ومازال التفريط مستمراً

من معرفة المصادر

ومازال التفريط مستمراً، نائل الشافعي، جريدة الشروق المصرية، 25 نوفمبر 2013.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقال

دءا من مايو 2012 وما تلاه، نشرت فى هذه الصحيفة أجزاء من دراسة خطيرة أعدها الدكتور نائل الشافعى خبير الاتصالات المصرى ومؤسس موسوعة المعرفة عن وقائع التفريط فى حقول الغاز المصرية فى البحر الأبيض المتوسط، وبرغم أن العديد من البرامج والصحف أشارت إلى الموضوع وناقشته، فقد تمخض الجدل والنقاش كالعادة عن طرمخة حكومية مريبة، واليوم يواصل الدكتور نائل الشافعى كشف معلومات جديدة فى هذا الملف الخطير الذى سنعرف أن البلد يتغير حقا عندما تتغير طريقة التعامل المريبة معه.

كتب الدكتور نائل الشافعى يقول «فى ظل أزمة اقتصادية تعتصر العالم، يظهر الغاز الطبيعى منقذاً. فتستغنى أمريكا لأول مرة عن غاز الشرق الأوسط بما تنتجه من الغاز الصخرى. وفى بحر الصين الجنوبى تُصارع الصين سبع دول حول استخراج الغاز. وفى شرق المتوسط أصبحت إسرائيل وقبرص دولا كبرى فى صناعة الغاز، وتتنافس روسيا والصين وأمريكا على المشاركة فى تلك الثروة الهائلة. أما فى مصر، فقد اكتشفت شركة شل بئرى غاز أمام دمياط فى نوفمبر 2003، وأعلنت أنهما غيرتا خريطة الغاز فى العالم وستجعلان مصر من أكبر منتجى العالم فى خلال 3 سنوات. إلا أن شل سرعان ما تباطأت حتى انسحبت من المشروع غداة تنحى حسنى مبارك؛ ولا تعرف مصر أين هى الآبار التى حفرتها. وحين أعادت مصر طرح بلوكات التنقيب فى 2012، لم تتقدم شركة كبيرة، ولم يتقدم أحد لسبعة من 15 بلوكا مطروحة، فى حين تتنافس الشركات الكبرى على التنقيب فى البلوكات القبرصية الملاصقة للبلوكات المصرية المهجورة.

تزامن مع انسحاب شركة شل من تطوير حقول الغاز المصرية العميقة، اكتشاف إسرائيل ثم قبرص لحقلى غاز هائلين (لفياثان وأفروديت) على بعد كيلومترين من الحدود المعيبة. سيجلب الحقلان 10 مليارات دولار سنوياً لكل من الدولتين. وكنت قد اختتمت مقالى الأول عن مشكلة غاز شمال دمياط، المنشور فى جريدة الحياة فى 5 يونيو 2012، بأنه بعد حفر حقلى لڤياثان وأفروديت، فإن الجولة القادمة هى تأمين مسار أنبوب لتصدير الغاز عبر قبرص واليونان، وذلك يحتاج مصادرة المياه المصرية المحاددة لتركيا، لكى تحادد اليونان قبرص، وهو الأمر المستحيل حسب قانون البحار. فأقصر مسافة بين مصر وتركيا هى الخط الواصل بين بلطيم وشاويش كوى 274 ميلا بحريا. بينما أقصر مسافة بين قبرص واليونان هى الخط الواصل بين (پافوس) قبرص و (پالكاسترو) كريت 297 ميلا بحريا. أى أن مصر يحق لها أن تكون ملاصقة لتركيا وبالتالى لا يحق لليونان أن تكون ملاصقة لقبرص.

وتبقى مشكلة هندسية هائلة هى مد أنبوب على عمق مائى 4,000-6,000 متر. لذا تصدت المفوضية الأوروبية لها بإدراجها فى 10 ديسمبر 2012، أجزاء الخط كخمسة عشر مشروعا لنقل وتخزين غاز وطاقة شرق المتوسط إلى أوروبا. وفى 21 يونيو 2013، أعلنت المفوضية الاوروبية قرب تخصيص تمويل للبدء فى مشروعين منهما، خط الأنابيب بين قبرص وكريت، وإنشاء محطة إسالة فى قبرص. فأين وزارة الخارجية المصرية من كل ذلك؟، خاصة وهذه المشروعات تفترض موافقة مصر على التنازل عن مياهها الاقتصادية لكى تتواصل حدود قبرص واليونان، أشير هنا إلى أن صحيفة إنرگيا تقول إن مصر خائفة من ترؤس اليونان للاتحاد الاوروبى العام القادم!.

نعود لبر مصر وبالتحيد إلى عام 2003 وبالتزامن مع إنشاء جمال وعلاء مبارك صندوق بوليون الاستثمارى فى قبرص، جاء طلب رفيع لوزارة الخارجية المصرية للبدء على الفور فى ترسيم الحدود الاقتصادية مع قبرص. وبسرعة، خلف أبواب مغلقة، تم التوصل لاتفاقية ترسيم (معيبة) للحدود تنازلت فيه مصر عن مساحة من مياهها تفوق ضعف مساحة الدلتا. ثبت أن فريق الترسيم المصرى لم يقم بأى بحث لحقوق مصر التاريخية فى منطقة الترسيم، كما لم يأخذ فى الاعتبار السيادة البريطانية على الطرف الجنوبى لقبرص. وتقاعس الترسيم عن تحديد نقطة البداية الثلاثية مع تركيا ونقطة النهاية الثلاثية مع إسرائيل. ونتيجة لكل هذا التراكم من الأخطاء، لا تعترف تركيا بأربع من الثمانى نقاط. وقد طالبتُ فى الاجتماع الحكومى بوزارة البترول فى نوفمبر 2012، أن يكون ترسيم مصر لحدودها مع التسع دول الأخرى فى علانية وشفافية. إلا أنه بعد عام، بدأت مصر مفاوضات ترسيم سرية أخرى، مع اليونان، شاءت الصدف أن تفضحها الصحافة اليونانية.

ففى 16 نوفمبر 2013، كشفت صحيفة إثنوس اليونانية عن انعقاد مباحثات ثلاثية بين مصر واليونان وقبرص خصيصاً لترسيم الحدود المصرية. وأوردت احتجاج اليونان على حدود مصر الاقتصادية كما يشكلها البلوك-12 المصرى للتنقيب عن الغاز (شمال الإسكندرية)، الذى اتبع ترسيم الحدود المعيب المفرّط الذى وقعته مصر مع قبرص فى 2003. يعنى حتى لو رضينا بتنازلاتنا لقبرص، فإن اليونان تريد أضعاف تلك التنازلات بأن تقبل مصر (بالرغم من قانون البحار) بمنطقة اقتصادية خالصة عرضها 200 ميل بحرى لجزيرة كاستلوريزو اليونانية (التى يبلغ عرضها كيلومترىن) لكى يتحقق لليونان التلاصق مع قبرص على حساب كل من مصر وتركيا. أى أن اليونان تريد من مصر أن تتنازل عن 50,000 كيلو متر مربع من المياه الاقتصادية، كما تحرم مصر من أى حدود مائية مع تركيا التى هى الدولة المقابلة مباشرة للساحل المصرى من جمصة إلى مارينا بطول نحو 322 كيلومترا.

ولعل سبب تعجل مصر ترسيم الحدود مع اليونان هو تصريح النائبة الأمريكية إليانا روس- لتينن، رئيسة اللجنة الفرعية للشرق الأوسط فى مجلس النواب الأمريكى فى 24 أكتوبر 2013، أن «الولايات المتحدة تفضل الخطة لتصدير الغاز الإسرائيلى والقبرصى إلى اوروبا عبر اليونان». ولا أدرى إن كان نبيل فهمى، فى يوم 5 سبتمبر 2013، كان يحاول التمويه على الدافع الأمريكى بإعطاء الانطباع بأن ترسيم الحدود مع اليونان هو نكاية فى تركيا بقوله: «كل بلد له مصالحه ولا يهمنا لو أن بلداً ثالثاً منزعجا بهذا الاتفاق" فى اشارة إلى تركيا.

ياله من موقف عجيب. ففى شرق الدلتا مصر تمرر الشاحنات التركية تقريباً مجانا، بدون مبرر ليضيع على قناة السويس نحو مليار دولار سنوياً. وفى غرب الدلتا مصر تريد الترسيم مع اليونان نكاية فى تركيا، وحتى لو كان فى ذلك تفريطاً فى مياهنا وثرواتنا».


المصادر