مبسوط السرخسي - الجزء الخامس و العشرون2
[ 98 ]
في قولهما وقد بينا هذا فان كان المولى قبض من يده ذلك المال قبل اقراره بالعيب لم يصدق لان اقراره صحيح باعتبار ما في يده ولم يبق في يده شئ حين قبض المولى منه وكذلك لو كان في يده مال وعليه دين مثله لان ما في يده مستحق لغرمائه فلا يمكن تصحيح اقراره فيه وحاله كحال مالو لم يكن في يده شئ سواه ولو باع المأذون متاعا له ثم حجر عليه المولى ثم باعه مولاه فوجد المشترى بالمتاع عيبا فليس العبد خصما فيه ولكن الخصم هو المولى ان كان على العبد دين حين باعه مولاه أولم يكن لان منافعه بالبيع صارت مملوكة للمشترى فلا يتمكن من صرفه إلى خصمائه بغير رضى المشترى فان قامت البينة بالعيب رد المتاع وبيع في ثمنه وكان المشترى أحق به من الغرماء فان لم يف بحقه حاص الغرماء فيما قبض من ثمن العبد لان دينه ثبت بالبينة وهو حجة في حق الغرماء وان لم يكن له بينة على العبد ولكن أقر به المولى أو نكل عن اليمين فكذلك الا أن المشترى لا يحاص الغرماء بما بقى من حقه لان اقرار المولى ونكوله لا يكون حجة في حق الغرماء ولا يضمن المولى له شيأ لان الغرماء انما قبضوا ثمن العبد منه بقضاء القاضى لهم به ولو حجر المولى على العبد ولم يبعه ثم طعن الشمترى بعيب في المتاع فصدقه به العبد وناقضه البيع بغير قضاء قاض والعيب مما يحدث مثله أولا يحدث مثله فمناقضته اياه باطلة لان قبوله بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الاقالة والاقالة كالبيع الجديد في حق غير المتعاقدين فيكون هذا في حق المولى كشراء العبد اياه ابتداء بعد الحجر فان أذن له المولى بعد ذلك لم تجز تلك الاقالة الا أن يجيز أو يجدد الاقالة بعد الاذن بمنزلة الشراء المبتدأ في حال الحجر فانه لا ينفذ بالاذن الا أن يجيزه أو يجدده فان كان العبد أقر بالعيب في حال الحجر وليس في يده مال ثم أذن له المولى في التجارة لم يؤخذ بذلك الاقرار لان تأثير الاذن في تنفيذ ما ينشئه من التصرف بعد الاذن لا في تنفيذ ما كان سبق الاذن الا أن يقر اقرارا جديدا بعد الاذن فحينئذ هو مؤاخذ به كاقراره بدين آخر عن نفسه فان قال المشترى أقررت بالعيب بعد الاذن وقال العبد أقررت به في حالة الحجر أخذ باقراره لانه أضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى الالزام بحكم الاقرار الا أن يكون العبد صبيا فيكون القول قوله حينئذ لاضافة الاقرار إلى حالة معهودة تنافى الالتزام بحكم الاقرار أصلا الا أن يقيم المشترى البينة انه أقر به بعد الاذن الآخر أو في الاذن الاول فالثابت بالبينة يكون كالثابت معاينة ولو دفع أجنبي متاعا له إلى عبد مأذون يبيعه له بغير اذن مولاه فباع فهو جائز لان التوكيل بالبيع من صنيع التجار
[ 99 ] والمأذون يحتاج إلى ذلك لانه يستعين بالناس في مثله ومن لا يعين غيره لا يعينه غيره عند حاجته والعهدة على العبد إذا كان عليه دين أو لم يكن لان هذا التصرف مما يتناوله الفك الثابت بالاذن وكذلك لو كان دفع مولاه إليه متاعا يبيعه له وعليه دين فان المولى لا يكون دون أجنبي آخر في الاستعانة به في البيع فان حجر المولى على العبد ثم طعن المشترى بعيب في المتاع فالعبد خصم في ذلك كما لو كان باع المتاع لنفسه وهذا لان المشترى استحق الخصومة معه في العيب فلا يبطل حقه بحجر المولى فان رد عليه بينته أو باباء يمين أو كان عيبا لا يحدث مثله بيع المتاع في الثمن فان بقى منه شئ كان في عتق العبد لانه في حكم العهدة بمنزلة مالو باشر العقد لنفسه الا أنه يرجع به على الاجنبي ان كان باعه له وعلى المولى ان باعه له لان الحق في كسبه ورقبته لغرمائه والمولى كاجنبي آخر في هذه الحالة وانما لحقته العهدة بسبب عقد باشره له فرجع به عليه فان كان المولى والاجنبي معسرين حاص المشترى الغرماء في رقبة العبد ما بقى شى ء من حقه لان دينه ثابت بسبب ظاهر في حق الغرماء ثم يرجع المشترى بما بقى بعد ذلك من حقه على الآمر ويرجع عليه الغرماء أيضا بما أخذه المشترى من ثمن العبد لان ثمن العبد حقهم وقد أخذ المشتري بعض ذلك بسبب دين كان العبد في التزامه عاملا للآمر فيرجعون عليه بذلك فيقتسمونه بالحصة وان كان العبد أقر بالعيب وهو يحدث مثله فاقراره باطل لانه محجور عليه فلا يكون اقراره حجة في حق المولى والغرماء ولا يكون خصما فيه بعد ذلك ولكن رب المتاع هو الخصم فيه لان المنفعة في هذا العقد كانت له فان أبى اليمين أو قامت البينة على العيب أو أقر به رده عليه وأخذ منه الثمن ان كان قبضه من العبد أو هلك عند العبد لان العبد كان وكيلا عنه فيده في الثمن كيد الموكل وان حلف على العيب ثم عتق العبد ورده المشترى عليه باقراره الذى كان في حال الحجر وأخذ منه اليمين فكان المتاع للعبد المعتق لانه كالمجدد لذلك الاقرار بعد العتق ولان اقراره ملزم اياه في حقه وقد خلص الحق له بالعتق (باب اقرار المولى على عبده المأذون) (قال رحمه الله) وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ثم أقر عليه بدين أكثر من قيمته وأنكره العبد فالدين كله لازم لان اقراره في الصورة على العبد وفي الحكم على نفسه فالحكم الثابت في حالة الرق بيع الرقبة في الدين أو قضا الدين من كسبه وذلك استحقاق على المولى
[ 100 ] واقراره على نفسه صحيح فيخير المقر له بين ان يطلب بيعه في الدين وبين ان يختار استسعاءه في جميع الدين وكذلك لو أقر عليه بكفالة بامره فان كفالة العبد بأمر المولى صحيحة ملزمة اياه بمنزلة التزام الدين بغيره من الاسباب فان كانت قيمته ألف درهم فأقر المولى عليه بدين عشرة آلاف درهم ثم أعتقه فعلى المولى قيمته للغرماء لانه بالاعتاق أتلف عليهم مالية الرقبة فيكون ضامنا لهم قيمته ويرجعون أيضا على العبد بقدر قيمته لان المالية هي حقهم سلمت للعبد بالعتق والاقرار تصرف من المولى عليه باعتبار تلك المالية وهو بملك الرقبة يملك أن يلزمه السعاية في مقدار قيمته بعد العتق بتصرفه (ألا ترى) انه لو رهنه ثم أعتقه وهو معسر يجب على العبد السعاية بقدر قيمته وكذلك لو أقر انه مرهون عند فلان بدين له عليه ثم أعتقه وهو معسر كان على العبد السعاية في مقدار قيمته فكذلك إذا أقر عليه بالدين وهذا لان محل الدين الذمة ولكن الدين في ذمة المملوك يكون شاغلا لمالية رقبته وهذه المالية ملك المولى والذمة مملوكة للعبد وفي مقدار مالية الرقبة اقرار المولى كاقرار العبد لمصادفته ملكه فيلزمه السعاية فيه بعد العتق وهذا المعنى ينعدم في الزيادة على قدر القيمة فلا يسعى العبد فيه بعد العتق لان الكسب بعد العتق خالص ملكه فلا يلزمه أن يؤدى منه الا مقدار ما هو ثابت في حقه فأما قبل العتق فالكسب ملك المولى والمولى مقر بان حق المقر له في الكسب مقدم على حقه فلهذا يقضى جميع الدين من كسبه قبل العتق ثم وجوب قيمة المالية علي المولي لا يمنع وجوب السعاية علي العبد بقدر قيمته لان السبب مختلف فان السبب في حق المولى اتلاف مالية الرقبة وفي حق العبد وجوب الدين عليه في مقدار القيمة باعتبار نفوذ تصرف المولي عليه وعلي هذا لو أبرؤا المولى من القيمة أو قومت عليه لم يرجعوا علي العبد الا بقدر قيمة العبد لان الثابت في حقه يتصرف المولى عليه بعد العتق هذا القدر وكذلك لو سعى لهم العبد في خمسة آلاف ثم أعتقه المولى في صحته ثم مات ولم يدع شيأ فعلي العبد أن يسعى لهم في قيمته لان ما استوفوا كان من ملك المولى وذلك لا يمنع وجوب السعاية علي العبد بعد العتق في مقدار قيمته يتصرف المولى عليه الا أن يكون ما بقى من الدين أقل منها فحينئذ يلزمه السعاية في الاقل بمنزلة المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر يلزمه السعاية في الاقل من قيمته ومن الدين وهذا لانه إذا سعى في مقدار الدين وقد وصل إلى الغرماء كمال حقهم فلا معنى لا يجاب السعاية عليه في شئ بعد ذلك ولو كان العبد أقر بالدين أيضا لزمه الدين كله كما
[ 101 ] لو لم يوجد الاقرار من المولى به أصلا وهذا لان الاقرار من العبد التزام في ذمته وهو خالص حقه وفي الذمة سعة فيثبت جميع الدين باقراره في ذمته ويؤاخذ به بعد العتق فأما اقرار المولى عليه باعتبار ماليته فلا يثبت به في حق العبد الا بعد ما يتسع له المحل ولو أقر عليه المولى بدين عشرة آلاف وأنكرها عليه العبد فبيع في الدين واقتسم الغرماء ثمنه فلا سبيل لهم على العبد عند المشترى لان الدين الذى أقر به المولى عليه لا يكون أقوى من دين واجب عليه ظاهرا وهناك إذا بيع في الدين لم يكن للغرماء عليه سبيل عند المشترى وهذا لان المشترى غير راض باستحقاق شئ عليه بالدين ولا يسلم الثمن للغرماء ما لم يسقط حقهم عن مطالبة في ذلك المشترى لانهم ان تمكنوا من مطالبته رده المشترى بالعيب ورجع بالثمن فان أعتقه المشترى رجع الغرماء علي العبد بقيمته لان مقدار القيمة بما أقر به المولى عليه ثبت لزومه في حق العبد بعد العتق بمنزلة جميع الدين الثابت باقرار العبد أو بتصرفه فكما يطالب هناك بجميع الدين بعد العتق يطالب ههنا بقيمته بعد العتق ولو لم يبع في الدين حتى دبره المولى فللغرماء الخيار بين تضمين المولى قيمته وبين استسعاء المدبر في جميع دينهم لان المولى بالتدبير صار مفوتا عليهم مالية الرقبة بالبيع في الدين فينزل ذلك منزلة الاعتاق في ايجاب ضمان القيمة لهم على المولى الا أن الفرق بين هذا وبين الاعتاق من وجهين أحدهما ان هناك إذا ضمنوا المولى قيمته رجعوا علي العبد بقدر قيمته أيضا وههنا لا شئ لهم علي العبد حتى يعتق لان كسب المدبر للمولى وهم قد استحقوا على المولى مالية الرقبة حين ضمنوه فلا يبقى لهم سبيل علي كسب هو ملك المولى وهناك كسب العتق ملكه فتضمينهم المولى قيمته لا يمنعهم من الرجوع على المعتق بقيمته ليؤدي من كسبه والثانى ان هناك لا يكون لهم استسعاء العبد الا في مقدار قيمته وهنا لهم حق استسعاء المدبر في جميع دينهم لان الكسب بعد التدبير ملك المولى والمولى مقر بجميع الدين وكون المقر له أحق بالكسب منه وهناك الكسب بعد العتق ملك العبد وهو منكر للدين فلا يلزمه أن يؤدى منه الا مقدار ما يقدر فيه تصرف المولى عليه فان أعتقه بعد التدبير ههنا أخذوه بقيمته فقط لان الكسب بعد العتق ملكه وان أدى خمسة آلاف ثم أعتقه المولى أخذوا منه أيضا قيمته وبطل ما زاد على ذلك لان المستوفى من ملك المولي فلا يمنع ذلك وجوب مقدار القيمة عليه بعد العتق لنفوذ تصرف المولى عليه في ذلك القدر ولو لم يدبره حتى مرض المولى فأعتقه ثم مات ولا مال له غيره فعليه أن يسعى
[ 102 ] في قيمته فيأخذه الغرماء دون الورثة لان المولى بالاعتاق صار ضامنا مقدار قيمته للغرماء والعتق في المرض وصية فيتأخر عن الدين فعلى العبد أن يسعى في قيمته لرد الوصية ويأخذه الغرماء باعتبار انه تركة الميت وحق الغريم في تركته مقدم على حق الوارث ثم يأخذ الغرماء العبد بعد ذلك أيضا بقيمته لانه قد لزمه بعد العتق مما أقر به المولى مقدار قيمته ولا شئ للورثة ولا لغرماء المولى من ذلك لان ما سعى فيه العبد بدل ماليته ودينه في ماليته مقدم على دين غرماء المولى لان حق غرماء المولى يتعلق بماليته بمرضه وحق غريم العبد كان ثابتا في ماليته قبل ذلك فلهذا لا يكون لغرماء المولي مزاحمة مع غرماء العبد في شئ مما سعى فيه العبد وان كان انما أقر على العبد بالدين في المرض والمسألة على حالها كانت القيمة الاولي لغرماء المولى خاصة لان حقهم تعلق بماليته لمرض المولى فاقراره على العبد بالدين بعد ذلك بمنزلة اقراره على نفسه وكما لا مزاحمة للمقرله في المرض مع غريم الصحة في تركة المولى فكذلك لا مزاحمة للمقر له في المرض ههنا والقيمة الاولى التى سعى العبد فيها تركة المولي فتكون لغرماء المولى خاصة ثم يسعى في قيمته لغرماء العبد خاصة لان وجوب القيمة الثانية عليه باعتبار الدين الواجب عليه لاقرار المولى فيكون ذلك لغرمائه خاصة وهذا لان حق غرماء المولى تعلق بمالية الرقبة وقد سلمت لهم تلك المالية ولو لم يقر عليه بالدين ولكن أقر عليه بجناية خطأ فانه يدفعه بها أو يفديه لان موجب جناية العبد على المولى فان المستحق بالجناية نفس العبد علي المولى فاقراره عليه بالجناية بمنزلة البينة والمعاينة فيدفع بها أو يفديه وكذلك لو أقر على أمة في يدى العبد أو عبد في يديه بدين أو جناية كان مثل اقراره على العبد بذلك لان كسب العبد ملك المولى كرقبته فان أعتقها بعد ذلك فهو بمنزلة ما ذكرنا من اعتاقه العبد بعد الاقرار عليه بالدين واقرار الاب والوصي على الصبي المأذون له في التجارة أو على عبده باطل لانه لاملك له على الصبى ولا في ماله فاقراره عليه يكون شهادة وبشهادة الفرد لا يستحق شئ ثم ثبوت الولاية للاب والوصى على الصبي بشرط النظر وليس في اقرارهما عليه في معنى النظر له عاجلا ولو أذن الصبى التاجر لعبده في التجارة ثم أقر الصبي على عبده بدين أو جناية خطأ وجحده العبد كان اقرار الصبي عليه في جميع ذلك بمنزلة اقرار الكبير لانه بالاذن له في التجارة صار منفك الحجر بمنزلة مالو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ واقراره بعد البلوغ على عبده بذلك صحيح فكذلك بعد الاذن وكذلك المكاتب أو العبد المأذون يأذن لعبده في التجارة
[ 103 ] ثم يقر عليه ببعض ما ذكرنا فهو بمنزلة اقرار الحر على عبده لان بالكتابة والاذن له في التجارة يصير منفك الحجر عنه في الاقرار بالدين والعين إذا أقر به على نفسه فكذلك فيما يقربه على عبده لان صحة اقراره على العبد باعتبار أن المستحق به ملك المقر والمكاتب والمأذون في هذا اسوة الحر وإذا اشترى المكاتب ابنه أو أباه أو ولد له من المكاتبة ولد فهو مأذون له في التجارة وان لم يأذون له المكاتب قال لانه مكاتب معه فان المكاتب بمنزلة الحر يدا وولده ووالده بينهما بعضية فكما يثبت باعتبار هذا السبب حقيقة الحرية له إذا ملكه الحر فكذلك يثبت له الحرية يدا إذا ملكه المكاتب لان ملك المكاتب يحتمل هذا القدر (ألا ترى) انه يكاتب عبده فيصح وبهذا يتبين أن من قال من أصحابنا لا يكاتب أحد على أحد فذلك وهم منه قاله من غير تأمل في الروايات المنصوصة وإذا ثبت انه صار مكاتبا فمن ضرورته الاذن له في التجارة لان انفكاك الحجر بالكتابة أقوى منه بالاذن له في التجارة فان أقر عليه المكاتب بدين لم يصدق عليه لان من يكاتب عليه صار ملكا للمولى داخلا في كتابته كنفس المكاتب واقراره على مكاتب مولاه ليس بصحيح (ألا ترى) أنه لا يملك أن يشغله بالدين بطريق الرهن فكذلك لا يملك الاقرار عليه بالدين الا أن المقر له أحق بما يكسبه وبما في يده من مال كان اكتسبه ولم يأخذه منه المكاتب لان المكاتب كان أحق بكسبه وأخذه فيستعين به على أداء بدل الكتابة وقد أقر أن المقر له بالدين أحق بهذا الكسب واقراره صحيح في حق نفسه فان كان المكاتب قد أخذ منه قبل اقراره مالا فان ذكر المكاتب ان الدين وجب عليه بعد قبضه المال منه فالقول قوله ولا حق للغريم فيما قبضه لان بقبض المكاتب يخرج ذلك من أن يكون كسباله والدين انما يلزمه في كسبه وكسبه ما في يده عند وجوب الدين عليه أو ما يكتسبه بعد ذلك وان ذكر أنه وجب عليه قبل قبضه فالغريم أحق به منه لا قراره بتعلق حق الغريم به قبل أن يقبضه منه المولى وان اختلفا في ذلك فالقول قول المكاتب في ذلك مع يمينه على علمه لان الغريم يدعي استحقاق ذلك المال عليه والمكاتب منكر لذلك ولو أقر عليه المكاتب بالدين ثم ادى فعتق عتق هذا معه لكونه داخلا في كتابته ولا شئ على واحد منهما في ذلك الدين أما على المكاتب فلانه لم يتلف على الغرماء شيأ من محل حقهم إذ لا حق لهم في مالية رقبتهم مادام مكاتبا وأما على المقر له فلان اقرار المكاتب عليه باطل وانما كان يأخذ كسبه باعتبار أن المكاتب أحق بذلك الكسب وبعد العتق الكسب خالص ملكه
[ 104 ] فلا يلزمه اداء شئ منه باقرار المكاتب عليه ولو كان اشترى أخاه أو ذا رحم محرم فيه فالجواب كذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان هؤلاء يتكاتبون عليه عندهما فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فهذا بمنزلة اقراره على عبده لانهم لا يتكاتبون عليه فإذا ادى المكاتب عتق وعتقوا جميعا لانه ملك ذارحم محرم منه ويضمن المكاتب من الدين الذى أقر به قدر قيمة المقر عليه يوم عتق ثم يكون على المقر عليه الاقل من قيمته وما بقى من الدين بمنزلة الحر إذا أقر على عبده ثم أعتقه وهذا لان حق المقر له تعلق بمالية رقبته حين كان يجوز له بيعه ولو كان حين اشترى ابنه أو أباه أقر عليه بجناية خطأ فاقراره عليه باطل لان موجب جناية المكاتب يكون عليه دون مولاه ومن يكاتب على المكاتب فهو مملوك للمولي فلهذا بطل اقرار المكاتب عليه بالجناية عليه فان اكتسب مالا كان المكاتب أحق به من صاحب الجناية لان جناية المكاتب لا تكون مالا الا بقضاء القاضي ولهذا لو جنى المكاتب ثم عجز فرد في الرق يدفع به أو يفدى ولا يباع فيه فقبل قضاء القاضى لا تكون جنايته متعلقة بكسبه فلهذا كان كسبه للمكاتب دون صاحب الجناية فان لم يأخذه المكاتب منه حتى مات المقر له عليه بالجناية أخذ صاحب الجناية من ذلك المال الاقل من قيمته ومن ارش الجناية لان بموته تحقق اليأس عن دفعه فصارت جنايته مالا بمنزلة قضاء القاضي به فيتعلق بكسبه وما بقى من المال في يده فهو في كسبه فينفذ اقرار المكاتب فيه ولو كان المكاتب قبض منه كسبه قبل موته لم يكن لصاحب الجناية على ذلك سبيل لانه انما تصير جنايته مالا بعد موته وما أخذه قبل ذلك خرج عن أن يكون كسباله فلا يثبت فيه حق ولى الجناية بمنزلة مالو أخذ منه كسبه ثم أقر عليه بدين لزمه بعد ما أخذه ولو لم يمت ولم يأخذ منه المكاتب كسبه حتى أدى المكاتب فعتقا فالكسب كله للمكاتب ولا شئ لصاحب الجناية فيه ولا على واحد منهما لان اقراره بالجناية عليه كان باطلا قبل العتق وقد ازداد بالعتق بعدا عنه فلا وجه للحكم بصحة اقراره عليه بعد العتق والجناية انما تصير مالا بعد العتق وبعد العتق لا حجة له عليه بالجناية فلهذا لا يجب شئ للمقر له على واحد منهما ولو كان المكاتب أقر عليه بجناية خطأ ثم أقر عليه بدين ثم اكتسب المقر عليه مالا كان صاحب الدين أحق به لان الجناية لا تصير مالا الا بقضاء القاضى وما لم يصر مالا لا يتعلق صاحب الجناية بالكسب فيكون ما اكتسب لصاحب الدين خاصة إذ لا مزاحم له فيه فاذالم يأخذه حتى مات تحاص فيه صاحب الجناية الاقل من قيمته ومن ارش الجناية وصاحب
[ 105 ] الدين بدينه لانه رفع الناس عن الدفع بموته فتصير الجناية مالا والكسب في يده على حاله فيتعلق حق صاحب الجناية به لان الوجوب وان تأخر فقد كان بسبب سابق على حق صاحب الدين فكان حق صاحب الدين أحق بدينه لان لكل واحد من الخصمين نوع قوة من وجيه أما حق صاحب الجناية فلسبق السبب وأما حق صاحب الدين فلانه تعلق بالكسب كما أقر به فلهذا الحق سبق من حيث التعلق بالكسب وللآخر سبق من حيث السبب فيستويان في القوة ويتحاصان في الكسب وكذلك ان كان المكاتب أخذ منه قبل موته كان أخذه غصبا باعتبار أن حق صاحب الدين فيه مقدم على حقه فكونه في يده وكونه في يد المقر عليه سواء ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى الكتابة كان صاحب الدين أحق بذلك المال وبطلت الجناية لان الجناية لو صارت مالا انما تصير مالا بعد العتق ولا وجه لذلك لانعدام الحجة فاقرار المكاتب لا يكون حجة على المقر عليه بعد العتق باعتبار نفسه ولا باعتبار كسبه والجناية انما تصير مالا على أن تكون دينا في ذمته ثم يقضى من كسبه فإذا انعدم ذلك بعد العتق كان صاحب الدين أحق بذلك المال فان فضل من حقه شئ كان للمكاتب ولو أقر عليه أولا بدين ثم بجناية ثم مات المقر عليه وفى يده مال بدئ منه بالدين لان الدين أقوى من حق صاحب الجناية فان أسبق سببا وتعلقا بالكسب واعتبار اقرار المكاتب عليه لاجل الكسب وانما يعتبر ذلك إذا فرغ الكسب عن صاحب الدين فأما ما بقي من الدين فحق الغريم مقدم على حق المكاتب فيه فلا يعتبر اقراره فيه بالجناية فان بقي شئ بعد الذى كان لصاحب الجناية بموت المقر عليه صارت مالا وهذا الفاضل من الكسب حق المكاتب فأخذه المقر له بالجناية لحكم اقراره ولو كان أقر بالدين أولا ثم بجناية ثم بدين وهو يجحد ثم مات المقر عليه وفى يده مال فانه يبدأ منه بالدين أولا لان حق المقر له الاول أقوى من حق صاحب الجناية للسبق والتعلق بالكسب كما أقر به وهو أقوى من حق صاحب الدين الآخر لانه أسبق تعلقا بالكسب فان فضل من دينه شئ تحاص فيه صاحب الجناية والدين الآخر لان الغريم الاول لما استوفى حقه صار كان لم يكن وكانما يفى هو جميع الكسب وقد أقر عليه بالجناية ثم بالدين وفي هذا هما يتحاصان لقوة في كل واحد منهما من وجه ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى فعتق بدئ بالدين الاول ثم بالدين الآخر فما فضل عن الدينين فهو للمكاتب لما بينا أنه لاوجه لا يجاب المال عليه باقرار المكاتب بالجناية عليه بعد العتق فكأنه ما أقر عليه الا بدين ثم بدين فيبدأ
[ 106 ] من كسبه بالدين الاول لانه أقوى ولا مزاحمة للضعيف مع القوى ثم بالدين الآخر ولو أقر عليه بجناية ثم مات المقر عليه وفي يده مال فانه يتحاص أصحاب الجناية الاولى وصاحب الدين في ذلك المال لا ستوائهما في القوة من حيث ان كل واحد منهما له نوع قوة من وجه ثم يدخل صاحب الجناية الاخيرة مع صاحب الجناية الاولى فيشاركه فيما أصاب لان صاحب الدين لما استوفى حقه خرج من الدين وحق صاحب الجناية الاولى والجناية الاخيرة سواء (ألا ترى) أنه لو لم يتخللهما الاقرار بالدين كانا مستويين في الكسب لان حق كل واحد منهما انما يصير مالا بعد موت المقر عليه ويتعلق بالكسب في وقت واحد والاسباب مطلوبة لاحكامها لا لاعيانها فإذا كان صيرورة الجنايتين مالا في وقت واحد كانا مستويين في الكسب كما لو أقر بهما معا فلهذا دخل صاحب الجناية الاخيرة مع صاحب الجناية الاولى ويشاركه فيما أصابه * فان قيل هذا ليس بصحيح لان ما يأخذه صاحب الجناية الاخيرة لا يسلم له وان صاحب الدين ما استوفى كمال حقه فيكون له أن يأخذ من يد صاحب الجناية الاخيرة ما يصل إليه ويقول حقى مقدم على حقك في الكسب * قلنا القول بهذا يؤدى إلى دور لا ينقطع أبدا لانه إذا أخذ ذلك منه لا يسلم له ولكن يأخذه منه صاحب الجناية الاولى لانه يقول حقى في الكسب مثل حقك فليس لك أن تفضل على بشئ من الكسب فإذا أخذ ذلك منه أتاه صاحب الجناية الاخيرة واسترد ذلك منه لان حقه مثل حقه فلا يزال يدور هكذا فلقطع هذا الدور قال لا يكون لصاحب الدين سبيل على ما يأخذه صاحب الجناية الاخيرة فان استوفى صاحب الجناية الاولى وصاحب الدين حقهما وبقى شئ أضيف ذلك الباقي إلى ما أصاب صاحب الجناية الاولى فاقتسم جميع ذلك صاحبا الجنايتين نصفين حتى يستوفيا حقهما لان حقهما في الكسب سواء والمانع لصاحب الجناية الاخيرة من المزاحمة حق صاحب الدين وقد انعدم ذلك بوصول كمال حقه إليه ولو لم يمت المقر عليه ولكن المكاتب أدى فعتق فصاحب الدين أحق بما في يد المقر عليه حتى يستوفى دينه فما فضل عنه كان للمكاتب ولا شئ لصاحب الجنايتين بعد عتق المقر عليه لما بينا ولو كان أقر عليه بجناية ثم بجناية في كلام متصل أو منقطع ثم مات المقر عليه تحاصا في تركته لان كل واحدة من الجنايتين انما تصير مالا بعد موته وتعلقهما بالكسب في وقت واحد وفى مثله المتقدم والمتأخر سواء كالمريض إذا أقر بدين ثم بدين ثم مات تحاصا في تركته سواء كان الاقرار بكلام متصل أو منقطع ولو كان أقر عليه بدينين
[ 107 ] لرجلين في كلام متصل تحاصا أيضا في تركته لان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله وان موجب أول الكلام اختصاص المقر له بالكسب ويتغير ذلك بالاقرار للثاني فيصير موجبه المشاركة بينهما في الكسب ومتى كان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله توقف أوله على آخره فكأنه أقر لهما جميعا وان كان قطع كلامه بين الاقرارين بدئ بالاول فان فضل عنه شئ كان للثاني سواء مات المقر عليه أو أدى المكاتب مكاتبته لان صحة اقرار المكاتب عليه باعتبار الكسب وكما أقر للاول بالدين تعلق حق المقر له بالكسب فاقراره بعد ذلك غير مقبول في اثبات المزاحمة للثاني مع الاول وهو نظير الوارث إذا أقر على الميت بدين ثم بدين فانه يبدأ بما في يده بالدين الاول لهذا المعنى وإذا أذن للعبد في التجارة وقيمته ألف درهم فادان ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم وهو يجحد ذلك ثم ان المولى أعتقه فالغريم الذى أدان العبد بالخيار لان حقه أقوى لانه دين من كل وجه والضعيف لا يظهر مع القوى فكأنه ليس لاحد عليه شئ سواه فان شاء ضمن المولي قيمة العبد باتلافه المالية المستحقة له بالاعتاق وان شاء أخذ دينه من العبد لان دينه كان ثابتا في ذمة العبد قبل العتق فبالعتق ازداد قوة ووكادة فان ضمنه المولى لم يكن للآخر على المولى ولا على العبد شئ اما على المولي فلانه ما أتلف الامالية الرقبة وقد ضمن جميع بدلها مرة واما على العبد فلان صحة اقرار المولى عليه باعتبار مالية الرقبة (ألا ترى) أنه بعد العتق لا يسعى الا في مقدار مالية الرقبة لو لم يكن عليه دين آخر وهنا لافضل في مالية الرقبة على دين العبد فيبطل اقرار المولى عليه لانعدام محله وان اختار الغريم أخذ دينه من العبد فللمقر له أن يخذ المولى بقيمة العبد لان المولى صار متلفا مالية الرقبة بالعتق ولم يغرم لصاحب دين العبد شيأ حين اختار اتباع العبد فيجعل في حقه كانه لم يكن على العبد دين سوى ما أقر به المولى عليه فيكون للمقر له أن يضمنه قيمة العبد لان المولى مصدق على نفسه وان لم يكن مصدقا على عبده ولو كان المولى أقر على العبد بدين ألفى درهم ولادين عليه سواه وجحده العبد ثم صار على العبد ألف درهم باقرار أو ببينة فانه يباع فيضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه لان اقرار المولي عليه صادف محلا فارغا فانه لم يكن عليه دين آخر حين أقر به المولي فيثبت جميع ما أقر به المولى في حال رقه وان كان أكثر من قيمته (ألا ترى) ان للمقر له أن يستسعيه في جميع الدين وكذلك يثبت ما أقر به العبد على نفسه بعد ذلك لبقائه مأذونا بعد اقرار المولي عليه فإذا بيع
[ 108 ] ضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه كما لو حصل الاقراران من العبد ولو كان اقرار العبد أولا بدئ به لان حق غريمه تعلق بمالية رقبته فاقرار المولى بعد ذلك صادف مالية مشغولة وصحة اقراره باعتبار الفراغ فلا يظهر مع الشنغل فلهذا بدئ من ثمنه بما أقر به العبد علي نفسه بخلاف مالو كان الاقرار ان من العبد لان صحة اقراره باعتبار الاذن لا باعتبار الفراغ وكذلك ان بيع بالفى درهم فخرج منهما ألف وتويت ألف كان الخارج منها للذى أقر له العبد لان التاوى غير معتبر وباعتبار الحاصل اقرار المولي لم يصادف الفراغ في شئ مما أقر به فان كان العبد أقر بالف ثم أقر عليه المولي بالف ثم أقر العبد بالف فانه يباع ويتحاص في ثمنه اللذان أقر لهما العبد لاستواء حقهما في القوة فان الاقرارين من العبد جميعهما حالة الاذن ولا مزاحمة معهما للذى أقر له المولى لانه حقه أضعف فاقرار المولى ما صادف فراغا في شئ من المالية فان بقي من ثمنه شئ بعد قضاء دينهما كان للذى أقر له المولي لان الفاضل للمولى وقد زعم هو أن المقر له أحق بذلك منه وزعمه في نفسه معتبر ولو لم يقر العبد على نفسه بشئ وأقر عليه المولى بدين ألف درهم ثم بدين ألف درهم في كلام منقطع فانه يباع فيبدأ بالالف لان حق الاول أقوى فاقرار المولى له صادف فراغا ولان صحة اقرار المولى على عبده باعتبار المالية وقد صارت المالية مستحقة للمقر له الاول فلا يعتبر اقراره في اثبات المزاحمة للثاني معه ولكن يستوفى الاول دينه فان بقى شئ كان للثاني وان كان وصل كلامه فقال لفلان علي عبدى هذا ألف درهم ولفلان ألف درهم تحاصا في ثمنه لان في آخر كلامه ما يغير موجب أول كلامه فان صدقه العبد في أحدهما والكلام متصل أو منقطع تحاصا في ثمنه لان العبد بالتصديق صار مقرا بدين أحدهما فكأن المولى أقر عليه بدين ثم أقر العبد على نفسه بدين وفى هذا يتحاصان في ثمنه وان صدقه في أولهما بدئ به لان التصديق متى اتصل بالاقرار كان كالموجود عند الاقرار (ألا ترى) ان الصحيح إذا أقر بدين لغائب ثم حضر المقر له في مرضه وصدقه جعل ذلك دين الصحة فههنا أيضا يصير العبد بالتصديق كالمقر بذلك الدين حين أقر المولى به فهو نظير مالو أقر العبد على نفسه بدين ثم أقر المولى عليه بدين وهذا إذا كان اقرار المولى بهما منقطعا فان كان متصلا تحاصا في ثمنه لان باتصال الكلام يصير كان الاقرارين من المولى وجدا معا فتثبت المحاصة بينهما في ثمنه ثم التصديق من العبد بعد ما أوجب الدينين في رقبته لا يكون مغيرا للحكم ولو كانت قيمة العبد ألف درهم وخمسمائة فأقر العبد
[ 109 ] بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم بيع العبد بالفى درهم فانه يضرب كل واحد من غريمي العبد في ثمنه بجميع دينه ويضرب الذى أقر له المولى في ثمنه بخمسمائة فيكون الثمن بينهم اخماسا لان الاقرارين من العبد جميعهما حالة الاذن فيثبت جميع دين كل واحد منهما فأما الاقرار من المولى فحين وجد كان الفارغ منه بقدر خمسمائة لان قدر الالف من ماليته كان مشغولا بحق غريم العبد وصحة اقرار المولى عليه باعتبار الفراغ وانما يصح من اقرار المولى في حق المزاحمة بقدر الفارغ منه وهو خمسمائة فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كان الثابت علي العبد خمسة أسهم فيجعل ثمنه علي خمسة لكل واحد من غريمي العبد خمساه وللذى أقر له العبد خمسه ولو لم يبع وأعتقه المولي وقيمته ألف وخمسمائة كان ضامنا لهما قيمته بالاعتاق ثم هذه القيمة بدل مالية الرقبة كالثمن لو بيع العبد فيقسم بينهم اخماسا فيجعل لكل واحد من غريمي العبد خمسمائة ويرجع كل واحد منهما على العبد بما بقي من دينه وهو أربعمائة لان جميع دين كل واحد منهما ثابت علي العبد ويرجع الذى أقر له المولي علي العبد بمائتين لان الثابت من دينه علي العبد خمسمائة وقد وصل إليه ثلثمائة فقى من هذا الثابت مائتان وان شاء الغرماء تركوا المولي واتبعوا العبد بالثابت من ديونهم فان اتبعوه أخذ منه الغريمان اللذان أقر لهما العبد جميع دينهما ألفي درهم وأخذ منه الذى أقر له المولي خمسمائة لان هذا القدر هو الثابت علي العبد باقرار المولي عليه فلا يطالبه بعد العتق الا به ثم يرجع على المولي بخمسمائة درهم أيضا لان المولي مقربان ذلك الدين علي عبده وانه استهلك رقبته بالاعتاق وقد برئ من حق غريمي العبد بابرائهما اياه فكان للذى أقر له المولى أن يرجع عليه بما بقي من دينه حتى يصل إليه كمال حقه ولو كانت قيمة العبد ألف درهم فأقر العبد بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم ازدادت قيمته حتى صارت ألفى درهم ثم أقر العبد بدين ألف درهم ثم بيع بألفى درهم فجميع الثمن للذين أقر لهما العبد خاصة لان المولى أقر عليه وليس في ماليته شئ فارغ عن حق غريم العبد عند ذلك وصحة اقرار المولى عليه باعتبار الفراغ فلم يثبت شئ مما أقر به المولى في مزاحمة غريمي العبد وبالزيادة التى حدثت بعد ذلك لا يتغير حكم اقرار المولى إذ لا معتبر بالزيادة المتصلة وحين بيع فلا فضل في ثمنه على حق غريميه فلهذا كان الثمن كله لغريمي العبد ولو أعتقه المولى يضمن قيمته لان القيمة بدل المالية كالثمن ولو اختار اللذان أقر لهما العبد اتباعه وأبرؤا من القيمة المولى كان للذى أقر
[ 110 ] له المولى أن يأخذ المولى بجميع دينه لان المولى استهلك مالية الرقبة وفى زعمه أن حق المقر له كان ثابتا في هذه المالية وزعمه معتبر في حقه ثم حقه ثابت في هذه المالية إذا فرغ من حق غريمي العبد بدليل أنهما لو أبرآه عن دينهما بيع للمقر له وحين اختار المقر اتباع العبد فقد فرغت هذه المالية من حقهما فلهذا كان للذى أقر له المولى أن يضمنه هذه المالية ويستوفيه بدينه ولو كانت قيمة العبد ألف وخمسمائة فأقر عليه المولى بدين ألف ثم بألف ثم بألف في كلام منقطع ثم بيع العبد بألفا فهو بين الاولين أثلاثا يضرب فيه الاول بألف والثانى بخمسمائة لان جميع الدين الاول ثبت على العبد باقرار المولى به فانه صادف محلا فارغا وقد ثبت من دين الثاني نصفه باقرار المولى لان الفارغ من ماليته عند ذلك كان بقدر خمسمائة فيضرب كل واحد منهما في الثمن بما هو ثابت من دينه ولو أعتقه المولى وقيمته ألف درهم ضمن قيمته ألف درهم لان وجوب الضمان عليه باستهلاك المالية بالاعتاق وانما يعتبر قيمة المستهلك عند الاستهلاك ثم يقتسم الاولان هذه القيمة بينهما اثلاثا على قدر الثابت من دين كل واحد منهما لما بينا أن في ثبوت الدين يعتبر الفراغ وقت الاقرار ثم يرجعان على العبد بخمسمائة لان الثابت من دينهما على العبد ألف وخمسمائة وقد استوفيا من المولى مقدار ألف فيرجعان على العبد بما بقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة فيقتسمانها أثلاثا وان طلبا أولا أخذ العبد أخذاه بألف درهم مقدار قيمته لان العبد بعد العتق لا يلزمه من الدين الذى أقر عليه المولي به الا مقدار قيمته فيرجعان عليه بألف مقدار قيمته ويقتسمان ذلك أثلاثا على قدر الثابت من دينهما ثم يرجعان على المولى بجميع قيمته أيضا لانه استهلك مالية الرقبة فيكون ضامنا لهما جيمع القيمة فإذا استوفيا ذلك منه وصل اليهما جميع دينهما بخلاف ما إذا ضمنا المولي في الابتداء فهناك لا يتبعان العبد الا بالباقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة لان العبد كان منكرا لما أقر به المولى عليه فأما إذا أتبعا العبد أو لا بمقدار قيمته والمولى مقر ان جميع دينهما ثابت فبحكم اقراره يكون لهما أن يأخذا المولى بجميع القيمة حتى يصل إلى كل واحد منهما كمال حقه وإذا أتبعا المولى فاستوفيا منه خمسمائة اقتسما ذلك أثلاثا أيضا ثم قد وصل إلى المقر له الاول كمال حقه فالخمسمائة الباقية على المولى يستوفيها المقر له الثاني ولو كان المولي أقر بهذه الديون اقرارا متصلا كانوا شركاء في ثمن العبد لان باتصال الكلام يصير كان الاقرار منه لهم حصل في كلام واحد معا وان أعتقه المولى اتبعوا المولى بالقيمة ثم يرجعوا على العبد
[ 111 ] بقدر قيمته مما بقى من دينهم وما زاد على ذلك فهو تاو لان المولى لا يغرم الاقيمة ما استهلك والعبد بعد العتق لا يغرم مما أقر به المولي عليه الا مقدار قيمته حتى لو كانت قيمة العبد ألف درهم فأقر عليه المولى بدين ألف ثم أقر بعد ذلك بدين ألف ثم ازدادت قيمته حتى صارت ألفين ثم أقر عليه بدين ألف ثم بيع العبد بألفى درهم فهو بين الاول والآخر نصفان ولا شئ للاوسط لانه حين أقر للاول ثبت جميع ما أقربه لفراغ ماليته عند ذلك وحين أقر للثاني لم يثبت شئ مما أقربه لانه ليس في ماليته فضل على الدين الاول وحين أقر للثالث ثبت جميع ما أقر به له لان في ماليته فضلا علي حق الاول بقدر الالف واقرار المولى عليه متى صادف محلا فارغا كان صحيحا فلهذا قسم الثمن بين الاول والآخر نصفين وان بيع بألفين وخمسمائة استوفى الاول والآخر دينهما وكان الفضل للاوسط لان الفاضل من حقهما للمولي والمولي مقر بوجوب الدين للثاني عليه وهو مصدق على نفسه ولو أعتقه المولى وقيمته ألفان أخذ الاول والآخر قيمته من المولى ولا شئ للاوسط لان القيمة بدل المالية كالثمن فان أعتقه وقيمته ألفان وخمسمائة أخذ الاول والآخر من المولى ألفين وكان الخمسمائة الباقية للاوسط باعتبار زعم المولى ولا شئ له على العبد لان شيأ من دينه غير ثابت في حق العبد فان توى بعض القيمة على المولى كان التاوى من نصيبب الاوسط خاصة لان حقه في الفاضل ولا يظهر ذلك ما لم يستوف الاول والآخر كمال حقهما بمنزلة مال المضاربة إذا توى منه كان التاوى من الربح دون رأس المال ولو كانت قيمة العبد ألفا وخمسمائة فأقر المولى عليه بدين ألف ثم بالف ثم بألفين ثم بيع العبد بثلاثة آلاف فان الاول يستوفى ألف درهم تمام دينه وكذلك الثاني ويبقي ألف درهم فهو للثالث فان خرج من الثمن ألف درهم وتوى الباقي كان ثلثا الالف للاول وثلثها للثاني لان جميع دين الاول ثابت على العبد والثابت من حق الثاني بقدر خمسمائة لان الفارغ عن ماليته يومئذ كان هذا المقدار فيقتسمان ما يخرج من الثمن على قدر الثابت من دينهما فيكون الخارج تمام دينه لان حقه أقوى من حق الثالث فالاقرار له من المولى كان سابقا على الاقرار للثالث فما يتوى يكون على الغريم الثالث وان استوفى التأني جميع دينه ثم خرج شئ بعد ذلك كان للثالث ولو كان الاقرار كله متصلا كان الخارج بينهم على قدر دينهم والتاوى بينهم جميعا بمنزلة مالو حصل الاقرار لهم بكلام واحد ولو كان الاقرار منقطعا ثم أقر العبد بعد ذلك بدين ألف ثم بيع بثلاثة آلاف فان الغريم الاول والذى
[ 112 ] أقر له العبد يأخذ كل واحد منهم جميع دينه وكذلك الثاني الذى أقر له المولي يأخذ جميع دينه مما بقى من الثمن ولا شئ للثالث لان حقه دون حق الثاني وحق غريم العبد ثابت بعد اقرار المولي لبقاء الاذن فان توى من الثمن ألف درهم وخرجت ألفان كانتا بين الاول والثانى والذى أقر له العبد اخماسا لان جميع دين الاول ثابت وجميع دين الذى أقر له العبد على نفسه ثابت والثابت للمقر له الثاني مقدار خمسمائة فان الفارغ من مالية الرقبة يومئذ كان هذا القدر فيضرب كل واحد منهم في الخارج من الثمن بقدر الثابت من دينه فيكون مقسوما بينهما أخماسا سواء كان الخارج ألفين أو ألفا وخمسمائة للاول خمسماه وللذى أقر له العبد خمسماه وللثاني الذى أقر له المولى خمسه وإذا أذن لعبده في التجارة وقيمته ألف درهم فاشترى وباع حتى صار في يده ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى بالف فالالف الذى في يده بين الغريمين نصفان لان دين العبد يقضى من كسبه كما يقضى من بدل رقبته وباعتبارهما جميعا اقرار المولى صادف محلا فارغا في جميع ما أقر به فهو كما لو حصل الاقراران من العبد فيقسم الكسب بينهما نصفان ولو كان المولى أقر عليه بالفين معا قسم ثمن العبد وماله بينهما نصفين لان الثابت مما أقر به المولى عليه بقدر الفارغ من مالية رقبته وكسبه وذلك مقدار ألف فلهذا قسم الثمن والكسب بينهما نصفين ولو كان المال في يد العبد خمسمائة فأقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى بدين ألفين ثم أقر العبد بدين ألف لم يضرب الذى أقر له المولى في ثمن العبد وكسبه مع غريميه الا بخمسمائة لان الفاضل حين أقر له المولي مقدار خمسمائة فيثبت بما أقر به المولي وجميع دين كل واحد من غريمي العبد ثابت فيقسم الثمن والكسب بينهم أخماسا ولو كان أقر المولى قبل اقرار العبد بالدين الاول كان ثمن العبد وماله بينهم ارباعا سهمان من ذلك للذى أقر له المولى ولكل واحد من غريمي العبد سهم لان المولى حين أقر عليه كان العبد فارغا عن كل دين فثبت جميع ما أقر به المولى في حال رقه وان كان أكثر من قيمته فيضرب في الثمن والكسب الذى أقر له المولى في جميع دينه فهذا كانت القسمة ارباعا بخلاف الاول فهناك اقرار المولى وجد بعد اشتغال العبد بالدين الذى أقر به على نفسه فلا يثبت مما أقر به المولى عليه الا بقدر الفاضل من ماليته على دين العبد لان مقدار الفاضل فارغ من دين العبد فيصح اقرار المولى عليه بقدر ذلك والله أعلم
[ 113 ] (باب اقرار العبد لمولاه) (قال رحمه الله) وإذا باع العبد المأذون المديون متاعا له من مولاه بقدر قيمته أو باكثر فهو جائز لانه ليس في تصرفه اسقاط حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به وقد بينا فرق أبى حنيفة بين هذا وبين بيع المريض من وارثه فإذا سلم المتاع إلى مولاه وأقر بقبض الثمن منه لم يصدق على ذلك حتى تشهد الشهود على معاينة القبض لان في تصحيح اقراره ابطال حق الغرماء عما تعلق حقهم به من مالية الثمن والعبد فيما يقربه لمولاه متهم في حق غرمائه لانه يؤثر مولاه على غرمائه واقرار المتهم لا يصح في ابطال حق الغير بخلاف اقراره بقبض الثمن من أجنبي لانه غير متهم في ذلك * يوضحه ان اقراره بالقبض في معنى الاقرار بالدين لان الديون تقضى بامثالها والمقبوض يصير مضمونا على القابض ثم يسقط الدين بطريق المقاصة واقراره للاجنبي بالدين أو بالعين صحيح في حق الغرماء فكذلك اقراره بالقبض من الاجنبي فأما اقراره بالدين والعين لمولاه فلا يكون صحيحا في حق الغرماء فكذلك اقراره بالقبض والمولى بالخياران شاء أعطى الثمن مرة أخرى وان شاء نقض البيع ورد المتاع لانه لزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها وذلك مثبت له الخيار واقرار العبد له صحيح في اثبات الخيار لانه يملك الاقالة معه إذ ليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به فكذلك اقراره يجعل معتبرا في اثبات حق الفسخ للمولى فان كان المتاع قد هلك في يده فعليه أن يؤدى الثمن ولا خيار له لان فسخ العقد في الهالك لا يتحقق واثبات الخيار له للفسخ وكذلك ان كان حدث به عيب عنده لان في اثبات خيار الفسخ له ههنا اضرارا بالغرماء ولانه يثبت له خيار الفسخ لدفع الضرر عن نفسه فلا يجوز اثباته على وجه يكون فيه الحاق الضرر بغيره وكذلك كل دين وجب للعبد على مولاه فأقر بقبضه منه لم يصدق ولا يبرأ المولى منه حتى يعاين الشهود القبض لما بينا أن اقراره بالقبض في معنى الاقرار له بالدين أو العين وكذلك اقرار وكيل العبد بقبض الدين من المولى لان الوكيل قائم مقام الموكل فانه هو الذى سلطه على القبض فاقراره بالقبض كاقرار الموكل به صدقه العبد في ذلك أو كذبه وإذا أذن الرجل لابنه الصغير في التجارة أو أذن له وصى الاب فلحقه دين ثم باع عبدا من ابنه أو من وصى ابنه فبيعه جائز إذا باعه بالقيمة أو بأقل منها بما يتغابن الناس فيه لان انفكاك الحجر عنه بالاذن بمنزلة انفاك الحجر عنه بالبلوغ (ألا ترى) أنه في تجارته مع الاجنبي
[ 114 ] يجعل كذلك فكذلك في تجارته مع الاب والوصى وان كان باعه بشئ لا يتغابن الناس فيه لم يجز بيعه في قياس قول أبى حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد أما عندهما فظاهر لان الصبي المأذون والعبد عندهما لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة من أجنبي لان في ذلك معنى التبرع وهما ليسا من أهل التبرع فكذلك بيع الصبي من الاب والوصى بمحاباة فاحشة وعند أبى حنيفة رحمه الله يملكان البيع من الاجنبي بالمحاباة الفاحشة على ما نبينه في موضعه فاما في بيع الصبي من وليه بالمحاباة فروايتان في احدي الروايتين يملك لان رأيه بعد الاذن إذا انضم إلى رأى وليه كان بمنزلة رأيه بعد البلوغ وفي هذا لا فرق بين أن تكون معاملته مع وليه أو مع أجنبي وهذا لانه عامل لنفسه في خالص ملكه الا أن يكون نائبا عن وليه وفى الرواية الاخرى لا يجوز هذا لان الولى في هذا الرأى متهم في حق نفسه فباعتبار التهمة ينعدم انضام رأى الولي رأيه في هذا التصرف * يوضحه أن الصبي وان كان متصرفا لنفسه فهو بمنزلة النائب عن وليه من وجه حتى ملك الحجر عليه فاعتبار معنى النيابة قلنا لا يبيع من وليه بغبن فاحش كما لا يبيع من نفسه وباعتبار أنه متصرف لنفسه قلنا يبيع من وليه بمثل قيمته أو بغبن يسير مع أن في بيع اليتيم من الوصي الذى ذكره في السؤال ههنا نظرا فقد ذكر مفسرا في موضع آخر انه لا يجوز لانه من وجه نائب والوصي لا يملك بيع مال اليتيم من نفسه بمثل قيمته ولا بغبن يسير فذلك لا يملكه اليتيم بعد اذن الوصي له لانه يتمكن فيه تهمة المواضعة وان الوصي ما قصد بالاذن النظر للصبي وانما قصد تحصيل مقصود نفسه بخلاف الاب فانه يملك بيع مال ولده من نفسه بمثل قيمته وبغبن يسير ولا يتمكن تهمة ترك النظر له عند الاذن له في التجارة بهذا التصرف فان أقر الصبي بقبض الثمن مع صحة البيع جاز بخلاف اقرار العبد بقبض الثمن من المولي لما بينا أن الاقرار بالقبض كالاقرار بالدين أو العين واقرار الصبي المأذون لابيه أو وصيه بدين أو عين صحيح فكذلك اقراره بقبض الدين منهما وهذا لان المال خالص ملكه وحق الغرماء في ذمته لا في ماله وقد صار منفك الحجر عنه بالاذن فيصح اقراره في محل هو خالص حقه فأما دين العبد فمعلق بكسبه فاقراره للمولى بشئ منه يصادف محلا مشغولا بحق غرمائه فلهذا لا يصح وإذا وكل العبد التاجر المديون وكيلا يبيع متاعا له من مولاه فباعه جاز كما لو باع العبد بنفسه فان أقر الوكيل أنه قبض الثمن من المولى ودفعه إلى العبد وصدقه العبد أو كذبه لم يصدق على ذلك الا أن يعاين الشهود القبض لان
[ 115 ] الوكيل قائم مقام المولك وبقبضه يصير المقبوض للموكل ويكون مضمونا عليه فكان هذا في معنى اقراره للمولى بعين في يده وذلك لا يصح من العبد سواء كان الاقرار منه أو من وكيله الا أن للمولى أن ينقض البيع أو يؤدى الثمن لما لزمه من الزيادة في الثمن بزعمه فأيهما فعل كان له أن يتبع الوكيل بالثمن الذى أقر بقبضه منه لان اقرار الوكيل على نفسه صحيح في حقه وقد أقر بقبض الثمن فإذا فسخ المولي البيع كان عليه رد المقبوض باعتبار اقراره به وكذلك ان أدى الثمن مرة أخرى لان الوكيل انما قبض الثمن منه ليستفيد البراءة عن الثمن بقبضه ولم يستفد ذلك حين غرم الثمن مرة أخرى فكان له أن يرجع على الوكيل بما أقر بقبضه ولا يرجع به الوكيل على العبد لان اقراره بالقبض غير صحيح في حق العبد لمراعاة حق الغرماء وإذا لم يظهر القبض باقراره في حق القيمة لا يكون له أن يرجع عليه بشئ ولو ظهر القبض في حق العبد باقراره لما غرم له المولى الثمن مرة أخرى ولو دفع العبد إلى مولاه ألف درهم وديعة أو بضاعة أو مضاربة ثم أقر بقبضها منه فالقول قوله لان المال أمانة في يد المولى حتى لو قال دفعتها إليه وكذبه العبد كان القول قول المولى لانكاره وجوب الضمان عليه فكذلك إذا أقر العبد بقبضها منه لانه انما لا يصح اقرار العبد إذا كانت المنفعة للمولى في اقرار العبد بالقبض لانه يستفيد البراءة بقوله دفعتها وان لم يقربه العبد بخلاف المال المضمون عليه * فان قيل بل فيه منفعة وهو سقوط اليمين عن المولى * قلنا نعم ولكن ليس في يمينه حق الغرماء وانما لا يقبل قول العبد إذا سقط عنه باقراره شئ مما تعلق به حق غرمائه مع ان الغرماء ان ادعوا على المولى انه استهلك ذلك المال كان عليه اليمين في ذلك ولو دفع العبد إلى المولى ألف درهم مضاربة بالنصف فربح فيه المولى ألف درهم ثم قال العبد قد أخذت من المولى رأس المال وحصتي من الربح وكذبه الغرماء أو ادعي ذلك المولى وكذبه العبد والغرماء فلا ضمان على المولى مع يمينه لان المال كله أمانة في يد المولى فهو فيما يزعم انه دفعه إلى العبد ينكر وجوب الضمان عليه وللعبد أن يأخذ من المولي ما أصابه من الربح فيكون له من رأس ماله لان العبد والمولى لا يصدقان على أن يسلم للمولي حصته التى قبض من الربح بل يجعل ما ادعي المولى انه دفعه إلى العبد كالتاوى فكأن المال كله ما بقى في يد المولى فيستوفيه العبد بحساب رأس ماله ولا يصدق العبد في حق غرمائه في أن ذلك حصة المولى من الربح لان فيه اسقاط حق الغرماء عما تعلق حقهم به ولو شارك العبد مولاه شركة عنان بخمسمائة درهم
[ 116 ] مما في يديه وخمسمائة من مال مولاه على أن يبيعا ويشتريا فهو جائز لان المولى من عبده المديون في حكم التصرف في كسبه كأجنبي آخر فيجوز بين العبد وبينه شركة العنان والمضاربة فان اشتريا وباعا فلم يربحا شيأ ثم أقر العبد انه قد قاسم مولاه المال واستوفى منه نصفه ودفع إلى المولى نصفه وصدقه المولى فان العبد لا يصدق على القسمة وللغرماء أن يأخذوا من المولى نصف ما قبض لان قول المولى مقبول في براءته عن ضمان ما زعم انه دفعه إلى العبد فانه أمين في ذلك واقرار العبد بذلك لا يكون مقبولا لاختصاص المولى بما بقى لما فيه من ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق به حقهم فيجعل ما تصادقا على دفعه إلى العبد كالتاوى وكان مال الشركة هو ما بقى في يدى المولى فللغرماء أن يأخذوا من المولى نصفه وكذلك كل شئ كان بينهما على الشركة فان العبد لا يصدق على القسمة والقبض الا أن تعاين الشهود ذلك لحق غرمائه وإذا وكل المأذون المديون رجلا يبيع له متاعا من مولاه فباعه ثم حجر المولى على عبده فأقر الوكيل بقبض الثمن لم يصدق على ذلك لانه قائم مقام الموكل وبالحجر عليه لا يخرج العبد من أن يكون الحق له في المقبوض بقبضه ليصرفه إلى غرمائه فكما ان اقرار الوكيل به لا يصح قبل حجر المولى على عبده فكذلك اقراره بعد الحجر لان الوكيل نائب عن العبد في الوجهين ولو كان القاضى باع العبد للغرماء في دينهم ثم أقر الوكيل انه قد قبض الثمن من المولى فضاع في يده فهو مصدق مع يمينه لان العبد لما خرج من ملك المولى فقد خرج الوكيل نائبا عنه في القبض ولكنه نائب عن غرمائه بقبض الثمن لهم فيقضي به دينه فيكون اقراره كاقرار الغرماء بقبضه وهذا ينبني على ما تقدم بيانه ان العبد لو كان باشر البيع بنفسه ثم باعه مولاه لم يكن له حق قبض الثمن وانما ذلك لغرمائه فكذلك إذا كان البائع وكيله * قلنا ينفذ بيع المولى اياه والوكيل نائب عن الغرماء فيصح اقراره بالقبض وإذا كان على العبد المأذون دين فأخذ المولى جارية من رقيقه فباعها وقبضها المشترى وتوي الثمن على المشترى فأقر العبد انه أمر مولاه بذلك فاقراره جائز لانه يملك الاذن للمولى في بيعها فيصح اقراره بالاذن له أيضا لان من أقر بما يملك انشاءه لا يكون متهما في اقراره وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا الجواب وقال ينبغى أن لا يصدق العبد على ذلك لان المولى صار ضامنا قيمتها حين سلمها إلى المشترى قبل أن يظهر أمر العبد اياه ببيعها ففى اقرار العبد براءة للمولى من شئ قد لزمه وبمجرد قول العبد لا يبرأ المولى عما لزمه لما فيه من ابطال
[ 117 ] حق غرمائه على قياس مسألة أول الباب ومسألة الاجازة ذكرها بعده ان الجارية لو هلكت في يد المشترى ثم أقر العبد انه كان أجاز بيع المولى فاقراره باطل والمولى ضامن قيمة الجارية لهذا المعني ولكن ما ذكره في الكتاب أصح فان في مسألة أول الباب العبد أقر بقبض دين كان ثابتا على المولى وكان حق الغرماء متعلقا به فكان في اقراره اسقاط حق الغرماء وههنا هو يقر بان المولى لم يكن ضامنا لان بيعه كان بامره فلا يكون ذلك اسقاطا منه لحق الغرماء بل انكار الثبوت حقهم في ذمة المولى وذلك صحيح من العبد (ألا ترى) ان المولى لو وهب شيأ من عبده في ذمة العبد كان صحيحا وان كان لو قتله يتعلق به حق غرمائه بخلاف مالو وهب العبد المديون شيأ من كسبه من المولي في مسألة الاجازة قد ثبت وجوب الضمان في ذمة المولى بهلاك الجارية في يد المشترى وتعلق به حق غرمائه فاقراره بالاجازة قبل هلاكها يكون اسقاطا لحق الغرماء ثم أقر بما لا يملك انشاءه لان أمره اياه ببيعها وهى قائمة في يد المشترى بعينها يكون صحيحا فكذلك اقراره بالامر يكون صحيحا ولو أنكر العبد أن يكون أمر المولي ببيعها ضمن المولى قيمة عبده فكانت بين الغرماء وهذا اللفظ غلط بل انما يضمن المولى قيمة الجارية لانه كان غاصبا في بيعها وتسليمها بغير أمر العبد فهو في ذلك كاجنبي آخر فيضمن قيمتها لعبده وتكون القيمة بين غرمائه كسائر أكسابه ولو قال العبد لم آمر المولى بذلك ولكن قد أجزت البيع فان كانت الجارية قائمة بعينها أو لا يدرى ما فعلت فالبيع جائز وقد برئ المولى من ضمان الجارية لان البيع كان موقوفا على اجازته كما لو باشره أجنبي والاجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وكذلك ان كان لا يدرى ما فعلت لانا قد عرفنا قيامها وما عرف ثبوته فالاصل بقاؤه ما لم يظهر خلافه وكما يصح منه ابتداء الاجازة يصح منه الاقرار بالاجازة فان كانت قد ماتت لم يصح منه انشاء الاجازة لان اجازة العقد الموقوف انما تجوز في حال يجوز ابتداء العقد فيه فكذلك اقراره بالاجازة بعد الهلاك باطل لانه لا يملك انشاء الاجازة ويكون المولى ضامنا قيمة الجارية كما بينا ولو لم يقر العبد بشئ من ذلك حتى حجر عليه مولاه ثم أقر أنه أمره بالبيع لم يصدق علي ذلك لانه أقر بالامر في حال لا يملك انشاءه فانه بعد الحجر كما لا يملك انشاء البيع لا يملك أمر المولى بالبيع فيكون هو متهما في اخراجه الكلام مخرج الاقرار وإذا لم يصدق على ذلك كان المولى ضامنا قيمتها لحق الغرماء ولو بيع المأذون في دين الغرماء ثم أقر انه أمر المولى بذلك لم يصدق لانه بالبيع في الدين
[ 118 ] صار محجورا عليه وهو أقوى مما لو حجر عليه قصدا فلا قول له بعد ذلك في الاقرار بالامر بالبيع كما لا قول له في انشائه وإذا كان علي المأذون دين كثير فباع جارية له من ابن مولاه أو أبيه أو مكاتبه أو عبد تاجر عليه دين أو لادين عليه باكثر من قيمتها ودفعها إلى المشترى ثم أقر بقبض الثمن منه جاز اقراره بذلك الا في العبد والمكاتب فان كسب العبد لمولاه وللمولى في كسب المكاتب حق الملك فهما في حكم هذا الاقرار بمنزلة المولى ولو كان المولى هو المشترى فأقر العبد بقبض الثمن منه لم يجز فكذلك هنا (ألا ترى) ان اقراره لعبد مولاه أو لمكاتب مولاه بدين أو عين بمنزلة اقراره لمولاه فأما في حق الاب والابن فليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك واقرار العبد بالدين أو العين لا بى مولاه أو ابنه صحيح فكذلك اقراره بقبض الثمن منه ووكيل العبد في ذلك بمنزلة العبد لانه نائب عنه ولو كان ابن العبد حرا فاستهلك مالا للعبد الذى هو أبوه أو امرأته أو مكاتب ابنه أو عبده وعليه دين أو لا دين عليه فأقر العبد المأذون انه قد قبض ذلك من المستهلك لم يصدق علي ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله سواء كان على المأذون دين أولم يكن وهو مصدق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهذا بناء علي الاصل الذى بينا ان عند أبى حنيفة رحمه الله الانسان في حق من لا تجوز شهادته له متهم في حق الغرماء في اقراره كما انه متهم في شهادته فان كان علي العبد دين فكسبه حق غرمائه ومتهم في الاقرار بقبض الدين ممن لا تجوز شهادته له لحق الغرماء وان لم يكن عليه دين فكسبه حق مولاه وهو متهم في حق المولى أيضا في اقراره بالقبض ممن لا تجوز شهادته له وعندهما لا يكون متهما في الوجهين جميعا ولو كان المستهلك أخاه كان اقراره بالقبض منه جائزا لانه في حق الاخ غير متهم في الشهادة له بل الاخ في ذلك كاجنبي آخر فكذلك في الاقرار بالدين له وفى الاقرار بالقبض منه ولا يمين على الاخ بعد اقرار العبد بالقبض منه لان اليمين ينبنى على دعوى صحيحة ولا دعوى لاحد عليه بعدما حكمنا بصحة اقرار العبد بالقبض منه وإذا كان علي العبد دين فدفع متاعا إلى مولاه وأمره ن يبيعه فباعه من رجل وسلمه إليه ثم أقر المولى انه قد قبض الثمن من المشترى ودفعه إلى العبد فهو مصدق على ذلك مع يمينه لان المولى أمين في بيع المتاع وقبض الثمن فإذا ادعى اداء الامانة كان القول قوله مع يمينه ولا يمين على المشترى لان من عامله قد أقر بقبض الثمن منه ولا دعوى لاحد عليه سواه والاستحلاف ينبنى علي دعوى صحيحة وكذلك لو كان حجر علي العبد قبل الاقرار بقبض الثمن
[ 119 ] أو باع عبده في الدين ثم أقر بقبض الثمن بعد بيعه فاقراره جائز والمشترى برئ من الثمن لان المولى انما يملك قبض الثمن بمباشرته سببه وهو البيع وذلك لا يتغير بحجره علي العبد ولا ببيعه وهو أمين في الثمن الذى يقبضه بعد الحجر علي عبده وبيعه كما هو أمين فيه قبل الحجر عليه فإذا ادعي انه قد ضاع في يده صدق مع يمينه لانه أمين ينكر وجوب الضمان عليه ولو كان العبد هو الذى باع فأقر بقبض الثمن وعليه دين صدق في ذلك لان الاقرار منه بالدين للمشترى إذا كان أجنبيا صحيح فكذلك اقراره بقبض الثمن منه ولا يمين على المشترى فيه لانه لا دعوى لاحد عليه بعد صحة اقرار من عامله بقبض الثمن منه وكذلك لو أقر بقبض الثمن بعد ما حجر عليه مولاه لان حق القبض إليه بعد الحجر كما كان قبله فيكون اقراره بالقبض صحيحا أيضا وهو شاهد لابي حنيفة رحمه الله في صحة اقراره بالدين بعد ما حجر عليه المولى باعتبار ما في يده من كسبه فان كان بيع في الدين ثم أقر بقبض الثمن أو عاينت الشهود دفع الثمن إليه بعد ما بيع فالثمن على المشترى على حاله لانه بالبيع ثبت الحجر عليه حكما لتجدد الملك فيه للمشترى وصار هو في معنى شخص آخر فلا يبقى له حق قبض الثمن كما لا حق في قبض الثمن لغيره من الاجانب فلا يبرأ المشترى باقراره ولا يدفع الثمن إليه بمعاينة الشهود بخلاف ما إذا حجر عليه ولم يبعه ولو كان المولى باع متاع العبد بامره من أجنبي وضمن الثمن عن المشترى لعبده فالبيع جائز والضمان باطل لان الوكيل بالبيع في حكم قبض الثمن بمنزلة العاقد لنفسه فانه هو المختص بالمطالبة وبالقبض على وجه لا يملك أحد عزله عنه فلو صح ضمانه عن المشترى كان ضامنا لنفسه ولان الوكيل أمين بالثمن فلو صح ضمانه عن المشترى لصار ضامنا مع بقاء السبب الموجب للامانة وان قال المولي قد قبض العبد الثمن من المشترى وادعاه المشترى وأنكره العبد والغرماء فالقول قول المولى مع يمينه لان ضمان المولى لما بطل صار كان لم يوجد ثم قد أقر بقبض مبرئ فان قبض الموكل الثمن من المشترى يوجب براءة المشترى عن الثمن واقرار الوكيل بقبض مبرئ يكون صحيحا (ألا ترى) أنه لو قال قبضت الثمن وهلك في يدى كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أقر بقبض الموكل الثمن فالمشترى برئ من الثمن ولا يمين عليه لانه لا دعوى لاحد عليه بعد صحة القرار من عامله ببراءته عن الثمن ولكن على المولى اليمين لانه لو أقر انه قبض وهلك في يده استحلف على ذلك فكذلك إذا أقر أن العبد قبضه لان العبد والغرماء يزعمون انه صار مستهلكا الثمن باقراره كاذبا وانه ضامن الثمن لهم وهو منكر فعليه اليمين وكذلك لو
[ 120 ] أقر العبد أن المولى قبض الثمن وجحد المولى لان العبد لو قبض الثمن برئ المشترى بالدفع إليه فإذا أقر أن وكيله قد قبض كان هذا اقرارا منه فهو مبرئ للمشترى فيصدق في ذلك ولا يمين على المشترى ولا ضمان وكذلك لا ضمان على المولى لان باقرار العبد لم يثبت وصول شئ إلى المولى في حقه ولو استهلك رجل ألف درهم للعبد فضمنها عنه المولى جاز ضمانه لانه التزم المطالبة بدين مضمون على المستهلك وهو في هذا الضمان كاجنبي آخر فان أقر العبد بقبض المال من المولى أو من المستهلك لم يصدق فيه لان في اقراره هذا ما يوجب براءة المولي عما لزمه من الدين للعبد فان قبض المال من الاصيل يوجب براءة الكفيل فكذلك قبضه من الكفيل يوجب براءته لا محالة وقد بينا أن اقرار العبد بالقبض الموجب براءة مولاه عن الدين الذى عليه باطل وكذلك لو كان الدين على المولى فاستهلكه والاجنبي كفيل عنه بامره أو بغير أمره لانه سواء أقر بقبضه من المولي أو من الكفيل فاقراره يوجب براءة المولى لان براءة الكفيل بالايفاء توجب براءة الاصيل ولو كان العبد أبرأ الكفيل بغير قبض لم يجز لانه لم يتضمن براءة الاصيل فان ابراء الكفيل لا يوجب براءة الاصيل لان الابراء تبرع والعبد ليس من أهله فابراؤه باطل سواء أبرأ الاصيل أو الكفيل وكذلك لو كان الغريم مكاتبا للمولي والاجنبي كفيل به أو كان الغريم هو الأجنبي والكفيل مكاتب للمولى كفل بمال عليه للمكفول عنه فهذا بمنزلة المولى وكفيله لما للمولي من حق الملك في كسب مكاتبه ولان اقرار العبد لمكاتب مولاه باطل كاقراره لمولاه فكذلك اقراره بقبض يوجب براءة مكاتب مولاه عن الدين يكون باطلا ولو كان الغريم أبرأ المولى أو كان الكفيل ابن المولى كان العبد مصدقا على الاقرار بالقبض سواء أقر بقبضه من الاصيل أو من الكفيل لان اقراره بالدين والعين لاب المولى أو ابنه صحيح فكذلك اقراره بقبض يوجب براءة ابن المولى أو أبيه عن دين له عليه يكون صحيحا والله أعلم (باب وكالة الاجنبي العبد بقبض الدين) (قال رحمه الله وإذا وكل الاجنبي عبدا تاجرا عليه دين أولا دين عليه بقبض دين له على مولى العبد فالتوكيل جائز لانه لا حق للعبد في الدين الذى على مولاه للاجنبي ولا في المحل الذى يستحق قضاء هذا الدين منه وهو مال المولى فيكون العبد فيه كاجنبي آخر
[ 121 ] فان أقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه لانه أمين فيه كغيره ولا يمين على المولي لان العبد مسلط على الاقرار بالقبض من جهة صاحب الدين فاقراره به كاقرار صاحب الدين وبعد هذا الاقرار لا دعوى لاحد عليه حتى يحلفه فان نكل العبد عن اليمين لزمه المال في عتقه يحاص به الموكل غرماء لان الاجنبي يدعي على العبد انه مستهلك لماله باقراره كاذبا أو مانع منه بعد ما قبضه من غريمه ولو أقر العبد بذلك لزمه فإذا أنكر يستحلف ويقام نكوله مقام اقراره فيكون للمقرله المزاحمة به مع غرمائه وان كان المولى هو الوكيل بقبض دين على عبده لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه باقراره ولا بمعاينة الشهود ان كان على العبد دين أو لم يكن ولا يبرأ العبد من الدين بدفعه إلى مولاه لان ما على العبد من الدين مستحق على المولى من وجه فانه يقضي من ملك المولى وهو كسب العبد أو مالية رقبته وما يكون مستحقا على المرء من الدين لا يصلح هو أن يكون وكيلا في قبضه كما لو وكل المديون بقبض الدين من نفسه وهذا لان بقبضه يسلم له مالية رقبته ومن ضرورة صحة التوكيل بالقبض صحة اقراره بالقبض منه وكونه أمينا في المقبوض وهو في هذا الاقرار متهم لماله من الحظ في ذلك بخلاف الدين الواجب على المولى فانه غير مستحق على العبد ولا هو متهم في الاقرار بقبضه وذكر في كتاب الوكالة انه لو وكل رجلا بقبض دين من أبيه أو ابنه أو مكاتبه أو عبده جاز التوكيل وكانه في تلك الرواية اعتبر جانب من له الدين وهو أجنبي فيكون توكيله المولي وتوكيله أجنبيا آخر سواء وأصح الروايتين ما ذكر ههنا ولو كان لرجل عبدان تاجران فوكل أجنبي أحدهما بقبض دين له علي العبد الآخر فاقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه لان الدين المستحق على العبد لا يكون أقوى من المستحق على المولى وقد بينا أن العبد يصلح أن يكون وكيلا للاجنبي في قبض دينه من المولى وان اقراره بالقبض بعد الوكالة صحيح فكذلك في دين واجب على عبد آخر للمولى الا أن الاجنبي يدعي عليه استهلاك ماله باقراره فيحلف على ذلك ويجعل نكوله كاقراره فيلزمه ذلك في عتقه وكذلك لو كان الوكيل مكاتبا للمولى أو ابنه لان المكاتب منه أبعد من عبده وإذا أراد العبد المأذون أن يقضى دين بعض غرمائه أو يعطيه به رهنا فللآخرين أن يمنعوه لان حق جميع الغرماء تعلق بكسبه وفي تخصيص بعضهم بقضاء الدين ايثاره والعبد لا يملك ذلك لما فيه من ابطال حق الباقين عن ذلك المال كالمريض إذا خص بعض غرمائه بقضاء الدين والمقصود بالرهن الاستيفاء لان
[ 122 ] موجبه يد الاستيفاء فيكون معتبرا بحقيقة الاستيفاء فان كان الغريم واحدا فرهنه بدينه رهنا ووضعاه علي يد المولى فضاع من يده ضاع من مال العبد والدين عليه بحاله لان يد المولى لا تصلح للنيابة عن الاجنبي في استيفاء الدين من العبد حقيقة فكذلك لا تصلح النيابة للقبض بحكم الرهن لانه قبض للاستيفاء وهذا لان الدين الذى على العبد من وجه مستحق على المولى فيكون هذا في معنى مالو ارتهن بدين له على انسان وجعل الراهن عدلا فيه فتركه على يده * يوضحه ان بهلاك الرهن يجب للراهن على المرتهن مثل ما كان للمرتهن عليه ثم يصير قصاصا ولو وضعاه على يد عبد له آخر أو مكاتب أو على يد ابنه فهلك في يد العبد ذهب بالدين لان هؤلاء يصلحون للنيابة عن الاجنبي في استيفاء دينه من العبد فكذلك في يد الاستيفاء بحكم الرهن ثم هلاك الرهن في يد العدل كهلاكه في يد المرتهن وكذلك لو وضعاه على يد عبد للعبد المأذون المديون لان ذلك العبد يصلح وكيلا للاجنبي في قبض دينه من العبد المأذون فان العبد المأذون مع عبده بمنزلة المولي في حق العبد المأذون وقد بينا أن العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض الدين من مولاه ولو كان الدين على الممولى والعبد هو العدل في الرهن فهلك ذهب بما فيه لان العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض ما علي مولاه فيصلح أن يكون عدلا في الرهن به أيضا وكذلك لو لم يعرف هلاكه الا بقول العبد لانه لما نتصب عدلا كان أمينا فيه والامين مسلط على الاخبار من جهة من ائنمه فاخباره بالهلاك بمنزلة اقرار المرتهن به فلهذا يصير مستوفيا به دينه وإذا أذن المأذون لعبده في التجارة فلحق كل واحد منهما دين فوكل بعض غرماء الاول العبد الآخر بقبض دينه فأقر بقبضه جاز اقراره لان الاول في حق الآخر بمنزلة المولي في حق عبده والدين المستحق على المولى لا يكون مستحقا على عبده بحال فيصلح أن يكون وكيلا في قبضه ولو أن بعض غرماء الآخر وكل الاول أو مولاه بقبض دينه من الآخر لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه لان الاول في معنى المولى للآخر فالدين الذى على الآخر من وجه كانه مستحق على الاول فلا يصلح أن يكون وكيلا في قبضه فكذلك المولى فانه يملك كسب العبد الاول كما يملك رقبته ويسلم له إذا فرغ من دينه كما يسلم له الاول فكما لا يكون وكيلا للاجنبي في قبض دينه من الاول فكذلك من مولاه ولو رهن كل واحد منهما رهنا بدينه ووضعه على يد الآخر فضاع الرهنان فرهن الاول يذهب بما فيه ورهن الثاني يذهب من مال الثاني لان الثاني يصلح أن يكون عدلا
[ 123 ] في الرهن بالدين الذي على الاول كما يصلح أن يكون وكيلا بقبضه والاول لا يصلح أن يكون عدلا في الرهن بالدين الذى على الثاني ولا يصير صاحب الدين مستوفيا دينه بهلاكه ولو أن العبد المأذون المديون أحال أحد غرمائه بدينه على رجل فان كان أحاله بما كان للعبد على المحال عليه فالحوالة باطلع لان ما على المحال عليه للعبد كسبه وهو حق جميع غرمائه فهو بهذه الحوالة يخص المحال بذلك المال ويبطل حق سائر الغرماء عنه وذلك لا يكون صحيحا من العبد كما لو خص بعض الغرماء بقضاء دينه * وبيان هذا ان الحوالة لو صحت لم يكن للعبد ولا لسائر الغرماء مطالبة للمحتال عليه بعد ذلك بشئ مما كان عليه لانه انما التزم دين المحتال بالحوالة ليقضيه من ذلك المال وان لم يكن للعبد مال على المحتال عليه فالحوالة جائزة لان المحتال عليه تبرع على العبد باقراض دينه منه لالتزام الدين فيها للمحتال والتبرع على العبد صحيح والعبد مالك للاستقراض وانما لا يملك الاقراض وليس في هذه الحوالة ابطال حق سائر الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به فان وكل الطالب بقبض الدين منه العبد اي كان عليه أصل الدين أو مولاه لم يجز قبضه لان الثابت في ذمة المحتال عليه عين ما كان في ذمة العبد فان الحوالة لتحويل الحق من ذمة إلى ذمة وحين كان في ذمة العبد ما كان لا يصلح هو ولا مولاه وكيلا في قبضه فكذلك بعد التحول إلى ذمة المحتال عليه ولان العبد بهذه الحوالة لم يستفد البراءة الثانية (ألا ترى) ان المحتال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمته فلو صح التوكيل لكان يثبت له البراءة بقبضه ومولاه لا يصلح أن يكون وكيلا في قبض يوجب براءة عبده عن الدين فان قبض بحكم هذه الوكالة فعليه رد المقبوض علي صاحبه لانه قبضه بسبب باطل شرعا وان ضاع في يده فلا ضمان عليه لانه قبضه بتسليم صحيح من صاحب المال إليه فيكون أمينا في المقبوض وان كان وكل بقبضه عبدا آخر للمولى أو مكاتبه أو ابنا للمولى أو عبدا للعبد المأذون الذى كان عليه الدين فأقر بقبضه من المحتال عليه جاز اقراره لانه حين كان هذا الدين في ذمة المحيل كان هذا الوكيل صالحا للتوكيل في قبضه منه واستفاد البراءة باقراره بالقبض منه فكذلك بعد ما تحول إلى ذمة المحتال عليه فان كان الدين على المولى فأحال به على رجل ثم ان الغريم وكل عبدا للمولى بقبضه فأقر بقبضه من المحال عليه جاز لانه لو وكله بالقبض من المولى حين كان الدين في ذمته جاز التوكيل فكذلك إذا وكله بقبضه من المحال عليه وكذلك لو وكل عبدا للمولى بقبضه فأقر بقبضه جاز لما بينا وإذا وكل الاجنبي بقبض دين له علي عبد مأذون
[ 124 ] ابن العبد والابن حر أو وكل به مكاتب ابنه أو عبد لابنه مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه فأقر بقبضه جاز في قولهم جميعا لان ابن العبد أجنبي من الدين الذى على العبد وهو غير مستحق عليه في وجه من الوجوه فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه منه ويصح اقراره بقبضه كاجنبي آخر فان قيل هو بهذا الاقرار ينفع أباه ويبرئ ذمته عن الدين ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله ان الابن غير مقبول الاقرار فيما يرجع إلى منفعة أبيه * قلنا هذا إذا لم يوجد التسليط من صاحب الحق له على ذلك بعينه وههنا لما وكله بالقبض فقد سلطه فالاقرار بالقبض رضا فلهذا صح اقراره به وإذا غصب المأذون من رجل ألف درهم فقبضها منه رجل فهلكت عنده ثم حضر صاحبها فاختار ضمان الاجنبي برئ العبد منها لانه كان مخيرا بين تضمين الغاصب الاول أو الثاني والمخير بين شيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك باختياره وكانه ما كان الواجب الا ما اختاره وهذا لان اختياره تضمين أحدهما تمليك للمضمون منه وبعد ماصح التمليك لا يملكنه أن يرجع فيطالب الآخر به بحال فان وكل العبد أو مولاه بالقبض من الأجنبي جاز اقرار الوكيل بقبضه لان العبد استفاد البراءة علي الاطلاق بهذا الاختيار (ألا ترى) انه لا يتصور عود ذلك الدين إليه بحال فيكون هو ومولاه كاجنبي آخر في التوكيل بالقبض بعد ذلك وكذلك إذا اختار ضمان العبد ثم وكل الاجنبي بقبضه منه جاز لان الأجنبي استفاد البراءة بعد فالاختيار على الاطلاق ولو وكل الموكل بقبضه منه لم يجز توكيل المولى ولا اقراره بالقبض لان بهذا الاختيار تعين الدين في ذمة العبد والمولى لا يصلح أن يكون وكيلا للاجنبي في قبض ما على عبده ولو دبر المولى عبده المديون فاختار الغرماء تضمنيه القيمة ثم وكلوا المدبر بقبضها منه لم يجز توكيله ولا اقرار المدبر بالقبض لان جميع الدين باق على المدبر حتى كان مطالبا به بعد العتق فهو بالقبض والاقرار به يبرئ نفسه عن الدين والانسان لا يكون وكيلا في قبض دين على نفسه وكذلك ان اختاروا اتباع المدبر ووكلوا المولى بقبضه منه لم يجز لان المدبر باق على ملكه وكسبه مملوك للمولى وقد بينا أن المولي لا يكون وكيلا في قبض ما علي مملوكه لان بالقبض يستخلص الكسب لنفسه فان أعتقه بعد التدبير لم يلزمه ضمانه مستأنفا لانه بهذا الاعتاق ما أتلف عليهم شيأ فانه لم يبق لهم حق في مالية الرقبة بعد التدبير إذ المدبر لا يحتمل البيع في الدين وكسبه كان حق الغرماء وبالاعتاق لا يبطل حقهم عن الكسب بل يتقرر حقهم به فلهذا لا يجب عليه ضمان لهم فان قبض شيأ من
[ 125 ] المدبر عن الوكالة الاولي لم يجز قبضه لان تلك الوكالة كانت باطلة ولم ينتصب هو وكيلا بها فلا تنقلب وكالة صحيحة باعتاقه اياه وان وكلوه بعد العتق جاز لان بعد العتق المولى أجنبي من الدين الذى عليه وقد استفاد البراءة باختيار الغرماء ابتاع العبد ولا حق له في كسبه بعد العتق فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه كاجنبي آخر ولو أعتق المولى عبده المديون فللغرماء أن يتبعوا العبد بدينهم كله ويتبعوا المولى بقيمة العبد لانه أتلف مالية الرقبة عليهم بالاعتاق ولا يكون اتباع واحد منم ابراء للآخر لان المولى كان متحملا من ديون العبد بقدر مالية رقبته بمنزلة الكفيل ومطالبة الكفيل بالدين لا توجب براءة الاصيل وكذلك مطالبة الاصيل لا توجب براءة الكفيل فان أبرؤا العبد عن دينهم برئ المولى من القيمة لان العبد أصيل في هذا الدين وبراءة الاصيل بالابراء توجب براءة الكفيل ولو أبرؤا المولى من القيمة كان لهم أن يتبعوا العبد بجميع دينهم لان براءة الكفيل بالابراء لا توجب براءة الاصيل فان ابراء الكفيل فسخ للكفالة ولا ينعدم به سبب وجوب الدين علي الاصيل فيبقي جميع الدين علي العبد ببقاء سببه كما لو كان المولى أعتقه برضاهم فان وكلوا المولى بعد ما أبرؤه بقبض دينهم من العبد فأقر بقبضه جاز اقرارهم عليه لان المولى استفاد البراءة علي الاطلاق بابرائهم اياه ولا حق له في كسب معتقه ولو كانوا وكلوه بذلك قبل الابراء لم يجز توكيله لانه في القبض والاقرار به يبرئ نفسه مما عليه فان أبرأوه بعد الوكالة لم يكن وكيلا في قبضه أيضا لان ذلك التوكيل كان باطلا فالابراء لا ينقلب صحيحا الا أن يوكلوه بعد البراءة فيصح انشاء التوكيل الآن ولو كانوا أبرأوا العبدين من دينهم علي أن يتبعوا المولى بقدر القيمة من دينهم وتراضوا على ذلك جميعا كان جائزا ويبرأ العبد من الديون ويتبعون المولي بالقمية لانهم بهذا الشرط حولوا ما كان واجبا على المولى بجهة الكفالة كالواجب بطريق الحوالة فكان المولى قبل الحوالة لهم في مقدار القيمة والحوالة توجب براءة الاصيل ولا توجب براءة المحال عليه فان توت القيمة على المولى رجعوا على العبد من دينهم بقدر القيمة لان ذلك كان علي المولى بطرق الحوالة ومتى توى الدين علي المحتال عليه بموته مفلسا أو بجحوده عاد الدين إلى ذمة المحيل فان لم يتوما على المولى حتى وكلوا العبد بقبضه من المولى لم يجز توكيله ولا قبضه لان العبد لم يستفد البراءة عن هذا القدر مطلقا حتى يعود إليه بالتوى فلا يصلح أن يكون وكيلا في قبضه وقد قررنا هذا المعنى في الحوالة وإذا مات الرجل وعليه دين أو لا دين عليه وله عبد
[ 126 ] مديون فوكل غرماء العبد الوارث بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك لان الورثة قائمون مقام المورث في ملك رقبة العبد وكسبه وقد بينا ان المولى لا يكون وكيلا في قبض ما على عبده فكذلك وارثه بعده وكذلك لو وكلوا بعض غرماء المولي لان حقهم في رقبته وكسبه مقدم على حق الوارث ولو لم يكن على المولى دين وقد ترك ثلثمائة درهم سوى العبد وقد أوصى بنصفها أو ثلثها لرجل فوكل غرماء العبد الموصى له بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك لان الموصى له شريك الوارث في تركة الميت والوارث لا يكون وكيلا في ذلك فكذلك الموصى له وهذا لان العبد من مال الميت وفى فراغه عن الدين منفعة للموصي له (ألا ترى) انه لو صح التوكيل وأقر بالقبض ثم لحق الميت دين كان يقضى ذلك الدين من مالية الرقبة ويسلم للموصي له جميع وصيته فلهذا لا يصلح وكيلا فيه (ألا ترى) أن الموصى له لو شهد علي رجل آخر بدين للميت علي انسان لا تقبل شهادته لانه شريك الوارث في مال الميت فكذلك في حكم الوكالة ولو أعتق الوارث العبد ولا دين على الميت جاز عتقه عندنا وعلي قول الحسن بن زياد لا يجوز عتقه قال لان دين العبد أقوى من دين المولى (ألا ترى) ان دين العبد في القصاص من مالية الرقبة مقدم على دين المولي ثم استغراق رقبته بدين المولي يمنع ملك الوارث فاستغراقه بدين نفسه أولى أن يمنع ملك الوارث ولكنا نقول الوراث يخلف ملك المورث بعد موته وقد كان المورث مالكا رقبة العبد مع كونه مستغرقا بدينه فكذلك وارثه بخلاف دين المولي فان المولى كان مالكا رقبته في حياته باعتبار أن الدين في ذمته لا تعلق له بماله وبموته قد تعلق حق الغرماء بتركته ولهذا حل الاجل لانه صار في حكم العين والعين لا تقبل الاجل وحق الغرماء مقدم على حق الورثة فمن هذا الوجه منع دين المولي ملك الوارث فأما دين العبد فعلى صفة واحدة في التعلق بمالية الرقبة بعد موت المولى كما كان قبله وإذا نفذ العتق من الوارث كان ضامنا قيمته للغرماء لانه أتلف عليهم مالية الرقبة فان اختار الغرماء اتباع العبد وأبرأوا الوارث من القيمة ثم وكلوا الموصى له بقبض دينهم من العبد فأقر بقبضه جاز اقراره لان الموصي له في التركة شريك الوارث ولو وكلوا الوارث في هذه الحالة بالقبض جاز التوكيل لان الوارث استفاد البراءة مطلقا ولا حق له في كسب المعتق فكذلك إذا وكلوا الموصى له بقبضه ولو وكلوا الموصى له بقبضه قبل ابراء الوارث من القيمة لم يجز التوكيل لانهم لو وكلوا الوارث في هذه الحالة لم يجز التوكيل فكذلك إذا وكلوا
[ 127 ] الموصى له وكذلك لو وكلوه بقبض القيمة من الوارث لم يجز التوكيل لان القيمة التى على الوارث مال الميت (ألا ترى) انه لو أبرأ الغرماء العبد وظهر علي المولي دين وجب قضاؤه من تلك القيمة والموصى له شريك الوارث في مال الميت فلا يجوز أن يكون وكيلا في قبضه من الوارث ولو باع المولى العبد المديون للغرماء برضاهم وقبض الثمن فاستهلكه فلا شئ للغرماء على العبد حتى يعتق لان العبد صار خالصا للمشترى وحق الغرماء في المطالبة تحول من مالية العبد إلى بدله وهو الثمن فباستهلاك المولي الثمن يجب عليه ضمان مثله ولا يعود حق الغرماء في مالية الرقبة فلهذا لا يطالبونه بشئ حتى يعتق فان وكل الغرماء العبد وهو مأذون له أو محجور عليه بقبض الثمن الذى استهلكه المولي منه لم يجز توكيله ولا قبضه لان أصل الدين باق على العبد بدليل انه إذا عتق كان مطالبا بجميعه خصوصا إذا توى الثمن على المستهلك فلهذا لا يكون وكيلا في قبضه ولو دفع العبد المديون ألف درهم مضاربة إلى رجل بالنصف فاشترى المضارب بالالف عبدا وقبضه ولم ينقد الثمن حتى وكل البائع المأذون أو مولاه أو بعض غرمائه بقض ذلك الثمن لم يجز التوكيل ولا القبض لان المضارب متصرف للعبد وما يستحق عليه من الدين بتصرفه مستحق على العبد حقيقة (ألا ترى) أن المضارب يرجع بما يلحقه من العهدة علي رب المال فكان هذا في معنى الدين الواجب على العبد حتى لو وكل بعض هؤلاء بقبضه فاقر بقبضه جاز اقراره بمنزلة مالو كان العبد هو المشترى بنفسه ثم وكل مولاه أو غريمه بقبض المشترى فهناك التوكيل صحيح لانه لاتهمة في اقراره بالقبض ولو وجب للعبد المأذون ولرجل حر على رجل ألف درهم هما فيه شريكان ثم ان الشريك وكل العبد بقبض نصيبه فقبضه بمعاينة الشهود فهلك في يده فانه يهلك من ماليهما جميعا لان العبد لا يجوز أن يجعل قابضا لنصيب الاجنبي خاصة فان ذلك لا يكون الا بعد القسمة والانسان لا يجوز أن يكون وكيلا في المقاسمة مع نفسه عن غيره وبدون القسمة المقبوض مشترك بينهما كما كان قبل القبض مشتركا والعبد في حصة الأجنبي أمين بحكم التوكيل فلهذا كان الهلاك من ماليهما جميعا والباقى بينهما نصفان وان كان البعد قبض من الغريم شيأ لنفسه فهلك كان هالكا من ماله خاصة به لان قبل التوكيل كان يملك قبض نصيبه فبقى مالكا له بعد التوكيل لان بقبول الوكالة لا يتعذر عليه التصرف في نصيبه وإذا كان المقبوض من نصيبه فان هلك كان من ماله خاصة وان لم يهلك كان للاجنبي أن يأخذ منه نصفه كما لو قبضه قبل التوكيل وهذا لان المقبوض جزء
[ 128 ] من الدين المشترك فلشريكه أن يشاركه فيه ولو كان الشريك وكل مولى العبد بقبض نصيبه من الدين فان كان العبد لا دين عليه فهذا ووكالة العبد سواء لان كسب العبد ملك المولى في هذه الحالة فلو جعلنا المقبوض من نصيب الأجنبي خاصة كان المولى وكيلا عن الاجنبي في المقاسمة مع نفسه وذلك لا يجوز فلهذا كان المقبوض من نصيبهما وان كان على العبد دين كان قبض المولى على الاجنبي جائزا لانه من كسب عبده المديون بمنزلة الاجنبي فتوكيل الاجنبي اياه بقبض نصيبه بمنزلة توكيل غيره به وان توى المقبوض في يد المولى توى من مال الأجنبي لان قبض وكيله له كقبضه بنفسه وكذلك لو أقر المولى بالقبض كان اقراره على الاجنبي جائزا لانه بالتوكيل سلطه على الاقرار فيجعل اقراره بذلك كاقرار الاجنبي بنفسه وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا المسألة فقال ينبغى أن لا يجوز اقرار المولى بالقبض ههنا لان فيه منفعة عبده فان ما بقي في ذمة المديون يخلص للعبد إذا صح اقرار المولى على الاجنبي بالقبض وفي منفعة العبد منفعة المولى فلا يجوز اقراره واستشهد على ذلك بالمسألة المذكورة بعد هذا في باب خصومة المأذون إذا مات الغريم فادعى العبد أن شريكه قد قبض حصته فجحده الشريك ووكل الشريك مولى العبد في خصومة العبد فاقر المولى على الشريك بالاستيفاء لم يجز اقراره ولم يكن وكيلا له لما فيه من منفعة عبده وقد قيل في الفرق بينهما على جواب الكتاب ان المولى لا يخاصم عبده لنفسه فكذلك لا يخاصمه لغيره ولو جعلناه وكيلا هنا لكان يخاصم العبد لغيره وهو الموكل فأما فيما نحن فيه فهو يخاصم الأجنبي لغيره وهو يجوز أن يخاصم الاجنبي لنفسه فكذلك لغيره وإذا صح التوكيل جاز اقراره على الاجنبي لانه سلطه على الاقرار عليه لما وكله به وإذا وكل رجل رجلا ببيع متاعه فباعه من عبد الوكيل وعليه دين أو لادين عليه فبيعه باطل لان بيعه من عبده كبيعه من نفسه فان كسب العبد ملكه وله حق استخلاصه لنفسه بقضاء دينه فيكون متهما في ذلك فان كان الموكل أمره أن يبيعه من عبد الوكيل فباعه ولا دين عليه فالبيع باطل كما لو أمره بالبيع من نفسه وان كان عليه دين فهو جائز لانه من كسبه الآن كالاجنبي وانما لا يجوز بيعه منه بمطلق التوكيل لتمكن تهمة الميل إليه باعتبار ماله من الحق في كسبه وقد انعدم ذلك بالتنصيص على البيع منه والعهدة على الآمر دون المولى لان المولى لا يستوجب على عبده الثمن (ألا ترى) أنه لو باع ماله من عبده المديون لا يستوجب عليه الثمن فكذلك إذا باعه مال الغير منه لان في حقوق العقد والعهدة البائع لغيره
[ 129 ] كالبائع لنفسه وإذا تعذر ايجاب حقوق العقد على المولي تعلق بمن انتفع به وهو الآمر فهو الذى يلى التسليم والتسلم والدليل عليه أنا لو جعلنا حق قبض الثمن إلى المولى لم يكن بد من صحة الاقرار بقبضه وقد بينا أن في الدين الواجب على العبد للاجنبي المولى لا يكون وكيلا بالقبض ولا مقبول الاقرار فيه وكذلك لو وكله أجنبي بشراء شئ منه فهو كالوكيل بالبيع في جميع ما ذكرنا وان كان المأذون هو الوكيل للاجنبي ببيع شئ أو شرائه من مولاه جاز لانه لاحق للعبد في مال مولاه وكانت العهدة عليه مديونا كان أو غير مديون وان أقر بالقبض جاز اقراره لانه يصلح وكيلا للاجنبي في قبض الدين من المولي ويصلح مطالبا للمولى بالثمن إذا باع منه شيأ من أكسابه وعليه دين لمراعاة حق غرمائه فكذلك لمراعاة حق الموكل وكذلك لو لم يدفع الآمر إلى العبد شيأ من الثمن ووكله بان يشترى له من مولاه جاز شراؤه وأخذ الثمن من الآمر ودفعه الي المولى لانه في التوكيل بالمعاملة مع المولى كهو في التوكيل بالمعاملة مع أجنبي آخر ولو دفع العبد المأذون لرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح فيه أولم يربح حتى وكل العبد أو مولاه أو بعض غرمائه أجبيا ببيع شئ فباعه من المضارب بمال المضاربة لم يجز لان المضارب مشتر لرب المال ورب المال هو العبد فإذا كان هو الوكيل بالبيع فكأنه يبيعه من نفسه فكذلك مولاه أو غريمه يكون متهما في البيع من مضاربه لماله من الحق في كسبه وان كان الموكل أمره ببيعه منه جاز لانه التهمة قد انتفت بقبض الموكل على البيع منه ولكن العهدة على الآمر لما بينا ان العبد لا يصلح وكيلا في قبض ما على مضاربه لاجنبي وكذلك مولاه وغريمه وأصله ان العاقد متى لم يكن أهلا لعهدة العقد فالعهدة تكون على الآمر وكذلك هذا في التوكيل بالشراء منه وكل من وصفنا في هذه المسائل أنه لا يكون وكيلا في القبض فانه لا يكون عدلا ولا يجوز أن يوضع الرهن على يده وكل من جاز أن يكون وكيلا في قبضه جاز أن يكون وكيلا في وضع الرهن على يده لان الرهن مقبوض للاستيفاء فيعتبر تحقيقه للاستيفاء (باب بيع القاضى والمولى العبد المأذون) (قال رحمه الله) وإذا دفع الغرماء المأذون إلى القاضي وأرادوا بيعه في ديونهم فان القاضى يتأنى في ذلك وينظر هل له مال حاضر أو غائب يرجو وصوله لان البداءة في قضاء دين العبد
[ 130 ] من كسبه وهو الحاصل بتجارته كما أن وجوب الدين بتجارته ومقصود المولى استدامة الملك في رقبته فلا يجوز تفويت هذا المقصود عليه بدون الحاجة والحاجة ههنا إلى قضاء دين الغرماء والمال الحاضر أو الغائب الذى يرجى وصوله عاجلا ولو انتظر القاضي وصوله لم يكن فيه كثير ضرر على الغرماء فلهذا يتأنى القاضى كما يتأنى في القضاء بقيمة المغصوب بعد ما أبق من يد الغاصب فان لم يكن شئ من ذلك باعه لان المولى ضمن للغرماء قضاء الدين من مالية رقبته عند تعذر ايفائه من محل آخر وقد تعذر ذلك إذا لم يكن له كسب أو كان له دين مؤجل أو غائب لا يرجى وصوله لان في انتظار ذلك تأخر حق الغرماء وضرر التأخير كضرر الابطال من وجه ثم لا يبيعه الا بمحضر من المولى لان في بيعه قضاء على المولى باستحقاق مالية الرقبة وازالة ملكه والعبد ليس بخصم عنه في ذلك ولان للمولى حق استخلاص الرقبة لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فليس للقاضى أن يبطل عليه هذا الحق ببيعه بغير محضر منه فإذا باعه ضرب كل غريم في الثمن بجميع دينه سواء كان أكثر من الثمن أو أقل وإذا قسم الثمن بينهم على ذلك فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق لانه لم يبق لقضاء حقهم محلا في حال رقه وكسبه بعد البيع ملك المشترى ولم يرض بصرفه إلى ديونه وكذلك ان اشتراه مولاه الذى باعه القاضى عليه بعد ذلك لم يتبع بشئ بما بقي من الدين لانه تجدد له فيه ملك بتجدد سببه فهو في ذلك كغيره فإذا أذن له هذا المولى بعد ما اشتراه فلحقه دين فبيع لغرمائه لم يشارك الاولون بما بقى من دينهم الاخرين لان الاولين قد استوفوا مالية الرقبة مرة فلا حق لهم في مالية الرقبة بعد ذلك فهو في هذا الملك المتجدد كعبد آخر فالمولى بالاذن انما رضي بتعلق حق الآخرين بملكه فلهذا يباع لهم ولا سبيل للاولين على الثمن حتى يعتق فإذا عتق بيع بجميع ديونه لان الديون كلها ثابتة في ذمته والذمة بالعتق تزداد قوة فيؤمر بقضائها من كسب هو خالص حقه وإذا باعه المولى بغير أمر القاضي والغرماء فبيعه باطل لان حق الغرماء يتعلق بمالية الرقبة وهو مقدم على حق المولى فكان المولى في بيعه بغير رضاهم كأجنبي آخر بمنزلة الراهن يبيع المرهون وهذا لان للغرماء حق استسعاء العبد في دينهم فربما يكون ذلك أنفع لهم فانهم يتوصلون به الي جميع دينهم فلا يكون للمولى أن يبطل عليهم هذا الحق بغير رضاهم فان أجازوا البيع أو قضاهم المولى الدين أو كان في الثمن وفاء بدينهم فأعطاهم نفذ البيع لزوال المانع بوصول حق الغرماء إليهم كالراهن إذا قضي دين المرتهن بعد البيع وأجاز المرتهن البيع
[ 131 ] فان لم يبق شئ من ذلك ولن الغرماء وجدوا المشترى والعبد في يده ولم يجدوا البائع لم يكن المشترى خصما لهم في نقض البيع في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله هو خصم لان المشترى مالك الرقبة وهم يدعون استحقاق مالية الرقبة فكان هو خصما له كما لو ادعوا ملك العبد لانفسم وهما يقولان الغرماء لا يدعون على المشترى ولا في ملكه حقا لانهم انما يستحقون مالية الرقبة على البائع والمشترى ليس بخصم عن البائع في اثبات حقهم عليه ونقض البيع ينبنى على ذلك * يوضحه أن البيع يحول حق الغرماء في مالية الرقبة إلى الثمن بدليل أنه لو باشره القاضى أو المولى فاجازه الغرماء كان حقهم في الثمن لا في مالية الرقبة وبعد ما صار ملكا للمشترى لا طريق لاثبات حقهم في مالية الرقبة سوى نقض البيع وانما جرى البيع بين البائع والمشترى فلا يجوز نقضه بغير محضر من البائع وبدون نقض البيع لاحق لهم في مالية الرقبة بخلاف ما إذا ادعوا ملك العبد لانفسهم فهناك انما يدعون عين ما يزعم المشترى انه ملكه وقد تقدم نظير هذه المسألة في الشفعة * يوضحه أن حق المشترى لا يسقط عن العبد ما لم يعد إليه الثمن وذلك لا يكون الا بمحضر من البائع فينتظر حضوره ليأخذ الغرماء العبد ويرجع المشترى على البائع بالثمن ولو حضر البائع وغاب المشترى وقد قبض العبد فلا خصومة بين البائع والغرماء في رقبة العبد حتى يحضر المشترى لان الملك واليد للمشترى وابطال ذلك بدون حضوره لا يمكن فما لم يبطل ملك المشترى لا تكون الرقبة محلا لحق الغرماء الا أن لهم أن يضمنوا البائع قيمته لانه بالبيع والتسليم صار مفوتا محل حقهم فإذا ضمنوه القيمة جاز البيع فيه وكان الثمن للبائع لان القيمة دين في ذمته وهو الخصم في ذلك وبتضمين القيمة يسقط حق الغرماء عن مالية الرقبة فينفذ بيعه فيه وان أجازوا البيع وأخذوا الثمن واقتسموه لان الاجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء فان هلك الثمن في يد البائع قبل أن يقبضه هلك من مال الغرماء على معنى انه لا شئ لهم على المبيع حتى يعتق لفوات محل حقهم وهو الثمن فالمولى باجازتهم يخرج من أن يكون جانيا ضامنا لهم ولا حق لهم في ملك المشترى فتتأخر ديونهم إلى ما بعد العتق وليس المراد من قوله هلك من مال الغرماء أنهم في حكم القابض له حتى يسقط شئ من دينهم به فكيف يكون كذلك والمولى في البيع عامل لنفسه لانه متصرف في ملكه ولهذا إذا أعتق العبد اتبعه الغرماء بجميع دينهم وكذلك لو أجازوا البيع بعد ما هلك الثمن لان الثمن معقود به ومحل العقد هو المعقود عليه فإذا كان باقيا بعد البيع بالاجازة
[ 132 ] ثم الاجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وكذلك لو أقر البائع انه قد قبض الثمن فهلك في يده قبل اجازتهم البيع أو بعدها فكذبوه في القبض فقد أجازوا البيع قبل اقراره أو بعده فهو مصدق في ذلك مع يمينه لان المولى باجازتهم صار أمينا كما يصير أمينا في الثمن باذنهم في البيع في الابتداء وحق قبض الثمن إليه لانه باشر سببه فيكون مقبول القول فيه مع يمينه ولا شئ للغرماء حتى يعتق العبد فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم ولو اختار بعض الغرماء القيمة واختار بعضهم الثمن كان للذين اختاروا ضمان القيمة حصتهم من القيمة وللذين اختاروا الثمن حصتهم من الثمن على قدر الدين لان لكل واحد منهما في نصيبه رأيا واستحقاق القيمة والثمن كل واحد منهما على المولى وكل واحد منهما محل حق الغرماء ولكل واحد منهم حصة مما اختار وفيما بقى من الثمن للبائع مما ضمن من القيمة ولو أجاز بعض الغرماء البيع وأبطله بعضهم كان البيع باطلا لان حق كل واحد منهما بانفراده سبب تام للمنع من نفوذ البيع ولو باع القاضي المأذون للغرماء في دينهم أو باعه أمينه فضاع الثمن في يد الامين الذى باعه ثم وجد المشترى بالعبد عيبا فرده على الامين فان القاضى يأمر الامين بان يبيعه مرة أخرى ويبين عيبه اما لا خصومة بين الامين وبين المشترى بحكم ذلك البيع لان أمين القاضى بمنزلة القاضى فلا تلحقه العهدة ولكن القاضى يأمر ذلك الامين أو غيره بان يخاصم المشترى نظرا منه للمشترى فإذا رده بالعيب أمره ببيعه مع بيان عيبه ولانه يحتاج إلى ايفاء حق المشترى في الثمن وطريقه بيع الرقبه وانما يبين عيبه لكيلا يرد عليه مرة أخرى فإذا أخذ الثمن بدأ بالمشترى الاول فأوفاه الثمن لان الثمن الثاني بدل مالية الرقبة والثمن المقبوض من المشترى الاول بدل مالية الرقبة أيضا فكان هو مقدما فيه على سائر الغرماء فان كان الثمن الآخر أكثر من الثمن الاول فالفضل للغرماء وان كان أقل غرم الغرماء للمشترى الاول تمام حقه ولا غرم على الامين في ذلك لانتفاء العهدة ولكن بيعه كان بطلب الغرماء لمنفعتهم فما يلحق من العهدة يكون عليهم ولو فضل شئ كان الفضل لهم فكذلك النقصان يكون عليهم فان كان المولى هو الذى باعه للغرماء بامرهم وقبض الثمن فضاع في يده ثم وجد المشترى به عيبا فرده على البائع ببينة أو اباء يمين أو بعيب لا يحدث مثله فان القاضي يبيعه ويوفى المشتري ثمنه لما قلنا فان نقص عن الثمن الاول غرم البائع نقصانه للمشترى لانه بمنزلة الوكيل في البيع فالرجوع بالثمن عند الرد يكون عليه ولكنه باعه لمنفعة الغرماء فيكون
[ 133 ] قرار العهدة عليهم فلهذا رجع هو بما لحقه على الغرماء ولو كان رد عليه باقراره بعيب يحدث مثله بيع العبد ودفع ثمنه إلى المشترى فان نقص عنه ضمن البائع النقصان ولم يرجع به على الغرماء لان اقراره لا يكون حجة عليهم الا أن تقوم له بينة ان العيب كان بالعبد قبل أن يقبضه المشترى الاول فحينئذ يرجع على الغرماء بما غرم من الثمن لان الثابت بالبينة كالثابت بتصديق الغرماء وان لم يكن له بينة يستحلف الغرماء على علمهم لانه يدعي عليهم مالو أقروا به لزمهم وان كان العبد حين رد على أمين القاضى أو المولى البائع بالعيب في جميع هذه الوجوه مات قبل أن يباع البيع الثاني رجع المشتري بالثمن على الغرماء ان كان أمين القاضى باعه لانه لا ضمان على الامين فيه ولا عهدة وان كان المولى هو البائع ضمن الثمن للمشترى ورجع به علي الغرماء لانه باعه لمنفعتهم فيرجع عليهم بما يلحقه من العهدة الا أن يكون القاضى رده عليه باقراره بعيب يحدث مثله فلا يرجع حينئذ بالثمن علي الغرماء الا أن تقوم له بينة على العيب أو يأبى اليمين وصار جميع الثمن في هذا الفصل كالنقصان في الفصل الاول ولو أن أمين القاضى أو المولى البائع قبل العبد بعيب بغير قضاء القاضى فمات في يده غرم الثمن للمشترى ولم يرجع به علي الغرماء ان كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث لان قبوله بغير قضاء القاضى بمنزلة شرائه ابتداء في حق الغرماء ولهذا لو لم يمت العبد فهو لازم للمردود عليه وان أراد الغرماء بيعه وفيه فضل على الثمن الاول لم يكن لهم ذلك بمنزلة مالو اشتراه ولو كان علي المأذون دين فباعه المولى بألف درهم وقبض الثمن وسلمه إلى المشترى بعينه فالغرماء بالخيار ان شاؤا ضمنوا المشترى قيمة العبد وان شاؤا البائع لان كل واحد منهما جان في حق الغرماء البائع بالبيع والمشترى بالقبض فان ضمنوا المشترى رجع بالثمن علي البائع لان استرداد القيمة منه كاسترداد العبد أن لو ظفروا به ولم يسلم العبد للمشترى بالثمن الذى أداه إلى البائع وان ضمنوا البائع قيمته سلم المبيع فيما بين البائع والمشترى لزوال المانع وأيهما اختار الغرماء ضمانه برئ الآخر حتى لو توت القيمة على الذى اختاره لم يرجعوا على الآخر بشئ لان حقهم قبل أحدهما وكان الخيار إليهم في التعيين والمخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه فان ظهر العبد بعد ما اختاروا ضمان أحدهما فلا سبيل لهم عليه لان القاضى لما قضى لهم بقيمة العبد على الذى اختاروا ضمانه ببينة أو باباء يمين تحول حقهم إلى القيمة بقضاء القاضى وان كان قضي عليه بقوله وقد ادعي الغرماء أكثر منه فهم بالخياران شاؤا رضوا بالقيمة وان شاؤا
[ 134 ] ردوها وأخذوا العبد فبيع لهم لانه لم يصل إليهم كمال حقهم بزعمهم وهو نظير المغصوب في ذلك وقد بيناه في الغصب وان اختاروا البائع فضمنوه قيمته فاقتسموها بينهم ثم ظهر العبد في يد المشترى ووجد به عيبا فرده على البائع بقضاء القاضى فالبائع بالخيار ان شاء كان العبد له وسلمت القيمة إلى الغرماء وان شاء استرد من الغرماء ما أعطاهم وبيع العبد لهم لان الرد بقضاء القاضي فسخ من الاصل فعاد إلى قديم ملك المولى والغرماء ضمنوه القيمة على صفة السلامة عن العيب فإذا ظهر العيب يخير المولى لما يلحقه من الضرر فان شاء رضى به وان شاء رده على الغرماء واسترد منهم ما أعطاهم بمنزلة المشترى الاول مع بائعه إذا رد عليه فان رده عليه عاد حقهم في العبد كما كان فيباع في دينهم وان كان البائع قد علم بالعيب قبل أن يبيعه ثم رده على المشترى بذلك العيب فان كان الغرماء ضمنوه قيمته صحيحا كان للبائع أن يأخذ منهم القيمة ويسلم لهم العبد فيباع في دينهم وان شاء سلم لهم القيمة وأمسك العبد وان ضمنوه قيمته وبه العيب سلم العبد للغرماء لان الضرر مندفع عن المولى وقد كان عالما بالعيب فاندفع به ضرر جهله وانما ضمن لهم القيمة معيبا فهذا لا يرجع عليهم بشئ ولو كانوا ضمنوا المشترى قيمته واقتسموها بينهم ورجع المشترى على البائع بالثمن ثم ظهر العبد فوجد المشترى به عيبا رده على الغرماء لانه تملكه من جهتهم بضمان القيمة والبيع الذى كان بينه وبين المولي قد انفسخ وانما ضمنه قيمته صحيحا فإذا ظهرانه كان معيبا رده عليهم وأخذ القيمة منهم ثم يباع لهم وان كانوا ضمنوا البائع القيمة ثم وجد به المشترى عيبا فرده القاضى علي البائع باقراره والعيب مما يحدث مثله فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لان اقراره ليس بحجة عليهم الا أن يقيم البينة على العيب أو يأبوا اليمين وان رده بغير قضاء القاضى والعيب مما يحدث مثله أو لا يحدث فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لان الرد بغير قضاء القاضى بمنزلة الشراء المستقبل في حق الغرماء وكذلك لو كان الشراء بالخيار ثلاثة أيام في العبد فرده بالخيار بعد ما ضمن الغرماء البائع القيمة لم يكن للبائع أن يرجع عليهم بالقيمة لان المشترى انما رده بتسليط البائع بشرط الخيار له وذلك غير عامل في حق الغرماء وكذلك المشترى لو كان المشترى أرسل رسولا فقبض العبد من البائع ولم يرده فضمن الغرماء البائع القيمة ثم رأى المشترى العيب فلم يرضه فرده على البائع لم يكن للبائع أن يرجع بالقيمة على الغرماء لانه وان عاد إليه بسبب هو فسخ من الاصل فلم يتبين به أن سبب القضاء بالقيمة للغرماء ما لم يكن موجودا
[ 135 ] يومئذ وكذلك لو كان البائع بالخيار وقد دفع العبد إلى المشترى فضمن الغرماء البائع القيمة ثم اختار البائع رد العيب واستوضح بالمغصوب قال (ألا ترى) أن الغاصب لو باع المغصوب ودفعه الي المشترى ثم ان رب العبد ضمن الغاصب قيمته بقضاء القاضى وقد كان للغاصب فيه خيار الشرط أو للمشترى أو كان له فيه خيار رؤية ففسخ البيع أو أجاز سلمت القيمة للمغصوب منه على كل حال وكذلك ما سبق في فصل المأذون ولو باع المولى المأذون بغير أمر الغرماء فأعتقه المشترى قبل أن يقبضه فعتقه موقوف لان المشترى بنفس العقد لا يتملك العبد ملكا تاما فان السبب موقوف على اجازة الغرماء وبالسبب الموقوف انما يثبت الملك الموقوف لان الحكم بحسب السبب والسبب الضعيف لا يوجب حكما قويا والعتق منهى للملك فإذا كان موقوفا فما ينهيه يوقف بتوقفه فإذا تم البيع باجازته أو قضاء دين أو كان في الثمن وفاء فأخذوه بعد العتق وان لم يتم البيع أبطله القاضى وباع العبد في دينهم نظرا منه للغرماء وعلل فقال لان البيع كان فاسدا لا يجوز الا بالاجازة أو ما يقوم مقامها وفي هذا التعليل نظر فان في البيع الفاسد ان أعتقه المشترى قبل القبض ثم نفذ البيع لا ينفذ ذلك العتق وههنا ينفذ فعرفنا أن مراده أنه بمنزلة الفاسد في الضعف لا جل التوقف ولو كان أعتقه بعد القبض جاز عتقه لان السبب الضعيف بالقبض يقوى كما في البيع الفاسد وهذا أقوى من الفاسد * يوضحه أن البيع تسليط على التصرف وتمام هذا التسليط بالتسليم فان أعتقه بعد القبض فقد أعتقه بعد تمام هذا التسليط والمسلط لو أعتقه بنفسه بنفذ عتقه واما قبل القبض فالتسليط غير تام ولكن تمامه موقوف على القبض فيتوقف العتق أيضا وهو نظير الراهن يبيع المرهون ثم يعتقه المشترى ولو لم يعتقه المشترى ولكنه باعه أو وهبه وسلمه فان تم البيع الاول ببعض ما وصفنا جاز ما فعل المشترى فيه لانه باع ملكه وحق الغرماء الذى كان مانعا من نفوذه قد زال وهو نظير المشترى من المكره إذا تصرف ثم أجاز المكره البيع ولو لم يبعه المولى ولكنه وهبه لرجل وسلمه ثم ضمنه الغرماء القيمة نفذت الهبة فان رجع في الهبة بحكم أو غير حكم سلم العبد له ولم يكن له على القيمة ولا للغرماء على العبد سبيل لان حقهم تحول إلى القيمة بقضاء القاضى فان وجد به عيبا ينقص من القيمة التى غرمها كان له أن يرده ويأخذ القيمة لانهم ضمنوه القيمة على صفة السلامة وبالرجوع عاد إلى قديم ملكه فان كان أعتقه بعد الرجوع في الهبة قبل أن يعلم بالعيب أو دبره أو حدث به عيب رجع بما بين العيب والصحة من القيمة لانه تعذر
[ 136 ] الرد علي وجه لم يصر هو راضيا فيرجع بالتفاوت وللغرماء أن يرد والقيمة ويتبع العبد في الدين في غير العتق والتدبير لان تعذر الرد لمراعاة حقهم بسبب العيب الحادث وإذا رضوا به فقد زال المانع الا أن يشاء المولى أن لا يطالبهم بالنقصان ويرضى به معيبا وان كان هذا في جارية قد وطئت بشبهة فوجب لها العقد لم يكن للغرماء عليها سبيل من أجل الزيادة المنفصلة لانها تمنع الرد لحق الشرع وردوا نقصان العيب من القمية لانه تبين أنهم أخذوا ذلك زيادة على حقهم ولو كان المولى باعه وعيبه المشترى فضمن الغرماء المولى ثم وجد المشترى بالعبد عيبا لا يحدث مثله وحدث به عيب آخر فرجع بنقصان القيمة على البائع لم يكن للبائع أن يرجع على الغرماء بالقيمة ولكنه يرجع بحصة العيب من القيمة التى غرمها للغرماء لانه ظهر أن ما بين قيمته معيبا إلى قيمته سليما أخذوه منه بغير حق فعليهم رد ذلك عليه (باب بيع المولى عبده المأذون فيجوز) (قال رحمه الله) وإذا كان الدين على المأذون إلى أجل فباعه المولى باكثر من قيمته أو باقل فبيعه جائز لانه باع ملكه وهو قادر على تسليمه وتحقيقه أن بسبب التأجيل يتأخر حق الغرماء في المطالبة بقضاء الدين إلى حلول الاجل وامتناع نفوذ تصرف المولى في كسبه ورقبته لكونه مشغولا بحق الغرماء وحقهم في المال استيفاء الدين منه وبسبب التأجيل سقط هذا الحق إلى حلول الاجل فلانعدام المانع من نفوذ تصرف المولى فيه ينفذ بيعه فان قيل حق الغرماء في العبد المديون كحق المرتهن في المرهون وذلك يمنع الراهن من البيع سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كحق الغرماء في مال المرتهن وذلك يمنع التصرف المبطل لحقهم سواء كان الدين حالا أو مؤجلا أو هو لحق الغرماء في مال المريض وذلك يمنع التصرف المبطل لحقهم سواء كان الدين حالا أو مؤجلا فهذا مثله قلنا لا كذلك فللمرتهن في المرهون ملك اليد وذلك قائم مع التأجيل في الدين وبه يعجز الراهن عن التسليم وليس للغرماء ملك اليد في المأذون ولا في كسبه وانما لهم حق المطالبة بقضاء الدين وذلك يتأخر الي ما بعد حلول الاجل وتصرف المريض في ماله نافذ مادام حيا وبعد موته لا يبقى الاجل ولهذا لا يتصرف الوارث في تركته ويؤمر بقضاء الدين في الحال فلما لم يبق الاجل بعد موته كان الدين الحال والمؤجل في الحكم سواء واتمالم يبق الاجل لان ذمته لم تبق محلا صالحا لوجوب
[ 137 ] الدين منه فأما ذمة العبد فمحل صالح لذلك فالدين ثابت في ذمته والاجل فيه صحيح فلا سبيل للغرماء على منع المولى من التصرف أو مطالبته بشى حتى يحل دينهم فإذا حل ضمنوه قيمته لانه أتلف عليهم محل حقهم وهو المالية ولان المولى كالمتحمل عن العبد لغرمائه مقدار مالية رقبته والدين إذا حل علي الاصيل بمضي الاجل حل على الكفيل فكان لهم أن يضمنوه قيمته بعد حل المال ولا سبيل لهم على الثمن أجازوا البيع أولم يجيزوا لانه كان جائزا بدون اجازتهم وكان الثمن للمولى سالما كسائر أملاكه فلا يتغير ذلك باجازتهم ولان ضمان القيمة دين لهم في ذمة المولى ويعتبر محل قضاء الدين إلى المديون فلا سبيل للغرماء علي الثمن كما لا سبيل لهم على سائر أملاك المولى بخلاف ما إذا كان البيع بعد حل المال فأجازوه لان نفوذ البيع هناك يكون باجازتهم فيتحول حقهم عن مالية العبد إلى بدله وههنا نفوذ البيع كان بدون اجازتهم وكان الثمن سالما للمولى كسائر أملاكه قبل حلول المال فكذلك بعد حله وكذلك لو وهبه لرجل وسلمه فان توى ما على المولى من القيمة لم يكن لهم علي العبد ولا على الوهوب له سبيل لان الملك تجدد للموهوب له في العبد بتجدد سببه ولا حق لهم في هذا الملك ولا سبيل لهم إلى نقض سببه لان المولى حين باشره لم يكن لهم حق المنع فلا يثبت لهم حق الابطال بعد ذلك ولكن دينهم على العبد يتأخر الي عتقه بمنزلة مريض وهب عبد الامال له غيره وعليه دين كثير فباعه الموهوب له أو وهبه وسلمه ثم مات الواهب الاول فلا سبيل لغرمائه على العبد ولا علي من في يده وانما لهم القيمة على الموهوب له الاول لانه صار متلفا محل حقهم بتصرفه فان توت تلك القيمة عليه لم يكن لهم على العبد ولا على من هو في يده سبيل وللمولى أن يستخدم العبد المأذون إذا كان دينه إلى أجل لانه مالك رقبته والمنفعة تملك بملك الرقبة ولا سبيل للغرماء عليه في مطالبته بشئ في الحال فيتعذر على المولى استخدامه مراعاة لحقهم ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لان لهم حق المطالبة بقضاء الدين والاستسعاء فيه وباستخدام المولى اياه يفوت عليهم ذلك أو يتمكن فيه نقصان فكان لهم أن يمنعوه من ذلك وكذلك لو أراد أن يسافر به لم يكن لهم أن يمنعوه إذا كان الدين مؤجلا لانه لا سبيل لهم على العبد في مطالبته بشئ فكيف يثبت لهم السبيل علي المولى في منعه من السفر به ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لانه يحول بينهم وبين حق ثابت لهم وهو المطالبة ببيع الرقبة وقضاء الدين من ثمنه وكذلك له أن يؤاجره
[ 138 ] ويرهنه إذا كان الدين مؤجلا لما قلنا فان حل الدين قبل انقضاء مدة الاجارة كان هذا عذرا وللغرماء أن ينقضوا الاجارة لان الاجارة وان كانت من لوازم العقود فانها تنتقض بالعذر والحاجة إلى دفع الضرر (ألا ترى) انها تنتقض لدفع الضرر عن المباشر للعقد فلان تنقض لدفع الضرر عن غير المباشر أولى وتنقض للرد بسبب فساد البيع والرد بسبب العيب في البيع فينقض أيضا لحق الغرماء في المطالبة ببيع الرقبة بعد حل المال فأما الرهن فهو لازم من جهة الراهن ولا يثبت للغرماء بعد حل الاجل نقض الرهن كما لا يثبت لهم حق نقض البيع الذى نفذ من المولى ولكنم يضمنون المولى قيمته لانه حال بينهم وبين حقهم في المطالبة بايفاء الدين من مالية الرقبة وبالبيع فيضمن لهم القيمة كما لو أتلف علنيهم ذلك بابطال المالية فيه بالاعتاق فإذا أرادوا تضمينه فافتكه من المرتهن ودفعه إليهم برئ من الضمان لان الحيلولة قد ارتفعت وان افتكه بعد ما قضى عليه القاضى بضمان القيمة فالقيمة عليه والعبد له ولا سبيل للغرماء علي العبد لان حقهم تحول بقضاء القاضى الي القيمة والسبب الموجب له كان قائما وقت القضاء فلا يعود حقهم بعد ذلك بانعدام الحيلولة بالفكاك كالمغصوب إذا عاد من اباته بعد ما قضى القاضي علي الغاصب بقيمته ولو أبى المولى أن يفتكه فقضي الغرماء الدين ليبيعوه في دينهم كان لهم ذلك لان المانع حق المرتهن وحقه يسقط بوصول دينه إليه وانما يقصدون بهذا تخليص محل حقهم فلا يكون للمرتهن أن يأبى ذلك عليهم وإذا لم يكن علي المأذون دين فأمره مولاه أن يكفل عن رجل بالف فقال العبد للمكفول له ان لم يعطك فلان مالك عليه وهو ألف فهو علي فالضمان جائز لان العبد انما كان محجورا عن الكفالة لحق المولى فإذا رضى المولى بكفالته كان هو الحر سواء وكذلك لو قال ان مات فلان ولم يعطك هذا المال الذى لك عليه فهو جائز على ما قال وقد بينا في كتاب الكفالة معني صحة تعليق الكفالة بهذه الاسباب فان أخرجه المولى عن ملكه ببيع أو هبة ثم مات المكفول عنه قبل أن يعطى المكفول له حقه فان المكفول له يضمن المولى الاقل من دينه ومن قيمته ولا يبطل بيع المولى في العبد ولا هبته لان هذا في معني الدين المؤجل علي العبد حين تصرف المولى من حيث انه لم يكن للموهوب له سبيل على مطالبته بشئ يومئذ وهو دونه لان أصل الوجوب لم يكن ثابتا قبل وجود شرطه وان وجد سببه وهو الكفالة ثم قد بينا ان هناك الغريم لا يبطل تصرف المولى فههنا أولي وأما تضمين المكفول له المولي قيمته فلانه
[ 139 ] فوت عليه محل حقه بتصرفه وقد كان سبب وجوب المال منعقدا وان كانت المطالبة به متأخرة فيكون المولى ضامنا له قيمته بتفويت المال عليه وكذلك هذا في ضمان الدرك لو أمر عبده أن يضمن الدرك في دار باعها المولى ثم ان المولى باعه ثم استحقت الدار فللمشترى أن يضمن المولى الاقل من قيمته ومن الثمن باعتبار انه فوت عليه محل حقه فان لم يخرجه المولى من ملكه حتى لحق العبد دين يحيط برقبته ثم استحقت الدار من يد المشترى فان العبد يلزمه ما ضمن مع الدين الذى في عنقه لان سبب وجوب الضمان للدرك كان صحيحا لكون العبد فارغا عن حق الغرماء عند ذلك وقد تعذر الوجوب بالاستحقاق فيكون هذا دينا لان ما علي العبد كسائر ديونه في جميع ذلك ولو حفر العبد التاجر بئرا في الطريق ثم أخرجه المولى من ملكه ثم وقع في البئر دابة تساوى ألف درهم فعطبت فلا سبيل لصاحبها على العبد ولا على الذى هو في يده لانه حين أخرجه المولى من ملكه لم يكن لابعد مطالبا بشى ولم يوجد من العبد صنع هو جناية في الملك الذى تجدد للمشترى فلا سبيل له على المشترى ولكنه يضمن مولاه الاقل من قيمته ومن قيمة الدابة لان عند وقوع الدابة في البئر يصير العبد متلفا له بالحفر السابق وذلك الحفر جناية منه في ملك المولى يستحق به صاحب الدابة مالية رقبته لو لم يخرجه المولي عن ملكه فباخراجه يكون مفوتا عليه محل حقه فلهذا يضمن له المولى الاقل من قيمته ومن قيمة الدابة فان تويت القيمة عليه لم يتبع عبده بشئ حتى يعتق فيؤخذ بقيمة الدابة حينئذ لان الدين كان واجبا في ذمته باعتبار جنايته وكان لا يطالب به لحق مولاه الذى حدث له فإذا سقط حقه بالعتق كان مطالبا بقضاء دينه وإذا كان على العبد التاجر دين إلى أجل فباعه مولاه ثم اشتراه أو رجع إليه باقالة أو عيب بعد القبض بغير حكم ثم حل الدين فلا سبيل للغرماء أما في الشراء فلا اشكال ان الملك متجدد له بتجدد السبب وكذلك في الاقالة والرد بالعيب بعد القبض بغير حكم فانه في معنى بيع متجدد في حق غيرهما فكان وجود هذا العود إليه كعدمه وعود هذا العبد إليه كعود عبد آخر فان اختلاف سبب الملك بمنزلة اختلاف العين فلهذا ضمنوا المولي قيمته ولو رجع العبد إليه بعيب بقضاء قاض أو خيار رؤية أو شرط في أصل البيع ثم حل الدين أخذوا العبد وبه ولا سبيل لهم على المولى لانه عاد إليه بسبب هو فسخ من الاصل فانما يعود إلى قديم ملكه الذى كان مشغولا بحق غرمائه وينعدم به السبب الموجب للضمان على المولى وهو تفويت محل حقهم وان مات في يد المولى
[ 140 ] بعد ما رجع إليه على هذا الوجه قبل أن يحل دينهم ثم حل الدين فلا ضمان لهم على المولى لان البيع حين انفسخ من الاصل صار كان لم يكن ولو مات قبل البيع لم يكن لهم على المولي ضمان إذا حل دينهم وكذلك المولي لو وهبه وسلمه ثم رجع في الهبة بحكم أو بغير حكم فان المولي يبرأ من القيمة لان الرجوع في الهبة فسخ من الاصل واعادة إلى قديم ملكه سواء كان بقضاء أو بغير قضاء عندنا وقد بيناه في الهبة فإذا عاد محل حقهم صارت الازالة كان لم تكن ولو باعه فمات قبل أن يقبضه المشترى برئ المولي من القيمة لان بمجرد البيع لا يتقرر السبب الموجب للضمان على المولي وانما يكون بالتسليم ولو تقرر السبب بالبيع فبالموت قبل التسليم ينتقض البيع من الاصل ويعود إلى ملك المولى مشغولا بحق الغرماء كما كان فهو كما لو انتقض البيع بالرد بخيار الشرط ثم مات وان مات بعد ما قبضه المشترى قبل أن يحل الدين فقد حل عليه بموته لان الاجل حق العبد وقد استغنى عنه بموته ووجوب الدين كان في ذمته وقد خرجت ذمته من أن تكون محلا صالحا لوجوب الدين فيه فهو وموت الحر سواء وعلى المولى قيمته إلى أجل الدين لان الاجل كان ثابتا في حق المولي ولم يقع له فيه الاستغناء عنه وهو بمنزلة الكفيل فيما لزمه من القيمة والدين المؤجل إذا حل علي الاصيل بموته يبقى الاجل في حق الكفيل وكذلك لو أعتقه المولي ثم مات العبد حل عليه ولم يوجد المولى القيمة الا إلى الاجل في حق المولى لحاجته إلى ذلك وقيام ذمته محلا صالحا لوجو ب الحق فيها ولو كان الدين على العبد ألفى درهم ألف حالة وألف الي أجل فباعه المولي أو وهبه وسلمه فلصاحب الدين الحال أن ينقضه الا أن يقضى المولى دينه لان الدين المؤجل في حكم نقض تصرف المولى كالمعدوم وقيام صاحب الدين الحال كاف في نقض تصرف المولى فان قضاه جاز ما صنع الولى من ذلك به لانه وصل إليه جميع حقه ولا سبيل لصاحب الدين المؤجل على العبد في الحال فينفذ تصرفه فيه فإذا حل الدين الآخر لم يشارك الاقل فيما أخذ من المولى لان أصل الدين لم يكن مشتركا بينهما والمقبوض من محل لا شركة بينهما فيه وهو ملك المولى ولكنه بتبع المولى بالاقل من دينه ومن جميع قيمته لان حق الآخر سقط بوصول دينه إليه وكان المولى متطوعا فيما قضاه كاجنبي آخر وصار كان لم يكن عليه الا الدين المؤجل فباعه المولى (ألا ترى) أنه لو لم يبعه حتى حل الدين فان العبد كله يباع للغريم الآخر في دينه الا أن يفديه المولى فكذلك إذا باعه كان ضامنا بجميع قيمته الا أن يكون الدين أقل منه ولو لم يقض المولى صاحب الدين الحال حقه
[ 141 ] فنقض البيع وطلب من القاضي ببيعه فان القاضى يبيعه بمطالبته ثم يدفع إليه نصف الثمن لان ببيع القاضى يتحول حق الغرماء إلى العبد من الثمن وأصل الاستحقاق لصاحب الدين المؤجل ثابت وان كانت المطالبة متأخرة إلى حلول الاجل واستحقاق الثمن بثبوت حقه من الدين في ذمته فكان ذلك بائعا سلامة جميع الثمن لصاحب الدين الحال فيدفع إليه نصف الثمن ويدفع النصف إلى المولى لانه حق صاحب الدين المؤجل ولكن مطالبته به تتأخر إلى حلول الدين (ألا ترى) أن قبل حول المال لم يكن له سبيل على رقبته وكسبه فكذلك على بدل الرقبة وإذا لم يكن له سبيل كان المولى أحق به لانه بدل ملكه وعلى قول زفر رحمه الله لا يتبع القاضي بحل الدين الآخر على العبد ويكون الثمن بينهما نصفين لان الدين يتحول ببيع القاضى إلى الثمن والثمن عين لا يقبل الاجل فهو بمنزلة موت الحر ولكنا نقول الدين باق في ذمة العبد حتى إذا عتق كان للغريم أن يطالبه بجميع الدين ان شاء فيبقي الدين ببقاء الاجل في ذمته فإذا حل الدين الآخر أعطاه المولي ما في يده وان هلك ذلك في يد المولى فلاضمان عليه لان حكم البدل حكم المبدل ولو هلك العبد في يد المولى لم يكن على المولى فيه ضمان ويتبع صاحب الدين الغريم الاول فيأخذ منه نصف ما أخذه لان ثمن العبد كان مشتركا بينهما فانما يسلم له المقبوض بشرط سلامة الباقي للغريم الآخر ولم يسلم له ذلك فلهذا يأخذ منه نصف ما أخذ فان لم يهلك ذلك ولكن هذا الغريم أبرأ من دينه أو وهبه فان الاول يأخذ هذه الخمسمائة من المولى لتمام حقه لانه كان مستحقا لجميع العين بدينه وانما امتنع سلامة النصف له لمزاحمة الآخر وقد زالت مزاحمته بالابراء ولان نصف دين الاول باق على العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شئ من ثمن العبد مع قيام الدين عليه ولو لم يبرئه ولكن المولى نقد غريما له تلك الخمسمائة التى في يده فهو جائز لانها مملوكة له. وتصرفه فيها قبل حل الاجل كتصرفه في الرقبة فلا يمتنع نفوذه لحق صاحب الدين المؤجل ولكن إذا حل دينه ضمن المولى له تلك الخمسمائة لانه فوت عليه محل حقه بتصرفه فان تويت عليه رجع على الاول فيما قبض فيشاركه فيه ثم رجعا على الغريم الذى قضاه المولى بالخمسمائة التى اقتضاها لانه حين رجع على الاول بنصف ما قبض ثبت للاول حق الرجوع في نصف ما بقي في يد المولى ونقض تصرف المولى فيه ثم يشارك فيه الغريم الآخر فلا يزال هكذا حتى يأتي على جميعه فلهذا كان لهما حق نقض تصرف المو لي والرجوع على القابض بالخمسمائة التى قبضها من المولى
[ 142 ] ولو لم يبع القاضى العبد للغريم ولكن المولى باعه برضى صاحب الدين الحال فبيعه جائز لان الراضي مسقط حقه في ابطال البيع ولا حق لصاحب الدين المؤجل في ابطال البيع ثم يعطى نصف الثمن صاحب الدين الحال ويسلم للمولى نصف الثمن فإذا حل الدين الآخر أخذ صاحبه من المولى نصف القيمة ولا سبيل له على الثمن لان المولى مفوت عليه محل حقه وليس بمحول حقه إلى الثمن إذ ليس له ولاية تحويل حقه من محل إلى محل بخلاف الاول فهناك انما باعه القاضى وللقاضي ولاية تحويل الحق من الرقبة إلى الثمن فلهذا كان المولي ضامنا نصف القيمة للثاني ههنا وما قبض من نصف الثمن فهو مال سالم له فان توى ما على المولي من نصف القيمة لم يرجع علي الذى أخذ نصف الثمن بشئ لان أصل الثمن ههنا ما كان مشتركا بينهما ولا شركة بينهما في أصل الدين * فان قيل لماذا لا يأخذ الاول جميع الثمن من المولى لما لم يكن للثاني شركة من الاول في الثمن * قلنا لان المولى ضامن للثاني نصف القيمة ولا بد من أن يسلم ما هو عوض من ذلك النصف من الثمن للمولي فلهذا يعطى للاول نصف الثمن ولا يضمن للثاني الا نصف القيمة لان الاول استحق عليه نصف بدل المالية فمنع ذلك ثبوت حق الثاني في تضمين المولى جميع القيمة وان كان على المأذون ديون إلى آجال مختلفة فباعه المولى قبل أن يحل شئ منها ثم حل الدين الاول فان قيمة العبد تقسم علي الدين ما حل منه وما لم يحل فما أضاب الذى حل منها من القيمة أخذه وكذلك كل من حل دينه من غرمائه لما بينا أن المولى ضامن قيمته بتفويته محل حق الغرماء ولكل واحد منهم حصته من ذلك ولكن لا يطالبه به الا بعد حل دينه فان كان الدين ثلاثة آلاف فحل ألف منها فطلب صاحبها من القاضى بيع العبد فانه يبيعه ويعطيه ثلث ثمنه ويضع الثلثين الذى هو حق الآخرين في يد المولى حتى يحل دينهما فإذا حل دين آخر أعطى صاحبه حصته من ذلك وذلك ثلث الثمن فإذا حل الثالث أعطاه الثلث الباقي فان توى الثلث الباقي على المولى رجع الثالث على الاولين فيأخذ منهما ثلث ما في أيديهما لان الثمن كان مشتركا بينهم أثلاثا حين كان البيع من القاضى وكان شرط سلامة الثلثين للاولين أن يسلم الثلث للثالث فإذا لم يسلم كان التاوي من حقوقهم والباقى مقسوم بينهم على قدر حقهم فرجع على الاولين بثلث ما في أيديهما ليسوى بينهما في ثمنه فان لقى أحدهما أخذ منه نصف ما في يده لان حقهما في الثمن سواء ثم يرجعان جميعا على الآخر بثلث ما في يده فيقتسمانه نصفين ليسلم لكل واحد منهما ثلث الثلثلين ويستووا في الضرر
[ 143 ] الحاصل بالتوى فان لقى أحدهما الآخر وحده أخذ منه ربع ما في يده لان الباقي في يده نصف الثلث وفي يد من لقيه نصف الثلث وفي يد من لقيه الثلث فيضم ما في يده إلى ما في يد صاحبه ويقتسمان ذلك نصفين ليستويا وإذا فعل ذلك أخذا منه ربع ما في يده حتى يكون الباقي في يده ثلاثة ارباع الثلث وفي يد هذا الآخر ثلاثة ارباع الثلث أيضا فان لقيهما بعد ذلك الآخر أخذ منهما تسع ما في أيديهما لان المساواة بينهم بذلك تحصل وإذا أردت معرفة ذلك جعلت الثمن كله علي اثني عشر فسهام الثلثين ثابتة بينهم اثلاثا لكل واحد منهم سهمان وثلثا سهم والذي في يد هذا الذى لقيهما نصف الثلث سهمان وفي يد الآخر ستة فيأخذ منهما ثلثى سهم وثلثا سهم من ستة يكون تسعها فيحصل له سهمان وثلثا سهم وبقى في يد كل واحد منهما سهمان وثلثا سهم وإذا قال المأذون بامر مولاه ولادين عليه لرجل ان مات فلان ولم يعطك ألفك التى عليه فأنا ضامن لها حتى أدفعها اليك ثم لحق العبد دين ألف درهم فباعه القاضى في دينهم بالف فانه يدفعها كلها إلى الغريم لانه لا مزاحم له في الثمن فان المزاحمة باعتبار وجوب الدين على العبد ولم يجب للمكفول له شئ بعد وجود سبب قبل شرطه وبه فارق الدين المؤجل وتأثير الاجل في المنع في المطالبة لا في نفى أصل الوجوب والمتعلق بالشرط لا يكون موجودا قبل الشرط فإذا دفع الثمن إلى الغريم استوثق منه بكفيل لان حق المكفول له بعرض اللزوم فان سببه وهو الكفالة مقرر فلتقرر السبب يجب النظر له بالاستيثاق فإذا لزم العبد ضمان ما كفل به أخذ المكفول من الغريم نصف الثمن الذى أخذه لان الوجوب إذا ثبت عند وجود شرطه فانما يحال به علي سببه وهو الكفالة ولهذا لو كانت الكفالة في الصحة كان هذا من جملة ديون الصحة بقدره وهو ان حق المكفول له أخذ سببها من الدين الحادث بعد البيع باعتبار ان الوجوب يكون عند وجود الشرط ومن الدين المؤجل باعتبار أن السبب كان متقررا قبل وجود الشرط فيتوفر حظه عليهما فيقول لشبهه بالدين الحال يدفع الثمن كله إلى الغريم الاول قبل أن يجب دين الكفالة بالدين ولشبهه بالدين المؤجل قلنا إذا تحقق لزوم دين الكفالة رجع المكفول له علي الغريم بنصف الثمن الذى أخذه وإذا كان علي المأذون دين حال فوهبه مولاه لرجل وسلمه إليه فالهبة باطلة الا أن يجيزها الغرماء لانهم أحق بمالية العبد من المولى وفي الهبة تفويت محل حقهم فلا ينفذ الا باجازتهم فان أجازوها بطل دينهم لا على معنى انه سقط عن ذمة العبد ولكن علي معنى انه لا شئ لهم
[ 144 ] على المولى ولا على العبد حتى يعتق لانهم رضوا بصنع المولى والملك للموهوب له حادث بعد الدين فلا يستحق بذلك الدين ولكن يتأخر حقهم في المطالبة إلى ما بعد العتق لانعدام محل الاستيفاء فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم ولو كان الدين كله إلى أجل جازت الهبة لانه لاحق للغرماء في المطالبة بشئ قبل حلول الاجل فينفذ تصرف المولى باعتبار ملكه وللغرماء على المولي قيمته إذا حل دينهم لانه فوت عليهم محل حقهم بتصرفه فإذا أخذوا القيمة منه أو قضى بها القاضى عليه ثم رجع في هبته فلا سبيل لهم على العبد لانه حقهم تحول الي القيمة بقضاء القاضى وقد كان السبب قائما عند القضاء فلا يتحول إلى العبد بعد ذلك وان عاد إليه قديم ملكه بالرجوع في الهبة فان أذن له المولى بعد ذلك في التجارة فلحقه دين بيع في الدين الآخر خاصة لوجود الرضا من المولى بتعلق هذا الدين بمالية رقبته ولا سبيل للاولين على هذا الثمن لان حقهم تحول إلى القيمة دينا في ذمة المولى فكما لا سبيل للآخرين على القيمة إذا أخذها الاولون فكذلك لا سبيل للاولين علي الثمن وان مات المولى قبل أن يباع ولا مال له غيره بيع فبدئ بدين الآخرين لان حق الاولين أيضا في ذمة العبد حتى يتبعوه بعد العتق لانا بينا ان حقهم تحول إلى القيمة فلا يبقى على العبد في حال رقه فان بقي من ثمنه شئ بعد قضاء دين الآخرين كان للاولين باعتبار انه ملك المولى ودينه بعد موته يقضى من ملكه فان كان علي المولى دين سوى ذلك اقتسم هذا الباقي الاولون وأصحاب دين المولى تصرف فيه أصحاب دين المولى بديونهم الاولون بقيمة العبد لان حقهم في ذمة المولي بقدر قيمة العبد وإذا كان على المأذون ألف درهم حالة وألف درهم إلى أجل فوهبه مولاه لرجل وسلمه فلصاحب الدين الحال أن يرد الهبة لان توجه المطالبة له علة تامة تمنع نفوذ تصرف المولي فان أجازها جازت لوجود الرضا منه ولا سبيل لصاحب الدين علي العبد حتى يحل دينه (ألا ترى) انه لو لم يكن سوى دينه على العبد كانت الهبة صحيحة فان حل دين الآخر ضمن المولى قدر القيمة له حتى يستوفى دينه ولا شئ منه للغريم الاول لان الاول باجازة الهبة أبطل حقه في حال رق العبد فهو بمنزلة مالو أبرأه عن دينه وقد فوت المولى على الآخر محل حقه فيضمن له جميع القيمة ولو أن صاحب الدين الحال لم يجز الهبة ولم يقدر على العبد فله أن يضمن المولى نصف قيمته لان الدين المؤجل ثابت عليه وان كانت المطالبة به متأخرة والقيمة عند تعذر الوصول إلى العبد كالثمن عند بيع القاضى اياه وقد بينا هناك أنه لا يسلم
[ 145 ] لصاحب الدين الحال الا حصته من الثمن فههنا أيضا لا يسلم لصاحب الدين الحال الا حصته من القيمة وذلك النصف فان ضمنه ثم حضر العبد فالهبة جائزة لان حقه سقط عن العبد بوصول حصته من الضمان إليه والدين الآخر مؤجل لا يمنع الهبة فإذا حل دين الآخر كان له أن يتبع المولى بنصف القيمة لانه فوت محل حقه بتصرفه فان شاء شارك الاول فيما أخذ لان القيمة وجبت لهما في ذمة المولى مشتركة بسبب واحد وانما يسلم المقبوض للاول بشرط أن يسلم النصف الباقي للآخر فإذا لم يسلم كان له أن يشارك الاول فيما أخذ ثم يتبعان المولى بنصف القيمة لان المقبوض لما صار مشتركا بينهما كان الباقي مشتركا أيضا ولو لم يحل الدين الثاني حتى رجع المولى في هبته ثم حل كان لصاحبه أن يتبع نصف العبد بدينه حتى يباع له لان تحول حقه الي نصف القيمة لايتم الا بالقبض أو بقضاء القاضى له بها ولم يوجد فقد عاد العبد بالرجوع الي قديم ملك المولي فكان له أن يطالب ببيع حصته منه في الدين وذلك نصفه وان شاء شارك الاول فيما أخذ لما بينا أن وجوب القيمة لهما بسبب واحد فهو بمنزلة العبد المشترك إذا غصبه غاصب فأبق ثم ان كان أحدهما خاصم الغاصب وضمنه نصف القيمة ثم رجع العبد كان للآخر الخيار ان شاء أخذ نصف العبد وان شاء شارك الاول فيما أخذ من نصف القيمة فان شاركه في ذلك يباع نصف العبد في دينهما لان المقبوض لما صار مشتركا بينهما كان الباقي كذلك فيباع نصفه في دينهما لان في هذا النصف الحق باق في العبد وان كان العبد اعورا في يد الموهوب له قبل أن يرجع فيه الواهب ضمن المولي ربع قيمته وبيع نصفه في دينه لان العين من الآدمى نصفه ولو عاد الكل إليه بالرجوع في الهبة كان يباع نصفه في الدين ولو هلك الكل في يد الموهوب له كان المولى ضامنا نصف قيمته فالجزء يعتبر بالكل ولفوات النصف ضمن المولى ربع قيمته وبعود النصف إلى قديم ملكه بالرجوع يباع نصفه في دينه ولو اعورا بعد ما رجع إلى المولى لم يضمن من عوره شيأ لانه لو هلك العبد بعد الرجوع في الهبة لم يضمن شيأ فانه بالرجوع عاد الي قديم ملكه فعوره في هذه الحالة كهلاكه قبل الهبة فكذلك إذا اعور قلنا لا يضمن المو شيأ ولكن يباع نصفه أعور في دينه وإذا كفل المأذون عن رجل بألف درهم بامر مولاه ولادين عليهم باعه المولى فللمكفول له أن ينقض البيع لانه صار أحق بماليته من المولى (ألا ترى) انه يطالبه بقضاء دين الكفالة ويباع له فيه كما يباع في سائر ديونه ولو كانت الكفالة بنفس رجل لم يكن
[ 146 ] للمكفول له أن ينقض البيع لانه صار أحق بماليته بهذه الكفالة (ألا ترى) انه لا يطالب ببيعه في هذه الكفالة فكانت المالية خالص حق المولى فلهذا نفذ بيعه وهذا لان صاحب الدين انما ينقض بيع المولى ليستسعيه في دينه ولا حق لصاحب الكفالة بالنفس في استسعائه في شئ ولكن يبيع العبد بكفالته حيث كان لانه استحق عليه المطالبة بتسليم النفس فلا يسقط ذلك ببيع المولى اياه وهذا عيب فيه للمشترى أن يرده به ان شاء لانه يحبس به ويؤمر بطلب المكفول بنفسه ليسلمه وفيه حيلولة بين المشترى وبين مقصوده من الخدمة فيثبت له حق الرد لاجله كما يثبت له حق رد الجارية بعيب النكاح ان شاء فان كانت الكفالة على انه كفيل بنفس المطلوب ان لم يعط المطلوب ما عليه إلى كذا وكذا لم يكن للمشترى ان يرده بعيب هذه الكفالة قبل وجود الشرط لانه لا مطالبة بشئ على العبد في الحال فالتزام تسلم النفس منه كان معلقا بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبله فإذا وجب علي العبد لوجود شرطه رده المشترى ان لم يكن علم بها حين اشتراه لان الحيلولة وقعت بينه وبين الخدمة بسبب كان سابقا علي بيعه فان ثبوت الحكم عند وجود الشرط يكون محالا به على السبب وان كان علم بها حين اشتراه فليس له أن يرده بهذا العيب أبدا لان تمكنه من الرد بالعيب لدفع ضرر لم يرض بالتزامه قال والحكم في بيع المولى شيأ من رقيق المأذون أو هبته وعليه دين حال أو مؤجل على ما وصفنا في المأذون بنفسه لان مطالبة صاحب الدين بايفاء الدين من الكسب والرقبة فكما ان في الرقبة إذا انعدمت المطالبة للتأجيل في الدين جعل في حق تصرف المولى كانه لادين عليه فكذلك في تصرفه في كسبه بالبيع والهبة في حكم النفوذ وحكم تضمين المولى عند حل الدين وفي الاصل اشارة إلى مخالف له في هذا الجواب واستشهد عليه بشواهد قال أرأيت لو أعتق رقيق العبد قبل أن يحل دين العبد لم يجز عتقه في قول أبى حنيفة رحمه الله ينبغى لمن زعم أن البيع لا يجوز أن لا يجوز عتقه في الرقيق بمنزلة مالو كان الدين حالا وكان محيطا برقبته وما في يده (أرأيت) لو ان المولى لو حجر عليه والدين عليه مؤجل لم يكن له أن يبيع الرقيق فإذا لم يكن له أن يبيعهم فمن ذا الذى ينفق عليهم فبيع المولى في هذا كله جائز وهو ضامن للقيمة إذا حل الدين وقيل المخالف أبو يوسف رحمه الله فقد روى عنه انه لا يجوز بيع المولى كسب العبد وان كان الدين مؤجلا عليه لان بالتأجيل لا ينعدم وجوب أصل الدين وحاجة المأذون الي قضائه وحاجته في كسبه مقدمة على حق المولي
[ 147 ] فكان المولى ممنوعا من اثبات يده عليه ولا يجوز بيعه ولا هبته فيه ويجوز العتق لان تقرر العتق لا يستدعي اليد فأما إذا كان الدين حالا على العبد فان لم يكن محيطا بكسبه ورقبته لا يمنع نفوذ عتق المولى في رقبته لان المولي يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث والدين على المورث إذا لم يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث في التركة ونفوذ عتقه في قول أبى حنيفة رحمه الله الاخير وفى قوله الاول يمنع ذلك وقد بينا هذا في أول الزيادات فكذلك الدين علي العبد فأما إذا كان الدين محيطا بكسبه ورقبته فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله المولي لا يملك شيأ من كسبه ولو أعتقه لا ينفذ عتقه في كسبه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المولى يملك كسبه حتى ينفذ عتقه في رقبته كما يملك عتقه لان الكسب بمنزلة الرقبة من حيث ان حق الغريم فيه مقدم على حق المولي وانه لا يسلم للمولى الا بشرط الفراغ من دين العبد فكما أن قيام الدين عليه لا ينافى ملك المولى في رقبته فكذلك لا ينافى ملكه في كسبه وهذا لان الكسب يملك بملك الرقبة وله ملك مطلق في رقبته فيملك كسبه وهذا بخلاف المكاتب فرقبته مملوكة للمولى من وجه دون وجه لانه بعقد الكتابة صار بمنزلة الحريدا وقد ملك بدل الرقبة وهو دين الكتابة من وجه فكذلك يمنع بقاء ملكه في رقبته من هذا الوجه فلهذا لا يكون مالكا كسبه فأما رقبة العبد بعد لحوق الدين اياه فمملوكة للمولي من كل وجه (ألا ترى) أنه يملك استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر ولا يملك ابطال حق المكاتب بفسخ الكتابة وهذا بخلاف الدين في التركة وذلك لان الوارث انما يملك الفاضل عن حاجة الميت (ألا ترى) أن المشغول بالجهاز والكفن لا يكون مملوكا للوارث فكذلك المشغول بالدين وههنا ملك المولى كسب العبد لا يتعلق بفراغه من حاجة العبد وان كانت سلامته له تتعلق بذلك (ألا ترى) أن حاجته إلى النفقة والكسوة لا يمنع ملك المولى في كسبه فكذلك حاجته إلى الدين ولان الشرع جعل الميراث بعد الدين فحال قيام الدين كحال حياة المورث في انه لا يكون أو ان الميراث والحكم لا يسبق أو انه فاما خلافة المولي عبده في ملك الكسب واعتبار الرق ينافى الاهلية لملك المال والكسب موجب الملك في المكسوب فإذا لم يكن المكتسب من أهله وقع الملك لمن يخلفه وهذا المعنى قائم حال قيام الدين عليه وأبو حنيفة رحمه الله يقول المولى يخلف عبده في ملك الكسب خلاف الوارث المورث على معنى أنه يملكه با كسابه وسلامته له متعلقة بفراغه عن حاجة العبد فكما أن
[ 148 ] الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة فكذلك الدين المحيط بالكسب والرقبة يمنع ملك المولى وهذا لان الخلافة في الموضعين جميعا باعتبار انعدام الاهلية للملك في المكتسب فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق لان المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء والموت ينافى ذلك كالرق بل أظهر فالرق ينافى مالكية المال دون النكاح والموت ينافيهما جميعا ثم لقيام حاجة الميت إلى قضاء ديونه يجعل كالمالك حكما حتى لا يملك الوارث كسبه فكذلك العبد لقيام حاجته يجعل كالمالك حكما وهذه الحاجة ليست كالحاجة إلى الطعام والكسوة فان الرقيق لا يحتاج إلى ذلك لانه يتسوجب النفقة على المولى إذا لم يكن له كسب وليس الكسب نظير الرقبة لان المولى ليس يخلفه في ملك الرقبة بل كان مالكا للرقبة لا بالاكتساب من العبد فبقى ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين وهو نظير المكاتب فالمولى مالك رقبته حتى ينفذ منه العتق في رقبته وتؤدى به كفارته وبه يتبين أن ملكه في الرقبة مطلق ومع ذلك لقيام حاجته لا يملك الولي كسبه فكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وان كان يملك رقبته ولا عتق فيما لا يملك ابن آدم وإذا أقر العبد المحجور عليه باستهلاك ألف درهم لرجل لم يؤخذ به حتى يعتق فإذا عتق أخذ بذلك لانه محجور عن الاقرار لحق المولى فباقراره لا يظهر وجوب الدين في حق المولى ولكن يظهر في حق العبد لانه مخاطب لا تهمة في اقراره في حقه فيؤاخذ به بعد العتق وان ضمن عنه رجل هذا الدين قبل أن يعتق أخذ به الكفيل حالا لان أصل الدين واجب على العبد وانما تأخرت المطالبة في حقه لانعدام المحل فإذا ضمنه عنه رجل فقد ضمن دينا واجبا فيؤاخذ به في الحال بمنزلة الدين على مفلس إذا ضمنه عنه انسان أخذ به في الحال لهذا المعنى فإذا اشتراه صاحب الدين فأعتقه أو أمسكه بطل دينه عن العبد لان المولى لا يتسوجب على عبده دينا ولكنه يأخذ الكفيل بالاقل من الثمن ومما ضمنه لان الدين لو كان معروفا على العبد تحول بالبيع إلى الثمن سواء بيع من صاحب الدين أو من أجنبي وهذا الدين بمنزلة المعروف في حق الكفيل فيحول إلى الثمن لانه انما يتحول إلى الثمن بقدر ما يسع من الثمن لقضاء الدين منه فبقدر ذلك يكون الكفيل مطالبا وما زاد علي ذلك سقط عن الكفيل بسقوطه عن الاصيل من كل وجه ولو لم يشتره ولكن صاحبه وهبه منه وسلمه إليه بطل دينه عن العبد وعن الكفيل لان الدين ههنا سقط عن الاصيل والمولى لا يستوجب على عبده دينا ولم يخلف العبد محلا آخر يمكن تحويل الدين إليه وبراءة الاصيل باى سبب كان توجب براءة
[ 149 ] الكفيل فان رجع في هبته لم يعد الدين أبدا وهذا قول محمد رحمه الله وعند أبى يوسف رحمه الله يعود الدين برجوعه في الهبة وأصل الخلاف في الدين المعروف علي العبد ولم يذكر قول أبى يوسف ههنا انما ذكره في أول الزيادات وجه قول محمد رحمه الله ان الدين بالهبة سقط عن العبد لا إلى بدل فكان كالساقط عنه بالابراء وبعد الابراء لا يتصور عود الدين إذا تم السقوط بالقبول وهذا لان الساقط يكون متلاشيا والعود يتصور في القائم دون المتلاشى بخلاف ما إذا اشترى بالدين شيأ أو صالح على عين فهلك قبل القبض لان الدين هناك لم يسقط وانما تحولت المطالبة إلى المشترى وإلى ما وقع عليه الصلح وكذلك الحوالة فان الدين لا يسقط بها ولكن يتحول إلى ذمة المحتال عليه ثم يعود بالتوى إلى المحيل وأبو يوسف رحمه الله يقول بالرجوع في الهبة بفسخ العقد من الاصل وتعود العين إلى قديم ملكه وسقوط الدين كان بحكم الهبة فإذا انفسخ عاد الدين كما إذا سقط الدين بالشراء أو الصلح بخلاف الابراء فالسبب هناك غير محتمل للفسخ بعد تمامه والدليل عليه أن الدين لو كان لصبي فوهبه صاحب الدين منه وقبضه هو أو وصيه سقط الدين ثم إذا رجع الواهب لو قلنا بانه لا يعود الدين كان فيه الحاق الضرر بالصبي واسقاط دينه مجانا وذلك مملوك للصبى فلا بد من القول بعود الدين لدفع الضرر وقد روى ابن سماعة عن محمد والحسن عن أبى حنيفة رضى الله عنهم انه ليس للواهب أن يرجع في الهبة بعد سقوط الدين لان ذلك في معنى زيادة حاثة في ملك الموهوب له والزيادة المتصلة تمنع الواهب من الرجوع ولكن في ظاهر الرواية هذه زيادة لا تغير صفة العين فتكون كزيادة السعر فلا يمنع الواهب من الرجوع (ألا ترى) أن المشترى إذا أقر على العبد بالدين قبل القبض لم يصر قابضا وان كان الدين عينا والمشترى بالتعيب يصير قابضا ولكن هذا التعييب لما لم يؤثر في العين لم يجعل به قابضا فهذا مثله وقد أملينا في أول شرح الزيادات هذه الفصول بفروعها ولو ان الدين على العبد لشريكين وبعضه حال وبعضه مؤجل فوهبه المولي لا حدهما وسلمه إليه فلشريكه أن ينقض الهبة لمكان حقه في المطالبة بالدين الحال كما لو وهبه لاجنبي آخر فان نقضها بيع العبد فاستوفى الهبة حقه من الثمن وما بقى هو للمولي ولا شئ للموهوب له على المولى ولا علي العبد ولا علي الشريك لان الموهوب له حين قبض العبد بحكم الهبة فقد ملكه وان كان النقض مستحقا لحق الآخر كالمريض إذا وهب عبده وسلمه صار ملكا للموهوب له وإذا ملكه
[ 150 ] سقط دينه ولا يعود بعد ذلك اذن فعلى قول أبى يوسف إذا نقض الآخر الهبة عاد الدين كله إلى العبد كما في الاول ولو باعه المولى من أحدهما بالف درهم وقيمته ألفا درهم فأبطل الآخر البيع بعد القبض أو قبله بيع لهما فاقتسما ثمنه ولم يبطل من دين المشترى شئ لان بالبيع تحول حقه إلى الثمن كما لو باعه من أجنبي آخر لا يسقط به دينه ولكن يتحول إلى الثمن بخلاف الهبة فلهذا يباع العبد ههنا في دينهما بعد نقض البيع وإذا كان علي المأذون دين مؤجل فباعه المولى من صاحب الدين بأقل من قيمته أو بأكثر فالثمن للمولى وهو أحق به حتى يحل الدين فيدفع الثمن إلى الغريم وفي قياس قول زفر رحمه الله يحل عليه الدين بالبيع فيكون الثمن للغريم وقد بينا هذا في البيع من أجنبي آخر إذا كان القاضى هو الذى باشره حتى يحول به الدين إلى الثمن وكذلك إذا باعه المولى من صاحب الدين لانه في البيع من صاحب الدين لا يكون جانيا في حقه ضامنا له شيأ فان توى الثمن في يد المولى لم يكن للغريم على المولى سبيل لانه في البيع وقبض الثمن منه لم يكن جانيا في حق الغريم فهلاك الثمن في يده كهلاك العبد قبل البيع وان كان على العبد دين لآخر مثل دين المشترى فحل ضمن نصف القيمة لصاحب الدين الذى لم يشتر العبد لانه في حقه جان بتفويت محل حقه بالبيع فيضمن له نصف القيمة ثم يسلم له ذلك ولا يشاركه المشترى فيه كان شريكا في الدين الذى على العبد أولم يكن شريكا لان وجوب ضمان القيمة على المولى باعتبار جنايته وهو غير جان في حق المشترى حين ساعده علي الشراء منه فلا يثبت له حق في قيمته ولو شارك الآخر فيما قبض من القيمة لم يسلم له ولكن يأخذه المولى منه ثم يأتي الشريك الآخر فيأخذ ذلك من المولى فعرفنا انه لا فائدة في اثبات المشاركة له في المقبوض ولو أمر المولى عبده المأذون فكفل لرجل بالف درهم عن رجل على أن الغريم ان مات ولم يدفع المال إلى رب المال فالعبد ضامن للمال فهو جائز لان كفالته باذن المولي إذا لم يكن عليه دين ككفالة الحر فان باعه المولى من رب المال بالف أو باقل فبيعه جائز ويقبض الثمن فيصنع به مابداله لان وجوب دين الكفالة متعلق بالشرط فلا يكون ثابتا قبله فان مات المكفول عنه قبل أن يؤدى المال كان للذى اشترى العبد من المولي أن يرجع بالثمن على المولى فيأخذه منه قضاء من دينه لان عند وجود الشرط يثبت المال علي العبد مضافا إلى سببه ويكون هذا في معنى الدين المؤجل فيتحول إلى الثمن ببيعه اياه من الطالب وان كان الثمن هلك من المولى
[ 151 ] لم يضمن المولى شيأ لانه غير جان في حق المكفول له حين اشترى منه العبد فاقدامه على الشراء يكون رضا ببيعه لا محالة وان هلك بعضه أخذ الباقي بدينه والهالك صار كان لم يكن فان هلك الثمن من المولى ثم وجد المشترى بالعبد عيبا رده ان شاء ولم يكن له من الثمن شى ء على المولى لان المولى كان عاملا له في بيعه وقبض ثمنه (ألا ترى) ان حقه تحول الي الثمن وكان هو أحق به عند وجوب دينه على العبد بوجود شرطه فلو رجع على المولى بشئ كان للمولى أن يرجع عليه بذلك أيضا وهذا لا يكون مفسدا ولكن يباع له العبد المردود حتى يستوفى من ثمنه الثمن الذى نقد البائع فان فضل شئ أخذ هذا الفضل من دينه الاول وان نقص الآخر عن الثمن الاول لم يكن له علي البائع شى ء من النقصان لما بينا والله أعلم (باب توكيل العبد المأذون في الخصومة وغيرها) (قال رحمه الله) توكيل المأذون بالخصومة له وعنه جائز مثل الحر لانه من صنيع التجار ومما لا يجد التاجر منه بدا وانفكاك الحجر فيه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق فكل ما يصح منه من هذا الباب بعد العتق فهو صحيح بعد الاذن وكذلك ان كان الوكيل مولاه أو بعض غرمائه أو ابنه أو ابن المدعى أو مكاتبه أو عبد مأذون له لانه صالح للنيابة عنه في تجاراته واستيفاء حقوقه فيصلح نائبا عنه في المطالبة بحقوقه والخصومة فيها واقرار وكيله عليه عند القاضي جائز وان أنكر مولاه أو غرماؤه لان الوكيل فيما هو من جواب الخصم قائم مقام الموكل كما في الحر وقد بينا اختلاف العلماء فيه في كتاب الوكالة فاقرار وكيل العبد ههنا في مجلس القاضي كاقرار العبد واقرار العبد صحيح وان كذبه مولاه وغرماؤه فكذلك اقرار وكيله وان أقر عند غير القاضى فقدمه خصمه إلى القاضى وادعي اقراره عند غيره سأله عن ذلك فان أقر له بذلك قبل أن يتقدم إليه ألزمه ذلك لان كلامه هذا اقرار مستأنف منه في مجلس القاضى مع حكايته ما كان منه من الاقرار في غير مجلسه فاقراره المستأنف ملزم لموكله وما كان منه من الحكاية ساقط الاعتبار وان قال أقررت به قبل أن توكلني وقال الخصم أقر به في الوكالة ألزمه القاضى ذلك باعتبار انه اقرار مستأنف منه وسواء كان اقراره السابق قبل التوكيل أو بعده فانما يلزمه باعتبار اقراره المستأنف في مجلسه ثم يدعى هو تاريخا سابقا في اقراره حين أسنده إلى ما قبل التوكيل وخصمه ينكر هذا التاريخ وحقيقة المعنى
[ 152 ] فيه انه ينكر صحة التوكيل لانه حين كان مقرا قبل التوكيل لا يصلح نائبا في الخصومة في هذه الحالة وقبوله الوكالة اقرار منه بصحتها فإذا ادعى بعد ذلك انها لم تكن صحيحة كان مناقضا وان صدقه خصمه في انه أقر قبل الوكالة أخرجه القاضي من الوكالة ولم يقض بذلك الاقرار على الموكل لان المناقض إذا صدقه خصمه كان قوله مقبولا منه وقد تصادقا على انه لم يصر وكيلا وانشاء الاقرار في مجلس القاضي ممن هو وكيل يكون ملزما للموكل وإذا تصادقا انه لم يصر وكيلا لا يقضى القاضى على الموكل باقراره بشئ وان كان كلامه انشاء الاقرار ولو جحد الوكيل الاقرار لم يستحلف عليه لان الخصم لا يدعى لنفسه بهذا الاقرار شيأ على الوكيل انما يزعم أنه ليس بخصم له لانه أقر في غير مجلسه وكيف يستحلفه وهو يزعم انه ليس بخصم له فان أقام الخصم البينة على اقراره قبل الوكالة أو بعد ما أخرجه القاضى عن الوكالة لم يجز اقراره على موكله لانه يثبت اقرار من ليس بوكيل وهو بهذه البينة ثبت انه ليس بخصم له وان له المطالبة باحضار الوكيل للخصومة معه فتقبل بينته عليه فيكون الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وانما لا يستحلف على ذلك لانه لو استحلف كان في معنى النيابة عن الموكل والنيابة لا تجزى في الاستحلاف وتجزى في قبول البينة ولو كان المدعى على العبد وكل مولى العبد بخصومته وعلى العبد دين أو لا دين عليه كانت وكالته باطلة لانها لو صحت نفذ اقراره على موكله في مجلس القاضى وفيه براءة لعبده وقول المولى في ذلك غير مقبول لما فيه من المنفعة أو لان الوكيل بالخصومة يملك القبض فكان هذا بمنزلة التوكيل بالقبض وقد بينا ان الطالب إذا وكل مولى العبد بقبض دينه من العبد لميجز التوكيل وكذلك لو وكل به غريما من غرمائه لان المنفعة للغريم فيه أظهر ولو كان الوكيل ابن الغريم أو مكاتبه أو عبده كان جائزا واقراره على موكله جائز بمنزلة مالو أقر موكله بالقبض وهذا لانه لا منفعة في هذا الاقرار للوكيل فهو كاجنبي آخر في حق الاقرار به بخلاف المولى والغريم بنفسه وإذا قبض المولى ما في يد المأذون ولا دين عليه ثم ادعي رجل فيه دعوى فوكل العبد بخصومته وكيلا لم يجز توكيله بذلك لان المأخوذ خرج من أن يكون كسباله وصار كسائر أملاك المولى فلا يكون العبد خصما فيه وتوكيله فيما ليس بخصم فيه باطل وكذلك لو أخذه بعد ما وكل العبد وكيلا بالخصومة قبل أن يقر الوكيل بما ادعى المدعي ثم أقر له فاقراره باطل لان العبد خرج من أن يكون خصما فيه قبل اقرار الوكيل وأكثر ما في الباب أن يجعل اقرار
[ 153 ] الوكيل كاقرار الموكل واقرار الموكل به بعدما أخذه المولى منه باطل فكذلك اقرار الوكيل ولو كان على العبد دين كانت الوكالة صحيحة والاقرار جائزا لان أخذ المولى بمنزلة الغصب لمكان حق الغرماء فلا يخرج المأخوذ به من أن يكون كسب العبد وكما يجوز اقرار العبد به في هذه الحالة فكذلك اقرار وكيله ولو كان المولى حجر عليه وقبض مافى يده ثم ادعى رجل بعض ما في يده فتوكيل العبد في ذلك باطل إذا لم يكن عليه دين لانه خرج من الخصومة فيه بما فعله المولى وتوكيل المولى بالخصومة فيه صحيح واقرار وكيله جائز لان المولي هو الخصم في ذلك ولو ادعى العبد دينا على رجل فوكل بالخصومة بعد ما حجر عليه المولى جاز لانه هو الخصم في بقاء تجاراته فان أقر الوكيل عند القاضى ان العبد قد استوفى دينه كان اقراره به أيضا كاقرار العبد فينفذ في حق المولى والغرماء وان أقر انه لا حق للعبد قبل الخصم فاقراره به أيضا كاقرار العبد به يجوز عند أبى حنيفة رحمه الله فيما في يده من المال دون رقبته وعندهما لا يجوز في شئ وقد تقدم بيان هذا الفصل وإذا وجب للماذون ولشريك له على رجل ألف درهم فجحدها فوكل العبد وشريكه بخصومته مولى العبد وعلى العبد دين أو لادين عليه فأقر المولى عند القاضى باستيفائهما المال جاز اقراره عليهما لانه لا منفعة له في هذا الاقرار بل فيه ضرر فهو كاجنبي آخر ينفذ اقراره عليهما وان جحداه فان ادعي الشريك على العبد انه قبض نصيبه فان كان العبد لادين عليه فان الشريك يرجع في رقبة العبد بنصف حصته فيباع في ذلك لان باقرار المولي ثبت وصول نصيب العبد إليه فكأنه ثبت ذلك باقرار العبد فكان للشريك أن يرجع عليه بنصفه ولم يثبت باقرار المولي نصيب الشريك إليه في حق العبد لانه كان نائبا عن الشريك في الخصومة مع المطلوب لامع العبد وصحة اقراره باعتبار انه وكيل في الخصومة ولان في ثبوت وصول نصيب الشريك إليه منفعة العبد من حيث انه يسلم المقبوض أو يثبت للعبد حق الرجوع عليه ان لم يكن هو قبض شيأ واقرار المولى لا يصح بذلك فلهذا كان للشريك أن يرجع في رقبة العبد بنصف حصته وان كان على العبد دين فلا سبيل له عليه ولا على مولاه حتى يقضى دينه لان اقرار المولى على العبد بوصول نصيبه إليه لا يكون صحيحا في حق غرمائه فانه انما ينفذ اقراره عليه بكونه وكيلا في الخصومة وهو كان وكيلا في الخصومة مع المطلوب لامع الاجنبي فاقراره على العبد الآن كاقراره على الأجنبي وإذا استوفى العبد دينه وفضل شئ رجع الاجنبي بحصته في ذلك لان الفاضل
[ 154 ] خالص ملك المولى وقد أقر بوصول نصيب العبد إليه وللاجنبي أن يرجع في ذلك بنصفه بحكم اقراره كما لو لم يكن عليه دين ولو كان الشريك صدق المولى فيما أقر به عليهما وكذبه العبد وعليه دين أولا دين عليه لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ لان بتصديق الشريك ثبت وصول نصيبه إليه وباقرار المولى علي عبده ثبت وصول نصيب العبد إليه أما إذا لم يكن عليه دين فغير مشكل وكذلك ان كان عليه دين فانه يثبت وصول نصيبه إليه في حق المولى ويكون اقرار المولى عليه بذلك كاقرار العبد ثم باقرار العبد ثبت وصول نصيبه إليه في حق غرمائه فكذلك باقرار المولى فلهذا لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ ولو كان الشريك هو الذى وكل العبد بالخصومة في دينه ولم يوكل المولى بذلك فأقر العبد عند القاضي انه لاحق للشريك قبل الغريم أو أقر انه استوفي من الغريم نصيبه وجحد ذلك الشريك برئ الغريم من حصة الشريك لان اقرار وكيله في مجلس الحكم كاقراره فيما يرجع إلى براءة خصمه ويتبع العبد الغريم بنصف الدين لانه لم يقر في نصيب نفسه بشئ فإذا أخذه شاركه الغريم فيه كان على العبد دين أولم يكن لان في اقرار العبد شيئين ابطال حق الشريك على الغريم وسلامة ما يقبضه له وقوله مقبول فيما يرجع إلى ابطال حق الشريك على الغريم لا بتوكله بخصومته فيكون راضيا باقراره بذلك ولكن اقراره غير صحيح في سلامة المقبوض له لان ذلك دعوى منه فكان المبوض مشتركا بينهما لانه جزء من دين كان مشتركا بينهما وهو نظير المودع في مال مشترك إذا ادعي انه رد على أحد الشريكين نصيبه يقبل قوله ففى براءته عن الضمان ولا يقبل قوله في سلامة الباقي للآخر بل يكون مشتركا بينهما ولو كان للعبد ولشريكه على رجل ألف درهم هو مقربها فغاب الغريم وادعى العبد ان شريكه قد قبض حقه وأراد أن يرجع عليه بنصفه فجحد الشريك ووكل مولى العبد بخصومة العبد في ذلك وعلى العبد دين أو لادين عليه أو وكل الشريك بعض غرماء العبد فاقر الوكيل ان الشريك قد استوفى نصيبه من الغريم فاقراره باطل ولا يكون وكيلا في ذلك لانه يجر به إلى نفسه مالا فانه إذا صح اقراره على الشريك سلم للعبد ما قبضه من الغريم من نصيبه وفيه منفعة لمولاه ولغرمائه فلهذا لا يكون وكيلا فيه به وقد تقدم بيان الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الطعن ولو كان الشريك ادعى على العبد الاستيفاء فوكل العبد بالخصومة لمولاه أو بعض غرمائه فأقر الوكيل علي العبد بالاستيفاء جاز اقراره عليه لانه لا منفعة للمقر في هذا الاقرار
[ 155 ] بل عليه فيه ضرر وهو كاجنبي آخر فيه واقرار الوكيل عند القاضى كاقرار الموكل ولو أقر العبد بذلك رجع عليه الشريك بنصف ما قبض فهذا كذلك أيضا وإذا حضر الغريم وادعى أن العبد قد قبض ما قال الوكيل لم يصدق علي ذلك لان العبد انما كان وكيلا بالخصومة مع الشريك لامع الغرماء فاقراره في حق الغريم لا يكون نافذا علي الموكل لان صحة اقرار الوكيل لضرورة أنه من جواب الخصم وذلك في حق خصمه دون غيره فلهذا كان للعبد أن يرجع على الغريم بجميع دينه الا أن يكون العبد لا دين عليه والوكيل هو المولى فيصدق علي عبده في ذلك لان جواز اقراره عليه الآن ليس باعتبار أنه جواب الخصم ولكن باعتبار أنه ملكه وفي ذلك الغريم والخصم سواء (ألا ترى) أن قبل التوكيل لو أقر به عليه في هذه الحالة جاز اقراره فأما في غيره هذه الحالة فصحة اقراره باعتبار التوكيل بالخصومة كما بينا ثم الغريم قد برئ من نصف حق الشريك لانه قد قبضه من العبد فلا يكون له أن يرجع به علي الغريم وذلك خمسمائة ويرجع الشريك بنصف حقه على الغريم وذلك مائتان وخمسون فما أخذ واحد منهما من شئ اقتسماه اثلاثا على قدر حقيهما على الغريم حتى يتسوفا منه سبعمائة وخمسين وإذا كان لرجلين على المأذون دين ألف فادعى العبد على أحدهما أنه قد استوفى نصيبه وجحد المدعى عليه فوكل المدعى عليه مولى العبد بذلك فالتوكيل باطل واقرار المولى به باطل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لان في اقراره منفعة المولى وهو براءة ذمة عبده عن نصيبه وسلامة ماليته للمولى بذلك القدر وإذا حضر الغريم الآخر فادعى ما أقر به المولى على شريكه فأراد أن يأخذه بنصفه لم يكن له ذلك لان اقرار المولى به كان باطلا لان المولى لم يكن وكيلا بالخصومة في حق الشريك وكذلك لو كان الوكيل غريما للعبد لان منفعة المولى في هذا الاقرار أظهر من منفعة الولى لانه يخرج به موكله من مزاحمته في مالية العبد ولو كان أحد الشريكين وكل صاحبه بخصومة العبد في ذلك فادعى عند القاضى أن صاحبه قد استوفى من العبد حصته جاز ذلك عليه وعلى شريكه ويبطل من الدين خمسمائة لانه لا منفعة له في هذا الاقرار ثم ما أخذ الشريك الوكيل من الخمسمائة الباقية أخذ صاحبه منه نصفه لان صحة اقراره في براءة الغريم لا في سلامة الباقي له إذ هو متهم في ذلك ولو كان الوكيل غريما للعبد ليس بينه وبين الوكيل شركة في المال الذى على العبد لم يجز اقراره فيما فيه المنفعة له وهو دفع مزاحمة الموكل عن نفسه في مالية العبد وإذا وجب لرجلين على عبد ألف درهم فادعى أحدهما على
[ 156 ] صاحبه أنه قبض نصيبه من الدين فأنكر شريكه ووكل بذلك مولى العبد أو العبد أو غريما للعبد بخصومته فأقر الوكيل عند القاضى أن موكله قد قبض ما ادعاه شريكه لم يجز توكيله ولا اقراره لان العبد ان كان هو الوكيل فهو بهذا الاقرار يبرئ نفسه والمولى يبرئ به عبده والغريم يزيل به مزاحمة الموكل معه في مالية العبد فلا يجوز اقرارهم بذلك (ألا ترى) أنه لو جاز اقرار المولى أو الغريم بذلك كان للمدعى أن يأخذ نصف ما قبض المدعى عليه ويبرئ العبد من ذلك ولو كان المدعى هو الموكل فأقر وكيله أن المدعى عليه لم يأخذ من الدين شيأ جاز اقراره على المدعى وكان حقهما على العبد بحاله لانه لا منفعة للوكيل في هذا الاقرار وهو فيه كاجنبي آخر والله أعلم (باب شراء المأذون وبيعه) (قال رحمه الله) شراء المأذون وبيعه بما يتغابن الناس فيه جائز حالا كان أو إلى أجل سواء كان بيعا بثمن أو مقابضة عرض بعرض أو سلما لانه منفك الحجر عنه فيما هو تجارة وهذه كلها من عقود التجارات والتاجر يحتاج إليها يعنى البيع والشراء بالحال والمؤجل والاسلام إلى الغير وقبول السلم من الغير والمحاباة بما يتغابن الناس فيه من صنيع التجار عادة ومالا يقدر التاجر على التحرز عنه في كل تجارة ويحتاج إليه لاظهار المسامحة من نفسه في المعاملة فأما تصرفه بما لا يتغابن الناس فيه فجائز في قول أبى حنيفة رحمه الله بيعا كان أو شراء سواء كان عليه دين أولم يكن ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وكذلك الخلاف في المكاتب والصبي والمعتوه يأذن له أبوه في التجارة فيتصرف بمالا يتغابن الناس فيه وطريقهما ان المحاباة الفاحشة بمنزلة الهبة (ألا ترى) أن من لا يملك الهبة كالاب والوصى لا يملك التصرف بالمحاباة الفاحشة وانه متى حصل ذلك من المريض كان معتبرا من ثلثه كالهبة ثم هؤلاه لا يملكون الهبة فكذلك لا يملكون التصرف بالمحاباة الفاحشة وهذا لانه ضد لما هو المقصود بالتجارة فالمقصود بالتجارة الاسترباح دون اتلاف المال وانما لم ينفذ هذا العقد من الاب والوصى لدفع الضرر عن الصبي فاذنهما له انما يصح لتوفر المنفعة عليه لا للاضرار به فحاله فيما يلحق الضرر به من التصرفات بعد الاذن كما قبله وأبو حنيفة رحمه الله يقول انفكاك الحجر عنه بالاذن في وجوه التجارات كانفكاك الحجر عنه بالعتق والبلوغ عن عقل وبعد ذلك يملك التصرف
[ 157 ] بالغبن الفاحش واليسير فكذلك بعد الاذن وهذا لان التصرف بالغبن الفاحش تجارة فان التجارة مبادلة مال بمال وهذا التصرف في جميع المحل مبادلة مال بمال (ألا ترى) أنه تجب الشفعة للشفيع في الكل بخلاف الهبة فانه ليس بتجارة وبخلاف الاب والوصى لانه لم يثبت لها الولاية في التجارة في مال الصغير مطلقا بل مقيدا بشرط الاحسن والاصلح ولا يبعد أن لا يصح التصرف من الاب والوصى ثم يصح ذلك من الصبي بعد الاذن كالاقرار بالدين والعقد بالغبن الفاحش من صنيع التجار لانهم لا يجدون من ذلك بدا وربما يقصدون ذلك لا ستجلاب قلوب المجاهرين فيسامحون في التصرف لتحصيل مقصود هم من الربح في تصرف آخر بعد ذلك فكان هذا والغبن اليسير سواء وبان كان يعتبر في حق المريض من الثلث لعدم الرضى به من غرمائه وورثته فذلك لا يدل علي أنه لا ينفذ من المأذون كالغبن اليسير ثم أبو حنيفة في تصرف الوكيل فرق بين البيع والشراء في الغبن الفاحش وفى تصرف المأذون سوى بينهما لان الوكيل يرجع على الآمر بما يلحقه من العهدة فكان الوكيل بالشراء متهما في أنه كان اشتراه لنفسه فلما ظهر الغبن أراد أن يلزمه الآمر وهذا لا يوجد في تصرف المأذون لانه متصرف لنفسه لا يرجع بما يلحقه من العهدة على أحد فكان البيع والشراء في حقه سواء وان كانت في يد المأذون جارية فباعها من رجل لغلام وسلم الجارية ولم يقبض الغلام حتى ذهبت عين الجارية أو شلت يدها ثم مات الغلام فالمأذون بالجارية ان شاء أخذ جاريته ولا يتبع المشترى بنقصانها وان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها لان البيع قد انتقض بموت الغلام قبل التسليم لفوات القبض المستحق بالعقد فيثبت له حق الرجوع بملكه الا أن المشترى للجارية عجز عن ردها كما قبضها لانها تعيبت في يده فيثبت للعبد الخيار فان اختار أحدهما فليس له على المشترى نقصانها لان المشترى قبضها بحكم عقد صحيح وذلك لا يوجب ضمان الاوصاف والفائت وصف من غير صنع أحد (ألا ترى) أنه لو فات وصف من أوصافها في يد البائع قبل التسليم يثبت الخيار للمشترى وان اختار الاخذ لم يتبع البائع بشئ من النقصان ولا يسقط شئ من الثمن باعتبار ذلك النقصان فكذلك إذا حدث النقصان عند المشترى لان ضمان الاصل بحكم العقد الصحيح في الموضعين وإذا أبى أن يأخذها فقد عجز المشترى عن ردها مع تقرر السبب الموجب للرد فيرد قيمتها لان القيمة تقوم مقام العين عند تعذر رد العين وانما يعتبر قيمتها حين دخلت في ضمانه وذلك وقت القبض فيعتبر قيمتها عند ذلك كما في المغصوبة ولو كان حدث لها ذلك بعد موت
[ 158 ] الغلام أخذ المأذون جاريته ونقصانها لان بموت الغلام قبل التسليم بطل البيع فبقيت الجارية مقبوضة بحكم عقد فاسد والاوصاف تضمن في القبض بحكم العقد الفاسد كما لو كان العقد فاسدا من الاصل وهذا لان الفاسد ضعيف في نفسه فانما يثبت الضمان به باعتبار القبض والاوصاف تفرد بالقبض والتناول فتفرد بضمان القبض كما في المغصوبة بخلاف الاول فهناك العقد صحيح وضمان المقبوض بما يقابله انما يكون بحكم العقد دون القبض والاوصاف لاتفرد بالعقد فلا تفرد بضمانه فان كان حدث بها عيبان أحدهما قبل هلاك الغلام والآخر بعد هلاكه فان شاء المأذون أخذها ونقصان عيبها الآخر وان شاء أخذ قيمة الجارية يوم دفعها إليه لانه يجعل في نقصان كل واحد من الثمنين كانه لا عيب سواه ولو لم يحدث ذلك ولكن قطع رجل يدها أو فتأ عينها أو وطئها بشبهة أو ولدت ولدا من غير سيدها ثم هلك الغلام لم يكن للمأذون الاقيمتها يوم دفعها لانه حدث فيها زيادة منفصلة متولدة من عقر أو ارش أو ولد وذلك في العقد الصحيح بعد القبض فمنع فسخ العقد فيها لمعنى الربا حق للشرع وقد بيناه في البيوع فلا يتغير ذلك برضا الغير ويكون حقه في قيمتها لانه تعذر رد عينها مع بقاء السبب الموجب له فيجب قيمتها يوم دفعها وان كان ذلك بعد موت الغلام أخذ المأذون جاريته مع هذه الزيادات لان بموت الغلام بطل العقد وكانت كالمقبوضة بحكم عقد فاسد وهى بمنزلة المغصوبة في انها ترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة وفى أرش العين واليد يتخير العبد ان شاء أخذ به المشترى لفوات ذلك الجزء في ضمانه وان شاء اتبع به الجاني وقد بينا في البيوع هذا التفريع في البيع إذا كان فاسدا من الاصل فهو أيضا فيما إذا فسد العقد قبل الجناية وان كانت الجارية ولدت ثم هلك الغلام فلم يقض له بقيمة الجارية حتى هلك الولد فيقول الولد حين هلك من غير صنع أحد صار كان لم يكن بقي نقصان الولادة في الجارية فيجعل كما لو انتقصت بعيب حادث فيها من غير صنع أحد قبل هلاك الغلام فيتخير المأذون ان شاء أخذ الجارية ولا شئ له غيرها وان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم دفعها ولو كان مكان الجارية دابة لم يكن له في ذلك خيار إذا هلك الولد وأخذ الام لان الولادة نقصان في بنى أدم دون الدواب والولد إذا هلك صار كان لم يكن وكان للغلام أن يأخذ الام فقط لان المشترى قادر على ردها كما قبض فان كانت ولدت ولدا فأعتقه المشترى ثم مات الغلام فعلى المشترى قيمة الجارية ولا يرد الجارية لان ملك المشترى قد تقرر في الولد والعتق منه للملك والنهى يكون متقررا ولهذا يكون
[ 159 ] ولاؤه له ومع سلامة الولد له لا يكون متمكنا من رد الجارية وكذلك ان مات الولد بعد العتق قبل أن يقضى على المشترى بقيمة الجارية فأراد المأذون أخذ جاريته لم يكن له ذلك ان كان الولد ترك ولدا آخر وولاؤه للمشترى لان الولد الثاني قام مقام الاول فان بقاء الاول بعد العتق باعتبار ان ولاءه للمشترى وهذا المعنى موجود عند بقاء ولد الولد وهذا لان الولاء جزء من الملك لانه أثر من آثار الملك وان لم يكن ترك ولدا آخر ولاؤه للمشترى فللعبد أن يأخذ الجارية ان شاء ولا يأخذ نقصانا لان الولد مات ولم يبق له أثر فصار كان لم يكن فان قيل فأين ذهب قولكم ان العتق أنهى للملك قلنا المنهى يكون متقررا إلى ان انتهى فلا يكون قائما بعد الانتهاء كعقد الاجارة فانه ينتهى بمضي المدة ولا يكون باقيا بعده والمانع من رد الجارية بقاء شئ من الزيادة للمشترى بعد ردها وذلك يوجد عند بقاء الولاء على الولد ولا يوجد بعد موت الولد لا إلى خلف وان كان موته بعد قضاء القاضى بالقيمة على المشترى فلا سبيل للعبد علي الجارية لان حقه تحول إلى قيمتها بالقضاء ولو كان المشترى حين قبضها قطع يدها أو وطئها وهى بكر أو ثيب أو ولدت ولدا فقتلها المشترى ثم مات العبد في يد البائع فان شاء المأذون أخذ الجارية ولم يضمن المشترى شيأ من ذلك وان شاء أخذ قيمة الجارية يوم دفعها إليه لان المشترى لم يلزمه ضمان بهذه الافعال فانها حصلت في ملك صحيح تام فكان حدوث هذه المعاني بفعل المشترى كحدوثها بآفة سماوية وهناك يتخير المأذون وان أراد أخذها لم يضمن المشترى شيأ فهذا كذلك وقد بينا في البيوع ان وطئ الثيب بمنزلة استيفاء جزء من العين في حكم الرد حتى لا يردها العيب بعده الا برضا البائع كما لو كانت بكرا فههنا كذلك ولو كانت بهيمة فولدت فقتل المشترى ولدها ولم تنقصها الولادة شيأ فالمأذون بالخيار ان شاء أخذها ولم يرجع على المشترى بشئ من قيمة ولدها وان شاء أخذ قيمتها يوم دفعها إليه وكان ينبغى أن لا يثبت له الخيار كما لو هلك الولد من غير صنع أحد ولكنه قال المشترى استفاد ههنا بملك الولد البراءة عن الضمان فيعتبر ذلك في اثبات الخيار للمأذون بخلاف مالو أعتق الولد فهلك فان هناك بملكه ما استفاد البراءة عن الضمان لان اعتاقه في غير الملك باطل غير موجب للضمان عليه وقتله في غير الملك موجب للضمان عليه ثم الولد في حكم جزء من عينها فاتلاف ولدها كاتلاف جزء من عينها وذلك معتبر في اثبات الخيار للمأذون باعتبار انه حابس لذلك الجزء حكما بالقتل الا انه لا يمنع الرد إذا رضى المأذون
[ 160 ] به لان المانع بقاء الزيادة في ملكه بعد ردها وذلك غير موجود ههنا ولو كان هذا كله من المشترى بعد هلاك الغلام فان للعبد أن يأخذ الجارية وعقرها وارشها وقيمة ولدها إذا قتل الولد لانها بعد هلاك الغلام كالمقبوضة بحكم شراء فاسدو وفي ايجاب العقر على المشترى الحر بوطئ المشتراة شراء فاسدا اختلاف الروايات في العقر وقد بيناه في البيوع ولو كانت الجارية زادت في بدنها قبل هلاك الغلام أو بعده أخذها المأذون بزيادتها اما عبد هلاك الغلام فغير مشكل لانها كالمقبوضة بحكم شراء فاسد وأما قبل هلاك الغلام فلانه لا معتبر بالزيادة المتصلة في باب البيع في المنع من الرد والفسخ وقد بينا اختلاف الرواية في ذلك في البيوع حيث نص على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله في أن الزيادة المتصلة في المنع من المخالف كالزيادة المنفصلة وأصح الروايتين ما ذكره هنا فالزيادة المتصلة تبع من كل وجه وحق المأذون في استردادها عند هلاك الغلام حق قوى فيثبت ذلك فيما هو تبع من كل وجه وكذلك في جميع هذه الوجوه لو لم يمت العبد ولكن المأذون وجد به عيبا قبل القبض أو بعده فرده بحكم الحاكم أو غير حكم أو رده بخيار رؤية فالرد في هذا والموت قبل القبض سواء لان العقد ينفسخ في الغلام بالرد بهذه الاسباب كما ينفسخ بموته قبل التسليم ولو كان المأذون اشترط الخيار ثلاثة أيام في الغلام الذى اشتراه فقبضه ودفع الجارية فذهب عينها عند المتشرى من فعله أو فعل غيره أو من غير فعل أحد أو وطئها هو أو غيره أو ولدت ولدا ثم ان المأذون رد الغلام بخياره فانه يأخذ الجارية وولدها وعقرها ونصف قيمتها ان كانت عينها ذهبت عند المشترى من فعله أو من غير فعل أحد وان ذهبت من فعل غير المشترى أخذها ونصف قيمتها ان شاء من الجاني وان شاء من المشترى ورجع به المشترى على الجاني لان اشتراطه الخيار فيما اشترى اشتراط فيما باع وخياره فيما باع خيار البائع والمقبوض يتبع فيه خيار البائع ويكون مضمونا بالقيمة بمنزلة المغصوب والمشترى شراء فاسدا فلهذا كان الحكم فيها بهذه الصفة وكذلك لو قتلها غير المشترى وقد ازدادت قيمتها في يد المشترى فللمأذون ان يضمن المشترى قيمتها يوم قبضها حالة ان شاء ويرجع المشترى على القاتل بقيمتها يوم قتلها علي عاقلته في ثلاث سنين وان شاء المأذون رجع على عاقلة القاتل بقيمتها في ثلاث سنين وهى بمنزلة المغصوبة ههنا دون المشتراة شراء فاسدا يملكها المشترى بالقبض ومع خيار الشرط للبائع لا يملكها بالقبض بل هي باقية على ملك بائعها مضمونة في يد البائع كالمغصوبة ثم ان
[ 161 ] اختار المأذون تضمين المشترى يملكها بالضمان فجناية القاتل حصلت على ملكه فكان له أن يرجع على عاقلته بقيمتها في ثلاث سنين ويتصدق بالفضل لان هذا ربح حصل لا على ملكه فانها ما كانت مملوكة له عند القتل وسواء في جميع ذلك ان كان ما وصفنا قبل أن يختار المأذون نقض البيع أو بعده لانها مضمونة بنفسها مملوكة لبائعها في الوجهين جميعا (ألا ترى) أن المشترى لو أعتق الغلام الذى باع أو أعتق الجارية التى اشترى لم يجز عتقه مادام خيار المأذون باقيا لان خيار المأذون فيما باع خيار البائع فيمنع دخولها في ملك المشترى وخياره فيما اشترى خيار المشترى فيكون خارجا من ملك البائع ولو قبض لكون البيع مطلقا في جانبه فلهذا لا ينفذ عتقه في واحد منهما وإذا باع المأذون جارية لرجل بغلام فقبض الرجل الجارية ولم يدفع الغلام حتى هلك في يده ثم أعتق المشترى الجارية فعتقه جائز لان بهلاك الجارية فسد العقد في الجارية ولو كان العقد فاسدا فيها في الابتداء ملكها المشترى بالقبض وينفذ عتقه فيها فكذلك إذا فسد العقد فيها بهلاك الغلام يبقى ملك المشترى لبقاء قبضه فينفذ عتقه ويضمن قيمتها يوم قبضها وكذلك لو قتلها المشترى أو قتلها أجنبي ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها ولا سبيل للمأذون على القاتل الاجنبي لان قتله صادف ملك المشترى لاملك المأذون بخلاف المشتراة بشرط الخيار للبائع لم يرجع المشترى بالقيمة على عاقلة المشترى لانه قبل ملكه ولو كان المشترى لم يقبض الجارية من المأذون حتى أعتقها فان كان أعتقها قبل موت الغلام جاز عتقه لانها مملوكة له بنفس العقد الصحيح وان أعتقها بعد موته فعتقها باطل لفساد العقد فيها بموت الغلام والمشتراة شراء فاسدا لا تكون مملوكة قبل القبض للمشترى ولو قبض الجارية ولم يدفع الغلام حتى حدث به عيب فرده المأذون على المشترى بعيب بحكم أو بغير حكم ثم أعتق المشترى الجارية فعتقه باطل وكذلك لو رده بخيار الرؤية أو رده بالعيب بعد القبض بحكم أو رده بالاقالة لان في هذه الوجوه كلها العقد انفسخ فيهما جميعا ام من الاصل أوفى الجارية سواء كان بحكم أو بغير حكم فعادت هي إلى ملك المأذون وان كانت في يد المشترى فلهذا لا ينفذ عتقه فيها بخلاف ما إذا هلك الغلام لان هناك العقد في الجارية قد فسد ولم ينتقض بغير نقض (ألا ترى) أن في الابتداء لو اشتراها بقيمة العبد الهالك كان العقد فاسدا فيها ويملكها المشترى بالقبض حتى ينفذ عتقه فيها ما لم ينتقض البيع بينهما فكذلك إذا مات العبد بقيت هي مملوكة للمشترى مع فساد العقد فيها فتعتق باعتاق المشترى اياها والله أعلم
[ 162 ] باب هبة المأذو ن ثمن ما باعه (قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية ودفعها ثم وهب الثمن للمشترى أو بعضه قبل القبض أو بعده أو حط عنه فذلك باطل لان الاسقاط بغير عوض تبرع كالتمليك بغير عوض وهو منفك الحجر في التجارات دون التبرعات فان كان وهب بعض الثمن أو حطه قبل القبض أو بعده بعيب طعن به المشترى فهو جائز لان الحط بسبب العيب من صنيع التجار ثم هو بمقابلة هذا الاسقاط عوض وهو اسقاط حق المشترى في الرد وهذا اسقاط بحصة الجزء الفائت من الثمن وعجزه عن تسليم ذلك الجزء يسقط حقه في عوضه فكان هذا اسقاطا بعوض ولو حطوا عنه جميع الثمن أو وهبه لم يجز لانا نتيقن أن جميع الثمن لم يكن بمقابلة الجزء الفائت فكان اسقاطا بغير عوض ثم حط جميع الثمن لا يلتحق باصل العقد ولكنه برمبتدأ وحط بعض الثمن يلتحق بالعقد ويصير كانه عقد بما بقي فيصح من المأذون إذا كان مفيدا ولو اشترى المأذون جارية وقبضها ثم وهب البائع الثمن للعبد فهو جائز لانه تبرع على العبد والمتبرع من أهل التبرع والعبد من أهل التبرع عليه وكذلك لو وهبه للمولى وقبله كان بمنزلة هبته للعبد كان عليه دين أولم يكن لان المولى يخلف العبد في كسبه خلافة الوارث المورث وهبة صاحب الدين دينه للوارث بعد موت المورث بمنزلة هبته من المورث سواء كان على المورث دين أو لم يكن فكذلك المولى ههنا وان لم يقبلها المولى في هذا الوجه ولم يقبلها العبد في الوجه الاول كانت الهبة باطلة والمال على العبد بحاله لان رد الهبة امتناع عن التملك لازالة الملك الثابت له وهذا الامتناع صحيح من المولى والعبد جميعا بخلاف هبة شئ من أكسابه ابتداء فان وهب البائع الثمن للعبد أو لمولاه قبل أن يقبضه ثم وجد العبد بالجارية عيبا لم يكن له أن يردها لانه لوردها ردها بغير شئ والمقصود بالرد سلامة الثمن له وقد سلم له ذلك بطريق الهبة فلا يستوجب عند الرد شيأ آخر وهذا استحسان وفي القياس وهو قول زفر رحمه الله يرده بمثل ذلك الثمن وقد بينا نظير هذا في كتاب الرهن وإذا ثبت أنه يردها بغير شئ يتعذر الرد لان اخراج العين عن ملكه لا يصح من العبد بغير عوض وكذلك هذا في كل ثمن كان بغير عينه وان كان الثمن عرضا بعينه فوهب المأذون العرض للمشترى قبل أن يقبضه فقبضه المشترى فالهبة جائزة لان هبة المعقود عليه قبل القبض فسخ للعقد لما فيه من يفويت القبض المستحق بالعقد والمأذون يملك الاقالة إذا ساعده صاحبه عليها بخلاف بيع المبيع
[ 163 ] قبل القبض لان البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال والفسخ ليس بتمليك ولفظ الهبة فيه توسع قد يكون بمعنى التمليك وقد يكون بمعنى الاسقاط فيمكن أن يجعل مجازا عن الفسخ إذا تعذر تصحيحه بطريق التمليك فان لم يقبل المشترى الهبة فالهبة باطلة لان أحد المتعاقدين لا يفرد بالفسخ بعد لزوم العقد وان كان المشترى وهب الجارية قبل أن يقبضها العبد فقبلها العبد جاز سواء كان علي العبد دين أولم يكن وكان ذلك فسخا للعقد وان وهبها للمولى فان لم يكن علي العبد دين فهذا نقض صحيح أيضا لان كسب العبد خالص ملك المولى وهو يتمكن من التصرف فيه بطريق النقض كما يتمكن من التصرف فيه بطريق الايجاب وان كان على العبد دين فقبلها المولى وقبضها فهذا ليس بنقض للبيع لان المولى لا يملك انشاء التصرف في كسب عبده المديون فلا يملك نقض بيعه أيضا ولكن هذه هبة صحيحة من المولى وهو بناء علي أصل محمد رحمه الله فاما عند أبى يوسف رحمه الله فلا يصح وقد بينا المسألة في البيوع ان التصرفات التى لا تتم الا بالقبض عند أبي يوسف لا تصح في المبيع قبل القبض وعند محمد تصح باعتبار انه تسليط على القبض والقابض نائب عن المشترى وهو انما ينفذ تصرفه بعد قبضه ولو تقابضا ثم وهب العبد العرض من المشترى فقبله فالهبة باطلة لان هبة المعقود عليه بعد القبض لا تكون فسخا فان كونه فسخا باعتبار ما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد وذلك لا يوجد بعد القبض فكان هذا ابراء مبتدأ فلا يصح من المأذون ولو وهب المشتري الجارية للمأذون أو لمولاه جازت الهبة على سبيل البر المبتدأ فان وجد المأذون بالعرض عيبا ولا دين عليه فليس له أن يرده بالعيب لانه لورده بالعيب رده بغير شئ فالجارية التي هي عوض العرض قد عادت بعينها إلى ما كانت سواء كانت الهبة من العبد أو من المولى لان كسب العبد خالص حق المولى في هذه الحالة وان كان عليه دين وقد وهب المشترى الجارية للعبد فكذلك لان الجارية عادت كما كانت قبل العقد فلو رد العرض رده بغير شئ وان كان قد وهبها لمولاه فله أن يرد العرض بالعيب ويضمنه قيمة الجارية يوم قبضها لان المولى من كسب عبده المديون كالاجنبي ولو وهبها المشترى لا جنبي كان للعبد أن يرد العرض بالعيب وعند الرد يجب علي بائع العرض رد الجارية وقد تعذر ردها عليه فيغرم قيمتها يوم قبضها ولو باع المأذون جارية بعرض بعينه وتقابضا فحدث في الجارية عيب عند المشترى من غير فعل أحد أو من فعل المشترى أو من فعل أجنبي أو ولدت ولدا أو وطئت وهى بكر أو ثيب ثم وهبها
[ 164 ] المشترى للعبد أو لمولاه وعليه دين أو لادين عليه ثم وجد المأذون بالعرض عيبا رده وضمنه قيمتها في جميع ذلك لان ما هو موجب الرد لم يسلم له ههنا قبل الرد (ألا ترى) انه لو لم يهب الجارية حتى رد العرض عليه بالعيب كان له أن يرجع بقيمة الجارية ولا يسترد الجارية اما للزيادة المنفصلة في يد مشتريها أو لحدوث العيب فيها فإذا كان حقه ههنا في استرداد قيمة الجارية لا يبطل بعود الجارية بالهبة ولا يتعذر عليه رد العرض بالعيب ولو اشترى المأذون جارية من رجل بغلام قيمته ألف درهم وبالف درهم وتقابضا ثم وهب البائع بالالف والغلام الغلام للمأذون وسلمها إليه ثم وجد المأذون بالجارية عيبا ليس له أن يردها لان نصفها بمقابلة الغلام وقد عاد إليه الغلام بعينه بالهبة فلو رد ذلك النصف يرده بغير شئ فإذا تعذر الرد في النصف الاول تعذر في النصف الثاني لما فيه من الضرر علي البائع بتبعيض الملك عليه والمشترى لا يملك ذلك بالرد بالعيب وكذلك لو كانت الهبة للمولى ولا دين علي العبد وان كان عليه دين والهبة للمولى كان له أن يرد الجارية بالعيب ويأخذ من البائع ألف درهم وقيمة الغلام لان الهبة من المولى في هذه الحالة كالهبة من أجنبي آخر فان تصرف العبد كان لغرمائه دون مولاه ان أخذ ذلك ثم أبرأه الغرماء من الدين أو وهبوه له أو للمولى أو ورثة المولى من الغريم لم يرد علي البائع شيأ مما أخذ منه لان بما اعترض من السبب لا يتبين أن الاخذ لم يكن بحق وان قيمة الغلام مع الالف لم تكن واجبة له يومئذ والعارض من السبب لا يؤثر فيما انتهى حكمه بالاستيفاء والله تعالى أعلم بالصواب (باب الاقالة) (قال رحمه الله) المأذون في اقالة البيع كالحر لانه فسخ أو بيع مبتدأ في حق غيرهما والمأذون يملك كل واحد منهما فان اشترى المأذون جارية فزادت في يده حتى صار الثمن أقل من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله ثم أقاله البيع فيها فهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء علي ما تقدم ان المأذون إذا باع شيأ من كسبه أو اشترى شيأ مما لا يتغابن الناس في مثله فعلى قول أبى حنيفة لما كان يملك ابتداء التصرف بهذه الصفة فكذلك الاقالة وعندهما لا يملك ابتداء التصرف بهذه الصفة لحق المولي أو للغرماء فكذلك لا يملك الاقالة لان الاقالة في حق غير المتعاقدين بمنزلة
[ 165 ] البيع المبتدأ والاقالة من المأذون بعد الحجر المولى عليه باطلة لانه لا يملك ابتداء البيع والشراء بعد الحجر وإذا باع المأذون شيأ أو اشترى ثم ان المولى أقال البيع فيه فان كان المأذون لا دين عليه يومئذ فما صنع المولي من ذلك علي عبده فهو جائز لان الكسب خالص حقه والمأذون في حكم العقد كان متصرفا له فتصح الاقالة منه وان كان عليه دين يومئذ فهو باطل لان المولى في كسبه كاجنبي آخر وانما يعتبر قيام الدين عليه عند الاقالة لا عند ابتداء التصرف لان الاقالة بمنزلة البيع الجديد فإذا كان الدين عليه قائما عند الاقالة لا يصح من المولى هذا التصرف كما لا يصح ابتداء البيع وإذا لم يكن الدين قائما يومئذ صح منه لمصادفته محله فان كان عليه دين عند الاقالة فقضى المولى الدين أو أبرأ الغرماء العبد من دينهم قبل أن يفسخ القاضى الاقالة صحت الاقالة بمنزلة ما لو باع شيأ من كسبه ثم سقط دينه بهذا الطريق وان فسخ القاضى الاقالة ثم أبرأه الغرماء من الدين فالفسخ ماض لان السبب الموجب لفسخ الاقالة وهو حق الغرماء كان قائما حين قضى القاضى به فلا يبطل ذلك الفسخ بسقوط الدين بعده كما إذا زال العيب بعد ما قضى القاضى بالفسخ وإذا باع عرضا بثمن وتقابضا ثم تقايلا والعرض باق والثمن هالك قبل الاقالة أو بعدها فالا قالة ما ضية وان كان الثمن باقيا والعرض هالكا قبل الاقالة أو بعدها فالاقالة باطلة وهذه فصول قد بيناها في البيوع في بيع العرض بالثمن وفي بيع العرض بالعرض وفى السلم وفى بيع النقود بعضها ببعض وما فيها من الفروق وقد استقصينا في بيانها في البيوع فإذا باع المأذون جارية بالف وتقابضا ثم قطع المشترى يدها أو وطئها أو ذهبت عينها من غير فعل أحد ثم تقايلا البيع ولا يعلم العبد بذلك فهو بالخيار ان شاء أخذها وان شاء ردها لانه انما رضى بالاقالة على أن تعود إليه كما خرجت من يده وقد خرجت من يده غير معيبة والان تعود إليه معيبة فلا يتم رضاه بها فلهذا كان له الخيار وحال البائع عند الاقالة كحال المشترى عند العقد ولو حدث بالمبيع عيب بعد العقد و قبل القبض يخير المشترى فهذا مثله وانما الاشكال إذا وطئها وهى ثيب فان من اشترى جارية ثيبا ثم علم ان البائع كان وطئها قبل العقد لم يكن له أن يردها بذلك وههنا قال للعبد أن يردها إذا علم أن المشترى كان وطئها قبل الاقالة وهذا لان الوطئ في المشتراة بمنزلة التعييب والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين ولهذا لو وجد المشترى بها عيبا بعد الوطئ لم يكن له أن يردها الا برضا البائع فكذلك وطئ المشترى اياها في حكم الاقالة بمنزلة التعييب فلهذا يخير
[ 166 ] العبد وهذا لانه لا يرضى بأن يطأها المشترى زمانا ثم يقبل العقد فيها بجميع الثمن بخلاف البيع المبتدأ فالمشترى هناك يرغب فيها بالثمن المسمى في العقد ان كان يعلم أن البائع وطئها قبل العقد ولو كان الواطئ أو القاطع أجنبيا فوجب عليه العقر أو الارش ثم تقايلا البيع والعبد يعلم بذلك أولا يعلم فالاقالة باطلة في قول أبى حنيفة رحمه الله صحيحة في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء علي ما بينا في كتاب الصلح ان الاقالة عند أبى حنيفة فسخ في حق المتعاقدين فإذا لم يمكن تصحيحه فسخا كان باطلا وفي رواية الحسن عن أبى حنيفة قبل القبض كذلك وبعد القبض بمنزلة البيع وفي قول أبى يوسف الاقالة بمنزلة البيع في المستقبل الا إذا تعذر جعلها بيعا فحينئذ يجعل فسخا وذلك في المنقول قبل القبض وعند محمد الاقالة بالثمن الاول أو أقل منه تكون فسخا فأما بأكثر من الثمن الاول أو بجنس آخر غير الثمن الاول تكون بيعا مستقبلا والثمن الاول انما يكون فسخا إذا كان المحل قابلا للفسخ فأما إذا لم يكن قابلا لذلك كان بيعا مبتدأ ووجوه هذه الاقاويل بيناها في كتاب الصلح والا آن نقول العقر والارش زيادة منفصلة وهى تمنع الفسخ حقا للشرع فلا تصح الاقالة بعد ها عند أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف الاقالة بمنزلة البيع المستقبل وعند محمد كذلك عند تعذر الفسخ فجوز الاقالة ههنا بطريق البيع المستقبل ولو اشترى المأذون جارية بألف درهم وقبضها ولم يدفع الثمن حتى وهب البائع الثمن للعبد ثم تقايلا فالاقالة باطلة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان عند أبى حنيفة الاقالة فسخ ولا يمكن تصحيحها ههنا فسخا فانه بالفسخ يردها بغير شئ وعند محمد كذلك لان المحل قابل للفسخ (ألا ترى) انه لو لم يهب الثمن منه كان الفسخ صحيحا وان كان المشترى حرا كان الفسخ صحيحا فعرفنا ان المحل قابل للفسخ والاقالة بالثمن الاول فلو صحت كان فسخا بغير شئ والعبد ليس من أهل رد الجارية بغير شئ وعند أبى يوسف الاقالة بمنزلة البيع المستقبل فكأنه باعها ابتداء من البائع بالف وذلك صحيح فيأخذ العبد الالف من البائع ويدفع إليه الجارية ولو أقاله البيع بمائة دينار أو بجارية أخرى أو بالفى درهم كانت الاقالة باطلة في قياس قول أبى حنيفة ومحمد لانها فسخ عنده وما سمى فيها من الثمن باطل فلو ردها ردها بغير شئ وعند أبى يوسف ومحمد هذا جائز أما عند أبى يوسف فهذا غير مشكل وعند محمد الاقالة بأكثر من الثمن الاول أو بجنس غير جنس الثمن الاول تكون بيعا مبتدأ فكأنه باعها ابتداء بما سمى من الثمن فيكون صحيحا ولو كان المأذون لم يقبض
[ 167 ] الجارية حتى وهب البائع ثمنها ثم تقايلا فالاقالة باطلة عندهم جميعا لان قبل القبض لا يمكن تصحيحها بيعا فيكون فسخا فلو صححناها لكان مخرجا اياها من ملكه بغير عوض وكذلك لو أقاله بثمن آخر في هذه الحالة فان بيع المبيع قبل القبض لا يجوز بخلاف جنس الثمن الاول ولا بأكثر من الثمن الاول فكان الجواب في الفصول سواء ولو لم يتقايلا البيع ولكنه رأى بالجارية عيبا قبل أن يقبضها فلم يرض بها أولم يكن رآها فلما رآهالم يرض بها فنقض البيع وقد كان البائع وهب له الثمن فقبضه بطل لان الرد بخيار الرؤية فسخ من كل وجه وكذلك الرد بالعيب قبل القبض فيكون في الرد اخراجها من ملكه بغير عوض والمأذون لا يملك ذلك ولو كان حين اشتراها اشترط فيها الخيار ثلاثة أيام ثم وهب له البائع الثمن ثم ردها بالخيار فرده جائز في قول أبى حنيفة وفي قولهما ليس له أن يردها بناء على ما بينا في البيوع ان خيار المشترى عنده يمنع دخول المبيع في ملكه فهو بهذا الرد لا يخرج العين عن ملكه بغير عوض ولكنه يمتنع من تملكه وهو صحيح من العبد كالامتناع من قبول الهبة وعندهما السلعة دخلت في ملك المشترى فهذا الرد اخراج لها من ملكه بغير عوض والمكاتب في جميع ما وصفنا كالمأذون لانه ليس من أهل التبرع بكسبه كالمأذون بل أولى فان المكاتب لا يتبرع باذن المولى ومن المأذون يصح ذلك ان لم يكن عليه دين ولو باع المأذون جارية من رجل بألف درهم وتقابضا ثم تقايلا فلم يقبض العبد الجارية حتى قطع رجل يدها أو وطئها فنقصها الوطئ كان العبد بالخيار للتغيير الحاصل فيها بعد الاقالة قبل الرد ولو اختار أخذها اتبع الواطئ أو الجاني بالعقر أو الارش لانها عادت إلى ملكه ففعل الواطئ أو الجاني حصل في ملكه فيكون العقر والارش له أو ان نقض الاقالة فالعقر والارض للمشترى لانها تعود إلى ملك المشترى على ما كانت قبل الاقالة وصار الحال بعد الاقالة قبل الرد ههنا كالجاني بعد الشراء قبل القبض والمبيعة إذا وطئت بالشبهة ونقصها الوطئ أو جنى عليها قبل القبض يخير المشترى ان شاء أخذها واتبع الجاني أو الواطئ بالعقر والارش وان شاء نقض البيع والعقر والارش للبائع فكذلك بعد الاقالة ولو كان مكان الالف عرضا بعينه كان العبد بالخيار ان شاء أخذ الجارية من المشترى واتبع الجاني أو الواطئ بالارش والعقر وان شاء أخذ قيمة الجارية من المشترى يوم قبضها وسلم له الجارية وأرشها وعقرها للمشترى لان الاقالة ههنا لا تبطل وان أبى أن يأخذ الجارية بمنزلة مالو هلكت فان في بيع المقايضة هلاك أحد العوضين كما لا يمنع
[ 168 ] بقاء الاقالة لا يمنع ابتداء الاقالة بخلاف ابتداء البيع وإذا بقيت الاقالة وقد تعذر على المشترى رد عين الجارية للتغيير الحاصل فيها في ضمانه فعليه قيمتها يوم قبضها وكذلك لو كان قبلها الجاني كان العبد بالخيار ان شاء اتبع عاقلة الجاني بقيمتها لان جنايته حصلت على ملكه وان شاء اتبع المشترى بقيمتها حالة لان الاقالة لم تبطل وقد تعذر على المشترى ردها فيلزمه رد قيمتها وهذه القيمة ضمان العقد فتكون حالة في ماله ثم يرجع المشترى علي عاقلة الجاني بقيمتها في ثلاث سنين لانها عادت الي أصل ملكه وكذلك لو ماتت الجارية بعد الاقالة كان للعبد أن يأخذ من المشترى قيمتها لما بينا أن هلاك الجارية لا يمنع بقاء الاقالة كما لا يمنع ابتداء الاقالة فعليه رد قيمتها ولو كان حدث بها عيب من فعل المشترى بعد الاقالة يخير العبد فان شاء ضمنه قيمتها يوم قبضها منه لانه تعذر عليه رد عينها كما قبضها وان شاء أخذ الجارية ورجع على المشترى بنقصان العيب لان الجارية بعد الاقالة مضمونة بنفسها حتى لو هلكت يجب ضمان قيمتها فتكون كالمغصوبة فيضمن المشترى نقصان العيب بخلاف المبيعة قبل القبض فانها مضمونة بالثمن فلا يكون للمشترى أن يتبع البائع بنقصان العيب من القيمة إذا أراد أخذها ولكن يسقط حصة ذلك من الثمن لان التعييب حصل بقول البائع والاوصاف بالتناول تصير مقصودة ولو كان العيب أحدثه فيها المشترى قبل الاقالة ثم تقايلا ثم علم العبد بالعيب تخير لمكان التغيير فان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها لانه تعذر عليه ردها كما قبضها وان شاء أخذها معيبة ولا شئ له غير ذلك لان فعل المشترى حصل في ملك صحيح له وذلك غير موجب للضمان عليه فهو وما لو تعيبت بغير فعله سواء بخلاف الاول ففعل المشترى هناك لا في ملك غيره لانها بالاقالة عادت إلى العبد وهى مضمونة في يد المشترى بنفسها على ما قررنا ولو كان العيب أحدثه فيها رجل أجنبي قبل الاقالة ثم تقايلا فالاقالة جائزة ولا سبيل للعبد على الجارية ولكنه يأخذ من المشترى قيمتها يوم قبضها لانه بحدوث الزيادة المنفصلة فيها تعذر الفسخ فكأنها ماتت وموتها قبل الاقالة لا يمنع صحة الاقالة ويكون حق العبد في قيمتها يوم قبضها لتعذر رد العين في قيام السبب الموجب للرد ولو باع العبد ابريق فضة فيه مائة درهم بعشرة دنانير وتقابضا ثم تقايلا وافترقا قبل القبض فالاقالة منتقضة لان العبد في حكم الاقالة كالحر وقد بينا في الصرف ان الاقالة بمنزلة العقد الجديد في حكم استحقاق القبض في المجلس لان ذلك من حقوق الشرع والرد بعد القبض بغير قضاء بمنزلة
[ 169 ] الاقالة في ذلك بخلاف الرد بالعيب فان فسخ من الاصل فلا يبطل بترك التقابض في مجلس الرد ولو باع المأذون جارية من رجل بجارية قيمة كل واحدة منهما ألف وتقابضا ثم تقايلا ولم يتقابضا حتى ولدت كل واحدة منهما ولدا قيمته مثل قيمة أمه فلهما أن يتقابضا الجاريتين وولديهما لان كل واحدة منهما عادت بالاقالة إلى ملك من خرجت من ملكه بالعقد ثم ولدت على ملكه فيكون له أن يأخذها مع ولدها كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض فان لم يتقابضا حتى ماتت الامهات وأرادا أخذ الولدين فان كان واحد منهما يأخذ الولد الذى في يد صاحبه مع نصف قيمة أمة لان كل واحدة منهما حين ولدت فالاخرى تنقسم على قيمتها وقيمة ولدها وقيمتهما سواء فانقسمت نصفين وقد هلكت الامتان فكان لكل واحد منهما أن يأخذ من صاحبه الولد الذى في يده مع نصف قيمة أمه اعتبارا للبعض بالكل وان كانت قيمة كل واحد من الولدين خمسمائة والمسألة بحالها كان لكل واحد منهما أن يأخذ الولد الذى في يد صاحبه ويرجع على صاحبه بثلث قيمة الام التى هلكت في يده لان انقسام كل واحد منهما على الام وعلى الولد باعتبار القيمة فيكون أثلاثا فبعد هلاك الامتين انما تبقى الاقالة فيما هو حصة الولد من كل واحدة منهما وحصة ولد هذه من الاخرى الثلث فعرفنا أن بقاء الاقالة في ثلث الاخرى فيرجع بثلث قيمتها فأما في ثلثيها فقد بطلت الاقالة بهلاك العوضين جميعا بخلاف الاول فالانقسام هناك نصفان لاستواء القيمتين فبقى كل واحد من الولدين ببقاء الاقالة في نصف الام الاخرى حصة هذا الولد فيها فلهذا كان الرجوع بنصف القيمة ولو هلك الولد وبقيت الامتان أخذ كل واحد منهما الجارية التى في يد صاحبه ولم يتبعه بشئ من قيمة الولد لان الولد حدث من غير صنع أحد ومات كذلك فصار كان لم يكن ولو هلكت الامتان وأخذ الولدين فان الذى في يده الولد الحى يدفعه إلى صاحبه فيأخذ منه ثلث قيمة الام التى هلكت في يد الآخر لان بقاء الاقالة باعتبار الولد الحى وانما يبقى فيما يخصه من الجارية الاخرى وحصة ثلث الجارية الاخرى فلهذا رجع بثلث قيمتها وفيما سوى ذلك بطلت الاقالة كلها بهلاك العوضين قبل الرد والله أعلم (باب تأخير العبد المأذون الدين) (قال رحمه الله) وإذا وجب للعبد المأذون على رجل ألف درهم ومن ثمن مبيع أو غصب
[ 170 ] أوغير ذلك فأخره العبد عنه سنة فهو جائز لان التأجيل من صنية التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وهذا لان التأجيل لا يسقط الدين وانما يؤخر المطالبة ولو ترك المطالبة زمانا من غير تأجيل لم يكن به متبرعا عليه بشئ من الدين فكذلك إذا أجله سنة ولو صالحه على أن أخر ثمن بعضه وحط عنه بعضه كان الحط باطلا والتأخير جائزا اعتبارا للبعض بالكل ولو كان الدين الواجب له قرضا اقترضه فتأجيله غير لازم كما في الحر وقد بيناه في كتاب الصرف ولو وجب للمأذون ولرجل على رجل ألف درهم وهما فيه شريكان فأخر العبد نصيبه منه فالتأخير باطل في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو جائز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وقد بينا المسألة في الحرين في كتاب الصلح فكذلك في العبد مع الحر وبينا ان علي قولهما الذى لم يؤخر الدين يأخذ حصته فيكون له خاصة فإذا حل الاجل كان العبد بالخيار ان شاء أخذ من شريكه نصف ما أخذ لان المقبوض كان دينا مشتركا بينهما وبالتأجيل لم تبطل الشركة فان قمسة الدين قبل القبض لا تجوز الا أن الاجل كان ما نعا من مشاركة القابض فإذا ارتفع هذا المانع كان له أن يشاركه في المقبوض ثم يتبعان الغريم بالباقي وان شاء سلم له المقبوض واختار اتباع الغريم بنصيبه في الدين ولو اقتضى العبد شيأ قبل حل الاجل كان لشريكه أن يأخذ منه نصفه لان الاجل سقط فيما اقتضاه العبد فكأنه لم يكن ولان المقبوض من دين مشترك ولا مانع للشريك من مشاركته في المقبوض لان نصيبه من الدين حال وكذلك ان كان الدين كله مؤجلا فقبض أحدهما شيأ منه قبل حله كان للآخر أن يشاركه فيه لان الاجل حق المطلوب فهو في مقدار ما أو في قبل حله أسقط حقه من الاجل فسقط ذلك في حق الشريكين جميعا والحكم في هذا الحر بمنزلة مالو كان الدين كله حالا فللذى لم يقبض أن يشارك القابض في المقبوض ولو كان الدين حالا فأجله العبد سنة ثم قبض الشريك حصته ثم أبطل الغريم الاجل الذى أجله العبد برضى منه قبل مضيه فقد بطل الاجل لانه حق الغريم وقد أسقطه ولكن لا سبيل للعبد على ما قبض شريكه في قول أبى حنيفة ومحمد حتى يحل الاجل لانه ثبت بالتأجيل حكمان أحدهما سقوط حقه عن مشاركة القابض في المقبوض قبل حل الاجل و الآخر سقوط حقه عن مطالبة المديون قبل حل الاجل فاسقاط الغريم الاجل عامل في حقه وليس بعامل في حق القابض إذ لا ولاية له عليه فيجعل الاجل في حقه كالقائم وهو نظير الدين المؤجل إذا كان به كفيل فأسقط الاصيل
[ 171 ] الاجل بقى الاجل في حق الكفيل فإذا حل الاجل شاركه في المقبوض ان شاء وان لم ينقص الاجل ولكن الغريم مات فحل عليه شارك العبد شريكه فيما قبض لان انتقاض الاجل بالموت ثابت حكما فيظهر في حق مطالبة الغريم وحق مشاركة القابض في المقبوض بخلاف الاول فانه كان عن قصد من الغريم وهذا بخلاف مسألة الكفيل فان الاصيل إذا مات بقى الاجل في حق الكفيل لان هناك الاجل في حق كل واحد منهما ثابت مقصود والغريم بالموت قد استغنى عن الاجل والكفيل محتاج إليه فبقي الاجل في حقه فأما ههنا فالاجل في حق الغريم خاصة فأما مشاركه القابض في المقبوض فلا أجل فيه مقصودا لان ذلك عين والعين لاتقبل الاجل وانما كان ذلك بناء على قيام المانع في حق الذى أجله ولم يبقى المانع بعد موت الغريم حقيقة وحكما فأما بعد اسقاط الاجل من الغريم قصدا فالمانع كالقائم في حق الشريك حكما فمن هذا الوجه يقع الفرق ولو لم يمت ولكنهما تناقضا الاجل ثم قبض الشريك حقه كان للعبد أن يشاركه لانهما حين تناقضا لم يكن في هذا الاجل حق سوى الغريم فصحت مناقضته مطلقا فصار الدين حالا فإذا قبض الاآخر نصيبه بعد ذلك كان له أن يشاركه بخلاف الاول فهناك حين تناقضا كان حق الشريك ثابتا في ذلك الاجل من حيث تأخر رجوع الشريك عليه في المقبوض فلا يعمل انتقضاضه في حقه * يوضحه أن هناك حين قبض مع قيام الاجل لم يثبت للشريك حق المشاركة في المقبوض الابعد حل الاجل فلو ثبت بعد ذلك انما يثبت بتصرف الغريم وتصرفه في حق الغير لا يكون صحيحا وههنا حين قبض بعد مناقضة الاجل حق الشريك ثابت في المشاركة ومناقضة الاجل لم يكن تصرفا منه في حق الغير فكان صحيحا ولو كان المال حالا فقبض الشريك حقه ثم ان العبد أخر الغريم حقه وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يحل الاجل لان كون نصيبه مؤجلا مانع له من الرجوع علي شريكه في المقبوض قبل حل الاجل ولو كان هذا المانع قائما عند القبض لم يكن له أن يشاركه فكذلك إذا ثبت هذا المانع بالتأجيل بعد قبضه ولان نصيبه في حصة الغريم علي حاله (ألا ترى) أنه لو سلم للقابض ما قبض واختار اتباع الغريم كان له ذلك فإذا صح تأجيله في نصيبه لم يكن له أن يشارك صاحبه في المقبوض حتى يحل الاجل فإذا حل أخذ منه نصف ما قبض ان شاء * فان قيل لماذا لم يجعل تصرفه في نصيبه من حيث التأجيل مسقطا حقه في مشاركة القابض * قلنا لانه لا منافاة بين تأجيله في نصيبه
[ 172 ] وبين ثبوت حقه في المشاركة في المقبوض بعد حل الاجل وهذا لان حق المشاركة باعتبار الشركة في أصل الدين وبتأجيله لا ينعدم ذلك ولو كان مالهما إلى سنة فقبض الشريك عاجلا ثم ان العبد أخر حقه للغريم سنة أخرى وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يمضى السنتان جميعا لان الزيادة في الاجل بعد قبض الشريك بمنزلة أصل التأجيل وقد بينا أن ذلك يمنعه من المشاركة قبل حل الاجل فلا يسقط حقه في المشاركة بعد حل الاجل فكذلك الزيادة في الاجل ولو كان المال حالا فأخذ الشريك حقه فسلمه له العبد كان تسليمه جائزا عندهم لانه يسقط حقه في المشاركة بعوض وهو ما يستوفى من الغريم من نصيبه من الدين وذلك من صنيع التجار فيكون صحيحا من العبد ولا يرجع العبد على القابض بشئ حتى يتوى ما على الغريم فإذا توى ما عليه رجع علي شريكه فيشاركه في المقبوض لانه سلم له المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة الغريم فإذا لم يسلم عاد حقه كما كان كالمحتال عليه إذا مات مفلسا ولو كان المال إلى سنة فاشترى العبد من الغريم جاية بحصته فللشريك أن يأخذ العبد بنصف حقه من الدراهم لانه صار مستوفيا نصيبه بطريق المقاصة كما هو الاصل في الشراء بالدين فكأنه استوفاه حقيقة وأحد الشريكين إذا استوفى نصيبه قبل حل الاجل كان للآخر أن يشاركه فيه فان أخذ منه نصف نصيبه من الدراهم ثم وجد العبد بالجارية عيبا فردها على البغائع بقضاء قاض عاد المال إلى أجله لان الرد بقضاء القاضى فسخ من الاصل وسقوط الاجل كان من حكم البيع ووقوع المقاصة بالثمن وقد بطل ذلك بانفساخ العقد من الاصل فعاد المال إلى أجله واسترد العبد من شريكه ما أخذه منه لانه أخذه باعتبار أنه استوفى نصيه بالمقاصة وقد بطل ذلك من الاصل بانفساخ البيع فتبين أنه استوفى منه بغير حق فيلزمه رده ولو كان ردها بغير قضاء أو باقالة لم يرجع على الشريك بشئ مما أعطاه لان هذا السبب بمنزلة العقد المبتدأ في حق الشريك فلا يتبين به بطلان المقاصة وحكم الاستيفاء من العبد لنصيبه في حق الشريك فلهذا لا يرجع عليه بشئ ويكون للعبد ولشريكه على الغريم الخمسمائة الباقية إلى أجلها وللعبد على الغريم خمسمائة حالة فكان ينبغى أن يكون هذا مؤجلا عليه لان الاقالة والرد بغير قضاء القاضى فسخ في حقهما والاجل في هذا المال من حقهما ولكن هذا بناء على الاصل الذى بينا فيما أمليناه من شرح الزيادات ان الاقالة والرد بغير قضاء القاضى فسخ في حقهما فيما هو من حكم ذلك العقد خاصة فأما فيما ليس من حكم ذلك فالعقد يكون
[ 173 ] بمنزلة البيع المبتداء وعود الاجل ليس من حكم ذلك العقد فيجعل في حقه كالبيع المبتدإ فكأنه اشتراها بخمسمائة مطلقة فتكون حالة وكذلك لو كان العبد المشترى الجارية من الغريم بجميع الالف الا أن للشريك أن يأخذه بنصف الالف ههنا لانه صار مستوفيا جميع الدين بطريق المقاصة واحد الشركين ان استوفى الدين كان للآخر أن يرجع عليه بنصف ذلك الدين سواء كان الدين حالا أو مؤجلا فان كان حين اقالة البيع أو رده بغير قضاء شرط عليه البائع ان الثمن إلى أجله كان إلى أجله لان هذا بمنزلة البيع المبتدأ لكن بثمن مؤجل شرطا وهو نظير المشترى بالنسبة إذا ولاه غيره مطلقا يكون الثمن في حق البائع حالا الا أن يكون اشترط في التولية أن يكون المال إلى أجله فحينئذ يكون مؤجلا كما شرط (باب وكالة العبد المأذون بالبيع) (قال رحمه الله) وللمأذون له أن يتوكل لغيره بالشراء بالنقد استحسانا وفي القياس لا يجوز ذلك لانه يلتزم الثمن في ذمته بمقابلة ملك يحصل لغيره فيكون في معنى الكفالة بالمال عن الغير والمأذون ليس من أهله الا أن يكون باذن المولى إذا لم يكن عليه دين ولانه يلتزم العهدة من غير منفعة له في ذلك فيكون تبرعا منه ولهذا لا يتوكل بالشراه لغيره بالنسيئة * وجه الاستحسان أن الثمن بالشراء كما يجب على المأذون يجب له على الموكل وتكون العين محبوسة في يده إلى أن يصل الثمن إليه فلا يلحقه ضرر في ذلك بل هو بمنزلة مالو اشتراه لنفسه ثم باعه من غيره بمثل ذلك الثمن بخلاف الكفالة فانه يلتزم المال في ذمته بالكفالة من غير أن تكون بمقابلته في يده عين محبوسة وبخلاف الشراء بالنسيئة فانه لا يستوجب حبس العين بالثمن ههنا كما ان البائع لا يستوجب الحبس عليه فيكون ذلك في معنى الكفالة ثم هذا التوكيل منفعة للمأذون لانه يحتاج في بعض التصرفات إلى الاستعانة بغيره ومن لا يعين غيره لا يعان عند حاجته وإذا توكل بالشراء نسيئة صار مشتريا لنفسه لانه لما تعذر تنفيذ شرائه على الموكل وهو يملك الشراء لنفسه بهذه الصفة نفذ العقد عليه كالحر إذا اشترى لغيره بغير أمره وان يتوكل لغيره بالبيع بالنقد والنسيئة لانه في الموضعين جميعا انما يلتزم تسليم العين ولا يلتزم في ذمته شيأ من البدل وهو لا يستغنى عن ذلك في التصرفات ولان التوكيل عن الغير بالشراء أو بالبيع من نوع التجارة فان أعظم الناس تجارة وهم الباعة يتوكلون بالبيع والشراء
[ 174 ] للناس وللمأذون أن يوكل بالبيع والشراء غيره كما يفعله الحر لان التوكيل من صنيع التجار ولانه لا يستغنى عن ذلك في تجارته فان التجارة نوعان حاضرة وغائبة وإذا اشتغل بأحدهما بنفسه يحتاج إلى أن يستعين في الآخر بغيره لكن لا يفوته مقصود النوعين وإذا باع المأذون جارية رجل بأمره ثم قتلها الآمر قبل التسليم بطل البيع لان البيع من نائبه كبيعه من نفسه والمبيع مضمون على الموكل بالثمن لو هلك فلا يكون مضمونا عليه بالقيمة لما بينهما من المنافاة فإذا لم تجب القيمة بحقوق فوات القبض المستحق بالعقد حين تلف المعقود عليه ولم يخلف بدلا بطل البيع فان قتلها المأذون قيل لمولاه ادفعه بالجناية أو افده كما لو قتلها قبل البيع وهذا لان بالوكالة لا يثبت للمأذون فيما ملك ولا حق ملك فقتله اياها جناية على ملك الغير وجناية المملوك بهذه الصفة توجب على المولى الدفع أو الفداء فأيهما فعل كان المشترى بالخيار لتغير المعقود عليه قبل التسليم حين تحول البيع إلى البدل فان شاء نقض البيع وان شاء أخذ ما قام مقام الجارية وأدى الثمن كما لو كان القاتل عبدا آخر سوي الوكيل ولو كان مولى العبد هو الذى قتلها وعلي العبد دين أو لادين عليه فعلى عاقلته قيمتها إلى ثلاث سنين لانه ليس لمولى العبد فيها ملك ولا حق ملك ثم يتخير المشترى فان شاء نقض البيع والقيمة للموكل وان شاء أدى الثمن فاستوفى قيمتها من عاقلة القاتل في ثلاث سنين ولو كان المأذون باع جارية مما في يده من رجل بجارية ثم قتلها العبد قبل أن يسلمها بطل العقد لان العبد في التصرف في كسبه كالحر في التصرف في ملكه فالمبيع في يده مضمون بما يقابله ويستوى ان كان علي العبد دين أولم يكن فيبطل البيع لفوات القبض المستحق بالعقد وكذلك ان قتلها المولى ولا دين على العبد لان كسب العبد خالص ملك المولى والعبد بائع للمولى من وجه (ألا ترى) انها لو هلكت بطل ملك المولى عما يقابلها فكذلك إذا قتلها المولى وان كان علي العبد دين فالمولى ضامن لقيمتها لان كسبه في هذه الحالة لغرمائه ولو قتلها المولى قبل البيع كان ضامنا لقيمتها لغرمائه فبعد البيع أولى وهذه القيمة عليه في ماله لان له حق الملك في كسبه على معنى أنه يسلم له إذا فرغ من دينه والعاقلة لا نتحمل عنه له فتكون القيمة في ماله سواء قتلها عمدا أو خطأ والمشترى بالخيار لتغيير المعقود عليه قبل التسليم فان شاء نقض البيع وكانت القيمة لغرماء العبد وان شاء أخذ القيمة وأدى الثمن وتصدق بالفضل ان كان في القيمة علي الثمن فضل لان ذلك ربح حصل لا علي ضمانه ولو كان
[ 175 ] المولى دفع إلى عبده جارية له ليست من تجارة العبد وأمره ببيعها فباعها ولم يقبضها المشترى حتى قتلها مولى العبد فالبيع منتقض لان العبد في هذا التصرف كان نائبا عن المولى كالحر وهى مضمونة على المولى بالثمن فينتقض البيع لتفويت القبض المستحق بالعقد فيها وان كان العبد هو الذى قتلها فان اختار المولى دفع العبد بالجناية فالمشترى بالخيار لان الجارية صارت مملوكة للمشترى بالعقد والعبد انما جني على ملك المشترى وذلك يوجب الخيار للمولى بين الدفع والفداء فان اختار الدفع فهناك لا يجب في ذمته شئ من قيمتها ولكن يلزمه تسليم العبد وإذا اختار الدفع قام العبد مقام الجارية ويخير المشترى للتغيير وإذا اختار الفداء انتقض البيع لانه حين اختار الفداء فقد صار الضمان دينا في ذمته وإذا صار الضمان عليه بطل الشراء لانه مضمون عليه بالثمن قبل التسليم فلا يكون مضمونا بالقيمة كما لو كان هو الذى قتلها بخلاف ما إذا ختار المشترى امضاء العقد ووجوب تسليم العبد عليه كوجوب تسليم الجارية عليه قبل القتل وإذا كان بين المأذون وبين حر جارية فأمره الحر بيعها فباعها العبد بألف درهم ثم أقر العبدان شريكه قد قبض جميع الثمن أو نصفه من المشترى وصدقه المشترى وكذبه الشريك فاقرار العبد صحيح في براءة المشترى من نصف الثمن لانه أقر في النصف بقبض مبرئ وهو قبض الموكل فيكون بمنزلة مالو أقر بانه هو الذى قبضه وهذا لان الاقرار بالقبض يملكه المأذون كانشاء القبض فان ذلك من صنيع التجار ثم يحلف العبد بدعوى الشريك لانه يزعم انه أتلف حقه في الثمن باقراره بالقبض كاذبا ولو أقر العبد لزمه فإذا أنكره يحلف لرجاء نكوله فان حلف أخذ من المشترى نصف الثمن فيكون بينهما نصفين لان يمينه حجة له في براءته عن ضمان ذلك النصف الذى زعم أن الموكل قبضه وليست بحجة في وصول ذلك إلى الشريك حقيقة ولا في سلامة ما بقى له خالصا فهذا الذى بقبضة جزء من دين مشترك بينهما فيكون بينهما نصفان والنصف الآخر صار كالتاوى وان نكل عن اليمين غرم نصف الثمن للشريك لاقراره أنه أتلف ذلك عليه ويأخذ من المشترى نصف الثمن فيسلم له لانه وصل إلى الشريك جميع حقه ولا يمين على المشترى في شئ من ذلك لانه لا دعوى لاحد عليه فالمشترى لم يعامله بشئ والعبد بالنكول صار مقرا بانه لم يقبض شيأ فلا يسمع منه دعوى القبض لتخلفه ولو كان الشريك هو الذى أقر أن العبد قبض جميع الثمن وصدقه المشتري وكذبه العبد برئ المشترى من نصف الثمن أيضا لان الموكل في نصيبه من الثمن كما يملك قبضا يوجب براءة المشترى
[ 176 ] يملك الاقرار بقبض مبرئ (ألا ترى) أنه لو أقر أنه قبضه بنفسه كان اقراره مبرئا للمشترى فكذلك إذا أقر أن البائع قبضه ولا يمين على المشتري في ذلك لانه لا دعوى للعبد عليه في ذلك النصف بعد اقرار الموكل عليه بقبض مبرئ كما لا دعوى في ذلك للوكيل بعد ابراء الموكل اياه ويحلف الآمر العبد لانه يدعى عليه أنه قبض الثمن وانه يمتنع من دفع نصيبه إليه ولو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف لرجاء نكوله فان نكل لزمه نصف الثمن للآمر وان حلف برئ من نصيب الآمر وأخذ العبد من المشترى نصف الثمن لا يشاركه فيه الآمر لان الآمر صار متلفا نصيبه باقراره أن العبد قبضه فهو بمنزلة مالو أبرأ المشترى عن نصيبه من الثمن فلا يكون له مشاركة العبد فيما يقبض من نصيبه ولو أقر الآمر أن العبد قبض نصف الثمن برئ المشترى من ربع الثمن لانه نصف ما أقر بعضه نصيب الامر وهو في نصيبه يملك الاقرار بقبض مبرئ فإذا برئ من ربع الثمن بقي علي المشترى سبعمائة وخمسون درهما فما قبض العبد منهما فللآمر ثلثه وللعبد ثلثاه علي قدر ما بقى من حقهما في ذمة المشترى فانه بقى حق العبد في خمسمائة وحق الآمر في مائتين وخمسين ولو أقر الآمر أن العبد أبرأ المشترى من جميع الثمن أو أنه وهبه له فاقراره باطل والثمن كله على المشترى لان الثابت باقراره كالثابت بالمعانية ولو عاينا هبة العبد الثمن من المشترى كان باطلا في الكل لانه تبرع والعبد ليس من أهله فيما باع لنفسه أو لغيره وكذلك لو أقر العبد بذلك على الآمر وأنكره الآمر لان اقرار العبد انما يصح بما يملك انشاءه وهو لا يملك انشاء الهبة والابراء فكذلك لا يملك الاقرار به علي نفسه أو على غيره بخلاف الاقرار بالقبض فانه يملك انشاء القبض فيملك الاقرار به أيضا ولو كان شريك العبد هو الذى ولى البيع بأمر العبد ثم أقر على العبد بقبض الثمن أو بقبض حصته كان ذلك بمنزلة اقرار العبد عليه لو كان العبد هو الذى ولي البيع لان المأذون والحر في الاقرار بالقبض يستويان كما في انشاء القبض ولو أقر البائع على العبد بالابراء والهبة كان باطلا كما لو عاينا الابراء والهبة من العبد وكذلك لو أقر العبد على البائع بانه وهب الثمن أو أبرأ المشترى منه لان العبد لايمك الاقرار بالهبة والابراء على نفسه فلا يملكه على غيره بغير دعوى المشترى على البائع الابراء عن الثمن فيحلف البائع على ذلك فان حلف أخذ جميع الثمن من المشترى وان نكل برئ المشترى من جميع الثمن وللعبد أن يضمن البائع نصف الثمن في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله يبرئ من حصة البائع من الثمن
[ 177 ] خاصة وهو بناء على أن الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى عن الثمن وإذا كانت الجارية بين رجلين حرين فباع أحدهما بأمر صاحبه من العبد المأذون بالف درهم ثم أقر الآمر أن البائع أبرأ المشترى من الثمن أو وهبه له وادعاه العبد وجحده البائع فقد برئ من حصة الآمر من الثمن في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لانه أقر فيه بابراء صحيح فابراء الوكيل عندهما يصح في براءة المشترى ولا يمين على المشترى في شئ من ذلك لان العبد لا دعوى له في ذلك بعد اقرار الآمر بما يبرئ المشترى ويأخذ البائع من المشترى نصف الثمن فيسلم له بعد ما يحلف على ما ادعاه الامر لان الآمر يدعى عليه أنه ضامن له نصيبه بالابراء والهبة وهو منكر لذلك فيستحلف وإذا حلف صار الآمر هو المتلف لنصيبه من الثمن باقراره والنصف الآخر يسلم للبائع وعند أبى يوسف رحمه الله اقرار الآمر باطل وجميع الثمن على المشترى بينهما نصفان لان في نصيب البائع لا قول له وفى نصيبه ابراء البائع عنده باطل ولو كان البائع أقر أن شريكه أبرأ العبد من حصته أو أنه قبض حصته وجحده الشريك وادعاه العبد فان العبد برئ من نصف الثمن لان البائع أقر بما يوجب براءة المشترى من نصف الثمن وهو القبض أو الابراء من الآمر ولا يمين عليه لانه لا دعوى لاحد عليه بعد ذلك لكن يرجع الآمر على البائع بحصته من الثمن وهو نصفه فيضمنها اياه لان البائع صار متلفا نصيبه من الثمن باقراره ويكون للبائع على المشترى نصف الثمن في قول أبى حنيفة ومحمد فأما عند أبى يوسف فاقراره على الآمر بالابراء بمنزلة ابرائه اياه عن نصيبه وذلك باطل عنده ولا يمين على البائع في ذلك ولكن العبد يستحلف الآمر علي ما يدعى عليه من الابراء والهبة فان نكل لزمه ما قال البائع وان حلف بقي الثمن كله علي المشترى وإذا دفع المأذون إلى رجل جارية ببيعها فباعها من رجل له على المأذون دين ودفع الجارية إليه فقد صار الثمن قصاصا بدين العبد لان الثمن بالبيع وجب للمأذون حتى إذا قبضه الوكيل يؤمر بالتسليم إليه وللمشترى على المأذون مثل ذلك دينا فيصير قصاصا لانه لا فائدة في القبض وان كان الدين للمشترى علي المأمور دون المأذون فكذلك الجواب في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله لا يكون قصاصا بدين الوكيل وهى فرع مسألة الوكيل إذا أبرأ المشترى عن الثمن وقد بيناها في البيوع ولو كان للمشترى على العبد ألف وعلى الوكيل ألف كان الثمن قصاصا بدين الموكل دون الوكيل أما عند أبى يوسف فلا اشكال وأما عندهما فلانه لو جعل قصاصا
[ 178 ] بدين الموكل لم يجب ضمانه على أحد ولو جعل قصاصا بدين الوكيل كان الوكيل ضامنا مثله للموكل فكانت المقاصة بدين الموكل أقرب إلى انقطاع المنازعة وإلى اظهار فائدة المقاصة ثم الثمن ملك الموكل والمطالبة حق الوكيل وعند المعارضة الملك يكون أقوى من الحق فلهذا يترجح جانب الموكل فيصير قصاصا بدينه (باب البيع الفاسد من المأذون) (قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية بيعا فاسدا من رجل وسلمها إليه جاز للمشترى فيها من العتق وغير ذلك ما يجوز له في شرائه من الحر لان البيع الفاسد من نوع التجارة والمأذون فيه كالحر والمشترى بالقبض صار مالكا المبيع في الوجهين فينفذ تصرفه لمصادفته ملكه وكذلك المأذون لو كان هو الذى اشتراه شارء فاسدا وقبضه فانه ينفذ فيه من تصرفاته ما ينفذ في الشراء الصحيح فيكون ضامنا قيمته للبائع لتعذر رد العين لان التزام ضمان القيمة من العبد بسبب صحيح كالتزام ضمان الثمن فإذا غلت في يد المشترى غلة ثم باعها المأذون من رجل فالغلة تسلم له سواء كان عليه دين أو لم يكن لان الغلة حصلت علي ملكه وقد تقرر ملكه حين باعها من غيره وان لم يبعها ولكن ردها على البائع فالغلة مردودة على البائع لان الرد بفساد العقد يفسخ البيع من الاصل والمشتراة شراء فاسدا كالمغصوبة في أنها ترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة فترد الغلة أيضا ثم على البائع أن يتصدق بها لان الغلة حصلت لا على ملكه ولا على ضمانه ولو كان العبد هو الذى باع الجارية أو الغلام بيعا فاسدا ثم أغل غلة عند المشترى ثم باعها المشترى فالغلة له لتقرير ملكه في الاصل وعليه أن يتصدق بها لان الغلة حين حصلت كان ملكه فيها بسبب فاسد والمبيع كالمغصوب في يده تسترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة فيؤمر بالتصدق بالغلة ولو ردهما مع الغلة علي المأذون لم يتصدق المأذون بشئ من الغلة وكذلك في المسألة الاولى إذا كان المأذون هو المشترى فلا يتصدق بالغلة لان كسبه لا يحتمل الصدقة والغلة صارت من اكسابه فلا يستحق عليه التصدق بها شرعا لكن ان كان على العبد دين أخذ الغرماء الغلة قضاء من دينهم ولم يتصدقوا بشئ منها لانهم أخذوها بدلا عن دينهم فان لم يكن عليه دين فينبغي للمولى أن يتصدق بها لان كسب العبد خالص حق المولي في هذه الحالة وانما يملك على سبيل الخلافة عن المأذون ولو كان المأذون من أهل أن يتصدق كان
[ 179 ] عليه التصدق بهذه الغلة فكذلك من يخلفه وهو المولى من أهل التصدق فيستحب له أن يتصدق فيستحب له أن يتصدق بها وإذا باع المأذون جارية من رجل بيعا فاسدا و سلمها فباعها المشترى من المأذون أو من وكيل مولاه بيعا صحيحا وسلمها إليه فان لم يكن على المأذون دين فهو نقض للبيع الفاسد لان بيع المأذون كسبه إذا لم يكن عليه دين بصادف ملك المولى فهو في حكم النائب عنه من وجه بمنزلة الوكيل فالرد لاجل الفساد مستحق في هذه العين على المولي كما هو مستحق علي العبد ولو باعه من العبد كان ذلك نقضا للبيع الفاسد سواء كان على العبد دين أو لم يكن فإذا باعه من المولى ولا دين عليه يكون نقضا للبيع الفاسد أيضا وبيعه من وكيل المولى كبيعه من المولى وان كان على المأذون دين فو بيع جائز لان المولي من كسبه في هذه الحالة كالا جنبي فيكون هذا بمنزلة بيع المشترى اياها من أجنبي آخر فيلزمه القيمة للعبد المأذون ويكون له الثمن على من باعها منه وان باعها من عبد آخر للمولى بأجر وسلمها إليه فان لم يكن على واحد منهما دين فهو نقض للبيع الفاسد لان تصرف العبد الآخر للمولى من وجه لان كسبه مملوك للمولى فهو نظير بيعها من وكيل المولى ولا يبرأ من ضمانها الا بردها على المأذون أو على مولاه لانها صارت مضمونة عليه بالقبض فبقي الضمان بعد انتقاض العقد لبقاء القبض وان كان على أحدهما دين فهو بيع جائز أما إذا كان الدين على البائع فقد بينا انه لو باعها في هذه الحالة من المولى كان بيعا جائزا فكذلك من عبده وان كان الدين على المشترى فهو في هذا الشراء غير متصرف لمولاه بل لغرمائه فبيعها منه كبيعها من أجنبي آخر فيتقرر ضمان القيمة عليه للمأذون وله الثمن على المشترى منه وإذا باعها من مضارب المأذون البائع فهو جائز لان للمضارب فيما يشترى حقا في الربح وهو بمنزلة المشترى لنفسه من وجه (ألا ترى) أن رب المال لا يملك نهيه عن بيعه وان رب المال لو باع شيأ من ماله من المضارب جاز فكذلك هذا المشترى شراء فاسدا إذا باعها من مضارب البائع جاز بمنزلة بيعها من أجنبي آخر وكذلك ان باعها من مضارب المولى وعلى العبد دين أو لادين عليه ولو باعها من ابن المولى أو أبيه أو مكاتبه أو باعها من المولى لابن صغير له في عياله فهو كله سواء لان التصرف الحاصل لهؤلاء في حق البائع دون تصرف مضارب البائع وإذا ثبت صحة الشراء الثاني هناك فههنا أولى وكذلك لو أن أجنبيا وكل المولى بشرائها له فاشترى له أو وكل المأذون بشرائها له فاشتراها له كانت الجارية للآمر وكان الثمن على العبد المشترى ويرجع به العبد على الآمر وللعبد الآمر قيمة الجارية
[ 180 ] فتكون القيمة قصاصا بالثمن ويرجع العبد على الآمر بما أدى عنه من الثمن والحاصل أنه متى كان العقد الثاني موجبا حكما في الملك والضمان غير الحكم الذى كان قبل البيع الفاسد فانه لا يكون ذلك نقضا للبيع الفاسد وان كان لا يوجب حكما آخر سوى ما كان قبل البيع في حق الملك والضمان فهو نقض للبيع الفاسد ولو كان المأذون البائع هو الذى وكل انسانا بشرائها من المشترى له ففعل وقبضها فهو نقض للبيع الفاسد فكأنه اشتراها بنفسه لان هذا الشراء في حكم الملك والضمان لا يوجب الا ما كان قبل العقد الفاسد فان بشراء الوكيل يقع الملك للموكل وبقبض الوكيل يدخل في ضمان الموكل وان كان المولي هو الذى أمر رجلا بشرائها له فهذا وشراء المولي بنفسه سواء في الفرق بينهما إذا كان على العبد دين أو لادين عليه وإذا قتلها المأذون في يد المشترى فهو نقض للبيع لانه بالاتلاف صار مستردا لها وزيادة (ألا ترى) ان المشترى بالاتلاف يصير قابضا للمبيع وكذلك لو كان حفر بئرا في الطريق قبل البيع أو بعده فوقعت الجارية فيها أو حدث بها عيب من ذلك ولم يمنعها المشترى منه حتى ماتت من حفره فهو فسخ للبيع لان العبد بالحفر صار جانيا على الواقع في بئره عند الوقوع حكما فكأنه حفر بيده والبائع إذا أتلف المعقود عليه أو عيبه في البيع الفاسد صار مستردا له بمنزلة المشترى في البيع الصحيح لان الاسترداد ههنا مستحق كالقبض هناك الا أن المشترى لو منعها منه بعد التعييب بطل حكم استرداده في حكم الضمان بمنع المشترى كما يبطل حكم قبض المشترى بمنع البائع بعدما عيبها المشترى وان كان المولى هو الذي فعل ذلك ولا دين على العبد فهو كذلك لان المولى متمكن من استردادها لفساد البيع في هذه الحالة كالعبد وكما لو كان هو البائع بنفسه فان كان عليه دين فالمولي غير متمكن من استردادها في هذه الحالة فيكون هو كاجنبي آخر فيما فعله فعلى عاقلته قيمتها في ثلاث سنين لان جنايته حصلت علي ملك المشترى فيجب ضمان القيمة على عاقلته إذا حدث الموت من فعله وان كان حدث العيب من فعله والموت من غيره ضمن المشترى قيمتها بسبب القبض وتعذر الرد عليه ويرجع علي المولى بنقصان العيب في ماله حالا لان النقصان حصل بجناية المولى في ملك المشترى والجناية على المماليك فيما دون النفس حكمه حكم الاموال في أنه يكون في مال الجاني حالا وان وقعت في بئر حفرها المأذون في دار من تجارته فمات أو في بئر حفرها المولى في ملكه لا يكون ذلك نقضا للبيع لان الحافر في ملك نفسه لا يكون جانيا فانه غير متعد في هذا التسبب وانما يكون الاتلاف مضافا إليه إذا
[ 181 ] كان متعديا في التسبب فإذا لم يصر مضافا إليه لانعدام التعدي كان هذا وموتها في يد المشترى سواء يعطى المشترى ضمان قيمتها ولا شئ له على صاحب البئر من ذلك والله أعلم بالصواب (باب قبض المأذون في البيوع) (قال رحمه الله) وحكم المأذون في قبض ما اشتراه باليد أو بالجناية عليه كحكم الحر لان القبض يصير مستحقا له بالشراء كما للحر وكذلك ان كانت جارية فوطئها فنقصها الوطئ أو لم ينقصها ثم ماتت في يد المشترى من غير الوطئ قبل ان يمنعها المشترى من العبد فعلى العبد جميع الثمن لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين كالمستوفي بالجناية ثم الوطئ من الحر يجعل قبضا فكذلك من العبد لان العبد لا يفارق الحر في ذلك الا في حكم الحل والقبض ليس باعتبار صفة الحل بل باعتبار تمكنه من قبضها والتخلى بها حالة الوطئ أو باعتبار انه استيفاء جزء منها حكما وفي هذا الحر والعبد سواء وكذلك ان أقر بالوطئ وكذبه المولى لان الوطئ منه لما كان قبضا فاقراره بالوطئ كاقراره بالقبض واقرار المأذون بقبض ما اشتراه صحيح صدقه المولى في ذلك أو كذبه وإذا اشترى المأذون من رجل كر حنطة يساوى مائة درهم بثمانين درهما فصب العبد فيه ماء قبل أن يقبضه فافسده فصار يساوى ثمانين درهما ثم ان البائع بعد ذلك صب فيه ماء فأفسده فصار يساوى ستين درهما فالمأذون بالخيار للتغيير الحاصل فيه بفعل البائع فانه بما صنع صار مستردا محدثا للعيب فيه ولم يوجد من العبد الرضا بذلك فكان له الخيار فان اختار أخذ الكر أخذه بأربعة وستين درهما لان البائع صار متلفا خمس المبيع فسقطت حصته من الثمن وذلك الخمس وخمس ثمانين ستة عشر فإذا سقط من المشترى ستة عشر درهما بقي عليه أربعة وستون فان قيل أتلف البائع ربع الباقي لان الثمن حين أفسده البائع كان ثمانين وقد تراجع إلى ستين قلنا انما يعتبر ما أتلف البائع من المبيع والمبيع قيمته ماثة والجزء الذى أتلفه المشترى تقرر البيع فيه ولم ينتقض فلهذا سقط بفعل البائع خمس الثمن فان تركه المشترى فلا ضمان عليه لما أفسد لان الكر بعينه قد رجع إلى البائع فانما بقى الفائت بفعل المشترى مجرد الجودة ولا قيمة للجودة في الاموال الربوية منفردة عن الاصل وقد صار البائع راضيا بذلك حين استرده بالافساد بعد فعل المشترى ولو ضمن له المشترى النقصان عاد إليه الكرتاما مع زيادة دراهم وذلك ربا (ألا ترى) ان الغاصب
[ 182 ] لو أفسد الكر بصب الماء فيه ثم اختار المغصوب منه أخذه لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان فهذا مثله بخلاف ما إذا اختار الاخذ فانا لو أسقطنا غن المشترى حصة ما أتلفه البائع من الثمن لا يؤدى إلى الربا بل يسلم الكر للمشترى باربعة وستين درهما وذلك صحيح كما لو أبرأه البائع عن خمس الثمن ولو كان البائع هو الذى صب فيه الماء أولا ثم المشترى صب فيه الماء فان المشترى يجبر على قبضه لانه صار راضيا بالتعبيب الحاصل بفعل البائع حين قبضه بالتعييب بعده ويؤدى أربعة وستين درهما لما قلنا وكذلك هذا الحكم في كل مكيل أو موزون ولو كان المبيع عرضا أفسده المشتري أو لاثم أفسده البائع فان شاء المشترى أخذه وسقط عنه من الثمن بحساب ما نقصه البائع ون شاء نقص المبيع وأدى من الثمن بحساب ما نقصه المشترى لان المبيع ليس بمال الربا فيكون للوصف منه قيمة منفردا لان الاوصاف بالتناول تصير مقصودة ويقابلها حصة من الثمن سواء تناولها البائع أو المشترى وقد بينا هذا في البيوع وان كان المشترى أفسده بعد البائع لزمه ذلك وسقط عنه من الثمن بحساب ما نقصه البائع لوجود القبض والرضا من المشترى بعد التعبيب الذى كان من البائع وإذا اشترى المأذون كر تمر جيد بعينه بكر تمر ردئ بعينه فصب العبد في الكر الذى اشتراه ماء فأفسده ثم صب البائع فيه ماء فافسده فو بالخيار لان البائع عيبه فصار مستردا له بعد تعييب المشترى ولم يوجد من المشترى الرضا بذلك فيتخير لهذا ان شاء أخذه ودفع الكر وان شاء نقض البيع ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بنقصان الكر في الوجهين جميعا أما إذا رده فظاهر وان اختار أخذه فلانه لو اعتبر جناية البائع ههنا سقط عن المشترى حصته من العوض فيصير باقل من كر وهو الربا بعينه بخلاف ما تقدم ولو كان المشترى صب فيه الماء بعد البائع لزمه الكر بجميع الثمن الذى اشتراه به لانه صار راضيا به حين عيبه بعد البائع ولا يسقط بتعبيب البائع شئ من العوض لاجل الربا وله أن يرده بعيب ان وجده قبل القبض أو بعده بالتعيب الحاصل من المشترى بما صب فيه من الماء وإذا اشترى المأذون من رجل عشرة أرطال زيت بدرهمن وأمره أن يكيله في قارورة جاء بها فكال البائع الزيت في القارورة فلما كال فيها رطلين انكسرت والبائع والمشترى لا يعلمان فكالا بعد ذلك جميع ما باعه من الزيت فيها فسال ذلك لم يلزم العبد من الثمن الا عن الرطل الاول لان القاررة بالانكسار خرجت من أن تكون وعاء فنبين بهذا أنه حين أمره بالصب كانت القارورة صحيحة وعاء صالحا للزيت فيقيد أمره بحال بقائها وعاء لما
[ 183 ] عرف من مقصود المشترى إذ مقصوده كان هو الاحراز دون الاتلاف وقد صب الرطل الاول في القارورة وهى صحيحة فصار المشترى قابضا لذلك الرطل بملكه ثم انكسرت القارورة فسال ذلك الرطل بعدما صار المشترى قابضا فيلزمه ثمنه ثم بالانكسار خرجت القارورة من أن تكون وعاء فبطل حكم أمر المشترى فصار البائع بصب ما بقى فيها متلفا المبيع بغير أمر المشترى فسقط عن المشترى ثمن ما بقى لا نفساخ البيع فيه باتلاف البائع وان كان الرطل الاول لم يسل كله حين صب البائع الرطل الثاني فيه فالبائع ضامن لما بقى من الرطل الاول في القارورة لان المبيع لما انفسخ فيما بقى من الوجه الذى قررنا تبين أن البائع خلط ما بقى من الرطل الاول في القارورة بمال نفسه ومن خلط زيت غيره بزيت نفسه يكون ضامنا لصاحبه فلهذا ضمن ما بقى سواء كان نصف الرطل أو ثلثه أو ربعه ولو كانت القارورة مكسورة حين دفعه إليه فأمره أن يكيل فيها ولا يعلمان بذلك فكال البائع فيها عشرة أرطال فسالت كلها فالثمن كله لازم على العبد لانه حين أمره لم تكن القارورة وعاء صالحا لاحراز الدهن فيها فكان ذلك بمنزلة أمره اياه بالاتلاف ومن اشترى شيأ بعينه ثم أمر البائع أن يتلفه ففعل تقرر على المشترى جميع الثمن فكذلك هذا والحر والعبد في هذا سواء لان اتلاف البائع بامر المشترى كاتلاف المشترى بنفسه وقد بينا أن في حكم القبض والاتلاف الحر والعبد سواء ولا معتبر بعلم المشترى وجهله بذلك لانا لو اعتبرنا جهله بذلك لدفع الضرر عنه كان فيه اضرارا بالبائع وكما يجب دفع ضرر المشترى يجب دفع ضرر البائع ولانه صرح بالامر بالصب فيه ومع التصريح لا معتبر بجهله كما لو قال لرجل اتلف هذا المال فأتلفه ثم تبين انه كان للآمر ولم يكن عالما به لم يضمن المأمور شيأ وهذا بخلاف الاول فهناك انما صرح بالامر بالاحراز لكون القارورة صحيحة عند الامر بالصب فيها فلا يكون هذا الامر بالاتلاف صريحا فلهذا قيدناه بحال بقاء القارورة صحيحة وإذا اشترى المأذون جارية فقبضها بغير اذن البائع قبل نقد الثمن فماتت عنده أو قتلها مولاها ولا دين على العبد أو أعتقها لم يكن للبائع أن يضمن العبد ولا المولى قيمتها لانها صارت مضمونة عليه بالثمن بهذا القبض وضمان القيمة مع ضمان الثمن لا يجتمعان ولكنه يطالب العبد بالثمن فيباع له فيه فان نقص ثمنه عن حقه كان علي المولى تمام لا يجتمعان ولكنه يطالب العبد بالثمن فيباع له فيه فان نقص ثمنه عن حقه كان علي المولى تمام ذلك من قيمة الجارية التى استهلكها لان الجارية صارت كسبا للعبد وقد أتلفها المولي بالقتل أو الاعتاق فلا يسلم له ذلك الا بشرط الفراغ من دين العبد فإذا لم يف ثمن العبد بثمن الجارية
[ 184 ] كان المولى ضامنا الفضل من قيمة الجارية لما بينا ولو كان العبد وكل رجلا بقبضها فقبضها فماتت في يده ضمن الوكيل قيمتها للبائع لانه جان في حق البائع حين قبضها بغير أمره قبل بقد الثمن فيضمن له قيمتها كالراهن إذا وكل وكيلا باسترداد المرهون فاسترده بغير رضا المرتهن ثم هذه القيمة تكون في يد البائع فان أو في العبد الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل وان هلكت القيمة من الوكيل سقط الثمن عن العبد لان استرداد القيمة كاسترداد عينها ثم يرجع الوكيل بها على العبد لانه غرم لحقه في عمل باشره له بأمره فيرجع به عليه سواء كان الثمن أكثر من ذلك أو أقل وكذلك لو كان المشترى حرا فوكل رجلا بقبضها أو أمره بقتلها فقتلها وهذا فصل قد بيناه في آخر البيوع وبينا الفرق بينه وبين ما إذا أمر غيره بان يعتقها فأعتقها على قول أبى يوسف الآخر وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فالتسوية بينهما على قوله الاول وذلك كله في البيوع والله أعلم (باب الرد بالعيب على المأذون) (قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية وسلمها الي المشترى ثم ردها عليه المشترى بعيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض وقبلها العبد فهو جائز بمنزلة الحر في ذلك لان الرد بغير قضاء قاض اقالة والمأذون يملك الاقالة فسخا كان أو بيعا مبتدأ وكذلك لو ردها عليه بقضاء قاض ببينة قامت أو باباء يمين أو باقرار منه بالعيب فهذا كله فسخ يملكه المأذون فان ردها وأخذ الثمن ثم وجد بها عيبا قد كان حدث عند المشترى ولم يعلم به فهو بالخيار ان شاء ردها علي المشترى وأخذ منه الثمن وان شاء أمسكها لان حال البائع بعد الفسخ كحال المشترى عند العقد والمشترى إذا وجد بها عيبا كان عند البائع ثبت له الخيار فكذلك البائع إذا وجد بها عيبا كان حدث عند المشترى وهذا لانه انما رضى بالفسخ علي أن تعود إليه كما خرجت من يده وكذلك القاضى انما قضي بالفسخ لدفع الضرر عن المشترى فينفذ قضاؤه بدفع الضرر على وجه لا يلحق الضرر بالبائع فإذا ظهر أنه كان حدث بها عيب عند المشترى تضرر البائع بهذا فلهذا ثبت له الخيار فان ردها على المشترى انفسخ ذلك الفسخ وصار كان لم يكن فبقى حق المشترى في المطالبة بالجزء الفائت وقد تعذر ردها فيرجع بحصة العيب من الثمن وان لم يردها العبد حتى حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها لانه
[ 185 ] يمكنه من ردها لدفع الضرر عن نفسه فلا يكون له أن يلحق الضرر بالمشترى وفي الرد عليه بعد ما حدث بها عيب عنده اضرار بالمشترى ولكنه يرجع بنقصان العيب الذى حدث عند المشترى من الثمن كما كان يفعله المشترى قبل الفسخ إذا وجد بها عيبا وقد تعيبت عنده فان شاء المشترى أن يأخذها بعيبها الذى حدث عند العبد فله ذلك لان تعذر الرد لمراعاة حق المشترى وربما يكون قبولها مع العيب أنفع له من الرجوع بحصة العيب من الثمن فان أخذها ودفع الثمن إلى العبد رجع المشترى على العبد بنقصان العيب الاول من الثمن لان ذلك الفسخ قد انفسخ بردها على المشترى فيكون حقه في الرجوع بنقصان العيب الاول من الثمن كما كان قبل الفسخ ولم يكن له أن يرجع بنقصان العيب الآخر لانه قد رضى به حين قبلها مع علمه بذلك العيب ويمكنه من أن لا يقبلها وكذلك ان كان العيب الآخر جناية من العبد أو وطئها لان جنايته على كسبه لا تلزمه ارشا والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين كالمستوفى بالجناية وان كانت جناية من أجنبي أو وطئها فوجب العقر أو الارش رجع العبد على المشترى بنقصان العيب الحادث عند المشترى من الثمن ولم يكن للمشترى أن يأخذ الجارية لحدوث الزيادة المنفصلة المتولدة في يد البائع بعد الفسخ وكما أن حدوث هذه الزيادة عند المشترى يمنع فسخ العقد حقا للشرع فكذلك حدوثها عند البائع بعد الفسخ وإذا تعذر ردها تعين حق البائع في الرجوع بحصة العيب ولو كان المشترى رد الجارية على العبد أولا بالعيب فقبضها العبد ثم وجد المشترى قد قطع يدها أو وطئها فلم يردها عليه بذلك حتى حدث بها عيب عند العبد فالمشترى بالخيار لان المشترى لم يلزمه ارش ولا عقر بما فعله في ملك صحيح له فهو كحدوث العيب عنده باآفة سماوية وقد حدث بها عيب عند العبد فيخير المشترى ان شاء أخذها وأعطى العبد جميع الثمن ثم يرجع المشترى علي العبد بنقصان العيب الاول من الثمن وان شاء دفع إلى العبد نقصان العيب الذى حدث عنده من الثمن يعني في الجاية في الوطئ إذا كانت بكرا حتى نقصها الوطئ في ماليتها فان كان المشترى وطئها وهى ثيب فلم ينقصها الوطئ شيأ لم يرجع العبد على المشترى بشئ من الثمن ولم يرد العبد الجارية لان المستوفى بالوطئ وان كان في حكم جزء فهو بمنزلة جزء هو ثمرة (ألا ترى) ان استيفاءه لم يوجب نقصانا في مالية العين والثمن انما يقابل المالية فما لا يكون مالا لا يقابله شئ من الثمن فلا يتمكن العبد من الرجوع بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه * فان قيل أليس انه لو علم بوطئ المشترى اياها قبل
[ 186 ] الرد يكون له أن يقبلها ويجعل ذلك كالخيار فكذلك إذا علم به بعد الرد وقد تعذر ردها بالعيب الحادث عنده * قلنا امتناع الرد بسبب الوطئ ليس لعين الوطئ بل لدفع الضرر عن البائع ولان الرد بالعيب بقضاء القاضى فسخ العقد من الاصل فتبين ان الوطئ كان في غير الملك حتى لو رضي به البائع بالاسترداد ردها لانه حينئذ لا يكون فسخا من الاصل وهذا المعنى لا يوجد في رجوع البائع على المشترى بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه وكيف يرجع بنقصان العيب من الثمن ولا ثمن بمقابلة المستوفى بالوطئ لان ذلك ليس بمال ولهذا لو علم المشترى ان البائع كان وطئها بعد ما باعها منه وهى ثيب لم يكن له خيار في ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله ولا يرجع عليه بشئ من الثمن وان كان أجنبي قطع يدها عند المشترى أو وطئها فوجب العقر ثم ردها القاضى على العبد بالعيب الذى كان عنده ولم يعلم صنع الاجنبي ثم حدث بالجارية عيب عند العبد ثم اطلع على ما كان عند المشترى فان الجارية ترد على المشترى لانه تبين بطلان قضاء القاضى بالفسخ للزيادة المنفصلة من العين عند المشترى ويرد عليه معها نقصان العيب الذى حدث عند العبد من قيمتها لانه ظهر أن العبد قبضها بحكم فسخ فاسد والمقبوض يفسخ فاسد كالمقبوض بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة بجميع أو صافه تلف بنفسه أو أتلفه البائع ثم يأخذ العبد الثمن من المشترى ان كان قد رده إليه ويرجع المشترى علي العبد بنقصان العيب الاول لتعذر ردها بالعيب بسبب الزيادة المنفصلة وان كان العيب الذى حدث بها عند العبد من فعل الاجنبي فالمشترى بالخيار ان شاء أخذ ذلك النقصان من العبد ورجع به العبد على الاجنبي وان شاء أخذه من الاجنبي اعتبارا للمقبوض بفسخ فاسد بالمقبوض بعقد فاسد إذا جنى عليه أجنبي في يدى المشترى فانها ترد على البائع ويتخير البائع في تضمين النقصان الجاني بالجناية أو المشترى بالقبض ثم يرجع المشتري به على الاجنبي فان كان العبد البائع قتلها أو قتلها أجنبي في يد العبد فهو سواء ويأخذ المشترى من العبد قيمتها ولا سبيل له علي الاجنبي لان البائع ملكها بالقبض بفسخ فاسد وجناية الأجنبي انما صادفت ملكه لا ملك المشترى ولا سبيل للمشترى على الأجنبي يأخذ قيمتها من البائع لتعذر رد عينها ثم يرجع العبد بالقيمة على الاجنبي لانه أتلف ملكه وهذا بخلاف الجناية فيما دون النفس لان هناك استرداد الاصل لم يتعذر وقد بينا هذا الفرق في المقبوض بحكم شراء فاسد فكذلك المقبوض بحكم فسخ فاسد وان كان العبد باعها بعد ما قبضها
[ 187 ] المشترى جاز بيعه لانه ملكها بالقبض وان كان الفسخ فاسدا فينفذ بيعه وعليه قيمتها يوم قبضها من المشترى وقيمتها كاسترداد عينها فيكون له أن يرجع على العبد بنقصان الاول من الثمن وكذلك لو كان المشترى ردها بهذا العيب على البائع بغير قضاء قاض أو كان ذلك بطريق الاقالة فهو فسخ في قول أبى حنيفة رحمه الله بمنزلة الرد بالعيب وهذا الحكم كذلك في البيع والشراء إذا كانا حرين والله أعلم (باب الخيار في بيع المأذون) (قال رحمه الله) والمأذون مثل الحر في حكم الخيار المشروط في البيع لان اشتراط الخيار في البيع لدفع الغبن وحاجة العبد إليه كحاجة الحر وإذا باع المأذون متاعا أو اشتراه واشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام وعلى العبد دين أو لادين عليه فنقض المولى البيع في الثلاثة بمحضر من الآخر لم يجر نقضه لانه حجر خاص في اذن عام فان هذا التصرف من العبد تناوله الاذن فالمولى يفسخ هذا التصرف عليه بحجر عليه من امضائه بالاجازة والحجر الخاص مع قيام الاذن العام باطل كما أن استثناء تصرف من الاذن في التجارة عند ابتداء الاذن باطل وان أجازه جاز ان لم يكن على العبد دين لان الاجازة اتمام لتصرف العبد فإذا لم يكن على العبد دين فهو في حكم العقد متصرف للمولى لان كسبه خالص ملك المولى فيعمل اجازة المولى كما يعمل اجازة الموكل لتفرق الوكيل مع خيار الشرط فان كان عليه دين لم يجز اجازة المولى لانه من كسبه كاجنبي آخر وهذا التصرف من العبد لنفسه فان المقصود بتصرفه تصرفه لغرمائه والمولى في هذه الحالة منه كالا جنبي فلهذا لاتعمل اجازته فان كان الخيار للمشترى مع العبد أو للبائع مع العبد فنقض صاحب الخيار البيع بحضرة المولى وعلي العبد دين أو لادين عليه فنقضه باطل في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله أما إذا كان على العبد دين فلا اشكال فيه وان لم يكن عليه دين فلا ن النقض تصرف في أصل العقد بالفسخ لا في حكم العقد والمولى في أصل السبب كاجنبي آخر وعند أبى حنيفة ومحمد فسخ من له الخيار بغير محضر من عاقده لا ينفذ وان كان بمحضر من الاجنبي بخلاف الاجازة فالاجازة تصرف في الحكم بالاثبات أو التقرير والمولى في الحكم ليس كالاجنبي إذا لم يكن على العبد دين بل العبد بمنزلة النائب عنه ولو باع المأذون جارية على انه بالخيار ثلاثة أيام فأخذ المولى الجارية فباعها
[ 188 ] أو وطئها أو قبلها بشهوة أو فقأ عينها بغير محضر من المشترى وذلك بعدما أخذها فان كان المأذون لادين عليه فهذا انقض للبيع والجارية للمولى وقد خرجت من تجارة العبد لانها بالبيع بشرط الخيار تخرج من أن تكون كسب العبد والمولى مالك لكسبه إذا لم يكن عليه دين فيتمكن من أخذها منه واحداث هذه التصرفات منه يوجب تقرير ملكه ومن ضرورته فسخ ذلك البيع ولهذا لو كان البائع حرا مالكا فتصرف فيه هذه التصرفات بغير محضر من المشترى انفسخ العقد به حكما فكذلك المولى إذا فعله انفسخ العقد حكما ولا يكون هذا من المولى حجرا خاصا في اذن عام وكذلك لو قبضها المولى ثم قال قد نقضت البيع بحضر من المشترى فالبيع منتقض لانه بالقبض أخرجها من أن تكون كسبا للعبد فنقضه البيع فيها لا يكون حجرا خاصا في اذن عام لان الاذن العام له في التصرف في كسبه وقد أخرجه من أن يكون كسباله ولو قبضها ولم ينقض البيع حتى مضت الايام الثلاثة جاز البيع والثمن للعبد على المشترى لان بمجرد أخذها لا يكون فسخا للبيع فالاخذ قد يكون للحفظ والنظر فيها هل تصلح له أم لا وإذا لم يفسخ البيع بالاخذ تم البيع بمضي الايام وتملكها المشترى من وقت العقد فيكون الثمن للعبد على المشترى وان كان على العبد دين في جميع ما وصفنا فنقض المولى البيع وأخذه الجارية باطل والبيع والخيار فيها على حاله لان المولى ممنوع من أخذها لمكان الدين على العبد فلا يخرج بأخذه اياها من أن تكون كسبا للعبد فيكون نقضه البيع فيها حجرا خاصا في اذن عام ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فان نقض البيع المولى أو العبد فهو نقض لان اشتراط الخيار لمولاه اشتراط منه لنفسه فانه يجعل المولى نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار وقد بيناه في البيوع فيما إذا اشترط الخيار لاجنبي فكذلك لمولاه وكذلك ان أجاز العقد أحدهما فو جائز فان نقض المولى البيع بمحضر من البائع وأجازه العبد فالسابق منهما أولى نقضا كان أو اجازة لان باجازة أحدهما أو لا يتم البيع فلا ينفرد الآخر بفسخه بعد ذلك وبنقض أحدهما أولا ينفسخ البيع والمفسوخ لا تلحقه الاجازة وان كان ذلك منهما معا فالنقض أولى من الاجازة لان النقض يرد علي الاجازة فالبيع التام يمكن نقضه والاجازة لا ترد علي النقض فالبيع المنقوض لا تمكن اجازته وعند المعارضة الوارد يترجح علي المورود عليه قال (ألا ترى) أن رجلا لو اشترى جارية بعبد علي أنه بالخيار ثلاثة أيام في الجارية وتقابضا ثم أعتق المشترى الجارية عتقت وجاز البيع لان
[ 189 ] خياره فيها خيار المشترى وذلك لا يمنعه من التصرف فيها لانه لما كان يملك تنفيذ العتق في كل واحد منهما على الانفراد نفذ عتقه فيها وان لم يعتقها ولكنه أعتق العبد عتق وهو فسخ منه للبيع لان خياره فيه خيار البائع وذلك لايمنع من التصرف فيما باع ومن ضرورة نقوذ تصرفه انفساخ البيع ولو أعتقها جاز عتقه فيها أيضا وينتقض البيع باعتبار نفوذ عتقه فيما باع وعليه قيمة الجارية لانه تعذر ردها لما نفذ عتقه فيها وقد انتقض البيع فعليه رد قيمتها ومقصوده من هذا الاستشهاد بيان أن النقض أولي من الاجازة وقد بينا ما في هذه المسألة من الاختلاف في البيوع وكذلك لو باع المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثه أيام فنقضه البعد وأجازه المولى معا فالنقض أولى لما بينا ولو اشترى المأذون جارية وقد رآها مولاه ولم يرها العبد وعليه دين أو لا دين عليه فللعبد الخيار إذا رآها لانه هو المشترى والشرع انما أثبت خيار الرؤية للمشترى والعبد في أصل التسبب مباشر لنفسه كالحر وخيار الرؤيه يننى على السبب ثم رؤية المولى لا تكون دليل الرضا منه بها لانه ما كان يعلم أن عبده يشتريها وان كان العبد رآها قبل الشراء ولم يرها المولى لم يكن للمولى أن يردها كان علي العبد دين أو لم يكن لان العبد في الشراء متصرف لنفسه ورؤيته قبل العقد دليل الرضا منه بها والفسخ من المولى يكون حجرا خاصا في اذن عام ولو لم يرها واحد منهما قبل الشراء ثم رأياها فالخيار للعبد لان خيار الرؤية يثبت باعتبار السبب والعبد في أصل السبب متصرف لنفسه فان رضيها المولى جازت على العبد ان لم يكن عليه دين لان الرضا تقرير بحكم السبب والعبد فيما يرجع إلى الحكم نائب عن المولى إذا لم يكن عليه دين وان كان عليه دين فرضا المولى باطل لانه في الحكم أجنبي ما بقى ما الدين شئ على العبد وان نقض المولى البيع بمحضر من البائع فنقضه باطل كان على العبد دين أو لم يكن لان النقض منه حجر خاص في اذن عام ولو رضيها المولي وردها العبد معا كان رد العبد أولى لما بينا أن النقض يرد على الاجازة والاجازة لا ترد على النقض وكذلك لو وجد بها عيبا قبل أن يقبضها فالعبد بالخيار ان شاء أخذها وان شاء تركها لان خيار العيب قبل القبض بمنزلة خيار الرؤية (ألا ترى) أن الراد ينفرد به من غير قضاء ولا رضا وانه لا يملك رد أحد العبدين به دون الآخر فان رضيها المولى وعلى العبد دين فرضاه باطل وان لم يكن عليه دين سوى ثمنها جاز رضا المولى عليه كما في خيار الرؤية وان نقض المولى البيع فنقضه باطل كان عليه دين أولم يكن لانه
[ 190 ] خاص قال (ألا ترى) أن رجلا لو اشترى لرجل جارية بامره فلم يقبضها الوكيل حتى وجد بها عيبا فرضيها الآمر جاز وان نقض الآمر البيع لم يجز نقضه وهذا اشارة إلى الحرف الذى بينا أن الرضا تصرف في الحكم وحكم تصرف الوكيل للموكل والنقض تصرف في السبب والوكيل أصل في السبب بمنزلة العاقد لنفسه فلم يجز نقض الموكل فيه فكذلك في المأذون مع مولاه ولو اشترى المأذون جاريتين بألف درهم فلم يقبضهما حتى قتلت احداهما صاحبتها فالعبد بالخيار ان شاء أخذ الباقية بجميع الثمن وان شاء نقض البيع ولو ماتت احداهما موتا أخذ الباقية بحصتها من الثمن بخلاف الدابتين فهناك سواء قتلت أختهما صاحبتها أو ماتت أخذ الباقية بحصتها من الثمن وقد بينا هذا الفرق في كتاب الرهن أن فعل البهيمة هدر شرعا فالتى هلكت فاتت ولم تخلف بدلا فسقطت حصتها من الثمن وفعل الآدمى معتبر شرعا فإذا اختار المشترى أخذ الباقية انفسخ البيع في التى هلكت وتبين أن ملكه جنى على ملك البائع فوجب اعتباره ودفع القاتل بالمقتول فتبين أنه فات و أخلف بدلا فيبقي العبد ببقاء البدل فلهذا أخذ الباقية بجميع الثمن وثبوت الخيار له لتفرق الصفقة قبل التمام ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار في الثمن فذلك اشتراط منه للخيار في الجارية سواء كان الثمن عينا أو دينا دفع الثمن أو لم يدفع لان الخيار انما يشترط لفسخ العقد أو لا لتنعدم صفة اللزوم به وهذا لا يختص بأحد العوضين فاشتراط الخيار في أحد العوضين يكون اشتراطا في الآخر ضرورة وتقرير كلامه كانه قال ان رضيت أسلم لك الثمن فيما بينى وبين ثلاثة أيام سلمت وان شئت أخذت الثمن ولم أسلمه لك ولو صرح بهذا كان ذلك منه شرطا للخيار في العوضين ولو اشترى ثوبين كل ثوب بعشرة على أن يأخذ ايهما شاء ويرد الآخر فهلك أحدهما عند البائع فالمشترى على خياره في الباقي لان الخيار كان ثابتا للمشتري فيهما والذى هلك عند البائع انفسخ البيع فيه لفوات القبض المستحق بالعقد فيبقي هو على خياره في الباقي ولو هلك أحدهما عند المشترى لزمه البيع فيه لانه لما اشرف على الهلاك فقد عجز عن رده حكما كما قبضه فيتعين البيع فيه ثم يهلك على ملكه ومن ضرورته تعين الرد في الآخر ولو حدث بأحدهما عيب عند المشترى لزمه الذى حدث به العيب لانه عجز عن رده كما قبضه بخلاف ما إذا حدث بأحدهما عيب عند البائع أو بهما فالمشترى علي خياره لما بينا ولو باع المأذون من رجل ثوبين علي أن البائع بالخيار يلزمه أيهما شاء بعشرة ويرد الآخر فهذا وخيار المشترى سواء والقياس فيها أن البيع باطل وفي الاستسحان
[ 191 ] هو جائز على ما اشترطا وقد بينا ذلك في البيوع فان قبضها المشترى فهلك أحدهما عنده فهو أمين فيما هلك والبائع بالخيار ان شاء لزمه الباقي بعشرة لانه قبض أحدهما علي جهة البيع والآخر لا على جهة البيع فكان أمينا فيما قبضه باذن المالك لا على جهة البيع والبيع ههنا في الهالك لم يتعين بل تعين في الباقي ضرورة (ألا ترى) أن البائع ليس له أن يلزمه الهالك لان والآخر لا على جهة البيع فكان أمينا فيما قبضه باذن المالك لا على جهة البيع والبيع ههنا في الهالك لم يتعين بل تعين في الباقي ضرورة (ألا ترى) أن البائع ليس له أن يلزمه الهالك لان تعيين البيع فيه كانشاء البيع وانشاء البيع في الهالك لا يتحقق فكذلك تعين البيع فيه وإذا ثبت أن البيع متعين في الباقي فالبائع فيه بالخيار ثبت بعين الامانة في الهالك ولو لم يهلك واحد منهما ولكن حدث بأحدهما عيب عند المشترى كان البائع على خياره لانه لا تأثير للعيب الحادث عند المشترى في اسقاط خيار البائع فالمعيب محل ابتداء العقد كالتسليم بخلاف الهالك فلهذا كان البائع على خياره يلزمه أيهما شاء فان نقض البيع فيهما أخذهما ونصف قيمة المعيب في القياس لان المعيب كان متردد الحال بين أن يكون مضمونا باعتبار تعين العقد وبين أن يكون أمانة باعتبار تعين البيع في الآخر وبحدوث العيب فات جزء منه فيتنصف ضمان ذلك الجزء باعتبار التردد فيه (ألا ترى) أن البائع لو ألزم المشترى الصفقة فيه كان فوات ذلك الجزء علي المشترى فلو لزمه في الآخر كان فوات ذلك الجزء على البائع فإذا نقض البيع فيهما كان على المشتري نصف قيمة المعيب ولكن في الاستحسان لا يأخذ من قيمة المعيب شيأ لان فوات الجزء معتبر بفوات الكل ولو هلك أحدهما في يد المشترى لم يضمن من قيمته شيأ للبائع وان فسخ البائع العقد في الآخر فكذلك إذا تعيب في يده ولو هلك أحد الثوبين عند البائع كان له أن يوجب البيع في الباقي وان شاء نقضه لان الهالك خرج من العقد فيبقى خيار البائع في الباقي كما كان ولو لم يهلك وحدث باحدهما عيب عند البائع فهو علي خياره فان اختار الزام المشتري الثوب المعيب كان المشترى بالخيار لان البائع لما عين العقد فيه التحق بما لو كان البيع متعينا فيه في الابتداء وقد تعيب عند البائع فيتخير المشترى بين أن يأخذه أو يتركه وإذا رده فليس للبائع أن يلزمه الآخر لان تعيينه العيب في المبيع يوجب انتفاء العقد عن الآخر ضرورة فكيف يلزمه العقد في الآخر بعد ما انتفى العقد عنه والله أعلم (تم الجزء الخامس والعشرون ويليه الجزء السادس والعشرون أوله باب البيع على انه ان لم ينقد الثمن الخ)