سطحه العلوي أكثر من 15 ميلأً بينما لا يزيد عمقه عن الميل في أعمق جهاته. ومن الثابت بصرف النظر عن هذا, أن الأنهار في فترات شبابها, تعمل على تركيز قواها ف يعمليات النحت الرأسي أكثر من عمليات النحت الجانبي لأن عملية توسيع المجاري المائية في مثل هذه الفترات لا تقتصر على قيام الأنها ربالنحت الجانبي, بل تتوقف إزالة المواد التي تتكون منها جوانب أوديتها على مساهمة عمليات أخرى غير عميلة النحت الجانبي , كعملية التجوية وعملية الإنهيار الأرضي .
ويلاحظ دائماً أن الأنهار الفتية نادراً ما تكون مستقيمة تمام الإستقامة وذلك لمسافة طويلة, بل تتميز مجاريها بكثرة ثنياتها ومنحنياتها,ووجود هذه المنحنيات هو الذي يساعد على إندفاع تيار النهر بكامل قوته نحو نقط معينة من جوانبه. والذي يحدث بالضبط, هو أن تيار النره الرئيسي ينحرف صوب الضفة الخارجية للنهر, أي نحو الجانب المقعر من الثنية وتعمل القوة الطاردة المركزية (التي تؤثر على مياه النهر) في نفس الوقت على تركيز مياه النهر, ورفع منسوبها في هذا الجانب مما يؤدي إلى سرعة نحته, كما تحدث كذلك تيارات رجعية سفلية , تسير عل طول قاع النهر وتتجه نحو ضفته الداخلية, أو الجانب المحدب من الثنية بمعنى آخر, وتؤدي هذه التيارات إلى تراكم رواسب النهر في هذا الجانب. ولهذا نجد أنه إذا ما تميز مجرى نهر من الأنهار بكثرة ثنياته ومنحنياته, فإن هذا يعني ضرورة حدوث عملية نحت في الجانب المقعر من كل ثنياته وهو الذي يواجه إندفاع مياه النهر وهي في أقصى عنفوانها, بينما تحدث عملية إرساب في الجانب المحدب من الثنية.
وعلى هاذ الجانب يمكن أن نوجز التغيرات اليت يتعرض لها مجرى النهر نتيجة عملية النحت الجانبي بما يلي:
(أ) تتآكل الثنيات في جوانبها المقعرة تآكلأً سريعاً, ويشتد إزاء هذا إنحدار تلك الجوانب بحيث تبدو على شكل جروف مرتفعة تشرف على مياه النهر.
(ب) يعظم حجم الثنيات ويزداد إتساعها وعمقها, وتظهر مناطق مرتفعة على شكل ربوات تفصل بين كل ثنية وأخرى, وتبدو كألسنة متعمقة في وادي النهر, تمتد نحوه من كلا جانبيه, وتعرف هذه الألسنة بالسفوح المعزولة , وتتكون أطرافها في معظم الحالت من الرواسب التي ألقت بها التيارات السفلية الرجعية - اليت تتحرك على طول قاع النهر - عند الجوانب المحدية للثنيات.
(ج) تقل مساحة السفوح المعزولة التي تبدو على شكل ربوات تتعمق في وادي النهر بين ثنياته - حتى تتلاشى تماماً في النهاية فيتسع بذلك عرض وادي النهر, ويتحول إلى أرض منبسطة تتسق في إتساعها مع ما يسمى بنطاق الثنيات هي التي تعرف بالسهل الفيضي . وتستطيع مياه النهر بعد ذلك أن تبسط فوق أرض هذا السهل كثيراً من المواد المفتتة التي تحملها.
ونجد في أغلب الأحوال في مناطق السهول الفيضية أن ظروف الأنهار تصبح ملائمة تمامً لوجود الإنثناءات (نسبة إلى نهر ميئا ندريس في آسيا الصغرى, الذي يتميز بهذه لظاهرة) إذ إن مياه النهر كثيراً ما تغير إتجاهها وكثيراً ما ينحني مجراها وينثني أما أية عقبة في طريقه في سهل فيضي, فتكبر تلك الإنثناءات ويزداد عددها , وأهم ما يميزه أنها تزحف بإستمرار نحو مصب النهر. ويرجع السبب في هذا إلى تآكل جوانبها المقعرة المواجهة للمصب بإستمرار, بينما تحدث عملية غرساب عند الجوانب المحدبة التي تواجه المنبع. ويستمر إزدياد إنحناء مجرى النهر في إجزائه المنثنية وتقترب عندئذ أطراف الإنثناءات من بعضها البعض, تاركه معابر ضيقة من الأرض التي تعرف برقاب الثنيات , وهي التي تفصل مجرى النهر عند كلا جانبي كل ثنية. وسرعان ما تخترق مياه النهر هذه الرقاب في فصل الفيضان وبذا تشق طريقاً جديداً قصيراً (يعرف بقطع الثنية ) بدلأً من المجرى الملتوي الذي كانت تجري فيه من قبل, ثم تكون مياه النهر بعد ذلك سداً من الرواسب يفصل المجرى الجديد عن المجرى المهجور القديم الذي يسمى حينئذ بعلامة الثنية . وقد تحتل أماكن الثنيات القديمة في بعض الأحيان, بحيرات هلالية الشكل هي التي ترعف بالبحيرات المقتطعة , أو بعض المستنقعات والبطائح المائية.
ويظهر لنا من العرض السالف لعملية النحت الجانبي, أنه لو إقتصر نحت الأنهارلمجاريها على تعميقها بواسطة قائمة الجوانب, ولكننا نلحظ دائماً أن عمليات النحت الرأسي ترافقها عمليات نحت تصيب جوانب أودية الأنهار, كما أن عمليات الإنهيار الأرضي, كزحف التربة, والتدفقات الطينية والإنزلاقات الأرضي ... إلخ, تعمل على توسيع المقطع العرضي للأأودية توسيعأً مطرداً.
ولكن الذي يهمنا الآن بعد معرفة المراحل التي يمر بها توسيع وادي النهر حتى يتحول الوادي الضيق يظهر على شكل حرف إلى سهل فيضي فسيح, هو أن النحت الجانبي ليس له مرحلة معينة من مراحل التطور النهري بحيث تظهر فيها عملية دون بقية المراحل الأخرى, فقد تبدأ في وقت مبكر جداً عندما يكون النحت الرأسي على أشده, وعندما تكاد تتوقف عملية النحت الرأسي بعد بلغ النهر مقطع توازنه أو تعادله , تستمر عملية النحت الجانبي بأقصى عنفوانها, وهذا في الواقع هو ما يميز الأودية النهرية في مرحلة الإنتقال بين طور الشباب وطور النضج, وعندئذ يتحول شكل وادي النهر, فبعد أن كانت تحده في مرحلة شبابه وطور النضج, وعندئذ يتحول شكل وادي النهر, فبعد أن كانت تحده في مرحلة شبابه حوائط مرتفعة هي التي تكون كلا جانبيه, يبتعد هذان الجانبان, ويتسع وادي النهر ويجري طليقاً دون أن تحده حوائط مرتفعة كالتي تميز واديه في طور الشباب, ويكون إتساع السهل الفيضي في أول تكيونه ويزداد إتساعاً على حساب ما تأكله مياه النهر من الحوائط المشرفة عليه من كلا جانبيه.
والذي نلاحظه في الطبيعة, أن القطاعات العرضية لأودية الأنهار نادراً ما تبدو منتظمة في شكلها بمعنى أن يميل كلا جانبي الوادي صوب قاعه بإحدار واحد, بل هي قطاعات غير منتظمة لظروف عديدة بعضها جيولوجي وبعضها الآخر مناخي, ومعرفة هذه الظروف ضرورية ولازمة حتى يتسنى لنا تفسير تاريخ كل نهر وتطوره تفسيراًِ يخلو من الحدس والتخمين.
أسباب عدم إنتظام المقطع العرضي للوادي: أولاً: من أهم هذه الأسباب وأكثرها شيوعاً, تآكل ثنيات النهر ونحتها ف يجوانبها المقعرة نحتاً سريعاً إزاء هذا إنحدار هذه الجوانب بحيث تبدو على شكل جروف مرتفعة تشرف على مياه النهر, بينما تتميز الجوانب المحدبة للثنيات بإرتفاعها تدريجياً من أرض الوادي إلى المرتفعات التي تحده. ومثل هذه المناطق المتدرجة في إنحدارها هي التي تعرف بالسفوح المنعزلة .
ثانياً: إذا كانت المنطقة التي يشقها النهر تتألف من طبقات متعاقبة تتكون من صخور صلبة وأخرى لينة, تمتد في وضع أفقي, فإن هذا يؤدي إلى تكوين مصاطب صخرية على كلا جانبي الوادي, ويتفق مستواها مع مستوى الطبقات الصلبة. وقد تظهر هذه المصطاب على جانب واحد من الوادي وتختفي تماماً على جانبه الآخر.
وتختلف هذه المصطاب النهرية إختلافاً كبيراً عن المدرجات الفيضية التي يكونها النهر من الرواسب التي تملؤه ويخلفها على كلا جانبيه, إذ ليس لها أدنى علاقة بتطور مستوى القاعدة, كماأنها لا ترجع إلى حدوث دورات نحت متقطعة, وهي أيضاً لا تمثل بأي حال مرحلة إرساب تعقبها مراحل نحت للرواسب التي يمتلئ بها الوادي, وهذا ما يميز المدرجات الفيضية, بل يرجع تكون المصاطب النهرية إلى ظروف صخرية معينة. ويمثل القطاع العرضي غير المنتظم لنهر كولورادو, نموذجاً واضحاً لنه ريخترق طبقات رسوبية أفقية تتعاقب فيها الطبقات اللينة مع الصلبة.
ثالثاً: إذا شق النهر طريقه على طول إنكسار أو بالقرب منه بحيث يؤدي وجود هذا الإنكسار إلى طهور صخور متباينة في درجة صلابتها يجاور بعضها بعضاً, كأن تظهر صخور صلبة بجوار أخرى لينة, أو صخور خالية في الشقوق والفلوق بجوار صخور أخرى يشتد تشققها وتفلقها, تعمل ف يكلتا الحالتين عملية النحت بنشاط وقوة على طول جانب واحد من جانبي النهرفيؤدي هذا إلى عدم إنتظام قطاعه العرضي.
رابعاً: قد يرجع عند إنتظام بعض الأودية المستعرضة التي تمتد من الشرق إلى الغرب في نصف الكرة الشمالي, إلى ظروف مناخية مباشرة أو غير مباشرة إذ يتلقى جانب الوادي الذي يواجه الجنوب, أشعة الشمس المباشرة, وترتفع إزاء هذا نسبة التبخر وتتعاقب عليه فترات من التجمد والذوبان. كما يظل الثلج على هذا الجانب لفترة قصيرة. وكنتيجة لإرتفاع درجات الحرارة وقلة رطوبة التربة على هذا الجانب تقل النباتات الطبيعية التي تنمو على طوله, وتنشط إزاء هذا عمليات التجوية والإنهيار الأرضي فيصبح هذا الجانب من الوادي (الذي يواجه الجنوب) أقل إنحداراً من جانبه الذي يواجه الشمال.
وفي حال الأودية التي تهب عليها بإنتظام رياح رطبة, كما هي الحال في تلك التي توجد في نطاق الرياح التجارية, كثيراً ما تتميز القطاعات العرضية لهذه الأودية بعدم إنتظامها نتيجة تفاوت كميات الأمطار التي تتساقط على كلا جانبي الوادي. إذ إن سفح الوادي الذي واجه الرياح يكون أغزر أمطاراً وأقل إنحداراً من جانبه الذي يقع في منصرف الرياح .
خامساً: إذا إخترقت الأنهار مناطق جيرية أو طباشيرية تنشط فيها عمليات النحت الكيماوي , فإن الأودية التي تكونها هذه الأنهار تبدو ذات شكل مستدير يختلف عن الشكل المنتظم الذي يشبه حرف .
منهذا نرى أن شكل القطاع العرضي للوادي يختلف إختلافاً كبيراً حسب نوع التكوينات التي يخترقها النهر الذي يجري فيه, أو لظروف مناخية معينة. ولا يظهر القطاع المنتظم إلا في حالة التكوينات المتجانسة في تركيبها الصخري, إذ عادة ما يتخذ القطاع الشكل . أماإذا كانت التكيونات المتجانسة تتألف من صخور رسوبية لينة فلابد أن يزداد الشكل إتساعاعً وعمقاً, وحتى في حالة شق النهر لواديه في تكوينات متجانسة, كثيراً ما ينعدم إنتظام قطاعه العرضي لتدخل بعض العوامل الجيولوجية (كوجود الإنكسارات) أو المناخية كما بينا من قبل.
تصنيف الأودية النهرية: إختلفت آراء العلماء حول موضوع تصنيف الأودية النهرية, فمنهم من يصنفها إلى أقسام على أساس المرحلة التطورية التي يوجد فيها كل واد نهري, ومنهم من يقسمها على أساس تكوينها ونشأتها - , ومنهم من يقسمها على أساس ظروف البنية الجيولوجية, وقد يصنفها البعض كذلك على أساس وضع مستوى القاعدة ومدى ترعضه للتغير وسنناقش فيما يلي هذه التقسيمات المختلفة.
(أ) تقسيم الأودية على أساس المحلة التطورية التي توجد بها: وبعد هذا التقسيم من التقسيمات الكلاسيكية, إذ يكاد يتبعه معظم الجيومورفولوجيين في العالم, وهو مبنى في أساسع على فكر "ديفز" في تطور الأودية النهرية. فهنالك أودية نهرية في طور الشباب وأخرى في طور النضج , وغيرها في دور الكهولة أو الشيخوخة .ويتميز كل طور من هذه الأطوار الثلاثة بخصائص وميزات معينة: فمن أهم ما يميز الأودية التي في دور الشباب, شدة إنحدار جوانبها, وعمقها بحيث تبدوو في شكلها العام كحرف . كما أن مناطق تقسيم المياه بين الأودية المختلفة, تبدو كحواف مرتفعة, أما الأودية التي في طور النضج فتبلغ الأنهار التي تجري فيها درجة التعادل وبنوع خاص في سهولها الفيضية, وكثرة إنثناء وإلتواء المجاري المائية التي توجد بها, هذا فضلاً عن أن عملية النحت الرأسي تنشط في الأجزاء العليا من أودية الروافد, كما تدأب عملية النحت الجانبي على توسيع وادي النهر الرئيسي. ويؤدي تضافر هاتين العمليتين معاً إلى إزالة معامل التضاريس تدريجياً, وإلى إختفاء مناطق تقسيم المياه بين الأودية, وإلى تسوية سطح الأرض حتى يتحول حوض النهر إلى أرض منبسطة هي التي تعرف بشبهالسهل .
وتقسيم أودية الأنهار على أساس المرحلة التطورية اليت يوجد بها كل واد تقسيم يفي بالغرض إيفاء تاماً, بشرط ألا نفترض فترات زمنية لكل مرحلة, إذ إن هذه المراحل الثلاث (الشباب, والنضج, والكهولة) غير متساوية في أطوالها, هذا على الرغم من أن الجيومروفولوجي الأمريكي "جونسون " رجح أن مرحلة الشباب تستغرق حوالي 5% من المدة الإجمالية التي تستغرقها الدورة الجيومروفية للأنهار, كما تستغرق مرحلة النضج حوالي 25% أما مرحلة الشيخوخة فتتسغرق زهاء 70% من طول الدورة, ومعنى هذا أن عمليات النحت التي تقوم بها الأنهار في دور الشيخوخة, تحتاج إلى وقت أطول كثيراً مما تحتاجه في دوري النضج والشباب, وعلى أي حال,مثل هذه التقديرات الزمنية, تقديرات إفتراضية ولا تعبر عن الواقع بأي حال, إلا فيما يتصل ببطء التغيرات التي تطرأ على الأوية النهرية كلما قاربت الدورة الجيومروفية على الإنتهاء.
(ب) تقسيم الأودية النهرية على أساس نشأتها وتكوينها: ويعد "ديفز" أيضاً, أول من إبتداع هذا التقسيم,هذا على الرغم من أن "باول" يعتبر في واقع الأمر أول جيومروفولوجي حاول تقسيم الأودية النهرية على أساس نشأتها, ولكن "ديفز" كان شأنه دائمأ أن يتناول آراء أسلافه ويزيد توضيحها وشرحها, كما كان كثيراًِ ما يضيف إليها إضافات جديدة. ويرى "ديفز" أنه يمكننا تقسيم أودية الأنهار على أساس نشأتها إلى:
1- أودية تابعة أو رئيسية : وهي الأودية التي يتمشى سيرها مع الإنحدار الأول لسطح الأرض (ولذا سميت بالتابعة لأنها تتبع الإنحدار وتتمشى معه) وتتكون هذه الأودية فوق المناطق الحديثة النشأة من سطح الأرض, كالسهول الفيضية والجليدية, وسهول اللابة اليت تتكون من طفوح بركانية, كما تتكون كذلك ف يالمناطق الساحلية التي كانت تغمرها مياه البحر ثم تعرضت لحركات رافعة فإرتفع منسوبها عنها مياه البحر, إذ إن أول ما يتكون فوق هذه الأرض الجديدة, أنهار تابعة تسير مع إنحدراها.
2- أودية تالية : ويتحكم نوع الصخور في إتجاهاتها إذ تكاد تتمشى مع نطاقات الصخر اللينة الضيقة التي يسهل نحتها, وكثيراً مما يوصف أي واد نهري يكاد يتفق إمتداده مع إمتداد طبقات صخرية سهلة النحت بأنه واد تال, وهذا القول لا يبدو صحيحاً, وذلك لأنه من المحتمل أن يكون مثل هذ الوادي, وادياً رئيسياً (تابعاً) يتمشى معإنحدار أرض صخورها لينة. وتجري في الأودية التالية في معظم الأحوال روافد الأنهار الرئيسية, ولذا سميت بالأودية التالية, وذلك لأن تكوينها جاء تالياً لتكوين الأنهار الرئيسية, وكقاعدة عامة, يمكن القول بأن الأودية التالية تسير عمودية على إتجاه ميل الطبقات - أو بمعنى آخر - متمشية مع خط الإمتداد , ولذا كثيراً ما تسمى بأودية خط الإمتداد .
3- الأودية التلقائية : وتتحكم في إتجاهات مثل هذه الأودية عوامل غامضة غير واضحة تماماً, وخصوصاً أن نشأتها لم تتحكم فيها على الإطلاق عوامل صخرية أو جيولوجية, فهي إذن أودية نشأت حيث توجد بمحض الصدفة, أو لتدخل عوامل غامضة يصعب الكشف عنها, ومن هنا كانت تسميتها بالأودية التلقائية أي التي نشأت من تلقاء نفسها.
4- الأودية العكسية : وتنحدر مياهها في إتجاه مضاد للأتجاه الذي تسير فيه الأنهار الرئيسية وتجري في مثل هذه الأودية روافد الأنهار التالية في معظم الأحوال, وقد تجري روافد الأنهار التالية في أودية تتمشى مع نفس إتجاه الأودية الرئيسية, ولكنها تشق طريقها في أرض منخفضة بالنسبة لتلك التي تجري فوقها الأنهار الرئيسية. وتسمى مثل هذه الأودية بال , ومنأمثلة الأودية العكسية وادي قنا في الصحراء الشرقية وهو يسير في إتجاه من الشمال إلى الجنوب أي ضد إتجاه نهر النيل في الجمهورية العربية المتحدة.
(ج) تقسيم الأودية النهرية على أساس ظروف البنية الجيولوجية: من الممكن كذلك أن نقسم الأودية النهرية على أساس ظروف البنية الجيولوجية اليت أدت إلى تكوينها, فنالك أودية الإلتواءات المنفردة وأودية الإلتوءات المحدبة واودية الإنكسارات وأودية المفاصل .
1- أودية الإلتواءات المنفردة: وهي نفسها الأودية التالية أو الطولية التي يتبع إمتدادها إمتداد التكوينات اللينة اليت يسهل نحتها, وهي تسير في معظم الحالاتا موازية لخط الظهور, وذلك على طول جوانب الإلتواءات المنفردة التي كثيراً ما تتعاقب فيها تكوينات جيولوجية صلبة مع أخرى لينة. وتظهر مثل هذه الأودية بصفة خاصة في منطقة جبال الأبلاش الإلتوائية وفي جبال جورا في اقلارة الأوروبية وعلى طول جوانب جبال الروكي في أمريكا الشمالية.
2- أودية الإلتواءات المحدبة والمقعرة: وتتبع في سيرها محاور الإلتواءات المحدبة أو المقعرة, التي تتميز بأنها من مناطق الضعف في قشرة الأرض.
3- أودية الصدوع: ومنها نوعان: نوع يتشمى مع إمتداد المناطق الهابطة التي تنجم عن عملية التصدع ذاتها ويسمى بوادي الصدع, أما إذا كان الوادي تالياً يتمشى مع خط الإنكسار فيسمى حينئذ بوادي خط الإنكسار .
4- أودية المفاصل: إذ كثيراًِ ما تتحمك المفاصل الرئيسية التي توجد في الصخور في مسير الأودية النهرية, أو على الأقل في إتجاهات أجزاء منها, ومثل تلك الأودية التي تتكون في مناطق المفاصل الصخرية, ليس لها شأن كبير, فهي إما أودية صغيرة قصيرة لا قيمةى لها, أو بعض أجزاء من أودية كبيرة.
5- الأودية العرضية : وهي التي تسير عبر التكيونات الجيولوجية وتتقاطع معها ويوجد نوعان منها: نوع يعرف بالأودية "المنطبعة ", وتشق مثل هذه الأودية طريقها عبر تكوينات جيولوجية كانت مدفونة تحت طبقات جيولوجية أحدث, في الوقت الذي تم فيه حفرها, وتنشأ مثل هذه الأودية, أول ما تنشأ فوق الطبقات الصخرية العليا الحديثة اليت قد تـألف من صخور رسوبية, أو تدفقات وطفوح بركانية, أو إرسابات جليدية, ثم تداب بعد ذلك على نحت أوديتها وتعميقها, حتى تصل إلى التكوينات القديمة التي ترتكز عليها هذه الطبقات الحيدثة, وبعد أن تتم إزالة الطبقات الحديثة, تكون الأنهار قد شقت لها أودية عميقة في التكوينات القديمة. وتعرف مثل هذه الأودية بالأودية المنطبعة, لأن الأودية اليت كانت تشق طريقها عبر الطبقات الرسوبية الحديثة, قد إنطبعت بكل تفاصيلها على التكوينات القديمة بعد أن تمت إزالة الطبقات الرسوبية.
أما النوع الآخر فيعرف بالأودية السالفة وهي الأودية التي يسبق تكونها تكون التراكيب التي تشق طريقها خلالها.
وتتكون مثل هذه الأودية بصفة خاصة في المناطق التي تأثرت بالحركات الإلتوائية الألبية الحديثة كما هي الحال في نطاق الإلتواءات الألبية التي توجد حول المحيط الهادي. إذ يعد خانق نهر كولومبيا الذي يشق طريقه في جبال كسكيد بغرب كندا, بمثابة واد سالف, لأن النهر كان يجري على سطح الأرض قبل أن تظهر جبال كسكيد إلى حيز الوجود. ومثل هذا الوصف ينطبق على وادي سانتا أنا , في ذلك الجزء من مجراه الذي يخترق جبال سانتا أنا في جنوب كاليفورنيا, ويعتبر أيضاً خانق "سبلوقة" الذي يقع إلى الشمال من مدينة الخرطوم, بمثابة واد سالفة, سبق تكونه ظهور كتلة جبل رملي التي يشق طريقه خلالها.
(د) تقسيم الأودية على أساس تغير مستوى القاعدة: تدل دراسة بعض الأودية في بعض جهات العالم على أن مستويات قاعدتها قد ترعضت للتغير والتذبذب, إما لحركات باطنية كالتقلقلات الأرضي أو النشاط البركاني, أو لحركات توازنية قد ينتج عنها إنخفاض مستوى البحر وإرتفاعه. فوجود الأودية الغارقة مثلاً, يدل دلالة قاطعة على أن مستوى سطح البحر قد تعرض للإرتفاع,ومن أوضح النماذج لهذه الأودية الغارقة خليج تشسابيك على الساحل الشرقي للولايات المتحدة, إذ إن هذا الخليج في واقع الأمر, عبارة عن مصب خليجي واسع تكون بعد طغيان مياه المحيط الأطلسي على الجزء الأدنى من وادي نهر سكوينه . وظاهرة الأودية الغارقة ظاهرة شائعة الحدوث في وقتنا الحاالي, ويبدو أنها قد حدثت بعد إنتهاء العص رالجليدي, وإرتفاع مستوى سطح البحر في معظم جهات العالم نتيجة ذوبان الجليد وإنحدار المياه الناجمة عن ذوبانه إلىالبحار مماأدى إلى رفع منسوبها وغمرها للمناطق الساحلية.
أما إذا إرتفع اليابس وإنحسرت عنه مياه البحار, فتتكون أنهار متجددة الشباب تستأنف نشاطها - في أجزائها الدنيا - في عمليات النحتالرأسي من جديد, جاهدة إلى الوصول إلى حالة التعادل مرة أخرى, وتبدأ عملية النحت في أوج نشاطها في جهة المصب, ثم يتراجع وادي النهر تدريجياً نحو المنبع, ولابد, وبطبيعة الحال, أن تتوقف السرعة التي يتراجع بها النهر الذي إستعاد شبابه نحو منبعه, على نوع الصخور التي يتكون منها قاعه, فإذا كانت هذه الصخور لينة, كانت التيار سريعاً وإذا كانت صلبة كان التراجع بطيئاًِ. وتعرف تلك النقطة التي يقف عندها تراجع النهر إذا ما واجهته تكوينات صلبة بنقطة التقطع أو الإنكسار . وإذا كثر وجود مثل هذه النقط على طول القاع النهري الطولي فلابد أن يؤدي هذا إلى تحول القطاع الطولي للنهر الذي إستعاد شبابه من الشكل القوسي المتعادل, وهو الذي كان يتميز به قبل إنخفاض منسوب مياه البحر إلى الشكل المتقطع الذي لابد أن يجاهد النهر لإزالة تقطعه وتسويته والوصول به إلى درجة التعادل مرة أخرى.
ومن أحسن الأمثلة لما يحدث للإنهار إذا ما تجدد شبابها, وما حدث في شرق الولايات المتحدة نتيجة إرتفاع السهل الساحلي وإنحسار مياه البحرعنه, فقدإنخفضت مستويات القاعدة لمعظم الأنهار, مما أدى إلى تجديد شباب الأنهار وإستئنافها لنشاطها في نحت التكوينات الرسوبية, وتراجعت مجاري الأنهار تراجعاً سريعأً إلى أن وصلت إلى الكتلة الصلبة من الأبلاش, فوقفت عملية النحت الصاعد للإنهار, وذلك لصلابة صخورها. يعرف الخط الذي وقف عنده تقهقر الأنهار - وهو ذلك الخط الذي يمتد على طول قاعدة جبال الأبلاش - خط السقوط , وذلك لأنه الخط الذي تسقط عنده مياه الأنهار من مستوى مرتفع إلى مستوى منخفض.
أنماط التصريف النهري: يقصد بنمط التصريف النهري الصورة والنظام العام الذي يبدو عليه كل نهر بروافده الرئيسية والثانوية, إذ إننا نلاحظ أن خطوط الصريف المائي إنما تظهر مرتبطة ببعضها البعض في أشكال خاصة بحيث تعكس لنا بوضوح بعض العوامل التي تحكمت فيها وجعلتها تتخذ هذه الأشكال أو الأنماط. ومن هذه العوامل:
(أ) صورة الإنحدار الأولى .
(ب) تباين الصخر في صلابته.
(ج) ظروف البنية الجيولوجية .
(د) مدى تأثر منطقة التصريف المائي بحركات باطنية.
(ه) التطور الجيومورفولوجي لحوض النهر.
وما دامت أنماط التصريف النهري تتوقف على كل هذه العوامل العديدة, ففي هذا, إذن, دليل قاطع على ما لدراسة هذا الموضوع من أهمية لدارسي الجيومورفوجيا, إذ تساعدهم على تفسير بعض الملامح الجيومورفولوجية للأنظمة النهرية وعلى تفهم عوامل البنية, والتكوين الصخري التي ساهمت في تطور الأشكال الأرضية.
وقد سبق أن ذكرنا أنه إذا ما تأثرت منطقة ما, تغمرها مياه البحر بحركات رافعة بحيث تعمل على إرتفاع منسوبها وإنحسار مياه البحر عنها, فأول ما يتكون فوق هذه الأرض الجديدة (إذا كانت غزيرة الأمطار) مسيلات مائية تتبع الإنحدار العام لسطح الأرض الجديدة, وهي تلك التي أسميناها بالأنهار الرئيسية والتابعة. وتزداد هذه المسيلات طولاً بعملية النحت الصاعد أو عملةي التقويض الينبوعي أو غيرها من العمليات التي تؤدي إلى إطالة المجاي المائية. ومع إستمرار هذه الأنهار الوليدة في نحت مجاريها وزيادة أطوالها, تتكون مناطق مرتفعة تفصل بين كل نهر آخر هي الت يتعرف بأراضي بين الأنهار , وتنحدر بعد ذلك الروافد من هذه المناطق المرتفعة صوب الأنهار الرئيسية وتزداد هذه الروافد - هي الأخرى طولاً وعمقاً بواسطة عمليات النحت المختلفةز
ومن الملاحظ دائماً, أن الروافد في أثناء عملية النحت لمجاريها خلال المناطق المرتفعة التي تفصل بين الأنهار الرئيسية,تتخير دائماً مناطق الضعف فيها, فقد تمتد على طول الأنكسارات أو الفلوق, أو قد تتخير دائماً مناطق الضعف فيها, فقد تمتد على طول الإنكسارات أو الفلوق, أو قد تتغير لها طبقة لينة من الصلصال أو شرائح الطين, أو قد تسير مع إتجهات المفاصل التي توجد في الصخر. . . وعلى هذا نجد أن النهر الرئيسي وروافده, لابد أن يتبع بنية وطبيعةالصخور التي يخترقها. ويمكننا على هذا الأساس أن نميز عدةأنماط للتصريف النرهي يمكن إيجازها فيما يلي:
1- التصريف النهري الشجري : إذا كانت التكوينات الجيولوجية التي يخترقها النهر متجانسة في درجة مقاومتها لعوامل النحت, فالعامل الرئيسي الذي يتحكم في شكل النظام النهري في هذه الحالة, هو عامل الإنحدار الإقليمي العام لسطح الأرض مع حدوث بعض التعديلات الطفيفة في هذا العامل إزاء بعض التضرس وعدم الإنتظام في سطح الأرض. وتلتقي الروافد بالنهر الرئيسي في هذه الحالة, بزوايا حادة. وكلما كون النهر لنفسه رافداً واضح المعالم, كلما إتصلت بالتالي بهذا الرافد روافد ثانوية إلى أن يتكون نظام نهري أشبه بشجرة متعددة الفروع. ويتكون نمط التصريف النهري الشجري في المناطق التي تتألف من صخور رسوبية أفقية, أو فوق تكوينات نارية تغطي مساحة واسعة. في وجود النظام الشجري فوق التكوينات النارية دليل قاطع على حدوث إنطباع له بكل ما به من تفاصيل فوق هذه التكوينات بعد إزالة الصخور الرسوبية اليت كانت ترتكز عليها.
2- التصريف النهري المشبك : وتسير الأودية النهرية في هذا النمط منأنماط التصريف المائي, متوازية مع خطوط ظهور الطبقات , أو مع بعض المظاهر التضاريسية الحديثة التكوين والتي قد تم ترسيبها بفعل الرياح أو الجليد. وتنحني الأنهار الرئيسية في هذا النظام إنحناءات قائمة الزوايا عندما تمر بين الحافات الفقرية المتوازية, كما تتصل هذه الأنهار بروافد بزوايا قائمة بحيث تسير إتجاه النهر الرئيسي موازياً لإتجاه ميل الطبقات بينما تسير الروافد موازية لخط إمتدادها. كما تظهر الروافد الثانوية هي لأخرى موازية لإتجاه النهر الرئيسي. ويتكون نمط التصريف النهري المشبك في الجهات التي تـألف من صخور طباقية تميل ميلأً قليلاً صوب البحر, كما تتميز في نفس الوقت بتعاقب تكوينات لينة مع أخرى صلبة
3- التصريف النهري الشائك : ويتميز بقلة شيوعه وإنتشاره, وبتركزه في ألأجزاء العليا من الأنظمة النهرية. وتتصل الروافد بالنهر الرئيسي بإنحناءات واضحة تتجه نحو المجرى الأعلى. ويتكون هذا النمط في المناطق التي تعرضت فيها المجاري المائية لعمليات الأسر النهري.
4- التصريف النهري المستطيل : وينحني فيه النهر الرئيسي إنحناءات بزوايا قائمة, كما تلتقي الروافد بالنهر الرئيسي أيضاً بزوايا قائمة, ويدل وجود هاذ النمط من أنماط التصريف المائي, على مدى تأثر النهر وروافده بالمفاصل والإنكسارات اليت توجد في التكوينات اليت يخترقها, وهذا مايظهر بجلاء ووضح في حالة نظم التصريف النهري الت يتوجد على طول ساحل النرويج.
5- التصريف النهري المقلقل : ويتكون في الجهات التي لا تخضع فيها إتجهات الأودية النهرية الرئيسية وروافدها, لعوامل جيولوجية كنوع الصخور, أو أبنيتها. ولابد بطبيعة الحال من أن تكون الأنظمة التي تنشأ في هذه الظروف, حديثة التكوين لم تمض عليها فترة كافية تعمل على إكنمالها. وتتميز المجاري المائية في هذا النوع بعدم إنتظام إتجاهاتها وكثرة تعرجها وإنثنائها, بإختراقها لبعض البحيرات أو المستنقعات, مكا أن روافد الأنهار الرئيسية روافد قصيرة في أغلب الأحوال وليس لها شأن يذكر. وتنتشر المسنقعات والبطائح المائية في نفس الوقت فوق الأراضي المرتفعة نسبياً والتي تفصل أودية الأنهار بعضها عن البعض الآخر.
وهناك أنماط أخرى للتصريف امائي, كالنمط المركزي وتظهر فيه خطوط التصريف المائية متلاقية في منطقة حوضية أو هابطة وتتجه صوب أعمق مناطقها من كل الإتجاهات تقريباً, والنمط المتشعع وتظهر فيه المجاري المائية متفرقة زمتشععة من منطقة مرتفعة (كهضبة نجد مثلاً) بحيث تنحدر على طول كل جوانبها.
"قوام" التصريف النهري : كان الجيومورفولوجي الأمريكي "هورتن " أول من وجه الأنظار إلى دراسة ما سماه "بقوام" التصريف النهري اذلي يقصد منه معرفة كثافة التصريف النهري , وتععد خطوطه . وقد فسر كثافة التصريف النهري بأنها عبارة عن الطول الإجمالي للمجاري المائية في حوض تصريف نهري معين مقسوم على مساحة هذا الحوض. كما عرف تعدد خطوط الترسف المائي, بأنه يقصد منه عدد المجاري المائية التي توجد ف يحوض نهري معين مقسوم على مساحة هذا الحوض. وعلى هذا الأساس يمكن أ، نفرق بين الأحواض النهرية على أساس "قوام" تصريفها المائي, فهناك أحواض ذات قوام ناعم , وأخرى ذات قوام متوسط أو خشن . وكل هذه المصطلحات مجازية ونسبية, ولم يقم "هورتن" بأية دراسة إحصائية يستطيع أن يطبقها على جهات العالم المختلفة لكي يستنتج منها ما هو مقصود فعلاً بتباين "قوام" التصريف النهري. وعلى الرغم من هذا تمكن "هورتن" منأ، يوضح العوامل التي تتحكم ف ي"قوام" التصريف النهري على النحو التالي:
(أ) عامل المناخ: ويؤثر على كثافة الأنهار وتعددها إما بطريق مباشر أو غير مباشر. وتتمثل المؤثرات المناخية المباشرة في عامل التساقط, إذ تؤدي غزراة الأمطار إلى تعدد خطوط التصريف المائي وتكاثفها. أما المؤثرات غير المباشرة فتتمثل في عامل النباتات الطبيعية, فكلما إزدادت كثافة الغطاء النباتي قلت كثافة الأنهار ونقصت أعدادها, وحينما تندر النباتات الطبيعية - كما هي الحال في الأقاليم الجافة وشبه الجافة - تزداد كثافة التصريف المائي وتتعدد المجاري المائية. ويرجع هذا بالذات إلى أن وجود غطاء نباتي كثيف يقلل من كميات المياه التي تجري جرياناً سطحيأً على سطح الأرض.
(ب) العامل الجيولوجي: ويؤثر على كثافة الأنهار وتعددها تأثيراً مباشراً عن طريق نوع الصخور ودرجة إنفاذها للمياه, فالمعروف أن خطوط التصريف النهري تتقارب وتتعدد في المناطق التي شقت فيها خلال تكوينات صخرية غير منفذة للمياه, إذ كثيراً ما تختفي المجاري المائية إختفاء تاماً في الجهات التي تشق طريقها فيها خلال تكوينات منفذة للمياه كالرمال أو الحصى.
(ج) عامل التضاريس: ويؤثرهو الآخر على "قوتم" التصريف النهري, إذ تتعدد المجاري المائية فوق الأراضي المتضرسة غير المستوية السطح, بينما تقل في المناطق المستوية أو قليلة التموج.
وخلاصة هذا الكلام, هي أن كثافة الأنهار, وأعدادها لابد أن تختلف في الأحواص النهرية التي تنتشر على سطح الأرض, وذلك لإختلاف تأثر النهار التي تجري في هذه الأحواض بعوامل عديدة بعضها مناخي وبعضها الآخر جيولوجي أو تضاريسي.
مناطق تقسيم المياه: تعرف الأراضي المرتفعة التي تفصل بين نظامين نهريين متجاوريين - أو بمعنى آخر بين حوضين متجاوريين - بمناطق تقسيم المياه , وهي ثابتة إذا كان معدل النحت على كلا جانبيها معدلاً واحداً متساوياً, ولكن هذا لا يحدث في الطبيعة بتاتاً, بل تتميز مناطق تقسيم المياه بأنها مناطق متنقلة كثيراً ما تهجر مناطقها الأولى التي نشأت فيها. ويعزى هذا إلى عدم تساوي إنحدار هذه المناطق المرتفعة صوب كلا النظاميين النهريين, إذ يؤدي هذا بطبيعة الحال إلى تفوق عملية النحت النهري على طول الجانب الشديد الإنحدار, وبذلك تتحرك منطقة تقسيم المياه دائماً صوب الجانب المتدرج في إنحداره.
وقد كان "جلبرت" أول من سجل هذه الظاهرة أثناء دراسته لجبال هنري في ولاية "يوتا", إذ لاحظ أن النهري الذي ينحدر على طول الجانب الشديد الإنحدار من حافة من الحافات, يستطيع أن ينحت واديه ويزيد في طوله بسرعة تفوق نحت نهر آخر ينحدر على طول الجانب المتدرج من هذه الحافة. ولابد أنيتراجع إزاء هذا خط تقسيم المياه الذي يفصل بين النهرين, صوب النهر الأقل نشاطاً في عملية النحت. وإذا تميزت كميات الأمطار التي تتساقط فوق مناطق تقسيم المياه بغزارتها في جانب يواجه الرياح الرطبة بينما يقع الجانب الآخر في ظل هذه المطار, فلابد أن تتراجع هذه المناطق وتتحرك صوب الجانب القليل الممطر. وهذا ما نشاهده فعلاً في جزيرة أواهو من مجموعة جزر هاوائي حيث تتساقط الأمطار بغزارة ملحوظة على الجانب الغربي, مع تكون حافات رأسية شديدة الإنحدار على الجانب الشمالي الشرقي هي التي يعرفها "الهوائيون" محلياً بالبالي .
وتحدث ظاهرة تراجع مناطق تقسيم المياه - في معظم الأحوال عن طريق عملية النحت الصاعد اليت تقوم بها الأنهار التابعة أو الرئيسية أو روافدها وتهدف من روائها إلى أن تزيد منأطوال مجاريها.
وإذا كان أحد الأنهار الرئيسية المتقابلة أقوى على تعميق مجراه من النهر أو الرافد الذي يواجهه في الجانب الآخر من خط تقسيم المياه, حدثت ظاهرة جيورفولوجية هامة هي ظاهرة الأسر النهري (كثيراً ما تسمى القرصنة النهرية وخصوصاً في الولايات المتحدة) إذ يتمكن النهر القوي من أن يخترق منطقة تقسيم المياه, فتنحدر مياه النهر أو الرافد الذي يوجد على الجانب الآخر من هذه المنطقة صوب النهر القوي الذي إستطاع أن يزيد من عمق مجراه.
وتحدث ظاهرة الأسر النهري بواسطة عملية النحتا الصاعد لسببين رئيسيين:
أولاً: إذا شق النهر اقوي واديه خلال تكوينات صخرية يسهل نحتها, وبذلك يتوقف على نهر آخر يخترق تكوينات صلبة, ويؤدي هذا بالتالي إلى زيادة عمق انهر اقوي وتمكنه في النهاية من أسر النهر الضعيف الذي يجاهد لشق واديه خلال تكوينات أكثر صلابة.
ثانياً: إذ إشتد إنحدار نهر من الأنهار على طول أحد جانبي منطقة تقسيم للمياه يتميز جانبها الآخر بتدرجه في إنحداره.
وينجم عن عملية الأسر النهري في النهاية, إنجراف مياه النهر الضعيف وتحولها إلى النهر القوي الأكثر عمقاً, بزاوية قائمة تقريباً هي التي تحدث عنها عملية الأسر, وتعرف هذه الزاوية بكوع الأسر النهري والذي يلاحظ كذلك, أن الجزء الأعلى من مجرى النهر الضعيف هو وحده الذي تنحدر مياهه إلى النهر القوي العميق, أما الجزء الباقي منه فيتحول إلى نهر قصير يتعرض للتضاؤل والإنكماش التدريجي حتى يصبح واديه وكأنه غريب تماماً عن أجزاء امجرى التي أسرت. ويبدو النهر في هذا الجزء غير متناسب في طوله وحجمه مع طول واديه الأصلي وإتساعه, ويعرف حينئذ بالنهر غير المتلائم أو الضامر . وتتكون في نفس اوقت ثغرة واضحة بين المجرى المنكمش والمجرى الأعلى الذي أسر, هي التي يسميها الجيومورفولوجيون بثغرة الريح .
وقد تحدث في بعض المناطق التي تتكونمن صخور جيرية - أو ما هو قريب الشبه منها من الأنواع الصخرية التي تتعرض لعملية الإذابة - ظاهرة أسر نهي فريدة في نوعها هي التي يمكن أن تسمى بالأسر النهري الجوفي . وتحدث هذه الظاهرة إذا ما إستطاع أحد الأنهارأن يعمق مجراه خلال تكوينات جيرية تقع قريبة من أودية نهرية أقل منسوباً, فسرعان ما تتحول بعض أجزاء من نظام التصريف النهري المرتفع عن طريق بعض المسارب والشقوق الباطنية, إلى النهر العميق الأقل منسوباً.
وجدير بالذكر أن مناطق تقسيم المياه لا تظهر واضحة تمام الوضوح في المرحلة الأولى من مراحل تكوين النظام النهري, أما بعد أن تزيد المجاري المائية من أطوالها وأعماقها, فتكثر إعداد هذه المناطق وتصبح واضحة بارزة بحيث تبدو على شكل حواف مرتفعة, وفي مرحلة النضج تظل مناطق تقسيم امياه واضحة بارزة ولكنه ليس من الض1روري أن تظل في أماكنها لفترة طويلة, إذ كثيراً ما يبدأ تحركها وإنتقالها, نتيجة نشاط الأنهار التي تنحدر على كلا جانبيها في هذه المرحلة . . ويحدذ هذا التحرك ببطء شديد في أول الأمر ولكنه يزداد في سرعته نسبياً بعد ذلك.
الإرساب النهري: ذكرنا من قبل أن النهر يتحول من النحت إلى الإراساب نتيجة أحد أمرين: أولهما فقدان النهر الرئيسي لطاقته وقوته على حمل الرواسب اليت تتحرك مع تياره فيرسبها, وثانيهما عدم مقدرة النهر على نقل كل المواد الصخرية المفتتة اليت تجلبها إليه روافده العديدة - أو بمعنى آخر - إذا ما تزايدت حملوة النهر لسبب فلابد أ، يتخلص منها كلها أو من جزء وذلك بإرسابها.
أما فقدان النهر لطاقته وقوته على حمل الرواسب مما يضطره إلى ترسيبها فينتج في المعتاد عن أحد العاملين الآتيين:
أولاً: تناقص سرعة تيار النهر, ويرجع هذا في معظمالأحوال إلى:
(أ) تناقص إنحدار مياه النهر إما لإنتقاله من منطقة مرتفعة إلى منطقة أخرى ذات سطح سهلي منخفض, أو لتعرض مجراه لحركات باطنية قد تحدث بعض الإضطرابات في قطاعه الطولي, أو لزيادة إلتواء هذا المجرى وإنثنائه.
(ب) زيادة إنتشار مياه النهر على مساحة أوسع من سطح الأرض, إذا ما إنحدرت هذه المياه من أودية جبلية مرتفعة إلى سهول وطيئة منخفضة, أو لفيضها على كلتا ضفتيه وإنتشارها, وذلك في أوقات الفيضان بصفة خاصة.
(ج) وجود بعض العقبات التي تعترض مجرى النهر, كبعض رواسب من الجلاميد تجلبها الروافد إلى النهر الرئيسي, أو بعض سدود من الرمال أو اللابه, أو بعض السدود والحواجز الصناعية - كالخزانات والقناط ر- وبعض كتل منجذوع الأشجار. كما قد تتكون بعض السدود التي تعترض مجرى النهر الرئيسي, وذلك بفعل عمليات الإنزلاق الأرضي التي قد تحدث على جانب واحد من جانبي النهر, أو على طول كليهما. ويؤدي وجود مثل هذه العقبات إلى إيقاف تيار النهر بصورة فجائية مما يجعله يرسب جزءاص من حولته.
(د) تناقض كمية المياه التي يحملها النهر , إما لحدوث تغيرات مناخية ينجم عنها نقصان كميات التساقط التي تغذي الأنهار بالمياه, أو لإرتفاع نسبة التبخر, أو تسرب كميات كبيرة من المياه تسرباً جانبياً خلال مسام الصخر.أو لتحويل بعض أجزاء من مجاري الأنهار, إما بطرق طبيعية, وذلك عن طريق عملية الأسر النهري, أو بطرق صناعية لأغراض زراعية أو لإستغلال إنحدار المياه في توليد القوى الكهربائية.
ثانياً: توقف تدفق مياه النهر توقفاً فجائياً, ويرجع هذا في كثير من الأحوال إلى:
(أ) وجود بعض البرك أو المستنقعات الراكدة المياه بحيث تعترض سير النهر بعض الجهات.
(ب) إنتهاء النهر إلى مسطحات واسعة كالبحار أو المحيطات أو البحيرات الداخلية.
أما تزيد حمولة النهر فتسببها ظروف وعوامل عديدة يكفي أن نذكر منها جلب الروافد لكميات كبيرة من المفتتات الصخرية, حدوث عمليات إنهيار أرضي على نطاق واسع - زيادة ملحوظة في عمليات النحت ف يكل أجزاء حوض التصريف النهري, أو بعضها, وذلك إذا ما قلت كثافة الغطاء النباتي فيها إما نتيجة حدوث تغيرات مناخية أو بفعل الإنسان الذي كثيراً ما يجتث الغابات ويزيلها.
ونلاحظ دائماً أن النهر في أول مرحلة نم مراحل الإرساب, لا يلقى سوى المواد الغليظة من الزلط والحصى وذلك في مجرى النره ذاته أو على جوانبه. ولا تقوى مياه النهر في المرحلة التالية على حمل المواد الصخرية الخشنة, وتحمل عوضاً عنها مواد دقيقة الذرات وتبسطها فوق أرض الوادي فتتكون السهول الفيضية.
وتساعد عملية الإرساب النهري على تكوين ظاهرة جيومورفية واضحة أهمها ما يلي:
1- السهول الفيضية : سبق أن ذكرنا أن السهل الفيضي لأي نهر من الأنهار,يتكون غالباً عندما يتأثر مجرى النهر بوجود سطح غير مستو, فيتخذ النهر حينئذ مجرى متعرجاً كثير الثنيات. ولابد أن يساعد وجود مثل هذه الثنيات على إندفاع تيار النهر نحو الجواني المقعرة مما يؤدي إلى نحتها, بينما تحدث عملية إرساب عند جوانبها المحدبة, وبهذه الطريقة يتزايد إتساع مجرى النهر كما يتزايد إتساع واديه الذي تترسب فوقه مواد دقيقة ناعمة على كلا جانبي النهر فيتكون السهل الفيضي.
وقد يحدث أحياناً, أن يجلب النهر معه في موسم فيضانه كميات هائلة من المواد الصخرية المفتتة بحيث لا تقوى مياهه على حملها, فترسبها في قاعه على هيئة حواجر أو جزر حصوية , مما يجعل مياه النهر تسير في مجار مائية متعددة إذا ما إنخفض منسوبها بعد إنتهاء فترة الفيضان. وترعف الأنهار اليت تظهر على هذه بالأنهار المتعددة المجاري .
أما إذا كانت مياه النهر تحمل كميات قليلة نسبياً من المفتتات الصخرية, فتتكون جسور طبيعية على جانبي مجراه بحيث تنحدر أرض السهل الفيضي منها إنحداراً متدرجأً كلما بعدنا عن مجرى النهر, وتظهر أكثر الجهات السهل إنخفاضاً - في هذه الحالة - عند النهاية الهامشية له, وذلك على كلا جانبي المجرى, وكثيراً ما تتميز هذه المناطق الهامشية بظاهرة المستنقعات.
ويرجع السبب في تكوين الجسور الطبيعية إلى أنه على الرغم من أن الرواسب الغرينية الدقيقة - التي يبسطها النهر فوق أرض واديه أثناء فترات فيضانه - تنتشر فوق كل أجزاء الوادي, إلا أنها في المناطق التي تمتد على جانبي النهر أعظم سمكاً منها في المناطق البعيدة, وتظهر على شكل ضفاف أو جسور مرتفعة.
ولهذه الجسور أهمية كبيرة, إذ إنها تعد بمثابة حواجز طبيعية تقي السهل الفيضي غوائل الفيضانات المرتفعة. ولكننا نرى أن الأنهار التي ترتفع قيعان مجاريها إرتفاعاً مطرداً نتيجة تراكم الرواسب التي تحملها, كثيراً ما تتعرض سهولها الفيضية لظاهرة الفيضانات وذلك لأن الجسور الطبيعية في هذه الحالة تصبح قليلة الإرتفاع بالنسبة لمستوى مياه النهر ذاته, ولهذا يلجأ قاطنوها إلى بناء جسور أخرى صناعية لحماية أرضهم من أخطار الفيضانات. وهذا ما نجده فعلاً في السهول الفيضية لأنها رعديدة كنهر النيل الأدنى, ونهر هوانجهو, ونهر اليانجستي.
2- الدالات: إذا ما وصل النهر إلى شقة بحرية فإنه يلقى معظم ما يحمله من رواسب, وذلك لأن تياره يبطؤه, ولأن مياه البحار الملحة تعمل على تعقيد وإندماج جزيئات الطمي الناعمة التي يحملها النهر, ولهذا نجد أن الدالات تنمو في المياه الملحة بسرعة تفوق نموها وتقدمها في مياه البحيرات العذبة.وكثيراً ما تعمل الأمواج والتيارات البحرية - إن كانت شديدة - وكذلك حركة المد والجزر, على تطهير مصب النهر من الراواسب, وعلى عدم تكون دلتا له. وينعدم تطون الدالات بالإضافة إلى هذا في المناطق التي تعرض لها اليابس لحركات هبوط في المنطقة الساحلية مما يؤدي إلى طغيان مياه البحر على جزء من المجرى الأدنى للنهر الذي يخترق هذه المنطقة الساحلية ويتكون ما يعرف بالمصب الخليجي .
أماإذا ألقت مياه النهر برواسبها في منطقة شاطئية ضحلة المياه, لا تتعرض لمواج شديدة أو اليتارات بحرية قوية أو لموجات من طغيان المد كما هي الحال بصفة خاصة في شواطئ البحر المتوسط والبحر الأسود - فلابد أن تتكون الدالات النهرية بسرعة وإطراد, ولابد أن تنمو نمواً مستمراً على حساب مياه البحر. ويتعرض في هذه الحالة مجرى النهر ذاته لظاهرة الإرساب في قاعه فيرتفع منسوب مياهه مما يؤدي إلى تفرعه. ولذا تتميز الأنهار التي تخترق مناطق دلتاوية يتعدد فروعها . فكأن تكون الدالات, يتوقف في واقع الأمر على عدة عوامل منها:
(ا) عمق المنطقة الساحلية, فكلما كانت ضحلة, أدى هذا إلى تراكم الرواسب بصورة واضحة.
(ب) كمية المياه التي توجد في النهر.
(ج) كمية المواد فتات الصخر (الدقيق الحبيبات في معظم الأحوال) التي تأتي بها مياه النهر.
(د) قوة الأمواج والتيارات البحرية والساحلية.
(ه) ترعض الساحل لحركات المد والجزر أو خلوه.
ولظروف المناخ التي تسود في المجراي الدنيا للأانهار, أثر كبير على نمو دالاتها, إذ نجد أن المجاري الدنيا للأنهار اليت تخترق مناطق صحراوية جافة كنهر النيل الأدنى في مصر ونهر كلورادو بأمريكا الشمالية ونهر في شيلي, تتميز كلها دون إستثناء بعدم إلتقائها بروافد ممن أي نوع,كما تؤدي قلة الرطوبة وإرتفاع درجات الحرارة إلى تناقص كميات المياه التي توجد بمجاري هذه الأنهار تناقصاً تدريجياً كلما إقتربت من مصباتها مما يؤدي إلى إلقائها لمعظم رواسبها بالقرب من قمم دالاتها. ولهذا نجد أن نمو دلتا كدلتا نهر النيل, وتقدمها شمالاً على حساب البحر المتوسط كان تقدماً محدوداً نوعاً ما, ونجد في نفس الوقت أن نهر بو (في سهل لمبارديا بشمال إيطاليا) تنمو نمواً مطردأً سريعاً على حساب البحر الأدرياتي, وذلك لأن كمية المياه التي توجد في المجرى الأدنى لهذا النهر لا تتناقص بأي شكل من الأشكال أو لأي سبب من الأسباب إذ يشق النهر طريقه في منطقة رطبة. وليس أدل على سرعة نمو دلتا نهر بو من أن مدينة أدريا التي توجد - في الوقت الحالي - بعيدة عن ساحل البحر الأدرياتي بحوالي 14 ميلاً, كانت تطل مباشرة على هذا البح رمنذ حوالي 1800 سنة, وهذا يعني أن دلتا نهر بو تتقدم في البحر الأدرياتي بمعدل أ{بعين قدمأً في السنة, في حين أن دلتا النيل تنمو بمعدل عشرة أقدام سنوياً.
ويلاحظ أنه إذا كانت فروع النهر التي تتفرع في دلتاه, تحمل مواد خشنة بحيث لا تقوى مياهها على حملها, فلابد أن يؤدي هذا إلى ترسيبها في قيعان هذه الفروع على هيئة جزر حصوية أو حواجز طينية, ويبدو كل فرع على هيئة نهر متعدد المجاري, أما إذا كانت حمولة هذه الفروع تتألف من المواد الناعمة الدقيقة فلابد أن تتميز تلك الرفوع بكثرة منحنياتها وثنياتها. ولكننا نرى رغم هذا أن نهراً كنهر المسيسيبي يعد شاذاً في هذا الصدد, فمع أن فروع دلتاه تحمل مواد طينية ناعمة, إلا أن هذه الفروع لا تتميز بظاهرة الإنثناء والإنحناء, بل تظهر مجاريها في إتجاه مستقيم تقريباً, وتتميز بعقها وإمتدادها في مساه خليج المكسيك لمسافات كبيرة, وتعرف هذه الفروع بالممرات . وتبدو دلتا نهر المسيسيبي لهذا السبب على هيئة أصابع اليد أو أرجل الطير بحيث تمتد كثيراً في مياه خليج المكسيك, وتعزى هذه الظاهرة إلى أن الجسور الطبيعية التي تمتد على جاني كل فرع من فروع دلتا النهر, قد تكونت أصلأً من المواد الناعمة التي يحملها نهر المسيسيبي في هذا الجزء من مجراه, مما يجعلها ضفافً صلصالية شديدة التماسك حالت دون إنحناء مجاري هذه الفروع وإنثنائها بواسطة عملية النحتا الجانبي, وركزت مياهها نشاطها بعد ذلك على عملية النحت الرأسي وحدها فإزداد عمقها, وتتقدم فروع دلتا المسيسيبي - أو ممراتها بمعنى آخر - تقدماً سريعأً في مياه خليج المكسيك, إذ يقدر معدل تقدم أحدها بحوالي 250 قدمأً في كل سنة.
وتعتبر البحيرات الداخلية, والبحار المقفولة بمثابة مناطق مثالية لنمة الدالات وخصوصاً إذا ما إرتفعت نسبة الملوحة بمياهها, وقل تأثر سواحله بالتيارات البحرية أو حركات المد والجزر, ولهذا نجد أن دلتا النهر كنهر الفلوجا الذي ينتهي إلى بحر قزوين المغلق, تنمو في وقتنا الحالي نمواً مطرداً سريعاً بمعدل 1000 قدم في العام, وذلك على حساب مياه ذلك البحر.
وينعدم تكون الدالات في حالات كثيرة نذكر منها: حالة الأنهار القليلة الحمولة والتي تخترق بعض البحيرات أو المستنقعات قبل إنتهائها إلى البحر مما يؤدي إلى ترسيبها لمعظم حمولتها من الرواسب في قيعان هذه البحيرات, وتكاد تصبح لهذ السبب خالية من الرواسب عند مصباتها. وقد يتميز قاع البحر في المنطقة التي تصب عندها مياه نهر من الأنهار, يتعرضه لهبوط سريع (بحيث يتفوق في معدله على تقدم رواسب النهر التي يلقي بها في البحر) مما يحول دون ظهور دلتا هذا النهر فوق سطح البحر.
وتتخذ الدالتا أشكالاً عديدة, ولهذا يمكن أن تقسم أربعة أقسام رئيسية هي:
(أ) الدالات الحقيقية المثلثية الشكل تقريباً والتي من طرزها دلتا نهر النلي. وقد كان الإغريق أول من أطلقوا كلمة "دلتا" على الرواسب التي تتراكم عند مصب نهر النيل والتي تعتبر أوضح مثال الدالات الحقيقية.
(ب) الدالات القوسية أو ذات الشكل المروحي , وهي أكثر أشكال الدالات شيوعاً, وتعد دلتا نهر الراين من أوضح أمثلتها.
(د) الدالات المصبية الخليجية وتظهر في المناطق التي توجد فيها المجاري الدنيا من الأنهار التي تكونها في صورة غارقة, كما هي الحال في معظم دالات أنهار الساحل الشرقي للولايات المتحدة وبصفة خاصة دلتا نهر ساسكوينا .
3- المراوح الفيضية والبهادات: تشابه المراوح الفيضية , تشابهاً كبيراً مع الدالات من حيث طريقة التكوين مع وجود فارق رئيسي بينهما, وهو أن المراوح الفيضية تتكون فوق سطح الأرض وليس فوق قاع البحر أو المحيط. فإذا إنحدر نهر متدفق عارم على طول سفح جبلي مرتفع شديد الإنحدار, إلى أرض منخفضة واسعة ذات سطح مستو, فلابد أن يلقي النهر حمولته من الرواسب عند مخرجه من المنطقة الجبلية, فتبدو هذه الرواسب على شكل مروحة بحيث تنتشر فوق الأرض المنخفضة التي توجد عند حضيض السفح الجبلي. وتظهر قمة هذه الدلتا المروحية عند النقطة التي تبدأ الرواسب في الإنتشار منها بهذا الشكل المروحي. وقد تتكون في بعض الأحوال مخاريط فيضية عندما يشتد نسبياً إنحدار الأرض التي تتراكم عليها الرواسب عند حضيض المرتفعات نتيجة وجود عدد كبير من الأنهار القصيرة التي تنحدر من هذه المرتفعات إلى الأرض السهلية المنخفضة. على أننا نلاحظ دائماً أن أكثر الدالات والمخاريط الفيضية يكون في أغلب أوقات الفيضان, أما في غير ذلك من الأوقات فتتميز مجاري السيول في الدالات المروحية بجفافها, وقد توجد رغم هذا بعض سيول ومجار مائية مستديمة المياه.
وتختلف أحجام المواد الرسوبية التي تتألف منها المراوح أو المخاريط الفيضية إذ يتركز ترسب الجلاميد والزلط والحصى عند قممها, وتزداد هذه الرواسب دقة ونعومة كلما بعدنا عن المرتفعات وأوغلنا التقدم في المنطقة السهلية. وكثيراً ما يحدث في المناطق الجافة - أن تتعدى مياه المجاري والسيول المائية التي كونت الدالات امروحية, مناطق هذه الدالات, وتنتشر فوق سطح المنطقة السهلية مكونة ما يشبه البحيرة الضحلة التي تتبخر مياهها في بعض الحالات, كما قد تكون مستديمة المياه في حالات أخرى, كما هي الحال في جريت سولت ليك في ولاية يوتا (بالولايات المتحدة) وكثيراً ما تسمى هذه البحيرات بالبلايا .
وقد يحدث بمضي الوقت أن تتصل الدالات المروحية المتجاورة والممتدة عند حضيض سلسلة واحدة من المرفعات, ويتكون حينئذ سهل فيضي خصيب يمتد عند حضيض هذه المرتفعات , وهو الذي يعرف بالبهاده : وتتكون البهاردات نتيجة إنتقال وتحرك المجاري المائية التي توجد في الدلتا المروحية, تحركاً جانبياً . وإذا ما تعرض أحد مجاري الدلتا المروحية لعمليات إرساب تؤدي إلى إرتفاع قاعه, فلابد أن تنحدر مياهه إلى الأرض المنخفضة التي تجاوره, وتكون لها مجرى جديداً. ويساعد على الإنتقال والتحرك الجانبي للأانهار, أن معظم الأنهار والسيول التي تشق طريقها في دالات مروحية, من النوع المتعدد المجري .
وتمثل البهادة ظاهرة جيومورفية تساعد على تكون المياهالباطنية وإختزانها بكميات كبيرة, بحيث يمكن الحصول عليها عن طريق حفر آبار ضحلة في تكوينها المنفذة للمياه, ويرجع هذا إلى أن مياه الأنهار والسيول التي تخترقها, تتسرب إلى باطن الأرض عند رءوس الرمواح الفيضية (الت يتمثل أعلى جهاتها) ثم تنحدر مع إنحدارها بقوة هيدروستاتيكية واضحة. ويظهر هذا بوضوح في حوض لوس أنجلس الكبير بكاليفورنيا, الذي يتكون مما يزيد على الثلاثين حوضاً من الأحواض الجوفية الصغيرة الممتلئة بالمياه, والتي تكونت ف يالفجوات التي كانت تظهر في الصخور الأساسية, التي تكونت فوقها البهادة,ثم إمتلت بعد ذلك بالمياه المتسربة إلى باطن الأرض عند رءوس المراوح, وتمثل هذه الأحواض المصدر الرئيسي لما يقرب من 90% من المياه التي تحتاج إليها لوس أنجلس.
أثر الأنها رفي البنية الجيولوجية: سبق أن ذكرنا أن أكثر المجاي المائية تشق أوديتها خلا تكوينات صخرية رسوبية توجد في وضع أفقي تقريباً, وتتكون إزاء هذا بكثير من الصور والمظاهر الجيومورفية, هي التي شرحناها شرحاً وافياً في الصفحات السابقة. ولكننا قد نجد الأنهار, التي تنصرف مياهها إلى البحر, تشق أوديتها خلال طبقات مائلة بحيث تتمشى معإنحدار النهر صوب البحر, وتتكون في أول الأمر الأنهار الرئيسية أو التابعة, وإذا كانت هذه الطبقات تـألف من صخور متفاوتة في درجة صلابتها, وإذا إستمرت الأنهار الرئيسية في تعميق أوديتها وتوسيعها, تتكون في النهاية روافد تالية لهذه الأنهار, بحيث تتمشى مع خطوط إمتداد الطبقات اللينة, وعلى تكوين حواف حائطية تمتد موازية لمجاري الأنهار التالية وتعرف بالكويستات , ومن أهم ما يميزها أنها غير متناظرة في درجة إنحدارها جوانهبا التي تواجه البحر تتمشى مع الإنحدار الإقليمي للمنطقة, بينما تتميز جوانبها التي تسير موازية للمجاري التالية بإنحدارها الفجائي وظهورها في وضع رأسي تقريباً. ويتراوح إرتفاع هذه الكويستات في المعتاد ما بين المائة والمائتي قدم فوق منسوب الأراضي الواطئة التي تجري فوقها الأنهار التالية. وتمثل الكويستات ظاهرة واضحة من ظاهرات التاضريس في المناطق الساحلية لأنها تمتد إمتداد طولياً بموازة ساحل البحر ومن أوضح الأمثلة لهذه الكويستات تلك التي توجد في حوض باريس والتي لعبت دوراًَ إستراتيجياص هاماً في الحرب العامية الأولى, وقد نشبت معظم المعارك الهامة التي حدثت أثناء هذه الحرب بين الأمان والدول المتحالفة, في شرق فرنسا, لغرض إستراتيجي رئيسي, وهو الإستحواذ على هذه الكويستات والتحكم فيها, ومن الأمثلة الأخرى, تلك الكويستات التي تمتد موازية لخليج المكسيك في السهل الممتد من ولاية ألاباما إلى نهر المسيسيبي في جنوب الولايات المتحدة.
ولا تبدو هذه الكويستات في حالة من الثبات والإستقرار دائماً, بل تتغير تغيراً منتظماً ويكون لها شكل خاص في كل مرحلة من مراحل التطور النهري. فهي تبدو واضحة المعالم في فترة الشباب, ولكنها تفقد إستقامتها في مرحلة النضج, وتظهر بها فجوات جانبية, وتتحرك تحركأً مطردأً صوب البحر أو في الإتجاه الذي تميل فيه الطبقات, ولابد بطبيعة الحال من أن يقل منسوبها تبعأً لهذا الإنتقال, وتعرف هذه الظاهرة بظاهرة تراجع الكويستات وقد سبق أن ذكرنا من قبل أن ظاهرة تراجع الحافات (الكويستات) ظاهرة جيومورفولويجة هامة, كثيرة الحدوث في المناطق الساحلية التي تـألف من صخور تتفاوت في صلابتها وتميل ميلأً طفيفاً نحو البحر, وتعزى هذه الظاهرة , إلأى تعرض صخور هذه المناطق لعمليات النحت الثلاث: التجوية, والإنهيار الأرضي, والنحت المائي.
وعندما تبلغ الأنهار التي تجري في المنطقة الساحلية, مرحلتها الأخيرة أو منرحلة الكهولة بمعنى آخر, تكون قد زالت تماماً آثار هذه الكويستات وتتحول المنطقة إلى أرض سهلية مستوية السطح.
الفصل السابع: دورة التعرية النهرية
تدأب الأنهار دائماً على توسيع مجاريها وتعميقها, وهي تعمل بهذا على إحداث تغيرات وتبديلات عديدة في تضاريس قشرة الأرض, تسفرفي النهاية عن تخفيض مستوى الأرض المرتفعة وإزالة كل ما بها من تضرس حتى يتحول سطح الأرض إلى سهل منخفض ذي سطح مستو. فكأن شق الأنهار لمجاريها, وتوسيع جوانب أوديتها يرمي إلى غاية معينة وهدف واحد, ألا وهو بلوغ مقاطع إتزانها وتعادلها . ويطلق على مجموعة التغيرات التي تصيب النهر وحوضه من بداية جريانه على سطح الأرض إلى أن يتم تخفيض الأرض المرتفعة التي تنحدر عليها حتى يصل إلى مستوى السطح, يطلق عليها دورة التعرية النهرية. وتمر هذه الدورة بثلاث مراحل, يتميز سطح الأرض في كل مرحلة منها بخصائص ومميزات واضحة, وهذه المراحل الثلاث هي مرحلة الشباب, ومرحلة النضج ومرحلة الشيخوخة أو الكهولة.
وكثيرً ما يشذ تسلس الحوادث التي تؤدي إلى الوصول بسطح الأرض إلى مستوى القاعدة عن المرور بهذه المراحل الثلاث, وكثيراً ما يتحول تتابع هذه المراحل إلى صورة أخرى مختلفة تماماً, عن الصورة العادية التي يمر بها تتابعها وتطورها, ويرجع هذا إلى عوامل عديدة منها: تعقد التركيب والبناء الجيولوجي, وحدوث بعض تقلقلات باطنية بطيئة أو حدوث بعض التغيرات في الظروف المناخية. وتعمل هذه العوامل على عدم إتمام الدورة وإكتمالها, وعلى حدوث تغيرات واضحة تحيد عما ينجم في الأحوال العادية منمظاهر إذا ما مرت الدوة بمراحلها الكلاسيكية الثلاث.
وقد كان "وليام موريس ديفز" أول من قسم مراحل التطور النهري إلى المراحل الثلاث المعروفة: مرحلة, ومرحلةالنضج, ومرحلة الشيخوخة, ولكنه إفترضبعض الإفتراضات لكي تمر الأنهار بهذه المراحل الثلاث من التطور:
1- أن الأرض التي يجري بها النهر كانت تغمرها مياه البحر في وقت من الأوقات ثم تعرضت لحركات رافعة حديثة وتحولت إلى أرض يابسة.
2- أن البناء الجيولوجي لهذه الأرض يتميز ببساطته وعدم تعقده, كان تتألف من طبقات رسوبية تتعاقب فيها الطبقات الصلبة مع اللينة, وتميل هذه الطبقات ميلاً عاماً صوب البحر, وتختفي منها الإلتواءات أو الإنكسارات.
3- أن هذه الأرض الجديدة التي علت عن مستوى سطح البحر, ظل منسوبها في حالة من الإستقرار والثبات (بالنسبة لمستوى البحر) لفترة طويلة تكون كافية لإتمام الدورة وإكتمالها.
وعلى أساس هذه الإفتراضات, إستطاع "ديفز" أن يوجز التغيرات التي تطرأ على هذه الأرض الجديدة في كل مرحلة من مراحل الدورة النهرية علىالنحو التاليك
مرحلة الشباب:
1- يتكون عدد قليل من الأنهار الرئيسية, وعدد قليل من الروافد (الأنهار التالية) الكبيرة,كما توجد في نفس الوقت مسيلات قصيرة عديدة, تزداد طولأً بواسطة عمليات النحتالصاعد حتى يتكون نظام تصريف نهري شجري .
2-تظهر القطاعات العرضية لمعظم الأودية على شكل حرف , ويتوقف مدى عمقها أو ضحالتها على درجة إرتفاع الإقليم - الذي شقت خلال تكويناته - فوق سطح البحر.
3- لا تتكون السهول الفيضية في ههذ المرحلة بل تظهر الجوانب المرتفعة للأودية عند هوامش الأنهار التي تجري فيها بحيث تحصر جريان مائها وتقيده.
4- تتميز مناطق ما بين الأنهار بإتساعها, وقد تظهر فيها البحيرات والمشتنقعات إذا لم تكن أعلى من مستوى القاعدة.
5- تتكون المشاقط الماشية والشلالات والمسارع في المناطق التي تعترض مجاري الأنهار فيها تكوينات صخرية شديدة الصلابة, وتمثل المساقط المائية خاصية من أوضح خصائص الأودية النهرية التي في طور الشباب.
6- تتميز مناطق تقسيم المياه بإتساعها وبعدم وضوح معالمها.
7- تتميز الأنهار بصفة عامة بقلة أعدادها وقلة كثافتها ولذا يبدو قوام التصريف النهري في حالة "خشونة" .
مرحلة النضج:
1- تزداد الأودية النهرية طولأً, وعدداً, ويتكون لهذا السبب فوق سطح الإقليم نظام تصريف مائي متكامل.
2- تعدل الأودية إتجاهاتها بحيث تتفق مع الخصائص الصخرية - السائدة فتتكون بعض الأودية الطولية التالية التي يكاد يتفق إمتدادها مع إمتداد الطبقات الصخرية السهلة النحت.
3- تكثر مناطق تقسيم المياه بعد أن تزيد المجاري المائية من أطوالها وأعماقها, وتصبح هذه المناطق واضحة المعالم بحيث تبدو على شكل حواف بارزة, كما تضيق مناطق ما بين الأنهار.
4- يصل النهر الرئيسي في هذه المرحلة إلى مقطع إتزانه أو تعادله, بينما تظل بقية الورافد في حالة غير متعادلة .
4- تتم عملية إزالة البحيرات أو المساقط المائية أو غيرها من العقبات التي كانت تعترض مجرى النهر في مرحلة الشباب.
6- تتكون السهول الفيضية, وتبتعد جوانب الوادي عن مجرى مياه النهر, الذي يكثر إنحناؤه وإنثناؤه فوق السهل الفيضي الواسه, وتنطلق مياه النهر حرة دون أن تقيدها وتحددها الجوانب المرتفعة للوادي. ويكون إتساع السهل الفيضي في هذه المرحلة بحيث يشغل نطاق المنحينات النهرية .
7- تصل تضاريس الإقليم إلى أقصى حد لها من الوضوح والبروز,كما تزداد كثافة الأنهار, ولذا يبدو "قام" التصريف النهري في حالة متوسطة .
مرحلة الشيخوخة:
1- يقل عدد روافد الأنهار الرئيسية إذا ما قورن بعددها في مرحلة النضج, ولكنه يفوق عد الروافد النهرية في مرحلة الشيخوخة.
3- تبلغودية النهرية أقصى إتساع لها, وتتميز بقلة إنحدار قطاعاتها الطولية, كما يقل إنحدار جوانب الأنهار في قطاعاتها العرضية.
4- يقل إرتفاع أراضي ما بين الأنهار كما تصبح مناطق تقسيم المياه غير واضحة المعالم, كما كانت توجد في مرحلة النضج.
5- تتكون البحيرات والمستنقعات والبطائح المائية في السهول الفيضية ذاتها, وتختفي تماماً من مناطق ما بين الأنهار, وبذا تختلف هذه المناطق عما كانت عليه في مرحلة الشباب.
6- تتفوق عمليات الإنهيار الأرضي على شتى عمليات النحت النهري التي تقوم بها مياه الأنهار.
7- تزول معظم معالم التضاريس في الإقليم, وتنخفض كثير من جهاته حى تبلغ مستوى القاعدة أو الحد الأدنى للنحت النهري.
8- يصل "قوام" التصريف النهري إلى أقصى حد له من "الدقة والنعومة" .
ونرى من العرض السابق لمراحل دورة التعرية النهرية, أنه يشترط لكي تحدث هذه الدورة على النحو السالف من التعاقب والتتابع, توافر إفتراضات لا يمكن تحقيقها في معظم الحالات (كتجانس الأنواع الصخرية وعدم تعقد البناء الجيولوجي, وثبات الكتلة الأرضية وإستقرارها لفترة طويلة). ولهذا كثيراً ما يعترض البعض على تسمية "ديفز" لدورة التعرية النهرية هذه, بالدورة العادية , إذ إنها على حد قولهم لا يمكن أن تكون هي الدورة العادية بأي حال من الأحوال ما دام يشترط لحدوثها توافر شروط وإفتراضات بندر توافرها وتحقيقها. فهي إذن تمثل الدورة الشاذة وليست عادية.
وعلى الرغم من هذا الإفتراض,يمكن القول بأن دورة التعرية النهرية, كما وضحها "ديفز" تظهر أثناءها بعض التغيرات التي تحدث للأودية النهرية ولمناطق ما بين الأنهار بصفة خاصة, وقد تحدث مثل هذه التغيرات مع تعديلات طفيفة تحت ظروف أخرى غير تلك التي إفترضها "ديفز".ويجب أن نضع في أذهاننا دائماً أن مراحل متشابكة متداخلة بحيث لاي مكن فصل إحداها عن الأخرى, كما أن كل مرحلة تتدرج إلى تاليتها, ولا تحدث التغيرات التي يتعرض لها سطح الأرض من مرحلة إلى أخرى في صورة فجائية بأي حال من الأحوال. ومن الأمور الأخرى التي يجب أن نقيم لها كل وزن وإعتبار هي أن المقصود من مراحل دورة التعرية - كما شرحت في الصفحات السابقة - هو توضيح الصورة العامة التي يظهر عليها سطح الأرض في إقليم من الإقاليم, وذلك في كل مرحلة من مراحل الدورة, ولا يقصد بها إطلاقاً إظهار الصورة التي تظهر عليها الأودية النهرية في كل مرحلة, فقد توجد بعض مناطق من سطح الإقليم في طورالنضوج ومع هاذ تشق سطح الأرض فيها أودية في طور الشباب أو الكهولة, وهذا يدل دلالة واضحة على أن الذي يعنينا من دراسة دوةر التعرية, هو مرعفة المراحل التطورية التي يمر بها الإقليم ككل لا يمكن تجزيئه, وليست معرفة تطور الأودية النهرية التي تمثل في اواقع أحد عناصر التكوين الجيومورفولوجي لأي إقليم.
تعقد دورة التعرية النهرية: من الأمور الثابتة الآن, أن معظم المظاهر التضاريسية التي يتألف منها سطح الأرض قد تعاقبت عليها دورات تعرية عديدة ولم تمر دورة واحدة فقط كالتي ناقشنا مراحلها في الصفحات السابقة, فكثراً ما تستعيد المناطق التي بلغت طور الشيخوخة نشاطها وحيويتها مرة أخرى, وهذا هو ما يعرف بتجديد الشباب . وتحدث هذه الظاهرة في معظم الأحوال إذا ما تعرض مستوى القاعدة للإنخفاض لسبب من الأسباب, فيؤدي هذا إلى إستعادة المجاري المائية - التي بلغت مرحلة الشيخوخة - لطاقتها على النحت مرة ثانية.
وقد لخص الأستاذ الأمريكي "ثورنبري" الأسباب التي تؤدي إلى إستعادة التضاريس الأرضية لشبابها وحيويتها بعد أن تكون قد بلغت طور الشيخوخة بما يلي:
(أ) قد تحدث عمليات إستعادة الشباب إذا ما تعرضت الكتل اليابسة لحركات رافعة قد تصحبها أحيانأً بعض الإعوجاجات والإنكسارات, وقد تحدث مثل هذه الحركات في نطاق محلي كما قد تكون حركات شاملة تصيب أرجاء شاسعة من العالم, وتؤدي مثل هذه الحركات إلى الإخلال بحالة التعادل أو التوازن التي قد تكون بعض المجاي المائية قد بلغتها,وينجم عن هذا إشتداد إنحدارها, وإزدياد سرعة مياهها وما يتبع هذا من تزايد مقدرتها على النحت, وتعرف عملية إستعادة الشباب حينئذ بال .
(ب) قد تحدث إستعادة الشباب إذا ما إنخفض منسوب البحر إنخفاضاً عاماً في جميع أنحاء العالم, إما لحدث حركات هبوط في قيعان المحيطات تؤدي إلى زيادة عمق الأحواض المحيطية وإنخفاض منسوب مياهها, أو عندما تتراكم غطاءات جليدية على اليابس بحيث تحول دون وصول مياه الأنهار والأمطار إلى المحيطات واتلبحار فينخفض منسوبها وإذا ما إنخفض منسوب مياه البحار على هذا النحو, فلابد أن تستعيد الأنهار - التي تنتهي إلى البحار - شبابها, وخصوصاً بالقرب من مصباتها أو في الأجزاء الدنيا من مجاريها وتتحول قطاعاتها الطولية من حالة التوازن والتعادل إلى حالة التقطع, ولعل أحدث إنخفاضات تعرض لها مستوى سطح البحر, تلك التي كانت تحدث فيما بين الفترات الجليدية والفترات ما بين الجليدية وذلك أثناء عصر البلايستوسين. ويقدر منسوب البحر في تلك الفترات بأنه كان أقل من منسوبه الحالي بحوالي 300 قدم, وتعرف عملية تجديد الشباب في هذه الحالة بال .
(ج) قد تحدث عمليات لشباب الأنهار, ونشاطها ولكنها لا ترتبط بتعرض سطح الأرض لحركات رافعة وإنخفاض منسوب مياه البحار, وتعرف مثل هذه العمليات, بعمليات التجديد الثابت للشباب وتنجم هذه العمليات إما عن تناقص حمولة مياه الأنهار من الرواسب أو زيادة كمية المياه التي يتحملها الأنهار نتيجة تزايد كميات الأمطار التي تسقط على أقليم من الأقاليم أو بفعل عمليات الأسر النهري.
الآثار الجيومورفية الناجمة عن تجديد الشباب: تترك عمليات تجديد الشباب آثارها واضحة تمام الوضوح في كثير من جهات سطح الأرض, وتتمثل هذه الآثار فيما يلي:
أولاً: في ظاهرة عدم التناسق الطبوغرافي كأن تكون المرتفعات والمجرى الأعلى لنهر من الأنهار في مرحلة النضوج مثلاً, بينما تكون بقية أجزاء مجرى النهر وما يحيط بها من أراض, في طور الشباب, ويسمى وادي النهر في هذه الحال بالوادي الثنائي الدورة .
ثانياً: إذا إشتد إنحدار النهر في بعض أجزاء من مجراه, وإذا إستحال تفسير هذا, على أساس عوامل ليثولوجية (صخرية) - كوجود حواجز من الصخر الصلب تعترض مجراه - فا مفر وقتئذ من إرجاع شدة إنحدار النهرفي هذه الأجزاء إلى تعرض مستوى قاعدته للهبوط, وحدوث نوع من الإنكسار والتقطع في قطاعه الطولي عند
نقط الإتصال بين الإنحدار الجديد والإنحدار القديم, ويعرف هذا التقطع برأس التجديد .
ثالثاً: من الظاهرات الجيومورفية الهامة التي تنجم عن تجديد الشباب ظاهرة الثنيات المتعمقة , التي هي عبارة عن الثنيات التي تتعمق مع تعمق مجرى النهر, وهي بذلك تختلف تمامً عن الثنيات "العادية" التي توجد في السهول الفيضية للأنهار وتزحف زحفأً مستمراً صوب المصب. وقد نشأت هذه الثنيات المتعمقة أول ما نشأت فوق أرض منخفضة, عندما كان النهر يشق طريقه خلالها, ويرسم فوقها منحينات وإنثناءات. ثم تعرضت هذه الأرض المنخفضة لحركات رافعة, فنجم عن ذلك إستعادة النهر لقوته على نحت مرجاه وتعميقه وأخذت المنحنيات والثنيات تغور هي الأخرى في سطح الأرض بسبب تعميق النهر لمجراه.
رابعاً: من الظاهرات الجيومورفية الهامة التي تصحب عملية تجديد نشاط الأنهار, ظاهرة المدرجات النهرية , وتمثل هذه المدرجات البقية الباقية من السهول الفيضية القديمة, وتتألف في معظم الأحوال من رواسب من الحصى والطين والرمال. وتتكون هذه المدرجات كما ذكر "جلبرت" نتيجة عمليات النحت النهري وحدها, فإذا تعرض مستوى البحر بالنسبة لليابس لتذبذب فلابد أن يعقب هذا حدوث تغير مشابه في مستويات القاعدة للأنهار, فإذا إنخفضت هذه المستويات على مراحل متعاقبة, أدى هذا إلى تكون سلسلة من المصاطب النهرية على طول ضفاف الأنهار وذلك لإزدياد مقدرتها على النحت. أما إذا حدث العكس, وإنخفض اليابس وإرتفع مستوى القاعدة فلابد أن تعقب هذا ظاهرة إرساب تسود في المنطقة الدنيا للنهر.
وقد إستطاع الجيومورفولوجي النيوزلندي "كوتن " أن يقسم المدرجات النهرية إلى قسمين:
1- مدرجات دورية (أي ترتبط بدورة التعرية العادية) وتمثل أراضي الأودية القديمة, وقد تكونت في الفترات التي توقفت فيها عميلات النحت الرأسي وحلت محلها عمليات نحت جانبي لهذه الأودية (مما يؤدي إلى توسيع سهولها الفيضية) ويمثل إرتفاع أحد المدرجات النهرية عن السهل الفيضي الحالي, القدر الذي إستطاع النهر تعميقه بعد حدوث عملية تجديد شبابه, ومن أهم ما يميز المدرجات الدورية, ظهور أزواج منها على جوانب الأنهار, ويقع كل زوج منها في مستوى واحد, وذلك في جزء من أجزاء وادي النهر.
(ب) مدرجات غير دورية وهي لا تظهر على شكل أزواج على ضفاف الأنهار, وفي وجود هذا النوع من المدرجات, دليل كاف على أن عمليات النحت الرأسي كانت تسير قدماً في الوقت الذي كانت توسع فيه الأنهار أوديتها بواسطة عملية النحت الجانبي, ويؤدي هذا إلى تنقل نطاق ثنيات النهر من أحد جانبي الوادي إلى الجانب الآخر وفي الوقت الذي تصل فيه أرض الوادي إلى أقصى إنخفاض لها (بواسطة عملية النحتا الرأسي) تتكون مدرجات نهرية على كلا جانبي الوادي ولكنها لا تقع في مستوى واحد.
وتمتاز المدرجات التي تتكون في مناطق الثنيات النهرية بتعقدها وعدم إنتظامها لأن مجرى النهر في مناطق الثنيات كثير التغير, ولأن الثنيات ذاتها تزحف زحفاً مستمراً نحو المصب, وقد يؤدي تغير المجرى أو زحف الثنيات إلى إزالة المدرجات النهرية في أحد جوانب النهر وإبقائها في جانب آخر, كما قد يؤدي إلى زوال جزء من أجزاء أحد المدرجات فيندمج بذلك مدرج سفلي بالمدرج الذي يعلوه.
ونلاحظ في معظم الحالات أن المدرجات النهرية التي تمتد على ضفاف الأنهار, نادراً ما تتميز بإستمرارها أو تسطحها, بل هي كثيرة التقطع وتتميز سطوحها بعدم إستوائها. ويرجع هذا إلى تعرض هذه المدرجات لمياه الأنهار, ولترسب كميات من الطمي فوق سطوحها, وذلك بفعل مياه الأنهار القصيرة التي تصب في وادي النهر اذلي توجد فيه هذه المدرجات, وتؤدي هاتان العمليتان إلى إزالة معالم المدرجات النهرية, ويصبح تتبعها أمراً صعباً للغاية.
أشباه السهول: كان الجيومورفولجي الأمريكي "ديفز" أول من أطلق الإصطلاح المعروف بشبه السهل على اصورة النهائية للتضاريس الأرضية, التي تمثل آخر المراحل التي تصل إليها هذه التضاريس إذا ما تتابعت عليها مراحل دورة التعرية بكل خصائصها. فشبه السهل إذن, يعد بمثابة النتاج النهائي لعمليات التعرية السطحية . وقد لاقت فكرة أشباه السهول رواجاً كبيراً بينم الجيومورفولوجيين على الرغم من أن بعضهم عارضها أشد معارضة. فقد أخذ بها الجيومورفولوجي الفرنسي "دي لاباران " والألماني "بنك " وعدد كبير آخر من الجيومروفولوجيين, ولم يشك فيها سوى العلماء الذين كانوا من أنصار مدرسة التعرية البحرية . والذين كانوا على يقين من أن أشباه السهول لم تنجم عن عمليات التعرية السطحية, ولكنها تكونت هي وكثير غيرها من المظاهر الجيومروفية بفعل التعرية البحرية.
وإذا فرضنا جدلاًَ أن دورة التعرية العادية كما جاء بها "ديفز" سليمة وصحيحة فلابد بطبيعة الحال من أن يكون شبه السهل بمثابة النتيجة الحتمية النهائية لها, وإذا إفترضنا كذلك أن قشرة ألرض ظلت على حالة من الثبات والإستقرار لمدة طويلة كافية فلابد أن ينتهي الأمربالأرض اليابسة إلى أن تنخفض إلى مستوى القاعدة. ونقطة الخلاف الرئيسية بين المدرسة "الديفزية" التي تؤمن بفكرة أشباه السهول وبين مدرسة "بنك" هي في التساؤل عما إذا كانت فترات الهدوء والثبات التي تتعرض لها قشرة الرض تستمر لمدة كافية من الزمن بحيث تؤدي إلى إكتمال الدورة الجيومروفية وتحويل الأرض اليابسة إلى شبه سهل!! أو أن هذه الفترات تتميز بقصرها مما يحول دون تكون أشباه السهول, هذا بصرف النظر عن أنها (أشباه السهول) تمثل خاتمة الدورة الجيوممورفية.
ويبني المهاجمون لفكرة شبه السهل إعتراضهم عليها على أساس أن فترات الهدوء التي تمكن العوامل الجيومورفية من إتمام دروتها فترات قصيرة إذ يقدر البعض مثلأً أن قارة أمريكا من الممكن أن تتحول (على ضوء معدل نحتها وخفض منسوبها في القوت الحالي) إلى شبه سهل بعد حوالي 15 مليون سنة, ومن غير المعقول ألا تحدث أثناء هذه الفترة الطويلة إضطرابات أرضية تفسد من فترة الهدوء الحالية, وتعمل على عدم إكتمال الدورة, وتحول القارة إلى سهل هائل.
ويرد أنصار المدرسة "الديفزية" على هذا القول بأنه ليس من الضروري أن تتميز الفترة الزمنية الطويلة اللازمة لإكتمال الدورة بحالة تامة من الهدوء, إذ إن عملية إلتحات التي تؤدي إلى تحول منطقة ما إلى شبه سهل في مستوى القاعدة, من الممكن أن تواصل عملها لبلوغ غايتها الأولى أثناء فترات من الإرتفاع البسيط الذي قد تتعرض له المنطقة, بشرط أن يكون معدل إرتفاعها (بفعل حركات إبيروجينية) أقل من معدل خفضها بواسطة عمليات النحت المختلفة.
الدورة الجيومورفية في نظر "بنك": لم يشك "ولتربنك " إطلاقاً في صحة الدورة الجيومورفية للتعرية كما جاء بها "ديفز" وكل ما في الأمر أنه إعتبرها بمثابة حالة خاصة نادراً ما يتم حدوثها, ما دام هذا يتوقف على ثبات قشرة الأرض وإستقرارها لفترة طويلة, وهو أمر لا يحدث إلا نادراً ومعنى هذا أن "بنك" قد أدرك تمام الإدراك أهمية العامل الزمني في تطور الأشكال الأرضية بحركات الإرتفاع, وذلك عندما كانت تتعرض هذه الأشكال للنحت والتدمير خلا مراحل تطورها.
وعلى هذا يمكن القول بأن الأساس الأول لتفهم آراء "بنك" فيما يتصل بدورة التعرية , وهو الإيمان بأن قشرة الأرض دائماص أبداً في حالة من عدم افستقرار (وهذا ما يعرف بال ) فقد إستبدل "بنك" المراحل الثلاث الاتية بمراحل الشباب, والنضج والشيخوخة اليت جاء بها "ديفز":
(أ) مرحلة رفع متزايد .
(ب) مرحلة رفع منتظم .
(ج) مرحلة رفع ضعيف واهن .
وتدل هذه المراحل على أن حركات الإرتفاع التي كان يتعرض لها سطح الأرض أثناء "تخفيضه" بفعل عوامل النحت المختلفة كانت تختلف سرعة وقوة, إذ تبدأ هذه الحركات ببطء واضح ثم تزداد سرعة إلى أن ينتظم حدوثها في المرحلة الثانية, ثم تضعف وتتلاشى في المرحلة الأخيرة. وتتميز المقاطع العرضية للأودية النهرية بمميزات خاصة في كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث, إذ تظهر جوانب الأودية في المرحلة الأولى, محدبة الشكل مما يدل على أن عمليات تعميق هذه الأودية وتوسيعها لا تسير بنفس الخطى التي يطرد بها تعرض مناطق هذه الأودية للأإرتفاع. أما في الرمحلة الثانية, فتبدو هذه الجوانب مستقيمة , ثم تصبح بعد ذلك مقعرة الشكل في المرحلة الأخيرة.
وقد عارض الجيومورفولوجي الأمريكي "جونسون " (1940) آراء بنك أشد معارضة, وقد بين مدى الخطأ الذي تردى فيه بربطه بين شكل المقاطع العرضية للأودية (المحدب والمستقيم والمقعر) وبين درجة الإرتفاع الذي تتعرض له مناطق هذه الأودية, وهو يرى أن هنالك عدة عوامل تساهم كلها متضافرة في تحديد أشكال المقاطع العرضية للأاودية النهرية, ومن أهم هذه العوامل نوع الصخور, ونوع البناء الجيولوجي, وعامل المناخ, وحجم المواد الصخرية التي تخلفت عن عمليات التجوية, والمرحلة التطورية التي يوجد بها كل واد. ولهذا من الخطأ أن تعزى أشكال المقاطع العرضية للأأودية إلى نوع الحركات الرافعة الت يتعرض لها الإقليم.
ويمكننا أن نلخص أوجه الإختلاف الرئيسية بين "ديفز" و "بنك" بأنه بينما يعتقد أولهما بأن الدورة الجيومورفية تبدأ في أغلب الأحيان بحركات رافعة سريعة تتعرض لها الكتلة اليابسة, وتنتهي بحالة ثبات تام تؤدي إلى إتمام الدورة وتصبح هذه الكتلة عبارة عن شبه سهل ينعدم تضرسه, يرى "بنك" أن تتابع مراحل الدورة,الجيومورفية لا يتم على النحو الذي بينه "ديفز" إذ تبدأ هذه الدورة في المعتاد بتعرض الكتلة اليابسة لحركات رافعة متناهية في البطء إذا ما قورنت بالسرعة التي تعمل بها عوامل التعرية, ويؤدي هذا إلى عدم إرتفاع هذه الكتلة اليابسة, والحيلولة دون تضرسها, فتتحول إلى سهل منخفض لا توجد به اية ملامح تضاريسية, وهو الذي سماه "بنك" بال . ويمثل "البريمارومف" المرحلة الأولى التي تمثل بداية الدورة الجيومورفية, وهي مرحلة "عالمية" تمر بها الأشكال الأرضية في كل جهات سطح الأرض, وبإطراد حدوث الرحكات الرافعة في مرحلة الرفع المطرد (المرحلة الأولى من الدورة في نظر "بنك") يتعرض "البريماروف" للإرتفاع كثيراً فوق مستوى سطح البحر, ولكنه يظل إلى حد كبير محتفظاً بمعظم خصائصه حتى ولو ترعض كثيراً لعوامل النحت المختلفة. ويهمنا أن نبين الآن أن "البريمارومف" قد يتأثر بحركات إرتفاع مطرد فيرتفع عن سطح الأرض, أو قد يتعرض لحركات إرتفاع منتظم , أو قد يتعرض لحركة إرتفاع ضعيفة واهنة .وهذا يعني أن المراحل الثلاث التي وضحها "بنك" لا يشترط أن تتابع على كتلة يابسة تحولت إلى "بريمارومف" بل قد يتأثر "البريمارومف" إحداها دون المرحلتين الأخيرتين. وهو كثيراً ما يتعرض لحركة إرتفاع ضعيفة فيتحول إلى أرض منخفضة هي "الأندرومف ". فكأن "البريمارومف" ثيمل في واقع الأمر المرحلة الأولى من مراحل فترة نشاط باطني, تتميز بحركات رافعة تطرد في سرعتها , بينما يمثل "الإندرومف", المرحلة النهائية من مراحل فترة نحت يضعف فيها تأثير الحركات الرافعة . ويبدو من هذا, أن وجه الإختلاف الرئيسي بين "الإندرومف" كما بينه "بنك" وبين فكرة شبه السهل التي جاء بها "ديفز", هو أن "بنك" يعتقد أن "الإندورمف" لم يمر بمراحل متتابعة متعاقبة أثناء تطوره, هذا في حين أن "ديفز" يرى أن شبه السهل إنما تكون في واقع الأمر نتيجة تتابع مراحل الشباب والنضج والشيخوخة على رقعة معينة من سطح الأرض.
ويبدو من هذا العرض السريع لآراء "فالتربنكط في دورة التعرية, أنه من الصعوبة بمكان ألا نوجه أي نقد إلى نظرية "البريمارومف" التي أوردها,وخصوصاً أنها تمثل هي الأخرى حالة شاذة نادراً ما تحدث. وعلى الرغم من أن "ديفز" إفترض لحدوث الدورة الجيومروفية بعض الإفتراضات التي يندر أن تتحقق إلا أنه إستطاع, على الأقل,أن يوضح أن هنالك بعض التعقيدات التي قد تطرأ على الدورة العادية للتعرية, مما يجعلها تختلف عن الدورة البسيطة التي شرحها, وسواء قبلنا آراء "بنك",أم رفضناها إلا أنها تلقي ضوءاً كبيراً على دورة التعرية تجعل بعض الجيومروفولوجيين الذين كانوا يغالون في تأييد آراء "ديفزط يخففون قليلاً من غلوائهم, وتحفزهم كذلك على إعادة النظر في إفتراضاتهم ونتائجهم.
الفصل الثامن: المياه الباطنية وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
سبق أن ذكرنا أن مياه الأمطار التي تسقط على سطح الأرض, منها ما يجري جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, ويكون أنهاراً ومجاي سطحية, ومنها ما يتسرب إلى باطن الأرض في صورة مياه باطنية, وتعمل هذه المياه الباطنية أثناء حركتها خلال تكوينات قشرة الأرض على تشكيل سطحها وتغيير معالمه في جهات كثيرة من العالم, إذ إن نشاط هذه المايه الجوفية لا يقتصر على صخور قشرة الأرض وذلك أثناء حركتها خلالها - كما هي الحال في مناطق التكوينات الجيرية - بل كثيراً ما تؤر هذه المياه في سطح الأرض ذاته, فتكون بعض الحفر الضحلة, وبعض المنخفضات, والمغارات المنهارة. . . إلى غير ذلك من المظاهر الجيومورفية التي تظهر بوضوح وجلاء في المناطق التي تـتألف من تكوينات صخرية عظيمة التأثر بالمياه الباطنية.
وتوجد أربعة أنواع من المياه الباطنية:
(أ) مياه باطنية عذبة أو ملحة, إختزنت في صخور رسوبية أثناء عمليات ترسيبها ومازالت تحتويها هذه الصخور حتى وقتنا الحالي, وتعرف بالمياه الحفرية .
(ب) مياه باطنية عذبة ترتبط بعمليات النشاط الناري, أو تحرك كتل من الصهير فوق قشرة الأرض أو صوب سطحها, وما ينجم عن هذه الحركة من إنطلاق مياه ساخنة تحتوي على بعض العناصر المعدنية, ثم إختزانها في الفراغات البينية التي توجد بين جزيئات الصخر, وتعرف هذه المياه عادة بمياه الصهير أو المياه الحديثة.
(ج) مياه باطنية ملحة, توجد تحت سطح الأرض في المناطق الساحلية وترجع هذه المياه أصلاً إلى مياه المحيطات والبحارالتي تتسرب في صخور اليابس وتكويناته وتسمى بالمياه البحرية أو المحيطية .
(د) مياه باطنية عذبة مستمدة من مياه الثلوج أو الأمطار التي تتسرب في باطن الأرض وتسمى بالمياه الجوفية لأنها ترتبط بظواهر الطقس والجو ممثلة في ظاهرة التساقط. وبمثل هذا النوع أهم أنواع المياه الباطنية.
فمياه الأمطار إذن, تمثل المصدر الرئيسي لأهم أنواع المياه الباطنية, ويتوقف تسرب هذه المياه إلى باطن الأرض على نوع الصخور, وما إذا كانت هذه الصخور من النوع المتماسك أو النوع غير المتماسك, فمياه الأمطار عندما تسقط فوق منقطة تتألف من رمال سائبة, سرعان ما تتسرب عقب سقوطها في تكوينات الرمال التي تكاد تختفي منها المجاري السطحية للمياه, كما أنه إذا ما سقطت مياه الأمطار على منطقة تتألف من صخور رملية أو طباشيرية فلابد أن يتسرب جزء كبير منها خلال هذه الصخور المتماسكة على وجود الشقوق والمفاصل فيها إذ تتسرب مياه الأمطار في جوف الأرض إذا ما هطلت فوق منطقة تتألف من صخور جيرية كثيرة الشقوق والمفاصل. ويمكن القول بصورة عامة, بأن مياه الأمطار عندما تتساقط على منقطة متدرجة النحدار تقع في عروض معتدلة, وتنقسم إلى ثلاثة أقسام شبه متساوية: قسم يجري على سطح الأرض في صورة أنهار ومجار مائية, وقسم ثان يتسرب إلى باطن الأرض, وقسم ثالث يعود إلى الجو ثانية على شكل بخار قبل ملامسته لسطح الأرض.
وتنقسم الصخور على أساس علاقتها بحركة المياه الباطنية إلى نوعين رئيسيين:
1- صخور منفذة للمياه تسمح بأن تغور مياه الأمطار في باطن الأرض عن طريق الفراغات البينية التي توجد بين جزيئات الصخر, أو خلال الشقوق والمفاصل والفجوات التي توجد به.
2- صخور غير منفذة للمياه , ولا تسمح بتسرب مياه الأمطار ونفاذها إلى باطن الأرض, إما لأنها غير مسامية, أو لعدم وجود الشقوق والمفاصل بها, أو لتعرض المياه التي توجد في الفراغات الواقعة بين جزيئاتها للتجمد (كما هي الحال في الأقاليم القطبية) مما لا يسمح بنفاذ الماء وتسربه.
فكأن خاصية إنفاذ المياه تتوقف على شروط عديدة غير شرط مسامية الصخر (التي يقصد بها كبر الفراغات البينية التي توجد بين جزيئاته. أو غلظ وخشونة المواد التي يتألف منها الصخر وقلة إلتحامها ) ومن هذه الشروط, وجود الشقوق والمفاصل والفجوات بصورة ملحوظة, بالصخور المنفذة , كما يجب ألا تتجمد المياه التي تملأ الفراعات البينية التي توجد بين جزيئات الصخر, لأن هذا التجمد لابد أن يجعلها غير منفذة للمياه حتى ولو تميزت هذه الصخور بمساميتها وكثرة تشققها, فكأ، هنالك فرقاً كبيراً بين مسامية الصخر ودرجة إنفاذه للمياه, فصخر الجرانيت مثلأ, صخر غير مسامي ولكن مياه الأمطار تتسرب وتغور فيه بسهولة وذلك لكثرة شقوقه ومفاصله. كما أن بعض أنواع من الصخور الطينية التي تتألف من جزيئات دقيقة ناعمة تفصلها عن بعضها البعض فراغات بينية صغيرة ودقيقة, يمكن أن تدرج في قائمة الصخور المسامية, إلا أن كثرة المسام لا تسمح بنفاذ المياه وتسربها وخصوصاً إذا ما إمتلأت الفراغات البينية بالمياه, فكأن الصلصال يستطيع أن يحتفظ بالمياه ولكنه نادراً ما يسمح بنفاذها خلاله.
وتعرف الطبقة التي تنفذ خلالها المياه, والتي تستطيع إختزان هذه المياه إذا كانت ترتكز فوق طبقة أخرى غير منفذة لها, بخزان الماء الجوفي . فلابد إذن, لكي تتحول أي طبقة منفذة للمياه, إلى خزان للمياه الجوفية, فلابد من أن تمتد أسفلها طبقة أخرى صماء أو غير منفذة للمياه, إلى خزان للمياه الجوفية أو غير منفذة للماء تحول دون تسرب مياهها إلى باطن الأرض. ومع أننا كثيراً ما نلاحظ أن بعض الماء الذي تحتويه الطبقة الصخرية المنفذة للمياه, يعود إلى سطح الأرض مرة ثانية بواسطة القوة الشعرية (وخصوصاً في الأقاليم الجافة), أو بما تمتصه جذور النبات, إلا أن جزءاً عظيماً من مياه هذه الطبقة يبقى فيها ويتغلغل في باطنها, ويقوم بدور هام في تشكيل قشرة الأرض.
وتوجد المياه الجوفية - في معظم الأحوال - تحت سطح الأرض على منسوب معين هو الذي يعرف بمستوى الماء الباطني . ويختلف هذا المنسوب عمقاً من مكان إلى آخر, فيكون قريباً من سطح الأرض في المناطق الرطبة الغزيرة الأمطار, والقريبة من البحار والأنهار. ويكون بعيداً عن سطح الأرض في المناطق الجافة. ويكاد يتمشى مستوى المياه الباطنية إلى حد كبير مع شكل التضاريس التي يتألف منها سطح الأرض, وكثيراً ما يتقاطع هذا المنسوب مع سطح الأرض في المناطق المنخفضة, كالأودية والمنخفضات, فيصبح جزء من هذا السطح تحت مستوى المياه الباطنية, ومن هنا تنشأ المستنقعات والبطائح المائية.
ويمكننا بصورة عامة أ، نميز ثلاث طبقات واضحة, لكل منها خصائص معينة فيما يتصل بعلاقتها بالمياه الجوفية:
(أ) طبقة غير حاوية للمياه الجوفية أو عديمة التشبع وهي التي توجد على سطح الأرض مباشرة, وهي لا تتشبع بالمياه إلا إذا كانت توجد بعض المياه الراكدة على سطح الأرض في صورة مستنقع أو بحيرة, تمر بهذه الطبقة وتتسرب خلال مسامها وشقوقها مياه الأمطار وهي في طريقها إلى خزانها الرئيسي في باطن الأرض. وتحتوي الترية السطحية على كمية محدودة من المياه هي التي تمتصها جذور النبات وعلى هذا يمكن القول بأن هذه الطبقة منفذة للمياه ولكنها لا تختزنها.
([) طبقة متقطعة التشبع وتنحصر هذه الطبقة بين أعلى منسوب يصل إليه مستوى المياه الباطنية بعد فترات الأمطار الغزيرة, وبين أدنى منسوب يهبط إليه في فصل الجفاف. وهذا يعني إنه إذ حفرت آبار في هذه الطبقة فلابد أن تكون فصلية وليست مستديمة.
(ج) طبقة مستديمة التشبع وهي التي تستقر فيها مياه الأمطار التي يمنع تسربها إلى باطن الأرض وجود طبقة صماء في أسفلها. ومعظم الآبار التي تحفر إلى أ، تصل إلى هذه الطبقة, آبار عميقة قد يزيد عمقها في بعض الأحيان على الثلاثة آلاف قدم.
من هذا نرى أن مستوى المياه الباطنية يعلو في بعض الجهات وينخفض في جهات أخرى مما يؤدي إلى تحرك المياه ابلاطنية من الجهة التي يعلو فيها هذا مستوى إلى الجهة التي يكون مستواه فيها منخفضاً. كما أن هذا المستوى لا يتميز بأنه عبارة عن منسوب ثابت, لأن غزارة الأمطار في فصل من فصول السنة لابد أن تؤدي إلى إرتفاع منسوب المياه الجوفية إرتفاعاً واضحاً. على أننا يجب أن نلاحظ دائماً أن حركة إرتفاع المياه الباطنية أو هبوطها خلال مسام الصخر وشقوقه حركة بطيئة تستغرق وقتاً طويلاً لكي تتم. فإذا كان فصل الشتاء هو فصل سقوط الأمطار فلابد أن تنقضي فترة من الوقت لكي يرتفع منسوب المياه الجوفية وغالباً ما يحدث هذا الإرتفاع في الربيع أو في أوائل فصل الصيف. وتتوقف المدة التي يستغرقها تسرب مياه الأمطار في صخور القشرة - مما يؤدي إلى رفع مستوى المياه الجوفية - على عوامل عديدة منها: درجة إنفذا الصخر للمياه, ودرجة ميل الطبقات الحاوية للمياه الجوفية, وكمية الأمطار التي تتساقط على الإقليم.
الينابيع: تختلف الينابيع إختلافاً كبيراً عن الآبار الإعتيادية, إذ تتميز مياهها بأنها تتدفق وتنبثق فوق سطح الأرض إنبثاقاً طبيعياً, بينما يشترط في الحصول على مياه الآبار, أن تحفر بئراً في صخور القشرة حتى تبلغ خزان المياه الجوفية, أو الطبقة المتشبعة بالمياه بمعنى آخر, ثم ترتفع منها المياه بعد ذلك إلى سطح الأرض. لابد بطبيعة الحال من توافر شروط جيولوجية معينة هي التي تساعد على تكون الينابيع, ويمكن إيجاز هذه الشروط فيما يلي:
(أ) من أكثر أنواع الينابيع شيوعاً, ذلك النوع الذي يرتبط وجوده بحافات صخرية ذات طبقات مائلة, وذلك في المناطق التي تتكون بصفة خاصة من صخور جيرية أو طباشيرية, إذ تتدفق المياه الباطنية - في مثل هذه المناطق - تدفقاً طبيعياً نحو سطح الأرض في صورة ينابيع تظهر, إما عند حضيض الحافة الصخرية , أو على طول السفح الذي تميل نحوه الطبقات الجيولوجية.
(ب) إذا أصيبت منطقة من المناطق بصدع, بحيث يؤدي هذا الصدع إلى هبوط أحد جانبيه (على طول محور الصدع ذاته) مما يؤدي إلى أن تهبط طبقة غير منفذة للمايه عن وضعها الأول, وتصبح واقعة جنباً إلى جنب مع طبقة أخرى منفذة للمياه, فلابد أن تعمل الطبقة الصخرية غير منفذة للمياه - في هذه الحالة - على حجز المياه الجوفية, ورفع منسوبها ثم تدفقها بعد ذلك على شكل ينبوع عند نقطة التصدع.
(ج) إذا سقطت الأمطار على سلسلة جبلية ثم إنسابت منها على هيئة سيول, فسرعان ما تتسرب مياه هذه السيول في رواسب الرمال والحصى التي تملأ أوديتها. وإذا ما إعترض مسير هذه المياه في بطن الوادي سد رأس قاطع للطبقات فلابد أن يعمل على حجزها ورفع منسوبها, ويصبح بمثابة سد باطني يؤدي إلى تجمعها ويعوق سيرها. ويتكون في هذه الحالة خزان طبيعي للمياه الجوفية تتدفق منه المياه إلى سطح الأرض تدفقاً طبيعياً.
وجدير بالذكر أن البدو من سكان الصحاري المصرية لا يفرقون أدنى تفرقة بين الينابيع والآبار, إذ يطلقون لفظة "[ئر" على كلا انوعين, وكل ما يهمهم معرفته, هو أن هنالك آباراً (أو ينابيع) قليلة التصريف المائي هي التي يعرفونها بالمجلات (جمع مجل), وغيرها غزير التصريف, ويجب أن نضيف هنا, أن مياه الينابيع تنبثق إلى سطح الأرض من أي نوع من أنواع الصخور, فمنها ما تتدفق مياهه من صخور رملية, ومنها ما تخرج مياهه إلى سطح الأرض خلال صخور من نوع السربنتين أو غيره من الصخور القاعدية التي يشتد تفتتها. أما الصخورالجرانيتية, فنظرأً لقلة تشققها وإنعدام مساميتها, فيندر أن تتدفق منها المياه على شكل ينابيع. ويمكن القول بصورة عامة, أن أكثر مياه الينابيع جودة, وأصلحها للإستهلاك الآدمي, تلك التي تتدفق من صخور ترتفع بها نسبة السيلكا (كالصخر الرملي). أما المياه التي تنبثق من صخور كالسربنتين أو الجابرو, لترتفع بها مركبات الجير أو الماغنسيوم فهي في أغلب الأحوال آسنة ترتفع بها نسبة الملوحة إلى درجة قد تعاف معها الجمال شربها.
الآبار الإرتوازية : تظهر الآبار الإرتوازية إذا مالت الطبقات الصماء التي تحتوي فيمابينها الطبقة المنفذة للمياه والمتشبعة بالمياه الجوفية (أو خزان المياه الجوفي ) ميلاً متقارباً بحيث تظهر هذه الطبقة وكأنها منثنية إنثناء مقعراً, فلابد أن يساعد هذا على تكوين حوض أرتوازي تختزن فيه المياه الباطنية حتى إذا حفرت لها بئر في وسط الإنثناء, ففي هذه الحالة تصعد المياه إلى سطح الأرض بقوة هيدروستاتكية (قوة إندفاع المياه إلى أعلى إندفاعاً طبيعياً) لكي تعادل منسوب الماء الأعلى في الطبقة المسامية المقعرة. فكأن الآبار الإرتوازية والحالة هذه - لا تظهر أو تتكون إلا إذا توافرت شروط جيوةلوجية معينة كوجود ثنية إلتوائية مقعرة, أو منطقة حوضية تحدها حوائط مرتفعة بحيث تندر من جميع الجهات صوب قاعها, وتكاد هذه الشروط تتوافر في بعض مناطق من العالم: كحوض لندن الإرتوازي - إذ إن مدينة لندن تستمد نسبة كبيرة من المياه التي تستهلكها من باطن الأرض, والأحواض الإرتوازية الستة التي توجد في قارة أستراليا والتي تستمد منها المياه التي تستمد المياه الباطنية من طبقة من الصخور الرملية, تنتمي إلى العصر الجوارسي, وتمتد في باطن الأرض على مساحة هائلة تزيد على نصف مليون ميل مربع, وتتجمع المياه من الأمطار الغزيرة التي تتساقط على المرتفعات الشرقية من القارة. وتتميز الآبار التي تحفر في هذه الأحواض الإرتوازية بأنا متناهية في العمق, إذ كثيراًِ ما يزيد عمقها على الميل, كما أن المياه التي تندفع منها تختلط بها كميات طفيفة من الأملاح, ولهذا تستخدم في إرواء الماشية وليس في أغراض زراعية. وتكاد تتركز أكبر الأحواض الإرتوازية في هذه القارة في قسمها الشرقي, على طول إمتداد المنحدرات الغربية لسلاسل جبالها الشرقية, حيث يوجد حوض مري في الجنوب, والحوض الإسترالي العظيم في الشمال.أما الأحواض الأربعة ألخرى فأقل مساحة وأهمية وتوجد جمعيعها بالقرب من السواحل الغربية والجنوبية للقارة وتتمثل هذه الأحواض في:
(أ) حوض يوكلا الذي يمتد على طول الجزء الأوسط من ساحل اقارة الجنوبي المطل على الخليج الإسترالي العظيم .
(ب) الحوض الصحراوي في شمال القارة ويطل على بحر تيمور.
(ج) الحوض الشمالي الغربي ويمتد على طول القسم الشمالي من الساحل الغربي للقارة.
(د) حوض السهل الساحلي ويمتد على طول القسم الجنوبي من الساحل الغربي, وهو الذي يمد مدينتي بيرث , وفريمانتل بنسبة كبيرة مما تستهلكه من مياه.
ولا يوجد في الإقليم المصري من الآبار ما ينطبق عليه الوصف العلمي الصحيح للآبار الإرتوازية, بل كل ما في وادي النيل والدلتا من الآبار, هي الآبار الإعتيادية التي تتستمد مياهها من طبقات رملية حصوية ترتكز فوقها الرواسب الطينية الفيضية. ويخترق مجرى النيل طبقات الرمل والحصى هذه مما يؤدي إلى تسرب مياهه إليها تسرباً جانبياً فتتشبع بالمياه, ولهذا يجد النهر في المياه التي تحتويها هذه التكوينات الرملية الحصوية مورداً آخر يغذيه في أوقات التحاريق التي ينخفض فيها منسوب مياهه. وبهذه الطريقة يعود إلى النهر قدر كبير من المياه التي تسربت جانبياً في الطبقات الرملية التي يتعمق مجراه خلالها.
أما منخفضات الصحراء الغربية, كالخارجة, والداخلة, والبحرية, والفرافرة, فيرجع خصبها في وسط هذه الصحراء الجدباء إلى وجود عيون متفجرة وآبار أقرب ماتكون إلى الآبار الإرتوازية الصحيحة. وتستمد هذه الآبار معظم مياهها من طبقة الخرسان النوبي المتشبعة بالمياه, وتبدأ هذه الطبقة فوق سطح الأرض على سفوح جبال عنيدي ودارفور في غرب السودان, وعندما تهطل الأمطار على هذه المرتفعات تمتصها الصخور الرملية التي تختفي تحت طبقات أحدث كلما إتجهنا شمالاً, وتنحدر المياه مع ميل هذه الصخور وإنحدارها, صوب الشمال لتظهر على شكل آبار وينابيع في منخفضات الصحراء الغربية. وتختلف وتتفاوت مناسيب المياه الجوفية في منخفضات الصحراء الغربية إذ بينما نجد مستوى الماء الباطني في الواحات الخارجة على عمق يتراوح بين 650, 700 متر تقريباً نجده في الواحات الداخلة على عمق يتراوح بين 300, 400 متر تقريباً.
العيون الحارة: قد تبلغ المياه المتسربة في باطن الأرض عمقاً كبيراً في بعض الأحيان فتكتسب حرارة عظيمة. وليس أدل على إرتفاع درجة حرارة المياه الجوفية كلما إزداد عمقها من أن درجة حرارة المياه المستمدة من آبار الواحات المصرية تتراوح في المعتاد بين بين 24 درجة مئوية, و40 درجة مئوية, هذا على الغرم من أن منسوب المياه الباطنية في هذه الواحات ليس بالغ العمق. ومعنى هذا أنه كلما إزداد عمق المياه الجوفية إرتفعت درجة حرارتها. وإذا ما وجدت في التكوينات الصخرية العليا التي تمتد فوق سطح الأرض مباشرة بعض الإنكسارات والشقوق, أو إعتراض الطبقة العميقة الحاوية للمياه الجوفية قاطع صخري, فلابد أن تخرج المياه إلى سطح الأرض في صورة عيون شديدة الحرارة هي التي ترعف بالعيون الحارة. ومثل هذه العيون معروف بالإقليم المصري وخصوصاً على شواطئ خليج السويس ومن أحسن أمثلتها, عيون حمام فرعون على الساحل الشرقي لخليج السويس (في شبه جزيرة سيناء) التي تبلغ درجة حرارة المياه المتدفقة منها حوالي 70 مئوية.ولابد بطبيعةالحال من أن تؤثر مثل هذه المياه في صخور قشرة الأرض, ويرجع هذا أولاً وقبل كل شئ إلى أن هذه المياه بحكم ما تكتسبه من الغازات,وخصوصاً ثاني أكسيد الكربون لها مقدرة كبيرة على إذابة بعض المواد المعدينة,فإذا تخللت صخوراً جيرية مثلاً, إستطاعت أن تذيب منها مقداراً كبيراً من كربونات الكالسيوم حتى إذا تدفقت بعد ذلك على سطح الأرض في شكل عيون, كانت هذه العيون جيرية وتترسب من مياهها بعض المواد الجيرية أو الترافرتين التي تتراكم حول فوهة العين أو بالقرب منها.
وإذا تخللت المياه الساخنة طبقات تحتوي على مركبات الحديد أو الكبريت, تكونت عيون حديدية أو كبريتية. ومن الطبيعي أن تكون مياه العيون الحارة معدنية (أي تحوي الكثير من العناصر المعدنية المذابة) أكثر من غيرها, ويرجع هذا إلى أن الماء الساخن أكثر قدرة من المياه على إذابة المواد المعدنية التي تتألف منها الصخور. ولهذا نجد أن أغلب العيون الحارة, إما عيون كبريتية (كعيون حلوان وحمام فرعون), أو سيلكية, أو جيرية, أو بها أملاح الكلور أو الماغنسيوم).
ومما لاشك فيه أن الصخور الجيرية تتأثر بالمياه الباطنية تأثراً بالغاً يفوق تأثر بقية الأنواع الصخرية الأخرى. ومن أحسن المناطق التي درست تكويناتها الجيرية دراسة دقيقة إقليم كارست بجمهورية سلوفينيا, وهو إقليم واسع يمتد على شكل نطاق كبير يسير موازياًَ للبحر الأدرياتي ويضم معظم جهات ساحل دالماشيا , كما يمتد هذا الإقليم نحو الشمال ليضم المناطق الشمالية الشرقية من إيطاليا. وتتميز هذا الإقليم بمجموعة من الظاهرات الجيومروفية الفريدة في نوعها تكاد ترتبط كلها بما ينجم عن عمليات الإذابة بفعل المياه الباطنية.ولكلمة "كارست" دلالة خاصة, إذ أصبحت تطلق على كل الظاهرات الجيومورفية المماثلة التي توجد في مناطق التكوينات الجيرية في أية جهةمن جهات العالم.
توزيع أقاليم الكارست في العالم: على الرغم أن الصخور الجيرية صخور واسعة الإنتشار على سطح الأرض, إلا أن ظاهرات الكارست الحقيقة لا تظهر إلا في مناطق محدودة بالإضافة إلى منطقتها الرئيسية في يوغوسلافيا (السابقة). إذ تظهر في أقليم كوس بجنوب فرنسا, وفي إقليم كوس بجنوب فرنسا, وفي إقليم الأندلس باسبانيا, وفي شبه جزيرة المورة باليونان, وفي القسم الشمالي من شبه جزيرة يوكوتان بأمريكا الوسطى, وفي جزيرة جمايكا . والقسم الشمالي من بويرتوريكو , وغربي جزيرة كيوبا . وكل هذه الجزائر من مجموعة جزر الهند الغربية. كما تتمثل ظاهرات الكارست أيضاً في السهل الساحلي المطل على الخليج الأسترالي العظيم, وفي الإقليم الأوسط من شبه جزيرة فلوريدا, وفي مناطق أخرى متفرقة من الولايات المتحدة, كما هي الحال في فرجينيا , وتنيسي , وجنوب ولاية إنديانا, والقسم الأوسط من غرب كنتاكي , ولا تظهر بطبيعة الحال كل الظاهرات الجيومورفية المرتبطة بالكارست في جميع هذه المناطق, إذ قد يظهر بعضها في بعض المناطق دون الأخرى, إنما يمكن القول بصورة عامة بأن المظهر العام للاندشافت الطبيعيفي مثل هذه المناطق يرتبط أوثق أرتباطاً بما ينجم عن عمليات الإذابة من ظاهرات جيومورفية تتمثل في البالوعات والكهوف , والأنفاق الباطنية . . . إلى غير ذلك من ظاهرات الكارست.
وتوجد نفس ظاهرات الكارست ولكن بصورة مخففة في بعض جهات جبال جورا والألب والأبناين, وفي المناطق الطباشيرية بإنجلترا أو فرنسا. وتتميز ظاهرات الكارست في كل هذه المناطق بأنها لم تكتمل بعد ولم تتضح معالمها بل مازالت في طور التكوين.
شروط تكون ظاهرات الكارست: لابد من توافر شروط معينة لكي تتكون ظاهرات الكارست المثالية, ويمكننا إيجاز هذه الشروط فيما يلي:
أولاً: لابد من وجود طبقات صخرية قابلة للأغذابة على سطح الأرض أو بالقرب منه. ومن المعروف أن الصخور الجيرية أكثر قابلية للإذابة من صخر الدورلومايت الأكثر صلابة, أو الطباشير .
ثانياً: لابد أن تكون هذه الصخور القابلة للذوبان كثيفة, وكثيرة الشقوق والمفاصل, ويستحسن أن تكون الطبقات التي تـألف منها طبقات رقيقة. وكثيراً ما كان يظن خطأ من قبل, أن أهم الشروط التي يجب أن تتوافر لحدوث ظاهرات الكارست, هو كون الطباقت الصخرية القابلة للإذابة مسامية منفذة للمياه. ولكننا نرى أنه كانت هذه الصخور مسامية فإن هذا يعني أن مياه الأمطار تتحرك خلال كتلة الصخر كلها, دون أن تتركز على طول خطوط محدودة هي مناطق الشقوق والمفاصل, وهذا هو السبب في أن ظاهرات الكارست لم تكتمل أو تنضج في المناطق الطباشيرية بإنجلترا وفرنسا, إذ أن, الصخور الطباشيرية صخور كثيرة المسام تحمل قدراً كبيراً من المياه ومن خوصها المميزة أن المياه إذا تسربت خلالها تحركت في كتلة الصخر كلها ولا تتركز على طول مفاصل أو شقوق بحيث تؤدي إلى توسيعها.
ثالثاً: لابد من سقوط كميات كبيرة من الأمطار, وكلما إزدادت غزارة الأمطار, كان هذا مدعاة لإكتمال ظاهرات الكارست. ولهذا نجد أن ظاهرات الكارست, يندر يندر تكونها في الأقاليم الجافة , بإستثناءمناطق من هذه الأقاليم هي التي شهدت في البلاستوسين عصراً مطيراً, تكونت إبانه معظم ظاهرات الكارست, كما هي الحال في منطقة التكوينات الجيرية بشبه جزيرة يوكوتان.
بعض الظاهرات الجيومورفية التي توجد بأقاليم الكراست: تتميز أقاليم الكارست في شتى جهات توزيعها بظاهرات جيومروفية عديدة لابد أنت نجد بها بعض الإختلاف والتباين نتيجة إختلاف الظروف التي تتكون فيها في شتى مناطق توزيعها. وسنحاول في الصفحات القليلة المقبلة أن نوجز بعض الظاهرات الأكثر شيوعاً وإنتشارً والتي نجدها مشتركة ومتشابهة في أقاليم الكارست العديدة.
أولأً: أرض الحمراء : ويتكون هذا النوع من التربة فوق التكوينات الجيرية في جنوب القارة الأوروبية بصفة خاصة. وهي عبارة عن المواد الصلصالية والطينية (التي ترتفع بها نسبة أكاسيد الكالسيوم والألومنيوم) التي تخلفت عن تعرض التكوينات الجيرية لعمليات الإذابة, وزوال مادة كربونات الكساليوم التي كانت تحتويها بفعل مياه الأمطار وما يندمج بها من غاز ثاني أكسيد الكربون. ويدل تراكم مثل هذه التكوينات الطينية الصلصالية على أن التكيونات الجيرية التي تخلفت عنها لم تكن نقية بل كانت تكثر بها الشوائب الطينية, وكلما إزدادت نقاوتها قلت مخلفاتها بعد تعرضها لعملية الإذابة. وتتفاوات هذه التربة الحمراء (التي تتكون جنوب فرنسا أو سهل الأندلس إلى عدة أقدام, كما أنها أكثر إكتمالاً في المناطق المسطحة أو المتدرجة الإنحدار, ولكنها تختفي إختفاءً تاماً من سفوح المنحدرات الشديدة.
ثانياً: ظاهرة البوجاز : وتكون هذه الظاهرة في المناطق المتضرسة من التكوينات الجيرية وهي تلك المناطق التي تختفي منها التربة الحمراء, ولاينمو فوقها غطاء نباتي. وقد تمكن اليوغوسلافي "يوفان شفييك " (1924) من راسة ظاهرة البوجاز في إقليم الكارست بساحل دلماشيا, وذكر أن هذه الظاهرة لا تتكون إلا في المناطق الجيرية النائتة الصخور والتي تتميز بخلوها من أي غطاء نباتي, وهي لهذا يندر تكونها في المناطق السهلة الأفقية الطبقات, إذ تتسرب مياه خلال الصخور النائتة, فتذيب قدراً كبيراً من المواد الجيرية مما يساعد على توسيع شقوق هذه الصخور ومفاصلها, وتستمر هذه العملية بسرعة وإطراد حتى لا يبقى من التكوينات الجيرية إلا كتل منفصلة مشرشرة, ذات سطوح كثيرةالتذبذب. وتتحكم في عملية الإذابة التي تؤدي إلى تكونظاهرة البوجاز هذه, عوامل عديدة هي التي تؤثر في سرعة قيامها بعملها وفي الإتجاه الذي تعمل فيه, ومن هذه العوامل: درجة إنفاذ الصخر لمياهالأمطار, وجود المفاصل وخطوط الإنفصال, وجود بعض عقد في التكوينات الجيرية, وكمية الأمطار.
ثالثاً: ظاهرة البالوعات أو الحفر الغائرة : وهي من أكثر الظاهرات الجيومروفية - التي توجد باقاليم الكراست شيوعاً وإنتشاراً, إذ يكاد لا يخلو منها أي إقليم من أقاليم الكراست. وتوجد مثل هذه البالوعات بأعداد كبيرة في مناطق التكوينات الجيرية, فقد وجد الجيومورفلوجي الأمريكي "مالوت " (1945) من دراسته لظاهرات الكراست بولاية إندياينا, أن عدد هذه البالوعات في الميل الواحد المربع من الأرض يبلغ 1022 بالوعة, وعلى هذا قدر مجموعة ما يوجد منها بالقسم الجنوبي من هذه الولاية بأكثر من 300.000 بالوعة. وهذا يدل على أن ظاهرة البالوعات في مناطق الكراست تمثل في واقع الأمر أوضح ظاهرة جيومروفية باللاندشافت الطبيعي.
وتتفاوت البالوعات تفاوتاً كبيراً في مساحتها وعمقها, فقد لا تزيد مساحة بعضها على بضع ياردات مربعة, وقد تصل مساحة بعضها الآخر ما بين 10, 30 قدماً, وقد يغور بعضه في داخل التكوينات الجيرية مائة قدم أو أكثر. ومعظم هذه البالوعات ذات شكل قمعي بحيث تصل إلى أقصى إتساع لها فوق سطح الأرض. وتزداد ضيقاً كلما غارت - وتعمقت فيها, ولذا تبدو كأنها متصلة بالمجاريس السفلية التي تمتد تحت الأرض بما يشبه الأنابيب.
ويمكنناأن نميز بين نوعين رئيسيين من هذه البالوعات, نوع يتكون ببطء ملحوظ بفعل عملية الإذابة التي تواصل عملها في الصخور الأصلية بشرط ألا تكون هذه الصخور جراه عارية, وأن تتكون فوقها تربة واضحة المعالم كاملة التكوين بحيث تؤدي إلى وجود غطاء نباتي. وأما النوع الآخر فيتكون نتيجة إنهيار الصخور الجيرية السطحية, فوق شرخ أو مفصل إزداد إتساعه بفعل عملية الإذابة وتعرف البالوعات التي تنتمي إلى النوع الأول, بالدوليناس (كلمة صربية شائعة في إقليم الصرب بيوغوسلافيا) أو ال (يمكنأن تسمى ببالوعات الإذابة ), أما بالوعات النوع الثاني فتعرف عادة بالبالوعات الإنهيارية , وهي أقل شيوعاً من الدوليناس, وتختلف عنها في أن جوانبها صخرية شديدة الإنحدار نحو قاعها, كما أنها ليست مستديرة أو بيضاوية. ولابد بطبيعة الحال من أن تنصرف نسبة كبيرة من المياه التي تجري جرياناً سطحياً - في مناطق الكارست - إلى هذه البالوعات وسرعان مانجد بها بعض المسارب الباطنية التي توسعها وتتجمع فيها.
وكثيراً ما تندمج البالوعات المتجاوة (وذلك في المناطق التي قد يصل فيها عددها إلى بضع مئات ف يالميل المربع نم الأرض) بعد أن تزداد أطوال أقطار كل منها وتتسع مساحاتها, ويتكون إزاء هذا منخفض كبير قد تصل مساحته إلى عدة أفدنة مربعة. ويسمى مثل هذا المنخفض بالبالوعة المركبة .
وقد سبق ن ذكرنا أن المجاري المائية السطحية تكاد تختفي تمامأً ن سطح الأرض في مناطق التكوينات الجيرية, وتشق لنفسها مجاري باطنية ذات سقوف. وكثيراً ما تنهار بعض أجزاء من هذه السقوف بحيث يمكن عن طريقها رؤية مجرى النهر الباطني, وقد أطلق "مالوت" على مثل هذه الأجزاء المنهارة من سقوف الأنهار الباطنية إسم نوافذ الكارست , ويتراوح إتساعها من بضع بوصات إلى بضع كيلومترات. وتعرف الفتحات الكبيرة منها في إقليم بوزنيا بالأوفالا .
وهناك نوع آخر من البالوعات هو الذي يعرف ب"البوليي " وهي تسمية يوغوسلافية (شائعة في البوسنة) تطلق على الأحواض الطولية الشكل التي تتميز بأن أرضها مسطحة مستوية, وتحيط بها حوائط مرتفعة من كل جهاتها, وتكون في المناطق الجيرية التي تعرضت للهبوط سواء بحركات من الإلتواء أو الإنكسار. وكثيراً ما تصل مساحة بعض أحواض البوليي المثالية إلى عدة أميال مربعة. ويوجد عدد كبير منها في شبه جزيرة البلقان, وأكبرها حوض ليفنو بغرب يوغوسلافيا الذي يبلغ طوله 40 ميلاً ويتراوح إتساعه ما بين ثلاثة وسبعة أميال. فكأن هنالك إذن ظروفاً جيولوجية معينة هي التي تؤدي إلى تكون أحواض البوليي بعمليات الإذابة.
رابعاً: الأودية الباطنية والعمياء: تتميز المناطق التي تـتألف من طبقات جيرية أفقية أو قليلة الميل, بتعدد البالوعات والحفر الغائرة التي تعمل على تجميع كل المياه التي تجري جرياناً سطحياً فوق سطح الأرض مما يؤدي إلى إختفاء المجاري المائية السطحية تقريباً. وكثيراً ما تغور مياه جدول أو نهر صغير في بالوعة واحدة من هذه البالوعات فتحول إلى نهر باطني, وقد تغور في بعض هذه البالوعات أجزاء من مجرى نهر كبير قد يصل طولها إلى بعض أميال يجريها النهر في باطن الأرض قبل أن يعاود ظهوره فوق سطحها. ومن أمثلة هذه الأنهار: بولاية إنديانا, الذي تجري مياهه في باطن الأرض حوالي ثمانية أميال قبل أن يعاود ظهوره فوق سطح ألأرض, ونهر ريكا - القريب من مدينة تريست اليوغوسلافية - الذي يبلغ طول مجراه الغائص في باطن الأرض أكثر من 18 ميلاً.
وكثيراً ما تجف المجاري السطحية التي تغوص بعض أجزاء من مجاريها في جوف الأرض لفترة طويلة من السنة, ولا تمتلئ بالمياه إلا عقب سقوط أمطار عاصفة غزيرة لا تستطيع البالوعات إمتصاصه وإستيعابها, فتظل تجري على سطح الأرض, أو قد تتجمع المياه فيه بعد تلك الأمطار فتظهر على شكل بحيرة طولية مؤقتة تظل على سطح الأرض لفترة تتراوح بين بضعة أسابيع. وكثيراً ما تعرف المجاي السطحية التي تجف بعد أن تتحول مياهها إلى بحار أخرى باطنية, بالأودية العمياء . وينتج عن إمتلاء هذه الأودية العمياء عقب فترة أمطار غزيرة, حدوث فيضانات تهدد القرى والحقول في مناطق الكراست.
وقد يحدث أحياناً أن تعود مياه الأمطار الغائصة إلى سطح الأرض في صورة ينابيع تتفاوت تفاوتاً كبيراً في أحجامها وتصريفها, فتعود الأنهار إلى الجريان على سطح الأرض مبتدئة من عيون أو ينابيع في نقط أخرى في أسفل أوديتها. على أننا نرى أ، معظم الينابيع الصغيرة التي تظهر في أقاليم الكارست عبارة عن ينابيع تظهر فيها المياه بفعل الجاذبية , إذ تهبط المياه السطحية التي تجمعها البالوعات والحفر الغائرة في باطن الأرض حتى تصل إلى طبقة غير منفذة للمياه من الصلصال أو الطين المتماسك, فتتجمع فوقها, ثم تنحدر نحو أحد الأودية العمياء, وتخرج من جانب هذا الوادي على شكل عيون وينابيع, فتؤدي إلى تجمع المياه مرة أخرى في واديه الجاف أو الفارغ.
ومن الظاهرات الجيومورفية الهامة التي تحدث للمجاري المائية التي توجد في مناطق التكوينات الجيرية, سواء كانت هذه المجاري تجري في باطن الأرض أم على سطحها ظاهرة الأسر النهري الجوفي. وتحدث هذه الظاهرة إذا تمكن نهر سطحي من أن يعمق مجراه خلال تكوينات جيرية تقع قريبة من مجرى نهر باطني, إذ كثيراً ما تتحول مياه النهر السطحي إلى النهر الباطني الغائص عن طريق بعض المسارب الباطنية.
خامساً: البقايا السطحية لعملية النحت بفعل الإذابة: وتتمثل هذه البقايا السطحية في بعض التلال المنعزلة التي تظل مرتفعة عما يجاروها من مناطق واطئة, وذلك لأنها تتألف من صخور أكثر مقاومة لعملية الإذابة, وتتخلف هذه التلال بعد أن يتم "تخفيض" سطح الأرض في مناطق الصخور الجيرية في المرحلة الأخيرة من مراحل الدورة الجيورموفية التي تحدث في مثل هذه المناطق. وتعرف هذه التلال في يوغوسافيا بالهامز , وتطلق عليها أسماء عديدة أخرى في بقية أقاليم الكارست, إذ تعرف في بويرتوريكو بالبيبينو , وبالموجوتيز في جزيرة كيوبا. كما تعرف في فرنسا بال (في إقليم كوس في الجزء الجنوبي من هضبة فرنسا الوسطى). وتوجد أوضح الأمثلة لهذه التلال في إقليم الكارست بجزائر الهند الغربية, إذ يتراوح منسوب البيبينو بجزيرة بويرتوريكو فوق الأراضي الواطئة التي تحيط بها, ما بين 35, 300 قدم, وعادة ما توجد هذه التلال على شكل مجموعات متجاوةر, وتتميز جميعها بعدم إنتظام إنحدارها, إذ إن جوانبها الشرقية أشد إنحداراً من جوانبها الغربية, الشرقية التي تسود بإنتظام على الجوانب الشرقية مما يؤدي إلى إشتداد عملية الإذابة وإطرادها على طول الجوانب التي تواجه الرياح. وقد لاحظ "مايرهوف " (1938) أن ظاهرة عدم إنتظام منحدرات هذه التلال, تكاد تختفي تماماً من تلال الموجوتيز بجزيرة كيوبا التي تبدو مخروطية الشكل ذات إنحدار منتظم على طول كل جوانبها. وقد عزي هذا إلى أن أمطار جزيرة كيوبا من النوع التصاعدي .
سادساً: الكهوف : الكهف عبارة عن ممر طبيعي يوجد تحت سطح الأرض بحيث يخترق مفاصل الصخر وشقوقه. وقد تمتد هذه الكهوف في باطن الأرض إمتداداً أفقياً أو رأسياً, كما قد توجد على مناسيب عديدة وتظهر لها عدة طوابق. وقد تجري فيها مجار باطنية تتشعب في باطن الأرض, كما أنها كثيراً ماتكون خالية تماماً من المياه. ومما لاشك فيه أن إتجاهات المفاصل والشقوق التي توجد بالصخور الجيرية هي التي تحدد نمط هذه الكهوف والشكل العام الذي تظهر به.
وإذا تسربت مياه جيرية ترتفع بها نسبة أملاح الجير المذابة, إلى هذه الكهوف فقد تؤدي أحياناً إلى تكوين أعمدة رفيعة هي التي تعرف بالنوازل التي ترسب عند سقوف هذه الكهوف وتمتد صوب أرضها , وذلك لأن المياه المشبعة بالمادة الجيرية عندما تدخل إلى سقف الكهف تبقي عند فتفقد جزءاً مما تحويه من غاز ثاني أكسيد الركبون وترسب ما تحمله من كربونات الجير على هيئة بلورات يتزايد عددها وإمتدادها حتى يتكون عمود رقيق منها. وقد تسقط المياه الجيرية من سقف الكهف وتتراكم على أرضه حيث تترعض للتبخر وترسب مادة كربونات الكالسيوم المذابة بها, وتتكون أعمدة أخرى مقابلة للعود المتدلي من سقف الكهف, هي التي تعرف بالصواعد وهي تنمو إلى أعلى . وقد يتقابل العمودان ويشتبكان ويتكون عمود واحد سميك هو الذي يمكن أن نسميه بالعمود الجيري. وهنالك نوع آخر من أعمدة الترسيب الجيرية التي توجد في الكهوف ولا يشترط في نموها أن تمتد إمتداداً رأسياً, بل تنمو نمواً أفقياً, أو مائلاًِ على شكل خطوط منحنية وتعرف مثل هذه الأعمدة بالهاليستايت .
ويعتقد بعض الجيومورفولوجيين أمثال "لابازان" و "دي مارتون" و "مارتل " و "لوبك " و"مالوت" أن المجاري الباطنية التي تتشعب في التكوينات الجيرية ويتكون الكهوف والمغارات, لها كثير من خصائص الأنهار التي تجري فوق سطح الأرض. إذ إنها تقوم بعملها في النحت والهدم عن طريق عمليتي النحت الكيماوي والنحت الميكانيكي (أي النحت بقوة إندفاع المياه وما تحمله من مفتتات) معاً. ولكننا نرى في نفس الوقت أن "ديفز" وأعوانه قد أنكروا الدور التي تلعبه عملية النحت الميكانيكي أثرها محدود في هذا الصدد ولا يظهر إلا في ظروف محلية خاصة.ومما يؤيد الراي القائل بان عملية النحت الميكانيكي تسهم في تكوين الأنهار الباطنية والكهوف وجود كميات كبيرة من الصلصال والطين (والحصى في بعض الأحيان) في قيعان المجاري المائية والجوفية, كما ا،ه كثيراً ما تغطي مثل هذه الرواسب أراضي الكهوف. ولابد أن يؤدي تحرك مياه الأنهار الباطنية وما تحمله من رواسب, إلى توسيع جوانبها وتعميق مجاريها. ومن الأدلة الأخرى كذلك, وجود ظاهرة الحفر الوعائية في قيعان الكهوف والمغارات, كما قد توجد كذلك بعض الثنيات والمنحنيات.
الدورة الجيومروفية في مناطق الكارست: يتضح لنا من دراستنا للمظاهر الجيومورفية المرتبطة ابلكارست, أن المياه الباطنية هي العامل الرئيسي في تشكيل سطح الأرض في مناطق التكوينات الجيرية, وقد كان "وليام مرويس ديفز" أول من وجه الأنظار إلى أن سطح الأرض في المناطق الجيرية يمر بدور جيومروفية شبيهة إلى حد كبير بالدورة العادية للتعرية التي يمر بها سطح ألأرض في المناطق التي تشق فيها الأنهار السطحية مجرايها فوقه, كما بين "ديفز" أن العملية الجيومورفية الرئيسية التي تعمل من أجل هذا الغرض هي عملية النحت الكيماوي.وتبدأ الدورة الجيومورفية للكارست بإحدى الطريقتين الآتيتين:
1- يحدث حركة رافعة في قشرة الأرض تؤدي إلى رفع منطقة تـتألف من طبقات جيرية فوق مستوى القاعدة, ويترعض سطح هذه المنطقة في نفس الوقت لعوامل النحت النهري.
2- بإرتفاع منطقة ما فوق مستوى القاعدة, بحيث تتألف من صخور حطامية توجد على سطح الأرض مباشرة, وترتكز هذه الصخور على طبقات جيرية.
وفي كلتا الحالتين, تبدأ الدورة الجيومورفية بجريان المياه جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, ولكن تحول الجريان السطحي للمياه إلى رجيان باطني يتم طريقتين مختلفتني. فإذا كانت المنطقة التي تعرضت للإرتفاع تتكون من صخور تظهر على سطح الأرض أو بالقرب منه دون أن ترتكز عليها طبقات صخرية حطامية, فإن أول ما يحدث هو تعميق المجاري السطحية حتى تصل إلى مستويات قاعدتها, ثم يتم بعد ذلك توسيع الشقوق والمفاصل الرأسية - التي تنتشر في التكوينات الجيرية - وتعميقها, وتكيون البالوعات والحفر الغائرة, التي يتحول عن طريقها جزء كبير من المياه السطحية إلى باطن الأرض.
أما في المناطق التي تتميز بأن صخورها السطحية لا تقبل صخوراً حطامية غير قابلة للذوبان في الماء - كطبقات من شرائح الطين أو الحجر الرملي - ولكنها ترتكز على طبقات جيرية, فيتم تحول المياه من الرجيان السطحي إلى الجريان الباطني بطريقة معقدة تختلف تماماً عن الطريقة السابقة, وخصوصاً إذا كانت الطبقات السطحية الحطامية عظيمة السمك. وأول ما يحدث في هذه الحالة, هو تعميق الأنهار المتجددة الشباب (التي إنخفضت مستويات قاعدتها) لمجاريها خلال التكوينات الجيرية, وتتحول هذه المجاري إلى ما يعرف باودية الكارست التي هي عبارة عن أودية محفورة في تكوينات حطامية, وتتألف جوانبها من هذه الصخور, أما قيعانها فتتألف من صخور جيرية, وتمثل هذه الأودية المرحلة الإنتقالية بين الجريان السطحي والباطني. وكلما إزدادت هذه الأودية إتساعاً وعمقاً ظهرت البالوعات والحفر الغائرة التي تتضخم وتنتشر في بطون الأودية وجوانبها, ويتحول بعد ذلك جزء كبير من الأنهار التي تجري في تلك الأودية إلى مجار سفلية.
ويعد الجيومروفولوجي اليوغوسلافي "يوفان شفييك" من أحسن الذين درسوا الدورة الجيومروفية في أقاليم الكراست. وقسم المراحل التطورية التي يمر بها سطح الأرض في هذه الأقاليم إلى أربع مراحل رئيسية هي: مرحلة الشباب, ومرحلة النضج, ومرحلة النضج المتأخر , ومرحلة الشيخوخة.
وتبدأ مرحلة الشباب في نظر (شفييك) بجريان المياه جرياناً سطحياً فوق صخور جيرية يشترط أن يكون سطحها أعلى من مستوى المياه الباطنية. وتظهر مثل ههذ الصخور فوق سطح البحر, إذا ما ترعضت قشرة الأرض لحركة رافعة, أو إذا أزالت عوامل النحت طبقات أخرى كانت تعلوها.وتبدأ في هذه المرحلة عملية توسيع الشقوق والمفاصل التي توجد التكوينات الجيرية, ثم تعميقها, وتتكون في هذه المرحلة بالبالوعات وما يرتبط بها من ظاهرات جيومروفية أخرى, كما يتسرب جزء كبير من المياه السطحية في ابطن الأرض عن طريق هذه البالوعات,ولا تتكون الكهوف في هذه المرحلة, كما أن التصريف المائي الباطني لا يتم إكتماله فيها.
أما في مرحلة النضج, فتختفي المجري المائية السطحية, أو بعض أجزاء منها على الأقل, كما يصل التصريف المائي الباطني إلى أوج عنفوانه, وتنشط المجاري اتلمائية الباطنية في النحت, وتتكون في جوف الأرض, شبكة معقدة من الكهوف والمغارات التي تزداد أحجامها زيادة تدريجية.ويمكن القول بصفة عامة, أن ظارهات الكراست في مرحلة النضج تصل إلى نهايتها لاعظمى من الإكتمال والبلوغ, وتقتصر المياه التي تجري فوق سطح الأرض على بضعة أنهار صغيرة تنصرف مياهها إلى بالوعات عميقة, وعلى بعض الأودية العمياء , التي قد تمتلئ بالمياه عقب فترات الأمطار الغزيرة الفجائية.
وتمثل مرحلة النضج المتأخر بداية إنهيار وتلاشي معظم الظاهرات التي تكونت في المرحلتين السابقتين, إذ تنهار بعض أجزاء من سقوف الكهوف وتتكون نوافذ الكراست - التي سبق وصفها - وتزداد هذه النوافذ إتساعاً, وتتحول إلى ما يعرف بالأوفالات (النوافذ الكبيرة), كما تظهر فوق سطح الأرض بعض التلال المنعزلة التي تتخلف عنإذابة التكيونات السطحية وتخفيضها, وبإطراد عمليات النحتا اتلسطحي, ترق سقوف الكهوف شيئاً فشيئاًِ, حتى تتهدم وتنهار, وتنكشف المجاري السفلية تماماً.وتتميز مرحلة الشيخوخة بتحول المجاري المائية الباطنية مرة أخرى إلى مجار سطحية بعد أن تتلاشى الكهوف وتتم إزالتها, ولا تظهر فوق سطح الأرض إلا بعض التلال المنعزلة (الهامز أو البيبنو) التي تعتبر بمثابة البقايا التي تخلفت عن التكوينات الجيرية التي مرت عليها دورة الكراست الجيومورفية.
ومما يجدر ذكره هنا, أن المقصود من مراحل دورة الكارست هو توضيح الصورة العامة التي يظهر عليها سطح الأرض في مناطق التكوينات الجيرية, في كل مرحلة من مراحل الدورة, وكما سبق أن ذكرنا عند الكلام عن دورة التعرية النهرية من أن بعض الأنهار قد تظهر فيها خصائص الشباب والنضج والشيخوخة في آن واحد, يمكن القول با، بعض مناطق الكارست كذلك تتمثل في خصائص كل مرحلة من المراحل الأربع التي وضحها "شفييك". ومن الأمور الأخرى التي يجب أن نضعها في أذهاننا دائمأً, أن مراحل دورة الكارست الأربع مراحل متشابكة ومتداخلة بحيث لا يمكن في الواقع فصل إحداها عن الأخرى, مثلها في هذا كمثل مراحل دورة الترعية النهرية الثلاث.
الفصل التاسع: المظاهر الجيومورفية في الأقاليم الجافة
كانت الأقاليم الصحراوية حتى عهد ليس ببعيد, مناطق مجهولة مغلقة أمام جمهرة العلماء والمستكشفين, كما كان يكتنفها شئ كبير من الغموض ولم يرتدها في ذلك الوقت إلا بعض المغامرين والمخاطرين, ظلت على هذا النحو حقبة طويلة ثم أخذت أنظار العلماء بعد ذلك تتجه إليها, وأصبحت تلقى من إهتمامهم قدراً كبيراً وخصوصاً أن بعض الجيومورفولفوجيين والجيولوجيين كانوا على يقين من أن هناك من الفوارق بين الأقاليم الجافة والرطبة, ما يستوجب دراسة هذه المناطق دراسة علمية دقيقة, هذا فضلاً عن أن الأقاليم الجافة تشغل مساحة كبيرة من سطح الأرض تقترب من 30% من جملة مساحته.
وقد أسهم في نزع ستر الغموض عن هذه الأقاليم عدد كبير من العلماء نذكر منها بعض العلماء الإنجليز أمثال "باجنولد ", و"جون بول ", و"وليام فريزر هيوم ", و"بيدنل ". وقد إهتموا جميعاً بدراسة المظاهر الجيومورفية التي تظهر بالصحاري المصرية. كما ساهم في هذا المضمار عدد آخر منالعلماء الألمان أمثال "فالتر " و"بسارجة " وبعض الفرنسيين أمثال "جوتييه ". كما لاقت دراسة المناطق الصحراوية إقبالاً كبيراً من بعض العلماء الأمريكيين المعاصرين أمثال "برايان كيرك " و"بلاكويلدر " و"ملتون ", و"بيركي " و"موريس " (والأخيران درسا صحراء منغوليا) . . . وغيرهم كثير.
ويعتقد الأستاذ الأمريكي "بريستون جيمس " أن المناطق الصحراوية تكاد لا تخلو منها قارة من القارات, وتتشابه كل هذه المناطق فيما بينها تشابهاً عاماً في خصائصها المناخية والنباتية. ولكننانجد أن المناطق الصحراوية - رغم هذا التشابه - لا تظهر بصورة واحدة في كل جهات توزعها إنما تخلف وتتباين من جهة إلى أخرى. وتظهر هذه الإختلافات أقوى ما تكون في النواحي التضاريسية.
ومن أهم الخصائص التي تتميز بها المناطق الصحراوية, قلة الرطوبة وندرتها, وعلى الرغم من توافر عامل الحرارة, إلا أن لقلة الأمطار أثراً كبيراً في إعطائها ذلك المظهر القاحل الذي تتميز به.ولكن هذا لا يعني أن الصحاري خالية تماماً من المطر, إذ إن الأمطار تتساقط على مدى فترات متباعدة ولا تكاد تتبع نظاماً معيناً في سقوطها, وإن سقطت الأنطار فهي تتساقط بصورة فجائية على شكل سيول جارفة. ولهذا نجد نوعاص من الشذوذ في هذه الأقاليم, فهي على الرغم من جفافها, يمكن أن توصف بأنها من أكثر جهات العالم تعرضاً لأخطار الفيضانات.وهنالك في الواقع عدة أسباب لهذه الظاهرة الشاذة نذكر منها:
(أ) أن سيادة ظروف الجفاف في هذه المناطق, غالباً ما تؤدي إلى عدم إتخاذ الحذر والحيطة من هذه السيول الجارفة التي عادة ما تعقب سقوط الأمطار الفجائية. ولعل في تعرض مدينة قنا للسيل الهائل الذي دمر جزءاً كبيراً منها في سنة 1954 مثلأً واضحاً لهذا.
(ب) عدم وجود غطاء نباتي, يعمل على تماسك التربة ويقلل من إحتمال جرفها بواسطة مياه الأمطار, هذا فضلاً عن أن جفاف التربة يجعلها سهلة التفتت والإنجراف.
(ج) غالباً ما لا يراعي في بناء المساكن, من حيث الطرق المستخدمة في عملية البناء, ومن حيث مواد البناء ذاتها, إحتمال تعرض هذه المساكن لفعل السيول الجارفة.
وعلى هذا يمكن القول بأن المناطق الصحراوية ليست خالية تماماً من الأمطار - كما قد يتصور البعض - إلا إذا إستثنينا بعض أجزاء من الصحراء الليبية, ومن صحراء أتاكاما بأمريكا الجنوبية. فقد بلغ متوسط المطر السنوي في مدينة إيكيكي بشيلي (في صحراء أتاكاما) على مدى 35 عاماً نحو 0.05% من البوصة. كما أن مدينة كالاما التي تقع في منطقة واحدة من منطقة أكثر قحولة في صحراء أتاكاما, قد مرت عليها فترة 13 سنة دونأن تقع عليها نقطة واحدة من مياه الأمطار. ولكن المهم أن القانون السائد في المناطق الصحراوية هو أ، سقوط الأمطار فيها يتميز بالفجائية وعدم الإنتظام.
ولابد أ، نتوقع أيضاً, أن المناطق المرتفعة من الصحاري تتلقى كميات من الأمطار أكبر بكثير من تلك التي تتساقط على المناطق الحوضية المنخفضة, وتظهر هذه الحقيقة في كثير من المرتفعات والهضاب الصحراوية كهضبة نجد في الجزيرة العربية, ومرتفعات تيبستي وتاسيلي بالصحراء الكبرى.
أما من حيث درجة الحرارة, فنجد أنه نظراً لوقوع معظم المناطق الصحرايوة بين المدارين, تمتاز درجة الحرارة بعظم إرتفاعها, ولهذا كانت أعلى درجة حرارة سجلت في العالم في منطقة دث فالي بكاليفورنيا, إذ بلغت درجة الحرارة في هذه المنطقة 134.1 درجة ف. وقد إكتشف علماء المناخ بعد ذلك أن قرية عزيزية (جنوب مدينة طرابلس بحوالي 25 ميلاً) هي التي ضربت الرقم القياسي في إرتفاع درجة الحرارة, إذا وصلت درجة الحرارة فيها إلى 136.4 درجة ف. ويمكن القول بصورة عامة بأن معظم المناطق الصحراوية الواقعة في العروض السفلى تزيد فيها درة الحرارة العظمى على 100 درجة ف.
وللنظام اليومي للحرارة في الأقاليم الصحراوية, أثر فعال على كثير من النواحي الطبيعية الأخرى, إذ كثيراً ما تنخفض درجةالحرارة أثناء الليل دون نقطة التجمد, ويظهر هذا بوضوح في قرية عين صلاح بالصحراء الكبرى, والتي وصل فيها المدى اليومي للحرارة إلى أكثر من مائة درجة فهرنهيتية, النهاية الصغرى 26 درجة ف والنهاية العظمى 126 درجة ف). ولاشك في أن تتابع الحراراة والبرودة له أثر مباشر على تفكيك الصخر, إذ يؤدي إلى تمدد الصخر ثم إنكماشه إنكماشاً فجائياً.وعلى هذا النحو يتم تفكي الصخر تفكيكاً ميكانيكياً.
والمناطق الصحراوية - على العكس مما قد نتصور - تنمو بها حياة نباتية, وحتى في الجهات التي تنتشر فيها كثبان الرمال, كثيراًِ ما تنمو بعض النباتات في التجويفات التي توجد بين الكثبان. وقد سلحت النباتات التي تنمو في الأقاليم الصحراوية بوسائل عديدة تمكنها من مقاومة ظروف الجفاف, فهي إما نباتات حولية يتوقف نموها تماماً إبان فصل الجفاف الطويل ولكنها سرعان ما تزدهر عقب الأمطار الفجائية, أو نباتات مستديمة تتحمل الجفاف وتبدو وكأنها متوقفة عن النمو في فصل الجفاف, كما أن هنالك نباتات أخرى لها القدرة على إختزان المياه في سوقها, وقد تختفي منها الأوراق تماماً, أو تتحور إلى أشواك تقلل من عملية النتح وتقيها في نفس الوقت هجمات الحيوانات العطشى. ونبات الصبار خير مثل لهذا النوع.
وتمتاز النباتات الصحراوية على إختلاف أنواعها بعظم تكوينها الجذري, إذ تمتد جذورها أفقياً ورأسياً لمسافات كبيرة, لكي تكتسب من التربة أكبر قدر من الرطوبة, ولكي تصل إلى مستوى المياه الباطنية, ولذا تنمو متباعدة, ويعتبرهذا التباعد وسيلة أخرى من وسائل التأقلم مع ظروف الجفاف, إذ يعطي كل نبات مساحة واسعة من الأرض يستطيع أن يمتص منها الرطوبة سواء من سطح الأرض أو من جوفها.
بعض الخصائص الجيومورفية للمناطق الصحراوية:
1- تتميز معظم المناطق الصحراوية بأنا ذات تصريف مائي داخلي , إذ أن مياه المجاري المائية التي تشق طريقها في مناطق صحراوية, نادراً ما تصل إلى البحار المفتوحة أو المحيطات, ويمكننا أن نستثني من هذا بعض الأنظمة النهرية التي تخترق مجاريها الدنيا مناطق صحراوية ولكنها تنبع من أقاليم غزيرة الأمطار, كنهر النيل, ونهر كولورادو, ونهر السند, ونهر لوا في شيلي.وتكاد تشتابه كل هذه الأنهار في أنها تخترق مناطق صحراوية في مجاريها الدنيا التي ينعدم إتصالها بروافد ذات شأن, فنهر النيل - مثلأً - لا يتصل برافد من أي نوع وذلك لمسافة تزيد على 1200 ميل من مجراه الأدنى, كما لا تتميز كميات المياه التي تحملها مجاري هذه الأنهار, بتناقصها التدريجي كلما قاربت المصب مما يجعلها ترسب معظم حمولتها من الطمي والحصى والرمال.
ولا يمثل سطح البحر في المناطق الصحراوية ذات التصريف المائي الداخلي, الحد الأدنى لتخفيض سطح الأرض, إذ كثيراً ما يرتفع مستوى القاعدة في مثل هذه الالمناطق فوق مستوى سطح البحر, وذلك إذا ما تعرضت المناطق الحوضية الداخليةمنها للإمتلاء بالرواسب, وحتى في المناطق الصحراوية التي تخترقها مجار مائية تنتهي إلى البحار المفتوحة كنهر النيل, ونهر كولورادو, لا يمثل مستوى البحر الحد الأدنى للنحت إلا في أشرطة محدودة على طول مجاري الأنهار أو بالقرب من سواحل البحار.
2- يمكن القول بصورة عامة با، عمليات التجوية الميكانيكة في الأقاليم الجافة أكثر أهمية من عمليات التجوية الكيمائية, ويظهر هذا في وجود أكوام هائلة من الفتات الصخري بالقرب من قواعد الهضاب, وعلى سفوحها وعلى طول جوانب الأودية, وهذا ما لا نجده إطلاقاً في الأقاليم الرطبة التي تعمل مياهها المستديمة على إزالة التجوية الكيماويو لا تساهم في تفكيك الصخر وتفتيته في المناطق الصحراوية, إذ إن هناك من الأدلة, ما يؤيد مساهمة هذه العمليات فيما يعرف بتقشر الصخور في هذه المناطق. فقد لاحظ "ديفز" أن الجلاميد شبه الكروية التي يكثر وجودها في المناطق الصخرية التي تتكون من صخور جرانيتية, تكونت في واقع الأمر بفعل عمليات التحلل الكيماوي, ولم تساهم ظاهرة تتباع الحرارة والبرودة إلا مساهمة جزئية في ظهورها على هذا الشكل شبه الكروي.
وتبدأ عملية تفكيك الصخور الجرانيتية على هذا النحو, بتسرب مياه الأمطار الفجائية في الصخور خلال الشقوق والمفاصل التي تكثربها, وتعمل هذه المياه على تقسيم الكتلة الصخرية الجرانيتية إلى كتل صغيرة متجاورة, وتتأثر بعد ذلك كل كتلة على حدة بالتغريات الحرارية اليومية, ولابد أن تؤدي عملية تسخن الصخر وتبريده إلى تقشر سطحه ثم تساقط قشوره الواحدة تلو الأخرى إلى أن تتخذ الكتل الصغيرة المتجاورة الشكل الكروي الآنف الذكر. فكأ، عملية التجوية الكيماوية تمثل في الحقيقة الخطوة الأولى التي يتم بها تفكيك الصخور الجرانيتية في المناطق الصحراوية إلى جلاميد شبه كروية وعلى أننا يمكنأن نقرر بصورة عامة, بأن عمليات التجوية الكيماوية تلعب في الواقع دوراً ثانوياً في تفكيك الصخور بالمناطق الصحراوية.
ولا تظهر المناطق الصحراوية كلها من الناحية التضاريسية عغلى صورة واحدة بل تختلف من مكان إلى آخر, فقد تظهر على شكل هضاب منبسطة تفصلها عن بعضها البعض اودية جافة فارغة, أو قد تبدو على شكل أحواض واطئة تحيط بها حواجز جبلية مرتفعة. ولكل نوع من هذه الأشكال الصحراوية, تسمية خاصة مشتقة من اللغة العربية أو الأسبانية.
أنواع التضاريس الصحراوية:
أولاً: صحاري احمادة والإرج (أو العرج): وتتكون من هضاب صخرية متوسطة الإرتفاع هي التي تعرف بالحمادات, وتنحصر بين هذه الهضاب الصخرية أحواض منخفضة مليئة بالرمال - هي التي ترعف باحواض العرج - التي تنتشر فيها على شكل كثبان. وللتكوينات الجيولوجية التي تتكون منها الحمادات آثار كبيرة على شكل التضاريس, وخصوصاً إذا كانت هذه الهضاب تتألف من صخور رسوبية طباقية تتفاوت في صلابتها وبالتالي في درجة مقاومتها لعوامل النحت, إذ سرعان ما تنحت التكوينات اللينة, وتبقى التكوينات الصلبة على هيئة حافات شديدة الإنحدار هي التي تعرفبالكويستات. وقد تتحول الهضاب التي تتكون منها صحاري الحمادة إلى تلال قبابية, إذا ما إستمرتا عوامل النحت الهوائي والمائي تعمل فيها فترة طويلة, فتزيل الطبقات الرسوبية وتظهر الصخور الأساسية الداخلية البلورية (التي تكون في معظم الأحيان الأساس الصخري لمعظم جهات العالم) على هيئة تلال منفردة قبابية, تبدو كجزر وسط محيط هائل من الرمال, ولهذا أطلق عليها بعض الجغرافيين الألمان إسم الجزر الجبلية . وجدير بالذكر, أن الصخور البلورية ليست كلها بدرجة واحدة من الصلابة, فإذا كانت هذه حديثة التكوين, تخلفت عن عملية النحت في صحاري الحمادة تلال قبابية, أما إذا كانت قديمة التكوين, فقد تتحول التلال القبابية بدورها بعد ترعضها لعوامل التفكك والنحت إلى مناطق حوضية سرعان ما تمتلئ بالرمال.
وتمثل الأودية الجافة التي تقطع هضاب الحمادة, مظهراً فزيوجرافياً آخر يميز هذا النوع من الصحاري. وكلمة "وادي" باللغة العربية أصبحت شائعة الإستخدام في كثير من جهات العالم لتدل على المجاري المائية الجافة التي كانت في الماضي ممتلئة بالمياه.وتوجد لهذه الكلمة مترادفات عديدة في الللغات الأجنبية منها كلمة أوريو اليت تستخدم في بلاد المكسيك وفي غرب الولايات المتحدة.
أما الأحواض المنخفضة التي تفصل بين هضاب الحمادة, وهي التي تعرف بأحواض "العرج" فينتشر بها عدد كبير من الكثبان الرملية الطولية وتكاد تختفي منها المجاري المائية السطحية والبحيرات الصحراوية, ويرجع هذا إلى أن المياه المنحدرة من الهضاب إلى هذه الأحواض, سرعان ما تمتصها الرمال الدقيقة الحبيبات التي تتكون منها الكثبان الرملية.
ثانياً: الصحاري الجبلية الحوضية: وتتكون من مجموعة من الأحواض المنخفضة - التي يعرفها الأسبانيون بأحواض البلسون -, ويحيط بكل حوض من هذه الأحواض حاجز جبلي مرتفع, ويتمثل هذا النوع من الصحاري خير تمثيل في بلاد المكسيك وغربي الولايات المتحدة. ومن خصائص هذه الأحواض, أن نمط التصريف المائي فيها هو النمط المركزي . وتتساقط الأمطار في هذا النوع من الصحاري على الحواجز الجبلية المرتفعة, ثم تنحدر مياه الأمطار على سفوح هذه المرتفعات حافرة لنفسها مجاري عميقة, ولابد أن تلقى هذه المجاري المائية بكل حمولتها من الرواسب عند مخارجها من المنطقة الجبلية, فتبدو هذه الرواسب على شكل مروحة فيضية, تنتشر عند حضيض المرتفعات, وكثيراً ما تتعدى مياه هذه السيول مناطق المراوح الفيضية, وتنتشر فوق سطح الحوض مكونة ما يشبه البحيرة الضحلة. وكثيراً ما تتبخر مياه هذه البحيرة, تاركة على سطح الأرض طبقة من القشور الملحية هي التي تعرف بالمسطحات القلوية . وقد تتكون في بعض الأحواض الكبيرة بحيرات مستديمة المياه ترتفع بها نسبة الملوحة بدرجة كبيرة, وتعرف في هذه الحالة بال . والذي يهمنا هو أن معظم البحيرات التي تتكون فوق أحواض البلسون, بحيرات مؤقتة وتعرف كلها, المؤقت منها والمستديم, ببحيرات البلايا .
وتمتد على طول أقدام المرتفعات التي تحيط بأحواض البلسون في المناطق الصحراوية, أرض مرتفعة لها إنحدار واضح تسمى بسفح الحضيض . وكان بعض الجيومورفولوجيين يعتقد من قبل بأن مثل هذه الأراضي المرتفعة قد تكونت نتيجة تراكم الرواسب المروحية الفيضية عند حضيض المرتفعات, ثم إتصالها ببعضها البعض, فتظهر على شكل سهل له إنحدار واضح يمتد على طول حضيض هذه المرتفعات. فهي إذن ذات أصول رسوبية وقد ثبت بعد ذلك خطأ هذا الرأي, إذ إن مثل هذه الأراضي المرتفعة التى تمتد عند أقدام المرتفعات تتألف في واقع الأمر من قسمين: قسم سفلي تكون بفعل الإرساب وهو الذي يعرف بالبهادة, وقسم علوي تكون بفعل عوامل النحت وهو الذي يعرف بال وكثيراً ما تغطي هذا السفح العلوي طبقة رقيقة من الإرسابات الفيضية. وتتميز البهادة السفلية و"البديمنت" التي تعلوها بأ، إنحدارهما, صوب أحواض البلولسن, إنحدار متدرج يتراوح بين نصف درجة وسبع درجات, أما إنحدار السفح الجبلي الذي يعلوهما فيتراوح بين 15 درجة, 60 درجة, وكثيراً ما يبدو على شكل جرف رأسي, وعلى هذا يمكن أن تقسم سفوح السلاسل الجبلية التي تنحدر صوب الأحواض الصحراوية إلى ثلاثة أقسام:
(أ) سفح جبلي نفسه ويتميز بشدة إنحداره.
(ب) سفح ال - ويتميز بأنه قد تكون بفعل عوامل النحت, وبا،ه ذو إنحدار متدرج نحو البهادة.
(ج) سفح البهادة, وهو ذو أصل رسوبي وينحدر هو الآخر إنحداراً متدرجاً صوب أرض البولسن.
وتتكون البهادات الحقيقية - كما سبق ذكرنا - من سلسلة من المراوح الفيضية التي إتصلت وإندمجت ببعضها البعض. وتتألف رواسبها من الطمي والزلط أو الجلاميد التي كثيراً ما تنتشر على سطحها. كما يتميز سطح الأرض في مناطق البهادات بقلة تضرسه وإستوائه. أما منطقة "البديمنت" فتبدو على شكل مقعر إذا ما نظرنا إليها من منطقة الحوض, وتظهر على طول إنحدارها التدريجي المقعر بعض رواسب منالزلط والحصى, تزداد نعومة كلما هبطنا صوب البهادة حتى تختفي تماماً في تكويناتها الفيضية. وكثيراً ما تقطع المجاري المائية المنحدرة من السفح الجبلي, سطح "البديمنت" إلى سفوح صغيرة.
وقد تضاربت الآراء بشأ، الطريقة التي تكونت بها "البديمنت" فقد ذكر "ماكجي " (1897) - الذي كان أول من أشار إلى وجودها بعد دراسته لصحراء سونورا بجنوب غرب ولاية أريزونا - أن مياه السيول التي تنحدر على سفوح المرتفعات, لها قدرة كبيرة على النحت والهدم, وذلك لسرعة تدفقها وما تحمله من أدوات ومعاول للنحت, ويؤدي هذا إلى نحت السفوح وظهورها إلى عمليات النحت الجانبي اليت تقوم بها المجاري المائية المنحدرة على سفوح الجبال في المناطق الصحراوية. ويعتقد "جونسون" أن المناطق الحوضية من الصحاري, التي تحيط بها سلاسل جبلية مرتفعة تتميز بوجود ثلاثة نطاقات مختلفة في مناسيبها:
(أ) نطاق داخلي يضم أراضي البهادة وتسود فيه ظاهرة الإرساب.
(ب) نطاق خارجي يتمشى مع سفوح الجبال وتسود فيه عملية النحت الرأسي اليت تؤدي إلى تعميق مجاري السيول.
(ج) نطاق وسيط بين النطاقين الخارجي والداخلي يضم أراضي البديمنت, وتسود به عملية النحت الجانبي, وتتميز المجاري المائية التي تنحدر عليه بقدرتها الكبيرة على النقل والحمل ولكنها لا ترسب حمولتها إطلاقاً, إلا إذا دخلت النطاق الأسفل أو الداخلي, وهو نطاق البهادة.
أما "ديفز" فيرجع ظاهرة "البديمنت" إلى عملية التجوية الخلفية التي قد تتأثر بها سفوح الجبال في الأقاليم الجافة, ويؤدي هذا إلى تراجع هذه السفوح تراجعاً مطردأً إلى الوراء. وتسهم مع عملية التجوية الخلفية أيضاً مياه السيول التي تفيض على منحدرات الجبال, وتعمل على نحتها وتآكلها (وهي تعرف بالفيضانات الغطائية ).
ومازال موضوع نشاة "البديمنت" من الموضوعات التي يدور حولها جدل شديد, ولم يجمع العلماء بعد برأي قاطع يوضح الطريقة التي تكونت بها. وعلى أي حال, أيا كانت الآراء التي توضح نشأة هذه الظاهرة الصحراوية, إلا أنه يمكن القول, بأن هذه الظاهرة لها دور هام في تطور سطح الأرض في المناطق الصحراوية,كما سنرى فيما بعد عند دراستنا لدورة التعرية.
ثالثاً: سهول الرق الصحراوية: وهي عبارة عن سهول واسعة تنبسط على سطح الأرض في المناطق الصحراوية لسمافات كبيرة, وتنتشر فوقها بعض الرواسب من الأحجار والحصى والزلط, أما الرمال فقد أزيلت منها بفعل الرياح, وفي وجود هذه السهول دليل حاسم على أن الرياح قد قامت بعملها في النحت والنقل خير قيام, فلم تبق على سطح الأرض إلا المواد المفككة الكبيرة الأحجام التي لم تقو على حملها, وكلما إزدادت سرعة اليراح زادت قدرتها على نقل المفتتات الصخرية الكبيرة الأحجام كالزلط والحصى. وكلمة الرق كلمة عربية تعني المناطق المسترقة من الأرض أي التي أزيلت منها الرمال المتراكمة التي تغوص فيها أقدام الجمال, فرقت وتحولت إلى أرض منبسطة تعبرها الجمال دون أن تتماوج.
أما من حيث التوزيع الإقليمي لهذه الأنواع الصحراوية الثلاثة فنجد أن الصحراء الكبرى وصحراء العرب, وصحراء أستراليا الغربية, وصحراء كلهاري تنتمي كلها إلى نوعي الحمادة والعرق, أما صحراء ثار في شمال غرب شبه جزيرة الهند فتنتمي إلى نوع العرق في معظم جهاتها. وتتميز الصحاري الجبلية الحوضية بأنها واسعة الإنتشار, إذ تنتمي إليها صحراء إيران, والصحراي المعتدلة التي توجد بأواسط القارة الأسيوية, وصحاري الأمريكيتين. وتكاد تنتشر سهول الرق الصحراوية في شتى مناطق توزيعها (بإستثناء قارة أستراليا) أنهار هامة تنبع من مناطق غزيرة الأمطار: كنهر النيل ونره شاري (الذي تنصرف مياه في بحيرة تشاد التي يمكن أن نعتبرها بمثابة كبيرة المساحة) ونهر دجلة والفرات, ونهر السند, ونره كولورادو, ونهر الأورانج في صحراء كلهاري ونهر لوا في صحراء أتاكاما. ولم تتطور المجاري الدنيا للأنهار الثلاثة الأخيرة من الناحية الإستغلالية, ولم تقم على ضفافها أية حضارة زراعية راقية, ويرجع هذا إلى أن مجاريها الدنيا مجاري خانقية تجري فيها المياه على أبعاد كبيرة من سطح الأرض, ومن أوضح هذه الخوانق خانق كولورادو العظيم الذي يزيد عمقه على 1500 متر.
وتنقسم الصحاري من الناحيتين المناخية والنباتية إلى ثلاثة أقسام:
(أ) صحاري قطبية: ويتفق توزيعها مع المناطق التي تقل فيها درجة حرارة أدفأ شهور السنة عن32 درجة ف وتنتشر على سطحها غطاءات جليدية مستديمة. وجفاف هذا النوع من لبصحاري هو ما يمكن أن يسمى بالجفاف الفسيولوجي , إذ إن الرطوبة موجودة فعلاً, ولكنها محتبسة في الغطاءات الجليدية (وخصوصاً في جرينلند وأنتاركتيكا) لهذا لا يمكن أن تستفيد منها النباتات على الإطلاق.
(ب) صحاري العروض الوسطى: ويمكن أن تسمى بالصحاري التضاريسية إذ يرجع وجودها إما لموقعها الداخلي في المناطق السهلية الوسطى من الكتل القارية الكبيرة, أو لوجود سلاسل جبلية مرتفعة تعترض مسير الرياح الرطبة وتسلبها مابها من رطوبة. ومن أمثلة الصحاري التي سادت بها ظروف الجفاف لموقعها الداخلي صحراء التركستان إلى الشرق من بحيرة قزوين. ويمكن لقول بأن عظم المناطق الصحراوية الواقعة في العروض الوسطى قد تكونت إزاء إعتارض السلاسل الجبلية للرياح الرطبة, ومن أمثلة هذه الصحاري: صحراء الحوض العظيم بغرب الولايات المتحدة, وصحراء بتاجونيا الواقعة إلى الشرق من سلاسل الأنديز (وتشغل جزءاً كبيراً من مساحة الجزء الجنوبي من الأرجنيتن). أما صحراء جوبي (أو منغوليا) فيرجع تكونها إلى أثر العاملين معاً.
(ج) صحاري العروض السفلى أو الصحاري المدارية: وتقع في معظم الأحوال على السواحل الغربية للقارات فيما بين خطي عرض 15درجة, 30درجة شمال وجنوب خط الإستواء ولكنها تتركز بصفة خاصة فيما بين خطي عرض 20درجة, 25درجة شمال وجنبو خط الإستواء.وتمتد من المناطق الساحلية صوب الداخل لمسافات كبيرة. ويكاد يتفق توزيع الصحاري في العروض السفلى مع نطاقي الضغط المرتفع اللذين يقعان في العروض المعروفة بعروض الخيل وهي مناطق ضغط مرتفع دائم تخرج منها الرياح, ولابد أن يتبع هذا هبوط الهواء من الطبقات العليا من الغلاف الغازي ليملأ الفراغ الذي تكون نتيجة لخروج الهواء وتباعده. وإذا ما تعرضت كتلة الهواء للهبوط فلابد أن ترتفع درجة حرارته, وتنعدم إزاء هذه الظروف التي يمكنن تؤدي إلى حخدوث ظاهرة التساقط. كما أن الرياح التجارية التي تخرج من مناطق الضغط الرمتفع الآنفة الذكر, تنتقل هي الأخرى في مسيرها صوب خط الإستواء إلى مناطق ترتفع درجة حرارتها إرتفاعاً مطرداً مما يؤدي إلى عدم ملاءمة ظروف المناطق التي تمر بها لحدوث ظاهرة التاسقط إلا في المناطق التي تعترض طريق الرياح فيها حواجز جبلية عالية. ولهذا يمكن القول بصورة عامة بأ، عروض الخيل, وعروض الرياح التجارية, تتيمز بأنها نفس العروض التي توجد بها الصحاري المدارية. فالصحراء الكبرى, وصحراء كلهاري, وصحراء العرب, وصحراء ثار وأفغانستان وبلوخستان, وصحراء أستراليا (صحراء فيكتوريا), وصحراء أتاكاما, وصحراء سونورا بشمال غرب المكسيك وصحراء أريزونا وكاليفورينا . . . كل هذه الصحاري تكاد تتركز في هذه العروض.
الرياح وأثرها في تشكيل سطح الأرض: يعتبر عامل الرياح أكثر العوامل الجيومورفية إسهاماً في تشكيل سطح الأرض في الأقاليم الجافة, ومما يساعد هذا العامل على النحت خلو هذه الأقاليم من الغطاءات النباتية, وقلة رطوبةالهواء. والمعروف أن الهواء الجاف أقدر على النحت والهدم من الهواء الرطب الذي لا يستطيع إثارة الأتربة والرمال. علىأن هذا لا يعني أن عامل المياه الجارية لا يسهم بأدنى نصيب في تكيل سطح الأرض في هذه المناطق, إذ يكاد يتفق الجيومروفولوجيين على أن المياه الجارية على الرغم من ضآلتها إلا أنها تشترك بنصيب كبير في تغيير معالم سطح الأرض في الأقاليم الصحراوية.
وتمر عملية النحت بفعل الرياح بعدة خطوات هي:
1- عملية إكتساح المواد الصخرية ودفعها بقوة إندفاع الرياح (أو التذرية ) وتؤدي هذه العملية إلى رفع وإزالة المفتتات الصخرية من سطح الأرض.
2- عملية نحت وهدم سطح الأرض, بواسطة قوة إندفاع الهواء وما يحمله من فتات صخري (عملية البري ) وقد سبق أن ذكرنا أن مقدرة الهواء على النحت تتوقف على سرعته ورطوبته, وعلى مقدار ما يدفعه من مواد مفككة إذ إن هذه المواد هي التي تساعده على النحت .
3- إزدياد تفتت المواد الصخرية المفككة التي يحملها الهواء نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض مما يسهل عملية نقلها.
4- نقل المواد اتلصخرية إما بطريقة الجر , أو بطريقة التعلق , أو بطريقة القفز . وسيأتي شرح هذا فيما بعد.
ولعل أكثرالمناطق الصحراوية تأثراً بفعل الرياح هي المناطق الرمتفعة البارزة إذ إن إحتكاك الهواء بسطح الأرض لابد أن يقلل من سرعته ومقدرته على النحت, ولذا كانت المناطق المرتفعة الناتئة أكثر تأثراً بفعل الرايح من المناطق المنخفضة المسطحة. وإذا ما إصطدمت الرايح المحملة بالرمال وغيرها من حطام الصخر بأرض ناتئة تتكون على سطح الأرض وعلى سفوح المناطق المرتفعة خطوط طويلة غائرة في التكوينات الصخرية اللينة وهي التي وصفها "هدن " في دراسته لصحراء التركستان وسماها بالياردانج وهي تبدو كضلوع الحيوان وأشكالها متناهية في الغرابة. وقد يزيد إرتفاعها على العشرين قدماً ويتراوح عرضها بين 15, 30 قدماً وتمتد كلها متوازية.
وهناك حد أعلى لا يعدوه أثر الرياح في النحت, وذلك لأن الرياح لا تقوى على رفع الرمال إلى أعلى إلا بضعة أقدام. وقد لاحظ "باجنولد " (1941) من دراسته لصلحراء الليبية أن بري وصقل الرياح لعمدة التلغراف نادراً ما يظهر في الأجزاء العليا من هذه الأعمدة, بل يكاد يقتصر على الأجزاء السفلى التي لا يعلو فوق سطح الأرض بأكثر من 18 بوصة, وهو يرى أن وقدرة الرياح على رفع الرمال لا تتعدى المترين إلا نادراً.
وتعمل الرياح المحملة بالرمل على بري الصخور وصقلها, وإذا كانت هذه الصخور تتألف من تكوينات متجانسة, تعمل الرياح على حفر ثقوب في هذه الصخور ومن أمثلتها تلك الثقوب التي تنتشر في الصخور الرملية بالصحراء الشرقية في مصر. وتتكون هذه الثقوب في المناطق الصحراوية التي تتعرض لرياح صحراوية شديدة محملة بكميات وفيرة من ارلمال, كما يشترط لتكونها إنعدام النباتات الطبيعية وإختفاؤها. وقد تتكون بعض الكهوف التي تسمى أحياناً بكهوف الرياح في الحوائط الصخرية المتجانسة التكوين, وذلك بالقرب من قواعد هذه الحوائط.
وإذا كانت الصخور التي تـاثر بالرياح ذات صلابة ومقاومة متغايرة, تتكون بعض صور جيومورفية تتخذ أشكالاً متناهية في الغرابة. فقد تتكون صخور إرتكازية تتميز بصلابتها وبأنها ترتكز على تكوينات لينة تعرضت لأن تنحت وتبلى بفعل اليراح. وتبدو على شكل موائد, وتعرف عادة بالموائد الصحراوية, أما إذا كانت الصخور صلبة في أجزائها السفلى ولينة في أعاليها فتكون مخاريط ذات قمم شبه مدببة.
وكثيراً ما تعمل الرياح المحملة بالرمال على حفر منخفضات يكثر وجودها في المناطق التي تتراكم فيها الرمال حيث تظهر بين الكثبان الرملية تجويفات صغيرة, وقد تظهر مثل هذه الأحواض على سطوح الكثبان الرملية ذاتها. ولاشك في أن الرياح أقوى على نحت مثل هذه الأحواض الصغيرة وحفرها في التكوينات الصخرية القليلة التماسك. وقد سجل كل من "موريس " و"بركي " في هضبة منغوليا, وجود أحواض كبيرة على شكل تجويفات وسط تكوينات الرمال, هي التي سمياها بالبانج كيانج وتزيد أطوال أقطار هذه التجويفات على الخمسة أميال, كما يتراوح عمقها بين 200, 400 قدم. ويعتقد "موريس" و"بركي" أن ذهه التجويفات قد حفرتها الرياح وحدها ولم تساعدها في عملها أية عوامل جيولوجية, أو جيومورفية أخرى. ومن المغالين في إرجاع نشأة منخفضات أوسع بكثير من البانج كيانج إلى فعل الرياح, الأستاذ "بيدنل " الذ عزا تكون منخفضات الصحراء الغربية في مصر - كمنخفض الخارجة والداخلة ومنخفض الفرافرة, ومنخفض الواحات البحرية . . . إلخ, إلى فعل الرياح وحدها علماً بأن مساحة منخفض واحد من هذه المنخفضات تعادل أضعاف أضعاف مساحة تجاويف البانج كيانج. فمنخفض الواحات الخارجة مثلاً تزيد مساحته على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع. وقد تعرض رأي "بيندل" هذا لنقد وإعتراض مريرين وخصوصاً أن هناك عوامل أخرى عديدة - غير عامل الرياح - لابد أها ساهمت كلها متضافرة حفر هذه المنخفضات.
الراوسب الهوائية :
والرياح في نفس الوقت عامل من العوامل المؤدية إلى الإرساب, فهي بمجرد أ، تصادف في طريقها عقبة من أي نوع تعمل على إيقاف إندفاعها وتحركها, وعلى التقليل من سرعتها سرعان ما تلقي بحمولتها من الرمال والأتربة, وهذه تتراكم على سطح الأرض على شكل كثبان, أو سطوح من الرواسب. على أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أن الرواسب الهوائية لا يقتصر وجودها على المناطق الصحراوية وحدها بل تنتشر في معظم أقاليم العالم الطبيعية إذ توجد في الجهات الآتية:
(أ) على طول خطوط السواحل في كثير من جهات العالم.
(ب) على طول مجاري الأنهار التي تشق أوديتها في أقاليم جافة أو شبه جافة.
(ج) في المناطق التي تـتألف من صخور رملية كثيراً ما تتعرض لأن يتفكك لحامها بفعل عوامل التجوية المتخلفة فتنفرط إلى مكوناتها من حبيبات ارلمال.
(د) في المناطق التي يتراكم فيها "الردش" الجليدي .
النقل بفعل الرياح:
هذا الموضوع لم يدرس حتى الآن دراسة جيومورفية دقيقة يمكننا أن نستخلص منها معرفة الطرق الميكانيكية التي تتم بها عملية النقل بفعل الرياح.ولعل أحسن دراسة لهذا الموضوع هي دراسة "باجنولد " (1941) التي إعتمدت فيها على أسس إحصائية دقيقة, ويمكن أن نخرج من هذه الدراسة بالنقط الآتية:
أولاً: يجب علينا أن نفرق دائماً بين الغبار والرمال . فعندما تهب الرياح على منطقة جافة تنتشر على سطح الأرض فيها بقايا الصخور وبعض المواد العضوية, فلابد أن تلتقط الرياح من هذه الباقيا الذرات الدقيقة الناعمة التي تستطيع أن تحملها إلى أعلى إرتفاع قد يصل في بعض الأحيان إلى بضعة آلاف من الأقدام. وتتكون في هذه الحالة سحب قاتمة هي التي تسمى دون أدنى تفرقة بعواصف الرمال. وفي الوقت الذي تتكون فيه هذه السحب "الترابية", تتحرك بعض الذرات الرملية الثقيلة نسبياً - والتي لم تقو الرياح على حملها - بالقرب من سطح الأرض, وتتجمع على هذا السطح في ظل الرياح , خلف الصخور الناتئة, أو الشجيرات أو غيرها من النباتات الصحراوية. فكأ، النقل بطريقة التعلق لا يحدث في الواقع إلا لذرات الغبار الناعمة أما الرمال فلا تستطيع الرياح أن ترتفع بها كثيراً عن سطح الأرض.
ثانياً: تتم عملية نقل حبات الرمال من مكان إلى آخر عن طريق عملية القفز , إذ يؤدي ضغط الهواء على حبات الرمال إلى دفعها إلى الأمام وإصطدامها برواسب الحصى أو الزلط التي تنتشر على سطح الأرض , ثم إرتدادها إلى الوراء . على أننا يجب أن نلاحظ أن ضغط الرياح على حبات الرمال يتوقف أولاً وقبل كل شئ على حجم اتلجسم الذي يتعرض لضغط الرياح, كما يتوقف كذلك - ولكن بدرجة أقل - على حالة الهواء ذاته: درجة حرارته, درجة رطوبته, سرعته. وتتم عملية نقل ذرات الرمال في الواقع بعملية القفز وحدها, ولذا يستغرق نقل ذرات الرمال من مكان إلى آخر وقتاً طويلاً.
أنواع الرواسب الرملية:
ولعل أحسن التقسيمات التي قسمت إليها الرواسب الرملية تلك التي قام بهغا "باجنواد" هذا على الرغم من أن دراسة "باجنولد" للرواسب الرملية كانت في مناطق تتحرك فيها هذه الرواسب وتنتقل طليقة من أي قيد. وهذا يعني أن تقسيماته لا تصلح في المناطق التي لعبت فيها النباتات الطبيعية دوراً كبيراً في تحديد إتجاهات هذه الرواسب وبنائها, وكذلك في تقييد إنتقالها. ولكننا يمكن أن نعتمد على تقسيمات "باجنولد" رغم هذا الإعتراضوذلك لأنها خير التقسيمات التي لدينا حايلاً. ويرى "باجنولد" أن هنالك نوعين من الرواسب الرملية:
أولاً: رواسب ذات أهمية محدودة وتنتشر على نطاق ضيق وتتمثل في بعض التموجات الصغيرة , أو الحافات التي تظهر بين حين وآخر على سطوح الرواسب الرملية التي تنبسط على الأرض. ومثل هذه الرواسب, ليس لها أية دلالة جيومروفية.
ثانياً: رواسب تظهر على نطاق واسع في المناطق الصحراوية وتتمثل في:
1- الرمال التي ترتاكم في ظل الرياح, خلف الصخور أو البناتات الصحراوية.
2- الكثبان الرملية نوعان:
(أ) الكثبان الهلالية التي تعرف بالبرخان .
(ب) الكثبان الطولية التي تعرف بالسيوف, كما تعرف في مصر بالغرود.
3- الجسور الرملية أو ظهور الحيتان .
4- بحار الرمال المنبسطة.
أما الرواسب التي تتراكم في ظل الرياح: فيتم تجمعها وتراكمها في المناطق التي تقع بمنأى عن الرياح, فقد تتراكم خلف حائط صخري, أو شجيرة صحراوية, أو أي جلمود صخر. فإذا إصطدمت الرياح بمثل هذه العقبات تتوقف سرعتها وترسب ما تدفعه من رمال على جانب العقبة المظاهر للرياح. ويستمر تراكمها حتى تصل درجة إنحدارها إلى 34 درجة, وحينئذ تتزحلق الرواسب الرملية على الجانب الآخر من العقبة.
والكثيب الرملي (مفرد كثبان) عبارة عن تل من الرمال يتفاوت إرتفاعه من بضعة أقدام إلى عشرات من الأمتار, ويتكون من رمال مستديرة الحبيبات, وقد كان يظن خطأ من قبل, بأن السبب في تكون الكثبان الرملية هو وجود حواجز أو موانع تعترض طريق الرياح. ولكنه ثبت بعد ذلك أن الكثبان الرملية تصل إلى اوج تكونها أو إكنمالها في المناطق ذات السطح المستوي القليل التضرس. وتتكون الكثبان الرملية بصفة خاصة في المناطق الصحراوية, وذلك لأن عامل الرطوبة والنبات الطبيعي كثيراً ما يحدد نموها يعوق تكونهافي المناطق الساحلية أو على ضفاف الأنهار في المناطق الجافة. وتكون الكثبان الرملية إما هلالية التي تعرف بالبرخان أو طويلة وهي التي تعرف بالغرود.
الكثبان الهلالية: ويبدو كل كثيب منها قوس يتجه جانبه المحدب إلى الجهة التي تأتي منها الرياح, كما يتجه طرفاه إلى الجهة التي تسير نحوها الرياح. وتنتظم كثبان البرخان في سلاسل تمتد في إتجاه الرياح السائدة, وكثيراً ما يتغير الشكل الهلالي الذي يميز مثل هذه الكثبان, وذلك إذا ما حدث أي تغير في إتجاه الرياح, أو كانت المياه الباطنية قريبة من سطح الأرض عند أطراف الكثيب الهلالي مما يساعد على نمو نباتات تعمل على تثيبت طرفيه, إذ لا تقوى الرياح على دفع هذه الأطراف فتركز قوتها على الجزء الأوسط من الكثيب مما يؤدي في النهاية إلى ظهور الجانب المقعر في مواجهة الرياح. وقد يتمزق الكثيب من وسطه وينقسم إلى قسمين مستقلين يتحول كل منهما إلى تل شبه مخروطي من الرمال.
الكثبان الطولية: وهي أهم صور الإرساب الهوائي في المناطق الصحراوية, وتتمثل خير تمثيل في الصحراء الغربية المصرية حيث تعرف بالغرود, وهي عبارة عن كثبان طولية متوازية يتألف كل غرد من سلسلة من التلال الرملية. ويبلغ طول غرد من هذه الغرود عشرات الكيلومترات, أما عرضه فلا يزيد على بضع عشرات من الأمتار. ومن أشهر هذه الغرود أبي محرق الذي يزيد طوله على 350 كيلومترات. ويرى "جون بول" أن هذا الغرد يتقدم بمعدل عشرة أمتار كل عام. وعلى أساس هذا التقدير, لابد أن يكون قد إستغرق في تكونه حوالي 35 ألف سنة. ورمال هذه الغرود هي عبارة عن الحطام الذي تخلف عن حفر منخفض القطارة, وقد دفعته بعد ذلك الرياح الشمالية الغربية السائدة ووزعته فوق سطح الصحراء الغربية على شكل خطوط متوازية تكاد تتبع نفس إتجاه هذه الرياح إذ تمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
الجسور الصحراوية أو ظهرو الحيتان: وهي عبارة عن حافات فقرية من التكوينات الرملية, وتتميز بتسطح قممها. وتمتد هي الأخرى موازية لإتجاه الرياح السائدة, والإختلاف الرئيسي بينها وبين الغرود هو أن سطح سلسلة التلال الرملية التي يتألف منها أي أي غرد يبدو مدبباًِ حاداً ولا يتميز بتسطحه على الإطلاق.
السهول الرملية المنبسطة: وهي التي سماها "باجنولد" "بفرشات" الرمال وتتميز هذه السهول بإستوائها وبعدم تضرسها على الإطلاق إلا إذ إستثنينا بعض التجعدات والتموجات التي تظهر فوق راوسب الرمال, ومن أشهر هذه السهول سهل سليمة بالصحراء الليبية الذي تبلغ مساحته أكثر من ثلاثة آلاف ميل مربع, وهو عبارة عن سهل مستو يمتد لمدى البصر دون أي ظاهرة تضاريسية موجبة إلا بعض الكثبان المنخفضة. وتراوح سمك الرمال المتراكمةن فوق هذا السهل ما بين 7, 15 قدماً, وهي ترتكز فوق الصخور الأصلية مباشرة.
وهناك تقسيم آخر للكثبان الرملية - غير تقسيمها إلى كثبان هلالية وكثبان رملية - يعتمد في أساسه على توضيح الدور الذي تلعبه النباتات الطبيعية في حركة الكثبان وتطورها.وصاحب هذا التقسيم هو الجيومورفولوجي الأمريكي "ملتون " فهو يرى أن هنالك ثلاثة أنواع من الكثبان الرملية:
(أ) كثبان رملية بسيطة وهي التي يرتبط تكوينها برياح تهب من إتجاه واحد بصورة منتظمة.
(ب) كثبان رملية متقطعة. وهي التي تتكون إذا ما تصارعت الرياح مع نباتات طبيعية تعمل على تثبيت الرمال أو إعاقة تحركها.
(ج) كثبان معقدة وهي التي تتعرض لتأثير رياح من أكثر من إتجاه واحد.
على أننا نرى تقسيم "باجنولد" لرلواسب الرملية على الرغم مما يوجه إليه من إعتارض ونقد إلا أنه أكثر التقسيمات إيفاء بالغرض, وأكثرها تفصيلاً في نفس الوقت.
رواسب اللويس :
وهي عبارة عن رواسب غير متماسكة من الطين والتراب يميل لونها إلى اللون الرمادي أو الأصفر, وترتفع بها نسبة مركبات الجير, كما تتميز بسهولة إنفاذها للمياه. وتتألف هذه الرواسب من جزيئات حادة الزوايا من الكوارتز, والفلسبار, والكلسيات والدولومايت وبعض المعادن الأخرى.
وقد كثر نزاع العلماء وجدلهم فيما مضى بصدد نشاة هذه الرواسب, فمن قائل بأنها ذات أصل فيضي, إلى قائل بأنها رواسب بحرية, إلى محبذ لفكرة نشأة محلية حيث توجد . . . إلخ. ولكننا نجد الآن أراء العلماء قد إتجمعت وتلاقت حول رأي واحد وهو أنها رواسب هوائية.
وتتمثل رواسب اللويس خير تمثيل في بلاد الصين إذ يتراوح سمكها بين 100, 300 متر, وهي لا تنتظم في طبقات, وقد توجد خلالها بعض الحشائش التي لابد أنها أسهمت في تراكمها. كما تظهر رواسب اللويس في وسط أوروبا على هيئة نطاق يمتد من فرنس إلى شرق روسيا.
ومن المحتمل أن تكون رواسب اللويس هذه, قد إشتقت من "الردش الجليدي" الذي تخلف عن الغطاءات الجليدية البلايستوسينية بعدذ وبان الجليد وإنقضاء العصر الجليدي, وينطبق هذا القول بصورة خاصة على الرواسب اللويس الأوروبية, وخصوصاً تلك التي ترتاكم في سهول اليوكرين في شرق الإتحاد السوفيتي. على الرغم من أن هذا لا يعني أن كل رواسب اللويس في شتى جهات توزيعها, ذات أصل جليدي, فهناك أنواع من اللويس يمكن أن تسمى بالصحراوية , كرواسب الهائلة في حوض الصين العظيم التي يبدو أنها تنتمي إلى هذا النوع, وأنها إشتقت أصلاً من الرواسب الصحراوية التي توجد بصحراء جوبي أو منغوليا. ولعل رواسب اللويس التي توجد بإقليم الإسبتس التركستاني (إلى الشرق من بحر قزوين) تنتمي هي الأخرى إلى نوع اللويس الصحراوية. والذي يهمنا في الواقع في هذا المجال هو أن عملية التذرية هي التي أدت إلى تجمع هذه الرواسب في المناطق التي توجد بها في الوتق الحالي.
دورة التعرية الصحراوية:
سبق أن ذكرنا أن ظاهرة "البديمنت" تلعب دوراً كبيراً في تطورسطح الأرض في الأقاليم الصحراوية. إذ إ تراجع سفوح الجبال الجبلية الحوضية هو المسئول في النهاية عن تحول سطح هذه المناطق إلى أرض في أنواع الصحاري منبسطة تختفي منها المنخفضات وما يحيط بها من حواجز جبلية مرتفعة. أما في المناطق الصحراوية التي تنتمي إلى سهول "الرق" - التي هي عبارة عن أرض منبسطة مستوية السطح - فمن المحتمل أن تظل مثل هذه المناطق أرضاً مستوية في سطحها طوال معظم مراحل تطورها وكل ما يمكن للرياح أن تعمله في سطحها هو إزالة ارلواسب الرملية والحصوية التي تنتشر فوقها, وبهذا تظهر الصخور الأصلية الصلبة فتتحول الصحراء بهذه الطريقة إلى أرض صخرية صلبة تظل على هذا النحو إذا لم تتعرض لحركات باطنية تحدث بها نوعاً من التضرس وعدم الإستواء.
ولهاذ يمكن القول بأن دورة التعرية الصحراوية تتمثل بصفة خاصة في الصحاري الجبلية الحوضية, فإذا إفترضنا وجود حوض من أحواض "البلسون" الصحراوية تحيط بها حواجز جبلية مرتفعة, كما هي الحال في حوض تاريم في وسط آسيا أو في الحوض العظيم بغرب أمريكا الشمالية, فأول ما يتكون في هذه المنطقة عقب سقوط الأمطار, بعض الجداول والمسيلات المائية القصيرة التي تنحدر على سفوح الحواجز الرمتفعة للحوض صوب قاعه الذي يمثل في هذه الحالة مستوى القاعدة بالنسبة لهذه المسيلات المائية.
وتدأب المجاري المائية على نحت جوانب المنحدرات التي تطل على أرض المنخفض فيتكون نطاق من ال وذلك بفعل عملية النحت الماي وحدها, وتعمل المجاري المائية في نفس الوقت على إلقاء الرواسب المتخلفة عن عملية النحت هذه, في أ{ض "البلسون" مما يؤدي إلى إرتفاع قاعه إرتفاعاً تدريجياً, أو يؤدي بمعنى آخر إلى إرتفاع سمتوى القاعدة بالنسبة للمجاري المائية المنحدرة صوب الحوض. وتحدث هذه العمليات في لاطور الشباب.
أما في طور النضج, فيقل إرتفاع الحواجز المرتفعة التي تفصل بين الأحواض المتجاوةر, وتتراجع ال تراجعاً مطرداً بفعل عمليات التسوية الجانبةي , الفيضانات الغطائية , وتتلاحم سفوح البديمنت المتجاورة بشكلها المقعر المعروف, وسرعان ما ترق وتتكون فيها بعض الثغورات والممرات الفتي كثيراً ما ترعف بممرات البديمنت تخترقها مياه المجاري المائية الت يتنحدر صوب أحد حوضين المتجاورين. وتستطيع بعد ذلك هذه المجاري ان تأسر الأنهار التي تنحدر صوب الحوض الآخر, ويتم في هذه المرحلة رجف الرواسب التي كانت قد تراكمت في احد الحوضين بدرجة أسرع, وإرسابها في الحوض الآخر الأكثر عمقاً, ويتقارب إزاء هذا مستوى سطح الأرض في الحوضين المتجاورين. وتأخذ الأرض المرتفعة التي تفصلهما عن بعضها البعض في الإختفاء, ولا تتخلف عنها إلا بعض التلال الصغيرة التي كثيراً ما تسمى الجزر الجبلية , ولو أن هذه التسمية شاع إستخدامها وأصبحت تطلق على أية كتلة جبلية ناتئة وتبرز وتعلو عما يحيط بها من أرض منخفضة. ولذا إقترح الجيومروفولوجي الأمريكي "ويليس " أن تسمى التلا التي تتخلف عن عملية تراجع "البديمنت" "بالبورنهارت " وذلك نسبة إلى الجيومورفولوجي الألماني "بونهارت" اذلي كان من أحسن العلماء الذين درسوا المناطق الصحراوية.
وفي مرحلة الشيخوخة يكمل عامل الرياح العمل الذي بدأته وواصلته المياه الجارية, إذ تعمل على إزالة الرواسب النهرية التي تراكمت على سطح الأرض في المنطقة الحوضية مما يؤدي إلى تحولها إلى شبه سهل يختفي كل ما عليه من تضرس.
ولعل هذه الدورة قد تتباعت مراحلها فعلاً على كل مناطق سهول الرق الصحراوية حتى تحولت إلى الشكل السهلي الذي تظهر عليه. ويتجلى أثرها في الصحراء الغربية التي تتألف من سطوح صخرية تقف كدليل رائع على تتابع مراحل دورة البديمنت الصحراوية.
الفصل العاشر: الجليد وأثره في تشكيل قشرة الأرض
يعتبر الثلج مظهراً من مظاهر التساقط, شأنه في ذلك شأن الأمطار. وهو عبارة عن بلورات متطايرة على شكل شظايا رقيقة تشبه زغب القطن, ويستاقط بخار الماء بعد تكاثفه على شكل ثلج إذا إنخفضت درجة الحرارة دون نقطة التجمد. وإذا كان تساقط الثلج غزيراً, وإذا ظلت الحرارة دواماً دون نقطة التجمد, فمن المستحيل أ، ذتوب الثلوج المتراكمة على سطح الأرض, بل يزداد سمكها وتتحول إلى طبقة صلبة من الجليد , لها مظهرها الخاص, كما أنها تتحرك فوق سطح الأرض على شكل أنها رجليدية تعمل - كالأنهار - على تغيير سطح الكرة الأرضية وتشكيل تضاريسها.
ويستاقط الثلج في واقع الأمر في العروض المختلفة, ولكنه يتساقط في العروض العليا والقطبية عند مستوى سطح البحر, بينما يتساقط على مناسيب أعلى من سطح البحر بكثير في العروض الدنيا, فهو لا يسقط في العروض المدارية إلا على قمم الجبال الشاهقة حيث تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون نقطة التجمد. ويعرف الخط الذي يمثل الحد الأسفل لغطاء ثلجي مستديم على قمم المرتفعات والجبال بخط الثلج الدائم. ولابد بطبيعة الحال من أن يختلف إرتفاع هذا الخط عن سطح البحر في الرعوض المختلفة, فهو في المناطق القطبية يتمشى مع سمتوى البحر, ويقع في جنوب جزيرة جرينلند على منسوب 2000 قدم فوق سطح البحر, ويتراوح إرتفاع هذا الخط في بلاد النرويج ما بين الأربعة آلاف والخمسة آلاف قدم, ويصل إرتفاعه في جبال الألب إلى 9000 قدم, وفي شرق أفريقيا إلى حوالي 16.000 قدم. وكثيراً ما يختلف خط الثلج الدائم على جانبي سلسلة جبلية واحدة, إذ يبلغ هذا الخط على منحدرات جبال الهيملايا التي تواجه شبه الجزيرة الهندية وهي الجوانب المشمسة حوالي 16.000 قدم, بينما لا يزيد إرتفاعه على أربعة آلاف قدم عند السفوح الشمالية لهذه السلسلة الجبلية, وهي السفوح الظلية - التي تتعرض لمؤثرات الكتل الهوائية القطبية الباردة.
حقول الثلج
إذا تراكم الثلج في منطقة حوضية أو في أحد تجاويف قشرة الأرض, فلابد أن تتحول طبقات الثلج المتجمعة من حالتها الهشة إلى حالة من التجمد والتصلب. وتعرف لاالمنطقة الحوضية حينئذ بالحقل الثلجي ( بالفرنسية وتسمى بالألمانية ) وتختلف كتل الجيلد التي تتراكم في حقول الثلج عن المياه المتجمدة, في أنها تحتفظ بقدر من الهواء بين جزيئاتها, ولهذا إذا ما تعرض سطح الحقل الثلجي للذوبان في فصل الحرارة العظمى, فلابد أن يتبع هذا تسرب المياه في الفراغات التي توجد بين جزيئات الحقل الثلجي, وتحل محل الهواء فيها, وسرعان ما تتجمد هذه المياه مرة أخرى فتعمل على زيادة تماسك الكتلة الجليدية وتصلبها. وإذا ما عمل قطاع في كتلة جليدية من هذا النوع, يمكننا أن نرى في هذا القطاع نوعاً من الطبقاية الواضحة نستطيع أن نعرف من دراستها سمك طبقة الثلج التي أضيفت في كل سنة من السنين التي تكونت إبانها الكتلة الجليدية.
الأنهار الجليدية
إذا تميز الحقل الثلجي بإتساعه, وبعظم كميات الثلج التي تاضف إليه سنوياً, تتكون في هذه الحالة ألسنة من الجليد تنحدر على جوانبه وتتحرك فوق سطح الأرض حركة محسوسة, وتعرف هذه الألسنة بالأنهار الجليدية, وذلك لأنها تشق لنفسها أودية واضحة الجوانب يملؤها الجليد بدلاً من الماء. ويختلف الجليد الذي يملأ أودية الأنهار الجليدية, عن جليد الحقول الثلجية, إختلافاً واضحاً في خصائصه الطبيعية, إذ بينما جليد الحقول الثلجية بكثرة فراغاته البينية وبمساميته, نجد أن الأنهار الجليدية جليد غير منفذ للمياه, شديد التماسك والصلابة.
وتتحرك الأنهار الجليدية على طول منحدرات الجبال من مصادرها الممثلة في الحقول الثلجية حركة بطيئة, ويلاحظ أن هذه الأنهار تتخير دائماً مناطق الضعف في قشرة الأرض, والتي تتمثل في معظم الأحوال إما في أودية نهرية جفت مياهها, أو على طول خطوط الإنكسار أو على طول الإمتداد المناطق الحدية بين التكوينات الجيولوجية. ويبلغ معدل تحرك الجليد وزحفه زهاء الستين قدماً في اليوم, وقد يصل هذا المعدل إلى أكثر من مائة قدم في اليوم كما هي الحال في الأنهار الجليدية حركة بطيئة للغاية لا تزيد عن قدم واحد في اليوم, وهذا ما تتيمز به الأنهار الجليدية الألبية. ويعزى بطء حرطة الجليد في الأنهار الجليدية بصفة عامة إلى أن الجليد جسم صلب شديد الإحتكاك بسطح الأرض أثناء حركته. وتكاد تتميز معظم الأنهار الجليدية بقصرها إذ يتراوح طولها بين ميل وعشرة أميال, كما أنها أنهار ضيقة لا يزيد عرضها على المائتي متر بأي حال من الأحوال.
ولا تتحرك كتلة الجليد التي توجد في نهر جليدي, بدرجة واحدة في جميع أجزائها إذ تتميز حركتها ببطئها عند جوانب الوادي وفي قاعه, ولكنها في نفس الوقت أسرع نسبياً في جزئه الأوسط. وقد إختلفت آراء العلماء وتضاربت بصدد تفسير الطريقة التي يتم بها تحرك الجليد, فمن قائل بأ، الإختلاف في السرعة بين الجليد الذي يتحرك عند الجوانب وذلك اذلي يزحف في الوسط, يؤدي إلى حدوث شقوق طولية في الكتلة الجليدية المتحركة هي التي تساعد على زحف الجليد. ولعل أقرب الآراء إلى الصحة ذلك الرأي الذي يعزو حركة الأنهار الجليدية إلى ضغط الجليد على قيعان الأودية مما يسبب هبوطاً في درجة ذوبانه, فتتحول بعض جزيئاته إلى مياه, وتعمل هذه المياه التي تظهر عند قاع النهر الجليدي على تشحيم كتلة الجليد وسهولة تحركها. وتعرف هذه العملية بعميلة الذوبان بالضغط . ويظهر مثل هذا الغشاء المائي الرقيق في قاع النهر الجليدي بوضوح كلما إزدادت سرعته, إما لشدة إنحدار الأرض التي يجري عليها أو لعظم الحقل الثلجي الذي يستمد منه جليده.
ومن أحسن الذين درسوا موضوع تحرك الجليد العالم السويسري "ديمورسيه " (1942) فهو يرى أن الجليد يخضع هو الآخر في حركته لقوة الجاذبية الأرضية مثله في هذا تماماً كمثل الأنهار أو المياه الجارية, إذ إنه أثناء إنتقاله من المستويات المرتفعة إلى المستويات المنخفضة يؤثر في نحت سطح الأرض إزاء ثقله على قشرتها, ولكنه زيادة عما يؤديه وهو خاضع لقوة جذب الأرض, يستطيع أن يتحرك فوق المرتفعات. ويرجع هذا إلى أن للجليد مرونة واضحة. فإذا صادف الجليد أثناء إنتقاله من السمتويات المرتفعة إلى مناطق منخفضة, عقبة من العقبات نوعاً ما, فإن ضغط الجليد بعضه على بعض يؤثر في مقدمة الجليد المتحرك ويجعلها تعلو زاحفة على هذه العقبة التي تعترضه, حتى إذا بلغ أعلى نقطة في هذه العقبة, إنحدر عليها من جديد. ومعنى هذا أن الجليد في هذه الحالة لا يخضع لقوى الجاذبية الأرضية, وذلك لأنه يستطيع أن يتحرك من أسفل إلى أعلى متأثراً في هذا بقوة الدفع التي تأتيه من الخلف. على أننا نلاحظ أنه إذا كان إنحدار قاع واد من الأودية الجليدية يتميز بأنه من الكفاية بحيث يسمح للجليد الزاحف بالتغلب على التأخر الذي ينجم عن إحتكاكه بسطح الأرض, فإن هذا يعني أن النهر الجليدي في هذه الحالة لن يختلف كثيراًِ عن النهر العادي.
ومازال موضوع كيفية تحرك الجليد في الأنهار الجليدية رغم هذه الآراء العديدة من الموضوعات التي يكتنفها شئ كبير من الغموض والتي مازال العلماء المتخصصون في الدراسات الجليدية يجاهدون في الكشف عن غوامضها بالدراسة والبحث.
أنواع الكتل الجليدية
تظهر الكتل الجليدية التي نشاهدها في مختلف جهات العالم على ثلاث صور رئيسية: فهي إما غطاءات جليدية مستديمة كتلك التي توجد في جزيرة جرينلند وقارة أنتاركتيكا, أو كتل جليدية تملأ أودية الأنهار الجليدية ,أو أنهار جليدية تمتد وتنتشر عند حضيض المرتفعات .
أولاً: الغطاءات الجليدية
وتكسو هذه الغطاءات مساحة شاسعة من سطح الكرة الأرضية, تمثل البقية الباقية من الأراضي الواسعة التي كان يغطيها الجليد البلايستوسيني في الزمن الجيولوجي الرابع, فقد كان الجليد ف يتلك الفترة يغطي مساحة كبيرة من شمال قارة أمريكا الشمالية تزيد على 4 ملايين ميل مربع, ومساحة أخرى كبيرة في شمال أوروبا تزيد على ميلوني ميل مربع, هذا بالإضافة إلى مناطق أخرى واسعة لم يتمكن العلماء بعد من أن يقدروا مساحتها وتتمثل أكبر هذه المناطق بصفة خاصة في سيبريا. أما أكبر المناطق التي مازالت تكسوها الغطاءات الجليدية فتظهر في الوقت الحالي في قارة أنتاركتيكا وفي جزيرة جرينلند.
أما غطاء أنتاركتيكا الجليدي فيغطي كساحة كبيرة من تلك الكتلة القارية تزيد على 3.5 مليون ميل مربع أي تكاد تقرب من مساحة قارة أوروبا بأجمعها, ويؤلف هذا الغطاء طبقة سميكة قد يزيد سمكها في بعض الجهات على ستة آلاف قدم. وتبرز فوق سطح هذا الغطاء الجليدي في المناطق الساحلية قمم جبلية ناتئة هي التي تعرف بالنواتئ , تفصلها عن بعضها البعض أنهار جليدية تنحدر صوب البحر, وقد تمتد كثيراً في مياهه. وكثيراً ما يمتد الغطاء الجليدي ذاته في مياه البحر لمسافات كبيرة, كتلة جليدية كبيرة هي التي تعرف بحاجز روس , وذلك لمسافات كبيرة تبلغ بضعة عشرات من الأميال. وتتميز حركة الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا بأنها حركة متناهية في البطء تتجه من منطقة مركزية صوب الأطراف حتى إذا بلغ الجليد سواحل هذه الكتلة القرية, إمتد فوق سطح الماء لمسافات كبيرة, أو قد يتكسر إلى كتل ضخمة تطفو فوق الماء على شكل جباال جليدية . وقد جابت أنحاء قارة أنتاركتيكا بعثات كشفية عديدة كانت آخرها البعثة النرويجية الإنجليزية السويدية التي قامت بأبحاث ودراسات عديدة فيما بين عامي 1950-1951 في القطاع النرويجي من القارة وهو الذي يعرف ب , وكان الهدف الرئيسي لهذه البعثة هو معرفة سمك الغطاء الجليدي بإستخدام طريقة إرتداد الصدى الصوتي, وهي طريقة مكنتهم من معرفة طبيعة صخور هذه القارة بعض المعرفة. فقد إتضح أن المناطق الساحلية يتراوح سمك هذا الغطاء ما بين 800, 2500 قدم, كما إتضح كذلك أن سمك هذا الغطاء الجليدي يتزايد تزايدأً مطردأً كلما إتجهنا من الساحل إلى الداخل حيث يصل إلى أوج سمكه (أكبر سمك سجل كان 7500 قدم), ومن النتائج الهامة الأخرى التي وصلت إليها هذه البعثة, أن سطح أرض القارة تحت الغطاء الجليدي السميك يتميز بوعورته المتناهية وكثرة تقطعه بواسطة أودية عميقة تشبه الفيوردات وتفصل بينها حافات فقرية قد تظهر بعض أجزاء منها فوق سطح الغطاء الجليدي على صورة قمم ناتئة .
أما الغطاء الجليدي الذي يغطي جزيرة جرينلند ويكسو ثلاثة أرباع مساحتها الأصلية (تبلغ مساحته حوالي نصف مليون ميل مربع) فتظهر بالقرب من هوامشه بعض القمم الجبلية الناتئة, ولكنها تختفي تماماً في الأصقاع الداخلية الواسعة. ويحد الغطاء الجليدي الجرينلندي حاجز جبلي مرتفع وخصوصاً من ناحية الغرب حيث يتميز الساحل الغربي للجزيرة بكثرة فيورداته وتعددها, أما على طول الساحل الشرقي, ثكيراًِ ما يمتد الغطاء الجليدي ويتعمق في مياه البحر حيث يظهر على شكل حائط رأسي مرتفع (كثيراً ما يسمى مجازاً بسور الصين الجرينلندي ). ويبدو الغطاء الجليدي في وسطه على هيئة كتلة قبابية هائلة يزيد إرتفاعها على عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر. وتظهر فوق هذه الكتلة القبابية أعلى قمم الجزيرة وهي قمة ماون فوريل في الجنوب الشرقي, ويزيد إرتفاعها على 11 ألف قدم. وقد كان يظن من قبل أن سمك الغطاء الجليدي في هذه الجزيرة يتراوح بين ألفين وسبعة آلاف قدم ولا يزيد بأي حال عن ثمانية آلاف قدم, ولكن الأبحاث الحديثة الأخيرة قد دلت على أن مساحات كبيرة من الصخور الأصلية التي يركز عليها الجليد تقع فعلاً دون مستوى سطح البحر بكثير, وهذا يدل على أن الغطاء الجليدي لابد أن يزيد سمكه كثيراً عن ثمانية آلاف قدم.
وتنحدر من كتلة الجليد الوسطى القبابية, بعض أنهار جليدية أهمها نهر همبولت الجليدي , الذي ينحدر صوب الشمال الغربي وينتهي إلى البحر على هيئة مرتفع يصل إتساعه إلى 40 ميلأً. ويبلغ إرتفاعه زهاء الثلاثمائة قدم, وكثيراً ما تنفصل من هذا الحائط الجليدي بعض كتل كبيرة تطفو فوق سطح المحيط الأطلسي وتتجه صوب الجنوب على هيئة جبال جليدية.
وتوجد غطاءات جليدية محدودة المساحة تعرف أحياناً بالهضاب الجليدية , أو الجزر الجليدية, ومن أهمها تلك الغطاءات التي تكسو سطح جزيرة سفالباد أو , وجزيرة نوفايازيمليا , وجزيرة أيسلند . ويغطي الجليد حوالي 1/8 مساحة الجزيرة ألأخيرة, ويظهر على شكل غطاءات منفصلة مبعثرة يعرف كل واحد منها باليوكول ويبلغ عددها 37. وأكبر هذه الغطاءات الصغيرة غطاء فاتنا الذي تبلغ مساحته 3300 ميل مربع. وتوجد كذلك في بلاد النرويج غطاءات جليدية أقل مساحة بكثير من الغطاءات الأيسلندية ويعرفها النرويجيون محلياً بالفييلدز وهي تمثل في الواقع مرحلة إنتقالية بين الغطاءات الصغيرة الأيسلندية وبين الأنهار الجليدية التي تنحدر على هيئة ألسنة من أحواض الثلج وحقوله.
الأودية الجليدية
وتمثل هذه الأودية أهم الظاهرات الجيومورفية التي تتميز بها صورة عامة السلاسل الجبلية الشاهقة التي توجد في مختلف جهات سطح الأرض. وهي - كما ذكرنا من قبل - عبارة عن ألسنة من الجليد تنتشر على جوانب الجبال ومنحدراتها من أحواض تجمع الجليد التي تعلو خط الثلج الدائم حيث تساعد البرودة على تماسك الثلج وتحوله إلى جليد صلب. وتتوقف أحجام هذه الأدوية الجليدية وأطوالها على مساحة أحواض تجمع الجليد, وعلى كمية التساقط من الثلج, وعلى درجات الحرارة في المناطق التي تخترقها هذه الأودية. وتظهر نهايات هذه الأودية الجليدية على شكل أودية مقعرة تمتد في المناطق التي يتعادل فيها مقدار ما يذوب من الجليد (نتيجة إحتكاكها بصخور القشرة وما يتبع هذا من إرتفاع درجة الحرارة وتعرهض للذوبان) مع مقدار ما يجلب إلى النهايات المقعرة من جليد من أحواض التجمع. فإذا ما إرتفعت درجة الحرارة أو قلت كمية الثلج المتشاقط على الجزء الأعلى من الوادي فلابد أن يتزايد إزاء هذا مقدار الجليد الذي يتعرض للذوبان, ويتعرض النهر الجليدي في هذه الحالة للإنكماش, ويقال في هذه الحالة أن النهر الجليدي آخذ في التقهقر , وقد إنكمشت معظم الأنهار الجليدية الألبية إنكماشاً ملحوظاً بهذه الطريقة إبان القرن الماضي.
ويمكننا من دراسة نه رألتش الجليدي - الذي ينحدر على جبال الألب في إقليم أن نعرف الشئ الكثير عن خصائص الأنهار الجليدية وأوديتها. إذ يبلغ طول هذا النهر الجليدي عشرة أميال, ويعد أطول الأنهار الجليدية الأوروبية, وفي هذا دليل على أن الأنها رالجليدية في معظم الأحوال أنهار قصيرة ليست ذات شأن كبير. وتتمثل بداية هذا الوادي في مجموعة من الأحواض الثلجية, يحاط كل حوض منها بحاجز من القمم الرمتقعة. وأهم هذه الأحواض حوضا يونجفرا ومنش ويتجمع جليد كل هذه الأحواض في حقل ثلجي واسع هو حقل الكونكورديكا بلاتز الذي يعلو فوق سطح البحر بحوالي 9200 قدم, وينحدر من هذا الحقل الواسع لسان من الجليد يتجه صوب الجنوب, يتمثل في نهر ألتش الجليدي الذي تحده من كلاا جانبيه حوائط صخرية مرتفعة. ومن أهم الظاهرات الجيومورفية التي يتميز بها وادي النهر الجليدي ما يلي:
1- الهوة الجليدية : وتوجد هذه الهوة الجليدية على هيئة ثغرة واسعة تفصل لسان الجليد الزاحف على شكل نهر جليدي, عن الحوائط الرمتفعة التي تحيط بحوض تجمع الجليد. وتظهر هذه الهوة في المعتاد في الجزء الأعلى من وادي النهر الجليدي, وكثيراً ما يغطي هذه الهوة العميقة معبر رقيق من الجليد المتجمد يمثل أحد الصعاب التي تواجه هواة التزحلق على الجليد, أو تسلق الجبال في هذه المناطق.
2- الشقوق الجليدي : وتتكون هذه الشقوق إذا ما إشتد إنحدار النهر الجليدي, أو تغايرت سرعة أجزاء كتلة الجليد الزاحف, ولابد أن يؤدي هذان العاملان معاً إلى حدوث نوع من الشد والتمزق في سطح الجليد فتتكون شقوق طولية وعرضية. وتتكون الشقوق العرضية إذا ما إزداد إنحدار أرض الوادي الجليدي, وتمتد هذه الشقوق عبر النهر الجليدي. أما الشقوق الطولية التي تمتد موازية لإتجاه زحف الجليد "وتدققه" فتحدث في حالة تغاير سرعة زحف الجليد المتحرك. وكثيراً ما تتقاطع هذه الشقوق في جميع الإتجاهات إذا ما إشتد إنحدار أرض الوادي الجليدي بصورة فجائية, ويتكون حينئذ ما يعرف بالمسقط الجليدي , الذي تظهر عنده مجموعة من الشقوق الغائرة العميقة وبعض كتل مدببة من الجليد. ويتميز وادي نهر ألتش الجليدي بأنه نهر منتظم في إنحداره إلى درجة كبيرة, ولذا تختفي منه ظاهرة المساقط الجليدية. ولكننا نرى في نفس الوقت بعض الأنهار الجليدية التي تنحدر من قمة من بلان بسويسرا كنهر دية بوسون الجليدي - تنحدر إنحداراً فجائياً من منسوب عشرة آلاف قدم إلى حوالي ثلاثة آلاف قدم, وذلك في مسافة لا تزيد على الميلين من مسيرها. ولذا يتميز نه ردية بوسون الجليدي بكثرة مساقطه الجليدية وبظاهرة الهبار الجليدي ومن أمثلتها ذلك الهبار الهائل الذي حدث في صيف سنة 1949.
2- يتميز سطح نهر ألتش الجليدي في فصلي الشتاء والربيع بشدة تراكم اللثج فوقه بدرجة كبيرة بحيث تختفي معالم الشقوق والهوات الجليدية, ويصبح من الخطورة بمكان تسلق هذا الوادي في هذين الفصلين. أما في فصل الصيف فيتميز سطح هذا النهر بوعورته. ويوضح معالم الشقوق والهوات وما شباههها, كما تظهر فوق سطحه بعض البرك الصغيرة التي تشبه البحيرات في أشكالها (وذلك أثناء النهار بصفة خاصة) كما تجري المايه الناتجة عن ذوبان الجليد على شكل جداول قصيرة تنحدر مياهها نحو الشقوق التي يكثر وجودها فوق سطح الغطاء الجليدي, وقد تنحت في بعض الأحيان حفراً صغيرة تشبه البالوعات فوق سطح كتلة الجليد, وتعرف مثل هذه الحفر بالحفر الجليدية .
4- والنهر الجليدي كما ذكرنا من قبل عامل هام من العوامل الجيومورفية التي تؤدي إلى النحت والنقل والإرساب. وسنبين في الصفحات القادمة الدور الرئيسي الذي يلعبه هذا العامل في تشكيل سطح الأرض. وكل ما يمكننا قوله في هذا المجال, إنه إذا كانت جوانب الوادي الذي يشغله النهر الجليدي, صخرية مرتفعة, ففي هذه الحالة تنهار منها كتل صخرية كثيرة تستقر على جانبي الوادي بحيث تبدو على شكل حائطي, وقد تسقط بعض المواد الصخرية على سطح كتلة الجليد, فتسقط في الشقوق التي تنتشر فوقه وبذا تتحرك مع زحفه وإنتقاله. ومنها ما يحتك بقاع الوادي فيسحق الصخور وينحتها. وتتكون من المواد المفتتة رواسب هائلة يحملها الجليد ويرسبها على شكل كومة هلالية الشكل عند نهايته, هي التي تعرف بالركام النهائي أما المفتتات الصخرية التي تتراكم على جانبي الوادي الجليدي فتعرف بالركامات الجانبية .
وإذا إتصل النهر الجليدي برافد من الروافد, فلابد أن يتحد ويلتحم الركامان الجانبيان لكلا النهرين الجليديين, ويتكون ركام واحد هو الذي يعرف بالركام الجليدي ألأوسط .
أنهار الخضيض الجليدية
كثيراً ما تنحدر الأنهار الجليدية على جوانب المرتفعات حتى تبلغ حضيضها, وتمتد عند مخارج هذه الأنهار من المنطقة المرتفعة على شكل ألسنة. وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتلاقى وتندمج هذه الألسنة عندما تبلغ الأرض المنخفضة التي تمتد عند أقدام المرتفعات, وتتكون كتلة جليدية واسعة يحدها "واد" واحد. وتظهر مثل هذه الكتل المندمجة في أنتاركتيكا وشبه جزيرة ألاسكا. ففي المنطقة الأولى يوجد ال في الجزء الجنوبي من فيكتوريا لاند, أما في شبه جزيرة ألاسكا فيوجد أكبر نهر جليدي ينتمي إلى هذا النوع وهو ال , الذي يمتد فوق مساحة كبيرة من الأرض تزيد على 1500 ميل مربع على طول إمتداد سلسلة جبال سانت إلياس التي تطل على المحيط الهادي بحوالي 1500 قدم, ويزيد سمك كتلة الجليد الهائلة التي توجد به على الألف قدم.
ويمكنالقول بصفة عامة بأن ظاهرة الأنهار الجليدية المندمجة التي توجد عند أقدام المرتفعات, ظاهرة قليلة الإنتشار على سطح الأرض في وقتنا الحالي, ولعلها كانت ظاهرة شائعة إبان العصر الجليدي البلايستوسيني, فمن المحتمل أن بعض هذه الأنهار الجليدية كان يمتد على طول المنحدرات الشمالية لجبال الألب فوق هضبة بافاريا فيما بين جبال الألب ونهر الدانوب, كما أن الجزء الشمالي من سهل لمبارديا الذي يمتد على طول المنحدرات الجنوبية لجبال الألب من المحتمل أنه كانت تحتله هو الآخر أنها رجليدية مندمجة.
النحت بفعل الجليد: إختلفت آراء العماء وتضاربت في القرن التاسع عشر فيما يتصل, بقدرة الجليد المتحرك على النحت,تبلور هذا الإختلاف حول نقطة واحدة, وهي فيما إذا كانت تلك الصور التضاريسية التي توجد في المناطق التي شاهدت عصراً جليدياً فيما مضى, ناجمة عن عمليات النحت بفعل الجليد أو المياه الجارية, ويبني الذين يعتقدون بأن المايه الجارية هي التي كونت تلك الصور التضاريسية, وجهة نظرهم على أساس أن الجليد إذا غطى قشرة الأرض في منقطة من المناطق, فهو غالباً ما يكون بمثابة درع لها يقيها من أن تؤثر فيها عوامل النحت.
ومن الحقائق المتفق عليه الآن, أن للجليد قدرة هائلة على النحت, هذا مع ملاحظة أن المياه الجارية كثيراً ما تلعب دوراًِ هاماً في النحت عند حواف الكتل الجليدية وهوامشها تماماً مثلما حدث إبان الفترات ما بين الجليدية. كما أن التجوية الميكانيكية تساهم هي الأخرى في تفكيك الصخر وتفتيته في المناطق التي تبرز فيها فوق حقول الثلج قمم أو حافات مرتفعة, وذلك بواسطة الصقيع .
ويقوم النهر الجليدي بعمله في النحت بالطرق الاتية:
1- طريقة الألتقاط , إذ إن الجليد عندما يزحف في واديه يلتقط كل ما يصادفه في قاع الوادي من الجلاميد وحجارة ويدفعها معه.
2- قوة ضغط الجليد وثقله على الصخور, إذ يساعد ثقله العظيم وما يحمله من مواد صخرية إلتقطها أثناء زحفه, على نحت الصخور وصقلها وتجويفها وخدشها . . إلخ.
3- يعمل ثقل الجليد وضغطه على صخور القشرة بالإضافة إلى إحتكاك المواد التي يحملها بعضها ببعض, على طحن الصخور بحيث يؤدي هذا إلى تكوين رواسب متناهية في النعومة هي التي تعرف بدقيق الصخر , كما يؤدي هذا إلى تكوين مفتتات صخرية مختلفة الأشكال والأحجام, تختلف تماماً عن ذلك الزلط المصقول المستدير الذي تحمله مياه الأنهار.
وتعتبر الأنهار الجليدية من العوامل الرئيسية التي تعمل على نحت سطح الأرض في المناطق الجبلية المرتفعة التي يتكون فيها الجليد. ومن الأمور الثابتة التي يجمع العلماء على صحتها, أن معظم الأنهار الجليدية لا تجري في أودية حفرتها لنفسها إنما تجري في أودية قديمة حفرتها المياه الجارية, وتدأب هذه الأنهار في الأطوار الأولى من حياتها على تعميق أوديتها سواء بوساطة ضغط جليدها على قاع الوادي, أو بما تحمله من حطام ومواد صخرية تساعدها على النحت الرأسي مما يؤدي في النهاية إلى شدة عمق هذه الأودية.
ولا جدال في أن مقدرة الأنهار الجليدية على النحت الرأسي تفوق كثيراً مقدرتها على النحت الجانبي, ولذا تتميز أودية هذه الأنهار بعمقها الكبير وبقلة إتساعها. ويتميز النهر الجليدي بأنه لا يتبع في مسيره إنحناءات الوادي (الذي حفرته المياه في أول الأمر) بل يعمل بواسطة قوة ضغطه على إزالة أي سفوح معزولة , ولهذا تبدو أودية الأنهار الجليدية وقد خلت من الإنثناءات والمنحنيات وتكاد تتميز بإستقامتها بصورة عامة. كما تمتاز جوانب هذه الأودية, بأنها رأسية أو شديدة الإنحدار بحيث يبدو القطاع العرضي لوادي النهر الجليدي على شكل حرف "", وهو بهذا يختلف إختلافاً جوهرياً عن الوادي النهري الذي يبدو مقطعه العرضي المنتظم قريب الشبه من حرف "".
وقد غيرت الأنهار الجليدية - التي توجد في المناطق الجبلية المرتفعة - الشئ الكثير من خصائص أودية الأنهار القديمة, لدرجة جعلتها تختلف تماماً عن الصورة التي تكونت بها هذه الأودية في مبدأ الأمر. ولهذا يمكن القول بأن عملية النحت بفعل الجليد, عملية تسهم إسهاماً كبيراً في تشكيل قشرة الأرض, وتعد مسئولة عن تكون ظاهرات جيومورفية لعل أهمها ما يلي:
1- دارة الجليد : وهي أهم الظاهرات الجيومورفية, التي تتميز بها المناطق الجبلية المرتفعة التي لها من إرتفاعها ما يجعلها تتأثر بعمليات النحت الجليدي, ودرات الجليد هي تلك الأحواض التي تشبه إلى حد كبير حلبات الملاعب ومدرجاتها إذ إنها تكاد تحاط بحوائط أو جوانب رأسية (على أنه لا يشترط أن تحيط مثل هذه الجوانب الرأسية بهذه الأحواض من كل جهاتها) وتوجد مثل هذه الحلبات في الأجزاء العليا من الأودية الجليدية, وقد تتألف منها رؤوس هذه الأودية في معظم الأحوال. وليس أدل على أن الحلبات من أهم الظاهرات الجيومورفية الناجمة عن عمليات النحت بفعل الجليد, من أن هذه الظاهرة تكاد تخلو منها منطقة جبلية مرتفعة تتأثر بالجليد, ويظهر هذا في الألافاظ التي تطلق عليها في اللغات المختلفة, إذ تعرف الحلبات بالألمانية بال , وباللغة الولشية (لغة سكان ويلز) بال , وفي إسكتلنده بال , وفي إقليم كمبرلاند بإنجلترة بال , كما تعرف في شبه جزيرة إسكندناوه بال أو الكييدل .
وتتميز "الحلبات" التي تتخلف عن ذوبان الجليد بأنها تـألف من ثلاثلة أجزاء: المنطقة الحوضية,ونطاق المرتفعات التي يحيط بها, وعتبة أو أو مدخل . أما المنطقة الحوضية فتبدو على شكل فجوة مقعرة الشكل تمتد على طول سفح جبلي, وتحيط بها من ثلاثة جوانب حوائط مرتفعة يتراوح إرتفاعها بين 2000, 3000 قدم, ومن أهم خصائص هذه الحوائط المرتفعة أنها شديدة الإنحدار, وتنتهي أرض الحلبة في معظم الأحوال على شكل "عتبة" مرتفعة نوعاً ما ولكنها أقل إرتفاعاً من الحوائط التي تحيط بها, ولهذا كثيراً ما تحتل قيعان الحبلات بعض البحيرات الصغيرة التي تسمى ببحيرات الحبلات (وتعرف في إسكتلنده بال ) ولا يمنع إنحدار المايه منها طول السفح الجبلي الذي تكونت فيه فجوة الحلبة, إلا وجود "العتبة" المرتفعة عند نهايتها.
وقد تقدم عدد كبير من الجيومورفولوجيين بنظريات عديدة لتفسير الطريقة التي تكونت بها الحبلات, ولعل أكثر هذه النظريات قبولاً تلك التي تفسر نشأة هذه الأحواض بأنها كانت في مبدأ الأمر قبل أن يملأها الجليد عبارة عن فجوات صغيرة حفرتها المسيلاتا المائية المنحدرة على سفوح المرتفعات, ثم وسعت هذه الفجوات توسيعاً مطرداً بعد ذلك. وعندما يتراكم الثلج في إحدى هذه الفجوات, فلابد أن يؤدي هذا إلى تفكيك صخور هوامشها, وذلك لتعاقب ظاهرة التجمد والذوبان. وفي الفترات التي يتعرض فيها الثلج المتراكم للذوبان, تعمل المياه الناجمة عن ذوبانه علىإزالة المفتتات الصخرية التي تتساقط عند الهوامش وبذا تتسع مساحة الفجوة وتتحول إلى حوض واسع يزداد إتساعاً بفعل عملية التجوية الميكانيكية وبفعل المياه الناتجة عن ذوبان الجليد, هذا بالإضافة إلى إشتداد تراكم الثلج في وسط المنطقة الحوضية - وذلك لأن إنحدار جميع جوانبها صوب الوسط - يؤدي إلى إشتداد عملية النحت الجليدي في الوسط وضعفها عند المخرد فتتكون العتبة.
2- القمم والحافات المسننة : إذا إستمرت الحبلات المتجاورة تزداد إتساعاً وعمقاً , فلابد أن يؤدي هذا إلى تكوين قمم جبلية حادة مدببة. فإذا أتسعت حلبتان تقعان على كلا جانبي سلسلة جبلية, تكونت في هذه الحالة حافة فقرية حادة تفصل الدارتين عن بعضهما البعض. وبإطراد عملية توسيع هاتين الدارتين, لا تبقى بينهما إلا بعض القمم الحادة الممزقة التي لا تلبث هي الأخرى أن تنهدم, ثم ينشأ غيرها نتيجة تعمق الحلبات وتوسعها وتقابلها مع بعضها البعض على طول جوانب الكتل الجبلية. ولذا تتميز القمم الجبلية التي توجد ف يمناطق تتأثر بعمليات النحت الجليدي, بانا في معظم الأحوال عبارة عن قمم حادة مسننة تختلف تماماً عن المرتفعات المستديرة المصقولة التي توجد في الأقاليم الرطبة.
3- الأحواض الجليدية : ولا يقصد بهذه الأحواض حقول الثلج , بل هي عبارة عن الأحواض الطولية التي تظهر في معظم الحالات في الأجزاء العليا من الأودية الجليدية,وتبدأ الأحواض الجليدية عند أعتاب الحلبات, التي تنحدر إنحداراً فجائياً شديداً صوب قيعانها.
4- الأودية المعلقة : وهي عبارة عن روافد نهر جليدي كبير, تحتل أودية جانبية, ولم يتمكن الجليد الذي يملؤها من تعميق هذه الأودية إلى مستوى قاع الوادي الجليدي الرئيسي, فتبقى معلقة, أو مرتفعة عن أرض الوادي الرئيسي.وكثيراً ما تعتبر هذه الأودية دليلاً حاسماً على أن المنطقة التي توجد بها قد تأثرت بفعل الجليد, ولكننا نرى أن ظاهرة الأودية المعلقة قد تتسم بها الأنهار في بعض الأحوال, وخصوصاً إذا كان جريان الماء في روافده متقطعاً وغير منتظم أو إذا كانت كمية المياه التي تحملها هذه الروافد كمية قليلة مما يؤدي إلى عدم إستطاعتها أن تعمق أوديتها إلى مستوى وادى النهر الرئيسي.
5- الفيوردات : يكاد يتفق عدد كبير من المتخصصين في الدراسات الجليدية, على أن الفيرودات ما هي إلا أودية جليدية إستطاع الجليد أن يعمقها كثيراً إلى ما دون سطح البحر. ولكننا نرى نقرأ آخر من العلماء يرجحون أن هذه الأودية الجليدية قد تكونت في بادئ الأمر فوق سطح البحر ثم تعرضت بعد ذلك لطغيان مياهه. ولكن المهم هو أن الرأي القديم القائل بأن الفيوردات قد تكونت بفعل عوامل تكتونية لم يعد يأخذ به أحد من العلماء, وآل إليه الأمر إلى الإختفاء والزوال تماماً. ولكننا قد نجد الفيوردات وقد تحكمت في إتجاهاتها خطوط إنكسارية, ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أن مثل هذه الفيوردات قد نشأت كأغواراً ثم غمرتها مياه البحر,بل كل ما في الأمر أن خطوط الإنكسارات قد تحكمت بعض التحكم في إتجاهاتها. وعلى هذا يمكن القول بأن الفيوردات إنما تكونت في الواقع بفعل عمليات النحت الجليدي وحدها.
الصخور المحززة : وهي عبارة عن صخور ناتئة في قيعان الأودية, تمتاز بشكلها المحدب, ويرجع السبب في بقائها ناتئة في قاع النهر الجليدي, إلى أن الجليد أثناء نحته لقاعه نحتاً راسياً لم يستطع إزالتها, بل إندفع فوقها وإحتك بها. ولذا تتميز جوانب هذه الكتل التي تواجه الجليد الزاحف بسطحها المستدير, وبتحززها , أما جوانبها التي تواجه مصب النهر الجليدي أو نهايته, فتتميز بتجعدها وعدم إنصقالها - وخصوصاً إذا كانت هذه الجوانب كثيرة الشقوق والمفاصل - ويعزى هذا إلى أثر عملية الإلتقاط الي يقوم بها الجليد على هذا الجانب. ولذا تتميز جوانبها التي تواجه الجليد الزاحف أو التي تواجه الأجزاء العليا من الوادي الجليدي بمعنى آخر - بأنها أقل إنحداراً من جوانبها التي تواجه مصب النهر الجليدي أو نهايته.
الإرساب بفعل الجليد: تتميز الرواسب الجليدية على إختلاف أنواعها بعدم تجانسها وبغختفاء ظاهرة الطباقية منها, وهي بهذا تختلف إختلافاً جوهرياً عن بقية أنواع الرسوبيا الأخرى سواء كانت هذه التكوينات الرسوبية, نهرية أو بحيرية . . .إلخ. ولعل أهم أنواع الإرسابات الجليدية هي تلك الأكوام الهائلة من الجلاميد والحصى والطين التي تعرف بالركامات الجليدية . ويمكننا أن نفرق بين عدة أنواع من هذه الركامات.
أولاً: الركام النهائي : وهو الذي يتكون عند نهاية النهر الجليدي بعد أن يتعرض للذوبان, مما يدل على أن عملية الإرساب قد حدثت عند نهاية النهر الجليدي.ومنذ بضع سنوات كانت تعرف الرواسب التي تتراكم عند نهايات الأنهار الجليدية بالركامات التراجعية على أساس أنها ترتبط بظاهرة تراجع النهر الجليدي وتقهقره عندما يتعرض جليده للذوبان, وعلى أساس أنه إذا وجدت خطوط من هذه الركامت عند نهاية النهر, ففي وجودها ما يدلنا على المراحل التي مر بها النهر الجليدي عند تقهقره. ولكننا يمكن أن نجزم الآن بأن كل هذه الركامات ليست ركامات تراجعية, فقد يدل بعضها على مراحل تقهقر الجليد, كما قد يدل بعضها الآخر على المراحل التي تقدم فيها, وخصوصاً أن تقهقر النره الجليدي لم يكن مطردأً بل يتميز بتذبذه, وببهض فترات كان يتقدم فيها الجليد أحيانأً. ولكننا مع هذا لا يمكننا التفرقة بين الركامات التراجعية والركامات التي تتكون بعد تقدم النهر الجليدي وتقهقره خلا عملية إنكماشه. وعلى هذا يحسن دائماً أن نطلق على الرواسب التي تراكم عند نهايات الأنهار التراجعية, إصطلاح الركامات النرهاشية, وهو إصطلاح أدق بكثير من إصطلاح الركامات التراجعية. ومما يجدر ذكره, أن ارلكامات النهائية لا يشترط أن تتكون عند نهايات كل الأنهار الجليدية المتقهقرة, بل يتوقف ترسبها على عدة عوامل نذكر منها: المدر اليت تمكثها جبهة الجليد الزاحف في وضع واحد لا تحيد عنه, وحمولة الأنهار الجليدية من الرواسب, وعلى طاقة الأنهار الجليدية على نحت المواد الصخرية بنفس السرعة التي تتراكم بها هذه المواد.
ثانياً: الركامات الجانبية : وتتكون على كلا جانبي النهر الجليدي. وتتألف مواد هذه الرواسب من المفتتات الصخرية التي تسقط من حوائط الوادي وجوانبه, بواسطة عمليات التجوية (فعل الصقيع, أو تتابع التجمد والذوبان) وعمليات الإنهيار والتهدل الأرضي كالهيارات الجليدية, وإنزلاق الجليد . . .إلخ. ولا تظهر الركامات الجانبية على هيئة خطوط متصلة تمتد على طول كلا جانبي النهر, إذ قد تظهر في جانب واحد دون الآخر, ويرجع هذا إلى أن الأنهار التي إحتلت الأودية الجليدية بعد إنتهاء العصر الجليدي, كثيراً ما تعمل على تقطيع هذه الركامات أو إزالتها بواسطة عمليات النحت الجانبي, وقد تحصر بعض البحيرات الصغيرة بين الركام الجانبي وبين حائط الوادي.
ثالثاً: الركام الأوسط : وهو الذي يتكون إذا ما إتحد ركامان جانبيان ف يمجرى واحد, أو عندما تتصل عدة أنهار جليدية وتنحدر كلها في مجرى واحد - كما يحدث في حالة الأنهار الجليدية التي توجد عند حضيض المرتفعات - إذ تظهر الركامات الوسطى في هذه الحالة على شكل عدة خطوط متوازية. ولكن يمكن القول بأن الركامات الوسطى تمثل في واقع الأمر إحدى الظاهرات الجيومورفية التي تميز الأنهار الجليدة, ولكنها تظل على سطح الأرض فترة محدودة بعد أن يذوب جليد هذه الأنهار إذ تشغل أوديتها مجار مائية.
رابعاً: الركام الأرضي : ويتألف منتلك الرواسب الهائلة التي يتركها النهر الجليدي في قاعه بعد أن يذوب جليده, على أننا نرى في الحقيقة أن الركامات الأرضية تتكون بصفة خاصة في المناطق التي تغطي سطح الأرض فيها غطاءات جليدية صغيرة (كغطاءات اليوكول في إيسلنده أو الفييلد النرويجي) أما في حالة الأنهار الجليدية, فالمعروف أن لهذه الأنهار طاقة كبيرة على إلتقاط المواد الصخرية التي توجد في قيعانها ونحتها. ولهذا تتميز الركامات الجليدية الأرضية التي تتكون في الأودية الجليدية, بأنها تتألف من رواسب رقيقة قليلة السمك إذا ما قورنت بتلك التي تتكون ف يمناطق الغطاءات الجليدية.
الرواسب الجليدية النهرية : تساهم المايه التي تجري على شكل أنهار خلال الجليد أو تحت سطحه أو عند قاعه, مساهمة كبيرة في نحت المواد الصخرية وحملها وإرسابها. وتتميز الرواسب النهرية بتشابهها مع الرواسب الجليدية ولكنها تختلف عنها في أنها قد أعيد ترتيبها وتوزيعها فترسبت بشئ من التناسق, ويتوقف هذا التصنيف على طول المسافة التي حملتها فيها الأنهار قبل أن ترسبها. وتعرف مثل هذه مثل الرواسب بالرواسب الجليدية النهرية, ومنأمثلتها رواسب الإسكرز , والكام . . .إلخ.
رواسب الإسكرز : وهي عبارة عن رواسب من الطفل والرمل والحصى تبدو على شكل حافات فقرية , وتتميز المواد التي تـألف منها بأ،ها موزعة توزيعأً منتظماً,وبأنها قد تظهر على شكل طبقات, كما أ، حبيبات الرمال والحصى ذات شكل مستدير أو بيضاوي مما يدل على أنها رواسب جليدية أعادت الأنهار التي كانت تجري تحت الجليد عملية توزيعها وترتيبها. ويكثر وجود مثل هذه الحافات الفقرية من الرواسب بالقرب من جوانب الوادي الجليدي, بحيث تظهر قريبة الشبه من الركامات الجانبية. على أن التفرقة بينها وبين الركامات الجليدية التي تتميز بعدم تجانس المواد التي تتألف منها وبإخفاء ظاهرة الطباقية منها أمر لا يصعب القيام به.
رواسب الكام : وهي عبارة عن تلال صغيرة منخفضة تتألف من مواد أرسبتها المياه الجارية ولكنها لم تصنف أو يعد توزيعها بالردجة التي تمت بها إعادة توزيع رواسب الإسكرز, وقد أرسبت هذه المواد أول ما أرسبت فوق سطح الجليد في بعض الحفر الوعائية المستديرة التي تظهر فوق سطح الجليد أو في الشقوق أو في المناطق المنخفضة التي تفصل جليد النهر الجليدي الزاحف عن حوائط وادية - وهي التي تعرف بال - كما أنها قد تتكون على صورة رواسب مروحية أو مخروطية على طول جبهة النهر الجليدي عند نهايته.وقد ترسبت هذه الرواسب في هذه المواضع المتلفة, إما أنهار تتخلل الجليد أو أنهار تجري في قاع النهر الجليدي تحت جليده المتراكم.
رواسب الجلاميد الصلصالية : وهي عبارة عن تلك الرواسب التي تتألف من صلصال ناعم يختلط بجلاميد صخرية توجد بصفة خاصة عند أطراف الغطاءات الجليدية, وهي التي يتعرض الجليد عندها للذوبان أكثر من غيرها من المواضع, مما يؤدي إلى إرساب المواد التي يحملها على شكل سلسلة من التلال.
وكثيراً ما يتساوى سمك هذه الرواسب مما يؤدي إلى تسوية سطح الأرض لأن الرواسب الجليدية التي تتراكم في المناطق المنخفضة أكثر سمكاً بكثير من الرواسب التي تتراكم في المناطق المرتفعة, أما إذا كان سطح الأرض يتميز أصلاً بإستوائه فلابد أن يؤدي تراكم الرواسب الجليدية فوقه إلىظهوره بصورة وعرة, وخصوصاً إذا كانت هذه الرواسب من الركامات الأرضية التي لا تتوزع في قاع النهر الجليدي بسمك واحد.
الكتلة الضالة : وهي عبارة عن كتل صخرية ضخمة نقلها الجليد لمسافات طويلة ثم أرسبها في مناطق متفرقة بعيدة تماماً عن مصادرها الأصلية. وتتميز هذه الكتل بكثرة تخدش سطوحها مما يدل على أن الجليد قد أثر فيها, كما أن في أشكالها المستديرة ما يدل على أنها دفعت بفعل المايه التي عملت على إستدارتها, فهي إذن رواسب جليدية نهرية, وقد تبدو هذه الكتل المعلقة فوق نتوءات بارزة من الأرض, أو فوق بعض القمم الجبلية المدببة وتعرف في هذه الحالة بالكتل المعلقة , ولكنها تظهر في معظم الحوال في المناطق السهلية أو في قيعان الأودية اليت كان يملؤها الجليد في وقت من الأوقات. وقد كان "لوي أجاسيز " أول من أطلق على تلك الكتل الصخرية - إسم الصخور الضالة وذلك لأن مصادرها ومواطنها غير معروفة, وفي وجود هذه الكتل الضالة أو المعلقة, دليل ثمين, يرشد العلماء ويهديهم إلى تتبع إتجاهات حركة الجليد الزاحف ومعرفة أقصى إمتداد له.
الكثبان الجليدية : وهي عبارة عن تكوينات الجلاميد الصلصالية اليت تم ترسيبها على صورة تلال أو كثبان مستديرة الشكل, تتفاوت كثيراً في أحجامها, فقد تتراوح أطوالها ما بين بضعة أمتار وأكثر من 1500 متر, ويكثر وجود هذه التلال في الجزر البريطانية, في إيرلنده الشمالية, وفي السهول الوسطى الإسكتلندية, حيث تظهر ف يالمناطق الساحلية وتظهر بصفة خاصة بين خطوط الركامات النهائية المتوازية. ويبدو اللاندشافت الطبيعي في المناطق التي تظهر فيها على سطح الأرض مثل هذه التلال المستديرة على شكل أحواض طولية (الأراضي الوطيئة التي تنحصر بين الركامات النهائية) تنتشر عليها تلك التلال البيضاوية أو المستديرة.
ويرجح أن هذه التلال قد تكونت نتيجة تجمع الرواسب (الجلاميد الصلصالية) تحت الجليد فوق قاع الوادي الجليدي, وذلك في المناطق التي كان الجليد يحمل فيها قدراًِ كبيراًِ من الرواسب والمفتتات الصخرية, وهكذا تراكمت رواسب الجلاميد الصلصالية على هيئة تلال تحت الجليد. وتمتد محاور هذه التلال في معظم الأحيان في نفس إتجاه زحف الجليد وتقدمه. والفرق الرئيسي بين رواسب الكثبان الجليدية, والركامات الأرضية أن النوع الأول من الرواسب قد تكون تحت جليد زاحف متحرك, أما الركامات الأرضية فلم يتم ترسيبها إلا بعد ذوبان الجليد وإرسابه لمعظم حمولته من الرواسب.
والآن وقد وصلنا إلى هذا الحد يحسن بنا أن نشير إلى عدة حقائق هامة:
(الحقيقة الأولى): وهي أنه يجب أن نتذكر دائماً أن الأنهار التي كانت تتخلل الجليد الزاحف أو التي تنحدر على طول هوامشه لها طاقة كبيرة على النحت, ويظهر هذا من دراسة الغطاء الجليدي البلايستوسيني الذي كان يغطي شمال ووسط أوروبا في الزمن الجيولوجي الرابع, فقد كانت نهاية هذا الغطاء الجنوبية تمتد إمتداداً عرضياً من اشلرق إلى الغرب موازية لإمتداد المرتفعات الوسطى بالقارة الأوروبية (الألب والركبات إلخ), وعندما تعرضت هوامش الجليد للذوبان لم تستطع المياه الجارية أن تتحرك شمالأً أو جنوبأًِ بل إنحدرت غرباً على طول إمتداد النهاية الهامشية للغطاء الجليدي, وهذا يعني أن هذه المياه كانت تنصرف إلى بحرالشمال في الأوقات التي كانت تتجمد فيها مياهه. وقد أدى هذا إلى حفر منخفضات عرضية تمتد من الشرق إلى الغرب هي التي تعرف في ألمانيا (باودية الأنهار القديمة ), كما أن هذه الظاهرة شائعة الحدوث في بولندا حيث تعرف بمنخفضات البرادوليني . وهكذا تكونت سلسلة متتابعة من هذه الأحواض العرضية يرتبط طل حوض منها بفترة من فترات تراجع الجليد وتقهقره. وتتميز الأنهار الحالية التي تخترق السهل الأوروبي الشمالي - كنهر الأودر , والألب , والإيمز بأنها تتجه كلها من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي, ولكننا نلاحظ أن هذه الأنهار كثيراً ما تجري في بعض أجزاء من ال أو البرادوليني, وهذا يفسر لنا تلك الأكواع والإنحناءات التي تتميز بها في بعض اجزاء من مجاريها. وقد إستغلت أجزاء أحواض "الأورسترومالر" التي لم تخترقها مجار مائية, في شق شبكة القنوات الملاحية المعروفة بشبكة ال التي تسير معظم قنواتها من الشرق إلى الغرب.
(الحقيقة الثانية): تعمل المياه الناتجة عن ذوبان الجليد عند نهايته على إرساب غطاءات من الصلصال والرمال والحصى على سطح الأرض. وغني عن الذكر أن المواد الناعمة من هذه الرواسب - كالصلصال مثلأ - قد تسربت في المعتاد في البحيرات القديمة اليت كانت تتكون في كثير من الحالات عند نهاية الغطاء الجليدي, كما هي الحال في بحيرة أجاشيز القديمة في أمركيا الشمالية التي كانت عظيمة الإتساع فيما مضى بحيث كانت تشغل مساحة واسعة من السهول الوسطى الكندية, وتمثل بحيرات وينبج , و , وماونيتوبا , وأثاباسكا , وجريت بير, وجريت سليف . . بقايا هذه البحيرة القديمة التي تخلفت عن طمر مساحات كبيرة منها برواسب صلصالية سميكة هي التي تـتألف منها السهول الصلصالة الخصيبة المعروفة "بسهول العزق" ( ) في كندا الوسطى, أما في السهل الأوروبي العظيم فقد ترسبت المياه الناتجة عن ذوبان الجليد غطاءات سميكة من الرمال تظهر فوقها في بعض المواضع جزر حصوية. وقد يزيد سمك هذه الرواسب في بعض الحالات على 250 قدماًِ, وهي تغطي الركامات الأرضية القديمة. وقد قطعت "أودية الأنهار القديمة , والأودية النهرية الحالية كالألب والإيمز والفيزز , هذه الرواسب, إلى مسطحات مرتفعة تفصل بينها أودية الأنهار وسهولها الفيضية. وتعرف المسطحات الرملية منها بمسطحات الجيست التي تكسوها في ألمانيا المروج المعروفة بالهيث (وأكبر هذه المروج ) ولهذا فهي تمثل أجود مناطق الرعي في ألمانيا.
(الحقيقة الثاثة): تتضح لنا قدرة الجليد على النحت والحمل والإرساب من دراستنا للجليد الذي يتكون في المناطق الجبلية, أو الذي يغطي المناطق السهلية على صورة غطاءات جليدية سميكة, وسواء وجد الجليد في منطقة محلية محدودة, أو إنتشر فوق منطقة واسعة الأرجاء, فالآثار التي تنجم عن قدرته على القيام بالعمليات الجيومورفية الثلاث (النحت والحمل والإرساب) آثار هامة تتمثل في تغيير مجاري الأنهار, وفي تكوين البحيرات, والسهول الصلصالية الجليدة الخصيبة, والركامات الجليدية, والتلال الجليدية - . . . إلخ, على أننا نرى في الواقع, أن أوضح الآثار الجيومروفية التي تخلفت عن فعل الجليد هي تلك التي تكونت أثناء عصر الجليد البلايستوسيني في الزمن الجيولوجي الأربع, وذلك لأن الجليد في ذلك العصر غطى مساحات واسعة من سطح الأرض وأثر في سطحها تأثيراً كبيراً, ويضاف إلى هذا أن تكون الغطاءات الجليدية فوق مناطق واسعة من نصف الكرة الشمالي قد أدى إلى إضطراب العلاقة بين مستوى اليابس والماء. ففي الفترات التي كان يتقدم فيها الجليد كان يتميز مستوى سطح مياه البحار والمحيطات بإنخفاضه, وذلك لتحول جزء كبير من المياه التي تنصرف إليها, إلى جليد يكسو سطح الآرض. أما في الفترات ما بين الجليدية التي كانت تذوب فيها الغطاءات الجليدية وتقهقر فكان سطح البحر يتعرض للإرتفاع. وقد أدى تراكم الغطاءات الجليدية كذلك, إلى الإخلال بحالة التوازن الأرضي فلاشك إذن في أن السواحل البحيرية القديمة ترتبط إرتباطاً وثيقاًِ بتراكم الغطاءات الجليدية أو ذوبانها, كما أن تذبذب مستوى سطح مياه البحار والمحيطات يرتبط إرتباطاً وثيقاً بظاهرة المدرجات النهرية. ومن الظاهرات الأخرى التي ترتبط أوثق إرتباطأً بظاهرة إرتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات ثم هبوطه ظاهرة تكون الحلقات والجزر المرجانية .
الفصل الحادي عشر: جيومورفولوجية السواحل
السواحل هي مناطق الإحتكاك بين الماء واليابس, وقبل أن ندخل في تفاصيل دراسة نشاط الأمواج والتيارات البحرية وحركة المد والجزر كعوامل النحتا والإرساب, يحسن أن نحدد المعاني التي تدل عليها الألفاظ العديدة التي تستخدم عند الكلام عن السواحل. فكلمة ساحل, بمعناها العام تدل على المناطق التي تتلاقى عندها مياه البحار والمحيطات بكتل القارات. وقد تظهر السواحل على هيئة نطاقات ضيقة تمتد على طول البحر, كما أنها كثيراًِ ما تمتد إلى جانب مياه البحر مباشرة بحيث تنحصر بين أخفض منسوب لمياه المد وبين قواعد الحوائط المرتفعة التي قد تطل على مياه البحر, أما في حالة السواحل السهلية فينحصر الساحل الحقيقي بين أخفض منسوب لمايه المد وأعلى نقطة تـأثر بمياه الأمواج والتيارات البحرية العاصفة إذا كان الساحل سهلياً منخفضاً. أما سيف البحر فيقصد به الخط الذي تلتقي عنده مياه البحر بالأرض اليابسة, وهو خط متغير إذ يتقدم نحو اليابس في فترة المد ويتقهقر عنه في فترة الجزر. وينقسم الساحل إلى قسمين: ساحل أمامي ويمتد بين أعلى وأخفض منسوب لمايه المد, وساحل خلفي ويقع على منسوب أعلى من منسوب الساحل الأمامي بحيث تنحصر بين أعلى منسوب لمياه المد وخط الساحل سواء تمثل هذا الخط على هيئة حائط أو جرف مرتفع أو إمتد على طول أعلى مناطق التي تتأثر بمياه الأمواج والتيارات البحرية العاصفة.
وتختلف السواحل عن بعضها البعض في شتى جهات سطح الأرض إختلافات جوهرية في طبيعتها وخصائصها, ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن هنالك مجموعة من العوامل تساهم كلها متضافرة في تحديد الصورة النهائية التي تظهر عليها السواحل ويمكن أن نوجز هذه العوامل على النحو التالي:
أولاً: مدى تأثر الساحل بفعل مياه الأمواج والتيارات البحرية وحركة المد وخصوصاً وأن هذه المياه تعتبر عاملأً هاماً من عوامل النحت والحمل والإرساب.
ثانياً: طبيعة التكوينات الصخرية الساحلية, ودرجة مقاومتها لعوامل النحت بمياه الأمواج والتيارات البحرية, ونوع الصخور التي تتكون منها المناطق الساحلية. هل هي صخور متجانسة أو متفاوتة في درجة صلابتها ودرجة ميلها؟؟ وماإذا كانت هذه الصخور صخوراً رسوبية في وضع أفقي, أو صخرواً مائلة صوب البحر أو الداخل.
ثالثاً: درجةإنحدار المنطقة الساحلية, ومدى إرتفاعها, هل يظهر الساحل على شكل حوائط وجروف مرتفعة وشديدة الإنحدار؟ أو يتميز بغنخفاضه وتدرجه في إنحداره صوب البحر؟
رابعأً: مدى تأثر المنطقة الساحلية بحركات الهبوط أو الإرتفاع التي كان يتعرض لها مستاوى سطح البحر.
خامساً: هنالك بعض عوامل خاصة, تتمثل فيما إذا كان الساحل مرجانياً تساعد ظروفه المناخية والنباتية ونظام تصريفه المائي على نمو حيوانات المرجان أو فيما إذا كان الساحل قد تأثر بالأنهار الجليدية أو عمليات النشاط البركاني.
سادساً: كثيراً ما يدخل الإنسان تعديلات وتغييرات عديدة في المناطق الساحلية, وذلك بتطهيره للمجاري الدنيا للأنهار, وبتجفيف المستنقعات الساحلية وإنشاء السدود والأرصفة والمواني . . . إلى غير ذلك من صور النشاط البشري.
ولابد بطبيعة الحال - إزاء هذه العوامل - من أن تختلف السواحل عن بعضها البعض إختلافات كبيرة.
وتتم عمليات تشكيل سطح الأرض في المناطق الساحلية بواسطة ثلاثة عوامل هي: الأمواج , والتيارات البحرية , وحركات المد.
الأمواج: وهي دون شك أهم العوامل الثلاثة وأكثرها أثراًِ في المناطق الساحلية. والرياح هي العامل الأول في تكوين الأمواج وتحركها, فإذا هبت الرياح على سطح مائي وإحتكت به, يؤدي هذا إلى تكوين موجات صغيرة على هذا السطح سرعان ما تدفعها الرياح عند مؤخرتها وتجذبها عند مقدمتها. كما تقوم الرياح بنوع من الإمتصاص عند قمة الموجة في نفس الوقت الذي تنضغط فيه عند قاعها , مما يؤدي إلى تحركها وإنتقالها. وهكذا يتوالى تكون الأمواج وتحركها. ويقصد بطول الموجة المسافة الأفقية التي تمتد بين قمتي موجتين متجاورتين أو بين قاعهما أما إرتفاع الموجة فهو عبارة عن المسافة الرأسية التي تمتد بين قمتها وبين قاع الموجة التي تجاورها. وتتوقف أحجام الأمواج إلى حد كبير على سرعة الرياح, وعلى عمق مياه البحر أو المحيط لحركة هذه الأمواج وسرعتها. ويتوقف إرتفاع الموجة على ما يعرف بمدى الموج ويقصد به المسافة التي تمتد عليها الموجة فكلما إزدادت هذه المسافة أدى هذا إلى تولد موجات عالية قد يصل إرتفاعها إلى حوالي 16 متراً. وهذا يفسر لنا خلو البحيرات والبحار المغلقة من الأمواج الكبيرة المرتفعة. وقد ذكر "كيونن " أن الموجات العالية الكبيرة تحتاج إلى مسافة كبيرة من المياه العميقة لكي تتولد فيها, بحيث لا تقل هذه المسافة عن 1000 متر. ويتوقف إرتفاع الموجة كذلك على المدة التي يستغرقها هبوب الرياح, فقد دلت الدراسة اليت قام بها بعض البحاث في معهد سكريبس للأوقيانوغرافيا في لاهويا بكليفورنيا أثناء الحرب الأخيرة, على أنه إذ بلغت سرعة الرياح 105 كيلومتراً في الساعة, وإذ بلغت المسافة التي تمتد عليها الموجة 1500 كيلومتراً, فمن الممكن أن يصل إرتفاع الموجة في هذه الحالة إلى حوالي 20 متراً بشرط أن تهب الرياح لمدة 50 ساعة متتالية.
وإذا وصلت الأمواج إلى منطقة ساحلية ضحلة المياه, يشتد إنحدار قممها وتتكسر وتتحرك كتلة من المياه صوب الشاطئ بقوة كبيرة (تعرف هذه بالموج الجارف ) مما يجعل لها قدرة كبيرة على النحت واكتساح, ثم تنحدر هذه الكتلة المائية مرة أخرى صوب البحر (وتعرف بال ). وتقابل حركة تجمع المياه عند الساحل, حركة مضادة على شكل تيار سفلي (يعرف بإرتداد الموج ) يتحرك في الطبقات السفلي من المياه بعيدأً عن الساحل مما يحدث نوعاً من التوازن بين الحركتين.
وهناك نوع من الأمواج الهائلة يعرف بالتسونامي وهي الأمواج التي تسببها بعض الزلازل والبراكين تحدث في قاع البحر أو المحيط. ويزيد طول الموجة التسونامي هذه على مائة ميل, وتبلغ سرعتها أكثر من 400 ميل في الساعة,ولا يزيد إرتفاع هذه الموجات في المناطق البعيدة عن السواحل على بضعة أقدام, ويزداد إرتفاعها تدريجياً كلما إقتربت من الساحل حتى يصل إلى أكثر من 20 متراً عند الساحل. وقد يتراوح إرتفاع بعض الأمواج التي يتعرض لها ساحل شيلي وساحل اليابان الشرقي ما بين 30 و40 متراً. وتكاد ترتبط هذه الأمواج بمناطق معينة تسمح ظروفها الجيولوجية, وعدم إستقرارها وثباتها, بحدوث حركات باطنية عديدة.
التيارات البحرية: تختلف التيارات البحرية عن الأمواج في أنها عبارة عن كتلة متصلة من المياه تتحرك حركة مستمرة ولا تتميز بغنقطاعها بأي حال من الأحوال. والرياح هي المسئولة أولاً وأخيراً عن تكون التيارات البحرية, ولهذا نجد نوعاً من العلاقة بين توزيع هذه التيارات, وبين توزيع الرياح على سطح الكرة الأرضية. على أن هنالك عوامل أخرى تؤدي إلى تعديل وتغغير إتجاهات التيارات البحرية, نذكر منها أثر دورة الأرض التي تعمل على إنحراف هذه التيارات إلى يمين إتجاهها في نصف الكرة الشمالي, وإعتراض كتل اليابس لهذه التيارات البحرية مما يؤدي إلى أن تحيد عن إتجاهها وتتحول إلى تيارات ساحلية . والتيارات البحرية عمق واضح, إذ يتراوح مثلأً عمق تيار الخليج الدافئ بين 2000 - 3000 قدم, ويبلغ إتساعه, في نفس الوقت أكثر من 40 ميلأً في أضيق أجزائه, كما تبلغ سرعته حوالي خمسة أميال في الساعة. ولابد بطبيعة الحال من أن تقل أعماق هذه التيارات ويتسع عرهضا وتقل سرعتها إذا ما خرجت إلى عرض المحيط الواسع.
ولعل التيارات الساحلية هي أكثر أنواع التيارات تأثيراً في المناطق الساحلية, على أنه يمكن القول بصوةر عامة بأن التيارات البحرية على إختلاف أنواعها, لا تقوم إلا بنصيب ضئيل محدود في تشكيل المناطق الساحلية, إذ لا يتعدى عملها نقل المواد الناعمة وأنواع الرواسب من منطقة ساحلية إلى بعغض العمليات الأخرى.
تيارات المد : وقد تكون لها في بعض الحالاتا سرعة تكفي لنقل المفتتات الصخرية وإرسابها في المناطق الساحلية, على أنها هي الأخرى ليست ذات أثر كبير كعامل من العوامل الجيومورفية التي تساهم في تشكيل السواحل. وتكتد تختفي حركات المد من البحيرات إذ يبلغ, مثلاً, مدى حركة المد (الفرق بين أ‘لى وأخفض منسوب لها) في بحيرة إيري حوال ثمانية سنتيترات, ولا يزيد بأي حال على سنتيمترين في بحر البلطيق. وكثيراً ما تتميز الخلجان الساحلية - التي تبدو على هيئة أذرع من مياه البحر متعمقة في اليابس - بعظم مدى المد فيها. إذ يتراوح هذا المدى في منطقة خليج فاندي (بين نوفاسكوشيكا, ونيوبرنزويك على الساحل الشرقي في الولايات المتحدة) ما بين 30, 50 قدماً. على أن هذا لا يعني أن مثل هذه الموجات والتيارات العالية من المد لها قدرة كبيرة على النحت, بل كثيراًِ ما تحدث ظاهرة الإرساب في المناطق الساحلية التي تـأثر بها. وهذا ما لاحظه "جونسون " (1925) ف يمنطقة خليج فاندي, مما يؤيد الرأي القائل بأن عملية النحت لا تقوم بها تيارات المد أو موجاته إلا نادراً, بل كثيراً ما تتفوق عملية الإرساب على عملية النحت في المناطق التي تتأثر بموجات المد.
النحت بفعل الأمواج: يتضح لنا مما سبق أن العامل الرئيسي الذي يساعد على النحت البحري, هو عامل الأمواج المتكسرة, التي تدفعها الرياح صوب المناطق الساحلية. ولابد من عدة شروط لكي تتمكن الأمواج من القيام بعملها في النحت في المناطق الساحلية. وفيما يلي أهم هذه الشروط:
(أ) درجة مقاومة صخور الساحل.
(ب) وجود المفاصل والشقوق في الصخر.
(ج) ثبات خط الساحل في موضعه لفترة طويلة.
(د) عمق مياه البحر بالقرب من الساحل.
(ه) إتجاه الأمواج, فإذا كان الإتجاه عمودياً على الساحل كان أثره في تفكيك الصخور أعظم مما إذا كان الإتجاه مائلاً.
(و) كمية المواد الصخرية المفتتة التي تحملها الأمواج وأحجام هذه المواد.
وتبلغ عمليات النحت البحري أقصى حد لها إذا كانت الأمواج تحمل قدراص كبيراً من المواد الصخرية المفتتة. على أننا نلاحظ كذلك أن إصطدام الأمواج بالسواحل يؤدي إلى نحتها, وخصوصاً إذا كانت هذه السواحل تتألف من صخور كثيرة الشقوق والمفاصل. ويحدث إصطدام الأمواج بالسواحل ضغطاً كبيراً قدره "جونسون" على طول ساحل إسكتلنده بما يزيد على الستة آلاف رطل في القدم الرمبع من الأرض. وعندما ترتطم مياه الأمواج بصخور السواحل, يؤدي هذا إلى إنضغاط الهواء الذي يمل شقوق هذه الصخور ومفاصلها, إنضغاطاً فجائياً كما لو قد دفع على شكل إسفين في هذه الشقوق, وعندما تنحدر مياه الأمواج صوب البحر وتتراجع عن الساحل, يعود الهواء الذي تعرض للإنضغاط في هذه المفاصل والشقوق إلى التمدد بصورة فجائية بقوة كبيرة تكاد تبلغ درجة الإنفجار, مما يؤدي إلى تمزق الصخر وتفتته. وبالإضافة إلى نت مياه الأمواج لصخور السواحل بهذه الوسيلة الميكانيكية, تستطيع مياه الأمواج أيضاً أن تنحت هذه الصخور بوسائل كيماوية, إذا كانت هذه الصخور من الأنواع التي تقبل الذوبان في الماء.
وترجع معظم عمليات النحتا التي تقوم بها الأمواج في المناطق الساحلية, إلى ما تحمله هذه الأمواج من مفتتات من الزلط والرمال والحصى تدفعها معها نحو السواحل, إذ تعد هذه المواد بمثابة القذائف التي توجهها الأمواج صوب صخور السواحل فتحطمها وتفتتها. ولهذا تصبح عملية النحت بفعل الأمواج عملية ضعيفة نسبياً. إذا ما خلت مياه هذه الأمواج من معاول الهدم التي تحملها.
وعلى هذا يمكن القول بأن عملية النحت بفعل الأمواج تمر في الواقع بالخطوات الآتية:
أولاً: تفتيت الصخور الساحلية بواسطة قوة إندفاع مياه الأمواج نحوها وإصطدامها بها مما يؤدي إلى نحتها سواء بوسائل ميكانيكية أو كيماوية. فكأن الخطوة الأولى إذن, تتمثل في إنتزاع المواد المفتتة من تكوينات الساحل وإغتصابها ( أو عملية الإغتصاب البحري) ويضاف إلى هذه المواد ما تحمله مياه الأنهار, وما يتساقط من الحوائط العالية من مواد صخرية مفتتة.
ثانياً: النحت بقوة ضغط الأمواج وما تحمله من مفتتات .
ثالثاً: زيادة تفتت المواد الصخرية التي تحملها الأمواج نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض , ثم نقلها مرة أخرى صوب البحر بواسطة التيار السفلي الذي يتحرك في الطبقات السفلى من المياه بعيدأً عن السواحل.
ولا تؤثر الأمواج, في السواحل إلا عند إرتفاع معين, ويتمثل الحد الأعلى لعمليات النحت بفعل الأمواج, في أخفض منسوب تبلغه مياه الأمواج في المنطقة الساحلية إذ ما دفعتها نحوها رياح شديدة. وقد إختلفت آراء الجيومورفولوجيين بصدد العمق الذي تبلغه عملية النحت بفعل الأمواج, فمن قائل بأن هو العمق الذي تستقر عنده الرواسب البحرية الدقيقة ثابتة دون أن تحركها الأمواج, إلى قائل بأن هذا العمق يتفق مع ما يعرف بقاعدة الأمواج التي يتراوح عمقها دون مستوى سطح البحر ما بين 200, 600 قدم. ويرى "جونسون" أن فعل الأمواج كثيراً ما يمتد تحت سطح البحر إلى عمق يزيد على 600 قدم, حيث تستطيع الأمواج أن تثير الجزيئات الصخرية الناعمة المستقرة فوق قاع البحر, ولكنها تتمكن من النحت الإيجابي على أعماق قد تصل إلى حوالي 200 قدم تحت مستوى سطح البحر. ويرى نفر آخر من الجيولوجيين أمثال "شبرد " أن الحد الأدنى للنحت بفعل الأمواج لا يزيد عمقه على 40 قدماً دون مستوى سطح البحر بأي حال من الأحوال, وقد وصل "شبرد" إلى هذه النتيجة من دراسته لحركة الرمال في الأمواج أثناء العواصف البحرية.
القطاع الجنوبي للساحل : يحسن بنا لكي نتصور المراحل التطورية التي يمر بها الساحل أن نفترض أن هذا الساحل كان يبدو في أول الأمر على شكل أرض متدرجة في إنحدارها تنتهي إلى البحر, وتبدأ في هذه الحالة عملية النحت بفعل امواج بحفر فجوة في تلك الأرض المتدرجة فيتكون حائط أو جرف مرتفع يعلو بوضوح عن مستوى سطح البحر وتتغير تبعأً لذلك صورة الإنحدار. أما المواد الصخرية التي تتخلف عن عملية نحت الفجوة, فتتراكم عند النهاية الهامشية لذلك الحائط بحيث تغمرها مياه البحر. وتمثل هذه المرحلة طور الشباب أو الطور الأول في حياة السواحل. ويمكن القول عموماً بأن طاقة الأمواج على النحت في تلك المرحلة تصل إلى عنفوانها كما تعظم قدرتها على نقل المواد الصخرية المفتتة. وبتوالي إصطدام الأمواج بالحائط الصخري ونحتها لهذا الحائط, تضعف قدرتها على النحت, وذلك لأن تجمع الرواسب عند قاعدة الحائط الصخري يؤدي إلى تقليل عمق المياه في المنطقة الساحلية فتقل إزاء هذا سرعة الأمواج وتقل بالتالي قدرتها على النحت, وتظهر الرواسب التي تتجمع عند أقدام الجرفق الصخري على هيئة مدرج أو مصطبة بحرية , كما يتكون عند أقدام هذا الجرف الصخري مدرج أخر هو الذي نحتته الأمواج . ومعنى قلة مقدرة مياه الأمواج على النحت أن هذه المياه قد وصلت إلى درجة التعادل اليت سبق شرحها عن الكلام عن القطاع الطولي للنهر. وإذا إستمرت مياه الأمواج في نحت "مدرج الموج" بعد ذلك, فلابد أن يؤدي هذا إلى تقليل درجةإنحداره وإلى ظهور القطاع الجانبي للساحل على صورة مقعر مما يدل على أن الساحل قد وصل في هذه الحالة إلى مقطع توازنه. وإذا ظهرت السواحل على هذا النحو, ففي هذا دليل على أنها قد بلغت طور نضجها. ومن الخصائص الأخرى التي تمكيز مرحلة النضج هذه, تكون الرواسب التي تتألف منها الشواطئ , إذ يساعد تزايد المسافة بين الحائط الصخري وبين المياه البحرية العميقة, بالإضافة إلى قلة عمق مياه البحر في المنطقة الساحلية, على تراكم الرواسب فيها وبقائها على شكل "شاطئ" يستمر لفترة مؤقتة قبل أن تجرف هذه الرواسب مرة أخرى صوب مياه البحر العميقة. وكثيراً ما يتزايد سمك الرواسب الشاطئية هذه في الفترات اليت يقل فيها نشاط الأمواج على النحت, كما أنه كثيراً ما تتعرض هذه الرواسب لأن تجرف في الأوقات التي تزداد فيها سرعة الرياح, ويزداد تبعاً لهذا نشاط الأمواج على النحت, كما أنه كثيراً ما تتعرض هذه الرواسب لن ترجف في الأوقات التي تزداد فيها سرعة الرياح, ويزداد تبعاً لهذا نشاط الأمواج على الجرف والنحت.
على أننا يجب أن نلاحظ أنه لكي يتحول قطاع الساحل إلى حالة التوازن التي ذكرناها يجب أن يظل مستوى البحر بالنسبة لليابس ثابتاً لفترة طويلة, كما يشترط أيضاً أن ينعدم إلقاء المجاري المائية والجليدية لرواسبها في مياه البحر, وأن يستمر هذا لفترة طويلة تكفي لحدوث ذلك التطور من مرحلة الشباب إلى مرحلة النضج.
أما مرحلة الشيخوخة فيتحول فيها إنحدار الحائط الرأسي الذي تكون في طور الشباب, من صورته الرأسية العمودية إلى حالة من التدرج واضحة تمام الوضوح. وتتراكم الرواسب في هذه الحالة عند قاعدته على شكل مدرج بنته الأمواج وكونته .
هذه هي المراحل التطورية التي تمر بها السواحل الصخرية, وهي مراحل نظرية إلى حد كبير يشترط لتحقيقها توافر شروط معينة كما يشترط أيضاً أن يتميز سطح البحر بثباته لفترة طويلة.
الصور الجيومورفية الناجمة عن عمليات النحت بفعل الأمواج: مما لا شك فيه أن أثر الأمواج في تشكيل المناطق الساحلية الصخرية يختلف تماماً عن تأثيرها في المناطق الساحلية المنخفضة التي تغطيها مواد صخرية مفتتة, إذ يقتصر تأثير الأمواج في الحالة الأخيرة على جرف المواد الصخرية المفتتة صوب البحر, مما يؤدي إلى ضحالة المنطقة البحرية المجاورة. أما في حالة الساحل الصخري ضحالة المنطقة المجاروة. أما في حالة الساحل الصخري فيعم أثر الأمواج كعامل من عوامل النحت ولذا تتميز هذه السواحل بظاهرات جيومروفية عديدة تتمثل في الجروف والأرصفة البحرية وغيرها.
الجروف : وتمثل أهم الظاهرات الجيومورفية التي ترتبط بعمليات النحت بفعل الأمواج. وتختلف هذه الجروف إختلافاً كبيراً في أشكالها. ويتوقف هذا على نوع الصخور, وبنيتها, ومدى مقاومتها لعمليات النحت بفعل الأموج. ولهذا يختلف شكل الجروف التي تتكون من صخور تميل صوب البحر عن تلك التي تتألف من صخور تميل صوب اليابس, كما أن الجروف التي تتألف صخورها من طبقات رسوبية أفقية لابد أن تختلف هي الأخرى عن تلك التي تتألف من صخور جراتينية. ولاشك أيضا في أن الجروف التي تكونت في مناطق تتألف من صخور غير متماسكة تختلف هي الأخرى إختلافاً كبيراً عن تلك التي تتكون من صخور جراتينية أو بازلتية شديدة الصلابة تمتد عمودية أو شبه عمودية على الساحل.
وتمتد في معظم الحالات عند أقدام الجرف البحري مصطبة مرتفعة هي التي تعرف برصيف المياه العالية الذي يرجع تكونه إلى تأثير الأمواج العاصفة وعمليات التجوية والإنهيار الأرضي, فكأنه - والحالة هذه - قد تكون بفعل عمليات النحت. ولعل الظروف المثالية التي تساعد على تكون مثل هذه المصاطب تتمثل كما ذكر "كوتن " في وجود خليج بحري شبه مقفل, لا يشتد فيه تأثير الأمواج على المنطقة الساحلية, هذا على الرغم من أنه كثيراً ما تتكون هذه المصاطب في المناطق الساحلية المفتوحة. وتتميز الرجوف الساحلية بتراجعها تراجعاً مطرداً نحو اليابس, وبذلك تتقهقر خطوط السواحل بسرعة ملحوظة وتتقدم مياه البحر على حساب ما تكسبه من المنطقة الساحلية.
الكهوف : تتكون الكهوف في مناطق الجروف الساحلية التي تتميز صخورها بكثرة شقوقها ومفاصلها. وعندما تتعرض منطقة من هذه المناطق لعمليات النحت بفعل الأمواج, وسرعان ما تتكون بعض الكهوف على طول مناطق الضعف في تكويناتها الصخرية, وذلك لأن هذه المناطق تتعرض أكثر من غيرها لعمليات النحت بفعل الأمواج, وفي هذه الحالة تندفع مياه الأمواج نحو الفجوة التي تكونها عند هذه المناطق وترتطم بها, ويؤدي هذا إلى إنضغاط الهواء بداخلها, ثم تمدده بصورة فجائية عندما تتقهقر مياه الأمواج, مما يؤدي إلى زيادة توسيع هذه الفجوات فتبدو على شكل كهوف. وكثيراً ما تنهار سقوف هذه الكهوف ويتكون في هذه الحالة ممر (هو الذي يعرف في جزر أوركنيز بال ) قد يزيد طوله على مائة قدم مكا يصل عمقه إلى هذا القدر.
الأقواس البحرية : وتتكون في المناطق الساحلية التي يمتد فيها اليابس على هيئة لسان صخري في عرض البحر, مما يؤدي إلى إرتطام مياه الأمواج به من كلا جانبيه, فيكون كهوف بحرية عند كلا هذين الجانبين. وكثيراً ما يتقابل كهفان جانبيان ويتكون في هذه الحالة نفق محفور في اللسان الصخري يبدو على شكل بوابة ضخمة, هي التي تعرف بالقوس البحري. وتمثل المسلات البحرية الرمحلة التالية لتكون الأقواس البحرية, عندما تتهدم الأجزاء العليا من هذه الأقواس, فتبدو على شكل مسلات أو أعمدة قائمة تتميز بسمك قواعدها.
الإرساب بفعل الأمواج: سبق أن ذكرنا, أنه إذا ما تعرض أي جرف ساحلي صخري لأن يتراجع بواسطة عملية النحت بفعل الأمواج, فلابد أن يترك - في هذه الحالة - عند أقدامه, قاعدة صخرية تكونت بفعل النحت وتنحدر إنحداراً متدرجاً طفيفاً صوب مياه البحر, وتعرف هذه القاعدة بمدرج النحت البحري . وقد يصل إتساع بعض هذه المدرجات أو المصاطب في المنطقة الساحلية إلى بضعة آلاف من الأقدام في بعض المناطق, مما يدل على أن عملية تراجع الحوائط الصخرية الساحلية كانت عملية مطردة سريعة. وكثيراً ما تمتد مثل هذه المصاطب تحت مياه البحر,بحيث تبرز من سطحها التكوينات الصخرية الصلبة, على هيئة نتوءات تمثل عقبة كبيرة وخطراً داهماً يهدد الملاحة بالقرب من السواحل. وفي الوقت الذي تتكون فيه هذه المصاطب عند أقدام الجروف الساحلية, تتراكم الرواسب اليت تخلفت عن عملية النحت التي كونت هذه المصاطب بالإضافة إلى غيرها من المفتتات الصخرية التي تلقي بها المجاري المائية والجليدية في مياه المنطقة الساحلية, على طول خط الساحل ذاته بحيث تظهر على صورة وأشكال شتى, مكا لابد أن تؤثر هذه الرواسب في سيف البحر . وقد جرى الرعف على تقسيم الرواسب الساحلية في قسمين رئيسيين: رواسب ساحلية ورواسب يتم تراكمها بعيداً عن الساحل .
الرواسب الساحلية : وهي تلك الرواسب التي تتراكم في قاع البحر في المنطقةالاسحلية عند النهاية الهامشية الخارجية لمدرج النحت البحري السابق ذكره. وتسمى في هذه الحالة بمدرج الإرساب البحري . وقد سبق أن ذكرنا عند الكلام عن الصخور الرسوبية, أن أصل الصخور الرسوبية البحرية إنما يرجع إلى تلك الرواسب التي أرسبتها الأمواج أو غيرها من العوامل في مياه البحار والمحيطات. وتتدرج هذه الرواسب في النعومة كلما بعدت عن سيف البحر,وكلما إزداد عمق مياه البحر أو المحيط, إذ تتدرج من رواسب الجلاميد والزلط ترتاكم فيما بين منسوبي المد والجزر في مناطق ضحلة المياه, إلى رواسب رملية ناعمة تتراكم فوق الحافات الغائصة للرفارف القارية , إلى رواسب طينية ناعمة ظلت ذراتها الدقيقة عالقة بالمياه لمسفات طويلة ثم ترسبت على مسافات بعيدة عن السواحل. والمهم هو أن هذه الرواسب تتراكم تحت مستوى سطح البحر, ولهذا لا تؤثر على شكل الساحل أو سيف البحر إلا تأثيراًِ طفيفاً.
وفي المراحل الأولى من تطور السواحل, يتم ترسيب معظم حمولة الأمواج والتيارات البحرية من الرواسب في الفجوات والخلجان التي توجد بالمنطقة الساحلية, على شكل شواطئ من الرمل أو الحصى أو الزلط. وسرعان ما تؤثر الأمواج على جبهاتها فتعمل على تقويسها, وتتكون في هذه الحالة شواطئ هلالية الشكل ويزداد تراكم هذه الرواسب الشاطئية بإطراد تراجع أرض الساحل المرتفعة نحو اليابس, وكثيراً ما تمتد هذه الرواسب حتى أقدام هذه المناطق الرمتفعة, إذ تساعد الصخور الساحلية على وجود قدر كبير من المواد الحطامية الصلبة التي تتألف من الجلاميد والحصى والرمال.
وتتعرض الرواسب التي تتراكم في المناطق الساحلية لعمليات الإزالة وإعادة الإرساب بواسطة مياه الأمواج, بصورة شبه مستمرة. وتساعد الأمواج في عملها التيارات الساحلية, والتيارات السفلية التي تسير على طول الساحل, حتى إذا بلغت فجوة من الفجوات,أو خليجاً من الخلجان, أرسبت كل حمولتها على صورة حافة فقرية في قاع هذا الخليج أو تلك الفجوة, وتزداد هذه الحافة في إرتفعها ومساحتها بتوالي تراكم الرواسب فوقها, فتعلو فوق مستوى سطح البحر, وبذلك تكون لساناًِ رسوبياًَ يتصل بالساحل ويمتد في البحر. وكثيراً ما تساعد حركة الأمواج واليتارات البحرية على نمو هذا اللسان صوب اليابس وليس صوب البحر على شكل منحنى, ويسمى في هذه الحالة بالخطاف أو اللسان الذي أعيد ثنيه وقد تنمو ألسنة رسوبية صوب البحر عند كلا جانبي الخليج أو الفجوة مما يؤدي إلى تلاقيهما في وسط مياه هذا الخليج وتكون ما يعرف بحاجز الخليج . ويتم بهذه الصورة من صور الإرساب البحري, ربط الجزر القريبة من السواحل بخطوةط السواحل ذاتها.
الرواسب التي تتراكم بعيداً عن الساحل : تختلف صورة الإرساب التي تحدث في المناطق الساحلية المنخفضة التي تتميز بضحالة مياهها, إختلافاً كبيراً عن تلك التي تظهر في المناطق الساحلية المرتفعة, إذ تضعف على طول مثل هذه السواحل مقدرة الأمواج على النحت, وذلك لأن مياه الأمواج غالباًِ ما تنكسر قبل أن تصل إلى الساحل وذلك لإصطدامها بقاع البحر في المنطقة الساحلية الذي يتميز غالباً بضحالته فيها. وبإصطدام الأمواج وإحتكاكها بقاع البحر الضحل, تتم عملية تفكيك صخور هذا القاع, ثم ترسيبها وراء خط تكسر الأمواج (أي صوب اليايس) على صورة حافة فقرية من الرواسب المغمورة, تكاد تسير موازية لسيف البحر وتبعد عنه في المعتاد بمسافة تتراوح ما بين بضع مئات من الأقدام وبضعة آلاف. وبتوالي حدوث عملية الإرساب حتى تعلو هذه الحافة الفقرية فقو مستوى سطح البحر, وتظهر على شكل سلسلة من الألسنة والجزر الضيقة, وسرعان ما يؤدي إستمرار تراكم الرواسب إلى ملء الثغرات بين هذه الألسنة والجزر, ويتكون حاجز واحد, طويل, وضيق, يمتد موازياً لسيف البحر, وهو الذي يعرف بالحاجز البعيد عنالساحل ويفصل هذا الحاجز مياه المنطقة الساحلية عن مياه البحر اليت كانت تتصل بها وبذا تظهر المنطقة الساحلية على شكل هور ساحلي ضحل . وتنصرف مياه المجاري المائية التي تنتهي إلى البحر في معظم الأحوال في مثل هذه "الأهوار" مما يؤديإلى إرتفاع منسوبها وتدفق مياهها خلال الحاجز الساحلي عن طريق بعض الثغرات التي تكونها. ويتميز منسوب المياه في "الأهوار" بأنه يتذبذب بين إنخفاض وهبوط مع حركة المد في المنطقة الساحلية التي كثيراً ما تطغى مياهها على الأهوار خلال الثغرات التي توجد بالحاجز الساحلي, ولابد بطبيعة الحال من أن يؤدي هذا إلى تزايد إتساع هذه الثغرات بصورة واضحة. وتعرف هذه الثغرات بمداخل المد .
ومما يجدر ذكره, أن الحواجز الساحلية لا تتميز بإنفصالها عن سيف البحر إنفصالاً تاماً, بل كثيراً ما تتصل به في بعض مواضعه التي تمتد متعمقة في مياه البحر مما يؤدي إلى ظهور, الهور الساحلي على شكل سلسلة من الأهوار المتجاورة.
ومن الخصائص الهامة التي تتميز بها الحواجز الساحليةأنها تهاجر وتنتقل ببطء صوب اليابس حتى يؤول بها المر في النهاية إلى الإختفاء والزوال, إذ تعمل مياه الأمواج التي تتكسر عند هذه الحواجز على نحت قاع البحر عند جوانب هذه الحواجز التي تواجه البحر, مما يساعد على تعميقه, ويؤدي بالتالي إلى إستطاعة مياه الأمواج أن تنحت جوانب الحواجز التي تواجه اليابس, وبهذا يتسع الحاجز الساحلي عند مؤخرته (التي تواجه اليابس( في الوقت الذي تنتحت في مقدمته, كما تضيق الأهوار ضيقاً واضحاً. وتعمل - في نفس الوقت - المجاري المائية التي تنتهي إلى البحر على إلقاء رواسبها في الأهوار الضحلة فيرتفع قاعها وتتحول تحولاً جزئياً إلى مستنقعات وبطائح ساحلية. وبإطراد حدوث هذه العمليات تختفي المستنقعات الساحلية إختفاءً تاماً, ويلتصق الحاجز الساحلي باليابس تمام الإلتصاق, بحيث يظهر على شكل رواسب شاطئية عادية تمتد على طول ساحل البحر. وعلى هذا يمكن القول بأن الحواجز والأهوار - التي تمثل في وقاع الأمر أهم الظاهرات الجيومورفية التي تتميز بها السواحل الضحلة - تمر بمراحل تطورية هي: مرحلة الشباب عندما يبدأ تكوها, ومرحلة النضج عندما يكتمل تشكيلها, ثم مرحلة الشيخوخة عندما تتعرض للزوال والتلاشي.
وهناك عدة ظاهرات جيومروفية أخرى تتميز بها المناطقث الساحلية, ولكنها لا تتعلق بعملية الإرساب بفعل مياه الأمواج أو التيارات البحرية, بقدر ما تتعلق بعمليات الإرساب النهري أو الجليدي أو الإرساب بفعل الهواء, وتتمثل هذه الظاهرات في الدالات بأنواعها (المروحية أو القوسية والأصبعية), وهي على الرغم من أنها من عمل الأنهار التي تصب في البحار إلا أنها لا تتكون إلا في المناطق الساحيلة, ومن ظاهرات الإرساب الأخرى, الركامات الجليدية التي قد تمتد على طول السواحل, أو التلال الجليدية اليت قد تمتد على السواحل على هيئة كثبان, أو قد تتألف منها بعض الجزر التي توجد في المنطقة الساحلية. كما أنه كثيراً ما يظهر سيف البحر في مناطق الغطاءات الجليدية على شكل حائط من جليد الأنهار الجليدية ذاتها, كما هي الحال في سواحل جرينلنده وأنتاركتيكا. وكثيرا ما تمتد على طول خطوط السواحل كثبان رملية أرسبتها الرياح, ولا تختلف هذه الكثبان في المناطق الجافة صوب الداخل, أما في الأقاليم الرطبة فتعمل مياه الأمطار على تثبيتها وعلى نمو حياة نباتية غنية على سفوحها.
حواجز المرجان والجزر المرجانية الحلقية : تمتد على طول السواحل في الأقاليم المدارية بصفة خاصة خطوط متوازية من الشعاب المرجانية , وتمثل هذه الشعاب أوضح ظاهرة جيومورفية يتميز بها الساحل في مثل هذه الأقاليم. وتتكون شعاب المرجان أصلاً من هياكل بعض الحيونات الأخطبوطية التي تستطيع أن تتثبت بصخور قاع البحر بحيث توجد هياكلها الجيرية في أسفلها, وتمتد عند طرفها العلوي عدة زوائد رقيقة. وتعيش هذه الحيوانات في مستعمرات فتتكون هياكل صخرية مختلفة الأشكال. ومن هذه الهياكل ما هو هش, ومنها ما هو قوي متين, ومنها المشعب ومنها المنبسط, وتتلاصق كلها بعضها ببعض مكون أكمة تتخللها الشقوق والفجوات, وتكثر فيها أنواع الحيوانات الأخرى. ويساعد على تكون شعاب المرجان في المناطق الساحلية: إرتفاع درجة الحرارة, وشدة ملوحة البحر وصفاؤها, ولذا ينعدم وجود هذه الشعاب أمام مصبات الأنهار حيث تقل نسبة الملوحة, وترتفع كذلك نسبة الرواسب التي تلقي بها هذه الأنهار في مياه البحر. ولهذا يتميز الحاجز المرجاني الذي يمتد على طول الساحل الشمالي الشرقي لأستراليا, بوجود بعض الفتحات والثغرات فيه, وتؤدي هذه الثغرات إلى مصبات الأنهار الرئيسية. وتفصل حواجز المرجان عن سيف البحر - في معظم الأحوال, أهوار ضحلة تمتد موازية للساحل.
وتعرف الفتحات التي توجد في شعاب المرجان الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر في مصر "بالمراسي" ومن أمثلتها مرسى علم, ومرسى حلايب. . وقد تمتد بعض شعاب المرجان في مصر على الساحل, ولاشك في أن وجود مثل هذه الشعاب المرجانية في السهل الساحلي, يدل على أن ساحل البحر الأحمر قد تعرض لحركات رافعة. وقد لاحظ الأستاذ "جون بول " وجود بقايا هذه الشعاب المرجانية في جهات متفرقة من منسوب مياه البحر. ففي السهل الساحلي وخليج السويس, على مناسيب أعلى بك, ر من منسوب مياه البحر. ففي السهل الساحلي بين سفاجا والقصير, وجد "بول" سلسلة من الشعاب الرمجانية الرمتفعة, إرتفاعها على التوالي , متراً فوق مستوى سطح البحر, ويقع أقل هذه الشعاب إرتفاعاً بالقرب من سيف البحر بينما يبتعد أكثرها إرتفاعاً عنه بمسافة تتراوح بين أربعة وسبعة كيلومترات. وتبدو تلك الشعاب المرجانية الرمتفعة على هيئة حافات بيضاء تتكون من الجبس ويمكن أن نطلق عليها إسم الحواجز المرجانية المرتفعة, وهي تعد دليلاً قاطعاً على تعرض مياه البحر لإنخفاض كما يقول "بول".
أما الشعاب المرجانية التي تغمرها مياه البحر, فكثيراً ما تظهر فوق سطحها في فترات الجزر, إذ تبدو إبان هذه الفترات على شكل خطوط تمتد موازية للساحل وتبعد عنه مسافات لا تزيد كثيراً على الكيلومتر. وتتكسر عليها الأمواج في الأوقات التي تضطرب فيها مياه البحر الأحمر, وفيما عدا تلك الأوقات تبدو مياه البحر عميقة ذات لون قاتم, بينما تبدو المياه فوق حواجز المرجان بألوان فاتحة.
وهنالك حواجز مرجانية أخرى تتكون وتنمو حول الجزر في المياه المدارية (خصوصاً في المحيط الهادي), وقد تعرضت بعض هذه الجزر لن تغمر بمياه المحيط فظلت حواجز المرجان حولها على شكل حلقة يملؤها مياه المحيط من الداخل وتعرف مثل هذه الجزر بالحلقات المرجانية .
وتنمو في معظم الأحوال شعاب المرجان الحلقية في مبدأ الأمر حول جزر بركانية. ويرجح أن هذه الجزر قد تعرضت بعد ذلك لأن تغمرها مياه البحر في الوقت الذي إستمرت فيه شعاب المرجان تنمو نمواً مطرداً سريعاً فظلت فوق مستوى سطح البحر على شكل حلقة من المرجان. أما السبب في إرتفاع مياه البحر فيرجعه عدد كبير من الجيوموفولوجيين إلى ذوبان الجليد ورجوع المياه التي كانت محتبسة في الغطاءات الجليدية البلايستوسينية إلى البحار والمحيطات مما أدى إلى إرتفاع منسوبها. على ا، بعض الجيولوجيين يعتقدون بأن هبوط الأرض في مناطق البحار الضحلة, هو العامل الذي أدى إلى طغيان مياه البحر على الجزر البركانية. والمهم أن هذين الرأيين - رغم تعارضهما - يتفقان في أن الشعاب الرمجانية إستمرت في النمو والتطور مما أدى إلى ظهورها فوق مستوى مياه البحر أو المحيط على شكل حلقات من المرجان.
أنواع السواحل: إختلفت آراء العلماء وتضاربت حول موضوع تصنيف السواحل, فمنهم من يقسمها على أساس تكوينها ونشأتها, ومنهم من يقسمها على أساس تضاريسي إلى سواحل مرتفعة وأخرى منخفضة, وقد يصنفها البعض كذلك على أساس نوع التكوينات الصخرية التي تتألف منها المنطقة الساحلية. ولن ندخل في تفاصيل هذه التقسيمات بل سنحاول عرض أصلح هذه التقسيمات وأكثرها شيوعاً.
أنواع السواحل حسب تقسيم (جونسون): من أحسن التقسيمات التي تقسم السواحل على ضوئها إلى أنواع, ذلك التقسيم الشائع المنتشر الذي لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الجيومروفولوجيا, والذي تقدم به "جونسون " (1919). فهو يرى أن هنالك أربعة أنواع من السواحل:
- سواحل الغمر .
- سواحل الحسر .
- سواحل "المحايدة" .
- سواحل مركبة .
أما سواحل الغمر فيرى "جونسون" أن هنالك نوعين منها:
1- سواحل الريا : وتتكون إذا تعرضت منطقة ما لأن تغمر إنغماراً جزئياً في البحر التي تطغى في هذه الحالة على مصبات الأنهار والأجزاء الدنيا من مجاريها (كما هي الحال في شمال غرب جزيرة إيبريا) فتتكون خلجان متعمقة في اليابس, تزداد ضيقاً كلما تعمقت فيه, وتتميز بأن جوانبها ليست شديدة الإنحدار.
2- سواحل الفيوردات وتتكون إذا طغت مياه البحر على أودية جليدية عميقة ذات جوانب رأسية. وتتوغل فتحات الفيوردات في اليابس لمسافات طويلة تتراوح بين عشرةة كيلومترات, 150 كيلومتراً, كما أنها تتشعب تشعباً كبيراً.
أما السواحل المحايدة وهي التي لا ترتبط بظاهرة طغيان مياه البحر أو إرتفاع اليابس وإنحسار مياه البحر عنه, فقد قسمها "جونسون" إلى سواحل دلتاوية, سواحل بركانية, سواحل الشعاب المرجانية, سواحل إنكسارية.
ويظهر من تقسيم "جونسون" أن الأساس الذي إعتمد عليه هو شكل الساحل الذي إلتقت عنده مياه البحر عند تكونه, وما حدث نتيجة تغير منسوب البحر وتذبذبه من طغيان أو إنحسار لمياه البحر.
أنواع السواحل حسب تقسيم "شبرد": ولعل أحسن التقسيمات وأحدثها تقسيم "شبرد "(1948) الذي جمع فيه أكثر من أساس واحد, وهو بهذا يختلف عن تقسيم "جونسون" الذي يعتبر إلى حد كبير تقسيماً للسواحل على أساس نشأتها , وقد جاءت أنواع السواحل حسيب تقسيم "شبرد" على النحو التالي:
أولاً سواحل رئيسية في مرحلة الشباب, وهي تلك السواحل التي تشكلت معالمها بواسطة عوامل أخرى غير العاوامل البحرية وتنقسم إلى أربعة أنواع:
1- سواحل شكلتها عوامل النحت التي يتعرض لها اليابس ثم طغت عليها مياه البحر بعد ذلك بعد أن تعرض منسوبها للإرتفاع إما نتيجة ذوبان الجليد أو لحركات هبوط ترعض لها البحر. وتنتمي إلى هذه الأنواع من السواحل, سواحل الريا وسواحل الفيوردات.
2- سواحل تشكلت معالمها نتيجة عمليات إرساب حدثت على اليابس وتنضم إلى هذه الأنواع سواحل الإرساب النرهي (سواحل دلتاوية وسهول فيضية غائصة) وسواحل الإراسب الجليدي (كالسواحل التي تمتد على طولها ركامات جليدية أو تلال صلصالية جليدية مغمورة) وسواحل الإرساب الهوائي.
3- سواحل إتخذت شكلها نتيجة عمليات النشاط البركاني وتضم سواحل اللابة البركانية, والسواحل التي ترعضت لثورانات بركانية.
4- سواحل تشكلت معالمها نتيجة ترعض المناطق الساحلية لتقلقلات باطنية . وتنتمي إلى هذه النوع, السواحل الإنكسارية أو سواحل الحافات الإنكسارية , السواحل الإلتوائية أي التي تمتد على طولها سلاسل من الجبال الإلتوائية.
ثانياً: السواحل الثانوية أو الناضجةو وهي التي تشكلت معالمها وإتخذت خصائصها بواسطة عمليات الترعية البحرية وحدها.
1- سواحل تعرضت لعمليات النحت البحري التي قد تؤدي إما إلى إستقامتها أو ترعجها وعدم إنتظامها.
2- سواحل ترعضت لعمليات الإرساب البحري اليت تؤدي إما إلى إستقامة هذه السواحل, أو إلى تكون الحواجز والخطاطيف, أو إلى تكون شعاب مرجانية, وعلى هذا توجد ثلاثة أنواع من سواحل الإرساب البحري: سواحل مستقيمة, وسواحل الحواجز والخطاطيف, والسواحل الرمجانية.
تطور السواحل الغائصة : تتميز السواحل الغائصة (أو التي تعرضت لطغيان مياه البحر) في الطور الأول من قصة حياتها بعدم إنتظامها وكثرةة تعرجها, وإذ كانت بعض المجاري المائية تنتهي عند منطقة ساحلية تعرضت في أول أمرها لطغيان بحري فلابد أن تظهر أراضي ما بين الأنهار في هذه الحالة على هيئة أشباه جزر متعمقة في مياه البحر. وتتعرض مثل هذه الألسنة لهجمات مياه الأمواج وإرتطامها فتتكون الجروف الصخرية وما يرتبط بها من مصاطب النحت البحري, ومدرجات الإرساب بفعل الأمواج, كما تتكون الأقواس البحرية والكهوف والمسلات, وعلى هذا يمكن القول بان مرحلة الشباب في تطور السواحل مرحلة هدم وتدمير ولا تحدث فيها ظاهرة الإرساب إلا في المناطق المحمية عند أطراف الخلجان ورؤوسها.
أما في مرحلة النضج فترتفع مدرجات الإرساب التي كانت في مرحلة الشباب غائصة في مايه البحر, ويظهر في هذه المرحلة وقد إنقسم إلى قسمين: ساحل أمامي يتألف من رواسب المدرجات البحرية التي تعرتض للإرتفاع, وساحل خلفي تكون بفعل نحت الأمواج, هذا في الوقت الذي تتراجع فيه الحوائط الصخرية تراجعاً مطرداً صوب اليابس. ويبلغ الساحل مرحلة الكهولة إذا بلغ في تراجعه صوب البر رؤوس الخلجان القديمة أو مصبات الأنهار, وفي هذه الحالة تختفي أشباه الجزر ويصبح خط الساحل قريباً من الإستقامة.
الفصل الثاني عشر: الحركات الباطنية وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
تمكن العلماء من أن يجمعوا الأدلة العديدة التي تؤيد تعرض قشرة الأرض لحركات داخلية (تكتونية), ولذا إتفقوا جميعأً على أن قشرة الأرض في حالة دائمة من عدم الثبات والإستقرار, فالطبقات الصخرية الرسوبية التي تكونت في مبدأ الأمر فوق الكتل القارية القديمة على هيئة طبقات أفقية منتظمة, قد تعرضت كثيراً للتصدع والإنكسار والطي والإنثناء, مما جعلها تغير من نظامها الأفقي الذي ترسبت به في مبدأ الأمر. وتصاب القشرة الأرضية - بالإضافة إلى مثل هذه التقلقلات الباطنية , التي تحدث ظاهرات الإلتواء والإنكار - بإضطرابات فجائية تتمثل في الزلازل والبراكين وغيرها من أنواع الإضطرابات الأرضية السريعة التي يشهدها كوكب الأرض حتى وقتنا الحالي, وقد قسمت الحركات التكتونية التي تصيب قشرة الأرض إلى نوعين رئيسيين:
1- حركات فجائية سريعة تتمثل في الزلازل والبراكين.
2- تقلقلات باطنية لا تظهر آثارها إلا على مدى أزمنة طويلة ولايمكن تسجيلها بأدق الأجهزة الجيوديسية.
الزلازل
الزلازل عبارة عن حركات تموجية تصيب قشرة الأرض في مناطق واسعة. ومع أن قشرة الأرض في حالة تموج دائم لعدم إستقرار باطن الأرض، إلا أن مثل هذه الحركات التموجية المستديمة من الضعف بحيث لا نشعر بها إلا نادراً, ولعل أهم أسباب حدوث الحركات التموجية, حدوث إنشقاقات وصدوع تصيب قشرة الأرض, وتؤدي إلى إحتكاك الأجسام الصخرية التي تؤلف الغلاف الصخري بعضها ببعض، مما يولد هزات موجية تختلف في سرعتها وشدتها بغختلاف طبيعة الطبقات الصخرية التي تخترقها.
أنواع الزلازل
وهنالك ثلاثة أنواع من الزلازل:
(أ) زلازل تكتونية :وتحدث بصورة فجائية في المناطق التي تتعرض للإنكسار أو التصدع, ولذا يرتبط حدوث هذه الزلازل بمناطق الإنكسارات. وهذا النوع هو أكثر أنواع الزلازل شيوعاً وإنتشاراً.
(ب) زلازل بركانية : وهي التي ترتبط هزاتها بالهزات الناجمة عن إنبثاق اللابة من فوهات البراكين.
(ج) زلازل بلوطية : وهي التي توجد مراكزها على أعماق سحيقة في باطن الأرض ولا تحدث إطلاقاً في قشرة الأرض السطحية.
مناطق توزيع الزلازل
والملاحظ أن توزيع مناطق الزلازل على سطح الأرض يرتبط إرتباطاً وثيقاً للغاية بتوزيع نطاقات الجبال الإلتوائية ومناطق الضعف في قشرة الأرض وتتمثل هذه المناطق في:
1- منطقة دائرية حول المحيط "حلقة النار" ويصيبها وحدها حوالي 58.4% من زلازل العالم ويتفق توزيع الزلازل في تلك المنطقة مع توزيع الأخاديد البحرية العميقة , وهي تلك الأخاديد الطويلة التي توازي السواحل الشرقية الاسيوية والسواحل الغربية للأمريكيتين.
2- نطاق عرضي يطوق الكرة الأرضية ويكاد يتمشى مع نطاق السلاسل الإلتوائية "ويعرف بحلقة ليبي ".
3- منطقة ضعف قشري في المحيط الأطلسي يتفق توزيع الزلازل فيها إما مع إمتداد الرفارف القارية, أو مع الحافات البحرية الغائصة - لتي تعد من مناطق الضعف في قشرة الأرض, وذلك لإنحصارها بين أحواض محيطية عميقة مما يجعلها دائماً أبداً عرضة للتقلقل وعدم الإستقرار.
4- منطقة الأخاديد بشرق أفريقيا وجنوب آسيا وترتبط الإنكسار العظيم الذي أصاب قشرة الأرض في هذه المناطق في اواخر الزمن الجيولوجي الثاني, على أن أكثر تكونه كان في الزمن الثالث من أوله إلى آخره, ويرى بعض الجيولوجيين أن هذا التكوين لا يزال مستمراًِ حتى وقتنا الحالي في بعض أقسام الأخدود.
النشاط البركاني
تمثل ظاهرة النشاط البركاني نوعاً من أنواع الحركات الباطنية الفجائية التي تتعرض لها قشرة الأرض, ويقصد بعمليات النشاط البركاني تعرض سطح الأرض للتشقق ثم إنبثاق كتل من الصهير فوق قشرة الأرض. وعلى الرغم من إنطلاق أنواع عديدة من الغازات وبخار الماء ومصاحبتها لإنبثاق الصهير, إلا أن خروج هذه المادة المنصهرة من الطبقات السفلى من الغلاف الصخري وتغطيتها لمساحات كبيرة من سطح الأرض, له أهمية كبيرة لدراس الجغرافيا المورفولوجية, وذلك لما يعقبه من تغير وتشكيل واضح في سطح الأرض.
ويرى كثير من العلماء أن السبب في إندفاع كتل الصهير صوب سطح الأرض, إنما يرجع إلى إرتفاع درجة حرارة الطبقات السفلى من الغلاف الصخري (السيما) وتحولها من حالتها المطاطة المرنة إلى حالة منصهرة ثم إنبثاقها على سطح الأرض من مناطق الضعف في قشرتها. ويعزى إرتفاع درجة حرارة تلك الطبقات السفلى من الغلاف الصخري إلى تحلل وتآكل المواد الإشعاعية التي يكثر وجودها في هذه الطبقات.
أنواع اللابة
وتنقسم مادة الصهير التي تنبثق على سطح الأرض إلى نوعين:
1- اللابة الحمضية : وتتكون من صخور نارية منصهرة ترتفع بها نسبة السيلكا. ويمتاز هذا النوع من اللابة بسرعة تصلبه إذا ما إقترب من سطح الأرض, كما تصاحب إنبثاقه بعض الغازات السامة ودر كبير من بخار الماء, مما يؤدي إلى إندفاعه إلى سطح الأرض بقةو إنفجارية كبيرة تتطاير معها مفتتات من مادة اللابة التي سرعان ما تتصلب في الهواء, ثم تتراكم هذه المفتتات بالقرب من فوهة البركان في صورة رماد بركاني أو جمر خامد يختلط بمادة اللابة, ويكون مخروطاً منحدر يصل إرتفاعه في النهاية إلى منسوب الجبال, ومن طراز هذه الجبال البركانية جبل إلجون وكلمنجارو وكينيا.
2- اللابة القاعدية : وتتكون من صخور نارية منصهرة تقل بها نسبة السيلكا كثيراً عن النوع الأول, وتتميز بأنها تظل على سطح الأرض في حالة منصهرة لفترة طويلة, ولذا تعمل الغازات والأبخرة التي تتصاعد مع إنبثاقها على إحداث مجرد فقاقيع على سطحها دون أن تؤدي إلى إنفجارها بقوة كبيرة. ولذا تتميز البراكين التي يخرج منها هذا النوع من اللابة بأنها هادئة نسبياً إذا ما قورنت ببراكين النوع الأول. وبعد تصلب تلك اللابة القاعدية - الذي يستغرق وقتاً طويلاً لكي يتم - تتكون طبقات سميكة تتخذ شكلأً أفقياً تقريباً, وتصبح مخاريطها - إن تكونت - ذات جوانب قليلة الإنحدار, وقد تكونت جزر هاوائي بهذه الطريقة.
وتنتمتي إلى نوع اللابة القاعدية تلك الطفوح البازلتية التي تغطي مساحات واسعة من سطح الأرض تتمثل في:
1- طفوح الدكن التي تغطي المناطق الشمالية الغربية من هضبة الدكن.
2- التكوزينات البازلتية بهضبة الحبشة وتعرف بتكوينات أشانجي ومجدلا ويزيد سمكها على ثلاثة كيلومترات.
3- الطفوح البازلتية بجنوب البرازيل.
4- طفوح هضبة كولومبيا بامريكا الشمايلة.
أنواع البراكين
وقد قسم الجيولوجيون الألمان, والثوران البركاني إلى أربعة أنواع:
(أ) النوع الهاوائي : ويمتاز بثوران هادئ وبفوهات ضيقة, وتوصلها بكتل الصخر المنصهر التي توجد في الطبقات السفلى من الغلاف الصخري (التي تعرف بغرف الصهير ) أعناق طويلة ضيقة, وتمتاز جوانب المخروط البركاني في هذا النوع بتدرج إنحدارها.
(ب) نوع سترومبولي : وتمثله براكين مجموعة جزر ليباري وبركان سترومبولي. ويمتاز هذا النوع بثوران متقطع تتخلله إنفجارات تنجم عن إنفجار فقاقيع الغاز التي تتكون على سطح اللابة القاعدية, وتمتاز فوهات هذا النوع من البراكين بأنها أكثر إتساعاً من النوع الأول.
(ج) النوع الفولكاني : ويمتاز بأن اللابة التي كونته لابة حمضية, وبأن جوانب المخروط البركاني شديدة الإنحدار. وتصاحب ثوران هذا النوع نم البراكين إنفجارات شديدة, أما فوهة البركان وعنقه فتمتازان بضيق واضح.
(د) نوع الكالديرا : ويمثل مرحلة نهائية تصل إليها الأنواع الثلاثة السابقة إذا ما تعرضت لثورانات بركانية أخرى غير التي كونتها, فتنهار وتتهدل جوانب عنق البركان, ويدمر جزء كبير من أعالي المخروط ذاته, وبذلك تتسع مساحة فوهته ويستوي سطحها. وتعرف الفوهة البركانية في هذه الحالة بالكالديرا.
وقد سبق أن ذكرنا أن عمليات تداخل كتل الصهير في الطبقات الصخرية الرسوبية يؤدي إلى تكون بعض الظاهرات الجيومورفية الممثلة في الخزانات الصخرية, والأطباق, والسدود الرأسية (القواطع) والمتوافقة.
أثر الحركات الفجائية في تشكيل سطح الأرض
تتميز الحركات الفجائية بأن أثرها في تشكيل سطح الأرض,أثر طفيفيعدو بضع ظاهرات تتمثل في تكون شقوق عميقة في المناطق التي تتعرض للزلازل. وتتكون هذه الشقوق في الجهات التي تتميز بتكويناتها الجيولوجية اللينة, وكثيراً ما تنبثق المياه الباطنية من هذه الشقوق مختلطة ببعض الرواسب الطميية أو الرملية.
ومن الآثار الأخرى الملموسة التي تنجم عن تلك الحركات الفجائية التي تتعرض لها قشرة الأرض من وت لآخر, تغير مناسيب سطح الأرض في المناطق التي تصاب بمثل هذه الحركات, فقد أدى زلزال ألاسكا المشهور الذي حدث في سنة 1897 إلى إرتفاع مساحة كبيرة من سطح الأرض - في جنوب شبه الجزيرة - حوالي 47 قدماً. كما صاحب زلزال طوكيو الذي حدث في سبتمبر سنة 1923, حدوث حركة إرتفاع تعرض لها قاع البحر الياباني مماأدى إلى طغيان اليابس في كثير من المناطق, وقدر الإرتفاع الذي تعرض له قاع البحر الياباني بحوالي 900 قدم.
وهنالك بعض أنواع من الزلازل قد تحدث تحت مستوى سطح البحر, وترعف مثل هذه الزلازل بالزلازل الغائصة. وينجم حدوث موجات هائلة من المد هي التي تعرف بالتسونامي , تطغى على اليابس وتسبب خراباًِ هائلاً في المناطق الساحلية. وينتمي زلزال لشبونة المشهور الذي حدث في سنة 1755 إلى هذا النوع.
أما التقلقلات الباطنية فقد جرى العرف على تقسيمها إلى قسمين رئيسيين: حركات إلتوائية أو أوروجينية تعمل في حركة أفقية وتؤدي إلى إلتواء الصخر وإنثنائه وتكزين السلاسل الجبلية الإلتوائية, وحركات رأسية هي التي تعمل على تكسر صخور القشرة وتصدعها, وتعمل هذه الحركات في المعتاد في حركة رأسية.
الإنكسارات أو الصدوع
من المعروف أن صخور قشرة الأرض تتعرض لأن تتكسر وتتشقق إذا ما إصابتها ضغوط شديدة مفاجئة تؤدي إلى تجاوزها لحد مرونتها , وقد يحدث أحياناً أن يتحرك جانباً الإنكسار أو الشق حركة علوية أو سفلية على طول خط الإنكسار ذاته, إذ يهبط مثلأً أحد جانبي الإنكسار في حركة رأسية, وتتكون حافة إنكسارية مرتفعة, سرعان ما تتعرض لعوامل التعرية المختلفة فتتحول إلى حافة إنكسارية متقطعة.
على أننا لا نستطيع أن نجزم هنا بأن الحركات الرأسية هي وحدها المسئولة عن تكون الإنكسارات العادية, فقد يحدث في بعض الحالات أن تعمل إلى جانب الحركة الرأسية حركة أخرى أفقية يزحف فيها أحد جانبي الإنكسار على الجانب الآخر. ويطلق على مثل هذا النوع من الإنكسارات الضاغط أو الزاحف.
ويحدث أحياناً أن يتكون ما يعرف بالإنكسار "الدرجي" إذا ما ترعضت منطقة ما للإنكسارات متوازية تؤدي إلى هبوط الأرض على طول محاورها هبوطاً منتظماً على شكل درجي.
ويعتبر الضهر نموذجاً رائعاً لمظهر من المظاهر التضاريسية الناتجة عن حركات رأسية. وكلمة هورست كلمة ألمانية معناها "عش النسر" وتدل على منطقة ذات صخور صلبة إستطاعت أن تقاوم الهبوط الذي تعرضت له المناطق التي تجاورها, فهبطت كل التكوينات التي تجاورها, وظلت هي بارزة فوق سطح الأرض. ويمثل الغور هو الاخر مظهراً من مظاهر التضاريس الناجمة عن حركات رأسية, ويرتبط تكونه إرتباطاً وثيقاً بظاهرة "الضهر". وينشأ عن حركة رأسية تسبب هبوط منطقة ما تقع بين ظهرين ناتئين, وينتج هذا الهبوط في المعتاد عند حدوث إنسكارين متوازيين أصابا قشرة الأرض في المناطق التي يخترقها, ثم هبطت قشرة الأرض فيما بينهما, وبقيت حافتا الغور مرتفعيتن وبينهما سلسلة من أودية عميقة تختلف إختلافاً كبيراً في أعماقها من مكان لآخر. وقد كان لبنية قارة أفريقيا أثر كبير في تكوين هذين الإنسكارين, إذ إن صخروها الأركية القديمة كانت من الصلابة بحيث قاومت حركات الإلتواء اليت كونت جبال الهملايا والألب وألنديز والروكي في الزمن الجيولوجي الثالث. وكان تأثير هذه الحركات على قارة أفريقيا, هو إحداث تصدعين هائلين يمتدان من الشمال إلى الجنوب هما اللذان يقع بينهما الغور الإفريقي العظيم.
وقد يحدث في بعض الحالات بعد أن تتكون حافة إنكسارية, أن تطرأ على هذه الحافة بعض التطورات والتغيرات التي تؤدي إلى تحولها إلى حافة إنكسارية مركبة . فإذا إفترضنا أن حافة إنكسارية قد تكونت, وأعقب تكونها توقف الإنكسار, وأن هبوط أحد جانبي هذا الإنكسار قد أدى إلى ترك تكوينات جيولوجية لينة عند قاعدة هذه الحافة, فالذي يحدث في هذه الحالة هو تعرض هذه الحافة لأن تزال بواسطة عمليات النحت المختلفة, وهي بهذا تختفي تماماً وتسوى بالجانب الهابط من الإنكسار. ولكن عملية النحت لا تتوقف عند هذا الحد بل تستأنف نشاطها نم جديد وتعمل على نحت الطباقت اللينة التي توجد عند الجانب الهابط من الإنكسار, فتتكون حافة جديدة ترتبط بعمليات النحت وحدها. وقد يحدث بعد ذلك أن تتجدد عملية الإنكسار على طول نفس المحور مما يؤدي إلى إرتفاع الحافة الإنكاسرية من جديد بينما يهبط الجانب الذي هبط في المرحلة الأولى, وتصبح هذه الحافة حافة مركبة تكونت أعاليها إزاء عوامل النحت بينما ترجع أسافلها إلى أصل إنكساري.
وقد يحدث في حالات أخرى أن تتكون حافة إنكسارية تتعرض لأن تنحت وتقطع بواسطة المجاري التي تؤدي رواسب فيضية هائلة عند حضيضها, ثم ترتفع منسوب هذه التكوينات الفيضية إرتفاعاً مطرداً حتىتزول تماماً معالم الحافة الإنكسارية. وإذا إستؤنفت بعد ذلك حركة الإنكسار بحيث تؤدي إلى رتفاع جانب الإنكسار الذي يكون الحافة فلا مندوحة - والحالة هذه - نم بعت الحافة الإنكسارية من جديد. وتبين الرسوم الثلاثة المجسمة التي في المراحل التي مر بها حافة صدعية بعثت من جديد .
ومن الظاهرات الجيومورفية الأخرى التي تحدث في مناطق "الأغوار" و "الضهور", ظاهرة إنقلاب التضاريس , فقد يحدث بعد تكون أحد الأغوار بكل معالمه وحافاته, أن تتعرض حافاته لأن تنحت وتقطع بدرجة كبيرة تختفي معها معالمه. وإذا ما أصيبت منطقة هذا الغور بحركات رافعة تعمل على رفع باطن الأخدود, تتكون كتلة مرتفعة تحل محلها محل الجزء الهابط من هذا الأخدود, وعلى هذا النحو تتغير تضاريس الإقليم تغيراً تاماً وتنقلب بحيث تصبح أسافلها محل أعاليها, وأعاليها في أسافلها.
أنواع الإلتواءات
من المعروف أن درجة إلتواء الصخر أو الرواسب أمام حركات قشرة الأرض تتوقف إلى حد كبير على نوع الصخر ومدى قابليته, ولهذا تختلف أنواع الإلتواءات إختلافاً كبيراً حسب نوع التكوينات الجيولوجية التي تتعرض لظاهرة الإلتواء وحسب قوة الصخر, لا تخرج عن كونها إما محدبة أو التواءات مقعرة فعندما تلتوي الطبقات إلى أعلى في صورة قوسية بحيث تتداخل الطبقات السفلى والعليا, سمى الإلتواء إلتواءً محدباً, وذلك لأن الطبقات التي تكون طرفي الإلتواء تميل بعيداً عن قمته, وعندما تلتوي الطبقات إلى أسفل على شكل حوض بحيث تتداخل الطبقات العليا في الطبقات السفلى, سمي الإلتواء مقعراً وذلك لأن طرفيه يميلان معاً صوب قاعه. وإذا ما وجد الإلتواءان, المقعر والمحدب متجاورين, فيعرف حينئذ الطرف الذي يتقاسمانه بالطرف الأوسط . ويعرف الخط الذي يتقاطع مع الزاوية المحصورة بين طرفي أي إلتواء سواء كان إلتواء محدباً أو مقعراً بمحور الإلتواء .
ويمكننا على أساس هذه التعريفات الأولية أن نقسم الإلتواءات إلى الأنواع الاتية:
1- الإلتواء المنتظم: ويتميز بتساوي ميل الطبقات اليت تكون طرفيه سواء كان هذان الطرفان يميلان بعيداً عن قمته أو صوب قاعه, مكا لابد أن يكون محور الإلتواء في وضع رأسي عمودي.
2- الإلتواء غير المنتظم: ويتميز بشضدة ميل الطبقات اليت يتألف منها أحد طرفيه إذا ما قورن بميل طبقات الطرف الآخر.
3- الإلتواء المتوازي: ويحدث نتيجة لحركات أفقية ضاغطة تكون من الشدة بحيث تعمل على إدماج طرفي الإلتواء وجعلهما يميلان معاً في إتجاه واحد. وتظهر الطبقات التي تكون طرفي الإلتواء كأنها متوازية بحيث يصبح من العسير في هذه الحالة أن نميز طرفي الإلتواء. أما محور الإلتواء فيمتاز بميل واضح. ويظهر هذا النوع من الإلتواءات في معظم الأحوال على مجموعات متوازية.
4- الإلتواء المستلقي هو الآخر بالتواء طرفيه الـتواءً شديداً بحيث تبدو الطبقات التي تكون هذين الجانبين في وضع أفقي تقريباً. أما محور الإلتواء فغالباً ما يكون في هذه الحالة موازياً لسطح الأرض.
5- الإلتواء المحدب الكبير: ويتكون عندما تتعرض منطقة واسعة لحركات أفقية شديدة تنتج عنها سلسلة متشابهة من الإلتواءات المحدبة المنتظمة أو شبه المنتظمة, وتتميز كلها بأن محاورها تميل صوب خط مركزي, والذي يحدث إذا ما تعرض هذا النوع من الإلتواءات لعوامل التعرية المختلفة, هو ظهور الصخرو القديمة عند قممها في المناطق الوسطى من السلسة الإلتوائية وهي أكثر جهاتها إرتفاعاً, بينما تتكون جوانب السلسة من ثنيات مقعرة ضيقة متعمقة في الصخور القديمة وتميل تحتها. وبقايا الإلتواء المحدب الكبير, الإلتواء المقعر الكبير الذي تحتله بعض الأحواض سواء كانت هذه الأحواض محيطية أو قارية.
وتعمل الأنهار في كثير من الأحيان على نت الأجزاء العليا من الثنيات المحدبة, وعلى حفر أودية طولية يتفق إمتدادها مع محاور هذه الثنيات, وتعرف مثل هذه الأودية باودية الإلتواءات المحدبة. وإذا جرت الأنهار التالية فوق التكوينات الضعيفة التي تتألف منها الأجزاء العليا من الثينات المحدبة, كانت أقدر على نحت تلك التكوينات من الأنهار التي تجري في قيعان الثنيات المقعرة, مما يؤدي إلى تراجع الحواف الحائطية التي تحد أنهار الإلتواءات المحدبة تراجعاً سريعاً على حساب المناطق المرتفعة التي تنصرف مياهها إلى أنهار الإلتواءات المقعرة, فتنقرض هذه الأنهار ولا يبقى في بطون الثنيات المقعرة التي كانت تجري فيها تلك الأنهار إلا حواف مرتفعة. وتؤدي هذه المراحل التطورية إلى حدوث ظاهرة إنقلاب التضاريس في المناطق الإلتوائئة. ولم يساعد على حدوث الظاهرة إلا كون مناطق الثنيات المقعرة أكثر صلابة ومقاومة لعوامل النحت من مناطق الثنيات المحدبة التي تتعرض لقوى الشد, هذا فضلاً عن قلة سمكم الطبقات الملتوية عند قمم الإلتواءات.
المراجع الهامة
1- Bagnold, R. A. "The physicis of blown and desert dunes"New York, 1941. 2-Cotton, C.A. "Landscape". Wellington, 1948. 3-Cotton, C. A. "Geomorphology" New York, 4th ed, 1947. 4-Cotton, C. A. "Volcanoes of Landscape". Wellington, 1944. 5-Cvijic, Jovan, "The evolution of Lapies". Geo. Review, Vol, 14, 1924, pp. 26-49. 6-Gautier, E.F. "Sahara: The gret desert" New York, 1935
(من مطبوعات جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة) 7-Holmes, Sir Arthur "Principles of physical geology" London, 5th ed., 1954. 8-Johnson D. W. "Shore processes and shoreline developmeny" New York, 1919. 9-Lobeck, A. K. "geomorphology: An interoduction to the study of landscapees" New York, 1939. 10-Martonne, Emmanuel de "Triate de georaphie physique" Tome 1., Paris, 1925. 11-Martonne, Emmanule de "A shorter physical geography" New York, 1927. 12-Monkhouse, F. J. "The principles of physical geography" London, 1954. 13-salisbury, R. D. "phsiography". New York, 1919. 14-Shepard, F. P. "Submarine Geology". New York, 1948. 15-Steers, J, A. "The coastline of England and Wales". Cambridge, 1948. 16-Straler, A. N. "Physical Geography" New York, 1951. 17-Tarr, R. S., and O. D. Von Engeln "New physical Geography" New York, 1933. 18-Htornbury, W. D. "Principles of Geomorphology" New York, 1954. 19-Trewartha, Glenn T. and Finch, Vernon. "Elements of Geography, physical and cultural". New york, 1949. 20-Wooldrige, S. W. and R. S. Morgan "The physical basis of Geography: An outline of geomorphology" London, 1967. 21-Worcester, P. G. "A Textbook of Geomorphology" New York, 1939. 22-Von Engeln, O. D. "Geomorphology', New York, 1942. 23-محمد متولي "وجه الأرض" القاهرة 1945. 24-حسن صادق "الجيولوجيا" القاهرة 1929.