الفصل السادس: الأنهار وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
الفصل السادس: الأنهار وأثرها في تشكيل قشرة الأرض
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأنهار
انظر: نهر
الأنهار هي أكثر العوامل الجيومورفية إسهاماً في تشكيل سطح الأرض, ويرجع هذا إلى أن اثرها يظهر في كل مكان على وجه الأرض سواء في المناطق الغزيرة الأمطار, أم في الجهات الباردةالتي لا تسقط بهاأمطار, أو في المناطق الصحراوية الشديدة الجفاف, إذ إن كل هذه المناطق تنحدر على سطح الأرض فيها مياه الأمطار بأي شكل من الأشكال, هذا وإن كانت مقادير المياه التي تجري جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, إذن هي المصدر الرئيسي لكل أنواع المياه التي تجري جرياناً سطحياً فوق قشرة الأرض, فهي التي تعمل على إكتساح المواد الصخرية المفككة ونقلها من مكان إلى آخر, مدفوعة في هذا بقوة الجاذبية الأرضية, وهي بهذا تسبب جريان الأنهار على سطح الأرض, وهي التي تملأ المنخفضات بالمياه, وبهذا تتكون البحيرات والمستنقعات. ولكننا نجد, رغم هذا, أن معظم عمل المياه الجارية في تشكيل قشرة ألأرض, يتم في واقع الأمر بواسطة مياه الأنهار, وذلك لأنها أكثر عمقاً وقوة من مياه الأمطار التي تسقط سقوطاً مباشراً على سطح الأرض.
ولمياه الأنهار ثلاثة مصادر, يتمثل أولها في المايه التي تجري على سطح الأرض عقب سقوط الأمطار مباشرة. ويتمثل المصدر الثاني في المايه الجوفية المختزنة في المسافات البينية بين جزيئات الصخر أو التربة, وتتسرب هذه المياه الباطنية تسرباً جانبياً إلى المجاري المائية, فتعوض ما قد تفقده هذه المجاري من المياه نتيجة لإرتفاع درجة التبخر, ولهذا نجد أن نسبة كبيرة من مياه نهر النيل في مصر في فترات التحاريق’ إنما تتسرب إلى مجرى النهر من طبقة المياه الجوفية التي توجد تحت الصحراوين الشرقية والغربية. أما المصدر الثالث لمياه الأنهار فيتمثل في إنطلاق كميات كبيرة من المياه, كانت تختزنها البحيرات, والمستنقعات, والغطاءات الثلجية, والأنهار الجليدية, وكلها تعمل على أن تضيف إلى مياه الأنهار مورداً آخر.
ولاابد أن تعمل قوة لإندفاع مياه الأنهار على سطح الأرض, على نحت وإكتساح المواد الصخرية المفككة, التي تخلفت عن تعرض صخور القشرة لعمليات التجوية, سواء كانت هذه التجوية ميكانيكية أو كيماوية. ويتم تكون المجاري النهرية والأودية أثناء عملية النحت ذاتها.
وبعد سقوط امطار بماثبة الخطة الأولى في سبيل تكون الأنهار, ومياه الأمطار التي تسقط على سطح الأرض منها ما ينساب إنسياباً سطحياً فوق قشرة الأرض ويتوقف بقاؤه فوقها على: كمية الأمطار, على درجة إنحدار الأرض, ودرجة نفاذية التربة , وعلى نسبة التبخر - التي تزداد بإزدياد المساحة المائية وبغزدياد سرعة الرياح - وعلى وجود الغطاءات النباتية.
ومن مياه الأمطار ما يتسرب إلى باطن الأرض - ويتوقف هذا التسرب على درجة نفاذية التربة, وعلى وجود الشقوق والمفاصل في الصخر - ومنهاأيضاً ما يعود إلى الجو ثانية على شكل بخار قبل ملامستة لسطح الأرض والذي يهمنا من هذه الصور الثلاث لمياه الأمطار, هي تلك الأمطار التي تتجمع على سطح الأرض. والتي قد تسيل غلى المناطق المنخفضة فتملؤها وتكون البحيرات والمستنقعات, أو التي تجري جرياناً سطحياً فتتكون الأنهار, وتتفاوت كميات الأمطار التي تسقط على سطح الأرض تفاوتاً كبيراًً من مكان إلى آخر, كما تختلف مواسم سقوط الأمطار إختلافاً واضحاً, ولهذا نجد أن هذا الإختلاف في نظام سقوط الأمطار وكمياتها له أثر مباشر على مائية الأنهار وعلى طاقتها على عميلات النحت والنقل.
نظام جريان النهر
ويقصد به التفاوت الفصلي في كمية المياه التي يحملها النهر , ويتوقف نظام جريان أي نهر من الأنهار على العوامل الآتية:
(أ) كمية التساقط الفصلي سواتء كان هذا التساقط في صورة أمطار أم ثلج أم برد. . إلى غير ذلك من صو رالتساقط.
(ب) وجود حقول أو أنهار جليدية.
(ج) درجة إنحدار الأرض في المنطقة التي يتلقى منها النهر مياهه.
(د) طبيعة الصخور وخصوصاً درجة إنفاذها للمياه .
(ه) خصائص الغطاء النباتي.
وإذا كان النهر يستقي مياه نتيجة ذوبان الثلوج المتراكمة على المرتفعات في منابعه, فلابد أن يتبع هذا حدوث الفيضان إبان فصل الربيع وأوائل الصيف, ووصول منسوب مياه النهر إلى نهايته الدنيا من الإنخفاض أثناء فصل الشتاء. وبمثل إنخفاض مناسيب الأنهار الألبية في فصل الشتاء المشكلة الرئيسية التي تواجه محطات توليد الكهرابء في هذه المناطق. وتتساقط في بعض الحالت أمطار صيفية, كما هي الحال في حوضي الراين والرون, مما يؤدي إلى حدوث الفيضان فيما بين شهري يونية ويولية وإنخفاض منسوب الماء في النهرين إنخفاضاً كبيراً في أواخر فصل الخريف. أما في حالة الأنهار التي تستمد مياهها من الأمطار وحدها كنهري السين والساءون, فنجد أن منسوب المياه فيها يصل إلى أقصى إنخفاض له في فصل الصيف عندما ترتفع نسبة التبخر وتشتد حاجة النبات إلى المياه.
أما في العروض المدارية - حيث يعظم إرتفاع درجة الحرارة, وحيث ترتفع نسبة التبخر طوال معظم شهور السنة - فنجد توافقاً ملحوظاً بين جريان الأنهار, وبين نظاتم سقوط الأمطار, فنهر كنهر ماها ويلي جانجا بجيزرة سيريلانكا يكاد يختفي تماماً في شهر مايو ولكنه سرعان ما يتلء بالمياه في شهر يوليه عقب سقوط الأمطار الموسيمة,
1- أما في العروض المدارية - حيث يعظم إرتفاع درجة الحرارة, وحيث ترتفع نسبة التبخر طوال معظم شهور السنة - فنجد توافقاً ملحوظاً بين جريان الأنهار, وبين نظام سقوط الأمطار, فنهر كنهر ماها ويلي جانجا بجيزرة سيريلانكا يكاد يختفي تماماً في شهر مايو ولكنه سرعان ما يتلء بالمياه في شهر يوليه عقب سقوط الأمطار الموسمية, ويصبح نهراً عارماً متدفقاً يفيض على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الواقعة على كلا جانبيه. كما نلحظ أيضاً أن معظم الأنهار الرئيسية التي توجد في جنوب شرقي آسيا - كنهر إيراوادي ونهر ميكونج , ونهر اليانجتس - يرتفع منسوب المياه فيها أثناء فصل الصيف, ويتفق هذا مع نظام سقوط الأمطار الموسمية, التي يتركز هطولها في أشهر الصيف وحدها, بينما تتميز أشهر الشتاء بجفاف واضح.
طاقة النهر
النهر ككتلة متحركة من الماء, لابد أن يكون له قوة أو طاقة تتوقف على مقدار مياهه , وسرعة جريان هذه المياه . وتنطلق الطاقة نتيجة إحتكاك مياه النهر بجوانبه الصخرية أو بقاعه, كما أن بعض هذه الطاقة يبذل في حمل مياه النهر للمواد الصخرية المفككة التي قد تكون عالقة بها.
فإذا ما إزدادت سرعة مياه النهر أثناء موسم فيضانه فلابد أن يتبع هذا إزدياد طاقته على حمل المفتتات الصخرية التي تخلفت عن عمليات التجوية, أو التي تنحتها مياه النهر أثناء إندفاعها. وقد لاحظ اجيومورفولجي الإنجليزي "جيكي " أنه إذا كانت سرعة مياه النهر حوالي 1/6 ميل في الساعة, فإن هذا يعني أن النهر لا يستطيع أن يحمل من المواد الصخرية المفتتة إلا الصلصال الناعم, وإذا زادت سرعته إلى 1/4 ميل في الساعة, يصبح في مقدور مياهه أن تحمل المواد الرملية الخشنة, وإذا كانت سرعة مياه النهر 2/3 ميل في الساعة, فمعنى هذا أنه يستطيع أن يحمل المواد الحصوية, كما يستطيع النهر أن يحمل حبات كبيرة من الزلط قد يزيد قطرها على البوصة, إذا زادت سرعة جريان مياهه على 11/2 ميل في اسلاعة.
وإذا ما إنخفض منسوب مياه النهر في وقت التحاريق, أو حدث تغير فجائي في إنحدار الأرض التي تجري عليها مياهه, أو إنتهى النهر إلى بحيرة أو مستنقع, فلابد أن تنعدم وتتلاشى طاقة النهر على حمل المواد الصخرية المفككة ونقلها, ويتحول من النحت إلى الإرساب بحيث يلقى ويرسب في بادئ الأمر الجزيئات الصخرية الكبيرة, ثم يرسب بعد ذلك حمولته من المواد الناعمة في الجزء الأدنى من مجراه بالقرب من مصبه, فكأن مياهه - والحالة هذه تقوم بعملية تصنيف للرواسب التي تحملها .
وقد سبق أن ذكرنا أن عملية النحت بفعل مياه الأنهار تمر في الواقع بعدة خطوات:
1- عملية الإغتصاب النهري أو إكتساب المواد الصخرية المفككة بقوة ضغط المياه وإندفاعها.
2-عملية نحت الجوانب والقاع بواسطة قوة ضغط المياه وما تحمله من مفتتات صخرية (تعرف بال ), أو عن طريق عملية الإذابة, فنهر كنهر شانون في إيرلنده لم يتمكن من نحت مجراه خلال التكوينات الجيرية إلا بمساهمة عملية النحت الكيماوي مساهمة كبيرة في هذا السبيل.
3- إزدياد تفتت المواد المفككة التي يحملها النهر نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض مما يسهل نقلها بعد ذلك.
4- نقل المواد اصخرية إما بطريقة الجر, أو التعلق, أو الإذابة, أو الطفو. وعملية النقل بطريقة الإذابة لها أهمية خاصة في الجزر البريطانية إذ إن أكثر من ثلث حمولة مياه النهار التي توجد في هذه الجزر تتألف من مواد مذابة.
كيف تكونت أودية الأنهار
ويعتقد بعض العلماء أن الأنهار ليست هي التي تكون مجاريها وتحفر أوديتها,بل تساهم حركات قشرة الأرض في هذا الصدد وإن لم تكن هي المسئولة أصلاً عن تكون هذه الأودية, ولكن مثل هذا الإعتقاد إن صح في بعض الأنهار إلا أنه لا يجب تعميمه على شتى أنهار العالم. فقد كان الإعتقاد السائد حتى عهد ليس ببعيد, أنوادي نهر النيل قد تكون بفعل حركات قشرة الأرض التي أحدثت إنكساراً هائلاً في قشرة الأرض مما أدى إلى هبوط تلك الأجزاء المنخفضة التي تسمى بوادي النيل,والتي تنحصر بين الصحراوين الشرقية والغربية.أما الآن فيؤمن علماء لاجيولوجيا بأن نهر النيل هو الذي شق مجراه بواسطة عملية النحت المائي العادي, أي أن مياهه هي التي حفرت بنفسها ذلك الوادي العريض الهائل,في التكوينات الجيولوجية اليت تحده من كلا جانبيه, إذ إنها دأبت منذ جريانها فوق الصخرو الرسوبية التي توجد في القسم الشمالي من القارة الإفريقية على نحت الأرض التي جري فوقها, وعلى إزالة المواد التي تنحتها حتى كونت في النهايةذلك الوادي الواسع الذيتجري فيه مياه النهر في الوقت الحالي.
وهنالك رأيللأاستاذ "جورج كنيتش " يؤيد فيه إسهام الحركات الباطنية في نشأة نهر النيل, فهناك إنكسار أفقي (وليس عمودي رأسي) يمتد محوره على طول مجرى النيل الحالي في محافظة أسوان, وقد أدى هذا الإنكسار إلى تزحزح ضفتي الوادي أفقيأً على محور يمثله مجرى النيل الحالي, ويؤيد هذا أن أودية الصحراء الشرقية لا تتوافق في إتجاهاتها مع أودية الصحراء الغربية إمتداد للأودية الضخمة القادمة من جبال البحر الأحمر.
وليس وادي النيل هو الوادي الوحيد الذي إستطاعت المياه العادية أن تحفره,فهناك أودية أخرى عديدة تفوقه طولأً وأعظم منه ضخامة, وقد تكونت كلها بفعل المياه الجارية, ومازالت المياه عارمة متدفقة في هذه الأودية حتى وقتنا هذا, ومن أمثل ذلك أودية نهر المسيسبي والأمازون. وهنالك أيضاً من الأودية النهرية, مالا يجري فيها الماء الآن, وذلك لتبخر مياهها بعد أن تحول المناخ في مناطقها من حالة مطيرة إلى حالة جافة, ولم يبق من آثار تلك الأنهار القديمة إلا الأودية اليت حفرتها, وتنتشر مثل هذه الأودية في المناطق الصحراوية, كما هي الحال في أودية صحاري مصر وشبه جزيرة سيناء, ويعرفها البدو في هذه الجهات أحياناً, بالأودية الفارغة, وأحياناً أخرى بالبحار التي بلا ماء.
ويظهر لنا من كل ما سبق أن النهر يتكون نتيجة جريان الأمطار جرياناً سطحياً على وجه الأرض, إذ تكون مياه الأمطار بعد سقوطها على المرتفعات وجريانها على سطح الأرض, مسيلات وشعاباً مائية دقيقة وصغيرة,تتمشى مع إنحدار الكتلة الجبلية, وتعمل المياه التي تحملها والتي يتوالى سقوطها عليها زيادة طول هذه المسيلات,وتعميقها وتوسيعها. وسنرى فيما بعدأن زيادة طول هذه المسيلات ترجع إلى تضافر عدة عمليات من بينها عملية النحتالاصعد . ولا تستمر كل المسيلات والشعاب المائية في الزيادة طولاً وعمقاً وإتساعاً, بل تتطرد هذه الزيادة في بعضها دون البعض الآخر وتتكون بعض الروافد للمسيلات المائية الطيولة, كما تتكون روافد ثانيوة للروافد الرئيسية ... وهكذا إلى ان يتكون نظام نهري كامل, يمثل أوضح صورة جيومروفولوجية على سطح الأرض, إذ يتألف هذا النظام من شقوق طولية منخفضة.
تجري فيها مياه النهر الرئيسي وروافده - هي التي تعرف بالأودية. وتعرف المناطق المرتفعة التي تفصل كل واد عن الوادي الذي يجاوره, بأرض ما بين الأنهار , كما تعرف المنطقة الواسعة التي نصرف إليها كل مياه الأمطار التي تسقط على الإقليم, بحضو التصريف النهري أما المنطقة المرتفعة التي تفصل بين حوضين متجاورين فتعرف بمنطقة تقسيم المياه .
تطور الأودية النهرية: تكونت معظم الأودية التي تجري بها المياه بفعل ثلاث عمليات مرتبطة ومتلازمة وهي:
1- عملية تعميق الوادي.
2- عملية توسيع الوادي.
3- عملية إطالة الوادي.
أولاً: تعميق الوادي: ويتم هذا التعميق بفعل عدة وسائل هي:
(أ) قوة إندفاع المياه.
(ب) نحت قاع الوادي بفعل قوة ضغط امياه وما تحمله من مفتتات ومواد صخرية مفككة.
(ج) تكون الحفر الوعائية في قاع الوادي.
(د) النحت الكيماوي .
(ه) تعرض قاع النهر لعملية التجوية, وما يتبع هذا من إزالة المواد المفككة التي تخلفت عن هذه العملية بفعل قوة ضغط المايه,ويظهر هذا بصفة خاصة في حالة الأنهار المتقطعة الجريان اليت تفيض في بعض المواسم, وتغيض أو تخف في مواسم أخرى.
ثانياً: توسيع الوادي: ويقصد بإتساع الوادي طول المسافة العرضية التي تمتد بين جانبيه, وهو ما يصوره لنا القطاع العرضي للوادي.وتتم عملية توسيع الوادي بطرق عديدة نذكر منها:
(أ) طريقة النحت الجانبي , إذ تستطيع مياه النهر بواسطة إندفاعها وما تحمله من أدوات الحفر, أن تزيل بعض المواد من قواعد جانبي الوادي مما يؤدي إلى نحت هذه القواعد نحتاً سفلياً فتنهال, وتنهار كتل ومفتتات صخرية من أعالي هذه الجوانب, في مياه النهر.
وتحدث هذه العملية في كل مراحل تطور الوادي, ولكنها تظهر بصفة خاصة في فترتي النضوج والشيخوخة, عندما تتوقف عملية تعميق الوادي, وتحل محلها عملية النحتا الجانبي التي تهدف إلى توسيعه.
(ب) إنهيار الجوانب نتيجة عمليات زحف التربة, إذا ما كانت هذه الجوانب شديدة الإنحدار, وكانت الأمطار غزيرة,وقد تنهار جوانب النره أيضاً, نتيجة حدوث هيارات ثلجية . ويظهر هذا بصفة خاصة في الأقاليم التي تتعرض لسقوط الثلج أثناء فصل الحرارة المنخفضة.
(ج) فعل المياه الجوفية التي تتسرب تسرباً جانبياً إلى مياه النهر, وتحدث هذه العملية بصفة خاصة في الأقاليم الجافة.
(د) عملية نحت الجوانب نحتاً جانبياً وخصوصاً إذا ما كانت مياه النهر تحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح المذابة.
(ه) فعل الرياح, إذ إن عامل الرياح عامل فعال في إزدياد إتساع الأودية الجافة اليت قد تمتلئ بالمياه في مواسم سقوط الأمطار.
(و) يزداد إتساع الوادي كذلك, في المناطق التي يلتقي فيها المجرى الرئيسي بروافد جانبيه, وفي هذه المناطق بالذات, حيث تضغط المياه على جانبي الوادي من إتجاهين, يصل إتساع الوادي إلى أقصى حد له.
ثالثاً: إطالة الوادي: وتتم بعدة طرق أهمها:
(أ) طريقة النحت الصاعد , وهذه الطريقة نجدها محققة في سائر الأودية الصغيرة نسبياً, حيث يجري نحت الوادي من أسفله إلى أعلاه. أي من المصب إلى المنبع, ويرجع هذا إلى إحتكاك الماء الجاري والمواد التي يحملها النهر, بقاعه. ولذا نجد أ، عملية النحت الصاعد تتناسب طردياً مع كمية المياه التي يحملها النهر, ومع سرعة جريان الماء فيه.
غير أنه من الخطأ أن نتصور أن بعض الأنهار الكبيرة - كنهر المسيسبي مثلاً - بدأت كأودية نهرية صغيرة وقصيرة تقع منابعها بالقرب من البحار, ثم إزدادت طولاً بعد ذلك بواسطة عملية النحت الصاعد حتى وصلت إلى منابعها الحالية اليت تبعد عن مياه البحر عدة مئات من الكيلو مترات, إذ لم تتكون فعلأً بهذه الطريقة إلا بعض الروافد الثانيوة الصغيرة, أما الأودية الرئيسية فيمكننا أن نجزم بأنها لم تزد طولأً بعملية النحت التراجعي وحدها بل ساهمت معها عمليات أخرى عديدة.
(ب) طريقة التقويض أو الهدم بفعل الينابيع (أو التقويض الينبوعي) وهي طريقة أخرى من طرق النحت الصاعد - التي تؤدي إلى زيادة أطوال أودية الأنهار - وتتحقق في الحالات التي تظهر فيها بعض الينابيع عند رءوس الأودية, فعندما تتدفق مياه الينوبع إلى سطح الأرض فإنها تستطيع أن تجتذب بعض المواد الصغيرة المفككة من المناطق التي تجاورها إما في صورة عالقة أو مذابة, ويتم بهذه الطريقة تقويض وهدم المناطق المحيطة بهذا الينوبع المتدفق, وتصبح على شكل حوض تحيط به حوائط صخرية رأسية تتراجع مطرداً إلى الوراء.
(ج) تصريف المستنقعات,فقد توجد في بعض الحالات عند رءوس الأودية, بطائح ومستنقعات مائية يستقي منها النهر مياهه, ويستطيع النهر أن يشق طريقه صاعدأً خلال هذه البطائح بواسطة عملية النحت الصاعد, ولذك بعد أن يكون قد إستطاع تعميق واديه في جزئه الأدنى. بدرجة تسمح بإنصراف مياه هذه البطائح إلى الجزء الأدنى من الوادي.
(د) إزدياد أطوال ثنيات الأنهار وإلتواءها فما دام وادي النهر الكثير الإنثناء والإلتواء تحده حوائط مرتفعة على كلا جانبيه, فلابد أن يؤدي إزدياد أحجام ثنياته وإلتواءته إلى زيادة طول النهر ذاته.
(ه) زيادة أطوال الأنهار عند مصباتها, وذلك إذا ما تعرض اليابس في هذه المناطق للإرتفاع, أو إنخفض منسوب مياه البحيرة أو البحر الذي ينتهي إليه النهر مما يؤدي إلى أن يشق النهر طريقه عبر الأرض الجديدة التي تظهر, وقد زادت أطوال معظم الأدوية النهرية التي تنتهي إلى المحيط الأطلسي وتلك التب تنتهي إلى خليج المكسيك (في أمريكا الشمالية) بهذه الطريقة. وقد تزداد بعض الأدوية النهرية في أطوالها إذا ما تزايد إمكتداد دالاتها في مياه البحر, وهذا ما حدث فعلأً للوادي الأدني لنهر المسيسبي فقد كان مصب هذا النهر في عصر البلايستوسين يقع في اليابس على بعد 125 ميلأً من مصبه الحالي, وإستطاع وادي هذا النهر أن يشق طريقه عبر هذه المسافة نتيجة لزيادة إمتداد دلتاه على حساب مياه خليج المكسيك.
مستوى القاعدة أو الحد الأدني للنحت: من المعروف أن هنالك مستوىأدنى تصل إليه عملية النحت الرأسي التي لابد أن تنتهي حتمأً إلى هذا المستوى, إذا ما إستمرت تعمل دون توقف, دون تدخل عوامل أخرى باطنية, ويعرف هذا المستوى, الأدنى لعملية النحت الرأسي بمستوى القاعدة , وقد كان الجيومورفولوجي الأمريكي "باول " (1875) أول من أشار إلى وجود هذا المستوى وذلك بعد البعثة التي رأسها وهي التي زارت منطقة كولورادو في غرب الولايات المتحدة. وقد عبر عن فكرة مستوى القاعدة وهو المستوى الأدنى لعمليات النحت بما يلي: ". . . يمكننا أن نعتبر مستوى سطح البحر بمثابة مستوى قاعدة عظيم لا يمكن للأرض اليابسة أن تنحت دونه, وقد نجا في بعض الحالات مستويات دنيا للنحت غير مستوى سطح البحر, وتظهر هذه المستويات لظروف محلية, ومؤقتة . . . ففي المناطق التي يخترق النهر فيها مجموعة من الصخور ممتفاوتة في صلابته - أي أن بعضها صلب يستطيع مقاومة عملية النحت المائي, والبعض الآخر لين تسهل إزالته - تصبح الصخور الصلبة بمثابة حواجز مؤقتة, تؤدي إلى إرتفاع منسوب مياه النهر أمامها, ويسفر هذا بالتالي عن توقف عمليات النحت المائي في الصخور اللينة, وبهذا تتكون سلسلة من مستويات القاعدة المؤقتة في مجرى النهر الذي لا تستطيع مياهه أن تواصل النحت إلى ما دونها, هذا على الرغم من ليونة ورخاوة التكوينات الصخرية.
ويتضح لنا من كلام "باول" السابق, أنه قصد بمستوى القاعدة, الحد الأدنى لتخفيض سطح الأرض , ولكنه لم يصف لنا الصورة النهائية لسطح الأرض, إذا ما إنخفضت به عمليات النحت إلى مستوى القاعدة, كما أنه لم يبين بوضوح, ما إذا ما كانت توجد ثلاثة مستويات للقاعدة أو مستويان فقط. . . إذا إن كل ما ذكره في هذا الصدد ". . . أن هنالك مستويات قاعدة أخرى غير مستوى سطح البحر تظهر لظروف محلية مؤقتة . . .".
وقد فسر "مالوت " (1928) كلام "باول" هذا على أنه يعني وجود ثلاثة مستويات للقاعدة مستوى قاعدة نهائي , ومحلي , ومؤقت .
فمستوى القاعدة النهائي - الذي لابد حتماً أن تنتهي إليه كل عمليات نحت سطح الأرض - هو مستوى سطح البحر, ومستوى القاعدة المحلي, وهو مستوى سطح مياه نهر أو بحيرة تنتهي إليها مياه نهر آخر, فإذا ما إنتهت مياه نهر من الأنهار إلى بحيرة, فإن مستوى سطح مياه هذه البحيرة هو المستوى الأدنى للنحت بالنسبة لهذا النهر, كما أنه إذا ما إنصرفت مياه رافد أي نهر إلى النهر الرئيسي, فيصبح حينئذ مستوى سطح الماء في النهر الرئيسي بمستوى القاعدة المحلي وذلك بالنسبة لهذا الرافد. أما مستوى القاعدة المؤقت فقد يتكون إذا ما إنصرفت مثلأً مياه نهر من الأنهار إلى بحيرة بحيث يصبح مستوى سطح مياه هذه البحيرة بمثابة مستوى قاعدة محلي بالنسبة لهذا النهر. والذي يحدث إذا كانت هذه البحيرة تتميز بضحالتها, هو تعرضها لأن تملأ بالرواسب اليت يلقي بها النهر, بعد توقفه عن عملية النحت نتيجة إنصبابه في هذه البحيرة, ويؤدي هذا إلى إرتفاع منسوب مياه البحيرة اليت تبحث لها عن مخرج في صورة نهر جديد, فينخفض منسوبها مرة أخرى حتى تنصرف منها المياه تماماً, وتتحول في النهاية إلى مسطح من الرواسب البحيرية . ثم يزداد النهر الجديد, بعد ذلك, طولأً بواسطة عملية النحت الصاعد في تلك الرواسب البحيرية, حتى يصبح له إنحدار واضح, كما يصبح القطاع الطولي للنهرمقعر الشكل, وتتلاشى البحيرة - أو مستوى القاعدة المؤقت للنهر الأول - تلاشياً تاماً خلال هذه العملية التي تعرف لهذا السبب بعملية إزالة البحيرات , وتتميز البحيرات التي توجد بإقليم البحيرات في الجزر البريطانية, بأنها تمر بمراحل مختلفة في طريقها النهائي نحو التلاشي.
من هذا يظهر أن مستوى القاعدة المؤقت والمحلي,إنما يؤديان نفس المعنى تقريباً وأن أي مستوى قاعدة محلي لابد أن يكون مؤقتاً, وهذا يدل بالتالي على أن "مالوت" كان مخطئاً فيما ذكره بأن "باول" كان يعني وجود ثلاثة مشتويات للقاعدة" نهائي ومؤقت ومحلي, وخصوصاً أن "ديفز" نفسه فسر كلام "بالو" علىأنه يعني وجود مستويين فقط وليس ثلاثة مستويات للقاعدة.
وقد كان الجيومروفولوجي "جونسون ", من أشد معضدي النظرية اليت تنادي بأ، مستوى سطح البحر هو الحد النهائي لمحن سطح الأرض بوسائل النحت المختلفة, وأنه إذا ما تخيلنا خطاً مستوياً يمتد تحت الأرض اليابسة على طول سطح الأرض, فإن هذا الخط المستوي هو الذي تتوقف عنده شتىأنواع عمليات النحت وهو الذي يعرف بمستوى القاعدة. وقد عارض الأستاذ الأمريكي "ثورنبري ", هذا الكلام أشد معارضة, وذكر أنه كلام نظري قلما ينطبق على واقع الطبيعة إلا في المناطق القريبة من البحار, وحتى إذا إفترضنا نظرياً, صحة الإحتمال القائل بأن الكتل القارية تنحت بإطراد حتى تسوى بمستوى سطح البحر, فإن من المستبعد أن تظل هذه الكتل في حالة من الثبات والإستقرار لمدة طويلة تسمح بإتمام عملية نحتها حتى تصل إلى مستوى سطح البحر.
ويؤيد هذا القول دراستنا لتقلقلات الباطنية التي تدل دلالة قاطعة على أن منسوب سطح البحر ليس له دخل إطلاقاً في "تخفيض" سطح الأرض في المناطق التي تبعد مئات الكيلومترات عن السواحل. وينطبق هذا بصفة خاصة على كل مناطق التغير السريع في قشرة الأرض, وهي المناطق اليت تتعرض دوماً لتقلقلات باطنية ونشاط بركاني إلى غير ذلك من العمليات اليت ترتبط بباطن الأرض.
ثم يعود "ثورنبري" فيقول بأن هذا الكلام لا ينفي وجود مستوى أدنى لعمليات النحت,إذ إن هذا المستوى الذي يمكن أن يسمى بمستوى القاعدة موجود فعلاً, وأنه قد يمتد نحت اليابس متمشياً مع مستوى سطح البحر, أو أخفض منه قليلاً وذلك لأن بعض المجاري المائية تستطيع أن تشق مجاريها دون مستوى سطح البحر عند مصباتها. وبعدأ، يتعرض إقليم من الأقاليم لأن ينحت ويزال تضرسه بحيث يصبح في مستوى القاعدة, وبحيث يتوقف حمل مجاريه المائية للرواسب, فلابد أن تطغى مياه البحر على اليابس وتجعله يتمشى مع مستوى أقل إنخفاضاً من مستوى سطح البحر هو ما يعرف بقاعدةالأمواج . ويتراوح عمق قاعدة الأمواج بين 200, 600 قدم دون مستوى سطح البحر. ويرى "ثورنبري" أن هذا يحدث لمناطق محلية محدودة قريبة من سواحل البحار, ومن الصعوبة بمكان أ، ينطبق هذا التغيرعلى المناطق القارية الداخلية الواسعة المساحة, إذ إن المستوى الأدنى للنحت في هذه المناطق يتمثل في مستوى سطح المايه في الأنهار الرئيسية,وذلك بالنسبة للروافد العديدة لهذه الأنهار.
القطاع الطولي للنهر : يركز النهر نشاطه دائماً في أن يجعل لمجراه إنحداراً من منبعه إلى مصبه, ويكاد يتمشى هذا الإنحدار مع الإنحدار الأول لسطح الأرض , وذلك على الأقل في المرحلة الأولى منحياة النهر, ويكفي هذا الإنحدار لإعطاء مياه النهر سرعة تسمح بتوازن عمليات النحت والإرساب على طول مجرى النهر.
فإذا كانت مياه النهر في أحد أجزاء مجراه تفتقر إلى مزيد من الحمولة (وهي الرواسب التي تحملها المايه) فلابد أن تعمل على نحت مجراها وتعميقه حتى تضاف الرواسب الجديدة الناجمة عن عمليات النحت إلى مايحمله النهر من رواسب, ويتم في هذه العملية خفض قاع النهر وتعميقه . على أن عملية نحت المجرى لا تلبث حدتها أن تخف كلمازادت حملة مياه النهر من الرواسب, وبهذا يقل إنحدار النهر تدريجياً حتى يحدث نوع من التوازن بين عمليات النحت والإرساب.
ونلاحظ في نفس الوقت, أنه إذا كانت مياه النهر في جزء آخر من مجراه تحمل كميات كبيرة من الرواسب بحيث لا تتناسب مع سرعة جريانه, فلابد أن تتخلص مياه النهر من هذه الحمولة الزائدة, وذلك لإرسابها, وحينئذ يقال أن النهر قد تحول من النحت إلى الإرساب , وكلما إزداد تراكم الرواسب إزداد إنحدار المجرى مما يؤدي في النهاية إلى زيادة سرعة مياه النهر مرة أخرى وتوقف عملية الإرساب.
ونشاهد في كلتا الحالتين السابقتين أن النهر يجاهد دائماًِ لكي يكون له إنحدار منتظم يسمح لمياهه بسرعة وقوة تكفي لحمل المواد المفتتة التي توجد في مياهه لا أكثر ولا أقل, ويكون النهر في هذه الحالة قد بلغ درجة التعادل أو التوازن,ويسمى حينئذ بالنهر المتعادل .
وقد قام "ديفز" بدراسة النهر المتعادل, بنى دراسته على الأفكار التي تقدم بها سلفه "جلبرت", ذكر بأن النهر في مرحلة مبكرة من قصة حياته يكون له إنحدار يكفي لنقل حمولته ولا يسمح بعمليات النحت والإرساب.
والنهر المتعادل في الواقع ليس هو ذلك النهر الذي يحمل من الرواسب إلى أقصى طاقة له لأن الأنهار نادراً ما تحمل إلى طاقتها القصوى.
كماأنه ليس ذلك النهر الذي توقف تماماً عن عمليات النحت والإرساب كما كان يعتقد "جلبرت" و "ديفز" من قبل, لأ، لبعض أجزاء مجرى النهر المتعادل او غير المتعادل قدرة على النحت, كما أن لأجزاء أخرى منه قدرة على الإرساب.
وقد عرض "كسيلي " (1941) نظرية النهر المتعادل وذكر أن النهر المتعاد هو النهر الذي تختفي من مجراه الشلالات ومناطق الإسراع. ويبدو من تعريفه هذا أنه أسأ فهم المقصود من النهر المتعادل.
وعلى الرغم من أن النهر المتعادل له إنحدار خاص هو الذي يمكن من حالة التعادل هذه, إلا أن هذه الحالة (حالة التعادل) تتوقف على عوامل أخرى هي:
1- سرعة مياه النهر, وهي لا تتوقف على صورة الإنحدار وحدها.
2- خصائص مجرى النهر.
3- نوع وأحجام المواد الصخرية المفتتة التي على النهر أن يحملها.
وكما أن لنظرية النهر المتعادل بعض المعارضين, فلها أيضاً عدد كبير من المؤيدين والمتحمسين نذكر منهم أشدهم تأييدأً وتحمساً لها وهو الجيومروفولوجي الأمريكي "ماكين " (1948). والنهر المتعادل في نظره هو: "ذلك النهر الذي كيف إنحداره على مدى فترة من السنين لكي يسمح بالسرعة المطلوبة لنقل حمولته من الرواسب اليت إشتقها من حوض تصريفه المائي, وذلك في ظل خصائص مجراه وتصريفه المائي .. فالنهر المتعادل إذن في حالة توازن, ومن خصائصه المميزة, أن أي تغيير يطرأ على أي عامل من العوامل المتحكمة في حالة التوازن هذه, لابد أن يؤدي إلى الإخلال بهذا التوازن, ويجعل النهر يجنح إما صوب النحت أو الإرساب. . . ".
ولا يشترط في النهر المتعادل أن تقل درجة إنحداره, إذ إن هنالك فعلاً بعض الأنهار المتعادلة التي تتميز مجاريها بشدةإنحدارها. وقد أعطى "ماكن" أمثلة لبعض هذه الأنهار, كنهر شوشوني في ولاية وايومنج (بالولايات المتحدة) الذي يبلغ إنحداره أكثر من 30 قدماً في كل ميل, ومعظم حمولة هذا النهر منالجلاميد الكبيرة التي تتراوح أقطارها بين 8, 12 بوصة . . . ويعد نهر الإلينوي مثلاً آخر لنهر متعادل ذي إنحدار متناه في البطء, إذ لا يزيد إنحداره على البوصتين في كل ميل, ولذا نجد أن معظم حمولته من المواد الطينية والصلصالية الناعمة.
ويبدو القطاع الطولي للنهر المتعادل الذي يعرف بقطاع التوازن - على شكل قوس مقعر إلى أعلى تقعراً بسيطاً, ويقل إنحداره ببطء وإنتظام كلما هبطنا مع مجراه. . . وهذا للوصف على حد قول "ثورنبري" وصف نظري بحت, إذ نادراًِ ما يظهر القطاع الطولي للنهر المتعادل مطابقاً لهذا الوصف, حتىإذا كان هذا النهر متعادلاً في سائر أجزاء مجراه, إذ لابد أن تحدث تغيرات ملحوظة في شكل الإنحدار عند مناطق إلتقاء النهر الرئيسي بروافد جانبية, وتعزى هذه التغيرات إلى زيادة كمية الرواسب التي تجلبها الروفد إلى المجرى الرئيسي. فعند إلتقاء نهر المسوري برافد بلاته يشتد إنحدار نهر المسوري (وهو نهر متعادل) وذلك لأن بلاته يجلب إليه في المعتادل كميات كبيرة من المفتتات الصخرية التي في حجم الزلط, وهذا يستدعي إشتداد إنحدار مياه نهر المسوري كي تتمكن من حملها.
وقد لخص "مكن" العوامل التي تؤدي إلى تغير شكل إنحدار النهر المتعادل فيما يلي:
1-زيادة تصريف النهر كلما هبطنا مع إنحداره, ونقصان حمولته تبعاً لهذا, ويظهر هذا بصفة خاصة في الأقاليم التي تتدفق فيها الأنهار من مناطق مرتفعة إلى سهول وطيئة رطبة.
2-تناقض أحجام المواد الصخرية كلما هبطنا مع النهر وذلك نتيجة لإحتكاك المواد الصخرية ببعضها البعض .
3-إلتقاء النهر المتعادل بروافد جانبية تجلب إليه حمولة جديدة من المفتتات الصخرية كما تزيد من كمية مياهه .
4-تأثر جوانب النهر ببعض عمليات الإنهيار الأرضي بما يؤدي إلى زيادة حمولته من المفتتات الصخرية.
ولكن يجب أن نلحظ دائماً أن النهر إذا ما إستطاع أن يحقق لنفسه قطاعاص طولياً متوازناً, فإن هاذ لا يعني أنه قد إستطاع أن يصل إلى أقل إنحدار يمكن لمياهه أن تتدفق في إتجاهه, بل كل ما في الأمر أن القطاع الطولي للنهر المتعادل يصبح في هذه الحالة بمثابة مستوى القاعدة المحلي أو الحد الأدنى لنحت وتخفيض المناطق المتاخمة له.
ويتضح لنا من كل ما سبق أن فكرة النهر المتعادل, فكرة أقرب إلى الناحية النظرية منها إلى واقع الطبيعة, وخصوصاً أن التعرية في مختلف أجزاء المجرى تختلف وتتباين من جهة إلى أخرى: ففي الأجزاء الدنيا من مجرى النهر حيث تنخفض سطح الأرض ويصح قريباً نم سطح البحر, تضعف عملية النحت الرأسي التي ينجم عنها تعميق القاع عظيمة الأثر, أما في الأجزاء العليا من المجرى, فالنحت النهري قليل الأثر وذلك لأن المسيلات المائية في هاذ الجزء من المجرى قليلة ومحدودة, ولذا تقل مقدرة النهر على الحفر والتعميق.
أسباب عدم إنتظام القطاع الطولي للنهر: هذا وتعترض مجرى النهر في كثير من الحالات عقبات عديدة تؤدي إلى إحداث تغيرات فجائية في شكل إنحداره.ومن هذه العقبات المشاقط المائية والمسارع والجنادل والبحيرات . . . إلخ. وينجم عن وجود هذه العقبات أن تحول شكل القطاع الطولي للنهر الشكل القوسي المتوازن إلى شكل متقطع, ويسمى قطاع النهر الطولي حينئذ بالمتقطع .
ويرجع السبب الرئيسي في تقطع القطاع الطولي للنهر, إلى أن مياه الأنهار - في الطبيعة - نادراً ما تتدفق على طول منحدرات تـألف من صخور ذات صلابة واحدة, وذات مقاومة متشابهة لعوامل النحت, إذ كثيراً ما تعترض مجرى النهر بعض التكوينات الصخرية الصلبة, التي تجعل إنحداره عندها غير متفق مع إنحداره العام, وتعمل مياه النهر في هذه الحالة على جعل آجزاء النهر - التي تعلو منطقة التكوينات الصلبة - في حالة من التعادل بينما تركز قوتها على نحت وإزالة التكوينات الصلبة ذاتها فتتكون المساقط المائية والشلالات والجنادل. وتعظم - بطبيعة الحال - سرعة تيار النهر في مثل هذه الأماكن, كما تزداد قوتها على النحت, وتستمر على هذا النحو حتى تتلاشى المساقط المائية والشلالات.
وما دمنا بصدد الكلام عن المساقط المائية, فيحسن أن نوجز السباب الرئيسية التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة التي يمكن أن نعتبرها - بصورة عامة - بمثابة إحدى ثمار عمليات النحت لنهري.
أولاً: من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تكون المساقط المائية - وأكثرها شيوعاً, وجود حواجز من الصخور الصلبة التي تمتد إمتداداً عرضياً عبر مجرى النهر, بحيث تحول جون وصول النهر إلى حالة التعادل - كما سبق أن ذكرنا. وقد تظهر هذه الكتل الصخرية الصلبة أحياناً في وضع أفقي, وأحياناً أخرى ف يوضع مائل,إذ قد تميل هذه الكتلة قليلاً نحو الأجزاء العليا من النهر, أو صوب الأجزاء الدنيا من مجراه. فإذا إمتدت التكوينات الصلبة إمتداداً ألإقياً (أو كانت تميل قليلاً نحو الأجزاء العليا من مجرى النهر), وإذا كانت الصخور التي تركز عليها هذه التكيونات صخوراً لينة يسهل نحتها, فسرعان ما تتآكل التكيونات السفلية اللينة وتنحدر مياه النهر نحوها على شكل مسقط مائي رأسي.
ومثل هذه الظروف هي التي أدت إلى تكوين شلالات نياجرا في مجرى نهر سانت لورانس في جزئه الذي يمتد بين بحيرتي إيري وأنتاريو , إذ تتألف اتلطبقات الصخرية العليا من الأقليم من تكوينات من صخر الدولومايت الجيري الشديد الصلابة, ترتكز فوق طبقات من شرائح الطين والحجر الرملي, وتسقط مياه النهر من فوق طبقات الدلومايت الصلبة 167 قدماً عند الجانب الأمريكي من الشلالات, ويؤدي سقوطها من هذا الإرتفاع الكبير إلى تكوين دوامات مائية شديدة في قاع النره تعمل على تآكل ونحت الطبقات الصخرية اللينة, وعلى تعميق قاع النهر وتكوين ما يشبه الخانق.
ولابد ببيعةالحال من أن يؤدي نحت الطبقات اللينة, إلى تكسر الطبقات الصلبة المعلقة وسقوطها هاوية في مياه النهر من علو شاهق, وبهذا تتقهقر شلالات نياجرا بإطراد صوب المنبع. وقد بلغ طول الخانق الذي تكون في مجرى نهر سانت لوارنس بعد تراجع الشلالات حوالي سبعة أميال.
هذا وتفصل شلالات نيارجا التي توجد في الجانب الأمريكي, وعن شقيقاتها التي توجد ف يالجانب الكندي كبيرة هي جزيرة جوت , ويبلغ طول الجبهة التي تطل بها الشلالات الأمريكية على النهر 1060 قدماً, بينما يبلغ طول جبنة الشلالات الكندية التي تسمى بال (لأنها تظهر على شكل قوس قريب الشبه من حدوة الحصان) 2800 قدم. وتتدفق معظم مياه نهر سانت لورنس التي تنحدر من بحيرة إيري إلى بحيرة أنتاريو, فوق الشلالات الكندية اليت تتقهقر لهذا السبب بمعدل يتراوح بين ثلاثة وأربعة أقدام سنوياً, وهي بهذا تفوق تقهقر الشلالات الأمريكية الذي لا يزيد معدله على قدم واحد في كل عام. ولابد أن تستمر عملية تراجع هذه الشلالات حتى تنصرف مياه بحيرة إيري إلى بحيرة أنتاريو الأقل منها منسوباًِ.
ثانياً: تتكون المساقط المائية حينما توجد حافة واضحة المعالم لهضبة من الهضاب من فوقها المجاري المائية إلى الأراضي السهلية الواطئة. ويظهر هذا بجلاء ووضوح ف يحالة الهضبة الأفريقية الجنوبية, وهكذا يمكن أن نفسر عدم صلاحية أنهارها للملاحة, فنهر الكنغو ينحدر من فوقها حوالي 900 قدم في سلسلة من الشلالات يبلغ عددها 32 وهي التي تعرف بشلالات لفنجستون , كما أن نهر الأورانج يسقط من فوقها - وهو في طريقه إلى المحيط الأطلسي - حوالي 460 قدماً بشلالات أوجراب .
ثالثاً: تتكون الشلالات إذا ما إجتازت مياه النهر منطقة إنكسارية يعلو عندما مستوى الأرض في أحد جانبي الإنكسار أكثر منه في الجانب الآخر فتهوى المياه من المستوى المرتفع إلى المستوى المنخفض, ويتكون مسقط مائي. ويمكن القول في هذا المجال بأ، شلالات فيكتوريا على نهر الزمبيزي (يبلغ مقدار سقوطها 360 قدماً) إنما ساعد على تكونها وجود إنكسارات عديدة في التكوينات البازلتية التي تجري فوقها مياه النهر.
رابعاً: كثيراً ما تتكون المساقط المائية في مناطق تعرضت للتعرية الجليدية, إذ إن زيادة تعمق الأودية الرئيسية للأنهار الجليدية, تؤدي, بعد ذوبان الجليد منها, إلى تكوين أودية معلقة هي عبارة عن الأجزاء العليا من مجرى النهر الجليدي أو بعض روافده التي تعلو كثيراً عن مستوى سطح أرضه, فتسقط منها المياه إلى الأجزاء المنخفضة من مجرى النهر الجليدي واليت زاد تعميقها أثناء تراكم الجليد.
أما إذا كانت التكوينات الصلبة التي تعترض مجاري الأنهار, تميل قليلاً نحو الأجزاء الدنيا من مجرى النهر, أو كانت هذه التكوينات في وضع رأسي أو شبه رأسي, فتتكون سلسلة من "المسارع " على طول مجرى النهر, وذلك في منطقة التكيونات الصلبة, إذ تنحدر مياه النهر فوق هذه التكوينات على هيئة جنادل أو مسارع, وليس على شكل شلالات كما هي الحال ف يجنادل نهر النيل الستة.
ويظهر لنا من كل ما شبق أن المشاقط المائية تتكون عندما يفشل النه رفشلاً مؤقتاً في جعل قطاعه الطولي في حالة من التعادل, وذلك بسبب تغاير مقاومة التكوينات الصخرية - التي يشق طريقه خلالها - لعمليات النحت أو بسبب حركات أرضية.
ومن العقبات الأخرى التي تحول دون بلوغ النهر درجة التعادل, إعتراض البحيرات الضحلة لمجاري الأنهار الحديثة, ولكن هذه البحيرات هي الأخرى قصيرة الأمد, إذ لا تلبث أن تختفي بعد إرتفاع منسوبها, وتصريف مياهها التي تبحث لها عن مخرج في صوةر نهر جديد, فتتحول في النهاية إلى مسطح من الرواسب البحيرية, ثم يزداد النهر الجديد بعد ذلك طولأً بواسطة عملية النحت الصاعد في تلك الرواسب البحيرية, ويصبح القطاع الطولي للنهر ذا شكل مقعر مما يدل على أن النهر قد إقترب من درجة التعادل أو وصل إليها فعلأً.
القطاع العرضي للنهر: لدراسة المقاطع العرضية للأنهار أهمية كبيرة من الناحية الجيومورفولوجية, إذ يمكننا أن نستخلص منها معرفة التاريخ الجيومورفولوجي للنهر, كما تمكننا من معرفة الضوابط الجيولوجية, والمناخية المحلية التي تحكمت في تطور هذا النهر. وكثيراً ما كان يظن خطأ من قبل, بأن عملية تعميق النهر لمجراه في مرحلة شبابه, تفوق عملية توسيع هذا المجرى كثيراً غير أننا نلاحظ أنه على الرغم من أن الأنهار تركز نشاطها في الأطوار الأولى من حياتها في تعميق مجرايها, إلا أن عمليات تعميق المجرى لا تتفوق بأي حال على عمليات النحت الجانبي التي تؤدي إلى توسيع المجرى, ولذلك نلاحظ في أغلب الأحوال أن القطاع العرضي للأنهار الفتية التي طور في الشباب, وهو الذي كثيراً ما يبدو على شكل حرف , له من الإتساع عند سطحه العلوي ما قد يفوق ما لها من عمق. فخانق كولورادو العظيم يبلغ إتساعه عند سطحه العلوي أكثر من 15 ميلأً بينما لا يزيد عمقه عن الميل في أعمق جهاته. ومن الثابت بصرف النظر عن هذا, أن الأنهار في فترات شبابها, تعمل على تركيز قواها ف يعمليات النحت الرأسي أكثر من عمليات النحت الجانبي لأن عملية توسيع المجاري المائية في مثل هذه الفترات لا تقتصر على قيام الأنها ربالنحت الجانبي, بل تتوقف إزالة المواد التي تتكون منها جوانب أوديتها على مساهمة عمليات أخرى غير عميلة النحت الجانبي , كعملية التجوية وعملية الإنهيار الأرضي .
ويلاحظ دائماً أن الأنهار الفتية نادراً ما تكون مستقيمة تمام الإستقامة وذلك لمسافة طويلة, بل تتميز مجاريها بكثرة ثنياتها ومنحنياتها,ووجود هذه المنحنيات هو الذي يساعد على إندفاع تيار النهر بكامل قوته نحو نقط معينة من جوانبه. والذي يحدث بالضبط, هو أن تيار النره الرئيسي ينحرف صوب الضفة الخارجية للنهر, أي نحو الجانب المقعر من الثنية وتعمل القوة الطاردة المركزية (التي تؤثر على مياه النهر) في نفس الوقت على تركيز مياه النهر, ورفع منسوبها في هذا الجانب مما يؤدي إلى سرعة نحته, كما تحدث كذلك تيارات رجعية سفلية , تسير عل طول قاع النهر وتتجه نحو ضفته الداخلية, أو الجانب المحدب من الثنية بمعنى آخر, وتؤدي هذه التيارات إلى تراكم رواسب النهر في هذا الجانب. ولهذا نجد أنه إذا ما تميز مجرى نهر من الأنهار بكثرة ثنياته ومنحنياته, فإن هذا يعني ضرورة حدوث عملية نحت في الجانب المقعر من كل ثنياته وهو الذي يواجه إندفاع مياه النهر وهي في أقصى عنفوانها, بينما تحدث عملية إرساب في الجانب المحدب من الثنية.
وعلى هاذ الجانب يمكن أن نوجز التغيرات اليت يتعرض لها مجرى النهر نتيجة عملية النحت الجانبي بما يلي:
(أ) تتآكل الثنيات في جوانبها المقعرة تآكلأً سريعاً, ويشتد إزاء هذا إنحدار تلك الجوانب بحيث تبدو على شكل جروف مرتفعة تشرف على مياه النهر.
(ب) يعظم حجم الثنيات ويزداد إتساعها وعمقها, وتظهر مناطق مرتفعة على شكل ربوات تفصل بين كل ثنية وأخرى, وتبدو كألسنة متعمقة في وادي النهر, تمتد نحوه من كلا جانبيه, وتعرف هذه الألسنة بالسفوح المعزولة , وتتكون أطرافها في معظم الحالت من الرواسب التي ألقت بها التيارات السفلية الرجعية - اليت تتحرك على طول قاع النهر - عند الجوانب المحدية للثنيات.
(ج) تقل مساحة السفوح المعزولة التي تبدو على شكل ربوات تتعمق في وادي النهر بين ثنياته - حتى تتلاشى تماماً في النهاية فيتسع بذلك عرض وادي النهر, ويتحول إلى أرض منبسطة تتسق في إتساعها مع ما يسمى بنطاق الثنيات هي التي تعرف بالسهل الفيضي . وتستطيع مياه النهر بعد ذلك أن تبسط فوق أرض هذا السهل كثيراً من المواد المفتتة التي تحملها.
ونجد في أغلب الأحوال في مناطق السهول الفيضية أن ظروف الأنهار تصبح ملائمة تمامً لوجود الإنثناءات (نسبة إلى نهر ميئا ندريس في آسيا الصغرى, الذي يتميز بهذه لظاهرة) إذ إن مياه النهر كثيراً ما تغير إتجاهها وكثيراً ما ينحني مجراها وينثني أما أية عقبة في طريقه في سهل فيضي, فتكبر تلك الإنثناءات ويزداد عددها , وأهم ما يميزه أنها تزحف بإستمرار نحو مصب النهر. ويرجع السبب في هذا إلى تآكل جوانبها المقعرة المواجهة للمصب بإستمرار, بينما تحدث عملية غرساب عند الجوانب المحدبة التي تواجه المنبع. ويستمر إزدياد إنحناء مجرى النهر في إجزائه المنثنية وتقترب عندئذ أطراف الإنثناءات من بعضها البعض, تاركه معابر ضيقة من الأرض التي تعرف برقاب الثنيات , وهي التي تفصل مجرى النهر عند كلا جانبي كل ثنية. وسرعان ما تخترق مياه النهر هذه الرقاب في فصل الفيضان وبذا تشق طريقاً جديداً قصيراً (يعرف بقطع الثنية ) بدلأً من المجرى الملتوي الذي كانت تجري فيه من قبل, ثم تكون مياه النهر بعد ذلك سداً من الرواسب يفصل المجرى الجديد عن المجرى المهجور القديم الذي يسمى حينئذ بعلامة الثنية . وقد تحتل أماكن الثنيات القديمة في بعض الأحيان, بحيرات هلالية الشكل هي التي ترعف بالبحيرات المقتطعة , أو بعض المستنقعات والبطائح المائية.
ويظهر لنا من العرض السالف لعملية النحت الجانبي, أنه لو إقتصر نحت الأنهارلمجاريها على تعميقها بواسطة قائمة الجوانب, ولكننا نلحظ دائماً أن عمليات النحت الرأسي ترافقها عمليات نحت تصيب جوانب أودية الأنهار, كما أن عمليات الإنهيار الأرضي, كزحف التربة, والتدفقات الطينية والإنزلاقات الأرضي ... إلخ, تعمل على توسيع المقطع العرضي للأأودية توسيعأً مطرداً.
ولكن الذي يهمنا الآن بعد معرفة المراحل التي يمر بها توسيع وادي النهر حتى يتحول الوادي الضيق يظهر على شكل حرف إلى سهل فيضي فسيح, هو أن النحت الجانبي ليس له مرحلة معينة من مراحل التطور النهري بحيث تظهر فيها عملية دون بقية المراحل الأخرى, فقد تبدأ في وقت مبكر جداً عندما يكون النحت الرأسي على أشده, وعندما تكاد تتوقف عملية النحت الرأسي بعد بلغ النهر مقطع توازنه أو تعادله , تستمر عملية النحت الجانبي بأقصى عنفوانها, وهذا في الواقع هو ما يميز الأودية النهرية في مرحلة الإنتقال بين طور الشباب وطور النضج, وعندئذ يتحول شكل وادي النهر, فبعد أن كانت تحده في مرحلة شبابه وطور النضج, وعندئذ يتحول شكل وادي النهر, فبعد أن كانت تحده في مرحلة شبابه حوائط مرتفعة هي التي تكون كلا جانبيه, يبتعد هذان الجانبان, ويتسع وادي النهر ويجري طليقاً دون أن تحده حوائط مرتفعة كالتي تميز واديه في طور الشباب, ويكون إتساع السهل الفيضي في أول تكيونه ويزداد إتساعاً على حساب ما تأكله مياه النهر من الحوائط المشرفة عليه من كلا جانبيه.
والذي نلاحظه في الطبيعة, أن القطاعات العرضية لأودية الأنهار نادراً ما تبدو منتظمة في شكلها بمعنى أن يميل كلا جانبي الوادي صوب قاعه بإحدار واحد, بل هي قطاعات غير منتظمة لظروف عديدة بعضها جيولوجي وبعضها الآخر مناخي, ومعرفة هذه الظروف ضرورية ولازمة حتى يتسنى لنا تفسير تاريخ كل نهر وتطوره تفسيراًِ يخلو من الحدس والتخمين.
أسباب عدم إنتظام المقطع العرضي للوادي: أولاً: من أهم هذه الأسباب وأكثرها شيوعاً, تآكل ثنيات النهر ونحتها ف يجوانبها المقعرة نحتاً سريعاً إزاء هذا إنحدار هذه الجوانب بحيث تبدو على شكل جروف مرتفعة تشرف على مياه النهر, بينما تتميز الجوانب المحدبة للثنيات بإرتفاعها تدريجياً من أرض الوادي إلى المرتفعات التي تحده. ومثل هذه المناطق المتدرجة في إنحدارها هي التي تعرف بالسفوح المنعزلة .
ثانياً: إذا كانت المنطقة التي يشقها النهر تتألف من طبقات متعاقبة تتكون من صخور صلبة وأخرى لينة, تمتد في وضع أفقي, فإن هذا يؤدي إلى تكوين مصاطب صخرية على كلا جانبي الوادي, ويتفق مستواها مع مستوى الطبقات الصلبة. وقد تظهر هذه المصطاب على جانب واحد من الوادي وتختفي تماماً على جانبه الآخر.
وتختلف هذه المصطاب النهرية إختلافاً كبيراً عن المدرجات الفيضية التي يكونها النهر من الرواسب التي تملؤه ويخلفها على كلا جانبيه, إذ ليس لها أدنى علاقة بتطور مستوى القاعدة, كماأنها لا ترجع إلى حدوث دورات نحت متقطعة, وهي أيضاً لا تمثل بأي حال مرحلة إرساب تعقبها مراحل نحت للرواسب التي يمتلئ بها الوادي, وهذا ما يميز المدرجات الفيضية, بل يرجع تكون المصاطب النهرية إلى ظروف صخرية معينة. ويمثل القطاع العرضي غير المنتظم لنهر كولورادو, نموذجاً واضحاً لنه ريخترق طبقات رسوبية أفقية تتعاقب فيها الطبقات اللينة مع الصلبة.
ثالثاً: إذا شق النهر طريقه على طول إنكسار أو بالقرب منه بحيث يؤدي وجود هذا الإنكسار إلى طهور صخور متباينة في درجة صلابتها يجاور بعضها بعضاً, كأن تظهر صخور صلبة بجوار أخرى لينة, أو صخور خالية في الشقوق والفلوق بجوار صخور أخرى يشتد تشققها وتفلقها, تعمل ف يكلتا الحالتين عملية النحت بنشاط وقوة على طول جانب واحد من جانبي النهرفيؤدي هذا إلى عدم إنتظام قطاعه العرضي.
رابعاً: قد يرجع عند إنتظام بعض الأودية المستعرضة التي تمتد من الشرق إلى الغرب في نصف الكرة الشمالي, إلى ظروف مناخية مباشرة أو غير مباشرة إذ يتلقى جانب الوادي الذي يواجه الجنوب, أشعة الشمس المباشرة, وترتفع إزاء هذا نسبة التبخر وتتعاقب عليه فترات من التجمد والذوبان. كما يظل الثلج على هذا الجانب لفترة قصيرة. وكنتيجة لإرتفاع درجات الحرارة وقلة رطوبة التربة على هذا الجانب تقل النباتات الطبيعية التي تنمو على طوله, وتنشط إزاء هذا عمليات التجوية والإنهيار الأرضي فيصبح هذا الجانب من الوادي (الذي يواجه الجنوب) أقل إنحداراً من جانبه الذي يواجه الشمال.
وفي حال الأودية التي تهب عليها بإنتظام رياح رطبة, كما هي الحال في تلك التي توجد في نطاق الرياح التجارية, كثيراً ما تتميز القطاعات العرضية لهذه الأودية بعدم إنتظامها نتيجة تفاوت كميات الأمطار التي تتساقط على كلا جانبي الوادي. إذ إن سفح الوادي الذي واجه الرياح يكون أغزر أمطاراً وأقل إنحداراً من جانبه الذي يقع في منصرف الرياح .
خامساً: إذا إخترقت الأنهار مناطق جيرية أو طباشيرية تنشط فيها عمليات النحت الكيماوي , فإن الأودية التي تكونها هذه الأنهار تبدو ذات شكل مستدير يختلف عن الشكل المنتظم الذي يشبه حرف .
منهذا نرى أن شكل القطاع العرضي للوادي يختلف إختلافاً كبيراً حسب نوع التكوينات التي يخترقها النهر الذي يجري فيه, أو لظروف مناخية معينة. ولا يظهر القطاع المنتظم إلا في حالة التكوينات المتجانسة في تركيبها الصخري, إذ عادة ما يتخذ القطاع الشكل . أماإذا كانت التكيونات المتجانسة تتألف من صخور رسوبية لينة فلابد أن يزداد الشكل إتساعاعً وعمقاً, وحتى في حالة شق النهر لواديه في تكوينات متجانسة, كثيراً ما ينعدم إنتظام قطاعه العرضي لتدخل بعض العوامل الجيولوجية (كوجود الإنكسارات) أو المناخية كما بينا من قبل.
تصنيف الأودية النهرية: إختلفت آراء العلماء حول موضوع تصنيف الأودية النهرية, فمنهم من يصنفها إلى أقسام على أساس المرحلة التطورية التي يوجد فيها كل واد نهري, ومنهم من يقسمها على أساس تكوينها ونشأتها - , ومنهم من يقسمها على أساس ظروف البنية الجيولوجية, وقد يصنفها البعض كذلك على أساس وضع مستوى القاعدة ومدى ترعضه للتغير وسنناقش فيما يلي هذه التقسيمات المختلفة.
(أ) تقسيم الأودية على أساس المحلة التطورية التي توجد بها: وبعد هذا التقسيم من التقسيمات الكلاسيكية, إذ يكاد يتبعه معظم الجيومورفولوجيين في العالم, وهو مبنى في أساسع على فكر "ديفز" في تطور الأودية النهرية. فهنالك أودية نهرية في طور الشباب وأخرى في طور النضج , وغيرها في دور الكهولة أو الشيخوخة .ويتميز كل طور من هذه الأطوار الثلاثة بخصائص وميزات معينة: فمن أهم ما يميز الأودية التي في دور الشباب, شدة إنحدار جوانبها, وعمقها بحيث تبدوو في شكلها العام كحرف . كما أن مناطق تقسيم المياه بين الأودية المختلفة, تبدو كحواف مرتفعة, أما الأودية التي في طور النضج فتبلغ الأنهار التي تجري فيها درجة التعادل وبنوع خاص في سهولها الفيضية, وكثرة إنثناء وإلتواء المجاري المائية التي توجد بها, هذا فضلاً عن أن عملية النحت الرأسي تنشط في الأجزاء العليا من أودية الروافد, كما تدأب عملية النحت الجانبي على توسيع وادي النهر الرئيسي. ويؤدي تضافر هاتين العمليتين معاً إلى إزالة معامل التضاريس تدريجياً, وإلى إختفاء مناطق تقسيم المياه بين الأودية, وإلى تسوية سطح الأرض حتى يتحول حوض النهر إلى أرض منبسطة هي التي تعرف بشبهالسهل .
وتقسيم أودية الأنهار على أساس المرحلة التطورية اليت يوجد بها كل واد تقسيم يفي بالغرض إيفاء تاماً, بشرط ألا نفترض فترات زمنية لكل مرحلة, إذ إن هذه المراحل الثلاث (الشباب, والنضج, والكهولة) غير متساوية في أطوالها, هذا على الرغم من أن الجيومروفولوجي الأمريكي "جونسون " رجح أن مرحلة الشباب تستغرق حوالي 5% من المدة الإجمالية التي تستغرقها الدورة الجيومروفية للأنهار, كما تستغرق مرحلة النضج حوالي 25% أما مرحلة الشيخوخة فتتسغرق زهاء 70% من طول الدورة, ومعنى هذا أن عمليات النحت التي تقوم بها الأنهار في دور الشيخوخة, تحتاج إلى وقت أطول كثيراً مما تحتاجه في دوري النضج والشباب, وعلى أي حال,مثل هذه التقديرات الزمنية, تقديرات إفتراضية ولا تعبر عن الواقع بأي حال, إلا فيما يتصل ببطء التغيرات التي تطرأ على الأوية النهرية كلما قاربت الدورة الجيومروفية على الإنتهاء.
(ب) تقسيم الأودية النهرية على أساس نشأتها وتكوينها: ويعد "ديفز" أيضاً, أول من إبتداع هذا التقسيم,هذا على الرغم من أن "باول" يعتبر في واقع الأمر أول جيومروفولوجي حاول تقسيم الأودية النهرية على أساس نشأتها, ولكن "ديفز" كان شأنه دائمأ أن يتناول آراء أسلافه ويزيد توضيحها وشرحها, كما كان كثيراًِ ما يضيف إليها إضافات جديدة. ويرى "ديفز" أنه يمكننا تقسيم أودية الأنهار على أساس نشأتها إلى:
1- أودية تابعة أو رئيسية : وهي الأودية التي يتمشى سيرها مع الإنحدار الأول لسطح الأرض (ولذا سميت بالتابعة لأنها تتبع الإنحدار وتتمشى معه) وتتكون هذه الأودية فوق المناطق الحديثة النشأة من سطح الأرض, كالسهول الفيضية والجليدية, وسهول اللابة اليت تتكون من طفوح بركانية, كما تتكون كذلك ف يالمناطق الساحلية التي كانت تغمرها مياه البحر ثم تعرضت لحركات رافعة فإرتفع منسوبها عنها مياه البحر, إذ إن أول ما يتكون فوق هذه الأرض الجديدة, أنهار تابعة تسير مع إنحدراها.
2- أودية تالية : ويتحكم نوع الصخور في إتجاهاتها إذ تكاد تتمشى مع نطاقات الصخر اللينة الضيقة التي يسهل نحتها, وكثيراً مما يوصف أي واد نهري يكاد يتفق إمتداده مع إمتداد طبقات صخرية سهلة النحت بأنه واد تال, وهذا القول لا يبدو صحيحاً, وذلك لأنه من المحتمل أن يكون مثل هذ الوادي, وادياً رئيسياً (تابعاً) يتمشى معإنحدار أرض صخورها لينة. وتجري في الأودية التالية في معظم الأحوال روافد الأنهار الرئيسية, ولذا سميت بالأودية التالية, وذلك لأن تكوينها جاء تالياً لتكوين الأنهار الرئيسية, وكقاعدة عامة, يمكن القول بأن الأودية التالية تسير عمودية على إتجاه ميل الطبقات - أو بمعنى آخر - متمشية مع خط الإمتداد , ولذا كثيراً ما تسمى بأودية خط الإمتداد .
3- الأودية التلقائية : وتتحكم في إتجاهات مثل هذه الأودية عوامل غامضة غير واضحة تماماً, وخصوصاً أن نشأتها لم تتحكم فيها على الإطلاق عوامل صخرية أو جيولوجية, فهي إذن أودية نشأت حيث توجد بمحض الصدفة, أو لتدخل عوامل غامضة يصعب الكشف عنها, ومن هنا كانت تسميتها بالأودية التلقائية أي التي نشأت من تلقاء نفسها.
4- الأودية العكسية : وتنحدر مياهها في إتجاه مضاد للأتجاه الذي تسير فيه الأنهار الرئيسية وتجري في مثل هذه الأودية روافد الأنهار التالية في معظم الأحوال, وقد تجري روافد الأنهار التالية في أودية تتمشى مع نفس إتجاه الأودية الرئيسية, ولكنها تشق طريقها في أرض منخفضة بالنسبة لتلك التي تجري فوقها الأنهار الرئيسية. وتسمى مثل هذه الأودية بال , ومنأمثلة الأودية العكسية وادي قنا في الصحراء الشرقية وهو يسير في إتجاه من الشمال إلى الجنوب أي ضد إتجاه نهر النيل في الجمهورية العربية المتحدة.
(ج) تقسيم الأودية النهرية على أساس ظروف البنية الجيولوجية: من الممكن كذلك أن نقسم الأودية النهرية على أساس ظروف البنية الجيولوجية اليت أدت إلى تكوينها, فنالك أودية الإلتواءات المنفردة وأودية الإلتوءات المحدبة واودية الإنكسارات وأودية المفاصل .
1- أودية الإلتواءات المنفردة: وهي نفسها الأودية التالية أو الطولية التي يتبع إمتدادها إمتداد التكوينات اللينة اليت يسهل نحتها, وهي تسير في معظم الحالاتا موازية لخط الظهور, وذلك على طول جوانب الإلتواءات المنفردة التي كثيراً ما تتعاقب فيها تكوينات جيولوجية صلبة مع أخرى لينة. وتظهر مثل هذه الأودية بصفة خاصة في منطقة جبال الأبلاش الإلتوائية وفي جبال جورا في اقلارة الأوروبية وعلى طول جوانب جبال الروكي في أمريكا الشمالية.
2- أودية الإلتواءات المحدبة والمقعرة: وتتبع في سيرها محاور الإلتواءات المحدبة أو المقعرة, التي تتميز بأنها من مناطق الضعف في قشرة الأرض.
3- أودية الصدوع: ومنها نوعان: نوع يتشمى مع إمتداد المناطق الهابطة التي تنجم عن عملية التصدع ذاتها ويسمى بوادي الصدع, أما إذا كان الوادي تالياً يتمشى مع خط الإنكسار فيسمى حينئذ بوادي خط الإنكسار .
4- أودية المفاصل: إذ كثيراًِ ما تتحمك المفاصل الرئيسية التي توجد في الصخور في مسير الأودية النهرية, أو على الأقل في إتجاهات أجزاء منها, ومثل تلك الأودية التي تتكون في مناطق المفاصل الصخرية, ليس لها شأن كبير, فهي إما أودية صغيرة قصيرة لا قيمةى لها, أو بعض أجزاء من أودية كبيرة.
5- الأودية العرضية : وهي التي تسير عبر التكيونات الجيولوجية وتتقاطع معها ويوجد نوعان منها: نوع يعرف بالأودية "المنطبعة ", وتشق مثل هذه الأودية طريقها عبر تكوينات جيولوجية كانت مدفونة تحت طبقات جيولوجية أحدث, في الوقت الذي تم فيه حفرها, وتنشأ مثل هذه الأودية, أول ما تنشأ فوق الطبقات الصخرية العليا الحديثة اليت قد تـألف من صخور رسوبية, أو تدفقات وطفوح بركانية, أو إرسابات جليدية, ثم تداب بعد ذلك على نحت أوديتها وتعميقها, حتى تصل إلى التكوينات القديمة التي ترتكز عليها هذه الطبقات الحيدثة, وبعد أن تتم إزالة الطبقات الحديثة, تكون الأنهار قد شقت لها أودية عميقة في التكوينات القديمة. وتعرف مثل هذه الأودية بالأودية المنطبعة, لأن الأودية اليت كانت تشق طريقها عبر الطبقات الرسوبية الحديثة, قد إنطبعت بكل تفاصيلها على التكوينات القديمة بعد أن تمت إزالة الطبقات الرسوبية.
أما النوع الآخر فيعرف بالأودية السالفة وهي الأودية التي يسبق تكونها تكون التراكيب التي تشق طريقها خلالها.
وتتكون مثل هذه الأودية بصفة خاصة في المناطق التي تأثرت بالحركات الإلتوائية الألبية الحديثة كما هي الحال في نطاق الإلتواءات الألبية التي توجد حول المحيط الهادي. إذ يعد خانق نهر كولومبيا الذي يشق طريقه في جبال كسكيد بغرب كندا, بمثابة واد سالف, لأن النهر كان يجري على سطح الأرض قبل أن تظهر جبال كسكيد إلى حيز الوجود. ومثل هذا الوصف ينطبق على وادي سانتا أنا , في ذلك الجزء من مجراه الذي يخترق جبال سانتا أنا في جنوب كاليفورنيا, ويعتبر أيضاً خانق "سبلوقة" الذي يقع إلى الشمال من مدينة الخرطوم, بمثابة واد سالفة, سبق تكونه ظهور كتلة جبل رملي التي يشق طريقه خلالها.
(د) تقسيم الأودية على أساس تغير مستوى القاعدة: تدل دراسة بعض الأودية في بعض جهات العالم على أن مستويات قاعدتها قد ترعضت للتغير والتذبذب, إما لحركات باطنية كالتقلقلات الأرضي أو النشاط البركاني, أو لحركات توازنية قد ينتج عنها إنخفاض مستوى البحر وإرتفاعه. فوجود الأودية الغارقة مثلاً, يدل دلالة قاطعة على أن مستوى سطح البحر قد تعرض للإرتفاع,ومن أوضح النماذج لهذه الأودية الغارقة خليج تشسابيك على الساحل الشرقي للولايات المتحدة, إذ إن هذا الخليج في واقع الأمر, عبارة عن مصب خليجي واسع تكون بعد طغيان مياه المحيط الأطلسي على الجزء الأدنى من وادي نهر سكوينه . وظاهرة الأودية الغارقة ظاهرة شائعة الحدوث في وقتنا الحاالي, ويبدو أنها قد حدثت بعد إنتهاء العص رالجليدي, وإرتفاع مستوى سطح البحر في معظم جهات العالم نتيجة ذوبان الجليد وإنحدار المياه الناجمة عن ذوبانه إلىالبحار مماأدى إلى رفع منسوبها وغمرها للمناطق الساحلية.
أما إذا إرتفع اليابس وإنحسرت عنه مياه البحار, فتتكون أنهار متجددة الشباب تستأنف نشاطها - في أجزائها الدنيا - في عمليات النحتالرأسي من جديد, جاهدة إلى الوصول إلى حالة التعادل مرة أخرى, وتبدأ عملية النحت في أوج نشاطها في جهة المصب, ثم يتراجع وادي النهر تدريجياً نحو المنبع, ولابد, وبطبيعة الحال, أن تتوقف السرعة التي يتراجع بها النهر الذي إستعاد شبابه نحو منبعه, على نوع الصخور التي يتكون منها قاعه, فإذا كانت هذه الصخور لينة, كانت التيار سريعاً وإذا كانت صلبة كان التراجع بطيئاًِ. وتعرف تلك النقطة التي يقف عندها تراجع النهر إذا ما واجهته تكوينات صلبة بنقطة التقطع أو الإنكسار . وإذا كثر وجود مثل هذه النقط على طول القاع النهري الطولي فلابد أن يؤدي هذا إلى تحول القطاع الطولي للنهر الذي إستعاد شبابه من الشكل القوسي المتعادل, وهو الذي كان يتميز به قبل إنخفاض منسوب مياه البحر إلى الشكل المتقطع الذي لابد أن يجاهد النهر لإزالة تقطعه وتسويته والوصول به إلى درجة التعادل مرة أخرى.
ومن أحسن الأمثلة لما يحدث للإنهار إذا ما تجدد شبابها, وما حدث في شرق الولايات المتحدة نتيجة إرتفاع السهل الساحلي وإنحسار مياه البحرعنه, فقدإنخفضت مستويات القاعدة لمعظم الأنهار, مما أدى إلى تجديد شباب الأنهار وإستئنافها لنشاطها في نحت التكوينات الرسوبية, وتراجعت مجاري الأنهار تراجعاً سريعأً إلى أن وصلت إلى الكتلة الصلبة من الأبلاش, فوقفت عملية النحت الصاعد للإنهار, وذلك لصلابة صخورها. يعرف الخط الذي وقف عنده تقهقر الأنهار - وهو ذلك الخط الذي يمتد على طول قاعدة جبال الأبلاش - خط السقوط , وذلك لأنه الخط الذي تسقط عنده مياه الأنهار من مستوى مرتفع إلى مستوى منخفض.
أنماط التصريف النهري: يقصد بنمط التصريف النهري الصورة والنظام العام الذي يبدو عليه كل نهر بروافده الرئيسية والثانوية, إذ إننا نلاحظ أن خطوط الصريف المائي إنما تظهر مرتبطة ببعضها البعض في أشكال خاصة بحيث تعكس لنا بوضوح بعض العوامل التي تحكمت فيها وجعلتها تتخذ هذه الأشكال أو الأنماط. ومن هذه العوامل:
(أ) صورة الإنحدار الأولى .
(ب) تباين الصخر في صلابته.
(ج) ظروف البنية الجيولوجية .
(د) مدى تأثر منطقة التصريف المائي بحركات باطنية.
(ه) التطور الجيومورفولوجي لحوض النهر.
وما دامت أنماط التصريف النهري تتوقف على كل هذه العوامل العديدة, ففي هذا, إذن, دليل قاطع على ما لدراسة هذا الموضوع من أهمية لدارسي الجيومورفوجيا, إذ تساعدهم على تفسير بعض الملامح الجيومورفولوجية للأنظمة النهرية وعلى تفهم عوامل البنية, والتكوين الصخري التي ساهمت في تطور الأشكال الأرضية.
وقد سبق أن ذكرنا أنه إذا ما تأثرت منطقة ما, تغمرها مياه البحر بحركات رافعة بحيث تعمل على إرتفاع منسوبها وإنحسار مياه البحر عنها, فأول ما يتكون فوق هذه الأرض الجديدة (إذا كانت غزيرة الأمطار) مسيلات مائية تتبع الإنحدار العام لسطح الأرض الجديدة, وهي تلك التي أسميناها بالأنهار الرئيسية والتابعة. وتزداد هذه المسيلات طولاً بعملية النحت الصاعد أو عملةي التقويض الينبوعي أو غيرها من العمليات التي تؤدي إلى إطالة المجاي المائية. ومع إستمرار هذه الأنهار الوليدة في نحت مجاريها وزيادة أطوالها, تتكون مناطق مرتفعة تفصل بين كل نهر آخر هي الت يتعرف بأراضي بين الأنهار , وتنحدر بعد ذلك الروافد من هذه المناطق المرتفعة صوب الأنهار الرئيسية وتزداد هذه الروافد - هي الأخرى طولاً وعمقاً بواسطة عمليات النحت المختلفةز
ومن الملاحظ دائماً, أن الروافد في أثناء عملية النحت لمجاريها خلال المناطق المرتفعة التي تفصل بين الأنهار الرئيسية,تتخير دائماً مناطق الضعف فيها, فقد تمتد على طول الأنكسارات أو الفلوق, أو قد تتخير دائماً مناطق الضعف فيها, فقد تمتد على طول الإنكسارات أو الفلوق, أو قد تتغير لها طبقة لينة من الصلصال أو شرائح الطين, أو قد تسير مع إتجهات المفاصل التي توجد في الصخر. . . وعلى هذا نجد أن النهر الرئيسي وروافده, لابد أن يتبع بنية وطبيعةالصخور التي يخترقها. ويمكننا على هذا الأساس أن نميز عدةأنماط للتصريف النرهي يمكن إيجازها فيما يلي:
1- التصريف النهري الشجري : إذا كانت التكوينات الجيولوجية التي يخترقها النهر متجانسة في درجة مقاومتها لعوامل النحت, فالعامل الرئيسي الذي يتحكم في شكل النظام النهري في هذه الحالة, هو عامل الإنحدار الإقليمي العام لسطح الأرض مع حدوث بعض التعديلات الطفيفة في هذا العامل إزاء بعض التضرس وعدم الإنتظام في سطح الأرض. وتلتقي الروافد بالنهر الرئيسي في هذه الحالة, بزوايا حادة. وكلما كون النهر لنفسه رافداً واضح المعالم, كلما إتصلت بالتالي بهذا الرافد روافد ثانوية إلى أن يتكون نظام نهري أشبه بشجرة متعددة الفروع. ويتكون نمط التصريف النهري الشجري في المناطق التي تتألف من صخور رسوبية أفقية, أو فوق تكوينات نارية تغطي مساحة واسعة. في وجود النظام الشجري فوق التكوينات النارية دليل قاطع على حدوث إنطباع له بكل ما به من تفاصيل فوق هذه التكوينات بعد إزالة الصخور الرسوبية اليت كانت ترتكز عليها.
2- التصريف النهري المشبك : وتسير الأودية النهرية في هذا النمط منأنماط التصريف المائي, متوازية مع خطوط ظهور الطبقات , أو مع بعض المظاهر التضاريسية الحديثة التكوين والتي قد تم ترسيبها بفعل الرياح أو الجليد. وتنحني الأنهار الرئيسية في هذا النظام إنحناءات قائمة الزوايا عندما تمر بين الحافات الفقرية المتوازية, كما تتصل هذه الأنهار بروافد بزوايا قائمة بحيث تسير إتجاه النهر الرئيسي موازياً لإتجاه ميل الطبقات بينما تسير الروافد موازية لخط إمتدادها. كما تظهر الروافد الثانوية هي لأخرى موازية لإتجاه النهر الرئيسي. ويتكون نمط التصريف النهري المشبك في الجهات التي تـألف من صخور طباقية تميل ميلأً قليلاً صوب البحر, كما تتميز في نفس الوقت بتعاقب تكوينات لينة مع أخرى صلبة
3- التصريف النهري الشائك : ويتميز بقلة شيوعه وإنتشاره, وبتركزه في ألأجزاء العليا من الأنظمة النهرية. وتتصل الروافد بالنهر الرئيسي بإنحناءات واضحة تتجه نحو المجرى الأعلى. ويتكون هذا النمط في المناطق التي تعرضت فيها المجاري المائية لعمليات الأسر النهري.
4- التصريف النهري المستطيل : وينحني فيه النهر الرئيسي إنحناءات بزوايا قائمة, كما تلتقي الروافد بالنهر الرئيسي أيضاً بزوايا قائمة, ويدل وجود هاذ النمط من أنماط التصريف المائي, على مدى تأثر النهر وروافده بالمفاصل والإنكسارات اليت توجد في التكوينات اليت يخترقها, وهذا مايظهر بجلاء ووضح في حالة نظم التصريف النهري الت يتوجد على طول ساحل النرويج.
5- التصريف النهري المقلقل : ويتكون في الجهات التي لا تخضع فيها إتجهات الأودية النهرية الرئيسية وروافدها, لعوامل جيولوجية كنوع الصخور, أو أبنيتها. ولابد بطبيعة الحال من أن تكون الأنظمة التي تنشأ في هذه الظروف, حديثة التكوين لم تمض عليها فترة كافية تعمل على إكنمالها. وتتميز المجاري المائية في هذا النوع بعدم إنتظام إتجاهاتها وكثرة تعرجها وإنثنائها, بإختراقها لبعض البحيرات أو المستنقعات, مكا أن روافد الأنهار الرئيسية روافد قصيرة في أغلب الأحوال وليس لها شأن يذكر. وتنتشر المسنقعات والبطائح المائية في نفس الوقت فوق الأراضي المرتفعة نسبياً والتي تفصل أودية الأنهار بعضها عن البعض الآخر.
وهناك أنماط أخرى للتصريف امائي, كالنمط المركزي وتظهر فيه خطوط التصريف المائية متلاقية في منطقة حوضية أو هابطة وتتجه صوب أعمق مناطقها من كل الإتجاهات تقريباً, والنمط المتشعع وتظهر فيه المجاري المائية متفرقة زمتشععة من منطقة مرتفعة (كهضبة نجد مثلاً) بحيث تنحدر على طول كل جوانبها.
"قوام" التصريف النهري : كان الجيومورفولوجي الأمريكي "هورتن " أول من وجه الأنظار إلى دراسة ما سماه "بقوام" التصريف النهري اذلي يقصد منه معرفة كثافة التصريف النهري , وتععد خطوطه . وقد فسر كثافة التصريف النهري بأنها عبارة عن الطول الإجمالي للمجاري المائية في حوض تصريف نهري معين مقسوم على مساحة هذا الحوض. كما عرف تعدد خطوط الترسف المائي, بأنه يقصد منه عدد المجاري المائية التي توجد ف يحوض نهري معين مقسوم على مساحة هذا الحوض. وعلى هذا الأساس يمكن أ، نفرق بين الأحواض النهرية على أساس "قوام" تصريفها المائي, فهناك أحواض ذات قوام ناعم , وأخرى ذات قوام متوسط أو خشن . وكل هذه المصطلحات مجازية ونسبية, ولم يقم "هورتن" بأية دراسة إحصائية يستطيع أن يطبقها على جهات العالم المختلفة لكي يستنتج منها ما هو مقصود فعلاً بتباين "قوام" التصريف النهري. وعلى الرغم من هذا تمكن "هورتن" منأ، يوضح العوامل التي تتحكم ف ي"قوام" التصريف النهري على النحو التالي:
(أ) عامل المناخ: ويؤثر على كثافة الأنهار وتعددها إما بطريق مباشر أو غير مباشر. وتتمثل المؤثرات المناخية المباشرة في عامل التساقط, إذ تؤدي غزراة الأمطار إلى تعدد خطوط التصريف المائي وتكاثفها. أما المؤثرات غير المباشرة فتتمثل في عامل النباتات الطبيعية, فكلما إزدادت كثافة الغطاء النباتي قلت كثافة الأنهار ونقصت أعدادها, وحينما تندر النباتات الطبيعية - كما هي الحال في الأقاليم الجافة وشبه الجافة - تزداد كثافة التصريف المائي وتتعدد المجاري المائية. ويرجع هذا بالذات إلى أن وجود غطاء نباتي كثيف يقلل من كميات المياه التي تجري جرياناً سطحيأً على سطح الأرض.
(ب) العامل الجيولوجي: ويؤثر على كثافة الأنهار وتعددها تأثيراً مباشراً عن طريق نوع الصخور ودرجة إنفاذها للمياه, فالمعروف أن خطوط التصريف النهري تتقارب وتتعدد في المناطق التي شقت فيها خلال تكوينات صخرية غير منفذة للمياه, إذ كثيراً ما تختفي المجاري المائية إختفاء تاماً في الجهات التي تشق طريقها فيها خلال تكوينات منفذة للمياه كالرمال أو الحصى.
(ج) عامل التضاريس: ويؤثرهو الآخر على "قوتم" التصريف النهري, إذ تتعدد المجاري المائية فوق الأراضي المتضرسة غير المستوية السطح, بينما تقل في المناطق المستوية أو قليلة التموج.
وخلاصة هذا الكلام, هي أن كثافة الأنهار, وأعدادها لابد أن تختلف في الأحواص النهرية التي تنتشر على سطح الأرض, وذلك لإختلاف تأثر النهار التي تجري في هذه الأحواض بعوامل عديدة بعضها مناخي وبعضها الآخر جيولوجي أو تضاريسي.
مناطق تقسيم المياه: تعرف الأراضي المرتفعة التي تفصل بين نظامين نهريين متجاوريين - أو بمعنى آخر بين حوضين متجاوريين - بمناطق تقسيم المياه , وهي ثابتة إذا كان معدل النحت على كلا جانبيها معدلاً واحداً متساوياً, ولكن هذا لا يحدث في الطبيعة بتاتاً, بل تتميز مناطق تقسيم المياه بأنها مناطق متنقلة كثيراً ما تهجر مناطقها الأولى التي نشأت فيها. ويعزى هذا إلى عدم تساوي إنحدار هذه المناطق المرتفعة صوب كلا النظاميين النهريين, إذ يؤدي هذا بطبيعة الحال إلى تفوق عملية النحت النهري على طول الجانب الشديد الإنحدار, وبذلك تتحرك منطقة تقسيم المياه دائماً صوب الجانب المتدرج في إنحداره.
وقد كان "جلبرت" أول من سجل هذه الظاهرة أثناء دراسته لجبال هنري في ولاية "يوتا", إذ لاحظ أن النهري الذي ينحدر على طول الجانب الشديد الإنحدار من حافة من الحافات, يستطيع أن ينحت واديه ويزيد في طوله بسرعة تفوق نحت نهر آخر ينحدر على طول الجانب المتدرج من هذه الحافة. ولابد أنيتراجع إزاء هذا خط تقسيم المياه الذي يفصل بين النهرين, صوب النهر الأقل نشاطاً في عملية النحت. وإذا تميزت كميات الأمطار التي تتساقط فوق مناطق تقسيم المياه بغزارتها في جانب يواجه الرياح الرطبة بينما يقع الجانب الآخر في ظل هذه المطار, فلابد أن تتراجع هذه المناطق وتتحرك صوب الجانب القليل الممطر. وهذا ما نشاهده فعلاً في جزيرة أواهو من مجموعة جزر هاوائي حيث تتساقط الأمطار بغزارة ملحوظة على الجانب الغربي, مع تكون حافات رأسية شديدة الإنحدار على الجانب الشمالي الشرقي هي التي يعرفها "الهوائيون" محلياً بالبالي .
وتحدث ظاهرة تراجع مناطق تقسيم المياه - في معظم الأحوال عن طريق عملية النحت الصاعد اليت تقوم بها الأنهار التابعة أو الرئيسية أو روافدها وتهدف من روائها إلى أن تزيد منأطوال مجاريها.
وإذا كان أحد الأنهار الرئيسية المتقابلة أقوى على تعميق مجراه من النهر أو الرافد الذي يواجهه في الجانب الآخر من خط تقسيم المياه, حدثت ظاهرة جيورفولوجية هامة هي ظاهرة الأسر النهري (كثيراً ما تسمى القرصنة النهرية وخصوصاً في الولايات المتحدة) إذ يتمكن النهر القوي من أن يخترق منطقة تقسيم المياه, فتنحدر مياه النهر أو الرافد الذي يوجد على الجانب الآخر من هذه المنطقة صوب النهر القوي الذي إستطاع أن يزيد من عمق مجراه.
وتحدث ظاهرة الأسر النهري بواسطة عملية النحتا الصاعد لسببين رئيسيين:
أولاً: إذا شق النهر اقوي واديه خلال تكوينات صخرية يسهل نحتها, وبذلك يتوقف على نهر آخر يخترق تكوينات صلبة, ويؤدي هذا بالتالي إلى زيادة عمق انهر اقوي وتمكنه في النهاية من أسر النهر الضعيف الذي يجاهد لشق واديه خلال تكوينات أكثر صلابة.
ثانياً: إذ إشتد إنحدار نهر من الأنهار على طول أحد جانبي منطقة تقسيم للمياه يتميز جانبها الآخر بتدرجه في إنحداره.
وينجم عن عملية الأسر النهري في النهاية, إنجراف مياه النهر الضعيف وتحولها إلى النهر القوي الأكثر عمقاً, بزاوية قائمة تقريباً هي التي تحدث عنها عملية الأسر, وتعرف هذه الزاوية بكوع الأسر النهري والذي يلاحظ كذلك, أن الجزء الأعلى من مجرى النهر الضعيف هو وحده الذي تنحدر مياهه إلى النهر القوي العميق, أما الجزء الباقي منه فيتحول إلى نهر قصير يتعرض للتضاؤل والإنكماش التدريجي حتى يصبح واديه وكأنه غريب تماماً عن أجزاء امجرى التي أسرت. ويبدو النهر في هذا الجزء غير متناسب في طوله وحجمه مع طول واديه الأصلي وإتساعه, ويعرف حينئذ بالنهر غير المتلائم أو الضامر . وتتكون في نفس اوقت ثغرة واضحة بين المجرى المنكمش والمجرى الأعلى الذي أسر, هي التي يسميها الجيومورفولوجيون بثغرة الريح .
وقد تحدث في بعض المناطق التي تتكونمن صخور جيرية - أو ما هو قريب الشبه منها من الأنواع الصخرية التي تتعرض لعملية الإذابة - ظاهرة أسر نهي فريدة في نوعها هي التي يمكن أن تسمى بالأسر النهري الجوفي . وتحدث هذه الظاهرة إذا ما إستطاع أحد الأنهارأن يعمق مجراه خلال تكوينات جيرية تقع قريبة من أودية نهرية أقل منسوباً, فسرعان ما تتحول بعض أجزاء من نظام التصريف النهري المرتفع عن طريق بعض المسارب والشقوق الباطنية, إلى النهر العميق الأقل منسوباً.
وجدير بالذكر أن مناطق تقسيم المياه لا تظهر واضحة تمام الوضوح في المرحلة الأولى من مراحل تكوين النظام النهري, أما بعد أن تزيد المجاري المائية من أطوالها وأعماقها, فتكثر إعداد هذه المناطق وتصبح واضحة بارزة بحيث تبدو على شكل حواف مرتفعة, وفي مرحلة النضج تظل مناطق تقسيم امياه واضحة بارزة ولكنه ليس من الض1روري أن تظل في أماكنها لفترة طويلة, إذ كثيراً ما يبدأ تحركها وإنتقالها, نتيجة نشاط الأنهار التي تنحدر على كلا جانبيها في هذه المرحلة . . ويحدذ هذا التحرك ببطء شديد في أول الأمر ولكنه يزداد في سرعته نسبياً بعد ذلك.
الإرساب النهري: ذكرنا من قبل أن النهر يتحول من النحت إلى الإراساب نتيجة أحد أمرين: أولهما فقدان النهر الرئيسي لطاقته وقوته على حمل الرواسب اليت تتحرك مع تياره فيرسبها, وثانيهما عدم مقدرة النهر على نقل كل المواد الصخرية المفتتة اليت تجلبها إليه روافده العديدة - أو بمعنى آخر - إذا ما تزايدت حملوة النهر لسبب فلابد أ، يتخلص منها كلها أو من جزء وذلك بإرسابها.
أما فقدان النهر لطاقته وقوته على حمل الرواسب مما يضطره إلى ترسيبها فينتج في المعتاد عن أحد العاملين الآتيين:
أولاً: تناقص سرعة تيار النهر, ويرجع هذا في معظمالأحوال إلى:
(أ) تناقص إنحدار مياه النهر إما لإنتقاله من منطقة مرتفعة إلى منطقة أخرى ذات سطح سهلي منخفض, أو لتعرض مجراه لحركات باطنية قد تحدث بعض الإضطرابات في قطاعه الطولي, أو لزيادة إلتواء هذا المجرى وإنثنائه.
(ب) زيادة إنتشار مياه النهر على مساحة أوسع من سطح الأرض, إذا ما إنحدرت هذه المياه من أودية جبلية مرتفعة إلى سهول وطيئة منخفضة, أو لفيضها على كلتا ضفتيه وإنتشارها, وذلك في أوقات الفيضان بصفة خاصة.
(ج) وجود بعض العقبات التي تعترض مجرى النهر, كبعض رواسب من الجلاميد تجلبها الروافد إلى النهر الرئيسي, أو بعض سدود من الرمال أو اللابه, أو بعض السدود والحواجز الصناعية - كالخزانات والقناط ر- وبعض كتل منجذوع الأشجار. كما قد تتكون بعض السدود التي تعترض مجرى النهر الرئيسي, وذلك بفعل عمليات الإنزلاق الأرضي التي قد تحدث على جانب واحد من جانبي النهر, أو على طول كليهما. ويؤدي وجود مثل هذه العقبات إلى إيقاف تيار النهر بصورة فجائية مما يجعله يرسب جزءاص من حولته.
(د) تناقض كمية المياه التي يحملها النهر , إما لحدوث تغيرات مناخية ينجم عنها نقصان كميات التساقط التي تغذي الأنهار بالمياه, أو لإرتفاع نسبة التبخر, أو تسرب كميات كبيرة من المياه تسرباً جانبياً خلال مسام الصخر.أو لتحويل بعض أجزاء من مجاري الأنهار, إما بطرق طبيعية, وذلك عن طريق عملية الأسر النهري, أو بطرق صناعية لأغراض زراعية أو لإستغلال إنحدار المياه في توليد القوى الكهربائية.
ثانياً: توقف تدفق مياه النهر توقفاً فجائياً, ويرجع هذا في كثير من الأحوال إلى:
(أ) وجود بعض البرك أو المستنقعات الراكدة المياه بحيث تعترض سير النهر بعض الجهات.
(ب) إنتهاء النهر إلى مسطحات واسعة كالبحار أو المحيطات أو البحيرات الداخلية.
أما تزيد حمولة النهر فتسببها ظروف وعوامل عديدة يكفي أن نذكر منها جلب الروافد لكميات كبيرة من المفتتات الصخرية, حدوث عمليات إنهيار أرضي على نطاق واسع - زيادة ملحوظة في عمليات النحت ف يكل أجزاء حوض التصريف النهري, أو بعضها, وذلك إذا ما قلت كثافة الغطاء النباتي فيها إما نتيجة حدوث تغيرات مناخية أو بفعل الإنسان الذي كثيراً ما يجتث الغابات ويزيلها.
ونلاحظ دائماً أن النهر في أول مرحلة نم مراحل الإرساب, لا يلقى سوى المواد الغليظة من الزلط والحصى وذلك في مجرى النره ذاته أو على جوانبه. ولا تقوى مياه النهر في المرحلة التالية على حمل المواد الصخرية الخشنة, وتحمل عوضاً عنها مواد دقيقة الذرات وتبسطها فوق أرض الوادي فتتكون السهول الفيضية.
وتساعد عملية الإرساب النهري على تكوين ظاهرة جيومورفية واضحة أهمها ما يلي:
1- السهول الفيضية : سبق أن ذكرنا أن السهل الفيضي لأي نهر من الأنهار,يتكون غالباً عندما يتأثر مجرى النهر بوجود سطح غير مستو, فيتخذ النهر حينئذ مجرى متعرجاً كثير الثنيات. ولابد أن يساعد وجود مثل هذه الثنيات على إندفاع تيار النهر نحو الجواني المقعرة مما يؤدي إلى نحتها, بينما تحدث عملية إرساب عند جوانبها المحدبة, وبهذه الطريقة يتزايد إتساع مجرى النهر كما يتزايد إتساع واديه الذي تترسب فوقه مواد دقيقة ناعمة على كلا جانبي النهر فيتكون السهل الفيضي.
وقد يحدث أحياناً, أن يجلب النهر معه في موسم فيضانه كميات هائلة من المواد الصخرية المفتتة بحيث لا تقوى مياهه على حملها, فترسبها في قاعه على هيئة حواجر أو جزر حصوية , مما يجعل مياه النهر تسير في مجار مائية متعددة إذا ما إنخفض منسوبها بعد إنتهاء فترة الفيضان. وترعف الأنهار اليت تظهر على هذه بالأنهار المتعددة المجاري .
أما إذا كانت مياه النهر تحمل كميات قليلة نسبياً من المفتتات الصخرية, فتتكون جسور طبيعية على جانبي مجراه بحيث تنحدر أرض السهل الفيضي منها إنحداراً متدرجأً كلما بعدنا عن مجرى النهر, وتظهر أكثر الجهات السهل إنخفاضاً - في هذه الحالة - عند النهاية الهامشية له, وذلك على كلا جانبي المجرى, وكثيراً ما تتميز هذه المناطق الهامشية بظاهرة المستنقعات.
ويرجع السبب في تكوين الجسور الطبيعية إلى أنه على الرغم من أن الرواسب الغرينية الدقيقة - التي يبسطها النهر فوق أرض واديه أثناء فترات فيضانه - تنتشر فوق كل أجزاء الوادي, إلا أنها في المناطق التي تمتد على جانبي النهر أعظم سمكاً منها في المناطق البعيدة, وتظهر على شكل ضفاف أو جسور مرتفعة.
ولهذه الجسور أهمية كبيرة, إذ إنها تعد بمثابة حواجز طبيعية تقي السهل الفيضي غوائل الفيضانات المرتفعة. ولكننا نرى أن الأنهار التي ترتفع قيعان مجاريها إرتفاعاً مطرداً نتيجة تراكم الرواسب التي تحملها, كثيراً ما تتعرض سهولها الفيضية لظاهرة الفيضانات وذلك لأن الجسور الطبيعية في هذه الحالة تصبح قليلة الإرتفاع بالنسبة لمستوى مياه النهر ذاته, ولهذا يلجأ قاطنوها إلى بناء جسور أخرى صناعية لحماية أرضهم من أخطار الفيضانات. وهذا ما نجده فعلاً في السهول الفيضية لأنها رعديدة كنهر النيل الأدنى, ونهر هوانجهو, ونهر اليانجستي.
2- الدالات: إذا ما وصل النهر إلى شقة بحرية فإنه يلقى معظم ما يحمله من رواسب, وذلك لأن تياره يبطؤه, ولأن مياه البحار الملحة تعمل على تعقيد وإندماج جزيئات الطمي الناعمة التي يحملها النهر, ولهذا نجد أن الدالات تنمو في المياه الملحة بسرعة تفوق نموها وتقدمها في مياه البحيرات العذبة.وكثيراً ما تعمل الأمواج والتيارات البحرية - إن كانت شديدة - وكذلك حركة المد والجزر, على تطهير مصب النهر من الراواسب, وعلى عدم تكون دلتا له. وينعدم تطون الدالات بالإضافة إلى هذا في المناطق التي تعرض لها اليابس لحركات هبوط في المنطقة الساحلية مما يؤدي إلى طغيان مياه البحر على جزء من المجرى الأدنى للنهر الذي يخترق هذه المنطقة الساحلية ويتكون ما يعرف بالمصب الخليجي .
أماإذا ألقت مياه النهر برواسبها في منطقة شاطئية ضحلة المياه, لا تتعرض لمواج شديدة أو اليتارات بحرية قوية أو لموجات من طغيان المد كما هي الحال بصفة خاصة في شواطئ البحر المتوسط والبحر الأسود - فلابد أن تتكون الدالات النهرية بسرعة وإطراد, ولابد أن تنمو نمواً مستمراً على حساب مياه البحر. ويتعرض في هذه الحالة مجرى النهر ذاته لظاهرة الإرساب في قاعه فيرتفع منسوب مياهه مما يؤدي إلى تفرعه. ولذا تتميز الأنهار التي تخترق مناطق دلتاوية يتعدد فروعها . فكأن تكون الدالات, يتوقف في واقع الأمر على عدة عوامل منها:
(ا) عمق المنطقة الساحلية, فكلما كانت ضحلة, أدى هذا إلى تراكم الرواسب بصورة واضحة.
(ب) كمية المياه التي توجد في النهر.
(ج) كمية المواد فتات الصخر (الدقيق الحبيبات في معظم الأحوال) التي تأتي بها مياه النهر.
(د) قوة الأمواج والتيارات البحرية والساحلية.
(ه) ترعض الساحل لحركات المد والجزر أو خلوه.
ولظروف المناخ التي تسود في المجراي الدنيا للأانهار, أثر كبير على نمو دالاتها, إذ نجد أن المجاري الدنيا للأنهار اليت تخترق مناطق صحراوية جافة كنهر النيل الأدنى في مصر ونهر كلورادو بأمريكا الشمالية ونهر في شيلي, تتميز كلها دون إستثناء بعدم إلتقائها بروافد ممن أي نوع,كما تؤدي قلة الرطوبة وإرتفاع درجات الحرارة إلى تناقص كميات المياه التي توجد بمجاري هذه الأنهار تناقصاً تدريجياً كلما إقتربت من مصباتها مما يؤدي إلى إلقائها لمعظم رواسبها بالقرب من قمم دالاتها. ولهذا نجد أن نمو دلتا كدلتا نهر النيل, وتقدمها شمالاً على حساب البحر المتوسط كان تقدماً محدوداً نوعاً ما, ونجد في نفس الوقت أن نهر بو (في سهل لمبارديا بشمال إيطاليا) تنمو نمواً مطردأً سريعاً على حساب البحر الأدرياتي, وذلك لأن كمية المياه التي توجد في المجرى الأدنى لهذا النهر لا تتناقص بأي شكل من الأشكال أو لأي سبب من الأسباب إذ يشق النهر طريقه في منطقة رطبة. وليس أدل على سرعة نمو دلتا نهر بو من أن مدينة أدريا التي توجد - في الوقت الحالي - بعيدة عن ساحل البحر الأدرياتي بحوالي 14 ميلاً, كانت تطل مباشرة على هذا البح رمنذ حوالي 1800 سنة, وهذا يعني أن دلتا نهر بو تتقدم في البحر الأدرياتي بمعدل أ{بعين قدمأً في السنة, في حين أن دلتا النيل تنمو بمعدل عشرة أقدام سنوياً.
ويلاحظ أنه إذا كانت فروع النهر التي تتفرع في دلتاه, تحمل مواد خشنة بحيث لا تقوى مياهها على حملها, فلابد أن يؤدي هذا إلى ترسيبها في قيعان هذه الفروع على هيئة جزر حصوية أو حواجز طينية, ويبدو كل فرع على هيئة نهر متعدد المجاري, أما إذا كانت حمولة هذه الفروع تتألف من المواد الناعمة الدقيقة فلابد أن تتميز تلك الرفوع بكثرة منحنياتها وثنياتها. ولكننا نرى رغم هذا أن نهراً كنهر المسيسيبي يعد شاذاً في هذا الصدد, فمع أن فروع دلتاه تحمل مواد طينية ناعمة, إلا أن هذه الفروع لا تتميز بظاهرة الإنثناء والإنحناء, بل تظهر مجاريها في إتجاه مستقيم تقريباً, وتتميز بعقها وإمتدادها في مساه خليج المكسيك لمسافات كبيرة, وتعرف هذه الفروع بالممرات . وتبدو دلتا نهر المسيسيبي لهذا السبب على هيئة أصابع اليد أو أرجل الطير بحيث تمتد كثيراً في مياه خليج المكسيك, وتعزى هذه الظاهرة إلى أن الجسور الطبيعية التي تمتد على جاني كل فرع من فروع دلتا النهر, قد تكونت أصلأً من المواد الناعمة التي يحملها نهر المسيسيبي في هذا الجزء من مجراه, مما يجعلها ضفافً صلصالية شديدة التماسك حالت دون إنحناء مجاري هذه الفروع وإنثنائها بواسطة عملية النحتا الجانبي, وركزت مياهها نشاطها بعد ذلك على عملية النحت الرأسي وحدها فإزداد عمقها, وتتقدم فروع دلتا المسيسيبي - أو ممراتها بمعنى آخر - تقدماً سريعأً في مياه خليج المكسيك, إذ يقدر معدل تقدم أحدها بحوالي 250 قدمأً في كل سنة.
وتعتبر البحيرات الداخلية, والبحار المقفولة بمثابة مناطق مثالية لنمة الدالات وخصوصاً إذا ما إرتفعت نسبة الملوحة بمياهها, وقل تأثر سواحله بالتيارات البحرية أو حركات المد والجزر, ولهذا نجد أن دلتا النهر كنهر الفلوجا الذي ينتهي إلى بحر قزوين المغلق, تنمو في وقتنا الحالي نمواً مطرداً سريعاً بمعدل 1000 قدم في العام, وذلك على حساب مياه ذلك البحر.
وينعدم تكون الدالات في حالات كثيرة نذكر منها: حالة الأنهار القليلة الحمولة والتي تخترق بعض البحيرات أو المستنقعات قبل إنتهائها إلى البحر مما يؤدي إلى ترسيبها لمعظم حمولتها من الرواسب في قيعان هذه البحيرات, وتكاد تصبح لهذ السبب خالية من الرواسب عند مصباتها. وقد يتميز قاع البحر في المنطقة التي تصب عندها مياه نهر من الأنهار, يتعرضه لهبوط سريع (بحيث يتفوق في معدله على تقدم رواسب النهر التي يلقي بها في البحر) مما يحول دون ظهور دلتا هذا النهر فوق سطح البحر.
وتتخذ الدالتا أشكالاً عديدة, ولهذا يمكن أن تقسم أربعة أقسام رئيسية هي:
(أ) الدالات الحقيقية المثلثية الشكل تقريباً والتي من طرزها دلتا نهر النلي. وقد كان الإغريق أول من أطلقوا كلمة "دلتا" على الرواسب التي تتراكم عند مصب نهر النيل والتي تعتبر أوضح مثال الدالات الحقيقية.
(ب) الدالات القوسية أو ذات الشكل المروحي , وهي أكثر أشكال الدالات شيوعاً, وتعد دلتا نهر الراين من أوضح أمثلتها.
(د) الدالات المصبية الخليجية وتظهر في المناطق التي توجد فيها المجاري الدنيا من الأنهار التي تكونها في صورة غارقة, كما هي الحال في معظم دالات أنهار الساحل الشرقي للولايات المتحدة وبصفة خاصة دلتا نهر ساسكوينا .
3- المراوح الفيضية والبهادات: تشابه المراوح الفيضية , تشابهاً كبيراً مع الدالات من حيث طريقة التكوين مع وجود فارق رئيسي بينهما, وهو أن المراوح الفيضية تتكون فوق سطح الأرض وليس فوق قاع البحر أو المحيط. فإذا إنحدر نهر متدفق عارم على طول سفح جبلي مرتفع شديد الإنحدار, إلى أرض منخفضة واسعة ذات سطح مستو, فلابد أن يلقي النهر حمولته من الرواسب عند مخرجه من المنطقة الجبلية, فتبدو هذه الرواسب على شكل مروحة بحيث تنتشر فوق الأرض المنخفضة التي توجد عند حضيض السفح الجبلي. وتظهر قمة هذه الدلتا المروحية عند النقطة التي تبدأ الرواسب في الإنتشار منها بهذا الشكل المروحي. وقد تتكون في بعض الأحوال مخاريط فيضية عندما يشتد نسبياً إنحدار الأرض التي تتراكم عليها الرواسب عند حضيض المرتفعات نتيجة وجود عدد كبير من الأنهار القصيرة التي تنحدر من هذه المرتفعات إلى الأرض السهلية المنخفضة. على أننا نلاحظ دائماً أن أكثر الدالات والمخاريط الفيضية يكون في أغلب أوقات الفيضان, أما في غير ذلك من الأوقات فتتميز مجاري السيول في الدالات المروحية بجفافها, وقد توجد رغم هذا بعض سيول ومجار مائية مستديمة المياه.
وتختلف أحجام المواد الرسوبية التي تتألف منها المراوح أو المخاريط الفيضية إذ يتركز ترسب الجلاميد والزلط والحصى عند قممها, وتزداد هذه الرواسب دقة ونعومة كلما بعدنا عن المرتفعات وأوغلنا التقدم في المنطقة السهلية. وكثيراً ما يحدث في المناطق الجافة - أن تتعدى مياه المجاري والسيول المائية التي كونت الدالات امروحية, مناطق هذه الدالات, وتنتشر فوق سطح المنطقة السهلية مكونة ما يشبه البحيرة الضحلة التي تتبخر مياهها في بعض الحالات, كما قد تكون مستديمة المياه في حالات أخرى, كما هي الحال في جريت سولت ليك في ولاية يوتا (بالولايات المتحدة) وكثيراً ما تسمى هذه البحيرات بالبلايا .
وقد يحدث بمضي الوقت أن تتصل الدالات المروحية المتجاورة والممتدة عند حضيض سلسلة واحدة من المرفعات, ويتكون حينئذ سهل فيضي خصيب يمتد عند حضيض هذه المرتفعات , وهو الذي يعرف بالبهاده : وتتكون البهاردات نتيجة إنتقال وتحرك المجاري المائية التي توجد في الدلتا المروحية, تحركاً جانبياً . وإذا ما تعرض أحد مجاري الدلتا المروحية لعمليات إرساب تؤدي إلى إرتفاع قاعه, فلابد أن تنحدر مياهه إلى الأرض المنخفضة التي تجاوره, وتكون لها مجرى جديداً. ويساعد على الإنتقال والتحرك الجانبي للأانهار, أن معظم الأنهار والسيول التي تشق طريقها في دالات مروحية, من النوع المتعدد المجري .
وتمثل البهادة ظاهرة جيومورفية تساعد على تكون المياهالباطنية وإختزانها بكميات كبيرة, بحيث يمكن الحصول عليها عن طريق حفر آبار ضحلة في تكوينها المنفذة للمياه, ويرجع هذا إلى أن مياه الأنهار والسيول التي تخترقها, تتسرب إلى باطن الأرض عند رءوس الرمواح الفيضية (الت يتمثل أعلى جهاتها) ثم تنحدر مع إنحدارها بقوة هيدروستاتيكية واضحة. ويظهر هذا بوضوح في حوض لوس أنجلس الكبير بكاليفورنيا, الذي يتكون مما يزيد على الثلاثين حوضاً من الأحواض الجوفية الصغيرة الممتلئة بالمياه, والتي تكونت ف يالفجوات التي كانت تظهر في الصخور الأساسية, التي تكونت فوقها البهادة,ثم إمتلت بعد ذلك بالمياه المتسربة إلى باطن الأرض عند رءوس المراوح, وتمثل هذه الأحواض المصدر الرئيسي لما يقرب من 90% من المياه التي تحتاج إليها لوس أنجلس.
أثر الأنها رفي البنية الجيولوجية: سبق أن ذكرنا أن أكثر المجاي المائية تشق أوديتها خلا تكوينات صخرية رسوبية توجد في وضع أفقي تقريباً, وتتكون إزاء هذا بكثير من الصور والمظاهر الجيومورفية, هي التي شرحناها شرحاً وافياً في الصفحات السابقة. ولكننا قد نجد الأنهار, التي تنصرف مياهها إلى البحر, تشق أوديتها خلال طبقات مائلة بحيث تتمشى معإنحدار النهر صوب البحر, وتتكون في أول الأمر الأنهار الرئيسية أو التابعة, وإذا كانت هذه الطبقات تـألف من صخور متفاوتة في درجة صلابتها, وإذا إستمرت الأنهار الرئيسية في تعميق أوديتها وتوسيعها, تتكون في النهاية روافد تالية لهذه الأنهار, بحيث تتمشى مع خطوط إمتداد الطبقات اللينة, وعلى تكوين حواف حائطية تمتد موازية لمجاري الأنهار التالية وتعرف بالكويستات , ومن أهم ما يميزها أنها غير متناظرة في درجة إنحدارها جوانهبا التي تواجه البحر تتمشى مع الإنحدار الإقليمي للمنطقة, بينما تتميز جوانبها التي تسير موازية للمجاري التالية بإنحدارها الفجائي وظهورها في وضع رأسي تقريباً. ويتراوح إرتفاع هذه الكويستات في المعتاد ما بين المائة والمائتي قدم فوق منسوب الأراضي الواطئة التي تجري فوقها الأنهار التالية. وتمثل الكويستات ظاهرة واضحة من ظاهرات التاضريس في المناطق الساحلية لأنها تمتد إمتداد طولياً بموازة ساحل البحر ومن أوضح الأمثلة لهذه الكويستات تلك التي توجد في حوض باريس والتي لعبت دوراًَ إستراتيجياص هاماً في الحرب العامية الأولى, وقد نشبت معظم المعارك الهامة التي حدثت أثناء هذه الحرب بين الأمان والدول المتحالفة, في شرق فرنسا, لغرض إستراتيجي رئيسي, وهو الإستحواذ على هذه الكويستات والتحكم فيها, ومن الأمثلة الأخرى, تلك الكويستات التي تمتد موازية لخليج المكسيك في السهل الممتد من ولاية ألاباما إلى نهر المسيسيبي في جنوب الولايات المتحدة.
ولا تبدو هذه الكويستات في حالة من الثبات والإستقرار دائماً, بل تتغير تغيراً منتظماً ويكون لها شكل خاص في كل مرحلة من مراحل التطور النهري. فهي تبدو واضحة المعالم في فترة الشباب, ولكنها تفقد إستقامتها في مرحلة النضج, وتظهر بها فجوات جانبية, وتتحرك تحركأً مطردأً صوب البحر أو في الإتجاه الذي تميل فيه الطبقات, ولابد بطبيعة الحال من أن يقل منسوبها تبعأً لهذا الإنتقال, وتعرف هذه الظاهرة بظاهرة تراجع الكويستات وقد سبق أن ذكرنا من قبل أن ظاهرة تراجع الحافات (الكويستات) ظاهرة جيومورفولويجة هامة, كثيرة الحدوث في المناطق الساحلية التي تـألف من صخور تتفاوت في صلابتها وتميل ميلأً طفيفاً نحو البحر, وتعزى هذه الظاهرة , إلأى تعرض صخور هذه المناطق لعمليات النحت الثلاث: التجوية, والإنهيار الأرضي, والنحت المائي.
وعندما تبلغ الأنهار التي تجري في المنطقة الساحلية, مرحلتها الأخيرة أو منرحلة الكهولة بمعنى آخر, تكون قد زالت تماماً آثار هذه الكويستات وتتحول المنطقة إلى أرض سهلية مستوية السطح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .