الموسوعة الفلسطينية

مراجعة 04:51، 31 أغسطس 2010 بواسطة Taghreed (نقاش | مساهمات) (←‏البيشوف:)

(فرق) → مراجعة أقدم | مراجعة معتمدة (فرق) | النسخة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ك

معركة الكرامة

قامت القوات الاسرائيلية في 21/3/1968 بشن هجوم واسع النطاق على الضفة الشرقية لنهر الأردن في منطقة امتدت من جسر الأمير محمد (دامية) شمالا حتى جنوب البحر الميت*. وكان هدف الهجوم كما أعلنت إسرائيل رسميا القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة على بعد 5 كم من جسر الملك حسين (اللنبي) ، وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت. والواقع أن هذا الهجوم لم يكن مفاجئا لمنظمة فتح ولا للقوات الفلسطينية الأخرى في المنطقة ولا للقوات الأردنية. فقد شوهدت تحركات القوات الإسرائيلية قبل العملية بيومين وأذاع ناطق بإسم فتح يوم 19 آذار أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على طول نهر الأردن. وفي اليوم نفسه أعلن مندوب الأردن في الأمم المتحدة أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن. وقد رافقت هذه التحشدات تصريحات تهديدية من قبل المسؤولين الإسرائيليين فقال رئيس الحكومة أمام الكنيست: إن الأردن لا يفعل شيئا لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه، وسنضطر نحن لحماية أمتنا"، وذلك خلال كلامه عن حادث انفجار لغم تحت عربة نقل ركاب كبيرة جنوبي النقب. وكرر وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات الإسرائيليون أقوالا مماثلة.

حشدت إسرائيل لتنفيذ العملية تبعا للمصادر الأمنية أربعة ألوية لوائين مدرعين ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، تدعمها وحدات من المدفعية الميدانية (خمس كتائب مدفعية من عيار 105 مم و155مم) ووحدات هندسية عسكرية وتغطية جوية بأربعة أسراب نقالة بالاضافة إلى عدد من الحوامات كافي لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما. وقد بلغ عدد هذه القوات خمسة عشر ألف جندي.

وفي الجانب العربي كانت وحدات رصد فتح تراقب تحركات وتحشدات القوات المعادية. وتدارسات قيادة فتح التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة من قبل العدوو لتأتي ضربته في الفراغ – وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية. وبعد مناقشة الموضوع بعمق قررت الصمود الواعي تحقيقا للأهداف التالية:

1- رفع معنويات الجماهير الفلسطينية بعد نكسة حزيران 1967 (ر: حرب 1967). 2- تحطيم معنويات العدو وانزال أكبر الخسائر في صفوفه. 3- تحقيق الالتحام الثوري مع الجماهير حتى يصبح الشعب قوة منيعة. 4- زيادة التقارب والثقة بين قوات الثورة الفلسطينية ورجال الجيش الأردني. 5- تنمية القوى الصورية داخل صفوف الشعب العربي. 6- اختبار ثقة المقاتلين بأنفسهم في معارك المواجهة المباشرة مع قوات العدو.

وجرى تقسيم المقاومة إلى ثلاثة اقسام: الأول توزع على عدة مراكز في الكرامة نفسها وحولها، ووزع الثاني بشكل كمائن على امتداد الطرق المحتمل سلوكها من قبل العدو، وانسحب الثالث إلى المرتفعات المشرفة على المنطقة ليكون دعما واحتياطيا.

من جهة أخرى اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظارا للتطورات المتوقعة.

تحركت القوات الاسرائيلية في الساعة الخامسة وانلصف من صباح يوم 21 آذار 1968 على أربعة محاور: 1- محور العارضة من جسر الأمير محمد إلى مثلث المصري فطريق العارضة – السلط الرئيسي. 2- محور وادي شعيب من جسر الملك حسين إلى الشونة الجنوبية فالطريق الرئيسي المحاذي لودي شعيب السلط. 3- محور سويمة من جنوب البحر الميت إلى غور الرامة – ناعور فعمان. 4- محور الصافي من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي فطريق الكرك الرئيسي.

ولكن المعارك الرئيسية دارت فعلا على المحاول الثلاثة الأولى.

عبرت القوات الإسرائيلية النهر تحت تغطية نيران المدفعية. ولكنها ما كادت تتقدم مسافة 200 متر حتى اصطمدت بمقاومة عنيفة أعاقت تحركها فدفعت بعناصر محمولة بالحوامات أنزلت بعضها في غور الصافي للتمويه والتضليل ومعظمها في الكرامة. فتصدت لها القوات العربية وكبدتها خسائر كثيرة، مما اضطر القيادة الاسرائيلية إلى زج قواتها الجوية بكثافة كبيرة مركزة قصفها على مرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين ومرابض الدبابات والمدافع المضادة للطائرات. وتابعت خلال ذلك الحوامات نقل عناصر اضافية والعودة بالجرحى وجثث القتلى. واستثمرت القوات المدرعة نتائج القصف الجوي والمدفعي المركز لمتابعة تقدمها فأمكنها في الساعة العاشرة تقريبا الاتصال بالقوات المنزلة جوا بالبنادق والبرمائيات اليدوية ثم بالسلاح الأبيض. وقد خاضت القوات الأردنية ايضا معارك عنيفة على المحاور الأخرى وأحبطت تقدم العدو ومنعته من تنفيذ مخططاتته.

وفي الساعة 14.00 – وكانت خسائر الاسرائيليين قد تزايدت واتضح لهم مدى الثمن الذي سيدفعونه لقاء كل تقدم – ادعوا بأنهم قد أتموا تنفيذ المهمة الموكولة إليهم وبدأو بالانسحاب. وكانوا قد طلبوا وقف إطلاق النار في الساعة 11.30 بواسطة الجنرال أودبول كبير المراقبيين الدوليين ولكن رئيس الحكومة الأردنية رفض الطلب حتى انسحاب القوات الاسرائيلية بكاملها. وقد تم انساحب آخر جندي اسرائيلي في الساعة 20.30. وتكبدت القوات الاسرائيلية خلال انسحابها ايضا خسائر كبيرة اذ تعرضت لها الكمائن التي بثتها قيادة المقاومة قبل المعركة.

كان العدوان الاسرائيلي على الكرامة أول مرة تتخطى فيها القوات الاسرائيلية نهر الأردن. فقد توغلت مسافة 10 كم على جبهة امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو 50 كم. وهي أول عملية على نطاق واسع قادها رئيس الأركان الاسرائيلي الجديد آنذاك حاييم بارليف. وقد حشدت لها اسرائيل قوات كبيرة نسبيا أرادت منها أن تكون درسا رادعا للفدائيين وللجيش الأردني، وأن تحقق بواسطتها نصرا سريعا تستغله في رفع معنويات السكان الإسرائيليين التي بدأت تهتز تحت ضربات العمليات الفدائية في الأراضي المحتلة. ولم تكن النتائج كما كانت تتمناها إسرائيل. فقد اعترف رئيس حكومتها أمام الكنيست يوم 25 آذار "أن الهجوم على الكرامة لم يحل مشكلة الإرهاب". وقال ناتان بيليد ممثل حزب المايام *: " إن على إسرائيل أن تصوع تكتيكها العسكري وفقا لاساليب القتال المتبعة عند العدو والظروف السياسية المحيطة – وطالب شموئيل تامير عضو الكنيست بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للبحث في – التعقيدات السياسية الناجمة عن عملية الكرامة – وأضاف "إن تخطيط العملية وتنفيذها يثيران أسئلة كثيرة تتطلب الاجابة". وقد عبر يوري أفنيري عن فشل العملية بقوله: ان المفهوم التكتيكي للعملية كان خاطئا من الأساس ، وأن النتائج أدت إلى نصر سيكولوجي للعدو الذي كبدنا خسائر كبيرة.


كانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة. وقد تجلى ذلك في سبل طلبات التطوع في المقاومة ولا سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية. كما تجلى في التظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، مما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية. وقد أعطت معركة الكرامة معنى جديد للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتفات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه زير خارجية إسرائيل آبا ابيان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، فقد سمعت ألوف الأصوات تهتف "عاشت فتح".

على الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال. ففي معركة الكرامة اخفقت اسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية لرفع معنويات الاسرائيليين ، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.

بلغت خسائر الاسرائيليين 70 قتيلا وأكثر من 100 جريح، و45 دبابة، و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات. وخسر الجانب الفلسطينية 17 شهيدا. أما الأردنيون فقد خسروا 20 شهيدا و65 جريحا بينهم عدد من الضباط و10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعين.

دمر الإسرائيليون عددا كبيرا من المنازل وأخذوا معهم 147 عربيا من الفلاحين بحجة أنهم من الفدائيين.

المراجع: - مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968. - اليوميات الفلسطينية، المجلد 7، بيروت 1968. - مجلة شؤون فلسطينية، العدد 7، آذار 1972. - تقرير القيادة الأردنية حول المعركة.


كرتيا (قرية)

قرية عربية كانت تقع شمالي شرق غزة على طريق الفالوجة- المجدل. وهي على بعد كيلومتر واحد شمالي غرب الفالوجة، وتجاورها قرى حنا وعراق سويدان وبيت عفا. وقد قامت على أرض منبسطة ترتفع 75 مترا عن سطح البحر. يمر طرفي القرية الجنوبي والغربي وادي المفرض القادم من الفالوجة. وقد أكسبها ذلك في الماضي قدرة دفاعية يدل عليها اسمها اليوناني الذي يعني القوة. وفي ارض القرية آثار خرائب قديمة كثيرة تعود إلى أيام الصليبيين والمماليك.

كانت مساحة كرتيا 48 دونما شغلتها المساكن المبنية من اللبن. وقد اتجه نموها العمراني نحو الشمال بتأثير مرور طريق المجدل-الفالوجة شماليها وبسبب وجود الوادي في الجنوب والغرب.

بلغت مساحة أراضي كرتيا 13.709 دونمات منها 351 دونما للطرق والأودية. واعتمدت الزراعة فيها على الأمطار التي يصل معدلها السنوي إلى 380 مم. وأبرز الزراعات الحبوب والصبار. وقد غرست الأشجار المثمرة في مساحات قليلة قبيل عام 1948. وأما المراعي فقليلة ولذلك كانت الثروة الحيوانية ضحلة. وقد عانت كرتيا كالفالوجة من ندرة مصادر المياه السطحية والجوفية واعتمد أهلها في شربهم على مياه بئرين محفورتين داخلها.

كان عدد سكان القرية سنة 1922: 736 نسمة فوصلوا سنة 1945 إلى 1.370 نسمة. وقد ضمت مطحنة للحبوب ومدرسة ابتدائية. وكانت تتبع في جميع شؤونها الادارية والتعليمية لقرية الفالوجة المجاورة.

هاجر ساكن كارتيا منها عام 1948 فدمرها الصهيونيون وأقاموا على أراضيها فيما بعد مستعمرات "عوتسيم ونهورا وقومميوت" وزرعوا الحبوب والبرسيم في المنطقة.

المراجع:

- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ج1، ق2، بيروت 1962. - خريطة فلسطين: مقياس 1:50.000، لوحة بربر.

معركة كفار عصيون

كفار عصيون واحدة من مجموعة مستعمرات التي أنشأتها الصهيونيون في مناطق استراتيجية مشرفة تتحكم بطريق القدس-بيت لحم-اللخيل وهيأوها لتؤدي دروا عسكريا منذ صدور قرار التقسيم سنة 1947. وقد احتل الصهيونيون كفار عصيون بناية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية قربتهم إلى الطريق وأخذوا يطلقون منها النيران على السيارات العربية العابرة.

كانت سيارة القنصل العراقي احدى السيارات التي أصابها صهيونيو كفار عصيون في 13/1/1948 فتجمع نحو ألفين من مناضلي مناطق الخليل والقدس وبير سبع وهاجموا المستعمرة بما تيسر لها من أسلحة عادية وبسيطة. فصدوا لافتقارهم إلى التنظيم والخطة السليمة واستشهد منهم 14 مجاهدا وجرح 24.

ظل مناضلوا منطقة الخليل يتبادلون اطلاق النار مع المستمرة من وقت لأخر. وقد هاجموا في 136/2/1948 قافلة خرجت من كفار عصيون إلى القدس وأحرقوا سيارتين منها وقتلوا اثنين من الصهيونيين وجرحو اثنين آخرين. ولم ينقذ القافلة سوى وصول مفرزة من الجيش البريطاني. ثم حدثت معركة الدهيشة بالقرب من بيت لحم في 28/3/1848 تصدى فيها المناضلون العرب لقافلة قادمة من القدس إلى كفار عصيون.

لكن صهيوني هذه المستعمرة زادوا في عداونهم منذ بادية آيار 1948 حتى غدا اجتياز هذا الجزء من الطريق أمرا متعذرا. ولقد كان الطريق شريانا حيويا للجيش الأردني الذي كان يستمد أسلحته ومعداته آنذاك من مستودعات الجيش البريطاني في قناة السويس. في حين تولت احدى سراياه الخاصة في غزة ورفح وكان لابد من الاستمرار الاتصال بها.

لهذا فما ان تعرض صهيونيو كفار عصيون في 6 آيار إلى قافلة عربية محروسة متجهة إلى الخليل حتى حضرت نجدة من الجيش الأردني وأمطرت كفار عصيون وما حولها من المستعمرات نارا حامية فاضطر الصهيونيون إلى التراجع. ولكنهم عادوا في اليوم التالي وتعرضوا لقافلة عسكرية أخرى قادمة من الخليل فتصدت لهم ست مدرعات أردنية وفصيلة مشاة معها ثلاثة مدافع هاون من عيار 3 بوصات. وقد هاجمت هذا القوة الأردنية دير الشعار وأحاطت بمستعمرة كفار عصيون من الشمال والشرق والجنوب وأصلتها نارا حامية ثم عادت. ولكن الصهيونيون استمروا في عدوانهم وتعرضهم للسيارات العربية المدنية والعسكرية.

وفي 13 /5/1948 قامت مجموعة من المناضلين وسريتا مشاة ومدرعات من الجيش الأردني تساندهم أربعة مدافع هاون 3 بوصات بالهجوم على كفار عصيون ومجموعة المستعمرات الثلاث الأخرى المحصنة بجوارها. وقد قام الصهيونيون بارسال النجدا إلى المستعمرات وأنزلوا جنودهم بالمظلات. ولكن رجال الجيش الأردني والمناضلين من أبناء منطقة الخليل تقدموا بثبات رغم المقاومة الشديدة وفتحوا الثغرات في الأسلام الشائكة وحقول الألغام المحيطة بالمستعمرات. وتركز الهجوم أولا على المستعمرة الرئيسية كفار عصيون، في حين طوقت المستعمرات الأخرى المحيطة بها.

أخيرا سقطت المستعمرات الأربع. ووقع 287 صهيونيا في الأسر وقتل نحو 200 صهيوني. وأما خسائر الجيش الأردني فكانت 14 شهيدا. واستشهد عدد كبير من المناضلين الأهالي لعدم تجنبهم حقول الألغام. وهكذا أصبحت طريق القدس-الخليل آمنة.

المراجع: - عارف العارف: النكبة، بيروت، 1956. - جون غلوب: جندي مع العرب (بالانجليزية)، لندن 1969.

عملية كفار يوفال

واحدة من العمليات الخاصة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة. ففي فجر 15/6/1975 قامت مجموعة الشهيد أبو الأديب من جبهة التحرير العربية باقتحام مستعمرة كفار يوفال التي تبعد مسافة 5 كم إلى الشمال الشرقي من مستعمرة قريات شمونا في الجليل الأعلى. وبعد معركة مع قوة إسرائيلية سيطر الفدائيون على مركز لمنظمة الشبيبة الطلاعئية المحاربة (ناحال) واحتجزوا عددا من أفرادها.

وعلى الفور وصل إلى مكان العملية شمعون بيرس وزير الدفاع الإسرائيلي والجنرال مردخاي غور رئيس الأركان والكولونيل رفائيل ايثان قائد المنطقة الشمالية.

طالب الفدائيون باطلاق سراح المناضلين المعتقلين في السجون الإسرائيلية من بينهم المطران كيوجي والفدائي الياباني أوكامتو (ز: اللد، عملية مطار-الثانية) مقابل الافراج عن الرهائن. وقد تجاهلت السلطات الإسرائيلية مطالب الفدائيين وعمدت إلى تطويق المبنى الذي احتجز فيه الرهائن فدارت معركة مع الفدائيين استمرت ست ساعات وانتهت باستشهاد الفدائيين الأربعة الذين كان من بينهم فدائي تركي، وقع عدد كبير من القتلى والجرحى من أفراد العدو.

اعترف ناطق عسكري اسرائيلي بمقتل اثنين وجرح ستة أشخاص من الرهائن بالاضافة إلى مقتل عدد من الجنود لم يحدده.

المراجع: - الكتاب السنوي للقضية الفلسطيينة لعام 1975، بيروت 1978. - شؤون فلسطيني، العدد 48، آب 1975، بيروت.

معركة كفر شوبا

في 11/11/1975 قامت مجموعة من قوات المقاومة الفلسطينية بمهاجمة مركز تل العلم (جبل الروس) في جبل الشيخ المشرف على معظم الجولان ومناطق حاصبيا والقسم الأكبر من أراضي الحولة والجليل ومنطقة جبل الشيخ السورية. واستطاعت المجموعة تطهير المركز من العناصر الاسرائيلية الموجودة فيه والعودة إلى قواعدها، وقد اعترف العدو باصابة أربعة من جنوده.

وردا على هذه العملية قامت القوات الاسرائيلية في اليوم ذاته بشن هجوم واسع على قرية كفر شوبا في منطقة حصابيا جنوب لبنان بعد أن مهدت لذلك بقصف مدفعي شديد لضواحي هذه القرية والعرقوب. ثم تقدمت باتجاه القرية من ثلاثة محاور ولكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة من كمائن قوات المقاومة واستمرت الاشتباكات من الساعة الثامنة مساء حتى منتصف الليل حين انسحبت قوات العدو.

تابعت القوات الاسرائيلية بعد انسحابها قصف القرية وضاحيها بالمدفعية من مواقعها في العباسية وتلة الرمثا وجبل الروس مما أدى إلى انقطاع الكهرباء والماء والهاتف ونسف الطرق المؤدية إلى كفر شوبا. وظلت تحاصر القرية وتقصفها بالمدافع طوال يوم 12/1/1975.

حاولت القوات الاسرائيلية بعدئذ دخول القرية من أربع جهات ولكنها اصطمدت ثانية بالمقاومة العنيفة التي أبدتها قوات الثورة الفلسطينية ومقاتلون كفر شوبا، مما حال دون دخول العدو إليها وأدى إلى إصابة قواته بخسائر كبيرة. وقد كرر العدو قصفه القرية نهار 13/1/1975 وخلال الليل وتقدم للمرة الثالثة محاولا اقتحام كفر شوبا فدارت معارك شديدة حول القرية وعلى مشارفها، مما أدى إلى ازدياد خسائر العدو الاسرائيلي الذي عاد يقصف القرية ليلة 14/1/1975، واستطاعت قوة لده دخولها ولكن قسما منها أبيد داخلها.

تجاوزت خسائر العدو خلال هذه المعارك مائة قتيل وجريح وأصيب ودمر كثير من آلياته. ويعود فشل العدو في تحقيق أهدافه بدخول كفر شوبا وضرب قواعد المقاومة إلى: 1- معرفة المقاومة الفلسطينية الجيدة بمداخل ومخارج القرية على حين تعذر ذلك على القوات المعادية. 2- مشاركة أهل القرية قوات المقاومة في تصديها لمحاولات العدو المتكررة دخولها. 3- الأسلوب القتالي التكتيكي المرن الذي مارسته قوات المقاومة في هذه المعارك كالسماح للعدو بدخول القرية ومفاجأته بالنيران في جميع الاتجاهات بالاضافة إلى استخدامها محاور متعددة ومختلفة داخل وخارج القرية للتمويه بالانساحب ثم الانقضاض، مما أفقد العدو توازنه وقدرته على تحقيق المفاجأة. 4- توزع كمائن المقاومة داخل القرية وعلى مشارفها والتحرك بسرعة من موقع إلى آخر حسب ظروف المعركة واتجاهاتها.

دمر العدو الإسرائيلي خلال قصفه المدفعي الشديد الذي دام أسبوعا القسم الأكبر من بيوت القرية (أكبر من 250 منزلا من مجموع منازل كفر شوبا البالغ عددها 350 منزلا).

المراجع: - شؤون فلسطينية: العدد 43، آذار 1975، والعدد 48، آب 1975.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مذبحة كفر قاسم

كان العنف وما يزال إحدى الدعائم الرئيسية التي استندت إليها الصهيونية في تحقيق أهدافها في فلسطين. فالارهاب والقتل الجماعي لم يكونا وسيلة استخدمتها الصهيونية لاقامة دولتها فحسب بل جزءا أساسيا من تكوين الفكر الصهيوني والتقاليد المتوارثة في هذا الفكر. فالمذابح الجماعية التي تحدثت عنها التوراة في أكثر من موضع هي النموذج الذي استخدمته وسارت على هديه فيما بعد العصابات الارهابية الصهيونية في دير ياسين وقبية وغزة واللد والرملة ونحالين وكفر قاسم في فلسطين والفاكهاني والجنوب في لبان وسواها. وهي المذابح التي تمت كلها لتحقيق هدف واحد هو ابادة الشعب الفلسطيني وتصفيته جسديا بالقتل والتهجير.

واذا كانت مذابح الفاكهاني والجنوب 1981 قد استهدفت التصفية الجسدية للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطين فان مذابح دير ياسين 1948 وكفر قاسم 1956 كانت تستهدف بالاضافة إلى التصفية الجسيد تهجير من لم تطليهم المذبحة عن طريق بث الرعب في نفوسهم ودفعهم إلى مغادرة البلاد.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في سلسلة المجاز التي نفذتها الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني أن المنفذين كانوا دائما يعرفون ما يفعلون، وان اتجاه العنف والارهاب والقتل الجماعي الذي تربت عليه الكوادر الأولى المؤسسة للجيش (ر: جيش الدفاع الإسرائيلي).

إن مذبحة كفر قاسم لا تختلف مطلقا من حيث الهدف عن مذبحة دير ياسين وغيرها. فالاعترافات التي دونتها محاضر محاكمات منفذي المذبحة تشير إلى أن الهدف منها كان دفع عرب إسرائيل إلى مغادرة البلاد. فقد ورد على لسان الشاهد الضابط الإسرائيلي كول في المحاكمة قوله "كان أمر منع التجول خطيرا جدا ولا يحتمل التأويل. فبموجبه كان علينا أن نقتل كل حي من الرجال والنساء والأطفال اذا وجدوا خارج بيتوهم في ساعات منع التجول.وكان شعوري أن الحرب ستقع على حدود الأردن، وأن هدف الأمر هو أن يهرب أبناء الأقليات هربا جماعيا إلى ما وراء الحدود".

عشية العدوان الثلاثي على مصر (ر: حرب 1956) عهدت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى إحدى الكتائب مهمة المرابطة على الحدود الأردنية الإسرائيلية وألحقت بها وحدة حرس الحدود التي يقودها الرائد شموئيل ملينكي على أن يتلقى أوامره مباشرة من قائد الكتيبة يسخار شدمي الذي أعطى سلطات كاملة من ضمنها فرض منه التجول ليلا على القرى العربية الموجودة في منطقة عمل كتيبته، وهي قرى المثلث: كفر قاسم، كفر برا، جلوجولية، الطيرة والطيبة وقلنسوة وبير السكة وإيتان.

في 29/10/1956، وهو اليوم الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر، استعدى شدمي الرائد ملينكي إلى مقر قيادته وأبلغه المهمة الموكولة إلى وحدته والتعليمات المتعلقة بطريقة تنفيذها. واتفقا على أن يكون حظر التجول على القرى المشار إليها من الساعة الخامسة مساء إلى السادسة صباحا. وطلب شدمي من ملينكي أن يكون منع التجول حازما لا باعتقال المخالفين وإنما باطلاق النار. وقال له "من الأفضل قتيل واحد " وفي شهادة أخرى عدة قتلى بدلا من تعقيدات الاعتقالات. وحين سأل ملينكي عن مصير المواطن الذي يعود من عمله خارج القرية دون أن يعلم بأمر منع التجول قال شدمي " لا أريد عواطف" واضاف بالعربية "الله يرحمه".

توجه ملينكي إثر ذلك إلى مقر قيادته وعقد اجتماعا حضره جميع ضباط الوحدة وأبلغهم فيه أن الحرب قد بدأت وأفهمهم المهمات المنوطة بهم وهي تنفيذ قرار منع التجول بحزم وبدون اعتقالات، وقال: "من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى". ووزع جنوده إلى مجموعات.

جرى بعد ذلك توزيع المجموعات على القرى العربية في المثلث واتجهت مجموعة بقيادة الملازم غبرائيل دهان إلى قرية كفر قاسم. وقد وزع دهان مجموعته إلى أربع زمر رابطت إحداهما عند المدخل الغربي للقرية.

وفي الساعة الرابعة والنصف من مساء اليوم نفسه استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه فرض منع التجول وطلب منه اعلام أهالي القرية بذلك. فقال له المختار ان هناك 400 من الأهالي في العمل خارج القرية ولن تكون جميع مدة نصف ساعة الباقية كافية لابلاغهم. فوعد الرقيب أن يدع جميع العائدين من العمل يمرون على مسؤوليته مسؤولية الحكومة.

وفي الساعة الخامسة تماما بدأت المذبحة عند طرف القرية الغربي حيث رابطت وحدة العريف شالوم عوفر على المدخل الرئيسي لسقط 43 شهيدا ، وفي الطرف الشمالي للقرية سقط ثلاثة شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان. وأما في القرى الأخرى فقد سقط شهيد في قرية الطيبة وهو صبي عمره 11 عاما.

يصف أميل حبيبي في كتابه "كفر قاسم المجزرة" الذي صدر في الذكرى العشرين لهذه المذبحة البشعة 1967 تفاصيل ما حدث على المدخل الغربي لكفر قاسم وكيف سقط الضحايا على تسع موجات متتالية لأنهم كانوا يعودون إلى القرية على دفعات. فحين انتهت تصفية الموجة السادسة منهم وكان عدد الضحايا فيها 15 شهيدا قام الملازم دهان الذي كان يشارك في عمليات القتل ويطلع أثناء تجوله في سيارة جيب على كل ما يجري بابلاغ قيادته بذلك قائلا: "تناقص 15 عربيا". ثم أتبعه بنداء آخر بعد أن سقط ضحايا الموجة السابعة وعددهم عشرة شهداء وقال فيه: "من الصعب عدهم". فالتقط الندائين النقيب ليفي وحولهما إلى قائدة الوحدة ملينكي فاصدر هذا أوامره بايقاف اطلاق النار حالا والتصرف باعتدال. وحين وصل هذا الأمر إلى الملازم دهان كان عدد الشهداء قد وصل إلى 48 شهيدا سقطوا خلال مدة لا تتجاوز الساعة، أي قبل السادسة مساء.

وكان من بين الثلاثة والأربعين عربيا الذين قتلوا عند مدخل القرية الغربي سبعة من الأولاد والبنات وتسع من النساء شابات ومسنات احداهن عمرها 66 عاما. وأما الثلاثة الذين سقطوا في الطرف الشمالي من القرية فكان من بينهم ولدان عمراهما 6و15 عاما. وفي وسط القرية سقط شهيدان من بينهما طفل عمره 8 سنوات.

وهكذا لم يتوقف اطلاق النار إلا بعد أن أصيب تقريبا كل بيت في كفر قاسم التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز الألفي نسمة في ذلك الحين.

حاولت حكومة بن غوريون التكتم على المجزرة واخفاء وقائعها عن اليهود خاصة، إلا أن المعلومات التي بدأت تتسرب عن بشاعة ما حدث (ولعل ذلك بهدف دفع عرب المثلث إلى الرحيل) اضطرت الحكومة إلى إصدار بيان حول الحادث في 11/11/1956 جاء فيه أن نظام منع التجول قد فرض في عدد من القرى العربية على الحدود الشرقية (إثر تصاعد عمليات الفدائيين) ونبط تنفيذ ذلك بوحدة من حرس الحدود. وقد تقيد الأهالي بنظام منع التجول الذي تقرر من الساعة 17 مساء إلى الساعة 6 صباحا. وفي بعض القرى عاد بعض السكان إلى بيوتهم بعد البدء بساعات فأصيبوا على أيدي حرس الحدود. وحين علم رئيس الحكومة بالأمر قام في يوم 11/11/1956 بتعيين لجنة تحقيق لاستيضاح ظروف الحادث في القرى يوم 29/11/1956 ومعرفة مدى مسئولية رجال حرس الحدود ضباطا وعرفاء وعساكر وما اذا كان من الواجب احالتهم للمحاكمة وبيان التعويضات التي على الحكومة أن تدفها للعائلات التي تضررت.

وأضاف البيان أن اللجنة توصلت إلى قرار بإحالة قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه الذين نفذوا أمرا غير قانوني إلى المحكمة العسكرية، وأن الحكومة قررت دفع مبلغ فوري مقداره ألف ليرة إسرائيلية لكل عائلة متضررة.

وقد استطاع عضو الكنيست توفيق طوبي وماير فلتر أن يخترقا الحصار المفروض على القرية فدخلاها في يوم 20/11/1956 ونقلا أخبار المذبحة إلى أوري أفنيري (صحفي إسرائيلي وعضو سابق في الكنيست ومؤسس حركة القوة الجديدة). وبدأت الحملة الاعلامية التي تمخضت عن عقد جلسة الكنيست استمرت 12 دقيقة حاول فيها توفيق طوبي فضح الجريمة، ولكنه قوطع بصرخات أعضاء الكنيست.

أما المجرمون الذين نفذوا المذبحة البشعة أو أصدروا الأوامر للقيام بها فقد استمرت محاكمتهم قرابة العامين. وفي 16/10/1958 صدرت الأحكام التالية بحقهم:

- حكم على الرائد شموئيل ملينكي بالسجن 17 عاما، وعلى غبرائيل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاما بتهمة الاشتراك في قتل 43 عربيا. وأما الجنود الآخرون فحكموا بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيا.

إلا أن العقوبات لم تبق كما هي، فقد قررت محكمة الاستئناف تخفيفها فأصبحت 14 عاما لملينكي و10 أعوام لدهان و9 لعوفر، ثم جاء دور رئيس الأركان فخفض الأحكام عند مصادقته عليها إلى 10 أعوام لمليكني و8 لعوفر و4 سنوات لسائر القتلة. ثم جائ دور رئيس الدولة الذي خفض الأحكام إلى 5 أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. وأخيرا جاء دور لجنة اطلاق سراح المسجونين فسامهت بنصيبها وأمرت بتخفض الثلث من مدة السجن كل واحد من المحكوم عليهم. وهكذا أطلق سراح آخر واحد منهم في مطلع عام 1960، أي بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على المذبحة.

أما العقيد يسخار شدمي الذي كان صاحب الأمر الأول في هذه المذبحة فقد قدم إلى المحكامة في مطلع عام 1959 وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد.

وقد اعتقدت حكومة بن غوريون أنها بهذا المحاكمة الصورية لشدمي استطاعت أن تنفي مسؤوليته عن هذه الجريمة وتنقض عن نفسها بشاعة ناسية أن التاريخ سيظل يحمل إسرائيل برمتها عارها.

المراجع: - أميل حبيبي: كفر قاسم، حيفا 1976. - صبري جريس: العرب في إسرائيل، بيروت 1973.


معركتا كفر كنا وعين ماهل

قبيل فجر 3/1/1948 وقعت معركة الصبيح بين ثمانية رجال عشيرة الصبيح بقيادة علي النمر وجماعة من الصهيونيين قوامها عشرون رجلا في المنطقة الواقعة بين مضارب العشيرة ومستعمرة بيت كشت الصهيونية. وقد تكبد الصهيونيون اصابات عدة خلال الاشتباك وطلبوا النجدة. وسرعان ما وصلت قوة من جنود الهاغاناه إلى موقع الاشتباك للانتقام من العرب، ولكنها اصطمدت بمقاومة نحو أربعين مناضلا خفوا إلى نجدة إخوانهم فتراجعت القوة الصهيونية ولاحها المناضلون وطوقوا مستعمرة بيت كبشت وأوقعوا خسائر كبيرة بفئة من الهاغاناه تسلسلت من المستعمرة للالتفاف من وراء المناضلين الذين شعروا بها وتركوها تبلغ مرمى أسلحتهم.

وقد علم الصهيونيون أن هؤلاء المناضلين الذين ناضلوا عرب الصبيح يتمركزون في قرية كفر كنا الواقعة إلى الشمال الشرقي من الناصرة فاعتزموا احتلالها والقضاء على المناضلين المعسكرين فيها. فقاموا في 15/1/1948 بالتقدم نحو القرية عبر وادي يقع شرقها وهناك توزعت قوة الهجوم إلى قسمين اتجه الأول نحو مسعكر المناضلين مباشرة في حين التف الثاني حول القرية قاصدا مهاجمتها من الجهة الجنوبية الغربية.

نجح جنود القسم الأول بالتسلل حتى مداخل معسكر المناضلين ولكنهم لم يتمكنوا من التقدم أبعد من ذلك إذ تنبه لهم الخفراء وأمطروهم بنيرانهم. وفي الوقت نفسه هب المناضلون إلى مواقعهم واشتبكوا مع العدو بعنف وأجبروه على التراجع بسرعة من حيث أتى. وعندما وصل الخبر إلى القسم الثاني من قوة الهجوم الصهيونية توقف وتراجع قبل أن يتصدى لهم العرب. ولكن هؤلاء طاردوه حتى كرم الزيتون التابع لقرية الشجرة وفشل الهجوم الصهيوني على قرية كفر كنا بفضل يقظة المجاهدين وسرعة تصديهم للعدو الذي حاول مفاجأتهم.

وعلى أثر فشل القوات المعادية في القضاء على المقاومة العربية في كفر كنا قررت القيادة الصهيونية مهاجمة المعسكر في قرية عين ماهل القريبة من كفر كاننا. فقامت قوة من الهاغاناه مؤلفة من 60 رجلا بمهاجمة المعسكر. وقد مهدت لهجومها بقصف من مدافع الهاون استهدفت المعسكر والقرية معا. وفي الوقت نفسه بدأ العود يقترب من المعسكر زحفا حتى نقطة قريبة منه. ولم يكن فيه آنذاك سوى 15 مناضلا مسلحين ببنادق قديمة ورشاش قديم. وما ان أغار جنود العدو على المعسكر حتى سقطوا الواحد تلو الآخر بنيران المناضلين الذين استبسلوا في الدفاع. وعندما ارتفعت نسبة الخسائر لدى القوات المهاجمة بدأت تتراجع حاملة قتلاها وجراحاها. وأخفق الهجوم على عين ماهل بالرغم من تفوق الصهيونية عددا وعدة.

المراجع: - عارف العارف: النكبة، بيروت 1956.



كمال عدوان (1935-1973)

مناضل وقيادي فلسطيين، وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطييني (فتح)، ولد في قرية بربرة قضاء غزة وأتم دراسته الثانوية في مدينة غزة.

اشترك أثناء الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة سنة 1956 في تكوين خلايا المقاومة فألقى المحتلون الصهيونيون القبض عليه وزجوا به في أحد المعتقلات ولم يفرج عنه إلا بعد زوال ذلك الاحتلال.

انتقل إلى السعودية حيث عمل في إحدى شركات البترول بالدمام، ولكنه عاد للدراسة في جامعة القاهرة وتخرج مهندس بترول سنة 1963. ثم انتقل إلى قطر وعمل بها.

لم ينقطع كمال عدوان عن النشاط الوطني مؤمنا بالكفاح المسلح وسيلة للتحرير، فكان من أوائل مؤسسي حركة فتح واختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى (القدس 28/5-2/6/1964). وفي سنة 1968 ترك عمله في دولة قطر وتفرغ للعمل في حركة فتح مسؤولا عن الاعلام واتخذ مدينة عمان مقرا له. واستطاع بجهده ودأبه أن يقيم جهازا اعلاميا متطورا له صحيفته وعلاقاته القوية على الصعيدين الاعلاميين العربي والدولي. وقد اشترك في أحداث أيلول سنة 1970 في الأردن وظل عقبها في عمان بعض الوقت، ثم انتقل إلى جرش ودبين وبعدهما إلى دمشق فبيروت حيث عمل على اعادة بناء جهاز الاعلام التابع لحركة فتح. كما أوكلت إليه الحركة مسؤولية قطاع الأرض المحتلة والاشراف على النضال فيه. واختير عضوا في عدد من اللجان الهامة منها اللجنة التحضيرية لاختيار أعضاء المؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي عقد في القاهرة خلال شهر آذار 1972.

استشهدف ي 10/4/1975 في منزله ففي شارع فردان ببيروت في العملية الاجرامية التي قامت بها المخابرات الصهيونية واستشهد فيها أياض القياديان محمد يوسف النجار وكمال ناصر. وقد عمت أوساط الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية والتقديمة في لبنان والوطن العربي وشتى أنحاء العالم موجة عارمة من الأسى والحزن لهذا الاغتيال. وفقدت الثورة الفلسطينية باستشهاده وزميليه ثلاثة من القياديين والمناضلين في الساحة الفلسطينية.

المراجع: - مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الكتاب السنوي للقضية الفلسطينة، بيروت 1970، 1971، 1971، 1972، 1973. - مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج8، ق2، بيروت 1974.


عملية كمال عدوان

هي من أكبر العمليات الخاصة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة. ففي الساعة 6.40 من مساء يوم السبت 11/1/1978 قامت مجموعة دير ياسين المكونة من ثلاثة عشر فدائيا – بينهم فتاة – من حركة التحرير الوطني الفلسطيني بتنفيذ عملية الشهيد كمال عدوان في المنطقة الساحلية بين مدينتي حيف وتل أبيب. ايمانا بأن الطريق الاساسي لمواجهة كل موجات التآمر على شعبنا وتحطيم كافة المحاولات الصهيونية إنما يرتكزان على تطوير العنف الثوري المسلح ضد الاحتلال الصهيوني ، وتدعيما لنضال شعبنا الصامد في الأرض المحتلة. ووفاء لتضحيات ودماء شهادئنا الأبرار.

نزل الفدائيون بزورقين على الساحل الفلسطيني في منطقة مستعمرة معجان ميخائيل، التي تقع على بعد 25 كم جنوب حيفا. ولما وصلوا إلى الطريق الدولية أوقفوا سيارة واستقلوها باتجاه تل أبيب. وفي الطريق أوقفوا سيارة ركاب كبيرة (باص) وانتقلوا إليها مع ركابها. وبعد قليل أوقفوا باصا آخر واقتادوا ركابه البالغ عددهم 63 شخصا وضموهم إلى ركاب السيارة الأولى واحتجزوهم رهائن ثم انطلقوا باتجاه تل أبيب.

جندت السلطات الإسرائيلية قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي والشرطة وحرس الحدود لمواجهة الفدائيين الذين استطاعوا تدمير شاحنتين وقتل من فيهما من الجنود اثناء محاولة اعتراض القوات الإسرائيلية لهم وتابعوا طريقهم. وعلى أثر ذلك قامت القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات العمودية (الهيلوكبتر) وأنارت المنطقة كلها.

استطاع الفدائيون اجتياز الحاجز الثاني الذي أقامته القوات الإسرائيلية على الطريق الدولي بين حيفا وتل أبيب بعد قتل وجرح أفراده وتدمير شاحنة إسرائيلية.

وعندما اقترب الباص من تل ابيب صدرت الأوامر للقوات الإسرائيلية بإيقافه بأي ثمن. فوضعت السيارات في عرض الشارع وتمركز الجنود الإسرائيليون على جانبي الطريق في منطقة هرتسليا قرب نادي ريفي يحمل اسم كانتري كلوب ولكن الباص نجح في اختراق هذا الحاجز الثالث الذي اقامته القوات الإسرائيلية لعرقلة تقدم الفدائيين. وعندها أطلق الجنود الإسرائيليون النار على دواليب الباص مما أدى لتعطله. وعلى الأثر نزل الفدائيون منه وانتشروا في المنطقة وجرت معركة عنيفة بينهم وبين القوات الإسرائيلية التي تم تعزيزها بقوات جديدة قدمت إلى المنطقة من تل ابيب.

أسفرت المعركة عن استشهاد أحد عشر فدائيا وإسرائيليين كانا قد جرحا وانفجر الباص والرهائن بداخله بفعل نيران القوات الإسرائيلية وأدى ذلك إلى مقتل وجرح جميع من فيه. واعترف ناطق إسرائيلي بمقتل 37 إسرائيليا وجرح 82، ومقتل شرطي وإصابة تسعة آخرين، ولكن لم يصرح بعدد القتلى والجرحى من الجنود الإسرائيليون.

هزت عملية الشهيد كمال عدوان المجتمع الإسرائيلية بشكل لم يسبق له مثيل وأشعات الرعب بين المستوطنين الإسرائيليين لمدة يومين كاملين في كل أنحاء فلسطين.

وقامت السلطات الإسرائيلية لأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بفرض منع التجول بشكل شامل لمدة يومين في منطقة واسعة متمد من مدينة تل أبيب حتى ناتانيا شمالا وتضم ثلاثمائة ألف من السكان، وأغلقت المدارس والمصانع في المنطقة ، وأوقفت تحرك القطارات والسيارات بين حيفا وتل ابيب وداخل تل أبيب وضواحيها وناتانيا وهرتسليا ورامات هاشرون. والمتسعمرات القريبة.

قامت السلطات الإسرائيلية بأكبر عملية تفتيش أشرف عليها قائد المنطقة الوسطى واستمرت أكثر من يومين وشارك فيها 5.700 من رجال الشرطة وحرس الحدود. وفرضت شرطة تل أبيب الحماية على 1.200 مؤسسة تعليمية و99 فندقا وخمسة مستشفيات وأقامت عشرات الحواجز على الطريق واتخذت القيادة الإسرائيلية من كانتري كلوب مقرا لها لتوجيه التعليمات التي استخدمت فيها الطائرات العمودية وكلاب الاثر.

وقامت وحدات خفر السواحل الإسرائيلية بعملية تفتيش دقيقة على طول الساحل الفلسطيني الشمالي والأوسط. ومنعت السلطات العبور من الضفة الغربية إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وأغلقت جسور العبور على نهر الأردن، واعتقلت العشرات من المواطنين العرب في المناطق الساحلية للتحقيق معهم.

المراجع: - شؤون فلسطيني: العدد 77، نيسان 1978، بيروت.


كنعان

اسم أطلق على المنطقة الساحلية التي تقع بين مصب نهر العاصي شمالا وحدود المملكة المصرية جنوبا قرب العريش (قديما Rhinocolura). وتضم هذه المنطقة فلسطين وما سمي فيما بعد فينقية. وأما الكنعانيون فيختلف العلماء في أصلهم، فمنهم من قال إنهم الأقوام الذين تسللوا بين العموريين في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد ويدعوهم كلود شيفر وكاثلين كنيون "حملة الأطواق"، ومنهم من قال إنهم الأقوام العمورية التي استطونت في الأراضي المنخفضة من فينيقية وفلسطين. ويقوى الأخذ بالراي الثاني الدلائل التي تشير إلى أن "حملة الأطواق" كانوا في الغالب أقواما حوربية لا سامية وأنهم جاؤوا من الشمال لا من الشرق أو من الجنوب مهبط الأقوام السامية. والكنعانيون كانوا دون أدنى شك من أصل سامي. والمعلوم أن العموريين الذين جاؤوا من الصحراء شنوا في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد حملات كثيرة على المدن الفنيقية والفلسطينية التي ازدهرت في الألف الثالث قبل الميلاد. وتدعى حضارتها حضارة العصر البرونزي القديم – (ز: العصور القديمة) ودمورها شر تدمير وفتكوا بأهلها وأفنوهم عن بكرة أبيهم ونشروا الفوضى والخراب في المنطقة لمدة أربعة قرون. وعندما قامت الأسرة الثانية عشرة في مصر في القرن العشرين قبل الميلاد أعيد النظام إلى نصابه وتأسست مدن جديدة على أنقاض المدن التي دمرها العموريون.

تدعى هذه المدنية الجديدة، حضارة العصر البرونزي المتوسط. وقد حلت محل حضارة العصر البرونزي القديم التي دمرها العموريون. وتدل أسماء ملوك بعض المدن على أن اللغة كانت لغة أو لهجة عمورية. واستوطن بعض العموريين في المنطقة الجبلية وبقوا على اسمهم، واستوطن بعضهم الآخر في الأرض المنخفضة في فلسطين وفينقية وسموا كنعانيين. مشتقة من كلمة "كنع" ومعناها باللغة الفينيقية أو الكنعانية انخفض (ر: اللغة الكنعانية). ويشمل عهد الكنعانيين العصريين الاثريين: البرونزي المتوسط والبرونزي المتأخر.

ومن المدن التي أنشأها العموريون في القنر العشرين والقرن التاسع عشر قبل الميلاد جبيل وصيدا وصور وأوغاريت (رأس شعرا) في فينيقيا ، ومجدو وتل العجول (غزة القديمة) وبيتين وبيسان وبيت شمش (عين شمس حاليا) وتل الدوير (لاخبش قديما) وتل الجزر (جيزر قديما) وحاصور (تل القاضي حاليا) وأريحا والقدس (بيوس قديما). وأهم هذه المدن جبيل لكونها مصدرة الأخشاب من جبل لبنان إلى مصر. وفي زمن الأسرة الثانية عشرة كانت أرض كنعان تابعة لمصر بمحض ارادتها لما جنته من الثراء عن طريق التجارة مع وادي النيل. وتعرض فن كنعان للمزيد من التأثير المصري. وتبين الحلي التي وجدت في قبر "أبي شيمو" و"ابيشموابي" جواهر مصنوعة محليا ولكنها منقولة من المجوهرات المصرية.

وفي أواسط القرن الثامن عشر قبل الميلاد تعرضت أرض كنعان لهجمات شنتها أقوام جاءت من شمال العراق تدعى الأقوام الحورية (ر. الحوريون) التي غزت ارض كنعان عندما ضعفت السلطة المركزية في مصر بعد زوال الاسرة الثانية عشرة. وقد جمع الحوريون عددا كبيرا من المرتزقة من كنعان وانقضوا على مصر واحتلوها برمتها لمدة 150-180 سنة على وجه التقريب. وكان من بين المرتزقة زمرة من الإسرائيليين. ويسمى المؤرخ مانيتون هذه الأقوام الهكسوس. أي الحكام الأجانب. وفي زمن الاسرة الثامنة عشرة طرد المصريون الهكسوس من مصر ولاحقهوهم حتىمدينة شاروجين في جنوب فلسطين. وبعد هذا لا يعثر لهم على أثر اذ اندمجوا بالكنعانيين وضيعوا شخصيتهم. ولم ينسى المصريون ما فعلت بهم أقوام جاءت عن طريق كنعنان، وان لم تكن كنعانية، فأخذوا يشنون الهجمات على كنعان. وأول من غزا كنعان كان تحتمس الأول. ولكن غزوته كانت غزوةطارئة تلاشت ملامحها بعد أن عاد إلى مصر، ولكنها فتحت أعين الكنعانيين فأخذوا يتحسبون لغزوات تابعة وأقاموا حلفا بينهم وترصدوا للحملات المصرية في مضيق وادي غارة قرب مجدو. وعندما اعتلى تحتمس الثالث عرش الفراعنة شن ست عشرة حملة على المدن الكنعانية برمتها ، وحصلت ثورات كثيرة على الحكم المصري بعد هذا ولكن الفرعون أخمدها.

أذعنت أرض كنعان للحكم المصري لأن الاستقرار الذي وافق حكم الفراعنة حسن أحوال الكنعانيين وشجع تجارتهم وصناعتهم لتركوا للمصريين حمايتهم من الغزاة المتربصين بهم في الشرق.

ودامت هذه الحال حى مجئ أمنتحوتب الرابع أو اخناتون الذي لم يكن يكترث بأمور الدولة والحفاظ على الأمن بل صب كل جهده على الاصلاحات الدينية وكان أول من بشر بالتوحيد. واستغل جيران الكنعانيين من حيثيين وعموريين هذا الظرف، وكان ملك الحثيين "شوبلومليوما" قد قرض "عيد عشرتا" أمير العموريين على الهجوم على المدن الكنعانية مستعينا بالمرتزقة من الالخبيرو ليفصلها عن منطقة نهارين الخصبة في شمال سورية التي كان يطمع بها. فاستغاث الكنعانيين بالفرعون أمنحوتب الثالث فأغاثهم وصد العموريين. ولكن بعد مماته واعتلاء ابنه اناتون عرش الفراعنة أعاد العموريون الكرة وهاجموا المدن الكنعانية. ولم نجد نفعا استغاثات ملوكها بالفرعون فاحتلها العموريون الواحدة بعد الأخرى ابتداء من سميرة شمالا فجبيل فبيروت فصور فأروشليم وهلم جرا. وعاث الخبيرو فسادا في الأرياف الفلسطينية ودمروا قراها، واحتل "شوبلوليوما" ملك الحثيين مدينة أوغاريت (رأس شمرا حاليا). وقد عثر في تل العمارنة على الرسائل التي تبودلت بين الملوك الكنعانيين والبلاط المصري اثناء هذه الأحداث الرهيبة.

وعند قيام الأسرة التاسعة عشرة في أواخر القرن الرابع عشر والقرن الثالث عشر قبل الميلاد تمكن الفراعنة من طرد العموريين من أرض كنعان واعادة سيطرتهم عليها ، فرحب بهم الكنعانيون أجل ترحيب. واضطر المصريون بعد الحروب التي نشبت بين الحثيين والفرعون رعمسيس الثاني إلى أن يكتفوا بأرض كنعان ويتركوا مناطق سورية الشمالية والداخلية تحت سلطة الحثيين.

وفي أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد ظهرت في الأفق أقاوم إيجي هاجمت مصر وأرض كنعان والشمال بشكل كماشة. وبالرغم من أن رعمسيس الثالث صدهم في معركة بلوزيون (قرب بورسعيد) البحرية فقد اضطر إلى أن يفسح لهم المجال للاستيطان في جنوب فلسطين. وقد دمرت الموجة التي انصبت على أرض كنعان من الشمال رأس شمرا وجزيرة أرواد في طريقها واندمجت بالكنعانيين فنشأت بذلك الأقوام الفنيقية (ر: الفينيقييون). وفي فلسطين: أرض كنعان الجنوبية، تمكن الفلسطيون الذين جاؤوا من سواحل البحر الإيجي من إخضاع البلاد وحماية المدن من الإسرائيليين الذين أصبحوا بدورهم تحت سيطرة الفلسطيين حتى جاء الملك داود.

وأهم مدينتين كنعانيتين هما جبيل في لبنان ومجدو في فلسطين. وكانت مجدو محصنة بسور ذي بوابة مؤلفة من ثلاثة أبواب الواحد تلو الآخر تحميها أربع غرف للحرس، غرفتان من كل جانب. وكان السور مائلا من الخارج ومبنيا بحجارة ضخمة. ووجد في داخله معبد وقصر. وكان الكنعانيون في مجدو يدفنون موتاهم في قبول منحوتة في الصخر، وكانت هذه تحتوي عادة على أكثر من مدفن.

وأهم مزايا هذا العصر صناعة الخزف الذي يعد أجمل ما صنع حتى العصر اليوناني. وكان الكنعانيون يفضلون الشكل الإجاصي. وكانوا أول أمرهم يطلبون الأواني باللون الأحمر القرمزي ويصقلونها صقلا لماعا، ثم أصبحوا يطلونها باللون العاجي ويدهوننها باللونين الأحمر والبني. وتنوعت اشكال الأواني من جرار وأباريق وغطاسات وصبابات وطاسات مجأجأة وسرج وأكواب وهلم جرا. وكانوا يصنعون الأواني من النحاس والفضة والذهب كما ظهر في جبيل. وازدهرت صناعة المعادن فكان الكنعانيون يصنعون الفؤوس والخناجر والرماح. وأما رؤوس النيل فلم تظهر إلا في أواخر عهد الكنعانيين في العصر البرونزي المتأخر. ومن أدوات الزينة الأشكال الحلزونية التي كانت تستعمل لتجعيد الشعر والدببابيس المثقوبة المزودة برأس بشكل بطيخة. وفي مدينة جبيل ترك الكنعانيون عددا كبيرا من التماثيل للإله رشف، كما أنهم صنعوا تماثيل لجنود يحملون الأسلحة المختلفة.

وكانوا يصنعون من الطين أيضا تماثيل للألهة والأشخاص والحيوانات. وعصر الكنعانيين غني بالحلي والمجوهرات. فهنالك أقراط وخواتم وأساور من الفضة والذهب. وكانوا يستعملون الخرز بكثرة ويصنعنونه من العقيق الأحمر المحزز، ومن الحجر الجيري. وباشروا في أوائل هذا العصر بحفر العاج فأخذا هذا الفن يترعرع حتى بلغ أوجه في القسم الثاني من ذلك العهد. وكانوا يصنعون الخناجر الذهبية للاستعمال في الحفلات، كما كانوا يتحلون بالقلائد المصنوعة من الذهب والمرصعة بالحجارة الكريمة. وفي قبر ابثموابي وحد كنز من المجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة والمرصعة بالحجارة الكريمة.

وفي العصر البرونزي المتأخر قل عدد المدن المحصنة وصغر بعضها، وتضائل الاثاث الجنائزي كثيرا بالنمظر لفقر البلاد بسبب الضرائب الباهضة التي كانت كنعان تدفعها لمصر. واصيب الفن كذلك بالاضمحلال والانحطاط. وأما الهندسة فقد أصباها بعض الشلل وابتعدت عن الدقة وان لم يتغير شكلها.

ويظهر هذا الانحطاط جليا في صناعة الخزف، اذ فقدت الأواني الدقة والعناية المألوفتين في العصر السابق وكاد الصقل يكون معدوما. وقد حاول الخزافون تغطية هذا الانحطاط بتلوين الآنية ولكن بطريقة بعيدة عن الذوق. وفي أواسط هذا العصر استوردت أواني كثيرة من قبرص ومن ميسين في بلاد اليونان. وحاول الخزافون الكنعانيون تقليد الأواني المستوردة ولكن محاولتهم أخفقت. فالأواني المنقولة عن الأواني المستوردة كانت قبيحة خالية من رونق الخزف القبرصي والميسيني الاصلي.

وفي هذا العصر تلاشت الفؤوس الحربية وحلت محلها فؤوس جديدة غير مزودة بثقوب. وظهرت خناجر جديدة منقولة عن الخناجر الميسينية ذات يد من خشب فوق اساس من البرونز. وظهرت لأول مرة ررؤوس النيل المصنوعة من البرونز ويشبه شكلها ورق الغار بزيادة قطع صغيرة على جوانبها لتساعدها على الرسوخ في الهدف.

ولا تختلف أدوات الزينة الأخرى عن العصر السابق إلا في هبوط مستوى الصنع. فهنالك مرايا كالعهد السابق ودبابيس ولكن دون رأس كروي، إذ استبدل به رأس حلوزني الشكل. وقل استعمال الحجارة الكريمة بالفايانس. وصنعت من هذه المادة القلائد والخرز والأختام. وتفننوا في صناعة الخرز من هذه المادة فصنعوه بشكل زهرة اللوتس والزنبق والصدف وتماثيل الحيوانات الصغيرة وأعضاء الجنس للرجال والنساء. كما أنهم صنعوا المكاحل من هذه المادة.

وكثر استعمال الجعلان المصرية المصنوعة من الستياتيت، ولا سيما تلك المحفورة باسمي تحتمس الثالث ورعمسيس الثاني. وكذلك استعملت الأختمام الاسطوانية المستوردة من العراق.

وكانت الأصنام الصغيرة تصنع في قوالب من الطين المشوي، وهناك تماثيل لآلهة الخصب وعدد كبير من الحيوانات والطيور، كما أن الكنعانيين صنعوا تماثيل من الزجاج غير الشفاف لآلهة كالاله يس والاله تاورت والاله اوزيرس.

أدى ازدهار التجارة في هذا العصر إلى اختراع الكتابة الأبجدية. ففي هذا العصر استعمل في كنعان ما لا يقل عن خمسة أشكال مختلفة للكتابة منها الكتابة الهيروغليفية المقطعية المصرية، والكتابة المسمارية المقطعية الأكدية، والكتابة الأبجدية التي عثر عليها في سرابط الخادم في شبه جزيرة سيناء.، والكتابة الجيلية التي ما زالت رموزها مجهولة، وكتابة رأس شمرا المسمارية الأبجدية. ولكتابة سرابط الخادم أهمية كبرى. فهي تعد الأم التي أنجبت الكتابة الفينيقية الأبجدية كما ظهرت على قبر احيرام في جبيل في مستهل العهد الفينيقي.

وبالنظر إلى العلاقات التجارية مع مصر استوردت المدن الكنعانية عددا كبيرا من الأواني المصنوعة من المرمر.

وقام الكنعانيون في هذا العهد بعدة محاولات في فن النحت نقلا عن الجيران المصريين من جهة، والبابليين من جهة أخرى. ففي رأس شمرا عثر على نصب من الحجر الكلسي المنحوت بشكل الاله بعل يظهر فيه واقفا متجها نحو اليمين معتمرا تاجا بشكل المخروط مزخرفا بقرنيين وشعره منسدل من تحته بخصلتين، ويلبس ثوبا قصيرا وعلى جنبه خنجر وبيمناه هراوة وبيسراه شعار البرق. وعثر في عمريت على نصب آخر في أعلاه جناحان مبسوطان تحتهما هلال، ويظهر الإله بعل واقفا يضع رجلا على راس ىسد جبل والأخرى على ذنبه، ويعتمر تاجا مخروطي الشكل له "شرابه" وأممه راس الأفعى المعروف بيورياس "ويلبس قميصا مزخرفا بحزات عمودية وثوبا قصيرا مزخرفا بحزات مائلة وأفقية" وبيمناه شعار البرق وبيسراه حيوان صغير.

واشتهر هذا العصر بحفر العاج حفرا أنيقا بديعا. وقد وجدت كمية كبيرة في رأس شمرا ومجدو وكميات صغيرة في أماكن أخرى مثل جبيل وتل الدوير. وكان حفر العاج مألوفا منذ أقدم الأزمنة ولكن بكميات صغيرة. وكثر استعمال العاج المحفور بعد ظهور الكنعانيين في العصر البرونزي المتوسط، وبلغ أوجه في العصر البرونزي المتأخر. وعثر على رأس شمرة على تخت ملبس بالعاج المحفور على جانبيه وطرفين، كما عثر على غطاء علبة ربما كانت للمجوهرات محفور عليه إله الخصب متزينة بقلادة وشعرها ينسدل بخصل متموجة ومربوطة في مؤخرتها. وهي تلبس ثوبا طويلات من خصرها إلى أخمص قدميها وصدرها عاري. وظهر عن يمينها ويسارها ثوران يقف كل منهما على قائمتيه الخلفيتين وهو يأكل العشب الذي تمده له. فالنحت دقيق وناعم، وملامح الإلهة منحوتة بدقة واتقان. ويبدو في هذا النحت التأثير الكريني أو المنيوي لجهة رشاقة الآلهة، والتأثير البابلي لجهة الحيوانات الواقفة على قوائمها الخلفية. وعثر في مجدو على صندوق من العاج جوانبه محفور فيها أسود مجنحة.

ولا يختلف هذا العصر عن العصر السابق إلا بفقر محتويات القبور. وأما في رأس شمرا حيث كان تأثير الميسينين قويا فقد أقام الكنعانيون قبورا تشبه القبور الميسينية التي تعود إلى العهد البرونزي المتأخر في ميسين أو في قبرص. وفهذه القبور مبنية تحت الأرض ولها سقف يشبه العقود وأمامها دهليز صغير يؤدي إلى داخل القبر.

ومن أجمل ما عثر عليها في هذا العصر مت تحف طبقان مصنوعان من الذهب ومزخرفان بمظاهر حية. فالأول مزخرف بمشهد أسود تهاجم غزلانا وثيرانا للافتراسها، والثني بمشهد رجل أو ملك داخل عربة تجرها الخيل وهو يصطاد الغزلان والثيران البرية بقوس، وقد بدا أحد هذه الثيران وهو يهاجم عربة الصياد من الخلف بينما يحاول أحد الكلاب طرده.

المراجع:

• Kenyon, K.: Amorltes and Cananltes, London 1962. • Dunand M.: Foultles de Bybols, Paris 1937-58. • Monlet P.: Byblos et l’Egypte, Paris 1928.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كامب ديفيد

أ- التمهيد: في 9/11/1977 ألقى الرئيس المصري أنور السادات خطابات أمام مجلس الشعب المصري أعلن فيه استعداده لزيارة إسرائيل وإلقاء خطاب أمام الكنيست والتباحث مع المسؤولين الإسرائيليين لايجاد تسوية عادلة وشاملة لأزمة الشرق الأوسط.

وفي 11/11/1977 أعلن مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل ترحيبه بمبادرة السادات ووجه إليه عن طريق السفارة الأمريكية دعوة رسمية لزيارة فلسطين المحتلة.

وفي الفترة بين 19-21/11/1977، ورغم دهشة العالم واستنكار الأمة العربية، قام السادات بزيارة القدس المحتلة حيث ألقى أمام الكنيست خطابا عرض فيه وجهة نظره في النزاع العربي-الإسرائيلي وضمنه بعض اقتراحات لتسوية هذا النزاع. كما أجرى مباحثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وعدد من رؤساء الكتل البرلمانية في الكنيست. وفي هذه الزيارة تبدى موقف السادات من خلال الأسس التالي: • استيعاد فكرة الحرب كوسيلة لحل الصراع العربي الإسرائيلي والتعبير عن رغبة الشعب المصري في السلام وصدق نيته في تحقيقه، واعترافه بوجود إسرائيل وقبولها في المنطقة في ظل سلام عادل ودائم. • ابداء الاستعداد لتقديم كافة الضمانات المطلوبة لتحقيق أمن إسرائيل، على أن تكون هذه الضمانات متبادلة. • تأكيد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية المحتلة بعد حزيران 1967 بما في ذلك القدس العربية والاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه في العودة واقامة دولته.

أما المواقف الإسرائيلي فقد تم التعبير عنه في الكلمات التي ألقاها رئيس الوزراء وكافة المسؤولين الإسرائيليين خلال الزيارة، ويمكن إجمال عناصره بما يلي: • التحدث عن ماهية السلام الذي تريده إسرائيل وكيفية ضمانه، وعن حدود العلاقات الطبيعية أو مظاهرها من اعتراف دبلوماسي وتبادل اقتصادي وحدود مفتوحة. • المطالبة بأن يتم تحقيق هذا السلام بواسطة معاهدة تنتج عن مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة مع أطراف الصراع الأخرى، أي سورية والأردن ومن أسمتهم إسرائيل ممثلين حقيقيين للشعب الفلسطيني.

ب- المؤتمر التحضيري في القاهرة: تم الاتفاق، نتيجة لزيارة القدس، على عقد مؤتمر تحضري لتسوية المسائل الاجرائية ووضع أسس الحل المرتقب. وفي 26/11/1977 وجعت مصر الدعوات إلى كل من إسرائيل والأردن وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية ولبنان بالاضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لحضور هذا المؤتمر التحضيري في القاهرة في 14/12/1977. ولكن من شاركوا في المؤتمر فعلا كانوا مصر واسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة. فقد رفضت الدول العربية والاتحاد السوفيتي الدعوة من أساسها.

أبرزت المصادر المصرية والإسرائيلية رؤية كل من البلدين للمؤتمر كالتاليك

ذكرت المصادر الإسرائيلية أن وفدها إلى القاهرة لا يملك الصلاحيات لعرض اقتراحات حل وسط من أي نوع على مصر في هذه المرحلة وأن مهمته فنية أساسا، وهي مقارنة مواقف الانطلاق المصرية والإسرائيلية واقتراح نسق اجرائي لمواصلة المفاوضات بين الدولتين بشأن المسائل المختلف عليها. فالمستوى السياسية المسؤول هو وحدة صاحب الصلاحية في الوصول إلى اتفاقات على أساس حلول وسطى. ولم تستبعد المصادر الإسرائيلية فكرة التسوية المنفردة بأنها تشكل أحد الأهداف المطروحة أمام الوفد الإسرائيلي اذا تمكن من اقناع مصر بذلك.

أما الوفد المصري فقد حدد رؤية حكومته لموضوعات البحث في النقاط الخمس الآتية: 1- انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية التي احتلت بعد حزيران 1967. 2- اعتبار القضية الفلسطينية جوهر النزاع في الشرق الأوسط وترتيب السلام الدائم على حل هذه القضية باعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيينة بما فيه حقه في اقامة دولته. 3- أن يكون الحل الشامل هو الاطار العام للمباحثات. 4- ايجاد تصور مشترك يكفل الأمان لكل الأطراف. 5- العمل على سير خطوات المؤتمر بالمرونة التي تتيح انضمام أي أطراف في أية مرحلة من مراحل المؤتمر ، وبالقدر الذي يسمح برفع مستوى التمثيل فيه اذا ما اقتضت الظروف ذلك.

وقد ظهر من سير المحادثات التي تمت على مستوى المفوضين أن ثمة خلافا أساسيا بين الطرفين حول جدول الأعمال الذي ترك مفتوحا أصلا. فمصر اقترحت أن يتضمن الانسحاب والقضية الفلسطينية وطبيعة السلام ومكوناته. وأما إسرائيل فطالبت بأن يتركز البحث حول طبيعة السلام من خلال نصوص مقترحة لاتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر.

أدى هذا الخلاف بين الطرفين إلى تجميد أعمال المؤتمر بعد أن أعلن عن اتفاق لعقد لقاء في مصر بين السادات وبيغن. وفي هذا الاطار قام وزير الدفاع الإسرائيلي عزرا وايزمان بزيارة خاطفة لمصر يوم 20/12/1977 أجرى خلالها محادثات مع السادات ووزير دفاعه.

ج- مشروع مناحيم بيغن: في 25/12/1977 التقى السادات بيغن في مدينة الاسماعيلية. وفي هذا اللقاء تم رسميا طرح مشروع بيغن للتسوية، وهو المشروع الذي أعلنه بيغن فيما بعد رسميا أما الكنيست يوم 28/12/1977. ويشكل هذا المشروع في الواقع أهم ما جاء في اتفاقيتي كامب ديفيد وينقسم إلى جزئين: الأول يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة ويشمل الثاني قواعد التسوية مع مصر.

ويقترح المشروع في جزئه الأول "تشكيل حكم ذاتي ادارية لسكان يهودا والسامرة وقطاع غزة: يشترك فيه العرب على الأسس التالية: 1- الغاء الحكم العسكرية في يهودا والسامرة وقطاع غزة. 2- اقامة حكم ذاتي اداري فيها للسكان العرب بواسطة المقيمين ومن أجلهم. 3- انتخاب سكان تلك المناطق مجلسا اداريا من 11 عضوا يعمل بموجب المبادئ المحددة في هذه الوثقة.

ثم يحدد هذا الجزء من المشروع القواعد المنظمة لعمليات الانتخاب والترشيح بالاضافة إلى اختصاصات المجلس الاداري التي لا تتعدى في مجملها الاختصاصات التقليدية للمجالس البلدية، بينما يعهد بشؤون الأمن والنظام العام إلى السلطات الإسرائيلية . كما تنص المقترحات على منح سكان الضفة الغربية وغزة حق الاختيار بين الجنسيتين الإسرائيلية والأردنية وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات سياسية ومدنية، ولا سيما حق الإسرائيلين في امتلاك اراضي في تلك المناطق مقابل منح الحق نفسه للعرب الذين يختارون الجنسية الإسرائيلية بالنسبة إلى إسرائيل. وأخيرا تنص مقترحات بيغن على تمسك إسرائيل بسيادتها على يهودا والسامرة وغزة وتطالب "إدراكا منها لوجود مطالب أخرى" – على حد تعبيرها – بابقاء مسألة السيادة في تلك المناطق مفتوحة.

وبالنسبة إلى القدس تنص وثيقة بيغن على أنه "فيما يتعلق بادارة الأماكن المقدسة للديانات الثلاث في القدس يعد ويقدم اقتراح خاص يضمن حرية وصول أبناء جميع الديانات إلى الأماكن المقدسة الخاصة بهم".

أما الجزء الثاني من مشروع بيغن فقد تناول أسس التسوية مع مضر وتضمن ما يلي: 1- أن تجرد مناطق معينة من سيناء من السلاح ولا يجتاز الجيش المصري الممرات ويستمر في سريان اتفاق خفض القوات في المنطقة الحصورة بين الممرات وقناة السويس. 2- أن تبقى المستعمرات الإسرائيلية في أماكنها ووضعها الدائم وتكون مرتبطة بالادارة والقضاء الإسرائيليين وتقوم بالدفاع عنها قوات إسرائيلية. 3- أن تحدد فترة انتقالية لعدد من السنين يرابط خلالها الجيش الإسرائيلي وسط سيناء مع ابقاء مطارات وأجهزة انذار إسرائيلية إلى حين انتهاء هذه الفترة الانتقالية والانسحاب إلى الحدود الدولية. 4- ضمان حرية الملاحة في مضائق تيران واعتراف الدولتين في اعلان خاص بأن هذه المضائق هي ممر مائي يجب أن يكون مفتوحا للملاحة لأي سفينة وتحت أي علم، سواء بواسطة قوة تابعة للأمم المتحدة لا يمكن سحبها إلا بموافقة الدولتين وبناء على قرار بالاجماع لمجلس الأمن، أو بواسطة دوريات عسكرية مصرية إسرائيلية مشتركة.

استغرقت مباحثات الاسماعيلية ثلاث جلسات وانتهت يوم 26/12/1977 بمؤتمر صحفي أعلن فيه الطرفان آراءهما فيما دار من نقاش. ولكن لم يصدر بيان مشترك عن المباحثات واعتبر ذلك مؤشرا إلى وجود خلافات كبيرة في الرأي.

وقد اكتفى الطرفان باعلان اتفاقهما على عدة قرارات اجرائية منها رفع مستوى التمثيل في مؤتمر القارهة إلى المستوى الوزاري وتشكيل لجنتين في اطار المؤتمر ترفعان قراراتهما إليه: لجنة عسكرية يترأسها دفاع الطرفين بالتناوب، وتعقد اجتماعاتها في القاهرة ولجنة سياسية يرتأسها وزيرا الخارجية بالتناوب وتعقد اجتماعتها في القدس.

وبناء على ذلك عقد مؤتمر القاهرة جلسة ختامية مساء اليوم نفسه أعلن فيها رفع مستوى التمثيل وتأجيل أعمال المؤتمر إلى أجل غير مسمى انتظارا لنتائج أعمال اللجنتين السياسية والعسكرية.

د- الموقف الأمريكية: اتخذ المسؤولون الأمريكيون بعد لقاء الاسماعيلية موقفا يمكن اعتباره امتدادا لموقفهم منذ مبادرة السادات إلى زيارة فلسطين المحتلة، وهو الحرص على تحديد الدور الأمريكي باعتبارة وساطة لا مشاركة وتشجيع الأطراف المعنية على الوصول إلى تفاهم بينهم مع الاحتفاظ بالمساندة التنفيذية التقليدية القوية لإسرائيلي.

فقد أعرب المسؤولون الأمريكيون عن رضاهم عن نتائج لقاء الاسماعيلية، ولا سيما استمرار المباحثات، كما أشاروا إلى أ، خطة بيغن للسلام نقطة بداية. وفي الوقت نفسه بدأ موقف الولايات المتحدة من منظمة التحرير الفلسطيينة يزداد تصلبا ونقلت الصحف تصريحا لبرجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي قال فيه: "وداعا لمنظمة التحرير". كما نقلت نقدا شديدا للمنظمة على لسان الرئيس الأمريكي.

وقد أدت هذه التصريحات الأمريكية إلى رد فعل عنيف لدى الدول العربية، حتى ان الرئيس المصري أعرب عن دهشته وخيبة أمله تجاهها. وعلى أثر ذلك أعرب كارتر عن استعداده للقيام بزيارة سريعة لمصر ضمن جولته في المنطقة. وتقرر بالفعل أن يلتقي السادات في أسوان صباح 4/1/1977 وهو في طريق عودته من السعودية إلى فرنسا. وبعد لقا ء استغرق ساعتين أدلى الرئيسان بيانيين موجزين. وقد ضمن كارتر بيانه المبادئ الأساسية التي يؤمن بأنها السبيل إلى التوصل للسلام العادئل الدائم، وهي: 1- يجب أن يقوم السلام الحقيقي على أساس علاقات طبيعية عادية بين الأطراف التي سيتحقق فيما بعد، فالسلام يعني أكثر من مجرد أنهاء حالة الحرب. 2- يجب أن يكون هناك حل للمشكلة الفلسطينية بكل جوانها كما يجب الاعتراف بالحقوق المشروع للشعب الفلسطينية وتمكين الفلسطينيين من المشاركة في تقرير مصيرهم.

ودعا كارتر الأطراف إلى ابداء مزيد من المرونة لضمان نجاح المباحثات وايجاد حل وسط بين الآراء المتعارضة. وقد لوحظ على تصريحات كارتر هذه أنها لم تتضمن ذكر الانسحاب الإسرائيلي الشامل ولا هو عدل عن معارته لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أنها تجاهل الاشارة إلى ماهية الفلسطينين المقصود تمكينهم من المشاركة في تقرير مصريهم. وقد هذه المواقف السلبية للولايات المتحدة في تصريحات مماثلة ومتتالية نقلت عن المسؤولين الأمريكيين في الأيام التالية لزيارة كارتر لأسوان.

ومن جهة أخرى واجهت اللجنتان السياسية والعسكرية اللتان تم انشاؤهما في الاسماعيلية صعوبات جمة أدت في النهاية إلى وقف أعمالهما رغم المساعي الأمريكية المكثفة لتنشيطهما. ولكن تقرر بقاء ألفرد أثرتون مساعد وزير الخارجية الأمريكية في المنطقة ليقوم برحلات مكوكية بني القاهر والقدس لحث الطرفين على استنئاف المفاوضات. كما وجهت واشنطن الدعوة إلى السادات لزيارتها والتشاور مع الرئيس كارتر. وقد تمت الزيارة فعلا وأدت إلى حمل السادات على استئناف المفاوضات والعمل على تجنب التغيرات الدبلوماسية المفائجة (مثلما حدث عندما استعدى وفده من القدس) والعودة إلى الدبلوماسية الهادئة والتخلي عما أسمى دبلوماسية التلفزيون (أي دبلوماسية التصريحات العلنية المثيرة)، ومع التشديد على أن الولايات المتحدة ستتسمر في تحديد دورها في عملية صنع السلام وتظل ممتنعة عن ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل. بل أكد البيان المشترك الصادر عن زيارة السادات لواشنطن استمرار التزام الولايات المتحدة التاريخي بأمن اسرائيل.

استمر ألفرد أثرتون في رحلاته المكوكية بين القاهرة والقدس. وحملت الأنباء أسئلة وجهها الطرفان واجاباتهما عليها. وقد تعلق معظمها بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وبدا واضحا مما نشر من هذه الأنباء أنه كلما اشتد التعنت في الموقف الإسرائيلي ازدادت تنازلات السادات، وأن الرئيس المصري، مع تمسكه الظاهري بموقف متردد حيال القضية الفلسطينية، غدا أكثر استعدادات لاعلان نيته بالتوصل إلى حل ثنائي مع إسرائيل يركز بالدرجة الأولى على وضع سيناء بشروط أدنى بكثير مما طرحه أمام الكنيست الإسرائيلي أو أعلنه مندوبوه في المفاضوات التالية.

تتابعت أثناء ذلك لقاءات الرئيس السادات وعدد من المسؤولين الإسرائيليين في فيينا وسالزبورغ، كما اجتمع بعدد من زعماء الاحزاب الاوروبية المشاركة في الدولية الاشتراكية. وفي نهاية لقاءات سالزبورغ عقد لقاء مفاجئ بين السادات وعزرا وايزمان تم فيه الاتفاق على تجديد اللقاء المصري الإسرائيلي.

هـ: مؤتمر ليدز في بريطانيا: تم هذا اللقاء في قلعة ليدز البريطانية في يوم 18/7/1978 وأحيط سير المناقشات بتكتم شديد. ولكن سرعان ما بدا واضحا أن هذا اللقاء لم يحدث ما كان مرجوا منه. فقد تمسك الجانب الإسرائيلي بمواقفه المعلنة المتصلبة ولم تلفح محاولات الوفد المصري تقديم مزيد من التنازلات في زحزحته. وكثفت الولايات المتحدة الأمريكية جهودها لدفع عجلة التسوية إلى الأمام. وبعد فشل الجهود المبذولة على مستوى وزراء الدول والمبعوثين المتجولين لجأت واشنطن إلى طرح فكرة الدعوة إلى قمة ثلاثية تضم كارتر وبيغن والسادات وتعقد في 5/9/1978 كمحاولة أخيرة للتوصل إلى حل للأزمة، فكان مؤتمر كامب ديفيد.

و: مؤتمر كامب ديفد: استمرت القمة الثلاثية في منتجع كامب ديفيد ثلاثة عشر يوما (5/18/9/1978) وشهدت مفاوضات وصفت بأنها شاقة ومتعبة وكادت تفشل أكثر من مرة. وقد شارك في هذه المفاوات بالاضافة إلى الرؤساء الثلاثة كارتر والسادات وبيغن وزراء خارجيتهم وكبار مستشاريهم السياسيين والعسكريين والقانونيين. ولكن القرارات الحاسة اتخذت من قبل الرؤساء وحدهم. وهذا يصدق بالدرجة الأولى على القرار المصري الذي حسمه الرئيس السادات بنفسه، بدليل استقالة وزير خارجيته عقب اعلانه عن مقررات القمة احتجاجا عليها، وكان ثالث وزير خارجية مصري يستقبل منتذ اعلان السادات عزمه على زيارة القدس.

في يوم 18/9/1978 أعلن الرؤساء الثلاثة اتفاقهم على وثيقتين أساسيتين معلنتين (اتفاقتين) سميت الأولى "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط" وجاءت الثانية تحت عنوان "اطار عمل لقعد معاهدة سلام بين مصر واسرائيل".وقد وقع الوثيقتين كل من السادات وبيغن كطرفين وكارتر كشاهدة. وهذا تخريج غاية في الغرابة من الناحية القانونية لاشتراك واشنطن سياسيا في وثيقتين قانونيتين. وقد أعلن مع الوثيقتين الاساسيتين عن مجموعة من الرسائل المتبادلة بين كارتر والسادات من جهة ، وكارتر وبيغن من جهة أخرى.

ز: مقدمة الاتفاقية الأولى "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط": تبدأ الاتفاقية بمقدمة مطولة أكد فيها الفريقان بصورة خاصة: "أن البحث عن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يسترشد بالآتي:

- ان القاعدة المتفق عليها للتسوية السلمية لنزاع بين اسرائيل وجيرانها هو قرار مجلس الأمن رقم 242 بكل أجزائه. - ان شعوب الشرق الأوسط تتشوق إلى السلامحتى يصبح ممكنا تحويل موارد الاقليم البشرية والطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام وتصبحهذه المنطقة نموذجا للتعايش والتعاون بين الأمم. - وان مواد ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأخرى المقبولة للقانون الدولي والشرعية الآن توفر مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول. وان تحقيق علاقة سلام وفقا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة واجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها أمران ضروريان لتنفيذ جميع القيود والمبادئ في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338. - ان السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الاقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة وحقها في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها غير متعرضة لتهديدات أو أعمال عنف.

وان السلام يتعزز بعلاقة السلام والتعاون بين الدول التي تتمتع بعلاقات طبيعية. وبالاضافة إلى ذلك فانه في ظل معاهدات السلام يمكن للأطراف على أساس التبادل الموافقة على ترتيبات أمن خاصة، مثل مناطق منزوعة السلام ومناطق ذات تسليح محدود ومحطات انذار مبكر ووجود قوات دولية وقوات اتصال واجراءات يتفق عليها للمراقبة.

ان الاطراف تضع هذه العوامل في الاعتبار مصممة على التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ومستديمة لصراع الشرق الأوسط عن طريق عقد معاهدات سلام تقوم على قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 بكل فقراتهما. وهدفهم من ذلك هو تحقيق السلام وعلاقات حسن الجوار، وهم يدركون أن السلام لكي يعمر يجب أن يشمل جميع هؤلاء الذين تاثروا بالصراع أعمق تاثر.

لذا فانهم يتفقون على أن هذا الاطار في رأيهم مناسب ليشكل اساسا للسلام، لا بين مصر وإسرائيل فحسب بل بين إسرائيل وكل من جيرانها الأخرين ممن يبدون استعدادا للتفاوض على السلام معها على هذا الأساس.

ح- اتفاقية "اطار عمل للسلام في الشرق الأوسط": ينبغي أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلوا الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. ولتحقيق هذا الغرض فإن المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة ولتحقيق هذا الغرض فان المفاوضات ينبغي أن تتم على ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى ""تتفق مصر وإسرائيل على أنه من أجل ضمان نقل منظم وسلمي للسلطة يجب أن تكون هناك ترتيبات انتقالية بالنسبة إلى الضفة الغربية وغزة لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات. ولتوفير حكم ذاتي كامل لسكان الضفة الغربية وغزة ستنسحب الحكومة الإسرائيلية العسكرية وإدارتها المدنية منهما فورا بعد أن يتم انتخاب سكان هذا المنطقة سلطة حكم ذاتي تحل محل الحكومة العسكرية الحالية. ولمناقشة تفاصيل الترتيبات الانتقالية ستسدتعي حكومة الأردن للانضمام إلى المباحثات على أساس هذا الاطار. ويجب أن تعطي هذه الترتيبات الجيدة الاعتبار اللازم لكل من مبدأ الحكم الذاتي لسكان هذه الأراضي واهتمامات الأمن الشرعية لكل من الأطراف التي يشملها النزاع.

وفي المرحلة الثانية تتفق مصر وإسرائيل والأردن على وسائل اقامة سلطة الحكم الذاتي المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يضم وفدا مصر والأردن ممثلي الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطينيين آخرين طبقا لما يتفق عليه.

وستتفاوض الأطراف بشأن اتفاقية تحديد مسؤوليات سلطة الحكم الذاتي التي ستمارس في الضفة الغربية وغزة. وسيتم انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية ويكون هناك اعادة توزيع للقوات الإسرائيلية التي ستبقى في مواقع أمن معينة. وستتضمن الاتفاقية أيضا لتأكيد الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام. كذلك سيتم تشكيل قوة شرطة محلية قوية قد تضم مواطنين أردنيين بالاضفة إلى ذلك ستشترك القوات الإسرائيلية والأردنية في دوريات وفي تقديم الأفراد لتشكيل مراكز مراقبة لضمان أمن الحدود.

أما الفترة الانتقالية ذات السنوات الخمس وهي المرحلة الثالثة فتبدأ عندما تقوم سلطة الحكم الذاتي (مجلس اداري) في الضفة الغربية وغزة في أسرع وقت ممكن، على ألا يتأخر قيامها عن العام الثالث لبداية الفترة الانتقالية. وستجرى المفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة وعلاقاتهما مع جيرانهما وابرام معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن بحلول نهاية الفترة الانتقالية. وستدور هذه المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن والممثلين المنتمين إلى سكان الضفة الغربية وغزة.

وبموجب الوثيقة الخاصة بالضفة والقطاع اتفق ايضا على انعقاد لجنتين منفصلتين احداهما تتكون من ممثلي الأطراف الأربعة التي ستتفاوض على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة وعلاقاتهما مع جيرانهما والثانية من ممثلي إسرائيل والأردن ويشترك فيها ممثلو السكان في الضفة الغربية وغزة للتفاوض بشأن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. وستضع هذه اللجنة في تقدريها الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الضفة الغربية وغزة. وستتركز المفاوضات على أساس جميع نصوص ومبادئ قرار مجلس الأمن رقم 242.

وستقرر هذه المفاوضات فيما تقرر موضع الحدود وطبيعة ترتيبات الأمن. ويجب أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ومطاله العادلة. وبهذا الأسلوب سيشترك الفلسطينيون في تقرير مستقبلهم من خلال: 1- أن يتم الاتفاق في المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي السكان في الضفة الغربية وغزة على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة والمسائل البارزة الأخرى بحلول نهاية الفترة الإنتقالية. 2- أن يعرضوا اتفاقهم على ممثلي سكان الضفة الغربية وغزة للتصويت عليه. 3- اتاحة الفرصة للممثلين المنتخبين عن السكن في الضفة الغربية وغزة لتحديد الكيفية التي سيحكمون بها أنفسهم تمشيا مع نصوص الاتفاق. 4- المشاركة كما ذكر أعلاه في عمل اللجنة التي تتفاوض بشأن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن.

ورعم كل ما في هذه النصوص من ضمان لإسرائيل وأمنها تمضي الوثيقة الخاصة بالضفة الوقطاع لتضيف المزيد. فهي تنص على أنه يتم اتخاذ كل الاجراءات والتدابير الضرورية لضمان أمن إسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وللمساعدة على توفير مثل هذا الأمن ستقوم سلطة الحكم الذاتي بتشكيل قوة قادرة من الشرطة المحلية تجند من سكان الضفة والقطاع. وستكون قوة الشرطة على اتصال مستمر بالضباط الإسرائيليين والأردنيين والمصريين المعينين لبحث الأمور المتعلقة بالأمن الداخلي.

أما عن السكان العرب الذين طردوا من الضفة الغربية وغزة في عام 1967 فقد قرر أرباب كامب ديفيد أن يشكل ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي خلال الفترة الانتقالية لجنة تعقد جلساتها باستمرار وتقرر بالاتفاق مدى السماح بعودة هؤلاء العرب مع اتخاذ الاجراءات الضرورية لمنع الاضطراب. ويجوز ايضا لهذه اللجنة أن تعالج الأمور الأخرى ذات الاهتمام المشترك وستعمل مصر وإسرائيل معا ومع الأطراف الأخرى المهتمة لوضع اجراءات متفق عليها للتنفيذ العاجل والعادل والدائم لحل مشكلة اللاجئين.

ط- اتفاقية "إطار لابرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل": أما الوثيقة الخاصة بالسلام بين مصر وإسرائيل فقد نصت على التفاوض بين الطرفين لتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء على مرحلتين: المرحلة الأولى انسحاب يتم في فترة تراوح بين ثلاثة وتسعة شهور بعد توقيع معاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية التي يجب أن توقع في غضون ثلاثة أشهر. وأما المرحلة الثانية فيتم فيها الانسحاب الإسرائيلي النهائي من سيناء خلال فترة تتراوح بين عامين أو ثلاثة أعوام من تارخي توقيع معاهدة السلام. وتقضي الوثيقة فيما تقضي باقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل عند اتمام النسحاب في المرحلة الأولى. وتحدد الوثيقة مرابطة قوات الجانبين بعد توقيع معاهدة السلام المرتقبة. وقد كانت مبادئ هذه الوثيقة الاسس التي انبنت عليها معاهدة الصلح التي وقعها الجانبان في واشنطن بتاريخ 26/3/1979.

ولم ينس المفاوضون في كامب ديفيد أن يلبوا المطالب الإسرائيلية بأن تكون المبادئ التي أرسوها في اتفاقهم أساسا للتفاوض المرتجى بين إسرائيل والأطراف العربية الأخرى فألحقوا بوثائق المؤتمر عددا من البنود الخطيرة منها أن" على الموقعين أن يقيموا فيما بينهم علاقات طبيعية كتلك القائمة بين الدول التي تعيش في سلام.وعند هذا الحد ينبغي أن يتعهدوا بالالتزام بنصوص ميثاق الأمم المتحدة . ويجب أن تشتمل الخطوات التي تتخذ في هذا الشأن على: 1- اعتراف كامل. 2- الغاء المقاطعة الاقتصادية. 3- ضمان تمتع المواطنين في ظل السلطة القضائية بحماية الاجراءات القانونية في اللجوء إلى القضاء. كذلك يجب على الموقعين استكشاف امكانيات التطور الاقتصادية في اطار اتفاقيات السلام النهائي بهدف المساهمة في صنع جو السلام والتعاون والصداقة التي تتعتبر هدفا مشتركا لهم. كما يجب اقامة لجان للدعاوى القضائية للحسم المتبادل لجميع المطالب القضائية المالية.

أما تنفيذ اتفاق كامب ديفيد فقد جعل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية أولا فاتفق الطرفان المتعاقدان على أن تدعى الولايات المتحدة للاشتراك في المحادثات بشأن موضوعات متعلقة بشكليات تنفيذ الاتفاقيات واعداد جدول زمني لتنفيذ تعهدات الأطراف. وأما مجلس الأمن الدولي فسيطلب إليه المصادقة على معاهدات السلام وضمان عدم انتهاك نصوصها. كما سيطلب إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التوقيع على معاهدات السلام وضمان احترام نصوصها. وسيطلب إليهم كذلك مطابقة سياستهم وتصفاتهم مع التعهدات التي يحتويها هذا الاطار.

ي: الرسائل الملحقة بالاتفاقيتين: أما الرسائل المتبادلة بين أرباب كامب ديفيد فقد كانت حول عدد من الموضوعات:


1- الرسالة الأولى: حررها الرئيس السادات إلى الرئيس كارتر وحاول فيها تسجيل موقفه " من الوضع القانوني لمدينة القدس العربية من حيث ضرورة اعتبارها جزءا لا يتجزأ من الضفة الغربية ووجوب احترام وعادة الحقوق العربية الشرعية والتاريخية إلى المدينة واعتبارها تحت السيادة العربية، على أن تتوافر لجميع الشعوب حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لكل دين من الأديان الثلاثة تحت ادارة واشراف ممثلي هذا الدين. كما دعا إلى عدم تقسيم المدينة مع موافقته على اقامة مجلس بلدي مشترك يتكون من عدد متساو من كل من العرب والإسرائيليين. 2- الرسالة الثانية: موجهة من بيغن إلى كارتر، وقد رفض فيها بيغن موقف السادات السابق "مؤكدا أن القدس تعد، وفق القوانين الإسرائيلية الصادرة في 28/6/1967 "مدينة واحدة غير قابلة لللتقسيم، وأنها عاصمة دولة إسرائيل". 3- سجل الرئيس كارتر موقف بلاده من هذا الموضوع في الرسالة الثالثة التي وجهها إلى السادات وأرسل نسخة منها إلى بيغن. وفيها أعلن أن موقف الولايات المتحدة بشأن القدس "يظل الموقف الذي أعلنه السفير غولدبيرغ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14/7/1967 وأكده من بعده السفير بوست أمام مجلس الأمن في أول تموز 1969. وهذا الموقف الذي عبر عنه كارتر بهذه الطريقة الملتوية يقوم على اعتبار القدس العربية جزءا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة عام 1967 لا أكثر. 4- كذلك تم تبادل رسالتين حول الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد وجه السادات الرسالة الأولى إلى كارتر وأكد فيها أنه " من أجل ضمان تنفيذ البنود المتعلقة بالضفة الغربية وغزة، ومن أجل حماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ستكون مصر على استعداد للاضطلاع بالدور العربي الذي تحدده هذه البنود، وذلك بعد المشاورات مع الأردن وممثلي الشعب الفلسطيني". وأما الرسالة الثانية فكانت من بيغن إلى كارتر وفيها سجل الأول أن كارتر أبلغه أنه سيفسر ويفهم عبارات الفلسطينيين، أو الشعب الفلسطيني، الواردة في كل فقرة من وثيقة اطار التسوية المتفق عليها بأنها تعني "عربا فلسطينيين". ولكن بيغن لا يشير إلى أنه يوافق على هذا التفسير الأمريكي. غير أنه لا ينسى أن يؤكد "أن الحكومة الإسرائيلية تفهم وستفهم تعبير الضفة الغربية في أي فقرة يرد فيها من وثيقة إطار التسوية على أنه يعني يهودا والسامرة". 5- وتبادل كارتر والسادات وكارتر وبيغن رسائل أخرى حول موضوع المستعمرات الإسرائيلية في سيناء. فقد طالب السادات بازالة هذه المستعمرات كشرط مسبق لبدء مفاوضات السلام التي تستهدف الوصول إلى معاهدة نهائية مع إسرائيل في حين أجاب بيغن أنه غير مخول بالبت في هذا الموضوع مالم يعرضه على الكنيست الإسرائيلية. وقد أخذ كارتر علما بهذا الموقف الإسرائيلي ونقله بدوره إلى السادات. وجدير بالذكر أن الكنيست وافقت على إخلاء القرى الإسرائيلية في سيناء و"إعادة توطين ساكنيها" فاتحة الطريق بذلك للحكومتين المصرية والإسرائيلية للمضي في خطوات التسوية الثنائية التي تبلورت في معاهدة 29/3/1979.

ك- آثار كامب ديفيد في قضية فلسطين: لقد حاولت الوثيقة الخاصة "بإطار السلام في الشرق الأوسط" التي وقعها السادات وبيغن وشهد عليها، وقد يقال ضمنها: كارتر أن تنسف قضية فلسطين كقضية قومية لكل العرب عبر الأجيال وتحولها من قضية شعب يناضل من أجل حقوقه الوطنية إلى قضية سكان أراضي محتلة فحسب. ويتضح ذلك مما يلي: 1- لم تأت الوثيقة على ذكر الشعب الفلسطيني إلا في حملتين فقط، وحتى هاتان الجملتان فرغتا من أي معنى حيث مضت الوثيقة في كل موضع آخر تركز على سكان الضفة والقطاع، أو فلسطيني المنطقتين، وتمنحهم حق الحكم الذاتي لا أكثر، ويلاحظ أن الحكم الذاتي جعل للسكان، فحسب، مما يفسح المجال أمام إسرائيل للنقاش حول شمول حق السكان في الأرض التي يقيمون عليها. 2- استبعدت الوثيقة منظمة التحرير الفلسطينية من أي دور في التسوية، وهي المنظمة التي اعترف لها وحدها بتمثيل الشعب الفلسطيني من قبل الدول العربية بلا استثناء، ومن معظم دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، وأهم من ذلك كله من الشعب الفلسطيني، سواء من كان منه تحت الاحتلال أو في البحر. 3- تنكرت الوثيقة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي اعترفت بها الجماعة الدولية ممثلة بصورة خاصة في الأمم المتحدة ومعظم دول العالم. وبذا تكون الوثيقة قد سعت لالغاء جميع المكاسب والمنجزات على كافة الصعد. فهي اذ حصرت حق الفلسطينيين في الضفة والقطاع في الحكم الذاتي خرجت تماما عما تواضعت علهي الجماعة الدولية حول مضمون تقرير المصيرعموما، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني بصورة خاصة. فثمة فرق جوهري بين الحكم الذاتي والاستقلال الناجز. 4- تنكرت الوثيقة في غير موضع عبارة "سكان" القطاع والضفة. وهذا يعني التسوية بين الصهيونيين الذين استوطنوا ، أو الذين سيستوطنون في المستقبل فهيا بصورة غير شرعية، وشعبها الأصلي. 5- لم تتطرق الوثيقة إلى حق الفلسطينيين المطرودين من ديارهم في العودة دون قيود. وهو حق اعترفت لهم به الأمم المتحدة منذ قرارها 194 لعام 1948. وحتى الآن (ر: الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني)، و(ر: العودة، حق). 6- ان ما ورد في الوثيقة حول حقوق الفلسطينيين ليس إلا تكرارا لمشروع بيغن للحكم الذاتي الذي تظاهر السادات برفضه في الاسماعيلية. ثم ان الوثيقة لم تعط ممثلي السكان في الضفة والقطاع أي حق في اتخاذ قرارا يتعلق بمصيرهم غير الموافقة على اقتراحات تقدم لهم من قبل إسرائيل ومصر والأردن مجتمعين وهذا يعني فعليا أن مصريهم رهن بالقرار الإسرائيلي وحده. 7- تناست الوثيقة عمدا مدينة القدس. وهذا التناسي يشكل تنازلا من جانب السادات عن الحقوق العربية والقومية والتاريخية والدينية والقانونية في المدينة وتسليما بمزاعم إسرائيل بجعلها عاصمة لها. ولا يخفف من هذا ما تبادله السادات وكارتر من رسائل. فقد اكتفى كل منهما – وأحدهما كارتر ليس طرفا في النزاع – بمجرد تسجيل موقف. وأما الطرف المعني الآخر إسرائيل فقد أكد موقفه العدواني من القدس.

إن موقف السادات الفعلي من القدس يشكل من خلال هذه الوثيقة خروجا على قرارات مؤتمرات القمة العربية ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وتحديا للمواقف الصريحة والمعلنة لمجموعة عدم الإنحياز والمؤتمر الإسلامي. وأهم من هذا كله يشكل تحديا سافرا لحقوق الشعب العربي الفلسطيني.

ل- آثار كامب ديفيد في الأراضي العربية المحتلة: ومن جهة أخرى ثمة آثار بالغة الخطورة في الأراضي العربية المحتلة . فقد تبنت الوثيقة فعليا التفسير الإسرائيلي للقرار 242 الصادر في 22/11/1967 حول الانسحاب من الأراضي المحتلة. وبذلك حاولت القضاء على جميع المكتسبات التي حققها العرب بعد هزيمة 1967، سواء أكان ذلك على الصعيد العسكرية أم على الصعيد السياسي الذي تعبر عنه قرارات الأمم المتحدة. ويتجلى ذلك بصورة خاصة فيما يلي: 1- لم تتطرق الوثيقة إلى مصير المستعمرات الإسرائيلية الحالية في الضفة والقطاع ولا تعرضت لموضوع الهجرة الصهيونية إليهما. وهذا يعني أن سيل الإستيطان سيستمبر أو أنه لن يحد منه شئ على الأقل. كما أن المستعمرات الحالية ستبقى. وفي هذا تثبيت للمفهوم الصهيوني حول ما يسميه "الحقوق التاريخية" في أراضي فلسطين العربية ويمثله إصرار بيغن على وصف الضفة الغربية "بيهودا والسمارة". 2- ربطت الوثيقة مستقبل الضفة الغربية والقطاع بموافقة الأردن على الاشتراك في المفاوضات المقترحة. وهذا يعني استمرار الوضع القائم اذا لم يوافق الأردن على هذا الاشتراك. وهذا ما حدث فعلا وحمل مصر على التفاوض باسم الجانب العربي دون أن تملك سلطة تخولها ذلك قانونيا. 3- ان دور الأردن – اذا وافق على المشاركة في التسوية المفروضة – سيكون محدودا كدور ممثلي – السكان في الضفة والقطاع: 1- لأن القوات العسكرية الوحيدة التي ستوجد في الضفة والقطاع، حاضرا ومستقبلات ، هي القوات الإسرائيلية. 2- ولأن اليد الطولى في حسم جميع مشاريع الحكم الذاتي ومستقبل السكان ستكون لإسرائيل ما دام اجماع آراء الفرقاء المذكورين في الوثقة شرطا لازما لنفاذ بنودها.

4- واضح من نص الوثيقة أن إسرائيل لن تعود في جميع الأحوال إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران 1967 ولن تسمح باقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وهذا لا يتعارض فقط مع مبدأ عدم جواز اكتساب اراضي الغير بالقوة كما يعرفه ميثاق الأمم المتحدة بل ومع حقوق الشعب الفلسطيني كما قررتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضوح متزايد منذ مطلع السبعينات. يزاد على ذلك أن الوثيقة كرست المفهوم الإسرائيلي لما يسمى بالحدود الآمنة، وهو المفهوم الغريب على القانون الدولي.

م- اتفاقيتا كامب ديفيد والقانون الدولي: ان وثقة "إطار السلام في الشرق الأوسط" تخطت الشرعية الدولية وصادرت حق الدول العربية والمجتمع الدولي وخرقت مبادئ السلام العادل كما يعرفه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. 1- فهي رغم العبارت المدينة الواردة فيها تتخطى بمضمونها الشرعية الدولية بصورة فاضحة. فالاطار الذي وقعت فيه وثيقتا كامب ديفيد يتعارض نصا وروحا مع قراري مجلس الأمن 338 و242 اللذين أعطيا للأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الدور الأهم في التوصل إلى تسوية عن طريق ما عرف بصيغة جينف. ثم ان الوثيقة تفرض على مجلس الأمن صيغة جديدة وطالبه والدول الدائمة فيه بحمايتها وكأنها محاولة لفرض وصاية على الأمم المتحدة ذاتها. 2- ان ما تم التوصل إليه في كامب ديفيد يلغي عمليا قرارات الأمم المتحدة ، ولاسيما تلك التي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة. 3- تناولت هذه الوثيقة أطرافا وقضايا لا تتعلق بالموقعين عليها. وفي هذا خرق لأبسط قواعد المعاهدات الدولية التي تقضي بأن المعاهدة لا تلزم أصلا إلا عاقديها. فالوثيقة مست بصورة مباشرة مصالح سورية ولبنان والعربية السعودية والأردن فيما يتعلق بحرية الملاحة في مضائق تيران، كما أنها أهدرت حقوق الشعب الفلسطيني. وتلك كلها مسائل تخص هذه الأطراف قانونيا وتخص الأمة العربية كلها قوميا. 4- ان في تصرف السادات بوثيقة إطار السلام خرقا بينا لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك لعام 1950 وخروجا فاضحا على مقررات مؤتمرات القمة العربية المتتالية، ولا سيما قمتي الجزائر والرباط. واضافة إلى ذلك فإن السادات نصب نفسه قيما على الأطراف العربية المعنية ووصيا على الحقوق القومية للأمة العربية. فقد تعهد إلى جانب ما تعهد به بالغاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل من جانب واحدة وحماية رعايا العدو الإسرائيلي في الدول العربية واقامة علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية معه بكل ما في هذا وذاك من أضرار جسيمة على الجبهة العربية المواجهة للغزوة الصهيونية. 5- استجابت الوثيقة للمطلب الإسرائيلي المستمر بابرام معاهدة صلح منفردة حتى قبل أن يتحقق أهم شروط الصلح (الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة وضمان الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني)، وهو أمر خلق سابقة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية تقوم على اساس فرض ارادة الغالب على المغلوب مع ادعاء سيادة الأخير.

6- كرست الوثيقة المزاعم الصهيونية بوجود حقوق مادية لليهود العرب الذين تركوا أقطارهم الأصلية بملء ارادتهم وسوتها بحقوق الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم بالقسر والإرهاب.

ن- آثار كامب ديفيد في الوضع العربي وسيادة مصر على أرضها: ولابد أيضا من الإشارة إلى آثار كامب ديفيد في الوضع العربي عموما وسيادة مصر على أرضها خصوصا: 1- فاتفاقيتا كامب ديفيد، مهما تأول أربابها، تعتبران حلا منفردا مع العدو الإسرائيلي، فليس بين وثيقتيها ارتباط في التوقيت أو التنفيذ، كما أنهما وقعتها في عزلة عن الاجماعه العربي الذي رفضهما جملة وتفصيلا. وشكلت الاتفاقية الخاصة بسيناء كذلك نموذجا خطيرا لاي حل. 2- ان الوثيقة الخاصة بالانسحاب من سيناء انتقصت من السيادة المصرية على شبه الجزيرة عندما فرضت قيودا على حرية تصرف مصر بهذا الجزء من ترابها فيما يعرف في القانون الدولي "بفرض الإرادة "الذي لا يتم إلا بفرض الغالب ارادته على المغلوب. 3- الواضح من نص الاتفاقيتين أن هدف إسرائيل في التغلفل الاقتصادي إلى الوطن العربي قد ضمن ووضعت أسسه بما يضعف الجبهة العربية أمام الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.

لاعجب والحالة هذه أن يغضب الشعب العربي ويجمع على رفض مؤتمر كامب ديفيد وما تمخض عنه. وقد تجلى ذلك على الصعيد الرسمي بانعقاد مؤتمر القمة التاسعة في بغداد والقرارات الخطيرة التي اتخدها بحق النظام المصري (ر: القمة العربية، مؤتمرات).


المراجع: - مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام: مؤتمر كامب ديفيد، القاهرة. - نزيه قورة: من يخاف كامب ديفيد، مجلة شؤون فلسطيينة، العدد 83، تشرين الأول 1978، بيروت. - فايز صايغ: كامب ديفيد وفلسطين، مجلة شؤون فلسطيين، العدد 85، كانون الأول 1978، بيروت. - فايز صايغ: السياسة الأمريكية في عهد كارتر والصراع العربي- الإسرائيلي، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 86، كانون الثاني 1979، بيروت. - فيصل حوراني: فراءة سياسية لوثائق كامب ديفيد ، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 84، تشرين الثاني 1978، بيروت.


الكنيست

كلمة عبرية تعني الاجتماع. ويسمى المعبد اليهودي بيت هاكنيست أي المكان الذي يجتمع فيه اليهود. وتستخدم الكلمة حاليا للدلالة على البرلمان الإسرائيلي. وقد أقيم أول برلمان في إسرائيل بقرار صدر في 1/5/1948 عن المجلس التمثيلي اليهودي، وهو الهنيئة التمثيلية للمستوطنين اليهود في فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاين، بالتشاور مع الوكالة اليهودية، فتقرر انشاء حكومة ومجلس دولة مؤقتين عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15/5/1948، وتشكل مجلس الدولة المؤقت الذي سمي في حيته باسم "مجلس الشعب" من 37 عضوا ممثلون للوكالة اليهودية والمجلس التمثيلي اليهودي بالاضافة إلى ممثلين عن مجموعات سياسية يهودية أخرى لم تكن ممثلة أصلا في الهيئتين السابقتين. وانتخب مجلس الشعب 13 عضوا من بين أعضائه ليكونوا أول حكومة إسرائيلية. وكان مجلس الشعب يمثل جميع الأحزاب الصهاينة واليهودية في فلسطين بنفس نسبة تمثيلها في المجلس التمثيلي اليهودي والجنة التنفيذية للوكالة اليهودية بالاضافة غلى حزبي أغودات إسرائيل والحزب الشيوعي الإسرائيلي اللذين لم يكونا ممثلين في المجلس التمثيلي والوكالة اليهودية.

وباعلان قيام إسرائيل في 14/5/1948 تحول مجلس الشعب إلى مجلس الدولة المؤقت. وفي تشرين الأول عام 1948 وضعت خطة لانتخاب مجلس تمثيلي جديد. وجرت في كانون الثاني 1949 انتخابات أول جمعية تأسيسية افتتحت في 14/2/1949. وأقرت هذه الجمعية التأسيسية في 16/2/1949 القانون الانتقالي للدولة وفيه تقرر أن يكون البرلمان الإسرائيلية مكونا من مجلس نيابي واحدة يدعى الكنيست ويضم 120 عضوا ينتخبون بالطريقة النسبية، أي بقوائم من المرشحين على المستوى القطري. وتنال كل قائمة عددا من المقاعد حسب عدد الأصوات التي تحصل عليها. وتحولت الجمعية التأسيسية إلى الكنيست الأولى، وكان اشتقاق الاسم وتحديد عدد المقاعد مأخوذين من "كنيست هجدولا" وهي الهيئة التشريعية لليهود فيما يسمى بعهد الهيكل الثاني. وفي 11/2/1949 قررت الكنيست نقل مقرها من تل أبيب إلى القدس حيث تنقلت بين عدة أبنية إلى أن أصبح لها بناؤها الدائم منذ عام 1966.

يقضي قانون الكنيست الأساسي الذي بدأ تطبيقه عام 1958 ويحدده طريقة الانتخابات وصلاحيات الكنيست بأن تتكون الكنيست من 120 عضوا ينتخبون بطريقة الاقتراع السري النسبي. ويشترك في الانتخابات جميع المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة، ويحق لكل من بلغ الحادية والعشرين من عمره أن يرشح نفسه لعضوية الكنيست ما عدا أصحاب بعض المراكز العليا في الدولة مثل رئيس الدولة والحاخام الأكبر ومحاسب الدولة ورئيس أركان الجيش والقضاة في جميع أنواع المحاكم ورجال الدين الذين يتقاضون رواتب عن أعمالهم وضباط الجيش وكبار موظفي الدولة ما لم يستقيلوا من وظائفهم قبل مئة يوم من تاريخ الاقتراع. ومدة الكنيست أربع سنوات، ويمكن حل نفسها بقانون خاص يحدد فيه موعد الانتخابت المقبلة. وقد جرت انتخابات الكنيست تسع مرات منذ قيام القانون الصهيوني حتى عام 1980.

والكثير من النظم المتعلقة بصلاحيات الكنيست ووظائفها منقولة عن النظام البرلماني البريطاني. وتتخذ قرارات الكنيست بأغلبية الحضور والمصوتين. وجميع دورات وجلسات الكنيست علنية ما لم يتخذ قرار بعكس ذلك. وتعقد الكنيست دورتين: صيفية وشتوية تستغرقان نحو ثمانية أشهر. ويمكن الدعوة لدورة استثنائية اذا طلب ذلك 30 عضوا. ويحصل أعضاء الكنيست على رواتب يقررها القانون، ولا يجوز لهم بمقتضى قانون الكنيست الحصول على رواتب من جهات أخرى. ولأعضاء الكنيست حصانة ضد الاعتقال والسجن والمحاكمة لا يجوز نزعها إلا بقرار من الكنيست. كما أن للكنيست حرسها الخاص. والقوانين التي تصدرها لا يمكن نقضها من قبل القضاء. والكنيست هي التي تنتخب رئيس الدولة وتعزله من منصبه في حالات خاصة. ويلي رئيس الكنيست بروتوكوليا رئيس الدولة، وينوب عنه في حال غيابه. والحكومة تقدم نفسها إلى الكنيست فور تشكيلها للحصول على ثقتها، وتسقط الحكومة عندما تفقد ثقة الكنيست.

تفتح الكنيست عادة في أول يوم اثنين يلي اعلان ونشر نتائج الانتخابات الرسمية، ويفتتحها رسميا رئيس الدولة. وبعد خطاب الافتتاح يترأس الجلسة أكبر الأعضاء سنا فيشرف على أداء الأعضاء القسم القانونية ثم ينتخب رئيس الكنيست ونوابه.

وللكنيست تسع لجان برلمانية دائمة وهي: لجنة الشؤون القانونية والتشريعية، ولجنة المالية، ولجنة الشؤون الاقتصادية، ولجنة الخارجية والأمن (وهي من أهم هذه اللجان)، ولجنة الخدمات العامة، ولجنة الثقافة والتعليم، ولجنة العمل والرفاء الاجتماعي، ولجنة الإسكان والهجرة، ولجنة الشؤون الداخلية. وتتفرع عن هذه اللجان أحيانا لجان أخرى خاصة. ومهمة اللجان دراسة القرارات والتوصيات التي تحال إليها بعد القراءة الأولى، وتقديم تعديلات عليها أو تقارير حولها، وإعادتها للكنيسة من أجل القراءة الثانية أو الثالثة. كما تتولى اللجان متابعة أعمال السلطة التنفيذية في مجال اختصاصات هذه اللجان. ويمكن للكنيست أن تشكل لجان تحقيق ولجانا خاصة.

تجتمع الكنيست ثلاث مرات أسبوعيا في أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء. واذا أقرت مشروعات في القراءة الأولى، أي بعد تقديم الحكومة له أمام الكنيست، أحيل المشروع إلى اللجنة المختصة للدراسة ثم أعيد إلى رئاسة المجلس ليقوم رئيس اللجنة المختصة بتلاوة تقريرها حول المشروع. وتناقش في الكنيست التعديلات ويجرى التصويت علهيا فتنتهي القراءة الثانية. ثم تعاد تلاوة القرار في صغته النهائية ويجرى التصويت عليه في القراءة الثالثة النهائية.

ان نفوذ المؤسسة العسكرية في مجال صنع القرارات السياسية الخارجية والدفاعية بدعوة مراعاة الأمن الإسرائيلي يترك للكنيست دورا هامشيا. ويعد موقف الكنيست في قضية لا فون مثالا واضحا على هذا. كما أن استبعاد العرب وممثلي الأحزاب الشيوعية من لجان الكنيست يثير الشك حول صيغتها التمثييلية ووظيفتها الرقابية وطبيعة النظام الانتخابي وما يرتبط به من تعدد حزبي وحكومات ائتلافية. وهذا ينتهي بوجه عام إلى اضعاف دور الكنيسة ازاء الحكومة.

المرجع: - كاميليا بدر: نظرة على الأحزاب والحركات السياسية الإسرائيلية، القدس 1981.

الكونغرس الأمريكي

يطلق على برلمان الولايات المتحدة الأمريكية اسم الكونغرس. وهو يتكون من مجلسين: مجلس النواب (أو الممثلين) ومجلس الشيوخ.

ويتألف مجلس النواب من 435 نائبا (احصاء عام 1980)، ينتخبون لمدة سنتين بنسبة عدد السكان. وأما مجلس الشيوخ فينتخب أعضاؤه لمدة ست سنوات ويتخدد ثلث أعضاؤه كل عامين مع انتخاب النواب. وترسل كل ولاية مندوبين اثنين إلى مجلس الشيوخ بصرف النظر عن عدد سكانها او اتساع رقعتها.

يترأس مجلس الشيوخ نائب رئيس الجمهورية المنتخب معه. وأما رئيس مجلس النواب فينتخب من المجلس ويمارس تلقائيا صلاحيات رئيس الجمهورية اذا شغرمنصب الرئيس وحل نائب محله.

الكونغرس الأمريكي سلطة تشريعية في الأساس. وهو يملك حق التشريع ضمن الحدود المقررة في الدستور. ويملك إلى جانب ذلك اختصاصات على جانب من الأهمية. فهو يملك السلطة المؤسسة ويمكن تعديل الدستور إذا أقر هذا التعديل من كل من المجلسين بأغلبية الثلثين وصدقته المجالس التشريعية لثلاثة أرباع الولايات.

ويملك مجلس النواب حق انتخاب رئيس الجمهورية اذا لم يحصل المرشح للرئاسة على الأغلبية المطلوبة في حين ينتخب مجلس الشيوخ نائب الرئيس في حالة شغور منصبه لسبب ما.

ويملك الكونغرس سلطة اشراف ورقابة على المصالح العامة. فهو يقرر احداثها ويحدد امتيازاتها وسيرها ويراقب ادارتها المالية. كما أنه يمارس نوعها من السلطة القضائية بطريق الاتهام فيحال أمامه الموظفون الاتحاديون المتهمون بالخيانة أو الرشوة أو الجرائم المرتكبة ضد الدولة. ويملك مجلس النواب حق الاتهام بعد سماع تقرير لجنة تحقيق يؤلفها في حين يتحول مجلس الشيوخ إلى محكمة تنظر في القضية في جلسات سريوة. ويمكن لهذا المجلس أن يتخذ بأغلبية الثلثين قرار بعزل الموظف في الحال. ولقد حملت هذه الصلاحيات الواسعة رئيسا قويا كريتشارد نيكسون على الاستقالة حين شعر أن اجراءات ضده ستتخذ في هذا الاتجاه بعد استفحال موضوع "ووترغيت".

ويملك مجلس الشيوخ دون مجلس النواب صلاحيات هامة في شؤون التعيين والسياسة الخارجية. ويترتب على رئيس الجمهورية أن يحصل على موافقة هذا المجلس عند تعيين الوزراء والسفراء والقناصل وكبار الموظفين الاتحاديين وأعضاء المحكمة العلاي. ويعقد مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين، ومن الحوادث المأثورة رفض مجلس الشيوخ تصديق معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، مما أدى إلى بقاء الولايات المتحدة الأمريكية خارج عصبة الأمم التي كان الرئيس الأمريكي ولسن أحد بنائها، وكذلك اشترط مجلس الشيوخ حديثا ربط نفاذ معاهدة التبادل التجاري بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بسماح الأول بهجرة اليهود السوفيات من أراضيه، وخاصة إلى إسرائيل ويحاول الرؤساء تجاوزهذا التصديق بعقد اتفاقايت تنفيذية. غير أن مجلس الشيوخ بدأ يتصدى لها ويخضعها لتصديقه.

وخلافا للاتجاه العام الذي يسجل ميل اختصاصات مجلس الشيوخ إلى التقلص في معظم الدول فان مجلس الشيوخ الأمريكي احتفظ باختصاصاته، بل انها نمت واتسعت مع الزمن.

ويقوم الدستور الأمريكي على فصل السلطات: فلا الكونغرس يملك حمل الرئيس على الاستقالة ولا الرئيس يملك حل الكونغرس. ولكن هذا الفصل ليس تاما. فهو فصل نسبي اذ يملك كل من الرئيس والمجلس وسائل متبادلة التاثير. ولا شك أن من أهم هذه وسائل الكونغرس – بالاضافة إلى رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة السلطات المالية المخولة إليه. فهو الذي يملك اقرار اعتمادات الموازنة ، الأمر الذي يمكنه بالتالي من ممارسة ضغط مباشر على الرئيس والادارة العامة في البلاد.

في ضوء وضع سياسية ودستوري كهذا، وفي غياب أحزاب عقائدية بالمعنى المعروف في الدول الأخرى، لا عجب أن تركز الحركة الصهيونية على الكونغرس قبل غيره من مؤسسات الحكم الأمريكي مستعملة صداقاتها تارة ونفوذها على العدد الأكبر من أعضاء الكونغرس مجلسيه تارات لتحقيق أهدافها في اقامة الدولة اليهودية أولا ودعمها وتحقيق تفوقها العسكري والسياسية بعد ذلك.

ثمة حقيقة لابد من تسجيلها هنا هي أن الحزبين الأمريكيين الكبيرين (الجمهوري والديموقراطي) اللذين يتناوبات الأغلبية في الكونغرس لا يختلفان البتة في حاجتهما إلى اليهود الأمريكيين من حيث الدعم المالي اللازم في الانتخابات ووسائل الاعلام التي تهيمن عليهما الصهيونية، أو من حيث الحصول على أصوات لايهود، ولا سيما في الولايات الكبرى كنيويورك وكاليفورنيا والينوي وبنسلفانيا وغيرها. ومرشحو الحزبين مضطرون إلى التزلف للمؤسسات اليهودية وجماعات الضغط المنبثقة عنها ليضمنوا فوزهم في الكونغرس واستمرارهم فيه. ويستوي في ذلك الجمهورية والديموقراطي ما دام الحزبان ليسا سوى تجمع أشخاص رباطهم الاساسي تمثيل مجموعات متفاوتة من الناخبين يمثلون رأس المال في حين يرتكز الديموقراطييون على الطبقة العاملة فان هذا ليس صحيحا كل الصحة. ففي الحزب الجمهورية ليبراليون ومحافظون، وفي الحزب الديموقراطي مثل ذلك. والأمر في النهاية سلوك شخصي لكل عضو، ويبقى موضع دعم الجمهورية أو الديموقراطي لإسرائيل في المجلسين موضوعا نسبيا يعتمد على مدى حاجة كل مرشح إلى المال والصوت اليهوديين. فشيوخ ونواب الولايات الصناعية عامة مندفعون جدا في دعم الصهيونية رغم أنهم ليسوا بالضرورة يهودا. وأما شيوح ونواب الولايات الزراعية، حيث التجمعات اليهودية قليلة أو لا نفوذ لها، فدعمهم أقل وهو صادر عن محاولة اليهود استثارة مشاعرهم الانسانية أو الدينية تارة أو تخويفهم باتهامهم في مبادئهم التي قد لا يكون لها علاقة بإسرائيل أو اليهود اطلاقا تارة أخرى.

فالشيخ فولبرايت مثل، وهو من الشيوخ المعتدلين في أمريكا، عانى الأمرين من الضغوط الصهيونية لحمله على تغيير موقفه. ولما كانت ولاية أركنساس التي يمثلها تجعله في غنى عن الصوت أو المال اليهوديين فقد داب على النجاح حرا من المنة اليهودية. ولكن اليهود تابعوه وابتزوه في مواقفه التي وصفوها بالمحافظة فيما يتعلق بممارسة الحقوق المدنية للملونين، وظلوا وراءه حتى خسر مقعدا شغله نيفا وعشرين عاما. ولاشيح جميس أبي رزق، وهو أول أمريكي من أصل عربي يصل إلى مجلس الشيوخ عام 1972، لم يتمكن اليهود من الحيلولة بينه وبين مقعده عن ولاية داكوتا الجنوبية. ولكنهم هاجموه بقسوة وبلا رحمة في أمور أخرى كالخلافات بين المزارعين ومصدري الألبان، ونسبوا إليه كثيرا من التهم فاضطر إلى عدم ترشيح نفسه من جديد عام 1978.

وبطريقة معاكسة نجد أعضاء في المجلسين من غير اليهود يتسابقون في الدفاع عن إسرائيل أكثر من النواب أو الشيوخ اليهود أنفسهم، لأنهم في وجودهم في مناصبهم مدينون للصوت والمالي اليهوديين.

ويمكن القول ، دونما تجاوز، أنه منذ تغلغل الحركة الصهيونية في النظام الأمريكي مع بداية الأربعينات لم يجرؤ صوت واحد في أحد مجلسي الكونغرس الأمريكي على المنازعة في مشروعية إسرائيل. وأما العدد القليل من المعتدلين، أو ممن يسمون مؤيدي العرب في الكونغرس، فقد انحصرت مطالبهم في دعوة بلادهم إلى انتهاج سياسة أكثر تفهما لوجهة النظر العربية. وتؤكد الحقائق ما تقدم حتى بعد أن اتضح الطابع التوسعي العدواني لإسرائيل غداة حرب 1967. اذ يقول الشيخ جوزيف كلارك (ولاية بنسلفانيا) في تقرير رفعه إلى مجلس الشيوخ في نيسان 1967 عن أسباب التوتر بين العرب وإسرائيل: "ان سبب التوتر الرئيسي هو طوح وأطماع عبد الناصر، الذي يرى نفسه قائدا للأمة العربية والإسلام والشعوب المستقلة حديثا في أفريقيا. ويعد بأن يحمل شعبه من المستوى المنحط لمستعمرة بريطاينة إلى مستوى دولة كبرى في العالم، وأما عن إسرائيل فيقول إنها "واحة للازدهار تحيط بها صحاري من الفاقة العربية وهي مهددة من كل جانب". ويصل في نهاية تقريره إلى نتائج تنسجم مع هذا التشويه اللاأخلاقي حيث يطالب في بند مستقل ب – أن تحمي أمريكا استقلال وسلامة إسرائيل – دون غيرها من دول منطقة الشرق الأوسط التي زارها – منها اليونان وتركيا حليفتا أمريكا في حلف الأطلسي.

وفي أسبوع العدوان الإسرائيلي عام 1967 والأسبوعين التاليين أدلى ما يزيد عن 146 شيخا وعضوا في مجلس النواب يمثلون 25 ولاية أمريكية بآرائهم حول الموضوع. وكان 98% من هذه البيانات مؤيدا لإسرائيل في موقفها، حتى في تلك المرحلة التي كان العالم فيها مأخوذا ببشاعة وهو العدوان الذي كانت واشنطن على علم مسبق له اذا لم تقل انه خطط له بالتعاون معها. فلا غرابة أن يطلب 76 شخصا أمريكيا من أصل 100 في تموز 1970 أن تقدم أمريكا لإسرائيل المزيد من طائرات الفانتوم وأسلحة الدمار الأخرى، وأن تصر على مطلب إسرائيل بالمفاوضات المباشرة مع العرب.ولا غرابة أن يسقط في مجلس الشيوخ في أواخر آب 1970 اقتراح للسناتور فولبرايت لتحديد حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل حتى تعلن استعدادها للانسحاب من الأراضي المحتلة.

لقد أوقف الكونغرس الأمريكي كل المساعدات العسكرية والمالية عن تركيا غداة غزوها لحزيرة قبرص سنة 1974.


ي

اليابان

لم تعد اليابان بعد أن أصبحت منطقة احتلال أمريكي سنة 1945 قادرة على أن تختط لنفسها سياسة خاصة فارتبطت سياستها بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ولم تتخذ اليابان أي موقف تجاه الصراع العبي الصهيوني سنة 1948 لانشغالها بأمورها من جهة، ولأ،ها لم تدخل منظمة الأمم المتحدة إلا في 18/12/1956 من جهة ثانية. وقد استطاعت إسرائيل بحكم علاقاتها الوطيدة بالولايات المتحدة الأمريكية أن تمد جسورا إلى اليابان وتقيم معها علاقات سياسية واقتصادية. وقد بدأت العلاقات الدبلوماسية بينهما في آيار سنة 1952.

ولعبت إسرائيل في تقاربها مع اليابان ورقة التقدم والديموقراطية والاشتراكية، واستطاعت من خلال عضويتها في الاشتراكية الدولية أن تنشئ صلات وثيقة مع الحزب الاشتراكي الياباني الذي تبنى مهمة التعريف بإسرائيل ومنجزاتها في اليابان. وقد برز النفوذ الصهيوني في اليابان أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 (ر: حرب 1956) اذ انضمت اليابان إلى الدول التي طالبت مصر باحترام المعاهدات الدولية الخاصة بالملاحة في قناة السويس. ولم تدن الحكومة اليابانية العدوان الثلاثي بل اكتفت باصدار بيان مقتضب أعلنت فيه أسفها لوصول الأمور إلى حد الصدام المسلح.


ومنذ بداية عام 1957 أخذت إسرائيل واليابان تتبادلان الوفوق الثقافية والحزبية والبرلمانية والاقتصادية والسياحية وتوطدان العلاقات العسكرية. فقد قام اسحق رابين رئيس الأركان الإسرائيلي بزيارة اليابان سنة 1966 على رأس وفد عسكري واجتمع بكثير من الشخصيات العسكرية والسياسية هناك. وفي نيسان 1969 عينت إسرائيل ملحقا عسكريا إسرائيليا في سفارتها في طوكيو للتنسيق العسكري بينها وبين اليابان. ومذاك ازداد التعاون العسكري السري بينهما بتأييد كامل من الولايات المتحدة الأمريكية وأسفر عن تزويد اليابان إسرائيل بعدد من الزوارق الحربية السريعة.

ومع هذا التعاون السعكري وطدت إسرائيل صلاتها السياسية باليابان. وقد اتضح انحياز اليابان إلى جانب السياسة الإسرائيلية في وقوفها موقفا سلبيا لدى مناقشة منظمة الأمم المتحدة قضية الشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنه، وفي رفضها ادانة العدوان الإسرائيلي على بلدة السموع الأردنية وعلى سورية سنة 1966. وقام أبا ايبان وزير الخارجية الإسرائيلي بزيارة اليابان في مطلع عام 1967 وشرح وجهة النظر الإسرائيلية في الصراع العربي الإسرائيلي.

بدأت اليابان منذ أوائل الستينات تعمق علاقاتها الاقتصادية بالوطن العربي فأصبح سوقا كبيرة للبضائع اليابانية، وغدت اليابان تستورد 90% من نفطها من الدول العربية. وقد انعكس حرص اليابان على مصالحها الاقتصادية في العالم العربي في تصريحات المسؤولين فيها. فحين اندلعت حرب 1967 أعلن رئيس وزراء اليابان إيزاكوساتو في 9/6/1967 أن على اليابان أن تحافظ على موقف الحياد التام – وصرح وزير الخارجية الياباني في 22/7/1967 بأن من الضروري انسحاب القوات الإسرائيلية إلى مواقع ما قبل الخامس من حزيران 1967. ولكن اليابان ظلت في حقيقة الأمر على مواقفها المؤيدة لإسرائيل رغم هذه التصريحات.

ومع تصاعد النضال الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بدأت الرأي العام الياباني يبدي اهتماما بالقضية الفلسطينية. فقد تحالف القوى اليابانية الثورية مع قوى الثورة الفلسطينية من منطلق وحدة العمل الثوري لكافة القوى المناضلة ضد الامبريالية.

ثم تغير السياسة اليابانية نحو القضية الفلسطينية بعض التغير في أعقاب حرب 1973 لأن اليابان أدركت أن هناك قوة جديدة بدأت تلعب دورا هاما على مسرح السياسة الدولية هي قوة البترول العربي. ولكنها رفضت رغم ذلك قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل استجابة لرغبة الدول العربية بعد حرب 1973 لأنها خشيت النفوذ الصيهوني في أمريكا. وتأثرت بالضغط الذي يمارسه عليها يهود الولايات المتحدة. وقد أكد الخبراء ورجال الصحافة أنفسهم أن الضغط اليهودي في أمريكا هو وحده الذي منع اليابان من اتخاذ موقف متطرف بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل رغم الأضرار التي تلحقها المقاطعة العربية النفطية بالاقتصاد الياباني وحركة نموه.

وسعت اليابان إلى كسب صداقة العرب واليهود معا. فقد طالبت العرب بالاعتراف بإسرائيل ضمن حدود آمنة معترف بها وانضمت في الوقت نفسه إلى عشرات الدول المطالبة بضرور تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338 وطالبت بوجوب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير مصيره. وفي سنة 1978 سمحت لمنظمة التحرير الفلسطينية بافتتاح مكتب لها في طوكيو، كما وقفت على الحيادة بصدد اتفاقيتي كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حرصا على استمرار تدفق بترول الدول العربية المعارضة لهاتين الأتفاقيتين.

وفي مطلع عام 1979 بدأت اليابان حوارا مع منظمة التحرير الفلسطينية فأصدرت الحكومة الياابنة بيانا أيدت فيه حقوق شعب فلسطين، واتخذت موقفا ايجابيا أثناء الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة في 30/11/1979.

وأخيرا صرح رئيس وزراء اليابان مسابوشي أوهيرا في مجلس الشيوخ الياباني بأن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني يجب أن تتضمن حقه في إقامة دولة مستقلة. وأضاف بأنه يتعين الاعتراف بهذه الحقوق، ولاسيما الحق في تقرير المصير، واحترامها وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وقد قال: "إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".وبهذا تكون اليابان قد خطت خطوة هامة لصالح نضال شعب فلسطين ضد الصهيونية وكفاحه من أجل العودة إلى الوطن.

المراجع:

- مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية، بيروت (لعدة سنوات). - شحادة موسى: خلافات إسرائيل مع دول العالم 1967-1970، بيروت ، 1971. - مجلة شؤون فلسطينية: العدد 14، تشرين الأول 1972، بيروت. - Ministry of Foreign Affairs, Japan and question of Palestine, April 1980. - Unites Nations Yearbook, 1905.


قرية يازور

لعل اسم هذه القرية مأخوذ من الزيارة المستمرة، فالمكان يضم قبور بعض الأولياء كالإمام علي والشيخ القطاناني والشيخ بركة. ولموقع يازور الجغرافي في السهل الساحلي الفلسطيني أهمية كبيرة في العصور التاريخية المختلفة، فهي تقع على مسافة 5 كم جنوب شرق يافا وتؤلف بوابتها الجنوبية الشرقية. وقد كانت منذ أقدم الأزمنة مسرحا للمعارك وممرا للجويش والغزوات الحربية ومسلكا للقوافل التجارية.

ويازور قرية قديمة قد تكون في الاصل بيت الزور المدينة الكنعانية التي ورد ذكرها في النقوش المصرية العائدة إلى عصر أحمس (1580 ق.م. -1557 ق.م.) الذي خربها وغيرها من المدن الفلسطينية انتقاما من الهكسوس بعد طرده إياهم من بلاده. وقد عرفت هذه المدينة في العهد الآشوري باسم "أزورو Azuru".

ورد ذكر يازور كثيرا في كتب مؤرخي العصور الوسطى ابان الهجمة الصليبية على ديار الشرق العربي. فقد ذكر أن الفرنجة استولوا عليها في عام 492 هـ/1099 م فأقام فيها فرسان المعبد الداوية فوق جامعة البلدة قلعة سموها قلعة السهول.وفي عام 1102 م استردها منهم الفاطميون بقيادة شرف الدين المعالي بن بدر الدين الجمالي الوزير الفاطمي فكان فيها مقتلة عظيمة للافرنج. ويبدو أن الافرنج عادوا فاستولوا عليها ثم استعادها منهم صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين عام 583 هـ/1187 م. ولكنه اضطر بعد معركة أرسوف إلى الانسحاب منها وتدمير قلعتها خوفا من وقوعها ثانية في يد الإفرنج.

وقد تمكن ريتشارد قلب الأسد من احتلالها مرة ثالثة فأعاد بناء قلعتها عام 587 هـ/1191 م.

ذكر ياقوت الحموي يازور في معجم البلدان فقال: "بليدة بسواحل الرلمة من أعمال فلسطين بالشام ينسب إليها الوزير الفاطمي الحسبن بن علي بن عبد الرحمن أبو محمد اليازوري وأحمد بن حمد بن بكر الرملي وأبو بكر الفاطمي اليازوري وغيرهم كثير".

وفي يازور قلعة من العصور الوسطى وبقايا أبنية ومدافن. وفي عهد الانتداب البريطاني استفاد سكان يازور العرب من موقع قريتهم الاستراتيجي على خط سكة حديد يافا القدس وطريق يافا القدس فقطعوا هذه الطريق أكثر من منرة أمام مرور القوافل الصهيونية أمام المدينتين وجعلوا قريتهم قاعدة انطلاق لهجماتهم على المستعمرات الصهيونية المجاورة.

تقوم يازو على أرض منبسطة ترتفع نحو 25 م عن سطح الببحر وتبلغ مساحتها 87 دونما. وكانت القلعة التي شيدها ريتشارد قلب الأسد تقوم في قلب القرية فأقيم على أنقاضها جامعة القرية. وأما مساكنها فقد انتشرت حول وسطها الذي اشتمل بالاضافة إلى الجامعة على سوق ومقهى. وفي يازور مدرستان للذكور والاناث أقيمتا على رقعة واسعة من الأرض.

تتكون يازو من أربع حمائل (عشائر) هي حمائل البطانجة والحوامدة والمصاروة والعميريين. وتعيش كل محولة في حارة مستقلة بيوتها من الحجارة أو الطين أو القش. ووتلاصق هذه البيوت في مجموعات لكل مجموعة بوابة ذات نمط قوسي. وفي السنوات الأخيرة من عهد الانتداب البريطاني نما عمران القرية على طول طريق يافا القدس. ونما عدد السكان من 1.284 نسمة عام 1922 إلى 2.337 نسمة عام 1931. وغدوا عام 1945: 1.03 نسمة عمل معظمهم في الزراعة وتربية الأبقار.

كانت مساحة الأراضي التابعة للقرية 11.807 دونمات غرس منهم 30 دونما أشجار زيتون و6.700 دونم أشجار حمضيات. وتعتمد الزراعة على مياه الأمطار والآبار التي بلغ مجموعها في عام 1947 نحو 140 بئرا. وأهم المحاصيل الزراعية ، عدا الحمضيات والزيتون، الحبوب والخضر والبطيخ. وفيها ثروة حيوانية من الأبقار والدواجن. وقد كانت الأبقار الهولندية تنتج كميات كبيرة من الحليب تفيض عن حاجة سكان يازور فيبيعونها في أسواق يافا وتدرج دخلا كبيرا عليهم.

طرد الصهيونيون سكان يازور من ديارهم عام 1948 ودمروا القرية واقاموا على أنقاضها بلدة آزور الصهيونية التي تكاد الآن تلتحم بمدينة حولون ضمن منطقة صناعية مرتبطة بتل أبيب.

المراجع:

- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج4، ق2، بيروت 1972. - ياقوت الحموي: معجم البلدان، مصر 1906. - أنيس صايغ: بلدان فلسطين المحتلة (1948-1967)، بيروت 1968. - الوقائع الفلسطينية: العدد 1375، الملحق رقم 2، 1944.


خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة

شهدت الأمم المتحدة في عام 1974 حدثا فريدا لم تشهده منذ نشوئها عام 1945. فلأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة يقف رئيس حركة تحرير وطنية على منبرها ليلقي خطابا يتحدث فيه عن مطالب حركة التحرير. ففي يوم 13/11/1974 ألقى ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خطابا وجهه إلى وفود دول العالم المشتركة في الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة التي كان يرأسها يومذاك عبد العزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر.

استقبل ياسر عرفات في الأمم المتحدة وقاعة الجمعية وفق المراسم التي يستقبل بها رؤساء الدول حين يقدمون إلى الجمعية العامة لإلقاء خطبهم. وحيته جميع الوفود، باستثناء وفد إسرائيل وبعض الوفود القليلة المناصرة لها، كما تحي رؤساء الدول، وقابلته بتصفيق حاد طويل لم يتوقف إلا عندما رجا ياسر عرفات نفسه أن تسمح له بالقاء خطابه.

جاءت الدعوة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في الدورة التاسعة والعشرين نتيجة لعدة عوامل منها: 1- القرار الجماعي الذي اتخذه مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط (26-30/10/1974 بمبايعة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني (ر: القمة العربية، مؤتمرات). 2- قرارات حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ومنحها العضوية الكاملة فيهما، شأنها في ذلك شأن الدول المستقلة ذات العضوية في المنظمتين المذكورتين. 3- استاع دائرة الدول المعترفة بمنظمة التحرير الفلسطيني والمؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه الوطنية بقيادة المنظمة. 4- نمو حركة التحرر الوطني في صفوف الشعب الفلسطيني، وتنوع أشكال نضاله في مختلف الميادين، واتساع حركة الكفاح المسلح، وتعدد أساليب المواجهة وأشكالها مع العدو الإسرائيلي. 5- حرب 1973 وما قدمته نتائجها من خدمة للقضية الفلسطينية.

وهكذا توافرت العوامل لكي تعود قضية فلسطين إلى جدول أعمال الجمعية العامة (ر: فلسطين في الجمعية العام للأمم المتحدة، قضية، بعد أن طويت منه سنوات كثيرة بسبب انحسار النضال الفلسطيني وسعي إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المناصرة للصهيونية لطي القضية من جداول أعمال الأمم المتحدة والإبقاء على أحد أوجهها وهو مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

أقرت الجمعية العامة في دروتها التاسعة والعشرين (أيلول- كانون الأول 1974) ادراج قضية فلسطين في جدول أعمالها. وكان من الطبيعي أن توجه الجمعية العامة الدعوة إلى منظمة التحرير الفلسطينية لتبعث وفدا يشترك في مناقشة القضية (قرار الجمعية العامة 3210 لتاريخ 14/10/1974).

ترأس ياسر عرفات وفد المنظمة وافتتح بخطابه مناقشة قضية فلسطين في الجمعية العامة. وقد بدأه بشكر الجمعية العامة على دعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في مداولات الجمعية بشأن قضية فلسطين، واعتبر هذه الخطوة انتصارا للمنظمة الدولية كما هي انتصار لقضية شعبنا. وان ذلك يشكل مؤشرا جديدا على أن هيئة الأمم ليست هيئة الأمم بالأمس، فقد أصبحت هيئة الأمم اليوم تمثل 138 دولة، وأصبحت أكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادئ الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام".

وقال رئيس اللجنة التنفيذية: "أن قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار والاضطهاد. واذا كانت الفرصة قد اتيحت لي أن أعرضها أمامكم فإنني لن أنسى أن مثل هذه الفرصة يجب أن تتاح لكل حركات التحرير المناضلة ضد العنصرية والاستعمار. ولهذا فإنني ، باسم هؤلاء المناضلين من أجل الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أدعوكم لأن تعيروا قضاياهم، كما قضيتنا، من همومكم واهتمامكم الأولوية ذاتها".

وأكد ايمانه وايمان منظمة التحرير الفلسطينية بالنضال السياسي والدبلوماسي الذي يكمل ويعزز النضال المسلح، ويعبر عن تقدير المنظمة للدور الذي يمكن للأمم المتحدة أن تقوم به في حل المشكلات العالمية.

ثم عاد ياسر عرفات إلى جذور القضية الفلسطينية فقال في بيان سبب هذه العودة: "مازال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا، ويرتع في حقولنا، ويقطف ثمار أشجارنا، ويدعي أننا أشباح لا وجود لنا، ولا تراث، ولا مستقبل. ولأن هناك من كان يتصور، وإلى وقت قريب، وربما إلى الآن، أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، أو أن مشكلة الشرق الأوسط هي مشكلة خلاف على حدود أو يتصور أن شعبنا يدعي حقوقا ليست له، ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع، إلا لرغبة في تعكير السلام وارهاب الآخرين. ولأن هناك بينكم، وأعنى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، من يموت عدونا بطائراته وقنابله، وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف من موقف العداء، ويعمد إلى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الأمريكي، وعلى حساب وفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع إليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من أجل حريته ووحدة أراضيه كل تقدير".

وأرجع الجذور التاريخية للمشكلة الفلسطينية إلى أواخر القرن التاسع عشر في "عضر الاستعمار والاستيطان وبداية الانتقال إلى عصر الامبريالية، حيث بدأت التخطيط الصهيوني – الاستعماري لغزو أرض فلسطين بمهاجرين من يهود اوروبا .. وكما استخدم الاستعمار، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه، ومرتكزات للاستيطان، كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهيونيون اليهود المحرومين والمضطهدين في اوروبا، للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري -. وأردف "إن الايدويولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب، استخدمت في الوقت ذاته، لاقتلاع اليهود من جذورهم في أوطانهم المختلفة، ولتغريبهم عن الأمم .. ,هكذا، باشرت الحركة الصهيونية، متحالفة مع الاستعمار العالمي، غزها لبلادنا".

وعض عرفات خمس حقائق لخص فيها القضية الفلسطينية: 1- كان سكان فلسطين عام 1881، أي قبل قدوم موجة الهجرة اليهودية إليها، نحو نصف مليون نسمة منهم عسرين ألف يهودي. 2- كانت فلسطين أرضا خضراء معمورة بشعبها العربي. 3- عمدت الحركة الصهيونية إلى تهجير حوالي خمسين ألف يهودي أوربي بين 1882 و1917، كما نجحت في الحصول على وعد بلفور من بريطانيا. في حين خذل كل من الرئيس الأمريكي ويلسون وعصبة الأمم الشعب الفلسطيني وفرضا عليه – قسرا – الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب. 4- نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري في أن تقفز بحجم المستوطنين اليهود في فلسطين إلى 6200 ألف يملكون أقل من 6% من أراضي فلسطينة الخصبة، في وقت بلغ عدد عرب فلسطين نحو مليون وربع مليون نسمة. 5- نجح التحالف الاستعماري الصهيوني في استذدار قرار من الأمم المتحدة يقضي بتقسيم فلسطين بين مواطنيها العرب ومستوطنيها اليهود.

وعلى هذا فإن "أساس المشكلة ليس خلافا دينيا أو قوميا بين دينين أو قوميتين، وليس نزاعا على حدود بين دول متجاورة، إنه قضية شعب اغتصب وطنه، وشرد من أرضه ، لتعيش أغلبيته في المنافي والخيام".

وألقى عرفات الضوء على إسرائيل التي غدت "قاعدة للامبريالية مهمتها اخضاع الشعوب العربية والعدوان عليها طمعا في المزيد من التوسع على الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية".

وأشار رئيس اللجنة التنفيذية إلى "أن فلسطين كانت مهدا لأقدم الحضارات والثقافات، واستمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين". وقال: "كأحد أبناء بيت المقدس احتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة وصور رائعة عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألف في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها". وشدد على أن الشعب الفلسطيني ما زال مصمما على الاستمرار في أداء دوره الحضاري والانساني على أرض فلسطين".

وبعد أن ألقى عرفات نظرة سريعة على المواقف العنصرية لإسرائيل أشار إلى سجل الصهيونية الحافل بمواقف ضد اليهود أنفسهم مثل التمييز العنصري ضد اليهود الشرقيين.

وأكد لو أنه كان تهجير اليهود إلى فلسطين، بهدف العيش كواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات لكنا أفسحنا المجال لهم ضمن امكانات وطننا. وعلى هذا فان الثورة الفلسطينية منذ البداية لا تقوم على أسس عرقية أو دينية عنصرية، وليست موجهة للانسان اليهودي من حيث كونه انسانا، وانما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان". ثم قال: "وبهذا المعنى فإن ثورتنا هي أيضا من أجل الانسان اليهودي، إننا نناضل من أجل أن يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز عنصري أو ديني". ولهذا فإن الثورة الفلسطينية تفرق بين اليهودية والصهيونية". "وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية فاننا نحترم الدين اليهودي".

ودعا رئيس اللجنة التنفيذية "جميع الشعوب والحكومات لمجابهة مخططات الصهيونية الرامية إلى تهجير مزيد من يهود العالم من أوطانهم ليتغصبوا أرضنا، وندعوهم في الوقت نفسه، للوقوف في وجه أي اضطهاد للانسان بسبب دينه أو جنسه أو لونه".

ثم تسائل ياسر عرفات قائلاا: "لماذا يدفع شعبنا العربي الفلسطيني الثمن؟ لماذا يتحمل شعبنا ووطننا مسؤولية مشكلة الهجرة اليهودية".

واتهم عرفات بالتضليل أولئك "الذين ينعتون ثورتنا بالإرهاب" مؤكدا "أن الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والإرهابي. فمن يقف في جانب قضية عادلة، ومن يقاتل من أجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار، لا يمكن أن ينطبق عليه، بأي شكل من الأشكال صفة إرهابي، والا اعتبر الشعب الأمريكي حيث حمل السلاح ضد الاستعمار البريطانيا إرهابيا، واعتبر المقاومة الأوربية ضد النازية إرهابا".

ثم استعرض أساليب القهر والإرهاب التي تمارسها حكومة إسرائيل ضد العرب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة، فضلا عن جريمة مدرسة بحر البقر في مصر، وتدمير مدينة القنيطرة السورية، وتدمير قرى جنوب لبنان، وتهجير أهلها والاعداد لسرقة مياه الليطاني.

وانتقل ياسر عرفات إلى استعراض نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني، ثم استمرار هذا النضال بعد نكبة 1948 في شكل نضال سياسي من أجل حقوقه. وقال: "وعندما خابت آمال شعبنا بالأسرة الدولية التي نسيته وتغافلت عنه حقوقه، وثبت لشعبنا عجز النضال السياسي وحده عن استعادة أرض من وطنه، لجأ شعبنا إلى الثورة.. وواجه شعبنا ببسالة ارهابا إسرائيليا لا يتخيله بشر ليثينه عن طريق النضال. ومن خلال ثورة شعبنا المسلحة تبلورت قيادته السياسية، وترسخت مؤسساته الوطنية، وبنيت حركة التحرير الوطنية التي تضم كل فصائله وتنظيماته وقدراته التي جدتها منظمة التحرير الفلسطينية".

وأشار إلى تنوع أساليب النضال التي يمارسها الشعب الفلسطيني وتشمل النضال السياسي والاجتماعي بالاضافة إلى النضال المسلح كما نوه بقيام منظمة التحرير الفلسطينية بمآثر حضارية وثقافية كثيرة فقال: "وكنا بذلك النقيض لعدونا الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الأفكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب والتقدم والعدل والديموقراطية والسلام".

وأشار عرفات إن أن منظمة التحرير الفلسطيينة اكتسبت شرعيتها من طليعيتها في التضحية، ومن قيادتها للنضال بكافة أشكاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية التي أولتها قيادة العمل واستجابت لتوجيهها، واكتسبتها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية. وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الأمة العربية كلها لها. كما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العربي الأخير بتأكيد حق منطقة التحرير الفلسطيينة في اقامة السلطة الوطنية المستقلة على كل الأراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها، بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. كما أن شرعيتها تعمقت من خلال دعم الإخوة في حركات التحرر ودول العالم الصديقة المناصرة".

وخاطب عرفات ممثلي دول العالم قائلا: "فلنعمل معا على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي .. في ظل دولة واحدة ديموقراطية يعيش فيها المسيحي واليهودي والمسلم في كنف المساواة والعدل والاخاء.. إننا عندما متحدث عن آمالنا المشتركة من أجل فلسطين الغد، فنحن نشمل في تطلعاتنا كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا في سلام، ودون تمييز ، على أرض فلسطين.

وفي ختام خطابه وجه ياسر عرفات الكلمة إلى ممثلي دول العالم فقال: "إنني كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطيني، وكقائد للثورة الفلسطينية، أتوجه إليكم أن تقفوا مع نضال شعبنا من أجل تطبيق حقه في تقرير مصيره، هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكم وأقرته جمعيتكم الموقرة في مناسبات عديدة. وانني أتوجه إليكم، أيضا من أجل أن تمكنوا شعبنا من العودة من منفاه الإجباري الذي دفع غليه تحت حراب البنادق وبالعنف والظلف، ليعيش في وطنه ودياره وتحت ظلال أشجاره حرا سيدا متمتعا لكافة حقوق القومية، ليشارك في ركب الحضارة البشرية، وفي مجالات الابداع الانساسي دائما عبر التاريخ، ويجعلها قبلة حرة لجميع الأديان بعيدا عن الإرهاب والقهر. كما أتوجه إليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على أرضه.. لقد جئتكم بعصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين".

وقد أشارت الجمعية العامة في مقدمة قرارها رقم 3236 (تاريخ 22/11/1974) الخاص بحقوق الشعب الفلسطيني إلى هذا الخطاب واعتبرته مستندا للقرار حين قالت إنها "استمعت إلى بيان منظمة التحرير الفلسطيينة الممثلة للشعب الفلسطيني (ر: الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني). وفي اليوم ذاته أصدرت الجمعية العامة أيضا قرارا رقم 3237 منحت فيه المنظمة مركز المراقب في الجمعية العامة. وهو أول حدث من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة (ر: منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم التحدة".

المرجع: - مؤسسة الدراسات الفلسطينية: الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، بيروت 1976.

ياصور (قرية)=

قرية عربية تقع في أقصة الطرف الشمالي لقضاء غزة. وقد يكون اسمها تحريفا لكلمة "آصوري" أحد ملوك أسدود في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد. ولموقعها الجغرافي أهمية منذ القديم. فقد كانت في عهد المماليك محطة من محطات البريد بين غزة ودمشق. وفي عهد الانتداب البريطاني كانت تتصل بالطرق الرئيسة المعبدة شمالا إلى الرملة ويافا وشرقا إلى القدس. وجنوبا بغرب غزة.

نشأت ياضور فوق رقعة منبسطة من السهل الساحلي الفلسطيني بقدر ارتفاعها بنحو 50 م عن سطح البحر. ويمر بطرفها الجنوبي وادي الزريق الذي يرفد وادي الغربي أحد روافد وادي العسل المتصل بوادي صقرير. وهي مكتظة متراصة تخترقها أزقة متعرجة. وقد امتدت في أواخر عهد الانتداب البريطاني وتوسعت فوق مساحة بلغت 35 دونما. وفي وسطها بعض الدكاكين وجامعة حديث جميل ومدرسة تأسست عام 1923. وكان الأهالي يعتمدون على الآبار في الحصول على مياه الشرب.

بلغت مساحة أراضي ياصور نحو 16.390 دونما منها 322 دونما للطرق والأودية و2.871 دونما تملكها الصهيونيون. وتتوافر فيها مصادر المياه الجوفية، ولاسيما مياه الآبار التي يراوح عمقها بين 25.40 م. وأراضي ياصور من نوع تربة البحر المتوسط الطفلية الحمراء الخصبة التي تجود فيها زراعة الحمضيات. وقد قام الأهالي خلال السنوات الأخيرة من عمر قريتهم بزراعة الحمضيات في مساحة واسحة من أراضيهم الزراعية وقدرت المساحة المغروسة أشجار حمضيات بنحو 1.337 دونما منها 741 دونما للصهيونيين وإلى جانب الحمضيات اشتهرت أراضي ياصور بزراعة أشجار الزيتون والحبوب والخضر الصيفية والشتوية، وكان انتاجها كبيرا. وتعتمد الزراعة على الأمطار التي تهطل بكميات كافية للزراعة الشتوية والصيفية على السواء. وعلاوة على ذلك كان المزارعون يعتمدون على مياه الآبار في ري البساتين وبيارات البرتقال التي تحيط بالقرية من معظم الجهات.

بلغ عدد سكان ياصور في عام 1922 نحو 456 نسمة، وازداد العدد في عام 1931 إلى 654 نسمة كانوا يقيمون في 129 بيتا. وقدر عدد سكان ياصور في عام 1945 بنحو 1.070 نسمة. وقد تعرض هؤلاء السكان للعدوان الصهيوني في عام 1948 فتشردوا من ديارهم ودمرت قريتهم. وقد قام الصهيونيون بتأسيس مستعمرة هستور أشدود على أراضي ياصور.

المراجع: - مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج1، ق2، بيروت 1966. - خريطة فلسطين: مقياس 1:50.000، لوحة أسدود.


يافا (مدينة)

مدينة عربية تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وقد تعرضت للاحتلال الصهيوني منذ عام 1948.

أ‌- الاطار الطبيعي

- الموقع الجغرافي: تقع مدينة يافا على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط إلى الجنوب من نهر العوجا بنحو 7 كم، وإلى الشمال الغربي من مدينة القدس بنحو 60 كم. ولموقعها أهمية خاصة لأنها تطل على البحر المتوسط ذي المياه الدافئة والهادئة نسبيا. فهي احدى نوافذ فلسطين على البحر المتوسط، بل هي إحدى البوباب الرئيسية الغربية لفلسطين. وعبرها يتم اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط والدول الأوروبية والإفريقية والأمريكية. وقد كان ليافا منذ القدم دورا كبيرا في ربط فلسطين بالعالم فكانت محطة رئيسية تتلاقى فيها بضائع الشرق والغرب، وكانت جسر عبور للقوافل التجارية بين مصر وبلاد الشام لأنها في منتصف السهل الساحلي الفلسطيني الذي يعد من أكثر الطرق التجارية يسرا وسهولة وأمنا. وعلاوة على ذلك كان السهل الساحلي معبرا مفضلا للغزوات الحربية والجيوش المتجهة نحو مصر جنوبا، أو نحو بلاد الشام شمالا وشرقا.

أدى افتتاح ميناء يافا عام 1936 إلى ازدهار المدينة ونشاطها الاقتصادي فشهدت حركة تجارية منقطعة النظير. وكانت تخدم ظهيرها القريب الذي يقع خلفها مباشرة ويتمثل في السهل الساحلي الغني بموارده الزراعية والبشرية. وتخدم ظهيرها البعيد المتمثل في الجزء الشرقي من فلسطين وفي بلاد شرق الأردن والعراق.

ومما ساعد على نمو يافا وازدياد نشاطها الاقتصادي كونها عقدة مواصلات برية وبحرية. فطريق السهل الساحلي الرئيسية المعبدة وخط سكة حديدة القنطرة رفح حيفا يمران بها. وهي تربط بالقدس عبر مدينتي اللد والرملة بطريق رئيسية معبدة وخط للسكة الحدييدة. وتربطها طريق معبدة رئيسية أخرى ببير السبع والخليل وخليج العقبة. وكانت ترسو في مينائها مئات البواخر سنويا لشحن البضائع وتفريغها. ولكن الاحتلال الصهيوني ليافا عمل على اهمال مينائها إلى أن أغلق نهائية في تشرين الثاني 1965.

2- طبيعة أرض يافا: أنشئت مدينة يافا وسط اقليم السهل الساحلي على ربوة ترتفع نحو 35 م عن سطح البحر وتنحدر إليه بشدة وببطء إلى السهول الخصبة المجاورة لها. ويمتاز اقليمها بانبساط أرضه وخصب تربته وتوافر مياهه واعتدال مناخه واستقامة ساحله. ولا يستبعد أن تكون الاستقامة ناجمة عن ارتفاع الأرض اليابسة وتراجع مياه البحر. وتتفاوت طبيعة ساحل يافا المستقيم ما بين جروف صخرية ينتصب فيها فيعلو نحو 35 م عن سطح البحر حيث موضع مدينة يافا، وشواطئ رملية ضحلة تكتنفها المستنقعات عند مصبا بعض المجاري المائية. ويمتد ميناء يافا على ساحل مكشوف تتخلله صخور خطرة تحتم على البواخر أن ترسوا بعيدا عنه.

تتألف الأرض التي تقوم عليها يافا والمنطقة المحيطة بها من تكوينات الحقبة الرابعة. وقعد تجمعت في العصر الحديث من اختلاط الرمال التي تدفعها أمواج البحر المتوسط نحو الشرق بالطمي الذي تنقله الأودية المنحدرة من المرتفعات الجبلية وترسبه في السحل الساحلي. ونشأ من هذا التمازج في المواد الأصلية ما يعرف بتربة البحر المتوسط الحمراء. وتعد هذه التربة الطفلية لقوامها وتركيبها من أخصب الترب في فلسطين. وهي صالحة لزراعة جميع أنواع المحاصيل الزراعية بصفة عامة، وللحمضيات بصفة خاصة. وتتوافر لهذه التربة ميزة التهوية وجودة الصرف.

يجري في أراضي يافا الشمالية نهر العوجا الذي يصب في البحر المتوسط شمالها بنحو 7 كم.ويطلق على مجراه الأدنى قبيل مصبه في البحر اسم نهر جريشة. وتمتد على جوانب النهر بساتين الحمضيات الجميلة التي جعلت من هذه البقعة متنزها محليا لسكان يافا يؤمونه في عطل نهاية الأسبوع وأثناء المناسبات والأعياد. وبالاضافة إلى المياه السطحية المتوفرة في نهر العوجا تتوافر في اقليم يافا المياه الجوفية. وقد حفر الأهالي مئات الآبار في أراضيهم الزراعية المجاورة. ولكن الضخ الجائر لمياه الآبار في أواخر عهد الانتداب عرض بعضها لهبوط مستويات مياهها وتملحها، وبالغرم من ذلك ظلت المياه الجوفية تتدفق بغزارة وعذوبة وتساهم في تزويد المنطقة بمياه الشرق والري. وتوجد المياه فيها على أعماق مختلفة يزيد معظمها على 20م.

3- المناخ: تتبع يافا مناخ البحر المتوسط ذا الحرارة المعتدلة نسبيا. وتراوح درجات الحرارة في شهر آب بين حد أدنى قدره 22 درجة وحد أعلى قدره 31 درجة. في حين تتراوح درجات الحرارة في شهر كانون بين 8 و18 درجة. ويندر أن يحدث الصقيع أو يسقط الثلح في منطقة يافاِ، الأمر الذي يساعد أشجار الحمضيات على النمو ويحفظها من أخطار الصقيع.

وتهطل أمطار يافا خلال النصف الشتوي من السنة، بين شهري تشرين الأول ونيسا، بسبب ما تتعرض له من منخفضات جوية وأعاصير ورياح غربية. ويتجاوز متوسط كميتها السنوية 500 مم. ولكن الأمطار تتباين بشدة من سنة لأخرى. فقد هطل أعظم متوسط ينوي ، وهو 880 مم، في عام 1938-1939، وأدنى متوسط ، وهو 308 مم، في عام 1932-1933. ويضاف إلى كمية الأمطار ما يتكاثف من ندى خلال 200 ليلة في كل سنة تقريبا، وتبلغ حصيلة الأرض من ماء هذا الندى قرابة 30 مم.

والرطوبة النسبية في مدينة يافا عالية صيفا وشتاء. فمعدلها لكل من آب وكانون الثاني قرابة 72%. ويسبب ارتفاع معدل الرطوبة النسبية، ولا سيما في أشهر الصيف، مضايقات شديدة للسكان.

ب‌- النشأة والنمو: أكسب الموقع الجغرافي لمدينة يافا أهمية حربية وتجارية وزراعية بالاضافة إلى ما تثيره في الأذهان من ذكريات دينية. وكانت على مر التاريخ معبرا للغزاة والتجار والحجاج، بل كانت بابا لفلسطين ومدخلا إلى القدس. فقد تطلعت إلهيا دول وأقوام كثيرة وحوصرت وفتحت وخربت وأعيد بناؤها مرارا. ويصور تاريخا بشكل عام تاريخ البلاد بكل دقائقه.

• اسم المدينة: يافا تحريف لكلمة "يافي Yafi" الكنعانية أي الجميلة. وقد جاء ذكر الاسم بلفط "يابو Ya-Pu" على جبهة معبد الكرنك. وورد في رسائل العمارنة "يابو أو" باللغة البابلية والخط المسماري. وقد عرفها اليهود باسم "يافو Yafo" تحريفا للاسم الكنعاني. وبدل اليونان اسمها فدعوها "جوبي Joppe". وجاءت "يافة" في بعض الكتب العربية. وأطلق عليها الفرنجة أيام الحروب الصليبية اسم "جافا Jaffa".

• تاريخ المدينة القديم (4000-2500 ق.م.): أصبح ساحل فلسطين في بداية الألف الرابع قبل الميلاد مأهولا بالسكان الذين بدت لهم رابية يافا موقعا مثاليا للاستيطان الدائم لأنها على الطرف الجنوبي للغابات التي كانت تغطي القسم الشمالي من الساحل البحري وراء مجرى نهر العوجا حيث تتوافر الحجارة والأخشاب والمياه المعدنية والغذاء الكافي.

ومنذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بدأت هجرة الموجات السامية من الجزيرة العربية نحو غربي آسيا. ويعود بناء مدينة يافا إلى الموجة الثالثة التي غطت الساحل السوري. وكانت كسائر المدن الكنعانية مملكة بحد ذاتها تتألف من قلعة في أعلى الرابية فيها قصر الملك وأماكن العبادة، ومجموعة غير منظمة من البيوت الحجرية الصغيرة على المنحدر باتجاه الساحل يحيط بها سور حجري قوي تدعمه أبراج وله بوابة واحدة.

وإلى جانب الصيد والزراعة ظهرت بعض الصناعات المبكرة في يافا كالغزل والنسيج وعصر الزيوت والخمور وصناعة الفخار. وبدأت بتقدم بناء السفن علاقات التجارة مع مصر وساحل آسيا الصغرى وجزر بحر إيجة فظهرت تأثيرات الفن المصري والإيجي في يافا ومدن الساحل الفلسطيني واستبدل بالحجر النحاس والبرونز المستوردان لصناعة السلاح. ولا يعرف ما اذا كانت الفتوحات السومرية والبابلية في الألف الثالث قبل الميلاد قد وصلت جنوبا حتى يافا. ولكن حاكم يافا بعد ذلك بقرون كان يستخدم اللغة البابلية والخط المسماري في رسائله إلى ملك مصر.

3- خلال العصر المصري في فلسطين (2500-853 ق.م.): يظن أن يافا أصبحت القاعدة البحرية التي ينتقل إليها الجنود من مصر. وقد ذكرت ضمن 113 مدينة احتلها تحتمس الثالث (القرن 15 ق.م.). وظلت تحت السيطرة المصرية حتى فترة غزة الخابيرو للبلاد (أوائل القرن 14 ق.م.) فكانت قلعة هامة ومركز حامية مصرية، وكان يحكمها أمير محلي باسم فرعون مصر.

ازدهرت أحوال يافا بعد انتصار رعمسيس الثاني على الحثيين (النصف الأول من القرن 13 ق.م.) وعرف عمالها بالمهارة، وأهلها بالغنى ، واشتهرت حدائقها بالجمال وجودة الثمار.

تمكنت القبائل العبرانية التي عبرت نهر الأردن بقيادة يوشع بعد عام 1205 ق.م. من احتلال يافا. وكان اليهود الذين نزلوا بدوا فلم يستطيعوا العيش مع سكان المدينة المتحضرين.

وفي الفترة نفسها ظهر الفلسطيون على أبواب يافا في طريقهم إلى غزو مصر فاستطاع رعمسيس الثالث أن يهزمهم. وربما يكون قد جمع سفنه عند يافا التي ظلت مركز حامية مصرية ترتبط بمصر مباشرة، ونقطة مراقبة، وقاعدة إنزال للقوات عند الضرورة. وعلى الرغم من أن الفلسطيين كانوا قد أصبحوا ساميين بلغتهم وعاداتهم وديانتهم فإن المدن الساحلية، ومنها يافا، ظلت أكثر تقبلا للتأثيرات الإيجية بسبب الصلات التجارية بين هذه المدن وبلاد بحر إيجة وقبرص وكريت.

اشتهرت يافا أوافر القرن التاسع عشر قبل الميلاد بحادث النبي يونس الذي ابتلعه الحوت وقذفع إلى الشاطئ شمالها في موقع قد يكون النبي يونس – أو تل يكونس – بينها وبين مصر نهر روبين.

احتل داود يافا والسهل الساحلي في القرن العاشر قبل الميلاد فتحالفت مصر مع دولته الجديدة لحماية حدودها الشمالية من الأشوريين. وعلى الرغم من ذلك ظلت السيادة المصرية على السهل الساحلي قائمة، وعرفت يافا ازدهارا اقتصاديا وسم فترة حكم سليمان.

4- أيام الحكم الأشوري والبابلي والفارسي (803-332 ق.م.): أخضع سنحاريب الأشوري يافا مع مدن الساحل الفلسطيني وخربها. ثم احتل نبوخذ نصر البابلي فلسطين عام 587 ق.م. وقضى على آخر محاولات ملك مصر لاعادة نفوذ مصر إلى آسيا بدعم من ملك يهودا. وفي عام 538 ق.م. دخلت فلسطين في حوزة كورش الذي سمح لليهود باعادة بناء الهيكل. وحمل أهل صور وصيدا الأرز من لبنان بطريق البحر فنزلوا يافا حسب الإجازة الممنوحة لهم من كورش.

شهدت يافا في عام 525 ق.م. توقف أسطول قمبيز بن كورش في طريقه لاخضاع مصر. وقد منح قمبيز ملك صيدا مدينتي دور (الطنطورة) ويافا تقديرا لخدمات الأسطول الفينيفي. وإلى هذه الفترة من السيادة الصيدونية على يافا يعود بناء معبد الاله الفينيقي أشمون. ثم عادت يافا إلى الإدارة الفارسية المباشرة 16 سنة أخرى.

5- المرحلة اليونانية – الهلنستية في ياف (332-66 ق.م.): كانت يافا بسبب صلاتها التجارية مع جزر بحر إيجة من أكثر المدن تقبلا للحضارة اليونانية. وقد استوطنها عدد من اليونانيين وأطلقوا عليها اسم جوبي اليوناني. وروت أساطير اليونان أن الأميرة أندروميدا كانت موثقة السلاسل عند صخور يافا. وقد أنشأ الاسكندر في يافا أول دار لسك النقود في فلسطين.

تنازع يافا قواد الإسكندر بعد موته عام 232 ق.م. فأصبحت أحد أهم المراكز الهلنستية في فلسطين. وشهدت فترة ازدهار أيام حكم بطليموس ملك مصر لفلسطين (ر: مصر الهلنستية).

ثم حكم السلوقيون يافا. وفي أيامهم حدثت ثورة المكابيين ونال اليهود على أثرها نوعا من الاستقلال الذاتي. وقد استغل جوناثان أخو يهودا القلاقل الداخلية في المملكة السلوقية كي ينال حق الإشراف على الساحل كله من صور شمالا حتى حدود مصر جنوبا. وقد قاوم أهل يافا التي كانت قاعدة كبرى للعمليات السلوقية حكم جوناثان فدخل المدينة مرتين ، وأجلى سكانها اليونان، وقوى تحصيناتها وحسن مينائها.

حاول السلوقيون استرداد يافا والساحل الفلسطيني (113 ق.م.) فاستنجد المكاييون بالرومان فأعادوا يافا إلى اليهود حلفائهم. وقد ادعى هؤلاء الملك (104 ق.م.) وسكوا النقود التي تحمل صورة مرساة السفينة.


6- تحت حكم الرومان والبيزنطيين (66 ق.م. – 363 م): قضى الرومان على نفوذ الماكبيين السياسي فأعلنت المدن الساحلية، ومنها يافا، مدنا حرة لها قدر كبير من الحكم الذاتي. وتعود إلى هذه المرحلة قطع النقود التي تحمل صورة أندروميدا وه يتجلس على صخرة وترفع يديها إلى السماء.

وقد كافأ يوليوس قيصر أنتيباتر حاكم أدوم وصديق الميكابيين على مساعدته إياه في حملته على مصر فجعله حاكما على يهودا (49 ق.م.) وملكه يافا ومنحه امتيازات كثيرة. ثم ثبت مارك أنطونيوس أبناء انتيباتر الذين تهودوا على حكم يافا. ولكن هؤلاء الحكام لم يتمكنوا من كسب ولاء سكانها فقام أحدهم، وهو هيرودس، بانشاء ميناء قيارية لينافس يافا ويكون بديلا عنها.

انتقلت يافا والمدن الساحلية الأخرى إلى حوزة كليوباترة. وبعد سقوطها أعاد أغسطس قيصر يافا إلى هيرودس (30 ق.م.) . وبعد موت هيرودس أنهى أغسطس استقلال المناطق اليهودية، وألحقها بولاية سورية ففصلت يافا إدارية عن القدس وأعيد توحيدها مع المدن العشر الممتازة الساحلية التي تتبع الحكام أو النواب الرومانيين، ومركزهم في قيسارية.

كان سكان يافا من أوائل من اعتنق المسيحية. وكانت المدينة مركزا لنشاط الرسول بطرس. وقد ذكرت في سفر أعمال الرسل من العهد الجديد. وأقيم فيها كرسي أسقفية تابعة لبطريكرية القدس. وأنشئت فيها كنيسة القديس بطرس، وأصبح الحجاج يأتون غليها فيما بعد ليزارة قبر طابيثا (اسم آرامي معناه غزالة، قرب مقام الشيخ أبو كبير) وبيت سمعان الدباغ (عند جامعة الطابية حاليا) وهما مكانان يرتبطان ببطرس. وفي هذه المرحلة انتشرت مساكن يافا على مساحات واسعة خارج الأسوار.

غدت يافا مسرحا للحوادث خلال ثورة اليهود ضد روما في القرن الأول الميلادي. وقد استولى الرومان عليها ونهبوها وأحرقوها وقتلوا الكثيرين من يهودها. ثم عاد من نجا منهم إلى خرائبها وامتهنوا لاقرصنة على السواحل السورية المصرية. وأعاد الرومان احتلال يافا أيام نيرون (68 م) فهدموها وأقاموا معسكرا محصنا على رأس رابيتها لمنع اليهود من العودة إليها. وقد سك القادة الرومان في ذكرى انتصارهم نقودا يشير بعضها إلى تحطيم السفن اليهودية في يافا، الأمر الذي يدل على الأهمية العسكرية التي حملت الرومان على احتلالها.

وقع يافا زمنا قصيرا في حكم زنوبيا ملكة تدمر قبل أن يقضي الإمبراطور أورليان على نفوذ هذه الملكة عام 273م. ولم يكن لوقوع يافا تحت حكم الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) من أثر يذكر في حياة أهل المدينة ومظهرها سوى ازدياد أهميتها التجارية.

7- من الفتح الاسلامي إلى حروب الفرنجة الصليبيين (363 م -1099م): فتح عمرو بن العاص يافا عام دخول عمر بن الخطاب القدس (15 هـ/636م)، ويقال فتحها معوية. وعاد إليها اسم يافا القديم، وأكملت القبائل العربية التي نزلت فلسطين عملية تعريب سكانها ولغتها. وقد ظلت طوال قرون الحكم العربي من مدن فلسطين الهامة، ومركزا تجاريا رئيسيا، ومرفأ لبيت المقدس، ومرسى الحجاج، وإلهيا ينسب عدد من الفقهاء ورواة الحديث.

وحين استقل أحمد بن طولون بمصر عن الخلافة العباسية (القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي) دخلت فلسطين في ممتلكاته. وقد بنيت في عهده قلعة يافا وعرف حيها باسم الطابية. ونقل إليها ابن خمارويه بالأسطول قسما من جيشه الذي هزم به الخليفة العباسي في معركة الطواحين (271 هـ/885م) وربما كانت الطواحين المقامة على نهر العوجا شمالي ياف. وقد أصبحت يافا في أواخر القرن الثالث الهجري مركزا تجاريا رئيسيا لكونها ميناء الرملة عاصمة البلاد أنذاك.

ولما وقع الصدام بين القرامطة والفاطميين حكام مصر الذين مدوا سلطانهم حتى دمشق في منتصف القرن الرابع الهجري تراجع الفاطميون واحتوا بيافا فحاصرها القرامطة واستولوا عليها. ثم عاد الفاطميون وأخرجوهم منها وقضوا على نفوذهم. ويصف المقدسي يافا في هذه الفترة بأنها خزانة فلسطين، وقرضة الرملة، وعليها حصن منيع بأبواب مجددة، وباب البحر كله حديد.

وكانت يافا مركزا لتبادل الأسرى على الساحل السوري. وقد أصابها زلزال شديد عام 425 هـ/1033 م فأحدث فيها خرابا كبيرا (ر:زلزال). ولكن ذلك لكه لم يمنع نزوال الحجاج الأوروبيين فهيا تحملهم إليها الأساطيل الإيطالية في طريقهم إلى القدس.

ثم حكم السلاجقة فلسطين وفيها يافا (468 هـ/1075م) فهدم القائد السلجوقي أتز بن أوق الخورازمي سور المدينة وفي هذه المرحلة من الصراع السلجوقي الفاطمي وصلت أولى حملات الفرنجة الصليبية.

8- حروب الفرنجة الصليبية (1099-1268م): اتبع الفرنجة في سيرهم نحو القدس الطريق الساحلي من أنطاكية حتى يافا ليظلوا على اتصال بالمراكب التي تحمل المؤن والمدد. وبوصول أخبار التقديم الصليبي إلى يافا أخلتها حاميتها من السكان وهدمتها وميناءها لمنع الصليبيين من استخدام قاعدتها. ولم يستطع الأسطول الفاطمي الراسي في قاعدة عسقلان أن يمنع سفن جنوة وبيزا من إنزال المؤن والأعتدة في ميناء يافا (ر: الجنويون) و(ر: البيازنة). ولما تم استيلاء الفرنجة على القدس عادوا إلى يافا وشرعوا يعيدون بناءها وبناء أسوارها وقلعتها ومينائها. ورجع بعض السكان إلى المدينة واستقروا فيها وإلى جانبهم عدد كبير من الفرنجة. وحيثما أقيمت مملكة القدس اللاتينية آخر عام 492 هـ/1099م جعلت يافا وما جورها كونتية تابعة لها على النمط الاقطاعي. وبعد الاستيلاء على عسقلان ألحقت بها ودعيت كونتية يافا وعسقلان. وقد أعيد تأسيس اسقلية يافا، ومنح غودفري دي يويون سنة 504 هـ/110 م أهل بيزا حق تملك ربع المدينة، ومنح أهل البندقية امتيازات أخرى مقابل مساعداتهم العسكرية، الأمر الذي جعلهم سادة التجارة الخارجية في يافا.

وعادت يافا إلى حكم العرب المسلمين مدة 11 سنة فقط خلال الاحتلال الفرنجي. وقد سعى الصليبيون لصبغها بالصبغة الفرنجية، وظلت المنفذ الوحيد لمملكة القدس اللاتينية. ولما فقد الفرنجة القدس أصبحت عكا الميناء العسكري الرئيسي واحتفظت يافا بالمكانة الأولى في التجارة والحج.

ولما هزم صلاح الدين الصليبنيين في معركة حطين (583 هـ/1187م) أمر أخاه الملك العادل بالتوجه إلى فلسطين فاستولى على حسن يابا وسار إلى يافا فاستولى عليها. ثم أمر صلاح الدين بهدمها مع غيرها من المراكز الساحلية خوفا من أن يستخدمها الفرنجة بعد استيلاء جيوش الحملة الصليبية الثالثة على عكا بقيادة ريتشارد ملك انكلترا وفيليب أغسطس ملك فرنسا. ودخلها الفرنجة بعد معركة أرسوف الشهيرة (1191م) بين صلاح الدين وريشارد. فشرع هذا يعيد بناء أسوارها وأبراجها. ثم استطاع صلاح الدين فتحها (558 هـ/ 1192م) فقاد ريشارد النجدا إليها من عكا. وبدأت آنئذ المفاوضات بين ريشارد والملك العادل نيابة عن صلاح الدين فانتهت بصلح الرملة (22 شعبان 593 هـ/12 أيلول 1192م). ثم استرد الملك العادل يافا ولكنه عاد فتنازل عتها صلحا لجيوش الحملة الصليبية الخامسة (600 هـ/1204م). ونزل يافا فردريك الثاني امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة الذي كان يقود الحملة الصليبية السابعة. وحصنها وعقد مع الملك الكامل صلح يافا (627 هـ/1229م) الذي تملك بموجبه الفرنجة المدينة. وأصلح فريدريك أسوار يافا، وقد تكون قطعة المرمر النقوشة التي عثر عليها في أواخر القرن التاسع عشر عائدة إلى عملية الاصلاح هذه.

نزل يافا عام 650 هـ/1252م لويس التاسع بعد خلاصه من الأسر في مصر، وأعاد بناء أسوار المدينة فامتدت إلى البحر، وشيد 24 برجا، وحفر الخنادق حول الأسوار، وأنشأ كنيسة وديرا للفرنسيسكان.

فتح الظاهر بيبرس أول سلاطين المماليك يافا عام 667 هـ/1283م ضمن البلاد التي يملكها قلاوون باسم مملكة يافا والرملة.

9- في عهد المماليك (667 هـ/1268م – 922 هـ/1516م): لم يدم خراب يافا طويلا. فقد عاد إليها أهلها وعمرت بيوتها وأعيد بناء قلعتها وترميم أسوارها واستأنفت السفن التجارية، ولا سيما الايطالية، الرسو في مينائها. وقد زارها أبو الفداء صاحب حماة عام 722 هـ/ 1321م فوصها في "تقويم البلدان" بأنها بلدة صغيرة كانت حصنا كبيرا فيه أسواق عامرة ووكلاء التجار وميناء كبير فيه مرسى المراكب الواردة إلى فلسطين والقادمة منها إلى كل بلد.

لكن السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون أمر بتخريب ميناء يافا عندما وصلته عام 738 هـ/1337م أخبار الاستعداد لحملة صليبية جديدة. ويبدو أن مدينة يافا هجرت وأصبحت خرابا في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي. وقد يعزى هذا إلى هجرات البدو، وإلى تخريب أحدثته حملة صليبية قام بها ملك قبرص نهب فيها الاسكندرية ومدن الساحل السوري . ولم يتجر أية محاولة لاعادة بناء المدينة مدة ثلاثة قرون. ولكن الموقع نفس ظل محط نزول التجار وكان رسو سفن الحجاج إلى القدس. وكان جند السلطان يقيمون في برجي القلعة الرممين لحماية الحجاج.

10- من دخول العثمانيين إلى خروج ابراهيم باشا (823 هـ/ 1517م – 1256 هـ/ 1840خ: أصبحت يافا كغيرها من المدن الفلسطينية، تابعة لولاية دمشق (ر: الادارة). وظلت على حالها من الخراب والهجر. ولم يترك دخولها في حكم الأمير فخر الدين بن قرقماز المعني الثاني (980هـ:1572م – 1045 هـ/1635م) أثرا عمرانيا فيها سوى أن تكون القلعة والأسوار قد رممت. وقد أقامت الطوائف المسيحية فيها بيوتا لاستضافة الحجاج في أواسط القرن السابع عشر. وأعاد العثمانيون تحصين المدينة وعززوا حاميتها وحسنوا ميناءها. وقد جذب ذلك إليها التجار من المناطق المجاورة، ولاسيما الرملة، للاقامة فيها فامتدت البيوت على منحدرات الرابية، وتحسنت أحوال المدينة وراجت أسواقها وقصدتها السفن من مصر وأوروبا، واحتل الفرنسيون يمثلهم نائب قنصل تابع لقنصل فرنسا في دمشق المكان الأول في تجارتها، وتلاهم في ذلك الانكليز. وسكن المدينة علاوة على أهلها بعض التجار الأتراك واليونان والفرنسيين. وف يعام 1081 هـ/1671م وصلت إلى مينائها الأخشاب التي استخدمت في تجديد سقف كنيسة المهد.

كانت يافا لا تزال بلا أسوار وتابعة لباشا غزة في مطلع القرن الثامن عشر. وقد بدأ احياء بعض الصناعات فيها كصناعة الصابون وغزل القطن. وفي منتصف هذا القرن شهدت حركة عمرانية، وزادت فيها حركة المسافرين، وورد أول ذكر لبرتقال يافا عام 1165هـ/1751م في كتاب عالم الطبيعة السويدي فريدريك هاسل هويست عن رحلاته في الشرق. وقد بلغ عدد بيوت يافا عام 1180هـ/1766م ما بين 400 و500 بيت، وغطت البساتين مساحات واسعة من أراضي المستنقعات حولها وأصبح لكثير من الدول الأوروبية ممثلون فيها.

وصلت إلى يافا عام 1180هـ/1766م الحملة التي بعث بها علي بك الكبير المملوكي حاكم مصر بقيادة محمد ابي الذهب لمعاونة الشيخ ظاهر العمر في قتاله والي دمشق العثماني عثمان باشا. وقد دخلها ظاهر العمر وأقام حامية فيها وفتح الطريق أمام جيش أبي الذهب ليتقدما معا نحو دمشق. وبعد فشل هذه الحملة تقوى الفريق الموالي للعثمانيين في يافا وطرد حامية ظاهر العمر واستولى على الأسطول المصري الصغير الموجود في الميناء فقام ظاهر العمر بالاستيلاء على يافا في شباط عام 1187هـ/ 1773م بعد حصار دام ثمانية أشهر وعين علي بك المملوكي الذي كان قد لجأ إليه حاكما عليها.

حاصر أبو الذهب (الذي أصبح حاكم مصر) يافا وفتحها سنة 1189هـ/1775م بعد مجزرة عظيمة ونفى كثيرا من أهلها إلى مصر والرملة. وقد نزل يافا بعدئذ سكان من مصر والمغرب ومختلف المدن الشامية.

استعادت يافا حياتها وازدهارها بعد اقل من عشر سنوات، وان كان مينائها ظل محتاجا إلى ترميم، وغدت تابعة للوالي في عكا. وقد انسحبت إليها الحامية العثمانية بعد استيلاء جيش نابليون عام 1214ه/1799م على غزة والرملة. ثم دخلها الفرنسيون بعد حصار طويل ومقاومة شديدة وأعملوا فيها القتل والنهب. وأعدم نابليون 4.000 جندي من حاميتها – كانوا قد اعتصموا بالقلعة – بعد أن أعطاهم الأمان. وجرى التنفيذ في تلال الرمل الواقعة جنوبي غرب المدينة (بقعة لاشهداء). وقد فشا الطاعون في جيش نابليون بسبب القتل الكثير. واستمر احتلال نابليون للمدينة ثلاثة أشهر وانتهى بعد أن ألحق بها ولاسيما بيارتها خرابا كبيرا (ر: الحملة الفرنسية).

أعيد بناء تحصينات يافا. وقبل اتمام عملية الترميم حاصرها أحمد الجزار تسعة أشهر ودخلها. ثم عادت بعد وفاته إلى العثمانيين عام 1221 هـ/1806م.وقد تقدمت بعمرانها وثروتها في عهد مستلمها محمد آغا أبو نيوت (1222هـ/1807م – 1232 هـ/1818م)، وبلغ عدد سكانها 6.000 نسمة لم يكن بينهم يهود. وحصنها أبو نبوت فحفر حولها خندقا وأقام سدا على الميناء. وشيد الجامع الكبير المعروف باسمه وألحق به مكتبة. وبنى جنوبي الجامع سوقا وسبيلا فوق نبعين عذبين بواجهة رخامية مزينة (لم يبق من السبيل سوى الحوض المرمري بعد أن هدم العثمانيون السوق أثناء الحرب العالمية الأولى). وبنى كذلك سبيلا آخر على السوق أثناء الحرب العالمية الأولى.وبنى كذلك سبيلا آخر على طريق القدس بعد البوابة الشرقية بنصف ميل ولا يزال يدعى سبيل أبي نبوت.

وإلى ميناء يافا حمل الأسطول المصري بقيادة ابراهيم باشا المدافع والذهيرة والمؤن من الإسكندرية عندما سير محمد علي باشا جيوشه لقتال الدولة العثمانية. وعسكر الجيش المصري في 3 جمادى الثانية 1247 هـ/9 تشرين الثاني 1831م جنوبي يافا على تلال بينهما وبين مقام الشيخ ابراهيم العجمي. وقد أجمع أعينان البلد أمرهم على تسليم المدينة دون مقاومة.

ازدهرت تجارة يافا خلال حكم ابراهيم باشا وكثرت فيها مصانع الصابون والفخار والمدابغ واتسعت بساتينها وبياراتها وبلغ عدد سكانها 15 ألف نسمة. وضمنت سفن ابراهيم باشا الحماية للميناء من اعتداءات القراصنة الروم. وكان في نية القائد المصري أن يحول بصة يافا إلى مرفأ داخلي تصله قناة بالبحر. ولكن المشروع لم ينفذ بسبب اندلاع الثورة في بلاد الشام ضد حكم مصر. وكانت النجدات المصرية تصل بحرا إلى ميناء يافا وتنطلق منها إلى الداخل (ر: الحكم المصري).

وبعد عودة ابراهيم باشا إلى مصر 1256 هـ/1840 م بقيت في يافا مئات العائلات المصرية فاستقرت في ضواحيها وأنشأت قرى صغيرة محاطة بالبساتين عرفت الواحدة منها باسم "سكنة" ومنها السكنة المصرية على الشاطئ غربي المقبرة الاسلامية وسكنة أبو كبير شرقي البلدة القديمة وسكنة حماد شمالي الأولى وسكنة الدرويش جنوبي يافا.

1- النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى الانتداب البريطاني: أخذت يافا بخطوات سريعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فزاد عمرانها وكبرت مسامحتها وقدمت إليها جماعة من بيروت تحمل إليها زراعة شجرة التوت، وجماعة "كنيسة المسيح" الأمريكية التي أقامت الضاحية المعروفة باسم "الملكان" – تحريفا لكلمة الأمريكات – عند تلة على طريق نابلس شمالي شرق يافا ثم باعتها إلى جماعة المعبد الألمان. وفي أواخر القرن التاسع عشر بنى رهبان الفرنسيسكان ديرهم في موقع القلعة (ر: الرهبانيات). وفي عام 1284 هـ/ 12867 م أنشئ طريق يافا القدس وأقيم عليه عام 1308 هـ/ 1890م خمسة عشر مخفار لحماية المسافرين والحجاج.

وفي عام 1297 هـ/ 1879م – 1298هـ/1880م هدم سور المدينة وملئ الخندق ترابا وحجارة وأقيم فوقه على طول الشاطئ الشارع الرئيسي الذي يصل المدينة بحي العجمي. أخذت يافا تتسع في جهاتها الثلاث فبوشر في عام 1304 هـ/ 1889م ببناء حي المنشية شمال المدينة وحي العجمي جنوبيها بجوار مقام الشيخ ابراهيم العجمي. وفي عام 1307هـ/ 1889م نالت شركة فرنسية امتياز انشاء حط سكة حديدية يربط يافا بالقدس وطوله 87 كم. وقد افتتح الخط رسميا عام 1310 هـ/ 1892م وكان أول خط سكة حديدية في فلسطين (ر: السكك الحديدية).

ظلت يافا حتى الحرب العالمية الأولى ميناء فلسطين الأول. وكانت السفن تنقل إليها البضائع وتحمل منها البرتقال والصابون والحبوب وغيرها. واتصف بحارتها بالجرأة والمهارة في الملاحة في مفرأ معرض للأنواء. وقد بدئ بإجراء تحسينات على الميناء ومنحت الحكومة شركة فرنسية امتيازا لإقامة مينائي يافا وحيفا. ولكن المشروع توقف بسبب الحرب. وبلغت ثيمة واردات تجارة يافا عام 1332 هـ/ 1913 م مبلغ 1.312.600 جنيه إنجليزي، وقيمة الصادرات 745.400. وكان متوسط السفن التجارية التي رست في الميناء بين 1329 هـ/ 1909م و1332 هـ/ 1913م نحو 668 باخرة سنويا. وبلغ عدد صناديق البرتقال المصدرة منها عام 1330هـ/ 1911 م نحو 870.000 صندوق ثمنها 217.500 جنيه إنجليزي. وكانت مصر أول الأقطار التي تصدر إليها يافا، تليها بريطانيا ، فتركيا فروسيا وفرنسا.

كانت في يافا إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى خمس وعشرون مدرسة خمس منها رسمية (واحدة رشدية) وعشرون أجنبية إبتدائية. وضم جامعها مكتبة وحلقات تدريس، وكان فيها مطابع، وبلغ عدد صحفها سبعها أهما فلسطين (أنشت سنة 1330 هـ/1911م). وصدرت في يافا مجلة الأصمعي (1327 هـ/ 1908م). وهي المجلة الأولى في فلسطين.

قفز عدد سكان يافا من 23.000 عام 1310 هـ/ 1892م إلى 70.000 قبل الحرب العالمية الأولى – عدا ألوف الزوار والسائحين – فكانت بذلك من أكبر مراكز الألوية ومرزا لقيادة لواء من الجيش. وضمت ألفين من المغاربة الذين يتمتعون بحماية فرنسية لحراسة البساتين، وعددا من الفرنسيين والايطاليين المقيمين لأغراض تجارية وتعليمية. ولم يكن في يافا حتى بداية القرن التاسع عشر طائفة يهودية، وكان الحجاج اليهود يمرون بها مرورا في طريقهم إلى القدس. ثم اشترى يهودي عثماني – هو إسحق أغيمان – بضعة بيوت عام 1236هـ/ 1820م باسم طائف السفارديين في القدس. وفي عام 1246هـ/1830م قدم بعض اليهود من شمالي أفريقيا فشكلوا نواة الطائفة اليهودية في المدينة. وبدأ اليهود يقيمون في يافا لأغراض تجارية بعد عام 1257هـ/1841م إثر تعيين حاخام فيها، وقد قدر عددهم في منتصف القرن التاسع عشر بنحو ثلاثين عائلة. ولكن أعدادا من اليهود الأشكنازيين أخذت تتدفق منذ عام 1298هـ/1882م على منطقة يافا مستفيدة من نظام الامتيازات والاضطهادات الأوروبية لهم. وقد أنشئ فيها بين 1302هـ/1886م و 1309هـ/1892م حيان يهوديان هما نيفي صدق ونيفي شالوم. وبعد تغير نظام الحكم في الدولة العثمانية عام 1327هـ/1909م اشترى الصندوق القومي اليهودي قطعة أرض مساحتها 130.000م2 على الجانب الغربي من طريق نابلس ، وعلى بعد نصف ميل من المدينة، وبنى عليها مساكن لستين عائلة فكانت نواة تل أبيب. وراوح عدد اليهود المقيمين في يافا قبل الحرب بين ثلاثة وأربعة آلاف. وأما الأجانب منهم فلا تعرف أعدادهم، وقد قدروا بثلاثين ألفا في يافا وجوارها.

ولما دخلت تركيا الحرب رحل عن يافا رعايا دول الحلفاء وقام حسن الجابي قائد موقع المدينة باجراء كثير من التحسينات عليها، فعمر الميناء، وأنشأ شارع جمال باشا عبر البيارات شرقي المدينة، ووسع الشوارع وأزال سوق أبي نبوت لتسهيل الوصول إلى الميناء، وبنى جامعات في حي المنشية قرب الشاطئ (ر:حسن بك، مسجد).

ضربت السفن البريطانية والفرنسية يافا مرتين عام 1335هـ/1916م ولكنها لم تحدث فيها تخريبا. وكان العثمانيون يتوقعون إنزالا بريطانيا فيها فأخلوها في آذار عام 1336هـ/1917م ونقلوا سجلات الحكومة إلى الرملة والقدس. وتم جلاء العثمانيين التام عن ياا في 15/11/1917 فأحرقت ثكنات الشرطة ورحلت الحامية التركية إلى نابلس. وفي 12 جمادى الأولى 1336هـ/ 16 تشرين الثاني 1917 دخلت طلائع القوات البريطانية المدينة.

12- في عهد الانتداب البريطاني: تطورت يافا خلال فترة الانتداب البريطاني تطورا ملموسا في سكانها وعمرانها. فقد ازداد عدد السكان من 47.709 نسمة عام 1922م إلى 51.866 نسمة عام 1931م، وكان يقيمون في 11.304 بيوت. وأضيف إليهم في ذلك التعداد 3.480 نسمة من سكان ضواحي يافا الذين كانوا يقطنون في 655 بيتا. وفي عام 1945م قدر عدد سكان يافا نحو 66.310 نسمات، وازداد العدد إلى 72.000 نسمة عام 1947.

وواصل العمران نموه وتحسنه أيام الانتداب البريطاني بسبب ازدياد عدد السكان من جهة وتنوع وظائف المدينة من جهة ثانية. وفي عام 1945م بلغت مساحة يافا 9.737 دونما، وضمت عدة أحياء هي: 1- البلدة القديمة، ومن أقسامها الطابية والقلعة والنقيب. 2- المنشية، ويقع في الجهة الشمالية من يافا. 3- إرشيد ، بين البلدة القديمة وحي المنشية. 4- الجبلية، ويقع في الجنوب من يافا. 5- العجمي، ويقع في الجنوب من يافا. 6- هريش (اهريش)، ويقع في الجهة الشمالية من حي العجمي. 7- النزهة، ويقع شرقي يافا. وقد أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى، ويعرف امتداده إلى الجنوب باسم الرياض، وهو أحدث أحياء يافا.

وهناك أحياء تعرف باسم السكنات تقع بين بيارات المدينة، ومنها سكنة درويش وسكنة العراينة، وسكنة أبو كبير، وسكنة السبيل وسكنة تركي وغيرها.

والبلدة القديمة هي إلى جانب كونها حيا سكنيا، حي الأعمال وفيها شارع اسكندر عوض الذي يكتظ بالمحلات التجارية ويبدأ من جوار دار الحكومة وينتهي عند الطرف الجنوبي من شارع جمال باشا. وأما الأحياء الأخرى فمعظم مبانيها سكنية، وفيها بعض المباني بعض المباني والمنشآت المستعملة للأغراض التجارية والصناعية والإدارية والصحية والتعليمية وغيرها.

يتخذ مخطط يافا التنظيمي شكلا مستطيلا تمتد معه المدينة إمتداد طوليا من الشمال إلى الجنوب أكثر من امتدادها العرضي من الغرب إلى الشرق. وتتخذ شبكة الشوارع في المدينة شكل الخطوط المستقيمة المتعامدة تقريبا. وقد قامت البلدة القديمة وبعض الأحياء في بادئ نشأتها فوق الكثبان الرملية، ونشأت السكنات فوق الأراضي الزراعية المحيطة بيافا وتشغلها بيارات الحمضيات. وقد أشرفت بلدية يافا على إدارة المدينة وإعمارها ففتحت الشوارع الجديدة وعبدتها ووفرت الخدمات والمرافق العامة ومنحت تراخيص البناء وتعهدت الأسواق والمنشآت. وازدادت نفقات البلدية من 28.880 ج.ف. عام 1927م إلى 193.585 ج.ف. عام 1944م وبلغ عدد رخص البناء التي منحتها للمواطنين في عام 1934م مثلا نحو 748 رخصة، وفي عام 1944م نحو 130 رخصة.

13- في ظل الاحتلال الإسرائيلي: في عام 1948 تعرضت يافا كغيرها من مدن وقرى فلسطين للعدوان الصهيوني. ونتج عن ذلك العدوان تشريد معظم سكانها العرب واستشهاد أكثر من 1.300 عربي (ر: يافا، معارك). وقد قام الصهيونيون بحشر من تبقى من العرب في حي العجمي بالمدينة وأحاطوه بسياج من الأسلاك الشائكة وجعلوا الدخول إليه والخروج منه بإذن من السلطة المحتلة. والجدير بالذكر أنه لم يبقى في يافا من سكانها العرب في 18/11/1948ى سوى 3.651 عربيا. وقد بلغوا في 21/12/1949 نحو 4.000 عربي، ووصل عددهم في عام 1958 إلى نحو 6.500 عربي، وفي عام 1965 إلى نحو 10.000 عربي. ويقدر عدد سكانها العرب حاليا بنحو 20 ألف نسمة. وقد ألحقت يافا بتل أبيب تحت إدارة موحدة، وتدفق إليها آلاف المهاجرين الصهيونيين. ويقدر عدد سكانها من الصهيونيين حاليا بنحو 120 ألف نسمة.

تختلف يافا حاليا عما كانت عليه قبل عام 1948م. فقد تغيرت بنيتها الداخلية وتبدل مظهرها الخارجي وملامحها الحضارية فحل الطراز الأوروبي في البناء والعمارة وتخطيط الشوارع والطرق وأسلوب الحياة محل الطراز العربي الذي كان سائدا. ولم يبق من الأحياء التي ترمز إلى تاريخ المدينة سوى الحي العربي القديم الذي انقلب إلى حي للفن والفنانين. وحافظ حي العجمي في جنوب يافا على أوضاعه، ويعيش فيه العرب في بؤس. وبقيت كثير من أجزاء حي المنشية شمالي يافا مهدمة منذ أحداث 1948.

ج- التركيب الوظيفي ليافا: تنوعت وظائف يافا تنوعا واضحا منذ القدم. فهي مدينة وميناء على البحر المتوسط ونقطة انقطاع بين اليابسة والبحر وملتقى التأثيرات البرية الداخلية القادمة من ظهيرها الخلفي والتاثيرات البحرية الخارجية القادمة من العالم العربي. واذا كان الموقع والموضع قد تضافرا لاحداث التنوع الوظيفي فإن الأخير ساهم في تطور نمو المدينة وازدياد حجمها بمرور الزمن.

1- الوظيفة الزراعية: تحطي بمدينة يافا من معظم جهاتها بساتين الحمضيات وبساتين الفواجه الأخرى والخضر بأنواعها المختلفة. وتزرع الحبوب في مساحات محدود. وتعتمد الزراعة على الري من الآبار بصورة رئيسية، وعلى مياه الأمطار بصورة ثانوية. ولقد ازدادت أشجار الحمضيات المغروسة في أراضي يافا قبل الحرب العالمية الأولى ازديادا عظيما فبلغ محصول هذه المدينة منها ما يعادل محصول سورية. واشتهرت يافا ببرتقالها (اليافاوي) الذي يصدر إلى مختلف أجزاء فلسطين والعالم الخارجي. وقد صدر من الحمضيات الفلسطينية في عام 1885م عن طريق ميناء يافا قرابة 106 آلاف صندوق، وارتفع هذا الرقم إلى 251 ألف صندوق في عام 1900م ، وإلى 854 ألف صندوق في عام 1910م، وإلى 1.5 مليون صندوق عام 1914، وإلى 2.1 مليون صندوق عام 1925، وإلى 2.5 مليون صندوق عام 1930، وإلى 6.6 مليون صندوق عام 1935م، وإلى 15.3 مليون صندوق عام 1939م، وهبطت الكمية المصدرة إلى 1.4 مليون صندوق في عام 1945م. 2- الوظيفة التجارية: كانت يافا ميناء فلسطين الأول قبل نهوض حيفا وتقدمها عليها في الثلاثينات من هذا القرن. ويتضح هذا الدور الطليعي بالرجوع إلى عدد البواخر التي رست في موانئ الشاطئ السوري عام 1910م. فقد كان ترتيب ميناء يافا الثاني بعد ميناء بيروت إذ بلغ مجموع البواخر القادمة إليه 707 باواخر والقادمة إلى ميناء بيروت 1.143 باخرة. وأصبحت ليافا بسبب أهمية مينائها ، أهمية تجارية بارزة. فإلى مينائها كانت البواخر والسفن الشراعية تأتي محملة بمختلف البضائع التي تحتاجها فلسطين وشرقي الأردن من قماش وأخشاب ومواد غذائية وغيرها. وكانت تعود من فلسطين إلى الخارج وعليها خيرات البلاد من برتقال وصابون وحبوب وغيرها. استمرت أهمية يافا كميناء تصدير وتوريد حتى أواخر الثلاثينات عندما احتلت حيفا مركز الصدارة في التجارة الداخلية والخارجية. وبعد عام 1948م أخذت أهمية ميناء يافا تتقلص إلى أن أغلق نهائية عام 1965م في وجه السفن – باستثناء مراكب صيد الأسماك الصغيرة – وحل محله ميناء أشدود الذي يقع على مسافة 30كم جنوبيه. وقد بوشرببناء هذا الميناء في عام 1961 وانتهي عام 1965.

وعلى صعيد التجارة الداخلية كانت يافا خلال الانتداب البريطاني مركز هاما من مراكز التجارة الداخلية في فلسطين. وكانت تعج بالأسواق والمحلات التجارية التي تعرض مختلف البضائع والسلع ويؤمها بالاضافة إلى سكانها المحليين، كثير من سكان القرى والمدن المجاورة يوميا لبيع منتجاتهم الريفية وشراء ما يحتاجون إليه من سلع متنوعة. ومن أسواق يافا سوق بسترس – اسكندر عوض، وسوق الدير، وسوق الحبوب، وسوق المنشية، وسوق البلابسة، وسوق الإسعاف.

3- الوظيفة الصناعية: للصناعة دور في اقتصاديات يافا، ولكنه لا يصل إلى مرتبة الدور الذي للتجارة والزراعة. ففيها معامل للتبغ والبلاط والقرميد وسكب الحديد والنسيج والبسط والورق والزجاج وعدة مصابن ومدابغ ومطابع. وقبل النكبة أقيم في ظاهرها معمل لغزل القطن. وكانت صناعة طحن الغلال من بين أهم الصناعات الغذائية في يافا.

بلغ عدد المؤسسات الصناعية التي كانت قائمة في يافا قبل عام 1918م نحو 93 مؤسسة. وازداد عددها بعد عام 1918م إلى 166 مؤسسة. وبلغ عدد العاملين في تلك المؤسسات عام 1927 نحو 388 عاملا وبلغت قيمة الانتاج الصناعي في العام نفسه نحو 591 ألف جنيه فلسطيني.

وقد ازدهرت صناعة صيد الأسماك على شواطئ يافا وكانت تعد من أهم مراكز صيد الأسماك في فلسطين اذ بلغت الكميات المصطادة من مياهها في عام 1930م نحو 306 أطنان، وارتفعت إلى 670 طبنا في عام 1936م، وإلى 01.056 طنا في عام 1945م. وازدهرت السياحة في يافا فكانت المدينة محط أنظار السياح الذين يؤمونها من داخل فلسطين وخارجها لمشاهدة الأماكن الأثرية والتاريخية، وللاستجمام فوق شواطئها الجميلة وفي البساتين المحاذية لضفاف نهر العوجا والجريشة.

4- الوظيفة الثقافية والتعليمية: كانت يافا مركز النشاط الثقافي والأدبي في فلسطين. وقد أخرجت مطابعها مجموعات من الكتب في شتى العلوم، وصدرت فيها معظم الصحف الفلسطينية.

ضمت المدينة مختلف المدارس من حكومية وبلدية وخاصة تابعة للجمعيات والمؤسسات والأفراد. وكانت جميعها باشراف إدارة معارف اللواء الجنوبي. وقد كان في يافا في العام الدراسي 1947/1948 تسع مدارس حكومية أربع منها للبنين تضم 1.698 طالبا يعلمهم 54 معلما وخمس للبنات عدد طالباتها 1.604 طالبات تعلمهن 45 معلمة. وكان للبلدية سبع مدارس منها مدرسة واحدة للبنات. وكان فيها إلى جانب ذلك مدرستان تابعتان لجمعية الشبان المسلمين وجمعية الاصلاح الإسلامية، وعدد كبير من المدارس الخاصة أو التابعة لمؤسسات وطنية أو أجنبية منها مدارس ثانوية كاملة كانت تقوم بقسط من أعباء التعليم.


المراجع: - مصطفى الدباغ: بلادنا فلسطين، ج4، ق2، بيروت 1972. - يوسف الحكيم: سورية في العهد العثماني، بيروت 1966. - الأب مرموجي الدومينكي: نظرة في تاريخ يافا، مجلة المشرق، عددا 10/10/1928، و11/11/1928. - سعيد حمادة: النظام الاقتصادي في فلسطين، بيروت 1939. - مخائيل نقولا الصباغ العكاوي: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حكام عكا وبلاد صفد، حريصا، لبنان 1935. - مخائيل بريك الدمشقي: تاريخ الشام 1720-1782، حريصا، لبنان 1930. - سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية، القاهرة 1963. - عبد الكريم رافق: العرب والعثمانيون 1516-1916، دمشق 1974. - البلاذري: فتوح البلدان، القاهرة 1959، دمشق 1974. - العماد الكاتب الأصفهاني: الفتح القسي في الفتح القدسي، القاهرة 1322خهـ. - ياقوم الحموي: معجم البلدان، ليدن 1877. - الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة 1297 هـ. - خريطة فلسطين: مقياس 1:50.000 لوحة يافا. - Baldensperger, Ph.J.:Jaffa. Palestine Exploration Fund, Quarterly Statement 1917. - Hauanper, J.E.: the traditional-Harhosar of Solomon and the crosasding Castle of Jaffa. Palestine Exploration Fund, Quarterly Statement 1903. - Tolkowsky, Y.S.: The Gateway of Palestine, A History of Jaffa, London 1924.




يافا (ثورة)

على أثر نشوب ثورة القدس في 4/4/1920 اشتدت الحركة الوطنية الفلسطينية واتقد الشعور القومي في نفوس الفلسطينيين. فعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول، ثم دعي إلى عقد المؤتمر الثاني في القدس في 14/7/1920. ثم اجتمع المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث في حيفا في آذار 1921 وقرر رفض الانتداب البريطاني ووعد بلفور، وطالب بوقف الهجرة اليهودية وانشاء حكومة وطنية في فلسطين.

وردا على مقررات المؤتمر المذكور شرع الصهيونيون يعربون عن مطالب متطرفة لتحويل فلسطين كلها إلى وطن قومي يهودي، وراحوا يظهرون الازدراء لمطالب العرب وقرارات مؤتمرهم. وقامت الصحف الصهيونية تشن حملات قاسية على العرب وتدعوهم إلى الرحيل عن فلسطين إلى الصحراء.

وأعلنت بريطانيا تمسكها بالانتداب ووعد بلفور وتمادت في السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين فارتفعت أعدادهم بصورة كبيرة في نيسان 1921. وفي الوقت نفسه أخذ الصهيونيون يقومون بمظاهرات يتحدون فيها العرب – وبصورة خاصة في مدينة يافا ميناء فلسطين الوحيد يومئذ – وانطلق شبانهم يسستقبلون المهاجرين الجدد في ميناء يافا بحماسة واعتزاز وينقلونهم إلى تل ابيب في مهرجانات رفعوا خلالها العلم اليهودي (الصهيوني). وقاموا في تل أبيب وبتاح تكفا (مليس) وغيرها من المستعمرات الصهيونية في منطقة يافا بأعمال تحرش واستفزاز لأهالي يافا ومنطقتها. فلما رأى العرب في يافا هذا التفدق المخيف للهجرة احتجوا بلسان الجمعية الإسلامية المسيحية وطالبوا بوقف الهجرة وهددوا بمنع إنزال المهاجرين اليهود إلى البر مهما كلفهم الأمر. ثم ثرر بحارة ميناء يافا أن يقاطعوا البواخر التي تنقل المهاجرين اليهود ويمتنعوا عن تفغريها وأيد عرب فلسطين واللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني موقف يافا وبحارتها فتوترت الحالة فيها وهاجت الخواطر في فلسطين عامة.

وثمة عامل آخر أثار هياج العرب هو قرار الحكومة اعتبار اللغة العبرية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغتين العربية والانجليزية. ورفض موسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس تطبيق هذا القرار في بلديته فوقع اصطدام بينه وبين السلطة البريطانية انتهى، بعد ثورة 1920 باستقالته (أوبالأحرى إقالته) من رئاسة البلدية.

وقد انطلقت شرارة الثورة من يافا لكونها المركز الرئيسي لتلقي سبل الهجرة الصهيونية بالاضافة إلى وجود عدد كبير من الصهيونيين إلى الشمال منها في مستعمرة تل أبيب الناشئة.

وفي اليوم الأول من آيار 1921 (عيد العمال) قام الصهيونيون في تل أبيب والمستعمرات بمظاهرات كبرى هتفوا خلالها هتافات معادية للعرب، وخطب زعماء المظاهرات يطالبون بالثأر للدماء اليهودية التي سفكها هؤلاء في ثورة القدس. وواكبت فئة من الجنود الإنكليز وقوة من أفراد الشرطة اليهودية المظاهرة الصهيونية الكبيرة التي جرت في تل ابيب بحجة المحافظة على الأمن. ولكن المتظاهرين اتجهوا نحو حي المنشية في مدينة يافا دون أن تمنعهم القوات الرسمية المواكبة للمظاهرة. ولما وصلوا إلى الحي المذكور أخذوا يرددون الهتافات العدائية ضد العرب ويستفزون السكان. وحينئذ هب أهل يافا لرد المتظاهرين فوقع اصطدام دموي عنيف سقط خلاله قتلى وجرحى من الجانبين وانتهى برد المظاهرة.

وصباح الثاني من آيار عاود الصهيونيون مهاجة يافا. وكان بينهم عدد غير قليل من المسلحين فنشبت معركة عنيفة بين العرب والصهيونيين أسفرت عن وقوع اصابات كثيرة بالمهاجمين الذين ردوا على أعقابهم.

وفي هذا اليوم نفسه هاجم الصهيونيون قرية العباسية وكانت تسمى حينئد اليهودية المجاورة ليافا وقتلوا عددا من أهلها وارتكبوا أبشع الجرائم ضد النساء والأطفال والشيوخ. فثارت ثائرة العرب وهاجم أهل يافا الصهيونيين في تل أبيب وقامت القرى العربية المجاورة ليافا بمهجامة المستعمرات اليهودية، واشتبك أنباء عشيرة أبو كشك مع القوات البريطانية التي كانت تحمي الصهيونيين وتمنع وصول النجدات إلى يافا.

وفي يوم 3/5/1921م تواصلت الاضطرابات وأعمال العنف في يافا ووقعت حوادث قل في كلا الجانبين العربي والصهيوني وحلت بمتاجر اليهود أضرارا بالغة. وأدت النساء العربيات دورا كبيرا في حث الرجال على المقاومة ومساعدتهم، على حين كان الوجهاء يحاولون تهدئة الخواطر.

ويستفاد من تقارير أعدها مسؤولون بريطانيون في حكومة الانتداب أن الصهيونيين هم الذين بدأوا بالتحرش بالعرب وإطلاق النار عليهم في يافا فرد هؤلاء بأن هاجموا منزلا مخصصا لاستقبال المهاجرين الصهيونيين الجدد. وأوضحت هذه التقارير أن المسلمين والمسيحيين العرب كانوا متضامنيين في القتال ضد الصهيونيين.

ولم تخف تلك التقارير إبراز تحيز القوات والسلطات البريطانية إلى الجانب الصهيوني. فقد تم وضع حرس يهودي في سيارات مدرعة بريطانية، وقام الصهيونيون بتفتيش العرب على مرأى من الجنود البريطانيين، وشوهد يهودي مدني وهو يصدر الأوامر إلى الجنود البريطانيين بإطلاق النار على الجمهور.

لم تلبث الاصطدامات بين العرب من ناحية، واليهود والإنكليز من ناحية ثانية، أن امتدت إلى مناطق قلقيلية وطولكرم والرملة واللد، في حين قامت المظاهرات الصاخبة في المدن الفلسطينية وقرر كثير من الشباب حمل السلاح والتوجه إلى يافا.

على أن أخطر الأحداث والأعمال العنيفة وقعت في منطقة يافا. فلما سمع الفلاحون ورجال القبائل في المناطق المجاورة بتعرض العرب للقتل على أيدي الصهيونيين في يافا سارعوا إلى مسرح الحوادث. وفي الخامس من آيار تجمع نحو ثلاثة آلاف عربي شمال مستعمرة بتاح تكفا (ملبس) التي تبعد عن يافا حوالي 16 كم، كما تجمع حشد آخر من عدة مئات من الرجال جنوبي المستعمرة. غير أن قوات الانتداب البريطاني تولت مواجهة هذه التجمعات وشتت أفرادها وألحقت بها إصابات فادحة بلغت نحو 60 شهيدا وعددا آخر من الجرحى.

لم تستطع قوات الحكومة اخماد ثورة العرب فلجأت إلى زعمائهم ورؤسائهم الدينيين تطلب منهم المساعدة لوقفها ووعدتهم بالاسراع في اعادة النظر في سياستها والعمل على إنصاف العرب. فحضر إلى يافا موسى كاظم الحسيني والحاج محمد أمين الحسيني وبطريريك اللاتين بفلسطين بلاسينا وعملوا على تهدئية الخواطر. ثم تبين أن الحكومة لجأت إلى هذه الحيلة لتهدئية شعور العرب ريثما تصل القوات المسلحة التي طلبتها من قبرص وقناة السويس. فلما وصلت هذه القوات انقض الجيش ورجال الشرطة على العرب في يافا وسائر المناطق المحيطة بها فوقعت اصطدامات دامية عنيفة واستطاعت الحكومة اخمناد الثورة بعد استمرارها 15 يوما.

هلك في هذه الثور 47 شخصا من الصهيونيين والقوات المسلحة وجرح 146، واستشهد من العرب 157 وجرح منهم نحو 700. وقد سقط أكثر الشهداء والجرحى العرب برصاص جنود البريطانيين وقوات الشرطة، ولاسيما في حي المنشية والعباسية وعرب أبو كشك. وشكلت الحكومة محاكم عسكرية أصدرت أحكاما بالسجن على عدد من المجاهدين والقادة من بينها حكم بخمسة عشر عاما على الشيخ شاكر أبو كشك زعيم قبيلة عرب أبو كشك بعد أن أحرقت بيته وغرمته 2.000 جنيه فلسطيني وفرضت على كل من قلقيلية وطولكرم وقاقون 6.000 جنيه.

شكلت الحكومة البريطانية – جريا على عادتها – لجنة للتحقيق في أسباب الثورة. وقد تألفت هذه اللجنة برئاسة قاضي القضاة في فلسطين سير توماس هيركرافت (عرفت باسم لجنة هيركرافت) وقدمت تقريرها إلى الحكومة وفيه عزت أسباب الاضطرابات إلى خطتها فيما يتعلق بانشاء الوطن القومي لليهود، وإلى تذمر العرب من محاباتها لليهود ووقوفها دون رغبة أهل البلاد في حكم أنفسهم بأنفسهم.

وأعربت الحكومة البريطانية في لندن عن رغبتها في إجراء مباحثات مع الفلسطينيين بشأن الأوضاع في فلسطين فعقد المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع في القدس في 25/6/1921 وقرر إرسال وفد إلى لندن لمباحثة الحكومة البريطانية والدعاية لقضية فلسطين. وقد قضى الوفد نحو عام في لندن أجرى خلاله مع الحكومة البريطانية مفاوضات رسمية لم تسفر عن أي شئ فعاد إلى فلسطين في آب 1922.

المرجع: - عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث، بيروت 1973. - عبد الوهاب الكيالي: وثائق المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية، بيروت 1968. - بيان نويهض الحوت: القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين (1917-1948)، بيروت 1981.


يافا (صلح)

دب الخلاف بين أبناء العادل الأيوبي محمد بن أيوب عقب اطمئنانهم إلى إخفاق الحملة الصليبية الخامسة وجلاء الفرنحة عن مصر سنة 618هـ/1221م. وفي غمرة هذا الخلاف استنجد المعظم عيسى بن أحمد بن أيوب صاحب دمشق بالخوارزمية في حين استنجد أخوه الكامل محمد صاحب مصر بفريدريك الثاني ملك صقلية وامبراطور الدولة الرومانية المقدسة في الغرب وأرسل إليه مبعوثا خاصا يطلب منه – أن يحضر إلى الشامل والساحل فيعطيه بيت المقدس وجميع فتوح صلاح الدين بالساحل (ر: العصر الأيوبي). وكانت ظروف الامبراطور في الغرب صعبة بسبب أعداء البابوية له وصدور قرار من الكنيسة بحرمانه فوجد في تلبية نداء السلطان الكامل فرصة لعلاج موقف في الغرب الأوروبي. وخرج إلى الشرق في جيش صغير لم يتجاوز خمسمائية جندي معتمدا على وعد السلطان الكامل له بتسليمه بيت المقدس دون حرب أو اعتداء.

ولكن الامبراطور فردريد وصل إلى عكا سنة 626هـ/1228م فوجد الموقف قد تبدل بسبب وفاة الملك المعظم عيسى ولم السلطان الكامل إلى معونته هو الأمر الذي أدى إلى تراجعه عن وعده إياه باعطائه بيت المقدس. ولم يجد فريدريك وسيلة سوى استعطاف الكامل خلال المفاوضات الطويلة الشاقة التي دارت بين الطرفين، حى إن الإمبراطور اضطر إلى البكاء أثناء بعض مراحل هذه المفاوضات وأرسل إلى الكامل يقوك: "أنا مملوكك وعتيقك وليس لي عما تأمره خروج. وأنت تعلم أني أكبر ملوك البحر . وقد علم البابا والملوك باهتمامي وطلوعي، فإن رجعت خايبا انكسرت حرمتي بينهم. وهذه القدس فهي أصل اعتقاداتهم وضجرهم.. فإن رأى السلطان أن ينعم عليى بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه ويرتفع رأسي بين ملوك البحر".

والمعروف عن السلطان الكامل أنه ورث عن أبيه العادل صفة التسامح مع الفرنجة لدرجة التفريط. وهكذا عقد صلح يافا مع الإمبراطور فردريك سنة 626 هـ/1229م لمدة عشر سنوات. وبمقتضاه تقرر أن يأخذ الفرنجة بيت المقدس وبيت لحم والناصرة وتبنين وهونين وصيدا. واشترط المسلمون أن تبقى مدينة بيت المقدس على ما هي عليه فلا يجدد سورها، وأن يكون الحرم بما حواه من الصخرة والمسجد الأقصى بأيدي المسلمين وتقام فيه شعائر الصلاة، ويكون الحكم في البيوت المجتمعة أو الرساتيق لوالي المسلمين، ويكون لهم من القرى ما هو على الطريق من عكا إلى القدس فقط.

وهكذا استولى الفرنجة بسهولة تامة على بيت المقدس المدينة التي ضحى صلاح الدين بالكثير من الدم في سبيل استردادها، الأمر الذي استثار الشعور العام في العالم الإسلامي، "فاشتد البكاء وعظم الصراخ والعويل وأقيمت المآتم وعظم على أهل الإسلام هذا لابلاد وقال الوعاظ والعلماء: يا خجلة ملوك المسلمين لمثل هذه الحادثة، واشتد الانكار على الملك الكامل وحقد أهل دمشق عليه ومن معه وكثرت الشناعات علهي في سائر الأقطار".

المراجع:

- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، القاهرة 1030هـ. - أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدوليتن: الصلاحية والتورية، القاهرة 1287 هـ. - أبو شامة: ذيل الروضتين، القاهرة 1366 هـ. - سبط بن الجوزي، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، حيدر آباد 1951.

يافا (معارك)

لم تكن في مدينة يافا يوم صدور قرار التقسيم عام 1947(ر:تقسيم فلسطين) سلاح أو مقاتلون مدربون تدريبا صحيحا فقد كانت سلطات الانتداب البريطاني تحول بالقهر والقوة بين عرب فلسطين واقتناء السلاح أو التدرب عليه.

وكان تنظيم الدفاع عن المدينة أمرا صعبا بسبب موقعها. ففي الشمال مدينة تل أبيب أكبر تجمع سكاني لليهود، وفي الجنوب مستعمرات بات يام وأجروبانك وخولون وفي الشرق مستعمرة نيتر الألمانية، وفي الغرب البحر المتوسط.

هب سكان يافا يبحثون عن السلاح في كل مكان. وقد بدأ الأمر بجهود فردية ثم جرى تشكيل لجنة قومية للمدينة بإيعاز من الهيئة العربية العليا. وأخذت هذه اللجنة على عاتقها الإشراف على شؤون الدفاع والاعداد . ثم أرسلت اللجنة العسكرية في دمشق 100 بندقية فرنسية إلى يافا بتاريخ 13/12/1947.

جرت بين سكان يافا والصهيونيين اشتباكات صغيرة كان أولها اشتباك بعض المناضلين مع مجموعة من الصهيونيين بين تل الريش ومستعمرة حولون ومقتل عدد من رجال المجموعة بينهم قائدها. ثم قام الصهيونيون في 4/1/1948 بنسف دار الحكومة فقتل من جراء ذلك عشرة من العرب وجرح كثيرون. وقد أثار هذا الحادث الأهالي فأزال الخلافات التي كانت قائمة بين التنظيمات والهيئات، وظهر الجميع متماسكين، ونشطت أعمال اللجنة القومية، وتألفت لجان فرعية للقيام بمختلف الشؤون الإدارية والمالية والعسكرية.

كانت مدينة يافا تابعة من الناحية العسكرية للشيخ حسن سلامة، الذي انتدبه الحاج محمد أمين الحسيني لإدارة دفة القتال في كل من يافا واللد والرملة واعترفت به اللجنة العسكرية في دمشق قائدا لهذا القطاع الذي سمي يومئذ "القطاع الغربي من المنطقة الوسطى".

وكانت تدابير الدفاع عن المدينة بدائية. فكل شخص لديه سلاح يحمله ويقوم بواجب الحراسة بعد حلول الظلام في مناطق الحدود بين العرب والصهيونيين. وقد تفرغ بعض الأشخاص لهذا الواجب، وكان أكثرهم من "ثكنة أبي كبير". وكان نقص السلاح ظاهرة بارزة في الجانب العربي. وبعد مرور شهر واحد على تشكيل اللجنة القومية كان في المدينة حوالي 284 قطعة سلاح مختلفة الأنواع. وكان أهالي يافا يعالجون نقص الاسلحة من جهة إلى أخرى ومن حي إلى آخر واستعماله في عدة مواقع، الأمر الذي ضلل الصهيونيين وأدخل في روعهم أن في المدينة أسلحة وذخائر كثيرة.


اشتبك المجاهدون مع الصهيونيين في معارك متلاحقة وقعت على حدود المدينة ودامت شهرين ونصفا اعتبارا من 4/12/1947. وكان عدد الصهيونيين المقاتلين في تل أبيب لا يقل عن خمسة آلاف مقالت. وكانت تل أبيبت تضم حوالي مئتي ألف من السكان اليهود. واعترف مناحيم بيغن زعيم عصابة الأوغون وقت ذاك بأن تل أبيب قاست خلال هذه الفترة من يافا ومن حي المنشية وطأة الضرب الشديد وسقط من سكانها حوالي ألف قتيل وجريح. وقد شبه المنشية بسرطان متلصق بتل أبيب ثم قال: "إن القناصة العرب كانوا يرسلون الموت إلى كل مكان. وقد وصل رصاصهم الفتاك حتى العمارة التي تعمل فيها بلدية تل ابيب".

وعلى الرغم من قلة الأسلحة وشح الذخيرة لم يهن أبناء يافا بل قاتلوا بكل عزم وتضحية وكان النصر غالبا في جانبهم.

في 14/12/1948 أرسلت اللجنة العسكرية الرئيسية (النقيب) عبد الوهاب الشيخ علي من ضباط الجيش العراقي السابقين ومعه حوالي أربعين متطوعا من ملاك جيش الإنقاذ ليكون أول آمر لحامية يافا. وطلب يوم وصوله ترك الشؤون العسكرية له وحده ومنع شبابا النجادة من التدرب العسكري. كما طلب من اللجنة القومية والبلدية ان تهتم بالبلد ونظافتها وأن تؤمن المواد للسكان والمتطوعين. وحدث نزاع بينه وبين رجال النجدة لمنعه إياهم من التدرب، وتصدى كثيرون له واستمروا يتدربون.

وبعد أن درس عبد الوهاب الشيخ على وضع القوات في يافا وجد أن المقاتلين قلة والأسلحة الموجودة غير كافية للحافظ على المدينة فسافر إلى دمشق ولم يعد. وأرسلت اللجنة العسكرية آمرا جديدا لحامية يافا هو المقدم عادل نجم الدين فوصلها في يوم 22/2/1948 ومعه بعض الضباط المتظعين من ملاك جيش الإنقاذ.

سافر عادل نجم الدني إلى دمشق لمقابلة اللجنة العسكرية يوم 9/3/1948 وعاد بعد يومين ومعه 75 متوطعين من ملاك جيش الإنقاذ يقودهم الضابط السوري المتقاعد الملازم حمود الخطيب واستقروا في تل الريش. ولكن المتطوعين كانوا خليطا غير متجانس ولا يملكون الخبرة القتالية الكافية، وكانت السيطرة عليهم ضعيفة.

قام الصهيونيون يوم 20/3/1948 بهجوم كبير على ثكنة أبي كبير ودمروا بعض المنازل العربية. ولكنهم منوا مع ذلك بخسائر قدرت بنحو 36 قتيلا. وحاولوا بعد يومين اقتحام مدينة يافا بعد قصف شديد فصمد المناضلون وردوهم على أعقابهم. ثم استمرت عمليات القصف المدفعي من العدو وتكررت الهجمات.

أبرق آمر حامية يافا إلى اللجنة العسكرية بدمشق طالبا السلاح والجرال، وتعددت وفود المدينة التي ذهبت إلى اللجنة العسكرية في دمشق لتوضح خطورة وضع مدينة يافا وعدم تكافؤ قوتها مع قوة العدو. ولكن هذه الوفود لم تحصل على شئ. وأخيرا حضر إلى يافا خمسين متطوعا من مسلمي يوغسلافيا كانوا على درجة عالية من الإيمان والحماسة في طلب الشهادة فأبلوا بلاء حسنا. وبذلك بلغت حامية يافا في أواخر آذار 1948 نحو ألف وخمسائة مقاتل من الوافدين وأبناء المدينة

وفي 31 آذار وقعت معركة بين المجاهدين والصهيونيين غنم فيها المجاهدون عددا من السيارات والمصفحات. وفي 13 نيسان قام الصهيونيون بهجوم كبير على تل الريش وتوغلوا فيه، ولكن العرب أخرجوهم منه. ثم أعاد الصهيونيون الكرة يوم 24 نيسان فهاجموا المنشية واحتلوا محطة السكة الحديدية ومركز الشرطة. واستمات العرب في الدفاع عن هذه المواقع وقاموا بهجمات مضادة تمكنوا فيها من طرد الصهيونيين. وجدد الصهيونيون الهجمات في 25 و26 و27 نيسان بقوات كبيرة تساندها مدافع الهاون، واقتربت طلائعهم من الاستحكامات العربية. وتمكن حماة يافا من صد هذه الهجمات، ولكن الصهيونيون قاموا يوم 28 نيسان بهجوم كبير من جهة تل الريش، وهجوم آخر من المنشية تساندهم المدرعات، ودارت معركة طاحنة تمكن فيها المجاهدون في تل الريش من صد الصهيونيين فارتدوا تاريكن وراءهم حوالي 25 قتيلا وبعض العربات. وأما في المنشية فقد استطاع الصهيونيون احتلال الحي فأخذ السكان يغادرونه. وبينما كانت المعركة على أشدها أقال قائد جيش الانقاذ قائد الحامية المقدم عادل نجم الدين وعين لهذه المهمة الريس ميشيل العيسى، وهو من أبناء يافا وكان آمرا لفوج أجنادين من جيش الانقاذ، فوصل إلى يافا مع فوجه المؤلف من 247 مقاتلا يوم 48/4/1948 وشق طريقه بالقوة ودحر الصهيونيين الذين كانوا يتمركزون على طريق تقدمه. وأخذ يحاول اتخاذ تدابير للدفاع والصمود في موقف عسكري يميل لصالح العدو الذي احتل عددا من القرى العربية القريبة من يافا، وقطع طريق يافا-القدس من موقع نيتر وعمارة حزبون، وبذلك انقطع كل اتصال بين يافا والقرى العربية الشرقية وبينها وبين الرملة ومطار اللد.

وفي أوائل آيار 1948 أخذ الموقف يزداد سوؤا فعم الخوف والاضطراب وظهرت بعض حوادث الفوضى وأخذ الناس يغادرون المدينة إلى غزة عن طريق البحر. وقبل ذلك كانت اللجنة القومية تمنع مغادرة أي شخص للمدينة إلا إذا كان يقصد المعالجة الطبية مؤيدا بتقرير طبي.

شدد الأعداء هجماتهم على المدينة، وأخذت صيحات الاستغاثة وطلب النجدة تتوالى من يافا، وعز المنجدون، وكثر عدد القتلى والجرحى، وأخذا المقاومة تنهار والناس ينزحون.

بقى الانكليز في يافا حتى الأيام الأخيرة من الانتداب خلاف ما فعلوا في حيفا وصفد وطبرية وبيسان التي غادروها مبكرين، وقد ساعد ذلك في تأخير اقتحام الصهيونيين لها.

وفي يوم 13/5/1948 سلم حاكم اللواء الإنكليزي مفاتيح الدوائر الحكومية إلى الحاج أحمد أبو لبن الذي اعتبر مسؤولا عن شؤون المدينة ووافق العرب والصهيونيون على اقتراح قدمه الحاكم بجعل يافا منطقة مفتوحة. ولكن الصهيونيين لم يقبلوا أن يتم ذلك.




يافا (مؤتمر)

اجتماع عام كبير دعت إلى عقده اللجنة التنفيذية بموجب قرار اجتماع القدس (24/2/1933) للبحث في مسألتي بيع الأراضي والهجرة، ولوضع أسس اللاتعاون مع الحكومة من أجل الضغط على السلطات البريطانية وإجبارها على تحقيق المطالب العربية الحقة.

جاءت الدعوة إلى مؤتمر يافا على شكل بيان أصدره موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية في 22/3/1933 وشرح فيه أحوال البلاد والأخطار التي تهددها بسبب تزايد الهجرة الصهيونية وانتقال الأراضي إلى اليهود. وتحدث عن رفض المندوب السامي البريطاني للمطالب العربية التي تقدم بها إليه وفد اجتماع القدس في الشهر السابق، وعن أن هذا الرفض دفع أعضاء ذلك الاجتماع، وقد عرفوا نيات الحكومة حق المعرفة، إلى دعوة الأمة لدرس الوضع الخطير في اجتماع كبير يعقد في 26/3/1933 بمدينة يافا.

عقد المؤتمر في قاعة سينما أبولو بمدينة يافا وحضره إلى جانب أعضاء اللجنة التنفيذية رؤساء بلديات المدن، عدا راغب النشاشيبي رئيس بلدية القدس، وما بين 500و600 مندوب يمثلون جميع الأحزاب والاتجاهات من مختلف المدن والقرى. وكان بين الحاضرين الحاج محمد أمين الحسيني وزعماء حزب الاستقلال الذين رأوا أن دعوتهم بلغت غايتها بعد أن اتجهت الحركة الوطنية إلى مكاشفة بريطانيا بالعداء.

وبدأ البحث في مسألة اللاتعاون. وقد أكد الخطباء جميعا ضرورة اللاتعاون وبينوا أن معناه عدم مساعدة الحكومة على تنفيذ ما جاء في صك الانتداب، وأن الأمة قررت اللاتعاون منذ قررت رفض الانتداب. واستشهدوا على هذا المبدأ بأمثلة المقاطعة في الهند (حزب المؤتمر) وفي مصر (حزب الوفد) وبينوا مدى النجاح أو الفشل الذي تحقق هناك. ورأوا أن تطبيق اللاتعاون في يوم واحد أمر مستحيل.

وكان لعدم وجود جدول أعمال للمؤتمر، ولعدم وجود اقتراح محدد يطرح للبحث والنقاش أثر في تشعب الآراء وتشابك الاقتراحات. أضف إلى ذلك ما سيطر على الاجتماع من روح العداء والصراع بين المجلسين (أنصار المفتي) والمعارضين (أنصار النشاشيبي). وقد دفع ذلك كله إلى توتر الجو وارتفاع الأصوات والحدة في النقاش والميل إلى التحدي والاحراج فكاد المؤتمر يتعطل ومال عدد من المجتمعين إلى الانسحاب منه.

تركزت دعوان معظم المتحدثين في الامتناع عن دفع الضرائب ومقاطعة البضائع الإنجليزية واليهودية واستقالة الموظفين الحكوميين. وقد قدم حزب الاستقلال مقترحاته حول سبل تنفيذ اللاتعاون في مذكرة مكتوبة رأت أن يسير اللاتعاون سيرا متدرجا حسب تطور الحاجة فيتناول أولا المجال الاجتماعي بمقاطعة الحفلات والجمعيات والأندية الإنكليزية، ثم الميدان السياسي بمقاطعة اللجان الحكومية والمجالس السياسية والامتناع عن دفع الضرائب المباشرة إذ لا ضرائب بدون تمثيل، وينتقل بعد ذلك إلى الميدان الاقتصادي بمقاطعة البضائع والمصنوعات الإنكليزية واليهودية والاقتصار على ها هو ضروري من البضائع التي تدفع رسوما وجمارك.

في الجلسة الثانية للمؤتمر وافق الجميع على تأليف لجنة من ثلاثة أشخاص تتولى تهيئة الأسباب الموصلة إلى تطبيق هذا اللاتعاون. ثم انتقل البحث إلى قضية بيع الأراضي فتحدث الخطباء عن خطر انتقالها إلى اليهود وطالبوا بالقضاء على السماسرة وتطهير الصفوف منهم ودعوا إلى جمع الأموار لشراء الأراضي وانقاذ المهدد منها بالضياع بسبب الضرائب وديون المصارف والمرابين. وانتهى الاجتماع بتقرير ما يلي:

1- تقرير مبدأت اللاتعاون والمباشرة منذ الآن بتنفيذ أولى درجاته كمقاطعة الحفلات والمجاملات مع الحكومة، ومقاطعة لجانها ، ومقاطعة البضائع الإنكليزية والبضائع والمصنوعات والمتاجر اليهودية. 2- تأليف لجنة من أعضاء مكتب اللجنة التنفيذية وعضو عن كل حزب من أحزاب البلاد لاتخاذ الطرق الموصلة إلى تنفيذ فكرة اللاتعاون بصورة أوسع، على أن يكون نصاب هذه اللجنة القانوني، مهما بلغ عدد أعضائها ثلاثة، وأن تقدم تقريرها إلى اللجنة التنفيذية خلال شهرين. 3- أن تطوف لجنة صندوق الأمة العليا بموافقة عدد من التجار والوجهاء أنحاء فلسطين لحض الأهالي على شراء أسهم شركة انقاذ الأراضي وبذل الجهود لانجاح مشروع صندوق الأمة. 4- أن يكون سلاح الأهلين ضد المهاجرة اليهودية المقاطعة التامة.

وقد وجه موسى كاظم في 3/4/1933 نداء بوجوب تنفيذ الدرجة الأولى من درجات حركة اللاتعاون، وقال ان كل فرد من أبناء الأمة لا يقوم بتنفيذ قراراتها فهو خارج عليها، منبوذ منها، مشترك في العمل للقضاء عليها.

وعلى الرغم من أن اللجنة التي اقترح مؤتمر يافا بتشكيليها لتنفيذ فكرة اللاتعاون لم تظهر – على ما يبدو – إلى الوجود فقط كانت المقاطعة على المستوى الشعبي عامة. وبدا ذلك واضحا إبان زيارة وزير المستعمرات البريطاني فلسطين في الأسبوع الثالث من شهر نيسان 1933. وقد وصف موسى كاظم الحسيني ذلك في بيان 23/4/1933 فقال إن الأمة وقفت أفرادا وجماعات موقفا يسطر لها بمداد الفخر.

المراجع: - محمد غزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، صيدا، بيروت 1959. - كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922-1939، بيروت 1974. - أحمد الشقيري: أربعون عاما في الحياة العربية والدولية، بيروت 1972. - أكرم زعيتر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918-1939، بيروت 1979. - عبد الوهاب الكيالي (جمع وتصنيف): وثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية 1918-1939، بيروت 1968. - تقرير اللجنة الملكية (لجنة بيل)، 1937.


ياقوق (قرية)

أصغر قرى قضاء طبرية مساحة وسكانا. وهي تقع إلى الشمال من طبرية، وأقرب قرية إليها هي قرية الشونة التي تقع شمالها وتصلها بها طريق غير معبدة. وتتصل ياقوق كذلك بالطريق المعبدة بين طبرية والمغار بطريق غير معبدة. وهي تبعد 11 كم إلى الجنوب من صفد وحوالي 10 كم إلى الشمال الغربي من تلحوم.

ترتفع القرية قرابة 25 م عن سطح البحر. وقد قامت على أنقاض مدينة حقوق (بمعنى حفرة) الكنعانية وحملت اسمها في العهد الروماني. وهي تشرف على وادي السدارة من الجهة الجنوبية. وتتميز المنطقة الممتدة إلى الشمال الشرقي منها بكثيرة الجروف الوعرة، وتنتشر في المنطقة المحيطة بها الأعشاب الشوكية.

تبلغ مساحة القرية 14 دونما فقط ومساحة أراضيها 8.507 دونما. وقد امتلك الصهيونيون قرابة نصف مساحة هذه الأراضي واحتلت أشجار الزيتون 16 دونما منها فقط. وتحيط بأراضي القرية أراضي قرى المغار وغور أبو شوشة.

بلغ عدد سكان ياقوق وفيهم عرب المواسي الذين كانوا يقيمون حولها 494 نسمة في عام 1922. وبلغ عدد سكان ياقوق وحدها 153 نسمة في عام 1931. ويبدو أن السكان كانوا ينفرون من الاقامة في المنطقة لجدبها ووقوعها وسط منطقة أعشاب وأحراج برية فلم يجاوز عددهم 210 نسمات في عام 1945.

وياقوق من القرى الأثرية لاحتوائها على بعض المدافن المنحوتة في الصخر، وعلى قطع أعمدة وصهاريج. وقد دمرت تلك القرية تماما في عام 1948 وشرد أهلها وأقام الصهيونيون إلى الجنوب الغربي منها مستعمرة أطلق عليها اسم هوكوك.

المراجع: - مصطفى الدباغ: بلادنا فلسطين، ج6، ق2، 1974. - خريطة فلسطين: مقياس 1:50.000، لوحة الرامة.


يالو (قرية)

قرية عربية كانت تابعة لقضاء الرملة ثم أصبحت بعد عام 1948 تابعة لقضاء رام الله. وهي إحدى قرى الخطوط الأمامية في الضفة الغربية. وتقع جنوبي شرق الرملة وجنوبي غرب رام الله. وتربطها طرق فرعية طولها كيلومتران بطريق رام الله-اللد ، وتبعد إلى الشمال من طريق القدس- يافا مافة 3 كم تقريبا. وتربطها دروب جبلية ممهدة بقرى بيت نوبا وعمواس (لم يكتمل)****


النشاط الصهيوني في العالم العربي قبل 1948

6- ليبيا: الصهيونية تنشط في ليبيا بإنشاء النوادي وفرق الكشافة الصهيونية ودفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، الأمر الذي أثار قلق العرب وأدى إلى اضطرابات عام 1945 أثناء مظاهرات التنديد بوعد بلفور. ولكن زعماء ليبيا أكدوا أن هذه الأعمال موجهة ضد الصهيونية ولا صلة لها بالعلاقات العربية اليهودية في ليبيا.

استمر الضغط الصهيوني لحمل اليهود على الهجرة، ولا سيما بعد إعلان قيام دولة إسرائيل. وانشأت الوكالة اليهودية عام 1979 مكتبا للهجرة في طرابلس بتشجيع من السلطات البريطانية فهاجر خلال هذا العام نحو 15.130 يهوديا.

وبعد استقلال ليبيا عام 1951 نص الدستور على المساواة والحرية ومنح كثير من اليهود الجنسية الليبية. وأصدرت الحكومة أوامرها بمنع الهجرة من الموانئ الليبية إلى إسرائيل. وظل اليهود يمارسون نشاطهم الاقتصادي وحياتهم الدينية بحرية. ولكن المنظمات الصهيونية تابعت ضغطها لدفع اليهود إلى الهجرة، وأصبح عدد من وصل إلى إسرائيل من ليبيا حتى عام 1958 نحو 35.144 يهوديا. وفي عام 1967 بقى في طرابلس بين 4.500 و5.000 يهودي، وفي بنغازي 300 يهودي. وبعد حرب 1967 منح الراغبون منهم تأشيرات خروج (كان نحو 2.5000 منهم يحملون جنسيات أجنبية). وعين مجلس الثورة سنة 1970 حارسا على ممتلكات اليهود الذين غادروا ليبيا بعد حرب 1967.

7- تونس: قدر عدد يهود تونس سنة 1921 بنحو 48.436 شخصا، وأصبح العدد عام 1946 150.000 منهم عدد كبير يحملون الجنسية الفرنسية ومجموعة صغيرة من جنسيات مختلفة. ويتركز 61% منهم في العاصمة تونس. وكانوا يتمتعون بحرية العبادة، وضمنت حقوقهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية على مر العصور والعهود. وقد أصدرت السلطة الفرنسية في تونس عام 1923 قانونا يسهل لهم الحصول على الجنسية الفرنسية.

كان يهود تونس يعملون قبل الحماية الفرنسية في التجارة والصناعة والأعمال الادارية. وقد زاد دورهم أهمية أيام الحماية الفرنسية فاختصوا بالتجارة والصرافة وأعمال البنوك وشركات التأمين والسياحة وبعض المهن الحرة المتخصصة. وكان معظمهم يعيش في أحياء خاصة من المدن الرئيسية. وغدا مثقفوهم وأغنياؤهم جزءا متمما للمجتمع الأوروبي في تونس.

وقد اتيحت لليهود في تونس فرص تعليم أكبر من المتاحة لأبناء البلاد. فقد أنشأت الأليانس عام 1863 عددا من المدارس الحديثة قدمت لها فيما بعد سلطة الحماية الفرنسية الدعم المادي والمعنوي، الأمر الذي رفع نسبة المؤهلين والمثقفين ثقافة فرنسية بين يهود تونس.

وتمتع اليهود بحقوقهم السياسية قبل الحماية، ثم ضمن الوجود الفرنسي كثيرا من الامتيازات لهم. وقد تعاطف بعض مثقفيهم مع حركة الدستور الجديد من أجل الاستقلال. وكان زعماء الحركة الوطنية التونسية يسعون إلى كسب اليهود إلى جانب قضيتهم ويؤكدون المساواة في ظل دولة ديموقراطية علمانية. ولم تكن أعمال العنف التي أصابت بعض الممتلكات اليهودية خلال فترة النضال الوطني إلا لارتباط أصحابها بفرنسا وسياستها في تونس.

احتل اليهود في تونس المستقلة مناصب هامة، ومنحوا حق الانتخاب في المجلس التأسيسي والمجالة البلدية، وألغي النظام الطائفي، وعينت لجان خاصة للاشراف على التعليم الديني. وكان المؤتمر اليهودي العالمي على اتصال بالحكومة للبحث في أوضاع اليهود. وضمنت حقوق اليهود المدنية والدينية ، وكفلت لهم حرية التنقل وإصدار الصحف.

لكن تونس شهدت بعد عام 1956 هجرة اليهود إلى الخارج وقد قدر عدد المهاجرين حتى عام 1959 بنحو 40.000 يهودي، أي 40% من يهود تونس. وفي عام 1963 كان عدد اليهود 32.000 فأصبح 23.000 عام 1967. ولم تتدخل الحكومة لمنع الهجرة، ولكنها عدتها أمرا غير مرغوب فيه وحذرت اليهود من الاتصال بالمنظمات الصهيونية.

ويرجع السبب في هجرة يهود تونس وسائر بلاد شمال أفريقيا إلى أن المكاسب التي تمتعوا بها زمن الحماية الفرنسية زالت أو قلت، وأخذ أبناء البلاد يشغلون المراكز الادارية والاقتصادية التي كانت حكرا على الأجانب. وقد رحلت غالبية يهود تونس إلى فرنسا فاستقر فيها 60.000 يهودي تونسي بين 1956-1959، لم تتمكن المنظمات الصهيونية إلا من كسب الفئات الفقيرة للهجرة إلى إسرائيل.

ويعيش اليهود في تونس اليوم بهدوء ويمارسون أعمالهم وعباداتهم بحرية.

8- الجزائر: يقدر احصاء عام 1851 عدد اليهود في الجزائر بنحو 21.000، وفي عام 1920 بلغ عددهم 74.000، ثم أصبح 110.127 عام 1930، و140.000 في عام 1951، أي نحو 12.7% من عدد الأوروبين في الجزائر. ويصعب الوصول إلى احصاءات دقيقة لأنهم كانوا يعدون جزاء من الفرنسيين. ويتركز ثلاثة أرباعهم في المدن الساحلية الكبرى، وقد عاش بضعة آلاف منهم في الصحراء جنوبي الجزائر.

تمتع اليهود قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر بالاستقلال الذاتي بشؤون طائفتهم. ولكن سلطات الاحتلال منحتهم امتيازات كثيرة فكان لهم ادارة مستقلة ورئيس يتبع مباشرة للادارة الفرنسية ويتمتع بصلاحيات كثيرة ويعاونه مجلس يهودي. وتولت المحاكم الحاخامية شؤون القضاء. ثم صدر القانون بمنح اليهود الجنسية الفرنسية عام 1870 (بعد أن جعلت الجزائر جزءا من فرنسا). وقد ألغي القانون عام 1940 في عهد حكومة فييشي، ثم أعيد العمل به عام 1943.

كانت أوضاع اليهود الاقتصادية في الجزائر أفضل منها في سائر شمالي إفريقيا بسبب ما منحوا من امتيازات، وقد برزوا في مجالات التجارة والصناعة، وهاجر بعضهم إلى الجنوب لدى اكتشاف التجارة والصناعة، وهاجر بعضهم إلى الجنوب لدى اكتشاف البترول والمعادن الأخرى. وتحول بعضهم إلى الزراعة وتربية الحيوان. وقد مثلوا في الجزائر طبقة وسيطة بين العرب والمستوطنين الأوروبيين.

لعب اليهود دورا كبيرا في الحياة السياسية في الجزائر، وسعت الأحزاب الفرنسية لكسب أصواتهم. وكان موقفهم من الصراع بين الاحتلال الفرنسي وجهبة التحرير الجزائرية منحازا إلى فرنسا رغم حرص بعضهم على البعد عن القضايا السياسية، ورغم ميل أقلية من المثقفين اليهود اليساريين إلى دعم قضية التحرر، ورغم محاولة جبهة التحرير الجزائرية منذ البداية كسب الطائفة اليهودية للانضمام إلى الثورة لأنها تعدها جزءا من الشعب الجزائري بدون تمييز عنصري أو ديني. ويعود ذلك إلى أن يهود الجزائر كانوا فرنسيين تربطهم مصالحهم بفرنسا وتتأثر مؤسساتهم الاقتصادية برحليها عن الجزائر. ولهذا استغل المتطرفون من المستوطنيين والمنظمات اليهودية في الخارج الأمر ونظموا حملات دعائية عملت على تردي العلاقات بين العرب واليهود وأدت إلى وقوف 90% من يهود الجزائر إلى جانب بقاء الجزائر فرنسية ووقوف بعضهم إلى جانب منظمة الجيش الفرنسي السرية التي قامت بحملة إرهاب لإبقاء الوجود الفرنسي. وهذا يفسر رغبة اليهود في مغادرة الجزائر مع رحيل الفرنسييين بعد الاستقلال.

غادر اليهود الجزائر كفرنسيين، وبلغ عددهم حتى تموز 1960 نحو 40.000. وقد حاولت المنظمات الصهيونية توجيه هجرتهم إلى إسرائيل ولكنها فشلت فلم يصل إلى إسرائيل من أصل 130 يهودي جزائري سوى أعداد قليلة، وفضل معظم المهاجرين الإقامة في فرنسا.

لم يبق في الجزائر عام 1963 سوى 3.800 يهودي منهم ألفان في مدينة الجزائر والباقون في وهران. وقد غادر بعضهم الجزائر إلى فرنسا بعد عام 1967.

9 - المغرب: قدر عدد اليهود في المغرب عام 1927 بنحو 175.000 نسمة. وبلغ عدد يهود المنظمة اليهودية الواقعة تحت الحماية الفرنسية وفق احصاء عام 1947 حوالي 203.835 معظمهم في المدن وثلثهم في الدار البيضاء، ويضاف إليهم 14.195 يهوديا في المنطقة الواقعة تحت الاحتلال الإسباني من المغرب و20.000 في منطقة طنجة.

وقد تمتع اليهود في المغرب قبل الاستعمار بالاستقلال في شؤونهم كما كانت الحال في سائر الأقطار العربية. ولم يمنحوا الجنسية الفرنسية أيام الحماية الفرنسية (1912-1956) بل منحوا الامتيازات ونظمت شؤون طائفتهم بمرسوم عام 1918، كما نظمت شؤون الطائفة في منطقة طنجة ومنطقة الحماية الفرنسية.

لعب اليهود دورا اقتصاديا كبيرا قبل الحماية فنشطوا في التجارة الخارجية منذ القرن الثامن عشر وازداد نشاطهم زمن الحماية وتفوقوا في التجارة والصناعة والمهن الحرة الأخرى. وعمل بعض القدامى منهم في الزراعة وتملكوا الأراضي.

وقد انقسم يهود المغرب إلى طبقة عليا صغيرة من الإداريين والخبراء وكبار التجار وأصحاب الصناعات كانت تمثل مع النخبة الأوروبية الطبقة الغنية المترفة أيام الحماية الفرنسية، وإلى طبقة واسعة من أصحاب الحرب والفقراء كانوا يعيشون في القرى أو في أحياء خاصة في المدن تسمة الملاح. وقد عمدت المنظمات اليهودية المحلية والعالمية إلى الاهتمام بسكان الملاح.

وتعود بداية التعليم الحديث بين يهود المغرب إلى شبكة المدارس التي أنشأتها الأليانس في المدن. وإلى جانبها أحدثت أيام الحماية الفرنسية مدارس رسمية يهودية حسب المناهج الفرنسية. وقد بلغ مجموعة الطلاب اليهود عام 1947 نحو 25.560 طالبا، أي ما نسبته 12.53% من أصل عدد اليهود، في حين لم تتجاوز نسبة عدد التلاميذ العرب 1.08% من عدد السكان. وكانت لليهود حرية التعليم الديني والعبري الذي تتولاه الطوائف المحلية والأليانس.

وقد أنشأت بعد الحرب العالمية الثانية كلية لتدريب المعلمين على الدراسات العبرية، وافتتحت مراكز للتدريب المهني والمدارس المختلفة فأصبحت نسبة الطلاب اليهود 100% من عدد الذين هم في سن التعليم. وقد عملت الحكومة منذ عام 1959/1960 على تعريب التعليم بالتدريج، وعلى توحيد نظمه والإشراف على مدراس الأليانس وإدخال الطلبة العرب إلى صفوفها.

تمتع اليهود في المغرب على مر العهود بالتسامح والعدالة والمساواة، ونجح السلطان في حمايتهم حين اضهطدتهم سلطات حكومة فيشي عام 1940. وحاولت الطائفة اليهودية الوقوف على الحياد في بداية حركة النضال الوطني من أجل الاستقلال، ولاسيما بعد نفسي السلطان محمد الخامس ، ولكن الطبقة الغنية كانت منحازة إلى فرنسا لإرتباط مصالحها بوجودها. ولم يبد أي مظهر عدائي ضد اليهود خلال الاضطرابات السياسية. وقد أجري المؤتمر اليهودي العالمي قبل الاستقلال مشاروات مع زعماء الحركة الوطنية المغربية فأكدوا هؤلاء ضمان الحرية والمساواة لجميع المواطنين. وأعلن زعماء اليهود تأييدهم مطلب الاستقلال في مفاوضات واتفاقية سنة 1956 التي أنهت الحملة الفرنسية. وقد ضمت الحكومة المغربية الأولى الوزير اليهودي بن زكوان للبريد والبرق والهاتف، وشغل اليهود في الجهاز الحكومي مراكز كبرى، ولاسيما في وزارة الخارجية والبعثات التجارية والاقتصادية. وشارك اليهود كذلك في المجالس النيابية والبلدية والقروية والغرف التجارية والصناعية. وأنشأ زعماؤهم منذ عام 1956 رابطة الوفاق لتوثيق التقارب بين العرب واليهود.

لم يكن في المغرب نشاط صهيوني كبير قبل عام 1947 رغم وجود منظمة صهيونية منذ عام 1930 لجمع التبرعات. ولم يتجاوز عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين حتى عام 1947 ألف مهاجر. ومع قيام إسرائيل بدأ مندوبو الوكالة اليهودية ينشرون فكرة الهجرة الجماعية وأسست مكاتب هجرة في الدار البيضاء ومراكس أخذ تسجل أسماء المرشحين للهجرة بمساعدة منظمة كاديما المحلية. وقد استجاب الفقراء للدعوة فنقلوا إلى معسكرات في الدار البيضاء ثم إلى إسرائيل، وما ان اقترب موعد الاستقلال حتى زاد النشاط اليهودي لتسريع عملية الهجرة الجماعية بتمويل من يهود الولايات المتحدة، ولم تقف السلطات المغربية في وجه الهجرة، ولكنها شددت اجراءاتها على الحدود ضد بعض المؤسسات التي تولت تنظيم هجرة غير مشروعة. وهذا ما فع المنظمات اليهودية إلى شن حملات على المغرب تتهمه بالتضييق على اليهود وتصورهم ضحايا حملة لا سامية، ولاسيما بعد حادثة غرق مركب على الساحل المغربي كان يقوم بتهريب اليهود في 12/1/1961.

نظمت الحكومة حملة صحفية لعرض وجهة نظرها على الرأي العام العالمي. وأعلن الملك الحسن الثاني بعد توليه الحكم في أيلول 1961 أن الطائفة اليهودية جزء من الشعب المغربي، وحضر ممثلون عنهم حفل التنصيب، ولكن العناصر اليهودية استمرت في حملتها لنشر الخوف من الاضطهاد بين يهود المغرب. وقد هاجرت بين عام 1948-1958 حوالي 45 ألفا توجه قسم منهم إلى أمريكا اللاتينية لا إلى إسرائيل. وفي عام 1958 عاد إلى المغرب 7.000 يهودي.

وقد قامت الحكومة باجراءات احتياطية لحماية الطائفة اليهودية أثناء حرب 1967. وقدر عدد اليهود في المغرب عام 1969 بنحو 45 ألفا كانوا يعيشون في أمان ويتمتعون بكامل حقوقهم حب الدستورن وتمتعت مؤسساتهم الثقافية والدينية بالحرية.

د- يهود البلاد العربية والحركة الصهيونية: لفلسطين مكانة دينية مقدسة في جميع الديانات السماوية. وقد كان اليهود، حتى ظهور الحركة الصهيونية السياسية، الحق في دخول فلسطين للزيارة أو لأغراض دينية. ولم يلتفتوا إلى الحركة الصهيونية عند قيامها بين يهود أوروبا كحركة سياسية منظمة لتوجيه الهجرة إلى فلسطين، ولا سيما أن زعماء الحركة الصهيونية وجهوا همهم الأول إلى يهود أوروبا الشرقية لتشجيعهم على هذه الهجرة. لكن مندوبي المنظمة الصهيونية توجهوا منذ ثلاثينات القرن العشرين إلى الطوائف اليهودية في البلاد العربية للتعرف على إمكان الاستفادة منها. وتركزت جهودهم أثناء الحرب العالمية الثانية خاصة على تشجيع الهجرة إلى فلسطين. وقد استجاب عدد من الشباب اليهودي لهذه الهجرة. ولكن يهود البلاد العربية عامة لم يقوموا بدور هام في الهجرة إلى فلسطين، ولم تتجاوز أعدادهم بين 1919-1948 42.000 مهاجر من أصل 460.000 مهاجر معظمهم من الأشكنازيين. أي أن نسبة المهاجرين من يهود البلاد العربية كانت 9% فقط من معدل الهجرة العام.

وفي مقابل ذلك كان الرأي العام العربي يرى أن الصهيونية كحركة سياسية، واليهودية كديانة، شيئان مختلفان. وقد ظهر هذا التمييز منذ قرار المؤتمر السوري العام في دمشق (تموز 1919). وكانت المطالبة العربية بفلسطين المستقلة تترافق دائما مع ضمانات لحقوق الأقلية اليهودية في حال إنشاء دولة عربية في فلسطين.

هـ: يهود البلاد العربية وإنشاء إسرائيل: كانت معارضة العرب للحركة الصهيونية ولإسرائيل معارضة سياسية لا دينية. فإسرائيل كيان إستعماري أجنبي والصراع العربي – الإسرائيلي لم يأخذ في أي مرحلة من مراحله شكلا دينيا أو عنصريا.

وقد سعت إسرائيل، وتسعى، إلى خلط الجانبين الديني والسياسي وإضفاء أهمية سياسية على المعتقد الديني، وجعل يهود العالم أجمعين منتمين بالولاء إلى سيادة سياسية قومية تتمثل بإسرائيل ، وهذا يعني أن تصبح إسرائيل نقطة تجمع كل يهود العالم.

وكان يهود البلاد العربية المرشحين الرئيسيين في هذه المرحلة للهجرة إلى إسرائيل تلبية لحاجاتها الملحة إلى الطاقة البشرية بعد أن فشلت جهود زعماء الصهيونيين في جلب المهاجرين من أمريكا. ولذلك تولت منظمات صهيونية أمريكية عملية جمع المهاجرين من أنحاء العالم الأخرى ومنها من البلاد العربية. وقد تمنكن وكلاء المنظمات الصهيوينة عن طريق إثارة شعور الخوف من اضطاد وشيك الوقوع من تحطيم الوجود الآمن الذي تمتع به اليهود بين العرب منذ القدم. وعلى الرغم من أن ظروف الصراع العربي الإسرايلي لم تؤثر في موقف العرب تجاه اليهود فقد خرج في السنوات الأولى لقيام إسرائيل مالا يقل عن 700 ألف يهودي لم تجبرهم الدول العربية على الهجرة، كما لم تنكر عليهم حقهم فيها. ولم يذهب هؤلاء جميعا إلى إسرائيل. فمنهم من ذهب إلى كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أمريكا اللاتينية. واتجه منهم إلى إسرائيل نحو 500 ألف يشكلون 42% من سكان إسرائيل. وفي عام 1949 بلغت نسبة المهاجرين اليهود من البلاد العربية إلى مجموعة الهجرة العامة إلى إسرائيل 47.35% ووصلت إلى 68.7 عام 1956.

وينتمي يهود البلاد العربية داخل المجتمع الإسرائيلي إلى ما يعرف بفئة السفارديم، أو اليهود الشرقيين. والهوة بينهم وبين اليهود الغربيين الإشكانزيم واسعة من حيث المكانة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وحياة هؤلاء صورة تغير بجلاء الصورة التي عاشها أولئك وسط المجتمع العربي.

و- يهود البلاد العربية بعد عام 1967: ركزت الدوائر الصهيونية في إسرائيل والعالم حملة دعائية قوية في المحافل الدولية ضد الدول العربية ولاسيما سورية والعراق ومصر، تتهمها بإساءة معاملة اليهود فيها وتبدي قلقها على مستقبلهم وترى أن الحل الوحيد لتجنب ما تزعمه من اضطهاد هو الهجرة ضد الدول العربية ولاسيما سورية والعراق ومصر، تتهمها بإساءة معاملة اليهود فيها وتبدي قلقها على مستقبلهم وترى أن الحل الوحيد لتجنب ما تزعمه من اضطهاد هو الهجرة إلى إسرائيل لأنها المكان الوحيد الطبيعي لجميع اليهود.

وقد أصرت السلطات الإسرائيلية على ربط أوضاع اليهود في البلاد العربية بأوضاع العرب في الأرض المحتلة فرفضت السماح بالتحقيق في الظروف التي يعيش فيها السكان العرب في المناطق المحتلة (قرار مجلس الأمن 237 بتاريخ 14/6/1967) ما لم يشمل التحقيق يهود البلاد العربية. والغرض من ذلك تحويل الأنظار عن المعاملة السيئة التي يبلقاها عرب الأراضي المحتلة، والعمل على تهجير نحو 100 ألف يهودي من البلاد العربية لسكنى الأراضي المحتلة حديثا.

وتدحض الأدلة والبراهين الواضحة مزاعم الصهيونية وإسرائيل. فقد أكدت الشخصيات العالمية الكثيرة التي زارت البلاد العربية حسن المعاملة التي يلقاها اليهود في البلاد العربية، والحقوق والمساواة التي يتمتعون بها، مثلهم في ذلك مثل بقية المواطنين.

ولقد طرحت الثورة الفلسطينية منذ عام 1969 شعار إقامة الدولة العلمانية الديموقراطية على أرض فلسطين كبديل للوجود الصهيوني، وقبلت بحق اليهود في المواطنة الفلسطينية مع رفض اي حق في الوجود القومي في فلسطين. ودعت البلاد العربية إلى إعطاء اليهود حق العودة إلى البلاد العربية التي هاجروا منها مع ضمان حقوقهم الكاملة واعادة ممتلكاتهم. وقد غدت قضية دعوة اليهود العرب إلى العودة إلى البلاد العربية موضع اهتمام خاص منذ منتصف عام 1975 عندما قدمت منظمة التحرير الفلسطينية خطة متكاملة لتنظيم الهجرة المضادة من إسرائيل. وبادرت بعض الحكومات العربية إلى تبني هذه الفكرة وإصدار قرار سياسي بدعوة اليهود العرب إلى العودة، ومن هذه الحكومات المغرب واليمن وليبيا والسودان والعراق ومصر. وقد جاء ذلك في وقت مناسب انخفضت فيه معدلات الهجرة إلى إسرائيل في أعقاب حرب 1973 وتزايدت حدة التمييز العنصري داخل إسرائيل وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الذي تقرر فيه أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (القرار 3379 بتاريخ 10/11/1975).

وقد قدرت الاحصاءات عدد اليهود في البلاد العربية عام 1975 على النحو التالي: المغرب 31.000، تونس 8.000، لبنان 1.800، العراق 500، سورية 4.000، الجزائر 1.000، مصر 500، ليبيا 40، اليمن 5.000.

المراجع:

- علي ابراهيم عبده وخيرية قاسمية: يهود البلاد العربية، بيروت 1971. - شفيق الرشيدات: الأوضاع القانونية ليهود البلاد العربية، القاهرة. - مركز الأبحاث الفلسطينية: ملف يهود البلاد العربية، بيروت. - الأمانة العامة لجامعة الدول العربية: مذكرات بشأن الهجرات اليهودية من شمال إفريقية إلى إسرائيل، مقدمة إلى مؤتمر رؤساء أجهزة فلسطين في الدول العربية، من عام 1961-1965. - إلياس سعد: الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بيروت 1969. - يوسف رزق الله غنيمة: نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق، بغداد 1924. - Beaton, P.: The Jews in the East, London 1859. - Brtger, E.: Who Knows better Must say so! New York 1955. - Ben Zvi: The exiled and the Redeemed, (Translated from Hebrew). London 1958. - Hoarani, A.: Minorities in the Arab World. London 1947. - Lanschut, S.: Jewish Communities in the Moslem Countries of the Middle East, London 1950. - The League of Arab States, Press and information Dept.: The Truth about Jews in Egypt, Cairo 1957. - Lilecahaf, A.: The Other side of the coin, New York 1965. - Schechtman, J.B.: On Wings of Eagles, New York 1960.


يوسبيوس القيسراني (260-399م)

واحد من رجال الكنيسة في العهد البيزنطي ولد في قيسارية وانتب إلى حلقة تدريس بامفيليوس الذي خلف أوريجن في الاشتغال بالعلوم المسيحية والأبحاث اللاهوتية وورث مكتبته الغنية التي نقلت من الإسكندرية إلى قيسارية. وقد شهد في عهد ديوقلتيان سنة 303م حملة اضطهاد المسيحيين التي سجن وقتل فيها بامفيليوس وكثيرون غيره ممن أحيا ذكرهم في كتابه "شهداء فلسطين".

انصرف يوسبيوس إلى التأليف فكتب رسائل كثيرة للرد على الفلاسفة الأفلاطونيين الحديثين والدفاع عن العقيدة المسيحة وشرح العقد القديم والأناجيل. وبعد انتخابه أسقفا على قيسارية سنة 313 م ضعف نشاطه لانهماكه في بناء الكنائس وترميمها والعناية بالرعاية الجدد.

ولما طرد آريوس من الإسكندرية بتهمة الهرطقة والتجأ إلى قيسارية حاول يوبيوس التوفيق بينه وبين خصومه. ولكنه في مجمع نيقية الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين سنة 325م تخلى عن تأييد آريوس ودافع في خطاب افتتاح المجمع عن الرأي الوسط الذي يحبذه الإمبراطور الحريص على وحدة العقيدة في الإمبراطورية. ظل يوسبيوس يتمتع بعطف الإمبراطور محاولا دعم سلطته الملكية على أساس العناية الإلهية، فزعم أن الإمبراطور يحكم البلاد ويرأس الكنيسة بفضل من الله ورعايته، وكأنه ظله على الأرض. وهذه هي النظرية المسيحية التي تمسكن بها الإمبراطورية البيزنطية في كل العصور.

ألف يوسبيوس بعد موت الإمبراطور في سنة 337م كتابه عن حياة قسطنطين وبالغ في المديح والتمجيد. ولكن الكتاب لا يخلو من قيمة تاريخية لاعتماده على مصادر أولى مباشرة.

وأعظم مؤلفات يوسبيوس هو كتابه عن "تاريخ الكنيسة" الذي اشتهر بسببه فلقب بأبي التاريخ الكنسي لأنه كان أول من عالج هذا الموضوع الصعب مستفيدا من مكتبة أوريجن التي نصب قيما عليها. فقد استطاع أن يجمع عددا كبيرا من الوثائق والشواهد من المصادر الأصلية. وكان يوسبيوس قد أتم قبيل ذلك كتابه "الحوليات" الذي لخص فيه تاريخ العالم وأصبح قدوة للمؤرخين في القرون الوسطى فيما يتعلق بالتواريخ الهامة وتسلسل الأدوار المتعاقبة والهود المتوازية لدى مختلف الأمم القديمة. وقد قام القديس جيروم بترجمة "الحوليات" إلى اللاتينية بعد تنقيحها وإكمالها.

ومن مؤلفات يوسبيوس المفيدة كتابه "معجم البلدان" الذي جمع فيه أسماء المدن المذكورة في الكتاب المقدس حسب لفظها في الترجمة اليونانية "السبعينية" مع بيان موقعها وأبعادها عن غيرها. وهذا الكتاب ايضا ترجمه القديس جيروم إلى اللاتينية فاصبح مصدرا هاما.

المراجع:

- يوسابيوس القيصري: تاريخ الكنيسة (مترجم)، القاهرة 1960. - فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1، بيروت 1958. - Encyclopaedia Britannica. - Wallece-Hadrill: Eusebius of Caesarea, London 1960.


يوسف (النبي)

ابن يعقوب وراحيل. وله منهما شقيق واحد هو بنيامين، وله من أبيه عشرة إخوة. وتروي الكتب المقدسة أن الله أكرمه في فتوتة بحلم قصه على أبيه الذي طلب منه ألا يذكره أمام إخوته خشية كيدهم. ونظرا للمحبة الخاصة التي كان يكنها يعقوب ليوسف فقد طلب الإخوة من أبيهم أن يرسل يوسف معهم ليرتع ويلعب بعد أن تعهدوا له بالمحافظة عليه، فوافق يعقوب بعد تردد. وفي الطريق ألقوا بيوسف في غيابت الجب وجاؤوا على قميصه بدم كاذب وادعوا أن الذئب أكله. وقد عثر على يوسف أحد التجار المسافرين إلى مصر فباعه هناك بثمن بخس دراهم معدودة إلى فوتيفار أحد الشخصيات الهامة في البلاط الفرعوني. ويبدو أن حسن تصرف يوسف ووسامة شكله أغويا زوج فوتيفار بمراودته عن نفسه. وردا على تمنعه أدعت أمام زوجها عكس الواقع فصدقها زوجها وأرسله إلى السجن حيث أمضى عددا من السنين تتراوح بين 3-9. وتعرف هناك على خباز الفرعون وساقيه. وذات ليلة حلم فرعون أن سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان. ولما لم يجد تفسيرا لحلمه الغريب أمر بإيحاء من ساقيه بإحضار يوسف من السجن لتفسير الحلم. وكان تفسيره أن أرض مصر ستشهد سبع سنوات شداد تلي سبع سنوات رخية. وأشار عليه بضرورة تخزين الحبوب وشرائها من الخارج في الفترة الرخية. وعندما تحققت نبوءة يوسف قربه الفرعون منه وجعله أمينا على شؤون الغلال.

وفي تلك الأثناء تزوج يوسف من فوطيفيرة التي أنجبت له ماناسه وإفرايم. ونظرا لوفرة الحبوب في مصر خلال الفترة العجفاء أرسلت الأقوام المجاورة الرسل إليها لشراء الحبوب. وارسل يعقوب أولاده العشرة لشراء الحبوب من مصر ايضا واستبقى ابنه الأصغر بنيامين شقيق يوسف.

عرف يوسف إخوته في حين لم يتعرفوا عليه وطلب إليهم إحضار بنيامين لاتمام الصفقة. وعندما حضر بنيامين أقام يوسف له حفلة دس في نهايتها كأسا ذهبية في متاعه واتهمه بسرقتها وحكم ليه بأن يصبح عبدا له. وعندما توسط إخوته لاستبدال أحدهم ببنيامين تاثر يوسف من موقفهم وأفصح لهم عن حقيقته وطلب إليهم إحضار والدهم. وقام بتقديمه إلى الفرعون وطلب موافقته على إقامة أسرته في موقع غوشن المتاخمة لفلسطين. وبعد فترة توفي يعقوب فحزن عليه يوسف حزنا شديدا.

مات يوسف عن عمر يناهز مائة وعشر سنين بعد أن أوصى بدفن عظامه في كنعان، وقد قام العبرانيون بعد حوالي قرن ونصف بنقلها إلى شكيم في فلسطين.

المراجع:

- ابن كثير: البداية والنهاية، ج1، بيروت 1966. - سفر الخروج. - سفر التكوين. - Fleming: Dictionary of the Bible.

يوسف الباعوني

يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني (805-880 هـ) (1403-1475م):

جمال الدين الباعوني أديب شاعر عالم فقيه قاضي ولد في القدس وتلقى العلم في مسقط رأسه وفي القاهرة. وعند عودته منها ولي كتابة السر في صفد ثم القضاء. وتنقل قاضيا بين طرابلس الشام ودمشق وحلب. وكان ممدوح السيرة فقيه النفس كما يقول السخاوي. وله مصنفات منها: نظم المنهاج في الفقه المنووي لم يكمله. توفى الباعوني معزولا عن القضاء.

المراجع: - السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، القاهرة 1353-1355 هـ. - جلال الدين السيوطي: نظم العقبان في أعيان الأعيان، نيويورك 1927.


يوسف إسماعيل النبهاني (1849-1932)

ولد في قرية إجزم من قضاء حيفا. وقد تلقى العلم في الأزهر بدءا من عام 1866، وواصل دراسته بعكا عام 1872. ثم تولى نيابة القضاء بجنين في عام 1873. وفي عام 1876 قصد الأستانة ومكث فيها ثلاث سنوات يعمل في تحرير جريدة الجوائب وتصحيح ما يطبع في مطبعتها. ثم عين قاضيا في كوي سنجق من أعمال ولاية الموصل، وعاد إلى الأستانة مدة سنتين ليعين رئيسا لمحكمة الجزاء باللاذقية لمدة خمس سنوات تولى بعدها رئاسة محكمة الجزاء بالقدس. وبعد اقل من سنة رقي إلى رئاسة محكمة الحقوق في بيروت فأقام فيها ما يزيد عن عشرين سنة. ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 ذهب إلى المدينة المنورة ماورا حتى كانت الحرب العالمية الأولى ونشوب الثورة فعاد إلى أجزم وظل فيها حتى وفاته.

كان الشيخ يوسف النبهاني أديبا شاعرا صوفيا من رجال القضاء مشاركا في كثير من العلوم. وامتاز أسلوبه المتين البعيد عن الركاكة والتعقيد، واستخدم المحسنات البديعية في شعره ونثره. وقد انحصرت أعراض شعره في مدح رسول الله والدفاع عن الإسلام، كما كان له بعض القصائد في مدح المسؤولين.

عرف عنه في العهد العثماني تأييده للخلافه العثمانية مع دعوته لإصلاح الأخطاء حتى كان الانقلاب 1908 فتبدت سياسة التفرقة بين العرب والترك. وفي عهد الانتداب لم يتخذ موقفا سياسية صريحا لكبر سنه وعزلته.

ومن مؤلفات النبهاني: 1- ديوان المدائح النوبية 1339هـ. 2- جامع كرامات الأولياء (مجلدان). 3- رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة. 4- المجموعة النبهانية في المدائح النوبية، أربعة أجزاء. 5- رسائل الوصول إلى شمال الرسول. 6- أفضل الصلوات على سيد السادات. 7- تهذيب النفوس (اختصره من رياض الصالحين للنوري). 8- حجة الله على العالمين في المعجزات النبوية. 9- الفتح الكبير (ثلاثة مجلدات) في الحديث. 10- نجوم المهتدين في دلائل النبوة. 11- السابقات الجياد في مدح سيد العباد. 12- الشرف المؤيد لآل محمد. 13- الأنوار المحمدية (اختصر به المواهب اللدنية للقسطلاني). 14- خلاصة الكلام في ترجيح دين الإسلام. 15- هادي المزيد إلى طريق الأسانيد. 16- الفضائل المحمدية. 17- الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة. 18- منتخب الصحيحين (في الحديث)ز 19- الرائبة الصغرى، وهي قصيدة طويلة فيها هجاء لجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ومحمد رشيد رضا.

وله قصائد مدح فيها بعض الكبراء في صباه واعتذر عنها بأن الشعر صنعة لإظهار المهارة والحذق لا للإخبار بالحق والصدق.

المراجع:

- عبد الحفيظ الفاسي: معجم الشيوخ المسمى: رياض الجنة أو المدهش المطرب، الرباط 1350 هـ. - يوسف سركيس: معظم المطبوعات العربية والمعربة، القاهرة 1928. - يعقوب العودات: من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، عمان 1976. - خير الدين الزركلي: الأعلام، بيروت 1969. - ناصر الدين الأسد: محاضرات في الشعر الحديث في فلسطين والأردن، القاهرة 1960-1961.


صلاح الدين الأيوبي

يوسف بن أيوب (532-589 هـ) (1137-1193م):

صلاح الدين الأيوبي الملك الناصر أبو المظفر. وأصله من الأكراد من شرقي أذربيجان، وقد نزلوا بتكريت وفيها ولد صلاح الدين. ولي أبوه أعمالا في بغداد والموصل ودمشق. ونشأ صلاح الدين في دمشق ودخل مع أبيه وعمه شيركوه في خدمة نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق وحلب والموصل.

اشترك صلاح الدين مع عمه شيركوه في حملة وجهها نور الدين للاستيلاء على مصر سنة 559هـ فظهرت فيها مزايا صلاح الدين العسكرية. ولما تم لشيركوه الظفر استوزره الخليفة الفاطمي العاضد. ولكن شيركوه ما لبث أن ما فاختار العاضد صلاح الدين للوزارة، ولقبه بالملك الناصر. وهاجم الفرنجة دمياط فصدهم صلاح الدين. ثم استقل بحكم مصر مع الاعتراف بسيادة نور الدين الزنكي. ولما مرض العاضد مرض الموت قطع صلاح الدين خطبته وخطب للعباسيين فانتهى بذلك أمر الفاطميين. ثم مات نور الدين سنة 569 هـ فاضطربت البلاد الشامية والجزيرة ودعي صلاح الدين لضبطها فأقبل على دمشق سنة 570 هـ/1174م فاستقبله بحفاوة. وانصرف إلى ما وراءها وترك حلب للملك الصالح إسماعيل بن نور الدين.

كان صلاح الدين الأيوبي رجل سياسة وحرب. وقد وجه همه إلى إصلاح أمور مصر والشام الداخلية، كما وقف حياته على محاربة الصليبيين ودفع غاراتهم ومهاجمة حصونهم وقلاعهم في بلاد الشام. وقد ارتبط اسمه في التاريخ بحركة الجهاد الضخمة لتحرير الأرض المقدسة وغدا رمزا للفروسية. وجاءت شجاعته داخل اطار من كريم الأخلاق فاشتهر بالتسامح مع أعدائه والعفو عند المقدرة واحترام العقود والمواثيق.

وقد بدأ لتحقيق هذه الغاية بتوحيد الجبهة الاسلامية في مصر والشام التي تعرضت للتمزق عقب وفاة نور الدين زنكي. ثم انصرف إلى الفرنج حتى أنزل بهم ضربته القاصمة في معركة حطين سنة 583 هـ/1187م.

ونجح في تحرير بيت المقدس وكثير من المدن والثغور والقلاع في فلسطين وبلاد الشام. وقد كان ذلك كله بداية تغير كبير نقل المسلمين من الدفاع إلى الهجوم وحول الفرنجة من الهجوم إلى الدفاع. على أنه يلاحظ أن علاقة صلاح الدين بالصليبيين لم تستمر في شكل حروب متصلة بل تخللتها هدن كان لابد منها ليستريح الجند من طول القتال وتتاح لكل طرف فرصة يلتقط فيها أنفاسه ويعيد تنظيم أموره. وكانت هذه الهدن تعقد لمدة محدودة ينص عليها، ولكن معظمها لم يظل ساريا طوال المدة المحددة له بسبب نكث بعض أمراء الصليبيين بعهودهم. ويلاحظ كذلك أن أيا منها لم تشتمل على كل قوى الصليبيين في بلاد الشام في وقت واحد، بل كانت تعقد الهدنة مع بعض القوى دون بعضها الآخر حسب الظروف. ومن ذلك أن الملك الصليبي بغدوين الرابع أسرع إلى طلب الهدنة لسوء ظروفه وكثرة خسائره عندما خرج صلاح الدين من مصر سنة 574هـ/1178 م ليكيل عدة ضربات قوية للفرنج في فلسطين. واستجاب له صلاح الدين سنة 576هـ/1180م، ولكن الهدنة التي عقدت في هذه السنة كانت مع مملكة بيت المقدس الصليبية وحدها، الأمر الذي جعل يد صلاح الدين طليقة في ضرب بقية القوى الصليبية في شمال الشام، ولاسيما إمارة طرابلس التي أسرع أميرها إلى طلب هدنة مشابهة (ر: القدس، مملكة- اللاتينية).

على أن الفارس الصليبي أرناط صاحب حصن الكرك لم يشأ لحماقته أن يترك الفرنجة في بيت المقدس ينعمون بقدر من الهدوء فاستغل موقع حصنه الاستراتيجي شرقي البحر الميت، على مفترق الطرق بين مصر وفلسطين والحجاز لينقض الهدن التي كانت تعقد بين صلاح الدين والصليبيين مرة بعد أخرى، تارة بالإغارة على تيماء – قرب منتصف الطريق بين الأردن والمدينة المنورة – وأخرى بالخروج في سفن من أيلة في محاولة لهدم الحرم النبوي الشريف، وثالثة بالتبرص للقوافل الإسلامية المتنقلة بين مصر والشام والحجاز للفتك بها وأسر رجالها وسلب أموالها، حتى نفد صبر صلاح الدين فقام باستنفار قواته وتعبئتها وأنزل ضربته الشهيرة بالصليبيين في حطين. ولم تهدأ له ثائرة إلا بعد أن استرد للمسلمين قدسهم فضلا عن معظم الموانئ والمعاقل التي كان العدو قد سلبها من أرض فلسطين.

أما في الحالات التي كان الهدوء يسود فيها أرض فلسطين نتيجة لعدم حدوث ما يعكر جو الهدن بين صلاح الدين والصليبيين فإن النشاط التجاري كان لا يلبث أن يزدهر في جو من العلاقات الهادئة بين الطرفين. وقد ذكر الرحالة المغربي ابن جبير في رحلته أن "من أعجب ما يحدث في الدنيا أن قوافل المسلمين تخرج من بلاد الفرنج وسبيهم يدخل بلاد المسلمين". ثم أوضح أنه غادر دمشق سنة 580 هـ/1184م في قافلة إسلامية للتجارة متجهة إلى مدينة عكا وهي قاعدة مدن الفرنج بالشام، وفيها حلت في خان معد خصيصا لنزول القوافل الإسلامية.

وقد انتهت سلسلة الحروب الطويلة بين صلاح الدين والصليبيين على أرض فلسطين بصلح الرملة سنة 588 هـ/1192م بعد أن خربت البلاد وكلفت المتحاربين الأموال والأرواح.

على أن مرونة صلاح الدين السياسية لم تظهر فقط في إقدامه على عقد هدن مع الصليبيين بين حين وآخر بل ظهرت أيضا في جهوده لتطويق خصومه سياسية وعسكريا وإثارة الفرقة بين صفوفهم. ومن ذلك ما يرويه المؤرخان ابن الاثير وأبو شامة من أن الأميرة سيبل زوجة بوهيموند الثالث أمير أنطاكية كانت تتصل بصلاح الدين سرا وتخبره بتحركات جيوش الصليبيين وتطلعه على أسرارهم حتى إنها كشفت له النقاب عن كثير من عوراتهم ومواطن الضعف فيهم. وكان صلاح الدين يكرمها لذلك ويهدي إليها أنفس الهدايا. وقبل أني خوض غمار معركة حطين استطاع بأساليبه السياسية أن يوسع شقة الخلاف في صفوف الصليبيين حتى أن ريموند الثالث أمير طرابلس "راسل صلاح الدين وانتمى إليه" وطلب مساعتده على ملك الصليبيين في بيت المقدس. وفي الوقت الذي كان صلاح الدين يعبئ قواته استعدادا لاسترجاع القدس الشريف أرسل إلى رجاله بحلب يأمرهم بمصالحة بوهيموند الثالث أمير أنطاكيمة ليتفرغ البال مع العدو في جانب واحد. وجاء هذا التحرك السياسي مصحوبا بنشاط العيون والجواسيس الذين دأب صلاح الدين على إرسالهم إلى مراكز الصليبيين للوقوف على أخبارهم.

ومن ناحية أخرى استغل صلاح الدين الكراهية التي دبت بين الصليبيين في الشام من ناحية والروم – أو البيزنطيين – من ناحية أخرى بسبب الخلافات المذهبية وغيرها فاتصل بدولة الروم في القسطنطينية ليحرم الصليبيين في فلسطين من مساعدة أقرب قوة مسيحية كبيرة. وقد بدأت هذه الاتصالات بين صلاح الدين والروم في وقت مبكر أيام انشغاله بتوحيد الجبهة الإسلامية، ونتج عن ذلك أن أرسل الإمبراطور مبعوثا إلى القاهرة سنة 577هـ/1181م، وانتهى الأمر بعقد صلح بين الطرفين في السنة التالية. وبذلك آمن صلاح الدين جانب الروم وضمن عدم اشتراكهم مع الصليبيين في أي عمل يوجه ضد المسلمين. وأدرك صلاح الدين مدى الكراهية بين المسيحيين الشرقيين والغربيين، أو بين الأرثوذكس والكاثوليك. ولذلك ما كاد يستولي على القدس الشريف سنة 583هـ/1187م حتى سلم الأماكن المسيحية المقدسة إلى رجال الدين الأرثوذكس بعد أن تم طرد الصليبيين الكاثوليك منها، بل إنه بادر عقب فتح بيت القمدس إلى إرسال سفير إلى إسحق الثاني أنجيلوس إمبراطور دولة الروم في القسطنطينية ليخبره بما تم على يديه من الفتوح ويسلمه مائة وتسعين من رعايا الإمبراطورية البيزنطية كانوا قد وقعوا أسرى في يده أثناء حروبه مع الصليبيين في فلسطين. فرد الإمبراطور على صلاح الدين مهنئا راجيا منه وضع كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس المسيحية بإشراف رجال الدين الأرثوذكس الذين تعينهم حكومة القسطنيطنية. وطلب إمبراطور الروم كذلك من صلاح الدين عقد محالفة في وجهة الفرنجة في فلسطين. ويقول القاضي بهاء الدين بن شداد إن رسالة الإمبراطور إلى صلاح الدين اشتملت على عدة مطالب منها صلب الصلبوت، ومنها أن تكون كنيسة القيامة بأيدي قساوسة من جانبه، وكذلك سائر كنائس القدس. ومنها أن يوقع الاتفاق معه على أن يكون عدو من عاداه ، وصديق من صادقه". ولكن صلاح الدين رفض طلبات إمبراطور الروم "وأجيب بالمنع عن جميع مقترحاته" بمعنى أنه أصر على أن تكون سيطرة المسلمين على بيت المقدس كاملة.

وبرغم ذلك لم يقطع صلاح الدين الاتصالات الدبلوماسية مع إمبراطورية الروم في القسطنطينية رغبة منه في إحكام تطويق الصليبيين في فلسطين. وقد اشار المؤرخون المسلمون والمسيحيون إلى السفارات المتبادلة في تلك المرحلة بين صلاح الدين وإمبراطور الروم. ومن ذلك ما ذكره أبو شامة من أنه "كان بين السلطان صلاح الدين وبين ملك قسطنطينية مراسلة ومكاتبة..... ".

وقد امتدت هذه الجهود التي بذلها صلاح الدين لتطويق الصليبيين في الشام سياسية وعسكريا إلى محاولة الاستعانة بالقوى الإسلامية في المغرب. ومن ذلك أنه أرسل سفيرا إلى دولة الموحدين في المغرب لطلب المساعدة من أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن، على أن صلاح الدين رأى ألا يقف دور ملك المغرب عند تقديم المساعدة بل طلب منه أنه "يقطع عن الصليبيين مادتهم من جهة البحر"، أي أن يساعد في فرض حصار بحري عليهم يضمن تطويقهم وقطع الشريان الذي يمدهم بالمؤن والامدادات من غرب أوروبا.

وهكذا تبدو عظمة صلاح الدين لا في مقدرته العسكرية وبطولته وشجاعته وصدق إيمانه برسالته فحسب بل في مهارته السياسية تجاه الفرنج وغير الفرنج من القوى المعاصرة له أيضا.

المراجع:

- أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، القاهرة 1287هـ. - ابن واصل: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، القاهرة 1965. - عماد الدين الكاتب: النفح القسي في الفتح القدسي، القاهرة 1327هـ. - ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية (مترجم)، بيروت 1967-1969. - ابن شداد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، القاهرة 1317هـ. - سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية، القاهرة 1963.


يوسف بيدس (1912-1968)

ولد في مدينة القدس وتلقى علومه الابتدائية والثانوية فيها. وقد عمل مع والده في ميدان صرافة النقود. وانتقل إلى بيروت بعد نكبة 1948 فأنشأ مكتبا للصرافة في السوق التجاري فيها. ثم ما لبث أن أسس مع مجموعة من الفلسطينيين واللبنانيين شركة للتجارة تحولت إلى بنك إنترا في عام 1951.

بدأ بنتك إنترا ينمو مع نمو المنطقة العربية ونمو السوق المالي في بيروت. واستطاع خلال سنوات قليلة أن يصل إلى مركز الصدارة من حيث قيمة ودائعه وحجم تسليفاته. وقد ساهم مساهمة فعالة في تمويل عدد من المشاريع الحيوية في الاقتصاد اللبناني في مجالات النقل الجوي والخطوط السلكية واللاسلكية والصيانة والمشاريع السياحية. كما قام بتطوير وبناء بعض الضواحي السكنية المتاخمة لمدينة بيروت، وبدأ يستثمر جزءا من موجوداته في استثمارات خارجية متنوعة في أوروبا والولايات المتحدة، وفتح فروعا له في كثير من البلدان العربية والأجنبية.

وخلال فترة الازدهار هذه كان يوسف بيدس يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام، وكان العقل المفكر لبنك إنترا وصاحب القرارات الهامة فيه. وفي منتصف الستينات بدأ سوق الدولار الأوروبي يزدهر ويجذب عددا كبيرا من ودائع المواطنين اللبنانيين والعرب سعيا وراء الفائدة المرتفعة في الخارج. وقد أدى هذا التطور إلى خسارة بنك إنترا جزءا لا يستهان به من ودائعه التي كانت قد وصلت إلى حدود 400 مليون ليرة لبنانية في عام 1966، وهناك عوامل أخرى غير اقتصادية ولا مالية ساهمت في انهيار البنك في ذلك الحين.

ولما كان قسم كبير من ودائعه قد تم توظيفه في موجودات غير سائلة مثل الشركات والمصانع وأحواض السفن فقد وقع المصرف في أزمة سيولة حادة أدت في النهاية إلى تهافت أصحاب الودائع على سحب ودائعهم منه فجأة وبأعداد كبيرة، الأمر الذي أدى إلى توقفه عن الدفع والعمل وإغلاق أبوابه وكان ذلك في 15/10/1966.

ونتيجة لهذه الأزمة غادر يوسف بيدس بيروت إلى البرازيل ثم إلى أوروبا حيث بقى إلى حين وفاته في سويسرا متاثرا بمرض عضال. وبرغم مرور أعوام كثيرة على إغلاق بنك إنترا تظل المؤسسات التي مولها هذا البنك وكذلك "شركة إنترا للاستثمار" شاهدة على الصرح الاقتصادي الذي أوجده يوسف بيدس.

يوسف سعيد أبو درة (1900-1939):

واحد من قادة ثورة 1936-1939. ولد في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين وتلقى دراسته الأولية في مدرستها. واشتغل في الزراعة لبعض الوقت. ولكنه اضطر إلى الانتقال إلى مدينة حيفا حيث عمل في السكة الحديدية.

تعرف في حيفا على الشيخ عز الدين القسام وأعجب به فانضم إلى حلقته واشترك معه في معركة أحراج يعبد (ر: ثورة 1935) التي استشهد فيها القسام مع نفر من أصحابه. وقد استطاع أبو درة أن يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول الأحراج، بعدما رأى استحالة المقاومة واختفى عن الأعين بعض الوقت.

وحين بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 19636 التحق أبو درة بها تحت قيادة الشيخ عطية أحمد عوض قائد منطقة جنين فقام وأصحابه من المقاتلين في المنطقة الممتدة ما بين جنين وحيفا بمهاجمة المستعمرات والقلاع الصهيونية ونسف الجسور ونصب الكمائن للقوات البريطانية والصهيونية. وعندما استشهد الشيخ عطية في معركة اليامون تولى أبو درة قيادة المعركة التي حقق فيها الثوار الانتصار. ثم أوكلت إليه قيادة المنطقة خلفا للشيخ عطية وأصبح واحدا من خمسة يقودون الثورة في فلسطين. وشارك في الرد على بيان وزير المستعمرات البريطاني المتعلق بسياسة الحكومة البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد. وقد جاء في ختام ذلك الرد المؤرخ في 3/12/1938 بعد تفنيذ البيان البريطاني: "هذا، وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة مستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة".

شارك في إصدار بيانات أخرى لقيادة الثورة منها بيان مؤرخ في 6/12/1938 يبين مدى قوة الثورة ويؤكد أن "الثورة ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه إلقاء الرعب والقلق في نفوس الناس، أو سلبهم أموالهم، أو محاولة الإنتقام والكيد الشخصي للإيقاع بهم، وستعاقب الوشاة والدساسين باشد أنواع العقاب".

كان يوقع بياناته بلقب "المتوكل على الله يوسف سعيد أبو درة". وقد لمع اسمه وتمكن منذ خريف سنة 1937 أن يمد سيطرته من منطقة جنين إلى قضاء الناصرة ومنطقة حيفا، فكان يتنقل مع مقاتليه في تلك المنطقة الواسعة من معركة إلى أخرى. ومن كبريات المعارك التي خاضها معركة أم الزينات في منطقة الكرمل (28/11/1938). وقد كان عدد مقاتليه فيها بضع عشرات وعدد الجنود البريطانيين يتجاوز الألف تؤازرهم 13 طائرة. وأسفرت المعركة عن استشهاد خمسة من الثوار ومقتل عشرات الجنود البريطانيين. وقد سرت شائعة إثرها عن استشهاد أبو درة فأصدر بيانا وصف فيه المعركة وختمه بقوله:

"هذا، وإني أعلن ألا صحة مطلقة للاشاعة القائلة إني، أنا يوسف سعيد أبو درة، قد اصبت بضرر ما، فأنا لا زلت بحمد الله أتمتع بالصحة والعافية، وأعاهد الله والرسول على مواصلة الكفاح إلى النهاية حتى تصل الأمة إلى ما تصبو إليه، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا".

هاجم مع رجاله سجن عتليت المحصن فاقتحمه وحرر سجناءه. وقد طوقه الجنود البريطانيون أكثر من مرة فكان يتمكن من الإفلات منهم. وهو الذي أرسل أحد ثواره فقتل "مؤقت" حاكم جنين ومساعد حاكم لواء نابلس وهو في مكتبه.

ولما توقفت الثورة في أيلول سنة 1939 انسحب إلى دمشق ثم إلى الأردن، فاعتلقته وهو في الطريق دورية من الجيش الأردني واحتجز لفترة في الكرك ثم سلمه الجنرال غلوب إلى سلطة الإنتداب البريطاني التي حكمت عليه بالإعدام. وقد نفذ فيه الحكم في القدس في 30/9/1939.

المراجع:

- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج3، ق2، بيروت 1971. - أكرم زعيتر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918-1939)، بيروت 1979.

يوسف ضياء الخالدي (1842-1906)

واحد من رجالات فلسطين البارزين الذين قاموا بدور هام في الحياة السياسية والدستورية في فلسطينة والأستانة.


اكتسب الخالدي خبرات سياسية وعلمية نتيجة دراساته وأسافره وتقلبه في عدد من المناصب الرسمية. فقد أقام في فيينا ودرس اللغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية فيها. وهو أول من عني بتحقيق ديوان لبيد وطبعه في فيينا في عام 1880. وتولى الخالدي إدارة مقاطعة موطكي في ولاية تبليس الكردية. وألف كتابا في قواعد اللغة الكردية.

كان الخالدي أحد نواب فلسطين في مجلس المبعوثان. وقد تميز بمواقفه المعارضة لسلبيات الحكم العثماني ومخالفاته الدستورية. فقد طالب بمحاكمة الصدر الأعظم وقادة الجيوش الذين قصروا في واجباتهم . وتزعم الخالدي جبهة من النواب المعارضين أثارت بتقاريرها وخطب أفرادها، وعلى رأسهم الخالدي. نقمة السلطان عبد الحميد الثاني فعمد إلى حل المجلس وأمر بنفي عشرة نواب من نواب المعارضة خارج الأستانة، وكان من بينهم نائب القدس يوسف ضيا الخالدي.

لم يقتصر نشاط الخالدي على معارضة الأوضاع العثمانية بل كان رائدا من رواد اليقظة الفلسطينية ومعارضا فعالا للحركة الصهيونية وللهجرة الصهيونية إلى فلسطين. فقد أرسل إلى حاخام فرنسا صادوق كان رسالة مطولة أكد له فيها أن فلسطين جزء لا ينفصل عن جسم الدولة العثمانية، وأن الهجرة الصهيونية خطر يهدد مصير شعب فلسطين، وأن على اليهود التفتيش عن مكان آخر سواها.

ومن الجدير بالذكر أن تيودور هرتزل زعيم الحركة الصهيونية بادر إلى الرد على الخالدي برسالة كتبها في 19/3/1899 وبين فيها أن لا خوف من الهجرة. فاليهود أصدقاء تركيا، والصهيونية لا تحمل مشاعر العداء للحكومة العثمانية بل ترغب في ايجاد موارد جديدة لها عن طريق الهجرة. وسيكسب شعب فلسطين في اليهود إخوة أذكياء، كما أن السلطان سيكسب أعوانا مخلصين. ورجا هرتزل في نهاية رسالته أن يستجيب السلطان للمطالب التي قدها إليه ويقبل الفكرة من حيث المبدأ، وإلا فإن اليهود سيصرفون النظر عنها ويجدون ما يبغونه في مكان آخر.

ولم يكن لهذه الرسالة من أثر في موقف الخالدي، فقد ظل على معارضته للهجرة الصهيونية إلى فلسطين.

المراجع:

- حسن حلاق: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897-1909، بيروت 1978. - عثمان نوري: عبد الحميد ودور سلطنتي: ج1، الأستانة 1909. - خير الدين الزرلكي: الأعلام، ج9، بيروت 1969. - Khaledi, W.: From Heaven to Conquest, Beirut, 1971. - Mondet, N.: Turks, Arabs and Jewish Immigration into Palestine, 1882-1914, Oxford 1965.


يوسيفوس فلاويوس (38-100م):

من أبرز المؤرخين اليهود القدماء في فلسطين، ومؤلفاته هي المصدر الرئيسي لتاريخ اليهود وحوادث تمردهم على الحكم الروماني. ولد يوسفوس في القدس من أسرة يهودية ذات مكانة دينيةن واشتهر منذ شبابه بانصرافه إلى دراسة الشريعة اليهودية. وبعد اعتكافه في السادسة عشرة من عمره مع جماعة من الزهاد التي كثر عددها في عصر المسيح انضم إلى ضائفة الفريسيين الذي كانوا يدعون إلى التمسك بتعاليم التوارة والتقاليد الحرفية المتناقلة عن السلف.

وفي سنة 64م سافر يوسيفوس إلى روما ونجح في إطلاق سراح بعض الكهان اليهود المسجونين في العاصمة الرومانية. وقد أعجب بحضارة روما ومظاهر رفاهيتها وثقافتها، ولاسيما قوتها وتنظيمها العسكري.

وما كاد يعود إلى القدس حتى اشتعلت ثورة اليهود على الرومان في سنة 66م. وقد عارض يوسيفوس هذا التمرد ودعا في السنهدرين مع كثير من الكهان إلى التفاوض والتفاهم مع الحكام الرومان. ولكنه اضطر فيما بعد إلى الانضمام إلى الثوار.

وقد استطاع الجيش الروماني بقيادة فسبسيانوس القضاء بسرعة على المقاومة اليهودية في الشمال سنة 67م. وتخلص يوسيفوس من الأسر إذ تنبأ بأن فسبسيانوس سيتولى عرض الإمبراطورية قريبا. ولما تحقق ذلك سنة 69م نال حظوة لدى أسرة الإمبراطور فسار مع فسبسيانوس إلى الإسكندرية، ثم انضم إلى جيش تيتوس ابن فسباسيانوس عندما جاء لمحاصرة القدس سنة 70م. وبعد سقوط المدينة وقتل سكانها وتهديهم الهيكل انتقل يوسيفوس إلى روما ليسكن فيها حتى آخر حياته. وقد انتسب إلى أسرة الإمبراطور واتخذ اسم "يويسفوس فلاويوس" ، ومنح راتبا ضخما وأقطع أرضا في فلسطين فانصرف إلى التأليف.

كان أول مؤلف ليوسيفوس هو كتاب "الحرب اليهودية" في سبعة أجزاء، وقد أنشأته باللغة الأرامية. ولكن نسخته الأصلية ضاعت وبقيت ترجمتها اليونانية التي أشرف عليها يوسيفوس بنفسه واستعان ببعض الكتاب اليونانيين لإخراجها في أسلوب قصصي ولغة فصيحة فجاءت لغتها مختلفة عن لهجته اليونانية المتعثرة البعيدة عن الصق والرشاقة في مؤلفاته الأخرى.

استعرض المؤلف في الجزئين الأولين خلاصة تاريخ اليهود من استيلاء أنطيوخوس الكبير على القدس سنة 198 ق.م. إلى تمرد اليهود من سنة 66-70م. وقد اعتمد على ذلك على مؤرخين سابقين، ولاسيما المؤرخ والفيلسوف اليوناني نيقولا الدمشقي الذي كان قد ألف كتابا ضخما في تاريخ العالم فحفظ لنا يوسيفوس مقاطع هامة منه. ثم وصف حوادث الحرب اليهودية التي اشترك فيها بنفسه فانتقد الثوار اليهود وهاجمهم بقسوة. وسعى في كتابه إلى إقناع اليهود المشردين بأن روما لا تتغلب، وأن من الجنون التفكير في مقاومة الجيوش الرومانية.

وقد تعرض يوسيفوس لنقمة اليهود الذين اعتبروه مرتدا وخائنا لشعبه، ولم يغفروا له انحيازه للرومان حتى بعد أن ألف كتابه الضخم عن "آثار اليهود القديمة" في عشرين مجلدا. وقد بدأ هذا الكتاب بتاريخ اليهود من بدء الخليقة إلى تمردهم (66-70م)، ولم يعتمد في هذا الكتاب على العهد القديم حسب الترجمة السبعينية فحسب بل اعتمد كذك على مؤرخين يونانيين ورومان، وحاول أن يدافع عن شرائع اليهود وتقاليدهم بالبراهيم العقلية وأن يجرد عقائدهم من روح التعصب وبلائم بينها وبين الثقافة الهلنستية المعاصرة.

ولا يخلو الكتاب من التلفيق والترقيع، ويبدو عليه الضعف في الأسلوب. ولكن قيمته تعود إلى المقاطع المنقولة فيه عن مصادر قديمة ضاعت. ولعل من أهم الأخبار التي تضمنها ما ورد في الجزء الثامن عشر عن المسيح. وقد اشتهر هذا المقطع باسم "الشهادة الفلاويوسية، التي ثار حولها الجدل فاعتبرها الكتاب المسيحيون شاهدا على حياة المسيح من كاتب معاصر في حين وصفها النقاد بأنها مزيفة ومدسوسة.

وهناك كتاب آخر يستحق الاهتمام عنوانه "ضد أبيون" ألفه يوسفوس للرد عل الفيلسوف اليوناني الذي انتقد اليهود واتهمهم بالفساد والتخلف. وقد أثبت يوسيفوس في هذا الكتاب تمسكه بديانته وإخلاصه لعقيدته الفريسية واليهودية عموما، ولكنه لم يستطع أن يتجرد من أنانيته وغروره وقسوته، كما كشف عن تزلفه للحكام وإحجامه عن كل تضحية، الأمر الذي دفع معاصريه إلى احتقاره.

تعد مؤلفات يوسيفوس في نظر الكثيرين من أهم المصادر عن تاريخ اليهود وفلسطين في العهد الهلينستي، وقد طبعت مرارا وترجمت إلى عدة لغات.

المراجع:

- Encyclopaedia Britannica. - Encyclopaedia Universalise. - Willeianson, G.A.: The World of Josephus, London and New York 1964.


يوغسلافيا:

أ- في مرحلة تقسيم فلسطين: ارتبط موقف يوغسلافيا من القضية الفلسطينة بطبيعة الأوضاع الدولية السائدة التي رافقت تطورات النزاع العربي-الصهيوني. فقد اشتركت يوغسلافيا في عضوية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 من احدى عشرة دولة اتفقت جميعها على توصيات عامة واختلفت بين أكثرية وأقلية في الحل المقترح لمستقبل فلسطين. وكان مشروع الأكثرية يقضي بأن تقسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وتكون القدس دولية (ر: تقسيم فلسطين).

أما مشروع الأغلبية التي ضمت كلا من يوغسلافيا والهند وإيران فقد اقترح أن تقوم في فلسطين حكومتان مستقلتان استقلالا ذاتيا وتتألف منهما دولة اتحادية عاصمتها القدس. ولما اجتمعت الأمم المتحدة لاتخاذ قرار بشأن فلسطين رجحت كفة مشروع التقسيم وحصل على 33 صوتها ذد 13، وامتنعت عن التصويت عشر دول كانت يوغسلافيا من بينها.

وعلى الرغم من هذا الموقف الحيادي أثناء التصويت على مشروع التقسيم فقد تعاطفت الحكومة اليوغسلافية مع أماني اليهود ووقف مندوبها في جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في 8/5/1947 يقول: "دعونا نتعاون جميعا في خدمة الشعب اليهودي، فقد عانى من العذاب ما فيه الكفاية وآن له ولنا أن يستقر به المطاف".

ثم تابع بقوله: "من المستحيل فصل مشكلة فلسطين عن مصير الشعب اليهودي". ونصح العرب بالاستفادة من اليهود قائلا: "سيتفيد العرب من إلمام اليهود بالأنظمة الاشتراكية والديموقراطية التي يفتقرون إليها. وعلى العرب أن يقدروا تضحيات اليهود ويكفوا عن العناد الذي لا جدوى منه".

ب- في حرب 1948: وحين تحركت الجيوش العربية في عام 1948 لإنقاذ فلسطين من الصهيونية والاستعمار أصدرت حكومة يوغسلافيا كغيرها من الحكومات المؤيدة لتطلعات الصهيونية بيانا نددت فيه بالهجوم العربي ووصفت العرب بأنهم غزاة لدولة فتية هي إسرائيل. كما طالب بانسحاب الجيوش العربية ليتسنى لليهود تصريف شؤون دولتهم بحرية وسلام. وهكذا ذهبت السياسة اليوغسلافية في ذلك الوقت ضحية الدعاية الصهيونية بأن "إسرائيل هي قلعة الإشتراكية والتقدم" في منطة الشرق الأوسط وأن الصهيونية حركة ديموقراطية تقدمية.

ج- من 1955 إلى 1967: ومع اندلاع الحرب الباردة وبروز فكرة الأحلاف على مسرح السياسة الدولية انكشفت الخدعة الصهيونية فظهرت إسرائيل على حقيقتها قاعدة للاستعمار والإمبريالية العالمية في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط. وهذا ما دعا يوغسلافيا إلى ضرورة البحث عن أسس جديدة لسياستها الشرق أوسطية بصورة خاصة وسط التعقيدات السياسية والمعطيات الدولية السائدة في أواسط الخمسينات. ففي عام 1955 التقى الرئيسان المصري جمال عبد الناصر واليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ونتج عن تفاهمهما فيما بينهما ومع جواهر لال نهرو حركة دولية جديدة عرفت فيما بعد باسم "الحياد الإيجابي" أو "عدم الإنحياز".

ثم شهدت الفترات اللاحقة مزيدا من التنسيق بين مصر ويوغسلافيا. وحين أمم الرئيس جمال عبد الناصر شركة قناة السويس في 26/7/1956 أصدر الرئيس تيتو بيانات أيد فيه الخطوة المصرية وعدها "صورة مجسدة لإرادة الشعوب المستضعفة في كفاحا ضد القوى الإمبريالية". كما شجبت حكومة يوغسلافيا العدوان الثلاثي على مصر (ر: حرب 1956) وهددت بإرسال المتطوعين للقتال إلى جانب الشعب المصري. ومع تصاعد تيار الوحدة والتحرر في العالم العربي بدأت معالم العلاقات تتضح بين يوغسلافيا والقوى الثورية العربية. فقد أيدت يوغسلافيا قيام والوحدة بين سورية ومصر في شباط 1958. ووقفت إلى جانب الثورة العراقية في تموز 1958. وعلى المستوى الدولي برزت أهمية التحالف الإستراتيجي بين يوغسلافيا وعدد من الدول العبية. وقد بدا ذلك بوضوع في مؤتمر عدم الإنحياز الأول الذي عقد في العاصمة اليوغسلافية بلغراد في أيلول 1961 (ر: عدم الإنحياز، حركة).

وقد حاولت إسرائيل تحقيق مكاسب سياسية بواسطة الرئيس اليوغسلافي نظرا لعلاقاته الوطيدة مع مصر. ولكن تيتو رفض أن يقوم بالتوسط لدى الرئيس عبد الناصر لعقد اتفاقية للسلام. وفي الوقت نفسه أنحى باللائمة على الدول الكبرى التي تواصل تسليح إسرائيل فتشجعها على مزيد من العدوان ضد العرب. وحين قام الرئيس اليوغسلافي بزيارة مصر عام 1966 صدر بيان حول قضية فلسطين جاء فيه "أن يوغسلافيا تؤيد بقوة أماني شعب فلسطين في استعادة حقوقه الشرعية، ووفقا لتوصيات مؤتمرات الدول غير المنحازة". وأعدات يوغسلافيا إلى الأذهان موقفها المؤيد لقضايا الأمة العربية في مؤتمر عدم الإنحياز الثاني الذي عقد في القاهرة في تشرين الثاني 1964.

وحين اشتدت أزمة الشرق الأوسط في أيار 1967 أعلن الرئيس تيتو أن الضغوط الموجهة ضد سورية ومصر من جانب إسرائيل وتحت حماية الإمبريالية العالمية "خطرة جدا"، الأمر الذي قد يؤدي إلى صدام عالمي. وحين أقدمت إسرائيل على شن عدوانها على سورية ومصر والأردن صباح 5/6/1967 (ر: حرب 1967) أصدرت يوغسلافيا بيانا دانت فيه بشدة هذا العدوان وعبرت في الوقت ذاته عن تعاطفها مع نضال الشعوب العربية. ثم انتقدت حكومة يوغسلافيا قرار مجلس الأمن رقم 242 وقالت إنه مكافأة للمعتدين الإسرائيليين لا إدانة لهم ولا عقاب. كما حضرت يوغسلافيا في 9/6/1967 مؤتمر موسكو لدور اوروبا الإشتراكية لبحث أزمة الشرق الأوسط، ووقعت على البيان المشترك الذي دان عدوان إسرائيل وأكد دعم الدول الإشتراكية لنضال العرب العادل. وقطعت يوغسلافيا، أسوة بالدول الإشتراكية الأخرى، علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في 13/6/1967.

أما في الأمم المتحدة فقد دعا رئيس حكومة يوغسلافيا الجمعية العامة في 21/6/1967 إلى إدانة إسرائيل ومطالبتها بسحب قواتها فورا بدون قيد أو شرط وإجبارها على دفع تعويضات لضحايا العدوان. وأعرب عن تأييده التام لمشروع القرار السوفيتي القاضي بإدانة عدوان إسرائيل على العرب ومطالبتها بسحب قواتها إلى حدود ما قبل 5/6/1967. ومما قاله: "تشد يوغسلافيا إلى الدول العربية روابط صداقة وتعاون. وكانت لنا حتى الأحداث الأخيرة علاقات عادية مع إسرائيل التي لم يكن وجودها قط موضوع تساؤل". وفي آب 1967 أعلن مندوب يوغسلافيا في الأمم المتحدة أن موقف بلاده غير متحيز، وأن يوغسلافيا لا تسعى إلى إزالة الحرب الأخيرة فحسب بل إلى إستئصال جذور الصراع الاقتصادي السياسي ومشاكل اللاجئين. وهي ترى أن القضية العاجلة الآن هي انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المحتلة (ر: حرب 1967 في منظمة الأمم المتحدة).

على الصعيد الشعبي أعلن الأمين العام للمجلس المركزي لاتحاد عمال يوغسلافيا أثناء زيارته لسورية في 17/10/1967 أن عمال يوسغلافيا يدينون العدوان الصهيونية ويؤيدون العرب. وأعلن الرئيس اليوغسلافي تيتو في اجتماع اللجنة المركزي لرابطة الشيوعيين اليوغسلافيين بتاريخ 1/7/1967 "أن حرب الشرق الأوسط قد تقود إلى نشوب حرب ذرية". وقدم بعد زيارته لسورية ومصر والعراق في آب 1967 اقتراحات لتسوية سياسية للصراع العربي الصهيوني تضمنت الدعوة إلى رفض ضم الأراضي بالقوة، وإلى ضرورة عدوة القوات الإسرائيلية إلى حدود 4/6/1967 مع تقديم الدول الكبرى ضمانات لأمن هذه الحدود (ر:تيتو، مشروع).

لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت مقترحات الرئيس تيتو برمتها، وأوضح وزير خارجيتها آبا إيبان: "أن إسرائيل لن عود بأي شكل من الأشكال إلى حدودها القديمة لأن ذلك يهدد أمن وجود إسرائيل". وقد علقت الصحيفة اليوغسلافية "كوميونست" على موقف إسرائيل الرافض بقولها: "إنه لا يمكن أن نفهم كيف يمكن أن يخدم هذا الموقف السلبي الذي تقفه إسرائيل من مشاكل الشرق الأوسط مصالح إسرائيل .. من المستحيل على إسرائيل أن تفرض شروطها على العرب لإجبارهم على إحلال السلام في هذه المنطقة".

في 27/9/1967 اجتمع الزعيم الصهيوني ناحوم غولدمان بالرئيس تيتو وتحدث معه حول مشروع السلام اليوغسلافي. وقد أبلغ تيتو الزعيم الصهيوني أن يوغسلافيا ليست مناوئة لإسرائيل، وأنها كانت دوما على علاقات جيدة معها، ولكنها ترفض سياستها التوسعية وعدوانها المستمر.

وحين زار الرئيس تيتو القاهرة في أوائل شباط 1968 أعلن في مؤتمر صحفي أنه من الممكن إيجاد حل لأزمة الشرق الأوسط في هيئة الأمم المتحدة، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تسد الطريق أمام مثل هذا الحل. وأعاد تيتو إلى الأذهان مشروعها الخاص بحل الأزمة.

وفي مقابلة أجرتها مجلة النيويورك تايمز مع الرئيس تيتو قال: "إن بإمكان الدولتين العظميين فرض السلام إذا ما اتفقتا على خطوطه الكبرى". وأشار إلى أن دولا عربية مثل مصر والأردن توافق على حل سياسي لأزمة الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل تضع العراقيل أمام السلام العادل والشامل.

من جهة أخرى أحدث العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1967 تقاربا بين يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي لحمته التخوف من مؤامرة عربية غربية على حكم الرئيس تيتو على غرار المؤامرة على حكم الرئيس عبد الناصر ولقد رأت يوغسلافيا في عدوان إسرائيل حلقة من سلسلة أحداث حركتها الإمبريالية الأمريكية لقلب الأنظمة المحايدة في العالم.

عملت يوغسلافيا باستمرار على دعم نضال الشعب الفلسطيني من خلال دورها الرائد في دول عدم الإنحياز. وقد برز هذا الدعم من خلال مؤتمر عدم الإنحياز في لوساكا عام 1970 وما تلاه من مؤتمرات عقدتها حركة عدم الإنحياز فكانت يوغسلافيا وراء القرارات التاريخية التي كرست حقوق الشعب الفلسطيني.

د- يوغسلافيا وحركة المقاومة الفلسطينية: اجتمع الرئيس تيتو أثناء زيارته الجزائر في تشرين الثاني 1969 ببعض قادة حركة التحرير الوطني الفلسطين (فتح) فيما قيل إنه "تعبير عن عطفه على حركة تناضل لاستعادة حقوق شعب فلسطين". وقد أقر تيتو في هذا لالقاء "حق شعب فلسطين في التحرير وتقرير المصير".

وقد أعربت يوغسلافيا عن تاييدها المطلق لكفاح المقاومة الفلسطينية وقالت إن الثورة الفلسطينية تشكل عاملا مهما في حل قضية الشرق الأوسط. وأعادت إلى الأذهان أن الطريق إلى السلام العادل يمر من خلال احقاق الحقوق المشروعة لشعب فلسطين العربي. وأكدت الحكومة اليوغسلافية في بيانات كثيرة التزامها المطلق بتقديم كافة أشكال العون السياسية والعسكرية للثورة الفلسطينية.

وانطلاقا من موقع يوغسلافيا المتوسط بين الكتلتين الغربية والشرقية وعلاقاتها الجيدة بالعالم الثالث سعى الرئيس تيتو في عام 1970 إلى إيجاد تسوية سلمية للنزاع العربي الصهيوني. وقد جاءت هذه المباردة اليوغسلافية إثر لقاء جرى بين الرئيس تيتو ووزير الخارجية الأمريك وليم روجزر في أديس أبابا في 11/2/1970 لبحث تطورات النزاع العربي الإسرائيلي. وقيل يومها أن روجرزخرج من الاجتماع مقتنعا بأن في إمكان تيتو أن يلعب دورا بناء في حل النزاع في الشرق الأوسط. ولكن الجهود اليوغسلافية في ايجاد أي مخرج للنزاع العربي الإسرائيلي لم تثمر وتوقفت المساعي كليا بعد قبول مشروع روجزر. وفي أواخر عام 1970، وبعد أن اتضح أن قبول إسرائيل بمشروع روجرز كان مجرد مناورة تكتيكية، وصفت الحكومة اليوغسلافية الموقف الإسرائيلي بأنه باعث على "تقويض السلام والأمن" فضلا عما يشكله من تهديد للسلام العالمي، الأمر الذي يوجب على كافة دول العالم المحبة للسلام وأن تقف بقوة في وجه هذا العدوان.

سعت حكومة يوغسلافيا في عام 1971 إلى شرح الموقف العربي لدى الدول الغربية ودول عدم الإنحياز، وطالبت باتخاذ اجراءات رادعة لإرغام إسرائيل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ولاسيما تلك المتعلقة بتصحيح الظلم الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني. وعاد الرئيس اليوغسلافي في 9/8/1971 وقال إن على العرب أن يعترفوا بوجود إسرائيل وأنه شخصيا ضد إشزالة الوجود الإسرائيلي.

في نهاية عام 1971 أعلن تيتو دعم بلاده المطلق لمطالب العرب الشرعية.

سعت يوغسلافيا إلى تعميق علاقاتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعت قادة المنظمة لزيارة بلغراد فقام وفد برئاسة رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عرفات بزيارة يوغسلافيا في آذار 1972، وتناولت محادثاته هناك مشكلة الشرق الأوسط ونضال الشعب الفلسطيني. وقد جاء في البيان المشترك الذي أذيع عقب هذه الزيارة اتفاق الجانبين "على أن حلا عادلا وديموقراطية في الشرق الأوسط يمكن التوصل إليه لتحرير كل الأراضي العربية المحتلة وممارسة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير والوجود القومي". كما أدان الجانبان "كل المحاولات والمناورات الموجهة ضد نضال الشعب الفلسطيني". وحين عقد المؤتمر الرابع لدول عدم الانحياز في الجزائر عام 1973 كانت يوغسلافيا في مقدمة الدول التي أكدت مساندتها للثورة الفلسطينية. وجاء خطاب الرئيس اليوغسلافي متمشيا مع الخط النضالي للقوى المعادية للامبريالية من حيث مساندة الشعب العربي وضرورة فرض العقوبات على إسرائيل وإدانتها بسبب تهديدها للسلم العالمي وتحديها للرأي العام العالمي.

هـ - في حرب تشرين الأول 1973: أصدرت الحكومة اليوغسلافية فور نشوب حرب 1973 بيانا حملت فيه إسرائيل مسؤولية اندلاع القتال، وطالبت القوى المؤيدة للسلام والفعاليات المسؤولة باتخاذ عملية لمساعدة الدول العربية التي تناضل من أجل تحرير أراضيها. وقد زودت يوغسلافيا مصر أثناء الحرب بمئة دبابة مع الذخيرة اللازمة لها، وأبلغت حكومتي سورية ومصر مساندتها حكومة وشعبا لنضال العرب. وفي 23/10/1973 أعلنت وزارة الخارجية اليوغسلافية أن الضربات الشديدة التي تلقتها إسرائيل خلال الحرب قضت على الوهم بأنها تستطيع بناء أمنها على العنف والاحتلال والضم. وعلاوة على ذلك صرح الرئيس اليوغسلافي في كانون الأول 1973 بأن الحرب في الشرق الأوسط كانت حتمية لأن القوى الإمبريالية تجاهلت مطاليب الدول العربية ولم تحاول حل الأزمة سياسيا عن طريق الضغط على إسرائيل. وقال إن الحرب في الشرق الأوسط أثبتت أن حروبا محلية يمكن أن تضع العالم أمام مواجهات ونزاعات أوسع، ولكنها أثبتت أيضا أن الدول غير المنحازة والدول الاشتراكية حالت بسبب تضامنها دون تصعيد الحرب وأمنت مساندة قوية للشعوب العربية، الأمر الذي عزل المعتدي وأثر في سلوك القوى التي تؤيده.

بعد حرب تشرين الأول 1973 قويت العلاقات بين يوغسلافيا والثورة الفلسطينية. فقد قام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بزيارة رسمية ليوغسلافيا في 30/11/1974 فأكد له الرئيس اليوغسلافي تاييد بلاده المطلق لكفاح الثورة الفلسطينية من أجل إقامة دولة فلسطين المستقلة. وسبق ذلك تصريح واضح للرئيس اليوغسلافي قال فيه أنه مقتنع تماما بأن الطريق الوحيد أمام العرب لتحرير أراضيهم هو اللجوء إلى السلاح على الرغم من أن الدول الكبرى لن ترضى عن ذلك.

دخلت يوغسلافيا طرفا في تزويد مصر بالسلاح بعد تدهور العلاقات بينها وبين الاتحاد السوفيتي. وقد عقدت معها اتفاقات للدخول في صناعات مشتركة للأسلحة. ولكن العلاقات اليوغسلافية المصرية ما لبثت أن شهدت فتورا عندما قام الرئيس المصري بزيارة القدس المحتلة. فقد قال الرئيس اليوغسلافي: "إن زيارة الرئيس السادات للقدس في تشرين الثاني 1977 كانت تحركا شجاعا ومحفوفا بالخطر.. إلا أنني فكرت منذ البدء أنه لن يتمكن من النجاح". وأضاف: "أظن أن الوضع الآن أسوأ منه في أي وقت مضى". وقال في خطاب له أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في 8/3/1978: "أود أن أؤكد اقتناعي بأنه لم يعد مقبولا في هذه الأيام أن تحرم أمة كاملة – أعني الشعب الفلسطيني – من حقها الأساسي الذي تتمتع به أمم أخرى".

وحين عقدت مصر اتفاقية الصلح مع العدو الصهيوني في كامب ديفيد أبدت يوغسلافيا أسفها لذلك، ولاسيما أن الاتفاقية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعب فلسطين، كما أكدت أنها لن تعيد علاقاتها مع إسرائيل ما بقيت إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة. وقد ظل الرئيس تيتو وفيا لنضال الشعب الفلسطيني إلى يوم وفاته في 4/5/1980.

المراجع:

- جلال يحيى: مشكلة فلسطين والاتجاهات الدولية، الإسكندرية 1965. - شحادة موسى: علاقات إسرائيل مع دول العالم 1967-1970، بيروت 1971. - نبيل شعث: مؤتمر عدم الإنحياز والقضية الفلسطينية، مجلة شؤون فلسطينية ، العدد 26، تشرين الأول 1973، بيروت. - مركز الأبحاث الفلسطيني: اليوميات الفلسطينية لعام 1965، بيروت. - مؤسسة الدار الفلسطينية: الوثائق الفلسطيينة العربية لعامي 1966 و1967، بيروت. - Review of the International Affairs, Belgrade, 1971,72,73. - Watt, D.C.: Documenents on the Suez Crisis, London 1957.


يوم الأرض: يوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976 على شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع القرى والمدن والتجمعات العربية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 احتجاجا على العنف الصهيوني وسياسة التمييز العنصري ومصادرة الأراضي التي تمارسها سلطات الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين على أراضي الوطن منذ عام 1948 وتحاول السلطات الإسرائيلية اقتلاعهم من أراضيهم وتمزيقهم إلى مجموعات صغيرة منعزلة والتضييق عليهم بمختلف الوسائل والأساليب القمعية. وقد شارك في أحداث يوم الأرض الشعب العربي الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1967، وبذلك أصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية ورمزا لوحدة الشعب العربي الفلسطيني التي لم تنل منها كل عوامل القهر وسنوات الغربة والتمزق.

والسبب المباشر لأحداث يوم الأرض كان إقدام السلطات الإسرائيلية يوم 29/3/1976 على مصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرابة، وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها لتخصيصها لإقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في نطاق مخطط تهويد الجليل (ر: الجليل، إنتفاضة) ومحاولة افراغه من سكانه العرب الذين يشكلون نحو نصف مجموع السكان هناك. وكانت السلطات الإسرائيلية قد صادرت بين 1948 و1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث بالإضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي العربية التي اضطر أصحابتها للهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة عام 1948 نتيجة العدوان الصهيوني.

وقد جاءت أحداث يوم الأراض تتويجا لتحركات ونضالات جماهيرية طويلة تكثفت بشكل خاص في الشهور التسعة التي سبقت ذلك اليوم. ففي 29/7/1975 عقد اجتماع في حيفا حضره مبادرون لتنظيم حملة الاحتجاج على مصادرة الأراضي العربية بعد أن أعلنت سلطات الكيان الصهيوني عزمها على مصادرة 21 ألف دونم من أراضي نحو 12 قرية عربية. وقد ضم الاجتماع عددا من رؤساء المجالس المحلية العربية وشخضيات وطنية مختلفة من محامين وأطباء ومثقفين ورجال دين وفلاحين. وتقرر في هذا الاجتماع تشكيل لجنة للدفاع عن الأراضي العربية. وقد دعت هذه اللجنة إلى عقد اجتماع شعبي موسع في الناصرة بتاريخ 15/8/1975 وتقرر فيه الدعوة إلى مؤتمر شعبي عام للمطالبة بوقف مصادرة الأراضي. وصدر عن الاجتماع نداء موجه إلى الرأي العام بدعوة إلى المشاركة في الحملة ضد سياسة مصادرة الأراضي. ووقع على هذا النداء آلاف المواطنين وجميع الهيئات الشعبية والمجالس المحلية العربية. وعقدت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بعد ذلك عشرات الاجتماعات الشعبية في الجليل والمثلث. وكان المؤتمر الشعبي العام الذي عقد في الناصرة بتاريخ 18/10/1975 أكبر مؤتمر شعبي يعقد في فلسطين المحتلة عام 1948 حتى ذلك الحين. وفي هذا المؤتمر تقرر إعلان الإضراب العام وتنظيم مظاهرات أمام الكنيست الإسرائيلي إذا لم تتراجع الحكومة الإسرائيلية عن مخططات مصادرة الأراضي العربية وتهويدها. وكلن السلطات الإسرائيلية تجاهلت ذلك وضربت بمطالب العرب عرض الحائط. فما قررت الحكومة الإسرائيلية مصادرة الأراضي (21 ألف دونم) التي سبقت الإشارة إليها دعت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بالإشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية إلى اجتماع موسع عقد في الناصرة بتاريخ 6/3/1976 وحضره أكثر من 70 مندوبا يمثلون مختلف القرى والتجمعات العربية في المثلث والجليل. وفي هذا الاجتماع اتخذ القرار التاريخي بإعلان الإضراب العام يوم 30 آذار عام 1976. ولكن السلطات الإسرائيلية استمرت في تنفيذ مخططها. ففي يوم 19/3/1976 أصدر وزير مالية إسرائيل – استنادا إلى قوانين الطوارئي لعام 1945 وقرار الحكومة الإسرائيلية الصادر في 29/2/1976 أمر مصادرة الأراضي. وحاولت الحكومة الإسرائيلي بكل ما في وسعها من وسائل الترهيب والترغيب والخداع شق الإجماع العربي وكسر الإضراب. فأوعزت بعقد اجتماع في شف عمرو يوم 25/3/1976 لبعض رؤساء المجالس المحلية المقربين منها فاتخذ هؤلاء قرارا بتأجيل الإضراب. كما أعلنت المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية في حيفا والناصر العليا وبقية مناطق الجليل أنها سوف تسرح العمال الذين يتغيبون عن أعمالهم يوم 30 آذار من دون تعويضات. وعمم على الدوائر والمؤسسات الإسرائيلية بيان يقضي بعدم إعطاء إجازات للعمال العرب في ذلك اليوم. ووزعت وزارة التعليم الإسرئيلية تعميما على المدارس في المدن والقرى العربية شددت فيه على ضرورة منع الإضراب. وأعلنت مؤسسات الهستدروت بأنها لن تقدم الحماية المهنية لأي عامل عربي يتعرض لإجراءات بسبب تغيبه عن عمله في يوم الأرض. وقررت الحكومة الإسرئئيلية تجنيد قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والجيش وحشدها في القرى والمدن العربية. وداوم وزير الشرطة الإسرائيلي في مدينة الناصر منذ 29/3/1976 ليشرف بنفسه على أعمال هذه القوات. ولم يبق جهاز في الكيان الصهيوني إلا شارك في محاولة كسر الإضراب. وفي المقابل قررت لجنة الدفاع عن الأراضي الصهيونية والقوى الوطنية الأخرى المضي قدما في الإعداد للإضراب والدخول في صراع قاس مع الحكومة الإسرائيلية.

وفي يوم الثلاثين من آذار أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث العربية عن بكرة أبيها. وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوى فأدى ذلك إلى الصدام مع المواطنين العرب والقوات الإسرائيلية. وكانت أعنف الاصطادمات في قرى سخنين وعرابة ودير حنا وبدت وكأنها عملية إحتلال إسرائيلية مجددة للمناطق العربية. وشمل الإضراب والمظاهرات كذلك القرى التي عارض رؤساء مجالسها المحلية الإضراب مثل الطيبة والطيرة في المثلث ، وتمرة في الجليل.

بلغت أحداث يوم الأرض ستة من الشهداء العرب الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض الآباء والأجداد وسقطوا دفاعا عن أرضهم وحقهم، بالإضافة إلى حوالي 49 جريحا ونحو 300 معتقل. وجرح من الإسرائيليين 20 شرطيا. والشهداء هم:

خير ياسين (من عرابة)، وخديجة قاسم شواهنة (من سخنين) ومحسن طه ( من كفر كنا) ورجا أبو ريا (من سخنين) وخضر خلايلة (من سخنين) ورأفت علي زهيري (من مخيم نور شمس بالضفة العغربية واستشهد في الطيبة)ز

وقد اتفق المراقبون في تقويمهم ليوم الأرض على أنه شكل إضافة نوعية إلى نضال الجماهير العربية في فلسطين المحتلة منذ 1948 وكانت هزة عنيفة تلقاها المجتمع الإستيطاني الإسرائيلي وسلطته الصهيونية واختبار قوة لطرفي النزاع.

اليونسكو:

بدأت خدمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لقضية فلسطين في آب 1950 حين تعاونت مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (الاونروا) على تعليم أبناء اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسورية وقطاع غزة فقدمت بعض المساعدات المالية والخبراء وأشرفت على التوجيه التربوي لهذا التعليم وعلى رفع مستواه. وما يزال هذا التعاون قائما. كما شاركت اليونسكو في توجيه التعليم والتدريب للميادين التي ينقص فيها المختصون في البلاد المضيفة لللاجئين الفلسطينيين وفي سائر البلاد العربية. كالتدريب المهني والفني وتأهيل المعلمين للمدارس الابتدائية والمتوسطة، فسهلت بذلك تشغيل المتخرجين من مدارس الاونروا في الوطن العربي.

أ‌- منظمة التحرير الفلسطينية في اليونسكو: انتبهت اليونسكو منذ البداية إلى أن اللاجئين جزء اصيل من الشعب الفلسطيني يسعى لاستعادة أرضه وحريته. فلابد له في المستقبل من قادة ومختصين على المستوى العالي. فعملت على أن تقدم لهم المنح للدراسات الجامعية في الوطن العربي وخارجه. واختارت من المؤهلين الأكفياء بعض الخبراء للعمل في الاونروا أو في البلاد العربية. وأشركت الفلسطينيين في الدورات التدريبية ومؤتمرات الوزراء التي نظمتها. وكان ممثلوا الشعب الفلسطيني يشتركون فيهها في بداية الأمر بوصفهم أعضاء في وفود جامعة الدول العربية، ثم صاروا يشتركون فيها بوصفهم ممثلين لمنظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها اليونسكو في مؤتمرها العام الثامن عشر المنعقد في باريس في خريف عام 1974 ومنحتها مركز "عضو مراقب" بقرار المؤتمر العام رقم 18/1730 الصادر في تشرين الأول 1974.

ب‌- التريبة والتعليم: أفاد تعاون اليونسكو والاونروا لتعليم أبناء اللاجئين البلاد العربية عامة والفلسطينيين والبلاد المضيفة لهم (مصر والأردن ولبنان وسورية) خاصة.

ومن الملاحظ أن هذا العمل المشترك قصر في بعض الميادين (كتعليم اللغات) وتسرع في بعض الميادين الأخرى فلجأ إلى ترفيع الطلاب إلى الصفوف العليا آليا بغير إمتحان لتوفير الأمكنة للقادمين الجدد. ولم يتابع المتابعة الوافية النشاط الذي بدأه في مكافحة الأمية ونشر التربية الاساسية وتأخر في الخروج بالتعليم من الخيم والأماكن المرتجلة إلى الأبنية الصالحة. وقد نجح هذا العمل المشترك مع ذلك نجاحا لا ينكر في تدريب المعلمين وتأهيل الموظفين منهم والتوفيق بين التعليم المهني وحاجات الفلسطينيين والبلاد المضيفة لهم. وكان له الاثر الملموس في إدخال التعليم المبرمج والرياضيات الحديثة وتعليم اللغة الأجنبية بالافلام الناطقة وتطوير التعليم النسوي لشؤون المنزل ورعاية الأسرة وتحسين تعليم العلوم وتطبيقاتها العملية باستخدام المخابر الفيزيائية الكيميائية المجموعة في خزائن صغيرة قليلة الثمن سهلة النقل والاستعمال. وكان من آثاره ايضا إنشاء معهد تربوي لإجراء البحوث التربوية المفيدة. وقد فتح هذا التعاون بين المنظمتين أمام الشبان الفلسطينيين أبواب المراكز الاقليمية التي أقامتها اليونسكو للتخطيط التربوي (بيروت) والتنمية الاجتماعية (سرس الليان بمصر) والأبنية المدرسية (الخرطوم ) والتعليم الفني (تورينو بايطاليا) ووسع كذلك مجالات التعليم العالي لأبناء اللاجئيين داخل الوطن العربي وخارجه.

ازداد حجم هذا البرنامج المشترك للمنظمتين ازديادا كبيرا بمرور الأعوام. فقد كان عدد المدارس المشتركة 104 عام 1951، و459 عام 1971، ثم بلغ عددها 619 عام 1979. وكان في الأونروا خبير واحد عام 1951 فوصل عدد الخبراء إلى 30 عام 1971.

أوقع هذا الازدياد المستمر الأونروا المحدودة الموارد في عجز مالي بدأ عام 1969 واستمر في السنوات التالية. وكانت اليونسكو تساعدها في كل مرة فتزيد في معونتها المالية قدر طاقتها وتقدم لها الخبراء الشبان الذين وضعتهم حكوماتهم تحت تصرف اليونسكو. وكانت تشترك مع منظمة الأمم المتحدة والأونروا في إرسال البعثات للبلاد العربية وغير العربية على المستوى العالي لاستجلاب المساعدات الإضافية وجمع التبرعات لسد العجز المتكرر المتفاقم في ميزانية وكالة الإغاثة.

أكثر المدارس التي تشترك اليونسكو والأونروا في توجيهها وتسييرها توصل في تعليمها الثانوي إلى السنة الرابعة الإعدادية. وأما الطلاب الراغبون في إنهاء الدراسة الثانوية فيتابعون درسهم في ثانويات البلد المضيف ويحصلون فيها على إجازة إنهاء الدراسة الثانوية.

ج- بعد حرب 1967: كانت التوجهيهية المصرية في قطاع غزة هي الشهادة التي يستعد لها الطلاب المتمون لدراستهم الثانوية. فلما وقعت حرب 1967 وانقطعت المواصلات بين غزة ومصر خاف شباب غزة على مستقبلهم وشعروا مع أهلهم بقلق شديد. ولذلك انبرت اليونسكو للتوسط في حل هذه المشكلة التربوية الجديدة فاتفقت مع حكومة مصر وسلطات الاحتلال الصهيوني على إجراء أعاد لغزة امتحانات الشهادة التوجيهية بإشراف وزارة التعليم المصرية ومراقبة اليونسكو ومساعدة الأونروا والسلطات المحتلة. وتقدم إلى هذه الامتحانات في آب 1969 قرابة سبعة آلاف طالب نجح منهم 5.109 طالبا للدراسة الجامعية في مصر. وبلغ عدد المتقدمين إلى هذه الامتحانات عام 1978 6.741 طالبا نجح منهم ستون بالمائة.

وشاركت اليونسكو أيضا في معالجة مشكلة تعليمية سياسية أخرى هي مشكلة الكتب المدرسية ذات الأبعاد الثقافية والتوجيهية الهامة. وقد ظهرت هذه المشكلة بعد حزيران 1967 واحتلال إسرائيل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وجزءا من الجولان. فقد صارت المدارس المشتركة في هذه المناطق خاضعة لرقابة سلطات الاحتلال الصهيوني التي منعت كل الكتب المدرسية التي اشتمت فيها الطعن بإسرائيل أو التحريض على معاداتها. وشمل هذا المنع أكثر الكتب المدرسية، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الطلاب. ولذلك سارعت اليونسكو إلى تاليف لجنة عالمية درست هذه الكتب دراسة مفصلة وسمحت بتدريس بعضها دون تغيير وبعضها الآخر بعد الحذف والتعديل. وما تزال الكتب المدرسية حتى اليوم من المشكلات التعليمية المستمرة.

يظهر مما تقدم أن اليونسكو خدمت الفلسطينيين في ميدان التربية والتعليم بالتعاون مع الأونروا في أكثر الأحيان. فلما كانت حرب حزيران 1967 استمرت هذه الخدمة التربوية واتسعت فشملت بالإضافة إلى العمل المشترك مع الأونروا كل الشئون التعليمية في الأراضي المحتلة. ثم إنها شملت الشؤون الثقافية بمختلف وجوهها بغية الحفاظ على الشخصية العربية الفلسطينية وتنميتها في إطار اصالتها ووفق حاجاتها المستقبلية.

يقابل هذا التطور الكبير في ميادين العمل اتساع وتغير في أجهزة التنفيذ. فقد كانت الدوائر التربوية في اليونسكو والأونروا والبلاد المضيفة هي المسؤولة عن التعاون فيما بينها. وأما بعد حزيران 1967 فقد دخلت في تحقيق التعاون الدوائر الثقافية فيها. وانتقلت المسؤولية الكبرى في التوجيه والتخطيط وحل النزاع إلى المؤتمر العام لليونسكو ومجلسه التنفيذي، وإلى الجمعية العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإلى حكومات البلاد المضيفة، وإلى سلطات الاحتلال، ولاسيما السلطات العسكرية التي لم تكن في الغالب حريصة على هذا التعاون.

ومنذ أن اتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة عشرة (تشرين الثاني 1974) قراره رقم 1/13 الذي أكد فيه حق سكان الأراضي العربية المحتلة في التمتع بالتعليم الوطني والثقافة الوطنية، ودعا فيه المدير العام لليونسكو إلى الإشراف على سير العمل في المؤسسات التعليمية والثقافية في الأراضي المحتلة والتعاون مع الدول العربية المعنية ومع منظمة التحرير الفلسطينية، أخذت السلطات المحتلة تتأخر في التفاوض والتنفيذ وتعترض عليه. ولذلك أخذت اليونسكو قرارات متتالية مطالبة سلطات الاحتلال رسميا بالالتزام بالقرار 1/13 الآنف الذكر. وكان آخرها قرار المؤتمر العام العشرين (1978). ولكنها لم تصل بعد ذلك إلى جواب ناجع. وليس مع يدعو إلى التفاؤل في إمكان تنفيذ هذه القرارات من قبل السلطات المحتلة. وقد أدى ذلك إلى تردي الوضع التعليمي بتردي الوضع السياسي فأخذت سلطات الاحتلال تغلق الجامعات الناشئة في الأراضي المحتلة مثل جامعة بيرزيت وجامعة بيت لحم وجامعة النجاح في نابلس ما بين فترة وأخرى ولمدد طويلة في أكثر الأحيان.

د- الجامعة الفلسطينية المفتوحة: بسبب تردي الأوضاع التعليمية في صفوف الشعب العربي الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة برزت فكرة جامعة فلسطين خارج الوطن المحتل فدعا الصندوق القومي الفلسطيني منظمة اليونسكو عام 1975 إلى دراسة الأمر والمساعدة في العثور على حلول مناسبة، وطالب بأن تقوم اليونسكو بتقويم جدوى غقامة نظام تعليم مفتوح للفلسطينيين. وقبلت اليونسكو القيام بما طلب إليها فشكلت مجموعة عمل خاصة بهذه المهمة تتكون من ممثلين ومختصين منها ومن منظمة التحرير الفلسطينية ومن الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي. وأجرت المجموعة الدراسة التمهيدية للجامعة الفلسطينية المفتوحة في شهر أيلول عام 1976. وكان من بين ما أوصت بها القيام بدراسة شاملة لجدوى هذا المشروع. وتنفيذا لهذه التوصية عقدت اليونسكو ومنظمة الاتحرير الفلسطينية والصندوق العربي للانماء اتفاقا ثلاثيا في شهر كانون الأول من عام 1977. وقد تم بحسب أحكام هذا الاتفاق تكليف اليونسكو أن تكون الوكيل المنفذ لدراسة الجدوى. ووافقت اليونسكو كذلك على المساهمة بمبلغ 72.000 دولار أمريكي من موازنة برنامجها العام للقيام بهذه الدراسة. ووافق الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي على المساهمة بمبلغ 382.000 دولار أمريكي لمنظمة اليونسكو (اعتماد حساب المشروع). واتفق الأطراف الثلاثة على تشكيل لجنة استشارية تتكون من ممثلين اثنين عن كل طرف لتقديم المشورة لفريق العمل الذي تم تشكيله من الاختصاصيين والخبراء وبدأ أعماله في شهر نيسان عام 1979 مستهديا بمجموعة المهام التي حددتها الدراسة التمهيدية. وعكف على معالجة عدد من القضايا من بينها نوع التعليم المفتوح الملائم وحاجات الشعب الفلسطيني، سواء في فلسطين المحتلة أو المناطق المحيطة بها، والفئات التي سيخدمها هذا النظام، ونوع الوسائل التي ستسخر لنقل المعارف إلى الطلبة، وتكاليف إقامة مثل هذا النظام. وقد استهدى فريق العمل في دراسته بتجارب الجامعة المفتوحة في كل من بريطانيا واليابان.

وقد أعد فريق العمل دراسة عن جدوى الجامعة المفتوحة وبعد قبولها من الأطراف الثلاثة صدرت الدراسة عن منظمة اليونسكو في أيلول 1980، ثم ثدرت عن مجلس الشؤون التربوية لأبناء فلسطين في منظمة التحرير الفلسطينية بالعربية في آذار 1981.

وبناء على دراسة السالفة الذكر شكلت اللجنة التنفيذية للمنظمة لجنة مختصة لمتابعة تنفيذ مشروع الجامعة المفتوحة وايجاد مكتب دائم لها وعين الدكتور ابراهيم أبو الغد رئيسا لهذه الجامعة.

هـ- القدس: عالجت اليونسكو مشكلة القدس بعد أن احتلها إسرائيل في عدوان 1967وصادرت كثيرا من أراضيها وعددا كبيرا من المساجد والمباني والممتلكات الثقافية والأبنية التاريخية والمدارس المشهورة القائمة فيها وهدمت أكثر الأحياء العربية القديمة مثل حي المغاربة وحي الشرق وسوق الحصر والمسجد الشافعي، وبعد أن اعتدت على الطابع الثقافي للقدس العربية فأزالت معالم ستمائة بناء ومقامات دينية ومساجد مملوكية وأيوبية، وشوهت المنظر التاريخي للمدينة بتطويق خط المدينة بسوار خانق من العمارات الحديثة العالية، وقامت بتنفيذ خطة واسعة للحفريات، ولاسيما تحت المسجد الأقصى وحواليه والأمكنة المجاورة له، بحجة كشف المعالم الباقية من ماضي ما يسمى المدينة اليهودية. وقد خالفت إسرائيل في أعمالها هذه اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلحة عام 1954 وتوصية نيودلهي بشأن منع الحفريات الاثرية في الأراضي المحتلة عام 1956.

وفي 21 آب 1969 وقع إحراق المسجد الأقصى في القدس فغضب العالم فهذا العمل الذي دنس مكانا مكرما لدى الشرية جمعاء. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 271 (15/9/1969) الذي طلب فيه من إسرائيل التخلي عن أعمالها المؤدية إلى انتهاك القرارات السابقة وإلغاء الاجراءات والأعمال التي قامت بها لتغيير وضع القدس. إزاء كل هذه الاعتداءات والمخالفات كان لابد لمنظمة الأمم المتحدة من التدخل لوقف ضم القدس العربية وتهودها وجعلها عاصمة للكيان الصهيوني . وكان لابد لمنظمة اليونسكو من التدخل لصيانة معالم القدس الاثرية وممتلكاتها الثقافية لما تمثله من تراث تاريخي ديني ثقافي للبشرية جمعاء. وكان تدخلها هذا موضوع مناقشات مستمرة ثارت في الدورات الممتالية لمجلسها التنفيذي ولمؤتمرها العام منذ عام1968 حتى الآن. وقد اصدرت اليونسكو في هذا الشأت قرارات متعددة منها المطالب بوقف الاعتداء، ومنها المؤيد لاستمرار وجود اليونسكو ممثلة في القدس لضمان وقف الاعتداء، ومنها المشير إلى التدابير القسرية لحمل إسرائيل على احترام قرارات اليونسكو، ومن هذه القرارات التي اتخذها المؤتمر العام في دوراتها المختلفة: 1- القرار 15م/3343 (تشرين الأول 1968) الذي دعا إسرائيل إلى المحافظة على الممتلكات الثقافية في الأراضي المحتلة، ولاسيما في القدس القديمة. 2- القرار 17م/3422 (تشرين الثاني 1972) الذي دعا إسرائيل إلى الكف عن تغيير معالم القدس وعن الحفريات الاثرية. 3- القرار رقم 18م/3427 (تشرين الثاني 1974) الذي دان إسرائيل لموقفها المناقض لأهداف اليونسكو ولتنفيذ قرارات المؤتمر العام والمجلس التنفيذي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في مدينة القدس.

وقد تميز قرار المؤتمر العام العشرين لليونسكو رقم 4/6 و7/13 الصادر في تشرين الثاني 1978 بتأكيد القرارت السابقة كلها والإصرار على ضرورة تطبيقها، وبإدانة سلطات الاحتلال الإسرائيلية لمحالفتها القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة واليونسكو واستمرارها في تهويد القدس. وقد جعل القرار التهويدة من أسباب الإدانة.

المراجع: - محاضر المجلس التنفيذي لليونسكو ومقرراته. - تقرير اليونسكو: واحد وعشرون عاما من التعاون بين اليونسكو والأونروا: 1950-1971. - التقارير السنوية للمدير العام للأونروا المرفوعة إلى منظمة الأمم المتحدة. - الاحصاءات السنوية الصادرة عن دائرة التربية لليونسكو والأونروا. - قرارات المؤتمرات العامة لليونسكو.

البيشوف:

كلمة عبرية معانها الاستيطان. وتطلق في الكتابات اليهودية على التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين قبل قيام الكيان الصهيوين. وتقسم الكتابات الصهيوينة تاريخ البيشوف إلى مرحلتين: 1- مرحلة ما قبل عام 1882، وفيها البيشوف القديم ويتكون أساسا من يهود متدينين لم يتجاوز عددهم في نهاية هذه المرحلة 24 ألف نسمة كانوا موزعين في أربع مدن هي القدس والحليل وصفد وطبرية. وكانت غالبيتهم تعيش على الصدقات والمعونات المرسلة لهم من يهود أوروبا وتعرف باسم الهالوكا. وقد تكون البيشوف القديمة من فئتين منفصلتين هما السفرديون والأشكنازيون ، ولكل طائفة مؤسساتها الدينية الخاصة. 2- مرحلة ما بين 1882-1948، وفيها البيشوف الجديد، وهو التجمع الاستيطاني الذي نشأ بعد عام 1882 من الهجرات الصهيونية المتتالية إلى فلسطين بهدف تنفيذ المشروع الصهيوني. وقد اقرنت موجة الهجرة في هذه المرحلة بالعمل على شراء الأراضي في فلسطين واقامة مستعمرات زراعية وبلدية يهودية فيها. وفي هذه المرحلة حاول البيشوف الجديد تنظيم نفسه على أساس أنه أقليه قومية ونواة لاقامة دولة صهيونية في فلسطين. وقد تم ذلك أول الأمر بادارة روتشليد (1886-1896) التي استخدمتها القوى الاستعمارية الواقفة وراء المشروع الصهيوني واجهة يهودية للاشراف على شؤون المستعمرات الصهيونية وتأمين الأراضي اللازمة لاقامة مستعمرات جديدة. وقد اتخذ ادارة روتشليد من مدينة الخليل مقرا لها. ثم انتقال الاشراف على شؤون الاستطيان اليهودي في فلسطين إلى جمعية الاستعمار اليهويد التي كان يترأسها المصرفي اليهودي الفرنسي البارون موريس دي هرش. وفي عام 1908 افتتحت المنظمة اليهودية العالمية مكتبا لها في يافا. وقد ظل هذا المكتب حتى بداية الانتداب البريطاني المسؤول عن كاف شؤون الاستيطان من شراء الأراضي وتخطيط المستعمرات وتزويدها بالآلات والارشاد الزراعي.

تطور البيشوف بسرعة أثناء فترة الانتداب البريطاين على فلسطين بعد أن منحه هذا الانتداب نوعا من الاستقلال الذاتي والادارة الذاتية. فقد أنشئت الوكالة اليهودية بمقتضى المادة الرابعة من صك الانتداب التي نصت على اقامة وكالة يهودية معترف بها لتقديم المشورة والمعونة للادارة في كل ما يتعلق بشؤون اليهود في فلسطين. واقيمت الجمعية التأسيسية اليهودية أو المجلس التمثيلي اليهودي وسمح لمؤسسات البيشوف بالإشراف على المؤسسات الصحية والتعليمية اليهودية وجباية الضرائب من اليهود للانفاق على الخدمات العامة وشؤون البيشوف الأخرى. كما أقام البيشوف أجهزته الأخرى مثل نقابات العمال (الهستدروت ومنظمة الهاغاناه.

وقد بلغ عد المستوطنين اليهود في فلسطين في نهاية الانتداب البريطاني نحو 680 ألف نسمة، أو ما يعادل ثلث سكان البلاد، كذلك عملت سلطات الانتداب بمختلف الوسائل على تسهيل حصول الصهيونيين على الأراضي بما في ذلك منح المؤسسات الصهيونية مساحات واسعة من الأراضي الحكومية. وبذلك بلغت مساحة الأراضي التي استوطن عليها الصهيونيون في نهاية فترة الانتداب حوالي 1.87 مليون دونم، أو ما يعادل 6% من مجموعة مساحة البلاد، وبلغ عدد المستعمرات الصهيونية 291 مستعمرة.