مشروع الشرق الأوسط الجديد، مقال
الأنظمة العربية وتهديدات الفوضى الخلاقة: مشروع الشرق الأوسط الجديد يعتمد الفوضى الخلاقة على طول الوطن العربي والبعض من دول العالم الاسلامي، جغرافية المنطقة؛ من موريتانيا غربا إلى باكستان شرقا، ومن تركيا شمالا إلى الصومال جنوبا. المخطط جاهز منذ عقدين والتنفيذ تحت السيطرة والتأجيج الامريكي لا يمكن ان يسمح بأن تستغله بؤر منافسة، تعادي امريكا ومصالحها الاستراتجية في المنطقة. لذا فإن التوازن الذي تدفع به امريكا بدعم حلفاء لها في المنطقة، سيأتي الدور عليهم لاحقا.
المخطط بدأ فعلا بخلع ثوب العلمانية على دولة تركيا، باتجاه اسلام بقواعد وضوابط أمريكية، ليكون نموذجا ناجحا في المنطقة، يعري المشروع الإسلامي الإيراني، ويوقف طموحاته، ذات البعد الإيديولوجي الفارسي، لتفشله أيضا من الداخل قبل أن يكون قد فشل خارجيا (الفوضى الخلاقة، الهدم من الداخل والتعسف من الخارج).
المخطط أوقع بالمشروع القُطري لحزب البعث العربي العراقي، كنموذج لبــــناء المؤسسات الناجحة والدولة العصرية الرائدة في المنطقة والعالم الإسلامي، والدفع بنظام الرئيس السابق، صدام حسين إلى استعداء الجيران عليه، الإيراني منه، والاسرائيلي والعربي، ومن خلالهم جميعا الغرب والعالم ممثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
مشروع استعماري قديم ‘سايكس بيكو’ جديد، بلبوس اصلاحي ديمقراطي: هذا المشروع السياسي الاستعماري الغربي القديم، والأمريكي الجديد، مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سيعوض خريطة ‘سايكس بيكو’ من أوائل القرن العشرين، بخريطة جديدة تُعْتَمد فيها الطائفية والقبيلة والإثنية واللغة والدين والمذهبية واعتماد حق تقرير المصير للأقليات والمحافظة على الهوية وبعث الثقافة المحلية، كمعايير جديدة لرسم الحدود ما بين الدويلات والإمارات الصغيرة جدا، التي لا تمتلك إمكانيات بناء جيش واقتصاد وطني بالمعنى المتعارف عليه دوليا.
مشروع الشرق الأوسط الجديد، يقوم على دفع دول المنطقة إلى تطبيق حزمة من الإصلاحات المتعددة، تبدأ بتشجيع الديمقراطية وتنتهي بالتعاون الاقتصادي، ويتخللها تطبيع عربي وإسلامي على أوسع نطاق مع الشركات العالمية والدولة الصهيونية، هو ما طرحه الرئيس أوباما في خطابه الأخير للعالم الاسلامي في القاهرة، وهي ليست مصادفة.
البراغماتية الأمريكية مع القوى غير العربية ضدا من مصالح العرب: امريكا تلعب دورا كبيرا على الساحة الايرانية بدعم القوى العلمانية والقومية في ايران، للحد من تأثير الاسلاميين. امريكا تُسهل مرحليا لتركيا قيادة الولايات الشرق اوسطية في العهد الجديد، حيث ان دول المنطقة ستنهار ويتم فرط مدنها وولاياتها الى اقاليم متعددة متصارعة سوف تحتاج الى قوة اقليمية قوية لغرض اعادة تجميعها، وفقا لرؤية جديدة وتصورات سياسية وثقافية واخلاقية جديدة، ولا خيار امام شعوب المنطقة سوى تركيا السنية او ايران الشيعية والكفة الرابحة هي لتركيا من وجهة النظر الامريكية، او قد يكون هناك توازن في ما بينهما بدعم امريكي ايضا (العراق بعد صدام، سورية بعد الأسد، ليبيا بعد القدافي، اليمن بعد علي صالح…).
ان سقوط باقي الانظمة الدكتاتورية العربية سيمهد بالتأكيد لحلقة اخيرة اكثر مأساوية من باقي حلقات مسلسل الفوضى الخلاقة، وهي حلقة اجتثاث الفكر التكفيري فكر القسوة والدموية (حسب ما يدعيه المحافظون الجدد وتتبناه السياسة الأمريكية على الأرض)، وستكون الحلقة الاخيرة في الجزيرة العربية والخليج العربي. لتظهر الولايات المتحدة الخليجية لتقودها امارة قطر او الحجاز بقيادات جديدة تبشر بعهد جديد للمنطقة ككل. سيحصل ذلك خلال عقد من الزمان على اقل تقدير (استقالة الأمير حمد بن خليفة وحكومته، وتولية ابنه تميم، ولي العهد رغم صغر سنه مع فريق حكم جديد، من أحد معالم هذا التوجه على الأرض).
المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ليس جديدا: بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في الثمانينات من القرن الماضي، صرح بقوله: ‘إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الآن (1980)، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى، التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود ‘سايكس- بيكو’. الجواب قطعا هو ما أتت به سياسة الفوضى الخلاقة وما يسمى بالحراك الديمقراطي العربي.
في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع برنارد لويس صاحب الوثيقة السرية لسنة 1983، التي صادق عليها سريا الكونغرس الأمريكي والتي بموجبها تبنى تقسيم العالم العربي إلى 34 دويلة ضعيفة وهجينة عوض 22 حاليا، والوثيقة تبنتها رسميا الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس المحافظ جورج بوش والوزيرة السمراء كوندوليزا رايس. المقابلة التي أجريت مع برنارد لويس في 20/5/2005 قال بالنص:’إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية…’.
الحراك العربي سفينة ركابها وربانها عرب ورياحها أمريكية: هناك قائل يقول؛ ما شأن أمريكا والغرب بلهب إحراق البوعزيزي، وهل الأمريكان هم، من حرضوا المرأة الشرطية التونسية، لصفعه وإهانة كرامته، حتى تشتعل ثورة الياسمين ومن بعدها شحذ وجدي غنيم أزرار حاسوبه مع رفاقه من حركة ‘كفاية’ و’حركة 6 أبريل’ ليتظاهروا داخل ميدان التحرير بمدينة القاهرة. لعل الجواب واضح؛ في قلب الأحداث، عود ثقاب لا يأتي بالحطب، ولكن من يُكَوم الحطب هو من يَحْسِب حساب قوة النيران واللهب. إنها أمريكا وسلاح الإعلام الناعم.
من الاستعمار الغربي للوطن العربي، إلى التوطين اليهودي بفلسطين، إلى الانسحاب العسكري الغربي وتنصيب الحكام الدكتاتوريين على الشعوب العربية، إلى التجويع واستغلال خيرات البلدان وفقد الثقة والأمل في الأوطان، إلى معاودة الاستعمار الأمريكي الجديد عن طريق الفوضى الخلاقة في الشــــرق الأوسط وشمال افريقيا وخلق الشك في الأنظمــــة وزرع الفــــزع وسط المجتمع عبر خطط إعلامية مختــبرية مدروسة، لتفتيت النسيج الأسري والمؤسساتي ولتجزيء الأقطار والأوطــان وضرب مصداقية مؤسسات الحكم بها وبعد ذلك الانقضاض بسهولة على رأس النظام (صدام حسين، ياسر عرفات، وفيق الحريري، زين العابدين بن علي، حسني مبارك، قتل الجنرال عمر سليمان، معمر القدافي، علي عبد الله صالح، حبل المنشقة يفتل لبشار، استقالة أمير قطر……).
ختاما ما يجري حاليا من صراع شيعي إيراني وسني خليجي وطائفي في سورية، وتجاذب سياسي في مصر، ومبارزة على طول الوطن العربي بين التيار العلماني والتيار الإسلامي والمكونات الإثنية والثقافية لبعض الأقاليم، كلها تصب في مرمى أهداف المخطط الأمريكي، تخدمه من حيث أرادت أو لم ترد، ويبقى الخاسر الأكبر هو المواطن العربي. المستقبل يفرض الجواب على السؤال التالي: ما دور الإنسان العربي المسلم في عالم اليوم؟ هل من استقلالية للدول العربية أمام استفحال الاستغلال الغربي والأمريكي؟ ما هي خطط صد سياسة الفوضى الخلاقة التي ستدمر حتما ما بقي من مؤسسات داخل البلدان العربية؟ وهل من استعداد جدي من الدول العربية لخدمة المواطن وحفظ كرامته أمام شعارات إغراءات الحرية والحقوق الفردية والجماعية الآتية من الغرب وأمريكا؟
المصدر:القدس العربى