مبسوط السرخسي - الجزء الخامس و العشرون
المبسوط السرخسي ج 25
[ 1 ] (الجزء الخامس والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب المأذون الكبير) (قال رحمه الله) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة فخر الاسلام أبو بكر محمد ابن أبى سهل السرخسي رحمه الله اعلم بان الاذن في التجارة فك الحجر الثابت بالرق شرعا ورفع المانع من التصرف حكما واثبات اليد للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة الا أن الكتابة لا زمة لانها بعوض والاذن لا يكون لازما فحلوه عن العوض بمنزلة الملك المستفاد بالهبة مع المستفاد بالبيع وهذا لانه أهل للتصرف بعد حدوث الرق فيه كما كان قبله لان ركن التصرف كلام معتبر شرعا وذلك يتحقق من الرقيق واعتبار الكلام بكونه صادرا عن مميز أو مخاطب ولا ينعدم ذلك بالرق ومحل التصرفات ذمة صالحة لا لتزام الحقوق ولا ينعدم ذلك بالرق فان صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر وبالرق لا يخرج من أن يكون من البشر الا أن الذمة تضعف بالرق فلا يجب المال فيها الا شاغلا ما لية الرقبة وذلك يسقط بوجود الرضا منه لتعلق الحق بماليه رقبته فكان الاذن فحكا للحجر من هذا الوجه وهو نظير ملك الحل فانه من كرامات البشر فلا ينعدم بالرق وان كان ينتقص حتى ان الحل في حق الرقيق نصف ما هو في حق الحر بيناه في كتاب النكاح وانما ينعدم بالرق الاهلية لمالكية المال لانه يصير به مملوكا مالا وبين كونه مملوكا مالا وكونه مالكا للمال منافاة ولهذلا ينعدم بالرق الا هلية للمالكية بالنكاح لانه لا يصير به مملوكا نكاحا * فان قيل ينبغى أن ينعدم بالرق الاهلية لملك التصرف لانه صار مملوكا تصرفا فان المولى يملك التصرفات عليه * قلنا انما يصير مملوكا تصرفا بنفسه بيعا أو تزويجا فلا جرم تنعدم الاهلية لما لكية هذا التصرف ويكون نائبا فيه عن المولى متى باشر بأمره ولكنه ما صار مملوكا تصرفا في ذمته حتى ان المولى لا يملك الشراء بثمن يجب في ذمة عبده ابتداء فتبقى له الاهلية في ملك هذا التصرف كما أنه لم يصر مملوكا تصرفه عليه في
[ 3 ] الا قرار والحدود والقصاص بقى مالكا لهذا التصرف فان قيل انعدام الاهليه لخروجه بالرق من أن يكون أهلا لحكم التصرف وهو الملك المستفاد والتصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها وهو ليس بأهل لذلك قلنا لا كذلك وحكم التصرف ملك اليد وارقيق أهل لذلك (ألا ترى) أن استحقاق ملك اليد يثبت للمكاتب مع قيام الرق فيه وهذا لانه مع الزق أهل للحاجة فيكون أهلا لقضائها وأدنى طريق الحاجة ملك اليد فهو الحكم الاصلى للتصرف وملك العتق مشروع للتوصل إليه فما هو الحكم الا صلى يثبت للعبد وما وراء ذلك يخلفه المولى فيه وهو نظير من اشترى شيئا على ان البائع بالخيار ثم مات فمتى اختار البائع البيع ثبت ملك العين للوارث على سبيل الخلافة عن المورث بتصرف باشره المورث بنفسه ثم الدليل على جواز الاذن للعبد في التجارة شرعا الآ ثار التى بدأ بها الكتاب فمن ذلك حديث ابراهيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك وفيه دليل تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فان ركوب الحمار من التواضع وقد كان يعتاده رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى روى انه ركب الحمار معروريا وروى انه ركب الحمار وأردف وذلك من التواضع قال عليه السلام برئ من الكبر من ركب الحمار وسعى في مهنة أهله وفى لسان الناس ركوب الفرس عز وركوب الجمال كمال وركوب البغل مكرمة وركوب الحمار ذل ولاذل كالترجل وكذلك اجابة دعوة المملوك من التواضع وقد فعله غير مرة على ماروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أجاب دعوة عبد وروى أنه كان يجب دعوة الرجل الدون يعنى المملوك والمملوك لا يتمكن من ايجاد الدعوة ما لم يكن له كسب وطريق الا كتساب التجارة وليس له أن يباشرها بدون اذن المولى فثبت بهذا الحديث جواز الاذن في التجارة وان ما يكسبه العبد بعد الاذن حلال وانه لا بأس للعبد المأذون بان يتخذ الدعوة بعد أن لا يسرف في ذلك ولا بأس باجابة دعوته اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فانه كان يجيب الدعوة وكان يقول من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم وعن ابراهيم انه كان يقول يجوز على العبد كل دين حتى يحجر عليه وكان يقول إذا حجر الرجل على عبده في أهل سوقه فليس عليه دين ومعناه يلزمه كل دين يكتسب سبب وجوبه مما هو من صنيع التجار كالاقرار والاستئجار والشراء لانه منفك الحجر عنه في التجارة فهو من التزام الدين بسببه كالحر وإذا حجر المولى عليه في أهل سوقه فليس عليه دين أي لا يلزمه الدين بمباشره هذه الاسباب بعد الحجر في
[ 4 ] حق المولى ليس المراد أنه يسقط عنه وانما لا يثبت في حق المولى لانعدام الرضا منه باستحقاق مالية رقبته بالدين بعد الحجر ولا يجب الدين في ذمته الا شاغلا لمالية الرقبه فإذا كان لا يستحق مالية رقبته به بعد الحجر فكأنه لا دين عليه وفيه دليل ان الحجر ينبغى أن يكون عاما منتشرا وأن الانتشار فيه بكونه في أهل سوقه فانه رفع الاذن الذى هو عام منتشر وفي تصحيحه بدون الانتشار معنى الاضرار والغرور كما نبينه ان شاء الله تعالى وعن أبى صالح قال رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبداكلهم يتجر بعشرة آلاف درهم ففيه دليل جواز الا ذن وانه لا بأس باكتساب الغنى والاستكثار من المال بعد أن يكون من حله كما قال النبي عليه السلام نعم المال الصالح للرجل الصالح وفي هذا الحديث دليل ظاهر على غنى العباس فان من كان له عشرون عبدا رأس مال كل عبد عشره آلاف فلا بد أن يكون ذلك من أموال التجارة وغيرها وكان سبب ثروته انه أخذ منه دنانير في الفداء حين أسر فلما أسلم وحسن اسلامه كان يتأسف على ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم وكان العباس رضي الله عنه يظهر السرور بغناه ويقول ان الله تعالى وعدني بشيئين الغنى في الدنيا والمغفرة في الآخرة وقد انجز لي أحدهما وأنا أعلم أنه لا يحرمني من الآخر انه لا يخلف الميعاد وعن الشعبى قال إذا أخذ الرجل من عبده الضريبة فهى تجارة وبه نأخذ فان المولى استأدى عبده الضريبة فذلك اذن منه له في التجارة لانه لا يتمكن من الاداء الا بتحصيل المال ولنحصله طريقان التكدى والتجارة والظاهر أن المولى لا يقصد تحصيله المال بالتكدى فالسؤال يدنى المرء ونبخسه قال عليه السلام السؤال آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وانما مراده الا كتساب بطريق التجارة ورضاه بالنجارة يتضمن الرضا منه بتعلق الدين أو اجب بالتجارة بماليه رقبته ففيه دليل أن الاذن في التجارة ثبت بالدلالة كما ثبتت نصا وعن شريح في عبد تاجر لحقه دين انه يباع فيه وبه نأخذ فان كل دين ظهر وجوبه على العبد في حق المولى يباع فيه كدين الاستهلاك فانه يظهر في حق المولى لان سببه محسوس لا ينعدم بالحجر بسبب الرق فكذلك دين التجارة بعد الاذن يظهر في حق المولى فيباع فيه وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باع الحر في دينه وبيع العبد جائز في الحال فيباع في كل دين يظهر وجوبه في حق المولى وعن ابن سيرين ان رجلا ادعى على عبد
[ 5 ] رجل دينا فقال الرجل عبدى محجور عليه وقال شريح شاهدا عدل انه كان يشترى في السوق ويبيع بعلمه أو بامره ففيه دليل ان المولى إذا أنكر الا ذن كان القول قوله وعلى من يدعى عليه الاذن أن يثبته بالبينة لانه يدعي عليه انه أسقط حقه عن مالية الرقبه وفيه دليل ان الاذن يثبته بالدلالة وان من رأى عبده بيع ويشترى فلم ينهه فانه يصير به مأذونا بمنزلة التصريح بالاذن له في التجارة وذلك استحسان عندنا لدفع الضرر والغرور عن الناس وعن أبى عون الثقفى ان جلا أذن لعبده أن يكون خياط وأذن آخر لعبده أن يكون صباغا فأجاز شريح على الخياط ثمن الا بر والخيوط وأجاز على الصباغ ثمن الغلى والعصفر وما كان في عمله وفيه دليل ان مبنى الاذن على التعدي والانتشار وان المولى وان خص نوعا منه فانه يتعدى إلى سائر الا نواع لا تصال بعض الا نواع بالبعض فيما يرجع إلى تحصيل مقصود المولى فان الصاغ لا يتمكن من العمل الا بشراء الصبغ والخياط لا يتمكن من العمل الا بشراء السلك والا برة والخيوط ثم قد لا يجد ما يحتاج إليه يباع بالنقد ليشتريه وانما يباع ذلك بالطعام فيحتاج أن يشترى طعاما ليعطيه في ثمن ذلك وربما يشترى ذلك بالد نانير فيحتاج إلى مصارفة الدراهم بالدنانير ليحصل الثمن فعرفنا أن مبناه على التعدي والانتشار فيتعدى الاذن في نوع إلى سائر الانواع وابن أبى ليلى رحمه الله كان يأخذ بظاهر هذا الحديث فيقول يجوز عليه ما كان من توابع عمله خاصة وعندنا يجوز عليه ما كان من توابع عمله وما استدار في غيره على ما نبينه وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال حدثنى سلمان رضي الله عنه أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد قبل أن يكاتب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته فأكل وأكل أصحابه وأتاه بصدقه فقبلها وأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل (قال الشيخ) الامام رضى الله عنه واعلم أن سلمان كان من قوم يعبدون الخيل البلق فوقع عنده انه ليس على شئ وجعل يتنقل من دين إلى دين يطلب الحق حتى قال له بعض أصحاب الصوامع لعلك تطلب الحنيفية وقد قرب أوانها وعليك بيثرب ومن علامته انه يأكل الهديه ولا يأكل الصدقة فتوجه نحو المدينة فاسترقه بعض العرب في الطريق وجاء به إلى المدينة فباعه من بعض اليهود وكان يعمل في نخيل مولاه باذنه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأتاه سلمان بطبق فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان فقال صدقة فقال لا صحابه كلوا ولم يأكل فقال سلمان في نفسه هذه واحدة ثم أتاه من الغد بطبق فيه رطب فقال ما هذا يا سلمان
[ 6 ] قال هدية فجعل يأكل ويقول لا صحابه كلوا فقال سلمان هذه أخرى ثم تحول خلفه فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده فألقى الرداء عن كتفيه حتى نظر سلمان رضي الله عنه إلى خاتم النبوة بن كتفيه فأسلم وفيه دليل ان للعبد المأذون أن يهدى فقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته ولا جل هذا أورد هذا الحديث وذكر عن أبى سعيد مولى أبى أسيد قال بنيت باهلي وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له أتتقدم وأنت في بيته فقدموني وصليت بهم وفيه دليل ان للعبد المأذون أن يتخذ الدعوة في العرس كما يتخذ الدعوة للمجاهدين إذا أتوه بتجارة فان الصحابة رضى الله عنهم أجابوا دعوته وأبو ذر مع زهده أجاب دعوته وهو عبد وفيه دليل انه لا ينبغى للمرء ان يؤم غيره في بيته الا باذنه فانهم أنكروا على أبى ذر التقدم عليه في بيته وبيانه في قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه وفيه دليل جواز الاقتداء بالعبد وانه متى كان فقيها ورعا فلا بأس بامامته (ألا ترى) ان أبا ذر رضى الله عنه مع زهده قدمه واقتدى به لفقهه وورعه وإذا قال الرجل لعبده قد أذنت لك في التجارة فهو مأذون له في التجارات كلها لا طلاق الاذن من المولى فلا حاجة في تصحيح الاذن إلى التنصيص على أنواع التجارة لانه فك للحجر كالكتابة ولان المقصود به المولى عادة أن يحصل العبد الربح بكسبه واعتبار اذنه شرعا ليتحقق به الرضا من المولي لتعلق الدين الواجب بالتجارة بمالية رقبته وهذا لا يختلف باختلاف أنواع التجارات واشتراط مالا يفيد لا يجوز بخلاف التوكيل فالمقصود هناك قيام الوكيل مقام الموكل في تحصيل مقصوده في العين التى يشتريها ولا يقدر الوكيل على تحصيل ذلك بمطلق التوكيل قبل التنصيص على جنس ما يشتريه له ثم للعبد أن يشترى ما بداله من أنواع التجارات لانه صار منفك الحجر عنه وتم رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وهو في أصل الالتزام متصرف في ذمته هو حقه من تعامله وانما نوجب الملك له في محل مملوك له فيكون صحيحا وله أن يستأجر الاجراء لان الاستئجار من أنواع التجارات ولان المأذون يحتاج إليه فانه يعجز عن اقامة بعض الاعمال بنفسه وربما لا يجد من يعينه على ذلك حسبة فيحتاج إلى الاستئجار الاجراء لاقامة الاعمال التى بها يتم مقصوده وله أن يؤاجر نفسه فيما بداله من الاعمال عندنا وفى أحد قولي الشافعي رضى الله عنه ليس له أن يؤاجر نفسه وله أن يؤاجر
[ 7 ] كسبه لان عبده المأذون نائب عن المولى في التصرف وهو انما جعله نائبا في التصرف في كسبه ومنافع بدنه ليس من كسبه وتصرفه فيه بعد الاذن كما قبله والدليل عليه ان رقبته ليست من كسبه بدليل انه لا يملك بيعها ولا رهنها بدين عليه وما ليس من كسبه فهو لا يملك التصرف فيه بالاجارة كسائر مماليكه وأما عندنا فالاذن فك الحجر عن المأذون فكان كالكتابة ولايقال الكتابة يتعلق بها اللزوم والاذن فيكون هذا بمنزلة الاستئجار والاستعارة وللمستأجر أن يؤاجر وليس للمستعير ذلك وهذا لان محل التصرف لا يختلف لكونه لازما أو غير لازم كالبيع مع الهبة فان محل التصرفين واحد وهو العين وان كان أحدهما يلزم علي وجه لا يملك الموجب الرجوع لكونه معاوضة والاجرلا يلزم ونحن انما شبهنا الا ذن بالكتابة من حيث انه فك الحجر ثم انفكاك الحجر يثبت له اليد على منافعه فيملك الاعتياض عليها كما ملكه المكاتب ولما كان للمأذون أن يعين غيره لمنافعه فلا يكون له أن يؤاجر نفسه أولى لان الاجارة أقرب إلى مقصود المولى من الاعانة وهو أليق بحال المأذون فانه يملك المعاوضات دون التبرعات والمستعير انما لا يؤاجر لما فيه من الحاق الضرر بالغير من حيث استحقاق اليد عليه في العين وذلك لا يوجد ههنا ثم اجارة النفس نوع تجارة لان رؤس التجارة وهم الباعة يؤاجرون أنفسهم للعمل والمولى حين أذن له في التجارة مع علمه انه لا يتمكن منها الا برأس مال فالظاهر انه جعل رأس ماله منافعه وطريق تحصيل المال مما جعل له من رأس المال الاجارة وانمالا يبيع نفسه لما في ذلك من تفويت مقصود المولى ولان حكمه ضد حكم الاذن فان بيع الرقبه إذا صح أوجب الحجر عليه كما لو باعه المولى فكذلك لا يرهن نفسه لان موجب الرهن ضد موجب الاذن فان الرهن يوجب يدا مستحقة عليه للمرتهن على وجه يمنع من التصرف لان موجب الرهن ضد موجب الاذن فان الرهن يوجب يدا مستحقة عليه لمرتهن على وجه يمنع من التصرف ولا يستفاد ما ليس من موجب ضده موجبه وأما اجارة النفس فلا توجب الحجر عليه ولا تمنعه من التصرف بدليل انه لو أجره المولى لم يصر محجورا فلهذا لا يملك أن يؤاجر كسبه وله أن يتقبل الارض ويأخذها مزارعة كما يأخذ الحر لانه ان كان البذر من قبل صاحب الارض فالمأذون مؤاجر نفسه للعمل ببعض الخارج وان كان البذر من قبله فهو مستأجر الارض ببعض الخارج وذلك أنفع من الاستئجار بالدراهم فان هناك الاجر دين في ذمته سواء حصل الخارج أولم يخرج وهنا لا شئ عليه اذالم يحصل الخارج فإذا ملك استئجاره
[ 8 ] ببعض الدراهم فببعض الخارج أولى وله أن يشترى طعاما ليزرعه في أرضه لان الزراعة من التجارة قال عليه الصلاة والسلام الزارع يتاجر ربه والتجار يفعلون ذلك عادة قال وليس له أن يدفع طعاما إلى رجل ليزرعه ذلك الرجل في أرضه بالنصف قال لانه يصير قرضا وليس للمأذون أن يقرض لان القرض تبرع قال بعض مشايخنا رحمهم الله وهذا التعليل غلط انما الصحيح من التعليل ان هذا دفع البذر مزارعة ودفع البذر مزارعة وحده لا يجوز لان صاحب البذر مستأجر الارض وشرط الاجارة التخلية بين المستأجر وبين ما استأجره وذلك ينعدم إذا كان العامل صاحب الارض قال (ألا ترى) انه إذا دفع الطعام إلى رب الارض مزارعة بالنصف فزرعة كان الخارج كله لرب الارض وهو ضامن للعبد طعاما مثل طعامه هكذا ذكر في الكتاب وفي كتاب المزارعة قال إذا دفع البذر مزارعة إلى صاحب الارض فالخارج كله لصاحب البذر وللعامل أجر مثله وأجر مثل أرضه وقيل في المسألة روايتان أصحهما ما قال في المزارعة لان الخارج نماء البذر (ألا ترى) أنه من جنس البذر فيكون لصاحب البذر ووجه ما قال هنا ان صاحب البذر انماء رضى بالقاء البذر في الارض بطريق المزارعة بالنصف فبدون ذلك الطريق لا يكون راضيا بل الزارع بمنزلة الغاصب لبذره ومن غصب من آخر بذرا وزرعه في أرضه كان الخارج للزارع وعليه مثل ما غصب وقيل انما اختلف الجواب لاختلاف الوضع فهناك وضع المسألة في الحر واذن الحر في استهلاك البذر صحيح معتبر والمزارعة وان فسدت بقى اذنه معتبرا في استهلاك البذر بالقائه في الارض فكان الالقاء باذن صاحب البذر كالقائه بنفسه فالخارج كله له وأما اذن العبد في استهلاك بذره لا على وجه المزارعة فغير معتبر فانه لا يملك أن يأذن في اتلاف البذر ولا أن يقرض البذر فإذا لم يصح العقد وسقط اعتبار اذنه فكان لزارع بمنزلة الغاصب المستهلك للبذر بالقائه في الارض والخارج كله له وعليه ضمان مثل ذلك البذر للعبد (قال الشيخ) الامام رحمه الله وقد وجدت في بعض النسخ زيادة في هذا المسألة انه إذا دفع الطعام إلى رب الارض ليزرعها لنفسه بالنصف فمع هذه الزيادة لا يبقى الاشكال ويصح التغليل لان قوله ازرعها لنفسك يكون اقراضا للبذر ثم شرط عليه في بدل القرض نصف الخارج وذلك باطل والزارع في القاء البذر في الارض عامل لنفسه فيكون الخارج كله له وليس على المولى أن يشهد الشهود حتى يأذن له في التجارة لانه بمنزلة الكتابة والكتابة تصح من غير اشهاد الا أن هناك يندب الاشهاد لما
[ 9 ] يتعلق بها من الحق اللازم كما يندب إلى الاشهاد على البيع بيانه في قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم وذلك لا يوجد في الاذن لانه في نفسه ليس بحق لازم (ألا ترى) أنه يحجر عليه متى شاء فلهذا لا يكون عليه الاشهاد في ذلك وإذا نظر الرجل إلى عبده يبيع ويشترى فلم ينهه عن ذلك فهو اذن منه له في التجارة بمنزلة قوله قد أذنت لك في التجارة وهذه مسئلتان احداهما إذا أذن له في نوع خاص من التجارة فانه يكون مأذونا في التجارات كلها عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يكون مأذونا الا في ذلك النوع خاصة وهو رواية عن زفر رحمه الله وعنه في رواية أخرى قال ان سكت عن النهى عن سائر الانواع فان قال اعمل في البر فهو مأذون في التجارات كلها وان صرح بالنهي عن التصرف في سائر الانواع فليس له أن يتصرف الا في النوع الذى أذن له فيه خاصة فالحجة للشافعي انه يتصرف للمولى باذنه فلا بملك التصرف الا فيما أذن له فيه كالوكيل والمضارب والمستبضع والشريك شركة العنان وبيان ذلك ان الرق موجب للحجر عليه عن التصرفات والرق بعد الاذن قائم كما كان قبله فيكون تصرفه بطريق النيابة عن المولى فيه (ألا ترى) ان ما هو المقصود بالتصرف وهو الملك يحصل للمولى وان العبد بسبب الرق يخرج من أن يكون أهلا للملك الذى هو المقصود فيه بين أنه ليس باهل للتصرف بنفسه بخلاف المكاتب فان بالكتابة عندي يثبت للمكاتب حق ويصير بمنزلة الحر يدا ولهذا لا يملك المولى اعتاقه عن كفارته ولا يملك الحجر وانما يصير أهلا للتصرف باعتبار ما ثبت له من الحرية يدا ثم المأذون عندي يرجع بالعهدة على المولى الا انه عين لرجوعه محلا وهو كسبه فلا يملك الرجوع في محل آخر وهكذا مذهبي في الوكيل إذا وكله بان يشترى ويبيع على ان الربح كله للموكل فان رجوعه بالعهدة فيما يشترى على الموكل دون غيره وكون هو نائبا عن الموكل في التصرف فكذلك المأذون والدليل عليه انه لو أذن له في تزويج امرأة لا يملك أن يتزوج امرأتين ولو أذن له في نكاح امرأة بعينها لا يملك أن فتزوج غيرها فكذلك في التجارة بل أولى لان مقصود ذلك التصرف يحصل للعبد ومقصود هذا التصرف يحصل للمولى فكذلك إذا أذن له في التجارة لا يملك النكاح وإذا أذن له في النكاح لا يملك التجارة ولئن كان الاذن اطلاقا وتمليكا لليد منه كما هو مذهبكم فذلك لا يدل على انه لا يقبل التخصيص كتقليد القضاء فانه اطلاق واثبات للولاية ثم يقبل التخصيص والاعارة والاجارة تمليك المنفعة واثبات اليد على العين ثم بقبل التخصيص بالاذن كذلك وهذا
[ 10 ] لان التخصيص مفيد فمقصود المولى تحصيل الربح وذلك يحصل بتجارته في نوع لكثرة هدايته فيه ثم يفوت ذلك بتجارته في نوع آخر لقلة هدايته في ذلك فكان التقييد مفيدا فيما هو المقصود وزفر رحمه الله على الرواية الاخرى يقول انما أثبتنا حكما عاما عند سكوته عن النهى لدلالة العرف وذلك يسقط عند التصريح بالنهي في سائر الانواع (ألا ترى) أن مطلق الاذن يوجب التعميم في الوقت ثم أذا صرح بالحجر عليه بعد أن مضى شهر أو يوم يرتفع ذلك الاذن فهذا مثله * وحجتنا في ذلك طرق ثلاثة أحدها ما بينا أن الاذن في نوع يستدعى الاذن في سائر الانواع لاتصال بعض التجارات بالبعض والمتصرف في البرر بما يشترى ذلك البر بالطعام فلا بد من أن يشترى الطعام ليؤدي ما عليه وربما يحتاج إلى بيع البر بالعبيد والاماء إذا لم يجد من يشترى ذلك منه بالنقد وإذا كان الاذن في نوع يتعدى إلى سائر أنواع التجارة لا تصال بعض التجارات بالبعض ولان الاذن في التجارة فك للحجر عنه والعبد بعد الاذن متصرف لنفسه لا نفكاك الحجر عنه كالمكاتب كما أن في الكتابة لا يعتبر التقييد بنوع خاص فكذلك في الاذن وبيان الوصف ان بمطلق الاذن يملك التصرف والانابة لا تحصل بمطلق اللفظ من غير تنصيص على التصرف كما في حق الوكيل والدليل عليه أن المأذون لا يرجع بما يلحقه من العهدة على مولاه والمتصرف للغير يرجع عليه بما يلحقه من العهدة وانه إذا قضى الدين من خالص ملكه بعد العتق لا يرجع به على المولى ولو كان هو بمنزلة الوكيل لكان يرجع على الموكل بما يؤدى من خالص ملكه كالوكيل وانما يكون رجوع الوكيل فيما يحصل تصرفه إذا بقى ذلك فأما بعد الفوات فيكون رجوعه على الموكل وهنا وان هلك كسبه لم يرجع على المولى بشئ ودل انه متصرف لنفسه وقد بينا ان بالرق لم يخرج من أن يكون أهلا للتصرف ولا من أن يكون أهلا لثبوت اليدله على كسبه ولكنه ممنوع عن التصرف لحق المولى مع قيام الاهلية فالاذن لازالة المنع كالكتابة ولا يجوز أن يدعي ان بالكتابة يثبت له حق العتق أو يجعل كالحر يدالان الكتابة تحتمل الفسخ والسبب الموجب لحق العتق متى ثبت لا يحتمل الفسخ كالا ستيلاد فثبت ان الكتابة فك الحجر والاذن مثله ثم فك الحجر عنه بهذين السببين بمنزله الفك التام الذى يحصل بالعتق وذلك لا يختص بنوع دون نوع سواء أطلق أو صرح بالنهي عن سائر الانواع لان هذا التقييد منه تصرف في غير ملكه فكذلك ههنا والثالث أن تصرف العبد يلاقى محلا هو ملكه والمتصرف في ملكه لا يكون نائبا عن
[ 11 ] غيره وبيانه أن أول التصرفات بعد الاذن من العبد شراء لانه ما لم يشتر لا يمكنه أن يبيع وهو بالشراء يلتزم الثمن في ذمته وقد بينا ان الذمة مملوكة بمنزلة ذمته فكما انه يملك التصرف في ذمته بالاقرار على نفسه بالقود فكذلك يكون مالكا للتصرف في ذمته الا ان الدين لا يجب في ذمته الا شاغلا مالية رقبته فيحتاج إلى اذن المولى هنا لا سقاط حقه عن مالية الرقبة والرضي بصرفها إلى الدين وفي هذا لا يفترق الحال بين نوع من التجارة ونوع فتقبيده بنوع غيره مفيد في حقه فلا يعتبر كما إذا رضى المستأجر يبيع العين من زيد دون عمرو أو رضى الشفيع بيع المشترى من زيد دون عمرو ولو أسلم البائع المبيع إلى المشترى قبل نقد الثمن علي أن يتصرف فيه نوعا من التصرف دون نوع لا يعتبر ذلك التقييد لانه وجد من هؤلاء اسقاط حق المبيع فاهل التصرف يكون متصرفا لنفسه فتقييده بنوع دون نوع لا يكون مفيدا وهذا بخلاف النكاح فان ذلك تصرف مملوك للمولى عليه لان النكاح لا يجوز الا بولي والرق يخرجه عن أن يكون أهلا للولاية فكان هو نائبا عن المولى في النكاح ولهذا قلنا المولى يجبره علي النكاح فاما هذا التصرف فغير مملوك للمولى عليه فكان الاذن من المولي اسقاطا لحقه لا انابة العبد منابه في التصرف وقد بينا انه مع الرق أهل للحكم الاصلى وهو ملك اليد وان ما وراء ذلك من ملك العين يثبت للمولى على سبيل الخلافة عنه وهذا بخلاف تقليد القضاء فالقاضي لا يعمل لنفسه فيما يقضى بل هو نائب عن المسلمين ولهذا يرجع بما يلحقه من العهدة في مال المسلمين وكيف يكون عاملا لنفسه وهو فيما يعمل لنفسه لا يصلح أن يكون قاضيا وهذا بخلاف المستعير والمستأجر لانه يتصرف في محل هو ملك الغير بايجاب صاحب الملك له وايجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص فأما العبد فلا يتصرف بايجاب المولى له فقد بينا أن التصرف غير مملوك للمولى في ذمته فكيف يوجب له مالا يملكه والمسألة الثانية إذا رآه يبيع ويشترى فسكت عن النهى فهذا اذن له في التجارة عندنا وعند الشافعي لا يكون اذنا قبل هذا بناء على المسألة الاولى فان عنده لو أذن له نصا في نوع لا يملك التصرف في سائر الانواع فكذلك إذا رآه يتصرف في نوع فسكوته عن النهى لا يكون اذناله في التصرف في سائر الانواع وعندنا لما كان اذنه في نوع يوجب الاذن في سائر الانواع لدفع الغرور والضرر عن الناس فكذلك سكوته عن النهى عند رؤيته تصرفا منه يكون بمنزلة الاذن دفعا للضرر والغرور عن الناس وحجته في هذه المسألة أن سكوته عن النهى محتمل قد يكون للرضي
[ 12 ] بتصرفه وقد يكون لفرط وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه أنه محجور عن ذلك شرعا والمحتمل لا يكون حجة فهو بمنزلة من رأى انسانا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لا ينفذ ذلك التصرف بسكوته ولان الحاجة إلى الاذن من المولى والسكوت ليس باذن فالاذن ما يقع في الاذن ولو أذن له ولم يسمع لم يكن ذلك اذنا فمجرد الكسوت كيف يكون اذنا والدليل عليه ان هذا التصرف الذى يباشره لا ينفذ بسكوت المولى وانه إذا رآه ببيع شيئا من ملكه فسكت لا ينفذ هذا التصرف فكيف يصير مأذونا له في التصرفات فالحاجة إلى رضى مسقط لحق المولى عن مالية رقبته وذلك لا يحصل بالسكوت كمن رأى انسانا يتلف ماله فسكت فلا يسقط الضمان بسكوته وهذا بخلاف سكوت البكر إذا زوجها الولى فان ذلك محتمل ولكن قام لدليل الموجب لترجيح الرضا فيه وهو ان لها عند تزويج الولى كلامين لا أو نعم والحياء يحول بينها وبين نعم لما فيه من اظهار الرغبة في الرجال وهى تستقح منها لا يحول الحياء بينها وبين لا فسكوتها دليل على الجواب الذى يحول الحياء بينها وبين ذلك الجواب ولا يوجد مثل ذلك ههنا فلا يترجح جانب الرضا وكذلك سكوت الشفيع عن الطلب لانه لاحق للشفيع قبل الطلب وانما له أن يثبت حقه بالطلب فإذا لم يطلب لم يثبت حقه وههنا حق المولى في مالية الرقبة ثابت وانما الحاجة إلى الرضا المسقط لحقه * يو ضحه ان حق الشفعة قبل الطلب ضعيف وانما يتأكد بالطلب فاعراضه عن الطلب المؤكد لحقه يجعل دليل الرضا لدفع الضرر عن المشترى فانه إذا بقى حق الشفيع يتمكن به من نقض تصرف المشترى وفيه من الضرر عليه مالا يخفى فاما هنا فحق المولى في مالية الرقبه متأكد وفي اسقاطه الحاق الضرر به عند سكوته لدفع الضرر عمن يعمل العبد معه * وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وقال ألا من غشنا فليس منا ولو لم تتعين جهة الرضا عند سكوت المولي عن النهى أدى إلى الضرر والغرور فالناس يعاملون العبد ولا يمتنعون من ذلك عند محضر المولى إذا كان ساكتا وإذا لحقته ديون ثم قال المولى كان عبدي محجورا عليه فتتأخر لديون إلى وقت عتقه ولا يدرى متى يعتق وهل يعتق أولا يعتق فيكون فيه انواء حقهم ويلحقهم فيه من الضرر مالا يخفى ويصير المولى غار الهم فلرفع الضرر والغرور جعلنا سكوته بمنزلة الاذن له في التجارة والكسوت محتمل كما قال ولكن دليل العرف يرجح جانب الرضا فالعادة أن من لا يرضى يتضرف عبده يظهر النهى إذا رآه يتصرف ويؤدبه على ذلك وانما
[ 13 ] يستحق عليه ذلك شرعا لدفع الضرر والغرور فهذا الدليل رجحنا جانب الرضى في سكوت البكر كما في سكوت الشفيع يرجح جانب الرضى لدفع الضرر عن المشترى والدليل عليه أنه بعدما أذن له في أهل سوقه لوحجر عليه في بيته لم يصح حجة لدفع الضرر والغرور فلما سقط اعتبار حجره نصا لدفع الضرر فلا يسقط اعتبار احتمال عدم الرضى من سكوته لدفع الضرر عن الناس كان أولى ولئن منع الشافعي هذا فالكلام في المسألة يبنى على الكلام في تلك المسألة فان الكلام فيها أوضح على ما نبينه وهذا بخلاف الوكيل لانه لا ضرر على من يعامل الوكيل اذالم يجعل سكوت الموكل رضى فان تصرف الوكيل نافذ على نفسه ومن يعامله لا يطالب الموكل بشئ وانما يطالب الوكيل سواء كان تصرفه لنفسه أو لغيره وقوله هذا التصرف بسكوت المولى لا ينفذ قلنا لان في هذا التصرف ازالة ملك المولى عما بيعه وفي ازالة ملكه ضرر متحقق للحال فلا يثبت بسكوته وليس في ثبوت الاذن ضرر على المولى متحقق في الحال فقد يلحقه الدين وقد لا يلحقه ولو لم يثبت الاذن به تضرر الناس الذين يعاملون العبد * يوضحه ان في ذلك التصرف العبد نائب عن المولى بدليل انه إذا لحقه عهدة يرجع بها عليه فيكون بمنزلة الوكيل في ذلك وقد بينا ان الوكالة لا يثبت بالسكوت وأما في سائر التصرفات فهو متصرف لنفسه كما قررنا والحاجة إلى اذن المولى لا جل الرضا تصرف مالية رقبته إلى الدين فيثبت ذلك بمجرد سكوته لخلوه عن الضرر في الحال بخلاف ما إذا أتلف انسان ماله وهو ساكت لان الضرر هناك يتحقق في الحال وسكوته لا يكون دليل التزام الضرر حقيقة ولانه لا حاجة إلى تعيين جانب الرضا هناك لدفع الضرر والغرور عن المتلف وهو ملتزم الضرر باقدامه على اتلاف المال بخلاف ما نحن فيه على ما قررناه ولو قال لعبده اد إلى الغلة كل شهر خمسه دراهم فهذا اذن منه له في التجارة لانه استئداء المال مع علمه انه لا يتمكن من ذلك الا بالا كتساب يكون أمرا له بالا كتساب ضرورة وقد علمنا انه لم يطلب منه الا كتساب بالتكدى فعرفنا أن مراده الا كتساب بالتجارة ودليل الرضا في الحكم كصريح الرضا وكذلك لو قال إذا أديت إلى ألفا فانت حر لانه حثه على اداء المال بما أوجب له بازاء المال من العتق عند الاداء ولا يتمكن من الاداء الا بالا كتساب وقد علمنا انه لم يرد أداء الالف إليه من مال المولى لان ذلك غير مفيد في حق المولى وانما المفيد في حقه أداء الالف إليه من كسب يكتسبه بعد هذه المقالة وكذلك لو قال أدالى ألفا وأنت حر فانه لا يعتق ما لم
[ 14 ] يود ولو قال ان أديت ألفا فانت حر عتق في الحال أدى أولم يود ولو قال إذا أديت إلى ألفاو أنت حر عتق في الحال أيضا بخلاف قوله فانت حر فانه لا يعتق فيه الا بالاداء لان جواب الشرط بالفاء دون الواو فان الجزاء يتصل بالشرط على أن يتعقب نزوله بوجود الشرط وحرف الفاء للوصل والتعقيب فيتصل فيه الجزاء بالشرط فاما حرف الواو فللعطف لا للوصل وعطف الجزاء على الشرط لا يوجب تعليقه بالشرط فكان تنجيزا وأما جواب الامر بحرف الواو على معنى أنه بمعنى الحال أي وأنت حرفي حال أدائك وأما صفة الامر يكون بمعنى التعليل يقول الرجل أبشر فقد أتاك الغوث يعنى لانه أتاك الغوث فإذا قال ادالى الفا فأنت حر معناه لانك حر فلهذا يتنجزبه العتق في الحال وعلى هذا ذكر في السير الكبير إذا قال افتحوا الباب وأنتم آمنون فما لم يفتحوا لا يأمنوا ولو قال فأنتم آمنون كانوا آمنين فتحوا أولم يفتحوا ولو قال إذا فتحتم الباب فأتنم آمنون لا يأمنون ما لم يفتحوا ولو قال وأنتم آمنون كانوا آمنين في الحال ولو قال لعبده اذهب فاجر نفسك من فلان لم يكن هذا اذنا منه له في التجارة بخلاف قوله أقعد قصارا وصباغا فان هناك لما لم يعتق من يعامله فقد فوض الامر إلى رأيه في ذلك النوع من التجارة وههنا عين من يؤاجر العبد نفسه منه ولم يفوض الامر إلى رأيه فيه ولكنه جعله رسولا قائما مقام نفسه في مباشرة العقد فلا يكون ذلك دليل الرضا بتجارته * يوضحه أنه أمره بان يعقد على منافعه ههنا ومنافعه مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا علي وجه الاستخدام له وفى الاول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة (ألا ترى) أن اجارة نفس العبد مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا على وجه الاستخدام له وفى الاول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة (ألا ترى) أن اجارة نفس العبد مملوكة للمولى عليه وان يقبل العمل في ذمة العبد غير مملوك للمولى عليه واستشهد بما لو أرسل عبداله يؤاجر عبدا له آخر لم يكن هذا اذنا لواحد من العبدين في التجارة ولو قال اعمل في النقالين أو في الحناطين أو قال أجر نفسك في النقالين أو الحناطين فهذا منه اذن في التجارة لانه فوض ذلك النوع من التجارة إلى رأيه لانه لم يعين له من يعامله بل جعل تعيينه موكولا إلى رأيه النقالون الذين ينقلون الخشب من الشطء إلى البيوت والحناطون ينقلون الحنطة من موضع السفينة إلى البيوت وانما يعمل ذلك منهم العبيد والاقوياء ولو أرسل عبده يشترى له ثوبا أو لحما بدراهم لم يكن هذا اذنا له في التجارة استحسانا وفي القياس هو اذن له
[ 15 ] في التجارة لانه جعل اختيار من يعامله مفوضا إلى رأيه وفى الاستحسان لا يكون اذنا له في التجارة فانه في عادة الناس هذا استخدام ولو جعلناه اذنا في التجارة يتعذر على المولى استخدام المماليك فان الاستخدام يكون في حوائج المولى وهذا النوع من العقد من حوائجه * يوضحه أن المولى لا يقصد التجارة بهذا الشراء انما يقصد كفاية الوقت من الكسوة والطعام والتجارة ما يقصد به المال والاسترباح وكذلك لو أمره بان يشترى ثوب كسوة للمولى أو لبعض أهله أو طعاما رزقا لاهله أو للمولى أو للعبد نفسه لا يكون شئ من ذلك اذنا له في التجارة أرأيت لو أمره ان يشترى نقلا بفلسين أكان يصير به مأذونا وكذلك لو قال اشتر من فلان ثوبا فاقطعه قميصا أو اشتر من فلان طعاما فكله أو دفع إليه راوية وحمارا وامره أن يستقى عليه الماء لمولاه ولعياله ولجيرانه بغير ثمن فشئ من هذا لا يكون اذنا له في التجارة لما قلنا ولو قال استق على هذا الحمار الماء وبعه كان هذا اذنا له في التجارات كلها لانه فوض إلى رأيه نوعا من التجارة وقصد به تحصيل المال والربح ولو أن طحانا دفع إلى عبده حمارا لينقل عليه طعاما له فيأتيه به ليطحنه لم يكن هذا اذنا منه له في التجارة لانه استخدمه في نقل الطعام إليه وما أمره بشئ من عقود التجارات ولا باكتساب المال (ألا ترى) ان المضاربة باعتبار هذا العمل لا تصح حتى لو أمره أن ينقل الطعام إليه ليبيعه صاحب الطعام بنفسه على ان الربح بينهما نصفان لا يجوز ولو أمره أن يتقبل الطعام من الناس باجر وينقله على الحمار كان هذا اذنا له في التجارة لانه فوض نوعا من التجاره إلى رأيه وأمره باكتساب المال له وأما إذا كان الرجل تاجرا وله غلمان يبيعون متاعه بامره فهذا اذن منه لهم في التجارة لان سكوته عن النهى عند رؤية تصرف العبد جعل اذنا فتمكينه اياهم من بيع أمتعته في حانوته أو أمره اياهم بذلك أولى أن يجعل اذنا ولذلك لو أمرهم أن يبيعوا لغيره متاعه فانه فوض نوعا من التجارة إلى رأيهم ورضي بالتزامهم العهدة فيما يبيعونه لغيرهم (ألا ترى) انه لو أمرهم أن يشتروا له متاعا أو يشتروا ذلك لغيره فاشترون لزمهم الثمن وهم تجار في تلك التجارة وغيرها فكذلك إذا أمرهم بالبيع لان في الموضعين جميعا قد صار راضيا باستحقاق مالية رقبته بما يلحقه من العهدة في ذلك التصرف (ألا ترى) أنهم إذا باعوا فوجد المشترى بالمبيع عيبا كان له أن يرده عليهم ويطالبهم بالثمن ولو رأى عبده يبيع في حانوته متاعه لغيره فلم ينهه كان مأذونا لسكوت المولى عن النهى بعد علمه بتصرفه ولكن لا يجوز ما باع من متاع المولى لان جواز
[ 16 ] البيع في ذلك المتاع يعتمد التوكيل وذلك يحصل بالامر في الابتداء والاجازة في الانتهاء والسكوت لا يكون أمرا ولا اجازة فلا يثبت به التوكيل (ألا ترى) ان فيما يبيع من متاع المولى بامره إذا لحقه عهدة يرجع على المولى وان الضرر يتحقق في حق المولى بزوال ملكه عن المتاع في الحال فلهذا لا يثبت ذلك بالسكوت بخلاف صيرورته مأذونا فان ذلك يعتمد الرضى لا التوكيل حتى لا يرجع بما يلحقه من العهدة في سائر التصرفات على المولى ولا يتحقق الضرر في حق المولى بمجرد صيرورته مأذونا وكذلك عبد دفع إليه رجل متاعا ليبيعه فباعه بغير أمر المولى والمولى يراه يبيع ولا ينهاه فهو اذن من المولى له في التجارة والبيع في المتاع جائز بامر صاحبه لا بسكوت المولى عن النهى حتى ان المولى وان نهاه أولم يره أصلا كان البيع جائزا لانه وكيل صاحب المتاع في البيع الا ان تأثر صيرورته مأذونا في هذا التصرف من حيث ان العهدة تكون على العبد ولو نهاه المولى أولم يره كانت العهدة على صاحب المتاع لان العبد المحجور لا يلزم العهدة في تصرفه لغيره وإذا تعذر ايجاب العهدة عليه تعلقت العهدة باقرب الناس بعده من هذا التصرف وهو الامر الذى انتفع بتصرف العبد له وإذا اغتصب العبد من رجل متاعا فباعه ومولاه ينظر إليه فلم ينهه عنه فهذا اذن له في التجارة لوجود دليل الرضى منه بتصرفه حين سكت عن النهى ولا ينفذ ذلك البيع سواء باعه بأمر المولى أو بغير أمره لان في ذلك البيع ازالة الملك المغصوب منه فلا ينفذ الا باجازة فكذلك لو رأى عبده يبيع متاعا له بخمر أو أمره بالبيع والشراء بالخمر فانه يكون مأذونا له في التجارة لو جود الرضا منه بتجارته صريحا أو دلالة وان فسد ذلك العقد لكون البدل فيه خمرا وانما أورد هذه الغصول لا زالة اشكال الخصم انه لما لم ينفذ ذلك العقد بسكوته فكيف يصير به مأذونا فان هذا العقد الفاسد لا ينعقد بأمره والعقد على المال المغصوب لا ينعقد بأمر المولى أيضا ومع ذلك كان العبد به مأذونا ولو أرسل عبده إلى أفق من الآفاق بمال عظيم يشترى له البز ونهاه عن بيعه فهذا اذن له في التجارة لانه فوض نوعا من التجارة إلى رأيه وهو شراء البز ورضى بتعلق الدين الواجب بشراء البز بماليه رقبته ولو رأى عبده يشترى بماله فلم ينهه عن ذلك ومال المولى دراهم ودنانير فهذا اذن منه له في التجارة وما اشتراه العبد فهو لازم له وللمولى أن يأخذ من الذى أجازه لان الدراهم والدنانير لا يعينان في العقود وانما كان شرى العبد بثمن في ذمته وقد صار المولى بسكوته عن النهى راضيا بتعلق الدين بماليه رقبته ولكن
[ 17 ] لا يصير به راضيا بقضاء دينه من سائر أمواله كما لو صرح بالاذن له في التجارة وما نقد من دراهم المولى مال آخر له فيكون العبد في قضاء الدين منه كالمستقرض له من مولاه والاقراض بالسكوت لا يثبت فلهذا كان للمولي أن يأخذ ماله من الذى أخذه لانه وجد عين ماله ويرجع ذلك الرجل على العبد لان ثمن المقبوض لم يسلم له فينتقض قبضه ويبقى الثمن في ذمته على حاله ولو كان مال المولى ذلك شيأ بعينه من العروض والمكيل والموزون سوى الدراهم والدنانير كان كذلك الا أن المولى إذا أخذه انتقض شراء العبد به لان العبد تعلق بعين ما أضيف إليه فصار قبضه مستحقا بالعقد فإذا فات القبض المستحق فيه باستحقاق المولى بطل العقد بخلاف الاول وإذا دفع إلى غلامه مالا وأمره أن يخرج به إلى بلد كداو يدفعه إلى فلان فيشترى به البر ثم يدفعه إليه حتى يأتي به مولاه ففعله لم يكن هذا اذنا له في التجارة لانه استخدمه حين أمره بحمل المال إليه ولم يفوض شيئا من العقود إلى رأيه وانما جعل الشراء به إلى فلان ثم العبد يأتيه بما يشتريه فلان له فيكون هذا استخداما وارسالا لا اذنا له في التجارة ولو دفع إلى عبده أرضا له بيضاء فأمره أن يشترى طعاما فيزرعها ويتقبل الاجراء فيها فيكريون أنهارها ويسقون زروعها ويكربونها ويؤدى خراجها فهذا اذن منه في التجارة لانه فوض نوعا من العقد إلى رأيه وقصد تحصيل الربح و المال بتصرفه ورضى بتعلق ثمن الطعام وأجرة الاجراء بمالية رقبته فيكون به مأذونا له في التجارة ولو أمره أن يبيع له ثوبا واحدا يريد بذلك الربح و التجارة فهو اذن له في التجارة لانه فوض الامر إلى رأيه باختيار من يعامله في عقد هو تجارة وكان قصده من ذلك تحصيل الربح وصار راضيا بالتزام العهدة في مالية رقبته ولو قال قد أذنت لك في التجارة يوما واحدا فإذا مضى رايت رأيا فهو مأذون له في التجارة أبدا حتى يحجر عليه في أهل سوقه لان فك الحجر لا يقبل التخصيص بالوقت كما لا يقبل التخصيص بالمكان ولو قال أذنت لك في التجارة في هذا الحانوت كان مأذونا له في جميع المواضع وهذا لان الفك أنواع ثلاثه نوع هو لازم تام كالا عتاق ونوع هو لازم غير تام كالكتابة ونوع هو غير لازم ولا تام كالاذن له في التجارة فكما أن النوعين الا آخرين لا يقبلان التخصيص بالزمان و المكان فكذلك هذا النوع ثم تقييد هذا الاذن بوقت كتقييده بنوع وقد بينا أن الاذن في نوع خاص يكون اذنا في جميع التجارات وكذلك الا ذن في يوم أو ساعة يكون اذنا في جميع الايام ما لم يحجر عليه في أهل سوقه وكذلك لو قال أذنت لك في التجارة في هذا
[ 18 ] الشهر فإذا مضى هذا الشهر فقد حجرت عليك فلا تبيعن ولا تشترين بعد ذلك فحجره هذا باطل لانه أضاف الحجر إلى وقت منتظر وذلك غير صحيح كما لو قال لعبده المأذون قد حجرت عليك راس الشهر فانه يكون باطلا و هذا لانه انما يحتمل الاضافة إلى وقت ما يحتمل التعليق بالشرط والحجر لا يحتمل التعليق بالشرط فانه لو قال ان كلمت فلانا فقد حجرت عليك كان هذا باطلا فكذلك لا يحتمل الاضافة الي وقت وفرق بين هذا وبين الاذن لانه لو قال لعبده المحجور إذا كان رأس الشهر فقد أذنت لك في التجارة فهو كما قال ولا يكون مأذونا حتى يجئ رأس الشهر لان ذلك من باب الاطلاق والا طلاقات تحتمل الاضافة و التعليق بالشرط لان في اطلاق معنى اسقاط حقه عن مالية رقبته فيكون نظير الطلاق و العتاق فأما الحجر فمن باب التقييد لانه رفع للاطلاق وهو في المعنى احراز لماليه رقبته حتى لا يصير مستهلكا عليه بما يلحقه من الدين بعد ذلك فيكون في معنى التمليك لا يحتمل الاضافة إلى الوقت والتعليق بالشرط أو يجعل الحجر بمنزلة الرجعة بعد الطلاق وبمنزلة عزل الوكيل وعزل الوكيل لا يحتمل التعليق بالشرط في الاضافة إلى وقت بخلاف التوكيل وإذا أجر الرجل عبده من رجل فليس هذا باذن منه له في التجارة لانه اما يؤاجره للاستخدام ولو استخدمه لنفسه لا يصير به مأذونا فكذلك إذا أجره من غيره للخدمة ولو أجره منه كل شهر باجر معلوم على أن يبيع له البر ويشتريه جازت الاجارة لان المعقود عليه منافعه في المدة وهى معلومة فصار العبد مأذونا له في التجارة لانه رضى بتجارته والتزامه العهدة لسبب التجارة فما لزمه من دين فيما اشترى للمستأجر رجع به عليه لانه في التصرف له نائب كالوكيل فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وما لزمه من دين فيما اشترى لنفسه فهو في رقبته يباع فيه أو يفديه مولاه لان في هذا يتصرف لنفسه لا للمستأجر الا أن يقضى المولى عنه وللمكاتب أن يأذن لعبده في التجارة فكذلك المأذون له أن يأذن لعبده في التجارة سواء كان عليه دين أولم يكن لان كل واحد منهما متصرف لنفسه بفك الحجر عنه ثم الاذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به التجار تحصيل المال فيملك المأذون والمكاتب ذلك وكذلك الشريك شركة عنان له أن يأذن لعبد من شركتهما في التجارة وهو جائز على شريكه لانه من عمل التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه فيما هو من عمل التجارة وكذلك المضارب له ان يأذن لعبد من المضاربة في التجارة لانه فوض إلى المضارب ما هو من عمل التجارة في المال المدفوع إليه والاذن في التجارة من عمل التجارة واختلف
[ 19 ] مشايخنا رحمهم الله في فصل وهو ان المضارب في نوع خاص إذا أذن لعبد من المضاربة في التجارة ان العبد يصير مأذونا له في جميع التجارات أم في ذلك النوع خاصة فمهم من يقول يصير مأذونا له في ذلك النوع خاصة لانه انما استفاد الاذن من المضارب والمضارب لا يملك التصرف الا في ذلك النوع لان المضاربة تقبل التخصيص فكذلك المأذون من جهته (قال رضى الله عنه) والاصح عندي أن يكون مأذونا في التجارات كلها لان السبب في حقه فك الحجر وهو لا يقبل التخصيص والعبد متصرف لنفسه فان كان الآذن له مضاربا لا يرجع بالعهدة على المضارب ولا على رب المال لان المضارب نائب يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال ورب المال لم يرض برجوعه عليه لعهدة نوع آخر من التصرف فاما هذا العبد فلا يرجع بالعهدة على رب المال فهو والمأذون من جهة مولاه سواء (ألا ترى) ان عبد المضاربة لو جنى جناية لا يكون للمضارب أن يدفعه بغير اختيار رب المال ولو أن عبدا لهذا العبد المأذون جنى جناية كان له أن يدفعه بجنايته بغير محضر من المضارب ولا من رب المال ويجعل فيه كالمأذون من جهة مولاه فهذا مثله وإذا أمر الرجل عبده بقبض غلة دار أو امره يقبض كل دين له على الناس أو وكله بالخصومة منه في ذلك فليس هذا باذن له في التجارة فكذلك ان أمره بالقيام علي زرع له أو أرض أو على عمال في بناء داره أو ان يحاسب غرماءه أو ان يقاضي دينه عن الناس ويؤدى منه خراج أرضه أو يقضى عليه دينا لم يكن هو مأذونا له في التجارة بشئ من ذلك لان ما أمره به من نوع الاستخدام لان من نوع التجارة فانه ما فوض شيأ من عقود التجارة إلى رأيه ولا رضي منه باكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته فلا يصير به مأذونا * فان قيل لا كذلك ففى القبض اكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته لو ظهر أن المقبوض مستحق * قلنا نعم ولكن تعلق الدين بمالية رقبته بهذا السبب لا يتوقف على اذن المولى به فان العبد المحجور إذا قبض مالا من انسان فهلك في يده ثم استحق كان ذلك المال دينا في ذمته ويتعلق بمالية رقبته وانما الاذن ان يرضى المولى بتعلق الدين بماليه رقبته بسبب لو لا اذنه لم يتعلق ذلك الدين بمالية رقبته ولو أمره بقرية له عظيمة أن يؤاجر أرضها ويشترى الطعام ويزرع فيها ويبيع الثمار فيؤدى خراجها كان اذنا له في جميع التجارات لانه فوض الامر إلى رأيه في أنواع من التجارات ورضى بتعلق الديون التى تلزمه بتلك التجارات بمالية رقبته فيصير به مأذونا له في التجارات ولو قال لعبده اشتر لى البر أو الطعام أو قال اشتر لفلان البر أو الطعام فهذا اذن له في التجارة لانه
[ 20 ] رضى بتجارته وتعلق الدين بمالية رقبته سواء أضاف ذلك إلى نفسه أو إلى غيره أو إلى العبد بان يقول اشتر لنفسك وكذلك لو كان العبد صغيرا الا انه يعقل البيع والشراء في جميع ذلك وهذا عندنا وبيان هذه المسألة في الباب الذى يلى هذا في تصرفات الصبي حرا كان أو عبدا وكذلك اذن القاضى لعبده اليتيم في التجارة لان للقاضى ولاية التجارة في مال اليتيم كما للاب ذلك وللوصي ثم اذنهما في التجارة لعبد الصبي صحيح فكذلك اذن القاضى وان قال القاضى للعبد اتجر في الطعام خاصة فاتجر في غيره فهو جائز بمنزلة اذن المولى وهذا لانه ناب عن الصبي في ذلك ولو كان المولى بالغا فقال لعبده اتجر في البر خاصة كان له أن يتجر في جميع التجارات فكذلك إذا أذن له القاضى في ذلك وهذا لان الاذن من القاضى ليس على وجه القضاء لانه يملك رفعه بالحجر عليه فهو في ذلك كغيره وكذلك لو قال له القاضى اتجر في البر خاصة ولا تتعد إلى غيره فانى قدحجرت عليك أن تعدوه إلى غيره فهو مأذون له في جميع التجارات وقول القاضى ذلك باطل لان تقييد الاذن بنوع كان باطلا فقوله بعد ذلك فانى قد حجرت عليك أن تعدوه إلى غيره حجر خاص في اذن عام أو حجر معلق بشرط أن لا يعدوه إلى غيره وذلك باطل فان دفع هذا العبد الي القاضي وقد اتجر في غير ما أمر به فلحقه من ذلك دين فابطله القاضى وقضى بذلك على الغرماء ثم رفع إلى قاض آخر أمضى قضاءه وأبطل دينهم لانه أمضي فصلا مجتهدا فيه بقضائه وبين العلماء اختلاف ظاهر في ان الاذن في التجارة هل يقبل التخصيص وقضاء القاضى في المجتهدات نافذ وليس لاحد من القضاة أن يبطله بعد ذلك وهذا بخلاف أمره اياه في الابتداء أن لا يتصرف الا في كذا لان ذلك الامر ليس بقضاء لان القضاء يستدعي مقضيا له ومقضيا عليه ولم يوجد ذلك عند الامر فاما قضاؤه بابطال ديون الغرماء بعد ما لحقه فقضاء صحيح منه لوجود المقضى له والمقضى عليه فلا يكون لاحد من القضاة أن يبطله بعد ذلك وهو نظير مالو حجر القاضى على سفيه فان حجره لا يكون قضاء منه حتى أن لغيره من القضاة أن يبطل حجره ولو تصرف هذا السفيه بعد الحجر فرفع تصرفه إلى القاضى فابطله كان هذا قضاء صحيحا منه حتى لا يكون له ولا لغيره من القضاة أن يصحح ذلك التصرف بعد ذلك والله أعلم بالصواب (باب الاذن للصبي الحر والمعتوه) (قال رحمه الله) وإذا أذن الرجل لا بنه الصغير في التجارة أو في جنس منها وهو
[ 21 ] يعقل البيع والشراء فهو مأذون له في التجارات كلها مثل العبد المأذون عندنا وقال الشافعي رحمه الله الاذن له في التجارة باطل إذا كان صغيرا أو معتوها حرا كان أو مملوكا وأصل المسألة ان عبارته صالحة للعقود الشرعية عندنا فيما يتردد بين المنفعة والمضرة وعنده هي غير صالحه حتى لو توكل بالتصرف عن الغير نفذ تصرفه عندنا ولم ينفذ عنده احتج بقوله تعالى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فقد شرط البلوغ وايناس الرشد لجواز دفع المال إليه وتمكينه من التصرف فيه فدل انه ليس باهل للتصرف قبل ذلك قال تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما والمراد الصبيان والمجانين انه لا يدفع إليهم أموالهم بدليل قوله تعالى وارزقوهم فيها واكسوهم فالا ذن له في التجارة لا ينفك عن دفع المال إليه ليتجر فيه والمعنى فيه انه غير مخاطب فلا يكون أهلا للتصرف كالذى لا يعقل وهذا لان التصرف كلام وانما تبنى الاهلية على كونه أهلا لكلام ملزم شرعا وذلك ينبنى على الخطاب (ألا ترى) أنه لعدم الخطاب بقى مولى عليه في هذه التصرفات ولو صار باعتبار عقله أهلا لمباشرتها لم يبق مولى عليه فيها لان كونه مولى عليه لعجزه عن المباشرة لنفسه والاهلية للتصرف آية القدرة وهما متضادان فلا يجتمعان * يوضحه ان اعتبار عقله مع النقصان لاجل الضرورة وانما تتحقق هذه الضرورة فيما لا يمكن تحصيله بوليه فجعل عقله في ذلك معتبرا ولهذا صحت منه الوصية باعمال البر وخيرته بين الابوين ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله بوليه فلا حاجة إلى اعتبار عقله فيه ولان ما به كان محجورا عليه لم يزل بالاذن فان الحجر عليه لا جل الصبا أو لنقصان عقله لا لحق الغير في ماله إذ لاحق لاحد في ماله وهذا المعنى بعد الاذن قائم والدليل عليه أن للمولي أن يحجر عليه فلو زال سبب الحجر باذن الولى لم يكن له الحجر عليه بعد ذلك وهذا بخلاف العبد فان الحجر هناك لحق المولى في كسبه ورقبته وبالاذن صار المولى راضيا بتصرفه في كسبه وبخلاف السفيه فالحجر عليه لمكابره عقله وذلك ليس بوصف لازم ولا يجوز الا ذن له الابعد زواله الا أن اذن القاضى اياه دليل زواله * وحجتنا في ذلك قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح والابتلاء هو الامتحان بالاذن له في التجارة ليعرف رشده وصلاحه فلو تصرف بدون مباشرتهم لا يتم به معنى الابتلاء ثم علق الزام دفع المال إليه بالبلوغ وذلك عبارة عن زوال ولاية الولى عنه وبه نقول ان ذلك لا يثبت ما لم يبلغ وقال تعالى وآتوا اليتامى أموالهم واسم اليتيم حقيقة يتناول الصغير فعرفنا أن دفع المال إليه وتمكينه
[ 22 ] من التصرفات جائز إذا صار عاقلا والمراد بقوله ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الذين لا يعقلون أو المراد النساء وهو أن الرجل يدفع المال لزوجته ويجعل التصرف فيه إليها وذلك منهى عنه عندنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبى سلمة قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن سبع سنين ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن جعفر يبيع لعب الصبيان في صغره فقال بارك الله لك في صفقتك فقد مكن الصبي من التصرف فدل ان عبارته صالحة لذلك والمعنى فيه انه محجور اذن وليه له وعرفه فينفذ تصرفه كالعبد وهذا لانه مع الصغر أهل للتصرف إذا كان عاقلا لانه مميز والاهلية للتصرف بكونه متكلما عن تمييز وبيان لاعن تلقين وهذيان وقد صار مميزا الا ان الحجر عليه لدفع الضرر عنه ولهذا سقط عنه الخطاب لان في توجيه الخطاب عليه اضرارا به عاجلا (ألا ترى) أنه جعل أهلا للنوافل من الصلوات والصيام لانه لا ضرر عليه في ذلك ولو توجه عليه الخطاب ربما لا يؤدى للحرج ويبقي في وباله وهذا لان الصبي يقرب من المنافع ويبعد من المضار فان الصبا سبب للمرحمة واعتبار كلامه في التصرف محض منفعة لان الآدمى باين سائر الحيوانات بالبيان وهو من أعظم المنافع عند القعلاء وهذه منفعة لا يمكن تحصيلها له برأى المولى ولهذا صح منه من التصرفات ما يتمحض منفعة وهو قبول الهبة والصدقة فاما ما يتردد بين المنفعة والمضرة فيعتبر فيه انضمام رأى إلى رأيه لتوفير المنفعة عليه فلو نفذنا ذلك منه قبل الا ذن ربما يتضرر به ويزول هذا المعنى بانضمام رأى الولى إلى رأيه ولهذا لو تصرف قبل اذن الولى فاجازه الولى جاز عندنا وهذا لانه يتردد حاله بين أن يكون ناظرا في عاقبة أمره بما أصاب من العقل وبين أن لا يكون ناظرا في ذلك بنقصان عقله ولا يحل للولى أن يأذن له شرعا ما لم يعرف منه حسن النظر في عاقبه الامر فكان اذن الولى له دليل كمال عقله أو حسن نظره في عاقبة أمره كاذن القاضى للسفيه بعد الحجر عليه أو فيه توفير المنفعة عليه حين لزم التصرف بانضمام رأى الولى إلى رأيه فإذا اعتبرنا عقله في هذا الوجه اتسع توفير طريق المنفعة عليه لانه يحصل له منفعة التصرف بمباشرته وبمباشرة وليه وذلك أنفع له من أن يسد عليه أخذ الناس ويجعل لتحصيل هذه المنفعة طريقا واحد الا ان نظره في عاقبة الا مر ووفور عقله متردد قبل بلوغه فلا عتبار وجوده ظاهرا يجوز للولي أن يأذن له ولتوهم القصور فيه يبقى ولاية الولى عليه ويتمكن من الحجر عليه بعد ذلك وهو كالسفيه فان القاضى بعدما أطلق عنه الحجر
[ 23 ] إذا أراد أن يحجر عليه جاز ذلك لهذا المعنى إذا عرفنا هذا فنقول اقراره بعد اذن الولى له بعين أو دين لغيره صحيح لانه صار منفك الحجر عنه بالاذن فهو كما لو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ وهذا اشكال الخصم علينا فانه يقول اقرار الولى عليه باطل فكيف يستفيد هو باذن الولى مالا يملك الولى مباشرته ولكنا نقول الولى انما لا يملك مباشرته لانه لا يتحقق ذلك منه فالاقرار قول من المرء على نفسه وما ثبت على الغير فهو شهادة واقرار الولى على الصبي قول على الغير فيكون شهادة وشهادة الفرد لا يكون حجة فأما قوله بعد الاذن اقرار منه على نفسه وهو من صنيع التجار ومما لا تتم التجارة الا به لان الناس إذا علموا ان اقراره لا يصح يتحرزون عن معاملته فمن يعامله لا يتمكن من أن يشهد عليه شاهدين في كل تصرف فلهذا جاز اقراره في ظاهر الرواية وكما يجوز اقراره فيما اكتسبه يجوز فيما ورثه عن أبيه وفي رواية الحسن عن أبى حنيفة لا يجوز اقراره فيما ورثه عن أبيه لان صحة اقراره في كسبه لحاجته إلى ذلك في التجارات وهذه الحاجة تنعدم في الموروث من أبيه * وجه ظاهر الرواية ان انفكاك الحجر عنه بالاذن في حكم اقراره بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ بدليل صحة اقراره فيما اكتسبه فكذلك فيما ورثه لان كل واحد من المالين ملكه وهو فارغ عن حق الغير وهذا لانه إذا انضم رأى الولى إلى رأيه التحق بالبالغ ولهذا نفذ أبو حنيفة رحمه الله تصرفه بعد الاذن في الغبن الفاحش على ما نبينه في موضعه فكذلك في حكم الاقرار يلتحق بالبالغ ثم صحة الاذن له من وليه ووليه أبوه ثم وصى الاب ثم الجد أب الاب ثم وصيه ثم القاضى أو وصي القاضى فأما الام أو وصى الام فلا يصح الاذن منهم له في التجارة لانه غير ولى له في التصرفات مطلقا بل هو كالاجنبي الا فيما يرجع إلى حفظه ولهذا لا يملك بيع عقاره والاذن في التجارة ليس من الحفظ فلهذا لا يملكه ولو أقر الصبي المأذون بغصب أو استهلاك في حال اذنه أو أضافه إلى ما قبل الاذن جاز اقراره بذلك لان ضمان الغصب والاستهلاك من جنس ضمان التجارة ولهذا صح اقراره به من العبد المأذون وكان مؤاخذا به في الحال وانفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بعد البلوغ انه فعل شيئا من ذلك في صغره كان مؤاخذا به في الحال فكذلك إذا أقر بعد الاذن ولو كاتب هذا الصبى مملوكه لم يجز لانه منفك الحجر عنه في التجارة والكتابة ليست من عقود التجارة (ألا ترى) ان العبد المأذون لا يملكها ولا يقال فالاب والوصي يملك الكتابة في عبد الصبى وهذا لان تصرفهما مقيد بشرط النظر ويتحقق
[ 24 ] في الكتابة النظر وأما تصرف الصبى بعد الاذن فمقيد بالتجارة والكتابة ليست بتجارة ولهذا لا يملك الصبي المأذون تزويج أمته في قول أبى حنيفة ومحمد وان كان الاب والوصى يملكان ذلك وأما تزويج العبد فلا يملكه الصبي لانه ليس بتجارة ولا يملك أبوه ووصيه لانه ليس فيه نظر للصبي بل فيه تعيب العبد والزام المهر والنفقة عليه من غير منفعة للصبي فيه وكذلك لو كبر الصبي فأجازه لم يجز لانه انما يتوقف على الاجازة ماله مجيز حال وقوعه ولا مجيز لهذا التصرف حال وقوعه فتعين فيه جهة البطلان وكذلك العتق على مال لا يصح من الصبى لانه ليس من التجارة ولا من الولى لانه لا منفعة للصبي في ذلك بل فيه ضرر به من حيث انه يزول ملكه في الحال ببدل في ذمة مفلسه ولو أجازه الصبي بعد الكبر لم يجز لانه لا مجيز له عند وقوعه وكذلك لو فعله أجنبي بخلاف مالو زوج الأجنبي أمته أو كاتب عبده فأجازه الصبي بعد ما كبر فهو جائز لان لهذا التصرف مجيزا حال وقوعه وهو وليه والولى في الاجازة ناظر له فإذا صار من أهل أن يستبد بالنظر لنفسه نفذ باجازته وهذا هو الاصل فيه ان كل شئ لا يجوز للاب والوصي أن يفعلاه في مال الصبى فإذا فعله أجنبي فأجازه الصبي بعدما كبر فهو جائز لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وهذه التصرفات تنفذ بالاذن في الاتبداء ممن قام رأيه مقام رأى الصبي فينفذ بالاجازة في الانتهاء من ذلك الآذن أو من الصبي بعدما كبر لانه هو الاصل في هذا النظر ولو زوج هذا الصبى عبده أمته أو فعل ذلك أبوه أو وصيه لم يجز عندنا خلافا لزفر وقد بيناه في كتاب النكاح قال (ألا ترى) أن الامة لو بيعت فاعتقت لحق العبد نفقتها فدل على انه لا ينفك عن معني الضرر في حق الصبي ويستوى في ذلك ان كان على الصبي دين أولم يكن لان الدين في ذمته وولاية الولي عليه لاتتعين بلحوق الدين اياه بخلاف العبد ولو كان للصبي امرأة فخلعها أبوه أو أجنبي أو طلقها أو أعتق عبده ثم أجاز الصبي بعد ما كبر فهو باطل لانه لا مجيز لهذا الصترف عند وقوعه فالطلاق والعتاق محض ضرر عاجل في حقه فلا يعتبر فيه عقله ولا ولايه الولى عليه لان ثبوت الولاية عليه لتوفير المنفعة له لا للاضرار به وإذا قال حين كبر قد أوقعت عليها الطلاق الذى أوقع عليها فلان أو قد أوقعت على العبد ذلك العتق الذى أوقعه فلان وقع الطلاق والعتاق لان هذا اللفظ ايقاع مستقبل (ألا ترى) أنه يملك الايقاع ابتداء بهذا اللفظ فيكون اضافته إلى أوقع فلان لتعريف العدد والصفة لا أن يكون أصل الايقاع من فلان لكنه من الموقع في الحال
[ 25 ] وهو من أهله بخلاف الاجازة منه فان الاجازة تقيد للتصرف الذى باشره فلان (ألا ترى) أن ايقاع الطلاق والعتاق بلفظ الاجازة منه لا يصح ابتداء وقد تعينت جهة البطلان فيما باشره قبل بلوغه فاجازته لذلك بعد البلوغ تكون لغوا وإذا باع الصبى وهو يعقل البيع عبدا من رجل بألف درهم وقبض الثمن ودفع العبد ثم ضمن رجل للمشترى ما أدركه في العبد من درك فاستحق العبد من يد المشترى فان كان الصبي مأذونا رجع المشترى بالثمن ان شاء على الصبي وان شاء على الكفيل لان الكفالة التزام المطالبة بما على الاصيل فالصبي المأذون مطالب بضمان الدرك عند الاستحقاق فيصح التزام الكفيل عنه ذلك ويتخير المشترى فان رجع على الكفيل رجع الكفيل على الصبي ان كان كفل بامره لان هذه الكفالة تبرع على الصبي لا منه وهو في التبرع عليه كالبالغ وأمر الغير بالكفالة معتبر إذا كان مأذونا بمنزلة استقراضه وان كان الصبي محجورا عليه فالضمان عنه باطل لانه غير مطالب بضمان الاستحقاق فالكفيل عنه التزم مالا مطالبة عليه فيه فلهذا لا يجب على الكفيل شئ ولا على الصبي أيضا ان كان الثمن قد هلك في يده أو استهلكه لان فعله كان بتسليط صحيح من المشترى حين سلم الثمن إليه وان كان قائما بعينه في يده أخذ المشترى لانه وجد عين ماله وان كان الرجل ضمن للمشترى في أصل الشراء أو ضمنه قبل أن يدفع المشترى الثمن إلى الصبي ثم وقع الثمن على لسان الكفيل ثم استحق العبد من يده فالضمان جائز ويأخذ المشترى الكفيل بالثمن لان المشترى انما سلم الثمن إلى الصبي على ان الكفيل ضامن له فتسليمه على هذا الشرط صحيح لان الكفيل ملتزم لهذا الضمان وهو من أهله بخلاف الاول فهناك الدفع حصل على ان الصبى ضامن له والصبي المحجور ليس من أهل التزام هذا الضمان ثم الكفيل بعد ذلك التزم مطالبة ليست على الاصيل فكان باطلا (ألا ترى) أن رجلا لو قال لرجل ادفع إلى هذا الصبى عشرة دراهم ينفقها على نفسه على انى ضامن لها حتى أردها عليك والصبي محجور عليه ففعل كان ضمانها على الكفيل ولو كان دفع الدراهم أولا إلى الصبي وأمره أن ينفقها على نفسه ثم ضمنها له رجل بعد الدفع كان ضمانه باطلا والفرق ما بينا وإذا اشترى الصبي المأذون عبدا فأذن له في التجارة فهو جائز لان الاذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به تحصيل الربح ولهذا صح من العبد المأذون فكذلك من الصبي المأذون وكذلك لو أذن له أبوه أو وصيه في التجارة لان تصرفهما في كسبه وان مأذونا صحيح بمنزلة البيع والشراء سواء كان على الصبي دين أولم يكن لان
[ 26 ] دين الحرفى ذمته لا تعلق له بماله بخلاف دين المأذون فانه يتعلق بكسبه ويصير المولى من التصرف في كسبه كأجنبي آخر إذا كان الدين مستغرقا واذن القاضى أو الوالى الذى استعمل القاضي لعبد الصبي في التجارة صحيح منزلة اذنه للصبى لانه ولاية التصرف عليه فيما يرجع إلى النظر له ثابت عند عدم الاب والوصي للقاضى أو الوالي واذن أمير الشرط ومن لم يول القضاء له في ذلك باطل لانه لا ولاية لهؤلاء عليه في التصرف في نفسه وماله والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي في جميع ذلك لانه مولى عليه كالصبي ولكنه يعقل التصرف وفي اعتبار عقله توفير المنفعة عليه كما قررنا في الصبي وهذا بخلاف التخيير بين الابوين فانه لا يعتبر عقل الصبي في ذلك عندنا لان الظاهر انه يختار ما يضره لانه يميل إلى من لا ينفعه ولا يؤاخذه بالآداب فلم يكن في هذا التخيير توفير المنفعة عليه ولهذا لا يعتبر عقله في باب الوصية لان الوصية ليست من التصرفات التى فيها المنفعة له باعتبار الوضع بل هو نظير الهبة في حياته وان كان المعتوه لا يعقل البيع والشرء فأذن له أبوه أو وصيه في التجارة لا يصح لانه بمنزلة الصبي الذى لا يعقل يتكلم عن هذيان لاعن بيان ولو أذن للمعتوه الذى يعقل البيع والشراء في التجارة ابنه كان باطلا لانه لا ولاية للابن على الاب في التصرف في ماله وقد بينا ان الاذن في التجارة لا يصح ممن لا يثبت له ولايه التصرف مطلقا وعلى هذا لو أذن له أخوه أو عمه أو واحد من أقربائه سوى الاب والجد فاذنه باطل لما قلنا (باب الحجر على الصبي والعبد والمعتوه) (قال رحمه الله) إذا باع العبد المأذون له في التجارة واشترى فلحقه دين أولم يلحقه ثم أراد مولاه أن يحجر عليه فليس يكون الحجر عليه الا في أهل سوقه عندنا وقال الشافعي صحيح وان لم يعلم به أحد من أهل سوقه وهو بناء على مسألة الوكالة ان عزل الوكيل لا يصح الا بعلمه عندنا وعنده يصح بغير علمه فكذلك الحجر على العبد عنده يصح بغير علم العبد وبغير علم أهل السوق له لان الاذن عنده انابة كالتوكيل وهذا لان المولى يتصرف في خالص حقه فلا يتوقف تصرفه على علم الغير به ولان الاذن لا يتعلق به اللزوم فلولم يملك الحجر عليه الا في أهل سوقه لثبت به اللزوم من وجه ثم الاذن صحيح وان لم يعلم به أهل سوقه فكذلك الحر الذى يرفعه وعزل الوكيل صحيح بعلمه وان لم يعلم به من يعامله فكذلك
[ 27 ] الحجر على العبد ولكنا نشترط علم أهل السوق لدفع الضرر والغرور عنهم فان الاذن عم وانتشر فيهم فهم يعاملونه بناء على ذلك فلو صح الحجر بغير علمهم تضرروا به لان العبد ان اكتسب ربحا أخذه المولى وان لحقه دين أقام البينة ان كان قد حجر عليه فتتأخر حقوقهم إلى ما بعد العتق ولا ندرى أيعتق أم لا ومتى يعتق والمولى بتعميم الاذن يصير كالفارلهم فلدفع الضرر قلنا لا يثبت الحجر ما لم يعلم به أهل سوقه ثم هو بالحجر يلزمهم التحرز عن معاملته والخطاب الملزم للغير لا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم به كخطاب الشرع (ألا ترى) ان أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الامر باستقبال الكعبة وجوز لهم ذلك لانهم لا يعلمون به وهذا لانه لا يتمكن من الائتمار الا بعد العلم به الا ان في الوكالة شرطنا علم الوكيل لدفع الضرر عنه ولا يشترط علم أهل السوق لانه لا ضرر عليهم في العزل فان تصرفهم معه نافذ سواء كان وكيلا أولم يكن ثم الحجر رفع الاذن وانما يرفع الشئ ما هو مثله أو فوقه فإذا كان الاذن منتشر الا يرفعه الا حجر منتشر وكان ينبغى أن يشترط اعلام جميع الناس بذلك الا ان ذلك ليس في وسع المولى والتكليف ثابت بقدر الوسع والذى في وسعه اشهار الحجر بان يكون في أهل سوقه لان أكثر معاملاته مع أهل سوقه وما ينتشر فيهم يصل خبره إلى غيرهم عن قريب فان حجر عليه في بيته ثم باع العبد أو اشترى ممن قد علم بذلك فبيعه وشراؤه جائز لان شرط صحة الحجر التشهير ولم يوجد فلا يثبت حكمه في حق من علم به كما لا يثت في حق من لم يعلم به وهذا لان الحجر لا يقبل التخصيص كالاذن ولم يمكن اثباته في حق من لم يعلم به فلو ثبت في حق من علم به كان حجرا خاصا وذلك لا يكون (ألا ترى) انه لو أذن له في أن يشترى ويبيع من قوم باعيانهم ونهاه عن آخرين فبايع الذين نهاه عنهم كان جائزا وهذا بخلاف خطاب الشرع فان حكمه ثبت في حق من علم به لان الخطاب مما يقبل التخصيص وكل واحد من المخاطبين الحكم في حقه كانه ليس معه غيره وإذا أتى المولي بعبده إلى أهل سوقه فقال قد حجرت على هذا فلا تبايعوه كان هذا حجرا عليه لان المولي أتى بما في وسعه وهو تشهير الحجر فيقام ذلك مقام علم جميع أهل السوق به بمنزلة الخطاب بالشرائع فان الذمي إذا أسلم ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه حتى مضى زمان يلزمه القضاء لاشهار حكم الخطاب في دار الاسلام والحربي إذا أسلم في دار الاسلام لا يلزمه القضاء ما لم يعلم لان حكم الخطاب غير منتشر في دار الحرب ثم المولي قد أنذرهم بما أتى به من الحجر عليه في أهل سوقه وقد أعذر من أنذر فيخرج به من أن يكون
[ 28 ] غارا لهم أو مضرابهم بعد ذلك ولكن هذا إذا كان بمحضر الا كثر من أهل سوقه فان كان انما حضر ذلك من أهل سوقه رجل أو رجلان لم يكن ذلك حجر حتى يحضر الاكثر من أهل سوقه لان المقصود ليس عين السوق (ألا ترى) أنه لو أتى به إلى سوقه ليلا وجعل ينادى قد حجرت على هذا لم يكن ذلك معتبرا فعرفنا أن المقصود علم أهل السوق وليس في وسعه اعلام الكل فيقام الاكثر مقام الكل فإذا حضر ذلك الاكثر من أهل سوقه يجعل ذلك كحضور جماعتهم فثبت حكم الحجر في حق من علم به وفي حق من لم يعلم به وان لم يحضر ذلك أكثر أهل السوق جعل كانه لم يحضر أحد منهم (ألا ترى) انه لو دعا برجل من أهل سوقه إلى بيته وحجر عليه بمحضر منه لم يكن حجرا ولو دعا إلى منزله جماعة من أهل سوقه فأشهدهم انه قد حجر عليه كان حجرا وهذا لان ما يكون بمحضر من الجماعة قل ما يخفى فاما ما يكون بمحضر الواحد والمثنى فقد يخفى على الجماعة وشرط صحة الحجر تشهيره فإذا كان عند جماعة من أهل سوقه فقد وجد شرطه ولو خرج العبد إلى بلد للتجارة فأنى المولى أهل سوقه فأشهدهم انه قد حجر عليه والعبد لا يعلم بذلك لم يكن هذا حجرا عليه لانه انما خرج ليعامل غير أهل سوقه فباعلام اهل السوق لايتم معنى دفع الضرر والغرور ولان علم العبد بالحجر شرط لثبوت حكم الحجر في حقه كعلم الوكيل بالغرور وهذا لان العبد يتضرر لصحه الحجر عليه قبل علمه لانه يتصرف على أن يقضى ديونه من كسبه ورقبته فإذا لحقه دين وأقام المولى البينة انه قد كان حجر عليه تأخر ديونه إلى عتقه وبعد العتق يلزمه أداؤها من خالص ماله وفيه من الضرر عليه ما لا يخفى وكذلك لو كان العبد في المصر ولكنه لم يعلم بالحجر فليس هذا بحجر عليه بل ينفذ تصرفه مع أهل سوقه ومع غيرهم ما لم يعلم بالحجر فإذا علم العبد بذلك بعد يوم أو يومين فهو محجور عليه حين علم وما اشترى وباع قبل أن يعلم فهو جائز لان شرط صحة الحجر علمه به فكل تصرف سبق ما هو شرط الحجر فهو كالتصرف الذى سبق الحجر وكل تصرف كان بعد علمه بالحجر فهو باطل لان دفع الضرر والغرور قد حصل بعلمه بالحجر فان كان المولى يراه يشترى ويبيع بعدما حجر عليه قبل أن يعلم به العبد فلم ينهه ثم علم به العبد فباع أو اشترى بعد علمه فالقياس في هذا أن يكون محجورا وأن لا تكون رؤيته اياه يبيع ويتشرى اذنا مستقبلا لانه كان مأذونا على حاله حين راه يشترى ويبيع والسكوت عن النهى دليل الرضا فانما يعتبر ذلك في حق من لا يكون مأذونا لرفع الحجر به فاما في حق من هو مأذون فسكوته
[ 29 ] عن النهى وجودا وعد ما بمنزلته ولكنه استحسن وجعل ذلك اذنا من المولى له في التجارة وابطالا لما كان اشهد به من الحجر لان الحجر كان موقوفا على علم العبد به والحجر الموقوف دون الحجر النافذ ثم رؤيته تصرف العبد وسكوته عن النهى لما كان رافعا للحجر النافذ الذى قد علمه العبد فلان يكون رافعا للحجر الموقوف أولى وهذا لان السكوت بمنزلة الاذن الصريح ولو قال بعد ذلك الحجر قد أذنت لك في التجارة كان هذا اذنا مبطلا لذلك الحجر الموقوف فكذلك إذا سكت عن النهى فان ذلك الحجر كان لكراهة تصرفه والسكوت عن النهى بعد الرؤية دليل الرضا بتصرفه والرضا بعد الكراهة كامل وإذا أذن له في التجارة ولم يعلم بذلك أحد سوى العبد حتى حجر عليه بعلم منه بغير محضر من أهل سوقه فهو محجور عليه لوصول الحجر إلى من وصل إليه الاذن وهو العبد فبه تبين أن الحجر مثل الاذن والشئ يرفعه ما هو مثله ثم اشتراط علم أهل السوق بالحجر كان لدفع الضرر والغرور عنهم وذلك المعنى لا يوجد هنا لا نهم لم يعلموا بالاذن ليعاملوه بناء على ما علموه فان علم بعد ذلك أهل سوقه باذنه ولم يعلموا بالحجر عليه فالحجر صحيح لانه لما كان الحجر قبل علمهم بالاذن فقد بطل به حكم ذلك الاذن وانما علموا بعد ذلك باذن باطل بخلاف مالو علموا بالاذن قبل قول المولي حجرت عليه ولكنهم لم يعاملوه حتى كان الحجر من المولي عليه لان الحجر ههنا باطل ما لم يعلم به أهل سوقه لان الاذن قد انتشر فيهم حين علموا به فلا يبطله الا حجر منتشر فيهم ولو لم يعلم بالاذن غير العبد ثم حجر عليه والعبدلا يعلم به فاشترى وباع كان مأذونا والحجر باطل لانه ما وصل الحجر إلى من وصل إليه الاذن وهو العبد وهو نظير عزل الوكيل فانه إذا علم بالوكالة ولم يعلم بالعزل لا يصير معزولا سواء كان الوكيل عبدا له أو حرافكذلك حكم الحجر وإذا أذن العبد في التجارة فاشترى وباع وهو لا يعلم باذن المولي ولم يعلم به أحد فليس هو بمأذون ولا يجوز شئ من تصرفاته لان حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به خصوصا إذا كان ملزما اياه وهذا خطاب ملزم لانه لا يطالب بعهدة تصرفاته قبل الاذن في الحال ويطالب بذلك بعد الان فكما لا يثبت حكم الحجر في حقه ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه فكذلك حكم الاذن فان علم بعد ذلك فباع واشترى جاز ما فعله بعد العلم بالاذن ولم يجز ما قبله لانه حين علم فانما تم شرط الاذن في حقه الآن وكانه اذن له في الحال فلا يؤثر هذا الاذن فيما كان سابقا عليه من تصرفاته ولو أمر المولي قوما أن يبايعوه فبايعوه والعبد لا يعلم بامر المولي كان شراؤه وبيعه معهم جائزا
[ 30 ] هكذا ذكر هنا وفي الزيادات قال إذا قال الاب لقوم بايعوا ابني والابن لا يعلم بذلك فان أخبروه بمقالة الاب قبل أن يبايعوه نفذ تصرفهم معه وان لم يخبروه لم ينفذ وفى الوكالة ذكر المسألة في الموضعين إذا قال اذهب فاشتر عبدى هذا من فلان قال في أحد الموضعين ان أعلمه بمقالة الموكل صح شراؤه منه وقال في الموضع الآخر وان لم يعلمه ذلك ولكنه اشتراه منه جاز شراؤه فقيل في الفصول كلها روايتان في احدى الروايتين الاذن في الابتداء كالاجازة في الانتهاء واجازته كاملة في نفوذ التصرف سواء علم به من باشر التصرف أولم يعلم وكذلك أمره بالتصرف في الاتبداء وفي الرواية الاخرى قال هو ملزم في حق المتصرف والالزام لا يثبت في حقه ما لم يعلم به وقيل انما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع ففى الزيادات وضع المسألة في الحر ولى للاب ولاية الزام الدين في ذمة أبيه فما لم يعلم الابن باذن الاب لا ينفذ التصرف في حقه وللولي ولاية شغل مالية عبده بدينه (ألا ترى) انه يرهنه بالدين فيصح والحاجة إلى الاذن ههنا لتعلق الدين بمالية الرقبه لا لثبوته في العبد فالدين بالمعاملة يجب في ذمته وان كان محجورا عليه حتى يؤاخذ به بعد العتق ولهذا صح تصرف من أمره المولي بالمعاملة معه وان لم يعلم العبد بمقالة المولى وقد قررنا تمام هذا في الزيادات فان اشترى العبد بعد ذلك من غيرهم وباع فهو جائز لان من ضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم المولى بمبايعته الحكم بانه مأذون والاذن لا يقبل التخصيص فإذا ثبت في حق البعض ثبت في حق الكل ولو كان الذين أمرهم المولى أن يبايعوه لم يفعلوا وبايعه غيرهم وهم لا يعلمون باذن المولى والعبد لا يعلم به أيضا كانت مبايعتهم اياه باطلة وهو محجور عليه على حاله لان بمجرد مقالة المولى لا يصير العبد مأذونا قبل أن يعلم به ولكن ثبت حكم الاذن في حق الذين أمرهم بمبايعته ضمنا لتصرفهم معه للحاجة إلى دفع الضررو الغرور عنهم وما ثبت ضمنا لشئ لا يثبت قبله وثبوت حكم الاذن في حق سائر الناس كان لضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم المولى بمبايعته فلا يثبت ذلك قبل تصرفه معهم فان بايعه بعد ذلك الذين أمرهم المولى ثم بايع العبد بعدهم قوما آخرين جازت مبايعته مع الذين أمرهم المولى بها ومع من بايعهم بعدهم ولم تصح المبايعة التى كانت قبل ذلك أما نفوذ مبايعته مع الذين أمرهم المولى بها فللحاجة إلى دفع الضرر والغرور عنهم ونفوذه من بعدهم فلان الاذن لا يقبل التخصيص ولا يوجد ذلك في حق الذين كان عاملهم قبل ذلك وكان الاذن في
[ 31 ] حق الذين أمرهم ثبت حكمه مقصودا وفي حق غيرهم تبع والتبع يتبع الاصل ولا يسبقه وإذا باع المولى العبد المأذون وعليه دين أولا دين عليه وقبضه المشترى فهذا حجر عليه علم به أهل سوقه أو لم يعلموا لان المشترى بالقبض قدملكه فان قيام الدين على العبد يمنع لزوم البيع بدون رضا الغرماء ولكن لا يمنع وقوع الملك للمشترى إذا قبضه لان ذلك لا يزيل تمكن الغرماء من نقضه ولهذا لو اعتقه المشترى كان عتقه نافذا وانفكاك الحجر عنه كان في ملك المولى وملك المشترى ملك متجدد ثابت بسبب متجدد فلا يمكن اظهار حكم ذلك الاذن فيه فيثبت الحجر لفوات محل الاذن وذلك أمر حكمي فلا يتوقف على علم أهل السوق به كما لو أعتق العبد الذى كان وكل الوكيل ببيعه فانه ينعزل الوكيل وان لم يعلم به وكذلك لو وهبه لرجل وقبضه الموهوب له لان الملك تجدد للموهوب له وكذلك لو مات المولى يصير العبد محجورا عليه علم بذلك أهل سوقه أولم يعلموا لان صحة الاذن باعتبار رأى المولى وقد انقطع رأيه بالموت وحكم الاذن هو الرضا من المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وقد صار ملك المالية بموته حق ورثته وجدد لهم صفة المالية في مالية رقبته وان كان الملك هو الذى كان للمولى ولكن رضا المولى غير معتبر في ابطال حق ورثته عن مالية الرقبة فلتحقق المنافى قلنا لا يبقي حكم الاذن بعد موت المولى وإذا أشهد المولى أهل سوقه انه قد حجر على عبده وأرسل إلى العبد به رسولا أو كتب به إليه كتابا فبلغه الكتاب أو أخبره الرسول فهو محجور عليه حين بلغه ذلك لان عبارة الرسول كعبارة المرسل والكتاب أحد اللسانين وهو ممن يأتي كالخطاب ممن دنا (ألا ترى) ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالتبليغ إلى الناس كافة ثم كتب إلى ملوك الآفاق وأرسل إليهم من يدعوهم إلى دين الحق وكان ذلك تبليغا تاما منه صلى الله عليه وسلم وان أخبره بذلك رجل لم يرسله مولاه لم يكن حجرا في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله حتى يخبره به رجلان أو رجل عدل يعرفه العبد وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله من أخبره بذلك من رجل أو امرأة أو صبي صار محجورا عليه بعد أن يكون الخبر حقا وهذا الخلاف في فصول منها عزل الوكيل ومنها سكوت البكر إذا أخبرها الفضولي بالنكاح ومنها سكوت الشفيع عن الطلب إذا أخبره فضولي بالبيع ومنها اختيار الفداء إذا أعتق المولى عبده الجاني بعد ما أخبره فضولي بجنايته فطريقهما في الكل ان هذا من باب المعاملات وخبر الواحد في المعاملات مقبول وان لم يكن عدلا كما لو أخبر
[ 32 ] بالوكالة وبالاذن للعبد وهذا لان في اشتراط العدالة في هذا الخبر ضرب حرج فكل أحد لا يتمكن من احضار عدل عند كل معاملة ولهذا سقط اشتراط العدد فيه بخلاف الشهادات فلذلك يسقط اعتبار العدالة فيه ومتى كان الخبر حقا فالمخبر به كانه رسول المولى لان المولى حين حجر عليه بين يديه فكأنه أمره أن يبلغه الحجر دلالة والدلالة في بعض الاحكام كالصريح خصوصا فيما بنى على التوسع ولو أرسله لم يشترط فيه صفة العدالة فكذلك ههنا وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فقد أمر الله بالتوقف في خبر الفاسق وذلك منع من العمل بخبر الفاسق فلو أثبتنا الحجر والعزل بخبر الفاسق لكان ذلك حكما يخالف النص بخلاف الرسول فانه ثابت عن المرسل فعبارة الرسول كعبارة المرسل فأما الفضولي فليس بنائب عن المولى لانه ما أنابه مناب نفسه فيبقى حكم الخبر مقصورا عليه وهو فاسق فكان الواجب التوقف في خبره بالنص ثم هذا خبر ملزم لانه يلزم العبد الكف عن التصرف والشفيع طلب المواثبة والبكر حكم النكاح والمولى حكم اختيار الفداء وخبر الفاسق لا يكون ملزما كخبره في الديانات بخلاف اخباره بالوكالة والاذن فان ذلك غير ملزم لانه بالخياران شاء تصرف وان شاء لم يتصرف وتقرير هذه ان لهذا الخبر شبهين شبه رواية الاخبار من حيث الزام العمل به وشبه الاخبار بالوكالة من حيث انه معاملة وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلا عتبار معنى الالزام شرطنا فيه العدالة ولشبهه بالمعاملات لا يشترط فيه العدد واختلف مشايخنا رحمهم الله فيما إذا أخبره بذلك فاسقان فمنهم من يقول لا يصير محجورا عليه أيضا لان خبر الفاسقين كخبر فاسق واحد في أنه لا يكون ملزما وأنه يجب التوقف فيه ومن اختار هذا الطريق قال معنى اللفظ المذكور في الكتاب حتى يخبره رجلان أو رجل عدل فان قوله عدل يصلح نعتا للواحد والمثنى يقال رجل عدل ورجال عدل ومهم من يقول إذا أخبره بذلك فاسقان صار محجورا عليه فظاهر هذا اللفظ يدل عليه فانه أطلق الرجلين وانما قيد بالعدالة الواحد وهذا لانه يشترط في الشهادة العدد والعدالة لوجوب القضاء بها وتأثير العدد فوق تأثير العدالة (ألا ترى) أن قضاء القاضى بشهادة الواحد لا ينفذ وبشهادة الفاسقين ينفذ وان كان مخالفا للسنة ثم إذا وجدت العدالة ههنا بدون العدد يثبت الحجر بالخبر فكذلك إذا وجد العدد دون العدالة وهذا لان طمأنينة القلب تزداد بالعدد كما تزداد بالعدالة ويختلفون على قول أبى حنيفة في الذمي أسلم في دار الحرب إذا أخبره فاسق بوجوب الصلاة عليه هل يلزمه
[ 33 ] القضاء باعتبار خبره فمنهم من يقول ينبغى أن لا يجب القضاء عندهم جميعا لان هذا من اخبار الدين والعدالة شرط بالاتفاق وأكثرهم على أنه على الخلاف كما في الحجر والعزل قال رضى الله عنه والاصح عندي أنه يلزمه القضاء ههنا لان من أخبره فهو رسول رسول الله بالتبليغ قال عليه السلام نضر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها وقد بينا في خبر الرسول أنه بمنزلة خبر المرسل ولا يعتبر في الالزام أن يكون المرسل عدلا فكذلك ههنا ولا يدخل على هذا رواية الفاسق الاخبار لان هناك لا يظهر رجحان جانب الصدق في خبره وبذلك يتبين كون المخبر به حقا وههنا نحن نعلم أن ما أخبره به حق فيثبت حكمه في حق من أخبره الفاسق به حتى يلزم القضاء فيما يتركه بعد ذلك وإذا أبق العبد المأذون له في التجارة فاباقه حجر عليه وقال زفر رحمه الله لا يصير محجورا عليه بالاباق لان صحة الاذن باعتبار ملك المولى وقيام رأيه ولم يختل ذلك باباقه والدليل عليه ان الاباق لا ينافى ابتداء الاذن فان المحجور عليه إذا أبق فأذن له المولي في التجارة وعلم به العبد كان مأذونا وما لا يمنع ابتداء الاذن لا يمنع بقاءه بطريق الاولى ولكنا نقول لما جعل دلالة الاذن كالتصريح به فكذلك دلالة الحجر كالتصريح بالحجر وقد وجدت دلالة الحجر بعد اباقه لان الظاهر ان المولى انما يرضى بتصرفهما بقى تحت طاعته ولا يرضى بتصرفه بعد تمرده واباقه ولهذا صح ابتداء الاذن بعد الاباق لانه يسقط اعتبار الدلالة عند التصريح بخلافه * يوضحه ان حكم الاذن رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وقدتوت المالية فيه بالاتفاق ولهذا لا يجز فيه شئ من التصرفات التى تنبنى على ملك المالية فكان هذا وزوال ملك المولى عنه في المعنى سواء * يوضحه ان المولى لو تمكن منه أوجعه عقوبة جزاء على فعله وحجر عليه فإذا لم يتمكن منه جعله الشرع محجورا عليه كالمرتد اللاحق بدار الحرب لو تمكن منه القاضى موته حقيقة بالقتل ويقسم ماله بين ورثته فإذا لم يتمكن من ذلك جعله الشرع كالميت حتى يقسم القاضى ماله بين ورثته فان بايعه رجل بعد الا باق ثم اختلفا فقال المولى كان آبقا وقال من بايعه لم يكن آبقا لم يصدق المولى على اباقه الا ببينة لان كونه مأذونا معلوم وسبب الحجر الطارئ عليه متنازع فيه فالقول قول من ينكره (ألا ترى) ان المولى لو ادعى انه كان حجر عليه أو كان باعه من انسان قبل مبايعة العبد مع هذا الرجل لا يصدق في ذلك الا ببينة فكذلك إذا ادعى انه كان آبقا فان أقام البينة على ذلك فقد أثبت الحجر العارض بالحجة وان أقام
[ 34 ] المولى البينة انه ابق منه إلى موضع كذا واقام الذ بايع العبد البينة أن المولى أرسله الي ذلك الموضع يشترى فيه ويبيع فالبينة بينة الذى بايع العبد أيضا لانه يثبت ارسال المولى اياه واذنه في الذهاب إلى ذلك الموضع وبينة المولى تنفى ذلك وفيما هو المقصود وهو تعلق الدين بمالية رقبته من بائع العبد يثبت لذلك بالبينة والمولى ينفى فكان المثبت أولى فان ارتد العبد المأذون ثم تصرف فان قتل على ردته أو مات بطل جميع ما صنع في قول أبى حنيفة رحمه الله وان أسلم جاز جميع ذلك وفي قول أبى يوسف ومحمد جميع ذلك جائز ان أسلم أو قتل على ردته لان انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق ومن اصل أبى حنيفة ان تصرف المرتد لنفسه يوقف إذا كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وان كانت أمة جاز جميع ما صنعت في ردتها ان أسلمت أولم تسلم بمنزلة الحرة المرتدة وهذا لان الرجل يقتل بالردة حرا كان أو عبدا فكما يوقف نفسه يوقف تصرفه في كسبه والمرأة لا تقتل فلا يوقف تصرفها في كسبها كمالا توقف نفسها ثم المرتد هالك حكما لا ستحقاق قتله بسبب الردة والموت حقيقة يوجب الحجر عليه فكذلك إذا توقف حكم نفسه بالردة بتوقف حكم الحجر عليه أبدا وبه فارق المكاتب فان تصرفه في كسبه بعد ردته نافذ لان انفكاك الحجر عنه من حكم الكتابة وموته حيققة لا ينافى بقاء الكتابة فان المكاتب إذا مات عن وفاء أو عن ولد يسعى في بقية الكتابة فكذلك استحقاق نفسه بالردة لا يمنع بقاء الكتابة فلهذا ينفذ تصرفه بخلاف العبد وإذا أسر العدو عبدا مأذونا له وأحرزوه في دارهم فقد صار محجورا عليه لزوال ملك المولى عنه وثبوت ملكهم فيه بالا حراز فان انفلت منهم أو أخذه المسلمون فردوه على صاحبه لم يعد مأذونا الا باذن جديد لان الاذن بطل لفوات محل حكمه والاذن بعد بطل لا يعود الا بالتجديد وان كان أهل الحرب لم يحرزوه في دارهم حتى انفلت منهم فاخذه المسلمون فردوه على صاحبه فهو على اذنه لانه بمنزلة المغصوب في يدهم ما لم يحرزوه والغصب لا يزل ملك المولى ولا يوجب الحجر على المأذون (ألا ترى) ان المولى لو أعتقه قبل أن يحرزوه نفذ عتقه بخلاف ما بعد الاحراز وإذا باع المولى عبده المأذون له بيعا فاسدا بخمر أو خنزير وسلمه إلى المشترى فباع واشترى في يده ثم رده إلى البائع فهو محجور عليه لان المشترى قد ملكه بالقبض مع فساد البيع وذلك موجب للحجر عليه وكذلك لو قبضه المشترى بامر البائع بحضرته أو بغير حضرته أو قبضه بحضرة البائع بغير أمره ولو قبضه بغير أمره بعد ما تفرقا لم
[ 35 ] يصر محجورا عليه لان القبض في البيع الفاسد بمنزلة القبول في البيع الصحيح فكما ان ايجاب البيع يكون رضى بقبول المشترى في المجلس لا بعده فكذلك البيع الفاسد يكون رضى من البائع بقبضه في المجلس لا بعده فإذا قبضه بعد الافتراق لم يملكه لانه قبضه بغير تسليط من البائع فلا يصير محجورا عليه وفي المجلس انما يقبضه بتسليط البائع اياه على ذلك فيملكه ويصير محجورا عليه فاما إذا أمره بالقبض نصا فهذا أمر مطلق يتناول المجلس وما بعده فمتى قبضه كان قبضه بتسليط البائع فيملكه ويصير محجورا عليه ولو كان البيع بميتة أو دم لم يصر محجورا عليه في جميع هذه الوجوه فان البيع بالميتة لا يكون منعقدا ولا يوجب الملك للمشترى وان قبضه كان العبد على اذنه في يد المشترى ينفذ تصرفه وان كان المشترى ضامنا له في احدى الروايتين كما لو غصبه غاصب ولو كان باعه بيعا صحيحا كان محجورا عليه قبضه المشترى أولم يقبضه لان الملك يثبت للمشترى بنفس العقد ههنا وكذلك ان كان المشترى منه بالخيار ثلاثة ايام أما عندهما فلان المشترى ملكه مع ثبوت الخيار له وعند أبى حنيفة فلان زواله عن ملك البائع قدتم ولذلك يفوت محل حكم الاذن وان كان الخيار للبائع لم يكن ذلك حجر الا أن يتم البيع فيه لان خيار البائع يمنع زوال ملكه وما بقى الملك للبائع فيه يبقى محل حكم الاذن ولو لم يبعه المولى ولكنه وهبه فالهبة الصحيحة في حكم الملك نظير البيع الفاسد من حيث ان الملك يتأخر إلى وجود القبض لضعف السبب وقد بينا تفصيل حكم القبض في البيع الفاسد ففى الهبة الصحيحة الجواب كذلك وإذا غصب عبدا محجورا عليه وطلبه صاحبه فجحده الغاصب وحلف ولم يكن لصاحبه بينة ثم أذن له الغاصب في التجارة فباع واشترى والمغصوب منه يراه فلم ينهه ثم أقام رب العبد البينة أن العبد عبده فقضي له به فان القاضى يبطل جميع ما باع واشترى لانه تبين ان الآذن له كان غاصبا واذن الغاصب لا يوجب انفكاك الحجر عنه ولا يسقط حق المولى عن مالية الرقبة وفي القياس سكوت المولى عن النهى كالتصريح بالاذن ولو صرح بالاذن له في التجارة جاز ذلك لقيام ملكه وان كان الغاصب جاحدا له ولكنه ترك هذا القياس فقال السكوت عن النهى مع التمكين من النهى دليل الرضا فاما بدون التمكن من النهى فلا يكون دليل الرضى (ألا ترى) ان سكوت الشفيع عند عدم التمكن من الطلب لا يكون مسقطا لحقه وسكوت البكر كذلك وهو لم يكن متمكنا من النهى ههنا لانه ما كان يلتفت إلى نهيه لو نهاه عن التصرف بل يستخف به فلصيانة نفسه سكت عن النهى (ألا ترى) أن
[ 36 ] العبد لو ادعي انه حر فجعل القاضى القول قوله فاشترى وباع والمولى ينظر إليه ولا ينهاه ثم أقام البينة انه عبده لم يجز شراؤه ولا يبعه لان سكوته عن النهى كان لصيانة نفسه وإذا دبر عبده المأذون فهو على اذنه لان التدبير لا يمنع صحة الاذن ابتداء فلا يمنع بقاءه بطريق الاولى وهذا لان بالتدبير يثبت للمدبر حق العتق وحق العتق ان كان لا يزيد في انفكاك الحجر عنه فلا يؤثر في الحجر عليه ولو كانت أمة فاستولد ها المولي لم يكن ذلك حجرا عليها في القياس وهذا قول زفر رحمه الله لما بينا في التدبير ولكنه استحسن فقال استيلاد المولى حجر عليها لان العادة الظاهرة أن الانسان يحصن أم ولده ولا يرضى بخروجها واختلاطها بالناس في المعاملة والتجارة وهذا لانها تصير فراشا له فلا يأمن من أن يلحق به نسبا ليس منه ودليل الحجر كصريح الحجر ولا توجد مثل هذه العادة في المدبر وهذا بخلاف ما إذا أذن لام ولده في التجارة لانه صرح هناك بخلاف المتعاد وانما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها فاما مع التصريح بخلاف العادة فلا كتقديم المائدة بين يدى انسان يجعل اذنافى التناول بطريق العرف فان قال لا تأكل لم يكن ذلك اذنا وإذا أذن العبد التاجر لعبده في التجارة فباع واشترى فلحقه دين ثم ان المولي حجر على عبده الاول في أهل سوقه بحضرته والعبد الآخر يعلم بذلك أولا يعلم فان كان على الاول دين فحجره عليه حجر عليهم جميعا وان لم يكن عليه دين لم يكن حجره عليه حجرا على الباقي لانه إذا لم يكن على الاول دين فالعبد الثاني خالص ملك المولي وهو يملك الاذن له في التجارة ابتداء فجعل الثاني مأذونا من جهة المولى لا باعتبار العبد كان نائبا عنه في الاذن ولكن باعتبار أن تخصيص المولى الاول بالحجر عليه دليل الرضي منه بتصرف الثاني وهذا الرضا يثبت الاذن من جهته ابتداء فكذلك يبقي وأما إذا كان على الاول دين فالمولى لا يملك الا ذن للثاني لانه تصرف منه في كسب عبده المستغرق بالدين فلا يمكن أن يجعل الثاني مأذونا من جهة المولى وانما كان مأذونا من جهة الاول بالحجر عليه وقد انقطع رأيه فيه وانما كان الثاني مأذونا من جهته دون المولى وان لم يكن عليه دين فالثاني على اذنه لانه مأذون من جهة المولى والمولى باق على حاله وان مات المولى كان حجرا عليهما جميعا كان على الاول دين أولم يكن لانه ان لم يكن عليه دين فالثاني كان مأذونا من جهة الاول وقد صار الاول محجورا عليه بموت المولى فكذلك الثاني وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة ثم عجز وعليه دين أو ليس عليه دين فهو حجر على العبدلان الاذن للعبد كان من قبل المكاتب فان المولى من كسب
[ 37 ] المكاتب أبعد منه من كسب المأذون والمديون وقد بينا هناك ان عبده يكون مأذونا من جهة المولى فهنا أولى وكذلك ان مات المكاتب عن وفاء أو عن غير وفاء أو عن ولد مولود في الكتابة لانه ان مات عن غير وفاء فقد مات عاجزا وعجزه في حياته يكون حجرا على عبده فموته عاجزا أولى وان مات عن وفاء فهو كالحر وموت الحر حجر على عبده بالقطاع رأيه فيه فان أذن الولد للعبد بعد موت المكاتب في التجارة لم يجز اذنه لان كسب المكاتب مشغول بدينه فلا يصير شئ منه ميراثا للولد مع قيام دينه وكما لا ينفذ منه سائر التصرفات فيه فكذلك الاذن وكذلك الحر إذا مات وعليه دين وله عبد فأذن له وارثه في التجارة فاذنه باطل لان الوارث لا يملك التركة المستغرقة بالدين ولا ينفذ شئ من تصرفاته فيها ما لم يسقط الدين كما لا ينفذ تصرفه في حال حياة مورثه فان قضى الوارث الدين من ماله لم ينفذ اذنه أيضا لانه غير متبرع فيما قضى من الدين وانما قصد به استخلاص التركة فيستوجب الرجوع بما أدى ويقوم دينه مقام دين الغريم فلا ينفذ اذنه لبقاء المانع فان أبرأ أباه من المال الذى قضي عنه بعد اذنه للعبد نفذ اذنه وجاز ما اشترى قبل قضاء الدين وبعده لان المانع زال حين سقط دينه بالابراء وصار هو ملكا للتركة من وقت الموت (ألا ترى) أنه ينفذ سائر تصرفاته في العبد فكذلك اذنه له في التجارة ولو لم يكن على الميت دين وكان الدين على العبد فان أذن الوارث له في التجارة جاز لان دين العبد لا يملك ملك الوارث في التركة فانه مع تعلقه في مالية رقبته ما كان يمنع ملك المولى في حياته فكذلك لا يمنع ملك وارثه بخلاف دين المولي فانه في حياته كان في ذمته وانما يتعلق بالتركة بموته وحق الغريم مقدم على حق الوارث وكذلك ابن المكاتب لو أذن للعبد الذى تركه أبوه في التجارة ثم استقرض مالا من انسان فقضى به الكتابة لم يكن اذنه له في التجارة صحيحا لانه يستوجب الرجوع بما أدى ليقضى به ما عليه من الدين فقيام دينه بمنزلة قيام دين المولى في أنه يمنع ملكه فلهذا لا ينفذ اذنه ولو وهب رجل لابن المكاتب مالا فقضى به الكتابة جاز اذنه للعبد في التجارة لان ما وهب له بمنزلة سائر أكسابه والمكاتب أحق باكساب ولده المولود في الكتابة ليقضى به مال الكتابة فكان قضاء بدل الكتابة من هذا الكسب كقضائه من شئ آخر للمكاتب ولا يستوجب الولد الرجوع عليه بذلك فتبين به زوال المانع من صحة اذنه وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ثم جن المولى فان كان جنونه مطبقا دائما فهو حجر على العبد لان المولى صار مولى عليه في
[ 38 ] التصرف وانقطع رأيه بما أعرض فكان ذلك حجرا عليه وان كان غير مطبق فالعبد على اذنه لان المولى لم يصر مولى عليه بهذا القدر من الجنون فهو بمنزلة الا غماء والمرض فلا يوجب الحجر علي العبد لبقاء ملك المولى وبقاء ولا يته والفرق بين المطبق من الجنون وغير المطبق بيناه في الوكالة ولو ارتد المولى ثم باع العبد واشترى فان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب وقضى القاضى بلحاقه فجميع ما صنع العبد بعد ردة المولي باطل وان أسلم قبل أن يلحق بها أو بعد ما لحق بها قبل قضاء القاضى ورجع فذلك كله جائز في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد جميع ذلك جائز الا ما صنع العبد بعد لحاق المولي بدار الحرب فان ذلك يبطل اذالم يرجع حتى يقضى القاضى بلحاقه وان رجع قبل ذلك جاز وهذا لان استدامة الاذن بعد الردة كانشائه وتصرف المأذون معتبر بتصرف الآذن ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله ان تصرفات المرتد توقف لتوقف نفسه ويوقف ماله على حق ورثته فكذلك تصرف المأذون من جهته وعندهما تصرف المرتد قبل لحاقه بدار الحرب نافذ وبعد لحاقه يتوقف بين أن يبطل القضاء القاضى بلحاقه وكون المال لوارثه من حين لحقه بدار الحرب وبين أن ينفذ برجوعه مسلما فكذلك تصرف المأذون من جهته ولو كان المولى امرأة فارتدت ثم صنع العبد شيئا من ذلك فهو جائز لان ابتداء الاذن منها صحيح بعد ردتها ولان تصرف المأذون كتصرف الآذن وتصرفها بعد الردة نافذ كما كان قبله فان نفسها لم تتوقف بالردة ولو لحقت بدار الحرب ثم باع العبد أو اشترى فان رجعت قبل أن يقضى بلحاقها فذلك جائز وان لم ترجع حتى قضى القاضي بلحاقها وقسم ميراثها وأبطل ما صنع العبد من ذلك ثم رجعت مسلمة لم يجز للعبد ما صنع بعد لحاقها بدار الحرب لانه نفسها باللحاق بدار الحرب توقفت على أن تسلم لها بالاسلام أو يفوت عليها بالاسترقاق فيتوقف تصرفها أيضا وكما يتوقف تصرفها يتوقف تصرف المأذون من جهتها ولان القاضى إذا قضى بلحاقها جعل المال لوارثها من وقت لحاقها بدار الحرب كما في حق الرجل ولهذا يعتبر من يكون وارثا لها وقت اللحاق بدار الحرب فتبين أن ملكها زال من ذلك الوقت وذلك مبطل لتصرفات العبد وكما أن اذن أحد الشريكين في المفاوضة والعنان للعبد المشترك في التجارة يجعل كاذنهما فكذلك حجر أحدهما عليه كحجرهما لان كلاهما من التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه في التصرف في المال المشترك بطريق التجارة وإذا أذن المضارب لعبد من المضاربة في التجارة فهو جائز على رب المال وفي
[ 39 ] رواية هشام عن محمد رحمهما الله لا يجوز لان الاذن أعم من المضاربة فانه فك للحجر ولا يستفاد بالشئ ما هو فوقه وفي ظاهر الرواية قال المضارب مفوض إليه وجوه التجارة في مال المضاربة والاذن في التجارة من التجارة فان حجر عليه رب المال فحجره باطل لان المضارب أحق به حتى يبيعه فيوفى رأس المال (ألا ترى) ان رب المال لو نهى المضارب لم يعتبر نهيه ونفسه أقرب إلى رب المال من كسبه فإذا كان لا يعمل نهيه منه في منع المضارب عن التصرف في نفسه فلان لا يعمل نهيه في منع المأذون من جهته عن التصرف في كسبه كان أولى وإذا اشترى العبد المأذون عبدا فاذن له في التجارة فحجر المولى على العبد الآخر فحجره باطل كان على الاول دين أولم يكن لان هذا حجر خاص في اذن عام وهو باطل (ألا ترى) انه عند ابتداء الاذن لو قال لا تأذن لعبدك في التجارة لم يعتبر نهيه وكذلك بعد الاذن لو نهاه عن بيع هذا البعد لا يعمل نهيه وكذلك لو كان العبد الاول أمر رجلا ببيع عبده فنهاه المولى كان نهيه باطلا فكذلك إذا حجر عليه ولو كان المولى حجر على العبد الآخر وقبضه من الاول فان كان على العبد الاول دين فهذا والاول سواء لان قبض المولى اياه من الاول باطل ولا يخرج به الثاني من أن يكون كسبا للاول فان حق غرماء الاول فيه مقدم على حق المولى فاما إذا لم يكن على الاول دين فقبض المولى العبد الآخر وحجر عليه جاز لان كسب الاول خالص حق المولى فبقبضه منه يخرج من أن يكون كسبا للاول وصار الاول بحيث لا يملك التصرف فيه بعد ذلك حتى لو باع لم يجز بيعه فلهذا صار محجورا عليه بحجر المولى وإذا دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشترى به عبدا ويأذن له في التجارة ففعل ثم حجر المولى على المولى وعليه دين أولا دين عليه فليس ذلك حجر على الآخر لان الاول في شراء الثاني والاذن له في التجارة نائب عن المولى حتى إذا لحقه عهدة يرجع به على المولى ولا يثبت فيه حق غرمائه فيكون الثاني مأذونا من جهة المولى فلا يصير الثاني محجورا عليه بحجر المولى على الاول وان حجرا لمولى على الآخر كان حجره عليه جائزا على كل حال لانه كان مأذونا من جهة المولى كالاول وحجر الاب أو وصيه على الصبي الحر المأذون له في التجارة مثل الحجر على العبد لانه من جهة المولى كالاول وحجر الاب أو وصيه على الصبي الحر استفاد الاذن من جهته وولايته قائمه عليه بعد الاذن فكما ملك الاذن بولايته يملك الحجر وهذا لانه قد يؤنس منه رشدا فيأذن له في التصرف ثم يتبين له ان
[ 40 ] الحجر عليه أنفع فيحجر عليه ولان الابتداء بهذا يحصل أن يأذن له تارة ويحجر عليه تارة حتى تتم هدايته في التصرفات وكذلك حجر القاضى عليه لان الولاية ثابتة له حسب ما كان للاب أو للوصي وكذلك حجر هؤلاء على عبد الصبي بعد ما أذنوا له في التجارة لانهم بالولاية على الصبي قاموا مقامه في التصرف في ماله فيما يرجع إلى النظر والحجر من باب النظر كالاذن فكما صح منهم الاذن لعبده في التجارة يصح الحجر وموت الاب أو الوصي حجر على الصبى وعلى عبده لان تصرفهما كان باعتبار رأيه على ما بينا أن توفر النظر بانضمام رأى الاب والوصى إلى رأى الصبي وقد انقطع رأيهما بموتهما فيكون ذلك حجرا على الصبي وكذلك عبد الصبي انما كان يتصرف برأى الاب والوصى وقيام ولايتهما عليه وقد انقطع ذلك بموتهما وكذلك جنونهما جنونا مطبقا فانه كالموت في قطع ولا يتهما عنه وفوات رأيهما في النظر له وكذلك عزل القاضى الوصي عن الوصية فن ذلك يزيل ولايته ويقطع تدبيره في النظر له فيكون حجرا على من كان يتصرف باعتبار رأيه وهو الصبي أو عبده ولو كان القاضى أذن للصبي أو المعتوه في التجارة ثم عزل القاضى كان الصبي والمعتوه على اذنهما لان اذن القاضى يكون قضاء منه فانه ليس له ولاية غير ولاية القاضى وبعزل القاضي لا يبطل شئ من قضاياه ولانه كالنائب عن المسلمين في النظر لهذا الصبي والتصرف في ماله بالاذن وغيره لعجز المسلمين عن الاجتماع على ذلك وبعد ما عزل القاضى لم يتبدل حال عامة المسلمين في الولاية ولهذا لم ينعزل وصيه وقيمه بعزله فكذلك مأذونه وإذا كان للصبي أو المعتوه أب أو وصى أو جد أبى الاب فرأي القاضى أن يأذن له في التجارة فأذن له وأبى ذلك أبوه أو وصيه فاذن القاضى له جائز لما بينا ان اذنه بمنزلة القضاء منه وولاية القضاء له في حال قيام الاب وبعد موته بصفة واحدة ولانه متى كان النظر في الاذن فكذلك بما يحق على المولى أن يفعله فإذا امتنع منه كان للقاضى أن ينفذه كالولي إذا امتنع من تزويج المولى عليها من كفؤ زوجها القاضى إذا طلبت فان حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل لانه بهذا يريد أن يفسخ ما قضى القاضى عليه ولان حجره عليه كابائه في الابتداء وكما أن إباءه لا يمنع صحة اذن القاضى له فكذلك حجره عليه بعد الاذن وان مات القاضى أو عزل ثم حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل لان بعزل القاضى وبموته لا تزداد ولا يتهم على الصبي فكما لا ينفذ حجرهم عليهم قبل عزل القاضى فكذلك بعده وكذلك لو حجر عليه ذلك القاضى بعد عزله لانه بالعزل التحق بسائر
[ 41 ] الرعايا فلم يبق له ولاية النظر في حقوق هذا الصبى وانما الحجر عليه إلى القاضي الذى يستقضى بعد موت الاول أو عزله لان ولايته عليه في النظر كولاية الاول ولا يقال الثاني بالحجر كيف ينقض قضاء الاول وهذا لان الاول لو حجر عليه حال كونه قاضيا بعد حجره لا بطريق أنه نقض لقضائه بالاذن بل بطريق أنه انشأ نظراله على ما بينا أن النظر قد يكون بالاذن له في وقت والحجر عليه في وقت آخر والثانى كالاول فيما يرجع إلى انشاء النظر للصبي كما في سائر التصرفات في ماله وإذا أذن الرجل لعبد ابنه الصغير في التجارة ثم مات الابن ووارثه الاب فهذا حجر عليه لان صحة اذنه كان باعتبار انه نائب عن الابن وقد زال ملك الا بن بموته ولا يقال الاب يخلفه في هذا الملك وهو راض بتصرفه لانه انما كان راضيا بتصرفه في ملك الصبي وذلك لا يكون رضا منه بتصرفه في ملك نفسه وكذلك لو اشتراه الاب من الابن فهو محجور عليه لان الملك قد انتقل فيه من الابن إلى الاب ولو لم يكن ذلك ولكن أدرك الصبي أو كان معتوها فأفاق فالعبد على اذنه لان تصرف الاب نفذ في حال قيام ولايته فلا يبطل بزوال ولايته كسائر التصرفات ثم فك الحجر عنه بالاذن كفك الحجر عنه بالكتابة ولو كاتبه ثم أدرك الصبي لم تبطل الكتابة وان مات الاب بعد ادارك الصبي وافاقة المعتوه كان العبد على اذنه لان بعد ادرا كه العبد مأذون من جهته فان الاب كان نائبا عنه فهذا ومالو أذن له بعد البلوغ ابتداء سواء ثم هو بعد الاذن يتمكن من الحجر عليه فاستدامته الاذن مع تمكنه من الحجر كانشائه ولا تتغير ولايته عليه بموت الاب وإذا ارتد الاب بعد ما أذن لا بنه الصغير في التجارة ثم حجر عليه ثم أسلم فحجره جائز لان حجره عليه تصرف كسائر تصرفاته فينفذ باسلامه وان قتل على ردته فذلك حجر أيضا بمنزله مالو مات وابنه صغير ولو أذن لابنه في التجارة بعد ردته فباع واشترى ولحقه دين ثم حجر عليه ثم أسلم فجميع ما صنع الابن من ذلك جائز وان قتل ذلك على ردته أو مات كان جميع ما صنع الابن من باطل وهذا عندهم جميعا لان اذنه له في التجارة تصرف بحكم ولايته عليه وولايته عليه توقفت بالردة على أن يتقرر بالاسلام ويبطل بالتقل وكذلك تصرفه بحكم الولاية وهذا على مذهبهما بخلاف تصرفه بحكم ملكه فان ملكه لم يزل عنه بردته فلا يمتنع نفوذ تصرفه باعتبار الملك والذمى في اذنه لابنه الصغير أو المعتوه في التجارة وهو على ذميته بمنزلة المسلم في جميع ما ذكرنا لثبوت ولايته عليه قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ولو كان الولد مسلما باسلام أمه
[ 42 ] أو باسلام نفسه بان عقل فأسلم كان اذن الاب الذمي له باطلا لانه لا ولاية للذمي على المسلم فصحة اذنه باعتبار ولايته فان أسلم الاب بعد ذلك لم يجز ذلك الاذن لانه تصرف منه قبل ثبوت ولايته عليه ولا ينفذ بولايته التى تحدث من بعد كالاب إذا كان مملوكا فاذن لولده الحر ثم عتق لم ينفذ ذلك الاذن والله أعلم (باب العبد بين رجلين يأذن له أحدهما) (قال رحمه الله) وإذا كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة فباع واشترى فلحقه دين فذلك كله جائز في نصيب الذى أذن له لان الاذن فك للحجر وذلك لا يحتمل الوصف بالتجزى ولا يتصور انفكاك الحجر في نصف التصرف دون النصف ولابد من تصحيح هذا الفك في نصيب الآذن لانه تصرف منه في ملكه واسقاط لحقه في المنع من شغل مالية نصيبه بالدين والاسقاط يتم بالمسقط وقد بينا أن اذن المولى انما يتشرط لوجود الرضا منه بتعلق الدين بمالية الرقبة وهذا الرضى من الآذن الآن صحيح في نصيب نفسه دون نصيب صاحبه ويجوز استحقاق مالية الرقبة بالدين كما يجوز استحقاق جميعه فكان هذا محتملا للوصف بالتجزى فيثبت في نصيب الآذن خاصة وان كان في يده مال أصابه من تجارته فقال الذى لم يأذن له أنا آخذ نصف هذا المال فليس له ذلك ولكن يعطى منه جميع دين الغرماء لان حاجة العبد من كسبه مقدمة على حاجة المولى والذى وجب على هذا العبد ههنا بسبب ظهر في حق المولى فيقدم من كسبه قضاء الدين على حق المولي فان بقى بعد ذلك شئ أخذ كل واحد من الموليين نصفه لانه كسب عبد مشترك بينهما وان زاد الدين على مافى يديه كانت تلك الزيادة في نصيب الذى أذن له خاصة من الرقبة لوجود الرضا منه باستحقاق مالية نصيبه بالدين وانعدام الرضا به من الآخر وفرق بين الكسب والرقبة من حيث ان نصيب الذى لم يأذن من الكسب مصروف إلى الدين دون نصيبه من الرقبة لان الكسب يتملكه المولى من جهة العبد وسلامته له متعلقه بشرط الفراغ من حاجة العبد فما لم يفرغ من الدين لا يسلم له فأما الرقبة فلم تحصل للمولى من جهة العبد وانما تستحق مالية الرقبة بالدين عند وجود الرضا من المولى يصرفه الي ديونه ولم يوجد يوضحه ان الدين انما لحقه بسبب الذى حصل به الكسب والغنم مقابل بالغرم فكما يكون نصف الكسب للذى
[ 43 ] لم ياذن له فكذلك يستحق عليه صرف ذلك الكسب إلى قضاء الدين لتتحقق مقابلة الغنم بالغرم بخلاف الرقبة فان حصول الرقبة للمولى ما كان بالسبب الذى به وجب الدين فلا تصرف مالية الرقبة إلى الدين ما لم يرض به المولى وكذلك ما أقربه العبد من غصب أو استهلاك مال أو غيره لان الاقرار من التجارة فالدين الواجب به نظير الواجب بالمبايعة ولو استهلك مالا بينة كان ذلك في جميع رقبته بمنزلة مالو استهلكه قبل اذن أحدهما له وهذا لان الحجر لحق المولى انما يتحقق في الاقوال ولا يتحقق في الافعال فانها مسحوسة تحققها بوجودها (ألا ترى) ان الحجر بسبب الصبى لا يؤثر في الافعال فبسبب الرق أولى فإذا تحقق السبب ظهر الدين في حق المولى والدين لا يجب في ذمة العبد الا شاغلا مالية رقبته * فان قيل هذا في الفصل الاول موجود فالدين بالمبايعة ظهر وجوبه في حق الموليين جميعا ثم لا يستحق به نصيب الذى لم ياذن له * قلنا لا كذلك فان فيما ثبت الحجر بسبب الرق لا يظهر وجوب الدين في حق المولى الا بعد فك الحجر عنه وفك الحجر وجد من الآذن خاصة ولكن حكم نفوذ التصرف لا يحتمل التجزى فظهر في الكل لا جل الضرورة والثابت بالضرورة لا يعد ومواضعها وليس من ضرورة نفوذ تصرفه ظهور الدين في حق المولى في استحقاق مالية الرقبة كما لو توكل العبد عن الغير بالبيع والشراء ولكن من ضرورة نفوذ تصرفه في سلامة الكسب للمولي ظهور الدين في حق ذلك الكسب فمن هذا الوجه يتحقق الفرق فان اشترى العبد وباع ومولاه الذى لم يأذن له يراه فلم ينهه فهذا اذن منه له في التجارة لان الكسوت عن النهى بمنزلة التصريح بالاذن * فان قيل هذا إذا كان متمكنا من نهيه عن التصرف وهو غير متمكن من النهى ههنا لوجود الاذن من الآخر فلا يجعل سكوته دليل الرضا بتصرفه * قلنا هو متمكن من اظهار الكراهة وازالة احتمال معنى الرضا من سكوته فإذا ترك ذلك مع الامكانا قام ذلك منه مقام الرضا بتصرفه حتى لوجاء به الآخر إلى أهل سوقه فقال انى لست آذنا له في التجارة فان بايعتموه بشئ فذلك في نصيب صاحبي فباع بعد ذلك واشترى والشريك الذى لم يأذن له ينظر إليه فهذا لا يكون اذنا منه في نصيبه استحسانا لانه أتى بما في وسعه من اظهار الكراهة لتصرفه وبقى الضرر والغرور وفي القياس هذا اذن أيضا لانه مالك لنصيبه بعد هذه المقالة فيقاس بما لو كان مالكا لجميعه ولو أتى بعبده إلى السوق وقال لست آذن له في التجارة فلا تبايعوه ثم رآه بعد ذلك بتصرف كان اذنا منه له في التجارة فكذلك ههنا والفرق بين الفصلين
[ 44 ] على طريق الاستحسان ان العبد إذا كان كله له فهو قادر على منعه من التصرف حين رآه يتصرف فيجعل سكوته عن المنع دليل الرضا ولا ينعدم ذلك بما كان منه من اظهار الكراهة قبل هذا فقد يرضى المرء بتصرف عبده بعدما كان يكرهه وفي هذا الفصل ليس في وسعه أن يمنعه من التصرف وانما في وسعه اظهار الكراهة وقد أنى به فلا ينفسخ ذلك بسكوته عن النهى عند رؤيته يتصرف ولو كان الذى لم يأذن له بايعه بعد مقالته جعل هذا ناسخا لما كان قبله من اظهار الكراهة فان مبايعته اياه كالصتريح بالرضا بتصرفه فهو وقوله أذنت لك في التجارة سواء وإذا قال أحد الموليين لصاحبه إئذن لنصيبك منه في التجارة ففعل فالعبد كله مأذون له في التجارة لو جود الرضا منه بتصرفه من الآذن بالاذن ومن الآخر بقوله إئذن لنصيبك فهذا اللفظ أدل على الرضا بتصرفه من سكوته عن النهى وإذا جعل سكوته عن النهى دليل الرضا فأمره بالتسليط أولى أن يجعل دليل الرضا ولو كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه منه فهذا اذن منه لنصيبه في التجارة لان انفكاك الحجر بالكتابة أقوى من انفكاك الحجر بالاذن والاقوى ينتظم الاضعف ثم هو رضى منه بتصرفه حين رغبه في تحصيل المال وأدائه ليعتق نصيبه وللآخر أن يبطل الكتابة لدفع الضرر عن نفسه بعتق نصيب المكاتب عند الاداء وبه فارق الاذن فانه لا ضرر على الشريك في ثبوت حكم الاذن في نصيب الآذن في الحال ولا في ثانى الحال فان لحقه دين ثم أبطل الآخر الكتاب كان ذلك الدين في نصيب الذى كاتب خاصة لوجود الرضا منه بتعلق الدين بنصيبه وان لم تبطل الكتابة حتى رآه يشترى ويبيع فلم ينهه لم يكن ذلك منه اجازة للكتابة وله أن يبطلها وكان هذا اذنا منه له في التجارة لان الاذن في التجارة بمجرد الرضا بتصرف العبد يثبت والسكوت عن النهى دليل عليه فأما في تنفيذ الكتابة فالحاجة إلى التوكيل لتكون مباشرة الشريك بمنزلة مباشرته والتوكيل بالسكوت لا يثبت ولان السكوت محتمل وانما يترجح جانب الرضا فيه لضرورة الحاجة إلى دفع الضرر والغرور عن الناس وهذه الضرورة ترتفع إذا جعل السكوت اذنا وان لم يجعل اجازة للكتابة والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها فان ردا لمكاتبة وقد لحق العبد دين بيع كله في الدين الا أن يفديه مولاه لوجود الرضا منهما بتعلق الدين بمالية رقبته ولو كان العبد لواحد فكاتب نصفه كان هذا اذنا لجميعه في التجارة لوجود الرضا منه بتصرفه ثم عندهما يصير الكل مكاتبا وعند أبى حنيفة يصير نصفه مكاتبا وما اكتسب من مال فنصفه للمولى باعتبار النصف الذى لم
[ 45 ] يكاتب منه ونصفه للمكاتب باعتبار النصف الذى يكاتب منه وما لحقه من دين كان عليه أن يسعى فيه لان مكاتبة النصف كمكاتبة الجميع في انه لا يجوز بيعه فعليه السعاية فيما لحقه من الدين كما لو كان المأذون مدبرا ولو كان العبد بين رجلين فأذن أحدهما لصاحبه في أن يكاتب نصيبه فكاتبه فهذا اذن منهما للعبد في التجارة لما قلنا ولكن الكتابة تقتصر على نصيب المكاتب في قول أبى حنيفة حتى ان نصف كسبه للمولى الذى لم يكاتب وكانه أورد هذا الفصل لا يضاح ما سبق من ان سكوته عن النهى وأمره أن يكاتب نصيبه سواء فكما ان تسليطه اياه على ذلك يكون رضي منه بتصرفه ولا يكون أمرا بالكتابة في نصيب نفسه فكذلك سكوته عن النهى الا أن تسليطه اياه علي الكتابة يكون رضامنه بالكتابة في نصيب الشريك فلا يكون له أن يفسخها بعد ذلك وسكوته عن النهى لا يكون رضامنه بالكتابة في نصيب الشريك فكان له أن يبطلها وكذلك لو وكل أحدهما صاحبه أن يكاتب نصيبه لان مباشرة الوكيل الكتابة في نصيب الموكل رضامنه بتصرف العبد وبنفوذ الكتابة في نصيب الموكل فلا يكون ذلك مباشرة منه للمكاتبة في نصيب نفسه فما اكتسب العبد بعد ذلك يكون نصفه للمكاتب ونصفه للوكيل لان نصيبه لم يصر مكاتبا عنده ولو أذن أحدهما للعبد في التجارة فلحقه دين ثم اشتري نصيب صاحبه منه ثم اشترى بعد ذلك وباع والمولي لا يعلم به فلحقه دين فان الدين الاول والآخر كله في النصف الاول لوجود الرضا منه بتعلق الدين بالنصف الاول ولم يوجد مثل ذلك الرضا فيما اشترى من نصيب صاحبه إذا لم يعلم منه تصرفا بعد الشراء ولو كان يعلم بيعه وشراءه بعد ما اشتري نصيب صاحبه كان هذا اذنا منه للنصف الذى اشتراه في التجارة لان استدامته الاذن السابق وتقريره علي التصرف مع علمه منه بمنزلة ابتداء الاذن ولم يعتبر الرؤية ههنا انما اعتبر العلم بتصرفه لانه منفك الحجر في حقه واعتبار السكوت عن النهى عند الرؤية في المحجور عليه لدفع الضرر والغرور عن الناس وهذا في المأذون لا يتحقق فانما يعتبر عامه بتصرفه ليكون مقررا له على ذلك بالفك السابق ثم الدين الاول في النصف الاول خاصة لانه حين اكتسب العبد بسببه لم يكن الآذن مالكا الا لذلك النصف والدين الآخر في جميع العبد لانه حين اكتسب بسببه كان جميعه مأذونا من جهة الآذن في ملكه ولو أذن له أحد الموليين في التجارة وأبى الاخر إلى أهل سوقه فنهاهم عن مبايعته ثم ان الذى لم يأذن له اشترى نصيب صاحبه منه فقد صار العبد محجورا عليه
[ 46 ] لان حكم الاذن لم يكن ثابتا في نصيب المشترى وانما كان في نصيب البائع وقد انتقل الملك في ذلك النصف إلى المشترى ولو كان الكل مأذونا فباعه مولاه صار محجورا عليه فالنصف يعتبر بالكل فان رآه المشترى يبيع ويشترى فلم ينهه فهذا اذن منه له في التجارة لانه بعد ما اشترى نصيب صاحبه يتمكن من نهيه عن التصرف فيجعل سكوته عن النهى دليل الرضا ولا معتبر بما سبق من النهى عن مبايعته كما لو كان العبد كله له عند ذلك وإذا اشترى الرجل العبد على انه بالخيار ثلاثة أيام فاذن له في التجارة أو نظر إليه يشترى ويبيع فلم ينهه كان هذا رضا منه بالعبد ولزمه البيع والعبد مأذون له قبضه أولم يقبضه لان الاذن في التجارة تصرف منه فيه بحكم الملك فيكون دليل الرضا منه بتقرير ملكه وذلك اسقاط منه لخياره والسكوت عن النهى عند التمكن منه بمنزلة الاذن وهو متمكن من الاذن للنهى عن التصرف سواء قبضه أولم يقبضه فكان سكوته كاذنه ولو كان الخيار للبائع فأذن البائع له في التجارة بغير محضر من المشترى أو رآه يبيع ويشترى فلم ينهه لم يسقط خياره لذلك ولم ينتقض البيع في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف الآخر هذا نقض منه للبيع وهذا لان الاذن له في التجارة تصرف بحكم الملك فيكون مقررا به ملكه وذلك منه كالتصريح بالفسخ ومن أصل أبى يوسف أن من له الخيار ينفرد بالفسخ بغير محضر من صاحبه وفي قول أبى حنيفة ومحمد لا ينفرد بالفسخ الا بمحضر من صاحبه بخلاف ما سبق فاذن المشترى له في التجارة بمنزلة الاجازة منه للبيع واجازته بغير محضر من صاحبه صحيحة فان لحقه دين بعد ما أذن له البائع فهذا نقض منه للبيع لان الدين عيب في العبد وانما تعيب بهذا العيب بسبب الاذن الموجود من البائع فالتعبيب من البائع في مدة الخيار فسخ وان لم يكن بمحضر من صاحبه لانه فسخ من طريق الحكم وان لم يلحقه دين حتى مضت الثلاث تم البيع وصار محجورا عليه لانه كان مأذونا في ملك البائع وقد تحول الملك فيه الي المشترى وما اكتسب العبد من شئ فهو للمشترى لا يملكه عند سقوط الخيار بسبب البيع فيستند ملكه في حكم الكسب الي وقت البيع فان كان المشترى قد قبضه قبل الاكتساب طاب له الكسب وان كان اكتسبه قبل قبضه تصدق به لانه ربح حصل لا على ضمانه وما اكتسبه بعد قبضه فهو ربح حصل على ضمانه فيطيب له وإذا كان العبد بين رجلين فاذن له أحدهما في التجارة فلحقه دين وفى يده مال فقال العبد هذا من التجارة وهو للغرماء وصدقه الذى اذن له وقال الذى لم يأذن له هذا
[ 47 ] مال و وهب لك ولي نصفه فالقياس أن يكون نصفه له ولكنا ندع القياس ونجعله كله للغرماء ولو علم أن المال وهبه رجل للعبد أو تصدق به أو كان من كسب اكتسبه قبل الدين أو من كسب كسبه بعد الدين من غير الذى لحقه من قبله الدين فنصف هذا المال للمولى الذى لم يأذن له ونصفه للغرماء أما إذا علم أنه صدقة أو هبة في يده فسلامة نصفه للذى لم يأذن له ما كان بالسبب الذى به وجب الدين على العبد ولا بسبب تمكن منه باعتبار اذن الآذن لان قبول الهبة والصدقة صحيح منه وان كان محجورا عليه فيكون نصيب الذى لم يأذن من الهبة والصدقة بمنزلة نصيبه من الرقبة فكما لا يصرف نصيبه من الرقبة إلى دينه فكذلك نصيبه من الهبة و الصدقة وكذلك ما اكتسبه قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين من غير السبب الذى لحقه من قبله الدين فنصف هذا الكسب كان سالما للذى لم يأذن له قبل أن يلحقه الدين فلا يتغير ذلك بلحوق الدين اياه أو كان يسلم له لولا ما تقدم من لحوق الدين والذى لم يأذن له ما رضى بلحوق الدين اياه فلا تمتنع سلامة نصيبه له بسبب ذلك الدين وانما كان ذلك خاصا فيما اكتسبه بالسبب الذى به لحقه الدين فكان ذلك حكما ثابتا بطريق الضرورة لانه لا يتمكن من أخذ نصيبه من ذلك الكسب الا باعتبار الرضا باكتسابه ومن ضرورته تعلق الدين بذلك الكسب أرأيت لو استفرض العبد من رجل مالا ثم جاء من الغدو في يده ألف درهم فقال هذه الالف الذى استقرضت أكان للذى لم يأذن له أن يأخذ نصفه لا يكون له ذلك ويكون للمقرض أخذ ذلك المال من الذى لم يأذن له إذا عرفنا هذا فنقول إذا اختلفا فقال العبد هذا من التجارة وقال الذى لم يأذن له بل هو في يدك هبة أو صدقة ففى القياس القول قول الذى لم يأذن له لان سبب سلامة نصف هذا المال له ظاهر وهوانه كسب عبده والعبد يدعي ثبوت حق الغرماء فيه والمولى منكر فكان القول قوله لا نكاره كما لو اكتسب العبد مالا ولحقه دين ثم ادعى العبد أن المولى كان اذن له في التجارة وأنكر المولى ذلك فانه يكون القول قول المولى ولكنه استحسن فجعل المال كله للغرماء لان الظاهر شاهد للعبد من حيث انه صار منفك الحجر عنه في اكتساب المال بطريق التجارة فالظاهر ان المال في يده بذلك الطريق حصل ولان الدين ظهر عليه مع ظهور هذا الكسب في يده ولا يعلم لكل واحد منهما سبب فيجعل باعتبار الظاهر سببا واحدا ثم كسب العبد يسلم للمولى بشرط الفراغ من دينه أو بشرط أن وصوله الي يده كان بسبب آخر غير السبب
[ 48 ] الذى به وجب الدين وهذا الشرط لا يثبت بمجرد قول المولى فإذا لم يثبت الاستحقاق الذى به وجب الدين للمولى بقى مشغولا لحق الغرماء فقلنا يصرف جميع الكسب إلى ديونهم الا ما علم انه موهوب والله أعلم (باب الدين يلحق العبد المأذون) (قال رحمه الله) وإذا أذن المولى لعبده في التجارة فلحقه دين بسبب التجارة فان كان في كسبه وفاء بالدين أمر بقضاء الدين من كسبه عند طلب الغريم وان لم يكن في يده كسب فيه وفاء بالدين تباع رقبته في ديونه الا أن يفديه مولاه بقضاء الدين عندنا وقال الشافعي لا تباع رقبته في دين التجارة لقوله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والعبد الذى لا كسب في يده معسر فكان مستحقا للنظرة شرعا ولو أجله الطالب لم يجز بيع رقبته فيه فكذلك إذا انظره الشرع والمعنى فيه أن رقبته ليست من كسبه ولا من تجارته ولا تباع في دينه كسائر أموال المولى وبيان الوصف انها كانت مملوكة للمولى قبل الاذن له في التجارة وانه لا يملك بيع رقبته ولا رهنها وتأثيره وهو ان استحقاق قضاء دين التجارة شبه الالتزام وانما يجب على من التزمه من ماله لا من مال عبده والعبد هو الملتزم دون المولى الا أن المولي بالاذن له يكون ملتزما عهدة تصرفاته في اكسابه لا في رقبته لانه يقصد تحصيل الربح لنفسه لا اتلاف ملكه وهذا كاذن الاب والوصى لعبد الصغير في التجارة وهو صحيح وانما يحصل مقصوده إذا كان رجوع العبد بالعهدة مقصورا علي كسبه فصار في حق مالية الرقبه ما عبد الاذن كما قبله وكما لا تباع رقبته في ديون التجارة قبل الاذن فكذلك بعده بخلاف دين الاستهلاك فان وجوبه يتقرر سببه من غير أن يحتاج فيه إلى اعتبار رضا المولي واستحقاق مالية الرقبة به لان الجناية الموجودة من ملكه كالجناية الموجودة منه في استحقاق مالية الرقبة * توضيح الفرق انه لم يوجد من المتلف عليه هناك دليل الرضا بتأخر حقه وفي التأخير الي وقت عتقه اضرار به فلدفع الضرر تعلق الدين برقبة العبد وهنا صاحب الدين عامل العبد باختياره فيكون راضيا بتأخير حقه حين عامله مع علمه انه ليس في يده كسب والمولي غير راض باتلاف مالية رقبته فمراعاة جانب المولي أولي وأصحابنا استدلوا بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باعه في دينه ومن ضرورة
[ 49 ] بيع الحر في دينه بيع العبد في دينه وما ثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص ثم انتسخ بيع الحر وبقى بيع العبد مشروعا فيباع في دينه وإذا كان بيعه في الدين مستحقا بهذا النص ظهر انه موسر في قضاء الدين بمالية الرقبة والانظار شرعا بعد تحقق العسرة فأما مع اليسار فلا والمعنى فيه ان هذا دين ظهر وجوبه في حق المولي فتباع رقبة العبد فيه كدين الاستهلاك وتأثيره بما ذكرنا أن الدين لا يجب في ذمة العبد الاشاغلا مالية رقبته ودين التجارة من المحجور عليه انما لا يكون شاغلا لمالية الرقبة لانه لا يظهر وجوبه في حق المولي فانه محجور عن مباشرة سببه لحق المولي فأما بعد الاذن دين التجارة كدين الاستهلاك من حيث انه ظهر وجوبه في حق المولي فيكون شاغلا لمالية الرقبة وبهذا تبين ان تأثير الاذن في ظهور وجوب الدين في حق المولي لتعلقه بمالية الرقبة وان المولي بالاذن يصير كالمتحمل لمقدار مالية الرقبة من ديونه فبهذا الطريق يتحقق رضى المولي بتعلق الدين بمالية الرقبة ولم يظهر من صاحب الدين ما يدل على الرضا بتأخير حقه والدليل عليه أن العبد المأذون لو قتل فانه يقضى بالقيمة الواجبة على القاتل ديته والقيمة بدل الرقبة فكما يستحق قضاء الدين من بدل رقبته بعد القتل وان لم يكن ذلك من كسب العبد فكذلك يستحق قضاء الدين من ثمن الرقبة وهذا لان الرقبة رأس مال تجارته الا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها لان بين موجب الرهن والبيع وبين موجب الاذن تضادا فان منع استحقاق قضاء الدين من قيمته فنقول الاصل ان بدل الرقبة يجعل بمنزلة الكسب في وجوب قضاء الدين منه كالدية في حق الحر فانه يجعل بمنزلة كسبه في وجوب صرفه إلى غرمائه فكذلك في حق العبد بل أولى لان حق غرماء الحر كان في ذمته في حياته والدية ليست ببدل عن الذمة وهنا القيمة بدل عن رقبته وقد كان حق غرمائه متعلقا بالرقبة إذا عرفنا هذا فنقول كل دين وجب على المأذون بسبب هو من جنس التجارة أو كان وجوبه باعتبار سبب التجارة فانه تباع رقبته فيه حتى إذا لحقه الدين من غصب أو وديعة جحدها أو دابة عقرها فذلك من جنس دين التجارة لان هذه الاسباب توجب الملك في المضمون بالضمان وهذا إذا كان ظهور هذه الاسباب باقراره فاما إذا كان بالمعاينة فلا اشكال انه تباع رقبته فيه لان المحجور عليه يباع في هذا وكذلك أجر الاجير بمنزلة ثمن المبيع سواء ثبت باقراره أو ببينته لان الاقرار من التجارة وهو منفك الحجر عنه في التجارة (ألا ترى) أن أحد المتعاوضين إذا أقر بشئ من ذلك كان شريكه مطالبا به فكذلك المأذون إذا أقربه وكذلك مهر جارية اشتراهما
[ 50 ] فوطئها فاستحقت لان وجوب هذا الدين بسبب التجارة فانه لولا الشراء لكان الواجب عليه الحد فيباع فيه سواء ثبت باقراره أو بالبينة بخلاف مهر امرأة تزوجها فوطئها ثم استحقت لان وجوب ذلك الدين بسبب النكاح والنكاح ليس من التجارة فيتأخر إلى ما بعد عتقه ولا يجوز بيع المولى العبد بامر بعض الغرماء ولا بغير أمرهم لان حقهم في العبد مقدم على حق المولى ولو صولهم إلى حقهم طريقان أحدهما آجل وفيه وفاء بحقوقهم وهو الاستكساب والثانى عاجل ولكن ربما لا بفى بحقوقهم وهو بيع الرقبة فربما لا يكون بالثمن وفاء بديونهم وفى بيع المولى اياه بدون رضاهم قطع خيارهم وابطال أحد الطريقين عليهم فلا يملك ذلك وحق كل واحد منهم ثابت كانه ليس معه غيره (ألا ترى) أنه لو أسقط الباقون حقهم كان المنع باقيا لحق هذا الواحد فكذلك إذا رضى بعضهم ولو رفعه بعض الغرماء إلى القاضى ومن بقى منهم غائب فباعه القاضي للحضور أو أمره مولاه ببيعه جاز بيعه لان الحاضرين طلبوا من القاضى أن ينظر لهم وينصفهم بايصال حقهم إليهم فعليه أن يجيبهم إلى ذلك وهذا لان في بيع القاضي نظرا للحاضر والغائب جميعا وللقاضي ولاية النظر في حق الغائب وليس للمولى على الغائب ولاية النظر فلهذا جاز البيع من القاضي أو بامره ولا يجوز بدونه ثم القاضى يدفع إلى الحاضرين حصتهم من الثمن ويمسك حصة الغائب لان دينه ثابت عند القاضى وبثبوت دينه ثبت مزاحمته مع الحاضرين في الثمن فلا يدفع إلى الحاضرين الا مقدار حصتهم وهذا بخلاف ما إذا حفر العبد بئرا في الطريق فتلف فيه مال انسان فباعه القاضي في ذلك فانه يصرف جميع الثمن إلى صاحب المال وان كان من الجائز أن يتلف في البئر مال لآخر فيكون شريكا مع الاول في الثمن لان الثابت ههنا حق الطالب خاصة وما سوى ذلك موهوم والموهوم لا يعارض المتحقق فلا ينقض شئ من حق الطالب لمكان هذا الموهوم وههنا حق الغائب ثابت معلوم فهو بمنزلة التركة إذا حضر بعض الغرماء وغاب البعض فباع القاضى التركة في الدين فانه لا يدفع إلى الحاضرين الاحصتهم لهذا المعنى فان قال العبد قبل أن يباع ان لفلان على من المال كذا فصدقه المولي بذلك أو كذبه وفلان غائب وكذبه الحضور من غرمائه فالعبد مصدق فيه ويوقف حصة المقر له من الثمن حتى يحضر لان العبد ما لم يبع في الدين فهو على اذنه واقرار المأذون بالدين صحيح في مزاحمة الغرماء في الثمن لان الديون اجتمعت في حالة واحدة وهى حالة الاذن فكأنها حصلت جملة ولو أقر بذلك بعد ما باعه
[ 51 ] القاضى وصدقه مولاه لم يصدقا على الغرماء لان العبد بالبيع صار محجورا عليه وحق الغرماء في ثمنه مقدم على حق المولى فلا يعتبر تصديق المولى ويدفع جميع الثمن إلى الغرماء المعروفين فان قدم الغائب وأقام البينة على حقه اتبع الغرماء بحصته مما أخذوا من الثمن لان البينة حجة في حقهم والثابت بالبينة من دينه كالثابت بمعاينة سببه أو بتصادقهم عليه فلا يكون له على العبد ولا على مولاه البائع ولا على المشترى سبيل لان الثابت للمشترى ملك حادث وهو لم يرض بتعلق شئ من دينه بملكه والمولي البائع ما كان ملتزما لغرمائه الا مقدار مالية الرقبة وقد صارت مصروفة الي الغرماء بامر القاضى والعبد محجور عليه في الحال فلا يكون مطالبا بشئ حتى يعتق ويتبعه تحول الاستحقاق من رقبته إلى الثمن فيما يرجع إلى مالية الرقبة والثمن في يد الغرماء المعروفين فلهذا شاركهم الغائب بحصة ما أثبت من الدين وان أراد القاضى أن يستوثق من الغرماء بكفيل حتى يقدم الغائب فابى الغرماء أن يفعلوا لا يجبرون على شئ من ذلك لان اقرار العبد كما لا يكون حجة عليهم في اثبات المزاحمة للغائب معهم كذلك لا يكون حجة عليهم في الزام اعطاء الكفيل (أرأيت) لو أبوا أن يعطوا كفيلا أولم يجدوا كفيلا كان له أن يمنعهم حقهم بسبب اقرار العبد ولكن ان أعطوه ذلك وطابت به أنفسهم جاز وقيل هذا قول أبى حنيفة رحمه الله فأما عندهما فالقاضي يأخذ منهم كفيلا على وجه النظر للغائب إذ لاضرر عليهم في اعطاء كفيل وأصله ما بينا في كتاب الدعوى إذا قسم القاضى التركه بين الغرماء أو الورثة هل يأخذ منه كفيلا لحق وارث أو غريم بتوهم حضوره فإذا كان عندهما هناك يحتاط بأخذ الكفيل فلان يحتاط ههنا بعد اقرار العبد أولى فان قدم الغائب فأقام البينة على اقرار العبد بدينه قبل البيع فذلك جائز أيضا لان الثابت مع اقراره بالبينة كان له أن يأخذ حصته ان شاء من الغرماء وان شاء من الكفيل ثم يرجع به الكفيل على الغرماء وإذا أذن لعبده في التجارة فاكتسب مالا فأخذه المولى منه ثم لحقه دين بعد ذلك وقد استهلك المولي المال أولم يستهلكه فان كان على العبد دين يومئذ فان المولى يؤخذ بذلك المال حتى يرده لان المولى في هذا الاخذ غاصب فانه لا سبيل له على كسب العبد ما لم يفرغ من دينه والدين وان قل فكل جزء من الكسب مشغول به فلهذا لا يسلم المقبوض للمولي ولا يخرج بقبضه من أن يكون كسب العبد بل كونه في يد المولى وكونه في يد العبد سواء فيشترك فيه الغرماء بالحصة وان كان قبضه ولا دين فاستهلكه أولم يستهلكه حتى لحقه دين فليس لصاحب الدين على ما قبض
[ 52 ] المولى سبيل لان كسبه الفارغ عن الدين خالص ملك المولي فهو محق في أخذه ويخرج المقبوض بقبضه من أن يكون كسب العبد ويلتحق بسائر أموال المولى فإذا لحقه الدين بعد ذلك يقضى مما بقي في يد العبد من الكسب ومما يكسبه بعد لحوق الدين لان محل قضاء الدين كسبه وما اكتسبه قبل لحوق الدين مادام في يده فهو كسبه مثل ما اكتسب بعد لحوق الدين فيصرف جميع ذلك إلى دينه ولو كان المولى أخذ منه ألف درهم فاستهلكه وعليه دين خمسمائة درهم يومئذ ثم لحقه بعد ذلك دين آخر يأتي على قيمته وعلى ما قبض المولى فان المولي يغرم الالف كلها فيكون للغرماء ويباع العبد أيضا في دينه لان المولي غاصب للمأخوذ باعتبار ما على العبد من الدين وان كان الدين دون المأخوذ فهو وما لو كان في يد العبد سواء وهذا لانا لو أوجبنا على المولي رد مقدار خمسمائه لم يسلم ذلك للغريم الاول بل يشاركه الغريم الثاني فيه لا ستواء حقهما في كسب العبد ثم يستوجب الغريم الاول الرجوع على المولي بما بقي من حقه فإذا قبض ذلك شاركه فيه الغريم الثاني فلا يزال هكذا حتى يسترد من المولي جميع الالف فقلنا في الابتداء يسترد منه الكل إذا لا فائدة في الترتيب والتكرار ولو لم يلحق العبد دين آخر لم يغرم المولي الا نصفه لانه إذا دفع للغريم خمسمائة فقد وصل إليه كمال حقه وزال المانع من سلامة الكسب للمولى فيسلم له ما بقى وإذا لحق المأذون دين يأتي على رقبته وعلى جميع ما في يده فأخذ منه مولاه الغلة بعد ذلك في كل شهر عشرة دراهم حتى أخذ منه مالا كثيرا ففى القياس عليه رد جميع ما أخذ لانه أخذ ذلك من كسبه وحق الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى والمولي وان استأداه الضريبة فذلك لا يصير دينا له على عبده فيسترد المأخوذ لحق الغرماء ولكنه استحسن فقال المقبوض سالم للمولي لان في أخذ المولى الغلة منه منفعة للغرماء فانه يبقيه على الاذن بسبب ما اتصل إليه من الغلة فيكتسب ويقضى حق الغرماء من كسبه وإذا لم يسلم الغلة للمولى حجر عليه فينسد على الغرماء باب الوصول إلى حقهم من كسبه فعرفنا ان في هذا منفعة للغرماء والمولى يتمكن بسبب ملكه من تصرف مالا يكون فيه ضرر على الغرماء وما دفع العبد من الغلة إلى المولى مثل ما ينفقة على نفسه في حال تصرفه وكما ان قدر نفقته مقدم على حق غرمائه فكذلك مقدار ما دفع إلى المولى من غلة مثله يكون مقدما على حق غرمائه ثم منافعه علي ملك المولى وهو انما يستوفى منه الغلة بدلا عن المنفعة ولو كان استوفى منفعته لم يكن للغرماء عليه سبيل في ذلك فكذلك إذا استوفى بدل المنفعة ولو كان قبض منه كل شهر
[ 53 ] مائة درهم كان باطلا وعليه أن يرد ما زاد على غلة مثله لان في قبض الزيادة على غلة المثل ضررا على الغرماء والعبد غير محتاج إلى اداء تلك الزيادة إلى المولى فكان المولى غاصبا لتلك الزيادة فعليه ردها لحق الغرماء ولو أقر العبد المأذون بدين خمسمائة ثم استفاد عبدا يساوى ألفا فأخذه المولى ثم لحق المأذون بعد ذلك دين يأتي على قيمته وعلى قيمة ما قبضه المولى فان المقبوض يؤخذ من المولى فيباع ويقسم ثمنه بين سائر الغرماء لما بينا أن المولى غاصب في أخذ العبد منه لمكان ما عليه من الدين فان أدى المولى الدين الاول ليسلم العبد له لم يسلم وبيع للآخرين في دينهم لان كونه في يد المولى ككونه في يد العبد فيتعلق به حق كل غريم ثم المولى أسقط حق الغريم الاول بايفاء دينه ولو سقط حقه بابرائه لم يسقط به حق الغريم الثاني عن العبد المأخوذ فكذلك إذا سقط بايفاء المولى اياه وليس للمولى أن يخاصمهم بما أدى من الدين الاول لانه لا يستوجب الرجوع بما أدى على العبد فان المولى لا يستوجب على عبده دينا والمزاحمة في كسب العبد باعتبار الديون الواجبة عليه فان لم يؤد المولى ولكن الغريم الاول أبرأ العبد من دينه بعد ما لحقه الدين الآخر بيع العبد وقبضه المولى في دين الآخرين لان بابرائه يسقط دينه ولا يتبين أنه لم يكن واجبا يومئذ وان حق الآخرين لم يكن متعلقا بمالية العبد المأخوذ وان كان أبرأه منه قبل أن يلحقه الدين الآخر سلم العبد الذى قبضه المولى له لان المانع من سلامته له قد انعدم بسقوط دينه فصار كما لو أخذه المولى بعدما سقط دينه قبل أن يلحقه الدين الآخر وبهذا الاخذ يخرج المأخوذ من أن يكون كسبا للمأذون فلا يتعلق به ما يلحقه من الدين بعد ذلك ولو لم يبرئه حتى لحقه الدين الآخر ثم أقر الغريم الاول أنه لم يكن له على المأذون دين فان أقر العبد المأذون له بالدين كان باطلا وسلم العبد الذى قبضه المولى له ولا يتبعه صاحب الدين الآخر بشئ منه بخلاف ما أذا أبرأه الغريم الاول لان بالابراء يسقط دينه ويتبين أنه لم يكن واجبا فأما باقراره فتبين انه لم يكن له على المأذون دين وان المقبوض كان سالما للمولى * فان قيل حين لحقه الدين الآخر كان الدين واجبا ظاهرا فباعتباره يتعلق حق الغريم الآخر بماليه العبد ثم اقرار الاول بعد ذلك لا يكون حجة في ابطال حق الآخر فينبغي أن يجعل اقراره بمنزلة الا براء المبتدأ * قلنا هذا ان لو كان في المحل الذى تناوله اقراره حق الغريم الآخر ولا حق للغريم الآخر فيما أقر به الاول انه لم يكن واجبا له فيكون قراره فيه صحيحا على الاطلاق فيتبين به أن المقبوض كان سالما للمولى وانه خرج
[ 54 ] بقبضه من أن يكون كسبا للعبد ولو كان المولى أقر بالدين للاول كما أقر به العبد ثم قال الغريم الاول لم يكن لى على العبد دين واقراره لى كان باطلا فان الغريم الآخر يأخذ العبد الذي قبضه المولى ليباع في دينه لان المولى أقر أن الدين الاول كان واجبا وانه غاصب في أخذ العبد واقراره فيما في يده حجة عليه فيجعل ذلك كالثابت باتفاقهم * توضيحه أن المولى ههنا أقر بان الشركة وقعت بين الغريمين فيما قبضه هو ثم سقط حق أحدهما بسبب اقراره فبقى حق الآخر كما لو أبرأه غريم الاول وفي الاول لم يقر المولى بثبوت الشركة بين الغرماء في العبد الذى أخذه ولكن انما كان يثبت فيه حق الغريم الثاني لو جوب الدين الاول فإذا ظهر باقرار الاول أنه لم يكن له دين ثم قبض المولى العبد ولا شركة للغريم الآخر معه لان دينه لحق المأذون بعد ما خرج العبد من أن يكون كسبا له وإذا أذن الرجل لامته فلحقها دين ثم وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة أو اكتسبت مالا من التجارة فغرماؤها أحق بجميع ذلك من مولاها وقال زفر رحمه الله لاحق لغرمائها الا فيما اكتسبت بطريق التجارة لان وجوب الدين عليها بسبب التجارة فما كان من كسب تجارتها يتعلق الدين به لاتحاد السبب وما لم يكن من كسب تجارتها فهو كسائر أملاك المولي فلا يتعلق حق غرمائها به (ألا ترى) أنها لو ولدت ثم لحقها دين بعد ذلك لم يتعلق حق غرمائها بولدها لهذا المعنى وهذا لان وقوع الملك للمولى في الهبة والصدقة ما كان بسبب فك الحجر عنه * فان قيل الاذن كان يثبت له الملك في الهبة والصدقة أيضا بخلاف كسب التجارة فحصوله كان بسبب الاذن له في التجارة * فقلنا بانه لا يسلم للمولى ما لم يفرغ عن دين العبد * وحجتنا في ذلك أن الهبة والصدقة كسب العبد فلا يسلم للمولى الا بشرط الفراغ من دين العبد ككسب التجارة وهذا لان الكسب يوجب الملك للمكتسب باى طريق كان الا أن المكتسب إذا لم يكن أهلا للملك يخلفه في ذلك مولاه خلافة الوارث المورث فكما أنه لا يسلم للوارث شئ من التركة الا بشرط الفراغ من دين المورث فكذلك لا يسلم للمولى شئ من كسب العبد الا بشرط الفراغ من دينه وهذا لان العبد وان لم يكن أهلا للملك فهو من أهل قضاء الدين بكسبه وحاجته في ذلك مقدمة على حق مولاه في كسبه فما لم يفضل عن حاجته لا يسلم للمولى شئ منه ويستوى ان كان الكسب قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين لان يدها في الكسب يد معتبرة حتى لو نازعها فيه انسان كانت خصما له فباعتبار بقاء يدها تبقى حاجتها فيه مقدمة بخلاف ما إذا كان
[ 55 ] أخذ المولى منها قبل أن يلحقها الدين وهذا بخلاف مالو ولدت بعد ما لحقها الدين لان ولدها ليس من كسبها ولكنه جزء متولد من عينها فكما ان نفسها لا تكون من كسبها ولا يكون الملك للمولى في نفسها مستفادا من جهتها فكذلك في ولدها الا أن نفسها تباع في الدين لالتزام المولى ذلك بالاذن لها في التجارة وذلك لا يوجد في حق الولد ولا يعلق به حق الغرماء انما يكون بطريق السراية ولا سراية بعد الانفصال لان الولد بعد الانفصال نفس على حدة وهذا بخلاف مااذا كان الدين لحقها قبل أن تلد ثم ولدت لان حق الغرماء تعلق بها في حال ما كان الولد جزأ متصلا بها فيسرى إلى الولد بحكم الاتصال وينفصل على تلك الصفة ثم تعلق حق الغرماء بها لا يكون قبل سبب وجوب الدين فإذا كان السبب موجودا بعد انفصال الولد لا يمكن اثبات الحكم في الولد بطريق السراية وهذا بخلاف الدفع بالجناية فان الجارية إذا ولدت فلا حق لاولياء الجناية في ولدهالان حقهم هناك في بدل المتلف وهو ارش الجناية أو في نفسها جرى على الجناية ولكن ذاك ليس بحق متأكد بدليل تمكن المولى من التصرف فيها كيف شاء بالبيع وغيره فلهذا لا يسرى إلى الولد وههنا حق الغرماء متأكد في ذمتها متعلق بماليتها بصفة التأكيد بدليل انه لا ينفذ تصرف المولى فيها بالبيع والهبه ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فيسرى هذا الحق المتأكد إلى الولد ولو ولدت ولدا وعليها دين ثم لحقها دين بعد ذلك اشترك الغرماء جميعا في ماليتها إذا بيعت فأما ولدها فلاصحاب الين خاصة لانه انفصل عنها وحقهم ثابت فيها فسرى الي الولد واصحاب الدين الآخر انما يثبت حقهم فيما بعد انفصال الولد عنها فلهذا لا يثبت حق الغرماء في ولدها ولو ولدت ولدين أحدهما قبل الدين والآخر بعد الدين لحق الولد الدين الاخر دون الاول لان الاول انفصل عنها قبل تعلق الدين برقبتها ويعتبر حال كل واحد من الولدين كانه ليس معه الولد الآخر ولو جنى عليها جناية فاستوفى أرشها من الجاني أو كان الجاني عبدا فدفع بالجناية فحكمه حكم ولدها في حق الغرماء لان الارش مملوك للمولى لا من جهتها ولكن بدل جزء منها فيكون حكم الارش حكم ولدها في حق الغرماء وفي الجارية الجانية إذا جنى عليها بدفع الارش معها لان الارش بدل جزء من عينها وحق الدفع كان ثابتا في ذلك الجزء فيثبت في بدله اعتبار البدل طرفها ببدل نفسها فاما الولد فليس ببدل جزء فائت من عينها ولكنه زيادة انفصل عنها فلا يثبت فيه حق أولياء الجناية لوجوب دفعها إليهم بالجناية فكان الولد في هذا قياس العقد فانها لو وطئت بالشبهة لا يتعلق حق أولياء الجناية بعقدها فكذلك بولدها
[ 56 ] وإذا أذن لعبده في التجارة فلحقه دين كثير ثم دبره مولاه فالغرماء بالخياران شاؤا ضمنوا المولى القيمة وان شاؤا استسعوا العبد في جميع الدين لان قبل التدبير كان لوصولهم إلى حقهم طريقان بيع الرقبة في الدين أو الاستسعاء والمولى بالتدبير فوت عليهم أحد الطريقين وهو استيفاء الدين من الماليه لان التدبير لا يمكن بيعه في الدين وما يعرض للطريق الآخر وهو الكسب لان الكسب بعد التدبير يكون على ملك المولى كما كان قبله فيبقى الخيار لهم ان شاؤا ضمنوا المولى لا تلافه مالية الرقبة عليهم وذلك يتقدر بقيمة العبد فإذا استوفوا ذلك منه فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق لانه لو وصل ذلك إليهم ببيعه في الدين لم يبق لهم عليه سبيل حتى يعتق فكذلك إذا وصل إليهم بتضمين المولى فإذا عتق اتبعوه ببقية دينهم لان بقية الدين كان ثابتا في ذمته فعليه قضاؤه من خالص ملكه وخالص ملكه ما اكتسب بعد العتق فأما ما كان اكتسبه قبل العتق فهو للمولي والمولى قد ضمن لهم مالية الرقبة فلا يبقى لهم سبيل على كسب هو ملك المولى فان اختاروا استسعاء المدبر استسعوه في جميع الدين كما قبل التدبير كان لهم حق استيفاء جميع الدين من كسبه فكذلك بعد التدبير لان الكسب على ملك المولى والمولى راض بقضاء ديونه من كسبه بخلاف الاول فهناك المولى ضمن مالية الرقبة فهو غير راض بصرف ما يكتسبه بعد اسلامه مالية الرقبة للغرماء إلى ديونهم فإذا اختاروا أحد الا مرين فليس لهم أن يرجعوا عنه بعد ذلك لانهم اختاروا تضمين المولى فقد سلموا ما يكتسبه المدبر للمولى وان اختاروا استسعاء المدبر فقد أبرؤا المولى فلا يكون لهم أن يرجعوا عنه كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما فان ضمنوا المولى قيمته اقتسموها بينهم بالحصص والعبد على اذنه فان اشترى وباع فلحقه دين كان لاصحاب هذا الدين أن يستسعوه ولا سبيل لهم علي المولى لان حقهم ما تعلق بمالية الرقبة فانه ما كان محلا للبيع حين وجب دينهم فانما يتعلق حقهم بالكسب خاصة ولا يشاركهم الاولون في سعايته لانهم باختيار تضمين المولي أسقطوا حقهم عن كسب رقبته ولان استدامة الاذن بعد التدبير كانشائه فان فضل شئ من كسبه عن دين الآخرين كان للمولى دون الاولين وإذا قتل المدبر كانت قيمته للآخرين دون الاولين لان القيمة بدل الرقبة فيكون كالكسب في وجوب صرفها إلى الدين ولان الاولين قد وصل إليهم بدل مالية الرقبة حين ضمنوا المولى قيمته فلا سبيل لهم على القيمة التى تستوفى من القاتل ولم يسلم للآخرين شئ من ذلك وإذا لحق العبد المأذون
[ 57 ] دين ثلاثة آلاف درهم لثلاثة نفر وقيمته ألف درهم ثم دبره المولي فاختار بعض الغرماء اتباع المولى بالقيمة وبعضهم استسعاء العبد فذلك لهم لان لكل واحد منهم فيما اختار غرضا صحيحا وقد كان لكل واحد منهم هذا الخيار في دينه قبل التدبير فكذلك بعده الا أن قبل التدبير إذا اختار أحدهم البيع فبيع له لا يملك ايفاء حق الباقين في الكسب لانه بالبيع قد انحجر عليه وههنا بعد التدبير العبد على اذنه فيمكن ايفاء حق من اختار السعاية في كسبه فان كان اختار ضمان المولى اثنان منهم كان لهما ثلثا القيمة وسلم للمولى ثلث القيمة لان القيمة على المولى اثلاثا بينهم لو اختاروا تضمينه والذى اختار الاستسعاء ما أسقط حقه أصلا ولكن عين لحقه شيأ من ملك المولى وهو الكسب فيكون مزاحمته مع الاولين في حق المولى قائم حكما فلهذا يسلم حصته من القيمة للمولي ويغرم للآخرين ثلثى القيمة ثم الذى اختار السعاية ان أخذها من العبد قبل أن يأخذ الآخر ان شاء من القيمة لم يكن لهما حق المشاركة معه فيما قبض لانهما أسقطا حقه عن السعاية باختيار التضمين فانقطت المشاركة بينه وبينهما في السعاية و إذا أراد الذى اختار السعاية قبل أن يأخذ المولى نصيبه أو شارك صاحبه فيما يقبضان من القيمة لم يكن له ذلك وكذلك الآخران بعد اختيارهما ضمان المولى و ان أراد أن يتبعا المدبر بدينهما ويدعا تضمين المولى لم يكن لهما ذلك وان سلم ذلك لهما المولى لان كسب العبد صار حقا للذى اختار السعاية ما لم يصل إليه كمال دينه وحقه فيه مقدم على حق المولى فلا يتبين رضي المولى في مزاحمة الآخرين معه في السعاية بعدما أسقطا حقهما عنها باختيار تضيمن المولى فان اشترى المدبر بعد ذلك وباع فلحقه دين آخر كان جميع كسب المدبر بين صاحب الدين الذى اختار سعايته وبين أصحاب الدين الذى لحقه آخرا ليس لاحد منهم أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه لان العبد بقي على اذنه فهذه الديون جميعها حالة واحدة وهى حالة الاذن فيحون الكسب متشركا بينهم بالحصة فايهم أخذ منه شيأ شاركه أصحابه وقد بينا أن ما اكتسب من ذلك قبل أن يلحقه الدين الآخر أو بعده في ذلك سواء فان كان الاول الذى اختار سعايته قبض شيأ من سعايته قبل أن يلحقه الدين الآخر سلم ذلك له لانه حين قبضه ما كان لاحد سواه حق في الكسب وما قبضه خرج من أن يكون كسباللعبد فلا يتعلق به حق الآخرين بعد ذلك كما لو كان المولى هو الذى قبضه ولو أقر المدبر لرجل بدين ألف درهم وذكرانه كان عليه قبل التدبير فصدقه صاحبه أو قال كان بعد التدبير فذلك سواء ويسعى له المدبر مع غرمائه لانه باق على اذنه فيما يلزمه باقراره بمنزلة
[ 58 ] ما يلزمه بالتجارة فماسعى فيه من شئ اشتركوا فيه ولا يصدق المدبر على أن يدخل هذا في القيمه التى كانت وجبت للاولين على المولى لانه في اسناد الاقرار إلى ما قبل التدبير متهم في حقهم فانه لا يملك اثبات المزاحمة له عهم بطريق الانشاء ولو صدقه المولي في ذلك وأقر انه كان قبل التدبير واختار هذا الغريم اتباع المولى فان كان المولى دفع إلى الغريمين اللذين اختارا ضمانه ثلثى القيمة بقضاء القاضى دفع إلى هذا المقر له سدس القيمة وهو نصف ما بقى عليه لان تصديق المولى معتبر في حقه غير معتبر في حق الاولين وهو يزعم أن الاولين حقهما في نصف القيمة وان عليهما رد الزيادة على ذلك ولكنه غير مصدق في استرداد شئ منهما الا أن ما دفعه بقضاء القاضى لا يكون مضمونا فيجعل ذلك كالتاوى وما بقى بزعمه بين الآخرين نصفين الا أن الذى اختار السعاية يسلم للمولى حصته من ذلك فيدفع إلى المقر له مقدار حقه من ذلك وهو مقدار نصف ما بقى عليه بزعمه ثم اتبع هذا الغريم المدبر بثلث دينه فيسعى له فيه لانه تمام حقه في ربع القيمة وانما سلم له سدس القيمة وذلك ثلثا حقه ولو لم يسلم له شئ من القيمة كان له أن يستسعى العبد في جميع دينه فكذلك يستسعيه في ثلث دينه حين لم يسلم له ثلث نصيبه من القيمة اعتبارا للبعض بالكل ولا يبطل اختياره ضمان المولى حق استسعائه في هذا القدر لان اختياره ضمان المولى معتبر فيما وصل إليه دون مالا يصل إليه والواصل إليه ثلثا نصيبه من قيمته فلا يعتبر ذلك الاختيار في ابطال حقه في السعاية في الثلث الباقي وان كان دفع الثلثين بغير قضاء قاض غرم للمقر له ربع جميع القيمة لان المولى مقرأن حقه في ربع جميع القيمة وما دفع إلى الاولين زيادة على حقهما ههنا محسوب عليه في حق المقر له لانه دفعه باختياره فلهذا غرم له جميع نصيبه وهو ربع القيمة ثم لا يتبع المقر له المدبر بشئ من دينه حتى يعتق لانه وصل إليه كمال حقه من بدل الرقبة قال (ألا ترى) ان غرماءه الثلاثة الاولين لو اختاروا ضمان المولى فضمونه القيمة فدفعها إليهم بقضاء ثم ادعى آخر على المدبر دينا ألف درهم قبل التدبير وصدقه المدبر والمولى في ذلك فلا سبيل لهذا الغريم على تلك القيمة ولا على المولى ولا يبطل اختياره ضمان المولى حقه في سعاية العبد بخلاف ما إذا كان دفع القيمة إلى الاولين بغير قضاء قاض فانه يغرم للدافع كمال حصته وهو ربع القيمة ولو لم يكن المولى دبر عبده ولكنه أعتقه وهو موسر أو معسر فهو سواء والغرماء بالخيار ان شاؤا اتبعوا المولى بالقيمة لانه أتلف حقهم في ماليته بالاعتاق وضمان الاتلاف لا يختلف باليسار والا عسار فإذا اتبعوه
[ 59 ] بالقيمة أخذا العبد بما بقى من دينهم لان كسبه بعد العتق خالص حقه والباقى من الدين ثابت في ذمته فعليه قضاؤه من ملكه بخلاف التدبير فان كسبه بعد التدبير مال المولى وقد ضمن المولى لهم بدل الرقبة فلا يبقى لهم سبل على شئ من ملكه بعد ذلك حتى يعتق وان شاؤا أخذوا جميع دينهم من العبد وأبرؤا المولى لان ضمان القيمة على المولى خالص حقهم وهو محتمل للاسقاط فيسقط باسقاطهم ويبقى أصل ديونهم على العبد وقد عتق فيتبعوه بجميع ذلك وان اختاروا اتباع العبد بدينهم ولم يبرؤا المولي من شئ لم يكن هذا براءة منهم للمولى لان المولى في مقدار القيمة متحمل لهم عن العبد بمنزلة الكفيل ومطالبة الاصيل بالدين لا توجب براءة الكفيل بدون الابراء وكذلك لو اختاروا ضمان المولى كان لهم أن يتبعوا العبد بجميع دينهم إذا لم يقبضوا من المولى شيأ لان اختيارهم تضمين المولى بمنزلة مطالبة الكفيل بالدين وذلك غير مبرئ للاصيل بخلاف التدبير فهناك حقهم أحد شيئين اما القيمة على المولى أو استيفاء الدين من كسبه على ملك المولي فاختيارهم أحد الامرين يوجب براءة الآخر وههنا قد ثبت حقهم في الامرين جميعا لتقرر سببهما في مطالبة المعتق بجميع الدين لانه في ذمته وفى مطالبة المولى بالقيمة لانه متحمل لذلك القدر (ألا ترى) انهم إذا أخذوا القيمة من المولى كان لهم أن يتبعوا العبد ببقية دينهم فلهذا لا يكون اختيارهم تضمين أحدهما ابراء للآخر ولو اختار بعض الغرماء اتباع المولي وأبرؤا المولي من أن يكون يتبعه بشئ من القيمة لم يكن لهم بعد ذلك أن يتبعوه بشئ لصحة الابراء منهم له عن ذلك في حقهم وتكون القيمة كلها لاصحاب الدين الذين اختاروا تضمين المولى لان النقصان كان لمزاحمة الآخرين وقد زال ذلك بالابراء فالتحق بما لو لم يكن الا دينهم وهذا بخلاف التدبير فهناك مزاحمة الذين اختاروا استسعاء العبد لم ينعدم في حق المولى لان سعايته ملك المولى فلهذا لا يدفع إلى الذين اختاروا ضمانه لان حصتهم من القيمة وهنا مزاحمة الذين أبرؤا المولى قد انعدمت في حقه من كل وجه لانهم يأخذون دينهم من سعاية هي خالص ملك المعتق لا حق للمولى فيه فلهذا لزمه دفع جميع القيمة إلى الذين اختاروا تضمينه ولهم الخيار كما بينا فان آخذوا المولى لم يرجع على العبد بشئ لانه ضامن لاتلافه محل حقهم أو لانه متحمل عن العبد ولم يستوجب بهذا التحمل شيأ على العبد وان آخذوا العبد لم يرجع علي المولى بشئ لانه أصيل قضي دينه بملكه وما أخذ واحد منهم من القيمة التى على المولى اشترك فيها جميع من اختار
[ 60 ] ضمان المولى لان وجوب القيمة لهم على المولى بسبب واحد ولان القيمة كالثمن لو بيعت الرقبة في ديونهم وما أخذ واحد من الغرماء من العبد بعد عتقه فهو له خاصة لا يشاركه فيه الغرماء لانه حرو دين الحر في ذمته لا تعلق له بسكبه وانما وجب دين كل واحد منهم في ذمته بسبب على حدة بخلاف التدبير فانه بعد التدبير مملوك والدين في ذمة المملوك يكون شاغلا لكسبه فلهذا إذا خص أحدهم بقضاء الدين دون أصحابه لم يسلم ذلك له ولو لحق العبد المأذون دين كبير فأعتقه المولى وأخذ ما في يده من المال فاستهلكه ثم اختار الغرماء اتباع العبد وأخذوا منه الدين رجع العبد على المولى في المال الذى أخذ منه بما أداه من الدين وضمنه ذلك لان كسبه انما كان يسلم للمولى بشرط براءته عن الدين ولم يوجد وهو غير متبرع فيما أدى من الدين من خالص ملكه بعد العتق بل هو مجبر على ذلك فيكون له أن يرجع على المولى فيما استهلكه من كسبه بذلك المقدار وان كان قائما في يد المولى اتبعه العبد حتى يستوفى منه مقدار ما أدى وما فضل منه فهو للمولى وكذلك لو لم يوف العبد الدين ولكن الغرماء أبرؤه منه لم يرجع على المولى بشئ من ذلك المال لانه كان اكتسبه في حال رقه وقد فرغ من دينه فيكون سالما للمولى وكذلك ان كانت أمة فاعتقها وأخذ منها مالها وولدها وأرش يدها وقد كان الدين لحقها قبل الولادة والجناية ثم حضر الغرماء فان المولى يجبر على أن يدفع إليها مالها لتقضي دينها لان كسبها لا يسلم للمولى مع قيام الدين عليها ولا يجبر علي دفع الولد والارش ان كان لم يعتقها ولكن تباع فيقضى من ثمنها ومن ارش اليد الدين لان الولد ليس من كسبها في شئ بل هو ملك المولى كرقبتها وليس للغرماء أن يعينوا على المولي قضاء الدين من مالية الولد ولكن الخيار في ذلك إلى المولي فان أرادوا بيع الرقبة لهم في ديونهم وفي الرقبة وفاء بحقوقهم فقد وصل إليهم كمال حقهم وارش اليد من جنس حقهم فإذا استوفوا حقهم منه لا يبقى لهم على الولد سبيل وان كان المولي أعتقها فللغرماء أن يرجعوا عليه بقيمتها لانه أتلف ماليتها عليهم ثم يباع ولدها في دينهم أيضا لانه انفصل بعد تعلق حقهم بماليتها ويأخذون من المولى الارش أيضا لانه بدل ما كان تعلق حقهم به ثم يتبعون الامة بما بقى من دينهم لانها قد أعتقت وان شاؤا اتبعوها بجميع الدين وتركوا اتباع المولي فان اتبعوها بدينهم فأخذوه منها سلم للمولى ولدا لامة وما أخذ من ارش يدها لم يكن لها أن ترجع على المولى بالولد والارش كما لا ترجع بقيمة نفسها اعتبار للجزء بالكل والمعنى ان المولى يرجع بما يملكه من جهتها
[ 61 ] ولها أن ترجع على المولى بما أخذ من مالها لانه كان يتملكه من جهتها فلا يسلم له ذلك الا ببراءتها عن الدين فكذلك لو باعها للغرماء بدينهم وقبض الثمن ثم أعتق المشترى الجارية فان شاء الغرماء أخذوا الثمن واتبعوا الجارية بما بقى من دينهم لان ما بقى استقر في ذمتها فعليها قضاؤه من ملكها بعد العتق وان شاؤا اتبعوها بجميع دينهم فان أخذوا ذلك منها سلم للمولي الثمن لانها أصل في جميع الدين والمولى في مقدار الثمن كالكفيل والاصيل إذا قضى الدين من ملكه لم يكن له أن يرجع على الكفيل بشئ فكذلك إذا كان المولى كاتبها باذن الغرماء ما كان لهم أن يأخذوا جميع ما يقبض المولى من المكاتبة لان ذلك كسبها وحقهم باق في كسبها وان نفذت الكتابة فيها برضاهم فليس لهم أن يرجعوا فيها بشئ من دينهم ما دامت مكاتبة لان المكاتبة التى استوفوا في معنى بدل الرقبة فإذا وصل إليهم بدل الرقبة لا يبقى لهم سبيل على كسبها ما لم تعتق (ألا ترى) أن كتابة المولى اياها باذن الغرماء كبيعها ولو باعها برضاهم وأخذوا ثمنها لم يبق لهم على كسبها سبيل ما لم تعتق فكذلك ههنا فان قبض المولى جميع المكاتبة وعتقت فالغرماء بالخيار ان شاؤا أخذوا المكاتبة من السيد لانه بدل ما تعلق به حقهم ثم اتبعوا الامة بما بقي من دينهم لا نها قد عتقت وان شاؤا أخذوا الامة بجميع دينهم فان أخذوه منها سلمت المكاتبة للمولى بمنزلة الثمن الذى أخذه المولى ببيعها برضاهم وهذا لان كل واحد منهما بدل الرقبة وحكم البدل حكم الاصل وملك الرقبة للمولي ما كان مستفادا من جهتها وهى فيما قضت من الدين أصل فلا ترجع على المولى بشئ بما كان متحملا عنها لغرمائها وإذا أذن للعبد في التجارة فلحقه دين كبير ثم ان المولى كاتبه فللغرماء أن يفسخوا الكتابة لانهم يتضرون بما باشره المولى من حيث انه يتعذر عليهم استيفاء الدين من مالية الرقبة بالبيع والكتابة تحتمل الفسخ فيفسخونها لدفع الضرر عنهم كما يفسخون البيع وكما يفسخ الشريك الكتابة فان لم يعلموا ذلك حتى أدى الكتابة إلى المولي فقد عتق بادائها لوجود شرط العتق والمولي كان يملك تنجيز العتق فيه مع اشتغاله بحق الغرماء فيصح منه أيضا تعلق العتق باداء المال ويعتق بالاداء ثم للغرماء أن يأخذوا الكتابة من المولى فيقتسمونها بينهم بالحصص لان المؤدى كسب العبد وحق الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى فلا ينتقض العتق باستيفائهم بدل الكتابة من المولى لانه لا ناقض للعتق بعد الوقوع وللغرماء أن يضمنوا المولي قيمته لانه أتلف عليهم مالية الرقبة بعد ما تعلق حقهم بها بخلاف المسألة الاولى فهناك انما كاتبه برضاهم فكذلك يضمن لهم القيمة ثم
[ 62 ] يتبعوا العبد بما بقى من ديونهم لانه حر فعليه قضاء دينه من خالص ملكه وان شاؤا اتبعوا العبد بجميع دينهم لتقرر الدين في ذمته بعد ما عتق وتسلم الكتابة للمولى وليس للعبد أن يرجع عليه بشئ مما أدى لان الكتابة بدل ما سلم للعبد من جهة المولى وهو العتق فلا يكون له أن يرجع على المولى بشئ منه * فان قيل فالغرماء إذا استوفوا الكتابة ينبغى أن لا يكون لهم أن يضمنوا المولى القمية لان بدل الرقبة سلم لهم وان كانت الكتابة بمنزلة كسبه وليست ببدل عن رقبته فينبغي للمكاتب أن يرجع به على المولي كما إذا أخذ كسب عبده المأذون وأعتقه فقضى الدين من خالص ملكه كان له أن يرجع على المولى بما أخذ منه من كسبه * قلنا الموجود في حق الغرماء كسب العبد واستيفاء الكسب لا يبطل حقهم عن بدل الرقبة فأما فيما بين المولى والمكاتب فهو بدل عما أوجبه للمكاتب وقد سلم ذلك للمكاتب من جهته وهذا لان المولى بعقد الكتابة يكون مسقطا حقه عن كسبه فيأخذون من المولى ما استوفى باعتبار أنه كسبه ولو كان العبد أدى بعض الكتابة ثم جاء الغرماء فلهم أن يطلبوا الكتابة ويباع العبد لهم في دينهم لان احتمال الكتابة بالفسخ بعد قبض البدل كما كان قبله ويأخذون ما قبض المولى من الكتابة لانه كسب العبد المأذون فإذا أجازوا المكاتبة جازت لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وما كان قبض المولى وما بقى منها فهو بين الغرماء كما لو كانت الكتابة باذنهم لما بينا أن المقبوض كسب العبد فان كان ما قبض المولي منها هلك قبل الاجازة لم يكن للغرماء الا ما بقى من الكتابة لان اجازتهم دليل الرضا منهم بقبض ما قبضه المولى فكان أمينا فيه غير ضامن بالهلاك في يده ولو أجاز المكاتبة بعض الغرماء دون البعض لم يجبر لان لكل واحد منهم حق نقض الكتابة لا جل دينهم وبعضهم لا يملك ابطال حق النقض والذى أجاز قد أسقط حق نفسه فكأنه لم يكن في الابتداء الا حق الذى لم يجز ولو أراد وارد المكاتبة فاعطاهم المولى دينهم أو أعطاهم ذلك المكاتب فأبوا أن يقبلوا وأرادوا رد المكاتبة لم يكن لهم ذلك لان حقهم في ديونهم فإذا وصل إليهم كمال حقهم فقد زال المانع من نفوذ الكتابة وهم متعنتون في الاباء لانهم يفسخون الكتابة ليبيعوه في ديونهم وقد وصلت الهيم ديونهم فلهذا لا يكون لهم أن يفسخوا الكتابة والله أعلم (باب العبد بين رجلين يلحقه دين) (قال رحمه الله) وإذا كان العبد بين رجلين فأذنا له في التجارة ثم أدانه أحد الموليين
[ 63 ] مائه درهم وادانه أجنبي مائة درهم ثم بيع العبد بمائة درهم أو قتل واستوفيت القيمة مائة درهم من قاتله أو مات وخلف مائة درهم من كسبه فعند أبى حنيفة رحمه الله تقسم هذه المائة بين الاجنبي والمولى الدائن اثلاثا بطريق العول يضرب الاجنبي فيه بمائة والمولى الدائن بخمسين وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم بينهما على طريق المنازعة أرباعا ثلاثة أرباعها للاجنبي وربعها للمولى الدائن وجه قولهما أن نصف المائة نصيب المولي الدائن ودينه لا يثبت في نفسه فيسلم ذلك للاجنبي خاصة ونصفه نصيب الذي لم يدن وقد استوفى فيه حق الأجنبي وحق المولى الدائن من دين كل واحد منهما فيه مقدار خمسين فيقسم ذلك بينهما نصفين وأبو حنيفة رحمه الله يقول محل الدين هو الذمة وانما المال محل قضاء الدين لا محل وجوب الدين وجميع دين الاجنبي ثابت في ذمة العبد والثابت من دين المولى نصفه لان نصف العبد ملكه ولا يستوجب المولى على عبده دينا فيضرب كل واحد منهما بجميع ما ثبت من دينه لان قسمة كسب العبد بين غرمائه كقسمة التركة بين الغرماء وإذا اجتمع في التركة دين مائة لرجل ودين خمسون لآخر والتركة مائة فانه يضرب كل واحد منهما فيها بجميع حقه وتكون التركة بينهما أثلاثا فهذا مثله وهذه المسألة بنظائرها واضدادها قد تقدم بيانها في كتاب الدعوى فلهذا اقتصرنا على هذا الحرف لكل واحد منهما لان مسائل الباب على هذا تدور ولو ادانه كل واحد من الموليين مائة درهم وادانه أجنبي مائة درهم والمسألة بحالها فنصف المائة للاجنبي ونصفها للموليين أما عندهما فلان نصيب الاكبر فارغ عن دينه وقد استوى فيه الاصغر مع الاجنبي لان الثابت من دين كل واحد منهما فيه بقدر خمسين فيكون بينهما نصفين وكذلك نصيب الاصغر منهما فارغ عن دينه وقد استوى فيه حق الاكبر والاجنبي فيقسم بينهما نصفين فبالقسمتين يسلم للاجنبي نصف المائة ولكل واحد من الموليين ربع المائة فاما عند أبى حنيفة فلان الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسون ودين الاجنبي ثابت كله فيضرب الاجنبي بمائة وكل واحد من الموليين بخمسين فكان للاجنبي نصف المائة وللموليين نصفها بينهما نصفين وإذا كان رجلان شريكين شركة مفاوضه أو عنان وبينهما عبد ليس من شركتهما فادانه أحدهما مائة درهم من شركتهما وادانه أجنبي مائة ثم مات العبد وترك مائة أو بيع بمائة فللا جنبي ثلثها وللشريكين ثلثها لان ادانة أحد الشريكين في المال المشترك كادانتهما جميعا فصار كل واحد منهما مدينا له بقدر الخمسين ثم نصيب الاكبر منهما فارغ عن حقه وقد اجتمع
[ 64 ] فيه من دين الاجنبي خمسون درهما ومن دين الاصغر خمسة وعشرون لانه كان مدينا بجميعه خمسين علي مقدار حقهما أثلاثا وكذلك نصيب الا صغر يقسم بين الاصغر والاجنبي أثلاثا بهذا الطريق فبالقسمة يحصل للاجنبي ثلثا المائة وللموليين ثلث المائة وعند أبى حنيفة دين الأجنبي وهو مائة كله ثابت والثابت من دين كل واحد من الموليين مقدار خمسة وعشرين فإذا جعلت كل خمسة وعشرين سهما صارت المالية التى للاجنبي اربعة أسهم ولكل واحد من الموليين سهم فتكون القسمة على ستة أربعة للاجنبي وذلك ثلثا المائة وسهمان للموليين وذلك ثلث المائة ولو كانت شركتهما شركة عنان والعبد من شركتهما فاداناه مائة درهم من غير شركتهما وأدانه أجنبي مائة درهم كان ثلثا المال للاجنبي وثلثه بين الموليين لما قلنا ان كل واحد منهما صار مدينا له في مقدار خمسين نصف ذلك لا في نصيبه فلم يثبت ونصفه يثبت باعتبار شريكه فكان الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسة وعشرين ودين الاجنبي ثابت كله فتكون القسمة بينهم على ستة أسهم على ما بينا ولو كان العبد من شركتهما فاداناه وادانه أحدهما مائة من شركتهما وادانه أجنبي مائة والمسألة بحالها فالمائة كلها للاجنبي ولا شئ لواحد من الشريكين ههنا لان العبد والمال كله من شركتهما فلا يثبت شئ من دين الموليين لاتحاد المستحق واتحاد حكم الواجب والمحل الذى يقضى منه وانما الثابت دين الاجنبي خاصه وهو نظير مالو كان العبد لواحد فأدانه مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فان الثمن كله للاجنبي ولا يكون للمولى منه شئ وإذا أذن أحد الرجلين لعبد بينهما في التجارة ثم أدانه أحدهما مائة وأدانه أجنبي مائة ثم ان المولى الذى لم يأذن للعبد غاب وحضر الاجنبي فأراد بيع نصيب المولى الذى أذن العبد في دينه بيع له لان دينه متعلق بنصيب كل واحد منهما والحاضر منهما خصم في نصيبه وليس بخصم في نصيب الغائب ولكن أحد النصفين ينفرد عن الآخر في البيع في الدين فلا يتأخر بيع نصيب الحاضر لغيبه الآخر فان بيع بخسمين درهما أخذها الاجنبي كلها لانه لا يثبت شئ من دين المولى الدائن في نصيبه فيسلم نصيبه للاجنبي فان حضر المولي الآخر فانه يباع نصيبه للاجنبي وللمولي الذى أدانه فيقتسمان ذلك نصفين لان دين كل واحد منهما ثابت في نصيبه وقد استويا في ذلك فان الباقي من دين الأجنبي فيه خمسون والثابت من دين المولى الدائن فيه خمسون فلهذا يقسم نصيبه بينهما نصفين وهذا شاهد لهما على أبى حنيفة ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول قد تميز نصيب أحدهما عن نصيب الآخر ههنا حين بيع نصيب كل واحد
[ 65 ] منهما بعقد على حدة فلا بد من اعتبار حال كل واحد من النصيبين على الانفراد ولو كان ثمن نصيب المولى الذى أدان العبد توى على المشترى وبيع نصيب الذى لم يدن بخمسين درهما أو باكثر أو باقل فان ذلك يقسم بينهما أثلاثا سهم للاجنبي وسهم للمولى الذى أدان لانه لم يصل إلى الاجنبي شى ء من حقه وجميع دينه ثابت في كل جزء من العبد فهو يضرب بمائة والمولي الدائن يضرب بما ثبت من دينه وذلك خمسون فلهذا قسم هذا النصف بينهما أثلاثا وهو دليل لابي حنيفة في انه يتيمز في حكم الدين بعض العبد عن البعض فان اقتسماه كذلك ثم خرجت الخمسون الاولى أخذها الاجنبي كلها لانه قد بقى من دينه هذا القدر وزيادة ولا حق للمولي الدائن في ثمن نصيبه فيأخذها الاجنبي كلها وكذلك لو كانت أكثر من خمسين درهما حتى تزيد عن ثلثى المائة فتكون الزيادة للمولى الذى أدان لانه قد وصل إلى الأجنبي كمال حقه والباقى ثمن نصيب المولى الدائن قد فرغ من الدين وسلم له ولا يرجع واحد من الموليين على صاحبه بشئ لان نصيب المولي الذى لم يدن استحق بدين كان متعلقا بنصيبه برضاه فلا يرجع على صاحبه بشئ وكذلك بخروج ما توى لا يتبين فساد في سبب القسمة الاولى لانه لا يتبين أن جميع دين الاجنبي لم يكن ثابتا يومئذ وإذا كان العبد بين رجلين فأدنا له في التجارة ثم ان كل واحد منهما أدانه مائة درهم من رجل آخر وأدانه أجنبي مائة ثم بيع بمائة درهم فالمائه بين الاجنبي والموليين اثلاثا لكل واحد منهما ثلثها لان كل واحد من هذه الديون ثابت بكماله في الفصلين جميعا والمولي انمالا يستوجب على عبده دينا لنفسه وكل واحد من الموليين في الادانة ههنا نائب عن صاحب المال فكان صاحب المال هو الذى أدانه بنفسه فلهذا كانت المائة اثلاثا بينهم ولو كان المال الذي أدانه الموليان كل واحد من المالين بين المولي الذى أدانه وبين أجنبي قد أمره بادانته والمسألة بحالها فان المائة تقسم على عشرة أسهم أربعة للاجنبي الذى أدان العبد وأربعة للاجنبيين اللذين شاركهما الموليان في المائتين لكل واحد منهما سهمان ولكل واحد من الموليين سهم لان كل واحد من الموليين نائب عن شريكه في نصف ما ادانه فيثبت على العبد جميع نصيب كل واحد من الشريكين وفي النصف كل واحد منهما دائن لنفسه فيثبت نصف ذلك النصف باعتبار نصيب شريكه من العبد ولا يثبت نصفه باعتبار نصيبه من العبد فكان الثابت على العبد للاجنبي مائة درهم ولكل واحد من شريكي الموليين خمسون ولكل واحد من الموليين خمسة وعشرون فإذا جعلت كل خمسة وعشرين سهما كان الكل عشرة أسهم
[ 66 ] فلهذا كانت القسمة بينهم على ذلك وإذا كان العبد بين رجلين وقيمته مائتا درهم فأدانة أجنبي مائة فحضر الغريم وطلب دينه وغاب أحد الموليين فان نصيب الغائب لا يقضى فيه بشئ حتى يحضر لما بينا أن كل واحد من الموليين خصم في نصيبه خاصة وأحدهما ليس بخصم عن صاحبه في نصيبه ولكن بيع نصيب الحاضر يتأنى منفردا عن نصيب الغائب فلهذا يباع نصيب الحاضر فان بيع بمائة درهم أخذها الغريم كلها لان جيمع دينه كان ثابتا في كل جزء من العبد والذى بيع جزء من العبد ولا فضل في ثمنه على دينه فيأخذ جميع ذلك قضاء بدينه فإذا حضر الغائب كان للذى بيع نصيبه أن يتبعه بخمسين في نصيبه حتى يباع فيه أو بعضه لان نصف الدين كان قضاؤه مستحقا من نصيب هذا الذى حضر وقد استوفى من نصيب الآخر بغير اختياره أو باختياره ولكنه غير متبرع في ذلك بل كان محتاجا إليه لتخليص ملكه فيرجع على صاحبه في نصيبه بخمسين بمنزلة الوارثين لو اقتسما التركة وغاب أحدهما ثم حضر الغريم واستوفى جميع دينه من نصيب الحاضر كان له أن يرجع على شريكه بنصف ما أخذه الغريم منه فهذا كذلك وإذا رجع في نصيبه بخمسين فذلك دين في نصيبه يباع فيه أو يقضيه وكذلك لو كان العبد قتل فأخذ الحاضر نصف قيمته كان للغريم أن يأخذه كله ويرجع المأخوذ منه في نصيب شريكه إذا حضر وقبض لان الواجب بالقتل بدل العبد كما أن الواجب بالبيع ثمن العبد فيعتبر حكم أحدهما بالآخر ولو كان العبد بين رجلين فاذنا له في التجارة فلحقه من الدين ألفا درهم لرجلين لكل واحد منهما ألف درهم وفى يده ألف درهم فأخذها أحد الموليين فاستهلكها ومات العبد فللغريمين أن يأخذا المستهلك بالالف فيقتسمانه نصفين لان حقهما في كسب العبد مقدم على حق الموليين فالمستهلك بمنزلة الغاصب فان رفعاه في ذلك إلى القاضي فقضى عليه بدفعها اليهما ولم يقبضا شيأ حتى ابرأ أحد الغريمين العبد والموليين من دينه فان الغريم الآخر يأخذ المستهلك بجميع الالف لان سبب استحقاق كل واحد منهما لجميع الالف معلوم واتما كانت القسمة بينهما لاجل المزاحمة فإذا زالت المزاحمة بان أبرأه أحدهما كان للآخر جميع الالف كالشفيعين إذا أسلم أحدهما الشفعة الا أن هناك يفصل بين ما قبل القضاء لهما بالدار وما بعد القضاء لان بالقضاء يتملك كل واحد منهما نصف الدار ومن ضرورته بطلان حق صاحبه عن ذلك النصف وههنا بالقضاء لا يتملك كل واحد منهما شيئا لم يكن له قبل القضاء فبقى حق كل واحد منهما في جميع الالف بعد القضاء كما قبله
[ 67 ] وانما هذا بمنزلة التركة فان حرا لو مات وترك ألفا وعليه دين لرجلين لكل واحد منهما ألف فقضى القاضى بقسمتها بينهما فلم يقسماها ولم يقبضاها حتى أبرأ أحد الغريمين الميت من دينه كانت الالف كلها للغريم الباقي ولو اقتسماها وقبضاها ثم أبرأ أحدهما الميت من دينه سلم له ما أخذ ولم يكن لصاحبه من ذلك شئ لان البراءة اسقاط لما بقى من حقه دون ماتم استيفاؤه فكذلك في غريمي العبد لو أخذ الالف من المولي المستهلك ثم أبرأ أحدهما العبد من دينه سلم لكل واحد منهما ما قبض فكذلك في هذه الفصول لو كان مولى العبد واحدا ولو كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة واقر العبد بالف في يديه انها وديعة لرجل وأنكر الموليان فالقياس في هذا أن يأخذ المولى الذى لم يأذن له نصف الالف لان ما في يد العبد كسبه ولكل واحد من الموليين نصفه بطريق الظاهر واقرار العبد ليس بحجة في نصيب الذى لم يأذن له فيسلم له نصف الالف وهو حجة في نصيب الآذن لوجود الرضا منه بذلك حين أذن له في التجارة فكان هذا النصف للمستودع ولكنا نستحسن فنجعل الالف كلها للمستودع لان اذن أحدهما في نفوذ تصرف العبد كاذنهما والاقرار من التجارة فكما ينفذ جميع تجارة العبد باذن أحدهما فكذلك ينفذ اقراره باذن أحدهما ويتبين باقراره أن المال للمودع وانما يثبت حق الموليين في كسب العبد وإذا ثبت باقراره ان هذا المال ليس من كسبه كان للمودع كله ولو لم يقر بالوديعة حتى قبض الموليان منه الالف ثم أقر بعد ذلك أنها وديعة لفلان وكذباه لم يصدق على الالف لان بأخذ الموليين خرج المقبوض من أن يكون كسبا للعبد وصار بحيث لا ينفذ فيه سائر تصرفاته فكذلك لا ينفذ فيه اقراره لان نفوذ الاقرار باعتبار نفوذ سائر التصرفات بخلاف الاول وهناك المال باق في يده فينفذ فيه تصرفه فينفذ اقراره ويكون الثابت باقراره كالثابت بالبينة ولو شهد الشهود عليه بالف درهم وديعة لهذا الرجل ولكنهم لا يعرفونه بعينها فقال العبد هي هذه الالف كان مصدقا في ذلك فهذا مثله ثم لا شئ عليه في الوديعة إذا كان اقراره بعد أخذ الموليين لانه لم يتلفظها وانما أخذها الموليان بغير رضاه ولو أخذها أجنبي منه غصبا وجحدها لم يضمن العبد شيأ فكذلك إذا أخذها الموليان منه ولو أذن للعبد أحد الموليين في التجارة فأدانه أجنبي مائه وأدانه الذى أذن مائة درهم فان نصيبه يباع في دين الاجنبي خاصة لانه لا يستوجب الدين في نصيب نفسه ولا في نصيب شريكه فان شريكه لم يضمن باستحقاق نصيبه بالدين فلهذا يباع نصبه في دين الاجنبي خاصة ولو كان أدانه
[ 68 ] الذى لم يأذن له مائه درهم فان كان انما أدانه قبل ادانة الاجنبي فادانته اذن له في التجارة لانه معاملة منه مع العبد وقد بينا ان دليل الرضا بتصرفه فإذا أدانه الاجنبي بعد ذلك كان ثمن العبد إذا بيع بينهما اثلاثا في قول أبى حنيفة رحمه الله وارباعا في قولهما وهى مسألة أول الباب وان كان أدانه بعد الأجنبي فانه يباع من العبد نصفه وهو حصة المولى الذى كان أذن له فيضرب فيه الاجنبي بجميع دينه ويضرب فيه المولي الذى أدانه بخمسين فيقتسمان ذلك النصف أثلاثا ولا يلحق حصة الذى أدانه من دين الأجنبي شئ لان ثبوت الاذن في نصيبه كان ضمنا لادانته وقد حصل بعد ادانة الاجنبي والدين السابق على الاذن لا يتعلق بمالية العبد وان وجد الاذن بعد ذلك كالعبد المحجور إذا لحقه دين بتجارته ثم أذن المولي له في التجارة لا يلحقه ذلك الدين ما لم يعتق فهذا كذلك ولما ثبت أن نصيب المدين فارغ عن دين الاجنبي بقى جميع دينه في نصيب الذى أذن له وقد ثبت فيه أيضا من دين المولى الدائن خمسون فلهذا قسم ثمن نصيبه بينهما أثلاثا والله أعلم (باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه مالا يعمل به) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى عبده مالا يعمل به بشهود وأذن له في التجارة فباع واشترى فلحقه دين ثم مات وفي يده مال ولا يعرف مال المولى بعينه فجميع ما في يد العبد بين غرمائة لا شئ للمولى منه لان مال المولى كان أمانة في يده وقد مات مجهلا له والامانة بالتجهيل تصير دينا والمولى لا يستوجب على عبده دينا وما في يده كسبه بطريق الظاهر فيكون مصروفا إلى غرمائه ولا شئ للمولى منه الا أن يعرف شئ للمولى بعينه فيأخذه دون الغرماء لانه عين ملكه وليس من كسب العبد في شئ وكذلك لو عرف شئ بعينه اشتراه بمال المولى أو باع به مال المولى لانه بدل ملكه بعينه وحكم البدل حكم المبدل وهذا لا نه يجوز أن تكون عين ملك المولى في يد عبده على سبيل الامانة كما يجوز أن تكون في يد حر ولو كان دفعه إلى آخر فمات كان هو أحق بما عرف من ماله بعينه أو ببدله فهذا مثله الا أن هناك اذالم يعرف بعينه صار دينا وهو يستوجب الدين على الحر وهنا يصير دينا أيضا ولكن هو لا يستوجب دينا على عبده فيبطل وإذا أقر العبد في حصته بعد ما لحقه الدين بان هذا المال الذى في يده بعينه هو مال مولاه الذى دفعه إليه لم يصدق على ذلك
[ 69 ] لانه تعلق بذلك المال حق غرمائه والمولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث ثم اقرار المورث لوارثه بعين بعد تعلق الحقوق بها لا يكون صحيحا فكذلك اقرار العبد لمولاه والا صح أن نقول العبد في حق مولاه متهم فيجعل هو في الاقرار له بالعتق بعد تعلق حق الغرماء بالمال بمنزلة المريض يقر لانسان بعين وعليه ديون في الصحة وهناك لا يصح اقراره في حق غرماء الصحة فهذا كذلك الا أن يعرفه الشهود بعينه فحينئذ قد ثبت ملكه بحجة لاتهمة فيها أو يقر به للغرماء فيكون الثابت في حقهم بتصديقهم كالثابت بالبينة وهو نظير اقرار المريض المديون بوديعة الاجنبي فان أقام ذلك الرجل بينة انه أودعه عبدا وقبضه المريض الا أن الشهود لا يعرفون العبد بعينه لم يصدق على الغرماء في استحقاق المقر له ملك العين ولكن إذا مات المريض بيع العبد فيقسم ثمنه بين الغرماء وبين المستودع يضرب فيه المستودع بقيمته لانه يثبت بالبينة انه أودعه العبد ولم يصح منه تعين العبد فقد مات مجهلا له والوديعة بالتجهيل تصير دينا ووجوب هذا الدين بسبب لاتهمة فيه والقول في تلك القيمة ان اختلفوا قول الغرماء مع أيمانهم لا نكارهم الزيادة ولو أن العبد أقر بالوديعة بعينها لاجنبي كان اقراره جائزا والاجنبي أحق بهامن الغرماء وان لم يكن له بينة على أصل الوديعة لانه غير متهم في حق الاجنبي وهذا لانه مأذون أقر بعين بعد ما لحقه الدين واقرار المأذون بالدفع بعد ما لحقه دين صحيح فكذا إذا أقر بالعين (ألا ترى) انه لو أقر بدين استحق المقر له مزاحمة سائر الغرماء فكذلك إذا أقر له بعين استحق العين دونهم بخلاف المريض فانه محجور لحق الغرماء حتى لو أقر بدين لم يصح اقراره في حق غرماء الصحة فكذلك إذا أقر بالدين ولو دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشترى الطعام خاصة فاشترى به رقيقا فشراؤه اياه جائز عليه في عتقه لانه خالف أمر المولى وتنفيذ العقد عليه ممكن لكونه مأذونا وليس للبائع أن يأخذ الثمن من المال الذى دفعه إليه المولى لان الثمن فيما اشتراه لنفسه دين في ذمته وانما يقضى ديونه من كسبه لامن أمانة للمولى في يده وكذلك لو لم يكن مأذونا له ولكنه دفع إليه المال وأمره أن يشترى به الطعام لانه بهذا يصير مأذونا له فقد رضى المولى بنوع من تصرفه فان نقد الثمن من مال مولاه كان للمولى أن يتبع البائع بذلك المال حتى يسترده منه بعينه أو مثله ان كان هالكا لانه غاصب في قبضه مال المولى لنفسه على وجه التملك ثم يرجع البائع على العبد لان قبضه انتقض من الاصل وكان الثمن دينا في ذمه العبد فبقي كما كان وللبائع
[ 70 ] أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه ولو أن المولى اشترى متاعا من عبده المأذون بمثل ثمنه فو جائز لانه غير متهم في ذلك فانه ليس في تصرفه ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به وهو كالمريض يبيع عينا من أجنبي بمثل قيمته وعليه ديون الصحة * فان قيل لماذا لم يجعل هذا بمنزلة بيع المريض من وراثه بمثل قيمته حتى لا يجوز في قول أبى حنيفة رحمه الله فان المولي يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث * قلنا منع المريض من هذا التصرف مع الوارث عبده لحق سائر الورثة لان حقهم متعلق بعين ماله وفي هذا التصرف ايثار بعض الورثة على البعض بالعين فأما ههنا المنع لحق الغرماء وحق الغرماء في المالية دون العين (ألا ترى) أن للمولى أن يستخلص اكسابه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر وليس في البيع بمثل القيمة ابطال حقهم عن شئ من المالية فإذا أجاز البيع طالب العبد مولاه بالثمن لحق غرمائه سواء سلم إليه المبيع أو لم يسلم لان المولي في هذه الحاله كالاجنبي من كسبه لحق غرمائه ولو حابا فيه بما يتغابن الناس فيه أو بما لا يتغابن الناس فيه فهو سواء ويقال للمولى أنت بالخيار ان شئت فانتقض البيع وان شئت فأد جميع قيمة ما اشتيرت وخذ ما اشتريت لان في المحاباة ابطال حق الغرماء عن شئ من المالية والعبد في ذلك متهم في حق المولي والمحاباة اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء كما في حق المرتهن لان تصرفه ما كان بتسليط من الغرماء وانما يتخير المولي لانه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها * فان قيل هذا قولهما فأما عند أبى حنيفة فالبيع فاسد يمنزلة بيع المريض من وارثه فان هناك لما تمكنت تهمة الايثار في تصرفه فسد العقد عنده فكذلك هنا بخلاف البيع بمثل القيمة والاصح ان هذا قولهم جميعا لان العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الاجنبي فان كان المولي قبضه واستهلكه فعليه كمال القيمة لان المحاباة لا تسلم له وقد تعذر الرد بالا ستهلاك فعليه القيمة والقول قوله في فصل القيمة لانه منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه الا أن يقيم الغرماء البينة على أكثر من ذلك ولو كان المولى هو الذى باع متاعه من العبد بمثل قيمته أو أقل منها فبيعه جائز لانه مفيد فانه يخرج به من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا منه قبل ذلك لحق الغرماء ويدخل به في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق الغرماء وهذا التكلف عندهما فأما عند أبى حنيفة فالمولى لا يملك كسب عبده المديون كما لا يملك كسب مكاتبه فيحوز البيع بينهما وللمولى أن يمنع البيع حتى يستوفى الثمن كما لو باعه من مكاتبه وهذا
[ 71 ] لان البيع يزيل العتق عن ملك البائع ولا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن فيبقى ملك اليد للمولي على ما كان حتى يستوفى الثمن فان دفع إليه الثمن وقبض ما اشترى فهو جائز ولا سبيل للغرماء على المولى فيما قبض من الثمن لان المبيع خلف عن الثمن في تعلق حق الغرماء به ولو سلم المولى ما باعه إلى العبد قبل أن يقبض الثمن والثمن دين على العبد فقبض العبد لما اشترى جائز وهو للغرماء ولا شئ للمولى من الثمن وعند أبى يوسف قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض فان كان قائما في يده فللمولى أن يسترده حتى يستوفى الثمن من العبد وجه ظاهر الرواية أنه بتسلم المبيع أسقط حقه في الحبس وملك اليد الذى كان باقيا له فلو بقى الثمن بقى دينا في ذمة العبد والمولى لم يستوجب على عبده دينا وجه قول أبى يوسف انه انما أسقط حقه في العين بشرط أن يسلم له الثمن ولم يسلم فيبقي حقه في العين على حاله ويتمكن من استرداده ما بقيت العين لانه يجوز أن يكون له ملك العين فيما في يد عبده فكذلك يجوز أن يكون له ملك اليد فيه فاما بعد الاستهلاك فقد صار دينا * ولو كان الثمن عروضا كان المولى أحق بذلك الثمن من الغرماء لانه بالعقد ملك العرض بعينه ويجوز أن يكون عين ملكه في عبده وهو أحق به من الغرماء ولو كان المولي باع متاعه من عبده بأكثر من قيمته بقليل أو كثير فالزيادة لا تسلم للمولي لكونه متهما في المعاملة مع المولى بحق الغرماء ويكون المولى بالخيار ان شاء نقض البيع وان شاء أخذ من العبد قدر قيمة ما باع وأبطل الفضل لانه ما رضى بخروجه عن ملكه الا بشرط سلامة جميع الثمن له ولم يسلم وإذا خرج العبد الي مصر فاتجر فيه فلحقه دين ثم قال لم يأذن لي مولاى فلان في التجارة وقال الغرماء قد أذن لك فللغرماء بيع جميع ما في يده في دينهم استحسانا وفى القياس لا يباع شئ مما في يده حتى يحضر المولي فتقوم عليه البينة بالاذن لان السبب الموجب للحجر عليه وهو الرق معلوم والغرماء يدعون عارض الاذن والعبد ليس بخصم في ذلك ما لم يحضر مولاه وأكثر ما فيه أن تكون معاملته معهم اقرارا منه بانه مأذون له ولكن اقراره لا يكون حجة على المولي وما في يده من الكسب ملك المولي كرقبته فكما لا تباع رقبته في الدين حتى يحضر المولي فكذلك لا يباع كسبة وجه الاستحسان ان الظاهر شاهد للغرماء لان استبداد العبد بالتصرف معهم دليل ظاهر على كونه مأذونا ومن حيث العرف الانسان لا يبعث عبده إلى مصر آخر ما لم يأذن له في التجارة ولكن هذا الظاهر حجة في دفع الاستحقاق لا في اثبات الا ستحقاق وفي حق الرقبة حاجتهم
[ 72 ] إلى استحقاق ماليتها على المولي والظاهر لا يكفى لذلك فما لم يحضر المولي لا تباع الرقبة فأما في حق الكسب فحاجتهم إلى دفع استحقاق المولى لان المولى يستحق الكسب من جهة عبده بشرط الفراغ عن دينه * يوضحه أن الكسب حصل في يده بسبب معاملته وديونهم وجبت بذلك السبب أيضا فهم أحق بالكسب حتى يستوفوا ديونهم منهم بطريق اقامة البدل مقام المبدل وأما الرقبة فسلامتها للمولى لم يكن بالسبب الذى به وجبت الديون عليه فلهذا لاتباع حتى يحضر مولاه فان أقام الغرماء البينة ان العبد مأذون له وهو يجحد والمولى غائب لم تقبل بينتهم لخلوها عن الفائدة فان حقهم ثابت في الكسب من غير بينة والعبد ليس بخصم في حق الرقبة فلو لم تقم البينة على الاذن وأقر به العبد بيع ما في يده أيضا ولم تبع رقبته لان الخصم في الرقبة المولى واقرار العبد ليس بحجة على المولى فان حضر مولاه بعد ما باع القاضي ما في يده فقضاه الغرماء فأنكر أن يكون أذن له في التجارة فان القاضى يسأل الغرماء البينة على الاذن من المولى لا نهم يدعون عليه الاذن العارض فلا بد أن يقيم البينة عليه فان أقاموها والا ردوا ما أخذوا * فان قيل فأين ذهب قولكم انهم يستحقون ما في يده باعتبار الظاهر * قلنا نعم ولكن هذا الاستحقاق انما يكون في حق من لم يثبت له حقيقة الاستحقاق بعد ذلك قبل أن يحضر المولى لان الملك في رقبته للمولى لا يثبت حقيقة ما لم يحضر فيصدقه في ذلك (ألا ترى) أنه لو حضر وقال هو حر أو ملك فلان لغيره لم يكن له في كسبه سبب الاستحقاق حقيقة فأما بعد ما حضر وادعى رقبته فقد ظهر استحقاقه حقيقة لكسبه فيسقط اعتبار هذا الظاهر بعد هذا ويحتاج الغرماء إلى اثبات السبب الموجب للاستحقاق لهم في كسبه ورقبته على المولى وذلك الاذن فإذا لم يقيموا البينة على ذلك لزمهم رد ما أخذوا وإذا اشتري العبد من رجل متاعا فقال الرجل للعبد أنت محجور عليك فلا أدفع اليك ما اشتريت منى وقال العبد أنا مأذون لى فالقول في ذلك قول العبد لان معاملة الرجل معه اقرار منه بصحة المعاملة وكونه مأذونا له في التجارة فانه لا يحل للرجل أن يعامل عبد الغير الا أن يكون مأوذنا له فهو في قوله أنت محجور عليك مناقض في كلامه ساع في نقض ما تم به فلا يقبل قوله ولا يمين على العبد لان اليمين تنبنى على صحة الدعوى ودعوى الحجر باطلة للتناقض وكذلك لو أقام البينة على ذلك لم يقبل منه ويجبر على دفع ما باع وأخذ الثمن منه كما التزمه بالبيع وكذلك لو كان العبد هو البائع قال المشترى أنت
[ 73 ] محجور عليك وقال العبد أنا مأذون لى فالقول قول العبد لما بينا ويجبر المشترى علي أخذ ما اشترى ودفع الثمن ولا يمين على العبد ولا تقبل بينة المشترى على انه محجور عليه ولا على اقرار العبد به عند غير القاضى أنه محجور عليه لانه مناقض في هذه الدعوى لانه قد تقدم منه الاقرار بانه مأذون له وان أقر العبد بذلك عند القاضى رد البيع لان المشترى وان كان مناقضا فقد صدقه خصمه والمناقض إذا صدقه خصمه يقبل قوله * يوضحه ان تصادقهما على انه محجور عليه اقرار منهما ببطلان البيع ولو تقايلا البيع عن تراض جاز فان حضر المولى بعد ذلك فقال كنت أذنت له في التجارة جاز النقض الذى كان فيما بين البائع والمشترى ولم يلتفت إلى قول المولى لان تصادقهما على بطلان البيع بمنزلة الاقالة منهما والاقالة من العبد المأذون صحيحة وكذلك إذا قال لم آذن له ولكن أجزت بيعه لم يبطل ذلك النقض لان تصداقهما على بطلان البيع يوجب انتفاء البيع مأذونا كان أو غير مأذون والاجازة انما تلحق البيع الموقوف دون المنتقض ولو لم يحكم القاضى بنقض البيع حتى حضر المولى فقال كنت أذنت له أو قال لم آذن له ولكني أجزت البيع جاز ذلك البيع لانهما لو كانا متناقضين في كلامهما فبنفس التكلم لا ينتقض البيع منهما ما لم يتأكد ذلك بقضاء القاضى فإذا كان البيع قائما قبل أن يحكم القاضي بنقضه لحقه الاجازة من جهة المولى وينفذ باقراره بانه كان مأذونا وهذا لانهما ينكران أصل جواز البيع وانما يجعل ذلك عبارة عن نقض البيع بنوع اجتهاد فاما في الحقيقة فنقض الشئ تصرف فيه بعد صحته وانكار الشئ من الاصل لا يكون تصرفا فيه بالنقض بعد صحته كما أن انكار الزوج النكاح لا يكون اقرارا بالطلاق فإذا كان مجتهدا فيه لا يثبت حكمه الا بقضاء القاضى ولو باع العبد متاعا لرجل ثم قال هذا الذى بعتك لمولاي لم يأذن لى في بيعه وأنا محجور على وقال المشترى كذبت وأنت مأذون لك فالقول قول المشترى لان اقدامهما على البيع اقرار منهما بصحته فلا يقبل قول من يدعي بطلانه بعد ذلك وكذلك لو كان العبد هو المشترى ثم قال أنا محجور على لم يصدق ويجبر على دفع الثمن فان حضر المولى وقال لم آذن له في شئ فالقول قوله ويرد البيع والشراء لان الاذن مدعي على المولى وهو ينكر وكذلك لو أن عبدا ابتاع من عبد شيأ فقال أحدهما أنا محجور على وقال الآخر أنا وأنت مأذون لنا فالقول قول الذى يدعى منهما الجواز للبيع والشراء لوجود الاقرار من صاحبه بذلك ولا يمين عليه ولا تقبل بينة الآخر بالحجر ولا على اقراره به عند غير القاضى لكونه
[ 74 ] مناقضا في دعواه ولو أقر بذلك عند القاضى أخذ بذلك وأبطل البيع بينهما لتصادقهما على بطلان البيع وإذا اشترى الرجل وباع ولا يدري أحر هو أو عبد فلحقه دين كثير ثم قال أنا عبد فلان وصدقه فلان وقال هو عبدى محجور عليه وقال الغرماء هو حر فالدين لازم للعبد يباع به الا أن يفديه مولاه لان الظاهر من حال مجهول الحال الحرية وقد ثبت للغرماء حق مطالبته بديونهم في الحال فهو إذا أقر بالرق وصدقه المولى فقد زعما ان حق الغرماء متأخر إلى ما بعد عتقه وذلك غير مقبول منهما في حق الغرماء كما لو ادعى المديون أجلا في الدين ثم ليس من ضرورة ثبوت الرق باقراره ان تتأخر ديونهم إلى ما بعد العتق بل يجوز أن يكون مطالبا بالدين في الحال وان كان رقيقا كالعبد المأذون أو المحجور في دين الاستهلاك فهو نظير مجهولة الحال إذا أقرت بالرق لا يقبل اقرارها في ابطال النكاح لهذا المعنى وإذا بقى مطالبا في الحال بالدين وهو رقيق بيع فيه الا أن يفديه مولاه لانه ظهر وجوب هذا الدين في حق المولى والدين لا يجب على العبد الا شاغلا مالية رقبته ولو جني عبده جناية باقرار أو ببينة ثم قال أنا عبد فلان فصدقه فلان بذلك وقال ولى الجناية بل هو حر فهو عبد لفلان ولا حق لا صحاب الجناية في رقبته لانهم ينكرون تعلق الجناية برقبته ويزعمون ان حقهم على عاقلته ولا يعرف له عاقلة ثم بين ثبوت الرق باقراره ووجوب ارش الجناية على عاقلته منافاة وبين حريته كما زعموا واستحقاق رقبته بالجناية منافاة والمتنافيان لا يجتمعان واقرار صاحب الحق معتبر في حقه لا محالة فإذا أقر أنه حرلم يكن له على أخذ الرقبة سبيل بخلاف الاول فالدين هناك واجب عليه حرا كان أو عبدا الا أنه إذا ثبت رقه يستوفى الدين من مالية رقبته أو من كسبه وقد ثبت رقه باقراره وكذلك عبد مأذون عليه دين فقال غرماؤه لمولاه قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فان العبد يباع للغرماء لانهم يدعون العتق والضمان على المولى والمولى منكر فإذا لم يثبت عتقه بقى مستحق البيع في الدين كما كان ولو كان جنى جناية فقال أصحاب الجناية للمولى قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فالعبد عبد المولى على حاله لانكاره العتق ولا شئ لا صحاب الجناية لانهم يزعمون أنه لم يبق لهم حق قبل العبد وانما حقهم قبل المولى وهو الفداء إذا كان عالما والقيمة بالاستهلاك إذا لم يكن عالما ولا يستحقون ذلك على المولى الا باقامة البينة على العتق وسقط حقهم عن العبد لا قرارهم بانه لاحق لهم في رقبته بخلاف الدين فهناك ما أقروا بسقوط حقهم عن ذمة العبد بالعتق (ألا ترى) ان ما ادعوا
[ 75 ] من العتق لو كان ظاهرا بقي الدين بعده في ذمه العبد وللغرماء أن يطالبوه بجميع ذلك وفى الجناية لو كان العتق ظاهرا فرغ به العبد من الجنايه فلا يكون للاولياء عليه سبيل بعد ذلك فكذلك إذا ثبت ذلك في حق الاولياء باقرارهم والله أعلم (باب اقرار العبد المأذون بالدين) (قال رحمه الله وإذا أقر المأذون بالدين من غصب أو غيره لزمه صدقه المولى أولم يصدقه لان الغصب يوجب الملك في المضمون عند أداء الضمان فالضمان الواجب به من جنس ضمان التجارة واقرار المأذون بمثله صحيح ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين كان شريكه مطالبا وكذلك لو أقر انه اشترى جارية فوطئها فوجوب العقر هنا باعتبار الشراء لولاه لكان الواجب الحد وكذلك لو غصب جارية بكرا فافتضها رجل في يده ثم هرب كان لمولاه أن يأخذ العبد بعقرها لان الفائت بالافتضاض جزء من ماليتها وهى مضمونة على العبد بجميع أجزائها فإذا فات جزء منها في ضمانه كان عليه بدل ذلك الجزء وهو مؤاخذ به في الحال اما لانه ضمان غصب والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا كان أو محجورا أو لان هذا من جنس ضمان التجارة ولو أقر العبد انه وطئ جارية هذا الرجل بنكاح بغير اذن مولاه فافتضها لم يصدق لانه ليس من التجارة ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين لم يلزم شريكه فان صدقه مولاه بذلك بدئ بدين الغرماء لان تصديق المولى في حق الغرماء ليس بحجة فوجوده كعدمه فان بقي شئ أخذه مولى الجارية من عقرها لان الباقي حق مولى العبد وتصديق مولى العبد في حقه معتبر ولو كان هذا السبب معاينا كان لمولي الجارية أن يأخذ عقرها من كسبه في الحال فكذا إذا ثبت بتصادقهما عليه ولو تزوج العبد المأذون وعليه دين امرأة باذن مولاه كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها وبما يجب لها من النفقة وهذا لان النكاح باذن المولى صحيح مع قيام الدين عليه فان الدين لا يزيل ملكه عن رقبته وانما تثبت ولا ية التزويج باعتبار ملكه ثم في النكاح منفعة الغرماء لانه يستعف به والمرأة تعينه على الاكتساب لقضاء الدين فظهر وجوب الدين بهذا السبب في حق الغرماء فلهذا كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها ونفقتها ولو كان العبد أقر انه وطئها بنكاح وجحد المولى أن يكون أذن له في ذلك لم يؤخذ بالمهر حتى يعتق لان انفكاك الحجر عنه في التجارة والنكاح ليس بتجارة فالمأذون
[ 76 ] فيه والمحجور سواء ولو أقر المحجور بذلك وكذبه المولى لم يؤاخذ بشئ حتى يعتق وكذلك لو أقر انه وطئ أمة بنكاح فافتضها باذن مولاه أو بغير اذن مولاه ومولاه يجحد ذلك فاقراره بهذا لا يكون حجة على المولى ولا يظهر الدين به في حق المولى لانه لولا النكاح لكان الواجب عليه الحد سواء كانت الموطوءة حرة أو أمة فلهذا لا يطالب بشئ حتى يعتق وكذلك لو أقر انه افتضها باصبعه غاصبا كان اقراره باطلا في قياس قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لانه بمنزلة الجناية فانه اقرار باتلاف جزء من الآدمى فهو كاقراره بقطع يدها أو رجلها وفى قول أبى يوسف رحمه الله اقراره جائز ويضرب مولاها بمهرها مع الغرماء لانه اقرار بدين الاستهلاك والفائت بهذا الفعل جزء من المالية (ألا ترى) أن هذا السبب لو كان معاينا يباع ولا يدفع به واقرار المأذون بدين الاستهلاك صحيح في مزاحمة الغرماء وفي حق المولى وقد بينا المسألة في كتاب الاقرار فان كان أقر انه غصبها ثم افتضها باصبعه فان اختار المقر له التضمين بالغصب كان الاقرار صحيحا لان ضمان الغصب من جنس ضمان التجارة فالاقرار به صحيح ويجعل في الحكم كان غيره فعل بها ذلك في ضمان العبد وان اختار التضمين بالافتضاض فهو علي الخلاف عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله الاقرار باطل وعند أبى يوسف رحمه الله هو صحيح كما بينا وإذا كان على المأذون دين كثير فاقر بدين لزمه ذلك وتخاصموا فيه لانه مطلق التصرف مادام مأذونا وان لحقه الدين فاقراره يكون حجة بمنزلة البينة في اثبات المزاحمة للمقر له مع سائر الغرماء وهذا لان الاقرارين متى جمعهما حالة واحدة يجعلان كأنهما كانا معا وكما وجب تصحيح اقرار المأذون في حق المولى لحاجته إلى ذلك في تجارته يجب تصحيحه في حق غرمائه لان الناس إذا علموا أن اقراره لهم لا يصح بعد لحوق الدين تحرزوا عن معاملته ولو أقر بشئ بعينه في يديه انه لفلان غصبه منه أو أودعه اياه وعليه دين كثير بدئ بالذى أقر بعينه لان اقراره بالعين صحيح مادام مأذونا ويكون الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة وبين أن المقر به ليس من كسبه فلا يتعلق به حق غرمائه وان أتى ذلك على ما في يده ولو أقر بعبد في يده انه ابن فلان أو دعه اياه أو قال هو حر لم يملك فالقول قوله لانه نفى ملكه عن هذا العين ولم يظهر له فيه سبب الملك فان الظاهر كونه في يده واليد في الآدمى لا تكون دليل الملك (ألا ترى) ان من في يده لو ادعى ذلك وقال لست بملك له بل أنا حر كان القول قوله ولا سبيل للغرماء عليه فكذلك إذا أقر به المأذون ولو اشترى المأذون من رجل عبدا ونقده الثمن وعليه دين أو لا دين عليه ثم أقر ان
[ 77 ] البائع أعتق هذا العبد قبل أن يبيعه اياه وانه حر الاصل وأنكر البائع ذلك فالعبد مملوك على حاله لان سبب الملك للمأذون فيه قد ظهر وهو شراؤه وانقياد العبد له عند الشراء اقرار منه بانه مملوك حتى لو ادعى بعد ذلك أنه حر الاصل وان البائع أعتقه لم يقبل قوله فيه الا بحجة فاقرار المأذون بذلك بعد ظهور سبب الملك له فيه مع انكار البائع بمنزلة اعتقاقه اياه والمأذون لا يملك الاعتاق فلا يقبل قوله فيما يوجب العتاق له لان كل واحد من الكلامين ابطال للملك بعد ظهوره في المحل بظهور سببه بخلاف الاول فالذي ظهر للمأذون هناك اليد في العبد وهو ليس بدليل الملك فيكون كلامه انكارا لتملكه لا ابطالا للملك الثابت فيه وكذلك لو أقر بالتدبير من البائع أو كانت جارية فأقر بولادتها من البائع لان التدبير والاستيلاد يوجب حق العتق للملوك والعبد ليس من أهل ايجابه فلا يصح اقراره به لحقيقة العتق فان صدقه البائع انتقض البيع بينهما ورجع بالثمن عليه لانهما تصادقا أن البيع كان باطلا بينهما وهما يملكان نقض البيع باتفاقهما بالاقالة فيعمل بعد تصادقهما على بطلانه ويرجع العبد بالثمن عليه والحرية أو حق الحرية يثبت للمملوك بعد تصديق البائع من جهته والبائع أهل لايجاب ذلك بان يشتريه من العبد ثم يعتقه بخلاف الاول فهناك البائع منكر والبيع بينهما صحيح باعتبار الظاهر فلو ثبتت الحرية أو حقها للمملوك فانما تثبت من جهة المأذون وهو ليس بأهل لذلك ولو أقر المأذون أن البائع كان باعه من فلان قبل أن يبعه منه وقبضه فلان منه ونقده الثمن وجاء فلان يدعى ذلك فهو مصدق على ذلك ويدفع العبد إلى المقر له لان كلامه اقرار بالملك في العبد للمقر له وهو من أهل أن نوجب الملك له فيه بطريق التجارة فيكون قوله مقبولا في الاقرار بالملك له وانما يثبت الملك للمقر له ههنا من جهة العبد بمنزلة مالو أقر له بالملك مطلقا بخلاف الاول فكلامه هناك ابطال للملك والعبد ليس من أهله ثم لا يرجع على البائع بالثمن الا بينة يقيمها علي ما ادعى أو يقر البائع به أو يأبى اليمين لان اقراره ليس بحجة على البائع والبائع مستحق الثمن باعتبار صحة البيع ظاهرا فلا يبطل استحقاقه الا بالبينة أو باقراره أو بما يقوم مقام اقراره وهو النكول * فان قيل كيف تقبل البينه من المأذون أو يحلف البائع علي دعواه وهو مناقض في هذه الدعوى لان اقدامه على الشراء اقرار منه بالملك لبائعه وبصحة البيع فقوله بعد ذلك بخلافه يكون تناقضا * قلنا لا كذلك بل هذا اقرار منه ان البائع بسبيل من بيعه لانه وكيل المشترى أو بائع له بغير أمر المشترى على أن يجيزه المشترى فإذا أبى أن يجيزه كان له أن يرجع بالثمن عليه فلهذا قبلنا بينته على
[ 78 ] ذلك وحلفنا البائع لانه ادعي عليه مالو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلفه عليه ولو باع العبد جارية من رجل وقبضها ذلك الرجل بمحضر من الجارية ولا يدري ما حالها فادعي رجل انها ابنته وصدقه بذلك المشترى والعبد فالجارية ابنة الرجل وترد إليه ولا ينتقض البيع فيما بينهما لانها مملوكة للمشترى بما جرى من البيع بينه وبين العبد وقد أقر انها حرة بنت المدعي واقراره بذلك صحيح في ملكه لانه يملك ايجاب الحرية فيها من قبله فيصح الاقرار به أيضا ولا ينتقض البيع فيما بينهما لان المأذون قد استحق الثمن عليه فلا يقبل قوله في ابطال ملكه عن الثمن من غير أن يعود إليه بمقابلته شئ وهذا لان الجارية لما انقادت للبيع والتسليم فذلك اقرار منها انها كانت مملوكة للعبد حتى لو ادعت الحرية بعد ذلك لا يقبل قولها الا بحجة فاقرار العبد بعد ذلك انها كانت حرة الاصل يكون ابطالا لملكه الثابت فيها ظاهرا وقوله في ذلك غير مقبول وليس من ضرورة ثبوت النسب والحرية لها بتصديق المشترى رجوعه على العبد بالثمن ولو كان اشتراها من رجل وقبضها منه فأقر البائع بذلك أيضا انتقضت البيوع كلها ويرجعوا بالثمن لان بائعها من العبد أهل لا يجاب الحرية لها في ملكه فيصح اقراره بحريتها ويكون هذا تصادقا منه على بطلان البيع جميعا وهم متمكنون من ذلك بنقض البيعين بالاقالة فيعمل تصادقهم على ابطالها ويرجع بالثمن بعضهم على البعض بخلاف الاول فهناك لو عمل تصديق العبد كانت الحرية لها من جهته وكسب المأذون لا يحتمل ذلك ولو كان المأذون اشتراها من رجل بمحضر منها وقبضها وهى ساكتة لا تنكر ثم باعها من رجل وقبض الثمن ثم ادعى أجنبي أنها ابنته وصدقه في ذلك المأذون والجارية والمشترى وأنكر ذلك البائع من العبد فالجارية حرة بنت الذى ادعاها باقرار المشترى ولا يبطل البيع الذى كان بين العبد وبين المشترى الآخر لما بينا أن المشترى من العبد يملك ايجاب الحرية فيها فيعمل تصديقه للاجنبي في ملكه والعبد لا يملك ذلك في كسبه فلا يعمل تصديقه في ذلك وكذلك لو ادعى المشترى الآخر ان الذى باعها من العبد كان أعتقها قبل أن يبعها أو دبرها أو ولدت وصدقه العبد بذلك فاقرار المشترى من العبد بذلك صحيح لتمكنه من ايجاب الحرية أو حق الحرية لها وتصديق العبد اياه بذلك باطل فان كان أقر بالحرية فهى حرة موقوفة الولاء لان المشترى ينفى ولاءها عن نفسه ويزعم ان البائع الاول أعتقها وهو منكر لذلك فتكون موقوفة الولاء ولو كان أقر فيها بتدبير أو ولادة فهى موقوفة في ملك المشترى الآخر فإذا مات البائع الاول عتقت لان المشترى
[ 79 ] الآخر مقر بان عتقها تعلق بموت البائع الاول والبائع الاول مقر أن اقرار المشترى الآخر فيها نافذ لانها مملوكة له ولا يرجع بالثمن على العبد حتى يعتق فيرجع به عليه حينئذ لانه بالتصديق صار مقرا بوجوب رد الثمن عليه ولكن لم يصح اقراره بهذا مع قيام الرق لحق مولاه وغرمائه فإذا زال ذلك بالعتق كان مأخوذا به كما لو أقر بكفالة أو مهر وكذلك لو كان المأذون منكرا لجميع ذلك الا أنه لا يرجع عليه بالثمن في هذا الفصل بعد العتق أيضا لان المشترى يدعي وجوب رد الثمن عليه وهو منكر لذلك فما لم يثبت المشترى دعوه بالحجة لا يرجع عليه بخلاف الاول فهناك العبد مصدق له مقر بوجوب رد الثمن عليه بسبب لا يحتمل الفسخ فيجعل كالمجدد للاقرار به بعد العتق فيرجع عليه بالثمن ولو كان المشترى الآخر ادعى ان الذى باعها من العبد كان كاتبها قبل أن يبعها وصدقه المأذون في ذلك أو كذبه وادعت الامة ذلك لم تكن مكاتبة وهى أمة للمشترى يبيعها ان شاء لان الكتابة تحتمل الفسخ وقد عجزت هي عن أداء بدل الكتابة بجهالة من يؤدى البدل إليه لان المشترى الآخر يزعم أنها مكاتبة للبائع الاول وأنه لا ينفعها دفع البدل إليه والبائع الاول ينكر ذلك ويزعم أنها مكاتبة للمشترى الآخر باقراره فصارت كما لو عجزت عن أداء البدل لعدم ما تؤدى البدل به في يدها وذلك موجب انفساخ الكتابة فإذا انفسخت كانت أمة فالمشترى يبيعها ان شاء وان كان على المأذون دين فأقر بشئ في يده أنه وديعة لمولاه أو لابن مولاه أو لا بيه أو لعبدله تاجر عليه دين أو لادين عليه أو لمكاتب مولاه أو لام ولده فاقراره لمولاه ولمكاتبه وعبده وأم ولده باطل لان حق غرمائه تعلق بكسبه والمولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن اقرار المريض لوارثه أو لعبده أو لمكاتبه لا يصح لكونه متهما في ذلك فكذلك اقرار العبد لمولاه لان سبب التهمة بينهما قائم وكذلك لعبد مولاه أو لام ولده فان كسبهما لمولاه وكذلك اقراره لمكاتب مولاه لان للمولى في كسب المكاتب حق الملك فأما اقراره لابن مولاه أو لابنه فجائز لانه ليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك (ألا ترى) أن المريض إذا أقر لا بى وارثه أو لابن وارثه جاز اقراره لهذا المعنى وإذا صح الاقرار صار المقربه بعينة ملكا للمقر له فلا يتعلق به حق غرمائه كما لو أقر به لا جنبي ولو لم يكن على العبد دين كان اقراره جائزا في ذلك كله لانه لا تهمة في اقراره فانه لا حق لا حد في كسبه وان لحقه دين بعد ذلك لا يبل حكم ذلك الاقرار بمنزلة الصحيح إذا أقر بعين لو ارثه ثم مرض ومات فاقراره يكون صحيحا وان كان
[ 80 ] أقر بدين لاحد منهم ثم لحقه دين بعد ذلك لم يكن للمقرله شئ ان كان هو المولي أو أم ولده أو عبده الذى لا دين عليه لان المولي لا يستوجب على عبده دينا فاقراره له ما كان ملزما اياه شيأ بخلاف اقراره له بالعين فقد يجوز أن يكون للمولى عين في يد عبده وأم ولده وعبده الذى لا دين عليه كسبهما للمولي فالاقرار لهما كالاقرار للمولى فان كان عليه دين أو كان أقر لمكاتب مولاه أو لابنه ثم لحقه دين اشتركوا في ذلك لان المقر له ههنا ممن يستوجب الدين على العبد وقد صح اقراره له لانتفاء التهمة حين لم يتعلق حق أحدهما بماله فهو كما لو أقر لا جنبي ثم لحقه دين آخر فيشتركون في كسبه وإذا أقر المأذون لابنه وهو حر أو لابنه أو لزوجته وهى حرة أو لمكاتب ابنه أو لعبد ابنه وعليه دين أولا دين عليه وعلى المأذون دين أو لادين عليه فاقراره لهؤلاء باطل في قول أبى حنيفة وفي قولهما اقراره لهؤلاء جائز ويشاركون الغرماء في كسبه وهذا لان كسب المأذون فيه حق غرمائه أو حق مولاه واقراره عند أبى حنيفة لمن لا تقبل شهادته في حق الغير باطل لو كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وفى قولهما اقراره لهؤلاء جائز بمنزلة اقراره لاخيه وأصل المسألة في اقرار أحد المتفاوضين لا بيه أو لابنه بدين أو وديعة لانه لا يجوز على شريكه في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو جائز في قولهما وقد بيناه في كتاب الاقرار والشركة أو هو بناء على بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له بمثل القيمة أو بالمحاباة وقد بيناه في كتاب البيوع وإذا كان على العبد المأذون دين فأذن لجارية له في التجارة فلحقها دين ثم أقرت له بوديعة في يدها لم تصدق علي ذلك لان المأذون في حقها بمنزلة المولى في حق المأذون وقد بينا أن اقرار المأذون المديون لمولاه بعين في يده غير صحيح فكذلك اقرارها له ولانها مملوكة للمولى إذا لم يكن على المأذون دين بالاتفاق فاقرارها له بالوديعة اقرار لعبد مولاها واقرار المأذون لعبد مولاه باطل وان أقر العبد لها بوديعة في يده صدق علي ذلك بمنزلة اقرار المولى لعبده بعين في يده فانه يكون صحيحا ويستوى ان كان على المأذون دين أولم يكن فتكون هي أحق به من الغرماء * فان قيل هي مملوكة للمولي المأذون فاقراره لها كاقراره لامة مولاه فينبغي أن لا يصح إذا كان على المأذون دين * قلنا نعم ولكن ان صح لم يكن عليها دين فجميع ما أقر لهابه قد يعود إليه ويكون مصروفا إلى غرمائه كسائر اكسابها فلا يكون في هذا الاقرار ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به ولا ابطال حق المولى بخلاف اقراره لامة مولاه فليست من كسبه لان فيه ابطال حق الغرماء عما أقر به لها وان كان
[ 81 ] عليها دين فاقراره لها يكون اقرارا لغرمائها واقرار المأذون لغرمائها صحيح لانهم منه بمنزلة الاجانب فلهذا جاز اقراره لها بخلاف اقرارها لانه إذا صح اقرارها له يخرج المقر به من أن يكون كسبا لها ويبطل حق غرمائها عنه فلهذا الايحكم بصحته وكذلك ان أقر لها بدين الا أن في الاقرار بالدين هي تشارك غرماء المأذون في كسبه وفى الاقرار بالعين هي أولى بالعين من غرماء المأذون فان كان بعض غرمائها مكاتبا للمولى أو عبدا مأذونا له في التجارة وعليه دين فان كان العبد المقر لادين عليه فاقراره لها بالدين والوديعة صحيح بمنزلة اقراره بذلك لغرمائها وان كان عليه دين فاقراره لها باطل لانه لو جاز ذلك شارك المكاتب والعبد بدينهما سائر غرمائه فيه واقراره لمكاتب مولاه أو لعبد مولاه باطل إذا كان عليه دين فكذلك اقراره بما يوجب الشرك لهما يكون باطلا (ألا ترى) أن رجلا لو مات وعليه دين لقوم شتى ثم حضر رجل آخر الموت فأقر للميت بوديعة ألف درهم في يده أو بدين ثم مات وبعض غرماء الميت الاول أحد ورثة الآخر كان اقراره باطلا لانه لو صح اقراره ثبتت لوارثه الشركة في المقر به ولو كان بعض غرماء الجارية أبا للمولى أو ابنه فأقر لهما العبد بوديعة أو دين وعلى العبد دين فاقراره جائز لان اقرارا المأذون لاب مولاه أو ابنه بالدين والعين صحيح فكذلك اقراره بما تثبت فيه الشركة لهما ولو كان بعض غرمائها أب العبد أو ابنه وعلى العبد دين أولا دين عليه فاقراره في قياس قول أبى حنيفة باطل وهو جائز في قولهما وهذا بناء على الاول في انه لو أقر لا بيه أو لابنه بدين أو عين لم يجز عند أبى حنيفة فكذلك اقراره بما يوجب الشركة لهما في المقر به وكذلك لو كان بعض غرمائها مكاتبا لابي العبد المأذون أو لابنه ولو كان بعض غرمائها أخا للعبد كان اقراره لها جائزا لانه لا تهمة في اقراره لاخته فكذلك لاتهمة في اقراره لها وان كان يثبت فيه الشركة لاخته وإذا أقر المأذون وعليه دين أولا دين عليه بدين كان عليه وهو محجور عليه من قرض أو غصب أو وديعة استهلكها فصدقه رب المال بذلك أو كذبه وقال ذلك بعد ما أذن لك مولاك في التجارة فالقول قول المقر له والمال لازم للعبد إذا لم يصدقه المقر له انه كان في حالة الحجر لانه من أهل التزام المال بالاقرار في الحال وقد أضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى وجوب المال عليه فان المال بهذه الاسباب يجب على المحجور عليه وان تأخر إلى عتقه فلم يكن هو في هذه الاضافة منكرا وجوب المال عليه بل هو مدع أجلا فيه إلى وقت عتقه فان صدقه المقر له بذلك لم يؤخذ بشئ منه حتى يعتق الا بالغصب
[ 82 ] خاصة فضمان الغصب يلزمه في الحال وان كذبه المقر له أخذ بالمال في الحال لان ما ادعى من الاجل لم يثبت عند تكذيب المقر له فكأنه ادعي الاجل إلى شهر في دين أقر به مطلقا وقيل في القرض والوديعة التى استهلكها هذا الجواب على قول أبى حنيفة ومحمد فأما عند أبى يوسف فيؤاخذ به في الحال وان صدقه كما في الغصب وقد بينا المسألة في الوديعة وكذلك الصبي والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء وقد أذن له في التجارة فيقر بنحو ذلك لان الاذن لهما في التجارة صحيح واقرارهما بعد الاذن نافذ كاقرار العبد وكما ينفذ اقرارهما بعد البلوغ عن عقل الا أنهما لا يؤاخذان بالقرض والوديعة المستهلكة إذا صدقهما المقر له في ذلك بعد الكبر والافاقة لان الثابت باقرارهما كالثابت بالمعانية وقد طعن عيسى رحمه الله في مسألة الصبي فقال هذا في قياس قول أبى حنيفة وأبى يوسف صحيح وهو خطأ في قول محمد على قياس مسألة الاقرار إذا أسلم حربى ثم قال لرجل غصبتك ألف درهم في دار الحرب وأنا حربى فاستهلكتها وقال الرجل غصبتها في دار الاسلام فالقول قول الحربى في قول محمد وكذلك إذا قال المولى لمعتقه أخذت منك ألف درهم في حال ماكنت عبدى فاستهلكتها وقال العبد بل أخذتها بعد العتق فالقول قول المولى عند محمد لانه ينكر وجوب الضمان عليه أصلا باضافته الاقرار إلى الحالة التى أضاف إليها فكذلك الصبي والمعتوه فانهما ينكران وجوب المال عليهما أصلا بالاضافة إلى حالة الحجر فينبغي أن لا يجب المال عليهما عند محمد وان كذبهما المقر له في الاضافة ولكنا نقول الاصح أن محمدا رحمه الله يفرق بين هذه الفصول فان في مسألة الحربى لا يجب عليه رد ما أخذه حال كونه حربيا وان كان غاصبا ذلك وكذلك في مسألة المولى لا يلزمه رد ما أخذه من العبد في حال قيام رقه وان كان غاصبا ذلك فانما أقر بمال لو علم صدقه لم يجب عليه رده قبل تبدل الحال فلا يكون اقراره ملزما شيأ والصبى أقر بما كان يجب رده لو كان معلوما حال قيام عينه لان ما استقرضه الصبي أو أخذه وديعة يجب رده مادام قائما بعينه فلا يخرج اقراره بهذه الاضافة من أن يكون ملتزما في الاصل فلهذا يلزمه الضمان إذا كذبه المقر له في الاضافة كما في فصل العبد فان أقاما البينة انهما فعلا ذلك قبل أن يؤذن لهما في التجارة وأقام المقر له البينة أنهما فعلا ذلك بعد ما أذن لهما في التجارة فالبينة بينة المقر له لان في بينته الزام المال والبينات لذلك شرعت ولانه أثبت بقاء العين في يدهما بعد ما أذن لهما في التجارة وذلك يدفع بينتهما على استهلاك العين قبل ان يؤذن لهما في التجارة فلهذا كان القول قوله والبينة بينته وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه
[ 83 ] ثم أذن له بعد ذلك ثم أقر انه كان استقرض من هذا الرجل ألف درهم في حال اذنه الاول وقبضها منه أو أنه كان استودعه في حال اذنه الاول ألف درهم فاستهلكها أو ما أشبه ذلك فصدقه رب المال أو كذبه فالمال لازم للعبد في الوجوه كلها ويحاص به غرماءه المعروفين لانه أقر وهو من أهل التزام المال بالاقرار في الحال وأضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى وجوب الضمان عليه بذلك السبب في الحال فهو بمنزلة اقراره بالدين مطلقا في المحاصة مع الغرماء فكذلك الصبي والمعتوه في نحو هذا بخلاف الاول فهناك أضاف الاقرار إلى حالة تنافى وجوب المال بذلك السبب على الصبي والمعتوه أصلا وعلى العبد ما لم يعتق فلهذا فرقنا بين تصديق المقر له في ذلك وتكذيبه هناك وسوينا بينهما ههنا ولو أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه فأقر بعد الحجر بغصب اغتصبه في حال اذنه أو بقرض أو بوديعة أو مضاربة استهلكها في حال اذنه فكذبه المولى ولا مال في يد العبد لم يصدق حتى يعتق لانه حين أقر فهو محجور عن الاقرار واقراره ليس بحجة في حق المولى إذا كذبه ولكن اقراره حجة في حق نفسه فإذا سقط حق المولى عنه بالعتق كان مؤاخذا به فان لم يعتق حتى أذن له المولى مرة أخرى سأله القاضى عما كان أقر به فان أقر به بعد الاذن الاخير أخذ به لان اقراره الاول في حالة الحجر كالمعدوم في حق المولى فكأنه ما أقر به حتي الا آن وهو منفك الحجر عنه حين أقر به الآن وان أنكر ذلك أو قال لم يكن اقرارى ذلك بحق وان كنت أقررت به في تلك الحالة لم يؤخذ به لانه لم يوجد بعد انفكاك الحجر منه اقرار ملزم في حق المولى واقراره في حالة الحجر مما كان ملزما في حق المولى فأكثر ما فيه انه ظهر ذلك بقوله الآن ولو كان ظاهرا عند القاضى بان كان في مجلسه في حالة الحجر لم يؤاخذ به في الاذن الآخر ما لم يعتق فكذلك إذا ظهر بقوله الآن والصبي والمعتوه في ذلك كالعبد ولو لم يكن أقر في حال حجره ولكن أقر في حال اذنه الآخر انه كان قد أقر وهو محجور عليا انه غصب من هذا الرجل ألف درهم في حال اذنه الاول أو انه أخذ منه ألف درهم وديعة أو مضاربة فاستهلكها وصدقه رب المال بذلك لم يلزمه حتى يعتق لان بتصادقهما ظهر اقراره في حالة الحجر ولو كان اقراره في حالة الحجر معلوما للقاضي لم يقض عليه بشئ حتى يعتق فكذلك إذا ظهر ذلك بتصادقهما ولو قال المقر له قد أقررت لي بذلك في حال اذنك الاول أو قال في حال اذنك الآخر فالقول قول المقر له لما بينا ان العبد أضاف الاقرار
[ 84 ] إلى حال لا ينافى التزام المال بالاقرار وان كان يتأخر إلى العتق فكان مدعيا للاجل لا منكرا للمال فإذا كذبه المقر له فيما ادعي من الاجل أخذ بالمال في الحال وان أقاما البينة على ذلك فالبينة بينة المقر له أيضا لان في بينته اثبات الملك في الحال ولانه لا منافاة بين البينتين فيجعل كان الامرين كانا وكانه أقر بذلك قبل الحجر وأقربه بعد الحجر أو أقر به بعد الحجر وأقر به في الاذن الآخر أيضا ولو كان ذلك من الصبي والمعتوه لم يلزمهما ذلك باقرارهما كما لزم العبد باقراره من غير بينة لانهما أضافا الاقرار إلى حالة معهودة تنافى صحة اقرارهما أصلا فكانا منكرين للمال بخلاف العبد فهو اضافة الاقرار إلى حالة الحجر وذلك لا ينافى صحة الاقرار في حقه فان قامت البينة للمقر له على اقرارهما به في حالة الاذن الاول أو في حالة الاذن الا آخر أخذا بذلك لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له وفى يده ألف درهم يعلم انها كانت في حال الاذن الا ول في يده فأقر أنها وديعة لفلان فهو مصدق في قول أبى حنيفة وكذلك لو أقر بالف في يده أنه غصبها من فلان في حالة الاذن الاول فهو مصدق في قول أبى حنيفة وقالا لا يصدق العبد على الالف وهى للمولى ويتبع المقر له العبد بما أقر له به في رقبته فيبيعه فيه وكذلك لو أقر بها بعد ما لحقه الدين في الاذن الثاني فالالف للمقر له في قول أبى حنيفة رحمه الله وعندهما هي للمولى وأصل هذه المسألة فيما إذا حجر المولى على عبده المأذون وفي يده مال فلم يأخذ المال من يده حتى أقر العبد بذلك المال بعينه لانسان أو أقر بدين له على نفسه فاقراره جائز عند أبي حنيفة وعندهما اقراره باطل وما في يده للمولى لان صحة اقراره في حق المولى باعتبار الاذن وقد ارتفع بالحجر فهو كما لو كان محجورا عليه في الاصل فاقر بعين في يده لانسان أو بدين وهناك اقراره في حق المولى باطل * يوضحه ان اقراره معتبر كسائر تصرفاته ولو أنشأ تصرفا آخر فيما في يده بعد الحجر لم ينفذ ذلك منه فكذلك إذا أقربه * يوضحه ان الحجر عليه لما كان منعا له من التجارة فيما في يده كان قائما مقام أخذ المال منه ولو أخذ المال منه لم يصح اقراره فيه بعد ذلك فكذلك إذا حجر عليه لان صحة اقراره لحاجته إليه في التجارة ولابي حنيفة حرفان أحدهما أن اقرره في هذا المال كان صحيحا في حال اذنه وانما كان يصح باعتبار يده على المال لا باعتبار كونه مأذونا (ألا ترى) انه لو أخذ المال منه ولم يحجر عليه لم يصح اقراره فيه بعد ذلك لانعدام يده فعرفنا ان صحة اقراره فيه بعد ذلك باعتبار يده ويده باقية بعد الحجر
[ 85 ] عليه ما لم يأخذ المال منه فيصح اقراره فيه كما قبل الحجر بخلاف ما بعد أخذ المال منه والثانى أن بقاء يده على المال أثر ذلك الاذن وبقاء أثر الشئ كبقاء أصله فيما يرجع إلى دفع الضرر كما ان بقاء العدة يجعل كبقاء أصل النكاح في المنع لدفع الضرر وصحة اقرار المأذون بالدين والعين لدفع الضرر عن الذين يعاملون معه والحاجة إلى دفع الضرر باقية بعد الحجر لانه لو لم يجز اقراره حجر المولى عليه أيضا إذا صار الكسب في يده قبل أن يقر بما عليه ثم لا يصح اقراره فيتضرر به الغرماء فلدفع الضرر جعلنا بقاء أثر الاذن كبقاء أصله بخلاف ما بعد أخذ المال منه لانه لم يبق هناك شئ من آثار ذلك الاذن وهذا على أصل أبى حنيفة مستمر فانه جعل السكر في العصير بعد الشده بمنزلة بقاء صفة الحلاوة في اباحة شربه والدليل عليه ان العبد بعد الحجر عليه هو الخصم في حقوق تجاراته حتى لو كان وجد المشترى منه بالمشترى عيبا كان له أن يخاصمه فيه كما قبل الحجر وصحة اقراره من حقوق تجاراته الا أنه لا يبقى ذلك بعد أخذ المال منه لانه لو بقى كان كلامه استحقاقا للملك على المولى ابتداء وذلك لا يجوز بعد الحجر فأما ما بقى الكسب في يده فيكون اقراره في المعنى انكارا لا ستحقاق المولى الا أن يكون استحقاقا عليه ابتداء وبخلاف انشاء التجارة فان ذلك اثبات سبب الاستحقاق ابتداء على المولى وهو غير محتاج إلى ذلك واقامة أثر الاذن مقام الاذن باعتبار الحاجة فلا يعدو موضعها إذا عرفنا هذا فنقول لاأثر للاذن الثاني فيما في يده من المال مما علم انه كان في الاذن الاول فيجعل وجوده كعدمه ولو لم يوجد كان الاقرار صحيحا عند أبى حنيفة في استحقاق المقر له العين وعندهما يكون اقراره باطلا فكذلك بعد الاذن الثاني الا أن عندهما اقراره في الاذن الثاني اقرارا بوديعة مستهلكة فيكون اقرارا بالدين وهو لو أقر بدين اتبعه المقر له في رقبته فباعه فيه فكذلك هنا وإذا أذن لعبده في التجارة فأقر انه كان أقر لهذا الرجل وهو محجور عليه بالف درهم وقال المقر له قد أقررت لي بعد الاذن فالقول قول المقر له لانه أضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى صحة اقراره فان اقرار العبد المحجور بالمال ملزم اياه بعد العتق ولو كان العبد صغيرا أو كان صغيرا حرا أو معتوها فأقروا بعد الاذن انهم قد أقروا له بذلك قبل الاذن كان القول قولهم لانهم أضافوا الاقرار إلى حالة معهودة تنافى صحة اقرارهم أصلا فلم يكن كلامهم في الحال اقرارا بشئ انما هو بمنزلة قول أحدهم أقررت لك بألف قبل أن أولد أو قبل أن أخلق فلا يلزمه شئ وان كذبه المقر له في الاضافة لانه منكر للمال في الحقيقة والله أعلم بالصواب
[ 86 ] (باب اقرار المحجور عليه) (قال رحمه الله) وهذا الباب بناء على الخلافية التى بيناها إذا أقر العبد بعد الحجر عليه بدين أو عين قائمة في يده مضمونة أو أمانة مستهلكة أو غير مستهلكة فانه يصدق فيما في يده من المال عند أبى حينفة ولا يصدق في استهلاك رقبته بالانفاق حتى إذا لم يف ما في يده بما عليه لاتباع رقبته فيه لان القياس أن لا يصح رق بعد الحجر في شئ مما في يده ولكنه استحسن أبوحينفة رحمه الله فأقام أثر الاذن مقام الاذن في تصحيح اقراره وهذا الاثر في المال الذى في يده لارقبته لانه لا يد له في رقبته بعد الحجر ولو ادعي انسان رقبته لم يكن هو خصما له ولا كسبه مستفادا للمولى من جهته بشرط الفراغ من دينه ورقبته كانت للمولى قبل الاذن فعادت كما كانت وان كان عليه دين في حال اذنه باقراره أو بينة كان ذلك الدين مقدما على ما أقر به بعد الحجر لان ذلك الدين لزمه حال الاطلاق فيكون سببه أقوى مما أقر به بعد الحجر و الضعيف لا يزاحم القوى كالدين المقر به في المرض مع دين الصحة في حق الحر و هذا لان ما في يديه من الكسب صار مستحقا للغرماء الذين وجبت ديونهم في حال الاذن وهو غير مصدق في ابطال استحقاقهم فكذلك في اثبات المزاحمة معهم وان لم يكن عليه دين ولم يقر بشئ حتى أخذ مولاه المال منه أو باعه ثم أقر بشئ من ذلك لم يصدق العبد فيه على شئ من ذلك المال أما إذا أخذ المال منه فلانه لم يبق أثر ذلك الاذن في المال المأخوذ منه وأما إذا باع فلانه يحول إلى ملك الشمترى وذلك مفوت محل الاذن لان محله كان ملك الاذن واقامة اثر مقام الاصل في حال بقاء محل الاصل لا بعد فواته ولان صحة اقراره قبل البيع باعتبار أنه هو الخصم في بقاء تجارته وقد انعدم ذلك بالبيع حتى لا يكون لاحد ممن عامله أن يخاصمه بعد ما باعه المولي في عيب ولا غيره فلا يصح اقراره بعد ذلك في حال رقه ولكنه يؤخذ به إذا عتق فيما هو دين عليه من ذلك لانه مخاطب فاقراره صحيح في حكم الالتزام في ذمته ولكنه لم يطالب به لحق المولي فإذا سقط حقه بالعتق أخذ بجميع ذلك والعبد الصغير في جميع ذلك بمنزلة الكبير الا أنه لا يؤخذ به بعد العتق لانه غير مخاطب فلا يكون التزامه صحيحا في حق نفسه وإذا حجر على عبده وفى يده ألف درهم فأخذها المولى ثم أقر العبد أنها كانت وديعة في يده لفلان وكذبه المولى لم يصدق على ذلك لانه لم يبق للعبد فيها يد حين أخذها المولى وكان صحة اقراره باعتبار يده فان عتق لم يلحقه من
[ 87 ] ذلك شئ لانه أقر بان المال كان في يده أمانة وقد أخذها المولي من غير رضا العبد وتسليطه فلا يكون ذلك موجبا للضمان عليه كما لو غصب الوديعة أجنبي من المودع والبضاعة والمضاربة أمانة في يده كالوديعة ولو كان غصبا أخذ به إذا اعتق لانه أقر بوجوب الضمان عليه بالغصب وقد عجز عن رد العين فعليه قيمتها ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم وعليه ألف درهم فأقر أن هذه الالف وديعة عنده لفلان أو مضاربة أو قرض أو غصب فلم يصدقه على ذلك وأخذها صاحب الدين من حقه ثم عتق العبد كانت الالف دينا عله يؤاخذ بها لانه في حق نفسه يجعل كانما أقربه حق وقد أقر انه قضى بعين مال الغير دينا عليه وذلك موجب للضمان عليه كان المال في يده امانة أو مضمونا ولو حجر عليه وفى يده الف درهم فأقر بدين الف درهم عليه ثم اقر ان هذه الالف وديعة عنده لفلان فالالف في قياس قول ابى حينفة لصاحب الدين لان صحة اقراره باعتبار ما في يده وكما لو أقر بالدين صار المقر به مستحقا للمقر له بالدين فاقراره بعد ذلك بالعين لغيره لابطال استحقاق الاول باطل بمنزلة الوارث إذا أقر بدين علي الميت مثل ما في يده من التركة ثم أقر بعين التركة لانسان آخر فإذا صرف المال إلى المقر له بالدين ثم عتق اتبعه صاحب الوديعة لانه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه واستفاد به براءة ذمته فيتبعه صاحب الوديعة بمثلها بعد العتق بخلاف ما يأخذه المولي منه لانه ما قضى به دينا في ذمته انما أزال المولى يده عنه من غير رضاه فيجعل في حقه كالهالك فلا ضمان عليه فيه ولو كان أقر أولا بالوديعة كانت الالف لصاحب الوديعة ويتبعه صاحب الدين بدينه بعد العتق وفى قول أبى يوسف ومحمد اقراره بالوديعة باطل والالف يأخذه المولى ولا يتبعه صاحب الوديعة إذا عتق فأما المقر له بالدين فيبيعه بعد العتق بدينه لان اقراره بالدين في ذمته صحيح ولو أقر اقرار متصلا فقال لفلان على ألف درهم وهذه الالف وديعة لفلان كانت الالف بينهما نصفين في قول أبى حنيفة لانه عطف أحد الكلامين على الآخر وفى آخر كلامه ما يغاير موجب أوله فيتوقف أوله على آخره ولان اقراره بالوديعة متصلا بالاقرار بالدين بمنزلة الاقرار بوديعة مستهلكة لانه حين قدم الاقرار بالدين قد صار كالمستهلك للوديعة فكأنه أقر بدين ودين في كلامه موصول فيكون الالف بينهما نصفين وإذا عتق أخذاه بما بقى لهما ولو بدأ في هذا الاقرار المتصل بالوديعة كانت الالف لصاحب الوديعة لانه يتلمك العين بنفس الاقرار والدين بعد ذلك يثبت في ذمته ثم يستحق به كسبه وقد تبين أن ما في يده لم يكن كسباله
[ 88 ] فلهذا لا يتعلق به حق المقر له بالدين ولو ادعيا جميعا فقال صدقتما كانت الالف بينهما نصفين لانه ما ظهر الاقرار بالوديعة الا والاقرار بالدين ظاهر وذلك يمنع تمام استحقاق العين للمقر له بالوديعة * والحاصل ان صحة اقراره ههنا باعتبار ما في يده كما أن صحة اقرار الوارث باعتبار ما في يده من التركة وقد بينا هذه الفصول في الوارث في كتاب الاقرار فكذلك في حق العبد المأذون بعد الحجر والعبد الصغير والحر الصغير بعد الحجر عليهما في هذا بمنزلة الكبير الا أنهما لا يؤاخذان بعد العتق والبلوغ بشئ مما يؤخذ به العبد الكبير بعد العتق لان اقرارهما في حقهما لم يصح ولو حجر على عبده وفى يده ألف درهم فأقر لرجل بدين ألف درهم أو بوديعة ألف درهم بعينها ثم ضاع المال لم يلحق العبد من ذلك شئ حتى يعتق لان صحة اقراره باعتبار ما في يده وقد انعدم ذلك بهلاك ما في يده فكأنه أقر ولا مال في يده فإذا عتق أخذ بالدين دون الوديعة لان ما أقربه كالمعاين في حقه ولو كان ذلك معاينا معلوما لم يلحقه معه بعد هلاك الوديعة في يده وكان مؤاخذا بالدين فهذا مثله ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم وعليه دين ألف درهم ثم أذن له فأقر بدين ألف درهم لرجل آخر أو وجبت عليه ببينة فالالف التى في يده لصاحب الدين الاول خاصة لان الاذن الثاني غير مؤثر فيما في يده مما كان في الاذن الاول ووجوده كعدمه وقد بينا انه كما أقر بالدين الاول صار ما في يده مستحقا للمقر له فلا يتغير ذلك بما لحقه من الدين في الاذن الثاني وكذلك ان أقر العبد ان هذا الدين كان في حال الاذن الاول لانه غير مصدق في الاسناد في حق المقر له الاول وكذلك ان أقر انها وديعة عنده لرجل أودعها اياه في حال الاذن الاول فالاول أحق بالالف ويتبع صاحب الوديعة العبد بها في رقبته لانه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه وعندهما الالف لمولاه ويتبع بالدين في رقبته لان الاذن الثاني غير مؤثر فيما في يده من الكسب فان المولى بالحجر عليه يصير كالمخرج لما في يده من يده ولكن اقراره بالدين في الاذن الثاني صحيح في رقبته فيباع فيه الا أن يقضى المولى دينه ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم وعليه دين خمسمائة فأقر بعد الحجر بدين ألف درهم ثم أذن له فأقر أن تلك الالف التى كانت في يده وديعة أودعها اياه هذا الرجل فانه لا يصدق على الوديعة والالف التى في يده لصاحب الدين الاول منها خمسمائة والخمسمائة الباقية للذى أقر له العبد بالالف وهو محجور عليه لان ما وجب عليه في الاذن الاول مقدم فيما في يده فيأخذ صاحب الدين الاول كمال حقه ثم المقر له بالدين بعد
[ 89 ] الحجر مستحق لما بقي في يده فيأخذه وقد بقى عليه من الدين خمسمائة فيؤاخذ به بعد العتق ويتبع صاحب الوديعة العبد بوديعته كلها فيباع فيه الا أن يقضيه المولى لان اقراره بالوديعة حصل في حال الاذن الثاني وهو صحيح في حق المولى وقد قضي بالوديعة دينا عليه بزعمه فيؤاخذ ببدله في الحال وفى قول أبى يوسف ومحمد خمسمائة من الالف لصاحب الدين الاول وخمسائة للمولي لان اقراره بالدين بعد الحجر عندهما غير صحيح ويتبع صاحب الوديعة فيه العبد بخمسمائة درهم ويبطل من وديعته الخمسمائة التى أخذها المولى لان اقراره بالوديعة حصل في حالة الاذن الا أنه انما يصير ضامنا لما قضى به دينا عليه دون ما أخذه المولي بغير اختياره وانما قضى الدين الذى عليه بخمسمائة منها فيتبع بذلك خاصة والخمسمائة الاخرى أخذها المولى فهى في حقه وما لو أخذها غاصب آخر سواء فان هلك من هذه الالف خمسمائة في يد العبد كانت الخمسمائة الباقية لصاحب الدين خاصة لان حقه مقدم في كسبه على حق من أقر له بعد الحجر ويلزم رقبة العبد من الوديعة خمسمائة لانه انما يكون ضامنا باعتبار أنه قضى الدين بالوديعة وقد كان ذلك في مقدار الخمسمائة خاصة وما زاد على ذلك هالك في يده من غير صنعه فلا يلزمه ضمانه وإذا وهب لعبد محجور عليه ألف درهم وقبضها العبد فلم يأخذها منه المولى حتى استهلك لرجل ألف درهم ببينة ثم استهلك ألفا آخر ببينة فالالف الهبة للمولي لانه ليس للمحجور عليه يد معتبرة شرعا فيما هو في يده صورة (ألا ترى) أنه لو باعه في ذلك انسان لم يكن هو خصما له فهو وما لو أخذه المولي من يده سواء فما يلحقه من الدين بعد ذلك في ذلك انسان لم يكن هو خصما له يتعلق برقبته دون مال آخر لمولاه ولو كان دينا قبل الهبة كانت الهبة لصاحب الدين لان الموهوب بالقبض صار كسبا له وحق غرمائه في كسبه مقدم على حق مولاه لان الكسب انما يسلم للمولي بشرط الفراغ من دينه بقيام الدين عليه عند الاكتساب يتعذر هذا الشرط فلهذا كانت الهبة لصاحب الدين بخلاف الاول فان هناك حين صارت الالف كسبا له ما كان لاحد عليه دين فتم شرط سلامة الكسب للمولى ثم لا يتغير ذلك بلحوق الدين اياه وان استهلك بعد الهبة ألف درهم لرجل آخر ببينته كانت الهبة لصاحب الدين الاول وكان ينبغي أن يثبت فيه حق صاحب الدين الثاني لان تعلق صاحب الدين الاول به يمنع استحقاق المولى وثبوت يده على المال حكما فيثبت فيه حق غريمي العبد باعتبار يده كما لو كان مأذونا ولكنه قال لو لم يكن عليه الدين الاول لم يثبت لصاحب الدين الثاني
[ 90 ] حق في ذلك الكسب فتأثير الدين الاول واستحقاق الغريم ذلك الكسب به في نفى ثبوت حق الغريم الثاني منه لا في اثبات ذلك * يوضحه ان حق الغريم الاول في هذا المال أقوى من حق المولى لانه مقدم على المولى ثم استحقاق المولى اياه يمنع ثبوت حق الغريم الثاني فيه فكذلك استحقاق الغريم الاول اياه بخلاف المأذون لان الاقرارين في حقه جميعهما حالة الاطلاق وقد بينا ان حال الاذن جعل بمنزلة زمان واحد فكان الدينين وجبا عليه معا فيستويان في استحقاق الكسب بهما والله أعلم (باب خصومة العبد المحجور عليه فيما يشترى ويبيع) (قال رحمه الله) وإذا اشترى العبد المحجور عليه عبدا بغير اذن مولاه فشراؤه باطل لان في تصحيحه شغل ماليته بالثمن والمولى غير راض به وفيه ادخال الشمترى في ملك المولى بعقد المعاوضة من غير رضاه وليس للحر هذه الولاية على حر فلان لا يكون للعبد على مولاه أولى ولا يقال انه يدخل العين في ملكه بقبض الهبة والصدقة لان المولى بملك رقبته ما قصد الا تحصيل المنفعة لنفسه فيكون راضيا بما هو انتفاع محض محصل له بملك رقبته فان أجازه المولى بعد الشراء جاز لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وهذا لان العبد من أهل العقد فانعقد العقد فيه وامتنع نفوذه بمراعاة حق المولى وباجازته يرتفع هذا المانع لوجود الرضا منه بتعلق الثمن بماليته وكذلك لو باع شيأ من مال مولاه أو مما وهب للعبد فبيعه باطل لانه لاقى محلا مملوكا للمولى ومثله من الحر لا يصح الا باجازة المولى فكذلك من العبد فان أجازه المولى جاز والعهدة على العبد كما لو أذن له في الابتداء وهذا لان العبد من أهل التزام العهدة في حقه لانه مخاطب وانما امتنع ثبوته في حق المولي لانعدام رضاه به وقد تحقق الرضا باجازته والاجارة والرهن والقرض في هذا كالبيع والشراء والصبى والحر والمعتوه الذى يعقل الشراء والبيع في ذلك كالعبد لانه من أهل التزام العهدة عند انضمام رأى الولي إلى رأيه وإذا اشترى العبد المحجور عليه متاعا بغير اذن مولاه ثم أذن له في التجارة لم يجز شراؤه المتقدم لانه بالاذن صار منفك الحجر عنه فيما استقبل من التصرفات وصار المولى راضيا بشغل ماليته بما ينشئه من التصرفات بعد الاذن فلا يؤثر ذلك في تصرف سبق الاذن فان أجازه العبد بعد ذلك جاز استحسانا لان الاجازة انشاء تصرف منه وهى فيما هو المقصود
[ 91 ] بمنزلة ابتداء الشراء أو لان المولى صار راضيا بتصرفه فتكون اجازته ذلك العقد بعد رضا المولى كاجازة المولى ولو أجازه المولى جاز لان بالاذن له في التجارة لم يزل ملك المولى وولايته عنه فاجازته بعد الاذن له كاجازته قبل أن يأذن له في التجارة ولو أعتقه المولى بطل الشراء المتقدم لانه لا وجه لتنفيذه بعد العتق على الوجه الذى انقد حالة الرق فانه انعقد موجبا الملك للمولى على سبيل الخلافة عن العبد وبعد العقد لو نفذ كان موجبا الملك للعبد مقصودا عليه وبه فارق الاذن له في التجارة لانه لو بقي العقد موقوفا بعد الاذن كان موجبا الملك للمولى على وجه الخلافة عنه إذا تم باجازته واجازة مولاه وههنا بعد العتق لا يبقى كذلك ولا يجوز أن ينفذ العقد موجبا حكما غير الحكم الذى انعقد له ولهذا لا تعمل اجازة العبد بعد العتق فيه ولا اجازة المولى ولا اجازتهما جميعا لان بالعتق تعين جهة البطلان فيه فلا ينقلب جائزا بعد ذلك الا بالتجديد بخلاف النكاح فان العبد لو تزوج بغير اذن المولي ثم أعتقه المولى نفذ النكاح لان النكاح انعقد موجبا ملك الحل للعبد عند نفوذه وبعد العتق إذا نفذ ثبت ملك المحل للعقد كما أوجبه العقد وكان المانع من نفوذه حق المولي فإذا سقط حقه بالعتق نفذ فأما الشراء فانعقد موجبا الملك في المشترى للمولى على وجه الخلافة عن العبد ولا يمكن انفاذه كذلك بعد العتق قال (ألا ترى) ان عبدا محجورا عليه لو اشترى جارية بالف درهم ثم ان المولى باع عبده من رجل فأجاز المشترى شراء الجارية لم يجز لانه لو نفذ باجازته ثبت الملك في المشترى للمشترى على وجه الخلافة عن العبد وانما انعقد موجبا الملك للبائع وكذلك لو أجازه البائع لم يجز لانه لو نفذت اجازته كانت العهدة على العبد في ماليته ومالية ملك المشترى وهو غير راض بذلك وكذلك لو لم يبعه المولى ولكنه مات فورثه وارثه فأجاز البيع لم يجز لانه لو جاز ثبت الملك للوارث على سبيل الخلافة عن العبد فإذا مات المولى فقد خرج من أن يكون أهلا للتملك بالعقد فتعين جهة البطلان في هذا الشراء وإذا اشترى المحجور عليه عبدا من رجل بالف درهم وقبض العبد ولم ينقد الثمن حتى مات العبد في يده فلا ضمان عليه في العبد حتى يعتق لانه قبضه بتسليم المالك فلا يكون هو جانيا في القبض على حق المالك ولكن هذا القبض يوجب الضمان عليه بحكم العقد والعبد المحجور لا يؤاخذ بضمان العقود في حال قيام الرق ويؤاخذ به بعد العتق لان التزامه بالعقد صحيح في حقه دون حق المولى فإذا عتق لزمه قيمة العبد الذى قبض بالغة ما بلغت لان البيع كان
[ 92 ] فاسدا لانعدام شرط الجواز فيه وهو اذن المولى والمقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت ولو كان قتل العبد حين قبضه من البائع قيل لمولاه ادفعه أو افده بقيمة المتقول لان البائع كان أحق باسترداده منه وملكه لم يزل بتسليمه إلى البعد لان العبد ليس من أهل الملك ولا يمكن اثبات الملك للمولى لانعدام الرضا منه بذلك فكان العبد في قتله جانيا على ملك البائع فيخاطب مولاه بالدفع أو الفداء ولو كان مكان العبد ثياب أو عروض أو دواب فاستهلكها العبد حين قبضها لم يضمنها حتى يعتق فان عتق ضمن قيمتها بالغة ما بلغت لان ضمان الاستهلاك من جنس ضمان العقد فإذا ترتب على العقد كان حكمه حكم ذلك العقد ولا يؤاخذ العبد المحجور بضمان العقود حتى يعتق بخلاف ضمان القنل فانه ليس من جنس ضمان العقد حتى لا يملك به المضمون والمستحق به الدفع دون البيع في الدين * وضح الفرق ان ايجاب البيع تسليط من البائع للمشترى على التصرفات المفضية إلى الاستهلاك كالاكل في الطعام واللبس في الثوب والركوب على الدواب فلا يكون هذا السبب موجبا الضمان عليه الا باعتبار العقد كاصل القبض بخلاف القتل وقد قررنا هذا الفرق في الوديعة ولم يذكر خلاف أبى يوسف في كتاب المأذون والاصح ان عنده يؤخذ بضمان الاستهلاك في الحال كما في الوديعة عنده وقد تكلف بعضهم للفرق فقالوا البيع تمليك العين من الشمترى فيثبت باعتبار التسليط على الاستهلاك فاما الايداع فانه استحفاظ فلا يثبت به التسليط على الاستهلاك ولكنه نص على الخلاف في استقراض العبد المحجور في كتاب الصرف والاقراض تمليك كالبيع قال وكذلك إذا كان البائع لذلك العبد عبدا مأذونا أو صبيا مأذونا لانهما في انفكاك الحجر عنهما كالحر الكبير فيصح منهما التسليط ضمنا لعقد التجارة وكذلك لو كان صبيا محجورا عليه أو معتوها فهو بمنزله العبد المحجور عليه الا أنهما إذا قتلا العبد المشترى كانت القيمة على ما قتلهما بمنزلة ما لو قتلاه قبل الشراء فلا يلحقهما ضمان ما استهلكا من هذا إذا كبر الصبي وعقل المعتوه لان التزامهما الضمان بالعقد لا يصح في حقهما فانهما غير مخاطببن شرعا بخلاف العبد فان التزامه العقد صحيح في حق نفسه فيؤاخذ به بعد العتق ولو كان البائع أيضا عبدا محجورا أو صبيا محجورا أخذ المشترى بضمان ما في يده من ذلك إذا هلك في يده واستهلكه لان تسليط المحجور عليه اياه على القبض والاستهلاك غير معتبر في اسقاط الضمان الواجب به والقبض والاستهلاك فعل موجب للضمان إذا حصل من المحجور عليه بطريق الجبران فلا يسقط
[ 93 ] ذلك الا باعتبار تسليط صحيح ولم يوجد ذلك فان قتل المشتري العبد المشترى أو الجارية كان مولاهما بالخيار ان شاء باع العبد في رقبتهما وان شاء أخذه بالجناية عليهما فيدفعه المولى بذلك أو يفديه لانه وجد سببان موجبان للضمان أحدهما القبض والآخر القتل فللمولى أن يضمنه باى السببين شاء فان اختار التضمين بالقبض صار العبد كالهالك في يده من غير صنع فيباع في قيمته الا أن يقضى المولى عنه وان اختار التضمين بالجناية أمر المولى بالدفع أو الفداء بمنزلة من غصب من آخر عبدا وقتله كان للمولي أن يضمن الغاصب قيمته من ماله حالا بالغصب وان شاء رجع بقيمته على عاقلته موجبا في ثلاث سنين باعتبار قتله اياه خطأ وان اشترى العبد المحجور عليه من رجل عبدا بالف درهم وقيمته ألف درهم وقبضه فباعه وربح فيه ثم اشترى بثمنه وباع حتى صار في يده ألفا درهم ثم حضر البائع فله أن يستوفى ثمنه مما في يده استحسانا وفي القياس ليس له ذلك لان ما في يده من الكسب ملك مولاه ودين البائع غير ثابت في حق المولي (ألا ترى) أنه لا يستوفى من مالية رقبته فكذلك في الكسب الذي في يده ولكنه استحسن فقال إذا علم ان هذا المال في يده حصل بسبب ذلك المشترى فالبائع أحق به حتى يستوفى ثمنه منه لان حكم البدل حكم المبدل ولو كان المشترى في يده قائما بعينه كان البائع أحق باسترداده فكذلك بدله وهذا لانه إذا استوفى الثمن مما في يده فلا ضرر على المولى إذا علم أن ما في يده من ذلك المشترى بل يكون فية منفعة له لان الفضل يسلم للمولى والعبد لا يلحقه الحجر عما يتمحض منفة للمولى وهو نظير ما لو أجر المحجور نفسه وسلم من العمل فان لم يعلم ان الذى في يده من ثمن عبده الذى باعه فذلك المال للمولي ولا شئ للبائع على العبد حتى يعتق لان استحقاق البائع باعتبار ان ما في يده بدل عما كان هو أحق به ولا يعلم ذلك في هذا المال الذى في يده وللمولي فيه سبب استحقاق ظاهر وهو أنه كسب عبده المحجور وفى تقديم البائع عليه مع الاحتمال اضرار بالمولي وتصرف المحجور فيما يلحق الضرر بالمولي لا يكون نافذا وان قال المولي هذا المال ذهب لعبدي أو أصابه من غير ثمن عبدك الذى بعت وقال البائع أصابه من ثمن عبدى وصدقه العبد بذلك فالقول قول المولي لان البائع يدعى سبب استحقاقه لهذا المال والمولي منكر لذلك وتصديق العبد لا ينفع البائع لانه محجور لا قول له في حق المولى وان أقاما البينة فالبينة بينة البائع لانه ثبت بسبب استحقاقه بالبينة ولانه هو المحتاج إلى اقامة البينة وكذلك لو كا مكان شراء العبد
[ 94 ] قرض ألف درهم أو وديعة ألف درهم أو عروض فتصرف فيها العبد فهو بمنزلة ما تقدم وان كان المال الذى في يد العبد في جميع ذلك أقل من قيمة ذلك الاصل أخذ صاحب الاصل ما وجده في يده بما هو بدل ملكه ولم يتبعه بما بقى حتى يعتق لان ما بقى ثابت في حق العبد دون المولى بمنزلة جميع المال إذا لم يجد منه شيأ في يد العبد المحجور ولو دفع إليه رجل متاعا بضاعة فباعه العبد جاز بيعه لانه من أهل البيع وبيعه لاقى ملك المبضع برضاه فينفذ وهذا لان نفوذ البيع بالتكلم بالايجاب والقبول ولا ضرر على المولى في ذلك وإذا جاز البيع كان الثمن للآمر والعهدة على الآمر حتى يعتق لان في الزام العهدة العبد اضرارا بمولاه وذلك لا يجوز بغير رضاه فإذا تعذر ايجاب العهدة عليه تعلقت العهدة باقرب الناس إليه وأقرب الناس إليه من هذا العقد بعد المباشرة هو المبضع فإذا عتق العبد لزمه العهدة لانه من أهل التزام العهدة في حقه وانما امتنع لزومها في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق وان وجد المشترى بالمباع عيبا فالخصم فيه الآمر ما لم يعتق العبد كما لو كان باشر العقد بنفسه إذ جعل العبد رسولا فيه الا أن اليمين في حقه بالعلم لانه يستحلفه على مباشرة غيره وفى استحلافه على البتات على فعل الغير اضرار به ولو أعتق العبد مولاه وأذن له في التجارة صارت الخصومة لحقه لانه صار منفك الحجر عنه بالاذن كما يصير منفك الحجر عنه بالعتق وقد زال المانع من لحوق العهدة اياه وهو انعدام الرضا من المولى به فان كان المشترى قد أقام البينة على العيب قبل أن يعتق العبد ثم عتق فهو الخصم في ذلك ولكن يقضى بتلك البينة فلا يحتاج المشترى إلى اعادتها لانه أقام البينة على من هو خصم وهو الآمر فلا يحتاج إلى اعادتها وان تحولت الخصومة إلى العبد كما لو كان البائع حرا فأقام البنية عليه ثم مات فورثه وارثه وكذلك لو أقام شاهدا واحدا قبل العتق لم يكلف اعادته على العبد ويحكم عليه إذا أقام شاهدا آخر به على العبد لان الحجة قد تمت فان قضى القاضى على العبد بالرد بالعيب ونقض البيع فان كان الآمر هو الذي قبض الثمن من المشترى لزم الثمن الآمر وليس على العبد منه لا قليل ولا كثير لان وجوب رد الثمن باعتبار القبض دون العقد والقابض كان هو الآمر دون العبد فعليه أن يرده وهكذا إذا كان الوكيل حرا وكان الموكل هو الذى قبض الثمن من المشترى فان كان قبضه العبد فهلك عنده أخذ العبد به لانه هو القابض للمثن بحكم العقد فعليه رده إذا انتقض العقد فيرجع بذلك على الامر لان قبضه كان صحيحا في حق الآمر ولهذا برئ المشترى به فكان هلاكه في يده كهلاكه
[ 95 ] في يد الآمر ولانه في القبض كان عاملا له بامره فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بسببه ولو كان مكان العبد صبي محجور أو معتوه كانت العهدة في جميع هذه الوجوه على الآمر والخصومة معه واليمين على العلم وهو الذى يرد الثمن ولا تنتقل العهدة عن الصبي والمعتوه بالادراك والافاقة لان التزامهما العهدة غير صحيح في حقهما وإذا لم يكن العاقد من أهل التزام العهدة وجبت العهدة على من هو أقرب الناس من هذا العبد بعد العاقد وهو الآمر المنتفع به وإذا وجب للعبد المأذون على رجل دين من ثمن مبيع أو اجارة أو قرض أو استهلاك ثم حجر عليه مولاه فالخصم فيه العبد لانه باشر سبب الالتزام في حال انفكاك الحجر عنه وتأثير الحجر عليه بعد ذلك في منع لزوم العهدة اياه بمباشرة السبب ابتداء لا في اسقاط ما كان لزمه فان دفع الذى عليه الدين إلى العبد برئ كان عليه الدين أولم يكن لانه حين عامل العبد فقد استحق براءة ذمته بتسليم الدين إليه فلا يتغير ذلك بالحجر عليه بعد ذلك وان دفعه إلى مولاه برئ أيضا ان لم يكن على العبد دين لان كسبه خالص حق المولى وبقبض العبد يتعين الملك له فهو نظير الموكل إذا دفع الثمن المشترى إليه وان كان عليه دين لا يبرأ بدفعه إلى المولى لان كسبه الآن حق غرمائه والمولى من كسبه كاجنبي آخر ما لم يقض دين غرمائه فلا يبرأ المديون بالدفع إلى المولى صيانة لحق الغرماء الا أن يقضى المولى الدين فان قضاء برئ المطلوب من الديون لان المانع قد زال وهو حق الغرماء في كسبه واستدامة القبض في المقبوض بعد سقوط الدين عن العبد كانشائه ولانه لا يشتغل بنقض شئ ليعاد مثله وبعد سقوط الدين عن العبد لو نقضنا قبض المولى احتجنا إلى اعادته لان العبد يقبضه فيسلمه إليه بخلافه حال قيام دينه لانه يقبضه ليقضى به دينه فان مات العبد بعد حجره ولا دين عليه فالخصم في ذلك المولى لان كسبه خالص حق المولي فيكون هو أحق الناس باستيفائه وان لم يمت ولكن المولى أخرجه من ملكه فليس للعبد أن يقبض شيأ منه ولا يكون خصما فيه لان منافعه صارت للمشترى فالمقبوض يسلم للبائع فلا يكون للعبد أن يصرف المنافع التى هي ملك المشترى إلى القبض والخصومة فيما ينتفع به البائع وان قبض لم يبرأ الغريم بقبضه لانه خرج من أن يكون خصما فيه حكما فكان قبضه كقبض أجنبي آخر والمقبوض للبائع ولا يبرأ المديون بتسليم ملك البائع إلى عبد غيره وقد انقطعت خصومة العبد عن ذلك ان كان عليه دين أو لم يكن لانه لما انتقل الملك إلى المشترى صار العبد في تلك الخصومة كالمستهلك فان تجدد
[ 96 ] سبب الملك فيه بمنزلة تبدل عينه ولكن الخصم في ذلك هو المولى لانه كان خلفا عن العبد فانما هو غنم تلك التصرفات فكذلك في الغرم والخصومة فيه يكون خلفا عنه فيقبضه فان لم يكن عليه دين فهو سالم له لانه كسب عبده وان كان عليه دين فالمولى هو الخصم أيضا في الخصومة في جميع ماله على الناس وغيره الا أنه إذا قضى بذلك لم يكن للمولى قبضه لان حق الغريم في كسبه مقدم على حق المولى ولم يوجد الرضا من الغرماء بقبض المولي لذلك وهو ليس بمؤتمن على حق الغرماء فاما أن يقبض الغرماء دينهم من المقبوض فيكون ما بقي للمولى لانه كسب عبده وقد فرغ من دينه ولو كان المولي أعتقه كان العبد هو الخصم في قبض جميع ذلك لانه هو المباشر لسببه وقد خلصت له منافعه بعد العتق وكذلك لو باعه المولي فاعتقه المشتري فالعبد هو الخصم في جميع ذلك لخلوص منافعه له وقد كان المانع له من الخصومة قبل العتق كون منافعه للمشترى وقد زال ذلك بالعتق وإذا باع العبد المأذون متاعا من رجل بالف وتقابضا ثم حجر عليه المولي فوجد المتشرى بالمتاع عيبا فالخصم فيه العبد لان ملك المولي في منافع باق بعد الحجر وقد كان لزمه العهدة لمباشرته سببه باذن المولي فان قامت عليه بينة وحكم برده عليه فأبى المشترى أن يدفعه حتى يقبض الثمن فله ذلك لان حال الشمترى بعد الفسخ كحال البائع قبل التسليم وقد كان له أن يحبس المبيع ليستوفى الثمن فللمشترى بعد الفسخ أن لا يرده حتى يستوفى الثمن فان لم يكن في يد العبد مال وعليه دين بدئ بالمتاع فبيع وأعطى المشترى ثمنه لان حقه في المتاع مقدم على حق سائر الغرماء فان دينه بدل هذا المتاع والمتاع محبوس به كالمرهون في يد المرتهن فلهذا يبدأ من ثمن المتاع بدينه فان فضل من ثمن المتاع شئ فهو لغرماء العبد وان نقص فالمشترى شريك غرماء العبد في رقبته بما بقى من دينه لان دينه واجب بسبب ظاهر لاتهمة فيه وان جهل المشترى فدفع إليه المتاع ثم جاء بعد ذلك يطلب الثمن فهو اسوة الغرماء في المتاع وفي رقبته لان تقدمه عليهم في ثمن المتاع باعتبار يده وقد انعدم باخراجه من يده فهو نظير البائع إذا سلم المبيع إلى المشترى ثم مات المشترى كان هو أسوة سائر الغرماء في ثمن المشترى وغيره من تركته ولو لم يقم بينة على العيب وطلب اليمين فالثمن على العبد دون مولاه لان العبد هو الذى باشر هذا البيع وهو الخصم فيما يدعي من العيب فيه بعد الحجر كما قبله فيكون اليمين عليه فان نكل عن اليمين رد المتاع عليه بالعيب وكان حاله بمنزلة ما إذا قامت البينة بالعيب كما لو كانت الخصومة في العيب قبل الحجر عليه ثم
[ 97 ] هذا على أصل أبى حنيفة رحمه الله واضح لانه يجعل أثر الاذن في بقايا تجارته بحاصل الاذن وكذلك عندهما لان المشترى استحق رد المتاع عليه والرجوع بالثمن عند نكوله حالة العقد فلا يتغير ذلك الاستحقاق بالحجر عليه وكذلك لو أقر بالعيب عند القبض وهو عيب لا يحدث مثله لانه لا تهمة في اقراره والقاضى يتيقن بدون اقراره أن العبد كان عنده وان كان يحدث مثله لم يرده عليه القاضى باقراره لان اقراره بمنزلة انشاء تصرف منه باختياره وهو غير صحيح منه في حق مولاه بعد الحجر اذالم يكن في يده كسب بالاتفاق وههنا لا كسب في يده فلا يكون اقراره ملزما مولاه شيأ ولا يكون هو خصما فيه بعد ذلك لانه أقر به فلا يتمكن من الانكار بعد ذلك ليقام عليه البينة كالوصي إذا أقر على اليتيم بدين لا يكون هو خصما فيه بعد ذلك ولكن المولي هو الخصم فيه لانه خلف عنه في غنمه فكذلك في الخصومة فان أقام المشترى البينة على العيب رده فان لم يكن له بينة استحلف المولى على علمه لانه استحلاف على فعل الغير فان نكل عن اليمين وأقر بالعيب رده بالعيب فان كان على العبد دين فكذب الغرماء العبد والسيد بما أقرا به من العيب فاقرارهما يكون حجة في حقهما دون الغرماء ويباع المتاع المردود في ثمنه فاعطى ثمنه المشترى فان فضل من ثمنه الآخر شئ علي ثمنه الاول كان لغرماء العبد لان الفاضل كسب العبد فيصرف إلى غرمائه وان نقص عنه كان الفضل في رقبة العبد الا أن يباع فيبدأ من ثمنه لغرمائه لان وجوب هذا الفضل كان باقرار المولى وهو غير صحيح في حق الغرماء فيبدأ من ثمنه بحق غرمائة وان فضل من ثمنه شئ بعد قضاء دينهم كان للمشترى لان الفاضل حق المولى وهو مقر بدين المشترى وان لم يفضل شئ فلا شئ له وان لم يكن على العبد دين كان ثمن المتاع في رقبته وفي المتاع يباعان فيه باقرار المولى بذلك للمشترى والحق له في الرقبة والكسب وان حلف المولى لم يرد ان كان على العبد دين أو لم يكن فإذا عتق رد عليه باقراره لان اقراره حجة في حقه وانما كان المانع من العمل حق المولى فإذا عتق صار كالمجدد لذلك الاقرار بعد العتق فيرد عليه ويلزمه الثمن والمتاع له وإذا باع المأذون متاعا له بالف درهم وقبض الالف فضاعت من يده ثم حجر عليه مولاه وفي يده ألف درهم ثم طعن المشترى بعيب في المتاع فأقر به العبد ومثله يحدث فهو مصدق في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لانه أقر للمشترى بألف درهم عند رد المتاع عليه ولو أقر له بألف درهم مطلقا وفي يده ألف درهم صح اقراره في قول أبى حنيفة باعتبار مافى يده ولا يصح