الفصل التاسع: المظاهر الجيومورفية في الأقاليم الجافة
الفصل التاسع: المظاهر الجيومورفية في الأقاليم الجافة
كانت الأقاليم الصحراوية حتى عهد ليس ببعيد, مناطق مجهولة مغلقة أمام جمهرة العلماء والمستكشفين, كما كان يكتنفها شئ كبير من الغموض ولم يرتدها في ذلك الوقت إلا بعض المغامرين والمخاطرين, ظلت على هذا النحو حقبة طويلة ثم أخذت أنظار العلماء بعد ذلك تتجه إليها, وأصبحت تلقى من إهتمامهم قدراً كبيراً وخصوصاً أن بعض الجيومورفولفوجيين والجيولوجيين كانوا على يقين من أن هناك من الفوارق بين الأقاليم الجافة والرطبة, ما يستوجب دراسة هذه المناطق دراسة علمية دقيقة, هذا فضلاً عن أن الأقاليم الجافة تشغل مساحة كبيرة من سطح الأرض تقترب من 30% من جملة مساحته.
وقد أسهم في نزع ستر الغموض عن هذه الأقاليم عدد كبير من العلماء نذكر منها بعض العلماء الإنجليز أمثال "باجنولد ", و"جون بول ", و"وليام فريزر هيوم ", و"بيدنل ". وقد إهتموا جميعاً بدراسة المظاهر الجيومورفية التي تظهر بالصحاري المصرية. كما ساهم في هذا المضمار عدد آخر منالعلماء الألمان أمثال "فالتر " و"بسارجة " وبعض الفرنسيين أمثال "جوتييه ". كما لاقت دراسة المناطق الصحراوية إقبالاً كبيراً من بعض العلماء الأمريكيين المعاصرين أمثال "برايان كيرك " و"بلاكويلدر " و"ملتون ", و"بيركي " و"موريس " (والأخيران درسا صحراء منغوليا) . . . وغيرهم كثير.
ويعتقد الأستاذ الأمريكي "بريستون جيمس " أن المناطق الصحراوية تكاد لا تخلو منها قارة من القارات, وتتشابه كل هذه المناطق فيما بينها تشابهاً عاماً في خصائصها المناخية والنباتية. ولكننانجد أن المناطق الصحراوية - رغم هذا التشابه - لا تظهر بصورة واحدة في كل جهات توزعها إنما تخلف وتتباين من جهة إلى أخرى. وتظهر هذه الإختلافات أقوى ما تكون في النواحي التضاريسية.
ومن أهم الخصائص التي تتميز بها المناطق الصحراوية, قلة الرطوبة وندرتها, وعلى الرغم من توافر عامل الحرارة, إلا أن لقلة الأمطار أثراً كبيراً في إعطائها ذلك المظهر القاحل الذي تتميز به.ولكن هذا لا يعني أن الصحاري خالية تماماً من المطر, إذ إن الأمطار تتساقط على مدى فترات متباعدة ولا تكاد تتبع نظاماً معيناً في سقوطها, وإن سقطت الأنطار فهي تتساقط بصورة فجائية على شكل سيول جارفة. ولهذا نجد نوعاص من الشذوذ في هذه الأقاليم, فهي على الرغم من جفافها, يمكن أن توصف بأنها من أكثر جهات العالم تعرضاً لأخطار الفيضانات.وهنالك في الواقع عدة أسباب لهذه الظاهرة الشاذة نذكر منها:
(أ) أن سيادة ظروف الجفاف في هذه المناطق, غالباً ما تؤدي إلى عدم إتخاذ الحذر والحيطة من هذه السيول الجارفة التي عادة ما تعقب سقوط الأمطار الفجائية. ولعل في تعرض مدينة قنا للسيل الهائل الذي دمر جزءاً كبيراً منها في سنة 1954 مثلأً واضحاً لهذا.
(ب) عدم وجود غطاء نباتي, يعمل على تماسك التربة ويقلل من إحتمال جرفها بواسطة مياه الأمطار, هذا فضلاً عن أن جفاف التربة يجعلها سهلة التفتت والإنجراف.
(ج) غالباً ما لا يراعي في بناء المساكن, من حيث الطرق المستخدمة في عملية البناء, ومن حيث مواد البناء ذاتها, إحتمال تعرض هذه المساكن لفعل السيول الجارفة.
وعلى هذا يمكن القول بأن المناطق الصحراوية ليست خالية تماماً من الأمطار - كما قد يتصور البعض - إلا إذا إستثنينا بعض أجزاء من الصحراء الليبية, ومن صحراء أتاكاما بأمريكا الجنوبية. فقد بلغ متوسط المطر السنوي في مدينة إيكيكي بشيلي (في صحراء أتاكاما) على مدى 35 عاماً نحو 0.05% من البوصة. كما أن مدينة كالاما التي تقع في منطقة واحدة من منطقة أكثر قحولة في صحراء أتاكاما, قد مرت عليها فترة 13 سنة دونأن تقع عليها نقطة واحدة من مياه الأمطار. ولكن المهم أن القانون السائد في المناطق الصحراوية هو أ، سقوط الأمطار فيها يتميز بالفجائية وعدم الإنتظام.
ولابد أ، نتوقع أيضاً, أن المناطق المرتفعة من الصحاري تتلقى كميات من الأمطار أكبر بكثير من تلك التي تتساقط على المناطق الحوضية المنخفضة, وتظهر هذه الحقيقة في كثير من المرتفعات والهضاب الصحراوية كهضبة نجد في الجزيرة العربية, ومرتفعات تيبستي وتاسيلي بالصحراء الكبرى.
أما من حيث درجة الحرارة, فنجد أنه نظراً لوقوع معظم المناطق الصحرايوة بين المدارين, تمتاز درجة الحرارة بعظم إرتفاعها, ولهذا كانت أعلى درجة حرارة سجلت في العالم في منطقة دث فالي بكاليفورنيا, إذ بلغت درجة الحرارة في هذه المنطقة 134.1 درجة ف. وقد إكتشف علماء المناخ بعد ذلك أن قرية عزيزية (جنوب مدينة طرابلس بحوالي 25 ميلاً) هي التي ضربت الرقم القياسي في إرتفاع درجة الحرارة, إذا وصلت درجة الحرارة فيها إلى 136.4 درجة ف. ويمكن القول بصورة عامة بأن معظم المناطق الصحراوية الواقعة في العروض السفلى تزيد فيها درة الحرارة العظمى على 100 درجة ف.
وللنظام اليومي للحرارة في الأقاليم الصحراوية, أثر فعال على كثير من النواحي الطبيعية الأخرى, إذ كثيراً ما تنخفض درجةالحرارة أثناء الليل دون نقطة التجمد, ويظهر هذا بوضوح في قرية عين صلاح بالصحراء الكبرى, والتي وصل فيها المدى اليومي للحرارة إلى أكثر من مائة درجة فهرنهيتية, النهاية الصغرى 26 درجة ف والنهاية العظمى 126 درجة ف). ولاشك في أن تتابع الحراراة والبرودة له أثر مباشر على تفكيك الصخر, إذ يؤدي إلى تمدد الصخر ثم إنكماشه إنكماشاً فجائياً.وعلى هذا النحو يتم تفكي الصخر تفكيكاً ميكانيكياً.
والمناطق الصحراوية - على العكس مما قد نتصور - تنمو بها حياة نباتية, وحتى في الجهات التي تنتشر فيها كثبان الرمال, كثيراًِ ما تنمو بعض النباتات في التجويفات التي توجد بين الكثبان. وقد سلحت النباتات التي تنمو في الأقاليم الصحراوية بوسائل عديدة تمكنها من مقاومة ظروف الجفاف, فهي إما نباتات حولية يتوقف نموها تماماً إبان فصل الجفاف الطويل ولكنها سرعان ما تزدهر عقب الأمطار الفجائية, أو نباتات مستديمة تتحمل الجفاف وتبدو وكأنها متوقفة عن النمو في فصل الجفاف, كما أن هنالك نباتات أخرى لها القدرة على إختزان المياه في سوقها, وقد تختفي منها الأوراق تماماً, أو تتحور إلى أشواك تقلل من عملية النتح وتقيها في نفس الوقت هجمات الحيوانات العطشى. ونبات الصبار خير مثل لهذا النوع.
وتمتاز النباتات الصحراوية على إختلاف أنواعها بعظم تكوينها الجذري, إذ تمتد جذورها أفقياً ورأسياً لمسافات كبيرة, لكي تكتسب من التربة أكبر قدر من الرطوبة, ولكي تصل إلى مستوى المياه الباطنية, ولذا تنمو متباعدة, ويعتبرهذا التباعد وسيلة أخرى من وسائل التأقلم مع ظروف الجفاف, إذ يعطي كل نبات مساحة واسعة من الأرض يستطيع أن يمتص منها الرطوبة سواء من سطح الأرض أو من جوفها.
بعض الخصائص الجيومورفية للمناطق الصحراوية:
1- تتميز معظم المناطق الصحراوية بأنا ذات تصريف مائي داخلي , إذ أن مياه المجاري المائية التي تشق طريقها في مناطق صحراوية, نادراً ما تصل إلى البحار المفتوحة أو المحيطات, ويمكننا أن نستثني من هذا بعض الأنظمة النهرية التي تخترق مجاريها الدنيا مناطق صحراوية ولكنها تنبع من أقاليم غزيرة الأمطار, كنهر النيل, ونهر كولورادو, ونهر السند, ونهر لوا في شيلي.وتكاد تشتابه كل هذه الأنهار في أنها تخترق مناطق صحراوية في مجاريها الدنيا التي ينعدم إتصالها بروافد ذات شأن, فنهر النيل - مثلأً - لا يتصل برافد من أي نوع وذلك لمسافة تزيد على 1200 ميل من مجراه الأدنى, كما لا تتميز كميات المياه التي تحملها مجاري هذه الأنهار, بتناقصها التدريجي كلما قاربت المصب مما يجعلها ترسب معظم حمولتها من الطمي والحصى والرمال.
ولا يمثل سطح البحر في المناطق الصحراوية ذات التصريف المائي الداخلي, الحد الأدنى لتخفيض سطح الأرض, إذ كثيراً ما يرتفع مستوى القاعدة في مثل هذه الالمناطق فوق مستوى سطح البحر, وذلك إذا ما تعرضت المناطق الحوضية الداخليةمنها للإمتلاء بالرواسب, وحتى في المناطق الصحراوية التي تخترقها مجار مائية تنتهي إلى البحار المفتوحة كنهر النيل, ونهر كولورادو, لا يمثل مستوى البحر الحد الأدنى للنحت إلا في أشرطة محدودة على طول مجاري الأنهار أو بالقرب من سواحل البحار.
2- يمكن القول بصورة عامة با، عمليات التجوية الميكانيكة في الأقاليم الجافة أكثر أهمية من عمليات التجوية الكيمائية, ويظهر هذا في وجود أكوام هائلة من الفتات الصخري بالقرب من قواعد الهضاب, وعلى سفوحها وعلى طول جوانب الأودية, وهذا ما لا نجده إطلاقاً في الأقاليم الرطبة التي تعمل مياهها المستديمة على إزالة التجوية الكيماويو لا تساهم في تفكيك الصخر وتفتيته في المناطق الصحراوية, إذ إن هناك من الأدلة, ما يؤيد مساهمة هذه العمليات فيما يعرف بتقشر الصخور في هذه المناطق. فقد لاحظ "ديفز" أن الجلاميد شبه الكروية التي يكثر وجودها في المناطق الصخرية التي تتكون من صخور جرانيتية, تكونت في واقع الأمر بفعل عمليات التحلل الكيماوي, ولم تساهم ظاهرة تتباع الحرارة والبرودة إلا مساهمة جزئية في ظهورها على هذا الشكل شبه الكروي.
وتبدأ عملية تفكيك الصخور الجرانيتية على هذا النحو, بتسرب مياه الأمطار الفجائية في الصخور خلال الشقوق والمفاصل التي تكثربها, وتعمل هذه المياه على تقسيم الكتلة الصخرية الجرانيتية إلى كتل صغيرة متجاورة, وتتأثر بعد ذلك كل كتلة على حدة بالتغريات الحرارية اليومية, ولابد أن تؤدي عملية تسخن الصخر وتبريده إلى تقشر سطحه ثم تساقط قشوره الواحدة تلو الأخرى إلى أن تتخذ الكتل الصغيرة المتجاورة الشكل الكروي الآنف الذكر. فكأ، عملية التجوية الكيماوية تمثل في الحقيقة الخطوة الأولى التي يتم بها تفكيك الصخور الجرانيتية في المناطق الصحراوية إلى جلاميد شبه كروية وعلى أننا يمكنأن نقرر بصورة عامة, بأن عمليات التجوية الكيماوية تلعب في الواقع دوراً ثانوياً في تفكيك الصخور بالمناطق الصحراوية.
ولا تظهر المناطق الصحراوية كلها من الناحية التضاريسية عغلى صورة واحدة بل تختلف من مكان إلى آخر, فقد تظهر على شكل هضاب منبسطة تفصلها عن بعضها البعض اودية جافة فارغة, أو قد تبدو على شكل أحواض واطئة تحيط بها حواجز جبلية مرتفعة. ولكل نوع من هذه الأشكال الصحراوية, تسمية خاصة مشتقة من اللغة العربية أو الأسبانية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أنواع التضاريس الصحراوية
صحاري احمادة والإرج (أو العرج)
وتتكون من هضاب صخرية متوسطة الإرتفاع هي التي تعرف بالحمادات, وتنحصر بين هذه الهضاب الصخرية أحواض منخفضة مليئة بالرمال - هي التي ترعف باحواض العرج - التي تنتشر فيها على شكل كثبان. وللتكوينات الجيولوجية التي تتكون منها الحمادات آثار كبيرة على شكل التضاريس, وخصوصاً إذا كانت هذه الهضاب تتألف من صخور رسوبية طباقية تتفاوت في صلابتها وبالتالي في درجة مقاومتها لعوامل النحت, إذ سرعان ما تنحت التكوينات اللينة, وتبقى التكوينات الصلبة على هيئة حافات شديدة الإنحدار هي التي تعرفبالكويستات. وقد تتحول الهضاب التي تتكون منها صحاري الحمادة إلى تلال قبابية, إذا ما إستمرتا عوامل النحت الهوائي والمائي تعمل فيها فترة طويلة, فتزيل الطبقات الرسوبية وتظهر الصخور الأساسية الداخلية البلورية (التي تكون في معظم الأحيان الأساس الصخري لمعظم جهات العالم) على هيئة تلال منفردة قبابية, تبدو كجزر وسط محيط هائل من الرمال, ولهذا أطلق عليها بعض الجغرافيين الألمان إسم الجزر الجبلية . وجدير بالذكر, أن الصخور البلورية ليست كلها بدرجة واحدة من الصلابة, فإذا كانت هذه حديثة التكوين, تخلفت عن عملية النحت في صحاري الحمادة تلال قبابية, أما إذا كانت قديمة التكوين, فقد تتحول التلال القبابية بدورها بعد ترعضها لعوامل التفكك والنحت إلى مناطق حوضية سرعان ما تمتلئ بالرمال.
وتمثل الأودية الجافة التي تقطع هضاب الحمادة, مظهراً فزيوجرافياً آخر يميز هذا النوع من الصحاري. وكلمة "وادي" باللغة العربية أصبحت شائعة الإستخدام في كثير من جهات العالم لتدل على المجاري المائية الجافة التي كانت في الماضي ممتلئة بالمياه.وتوجد لهذه الكلمة مترادفات عديدة في الللغات الأجنبية منها كلمة أوريو اليت تستخدم في بلاد المكسيك وفي غرب الولايات المتحدة.
أما الأحواض المنخفضة التي تفصل بين هضاب الحمادة, وهي التي تعرف بأحواض "العرج" فينتشر بها عدد كبير من الكثبان الرملية الطولية وتكاد تختفي منها المجاري المائية السطحية والبحيرات الصحراوية, ويرجع هذا إلى أن المياه المنحدرة من الهضاب إلى هذه الأحواض, سرعان ما تمتصها الرمال الدقيقة الحبيبات التي تتكون منها الكثبان الرملية.
الصحاري الجبلية الحوضية
وتتكون من مجموعة من الأحواض المنخفضة - التي يعرفها الأسبانيون بأحواض البلسون -, ويحيط بكل حوض من هذه الأحواض حاجز جبلي مرتفع, ويتمثل هذا النوع من الصحاري خير تمثيل في بلاد المكسيك وغربي الولايات المتحدة. ومن خصائص هذه الأحواض, أن نمط التصريف المائي فيها هو النمط المركزي . وتتساقط الأمطار في هذا النوع من الصحاري على الحواجز الجبلية المرتفعة, ثم تنحدر مياه الأمطار على سفوح هذه المرتفعات حافرة لنفسها مجاري عميقة, ولابد أن تلقى هذه المجاري المائية بكل حمولتها من الرواسب عند مخارجها من المنطقة الجبلية, فتبدو هذه الرواسب على شكل مروحة فيضية, تنتشر عند حضيض المرتفعات, وكثيراً ما تتعدى مياه هذه السيول مناطق المراوح الفيضية, وتنتشر فوق سطح الحوض مكونة ما يشبه البحيرة الضحلة. وكثيراً ما تتبخر مياه هذه البحيرة, تاركة على سطح الأرض طبقة من القشور الملحية هي التي تعرف بالمسطحات القلوية . وقد تتكون في بعض الأحواض الكبيرة بحيرات مستديمة المياه ترتفع بها نسبة الملوحة بدرجة كبيرة, وتعرف في هذه الحالة بال . والذي يهمنا هو أن معظم البحيرات التي تتكون فوق أحواض البلسون, بحيرات مؤقتة وتعرف كلها, المؤقت منها والمستديم, ببحيرات البلايا.
وتمتد على طول أقدام المرتفعات التي تحيط بأحواض البلسون في المناطق الصحراوية, أرض مرتفعة لها إنحدار واضح تسمى بسفح الحضيض. وكان بعض الجيومورفولوجيين يعتقد من قبل بأن مثل هذه الأراضي المرتفعة قد تكونت نتيجة تراكم الرواسب المروحية الفيضية عند حضيض المرتفعات, ثم إتصالها ببعضها البعض, فتظهر على شكل سهل له إنحدار واضح يمتد على طول حضيض هذه المرتفعات. فهي إذن ذات أصول رسوبية وقد ثبت بعد ذلك خطأ هذا الرأي, إذ إن مثل هذه الأراضي المرتفعة التى تمتد عند أقدام المرتفعات تتألف في واقع الأمر من قسمين: قسم سفلي تكون بفعل الإرساب وهو الذي يعرف بالبهادة, وقسم علوي تكون بفعل عوامل النحت وهو الذي يعرف بال وكثيراً ما تغطي هذا السفح العلوي طبقة رقيقة من الإرسابات الفيضية. وتتميز البهادة السفلية و"البديمنت" التي تعلوها بأ، إنحدارهما, صوب أحواض البلولسن, إنحدار متدرج يتراوح بين نصف درجة وسبع درجات, أما إنحدار السفح الجبلي الذي يعلوهما فيتراوح بين 15 درجة, 60 درجة, وكثيراً ما يبدو على شكل جرف رأسي, وعلى هذا يمكن أن تقسم سفوح السلاسل الجبلية التي تنحدر صوب الأحواض الصحراوية إلى ثلاثة أقسام:
(أ) سفح جبلي نفسه ويتميز بشدة إنحداره.
(ب) سفح ال - ويتميز بأنه قد تكون بفعل عوامل النحت, وبا،ه ذو إنحدار متدرج نحو البهادة.
(ج) سفح البهادة, وهو ذو أصل رسوبي وينحدر هو الآخر إنحداراً متدرجاً صوب أرض البولسن.
وتتكون البهادات الحقيقية - كما سبق ذكرنا - من سلسلة من المراوح الفيضية التي إتصلت وإندمجت ببعضها البعض. وتتألف رواسبها من الطمي والزلط أو الجلاميد التي كثيراً ما تنتشر على سطحها. كما يتميز سطح الأرض في مناطق البهادات بقلة تضرسه وإستوائه. أما منطقة "البديمنت" فتبدو على شكل مقعر إذا ما نظرنا إليها من منطقة الحوض, وتظهر على طول إنحدارها التدريجي المقعر بعض رواسب منالزلط والحصى, تزداد نعومة كلما هبطنا صوب البهادة حتى تختفي تماماً في تكويناتها الفيضية. وكثيراً ما تقطع المجاري المائية المنحدرة من السفح الجبلي, سطح "البديمنت" إلى سفوح صغيرة.
وقد تضاربت الآراء بشأ، الطريقة التي تكونت بها "البديمنت" فقد ذكر "ماكجي " (1897) - الذي كان أول من أشار إلى وجودها بعد دراسته لصحراء سونورا بجنوب غرب ولاية أريزونا - أن مياه السيول التي تنحدر على سفوح المرتفعات, لها قدرة كبيرة على النحت والهدم, وذلك لسرعة تدفقها وما تحمله من أدوات ومعاول للنحت, ويؤدي هذا إلى نحت السفوح وظهورها إلى عمليات النحت الجانبي اليت تقوم بها المجاري المائية المنحدرة على سفوح الجبال في المناطق الصحراوية. ويعتقد "جونسون" أن المناطق الحوضية من الصحاري, التي تحيط بها سلاسل جبلية مرتفعة تتميز بوجود ثلاثة نطاقات مختلفة في مناسيبها:
(أ) نطاق داخلي يضم أراضي البهادة وتسود فيه ظاهرة الإرساب.
(ب) نطاق خارجي يتمشى مع سفوح الجبال وتسود فيه عملية النحت الرأسي اليت تؤدي إلى تعميق مجاري السيول.
(ج) نطاق وسيط بين النطاقين الخارجي والداخلي يضم أراضي البديمنت, وتسود به عملية النحت الجانبي, وتتميز المجاري المائية التي تنحدر عليه بقدرتها الكبيرة على النقل والحمل ولكنها لا ترسب حمولتها إطلاقاً, إلا إذا دخلت النطاق الأسفل أو الداخلي, وهو نطاق البهادة.
أما "ديفز" فيرجع ظاهرة "البديمنت" إلى عملية التجوية الخلفية التي قد تتأثر بها سفوح الجبال في الأقاليم الجافة, ويؤدي هذا إلى تراجع هذه السفوح تراجعاً مطردأً إلى الوراء. وتسهم مع عملية التجوية الخلفية أيضاً مياه السيول التي تفيض على منحدرات الجبال, وتعمل على نحتها وتآكلها (وهي تعرف بالفيضانات الغطائية ).
ومازال موضوع نشاة "البديمنت" من الموضوعات التي يدور حولها جدل شديد, ولم يجمع العلماء بعد برأي قاطع يوضح الطريقة التي تكونت بها. وعلى أي حال, أيا كانت الآراء التي توضح نشأة هذه الظاهرة الصحراوية, إلا أنه يمكن القول, بأن هذه الظاهرة لها دور هام في تطور سطح الأرض في المناطق الصحراوية,كما سنرى فيما بعد عند دراستنا لدورة التعرية.
سهول الرق الصحراوية
وهي عبارة عن سهول واسعة تنبسط على سطح الأرض في المناطق الصحراوية لسمافات كبيرة, وتنتشر فوقها بعض الرواسب من الأحجار والحصى والزلط, أما الرمال فقد أزيلت منها بفعل الرياح, وفي وجود هذه السهول دليل حاسم على أن الرياح قد قامت بعملها في النحت والنقل خير قيام, فلم تبق على سطح الأرض إلا المواد المفككة الكبيرة الأحجام التي لم تقو على حملها, وكلما إزدادت سرعة اليراح زادت قدرتها على نقل المفتتات الصخرية الكبيرة الأحجام كالزلط والحصى. وكلمة الرق كلمة عربية تعني المناطق المسترقة من الأرض أي التي أزيلت منها الرمال المتراكمة التي تغوص فيها أقدام الجمال, فرقت وتحولت إلى أرض منبسطة تعبرها الجمال دون أن تتماوج.
أما من حيث التوزيع الإقليمي لهذه الأنواع الصحراوية الثلاثة فنجد أن الصحراء الكبرى وصحراء العرب, وصحراء أستراليا الغربية, وصحراء كلهاري تنتمي كلها إلى نوعي الحمادة والعرق, أما صحراء ثار في شمال غرب شبه جزيرة الهند فتنتمي إلى نوع العرق في معظم جهاتها. وتتميز الصحاري الجبلية الحوضية بأنها واسعة الإنتشار, إذ تنتمي إليها صحراء إيران, والصحراي المعتدلة التي توجد بأواسط القارة الأسيوية, وصحاري الأمريكيتين. وتكاد تنتشر سهول الرق الصحراوية في شتى مناطق توزيعها (بإستثناء قارة أستراليا) أنهار هامة تنبع من مناطق غزيرة الأمطار: كنهر النيل ونره شاري (الذي تنصرف مياه في بحيرة تشاد التي يمكن أن نعتبرها بمثابة كبيرة المساحة) ونهر دجلة والفرات, ونهر السند, ونره كولورادو, ونهر الأورانج في صحراء كلهاري ونهر لوا في صحراء أتاكاما. ولم تتطور المجاري الدنيا للأنهار الثلاثة الأخيرة من الناحية الإستغلالية, ولم تقم على ضفافها أية حضارة زراعية راقية, ويرجع هذا إلى أن مجاريها الدنيا مجاري خانقية تجري فيها المياه على أبعاد كبيرة من سطح الأرض, ومن أوضح هذه الخوانق خانق كولورادو العظيم الذي يزيد عمقه على 1500 متر.
أنواع الصحاري
وتنقسم الصحاري من الناحيتين المناخية والنباتية إلى ثلاثة أقسام:
صحاري قطبية
ويتفق توزيعها مع المناطق التي تقل فيها درجة حرارة أدفأ شهور السنة عن32 درجة ف وتنتشر على سطحها غطاءات جليدية مستديمة. وجفاف هذا النوع من لبصحاري هو ما يمكن أن يسمى بالجفاف الفسيولوجي , إذ إن الرطوبة موجودة فعلاً, ولكنها محتبسة في الغطاءات الجليدية (وخصوصاً في جرينلند وأنتاركتيكا) لهذا لا يمكن أن تستفيد منها النباتات على الإطلاق.
صحاري العروض الوسطى
ويمكن أن تسمى بالصحاري التضاريسية إذ يرجع وجودها إما لموقعها الداخلي في المناطق السهلية الوسطى من الكتل القارية الكبيرة, أو لوجود سلاسل جبلية مرتفعة تعترض مسير الرياح الرطبة وتسلبها مابها من رطوبة. ومن أمثلة الصحاري التي سادت بها ظروف الجفاف لموقعها الداخلي صحراء التركستان إلى الشرق من بحيرة قزوين. ويمكن لقول بأن عظم المناطق الصحراوية الواقعة في العروض الوسطى قد تكونت إزاء إعتارض السلاسل الجبلية للرياح الرطبة, ومن أمثلة هذه الصحاري: صحراء الحوض العظيم بغرب الولايات المتحدة, وصحراء بتاجونيا الواقعة إلى الشرق من سلاسل الأنديز (وتشغل جزءاً كبيراً من مساحة الجزء الجنوبي من الأرجنيتن). أما صحراء جوبي (أو منغوليا) فيرجع تكونها إلى أثر العاملين معاً.
صحاري العروض السفلى أو الصحاري المدارية
وتقع في معظم الأحوال على السواحل الغربية للقارات فيما بين خطي عرض 15درجة, 30درجة شمال وجنوب خط الإستواء ولكنها تتركز بصفة خاصة فيما بين خطي عرض 20درجة, 25درجة شمال وجنبو خط الإستواء.وتمتد من المناطق الساحلية صوب الداخل لمسافات كبيرة. ويكاد يتفق توزيع الصحاري في العروض السفلى مع نطاقي الضغط المرتفع اللذين يقعان في العروض المعروفة بعروض الخيل وهي مناطق ضغط مرتفع دائم تخرج منها الرياح, ولابد أن يتبع هذا هبوط الهواء من الطبقات العليا من الغلاف الغازي ليملأ الفراغ الذي تكون نتيجة لخروج الهواء وتباعده. وإذا ما تعرضت كتلة الهواء للهبوط فلابد أن ترتفع درجة حرارته, وتنعدم إزاء هذه الظروف التي يمكنن تؤدي إلى حخدوث ظاهرة التساقط. كما أن الرياح التجارية التي تخرج من مناطق الضغط الرمتفع الآنفة الذكر, تنتقل هي الأخرى في مسيرها صوب خط الإستواء إلى مناطق ترتفع درجة حرارتها إرتفاعاً مطرداً مما يؤدي إلى عدم ملاءمة ظروف المناطق التي تمر بها لحدوث ظاهرة التاسقط إلا في المناطق التي تعترض طريق الرياح فيها حواجز جبلية عالية. ولهذا يمكن القول بصورة عامة بأ، عروض الخيل, وعروض الرياح التجارية, تتيمز بأنها نفس العروض التي توجد بها الصحاري المدارية. فالصحراء الكبرى, وصحراء كلهاري, وصحراء العرب, وصحراء ثار وأفغانستان وبلوخستان, وصحراء أستراليا (صحراء فيكتوريا), وصحراء أتاكاما, وصحراء سونورا بشمال غرب المكسيك وصحراء أريزونا وكاليفورينا . . . كل هذه الصحاري تكاد تتركز في هذه العروض.
الرياح وأثرها في تشكيل سطح الأرض
يعتبر عامل الرياح أكثر العوامل الجيومورفية إسهاماً في تشكيل سطح الأرض في الأقاليم الجافة, ومما يساعد هذا العامل على النحت خلو هذه الأقاليم من الغطاءات النباتية, وقلة رطوبةالهواء. والمعروف أن الهواء الجاف أقدر على النحت والهدم من الهواء الرطب الذي لا يستطيع إثارة الأتربة والرمال. علىأن هذا لا يعني أن عامل المياه الجارية لا يسهم بأدنى نصيب في تكيل سطح الأرض في هذه المناطق, إذ يكاد يتفق الجيومروفولوجيين على أن المياه الجارية على الرغم من ضآلتها إلا أنها تشترك بنصيب كبير في تغيير معالم سطح الأرض في الأقاليم الصحراوية.
وتمر عملية النحت بفعل الرياح بعدة خطوات هي:
1- عملية إكتساح المواد الصخرية ودفعها بقوة إندفاع الرياح (أو التذرية ) وتؤدي هذه العملية إلى رفع وإزالة المفتتات الصخرية من سطح الأرض.
2- عملية نحت وهدم سطح الأرض, بواسطة قوة إندفاع الهواء وما يحمله من فتات صخري (عملية البري ) وقد سبق أن ذكرنا أن مقدرة الهواء على النحت تتوقف على سرعته ورطوبته, وعلى مقدار ما يدفعه من مواد مفككة إذ إن هذه المواد هي التي تساعده على النحت .
3- إزدياد تفتت المواد الصخرية المفككة التي يحملها الهواء نتيجة إحتكاكها ببعضها البعض مما يسهل عملية نقلها.
4- نقل المواد اتلصخرية إما بطريقة الجر , أو بطريقة التعلق , أو بطريقة القفز . وسيأتي شرح هذا فيما بعد.
ولعل أكثرالمناطق الصحراوية تأثراً بفعل الرياح هي المناطق الرمتفعة البارزة إذ إن إحتكاك الهواء بسطح الأرض لابد أن يقلل من سرعته ومقدرته على النحت, ولذا كانت المناطق المرتفعة الناتئة أكثر تأثراً بفعل الرايح من المناطق المنخفضة المسطحة. وإذا ما إصطدمت الرايح المحملة بالرمال وغيرها من حطام الصخر بأرض ناتئة تتكون على سطح الأرض وعلى سفوح المناطق المرتفعة خطوط طويلة غائرة في التكوينات الصخرية اللينة وهي التي وصفها "هدن " في دراسته لصحراء التركستان وسماها بالياردانج وهي تبدو كضلوع الحيوان وأشكالها متناهية في الغرابة. وقد يزيد إرتفاعها على العشرين قدماً ويتراوح عرضها بين 15, 30 قدماً وتمتد كلها متوازية.
وهناك حد أعلى لا يعدوه أثر الرياح في النحت, وذلك لأن الرياح لا تقوى على رفع الرمال إلى أعلى إلا بضعة أقدام. وقد لاحظ "باجنولد " (1941) من دراسته لصلحراء الليبية أن بري وصقل الرياح لعمدة التلغراف نادراً ما يظهر في الأجزاء العليا من هذه الأعمدة, بل يكاد يقتصر على الأجزاء السفلى التي لا يعلو فوق سطح الأرض بأكثر من 18 بوصة, وهو يرى أن وقدرة الرياح على رفع الرمال لا تتعدى المترين إلا نادراً.
وتعمل الرياح المحملة بالرمل على بري الصخور وصقلها, وإذا كانت هذه الصخور تتألف من تكوينات متجانسة, تعمل الرياح على حفر ثقوب في هذه الصخور ومن أمثلتها تلك الثقوب التي تنتشر في الصخور الرملية بالصحراء الشرقية في مصر. وتتكون هذه الثقوب في المناطق الصحراوية التي تتعرض لرياح صحراوية شديدة محملة بكميات وفيرة من ارلمال, كما يشترط لتكونها إنعدام النباتات الطبيعية وإختفاؤها. وقد تتكون بعض الكهوف التي تسمى أحياناً بكهوف الرياح في الحوائط الصخرية المتجانسة التكوين, وذلك بالقرب من قواعد هذه الحوائط.
وإذا كانت الصخور التي تـاثر بالرياح ذات صلابة ومقاومة متغايرة, تتكون بعض صور جيومورفية تتخذ أشكالاً متناهية في الغرابة. فقد تتكون صخور إرتكازية تتميز بصلابتها وبأنها ترتكز على تكوينات لينة تعرضت لأن تنحت وتبلى بفعل اليراح. وتبدو على شكل موائد, وتعرف عادة بالموائد الصحراوية, أما إذا كانت الصخور صلبة في أجزائها السفلى ولينة في أعاليها فتكون مخاريط ذات قمم شبه مدببة.
وكثيراً ما تعمل الرياح المحملة بالرمال على حفر منخفضات يكثر وجودها في المناطق التي تتراكم فيها الرمال حيث تظهر بين الكثبان الرملية تجويفات صغيرة, وقد تظهر مثل هذه الأحواض على سطوح الكثبان الرملية ذاتها. ولاشك في أن الرياح أقوى على نحت مثل هذه الأحواض الصغيرة وحفرها في التكوينات الصخرية القليلة التماسك. وقد سجل كل من "موريس " و"بركي " في هضبة منغوليا, وجود أحواض كبيرة على شكل تجويفات وسط تكوينات الرمال, هي التي سمياها بالبانج كيانج وتزيد أطوال أقطار هذه التجويفات على الخمسة أميال, كما يتراوح عمقها بين 200, 400 قدم. ويعتقد "موريس" و"بركي" أن ذهه التجويفات قد حفرتها الرياح وحدها ولم تساعدها في عملها أية عوامل جيولوجية, أو جيومورفية أخرى. ومن المغالين في إرجاع نشأة منخفضات أوسع بكثير من البانج كيانج إلى فعل الرياح, الأستاذ "بيدنل " الذ عزا تكون منخفضات الصحراء الغربية في مصر - كمنخفض الخارجة والداخلة ومنخفض الفرافرة, ومنخفض الواحات البحرية . . . إلخ, إلى فعل الرياح وحدها علماً بأن مساحة منخفض واحد من هذه المنخفضات تعادل أضعاف أضعاف مساحة تجاويف البانج كيانج. فمنخفض الواحات الخارجة مثلاً تزيد مساحته على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع. وقد تعرض رأي "بيندل" هذا لنقد وإعتراض مريرين وخصوصاً أن هناك عوامل أخرى عديدة - غير عامل الرياح - لابد أها ساهمت كلها متضافرة حفر هذه المنخفضات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الراوسب الهوائية
والرياح في نفس الوقت عامل من العوامل المؤدية إلى الإرساب, فهي بمجرد أ، تصادف في طريقها عقبة من أي نوع تعمل على إيقاف إندفاعها وتحركها, وعلى التقليل من سرعتها سرعان ما تلقي بحمولتها من الرمال والأتربة, وهذه تتراكم على سطح الأرض على شكل كثبان, أو سطوح من الرواسب. على أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أن الرواسب الهوائية لا يقتصر وجودها على المناطق الصحراوية وحدها بل تنتشر في معظم أقاليم العالم الطبيعية إذ توجد في الجهات الآتية:
(أ) على طول خطوط السواحل في كثير من جهات العالم.
(ب) على طول مجاري الأنهار التي تشق أوديتها في أقاليم جافة أو شبه جافة.
(ج) في المناطق التي تـتألف من صخور رملية كثيراً ما تتعرض لأن يتفكك لحامها بفعل عوامل التجوية المتخلفة فتنفرط إلى مكوناتها من حبيبات ارلمال.
(د) في المناطق التي يتراكم فيها "الردش" الجليدي .
النقل بفعل الرياح
هذا الموضوع لم يدرس حتى الآن دراسة جيومورفية دقيقة يمكننا أن نستخلص منها معرفة الطرق الميكانيكية التي تتم بها عملية النقل بفعل الرياح.ولعل أحسن دراسة لهذا الموضوع هي دراسة "باجنولد " (1941) التي إعتمدت فيها على أسس إحصائية دقيقة, ويمكن أن نخرج من هذه الدراسة بالنقط الآتية:
أولاً: يجب علينا أن نفرق دائماً بين الغبار والرمال . فعندما تهب الرياح على منطقة جافة تنتشر على سطح الأرض فيها بقايا الصخور وبعض المواد العضوية, فلابد أن تلتقط الرياح من هذه الباقيا الذرات الدقيقة الناعمة التي تستطيع أن تحملها إلى أعلى إرتفاع قد يصل في بعض الأحيان إلى بضعة آلاف من الأقدام. وتتكون في هذه الحالة سحب قاتمة هي التي تسمى دون أدنى تفرقة بعواصف الرمال. وفي الوقت الذي تتكون فيه هذه السحب "الترابية", تتحرك بعض الذرات الرملية الثقيلة نسبياً - والتي لم تقو الرياح على حملها - بالقرب من سطح الأرض, وتتجمع على هذا السطح في ظل الرياح , خلف الصخور الناتئة, أو الشجيرات أو غيرها من النباتات الصحراوية. فكأ، النقل بطريقة التعلق لا يحدث في الواقع إلا لذرات الغبار الناعمة أما الرمال فلا تستطيع الرياح أن ترتفع بها كثيراً عن سطح الأرض.
ثانياً: تتم عملية نقل حبات الرمال من مكان إلى آخر عن طريق عملية القفز , إذ يؤدي ضغط الهواء على حبات الرمال إلى دفعها إلى الأمام وإصطدامها برواسب الحصى أو الزلط التي تنتشر على سطح الأرض , ثم إرتدادها إلى الوراء . على أننا يجب أن نلاحظ أن ضغط الرياح على حبات الرمال يتوقف أولاً وقبل كل شئ على حجم اتلجسم الذي يتعرض لضغط الرياح, كما يتوقف كذلك - ولكن بدرجة أقل - على حالة الهواء ذاته: درجة حرارته, درجة رطوبته, سرعته. وتتم عملية نقل ذرات الرمال في الواقع بعملية القفز وحدها, ولذا يستغرق نقل ذرات الرمال من مكان إلى آخر وقتاً طويلاً.
أنواع الرواسب الرملية
ولعل أحسن التقسيمات التي قسمت إليها الرواسب الرملية تلك التي قام بهغا "باجنواد" هذا على الرغم من أن دراسة "باجنولد" للرواسب الرملية كانت في مناطق تتحرك فيها هذه الرواسب وتنتقل طليقة من أي قيد. وهذا يعني أن تقسيماته لا تصلح في المناطق التي لعبت فيها النباتات الطبيعية دوراً كبيراً في تحديد إتجاهات هذه الرواسب وبنائها, وكذلك في تقييد إنتقالها. ولكننا يمكن أن نعتمد على تقسيمات "باجنولد" رغم هذا الإعتراضوذلك لأنها خير التقسيمات التي لدينا حايلاً. ويرى "باجنولد" أن هنالك نوعين من الرواسب الرملية:
أولاً: رواسب ذات أهمية محدودة وتنتشر على نطاق ضيق وتتمثل في بعض التموجات الصغيرة , أو الحافات التي تظهر بين حين وآخر على سطوح الرواسب الرملية التي تنبسط على الأرض. ومثل هذه الرواسب, ليس لها أية دلالة جيومروفية.
ثانياً: رواسب تظهر على نطاق واسع في المناطق الصحراوية وتتمثل في:
1- الرمال التي ترتاكم في ظل الرياح, خلف الصخور أو البناتات الصحراوية.
2- الكثبان الرملية نوعان:
(أ) الكثبان الهلالية التي تعرف بالبرخان .
(ب) الكثبان الطولية التي تعرف بالسيوف, كما تعرف في مصر بالغرود.
3- الجسور الرملية أو ظهور الحيتان .
4- بحار الرمال المنبسطة.
أما الرواسب التي تتراكم في ظل الرياح: فيتم تجمعها وتراكمها في المناطق التي تقع بمنأى عن الرياح, فقد تتراكم خلف حائط صخري, أو شجيرة صحراوية, أو أي جلمود صخر. فإذا إصطدمت الرياح بمثل هذه العقبات تتوقف سرعتها وترسب ما تدفعه من رمال على جانب العقبة المظاهر للرياح. ويستمر تراكمها حتى تصل درجة إنحدارها إلى 34 درجة, وحينئذ تتزحلق الرواسب الرملية على الجانب الآخر من العقبة.
والكثيب الرملي (مفرد كثبان) عبارة عن تل من الرمال يتفاوت إرتفاعه من بضعة أقدام إلى عشرات من الأمتار, ويتكون من رمال مستديرة الحبيبات, وقد كان يظن خطأ من قبل, بأن السبب في تكون الكثبان الرملية هو وجود حواجز أو موانع تعترض طريق الرياح. ولكنه ثبت بعد ذلك أن الكثبان الرملية تصل إلى اوج تكونها أو إكنمالها في المناطق ذات السطح المستوي القليل التضرس. وتتكون الكثبان الرملية بصفة خاصة في المناطق الصحراوية, وذلك لأن عامل الرطوبة والنبات الطبيعي كثيراً ما يحدد نموها يعوق تكونهافي المناطق الساحلية أو على ضفاف الأنهار في المناطق الجافة. وتكون الكثبان الرملية إما هلالية التي تعرف بالبرخان أو طويلة وهي التي تعرف بالغرود.
الكثبان الهلالية: ويبدو كل كثيب منها قوس يتجه جانبه المحدب إلى الجهة التي تأتي منها الرياح, كما يتجه طرفاه إلى الجهة التي تسير نحوها الرياح. وتنتظم كثبان البرخان في سلاسل تمتد في إتجاه الرياح السائدة, وكثيراً ما يتغير الشكل الهلالي الذي يميز مثل هذه الكثبان, وذلك إذا ما حدث أي تغير في إتجاه الرياح, أو كانت المياه الباطنية قريبة من سطح الأرض عند أطراف الكثيب الهلالي مما يساعد على نمو نباتات تعمل على تثيبت طرفيه, إذ لا تقوى الرياح على دفع هذه الأطراف فتركز قوتها على الجزء الأوسط من الكثيب مما يؤدي في النهاية إلى ظهور الجانب المقعر في مواجهة الرياح. وقد يتمزق الكثيب من وسطه وينقسم إلى قسمين مستقلين يتحول كل منهما إلى تل شبه مخروطي من الرمال.
الكثبان الطولية: وهي أهم صور الإرساب الهوائي في المناطق الصحراوية, وتتمثل خير تمثيل في الصحراء الغربية المصرية حيث تعرف بالغرود, وهي عبارة عن كثبان طولية متوازية يتألف كل غرد من سلسلة من التلال الرملية. ويبلغ طول غرد من هذه الغرود عشرات الكيلومترات, أما عرضه فلا يزيد على بضع عشرات من الأمتار. ومن أشهر هذه الغرود أبي محرق الذي يزيد طوله على 350 كيلومترات. ويرى "جون بول" أن هذا الغرد يتقدم بمعدل عشرة أمتار كل عام. وعلى أساس هذا التقدير, لابد أن يكون قد إستغرق في تكونه حوالي 35 ألف سنة. ورمال هذه الغرود هي عبارة عن الحطام الذي تخلف عن حفر منخفض القطارة, وقد دفعته بعد ذلك الرياح الشمالية الغربية السائدة ووزعته فوق سطح الصحراء الغربية على شكل خطوط متوازية تكاد تتبع نفس إتجاه هذه الرياح إذ تمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
الجسور الصحراوية أو ظهرو الحيتان: وهي عبارة عن حافات فقرية من التكوينات الرملية, وتتميز بتسطح قممها. وتمتد هي الأخرى موازية لإتجاه الرياح السائدة, والإختلاف الرئيسي بينها وبين الغرود هو أن سطح سلسلة التلال الرملية التي يتألف منها أي أي غرد يبدو مدبباًِ حاداً ولا يتميز بتسطحه على الإطلاق.
السهول الرملية المنبسطة: وهي التي سماها "باجنولد" "بفرشات" الرمال وتتميز هذه السهول بإستوائها وبعدم تضرسها على الإطلاق إلا إذ إستثنينا بعض التجعدات والتموجات التي تظهر فوق راوسب الرمال, ومن أشهر هذه السهول سهل سليمة بالصحراء الليبية الذي تبلغ مساحته أكثر من ثلاثة آلاف ميل مربع, وهو عبارة عن سهل مستو يمتد لمدى البصر دون أي ظاهرة تضاريسية موجبة إلا بعض الكثبان المنخفضة. وتراوح سمك الرمال المتراكمةن فوق هذا السهل ما بين 7, 15 قدماً, وهي ترتكز فوق الصخور الأصلية مباشرة.
وهناك تقسيم آخر للكثبان الرملية - غير تقسيمها إلى كثبان هلالية وكثبان رملية - يعتمد في أساسه على توضيح الدور الذي تلعبه النباتات الطبيعية في حركة الكثبان وتطورها.وصاحب هذا التقسيم هو الجيومورفولوجي الأمريكي "ملتون " فهو يرى أن هنالك ثلاثة أنواع من الكثبان الرملية:
(أ) كثبان رملية بسيطة وهي التي يرتبط تكوينها برياح تهب من إتجاه واحد بصورة منتظمة.
(ب) كثبان رملية متقطعة. وهي التي تتكون إذا ما تصارعت الرياح مع نباتات طبيعية تعمل على تثبيت الرمال أو إعاقة تحركها.
(ج) كثبان معقدة وهي التي تتعرض لتأثير رياح من أكثر من إتجاه واحد.
على أننا نرى تقسيم "باجنولد" لرلواسب الرملية على الرغم مما يوجه إليه من إعتارض ونقد إلا أنه أكثر التقسيمات إيفاء بالغرض, وأكثرها تفصيلاً في نفس الوقت.
رواسب اللويس
وهي عبارة عن رواسب غير متماسكة من الطين والتراب يميل لونها إلى اللون الرمادي أو الأصفر, وترتفع بها نسبة مركبات الجير, كما تتميز بسهولة إنفاذها للمياه. وتتألف هذه الرواسب من جزيئات حادة الزوايا من الكوارتز, والفلسبار, والكلسيات والدولومايت وبعض المعادن الأخرى.
وقد كثر نزاع العلماء وجدلهم فيما مضى بصدد نشاة هذه الرواسب, فمن قائل بأنها ذات أصل فيضي, إلى قائل بأنها رواسب بحرية, إلى محبذ لفكرة نشأة محلية حيث توجد . . . إلخ. ولكننا نجد الآن أراء العلماء قد إتجمعت وتلاقت حول رأي واحد وهو أنها رواسب هوائية.
وتتمثل رواسب اللويس خير تمثيل في بلاد الصين إذ يتراوح سمكها بين 100, 300 متر, وهي لا تنتظم في طبقات, وقد توجد خلالها بعض الحشائش التي لابد أنها أسهمت في تراكمها. كما تظهر رواسب اللويس في وسط أوروبا على هيئة نطاق يمتد من فرنس إلى شرق روسيا.
ومن المحتمل أن تكون رواسب اللويس هذه, قد إشتقت من "الردش الجليدي" الذي تخلف عن الغطاءات الجليدية البلايستوسينية بعدذ وبان الجليد وإنقضاء العصر الجليدي, وينطبق هذا القول بصورة خاصة على الرواسب اللويس الأوروبية, وخصوصاً تلك التي ترتاكم في سهول اليوكرين في شرق الإتحاد السوفيتي. على الرغم من أن هذا لا يعني أن كل رواسب اللويس في شتى جهات توزيعها, ذات أصل جليدي, فهناك أنواع من اللويس يمكن أن تسمى بالصحراوية , كرواسب الهائلة في حوض الصين العظيم التي يبدو أنها تنتمي إلى هذا النوع, وأنها إشتقت أصلاً من الرواسب الصحراوية التي توجد بصحراء جوبي أو منغوليا. ولعل رواسب اللويس التي توجد بإقليم الإسبتس التركستاني (إلى الشرق من بحر قزوين) تنتمي هي الأخرى إلى نوع اللويس الصحراوية. والذي يهمنا في الواقع في هذا المجال هو أن عملية التذرية هي التي أدت إلى تجمع هذه الرواسب في المناطق التي توجد بها في الوتق الحالي.
دورة التعرية الصحراوية
سبق أن ذكرنا أن ظاهرة "البديمنت" تلعب دوراً كبيراً في تطورسطح الأرض في الأقاليم الصحراوية. إذ إ تراجع سفوح الجبال الجبلية الحوضية هو المسئول في النهاية عن تحول سطح هذه المناطق إلى أرض في أنواع الصحاري منبسطة تختفي منها المنخفضات وما يحيط بها من حواجز جبلية مرتفعة. أما في المناطق الصحراوية التي تنتمي إلى سهول "الرق" - التي هي عبارة عن أرض منبسطة مستوية السطح - فمن المحتمل أن تظل مثل هذه المناطق أرضاً مستوية في سطحها طوال معظم مراحل تطورها وكل ما يمكن للرياح أن تعمله في سطحها هو إزالة ارلواسب الرملية والحصوية التي تنتشر فوقها, وبهذا تظهر الصخور الأصلية الصلبة فتتحول الصحراء بهذه الطريقة إلى أرض صخرية صلبة تظل على هذا النحو إذا لم تتعرض لحركات باطنية تحدث بها نوعاً من التضرس وعدم الإستواء.
ولهاذ يمكن القول بأن دورة التعرية الصحراوية تتمثل بصفة خاصة في الصحاري الجبلية الحوضية, فإذا إفترضنا وجود حوض من أحواض "البلسون" الصحراوية تحيط بها حواجز جبلية مرتفعة, كما هي الحال في حوض تاريم في وسط آسيا أو في الحوض العظيم بغرب أمريكا الشمالية, فأول ما يتكون في هذه المنطقة عقب سقوط الأمطار, بعض الجداول والمسيلات المائية القصيرة التي تنحدر على سفوح الحواجز الرمتفعة للحوض صوب قاعه الذي يمثل في هذه الحالة مستوى القاعدة بالنسبة لهذه المسيلات المائية.
وتدأب المجاري المائية على نحت جوانب المنحدرات التي تطل على أرض المنخفض فيتكون نطاق من ال وذلك بفعل عملية النحت الماي وحدها, وتعمل المجاري المائية في نفس الوقت على إلقاء الرواسب المتخلفة عن عملية النحت هذه, في أ{ض "البلسون" مما يؤدي إلى إرتفاع قاعه إرتفاعاً تدريجياً, أو يؤدي بمعنى آخر إلى إرتفاع سمتوى القاعدة بالنسبة للمجاري المائية المنحدرة صوب الحوض. وتحدث هذه العمليات في لاطور الشباب.
أما في طور النضج, فيقل إرتفاع الحواجز المرتفعة التي تفصل بين الأحواض المتجاوةر, وتتراجع ال تراجعاً مطرداً بفعل عمليات التسوية الجانبةي , الفيضانات الغطائية , وتتلاحم سفوح البديمنت المتجاورة بشكلها المقعر المعروف, وسرعان ما ترق وتتكون فيها بعض الثغورات والممرات الفتي كثيراً ما ترعف بممرات البديمنت تخترقها مياه المجاري المائية الت يتنحدر صوب أحد حوضين المتجاورين. وتستطيع بعد ذلك هذه المجاري ان تأسر الأنهار التي تنحدر صوب الحوض الآخر, ويتم في هذه المرحلة رجف الرواسب التي كانت قد تراكمت في احد الحوضين بدرجة أسرع, وإرسابها في الحوض الآخر الأكثر عمقاً, ويتقارب إزاء هذا مستوى سطح الأرض في الحوضين المتجاورين. وتأخذ الأرض المرتفعة التي تفصلهما عن بعضها البعض في الإختفاء, ولا تتخلف عنها إلا بعض التلال الصغيرة التي كثيراً ما تسمى الجزر الجبلية , ولو أن هذه التسمية شاع إستخدامها وأصبحت تطلق على أية كتلة جبلية ناتئة وتبرز وتعلو عما يحيط بها من أرض منخفضة. ولذا إقترح الجيومروفولوجي الأمريكي "ويليس " أن تسمى التلا التي تتخلف عن عملية تراجع "البديمنت" "بالبورنهارت " وذلك نسبة إلى الجيومورفولوجي الألماني "بونهارت" اذلي كان من أحسن العلماء الذين درسوا المناطق الصحراوية.
وفي مرحلة الشيخوخة يكمل عامل الرياح العمل الذي بدأته وواصلته المياه الجارية, إذ تعمل على إزالة الرواسب النهرية التي تراكمت على سطح الأرض في المنطقة الحوضية مما يؤدي إلى تحولها إلى شبه سهل يختفي كل ما عليه من تضرس.
ولعل هذه الدورة قد تتباعت مراحلها فعلاً على كل مناطق سهول الرق الصحراوية حتى تحولت إلى الشكل السهلي الذي تظهر عليه. ويتجلى أثرها في الصحراء الغربية التي تتألف من سطوح صخرية تقف كدليل رائع على تتابع مراحل دورة البديمنت الصحراوية.