مبسوط السرخسي - الجزء التاسع عشر
المبسوط السرخسي ج 19
[ 1 ] (الجزء التاسع عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الوكالة) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله املاء * اعلم أن الوكالة في اللغة عبارة عن الحفظ ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى بمعنى الحفيظ كما قال الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله فيمن قال لآخر وكلتك بمالى انه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط وقيل معنى الوكالة التفويض والتسليم ومنه التوكل قال الله تعالى وعلى الله توكلنا يعنى فوضنا إليه أمورنا وسلمنا فالتوكيل تفويض التصرف إلى الغير وتسليم المال إليه ليتصرف فيه ثم للناس إلى هذا العقد حاجة ماسة فقد يعجز الانسان عن حفظ ماله عند خروجه للسفر وقد يعجز عن التصرف في ماله لقلة هدايته وكثره اشتغاله أو لكثرة ماله فيحتاج إلى تفويض التصرف إلى الغير بطريق الوكالة. وقد عرف جواز هذا العقد بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة وهذا كان توكيلا. وأما السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه وكل حكيم ابن حزام رضى الله عنه بشراء الاضحية وبه وكل عروة البارقي فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيأ أعطاه علامة وقال أئت وكيلي بخيبر ليعطيك ما سألتنى بهذه العلامة والدليل عليه الحديث الذى بدأ به محمد رحمه الله الكتاب ورواه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله عن سالم عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضى الله عنها قالت طلقني زوجي ثلاثا ثم خرج إلى اليمن فوكل أخاه بنفقتي فخاصمته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لى نفقة ولا سكنى ففى هذا جواز التوكيل بالاتفاق وبظاهر الحديث يستدل ابن أبى ليلى رحمه الله فيقول ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى ولكنا نقول ان صح الحديث فله تأويلان احدهما انها كانت بذيئة اللسان بذية على أحماء زوجها فاخرجوها فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ام مكتوم رضى الله عنها تسكينا للفتنة فظنت انه لم يجعل لها نفقة ولا
[ 3 ] سكنى الثاني انه وكل أخاه بان ينفق عليها خبز الشعير ولم يكن الزوج حاضرا ليقضى عليه بشئ آخر فلهذا قالت ولم يجعل لى نفقة ولا سكنى وذكر عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال كان علي كرم الله وجهه لا يحضر خصومة أبدا وكان يقول ان الشيطان ليحضرها وان لها قحما الحديث وفيه دليل على أن التحرز عن الخصومة واجب ما أمكن لما أشار إليه رضي الله عنه انه موضع لحضرة الشيطان وان للخصومة قحما أي مهالك وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء اثما أن لا يزال مخاصما قال وكان إذا خوصم في شئ من أمواله وكل عقيلا رضي الله عنه وفيه جواز التوكيل بالخصومة وبظاهره يستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في جواز التوكيل بغير رضا الخصم لان عليا رضي الله عنه لم يطلب رضا خصومه ولكن الظاهر أن خصومه كانوا يرضون بتوكيله لانه كان أهدى إلى طرق الخصومة من غيره لوفور علمه وانما كان يختار عقيلا رضى الله عنه لانه كان ذكيا حاضر الجواب حتى حكى أن عليا رضى الله عنه استقبله يوما ومعه عنز له فقال له علي رضى الله عنه على سبيل الدعابة أحد الثلاثة أحمق فقال عقيل رضى الله عنه أما أنا وعنزي فعاقلان قال فلما كبر سن عقيل وكل عبد الله بن جعفر رضى الله عنه اما أنه وقره لكبره أو لانه انتقص ذهنه فكان يوكل عبد الله بن جعفر رضى الله عنه وكان ذكيا شابا وقال هو وكيلى فما قضى عليه فهو علي وما قضى له فهو لى وفى هذا دليل على أن الوكيل يقوم مقام الموكل وان القضاء عليه بمنزلة القضاء على الموكل قال فخاصمني طلحة ابن عبد الله رضى الله عنه في ضفير أحدثه علي رضى الله عنه بين أرض طلحة وأرض نفسه والضفير المسناة وفيه دليل على انهم كانوا يختصمون فيما بينهم ولا نظن بواحد منهم سوى الجميل لكن كان يستبهم عليهم الحكم فيختصمون إلى الحاكم ليبينه لهم ولهذا كانوا يسمون الحاكم فيهم المفتى فوقع عند طلحة رضى الله عنه أن عليا كرم الله وجهه أضربه وحمل عليه السيل ولم ير علي رضى الله عنه في ذلك ضررا حين أحدثه قال فوعدنا عثمان رضى الله عنه أن يركب معنا فينظر إليه وفيه دليل علي أن فيما تفاقم من الامر ينبغى للامام أن يباشره بنفسه وان يركب ان احتاج إلى ذلك فقال والله انى وطلحة نختصم في المواكب وان معاوية رضى الله عنه على بغلة شهباء أمام الموكب قد قدم قبل ذلك وافدا فالقي كلمة عرفت انه أعانني بها قال أرأيت هذا الضفير كان على عهد عمر رضى الله عنه قال قلت نعم قال لو كان جورا ما تركه عمر رضي الله عنه وفى هذا بيان انه لم يكن بين على ومعاوية رضى الله عنهما في أول
[ 4 ] الامر سوى الجميل إلى أن نزغ الشيطان بينهما فوقع ما وقع قال فسار عثمان رضى الله عنه حتى رأى الضفير فقال ما أرى ضررا وقد كان على عهد عمر رضى الله عنه ولو كان جورا لم يدعه وانما قال ذلك لان عمر رضى الله كان معروفا بالعدل ودفع الظلم على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما دار عمر فالحق معه وفيه دليل على ان ما وجد قديما يترك كذلك ولا يغير الا بحجة فان عثمان رضى الله عنه ترك الضفير على حاله بسبب أنه كان قديما وذكر عن شريح رحمه الله انه يجيز بيع كل مجيز الوصي والوكيل والمجيز ما يتم العقد باجازته وفيه بيان أن العقود تتوقف على الاجازة وان من يملك انشاء العقد يملك اجازته وصيا كان أو وكيلا أو مالكا لان المعتبر أن يكون تمام العقد برأيه وذلك ما حصل باجازته وذكر عن شريح رحمه الله انه قال من اشترط الخلاص فهو أحمق سلم ما بعت أو ذر ما أخذت ولاخلاص وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله بخلاف ما يقوله ابراهيم النخعي رحمه الله ان من باع عبدا يؤاخذ بخلاصه يعنى إذا شرط (وهذه ثلاثة فصول * الاول) اشتراط الدرك وتفسيره رد اليمين لاستحقاق المبيع وهو شرط صحيح لانه يلائم موجب العقد وهو ثابت بدون الشرط فلا يزيده الشرط الا وكادة (والثاني) شرط العهدة وهو جائز عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فانه عبارة عن ضمان الدرك عندهما وعند أبى حنيفة رحمه الله هو باطل (وتفسيره) الصك الاصلى الذى كان عند البائع يشترط المشترى عليه أن يسلمه إليه وهذا شرط فيه منفعة لاحد المتعاقدين ولا يقتضيه العقد فكان باطلا (والثالث) شرط الخلاص (وتفسيره) أن يشترط على البائع أن المبيع إذا استحق من يده يخلصه حتى يسلمه إليه بأى طريق يقدر عليه وهذا باطل لانه شرط لا يقدر على الوفاء به فالمستحق ربما لا يساعده عليه ولهذا ينسبه شريح رحمه الله إلى الحماقة حيث التزم ما ليس في وسعه الوفاء به وإذا وكل الرجل بالخصومة في شئ فهو جائز لانه يملك المباشرة بنفسه فيملك هو صكه إلى غيره ليقوم فيه مقامه وقد يحتاج لذلك أما لقلة هدايته أو لصيانة نفسه عن الابتذال في مجلس الخصومة وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر فان أقر الوكيل على الذي وكله بالخصومة مطلقا في القياس لا يجوز اقراره سواء كان في مجلس القاضى أو في غير مجلس القاضى وهو قول أبى يوسف الاول وقول زفر والشافعي رحمهم الله ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال يصح اقراره في مجلس القاضى وفى غير مجلس
[ 5 ] القاضى اقراره باطل وجه القياس انه وكله بالخصومة والخصومة اسم لكلام يجري بين أثنين على سبيل المنازعة والمشاحة والاقرار اسم لكلام يجرى على سبيل المسالمة والموافقة وكان ضد ما أمر به والتوكيل بالشئ لا يتضمن ضده ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الهبة والبيع أو الصلح والدليل عليه بطلان اقرار الاب والوصى على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل وأبو يوسف رحمه الله يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقا فيقتضى أن يملك ما كان الموكل مالكا له والموكل مالك للاقرار بنفسه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء فكذلك الوكيل وهذا لانه انما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا الا بانضمام القضاء إليه كالبينة واليمين فاما الاقرار فهو موجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا حقيقة الخصومة ما قال زفر رحمه الله ولكنا تركنا هذه الحقيقة وجعلنا هذا توكيلا مجازا بالجواب والاقرار جواب تام وانما حملناه علي هذا المجاز لان توكيله انما يصح شرعا بما يملكه الموكل بنفسه والذى يتيقن به أنه مملك للموكل الجواب لا الانكار فانه إذا عرف المدعى محقا لا يملك الانكار شرعا وتوكيله فيما لا يملك لا يجوز شرعا والديانة تمنعه من قصد ذلك فلهذا حملناه على هذا النوع من المجاز كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصيبه فينصرف بيعه إلى نصيبه مطلقا ليصحح عقدة هذا الطريق غير انه انما سمى الجواب خصومة مجازا إذا حصل في مجلس القضاء لانه لما ترتب على خصومة الآخر اياه سمى باسمه كما قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها والمجازاة لا تكون سيئة حقيقة ولان مجلس الحكم الخصومة فما يجرى فيه يسمى خصومة مجازا وهذا لا يوجد في غير مجلس القضاء ولانه انما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وذلك فيما يستحق عليه والمستحق عليه انما هو الجواب في مجلس الحكم بخلاف الاب والوصى فان تصرفهما مقيد بشرط الا نظر والاصلح قال الله تعالى قل اصلاح لهم خير وقال عز وجل ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هي أحسن وذلك لا يظهر بالاقرار فلهذا لا يملكه وان وكله بالخصومة غير جائز الاقرار عليه صح الاستثناء في ظاهر الرواية وعن أبى يوسف رحمه الله انه لا يصح لان من أصله ان صحة الاقرار باعتبار قيام الوكيل مقام الموكل وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه كما لو وكل بالبيع على ان لا يقبض الوكيل الثمن أولا يسلم المبيع كان الاستثناء باطلا فاما في ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح لان صحة إقرار
[ 6 ] الوكيل باعتبار ترك حقيقة اللفظ إلى نوع من المجاز فهو بهذا الاستثناء يبين أن مراده حقيقة الخصومة لا الجواب الذى هو مجاز بمنزلة بيع أحد الشريكين نصف العبد شائعا من النصيبين انه لا ينصرف إلى نصيبه خاصة عند التنصيص عليه بخلاف ما إذا أطلق والثانى أن صحة اقراره وانكاره عند الاطلاق لعموم المجاز لان ذلك جواب ولاعتبار المناظرة في المعاملات بالمناظرة في الديانات منع موضعه فإذا استثني الاقرار كان هذا استثناء لبعض ما تناوله مطلق الكلام أو هو بيان مغاير لمقتضى مطلق الكلام فيكون صحيحا كمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها ماشيا أو راكبا حنث لعموم المجاز فان قال في يمينه ماشيا فدخلها راكبا لم يحنث لما قلنا وعلى هذا الطريق انما يصح استثناؤه الاقرار موصولا لا مفصولا عن الوكالة وعلى الطريق الاول يصح استثناؤه موصولا ومفصولا قالوا وكذلك لو استثنى الانكار صح ذلك عند محمد رحمه الله خلافا لابي يوسف رحمه الله وهذا لان انكار الوكيل قد يضر الموكل بان كان المدعى وديعة أو بضاعة فانكر الوكيل لم يسمع منه دعوى الرد والهلاك بعد صحة الانكار ويسمع منه ذلك قبل الانكار فإذا كان انكاره قد يضر الموكل صح استثناؤه الاقرار ثم إذا أقر الوكيل في غير مجلس القاضى فلم يصح اقراره عندهما كان خارجا من الوكالة وليس له أن يخاصم بعد ذلك لانه يكون مناقضا في كلامه والمناقض لا دعوى له فيستبدل به كالاب والوصى إذا لم يصح اقرارهما على الصبى لا يملكان الخصومة في تلك الحادثة بعد ذلك وإذا وكله بالخصومة في دار يدعى فيها دعوى ثم عزله عنها ثم شهد له الوكيل بها فان كان الوكيل قد خاصم إلى القاضى جازت شهادته عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ولم تجز عند أبى يوسف رحمه الله وهو بناء على ما ذكرنا ان عند أبى يوسف رحمه الله بتعيينه للتوكيل صار خصما قائما مقام الموكل ولهذا جاز اقراره فيخرج من أن يكون شاهدا بنفس التوكيل وعندهما انما يصير خصما في مجلس القاضى فكذلك انما يخرج من أن يكون شاهدا إذا خاصم في مجلس القاضى لا قبل ذلك وإذا وكله بالخصومة فله أن يعزله متى شاء لان صحة الوكالة لحاجة الموكل إليه ولماله فيها من المنفعة وذلك في جوازها دون لزومها ولان الوكيل معيره منافعه والاعارة لا يتعلق بها اللزوم الا في خصلة واحدة وهى أن يكون الخصم قد أخذه حتى جعله وكيلا في الخصومة فلا يكون له أن يخرجه منها الا بمحضر من الخصم لانه تعلق بهذه الوكالة حق الخصم فانه انما خلي سبيله اعتمادا على انه يتمكن من اثبات حقه على الوكيل متى شاء فلو جوزنا
[ 7 ] عزله بدون محضر من الخصم بأن يعزل الموكل وكيله ويخفى شخصه فلا يتوصل الخصم إلى اثبات حقه فلمراعاة حق الخصم قلنا لا يتمكن من عزل الوكيل كالعزل في باب الرهن إذا كان مسلطا على بيعه لا يملك الراهن عزله لحق المرتهن وعلى هذا قال بعض مشايخنا رحهم الله إذا وكل الزوج وكيلا بطلاق امرأته بالتماسها ثم سافر لا يملك عزل الوكيل الا بمحضر منها والاصح أنه لا يملكه هناك لانه لا حق للمرأة في سؤال الطلاق والتوكيل عند سفر الزوج وهنا للخصم حق أن يمنع خصمه من أن يسافر وان يلازمه ليثبت حقه عليه وهو انما ترك ذلك بتوكيله وعلى هذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله إذا قال الزوج للوكيل بالطلاق كلما عزلتك فانت وكيل لا يملك عزله لانه كلما عزله تجددت وكالته فان تعليق الوكالة بالشرط صحيح والاصح عندي انه يملك عزله بأن يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف ذلك إلى المعلق والمنفذ لانا لو لم نجز ذلك أدى إلى تغيير حكم الشرع بجعل الوكالة من اللوازم وذلك باطل. وإذا وكله بالخصومة وهو مقيم بالبلد لم يقبل ذلك منه الا برضا من خصمه أو يكون مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة أيام والرجال والنساء والثيب والبكر في ذلك سواء في قول أبى حنيفة رحمه الله وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقول للبكر أن توكل بغير رضا الخصم وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا للمرأة ان توكل بذلك بكرا كانت أو ثيبا إذا لم يكن مروءة وفى قوله الآخر وهو قول محمد والشافعي رحمهم الله الرجل والمرأة سواء في ذلك لهم التوكيل بغير رضا الخصم ووجه هذا القول أن التوكيل حصل بما هو من خالص حق الموكل فيكون صحيحا بغير رضا الخصم كالتوكيل بالقبض والايفاء والتقاضى وبيان ذلك انه وكله بالجواب الذى هو انكار ومن أفسد هذا التوكيل انما يفسده من هذا الوجه فان التوكيل بالاقرار صحيح والانكار خالص حق الموكل لانه يدفع به الخصم عن نفسه فعرفنا أنه وكله بما هو من خالص حقه وأبو حنيفة رحمه الله يقول هو بهذا التوكيل قصد الاضرار بخصمه فيما هو مستحق عليه فلا يملكه الا برضاه كالحوالة بالدين ومعنى هذا الكلام أن الحضور والجواب مستحق عليه بدليل أن القاضى يقطعه عن اشغاله ويحضره ليجيب خصمه وانما يحضره لايفاء حق مستحق عليه والناس يتفاوتون في هذا الجواب فرب انكار يكون أشد دفعا للمدعى من انكار والظاهر أن الموكل انما يطلب من الوكيل وذلك الاشد الذى لا يتأتى منه لو أجاب الخصم بنفسه وفيه اضرار بالخصم الا أن أبا يوسف ومحمدا رحمهما الله قالا ذلك حق الموكل
[ 8 ] لو أتى به بنفسه كان مقبولا منه وصحة التوكيل باعتبار ما هو حق للموكل دون ما ليس الاشد لحق له كما بيناه في المسألة الاولى أبو حنيفة رحمه الله بنى على العرف الظاهر هنا وقال الناس انما يقصدون بهذا التوكيل أن يشتغل الوكيل بالحيل الاباطيل ليدفع حق الخصم عن الموكل وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه ولكن لما كان يتصل به ضرر بالغير من الوجه الذى قلنا لا يملك بدون رضاه كمن استأجر دابة لركوبه أو ثوبا للبسه لا يملك ان يؤاجره من غيره وان كان يتصرف في ملكه وهى المنفعة ولكن يتصل به ضرر بملك الغير وهو العين لان الناس يتفاوتون في اللبس والركوب فكذلك أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر أن يفسخ وان حصل تصرف المكاتب في ملكه لا ضرار يتصل بالشريك وهذا بخلاف التوكيل بالقبض والايفاء فان الحق معلوم بصفته فلا يتصل بهذا التوكيل ضرر بالآخر وكذلك التقاضى له حد معلوم منع الوكيل من مجاوزة ذلك الحد لئلا يتضرر به الخصم فاما الخصومة فليس لها حد معلوم يعرف حتى إذا جاوزه منع منه فلهذا شرطنا رضا الخصم وهذا الشرط ليس مؤثرا في صحة الوكالة فالتوكيل صحيح ولكن الكلام في اسقاط حق المطالبة بحواب الموكل ولهذا لا يشترط رضا الخصم في التوكيل عند غييبة الموكل أو مرضه لانه ليس للخصم حق المطالبة باحضار الموكل فلا يكون في التوكيل اسقاط حق مستحق عليه وهو نظير شهادة الفروع على شهادة الاصول فانها تصح عند مرض الاصول وغيبتهم مدة السفر ولا تصح عند حضورهم لاستحقاق الحضور بانفسهم للاداء في هذه الحال وابن أبى ليلى رحمه الله كان يقول المقصود باحضار البكر لا يحصل لانها تستحيى فتسكت والشرع مكنها من ذلك فجاز لها ان توكل بغير رضا الخصم وهكذا يقول أبو يوسف رحمه الله في المرأة التى ليست معتادة مخالطة الرجال فانها لا تتمكن من هذا الجواب إذا حضرت مجلس الحكم فان حشمة القضاء تمنعها من ذلك وإذا كان المقصود لا يحصل بحضورها جاز لها أن توكل والذى نختاره في هذه المسألة من الجواب أن القاضي إذا علم من المدعى التعنت في اباء الوكيل لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل من الخصم وإذا علم من الموكل القصد إلى الاضرار بالمدعى في التوكيل لا يقبل ذلك منه الا برضا الخصم فيصير إلى دفع الضرر من الجانبين. وإذا وكلت امرأة رجلا أو رجل امرأة أو مسلم ذميا أو ذمى مسلما أو حر عبدا أو مكاتبا له أو لغيره باذن مولاه فذلك كله جائز لعموم الحاجة إلى الوكالة في حق هؤلاء قال
[ 9 ] والوكالة في كل خصومة جائزة ما خلا الحدود والقصاص أو سلعة ترد من عيب والمراد التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص فان التوكيل باستيفاء الحدود باطل بالاتفاق لان الوكيل قائم مقام الموكل والحدود تندرئ بالشبهات فلا تستوفى بما يقوم مقام الغير في ذلك من ضرب وشبهه (ألا ترى) انها لا تستوفى في كتاب القاضى إلى القاضي والشهادة على شهاة النساء مع الرجال وكذلك التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز ولا يستوفي في حال غيبة الموكل عندنا وعند الشافعي رحمه الله يستوفيه الوكيل لانه محض حق العباد ومبنى حقوق العباد على الحفظ والصيانة عليهم فكان لصاحب القصاص أن لا يحضر بنفسه ويوكل باستيفائه دفعا للضرر عن نفسه كسائر حقوقه ولكنا نقول هذه عقوبة تندرئ بالشبهات فلا تستوفي بمن يقوم مقام الغير كالحدود ولهذا لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضى ولا بشهادة النساء مع الرجال وتوضيحه انه لو استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن شهادة العفو لجواز أن يكون الموكل عفى بنفسه والوكيل لا يشعر به ولهذا إذا كان الموكل حاضرا يجوز للوكيل أن تستوفي لانه لا تتمكن فيه شبهة العفو وقد يحتاج الموكل إلى ذلك اما لعلة هدايته في الاستيفاء أو لان قلبه لا يحتمل ذلك فيجوز التوكيل في الاستيفاء عند حضرته استحسانا فاما قوله أو سلعة ترد بالعيب فليس المراد به ان التوكيل بالخصومة في هذا غير صحيح بل المراد ان الوكيل إذا أثبت العيب فادعى البائع رضا المشترى بالعيب فليس للوكيل أن يرده بالعيب حتى يحضر المشترى فيحلف بالله ما رضى بالعيب وهذا بخلاف الوكيل يقبض الدين إذا ادعى المطلوب أن الطالب قد استوفى دينه أو أبرأ المطلوب منه فانه يقال له ادفع المال إلى الوكيل وأنت على خصومتك في استحلاف الموكل إذا حضر والفرق من وجهين أحدهما ان الدين حق ثابت بنفسه إذ ليس في دعوى الاستيفاء والابراء ما ينافى أصل حقه لكنه يدعى اسقاطه بعد تقرير السبب الموجب فلا يمتنع على الوكيل الاستيفاء ما لم يثبت المسقط فاما في العيب ان علم المشترى بالعيب وقت البيع يمنع ثبوت حقه في الرد أصلا فالبائع ليس يدعى مسقطا بل زعم أن حقه في الرد لم يثبت أصلا فلابد من أن يحضر الموكل ويحلف ليتمكن من الرد عليه والثانى ان الرد بالعيب بقضاء القاضى فسخ للعقد والعقد إذا انفسخ فلا يعود فلو اثبتنا حق الرد عليه تضرر الخصم بانفساخ عقده عليه فاما قضاء الدين فليس فيه فسخ عقد وإذا حضر الموكل فابى أن يحلف توصل المطلوب إلى حقه فلهذا أمر بقضاء الدين وفى الوكيل يأخذ الدار بالشفعة إذا ادعى الخصم
[ 10 ] أن الموكل قد سلم وطلب يمينه على ذلك ففى ظاهر الرواية هذا ومسألة الدين سواء وللوكيل أن يأخذ بالشفعة لان المشترى يدعى مسقطا بعد تقرر السبب وعن أبى يوسف رحمه الله ان هذا ومسألة العيب سواء لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء فكما لا يقضى القاضى بفسخ العقد ما لم يحضر الموكل ويحلف فكذلك لا يقضي بالشفعة ما لم يحضر الموكل ويحلف ما سلم بالشفعة فان أراد المطلوب يمين الوكيل فليس له عليه يمين في الاستيفاء لان الاستيفاء مدعى على الطالب ولو استحلف الوكيل على ذلك كان على سبيل النيابة عنه ولا نيابة في اليمين وقال زفر رحمه الله له أن يحلف الوكيل بالله ما يعلم ان الطالب استوفى الدين لان الوكيل لو أقر باستيفاء الطالب لم يكن له أن يخاصم المطلوب فإذا أنكر استحلفه عليه كما يستحلف وارث الطالب على هذا بعد الطالب ولكنا نقول الوكيل نائب ولا نيابة في اليمين بخلاف الوارث فانه قائم مقام المورث في الحق فتصير اليمين مستحقة على الطالب الا أن الاستحلاف على فعل الغير يكون علما فإذا حضر الطالب فات المطلوب الا أن يحلف بالله لقد شهدت شهوده بحق لم يكن له على ذلك سبيل لان صدق الشهود شرعا بظهور عدالتهم كما ان صدق المدعى باقامة البينة فكما لا يحلف المدعى مع البينة فكذلك لا يحلف بعد ظهور عدالة الشهود الذين شهدوا بحق ولكنه يحلف بالله ما استوفيت دينى فان حلف ثم قبض الوكيل وان نكل عن اليمين لزمه المال دون الوكيل لان نكوله كاقراره أو بدله فينفذ عليه دون الوكيل ولكن ان كان المال المقبوض عند الوكيل فهو حق الطالب يقبضه من الوكيل ثم يدفعه إلى المطلوب بحكم نكوله وليس للمطلوب أن يرجع به على الوكيل بخلاف ما إذا أقام المطلوب البينة على القضاء فان البينة حجة في حقهما فان شاء رجع بالمقبوض على الوكيل إذا كان قائما في يده لانه تبين انه قبض بغير حق وان شاء أخذ الموكل به لان الوكيل عامل له فعهدة عمله عليه وان قال الوكيل قد دفعته إلى الموكل أو هلك منى فالقول قوله مع يمينه لانه كان أمينا مسلطا على ما أخبر به من جهة الموكل فالقول فيه قوله وان قال أمرنى فدفعته إلى وكيل له أو غريم أو وهبه لى أو قضانى من حق كان لى عليه لم يصدق وضمن المال لانه يدعى تملك المقبوض لنفسه بسبب لم يعرف ذلك السبب أو يقر بالسبب الموجب للضمان على نفسه بدفعه إلى غيره وادعى الامر من جهة صاحب المال ولا يثبت ذلك بقوله إذا أنكره صاحب المال فلهذا ضمن المال قال ولا يقبل من الوكيل شهادة على الوكالة في شئ مما ذكرنا الا ومعه خصم حاضر لان شرط قبول البينة
[ 11 ] الدعوى والانكار فكما ان انعدام الدعوي يمنع قبول البينة فكذلك انعدام الانكار ولا يتحقق الانكار الا من خصم حاضر وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقبل البينة على هذا من غير خصم ويقول الوكيل بهذه البينة لا يلزم أحدا شيأ وانما يثبت كونه نائبا عن موكله وليس فيه الزام شئ على موكله فلا معنى لاشتراط حضور الخصم ولكنا نقول انما سميت البينة لكونها مبينة في حق المنكر وذلك لا يتحقق الا بمحضر من الخصم فان أقام البينة على الوكالة بغير محضر من الخصم واليمين من القاضى ان يكتب شهادة شهوده إلى قاضى بلد آخر ليقضى به في ذلك لان هذه الشهادة ليست للقضاء بل للنقل فان قاضى بلد ينقل شهادتهم في كتابه إلى مجلس القاضى الذى فيه الخصم كما ان شهود الفرع ينقلون شهادة الاصول بعبارتهم فكما لا يشترط في اشهاد الفروع حضرة الخصم فكذلك هنا وان قبل القاضى البينة بغير خصم وقضى بها جاز قضاؤه لانه قضي في فصل مختلف فيه فان العلماء رحمهم الله مختلفون في سبب القضاء هنا ان البينة هل هي حجة بغير محضر خصم أم لا فإذا قضى بها القاضي فقد أمضى فصلا مجتهدا فيه باجتهاده فلهذا لا يفسد قضاؤه قال ولاحد الوكيلين بالخصومة أن يخاصم وليس له أن يقبض أولا بقول الوكيل بالخصومة له أن يقبض المال عندنا وليس له أن يقبض عند زفر رحمه الله لانه أمر بالخصومة فقط والخصومة لاظهار الحق والاستيفاء ليس من الخصومة ويختار في الخصومة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح للخصومة لا يرضي بامانته عادة ولكنا نقول الوكيل بالشئ مأمور باتمام ذلك الشئ واتمام الخصومة يكون بالقبض لان الخصومة قائمة ما لم يقبض ولان المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض يكون والوكيل بالشئ يحصل ما هو المقصود به قال فان وكل رجلين بالخصومة فلاحدهما أن يخاصم عندنا بدون محضر من الآخر خلافا لزفر رحمه الله لان الخصومة يحتاج فيها إلى الرأى ورأى المثنى لا يكون كرأى الواحد فرضاه برأيهما لا يكون رضا برأى أحدهما كالوكيلين بالبيع ولكنا نقول لو حضر لم يخاصم الا أحدهما لانهما لو تكلما معا لم يتمكن القاضى من أن يفهم كلامهما فلما وكلهما بالخصومة مع علمه ان اجتماعهما عليها متعذر فقد صار راضيا بخصومة أحدهما بخلاف الوكيلين بالبيع ولكن إذا آل الامر إلى القبض فليس لاحدهما أن يقبض لانه رضى بامانتهما أو اجتماعهما في القبض والحفظ متأت فلا يكون راضيا بقبض أحدهما وليس للوكيل أن يوكل غيره لان الناس يتفاوتون في الخصومة قال صلى الله عليه وسلم ولعل
[ 12 ] بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض والموكل انما رضي برأيه فلا يكون له أن يوكل غيره بدون رضاه وان قال ما صنعته في شيئى ذلك جائز كان له أن يوكل غيره لانه أجاز صنعه على العموم فالتوكيل من صنعه فيجوز لوجود الرضا من الموكل به وليس للوكيل بالخصومة أن يصالح ولا أن يبيع ولا أن يهب لان هذه التصرفات ليست من الخصومة بل هي ضد الخصومة قاطعة لها والامر بالشئ لا يتضمن ضده وإذا وكل رجل رجلا بقبض حق له في دار أو بقسمة أو بخصومة فجحده ذو اليد فله أن يخاصم ويقيم البينة على حقه لانه وكله بالخصومة نصا ولانه لا يتوصل إلى تمييز نصيب الموكل ولا إلى قبض حقه الا ببينة فكان خصما في اثباته ليحصل مقصود الموكل وإذا وكل المسلم الذمي في خصومة فشهد شهود من أهل الذمة على ابطال حق المسلم لم يجز ذلك على المسلم لان الوكيل نائب عن الموكل وهذه البينة في الحقيقة انما تقوم عن الموكل فلا تكون شهادة أهل الذمة حجة عليه ولو كان المسلم هو الوكيل والذمى صاحب الحق فشهد عليه قوم من أهل الذمة جاز ذلك لان الالزام في هذه البينة على صاحب الحق دون الوكيل فان الوكيل كالنائب إذا استشهدنا الذمي انه أوصى إلى مسلم فشهد قوم من أهل الذمة عليه لحق قبلت الشهادة لان الالزام على الميت أو على ورثته دون الوصي وهم من أهل الذمة فكانت شهادة أهل الذمة في ذلك مقبولة فكذلك هنا وتوكيل الرجل الصبي بالخصومة إذا كان يعقل صحيح لانه إذا كان يعقل فله عبارة معتبرة شرعا حتى تنفذ تصرفاته باذن الولي ويجوز أن يكون وكيلا في البيع والشراء فكذلك في الخصومة الا أن الصبى إذا لم يكن ابن الموكل فلا ينبغى أن يوكله الا باذن أبيه لان في هذا التوكيل استعمال الصبي في حاجة نفسه وليس لاحد أن يفعل ذلك في ولد غيره الا باذن أبيه وإذا وكل وكيلا في بيع أو شراء أو خصومة فذهب عقل الموكل زمانا فقد خرج الوكيل من الوكالة لانه نائب عن الموكل وهو انما انتصب نائبا عن الموكل باعتبار رأى الموكل وقد خرج الموكل بالجنون المطبق من أن يكون أهلا للرأى وصار مولى عليه فبطلت وكالة الوكيل كما تبطل بموته وهذا في موضع كان للموكل آن يخرجه من الوكالة فاما في كل موضع فلم يكن له أن يخرجه منها فلا تبطل بجنونه مثل الامين باليد والعدل إذا كان مسلطا على البيع فجن الراهن لان حق الغير هناك ثبت في العين وصار ذلك لازما على الموكل فلا يبطل بجنونه ولا بموته إذا نفي المحل فأما الوكيل بالخصومة إذا كان بالتماس الخصم فجن الموكل أو مات بطلت الوكالة لان هذه الوكالة
[ 13 ] لم تكن لازمة على الموكل (ألا ترى) أن له أن يعزل الوكيل بمحضر من الخصم وانما لا يعزله بغير محضر منه لدفع الغرور لا لحق ثابت للخصم في محل ولو كان ذهب عقله ساعة أو جن ساعة فالوكيل على وكالته لان هذا بمنزلة النوم لا ينقطع به رأى الموكل فلا يصير مولى عليه ثم أشار إلى القياس والاستحسان فيه واختلفت فيه ألفاظ الكتاب فذكر في باب وكالة المكاتب القياس والاستحسان في جنون ساعة واحدة أن في القياس تبطل الوكالة وفي الاستحسان لا تبطل وفي باب الوكالة في الطلاق ذكر القياس في المتطاول وقال لا تبطل الوكالة بجنون الموكل وان تطاول لبقاء المحل الذى تعلقت الوكالة به على حق الموكل وفي الاستحسان تبطل الوكالة ثم لم يذكر في الكتاب الحد الفاصل بين القليل والكثير وذكر في النوادر ان محمدا رحمه الله كان يقول أولا إذا جن شهرا فهو متطاول ثم رجع وقدر المتطاول بجنون سنة وعن أبى يوسف رحمه الله انه قدر المتطاول باكثر السنة وقد روى عنه انه قدر ذلك باكثر من يوم وليلة ووجه هذا أن الجنون إذا زاد على يوم وليلة كان مسقطا لقضاء الصلاة بخلاف النوم والقليل منه كالدوام فإذا ظهرت المخالفة بين هذا القدر من الجنون وبين النوم عرفنا انه متطاول ووجه قول محمد رحمه الله أولا أن الشهر في حكم المتطاول وما دونه في حكم القريب بدليل أن من حلف ليقضين حق فلان عاجلا أو عن قريب فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه ولو لم يقضه حتى مضى الشهر كان حانثا ولان الجنون إذا استوعب الشهر كله اسقط قضاء الصوم بخلاف دونه ثم رجع فقدره بالسنة لانه لا تسقط العبادات الا باستغراق الجنون سنة كاملة فان من العبادات ما يكون التقرير فيها بحول كالزكاة على قول محمد رحمه الله ولكن أبو يوسف رحمه الله يجعل أكثر الحول كجميعه في حكم الزكاة حتى قال إذا جن في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة فلهذا قال المتطاول ما يكون في أكثر السنة ولكن محمدا رحمه الله يقول يعتبر كمال السنة لانه إذا لم يوافقه فصل من فصول السنة ولم يفق عرفنا أن هذه آفة في أصل العقل بخلاف ما إذا كان في بعض السنة وهو قياس أجل العنين أي ان التقدير فيه بالسنة الكاملة وتوكيل الصبي رجلا باطل الا أن يكون الصبي مأذونا له لانه انما ينيب نفسه مناب غيره فيما يملكه بنفسه والصبي المحجور لا يملك التصرف بنفسه فلا يوكل غيره فاما المأذون بملك التصرف بنفسه فله أن يوكل غيره وإذا وكل الرجل عبده أو امرأته بالخصومة ثم أعتق عبده أو طلق امرأته ثلاثا فهما على وكالتهما لان ما عرض لا ينافى ابتداء الوكالة فلا ينافي بقاءها
[ 14 ] بطريق الاولى وان باع العبد فان رضى المشترى أن يكون العبد على وكالته فهو وكيل وان لم يرض بذلك فله ذلك كما لو وكله بعد البيع وهذا لان منافع العبد صارت للمشترى فلا يكون له ان يصرفها إلى حاجة الموكل الا برضا المشترى قال ولو وكل المسلم الحربي في دار الحرب والمسلم في دار الاسلام أو وكله الحربى فالوكالة باطلة لانه لا عصمة بين من هو من أهل دار الحرب وبين من هو من أهل دار الاسلام (ألا ترى) أن عصمة النكاح مع قوتها لا تبقى بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الاسلام فلان لا تثبت الوكالة أولى وهذا لان تصرف الوكيل برأى الموكل ومن هو في دار الحرب في حق من هو في أهل دار الاسلام كالميت والوكيل يرجع بما يلحقه من العهدة على الموكل وتباين الدارين يمنع من هذا الرجوع قال وان وكل الحربى الحربى في دار الحرب ثم اسلما أو أسلم أحدهما فالوكالة باطلة لان النيابة بالوكالة تثبت حكما ودار الحرب ليست بدار أحكام بخلاف البيع والشراء فان ثبوت الحكم هناك بالاستيلاء حسا على ما يقتضيه (ألا ترى) ان بعد ما أسلما لم يكن لاحدهما أن يخاصم صاحبه بشئ من بقايا معاملاتهم في دار الحرب فكذلك لا تعتبر تلك الوكالة وان أسلما جميعا ثم وكل أحدهما صاحبه أجزت ذلك بمنزلة المسلمين من الاصل وإذا خرج الحربى الينا بأمان وقد وكله حربى آخر في دار الحرب ببيع شئ أجزت ذلك لان ذلك الشئ معه يتمكن من التصرف فيه وقد ثبت حكم الامان فيه فكأنه وكله ببيعه وهما مستأمنان في دارنا بخلاف ما إذا لم يكن ذلك الشئ معه فان حكم الامان لم يثبت فيه ولا يقدر الوكيل على تسليمه بحكم البيع وان كان وكله بخصومة لم يجز ذلك على الحربى لان الالزام بخصومة الوكيل انما تكون على الموكل وليس للقاضى ولاية الالزام على من هو في دار الحرب قال وتوكيل المرتد المسلم ببيع أو قبض أو خصومة أو غير ذلك موقوف في قول أبى حنيفة رحمه الله بمنزلة سائر تصرفاته عنده انها توقف بين أن تبطل بقتله أو موته أو لحوقه بدار الحرب وبين ان تنفذ باسلامه فكذلك وكالته وعندهما تصرفات المرتد نافذة فكذلك وكالته ولو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الاسلام وإذا قضي القاضى بلحاقه بعد موته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة (ألا ترى) ان ابتداء الوكيل لا يصح في هذه الحال فان عاد مسلما لم تعد الوكالة في قول أبى يوسف رحمه الله وعادت في قول محمد رحمه الله. وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان قضاء
[ 15 ] القاضى بلحوقه بمنزلة القضاء بموته وذلك ابطال للوكالة وبعدما تأكد بطلان الوكالة بقضاء القاضى لا تعود الا بالتجديد ولانه لما عاد مسلما كان بمنزلة الحربى إذا أسلم الآن (ألا ترى) ان الفرقة الواقعة بينه وبين زوجته لا ترتفع بذلك فكذلك الوكالة التى بطلت لا تعود ومحمد رحمه الله يقول صحة الوكالة لحق الموكل وحقه بعد الحاقه بدار الحرب قائم ولكنه عجز عن التصرف لعارض والعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن فيبقى الوكيل على وكالته بعد ردة الموكل على حاله ولكن تعذر على الوكيل بمنزلة ما لو اغمى على الوكيل زمانا ثم افاق فهو على وكالته فاما إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت الوكالة لقضاء القاضى بلحاقه بدار الحرب فان عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته في رواية الكتاب فابو يوسف رحمه الله سوى بين الفصلين ومحمد رحمه الله يفرق فيقول الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بردته ولحاقه فبطلت الوكالة على البتات واما بردة الوكيل فلم يزل ملك الموكل قائما فكان محل تصرف الوكيل باقيا ولكنه عجز عن التصرف لعارض فإذا زال العارض صار كان لم يكن وجعل على هذه الرواية ردة الموكل بمنزلة عزله الوكيل لانه فوت محل وكالته بمنزلة ما لو وكله ببيع عبد ثم اعتقه وفى السير الكبير يقول محمد رحمه الله يعود الوكيل على وكالته في هذا الفصل أيضا لان الموكل إذا عاد مسلما يعاد عليه ماله عل قديم ملكه وقد تعلقت الوكالة بقديم ملكه فيعود الوكيل على وكالته كما لو وكل ببيع عبد له ثم باعه الموكل بنفسه ويرد عليه بالعيب بقضاء القاضى عاد الوكل على وكالته فهذا مثله قال وإذا وكل رجلان رجلا وأحدهما يخاصم صاحبه لم يجز أن يكون وكيلهما في الخصومة لانه يؤدى إلى فساد الاحكام فانه يكون مدعيا من جانب جاحدا من الجانب الآخر والتضاد منهى عنه في البيع والشراء فإذا كان في البيع لا يصلح الواحد ان يكون وكيلا من الجانبين ففى الخصومة أولى وان كانت الخصومة لهما مع ثالث فوكل واحدا جاز لان الوكيل معبر عن الموكل والواحد يصلح ان يكون معبرا عن اثنين كما يصلح ان يكون معبرا عن واحد وإذا وكل رجلا بالخصومة ثم عزله بغير علم منه لم ينعزل عندنا وقال الشافعي رحمه الله ينعزل لان نفوذ الوكالة لحق الموكل فهو بالعزل يسقط حق نفسه وينفرد المرء باسقاط حق نفسه (ألا ترى) انه يطلق زوجته ويعتق عبده بغير علم منهما ويكون ذلك صحيحا والثانى الوكالة للموكل لا عليه ولهذا لا يكون ملزما اياه فلو لم ينفرد بالعزل قبل علم الوكيل به كان ذلك عليه من وجه وذلك لا يجوز ولكنا نقول
[ 16 ] العزل خطاب ملزم للوكيل بان يمتنع من التصرف وحكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به كخطاب الشرع فان أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الامر بالتوجه إلى الكعبة وجوز لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لم يعلموا به وكذلك كثير من الصحابة رضوان الله عليهم شربوا الخمر بعد نزول تحريمها قبل علمهم بذلك وفيه نزل قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ولان هذا الخطاب مقصود للعمل ولا يتمكن من العمل ما لم يعلم ولو أثبتنا العزل في حق الوكيل قبل علمه أدى إلى الاضرار به والغرر ولم يثبت للوكيل عليه ولاية الاضرار به وهذا بخلاف ما إذا أعتق العبد الذى وكله ببيعه لان العزل هناك حكمي لضرورة فوات المحل فلا يتوقف على العلم وهنا انما يثبت العزل قصدا فلا يثبت حكمه في حق الوكيل ما لم يعلم به دفعا للضرر عنه حتى إذا نفذ القاضي القضاء على الوكيل قبل علمه بالعزل كان نافذا وللوصي أن يوكل بالخصومة لليتامى لانه قائم مقام الاب ولانه يملك مباشرة الخصومة بنفسه فله أن يستعين بغيره بخلاف الوكيل فان هناك رأى الموكل قائم وإذا عجز الوكيل عن المباشرة بنفسه فلا حاجة له إلى الاستعانة بغيره بل يرجع إلى الموكل ليخاصم بنفسه أو يوكل غيره وهنا رأى الموصى ثابت والصبي عاجز عن الخصومة بنفسه وانما يصير الاب وصيا له لدفع الضرر عن الصبي وذلك انما يحصل بمباشرة الوصي بنفسه تارة والاستعانة بغيره أخرى فلهذا ملك التوكيل قال وإذا وكل الرجل بالخصومة عند القاضى والقاضى يعرف الموكل فهو جائز لان علم القاضى بالوكالة يتم إذا عرف الموكل وعلمه أقوى من شهادة الشهود عنده وان لم يعرفه لم يقبل ذلك منه حتى يشهد للوكيل على الوكالة شاهدان يريد به أن الوكيل إذا حضر خصم يدعى لموكله قبله مالا وذلك الخصم يجحد وكالته فالقاضي يقول للوكيل قد عرفت أن رجلا من الناس قد وكلك ولكني لا أدرى من يدعى له الحق الآن هو ذلك الرجل أم لا لانى ما كنت أعرف ذلك الرجل فلهذا لا يجد الوكيل بدا من اقامة البينة على الوكالة من جهة ذلك الرجل الذي يدعى الحق له وإذا وكل الرجل بقبض عبد له أو اجارته فادعى العبد العتق من مولاه وأقام البينة ففي القياس لا تقبل هذه البينة لانها قامت على من ليس بخصم فان الوكيل بقبض العين لا يكون خصما والعبد انما يدعى العتق على مولاه والمولى غائب ولكنه استحسن
[ 17 ] فقال تقبل هذه البينة في قصر يد الوكيل عن العبد دون القضاء بالعتق لانها تتضمن العتق ومن صيرورته قصر يد الوكيل عن قبضه واجازته والوكيل ليس بخصم في أحدهما وهو اثبات العتق على الموكل ولكنه خصم في اثبات قصر يده وليس من ضرورة قصر يده القضاء بالعتق على الغائب فلهذا قلنا البينة في قصر يد الوكيل عنه وان لم يقم العبد البينة وادعى أن له بينة حاضرة أجله القاضى ثلاثا فان أحضر بينة والا دفعه إلى الوكيل لانه لا يتمكن من احضار الشهود الا بمهلة فلو لم يمهله القاضي أدى إلى الاضرار بالعبد ومدة الثلاث حسن لدفع الضرر وابلاغا للعذر كما اشترطت في الخيار وكذلك لو وكله بنقل امرأته إليه فاقامت البينة أن زوجها طلقها ثلاثا أو وكله بقبض دار فاقام ذو اليد البينة انه اشتراها من الموكل لانه وكيل بقبض العين والوكيل بقبض العين لا يكون خصما فيما يدعى على الموكل من شراء أو غير ذلك لكنه خصم في قصر يده عنه فتقبل البينة عليه في هذا الحكم ولو وكله بقبض دين له فأقام الغريم البينة انه قد أوفاه الطالب قبل ذلك منه في قول أبى حنيفة رحمه الله لان الوكيل بقبض الدين عنده يملك خصومته فيكون خصما عن الوكيل فيما يدعى عليه من وصول الحق إليه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الوكيل بقبض الدين كالوكيل بقبض العين في أنه نائب محض فتقصر وكالته على ما أمر به فلا يملك الخصومة ولا يكون خصما فيما يدعى على الموكل وقاساه بالرسول فان الرسول بقبض الدين لا يملك فكذلك الوكيل لان كل واحد منهما لا يلحقه شئ من العهدة وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل بقبض الدين وكيل بالمبادلة فيكون خصما كالوكيل بالبيع وبيان ذلك أن الديون تقضي بامثالها فكان الموكل وكله بان يملك المطلوب ما في ذمته بما يستوفى منه بخلاف الوكيل بقبض الدين فليس فيه من معنى التمليك شئ ثم قبض الدين من وجه مبادلة من وجه كانه غير حق الموكل لان من الديون ما لا يجوز الاستبدال به فلاعتبار شبهه بقبض العين قلنا لا تلحقه العهدة في المقبوض ولاعتبار شبهه بالمبادلة قلنا يملك الخصومة وليس هذا كالرسول فان الرسول في البيع لا يخاصم بخلاف الوكيل فكذلك في قبض الدين وهذا لان الرسالة غير الوكالة (ألا ترى) أن الله تعالى سمى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الخلق بقوله تعالى يا أيها الرسول ونفى عنه الوكالة بقوله قل لست عليكم بوكيل وقال الله تعالى وما أنت عليهم بوكيل فظهرت المغايرة بينهما والله أعلم
[ 18 ] (باب الشهادة في الوكالة) (قال رحمه الله) ويجوز من الشهادة في الوكالة ما يجوز في غيرها من حقوق الناس لان الوكالة لا تندرئ بالشبهات إذا وقع فيها الغلط أمكن التدارك والتلافى فتكون بمنزلة سائر الحقوق في الحجة والاثبات أو دونه ولا تفسد باختلاف الشاهدين في الوقت والمكان لانها كلام يعاد ويكرر ويكون الثاني عين الاول فاختلاف الشاهدين فيه في المكان والزمان لا يكون في المشهود به وان شهدا على الوكالة وزادا انه كان عزله عنها جازت شهادتهما على الوكالة ولم تجز شهادة احدهما على العزل عندنا وقال زفر رحمه الله لا يقضى بهذه الشهادة بالوكالة في الحال لان أحد الشاهدين يزعم انه ليس بوكيل في الحال فكيف يقضى بالوكالة بهذه الحجة ولكنا نقول العزل يكون اخراجا للوكيل من الوكالة ولا يتبين به أنه لم يكن وكيلا فقد اتفق الشاهدان على الوكالة وبعد ثبوتها تكون باقية إلى ان يظهر العزل فانما يقضى القاضى ببقاء الوكالة لان دليل العزل لم يظهر بشهادة الواحد وان شهد احدهما انه وكله بخصومة فلان في دار سماها وشهد الآخر انه وكله بالخصومة فيها وفى شئ آخر جازت الشهادة في الدار التى اجتمعا عليها لان الوكالة تقبل التخصيص فانه أنابه وقد ينيب الغير مناب نفسه في شئ دون شئ ففيما اتفق عليه الشاهدان تثبت الوكالة وفيما تفرد به احدهما لم تثبت وهو قياس ما لو شهد أحد شاهدى الطلاق أنه طلق زينب وشهد الآخر انه طلقها وعمرة فتطلق زينب خاصة لاتفاق الشاهدين عليها فكذلك هنا وان شهد له شاهدان بالوكالة والوكيل لا يدرى انه وكله أو لم يوكله غير أنه قال اخبرني الشهود أنه وكلنى بذلك فأنا اطلبها فهو جائز لان بخبر الشاهدين يثبت العلم للقاضى بالوكالة حتى يقضي بها فكذلك يثبت العلم للوكيل حتى يطلبها بل أولى لان دعوى الوكيل غير ملزمة وقضاء القاضى ملزم وهو نظير الوارث إذا أخبره الشاهدان بحق لمورثه على فلان جاز له أن يدعى ذلك ليشهدا له وان شهدا على وكالته في شئ معروف والوكيل يجحد الوكالة ويقول لم يوكلني فان كان الوكيل هو الطالب فليس له ان يأخذ بتلك الوكالة لانه أكذب شهوده حين جحد الوكالة واكذاب المدعى شهوده يبطل شهادتهم له بخلاف الاول فانه هناك ما أكذب شهوده بقوله لا أدرى أو وكلى أم لا ولكنه احتاط لنفسه وبين انه ليس عنده علم اليقين بوكالته وانما يعتمد خبر الشاهدين اياه بذلك وذلك يوجب العلم من حيث الظاهر فان كان الوكيل هو المطلوب فان شهدا انه قبل الوكالة لزمته الوكالة لان
[ 19 ] توكيل المطلوب بعد قبول الوكالة مجبر على جواب الخصم دفعا للضرر عن الطالب فانا لو لم نجبره على ذلك وقد غاب المطلوب تضرر المدعى بتعذر اثبات حقه عليه فانما شهدا عليه بما هو ملزم اياه فقبلت الشهادة وان يشهد على قبوله وله ان يقبل وله ان يرد لان الثابت من التوكيل بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاين توكيل المطلوب اياه كان هو بالخيار ان شاء رد لان احدا لا يقدر على ان يلزم غيره شيئا بدون رضاه فكذلك هنا ولو لم نجبره على الجواب هنا لا يلحق المدعي ضرر من جهة الوكيل وانما يلحقه الضرر بترك النظر لنفسه فاما بعد القبول فلو لم يجبره على الجواب تضرر الطالب بمعنى من جهة الوكيل لانه انما ترك المطلوب اعتمادا على قبول الوكيل الوكالة وتجوز شهادة الذميين على توكيل المسلم مسلما أو ذميا بقبض دينه من مسلم أو ذمى لان في هذه البينة معنى الالزام على المسلم فان الوكالة متى ثبتت استفاد المطلوب البراءة من حقه بدفع الدين إلى الوكيل وكان المقبوض امانة في يد الوكيل إذا هلك ضاع حق المسلم وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة في الزام شئ على المسلم وان كان الطالب ذميا والوكيل مسلما والمطلوب ذميا جازت شهادتهما لان الالزام في هذه الشهادة على الذمي فانها تلزم المطلوب دفع المال وهو ذمى ويبرأ بهذا الدفع عن حق الطالب وهو ذمى وشهادة أهل الذمة حجة على الذمي وان كان المطلوب مسلما فان كان منكرا للوكالة لم يجز شهادتهما لان فيها الزام قضاء الدين على المسلم المطلوب فيجبر على دفع المال إلى الوكيل متى ثبتت الوكالة وشهادة أهل الذمة لا تصلح للالزام على المسلم فان كان المطلوب مقرا بالدين والوكالة جازت شهادتهم لان معنى الالزام فيها على الطالب فاما الالزام على الطالب فقد ثبت باقراره بالدين والوكالة (ألا ترى) أن هذه البينة وان لم تقم كان هو مجبرا على دفع المال إلى الوكيل وانما تثبت بهذه البينة براءته عن حق الطالب بالدفع إلى الوكيل والطالب ذمى وإذا كان المطلوب غائبا فادعى الطالب في داره دعوى ونفاها المطلوب فشهدا بنا المطلوب أنه قد وكل هذا الوكيل بخصومته في هذه الدار والوكيل يجحد ذلك فهو باطل لانهما يشهدان لابيهما فانهما يثبتان بشهادتهما نائبا عن أبيهما ليخاصم الطالب ويقيم البينة حجة للدفع فيقرر به ملك أبيهما وشهادة الولد لا تقبل لابيه قال وكذلك لو كان الطالب يجحد الوكالة لان الوكيل ان كان جاحدا للوكالة فليس هنا من يدعيها وبدون الدعوى لا تقبل الشهادة على الوكالة وان كان الوكيل مدعيا للوكالة فالطالب لا يكون مجبرا على الدعوى وان كان هذا الرجل وكيلا كما لا يجبر على الدعوى
[ 20 ] عند حضرة المطلوب مع ان الابنين نصبا نائبا عن أبيهما ليثبتا حجة الدفع لابيهما على الطالب ولو أن رجلا كان له على رجل مال فغاب الطالب ودفع المطلوب المال إلى رجل ادعي انه وكيل الطالب في قبضه فقبضه ثم قدم الطالب فجحد ذلك فشهد للمطلوب ابنا الطالب بالوكالة جازت الشهادة لانهما يشهدان على أبيهما فان هذه الشهادة لو انعدمت كان للطالب أن يرجع في حقه على المطلوب إذا حلف انه لم يوكل الوكيل وعند قبول هذه الشهادة يبطل حقه في الرجوع على المطلوب ويستفيد المطلوب البراءة بما دفع إلى الوكيل فظهر أنهما يشهدان على أبيهما وشهادة الواحد على والده مقبولة ولو وكل رجل رجلا بقبض دين له على رجل وغاب فشهد على ذلك ابنا الطالب والمطلوب يجحد الوكالة لم تجز الشهادة لانهما ينصبان نائبا عن أبيهما ليطالب المطلوب بالدين ويستوفيه فيتعين به حق أبيهما فكانا شاهدين له وان أقر بها المطلوب وادعاها أحدهما جازت لان المطلوب باقراره بالوكالة صار مجبرا على دفع المال إلى الوكيل بدون هذه الشهادة فهذه الشهادة تقوم على الطالب في اثبات البراءة للمطلوب عن حقه بالدفع إلى الوكيل وشهادة الابنين على أبيهما مقبولة وان كان في يديه فشهد ابنا الطالب أن أباهما وكل هذا بالخصومة فيها وجحد ذلك المطلوب أو أقر لم تجز الشهادة أما إذا جحد فلما بيناه في الفصل الاول وأما إذا أقر به فلانه بهذا الاقرار لم يصر مجبرا على الدفع إلى الوكيل ولا على جوابه ان خاصمه (ألا ترى) أن البينة لو لم تقم هنا لم يكن الوكيل مجبرا بشهادتهما على شئ وان أقر بوكالته فانما يصير مجبرا بشهادتهما وهو بذلك يصير نائبا لابيهما ملزما على الغير فلا تقبل شهادتهما فيه (وأصل هذه المسألة) أن من جاء إلى المديون وقال أنا وكيل صاحب الدين في قبض الدين منك فصدقه فانه يجبر على دفع المال إليه ولو جاء إلى المودع وقال انا وكيل صاحب الوديعة في قبض الوديعة منك فصدقه فانه لا يجبر على الدفع إليه لان المديون انما يقضى الدين بملك نفسه فهو بالتصديق يثبت له حق القبض في ملكه واقراره في ملك نفسه ملزم فاما في الوديعة فهو بالتصديق يقر بحق القبض له في ملك الغير وقوله ليس بملزم في حق الغير وقد روي عن ابي يوسف رحمه الله أن المودع إذا صدق مدعى الوكالة فيها يجبر على دفعها إلى الوكيل لان باقرار الوكيل يكون أولى بامساكها منه واليد حقه فاقراره بها لغيره يكون ملزما ولانه يقر أنه يصير ضامنا بالامتناع من الدفع إلى الوكيل بعد طلبه واقراره بسبب الضمان على نفسه مثبت اياه ولا يثبت ذلك الضمان
[ 21 ] الا بثبوت الوكالة فاجبر على الدفع إليه ولو كان مسلم في يده دار ادعى ذمى فيها دعوى ووكل وكيلا بشهادة أهل الذمة لم تجز شهادتهم على الوكالة سواء أقر المسلم بالوكالة أو أنكرها أما إذا أنكرها فلان في هذه الشهادة الزام الجواب على المسلم عند دعوى الوكيل وأما إذا أقر بها فلان اقراره بالوكالة لا يلزمه الجواب هنا لما بينا أن اقراره لحق الغير فانه يلزمه ذلك بشهادة الشهود وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة على المسلم وان كان ذلك في دين وهو مقر به وبالوكالة أجبرته على دفعه إلى الوكيل لانه ليس في هذه الشهادة الزام شئ على المسلم وصار مجبرا باقراره على دفع الدين إلى الوكيل قال وليس هذا كالوكالة بالخصومة يريد به ان باقرار المطلوب يكون هذا وكيل الطالب بالخصومة ولا يلزمه الجواب لان اقراره يتناول حق الغير فهو بمنزلة اقراره بالوكالة بقبض العين بخلاف اقراره بالوكالة بقبض الدين وإذا شهد الشاهدان فشهد أحدهما أن فلانا وكل فلانا بقبض الدين الذى على فلان وشهد الآخر أنه أمره بأخذه منه أو أرسله ليأخذه فان كان المطللوب مقرا بالدين فله أن يأخذه لان الشاهدين اتفقا على ثبوت حق القبض له فان الرسول والمأمور به له حق القبض عند اقرار المطلوب بالدين كالوكيل وان جحد المطلوب الدين لم يكن هذا خصما له أما عندهما فظاهر فان الوكيل بقبض الدين لا يملك الخصومة عندهما وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أيضا وأما على ظاهر الرواية فالوكيل يملك الخصومة دون الرسول والمأمور بالقبض كالرسول فانما الشاهد له لحق الخصومة واحد وبشهادة الواحد لا يثبت شئ وان شهدا جميعا انه وكله بقبضه فحينئذ يكون خصما في اثبات الدين إذا جحد المطلوب ذلك باتفاق الشاهدين على ما يثبت له حق الخصومة عند أبى حنفية رحمه الله ولو وكله بتقاضي دين له بشهود ثم غاب فشهد ابنان للطالب ان أباهما قد عزله عن الوكالة وادعى المطلوب شهادتهما جازت شهادتهما لانهما يشهدان على أبيهما للمطلوب فان العزل إذا ثبت لم يكن المطلوب مجبرا على الدفع إلى الوكيل وشهادتهما على أبيهما مقبولة وان لم ندع شهادتهما أجبر على دفع المال إلى الوكيل لان الوكالة ظاهرة فجحوده العزل اقرار بثبوت حق القبض له في ماله وذلك صحيح (وبهذه المسألة) يتبين أن الوكيل بالتقاضى له أن يقبض كالوكيل بالخصومة بخلاف ما ظنه بعض أصحابنا رحمهم الله حيث جعلوا الوكيل بالتقاضى حجة لزفر رحمه الله في الخلافية وتكلفوا للفرق بينهما وكذلك شهادة الاجنبيين في هذا فان جاء الطالب بعد دفع المال فقال قد كنت أخرجته من الوكالة
[ 22 ] فأنا أضمن المطلوب لان دفعه إليه باقراره فان كان الشاهد على العزل أمين الطالب لم يكن له أن يضمن المطلوب شيأ لان شهادتهما الآن لابيهما على المطلوب فان أصل الوكالة ثابت وذلك يوجب براءة المطلوب بالدفع إلى الوكيل ما لم يثبت العزل فلهذا لا تقبل الشهادة وان كان الشاهدان على العزل أجنبيين فقد ثبت العزل بشهادتهما وكان للطالب أن يرجع بماله على المطلوب إذا شهدا أن الوكيل علم بالعزل وان شهد الابنان قبل قدوم أبيهما ان أباهما قد أخرج هذا من الوكالة ووكل هذا الآخر بقبض المال وان أقر المطلوب بذلك دفعه إلى الآخر لاقراره بثبوت حق القبض له في ملكه لا بشهادة الابنين بالوكالة له وان جحد دفعه إلى الاول لان وكالته ثابتة ولم يثبت العزل بشهادتهما حين أنكره المطلوب فكان مجبرا على دفع المال إليه فان كان الطالب ذميا فشهد مسلمان انه وكل هذا المسلم بقبض دينه على هذا والمطلوب مقر وشهد الذميان أنه عزله عن الوكالة ووكل هذا الآخر لم يجز على الوكيل الاول لان حق القبض ثابت له بظهور وكالته وهو مسلم فشهادة الذميين عليه بابطال حقه لا تكون مقبولة ولو كان الوكيل الاول ذميا جازت عليه لان شهادة أهل الذمة في ابطال حقه حجة عليه وإذا شهد ابنا الوكيل أن الطالب أخرج أباهما عن الوكالة ووكل هذا الآخر بقبض المال فهو جائز لانهما يشهدان على أبيهما في ابطال حق القبض الثابت له ويشهدان للآخر بثبوت حق القبض له وليس بينه وبينهما سبب التهمة ولو كان الشاهدان أمينى الوكيل لم تجز شهادتهما على الوكالة لابيهما لانهما يشهدان بثبوت حق القبض له ويجوز على اخراج الاول لانهما يشهدان عليه بالعزل وبطلان حقه في القبض وإذا شهد أنه جعله وكيلا في الخصومة في الدين الذى على فلان وشهد الآخر انه وكله بقبضه قبلت شهادتهما في قول أبى حنيفة رحمه الله في الخصومة والقبض جميعا وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تقبل في القبض إذا أقر المطلوب بالدين ولا تقبل في الخصومة إذا جحد المطلوب الدين وفى قول زفر رحمه الله لا تقبل في واحد منهما وهذا بناء على ما سبق أن الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا والوكيل بالقبض يملك الخصومة عند أبى حنيفة رحمه الله فقد اتفق الشاهدان على الحكمين معنى وانما اختلفا في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهد أحدهما بالتخلي ولآخر بالهبة وعندهما الوكيل بالقبض لا يملك الخصومة فقد اتفق الشاهدان على ثبوت حق القبض له فاما الشاهد بحق الخصومة لاحدهما فيثبت فيما اتفقا عليه دون ما انفرد به أحدهما وعند زفر رحمه الله الوكيل
[ 23 ] بالخصومة لا يملك القبض والوكيل بالقبض لا يملك الخصومة والشاهد أثبت أحد الامرين ولا تتم الحجة بشهادة الواحد وان شهد أحدهما انه وكله ببيع هذا العبد وشهد الآخر انه وكله بالبيع وقال لا تبع حتى تستأمرني فباع الوكيل العبد فهو جائز في القياس وقول الآخر حتى تستأمرني باطل لانهما اتفقا على الوكالة بالبيع وانفرد أحدهما بزيادة لفظ وهو قوله لا تبع حتى تستأمرني فكان قياس ما لو شهد أحدهما بالعزل وقد بينا هناك انه يثبت ما اتفقا عليه من الوكالة ولا يثبت ما انفرد به أحدهما وهو العزل فهذا مثله فقد أشار إلى القياس ولم يذكر الاستحسان وقيل جواب الاستحسان انه لا يقضى بشئ لانه في قوله لا تبع حتى تستأمرني يفسد الوكالة فانما شهد أحدهما بوكالة مطلقة والآخر بوكالة مقيدة والمقيد غير المطلق فلم يثبت واحد منهما بخلاف العزل فانه رفع للوكالة لا يفسد لها ولو قال احد الشاهدين وكل هذا بالبيع وقال الآخر وكل هذا وهذا لم يكن لهما ولا لاحدهما ان يبيع لان الشاهد بوكالة الثاني واحد ولا تثبت وكالته بشهادة الواحد والشاهد بثبوت حق التفرد للاول بالبيع واحد وهو الذى شهد بوكالته خاصة فان الاخر شهد بوكالة الاثنين وليس لاحد الوكيلين ان ينفرد بالبيع فلهذا لم يكن لاحدهما ان يبيع فان قيل إذا اجتمعا على البيع كان ينبغى أن ينفذ لاتفاق الشاهدين على نفوذه عند مباشرتهما ولا اعتبار بمباشرة الثاني لانه ليس بوكيل من جهة صاحب العبد فان الشاهد بوكالته واحد وليس بوكيل من جهة الوكيل الاول فسقط اعتبار مباشرته لنفوذ هذا البيع وكذلك هذا في قبض الدين ولو كان هذا في الوكالة بالخصومة كان الذى اجتمعا عليه هو الخصم لانهما اتفقا على ثبوت حق التفرد له في الخصومة فان أحد الوكيلين في الخصومة ينفرد بها ولكن إذا قضى له لا يملك القبض لان أحد الوكيلين لا ينفرد بالقبض فليس على ثبوت حق التفرد له بالقبض الا شاهد واحد فلهذا لا يقبضه وان شهد أحدهما انه قال أنت وكيلى في قبض هذا الدين وشهد الآخر انه قال انت حسيبي في قبضه كان جائزا لان كل واحد من اللفظين عبارة عن الوكالة فان الحسيب نافذ الامر وذلك يكون بالوكالة وانما اختلفا في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وكذلك لو شهدا هكذا في الخصومة أو قبض العين وان قال أحدهما انه قال أنت وكيلى وقال الآخر انه قال أنت وصيى لا تقبل هذه الشهادة لان الوصية تكون بعد الموت وحكمها مخالف لحكم الوكالة فلم تبق شهادة الشاهدين على شئ واحدا لا ان يشهد انه قال انت وصيى في حياتي فالوصية في الحياة
[ 24 ] تكون وكالة لانه أنابه في التصرف حال قيام ولايته وذلك انما يكون بالوكالة وانما الاختلاف بين الشاهدين هنا في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وان شهد أحدهما أنه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضى الكوفة وشهد الآخر انه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضى البصرة فهو جائز وهو وكيل بالخصومة لان المطلوب قضاء القاضى لا عين القاضى واقضية القضاة لا تختلف بل تكون بصفة واحدة في أي مكان كان قاضيا فقد اتفق الشاهدان على ما هو المقصود وهو الوكالة (ألا ترى) انه لو وكله بالخصومة عند القاضى فعزل أو مات فاستقضي غيره كان له أن يخاصم عنده وكذلك لو تحول الخصم إلى بلدة أخرى كان للوكيل أن يخاصم عند قاضيها وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما انه جعله وكيلا بالخصومة إلى فلان الفقيه وقال الآخر إلى فلان الآخر فهذا باطل لان الفقيه انما يصير حاكما بتراضيهما وكل واحد منهما يشهد برضا الموكل بحكومة إنسان على حدة فلم يثبت واحد من الامرين وهذا لان حكم الحكم بمنزلة الصلح لانه يعتمد تراضى الخصمين وذلك ليس بمعلوم في نفسه بل يتفاوت بتفاوت عدل الحكم وميله إلى أحدهما ورضاه بالتحكيم إلى انسان لا يكون رضا بالحكم إلى غيره وكذلك ان سمى أحدهما القاضى والآخر الفقيه لان الشاهد على التوكيل بالخصومة إلى فلان الفقيه لا يملك التحكيم فعرفنا اختلاف المشهود به وان شهد أحدهما انه وكله بطلاق فلانة وفلانة وقال الآخر فلانة وحدها فهو وكيل في طلاق التى اجتمعا عليها لاتفاق الشاهدين على ذلك فاما في طلاق الاخرى فالشاهد بالوكالة واحد ولو شهد أحدهما انه وكله بقبض هذا الدين وشهد الآخر انه سلطه على قبضه فالتسليط على القبض توكيل وانما الاختلاف بين الشاهدين في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وكذلك هذا في كل عقد ولو شهد رجلان على وكالة رجل بالخصومة في دار فاثبته القاضى وكيلا فيها ثم رجعا لم أضمنهما لانهما بالشهادة على الوكالة لم يتلفا على أحد شيئا وانما نصبا عن الموكل نائبا ليطالب بحقه والشاهد عند الرجوع انما يضمن ما أتلف بشهادته ثم رجوعهما غير مقبول في حق الوكيل فيضمن القاضى وكالته على حالها وإذا ادعى الوكيل دعوى في دار في يدى رجل لموكله فانكر ذو اليد الوكالة والدعوى فشهد ابنا ذى اليد علي الوكالة بالخصومة فهو جائز لانهما يشهدان على أبيهما فانهما يلزمانه الجواب عند دعوي الوكيل وإذا أشهدا رجلين على شهادتهما ثم ارتد الاصليان ثم أسلما لم تجز شهادة الآخرين على شهادتهما لان شهادتهما عند الآخرين تبطل بارتدادهما بمنزلة شهادتهما عند القاضى
[ 25 ] فانهما لو شهدا عند القاضى ثم ارتدا قبل القضاء بطلت شهادتهما فكذلك إذا شهدا عند الفرعيين والحاصل ان بردتهما لا يبطل أصل شهادتهما انما يبطل أداؤهما لان سبب أصل الشهادة معا بينهما وذلك لا ينعدم بالردة ولان اقتران الردة بالتحمل لا يمنع صحة تحمل الشهادة فاعتراضهما لا يمنع البقاء بطريق الاولى فاما اقتران الردة بالاداء فيمنع صحة الاداء فاعتراضهما بعد الاداء قبل حصول المقصود به يكون مبطلا للاداء وانما يجوز للفرعيين ان يشهد بأداء الاصليين عندهما وقد بطل ذلك بردتهما وان شهد الاصليان بانفسهما بعد ما أسلما جازت شهادتهما لبقاء أصل الشهادة لهما بعد الردة وكذلك لو شهد على شهادتهما رجلان ثم فسقا لم يجز أداؤهما لان أداءهما عند الفرعيين بمنزلة أدائهما عند القاضى وفسق الشاهدين عند الاداء يمنع القاضى من العمل بشهادتهما فكذلك فسقهما هنا يمنع الفرعيين من أن يشهدا على شهادتهما ولكن انما يبطل بفسقهما اداؤهما لا أصل شهادتهما حتى إذا تابا واصلحا ثم شهدا بذلك جاز وكذلك لو شهدا على شهادتهما بعد التوبة ذلك الشاهدان أو غيرهما جاز فان شهد الفرعيان على شهادة الفاسقين عند القاضى فردهما لتهمة الاولين لم يقبلها أبدا من الاولين ولا ممن يشهد على شهادتهما لان الفرعيين نقلا شهادة الاصليين إلى القاضى فكأنهما حضرا بانفسهما وشهدا والفاسق إذا شهد فرد القاضى شهادته تابد ذلك الرد ولان الفسق لا يعدم الاهلية للشهادة فالمردود كان شهادة وقد حكم القاضى ببطلانها فلا يصححها بعد ذلك أبدا وان كان الاصليان عدلين فرد القاضي الشهادة لفسق الفرعيين ثم حضر الاصليان وشهدا قبل القاضي شهادتهما لان القاضي انما أبطل هنا نقل الفرعيين لفسق فيهما وما أبطل المنقول وهو شهادة الاصليين لان ابطال الفسق المنقول لا يكون الا بعد ثبوته في مجلسه ولم يثبت ذلك الا بنقل الفاسق بخلاف الاول فان النقل هناك قد ثبت بعدالة الفرعيين وانما ابطل القاضى المنقول وهو شهادة الاصليين فلا يقبلها بعد ذلك وكذلك ان شهد شاهدان على شهادة عبدين أو كافرين على مسلم فرد القاضى ذلك ثم عتق العبدان أو أسلم الكافران فشهدا بذلك جاز لانهما لو شهدا عند القاضى بانفسهما فرد القاضى شهادتهما ثم اعادا بعد العتق والاسلام قبل ذلك منهما لما ان المردود لم يكن شهادة فان العبد ليس من أهل الشهادة وكذلك الكافر ليس من أهل الشهادة على المسلم فلم يحكم القاضى ببطلان ما هو شهادة هنا فله أن يقبلها بعد ذلك بخلاف الفاسقين فإذا ثبت هذا الحكم عند ادائهما فكذلك عند أداء الفرعيين ولا تجوز شهادة أهل الحرب بعضهم على
[ 26 ] بعض في دار الحرب لان حال الحربى في دار الحرب كحال الارقاء أو دون ذلك لانه لا يملك دفع ملك الغير عن نفسه بالاستيلاء فلا شهادة لهم ولا يجوز لقاضي المسلمين أن يعمل بذلك ان كتب به إليه ملكهم اما لانه ليس بحجة أو لان ملكهم بمنزلة الواحد منهم فلا يكون كتابه حجة عند القاضي انما الحجة كتاب القاضى إلى القاضى وملكهم ليس بقاض في حق قاضى المسلمين ولا في دار الاسلام فلهذا لا يلتفت إلى كتابه والله أعلم (باب كتاب القاضي إلى القاضي في الوكالة) (قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل بالخصومة في دار له يقبضها والدار في مصر سوى المصر الذى هو فيه فأراد أن يأخذ كتاب القاضى بالوكالة فذلك جائز لان الوكالة تثبت مع الشهادة فيجوز فيها كتاب القاضى إلى القاضى والقياس يأبى كون كتاب القاضى إلى القاضى حجة لان القاضي الكاتب لا ولاية له على الخصم الذى هو في غير بلده وكتابه لا يكون حجة عليه ولان الخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم والكتاب قد يفتعل ولكنا تركنا القياس لحديث علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه فان فيه كتاب القاضى إلى القاضى ولان بالناس حاجة ماسة إلى ذلك لانه قد يتعذر عليه الجمع بين الخصم وبين شهوده في مجلس القضاء وربما لا يعرف عدالة شهوده في المصر الذى فيه الخصم لو شهد على شهادتهم قبيل كتاب القاضى إلى القاضى لينقل شهوده كتابه إلى مجلس قاضى البلد الذى فيه الخصم ويثبت عدالتهم في كتابه فلاجل الحاجة جوزنا ذلك بشرط ان يحتاط فيه ثم بين صفة الكتاب فقال ينبغى للقاضى ان يسئله البينة انه فلان بن فلان الفلاني بعينه وهذا إذا لم يعرفه القاضي باسمه ونسبه فان كان ذلك معلوما له فعلم القاضى فيه أبلغ من البينة فلا يسأله البينة على ذلك ولكن يذكر في كتابه وقد أثبته معرفة وإذا كان لا يعرف اسمه ويشتبه فلابد من أن يسأله البينة على ذلك لانه يحتاج في كتابه إلى أن يعرفه عند القاضى المكتوب إليه وتعريف الغائب انما يكون بالاسم والنسب فما لم يثبت ذلك عنده لا يمكنه ان يعرفه في كتابه وإذا أثبت ذلك الشهود عنده وزكوا كتب له وسماه وينسبه إلى أبيه وقبيلته قالوا وتمام التعريف ان يذكر اسم أبيه واسم جده وان ذكر قبيلته مع ذلك فهو أبلغ وان ترك ذلك لم يضره ويذكر في كتابه انه قد أقام عنده البينة بذلك وزكوا شهوده في السر والعلانية وان شاء سمى الشهود وان شاء
[ 27 ] ترك ذكرهم وقال اعرف وجهه واسمه ونسبه لان تعريفه عند القاضى المكتوب إليه كتاب القاضى لا شهوده عند القاضى الكاتب فيجوز ان يترك ذكرهم ثم يكتب وذكر ان دارا في البصرة في بنى فلان ويذكر حدودها له وانه قد وكل في الخصومة فيها وقبضها فلانا بن فلان فان كان الوكيل حاضرا عند الكاتب جلاه مع ذلك في الكتاب ليكون أبلغ وان ترك ذلك لم يضره ثم يختم الكتاب ليؤمن بالختم من التغيير والزيادة والنقصان فيه ويشهد على ختمه شاهدين وإذا قدم الوكيل كتابه سأله القاضى البينة على الكتاب والخاتم وما فيه لانه يوهم ان هذا كتاب القاضى إليه وهو لا يعرف حقيقة ذلك وما غاب عن القاضى علمه فطريق اثباته عنده شهادة شاهدين وعلم الشاهدين بما في الكتاب شرط عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لابي يوسف رحمه الله (وهى مسألة أدب القاضي) فان شهدوا بذلك فزكوا سأل الوكيل البينة أنه فلان بن فلان بعينه وهذا إذا كان المكتوب إليه لا يعرف الوكيل باسمه ونسبه فإذا كان يعرفه فلا حاجة إلى اقامة البينة عليه وان كان لا يعرفه يقول للوكيل قد علمت بهذا الكتاب ان الوكيل فلان بن فلان ولكن لا ادرى انك ذلك الرجل أم لا فيحتاج إلى اقامة البينة على اسمه ونسبه لهذا فإذا أقام البينة وزكوا ادعى بحجة صاحبه في الدار لانه قائم مقام الموكل ولو حضر الموكل بنفسه طالبه بالحجة على ما يدعى من الحق في الدار فكذلك إذا حضر وكيله وان سأل القاضى الوكيل البينة ان فلان بن فلان بعينه قبل ان يسأله البينة على الكتاب فذلك صواب وأحسن لانه لابد في اقامة البينة على الكتاب والخاتم من مدعيه والمدعى من ذكر له انه وكيل وأنا عرفت عنده بالاسم والنسب فيقيم البينة أولا على اسمه ونسبه حتى إذا ثبت انه فلان بن فلان سمع دعواه في كتاب القاضى وختمه فهذا الترتيب أحسن والاول جائز أيضا لانه ليس في أحدهما بدون صاحبه الزام شئ على الخصم فبأيهما كانت البداءة جاز ولا ينبغى للقاضى أن يفتح كتاب القاضى الا والخصم معه لانه مندوب إلى أن يصون نفسه عن أسباب التهمة ولو فتح الكتاب بدون حضور الخصم ربما يتهمه الخصم بتغيير شئ منه وإذا قبض الوكيل الدار لم يكن له أن يؤاجرها ولا يرهنها ولا يسكنها أحدا لانه انما وكل بالخصومة فيها وبقبضها وهذه التصرفات وراء ذلك فهو فيها كأجنبي آخر وان ادعى رجل فيها دعوى فهو خصم فيها لانه وكله بالخصومة فيها ولم يسم في الوكالة أحدا بعينه فان كان سمى في الوكالة انسانا لم يكن له أن يخصم غيره لان التخصيص في الوكالة
[ 28 ] صحيح إذا كان مقيدا وهذا مقيد اما لان الموكل رضي بكونه نائبا عنه في الاثبات له على فلان دون الاثبات عليه لغيره أو لان الناس يتفاوتون في الخصومة فقد يقدر الوكيل على دفع خصومة انسان ولا يقدر على دفع خصومة غيره لكثرة هدايته في وجوه الحيل والقاضي في التوكيل لنفسه بمنزلة غيره من الرعايا لانه مالك للتصرف في حقوق نفسه فله أن يوكل غيره بذلك ولا يجوز قضاؤه بين وكيله وبين خصمه لان قضاءه لوكيله بمنزلة قضائه لنفسه وهو في حق نفسه لا يكون قاضيا لان القضاء فوق ولاية الشهادة وإذا كان المرء في حق نفسه لا يكون شاهدا فكذلك لا يكون قاضيا وكذلك كل من لا تجوز شهادته له من أبيه أو أمه أو زوجته أو ابنه لا يجوز قضاؤه له ولا لوكيله وكل من جازت شهادته له جاز قضاؤه له لان أقرب الاسباب إلى القضاء الشهادة فان القضاء يكون بالشهادة والشهادة تصح بالقضاء فإذا جعل في حكم الشهادة من سميا بمنزلة نفسه فكذلك في حكم القضاء ولو أن رجلا وصى بثلث ماله للقاضى وأوصى إلى رجل آخر لم يجز قضاء القاضى لذلك الميت بشئ من الاشياء لان له نصيبا فيما يقضى به للميت من المال فكان قاضيا لنفسه من وجه فكما لا يقضى عنده دعوى الوصي فكذلك عند دعوى الوكيل للوصي وكذلك ان كان القاضى أحد ورثة الميت ولم يوص له بشئ لانه قاض لنفسه من وجه وكذلك ان كان الموصى له أو الوارث ابن القاضى أو امرأته لانه بمنزلة نفسه (ألا ترى) أنه لا يصلح للشهادة فيما يدعى للميت من المال فكذلك لا يصلح للقضاء وكذلك ان كان للقاضى على الميت دين لانه بهذا القضاء يمهد محل حقه فانه إذا اثبت بقضائه تركة الميت استبد باستيفائه بدينه فكان قاضيا لنفسه من هذا الوجه ولو اختصم رجلان في شئ فوكل أحدهما ابن القاضى أو عبده أو مكاتبه لم يجز قضاء القاضى للوكيل على خصمه لان حق القبض بقضائه يثبت للوكيل فإذا كان عبده أو ابنه كان بمنزلة القضاء له ولو قضى للخصم على الوكيل جاز بمنزلة قضائه على ابنه أو عبده إذ لا تهمة في قضائه على ابنه وانما التهمة في قضائه له (ألا ترى) ان شهادته على ابنه مقبولة بخلاف شهادته له وإذا وكل رجلا بالخصومة ثم ولى الوكيل القضاء لم يجز قضاؤه في ذلك لانه فيما يدعيه لنفسه لا يكون قاضيا فكذلك فيما هو وكيل فيه لان حق القبض يثبت له فلو أراد أن يجعل مكانه وكيلا آخر لم يجز أيضا لان الموكل ما رضي بتوكيل غيره ولكنه لو عزل عن القضاء كانت وكالته على حالها لان نفاذ القضاء لا ينافى الوكالة وان كان يمنعه من القضاء بها كما لا ينافى أصل حقوقه وان كان هو ممنوعا من
[ 29 ] القضاء بها (ألا ترى) انه لو وكل وهو قاض كان التوكيل صحيحا وكان وكيلا حتى إذا عزل كان وكيلا فإذا كان اقتران القضاء بالوكالة لا يمنع ثبوتها فطريانه لا يرفعها وكان بطريق الاولى وكذلك لو وكل رجل القاضى ببيع أو شراء أو قبض جاز ذلك لانه يملك البيع والشراء لنفسه فكذلك للغير وكذلك لو وكل القاضى بالخصومة فهو على وكالته إذا عزل عن القضاء وان قال له الموكل ما صنعت من شئ فهو جائز فوكل القاضى وكيلا يخاصم إليه بذلك فالتوكل صحيح لان الموكل أجاز صنعه على العموم والتوكيل من صنعه ولكن لا يجوز قضاؤه للوكيل لانه إذا كان هو الذى وكله فقضاؤه له كقضائه لنفسه من وجه (ألا ترى) انه لا يصح ان يكون شاهدا فيما يدعيه وكيله وكذلك لو كان هذا وكيل ابنه أو بعض من هو ممن لا يجوز شهادته له قال وإذا وكل القاضى ببيع عبده وكيلا فباعه فخاصم المشترى الوكيل في عيب لم يجز قضاء القاضى فيه لموكله لانه بمنزلة قضائه لنفسه فان ما يلحق الوكيل من العهدة يرجع به على الموكل فيندفع عنه أيضا ففى الحقيقة انما يندفع عن الموكل وان قضى به على الوكيل جاز لان أكثر ما فيه أنه بمنزلة القضاء على نفسه ولا تهمة في ذلك فكذلك على ابنه ومن لا يجوز شهادته له ولو وكل القاضى وكيلا يبيع لليتامى شيئا ثم خاصم المشترى في عينه جاز قضاء القاضى للوكيل في ذلك لان الوكيل هنا نائب عن اليتيم لا عن القاضي حتى إذا لحقته عهدة رجع بها في مال اليتيم فلا يكون القاضى في هذا القضاء دافعا عن نفسه وإذا وكل ابن القاضى وكيلا في خصومة فخاصم إلى القاضى ثم مات الموكل لم يجز له أن يقضى للوكيل به لانه فيما يقضى به له نصيب فيه وان قضي به قبل موت الموكل جاز لانه لا حق للوارث قبل موت المورث في ماله ولكن هذا إذا كان الوارث ممن تجوز شهادة القاضى له ولو وكلت امرأة القاضى وكيلا بالخصومة ثم بانت منه وانقضت عدتها فقضى لوكيلها جاز وكذلك وكيل مكاتبه إذا عتق المكاتب قبل القضاء والحاصل ان المعتبر وقت القضاء لا وقت التوكيل لان الالزام انما يكون بالقضاء فإذا لم يكن عند ذلك سبب ممكن للتهمة كان القضاء نافذا والا فلا وإذا كان ابن القاضى وصيا ليتيم لم يجز قضاؤه في أمر اليتيم لان فيما يقضى به لليتيم حق القبض يثبت للوصي فإذا كان الوصي ابن القاضى كان هذا بمنزلة قضائه لابنه من وجه فلهذا لا يجوز والله أعلم
[ 30 ] (باب وكالة وصى اليتيم) (قال رحمه الله) ويجوز لوصي اليتيم أن يوكل في كل ما يجوز له أن يعلمه بنفسه من أمور اليتيم وقد بينا الفرق بين الوصي والوكيل مع أنه لا فرق في الحقيقة لان الوصي مفوض إليه الامر على العموم ولو فوض إلى الوكيل بهذه الصيغة بان قال ما صنعت من شئ فهو جائز كان له أن يوكل غيره فكذلك الوصي فان بلغ اليتيم قبل أن يصنع الوكيل ذلك لم يجز له أن يفعله لان حق التصرف للوكيل باعتبار حق التصرف للوصي وببلوغ اليتيم عن عقل انعزل الوصي حتى لا يملك التصرف فكذلك وكيله ولان استدامة الوكالة بعد بلوغ اليتيم كانشائها ولو وكله الوصي بعد بلوغ اليتيم لم يجز فكذلك لا تبقى وكالته وإذا وكل اليتيم بشئ من أموره وكيلا لم يجز الا باجازة وصيه كما لو باشر ذلك التصرف بنفسه لا يجوز الا باجازة وصيه فان كان لليتيم وصيان فوكل كل واحد منهما رجلا على حدة بشئ مما ذكرنا قام وكيل كل واحد منهما مقامه وجاز له ما يجوز له لان بالتوكيل أقامه مقام نفسه وهو في حق نفسه مستبد بالتصرف فيقوم كل واحد من الوكيلين مقام موكله ثم ان الخلاف معروف في أن أحد الوصيين لا ينفرد بالتصرف عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله الا في أشياء معدودة خلافا لابي يوسف رحمه الله فكذلك وكيل كل واحد منهما قال وإذا كان الصبى في حجر ذى رحم محرم يعوله وليس بوصى له لم يجز عليه بيع ولا شراء ولا خصومة ولا غير ذلك لان نفوذ هذه التصرفات يعتمد الولاية ولا ولاية له على اليتيم فلا ينفد تصرفه فيما سوى اجارته وقبض الصدقة والهبة له استحسانا اما اجارة نفسه ففى القياس لا يجوز لانها تعقد على منافع نفسه ويلزمه بحكم ذلك العقد تسلم نفسه ولا ولاية له عليه في ذلك ولكنه استحسن فقال المقصود من هذه الاجارة أن يتعلم الصبى ما يكتسب به إذا احتاج إليه وهو منفعة محضة له لو أراد من يعوله أن يعلمه ذلك بنفسه ويستخدمه في ذلك ليتعلم جاز ذلك فكذلك له أن يسلمه إلى غيره ليعلمه ذلك من غير عوض يحصل له فإذا أجره لذلك لحصل له عوض بازاء منافعه فكان إلى الجواز أقرب والزام التسليم بحكم هذا العقد فيه منفعة لليتيم لانه يبقى محفوظا بيد من يحفظه وهو محتاج إلى الحافظ فاذن قبض الهبة والصدقة لا يستدعى الولاية (ألا ترى) ان القبض للصبي وله أن يقبض بنفسه إذا كان يعقل ذلك هو لانه محض منفعة لا يشوبها
[ 31 ] ضرر ولا معتبر بالولاية فيه (ألا ترى) ان من يعوله يحفظه ويحفظ ما معه من ماله فكذلك يحفظ ما يوهب له ولا يتأتى ذلك الا ببينة وان أجر عبده أو دابته لم يجز لان الاجارة نوع بيع يعتمد الولاية ولا مقصود فيه سوى أسباب المال فيكون بمنزلة بيع الرقبة قال وإذا وكل وصى الميت وكيلا في خصومة اليتيم أو بيع أو شراء ثم مات الوصي بطلت الوكالة لان نفوذ تصرف الوكيل باعتبار ولاية الوصي ورأيه وقد انقطع ذلك بموته فتبطل الوكالة أيضا والله أعلم (باب الوكالة بالقيام على الدار وقبض الغلة والبيع) (قال رحمه الله) وإذا وكل وكيلا بالقيام على داره واجارتها وقبض غلتها لم يكن له ان يينى ولا يرم شيئا منها لانه تصرف وراء ما أمر به وانه انما أمر بحفظ عينها والاعتياض عن منافعها والبناء والترميم ليسا من هذا في شئ بل هو احداث شئ آخر فيها فلا يمكنه بدون أمر صاحبها وكذلك لا يكون وكيلا في خصومتها لانه مأمور بحفظها كالمودع ولا يكون المودع وكيلا بالخصومة لمن يدعى في الوديعة حقا فكذلك هذا ولو هدم رجل منها بيتا كان وكيلا بالخصومة في ذلك بمنزلة المودع وهذا لان الهادم استهلك شيئا مما في يده وقد أمر بحفظه وحفظ الشئ بامساك عينه حال بقائه ولا بدل له عند استهلاك العين ولا يتوصل إلى ذلك الا بان يخاصم المستهلك ليسترد فكان خصما في ذلك كما يكون خصما للغاصب في استرداد العين وكذلك لو أجرها من رجل فجحد ذلك الرجل الاجارة كان خصما له حتى يثبتها عليه لانه هو الذى باشر العقد والاجارة أحد البيعين والمباشر للبيع هو الخصم في اثباته عند الحاجة وكذلك المباشر للاجارة وان وقعت الحاجة إلى اثبات تسليم العين إليه كان الخصم له في ذلك أيضا لانه هو الذى يسلمها وكذلك ان سكنها المستأجر وجحد الاجر فانما كان وجوب الاجر بعقد الوكيل وقبض الحق إليه فكان خصما في اثباته لان الاجارة من العقود التى تتعلق الحقوق فيها بالعاقد وليس للوكيل أن يدعى شيئا من هذه الدار لنفسه لانه أقر أنه وكيل فيها وذلك يهدم دعواه فان بين كونه مالكا للعين وبين كونه وكيلا فيها منافاة فاقراره بالوكالة يجعله مناقضا في دعواه الملك لنفسه وليس لهذا الوكيل أن يوكل بها غيره وكذلك الوكيل بالبيع ليس له أن يوكل غيره به الا على قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى فانه يقول لما ملك
[ 32 ] الوكيل التصرف بنفسه بعد الموكل ملك التفويض إلى غيره بالوكالة كما في حقوق نفسه ولكنا نقول الموكل وصى برأى الوكيل الاول والناس يتفاوتون في الرأى فلا يكون رضاه برأيه فيما يحتاج فيه إلى الرأى رضا برأى غيره وكان هو في توكيل الغير به مباشره غير ما أمره به الموكل ومتصرفا على خلاف ما رضى به فلا يجوز الا أن يبيع الوكيل الثاني بمحضر من الوكيل الاول فحينئذ يجوز عندنا استحسانا وعند زفر رحمه الله لا يجوز كما لو باعه في حال غيبته وهذا لان حقوق العقد انما تتعلق بالعاقد والموكل انما رضى بان تتعلق الحقوق بالوكيل الاول دون الثاني ولو جاز بيع الثاني بمحضر من الاول تعلقت الحقوق به دون الاول ولكنا نقول مقصود الموكل من هذا أن يكون تمام العقد برأى الوكيل الاول وان كان هو حاضرا فاتمام العقد برأيه فكان مقصوده حاصلا بخلاف ما إذا كان عاما والدليل عليه أنه إذا كان حاضرا يصير كانه هو المباشر للعقد (ألا ترى) ان الاب إذا زوج ابنته البالغة بشهادة رجل واحد بحضرتها يجعل كأنها هي التى باشرت العقد حتى يصلح الاب ان يكون شاهدا ولا معتبر بالعقد فانه لو باعه غيره فأجاز الوكيل جاز لان تمام العقد برأيه وان كانت حقوق العقد تتعلق بالمباشر عند الاجازة فكذلك إذا باع بمحضر منه ولو كانا وكيلين في اجارة أو بيع ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز لان الموكل رضى برأيهما ورأى أحدهما لا يكون برأيهما وهذا بخلاف الوكيلين بالخصومة لان هناك يتعذر اجتماعهما على الخصومة فيكون الموكل راضيا بخصومة كل واحد منهما على الانفراد وهنا اجتماعهما في العقد يتيسر وهذا عقد يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير فلا ينفرد به أحدهما إذا رضى الموكل برأيهما وكذلك المرمة والبناء في هذا ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز وان صرح الموكل بذلك لان الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدى إلى تضاد الاحكام فانه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما مخاصما في العيب ومخاصما وفيه من التضاد ما لا يخفى ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله بمطلق الوكالة أيضا ويجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا من عبده ومكاتبه هكذا أطلق الجواب في كتاب البيوع والوكالة وفى المضاربة يقول بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز وانما الخلاف في البيوع بالغبن البين فمن اصحابنا رحمهم الله من يقول من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب ثم وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
[ 33 ] انه ليس للوكيل فيما يشترى هؤلاء ملك ولا حق ملك فبيعه منهم كبيعه من أجنى آخر بخلاف العبد والمكاتب فان كسب عبده له وفى كسب مكاتبه له حق الملك فتلحقه التهمة بالبيع منهما فلا يملك ذلك كما لا يملك البيع من نفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل بالبيع يوجب الحق للمشترى في ملك الغير والانسان متهم في حق ابنه وامرأته فيما يوجبه لهما في ملك الغير (ألا ترى) انه لو شهد له لا تقبل شهادته وجعل بمنزلة الشاهد لنفسه أو لعبده أو مكاتبه فكذلك إذا باعه منه ثم ان كان الخلاف في البيع بالغبن اليسير فكلام أبى حنيفة رحمه الله واضح فيه لانه في حق الأجنبي انما جعل الغبن اليسير عفوا لانه ليس بينه وبين الوكيل سبب يجر إليه تهمة الميل فالظاهر انه خفي عليه ذلك فاما ما بينه وبين ابنه أو أبيه فسبب يجر تهمة الميل لنفوذ الوكالة وان اجريت على اطلاقها فتخصيصها بالتهمة (ألا ترى) أنه لا يملك البيع من هؤلاء بالغبن الفاحش بالاتفاق وإذا دخله الخصوص حمل على أخص الخصوص وهو جعل الخلاف على البيع بمثل القيمة والفرق بين المضارب والوكيل ان المضارب كالمتصرف لنفسه من وجه (ألا ترى) أنه لا يجوز نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا وانه شريكه في الربح فلا تلحقه التهمة في البيع بمثل القيمة من هؤلاء لانه انفاذ في العين دون المالية وفى الغبن هو كالمتصرف لنفسه بخلاف البيع بالغبن فانه ايثار له في شئ من المالية وهو في ذلك نائب محض فاما الوكيل ففى العين والمالية جميعا نائب فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة الا أن يكون الموكل قد أجاز له في الوكالة بان قال له بع ممن شئت العموم فحينئذ يجوز بيعه من هؤلاء وهذه الزيادة لم يذكرها هنا لانه لما فوض الامر إليه على العموم كان ذلك بمنزلة التنصيص على البيع من هؤلاء فان اللفظ العام يكون نصا في كل ما يتناوله فلهذا جاز بيعه من هؤلاء بعد هذه الزيادة الا من عبده الذى لا دين عليه لانه لا نص على بيعه منه فلم يجز فان كسبه ملك مولاه فبيعه منه كبيعه من نفسه فاما عند اطلاق الوكالة فلا يملك البيع من هؤلاء لان الامر مطلق والمطلق غير العام فلم يكن اطلاقه بمنزلة التنصيص على كل بيع يباشره فلهذا لا يملك البيع من هؤلاء لتمكن سبب التهمة بينه وبينهم كما لا يبيعه من مكاتبه قال وإذا باع الوكيل الدار والخادم فطعن المشتري بعيب فخصومته في العيب مع الوكيل حتى يرد وكذلك الخصومة في العين إلى الوكيل حتى يقبضه عندنا وهو بناء على أن حقوق العقد عندنا تتعلق بالوكيل في البيع والشراء وعلى قول الشافعي رحمه الله حقوق
[ 34 ] العقد تتعلق بالموكل وليس للوكيل من ذلك شئ لانه نائب في التصرف عن الموكل معبر عنه فلا تتعلق حقوق العقد به كالوكيل بالنكاح ودليل الوصف أن حكم العقد وهو الملك يثبت للموكل دون الوكيل ولنا ان العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد لنفسه لان مباشرته العقد بالولاية الاصلية الثابتة له الا أنه كان لا ينفذ تصرفه بهذه الولاية في محل هو مملوك للغير الا برضا المالك به فالتوكيل لتنفيذ حكم التصرف في محل الاثبات والولاية له وإذا كان تصرفه بالولاية الاصلية كان عقده لنفسه ولغيره سواء فيما هو من حقوقه والدليل عليه أنه مستغن عن اضافة العقد إلى الموكل فان الوكيل بشراء شئ بعينه لو لم يضف العقد إلى الموكل يقع للموكل بخلاف النكاح حتى إذا أضافه إلى نفسه كان العقد له دون الموكل فعرفنا أنه معبر عنه (توضيحه) أن الوكيل بالنكاح ليس له قبض المعقود عليه والوكيل بالشراء له قبض السلعة وحقيقة الفرق أن كل عقد يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه كالعاقد لنفسه وكل عقد لا يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه يكون مغايرا فموجب النكاح ملك البضع وهو لا يحتمل النقل وموجب الشراء ملك الرقبة وهو يحتمل النقل فيجعل كان الوكيل يملكه بالشراء تم ملكه من الموكل هذا على طريقه الكرخي رحمه الله حيث يقول الملك أولا فاما على طريقة أبى طاهر الدباس رحمه الله الملك يقع للموكل ولكن يعقده الوكيل على سبيل الخلافة عنه وملك النكاح لا يحتمل مثل هذه الخلافة فاما ملك المال فيحتمل (ألا ترى) أن بعقد العبد الملك يقع لمولاه وبعقد المورث يقع لوارثه بعد موته فلهذا كان الوكيل فيه بمنزلة العاقد لنفسه فيما هو من حقوق العقد وإذا رد عليه بالعيب بغير قضاء قاض بعيب يحدث مثله أو لا يحدث لزمه دون الآمر وقد بينا اختلاف الروايات في هذا في الاقرار أما وكيل الاجارة فله أن يقبل بدون القاضى وإذا قبله لم يلزمه ومن اصحابنا رحمهم الله من قال لا فرق بينهما لان المعقود عليه في الاجارة لا يصير مقبوضا بقبض الدار ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان في ضمان الاجير فيكون هذا من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب بغير قضاء القاضى قبل القبض وهناك يلزم الآمر فكذلك في الاجارة فاما في الكتاب فعلل للفرق بين الفصلين وقال لان فسخ الاجارة ليس باجارة ومعنى هذا أن القول بالعيب بغير قضاء القاضى في البيع يجعل بمنزلة عقد مبتدإ في حق غير المتعاقدين والموكل غيرهما فصار في حقه كان الوكيل اشتراه ابتداء فيلزمه دون
[ 35 ] الآمر وفى الاجارة لا يجعل هكذا لان على أحد الطرفين الاجارة في معنى عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة فبعد الرد بالعيب يمتنع الانعقاد لا ان يجعل ذلك عقدا مبتدأ بين المستأجر والوكيل وعلى الطريقة الاخرى العقد منعقد باعتبار اقامة المعقود عليه وهو المنفعة وهذا حكم ثبت للضرورة ولا ضرورة إلى أن يجعل الرد بالعيب عقدا مبتدأ ليقام رقبة الدار فيه مقام المنفعة قال وللوكيل بالبيع أن يبيع بالنسيئة لانه أمر بالبيع مطلقا ومن اعتبر أمره في شئ بغير اطلاق جعل أمره كأوامر الشرع فالامتثال انما يحصل باصل البيع لا بصفة النقد والنسيئة لان ذلك قيد والمطلق غير المقيد (ألا ترى) ان التكفير لما كان بتحرير رقبة مطلقة استوى فيه الذكر والانثى والصغير والكبير وللوكيل بالبيع أن يأخذ بالثمن رهنا أو كفيلا لان الرهن وثيقه لجانب الاستيفاء فان موجبه ثبوت يد الاستيفاء وللوكيل ان يستوفى الثمن والكفالة وثيقة لجانب اللزوم لانه يزداد به لمطلق المطالبة فانه يطالب الكفيل بعد الكفالة مع بقاء الكفالة والمطالبة على الاصيل كما كانت والمطالبة من حقوق الوكيل وله ان يحتال بالثمن ان كان قال له ما صنعت من شئ فهو جائز لان موجب الحوالة يحول الثمن من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه فان جوز بصيغة العموم نفذ هذا التصرف منه على الموكل لانه من صنعه وان لم يكن قال له هذا فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله يجوز قبول الحوالة في حق براءة المتشرى ويكون الوكيل ضامنا الثمن للموكل وعند أبى يوسف رحمه الله لا يجوز (واصل المسألة في الابراء) ان الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى من الثمن جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وصار ضامنا للموكل قياسا وفى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز ابراؤه استحسانا لان الثمن في ذمة المشترى ملك للموكل فانه بدل ملكه لانه انما يملك البدل بملك الاصل فابراء الوكيل تصرف في ملك الغير على خلاف ما أمره به فلا ينفذ كما لو قبض الثمن ثم وهبه من المشترى ودليل الخلاف أنه يصير ضامنا عندهما * وحجة أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ان الابراء اسقاط لحق القبض والقبض خالص حق الوكيل (ألا ترى) ان الموكل لا يمنعه من ذلك ولو أراد أن يقبض بنفسه لم يكن له ذلك فكان هو في الابراء عن القبض مسقطا حق نفسه فيصح منه الا أن بقبضه يتعين ملك الآمر في المقبوض فإذا انسد عليه هذا الباب فبابرائه صار ضامنا بمنزلة الراهن يعتق المرهون ينفذ اعتاقه لمصادفته مالكه ولكنه يضمن للمرتهن لانسداد باب الاستيفاء من مالية العبد عليه بهذا الاعتاق إذا عرفنا هذا في الابراء
[ 36 ] قلنا الحوالة ابراء المشترى بتحويل الحق إلى ذمة المحال عليه فلا يجوز عند أبى يوسف رحمه الله لانه تصرف في حق الموكل بخلاف ما أمره به ويجوز عندهما ويكون الوكيل ضامنا كما لو ابرأه بغير حوالة وعلى هذا لو حط البائع عن المشترى بعض الثمن بعيب أو بغير عيب فان كان قال له ما صنعت من شئ فهو جائز فهذا من صنعه فيجوز في حق الآمر وان لم يقل له فهو جائز في حق المشتري ويكون الوكيل ضامنا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا يجوز في قول أبى يوسف رحمه الله اعتبارا للبعض بالكل وكذلك لو اشترى الوكيل من المشترى بالثمن متاعا أو كان الثمن دنانير فاخذ منه بها دراهم أو صالح من الثمن على متاع فذلك كله جائز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله في حق الوكيل ويكون ضامنا الثمن للموكل وعند أبى يوسف رحمه الله لا يجوز شئ مما صنع في براءة المشترى والثمن على المشترى على حاله ولو قبض من الثمن بعضه واشترى ببعضه متاعا كان مؤتمنا فيما يقبض من الثمن بعينه كما لو قبض الكل ويكون ضامنا حصة ما اشترى به الآمر كما لو اشترى الكل وهذا لان ثمن المشترى وجب عليه ثم صار قاضيا بالثمن دين نفسه بطريق المقاصة وان هلك المشترى قبل أن يقبضه لم يضمن المشترى ثمنه للامر لان بهلاك المبيع قبل القبض انفسخ البيع من الاصل وكان سقوط الثمن عن المشترى بانفساخ السبب لا للمقاصة بالثمن الذي هو للآمر قال وللوكيل بالبيع أن يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأى جنس شاء من الاجناس للاموال في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يجوز بيعه الا بالنقد بما يتغابن الناس في مثله وحجتهما في ذلك أن مطلق الوكالة يتقيد بالمعتاد والبيع بالغبن الفاحش ليس بمعتاد فلا ينصرف التوكيل إليه بمنزلة التوكيل بالشراء ثم البيع بالمحاباة الفاحشة بيع فيه هبة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من ثلثه وهو وكيل بالبيع دون الهبة (ألا ترى) أن الاب والوصى لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة لهذا وأما البيع بالعروض فبيع من وجه شراه من وجه وهو وكيل بمطلق البيع ومطلق البيع يكون بالنقد دون العروض (ألا ترى) ان الوكيل بالشراء لا يشتري للآمر الا بالنقد وأبو حنيفة رحمه الله يقول هو مأمور بمطلق البيع وقد أتى ببيع مطلق لان البيع اسم لمبادلة مال بمال وذلك يوجد في البيع بالعروض كما يوجد في البيع بالنقود ولكن من البيع ليتضمن الشراء ولا يخرج به من ان يكون بيعا مطلقا لا يضمن الشراء في جانب العروض لا في جانب المبيع وأمره كان باعتبار المبيع والعقد فيه بيع مطلق وكذلك البيع بالمحاباة فما من جزء
[ 37 ] من البيع الا ويقابله جزء من الثمن (ألا ترى) أنه يستحق الكل بالشفعة والشفعة في الهبات لا تثبت والدليل عليه أن من حلف أن لا يبيع فباع بالمحاباة يحنث وكما يراعى العرف في الوكالات يراعي في الاثمان ثم جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين وكذلك في الوكالة وهذا لان العرف مشترك فقد يبيع المرء الشئ للبر فيه وفى هذا لا ينافى قلة الثمن وكثرته وقد يبيعه للاسترباح فعند اطلاق الامر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل وهذا بخلاف الوكيل بالشراء لان الامر المطلق تخصصه التهمة وفى الوكيل بالشراء التهمة ممكنة لجواز أن يكون اشترى لنفسه فلما لم يعجبه أخذه في يمينه أراد أن يحوله إلى الآمر ولا تمكن مثل هذه التهمة في الامر بالبيع لان أمره بالتوكيل بالشراء يلاقى ملك الغير وليس له ولاية مطلقة في ملك الغير لينظر إلى اطلاق أمره وأمره في البيع يلاقى ملك نفسه وله ولاية مطلقة في ملك نفسه ولو اعتبرنا العموم في جانب الوكيل اشترى ذلك المتاع بجميع ملك الموكل ونحن نعلم أن الموكل لم يقصد ذلك فإذا تعذر العموم حمل على أخص الخصوص وفى التوكيل بالبيع لا يعد وتصرفه ما أمر ببيعه فامكن اعتبار اطلاق الامر فيه وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله في الوكيل في البيع إذا باع بعرض فان كان يساويه جاز والا فلا ووجه هذه الرواية أنه في جانب العرض مشتر فالوكيل بالشراء لا يشترى للآمر بالمحاباة الفاحشة ولم يذكر الخلاف في البيع بالنسيئة فهو دليل لابي حنيفة رحمه الله ولكن قبل هذا على قولهما إذا باعه باجل متعارف فاما باجل غير متعارف كعشرين سنة ونحو ذلك فانه لا يجوز وان الاجل المعارف كالغبن اليسير وما ليس بمتعارف كالغبن الفاحش ولو وكله بان يعاوض عبده هذا فلانا بامته هذه فباع فلان أمته تلك من رجل جاز للوكيل أن يعاوض بها لان مقصود الموكل تحصيل الامة لنفسه بمقابلة العبد وقد حصل مقصوده بتصرفه مع الثاني وهذا بخلاف الوكيل بالبيع من فلان فانه لا يبيع من غيره لان مقصوده هناك الثمن وانما رضى أن يكون الثمن له في ذمة من سماه ويتفاوت الناس في ملاءة الذمة فلهذا لا يجوز بيعه من غيره قال وللوكيل بالاجارة أن يؤاجر بالنقد والمكيل والموزون إذا كان معلوما موصوفا وبالمعين من الحيوانات وبالموصوف المؤجل من الثياب أما على قول أبى حنيفة رحمه الله فهو ظاهر فانه بمنزلة الوكيل وهما يفرقان ويقولان بتخصيص الوكيل بالبيع بالنقد بدليل العرف ولا عرف هنا فان الارض تؤاجر بغير النقد (ألا ترى) انها تدفع مزارعة وهى اجارة بجزء من الخارج
[ 38 ] ثم التخصيص في البيع لدفع الضرر عن الآمر ودفع الضرر هنا باعتبار الاطلاق لانا إذا جعلنا الوكيل مخالفا كان بمنزلة الغاصب فيكون الاجر له ولا شئ للآمر عليه فلهذا اعتبرنا الامر هنا وان وكل الوكيل بقبض الاجر أو الثمن رجلا ليس في عياله فهو جائز والمستأجر والمشترى بريئان لان حق القبض للوكيل يملك مباشرته بنفسه فيملك تفويضه إلى غيره ولكن الوكيل ضامن للآخر ان هلك المقبوض في يد وكيله قبل أن يصل إلى الوكيل الاول بمنزلة ما لو قبض الثمن بنفسه ثم دفعه إلى رجل ليس في عياله لان قبض وكيله كقبضه بنفسه وهو في المقبوض أمين فإذا دفعه إلى من ليس في عياله صار ضامنا للآمر وكذلك لو وهبها الوكيل للمستأجر أو ابرأه منها أو أخرها عنه في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وصار ضامنا للآمر وفى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز هبته ولا ابراؤه ولم يذكر التأجيل فقيل بأن أبا يوسف رحمه الله يجوز تأجيله كما لو باع بثمن مؤجل ابتداء وهذا لانه ليس في التأجيل اسقاط الثمن بخلاف الابراء وقيل بل لا يجوز ذلك فقد ذكر في الجامع أن كل تصرف يصير الوكيل به ضامنا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا ينفذ ذلك التصرف عند أبى يوسف رحمه الله والله أعلم (باب من الوكالة بالبيع والشراء) (قال رضى الله عنه) الاصل في هذا الباب ان الوكيل متى قدر على تحصيل مقصود الموكل بما سمى له جاز التوكيل والا فلا لان الوكالة غير مقصودة لعينها بل المقصود شئ آخر يحصل للموكل فإذا قدر على تحصيل مقصوده بما سمى له كان هذا عقدا مفيد للمقصود فصح والا فلا وأصل آخر ان ما سماه في الوكالة إذا كان يتناول اجناسا مختلفة لا يصح التوكيل به سواء سمى الثمن أو لم يسم لان جهالة الجنس جهالة متفاحشة وتسمية الجنس والثمن لا يصير الجنس معلوما بها فان كل جنس فيه ما يوجد بذلك الثمن فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل وإذا سمى الجنس اشتمل على أنواع مختلفة فان بين الثمن أو النوع جاز التوكيل والا فلا لان بيان مقدار الثمن يصير النوع معلوما وان سمى الجنس والنوع ولم يبين الصفة جازت الوكالة سواء سمى الثمن أو لم يسم وهذا استحسان وفى القياس لا يجوز ما لم يبين الصفة وجه القياس ان التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء فلا يجوز الا ببيان وصفه المعقود عليه (ألا ترى) أنا نجعل الوكيل كالمشترى لنفسه ثم البائع من الموكل وكان
[ 39 ] بشر المريقسى رحمه الله يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف فدفع الدراهم إلى انسان ليأتي له برؤس مشوية فجعل يصفها له فعجز عن علمه بالصفة فقال له اصنع ما بدا لك فذهب الرجل واشترى الرؤس وحملها إلى عياله وعاد إلى بشر بعد ما أكلها مع عياله فقال له أين ما قلت لك عنه فقال قلت لى اصنع ما بدا لك وقد بدا لى ما فعلت فرجع عن قوله وأخذ بالاستحسان ووجه الاستحسان ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام رضى الله عنه وأمره بأن يشترى له شاة للاضحية ولم يبين صفتها ثم الوكالة عقد مبنى على التوسع والجهالة في الصفة جهالة مستدركة وذلك عفو في العقود المبنية على التوسع وهذا لان الوكالة لا يتعلق بها اللزوم والمقصود بها الرفق بالناس وفى اشتراط بيان الوصف بعض الحرج فسقط اعتباره لهذا إذا عرفنا هذا فنقول رجل وكل رجلا أن يشترى له جارية أو عبدا لم يكن لان الذكور من بنى آدم جنس والاناث كذلك ولكن يشتمل على أنواع كالحبشي والسندى والهندي والتركى وغير ذلك فإذا لم يبين النوع ولم يسم مقدار الثمن كانت الجهالة متفاحشة فلا يتمكن الوكيل من تحصيله فينفرد الآمر بما سمى له وان أمره بان يشترى له عبدا مولدا أو حبشيا أو سنديا جاز لان النوع صار معلوما بالتسمية وانما بقيت الجهالة في الوصف وهى جهالة مستدركة فان الاوصاف ثلاثة الجودة والوسط والرداءة وهى تتفاوت في نوع واحد فكان الوكيل قادرا على تحصيل مقصود الآمر وكذلك ان لم يسم النوع وسمى الثمن لان بتسمية الثمن صار النوع معلوما فان مقدار ثمن كل نوع معلوم عند الناس فيتمكن به من تحصيل مقصوده ولو وكله بان يشتري له رقبة أو مملوكا لا تجوز له الوكالة وان بين الثمن لتمكن الجهالة في الجنس وهذا لان الذكور مع الاناث من بنى آدم جنسان مختلفان لاختلافهما في المنافع فلا يصح التوكيل الا ببيان الجنس وإذا وكله بشراء جارية وسمى جنسها وثمنها فاشتراها له عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليدين والرجلين أو احداهما أو مقعدة فهو جائز على الآمر في قول أبى حنيفة رحمه الله إذا اشتراها بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس فيه وعندهما كذلك في قطعاء اليد والعوراء فاما العمياء والمقطوعة اليدين والرجلين والمقعدة فلا يجوز على الآمر ويكون مشتريا لنفسه وهذا بناء على ما سبق فانهما يعتبران العرف والشراء والعمياء والمقعدة غير متعارف بين الناس فأما العوراء فمعيبة وشراء المعيب متعارف * توضيحه
[ 40 ] ان العمى وقطع اليدين يفوت منفعة الجنس وذلك استهلاك حكم ولهذا لا يجوز التكفير بالرقبة العمياء فاما العور وقطع احدى اليدين فليس باستهلاك (ألا ترى) ان التكفير به يصح وأبو حنيفة رحمه الله بنى على أصله ان المطلق يجرى على اطلاقه ما لم يقم دليل التقييد وقد سمى له الجارية مطلقا واسم الجارية حقيقة في العمياء ومقطوعة اليدين ولا يثبت التقييد بالعرف لان العرف مشترك فقد يشترى المرء رقبة عمياء ترحما عليها لابتغاء مرضات الله عزوجل أو قصدا إلى ولائها أو إلى ولاء أولادها بخلاف الرقبة في كفارة اليمين فان دليل التقييد هناك قد قام وهو ان الكفارات أجزية الافعال وهى مشروعة للزجر عن ارتكاب أسبابها ولا يحصل الزجر بالعمياء ومقطوعة اليدين وان وكله ان يشترى له جارية للخدمة أو عبدا ليسلمه إلى خباز أو عمل من الاعمال فاشترى أعمى أو مقطوع اليدين لم يجز على الآمر لقيام دليل التقييد في لفظه وهو تنصيصه على عمل لا يحصل ذلك من الاعمى ومقطوع اليدين وكذلك لو قال اشتر لى جارية أطؤها فاشترى محرما من الآمر لم يجز على الآمر لان دليل التقييد في لفظه مختص أمره بجارية يحل له وطؤها قال وإذا وكله بان يشترى له دابة لم يجز وان سمى الثمن له لان الدابة اسم لما دب على وجه الارض في الحقيقة وهى أجناس مختلفه كالخيل والبغال والحمير وقد بينا أن الجهالة للجنس تمنع صحة الوكالة وأنها لا ترتفع بتسمية الثمن لان كل جنس يؤخذ بما سمى من الثمن وان قال اشتر لى حمارا ولم يسم الثمن فهو جائز لان الجنس صار معلوما بالتسمية وان بقيت الجهالة في الوصف فسخ الوكالة بدون تسميه الثمن فان قيل لا كذلك فان الحمير أنواع منها ما يصلح لركوب العظماء ومنها ما لا يصلح الا للحمل عليها قلنا هذا اختلاف الوصف مع أن ذلك يصير معلوما بمعرفة حال الموكل حتى قالوا بان القاضى إذا أمر انسانا بان يشتري له حمارا فانه ينصرف إلى ما يركبه مثله حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الاذنين فانه لا يجوز عليه بخلاف ما إذا أمره الفا ليرى بذلك وإذا أمره أن يشتري له ثوبا لم يجز وان سمى الثمن لان الثوب يشتمل على أجناس مختلفة فبالتسمية لا يصير الجنس معلوما وان قال اشتر لى ثوبا هرويا جاز عى الآمر ما اشترى من ذلك الجنس وان لم يسم الثمن لان الجهالة انما بقيت في الصفة ولكن انما ينفذ على الآمر إذا اشتراه بما يتغابن الناس في مثله فان اشتراه بما لا يتغابن الناس في مثله كان مشتريا لنفسه لانه تعذر تنفيذ شرائه على الآمر لما بيننا وأمكن تنفيذه على العاقد فصار مشتريا لنفسه وان سمى ثمنا فزاد عليه شيئا لم يلزم الآمر لانه خالف ما سمى
[ 41 ] له إلى ما هو أضر عليه وكذلك ان نقص من ذلك الثمن لانه لم يحصل مقصود الآمر فان مقصوده ثوب يهودى يشترى له بالثمن لا بما دونه والجيد يشترى بعشرة فإذا اشترى بثمانية كان رديئا الا ان يكون وصف له صفة وسمى له ثمنا فاشترى بتلك الصفة بأقل من ذلك الثمن فحينئذ يجوز على الآمر لانه حصل مقصوده حين اشتراه بتلك الصفة وخالفه إلى ما هو خير له حين اشتراه بأقل من ذلك الثمن وهذا لا يعد في العرف خلافا وان دفع إليه دراهم وأمره بأن يشترى له بها طعاما فاشترى بها لحما وفاكهة لم يجز على الآمر استحسانا وفي القياس يجوز لان الطعام اسم لما يطعم والفاكهة واللحم مطعوم الا ان جوازه على طريقة الناس انما يكون إذا فوض الامر لرأيه على العموم في شراء الطعام فاما إذا لم يفعل ذلك فلا يصح التوكيل لان المطعوم أجناس مختلفة وبتسمية الثمن لا يصير الجنس معلوما فينبغي ان لا يصح التوكيل ولكنه استحسن فقال التوكيل صحيح وانما ينصرف إلى الحنطة ودقيقها لانه ذكر الطعام عند ذكر الشراء وذلك لا يتناول الا الحنطة ودقيقها (ألا ترى) ان سوق الطعام ما يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام في الناس من يبيع الحنطة ودقيقها دون من يبيع الفواكه فصار التقييد الثابت بالعرف كالثابت بالنص ثم ان قلت الدراهم فله أن يشترى بها خبزا وان كثرت فليس له أن يشترى بها الخبز لان ادخاره غير ممكن انما يمكن الادخار في الحنطة فعند كثرة الدراهم يعلم انه لم يرد الخبز الا ان يكون الرجل قد اتخذ وليمة فحينئذ يعلم ان مراده الخبز وان كثرت الدراهم وجعل الدقيق في احدى الروايتين بمنزلة الخبز وقال انما ينصرف القليل من الدراهم إليه لانه قل ما يدخر عادة وفى الرواية الاخرى جعل الدقيق كالحنطة لان الكثير من الدراهم ينصرف إليه لانه قد يدخر الدقيق كما تدخر الحنطة وإذا لم يدفع إليه شيأ وقال اشتر لي حنطة فاشتراها لم يجز على الآمر لانه لم يبين له القدر وجهالة القدر في المكيلات والموزونات كجهالة الجنس من حيث ان الوكيل لا يقدر على تحصيل مقصود الآمر بما سمى له وان وكله بأن يشترى له دارا أو لؤلوة ولم يسم الثمن لم يجز ذلك على الآمر لان اللآلئ انواع مختلفة فلا يقدر الوكيل على تحصيل اللآلئ بمطلق التسمية وكذلك الدور في معنى الانواع المختلفة وانها تختلف باختلاف البلدان وباختلاف المحال في البلدة وبقلة المرافق وكثرتها وبصلاح الجيران وفسادهم وبالسعة والضيق فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الآمر الموكل بما سمى له قال وان سمى الثمن جاز وبتسمية الثمن يصير معلوما عادة
[ 42 ] وان بقيت جهالة فهى يسيرة مستدركة والمتأخرون من مشايخنا رحمهم الله يقولون في ديارنا لا يجوز الا ببيان المحلة لان الدور في كل محلة تتفاوت في القيمة وتوجد بما سمى له من الثمن الدار في كل محلة ومقصود الآمر يختلف باختلاف المحال فلهذا لا يجوز الا بتسمية المحلة قال وإذا كان الصبي حرا مسلما وأبوه ذميا أو حربيا ارتد عن الذمة ولحق بدار الحرب أو مستأمنا أو مكاتبا أو عبدا لم يجز توكيل احدهم عليه ببيع ولا شراء ولا تزويج ولا خصومة لان التوكيل بالتصرف انما يصح ممن يباشر التصرف بنفسه وملك الاب مباشرة التصرف في حق ولده بولايته عليه والرق واختلاف الدين وتباين الدارين حقيقة وحكما مانع من ثبوت ولايته عليه فان أسلم أو عتق بعد ذلك أجيز ما منع منه لان ولايته بعد الاسلام والعتق تثبت مقصورة على الحال فلا يؤثر في تنفيذ تصرفه سبق ثبوت ولايته وان كان الاب مرتدا عن الاسلام لم يجز توكيله عليه أيضا الا ان يسلم فان أسلم جاز لان تصرفه في حق نفسه يتوقف بين أن ينفذ بالاسلام أو يبطل إذا قتل على ردته فكذلك في حق عليه والولد الكبير إذا كان ذاهب العقل بمنزلة الصبي فيما ذكرنا لانه عاجز عن التصرف لانعدام عقله فكان مولى عليه كالصبي قال وإذا وكل أب الصبى وكيلا ببيع متاع الصبي ووارثه الاب بطلت الوكالة الا عند زفر رحمه الله فانه يقول ثبوت الوكالة باعتبار ملك الموكل لذلك التصرف وقد بقى ذلك بعد موت الصبي وازداد بتقرر ملك الاب في المحل لكنا نقول الاب في هذا التوكيل كان نائبا عن الصبي وقد انتهت هذه النيابة بموت الصبي * وتوضيحه أن الاب بهذه الوكالة انما رضى بزوال ملك الصبي ورضاه بزوال ملك لا يكون رضا بزوال ملك نفسه فإذا صار الملك له بالارث بطلت الوكالة وكذلك ان مات الاب ولم يمت الصبى لان رأى الاب قد انقطع بموته وتصرف الوكيل كان باعتبار رأى الموكل ونفاذ ولايته وكذلك لو زال عقل الاب أو ارتد ولحق بدار الحرب وقضى القاضى بلحاقه لان ولايته قد زالت بهذه الاسباب حتى لا يملك ابتداء التوكيل فان أسلم لم يعد الوكالة بمنزلة وكالته بالتصرف في حق نفسه وقد بينا أن بردة الموكل تبطل الوكالة على وجه لا يعود باسلامه في رواية هذا الكتاب وكذلك في توكيله بالتصرف لولده قال وإذا وكل رجل رجلين ببيع شئ أو شرائه أو تزويج امرأة بعينها أو بغير عينها أو بخلع أو بمكاتبة أو عتق على مال ففعله أحدهما لم يجز لان هذه التصرفات يحتاج فيها إلى الرأى والتدبير ورضاه برأى المسمى لا يكون الا برأى الواحد ويستوي فيه أن يكون الموكل
[ 43 ] سمى البدل أو لم يسم لان بتسمية البدل يمنع النقصان ولا تمنع الزيادة ولو حضر وليهما جميعا ربما يزيدان في البدل فينتفع الموكل بذلك فلهذا لا ينفذ التصرف برأى أحدهما وان كان لم يسم لهما مالا فزوجاه باكثر من مهر مثلها أو طلقا امرأته على درهم أو أعتقا العبد أو كاتباه على درهم جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله للاصل الذى قلنا انه يعمل باطلاق الامر ما لم يقم دليل على التقييد وهو التهمة وعندهما لا يجوز لاعتبار العرف والعادة قال ولو وكل رجل رجلا ببيع عبدين له بالف درهم فباع أحدهما باربعمائة فان كان ذلك القدر حصته من الالف جاز لانه ليس في التفربق بين العبدين في البيع اضرار بالموكل فربما لا يجد مشتريا يرغب في شرائهما جملة فلما وكله بذلك مع علمه بما قلنا كان راضيا ببيعه أحدهما دون الآخر دلالة وكذلك ان باعه باكثر من حصته وفيه زيادة منفعة للموكل وان باع أحدهما باقل من حصته لم يجز وسوى في الكتاب بين النقصان الكثير واليسير وهو قول أبى حنيفة رحمه الله فاما عندهما فان كان النقصان يسيرا جاز وان كان فاحشا لم يجز لان الموكل انما سمى الثمن بمقابلتهما جملة ولم ينص على حصة كل واحد منهما وانما طريق معرفة حصة كل واحد منهما الحزر والظن دون اليقين وفى مثله لا يمكن التجوز عن النقصان اليسير فجعل عفوا كما لو لم يسم الثمن للوكيل فباع بغبن يسير جاز بيعه وأبو حنيفة رحمه الله يقول تنصيصه على ثمنها في الوكالة يكون تنصيصا على حصة كل واحد منهم بحصته حتى انه لو وجد باحدهما عيبا رده بحصته وعند التنصيص على الثمن إذا نقص الوكيل عن ذلك القدر يصير مخالفا سواء قل النقصان أو كثر كما لو قال بع هذا العبد بالف درهم فباعه بالف إلا درهما فانه لا يجوز وان وكله بان يشتري له عبدين بالف درهم فاشترى أحدهما بستمائة فان كان ذلك حصته من الالف أو أقل جاز وان كانت حصته أكثر من ذلك لم يجز على الآمر وصار مشتريا لنفسه وهذا والوكيل بالبيع سواء لانه قد لا يتمكن من شرائهما جملة واحدة فيكون له أن يشترى كل واحد منهما بحصته وان وكله ببيع عبد له فباع نصفه من رجل ثم باع النصف الآخر منه أو من غيره جاز لانه حصل مقصود الموكل بما صنع فان مقصوده أن يزول ملكه بعوض هو مال وذلك يحصل بالعقدين كما يحصل بالعقد الواحد فربما لا يجد مشتريا يشتريه جملة فيحتاج إلى تفريق العقد ليحصل مقصوده فان باع نصفه ولم يبع ما بقى لم يجز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وجاز في قول أبى حنيفة رحمه الله فهما يقولان بيع
[ 44 ] النصف يضر بالموكل فيما بقى لانه يتبعض عليه الملك والشركة في الاملاك المجتمعة عيب وأمره اياه بالبيع لا يتضمن الرضا بتعيب ملكه فلهذا لا يجوز الا أن يبيع ما بقى قبل الخصومة فحينئذ قد زال الضرر عنه وحصل مقصوده فيجوز وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل قائم مقام الموكل في بيع العبد والموكل مالك لبيع البعض كما هو مالك لبيع الكل فكذلك الوكيل لان اعتبار الجزء باطل واعتبار الكل صحيح ثم في تصرفه في هذا منفعة للموكل لانه لو باع الكل بالثمن الذى باع به النصف جاز عند أبى حنيفة رحمه الله كما بينا فإذا باع البعض به كان أقرب إلى الجواز لانه حصل له ذلك القدر من الثمن وبقى بعض العبد على ملكه ولو وكله بأن يشترى له عبدا فاشترى بعضه لم يجز على الامر الا أن يشترى ما بقى قبل الخصومة فحينئذ يجوز كله على الامر وهذا على أصلهما ظاهر للتسوية بين جانب البيع والشراء وأبو حنيفة رحمه الله يفرق فيقول الوكيل بالشراء لو اشترى بالزيادة الكثيرة لا يجوز بخلاف الوكيل بالبيع والتهمة تتمكن في جانب الوكيل بالشراء فلعله اشترى النصف لنفسه فلما علم أن الشركة عيب أراد أن يحوله على الآمر * توضيح الفرق أن صحة التوكيل بالشراء بتسمية العبد ونصف العبد ليس بعبد فلا يصير به ممتثلا أمر الآمر الا أن يشترى ما بقى قبل الخصومة فاما في جانب البيع فصحة التوكيل باعتار ملك الموكل للغير وذلك موجود في البعض والكل ثم ذكر في النوادر أن الوكيل إذا اشترى النصف توقف شراؤه على رضا الآمر عند أبى يوسف رحمه الله حتى لو أعتقه الوكيل عن نفسه لا يجوز ولو أعتقه الموكل عن نفسه يجوز وعند محمد رحمه الله يصير الموكل مشتريا لنفسه حق لو أعتقه جاز عتقه الا أن يشترى ما بقى فحينئذ يتحول إلى الآمر فابو يوسف رحمه الله يقول مقصود الموكل حصول ملك الغير له والقدر الذى حصل من جملة مقصوده ولكنه معيب بعيب الشركة فينفذ تصرف الوكيل له ويثبت له الخيار للعيب فإذا قدم على العتق صار مسقطا لخياره فينفذ العتق من جهته فإذا رده يصير الملك للوكيل حينئذ كما لو وجد به عيبا فرده بشراء العبد والنصف ليس بعبد ولكنه يفرض ان يصير موافقا بشراء ما بقى فقبل وجود هذا لموافقته كان خلافه ظاهرا وكان مشتريا لنفسه فنفذ عتقه من جهته وفرق محمد رحمه الله بين هذا وبين الوكيل بالشراء بالف إذا اشتراه بالفين يتقرر شراؤه لنفسه حتى انه وان حط البائع احد الالفين لا يصير الشراء للموكل وهنا لو اشترى ما بقى قبل الخصومة كان الشراء للموكل ووجه الفرق ان غرضه الموافقة هناك باعتبار ما لم يتناوله عقد الوكالة
[ 45 ] وهو حط الالف الزائد فلم يكن معتبرا وهنا غرضه الموافقة باعتبار ما تناولته الوكالة وهو شراء النصف الباقي فلهذا كان معتبرا قال ولو وكل رجلين ببيع شئ وأحدهما عبد محجور عليه أو صبي لم يجز للآخر أن ينفرد ببيعه لانه ما رضى برأيه وحده حتى ضم إليه رأى الآخر ولو كانا حرين فباع أحدهما والاخر حاضر فأجاز البيع كان جائزا لان تمام العقد برأيهما (ألا ترى) أنه لو باع فضولي فأجازه جاز وكذلك إذا باع أ حدهما وأجازه الآخر ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يكن للآخر أن يببعه لانه ما رضى برأيه وحده قال ولو وكل رجلا ببيع خادمة له فباعها ثم أقال البيع البائع فيها لزمه المال والخادم له لان الاقالة بيع مبتدأ في حق غيرهما فهو شراء مبتدأ وللموكل غيرهما فيجعل في حقهما حقه كان الوكيل اشتراه ابتداء ويستوى ان كانت الوكالة قبل القبض أو بعده من عيب أو من غير عيب ولو وكل الصبى ببيع خادم فباعها جاز لان الصبي العاقل له عبارة معتبرة شرعا حتى ينفذ تصرفه باذن الولى في ملك نفسه فكذلك ينفذ تصرفه في ملك الغير بتوكيل المالك اياه بذلك وهذا لان اعتبار عبارته بتمحض منفعة له فيه يمتاز الآدمى من البهائم ويحصل له بهذا التصرف معنى التجربة فيصير مهتديا إلى التصرفات عالما بطرق التحرز عن أسباب الغبن وذلك محض منفعة له ثم العهدة على الآمر إذا لم يكن الصبى مأذونا لان في الزام العهدة اياه ضررا والصبي يبعد عن المضار فإذا تعذر ايجاب العهدة عليه تعلق باقرب الناس إليه وهو من انتفع بهذا التصرف وهو الآمر فكانت العهدة عليه الا أن يكون الصبى مأذونا له فحينئذ تلحقه العهدة لانه بالاذن صار بمنزلة البالع في التزام العهدة بالتصرف (ألا ترى) أنه فيما يتصرف لنفسه تلحقه العهدة فكذلك فيما يتصرف لغيره والعبد بمنزلة الصبى الا أنه إذا كان محجورا عليه يلزمه العهدة بعد العتق لان قول العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وانما لا يكون ملزما في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق فاما قوله الصبي المحجور ليس بملزم في حق نفسه فلهذا لا تلزمه العهدة بعد البلوغ وان كان الوكيل مجنونا لا يعقل فبيعه باطل لانه ليس له قول معتبر فركن التصرف القول المعتبر شرعا وان كان يعقل البيع والشراء فهو بمنزلة الصبى على ما بيناه وان كان المأمور مرتدا جاز بيعه لانه من أهل العبارة المعتبرة ولكن يوقف حكم العهدة عند أبى حنيفة رحمه الله فان أسلم كانت العهدة عليه والا فالعهدة على الآمر وعندهما العهدة عليه على كل حال وهو يظهر اختلافهم في تصرفات المرتد لنفسه بيعا أو شراء ولو وكل
[ 46 ] الصبى أو العبد المحجور عليه بشراء عبد بعينه بثمن مسمى فاشتراه فالثمن لازم على الآمر دون الصبي والعبد ما لم يعتق لا الصبي المحجور لا يملك التزام الثمن في ذمته والعبد لا يملك ذلك في حق المولى فإذا تعذر ايجاب الثمن عليهما وجب على من وقع له الملك وهو الآمر وصار في حقه بمنزلة الرسول بالشراء فيجب الثمن على المرسل ولو كان مأذونا لهما في التجارة لزمهما الثمن ورجع به على لا آمر لانهما يملكان التزام الثمن في ذمتهما بتصرفهما لانفهسما فكذلك للغير بحكم الوكالة (واورد المسألة في كتاب الحوالة والكفالة) وقال هذا استحسان وفى القياس لا يلزمهما الثمن لانهما ملتزمان الثمن لمنفعة لغيرهما فكان هذا منهما بمنزلة الكفالة وكفالة الصبي المأذون والعبد المأذون لا تصح وان كانت بأمر المكفول عنه ولكن استحسن فقال هذا من صنع التجار لان التعارف بين التجار في التصرفات ظاهر فإذا لم يتوكل هو عن الغير لا يتوكل الغير عنه في ذلك وفيما هو من صنع التجار المأذون منفك الحجر عنه بخلاف الكفالة فانها ليست من صنع التجار * توضيحه أن المشترى يكون في يده فيحبسه حتى يستوفى الثمن من الآمر فلا يتضرر به بخلاف الكفالة حتى لو وكل بالشراء لنفسه يقول لا يلزمه الثمن لانه ليس له ان يحبس المبيع بالثمن فيكون ذلك بمنزلة الكفالة منه. قال وإذا أذن لعبده أو لابنه في التجارة ثم ذهب عقله واطبق عليه انقطع اذنه لان صحة تصرف المأذون برأى الآذن والجنون المطبق قد قطع رأيه فيكون ذلك بمنزلة موته. ولو حلف بطلاق أو عتاق أو جعل أمر امرأته بيدها ثم أصابه الجنون بعد ذلك لم يبطل ما فعل من ذلك لان حكم ذلك التصرف قد لزمه في حال عقله وكماله فلا يبطل بجنونه وهنا بالاذن في التجارة لم يلزمه شئ حتى لو كان مالكا للحجر على المأذون لبطل اذنه بجنونه لان صحة تصرف المأذون باعتبار انه يتقوى رأيه برأى وليه فيكون ذلك كالبلوغ في حقه ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله يملك التصرف بالغبن الفاحش وقد انعدم ذلك المعنى بجنون الولى فلا ينفذ تصرفه بعد ذلك ولو وكل وكيلا ببيع أو شراء ثم ذهب عقل الوكيل واختلط ثم اشترى وباع لم يلزم الوكيل الثمن ولزم الآمر أما في نفوذ تصرفه على الآمر فروايتان في هذه الرواية قال ينفذ لان جنونه بهذه الصفة لو اقترن بالوكالة لمنع صحتها وإذا طرأ عليها فلان يمنع بقاءها كان ذلك بطريق الاولى وفى غير هذا الموضع يقول لا ينفذ تصرفه على الآمر لان الآمر انما رضى بتصرفه في حال كمال عقله فلا يكون ذلك منه رضا
[ 47 ] بتصرفه بعد اختلاط عقله بخلاف ما إذا وكله ابتداء في هذه الحال لانه رضى بتصرفه مع اختلاط عقله فإذا ثبت نفوذ التصرف على هذه الرواية قلنا العهدة تكون على الآمر لان أوان لزوم العهدة وقت مباشرة التصرف لا وقت التوكيل وهو ذاهب العقل فكان التوكيل وجد في هذه الحال وان كان العبد المحجور عليه وكل رجلا ليشترى له شيئا فاشترى له لزم الوكيل لان العبد لا يملك الشراء لنفسه بنفسه فلا يصح توكيله به وإذا لم يصح التوكيل به صار الوكيل مشتريا لنفسه كما لو لم تسبق الوكالة. وإذا وكل الرجلان رجلا ببيع عبد لهما فباع نصفه وقال هذا نصف فلان فهو جائز لانه صار وكيلا من جهة كل واحد منهما ببيع النصفين والوكيل معير منافعه للموكل فيملك تعيين من يعبر عنه وان لم يبين عند البيع أي النصفين يبيع جاز بيعه من نصيب كل واحد منهما نصفه في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يجوز في قولهما لانه سمى النصف مطلقا عند البيع فليس صرفه إلى نصيب أحدهما بأولى من صرفه إلى الآخر فيشيع في النصفين جميعا وإذا شاع فيهما بحكم المعارضة لم يجز في شئ عندهما لان الوكيل ببيع النصف لا يملك بيع نصف النصف عندهما كما أن الوكيل ببيع الكل من واحد لا يملك بيع النصف وفى قول أبى حنيفة رحمه الله الوكيل ببيع العبد يملك بيع نصفه فيمكن تنفيذ بيعه هنا في نصف نصيب كل واحد منهما وان لم يختصموا في ذلك حتى باع النصف الآخر جاز كله لانه قد حصل مقصود كل واحد منهما فلا ينظر إلى تفريق الصفقة مع ذلك وإذا باع الوكيل العبد بخمسمائة درهم فقال الآمر أمرتك بالف درهم أو قال أمرتك بدنانير أو بحنطة أو بشعير أو باعه بنسيئة فقال الآمر أمرتك بالحال فالقول قول الآمر لان الامر مستفاد من جهته ولو أنكر الاذن كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أقر بصفته وكذلك الخلع والنكاح والمكاتبة كله على هذا وإذا قال الآمر للوكيل قد أخرجتك عن الوكالة فقال الوكيل لقد بعته أمس لم يصدق الوكيل لان الموكل أقر بعزل الوكيل بمحضر منه وانما أقر بالبيع بعد ما صار معزولا وهو لا يملك انشاء البيع في هذه الحال فلا يصح اقراره أيضا ولو أقر الوكيل بالبيع لانسان بعينه فقال الامر قد أخرجتك من الوكالة جاز البيع إذا ادعى ذلك المشترى لان الوكيل أقر به في حال بقاء الوكالة لانشاء العقد في هذه الحال فصح اقراره ولا يبطل ذلك بالعزل بعده وإذا اتصل التصديق بالاقرار كان كالموجود يومئذ ولو وكله ببيع عبد له فباعه من نفسه لم يجز لان بيع العبد من نفسه اعتاق
[ 48 ] والاعتاق غير البيع فانه ابطال للملك والبيع ناقل أو موجب الملك للغير أو لان العتق يوجب الوكالة للموكل وهو لم يرض بذلك وليس للوكيل ان يلزمه الولاء بغير رضاه ولو باعه من قريب العبد جاز لان هذا بيع مطلق ثم العتق ينبنى عليه ثبوت الملك للقريب بالشراء فلا يخرج به البيع من أن يكون مطلقا في حق البائع (ألا ترى) انه لا يملك الرجوع عن الايجاب هنا قبل قبول المشترى بخلاف بيع العبد من نفسه ولانه لا يلزم الموكل هنا ولاء وانما يلزم ولاؤه للمشترى وان وكله ان يبيعه وأمره أن يشهد على بيعه فباعه ولم يشهد فهو جائز لانه أمره بالبيع مطلقا وأمره بالاشهاد كان معطوفا على الامر بالبيع فلا يخرج به الامر بالبيع من أن يكن مطلقا (ألا ترى) أن الله عز وجل أمر بالاشهاد على البيع فقال تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) ثم من باع ولم يشهد كان بيعه جائزا ولو وكله أن يبيعه برهن ثقة بنسيئة فباعه بغير رهن لم يجز لان حرف الباء للالصاق والصاق البيع بالرهن لا يكون الا بالشرط فانما أمره ببيع مقيد بشرط فإذا لم يأت بذلك الشرط كان مخالفا وكذلك لو أمره بأن يبيعه من فلان بكفيل ثقة فباعه من غير كفيل لم يجز لانه أمره ببيع مقيد والذى أتى به بيع مطلق والمطلق غير المقيد وفى شراء الكفيل والرهن منفعة معتبرة للموكل وهو التوثق بحقه فليس للوكيل ان يفوت عليه هذه المنفعة (ألا ترى) ان التوكيل بالبيع ومن أوجب لغيره بيعا بشرط رهن أو كفيل لم يكن له ان يقبل بدون ذلك الشرط فهذا مثله فان قال الوكيل لم يأمرنى بذلك فالقول قول الآمر لما بينا ان الادب مستفاد من جهته ولو وكله ان يبيعه من رجل سماه فباعه منه ومن آخر جاز في النصف الذى باع لذلك الرجل في قول أبى حنيفة رحمه الله ولم يجز عندهما لانه في الذى باعه للآخر مخالف (ألا ترى) أنه لو باع الكل من الآخر لم يجز بيعه فإذا باع من الذى سمى له الموكل والوكيل ببيع النصف عند أبى حنيفة رحمه الله فلهذا جاز في ذلك النصف قال وإذا وكله ببيع عبد فباعه واشترط الخيار لنفسه أو للامر فهو جائز لانه قائم مقام الموكل وكل يملك البيع بشرط الخيار واشتراط الخيار للموكل كاشتراطه للاجنبي وذلك يجوز عندنا خلافا لزفر رحمه الله وهى مسألة معروفة ثم لا ضرر على الآمر في هذا الشرط بل فيه نفع له والوكيل لا يصير مخالفا بما يراد فيه منفعة الآمر وإذا قبل الوكيل العبد بغير قضاء قاض بخيار شرط أو رؤية فهو جائز على الامر لان الرد بهذا فسخ من الاصل (ألا ترى) ان المشترى ينفرد به وكذلك لو رده
[ 49 ] المشترى عليه بعيب قبل القبض بغير قضاء قاض فهو جائز على الآمر لان الرد هنا فسخ من الاصل حتى ينفرد به المشترى وهذا بخلاف الاقالة قبل القبض على ما سبق بيانه لان المشترى لا ينفرد بالاقالة فكان ذلك التصرف معتمده التراضي فينفذ على الوكيل دون الآمر وإذا باع الوكيل العبد من أب الآمر أو ابنه أو مكاتبه أو عبده التاجر المديون جاز لانه لا تهمة بين الوكيل وبين هؤلاء إذ ليس بينهما وصلة وكان بيع الوكيل من هؤلاء كبيع الموكل بنفسه ولو باعه من عبده المأذون الذى لا دين عليه لم يجز كما لو باعه الموكل بنفسه وكذلك لو كان العبد مأذونا فباعه الوكيل من هؤلاء فهو جائز ان كان على العبد دين وان لم يكن دين فالبيع مردود اعتبار البيع الوكيل ببيع الموكل بنفسه وهذا لان البيع عقد شرعى فيعتبر إذا كان مفيدا ولا يعتبر إذا لم يكن مفيدا وإذا كان على العبد دين فبيعه الكسب من هؤلاء مفيد وإذا لم يكن عليه دين فلا فائدة في هذا البيع لان المولى يتمكن من أخذ كسبه من غير بيع قال وإذا أمر الرجل رجلا ببيع عبد له ودفعه إليه فقال الوكيل قد بعته من هذا وقبضت الثمن وهلك عندي وادعى المشترى ذلك فهو جائز والوكيل مصدق فيه مع يمينه لانه مسلط على البيع وقبض الثمن وقد أجبر بما جعل مسلطا عليه في حال قيام التسليط ولا تتمكن التهمة في جبره وهو أمين بما دفع إليه فإذا أخبر باداء الامانة فيه كان القول قوله مع يمينه وان كان الآمر قد مات وقال ورثته لم نسمع وقال الوكيل قد بعته من فلان بالف درهم وقبضته وهلك عندي وصدقه المشترى فان كان العبد قائما بعينه لم يصدق الوكيل بالبيع لانه أخبر به في حال لا يملك انشاءه فانه قد يعزل بموت الآمر ولان العبد صار ملك الوارث في الظاهر ولم يسلطه الوارث على ازالة ملكه فلا قول له في ذلك بخلافه حال حياة الآمر ولكن ان أقام المشتري البينة على الشراء في حياة لآمر كان العبد له والا فهو للورثة مع يمينهم على العلم فإذا أخذت الورثة العبد ضمن الوكيل المال للمشترى باقراره بقبضه منه عوضا عن اليمين وقد استحق العبد من يد المشترى فكان ضامنا له ما قبض من الثمن وان كان العبد مستهلكا فالوكيل يصدق بعد ان يحلف استحسانا وفى القياس لا يصدق لما بينا من المعنيين انه قد انعزل بموت الآمر وان بدله وهو القيمة صار ملكا للوارث على المشترى بقبضه العبد أو باستهلاكه فلا يقبل قول الوكيل في ابطال ملكهم ووجه الاستحسان أن الوكيل بما يخبر هنا ينفى الضمان عن نفسه وهو كان أمينا في هذا العبد فيكون قوله مقبولا مع يمينه فيما ينفى
[ 50 ] الضمان به عن نفسه بخلاف قيام العبد فانه يزيل ملكا ظاهرا للوارث في العبد وهو ليس بامين في ذلك فلا يقبل قوله لهذا ولو وكله ببيع أمة له فباعها الموكل أو كاتبها أو وهبها وسلمها فذلك نقض للوكالة لان الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بالبيع والهبة والتسليم فلا تبقى الوكالة بدون المحل وكذلك بالكتابة خرجت عن أن تكون محلا للبيع فلا تبقى الوكالة بعد خروج المحل من أن يكون محلا للتصرف كما لا يثبت ابتداء ولو استخدمها الموكل أو وطئها ولم تلد ولدا منه فالوكيل على وكالته لانها باقية على ملكه محل للتصرف الذى وكل الوكيل به وكذلك لو أجرها أو رهنها الموكل فان الوكيل على وكالته لانها باقية على ملكه محل للبيع وان كان يحتاج إلى رضا المرتهن والمستأجر للزوم البيع فيهما (ألا ترى) أن ابتداء التوكيل من الآمر صحيح بعد الرهن والاجارة وهذا لانه يملك بيعها بنفسه فانه لو باعها نفذ في حقه وانما توقف لحق الغير حتى إذا سقط حق المستأجر والمرتهن كان بيعه جائزا نافذا فكذلك توكيله ببيعها يصح في هذه الحال ويبقى صحيحا ولو باعها الوكيل أو الآمر ثم ردت بعيب بقضاء قاض فللوكيل أن يبيعها لان الرد بالعيب بقضاء القاضى فسخ من الاصل فعادت إلى قديم ملك الموكل وانتقاض الوكالة كان حكما لزوال ملك الموكل فإذا عاد ملكه عادت الوكالة وكذلك لو كان الرد بخيار الشرط كان للبائع أو للمشترى أو بفساد البيع أو بخيار الرؤية لان هذه الاسباب تفسخ العقد من الاصل وان قبلها الموكل بعيب بغير قضاء القاضى بعد قبض المشترى لم يكن للوكيل بيعها وكذلك لو تقايلا البيع فيها لان هذا السبب كالعقد المتبدإ في حق غير المتعاقدين والوكيل غيرهما فكان في حق الوكيل كان الموكل اشتراها ابتداء وكذلك ان رجعت إلى الموكل بميراث أو هبة أو غيرهما بملك جديد لم يكن للوكيل بيعها لان الوكالة تعلقت بالملك الاول وهذا ملك جديد سوى الاول فلا يثبت فيه حكم الوكالة الا بتجديد توكيل من المالك. ولو وكله ببيع عبد ثم أذن له في التجارة أو جنى عليه جناية كان على وكالته لان المحل لم يخرج من أن يكون محلا صالحا لهذا التصرف بما أحدثه الموكل ولم يخرجه الموكل بهذا الفعل عن صحة تصرف الوكيل فبقاء الوكالة أولى وإذا باع الوكيل العبد ثم قطع يده قبل ان يقبضه المشترى فللمشترى ان يؤدى جميع الثمن ويأخذ العبد ويتبع الوكيل بنصف القيمة ويتصدق بالفضل لان قطع اليد ليس مما اقتضته الوكالة فكان الوكيل فيه كأجنبي آخر فان قيل أليس أن الوكيل بالبيع نزل منزلة العاقد لنفسه
[ 51 ] ولو كان باعه لم يجب عليه القيمة بقطع يده قلنا هو في حقوق العقد ينزل منزلة العاقد لنفسه وقطع اليد ليس من حقوق العقد في شئ فكان هو فيها كأجنبي آخر وكذلك لو كبله أو استخدمه فمات من ذلك فللمشترى ان يضمن الوكيل القيمة ويعطيه الثمن لان هذا الفعل ليس مما تضمنته الوكالة وهو من حقوق عقد الوكيل فيكون الوكيل فيه كاجنبي آخر وإذا وكل رجلا ببيع عبده هذا ووكل آخر به أيضا فأيهما باعه جاز لانه رضى برأى كل واحد منهما على الانفراد حين وكله ببيعه وحده وهذا بخلاف الوصيين إذا أوصى كل واحد منهما في عقد على حدة حيث لا ينفرد واحد منهما بالتصرف في أصح القولين لان وجوب الوصية بالموت وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة وهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل فإذا أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل منهما بالتصرف فان باعه كل واحد منهما من رجل فان علم الاول منهما كان العبد له لان بيع الاول منهما حصل في حال قيام الوكالة فنفذ وصار بيعه كبيع الموكل بنفسه فانعزل به الوكيل الثاني وانما باعه بعد ما انعزل فلم يصح بيعه وان لم يعلم الاول منهما فلكل واحد منهما نصفه بنصف الثمن لانه ليس أحدهما بنفوذ تصرفه بأولى من الاخر ولان المشتريين قد استويا في استحقاق العبد للمساواة بينهما في السبب فكان العبد بينهما نصفين ويجبر كل واحد منهما لتفرق الصفقة عليه حيث لم يسلم له الا نصف العبد وقد اشتراه كله وان كان العبد في يد أحد الوكيلين أو في يد الموكل أو في يد المشتريين فهو سواء لان يد الوكيل فيه كيد الموكل فلا يظهر اعتبار ترجيح لاحد المشتريين فاما إذا كان في يد أحد المشتريين فهو له لترجيح جانبه بتأكد شرائه وتمكنه من القبض دليل سبق شرائه ولان بالآخر حاجة إلى استحقاق يده عليه وبشرائه من الوكيل الآخر لا يظهر عند الاستحقاق وانما يظهر باقامة البينة بسبق عقده فان أوهم لبسة على ذلك أخذه والا فلا سبيل له على العبد وإذا وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه مع عبد آخر بثمن واحد فهو جائز وللآمر حصة عبده لانه حصل مقصود الآمر إذ لا فرق في حقه بين ان يبيعه وحده وبين ان ببيعه مضموما إليه عبد آخر الا أن عند أبى حنيفة رحمه الله يجوز بيعه سواء قلت حصة عبد الموكل من الثمن المسمى أو كثرت وعندهما انما يجوز إذا كان بحصة من الثمن قدر قيمته أو أقل بما يتغابن الناس في مثله بمنزلة ما لو باعه وحده ولو كان قال له بع عبدى هذا بخمسمائة فباعه مع عبد آخر بالف درهم لا يجوز بيعه في عبد الموكل عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يجوز إذا
[ 52 ] كانت حصة عبد الموكل من المسمى خمسمائة أو أكثر لانه حصل مقصود الآمر بتصرفه ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول أمره بالبيع بثمن مقطوع على مقداره بيقين ولم يأت بذلك لان انقسام الثمن على العبدين باعتبار القيمة وطريق معرفة ذلك الحزر والظن فكان هذا غير التصرف المأمور به فلهذا لا ينفذ ولو وكله بشراء عبد بعينه فان لم يسم له المثن فاشتراه مع عبد آخر جاز إذا كان حصة المشترى للآمر مثل قيمته أو أكثر بما يتغابن الناس فيه وان كان سمى له خمسمائة فاشتراه مع عبد آخر بالف لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله على الآمر ويجوز في قولهما إذا كان حصة المشترى للآمر من الثمن خمسمائة أو أقل ولو كان الآمر الموكل حين أمره ببيع عبده قال له هو يقوم على بمائتي درهم فضم الوكيل عبدا آخر معه يقوم عليه بمائتي درهم فباعهما مرابحة على ثلثمائة درهم فهو جائز والثمن بينهما على رأس المال لان بيع المرابحة بيع بالثمن الاول وزيادة مضمومة إليه ربحا فكان هو مسميا بمقابلة عبد الآمر ما نص عليه وزيادة فلهذا نفذ بيعه وكان الثمن بينهما اثلاثا وإذا باع الوكيل العبد بيعا فاسدا فهلك عند المشترى فعليه قيمته كما لو باعه الموكل بنفسه بيعا فاسدا وهذا لان الضمان الاصلى في المبيع هو ضمان القيمة وانما يتحول إلى المسمى عند صحة التسمية ولم تصح التسمية للفساد فيبقى مضمونا بالقيمة والوكيل لا يصير ضامنا شيئا لانه لم يخالف وانما يضمن هو بالخلاف بالفساد وهذا لان أسباب الفساد قلما يمكن التحرز عنها عادة والناس كلهم لا يكونون كابى حنيفة رحمه الله في معرفة الاسباب المفسدة للبيع فلو قلنا يضمن الوكيل بالفساد لتحرز الناس عن قبول الوكالة وفيه قطع هذا الرفق عن الناس فلا يجوز القول به والوكيل هو الذى يقبض القيمة من المشترى لانه وجب بعقده والفاسد من العقد معتبر بالصحيح فإذا كان عقد القبض للوكيل فيما يجب بالعقد الصحيح فكذلك فيما يجب بالعقد الفاسد فيقبض القيمة ويدفعها إلى الموكل وليس للموكل ان يطالب المشترى بها الا أن يوكله الوكيل بذلك في البيع الفاسد والصحيح جميعا وان دفعه المشترى إلى الآمر برئ استحسانا وفى القياس لا يبرأ لان الآمر في حقوق العقد كأجنبي آخر فقبضه لا يوجب براءة المشترى ولكنه استحسن فقال الوكيل يعمل به في القبض فليس في قبضه بنفسه تفويت شئ على الوكيل بل فيه اسقاط فوته بالقبض والدفع عنه * توضيحه انه لو لم يبرئ المشترى كان له ان يسترده من الموكل ولا فائدة في نقض قبضه لحاجتنا إلى اعادته في الحال فانه لو نقض قبض الوكيل ودفعه إلى
[ 53 ] الآمر لكان هذا اشتغالا بما لا يفيد وان كتب الوكيل الصك باسم رب العبد فليس له ان يطالب المشترى الا ان يوكله الوكيل بذلك لان كتبه الصك باسمه اقرار بأن الثمن ملك له واقراره بذلك نصا لا ينافى كون القبض حقا للوكيل ولا يتضمن توكيل الوكيل اياه بالقبض فلهذا لا يكون له ان يقبضه وإذا قال الرجل للرجل بع عبدى هذا وهذا أو بع أحدهما فأيهما باع جاز وهذا استحسان وفى القياس التوكيل بالبيع معتبر فايجاب البيع في أحدهما بغير عينه لا يصلح فكذلك التوكيل به ولكنه استحسن فقال مبنى الوكالة على التوسع لانه لا يتعلق اللزوم بنفسها لان هذه جهالة مستدركة لا تفضى إلى المنازعة فلا يمنع صحة التوكيل * توضيحه ان الموكل قد يحتاج إلى هذا لانه لا يدرى أي العبدين يروج فيوكله ببيع أحدهما توسعة للآمر عليه وتحصيلا لمقصود نفسه في الثمن وإذا باع الوكيل العبد ثم قتله المولى بطل البيع لان الوكيل نائب عنه في البيع فكأنه بنفسه باعه ثم بقتله بطل البيع لفوات القبض المستحق بالعقد وهذا لان القيمة لم تجب عليه لانه مضمون عليه بالثمن للمشترى أن يأخذه بنصف الثمن ان شاء كما لو باعه بنفسه قال ولو وكله ببيع عدل زطى فباعه وقبضه المشترى ثم رده على البائع بخيار الرؤية فقال الآمر ليس هذا عدلى فالقول قول الوكيل مع يمينه لانه كان أمينا فيه وبعد ما رد عليه بخيار الرؤية عاد أمينا كما كان فالقول في تعيين الامانة قوله ولو باع الوكيل منه ثوبا ولم يبع ما سواه جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله ولم يجز عندهما ان كان يضر ذلك بالعدل بمنزلة الوكيل ببيع العبد إذا باع نصفه وقد بيناه فيما سبق ولو وكله ببيع شئ مما يكال أو يوزن فباع بعضه دون بعض جاز لان هذا مما لا يضره التبعيض فلا ضرر على الموكل في بيع بعضه بخلاف الدار والعبد عندهما وضمان الوكيل ثمن ما باعه للآمر باطل لان حق القبض في الثمن للوكيل فلو صح ضمانه عن المشترى كان ضامنا لنفسه إذ لا حق للموكل علي المشترى وضمان المرء لنفسه باطل ولانه أمين فيما يقبض من الثمن فيما بينه وبين الآمر فلو صحت كفالته للآمر صار ضامنا وبين كونه أمينا وبين كونه ضامنا في الشئ الواحد منافاة وكذلك المضارب وكل مال أصله الامانة وإذا أقام المشترى البينة على الوكيل انه قد أوفاه الثمن والوكيل يجحد ذلك فقد برئ المشترى من الثمن والوكيل ضامن له لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عايناه قد قبض الثمن ثم جحده كان ضامنا له وإذا وكله ببيع عدل زطى له فعمد الوكيل إلى العدل وقصره فهو ضامن لما هلك عند القصار لانه غير مأمور
[ 54 ] بالدفع إليه للقصارة فيكون بهذا الدفع مخالفا ضامنا ما هلك عند القصار فان رجع إلى يد الوكيل برئ من ضمانه لانه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فلا يكون ضامنا لما هلك واجرة القصار تكون على الوكيل لانه هو الذى استأجره وان باعه بعد القصارة فالثمن كله للموكل ولا شئ منه للوكيل باعتبار الاجرة للقصارة لان القصارة ليست بعين مال قائم في الثوب وانما هي ازالة الدرن والوسخ عن الثوب فان اللون الاصلى للقطن انما هو البياض ويتغير ذلك بالوسخ فإذا أزيلت عند القصارة عاد اللون الاصلى فإذا لم يكن للوكيل عين مال قائم باعتبار القصارة لا يكون له من الثمن حصة وكذلك ان فتل الثياب فاما إذا صبغها بعصفر أو زعفران فهو مخالف بما صبغ لان صاحب الثوب لم يأمره به فهو كمودع أو غاصب صبغ الثوب فلصاحب الثوب ان يضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب منه ورد عليه ما زاد العصفر والزعفران فيه وان شاء باعه الوكيل وضارب الآمر في الثمن بقيمة الثوب أبيض وضارب الوكيل بما زاد الصبغ فيه لان الصبغ عين مال قائم في الثوب فيسلم للوكيل ما يخصه من الثمن وكان الخيار للمالك لانه صاحب الاصل فان الصبغ تبع لان قيامه بالثوب وقيام البيع يكون بالاصل ولان الثوب قائم من كل وجه والصبغ مستهلك من وجه دون وجه فلهذا كان الخيار لصاحب الثوب ولو صبغه اسود فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله السواد نقصان في الثوب لا زيادة فللموكل أن يأخذه ولا يعطى الوكيل شيئا وان باعه الوكيل فالثمن كله للآمر وعندهما السواد بمنزلة العصفر والزعفران وقيل هذا اختلاف عصر وزمان فان لبس السواد لم يكن ظاهرا في زمن أبى حنيفة رحمه الله فعده نقصانا في الثوب وقد ظهر في عهدهما فقالا زيادة وقيل بل هذا يختلف باختلاف الثياب فمن الثياب ما ينقص السواد من قيمته كالقصب ونحوه فيكون ذلك نقصانا فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله ومن الثياب ما يزيد السواد في قيمته فيكون الجواب فيه كما قالا وكان أبو يوسف رحمه الله يقول بقول أبى حنيفة فلما قلد القضاء وكلف السواد احتاج فيه إلى مؤنة فرجع وقال السواد زيادة ثم الوكيل في هذا كله على وكالته في بيعه لان ما عرض لا ينافى ابتداء التوكيل ولا يخرج المحل من أن يكون صالحا للتصرف وإذا دفع إليه جراب هروى يبيعه وهو بالكوفة فبأى أسواق الكوفة باعه جاز وان خرج إلى البصرة فباعه هناك ضمنه استحسانا ولم يجز بيعه على الآمر وفي القياس يجوز لانه أمره بالبيع مطلقا فلا يتقيد بمكان من غير تقييد في كلامه وأكثر ما فيه أن مقصوده البيع بالكوفة والتقييد
[ 55 ] بالمقصود لا يحصل خصوصا عند أبى حنيفة رحمه الله ولكنه استحسن فقال لو لم تتقيد الوكالة بالكوفة كانت مؤنة النقل إلى موضع آخر على الموكل لان الوكيل في النقل ممتثل أمره فيرجع عليه بما يلحقه من المؤنة فربما تبلغ المؤنة قيمة المتاع أو تزيد فيكون في ذلك تفويت مقصود الموكل وهذا دليل صالح لتقييد مطلق الوكالة فإذا تقيدت بالمصر كان هو بالاخراج مخالفا فلا ينفذ بيعه ويكون ضامنا ولم يذكر في الكتاب ما إذا لم يخرج المتاع مع نفسه ولكن باعه بالبصرة ومشايخنا رحمهم الله يقولون بيعه يجوز هنا لان التسليم في بيع العين انما يجب في موضع المبيع فلا يلحقه مؤنة النقل والاصح انه لا يجوز لان التقييد ثبت بالدلالة كما ذكرنا فكان كالثابت بالنص والوكالة تقبل التقييد بالمكان والزمان ولو قال بعه بالكوفة ففى أي أسواق الكوفة باعه جاز لان مقصوده بهذا التقييد سعر الكوفة وفي أي أسواق الكوفة باع فانه انما باع بسعر الكوفة وان حمله إلى مصر آخر فباعه لم يجز بيعه فكان ضامنا له قياسا واستحسانا لتقييد الامر بالكوفة نصا وإذا كان للرجل عدل زطى فقال لرجلين أيكما باعه فهو جائز وان باعه أحد هذين فهو جائز أو وكلت هذا أو هذا ببيعه فباعه أحدهما ففى القياس لا يجوز لجهالة من وكل بالبيع وفي الاستحسان يجوز لان هذه جهالة مستدركة فيحمل فيما هو مبنى على التوسع ثم قد نص على القياس والاستحسان هنا ولم ينص فيما سبق من توكيل الواحد ببيع أحد العبدين حتى تكلف بعضهم كما بينا في الاقرار أن جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار وجهالة المقر له تمنع من ذلك ولكن الاصح أن القياس والاستحسان في الفصلين فانه قال هنا وكذلك لو قال لواحد بع احد هذين العبدين أو بع ذا وذا فهذا بيان أن القياس والاستحسان سواء وإذا أمره أن يبيعه ويشترط الخيار للآمر ثلاثة أيام فباعه بغير خيار أو بخيار دون الثلاثة فدفعه فبيعه باطل وهو له ضامن لانه أتى بعقد هو أضر على الآمر فانه أمره بالبيع على وجه يكون الرأى في هذه الثلاثة إلى الموكل بين أن يفسخ العقد أو يمضيه وقد أتى بعقد لا يثبت فيه هذا القدر من الرأى للآمر فكان مخالفا كالغاصب ولو قال بعه واشترط الخيار لي شهرا فباعه وشرط الخيار له ثلاثة أيام جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله استحسانا ولم يجز في قولهما لان من أصلهما ان الخيار يثبت في مدة الشهر ويصح البيع معه فانما أمره بعقد يكون فيه الرأى إلى الآمر في هذه المدة وهو لم يأت بذلك فكان ضامنا وان من أصل أبى حنيفة رحمه الله أن اشتراط الخيار في البيع لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام فانما هذا
[ 56 ] وكيل بالبيع الفاسد عنده والوكيل بالبيع الفاسد إذا باع بيعا جائزا نفذ على الامر استحسانا فهذا مثله ولو قال بعه بيعا فاسدا فباعه بيعا جائزا كان هذا استحسانا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وفى القياس وهو قول محمد وزفر رحمهما الله لا يجوز لان أمره بالعقد لا يزيل ملكه بنفس العقد فكان كالمأمور بالهبة إذا باع أو لانه أمره ببيع لا ينقطع به حق الموكل في الاسترداد أو أمره ببيع يكون المبيع مضمونا بالقيمة على المشترى إذا قبضه فكان كالمأمور بشرط الخيار للآمر إذا باعه بغير خيار ووجه الاستحسان أنه من جنس التصرف الذي أمره به وهو خير للآمر مما أمره به فلا يكون مخالفا كالوكيل بالبيع بألف إذا باع بالفين وبيانه انه أمره بان يطعمه الحرام بالتجارة وهو أطعمه الحلال والتجارة مشروعة لاكتساب الحلال بها دون الحرام بخلاف المضمون المأمور بالهبة إذا باع لان ما أتى به ليس من جنس ما أمره به وبخلاف بيع المأمور بشرط الخيار إذا لم يذكر الخيار لان ما أتى به ليس بانفع للآمر به بل هو أضر عليه * يوضحه انه لو أمره بالبيع الجائز فباع بيعا فاسدا لم يكن مخالفا فعرفنا أن الامتثال بأصل العقد لا بصفة الجواز والفساد وفى الامالى عن أبى يوسف رحمه الله انه لو أمره بأن يزوجه امرأة بغير شهود فزوجها اياه بشهود لم يجز عند أبى يوسف رحمه الله وهذا لان التوكيل بالنكاح لا يتناول النكاح الفاسد عنده بخلاف البيع ولان النكاح الفاسد لا يوجب الكل أصلا وهو غير مأمور من جهته باثبات الحل له فلهذا لا يصح مباشرته العقد الصحيح بخلاف البيع ولا اشكال على قول محمد رحمه الله انه لا يجوز فاما عند أبى يوسف رحمه الله فقال ينبغى ان يجوز لان الاذن في النكاح عنده يتناول الجائز والفاسد وما أتى به انفع للموكل مما أمره به ولو قال بعه بعبد إلى أجل فباعه بدراهم حالة في القياس لا يجوز وهو قول محمد رحمه الله ولم يذكر قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما لله وقيل على قولهما ينبغى ان يجوز لانه مأمور بالعقد الفاسد وقد أتى بالعقد الصحيح والاصح انه لا يجوز هنا لانه سمى جنسا خلاف ما آمره به الآمر وعند اختلاف الجنس في المسمى يكون مخالفا وان كان ذلك انفع للآمر كالتوكيل بالبيع بألف درهم إذا باعه بألف دينار لا ينفذ على الآمر ولو قال بعه بالف نسيئة فباعه بالف أو أكثر من الف بالنقد فهو جائز لانه حصل مقصود الامر وزاده خيرا بزيادته في قدر المسمى أو في صفة الحلول وان باعه بأقل من الف بالنقد لم يجز لانه خالف مقصوده وما سمى له فانه أمره بأن يدخل في
[ 57 ] ملكه بمقابلة العبد الفا وقد أدخل في ملكه دون ذلك وان باعه بالفين نسيئة جاز لانه خالف إلى خير بزيادة الثمن وان باعه بألفين نسيئة شهرين والموكل انما أمره بألف نسيئة شهرا لم يجز أيضا لانه خالف ما سمى له في مدة الاجل إلى ما هو أضر عليه والحاصل أن مقابلة زيادة القدر بالنقصان المتمكن بزيادة الاجل انما يكون بطريق المقايسة وليس للوكيل ذلك بل عليه مراعاة ما سمى له الآمر فإذا خالف إلى ما هو أضر عليه لم ينفذ تصرفه عليه ولو دفع إليه منطقة فيها مائة درهم فضة فقال بعها بخمسين فباعها بمائة درهم وعشرة دراهم نقدا فهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله وأبى يوسف رحمه الله لانه زاده خيرا من كل وجه وفى قول محمد رحمه الله لا يجوز لانه أمره بالعقد الفاسد وقد أتى بالعقد الصحيح وكذلك لو قال بعها بخمسين درهما نسيئة فباعها بخمسين نقدا فهو على الخلاف الذى ذكرنا وان دفع إليه جراب هروي فقال بعه نسيئة أو نقدا فما باعه من شئ من دراهم أو دنانير أو شئ مما يكال أو يوزن فهو جائز أما عند أبى حنيفة رحمه الله فلا يشكل وأما عندهما فلانه وسع الآمر عليه بقوله بعه نسيئة أو نقدا فينصرف إلى كل ما يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا وان باعه بيعا فاسدا ودفعه إليه لم يكن مخالفا لما بينا ولو قال بعه نسيئة فباعه إلى الحصاد والدياس أو إلى العطاء أو إلى النيروز فالبيع فاسد بجهالة هذه الآجال عند المتعاقدين كما لو باعه الموكل بنفسه الا أن يقول المشترى أنا أعجل المال وأدع الاجل فحينئذ يجوز حذف الشرط المفسد قبل تقرره وهى زفرية معروفة في البيوع ولو وكله بطعام فقال بعه كل كر بخمسين فباعه كله فهو جائز لان حرف كل جامع لكل ما يضاف إليه وقد أضافه إلى الطعام فيجمع كل كر منه وان قال بعه بمثل ما باع به فلان الكر فقال فلان بعت الكر باربعين فباع الوكيل باربعين ثم وجد فلانا باعه بخمسين فالبيع مردود لانه تبين أنه باعه بأقل مما سمى له وان فلانا أخبر بالباطل والمخبر به إذا كان كذبا فبالاخبار به لا يصير صدقا وجهل الوكيل لا يبطل حق الموكل ولا يجعل الوكيل موافقا وان كان فلان باع كرا بخمسين فباع هذا كراره بخمسين خمسين ثم باع فلان بعد ذلك بستين فهو جائز ولا ضمان على الوكيل لانه أمره بالبيع بمثل ما باع به فلان في الماضي لا بمثل ما يبيع به في المستقبل وقد امتثل أمره في ذلك وان كان فلان باع كرا باربعين وكرا بخمسين فباع الوكيل طعامه كل كر باربع وأربعين ففي القياس لا يجوز بيع الوكيل لان جوازه يعتمد رضا الموكل وفى رضاه بأربعين شك لما كان فلان باع تارة بخمسين وتارة
[ 58 ] بأربعين فالظاهر أن مراد الآمر بهذا بع على ما باع به فلان لا أدناه ولكنه ترك القياس واستحسن فقال يجوز لانه امتثل ما سمى له فانه سمى له البيع بمثل ما باع به فلان وإذا كان قد باعه بأربعين فهذا قد باع بمثل ما باع به فلان وهذا لان في المنصوصات يعتبر أدنى ما يتناوله الا اسم لا نهايته (ألا ترى) أنه إذا شرط صفة الجودة في المبيع يعتبر أدنى الجودة لا أعلاها ولانا لو لم ننفذ بيعه لم نجد بدا من أن نجعل الوكيل ضامنا وبالشك لا يجب عليه الضمان ولو وكله بشراء عبد بعينه فقبل الوكالة وخرج من عنده فاشهد انه يشتريه لنفسه ثم اشتراه فهو للموكل لانه قصد عزل نفسه فيما يوافق أمر الامر وعزله يكون بالخلاف لا بالموافقة فلا يعمل قصده هذا وكذلك لو وكله آخر بعد ذلك بشرائه فاشتراه فهو للاول لانه بعد قبول الوكالة منه صار بحيث لا يملك شراءه لنفسه فكذلك لا يملك شراءه لغيره وإذا وجد الوكيل بالعبد عيبا فله أن يرده ولا يستأمر فيه لان الرد بالعيب من حقوق العقد وهو مستبد بما هو من حقوق العقد لان العبد ما دام في يده فالوكالة قائمة غير منتهية فهو متمكن من رده بيده فلا حاجة إلى استئمار الآمر وان كان دفعه إلى الآمر فليس له أن يخاصم في عيبه الا بامر الامر لان الوكالة قد انتهت بالتسليم إلى الآمر ولانه لا يتمكن من رده الا بابطال يده واليد حقيقة فيه للآمر ولا سبيل له إلى ابطال يده الا برضاه والدليل على الفرق أن الوكيل لا يكون خصما لمن يدعى في هذا العبد شيأ بعد ما سلمه إلى الامر بخلاف ما قبل التسليم فانه خصم باعتبار يده ما لم يثبت أنها لغيره وإذا أمره أن يشترى له هذا العبد بصنف المكيل أو الموزون فاشتراه بغير ذلك الصنف لم يلزم الآمر لانه لم يحصل مقصود الآمر فان مقصوده تحصيل العبد له بهذا الصنف الذى سماه فإذا لم يحصل مقصوده كان مشتريا لنفسه ولو لم يسم له الثمن لم يجز له أن يشتريه للآمر الا بدراهم أو بدنانير لما بينا أنه يتعذر اعتبار اطلاق الوكالة في العوض فيحمل على أخص الخصوص وهذا الشراء بالنقد فان اشتراه بعضه بعينها تبرا واناء مصوغ أو ذهب أو تبر أو بمكيل أو بموزون أو عرض لزم المشترى دون الاحمر لان أمره لما قيد بالشراء بالنقد صار كأنه نص عليه والتبر والمصوغ ليسا بنقد فكان فيما صنع مخالفا أمره فلهذا صار مشتريا لنفسه دون الآمر ولو وكله بشراء عبد بعينه بثمن مسمى فوكل الوكيل وكيلا آخر فاشتراه لزم الآمر الثاني دون الاول لان الاول انما رضى برأى وكيله بالشراء وما رضى بتوكيله فهو في التوكيل مخالف وان كان قد سمى
[ 59 ] الثمن له لان تسمية الثمن تمنع الزيادة دون النقصان وإذا صار مخالفا نفذ شراء وكيله عليه كما لو اشتراه بنفسه على وجه يكون مخالفا فيه يصير مشتريا لنفسه ولو اشتراه الوكيل الثاني بمحضر الوكيل الاول لزم الآمر الاول لان تمام العقد برأى الوكيل الاول فكأنه هو الذى باشر العقد وفى هذا خلاف زفر رحمه الله وقد بيناه وان قال الوكيل امرتني أن اشتريه لك بألف درهم وقال الآمر أمرتك بخمسمائة فالقول قول الامر لان الاذن مستفاد من جهته ولو أنكر أصل الاذن كان القول قوله فكذلك إذا أنكر الزيادة ولان تصرف كل انسان يكون لنفسه باعتبار الاصل إلى أن يظهر كونه نائبا عن غيره فكان الآمر متمسكا بالاصل ولو أقام البينة فالبينة بينة الوكيل لانه يثبت لنفسه دينا في ذمة الآمر ويثبت خلاف ما يشهد به الظاهر وهو وقوع الملك بشرائه للآمر وكذلك لو قال الامر للوكيل أمرتك بغير هذا العبد وقال اشتر لى عبد فلان بعبدك هذا فاشتراه جاز للآمر وعليه قيمة عبد الوكيل لانه صار كالمستقرض لعبد الوكيل حين أمره ان يشترى به له عبدا واستقراض الحيوان وان كان فاسدا فإذا تم كان مضمونا بالقيمة ولان الشراء يوجب الثمن للبائع على الوكيل والوكيل على الموكل فإذا صح التوكيل هنا واشترى بعبده وجب للبائع على الوكيل تسليم العبد إليه وللوكيل على الموكل مثله ومثل العبد قيمته وانما صح التوكيل لانه أقر بالشراء له بعوض يلتزمه في ذمة نفسه كان صحيحا وكذلك إذا أمره بالشراء له بعوض يلتزمه في مال نفسه وان اختلفا في مقدار القيمة فالقول قول الوكيل مع يمينه أو يترادان لان الوكيل مع الموكل بمنزلة البائع مع المشترى على معنى ان الموكل يملك السلعة بعقد الوكيل بعوض يستوجبه الوكيل عليه والبائع مع المشترى إذا اختلفا في الثمن فالحكم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع أو يترادان ثم حاصل الجواب في هذه المسألة ان يقال هنا معنيان أحدهما ما بينا وذلك موجب للتخالف والثانى ان الوكيل أمين مخبر بما يجعل مسلطا عليه وفي مثله القول قوله مع يمينه فيكون للموكل الخيار ان شاء مال إلى هذا الجانب ورضى أن يأخذ بما قال الوكيل فحينئذ يحلف الوكيل على ما يدعى من مقدار الثمن كما هو الحكم في يمين الامين فإذا حلف أخذه بذلك وان شاء مال إلى الآخر ولم يرض ان يأخذه بما قال الوكيل فحينئذ يتحالفان والذى يبتدأ به في اليمين الآمر لانه بمنزلة المشترى فكما أن البائع والمشترى إذا اختلفا في الثمن يبدأ بيمين المشترى لان أول التسليمين عليه فكذلك هنا يبدأ بيمين الامر ويحلف
[ 60 ] على علمه لانه استحلاف على فعل الغير وبعد ما تحالفا فالعبد المشترى يلزم الوكيل لانفساخ السبب بين الوكيل والموكل قال وإذا وكل رجل رجلا ان يشترى له أمة يتخذها أم ولد ويطؤها بالف درهم فاشترى له أمة رتقاء لا توطأ أو مجوسية أو أمة لها زوج لم يلزم الآمر لانه صرح بمقصوده عند التوكيل بمحل صالح لما صرح به وهذا المحل غير صالح لذلك وكان الوكيل مشتريا لنفسه وكذلك كل ما وصفه بصفة فاشتراه بصفة تخالف تلك الصفة كان مشتريا لنفسه لما قلنا بخلاف ما إذا أطلق فان ما ليس بمعين يختلف باختلاف الصفة قال وإذا وكله أن يشترى له عبدا بعينه بألف درهم فاشتراه الوكيل وقبضه وطلب الآمر أخذه فأبى الوكيل أن يعطيه حتى يستوفى الثمن فله أن يمنعه عندنا سواء نقد الوكيل الثمن أو لم ينقد وليس له حق المنع عند زفر رحمه الله وهذه معروفة في البيوع بفروعها إلا أن هناك لم ينص على الخلاف إذا هلك بعد المنع وانما نص عليه هنا فقال عند أبى يوسف رحمه الله يكون مضمونا بالاقل من قيمته ومن الثمن كالمرهون وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون مضمونا بالثمن قلت قيمته أو كثرت كالمبيع إذا هلك في يد البائع فان الوكيل مع الموكل لبائع مع المشترى فان مات في يد الوكيل قبل أن يمنعه مات من مال الآمر لان الوكيل في القبض عامل للآمر فيصير الآمر بقبض الوكيل قابضا حكما ما لم يمنعه منه فإذا هلك هلك من مال الآمر وللوكيل أن يرجع عليه بالثمن بخلاف ما إذا منعه لانه صار مستردا ليده أو لان بالمنع تبين انه كان في القبض عاملا لنفسه لا للآمر وان كان البائع أخر المال عن المشترى لم يكن للمشترى أن يأخذه من الآمر بمنزلة ما لو اشترى بثمن مؤجل فانه لم يرجع على الآمر قبل حلول الاجل وهذا لان الوكيل انما يستوجب على الآمر مثل ما وجب للبائع عليه بصفته وهذا بخلاف الشفيع مع المشترى فان الاجل الثابت في حق المشترى لا يثبت في حق الشفيع لان الشفيع انما يتملك المبيع بعقد جديد سوى عقد المشترى والاجل المذكور في عقد لا يثبت في عقد آخر وهنا الموكل انما يتملك بذلك العقد الذى باشره الوكيل والاجل ثابت في حق الوكيل بحكم ذلك العقد فيثبت في حق الموكل أيضا ولو حط البائع شيأ من الثمن عن الوكيل ثبت ذلك للآمر لان حط بعض الثمن يلتحق بأصل العقد ويخرج قدر المحطوط من أن يكون ثمنا بخلاف ما لو وهب البائع الثمن كله للوكيل كان له أن يرجع على الموكل بالثمن لان حط الكل لا يلتحق باصل العقد إذ لو التحق بأصل العقد فسد البيع لانه يبقى بيعا يغير ثمن وهو
[ 61 ] فاسد فكان ذلك مقصورا عل الحال وابراء الوكيل لا يمنع من الرجوع على الآمر لان ثبوت حق الرجوع له بالشراء لا بالولاء بخلاف الكفيل إذا برئ حيث لا يرجع على الاصيل لان ثبوت حق الرجوع له بالاداء أو بملكه ما في ذمته وذلك لا يحصل بالاداء ولو أمره أن يشتري له عبدا بعينه بألف درهم ومائة ثم حط البائع المائة عن المشترى كان العبد للمشترى دون الآمر لانه في أصل العقد مخالف فوقع الشراء له ثم لا يتحول إلى الامر بعد ذلك الا بتجديد سبب ولم يوجد وبهذا يحتج زفر رحمه الله في الوكيل بشراء العبد إذا اشترى نصفه فان عند زفر رحمه الله هناك وان اشترى الباقي قبل الخصومة كان العبد للوكيل دون الامر لانه في أصل الشراء مخالف ولكنا نقول هناك عرضت الموافقة بفعل يكون من الوكيل فيما تناولته الوكالة قائم فمنع تحقق الخلاف وهنا عرضت الموافقة بفعل يحدثه الوكيل فيما تناولته الوكالة غير موجود فتحقق الخلاف بنفسه. ولو ان رجلا اشترى عبدا واشهد انه يشتريه لفلان فقال فلان قد رضيت كان للمشترى أن يمنعه منه لان الشراء نفذ على العاقد حين لم يكن مأمورا من جهة غيره ورضا الغير انما يعتبر في عقد موقوف على اجازته وهذا العقد غير موقوف على اجازته فرضاه فيه وجوده كعدمه وان سلمه له وأخذ الثمن كان ذلك بمنزلة بيع مستقبل منهما فان البيع بالتعاطي ينعقد عندنا لان المقصود تمام الرضا قال الله تعالى الا أن تكون تجارة عن تراض منكم وذلك يحصل بالفعل كما يحصل بالقول وإذا وكله بأن يشترى له أمة بألف درهم فاشتراها بالفين فبعث بها للآمر فاستولدها ثم قال الوكيل اشتريتها بالفين فان كان حين بعث بها إليه قال هذه الجارية التى أمرتنى فاشتريتها لك لم يصدق في أن ثمنها ألفان ولم تقبل بينته على ذلك لانه بالكلام الاول صار مقرا انه اشتراها للامر وانما يكون مشتريا للامر إذا اشتراها بالثمن الذى سمى الآمر له فكان هو في قوله بعد ذلك اشتريتها بالفين مناقضا والمناقض لا دعوى له ولا تقبل بينته وان لم يكن قال ذلك حين بعث بها إليه فالقول قوله لانه يقول اشتريتها لنفسي وانما بعثتها إليه وديعة أو لينظر انها تعجبه بالثمن الذى اشتريتها له به أولا فلم يسبق منه ما يناقض قوله فلهذا جعلنا القول قوله ثم يأخذ القيمة وعقرها وقيمة ولدها لان الامر مغرور فيها فانه استولدها باعتبار سبب ظاهر لو كان حقيقة كانت الجارية له وهو ان الوكيل اشتراها له بما أمره به فإذا تبين الامر بخلافه كان مغرورا ولو وكله ان يشترى له كر حنطة من الفرات فاشتراها واستأجر بعيرا لحمله عليه لم يكن الكراء
[ 62 ] على الآمر في القياس لان وجوب الكراء بعقد آخر سوى العقد الذى أمره به فكان متبرعا في حمله بمنزلة أجنبي آخر (ألا ترى) انه لو أمره بالشراء من السوق فاشتراه ثم حمله إلى منزله بكراء كان متبرعا فيه فكذلك هذا وفى الاستحسان يرجع على الآمر بالكراء لانه مأمور بحمله دلالة فانه أمره بالشراء من الفرات ولا يمكنه ان يتركه هناك بعد الشراء فان الحنطة تحمل في السفن إلى بغداد فتشتري ثمة وتنقل إلى المنازل إذ لا يبقى هناك بالليل احد يحفظها وليس هناك حانوت تحفظ فيه فلما أمره بالشراء مع علمه بهذا صار الامر آمرا له بالنقل دلالة والنقل لا يتاتى الا بالكراء وكانه أمره بهذا الاستئجار بخلاف ما لو أمره بالشراء من السوق * توضيحه ان الوكيل مضطر في هذا النقل فانه لو تركه هناك يكون مضيعا له فلم يكن متبرعا في هذا النقل بخلاف ما إذا اشتراه من السوق فانه غير مضطر إلى نقله لتمكنه من الترك في حانوت البائع وان كان الآمر أمره ان يستأجر الكر بدرهم فاستأجر له بدرهم ونصف لم يكن على الامر من الكراء شئ لان الوكيل صار مخالفا له فكان مستأجرا لنفسه فحمله على من استأجره لنفسه كحمله على دابة نفسه ولو استأجره بدرهم جاز على الآمر ولم يكن للوكيل حبس الطعام حتى يستوفى الكراء لان الكراء ليس بعوض عن الطعام وانما يحبس الطعام ببدله وبدل الكراء هنا منفعة الدابة في الحمل وقد تلاشت وليس للحمل أثر قائم في المحمول فلا يحبس المحمول به بخلاف الخياطة والقصارة فان أثر فعل الخياط والقصار قائم في الثوب فله أن يمنعه حتى يستوفى الاجرة ولو وكله ان يشتري له طعاما بعشرة دراهم ولم يدفعها إليه فاشتراه الوكيل نسيئة فهو جائز لانه مأمور بالشراء مطلقا وقد بينا نظيره في الوكيل بالبيع وعن أبى يوسف رحمه الله في الفصلين جميعا انه انما يبيع ويشترى للآمر بالنسيئة إذا أمره بالتصرف على وجه التجارة لان كل واحد من النوعين من صنع التجار فإذا أمره بالبيع لا على وجه التجارة لا يملك البيع بالنسيئة وبيان هذا في كتاب الرهن ثم للآمر ان يأخذ الطعام قبل أن ينقد الثمن لان حاله مع الوكيل كحال الوكيل مع البائع وللوكيل ان يقبض المبيع قبل أن ينقد الثمن إذا كان مؤجلا فلآمر ذلك أيضا فان مات الوكيل فحل عليه الثمن لم يحل على الآمر لان حلول الثمن على الوكيل لوقوع الاستغناء عن الاجل وعدم انتفاعه ببقائه أو لان ما عليه من الدين صار كالمستحق في تركته وهو ميت وهذا لا يوجد في حق الآمر ما بقى حيا وكذلك لو أمره بأن يشتري له إلى أجل وهذا أظهر من الاول ولو كان أعطاه
[ 63 ] دنانير وأمره أن يشترى بها ثم لم ينقدها حتى دفع الطعام إلى الآمر وأنفق الدنانير في حاجته ونقد الثمن غيرها فهو جائز لانه امتثل الامر في الشراء بتلك الدنانير وهى لا تتعين في الشراء بالتعيين فكانت باقية على ملك الآمر وقد وجب الثمن للبائع دينا في ذمة الوكيل وللوكيل في ذمة الآمر فالوكيل حين أنفق دنانير الآمر في حاجته صار مستوفيا دين نفسه فبقى دين الآمر عليه يغرمه في ماله وان اشترى بدنانير غيرها ثم نقدها فالطعام للوكيل لانه كان مأمورا بالشراء بتلك الدنانير فإذا اشترى بغيرها صار مخالفا فكان مشتريا لنفسه ثم نقد دنانير الآمر في قضاء دين نفسه فصار ضامنا له فان قيل الشراء لا يتعلق بتلك الدنانير فشراء الوكيل بها وبغيرها سواء قلنا لا نقول يتعلق الشراء بتلك الدنانير وانما تتقيد الوكالة بما يتقيد به المال المضاف إليها (ألا ترى) انه لو هلك المال قبل الشراء به بطلت الوكالة وإذا تعلقت الوكالة بتلك الدنانير لم يكن الشراء بغيرها من موجبات الوكالة على أن الشراء قد بطل يتعلق الدنانير المضافة إليها نوع تعلق (ألا ترى) أن من اشترى بالدنانير المغصوبة ونقدها لم يطلب له الفضل بخلاف ما إذا اشترى بغيرها ونقدها وان اشترى الوكيل طعاما إلى أجل وهو ينوى الشراء بها لم يصدق على ذلك ولم يلزم الآمر لان تلك الدنانير عين وصفة العينية تنافى الاجل فبين شرائه بالثمن المؤجل وبين شرائه بتلك الدنانير منافاة بينة فبينه مخالفة لما صرح به ودعواه غير مطابقة لما ظهر منه فلا يصدق على ذلك وكان هذا وما لو اشتراه بدنانير غير تلك الدنانير سواء وان كان اشترى طعاما بمال فنوى الشراء بتلك فهو جائز على الآمر لانه ما صرح بخلاف ما أمره به نصا فان اضافة الثمن إلى ذمته والى ما في يده من الدنانير سواء وكان تعيين تلك الدنانير في قلبه كتعينها باشارته في العقد إليها وهذا لان الوكيل قد يبتلى بهذا بأن يجد ما يوافق الآمر في السوق ولا تكون تلك الدنانير معه فلو رجع إلى بيته ليحضرها فاته فلهذا جوزنا شراءه للآمر بمطلق الدنانير وان نقد بعد ذلك تلك الدنانير نصا وكذلك لو أمره أن يشترى له عبدا وسمى جنسه وثمنه ووكله آخر بمثل ذلك ودفع إليه الثمن فاشتراه على تلك الصفة وقال نويته لفلان فالقول قوله لان ما في ضميره لا يعرفه غيره فيوجب قبول قوله في ذلك وهو أمين مسلط على ما أخبر به من جهة كل واحد منهما وان مات في يديه مات من ماله الذي سمى له لانه بقبضه له يصير من وقع له الشراء قابضا ولو وكله احدهما أن يشترى له نصف عبد معروف بثمن مسمى ووكله آخر بأن يشترى له نصف عبد بمثل ذلك الثمن
[ 64 ] فاشترى الوكيل نصفه وقال نويت ان يكون للآخر فالقول قوله لان وكالة الثاني صحيحة وصار هو مالكا شراء النصف لكل واحد منهما فكان قوله مقبولا في تعيين من المشترى له وان كان كل واحد منهما سمى له ثمنا مخالفا لما سمى الآخر فاشترى احد النصفين بذلك الثمن وقال نويته لفلان الآخر فالقول قوله لما بينا ان ما في ضميره لا يعرفه غيره فإذا قبلنا قوله في ذلك صار مخالفا مشتريا لنفسه لانه اشترى بثمن غير الثمن الذى نواه له بالشراء ولا يكون هذا النصف للذى أمره بالشراء بهذا الثمن لانه لم ينوه له وفيما ليس بعين لا يصير مشتريا للامر الا أن ينوى ان ينقد دراهمه قال وإذا وكله ان يشترى له جارية بعينها فقال الوكيل نعم ثم اشتراها لنفسه ووطئها فحبلت منه فانه يدرأ عنه الحد وتكون الامة وولدها للآمر ولا يثبت النسب لانه صار مشتريا للآمر فان نيته لنفسه لغو في الجارية المعينة الا انها في يده بمنزلة الجارية المبيعة في يد البائع على ما بينا ان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشترى ووطئ البائع للامة المبيعة لا يوجب عليه الحد لتمكن الشبهة ولكن لا يتمكن الغرور بهذا لانه استولدها مع العلم بانها لغيره ولهذا كانت مع ولدها للآمر ولا يثبت النسب قال ولو وكله بأن يشترى له أمة وسمى جنسها فاشترى أمة وأرسل إليه بها فاستولدها الآمر ثم قال الوكيل ما اشتريتها لك فان كان حين بعث بها إليه قال اشتريتها لك أو قال هي الجارية التى أمرتنى بأن اشتريها لك لم يسمع دعواه بعد ذلك ولا تقبل بينته على الاشهاد عند الشراء انه اشتراها لنفسه لكونه مناقضا في هذه الدعوى وان لم يذكر شيئا من ذلك فالقول قوله مع يمينه ويأخذها وعقرها وقيمة ولدها لما بيناه فيما سبق قال ولو وكله بأن يشترى له دار فلان بألف درهم فاشترى صحراء ليس فيها بناء فهو جائز لان الدار اسم لما يدار عليه الحائط مبنيا كان أو غير مبنى والعرب يطلقون اسم الدار على الصحراء التى لم يبق فيها الا أثر قال القائل يادار مية فالعلياء فالسند (وقال الآخر) عفت الديار ومحلها فمقامها وهذا بخلاف ما لو أمره بأن يشترى له بيتا فاشترى أرضا لم يكن فيه بناء لم يجز على الامر لان البيت اسم لما يبات فيه وذلك في المبنى خاصة ثم الانسان قد يشترى الدار غير مبنية ليبنيها على مراده فلم يكن فيما اشتراه الوكيل معنى المخالفة لمقصود الآمر بخلاف البيت فانه يشتريه لينتفع به ولا يحتاج إلى تخلق بنائه وهذا المعنى لا يحصل في غير المبنى فإذا
[ 65 ] صح شراء الدار للآمر وهلك المال عند الوكيل فقال الآمر هلك قبل أن تشترى وقال الوكيل هلك بعد ما اشتريتها فالقول قول الآمر لانكاره بقاء الوكالة عند الشراء بمنزلة ما لو أنكر التوكيل أصلا ولان الوكيل يدعى لنفسه الثمن في ذمة الموكل وهو منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه ويحلف على العلم لانه استحلاف على فعل الغير وهو الشراء به قبل الهلاك أو بعده ولو لم يهلك ونقده البائع فاستحقه رجل فضمن الوكيل رجع به على الامر لانه كان عاملا له فيما قبض من الثمن ونقد وان ضمن البائع رجع به علي الوكيل لان المقبوض من الثمن لم يسلم له رجع الوكيل على الآمر لكونه عاملا له ولو لم يستحق ولكن جحد البائع أن يكون القبض قبض الثمن فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف رجع به على الوكيل ولم يرجع به الوكيل على الآمر لانه مقر انه استوفى الثمن من الآمر ونقده البائع ثم ظلمه البائع بتغريمه الثمن مرة أخرى فليس له أن يظلم الآمر ان ظلمه غيره ولو لم ينقده البائع حتى هلك عند الوكيل فاخذه من الآمر ثانية فهلك عنده لم يرجع به على الامر ويضمن الثمن من عنده للبائع لان بالشراء وجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الآمر فإذا قبضه الوكيل بعد الشراء صار به مستوفيا دين نفسه فدخل المقبوض في ضمانه وكان هلاكه عليه بخلاف ما لو قبضه قبل الشراء فانه ما استوجب على الآمر شيئا بعد وكان في ذلك القبض عاملا للامر لا لنفسه والفرق بين هذا وبين المضاربة قد بيناه فيما أمليناه من شرحه قال ولو وكله أن يشترى له سيفا بثمن مسمى فاشترى نصلا أو سيفا محلى كان جائزا لان اسم السيف للنصل حقيقة وشراؤه معتاد فقد يشترى المرء نصلا ليركب عليه الحمايل على مراده قال ولو وكله بأن يشترى له ثوبا يهوديا ليقطعه قميصا فاشترى له ثوبا لا يكفيه لم يلزم الآمر لانه بين له مقصوده فتقيدت الوكالة بثوب يصلح لمقصوده وكذلك لو وكله أن يشترى له دابة يسافر عليها ويركبها فاشتراها مقطوعة اليد أو عمياء أو مهرا لا يركب عليه لانه غير صالح لما قيد الآمر التوكيل به قال ولو وكله ان يشترى له عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى أكثر به لزم الآمر عشرة منها بنصف درهم والباقي للمأمور لانه أمره بشراء قدر مسمى فما زاد على ذلك لم يتناوله أمره فكان مشتريا لنفسه وفى القدر الذى تناوله أمره قد حصل مقصوده وزاده منفعة بالشراء بأقل مما سمى له فكان مشتريا للآمر ولكن هذا الجواب انما يستقيم فيما إذا اشترى ما يساوى عشرة أرطال بدرهم اما إذا اشترى ما يساوى عشرين رطلا بدرهم فيصير مشتريا الكل
[ 66 ] لنفسه لان الامر تناول اللحم السمين الذى يشترى منه عشرة أرطال بدرهم وقد اشترى المهزول فلم يكن محصلا مقصود الآمر فكان مشتريا لنفسه والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في الصرف والسلم) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بان يشترى له ابريق فضة بعينه ولم يسم الثمن فاشتراه بقيمته دنانير أو بمثل وزنه دراهم فهو جائز لانه مطلق للتوكيل بالشراء بالنقود وكل واحد من الجنسين من النقود وشراء الابريق بكل واحد منهما معتاد لو اشتراه الموكل بنفسه يجوز فكذلك إذا اشتراه الوكيل له وفى حكم التقابض المعتبر بقاء المتعاقدين في المجلس وغيبة الموكل لا تضر هذا غير مشكل فيما إذا كان الوكيل ممن تتعلق به حقوق العقد لانه بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك ان كان ممن لا تتعلق به حقوق العقد لان قبضه وتسليمه صحيح وان كان لا تتوجه عليه المطالبة ففى حكم صحة التقابض هو بمنزلة وكيل يتعلق به حقوق العقد فان قال الموكل لم تشتره وقال الوكيل اشتريته بكذا وكذا فصدقه البائع فانه يلزم الموكل بذلك الثمن لان الوكيل أقر بالشراء في حال تملك الانشاء فيكون اقراره صحيحا وكذلك لو قال الموكل أخذته بثمن دون الذى قلت لان تصادق البائع مع الوكيل على الشراء بذلك الثمن بمنزلة مباشرتهما العقد فيكون لازما للموكل فالموكل يدعى عقدا سوي الذي ظهر بتصادقهما فلا يقبل قوله ذلك الا بحجة وكذلك هذا في الوكالة بشراء دار بعينها أو عبد بعينه لان في المعين الوكيل يملك الشراء للموكل ولا يملك الشراء لنفسه إذا كان بمثل قيمته فمطلق شرائه محمول على ما يملكه دون ما لا يملكه فلهذا كان لازما للموكل قال ولو وكله بخاتم ذهب فصه ياقوتة يبيعه فباعه بفضة أو ذهب أكثر مما فيه أو بخاتم من ذهب أكثر وزنا منه وليس فيه فص فهو جائز كما لو باعه الموكل بنفسه وهذا لان المثل من الذهب يصير بازاء المثل والباقى بازاء الفص وان تفرقا قبل قبض أحدهما فسد البيع لان العقد في حصة الذهب صرف وان باعه بخاتم ذهب أكثر مما فيه من الذهب أو أقل وفيه فص وتقابضا جاز كما لو باعه الموكل بنفسه وهذا لان الجنس يصرف إلى خلاف الجنس أحيانا لا لتصحيح العقد وعلى هذا قول أبى حنيفة رحمه الله ظاهر لان عنده الوكيل بالبيع يملك البيع بالغبن اليسير والفاحش وعندهما انما لا يملك البيع بالغبن الفاحش لانه خلاف المعتاد ولما فيه من الضرر على الموكل وهذا غير موجود هنا وان صرفنا
[ 67 ] الجنس لتصحيح العقد وإذا وكله بدراهم صرفها له وصرفها الوكيل عند أبيه أو عند ابنه أو عبده أو مكاتبه كان باطلا في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو جائز عندهما الا في عبده أو مكاتبه وقد بينا هذا ثم زاد فقال فان باعه بالقيمة دنانير جاز ذلك كله ما خلا عبده إذا لم يكن عليه دين وهذا اشارة إلى أن الخلاف في البيع بالغبن اليسير دون البيع بمثل القيمة وقد بينا اختلاف المشايخ رحمهم الله فيما سبق قال ولو دفع إليه عبدا فقال بعه بالف درهم وزن سبعة فباعه بالفى درهم وزن خمسة فهذا جائز لانه باعه باكثر مما سمى له من جنسه فان الف درهم وزن سبعة تكون سبعمائة مثقال والفى درهم وزن خمسة يكونان الف مثقال فلم يكن هذا مخالفا لما سمى له الآمر قال وان دفع إليه عشرة دراهم يسلمها في ثوب ولم يسم جنسه لم يجز لان اسم الثوب يتناول اجناسا مختلفة فلم يصر مقصود الموكل بتسمية الثمن معلوما فان أسلمها الوكيل في ثوب موصوف فالسلم للوكيل لان الوكالة لما بطلت تعذر تنفيذ العقد على الموكل فنفذ على الوكيل ثم للموكل أن يضمن دراهمه أيهما شاء لانه قضى دين نفسه بدراهم الموكل فكان هو ضامنا بالدفع والمسلم إليه بالقبض فان ضمنها الوكيل فقد ملكها بالضمان وتبين انه نقد دراهمه بعينها فكان السلم له وان ضمنها المسلم إليه بعد ما افترقا بطل السلم لاستحقاق رأس المال من يد المسلم إليه فان ذلك يقتضى القبض من الاصل وان سمى ثوبا يهوديا جاز التوكيل لبيان الجنس والسلم نوع شراء فالتوكيل بشرائه سلما معتبر بتوكيله بشرائه والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في الدين) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بتقاضي دينه وبقبضه لم يكن للوكيل ان يوكل غيره بذلك لان الناس يتفاوتون في التقاضى فقد يمل الغريم من تقاضى بعض الناس والموكل انما رضى بتقاضيه بنفسه لا بتوكيله والقبض باعتبار الائتمان والناس يتفاوتون فيه فلا يكون رضا الموكل بقبض الوكيل رضا منه بقبض غيره فان قبضها الوكيل الثاني لم يبرأ المطلوب لانه في حق الطالب كأجنبي آخر فلا يبرأ المطلوب بقبضه الا ان يصل المال إلى الوكيل الاول لان يد الوكيل كيد الموكل فوصوله إلى يده كوصوله إلى يد الموكل ولان وصوله إلى يده من جهة وكيله كوصوله إلى يده أن لو قبض بنفسه وكذلك ان كان الآخر مما في عيال الاول فحينئذ يكون قبضه مبرئا للمطلوب لان يد من في عيال الوكيل كيد الوكيل (ألا ترى) انه ان قبضه
[ 68 ] بنفسه ثم دفعه إلى من في عياله لم يصر ضامنا وهذا لان الوكيل أمين في المقبوض والامين يحفظ الامانة تارة بيده وتارة بيد من في عياله قال وان وكله بتقاضي كل دين له ثم حدث له بعد ذلك دين فهو وكيل في قبضه استحسانا وفى القياس لا يكون وكيلا في قبضه لانه سمى في الوكالة كل دين له والدين اسم لما هو واجب فانما يتناول ما كان واجبا عند الموكل دون ما يحدث ولكنه استحسن للعادة فان الناس بهذا التوكيل لا يقصدون تخصيص الواجب على ما يحدث وجوبه (ألا ترى) أنه يوكل الغير بقبض غلاته ومراده في ذلك ما هو واجب وما يحدث وجوبه بعد ذلك وهذا لان مقصوده في هذا التوكيل صيانة هذا النوع من ماله بقبض الوكيل فانه لا يتفرغ لذلك بنفسه لكثرة اشتغاله وفى هذا المعنى لا فرق بين ما هو واجب وبين ما يحدث وجوبه فانه جحد الغريم الدين فقد بينا أن عن أبى حنيفة رحمه الله الوكيل بالتقاضى والقبض وكيل بالخصومة فيثبت الدين بالبينة وعندهما لا يكون وكيلا بالخصومة فيتوقف الامر حتى يحضر الطالب قال ولو وكل رجلين بالقبض فقبض أحدهما لم يبرإ الغريم حتى يصل ذلك إلى الآخر ويقع في أيديهما جميعا لانه رضى بامانتهما جميعا فلا يكون راضيا بامانة أحدهما ولكن إذا وقع في أيديهما تم مقصود الموكل الآن فكأنهما باشرا العقد بالقبض من الغريم وإذا قال لغيره وكلتك بدينى فهو وكيل بقبضه استحسانا وفى القياس لا يكون وكيلا لجهالة ما وكله به من استبدال أو صلح أو قبض أو ابراء وهذه جهالة غير مستدركة ولكنه استحسن للعادة فالمراد بهذا اللفظ في العادة التوكيل بالقبض ومعنى كلامه وكلتك بدينى لتعينه وتعينه بالقبض يكون ولان القبض متيقن به إذ ليس فيه تغيير شئ من حق الموكل وهو موجب الدين باعتبار الاصل فينصرف التوكيل إليه وهذا نظير الاستحسان الذى قال فيما إذا وكله بماله يكون وكيلا بالحفظ لانه هو المتيقن به قال وإذا وكله بقبضه فابى أن يقبل الوكالة ثم ذهب فقبض لم يكن وكيلا ولم يبرأ الغريم من الدين لان الوكالة قد ارتدت برده فكان هو في القبض كاجنبي آخر فلهذا لا يبرأ الغريم ويرجع الطالب بماله على الغريم ثم ان كان المقبوض قائما في يد الوكيل استرده الغريم منه لانه عين ماله سلمه إليه ليستفيد منه البراءة من الدين وهو لم يستفد وان هلك المال في يد الوكيل رجع عليه الغريم فضمنه ان كان كذبه في الوكالة لانه قبض منه المال بشرط أن يستفيد البراءة عما في ذمته أو يملك ما في ذمته فإذا لم يستفد هذا لم يكن راضيا بقبضه بل هو في حقه كالغاصب وكان له أن يضمنه وكذلك ان لم يصدقه
[ 69 ] ولم يكذبه أو صدقه وضمنه لانه إذا كان ساكتا فانما دفع المال بزعمه وزعمه أن يستفيد الغريم البراءة بما يدفعه إليه فيفيد رضاه به وان صدقه وضمنه فقد قال أنت وكيلى لا آمن أن يجحد الطالب إذا تصرف ضمن له ما يقبضه الطالب منى وهذا ضمان صحيح لانه مضاف إلى سبب الوجوب لان الطالب في حقهما غاصب فيما يقبضه ثانيا فكأنه قال أنا ضامن لك ما يغصبه فلان منك وهذا اضافة إلى سبب الوجوب فكان صحيحا فان صدقه في الوكالة ولم يضمنه لم يرجع به عليه لانهما تصادقا على أنه في المقبوض أمين وان الطالب في قبضه من الغريم ثانيا غاصب ظالم ومن ظلم ليس له أن يظلم غيره قال ولو قبل الوكالة ثم أخرجه الموكل من الوكالة ولم يعلمه ذلك فهو على وكالته لما بينا أن العزل حجر عليه في القبض فلا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم به وان أخبره بذلك حر أو كافر أو مسلم صغيرا أو كبيرا برسالة من الآمر لم يكن له أن يقبض شيأ ولم يبرا الغريم منه ان اعطاه لانه كعبارة المرسل وارسال الصبى والعبد في مثل هذا معتاد بين الناس فان كل واحد لا يجد عدلا ليرسله في حوائجه قال وان كان رب الدين وكله بمحضر من المطلوب يبرأ بالدفع حتى يأتيه الخبر انه قد أخرجه من الوكالة لان توكيله اياه بمحضر من المطلوب أمر للمطلوب بالدفع إليه ثم الاخراج نهى له عن ذلك فبعد ما علم بالامر لا يثبت حكم النهى في حقه ما لم يعلم به قال وإذا ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب أو ذهب عقله ثم أسلم أو رجع إليه عقله فهو على وكالته أما عند ذهاب عقله فلانه لم يوجد ما ينافى الوكالة ولكنه في حال الجنون عاجز عن القبض وأداء الامانة في المقبوض فإذا زال ذلك صار كان لم يكن فهو على وكالته أما في الردة فان لم يكن القاضي قضى بالحاقه فهو بمنزلة الغيبة وان كان القاضي قضى بلحاقه فهذا الجواب قول محمد رحمه الله وقد بينا الخلاف فيما سبق قال والوكيل بقبض الدين إذا وهبه الغريم أو أبرأه منه أو أخره أو أخذ به رهنا لم يجز لان هذا تصرف غير ما أمر به (ألا تري) أن الموكل غير مجبر على شئ من هذا وهو مجبر على القبض إذا أتاه المطلوب بالمال وهذا قول هو الاصل في هذا الجنس أن الوكيل بالقبض انما يملك القبض على وجه لا يكون للموكل أن يمتنع منه إذا عرضه عليه المطلوب فليس للوكيل بالقبض ذلك كالشراء بالدين والاستبدال وان قال الوكيل قد برأ إلى منه أو قامت عليه بينة بهذا القول برئ الغريم لان هذا اللفظ اقرار بالقبض والوكيل بالقبض يصح اقراره في براءة الغريم قال وان أخذ منه كفيلا بالمال جاز وله أن يأخذ به
[ 70 ] أيهما شاء لان الكفالة بالمال توثق به وأمره اياه بالقبض لتحقيق معنى الصيانة وذلك يزاد بالتوثق به ولا ضرر فيه على الموكل الا أن يكون أخذ كفيلا على ان أبرأه فحينئذ لا تجوز البراءة عليه لما فيه من الضرر على الآمر وهذا بخلاف الرهن لانه وان كان توثقا لجانب الاستيفاء لكن فيه نوع ضرر على الآمر على معنى أنه لا يتصرف في المرهون فبهلاكه يصير مستوفيا ويسقط حقه فلهذا لم يصح في حق الآمر قال وإذا وكله في كل قليل وكثير هو له فهو وكيل بالحفظ وليس بوكيل في تقاض ولا شراء ولا بيع الا في قول ابن أبى ليلى رحمه الله فانه يقول ظاهر لفظه يتضمن ذلك كله فانه من القليل والكثير الذى له أن يباشره بولايته في ماله ولكنا نقول قد عرفنا يقينا انه لم يرد بهذا اللفظ جميع ماله أن يفعله وانما يثبت بهذا اللفظ القدر المتيقن والمتيقن به هو الحفظ فلا يملك الا ذلك بمنزلة قوله وكلتك بمالى قال وإذا وكله بتقاضي دينه بالشام فليس له أن يتقاضى دينه بالعراق لان الوكالة تتقيد بتقييد الموكل وتقييده بموضع كتقييده بشخص بأن يوكله بتقاضي دينه على فلان فكما أن هناك الوكالة لا تعدو إلى غيره فكذلك هنا وهذا لانه انما يستعين بغيره فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وقد يعجز عن مباشرة القبض لديونه في موضع دون موضع قال وإذا وكل ذمى مسلما بتقاضي خمر له على ذمى كرهت للمسلم أن يقبض ذلك لان المسلم مأمور بالاجتناب عن الخمر ممنوع من الاقتراب منها وفى القبض اقتراب منها ولان التوكيل بقبض الدين من وجه توكيل بتمليك الدين لان الديون تقضي بأمثالها فالوكيل يملك المطلوب ما في ذمته بما يقبضه وتوكيل الذمي المسلم بتملك الخمر لا يجوز الا أن هنا يجوز ان قبض في حق براءة الغريم لانه من وجه تعيين لما كان مملوكا للطالب دينا فكان كالوكيل بقبض العين ومن وجه يتضمن التمليك ولكن لا يتوقف هذا على فعل الوكيل (ألا ترى) أن المطلوب إذا أتى بالدين فوضعه بين يدى الطالب أو وكيله برئ فلما كان اتيانه لا يستدعى فعلا من الوكيل قلنا يجوز ولمكان أن فيه تمليك الخمر من وجه قلنا يكره توكيل المسلم به قال وإذا قال الرجل للرجل اقض عنى فلانا من مالك ألف درهم ثم أقضيكها فقال المأمور قد دفعتها إلى فلان وصدقه الامر فان الطالب يأخذ الآمر بماله لان دعوى المأمور للقضاء كدعوي الآمر بماله بنفسه وهو غير مصدق فيما يدعى من قضاء الدين الا بحجة فكذا المأمور لا يصدق ولكن إذا حلف الطالب أخذ ماله من الغريم ولا شئ للمأمور على الآمر لانه أمره بدفع يكون مبرئا له عن
[ 71 ] حق الطالب ولم يوجد ذلك حين لم يستفد البراءة ولانه وكله بان يملكه ما في ذمته ببدل يعطيه من مال نفسسه ولم يكن ذلك حين رجع على الطالب بدينه فهو نظير ما لو وكله بان يملكه عينا في يده بغيره بشرائه له وهناك لو قال اشتريته ونقدت الثمن من مالى وجحد ذلك صاحب العين وأخذه متاعه لم يكن للمأمور أن يرجع على الآمر بشئ فكذلك هنا قال وإذا وكل الوصي وكيلا بدفع دين على الميت أو وصية إلى صاحبها فهو جائز لانه يملك مباشرة الدفع بنفسه فيستعين فيه بغيره أيضا ولو وكل وكيلا وسماه في هذا الكتاب فدفع بغير بينة ولم يكتب براءة فلا ضمان عليه لانه أمين في المال المدفوع والقول قول الامين في براءة ذمته مع اليمين الا أن يكون مما لا يدفع الا بشهود فحينئذ يضمن إذا دفع بغير شهود لانه نهاه عن الدفع واستثنى دفعا بصفة وهو أن يكون بشهود فإذا دفع بغير شهود فهذا الدفع لم يكن مأمورا به فصار غاصبا ضامنا وان قال الوكيل قد اشهدت وجحد الطالب أن يكون قبض ولم يكن للوكيل شهود الا قوله أشهدت كان الوكيل بريئا من الضمان بعد أن يحلف على ذلك لانه أخبر باداء الامانة فالقول قوله مع يمينه (ألا ترى) أن فيما تقدم جعل إخباره باصل الدفع مقبولا براءته لانه مسلط على ذلك فكذلك خبره بالدفع بالصفة التى أمر بها يكون مقبولا لكنه محتمل فقد يشهد على الدفع ثم يغيب الشهود أو يموتون فلا يقدر علي احضارهم وعلى هذا لو قال لا تدفع الا بمحضر من فلان فدفع بغير محضر منه كان ضامنا لما قلنا قال ولو وكله بدفع مال لفلان عليه له فارتد الوكيل ثم دفعه إليه جاز لان المدفوع مال الموكل والدفع تصرف من الوكيل من متاع نفسه لا في ماله ولا حق لورثته في ذلك فكان دفعه بعد الردة كدفعه قبلها فان ارتد الموكل قبل ردته أو لحق بدار الحرب فقال الوكيل دفعت المال قبل أن يرتد فالقول قوله لانه أخبر بما كان مسلطا عليه وكان خبره مقبولا في براءته عن الضمان وان دفع الموكل المال إلى صاحبه ثم دفع الوكيل المال الذى أمر بدفعه إليه وهو لا يعلم بدفع الموكل فلا ضمان عليه قال وهذا مثل اخراجه من الوكالة وقد بينا أن اخراجه من الوكالة لا يصح في حقه ما لم يعلم به دفعا للضرر عنه فهذا مثله فان قيل هذا اخراج حكما لان الدين لا يبقى بعد قضاء الموكل فيكون قضاؤه تفويتا للمحل وذلك عزل حكمي فلا يتوقف على العلم قلنا لا كذلك فان دفع الموكل بنفسه ليس موجب العزل حكما ولكن يتضمن منع الوكيل عن الدفع لانه لا يحصل المقصود بدفعه بعد ذلك (ألا ترى) أن الطالب لو وجد المقبوض زيوفا
[ 72 ] فرده على المطلوب كان الوكيل على وكالته فتبين أن هذا بمنزلة عزله قصدا لا حكما فيتوقف على علمه به وكذلك ولو وهب الطالب المال للمطلوب أو أبرأه منه فهذا بمنزلة العزل قصدا فلا يثبت في حق الوكيل إذا لم يعلم به ولا يصير ضامنا للمال بدفعه بل يرجع المطلوب بالمال على الطالب ان بين هو لكونه مالكا وانشاء الوكيل لكونه دافعا وقد تبين انه لم يكن للقابض حق القبض منه ولو دفعه إليه الوكيل وهو يعلم بذلك فهو ضامن له لانه انعزل عن الدفع حين علم بسقوط الدين عن المطلوب فإذا دفعه كان ضامنا ويرجع به على الذى قبضه منه لانه ملك المقبوض بالضمان وقد قبضه منه بغير حق وكان له ان يرجع به عليه وقد فرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين الوكيل باداء الزكاة وهذا فرق قد بيناه على أصل الكل في كتاب الزكاة فلو لم يكن شئ من ذلك ولكن الطالب ارتد ثم دفع الوكيل إليه بالمال فان قتل على ردته أو لحق بدار الحرب فدفع الوكيل إليه باطل في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه تصرف منه في كسب اسلامه وقد تعلق به حق ورثته فكان تصرفه فيه موقوفا عند أبى حنيفة رحمه الله ولكن الوكيل لا يصير ضامنا الا ان يعلم ان قبضه لا يجوز بعد ردته فإذا علم ذلك فحينئذ يضمن لان دفع الضرر عن الوكيل واجب وإذا علم اندفع الضرر عنه ودفع المال على وجه لم يحصل مقصود الآمر فصار ضامنا وإذا لم يعلم فهو محتاج إلى دفع الضرر عنه وقد امتثل أمره في الدفع ظاهرا فلا يصير ضامنا كما بينا * وهذه المسائل المعدودة التي يضر العلم فبها وهى خمس جمعناها في غير هذا الموضع قال وإذا ضمن الوكيل لعلمه رجع في مال المرتد الذي اكتسبه في الردة لانه قبضه منه بغير حق حين لم يحصل للمطلوب البراءة بهذا القبض فكان دينا عليه في كسب ردته ولا يجوز أن يكون الواحد وكيلا للمطلوب في قضائه ووكيلا للطالب في الاقتضاء كما لا يجوز ان يكون المطلوب وكيلا للطالب في قبض الدين من نفسه وهذا لان في القبض معنى المبادلة من وجه فلا يتولاه الواحد من الجانبين كالبيع والشراء قال والتوكيل بالتقاضى والقبض جائز ان كان الموكل حاضرا أو غائبا صحيحا أو مريضا لانه تفويض إلى غيره ما هو من خالص حقه ولا ضرر في على الغير فان القبض معلوم بجنس حقه لا يتفاوت فيه الناس وعلى المطلوب أن يقضى الدين ولا يخرج الوكيل ولا الطالب إلى التقاضى مع أن للتقاضى حقا معلوما إذا جاوزه منع منه بخلاف الوكيل بالخصومة عند أبى حنيفة رحمه الله فان مات المطلوب فالوكيل على وكالته في تقاضى ذلك من مال الميت فان الدين لم يسقط
[ 73 ] بموت المطلوب بل قضاؤه من تركته مستحق وابتداء التوكيل بالتقاضى بعد موته صحيح فبقاؤه أولى ولو كان الموكل هو الميت بطلت الوكالة لان المال صار ميراثا لورثته ولم يوجد التوكيل منهم بقبضه فان قال قد كنت قبضته في حياة الموكل ودفعته إليه لم يصدق في ذلك لانه أخبر بما لا يملك انشاءه فكان متهما في الاخبار وقد انعزل بموت الموكل والدين قائم ظاهرا فلا يقبل قوله في ابطال ملك قائم للوارث وان لم يمت الطالب ولكنه احتال بالمال على آخر وأبرأ المطلوب منه لم يكن للوكيل ان يقبضه من المحتال عليه ولا من الاول لانه لم يبق في ذمة الاول شئ والتوكيل كان مقيدا بالتقاضى والقبض منه فلا يملك به القبض من غيره وهو المحتال على فان نوى ما على المحتال عليه ورجع على الاول فالوكيل على وكالته لان الحوالة لم تبطل الوكالة ولكن تعذر على الوكيل مطالبة المحيل كما كان فبقى الوكيل على وكالته وكذلك لو اشترى الموكل بالمال عبدا من المطلوب فاستحق العبد من يده أو رده بسبب هو فسخ من الاصل فقد عاد دينه كما كان فبقيت الوكالة وكذلك لو كان قبض الدراهم فوجدها زيوفا لان بالرد بعيب الزيافة انتقض القبض من الاصل فبقى الوكيل على وكالته ولو أخذ الطالب منه كفيلا لم يكن للوكيل ان يتقاضى من الكفيل لان التوكيل مقيد بالتقاضى من الاصيل فلا يملك به التقاضى من غيره فلو قال الطالب لرجل إذا حل مالى على فلان فتقاض أو قال إذا قدم فتقاضاه أو اقبض ما عليه كان جائزا لان التوكيل اطلاق وهو يحتمل التعليق بالشرط والاضافة إلى وقت وكذلك لو قال إذا أديته شيئا فأنت وكيلى في قبض ما عليه فقد أضاف التوكيل بالقبض إلى حال وجوب الدين كالمستثنى للوكيل في ذلك الوقت ولو قال انت وكيلى في قبض كل دين لى وليس له دين يومئذ ثم حدث له دين كان وكيلا في قبضه أما على طريقة الاستحسان فغير مشكل لما بينا وعلى طريقة القياس فكذلك لان الدين اسم للواجب في الحال حقيقة ولما استجيب مجاز ولم تكن الحقيقة مرادة هنا فتعين المجاز وفيما تقدم كانت الحقيقة مرادة فانتفى المجاز ولو قال اذهب فتقاض دينى على فلان فله أن يقبضه لان المقصود من التقاضى القبض والمأمور بالشئ يكون مأمورا بتحصيل المقصود به ولا يكون وكيلا في الخصومة لان قوله اذهب فتقاض دينى بمنزلة قوله اذهب واقبضه وهذا اللفظ بمنزلة الرسالة بالقبض فلا يصير به وكيلا بالخصومة الا ان يصرح بلفظة التوكيل قال ولو كتب في ذكر الحق ومن قام بهذا الذكر فهو ولى ما فيه أو وكيل بقبضه لم تكن هذه الوكالة شيئا لانه توكيل لمجهول
[ 74 ] بالقبض وهو باطل قال ولو كتب فيه ان فلانا وكلنى وكيلا في قبض هذا الحق كان جائزا لانه توكيل المعلوم وذلك صحيح يتم للموكل في حقه ولا يتوقف على حضرة الوكيل قال ولو وكله بقبض دينه على رجل فقبضه كان بمنزلة الوديعة عند الوكيل لانه في القبض عامل للموكل فكان الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه فان وجده الوكيل زيوفا أو ستوقا فرده فانه ينبغي في القياس ان يضمن ولكن استحسن ان لا أضمنه فقد جمع في السؤال بين الفصلين والمراد بالجواب أحدهما وهو الزيوف فاما في الستوق فلا يضمن بالرد قياسا واستحسانا لانه وكيل بقبض دينه والستوق ليست من جنس دينه فلا يصير به قابضا دينه حتى لو تجوز به في الصرف والسلم لا يجوز فرد المقبوض لانه باق على ملك من قبضه منه وهو على وكالته في قبض دينه وجه القياس في الزيوف انه من جنس دينه فصار به قابضا ويجعل في الحكم كان الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه فإذا رده على غيره صار ضامنا وهذا لان الوكالة انتهت بالقبض فهو في الرد كأجنبي آخر ووجه الاستحسان أنه مأمور بقبض أصل حقه بصفته وقد تبين انه لم يقبض الصفة ولا يتوصل إلى قبض الصفة الا برد الزيوف فصار مأمورا به من جهة الموكل دلالة * توضيحه ان قبض الدين فيه معنى التمليك من وجه والزيافة عيب في الدراهم والوكيل بالتمليك بعوض يملك الرد بالعيب كالوكيل بالبيع والشراء قال وان وكله بتقاضي حنطة له على رجل فقبضها ووجد بها عيبا فردها فهو جائز لانه تبين انه مما قبض حقه فيرد المقبوض ليقبض الحق بصفته وفيه منفعة للآمر لانه لو هلك المقبوض قبل الرد بطل حقه من الصفة فكان في الرد احياء حقه وان لم يكن بها عيب فاستأجر لها من يحملها لم يجب الاجر على الآمر لانه متبرع بالحمل فأداء الكراء عليه فان الآمر لم يأمره بذلك قال الا أن يكون في المصر فاستحسن أن أجعله عليه وفى القياس هو متبرع هنا كما في الاول وفى الاستحسان قال الظاهر هنا انه يأمره بالقبض في المصر ليحمله إلى منزله لانه ان أراد الاكل جملة إلى منزله وان أراد البيع فكذلك لان قيمة الحنطة في المصر لا تختلف بالسوق وغيره فاما خارج المصر فان كان مراده البيع فربما يبيعه هناك ولا يحمله إلى المصر إذا كان أنفع له من التزام الكراء فلا يكون أمره بالقبض أمر بالحمل إلى منزله ولان المؤنة في الحمل إلى المصر تقل فلا يكون على الآمر فيه كثير ضرر لو عدينا حكم الآمر إلى الحمل فاما خارج المصر فالمؤنة تكثر فربما يتضرر به الآمر فلهذا لا يتعدى حكم الوكالة إلى الحمل وعلى هذا لو
[ 75 ] وكله بقبض رقيق أو غنم فقبضها وانفق عليها في رعيها أو في كسوة الرقيق وطعامهم فهو متطوع في ذلك لان الامر بالقبض لا يتعدي إلى هذه الاشياء فهو متبرع فيها كسائر الاشياء قال ولو وكله بقبض دين له على أبى الوكيل أو ولده أو مكاتبه أو عبده فقال الوكيل قد قبضته وهلك في يدى وكذبه الآمر فالقول قول الوكيل لان الوكالة لما صحت بالقبض من هؤلاء صار هو مسلطا من جهة الآمر على الاقرار بالقبض لان من ملك مباشرة الشئ يملك الاقرار به وتأويله في حق العبد إذا كان مديونا أما إذا لم يمكن مديونا فتوكيله بالقبض يصح كتوكيله بالقبض من نفسه ولا يصح اقراره بالقبض لان وجوب الدين فيما هو ملك المولى وفى بعض النسخ قال أو مكاتب ولده أو عبده يعنى عبد الولد وهذا الجواب واضح وان كان الوكيل عبدا فقال قد قبضت من مولاى أو من عبد مولاى وهلك منى فهو مصدق أيضا لانه صح التوكيل وملك ابراء الغريم بمباشرة القبض منه فكذلك باقراره بالقبض منه قال وان كان الوكيل أبا الطالب أو المطلوب فكذلك لانه لا تهمة في اقرار الوكيل بالقبض منه وقد صح توكيله اياه بالقبض ولو وكل غيره أن يلزم رجلا بمال له عليه لم يكن وكيلا بالقبض بخلاف الوكيل بالتقاضى فان هناك التوكيل مضاف إلى المطلوب دون الدين لانه يقول وكلتك بان تلازم فلانا فلا يتعدى ذلك إلى قبض الدين ولهذا يختار للملازمة أسفه الناس ومن يتأذى المطلوب بملازمته ومصاحبته ويختار للقبض الامناء فلهذا لا يتعدى التوكيل بالملازمة إلى القبض قال ولو وكل المسلم مرتدا بقبض دينه فقبضه أو أقر بقبضه وهلاكه منه ثم قتل على ردته جاز قبضه لان قبول الوكالة صحيح فانه يتصرف به في منافعه لا فيما يتعلق به حق ورثته وكذلك ان كان الوكيل حربيا فقبضه ثم لحق بدار الحرب لانه قبض بحكم وكالة صحيحة فبرئ الغريم وصار كان الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه قال ولو وكل رجل رجلا بقبض دينه من فلان وأمره ان لا يقبضه الا جميعا فقبضه كله الا درهما لم يجز قبضه على الآمر لانه قيد الامر بوصف مرغوب فيه فان التجار يرغبون في قبض الحق جملة واحدة ويمتنعون من القبض متفرقا فإذا لم يقبض الكل جملة لم يكن هذا القبض هو المأمور به فلا يستفيد الغريم به البراءة وللطالب أن يرجع عليه بجميع حقه وكذلك لو قال له لا تقبض درهما دون درهم فان معنى هذا لا تقبضه متفرقا فإذا قبض شيأ دون شئ لم يبرإ الغريم من شئ قال وإذا ادعى الرجل أن فلانا وكله بقبض دين له على هذا فلم يقر الغريم به ودفع المال إليه على الانكار ثم أراد أن
[ 76 ] يسترده منه لم يكن له ذلك لانه دفع إليه على وجه القضاء فما لم يتبين الامر بخلافه لا يكون له حق الاسترداد فان قاضى الدين ينقطع حقه عن المقضى به من كل وجه (ألا ترى) انه لو قضي الطالب دينا على دعواه لم يسترده ما لم يتبين انه لا دين له عليه فكذلك إذا قضاه الوكيل بدعواه الوكالة وان أقر بالوكالة ثم أراد أن لا يدفع المال إليه فان القاضى يقضي عليه بالمال للوكيل على ما بينا ان المديون يقضى الدين بملك نفسه وهو انما أقر بثبوت حق القبض له في ملكه وذلك جحد عليه إلا على قول ابن أبى ليلي رحمه الله فانه يقول لا يجبره القاضي على الدفع إليه ولكن يقول له أنت أعلم ان شئت فاعطه وان شئت فاتركه لانه لم يثبت كونه نائبا عن الطالب في حق القاضى وولاية الاجبار بعد ثبوت كونه ثابتا عنده ولكنا نقول قد ثبت ذلك بجبر الوكيل وتصديق المطلوب إذ ليس هنا مكذب لهما وكل خبر عند القاضي محمول على الصدق ما لم يأت له معارض ولكن إذا حضر الطالب وانكر الوكالة رجع على الغريم بماله لان الوكالة لا تثبت في حق الطالب لانكاره ولم يحكم ببراءة الغريم في حق الطالب أيضا لان حجة الاجبار قاصرة على المطلوب والوكيل وثبوت الحكم بحسب الحجة قال وان أنكر المطلوب الوكالة فقال الوكيل استحلفه انه ما وكلنى ليستحلفه على ذلك فان حلف برئ وان نكل عن اليمين قضيت عليه بالمال للوكيل لان نكوله كاقراره ولم يصدق على الطالب حتى إذا أنكر الطالب ونكل عن اليمين وحلف ذلك كان له أن يأخذ ماله من الغريم وذكر الخصاف رحمه الله هذا الفصل في كتابه وقال لا يحلف المطلوب على الوكالة في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قولهما يحلف على العلم وجه قولهما ظاهر وذلك لانه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر حلفه ولكنه استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم وأبو حنيفة رحمه الله يقول الاستحلاف يبنى على صحة الدعوى وما لم يثبت كونه نائيا عن الآمر لا تصح دعواه على المطلوب فلا يكون له ان يحلفه وهذا نظير الاختلاف فيما إذا ادعى المشترى عيب الاباق في العبد للحال وجحده البائع ان عندهما يحلف البائع على العلم وعند أبى حنيفة رحمه الله لان الخصومة في العيب لا تكون إلا بعد ثبوته في الحال وبدون سبب الخصومة لا يستحلف وان أقر المطلوب بالوكالة وأنكر الدين فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله يستحلف المطلوب وعندهما لا يستحلف لان الوكيل بقبض الدين عنده يملك الخصومة وقد تثبت الوكالة في حقه باقراره قال وإذا دفع لرجل الف درهم وقال ادفعها إلى فلان قضاء عنى فدفع الوكيل غيرها واحتبسها عنده كان القياس ان
[ 77 ] يدفع الالف التى احتبست عنده إلى الموكل ويكون متطوعا فيما أمره لان أمره بالدفع كان مقيدا بالمال المدفوع ففى دفع مال الآمر هو كأجنبي آخر فيكون متبرعا في القضاء بمال نفسه لدين الغير ويرد على المطلوب ماله لانه ملكه دفعه إليه لمقصوده وقد استغنى عنه وجه الاستحسان أن مقصود الآمر أن يحصل البراءة لنفسه ولا فرق في هذا المقصود بين الالف المدفوعة إلى الوكيل وبين مثلها من مال الوكيل والتقييد إذا لم يكن مقيدا لا يعتبر ثم الوكيل قد يبتلى بهذا بأن يجد الطالب في موضع وليس معه مال المطلوب فيحتاج إلى أن يدفع مثله من مال نفسه ليرجع به في المدفوع إليه وقد بينا أن هذا توكيل بالمبادلة من وجه وهذا القدر يصح من الوكيل بالمبادلة ولا يكون هو متبرعا فيما يدفع على ما سبق بيانه. قال وإذا دفع رجل إلى رجلين الف درهم يدفعانها إلى رجل فدفعها أحدهما فهو ضامن للنصف في القياس لان كل واحد أمين في النصف مأمور بدفعه إلى الطالب فإذا دفع أحدهما الكل كان متعديا في نصيب صاحبه فيكون ضامنا ولكنه استحسن فقال لا ضمان عليه لان دفع المال إلى الغير لا يحتاج فيه إلى الرأى فينفرد كل واحد من الوكيلين ولان صاحب الحق إذا ظفر به كان له أن يأخذه من غير دفع أحدهما والذى دفع كانه يعينه على حقه وصاحب الحق هو القابض في الحقيقة وهو قبض في الحقيقة لحق فلا يوجب الضمان على أحد فان قال خذ أنت يا فلان هذا الالف فاقضها فلانا أو أنت يا فلان فادفعها إلى فلان فايهما قضى جاز لانه رضى بدفع كل واحد منهما على الانفراد حين خيرهما ولو قال لرجل اقض عنى هذه الالف درهم فلانا أو فلانا فايهما قضى جاز لانه رضى بدفعه إلى أيهما شاء والحاصل أن الوكالة حكمها اباحة التصرف للوكيل وفى المباحات حرف أو يتناول كل واحد من المذكورين على سبيل التخيير بينهما كقول الرجل لغيره كل هذا الطعام أو هذا والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في الرهن) (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل متاعا فقال بعه أو ارهن به لى ففعل فهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله سواء كان الرهن مثل الثمن أو أقل بمالا يتغابن الناس فيه لان الامر بالارتهان مطلق فيجرى على اطلاقه ما لم يقم دليل التقييد وعندهما لا يجوز الا أن يرتهن رهنا هو مثل الثمن أو أقل بما يتغابن الناس فيه بناء على أصلهما أن التقييد
[ 78 ] يحصل بدلالة العرف ولو باعه ولم يرتهن به رهنا لم يجز البيع لان الآمر قيد التوكيل بما فيه منفعة له وهو الارتهان بالثمن ليكون حقه مضمونا وليندفع عنه ضرر الثواء عند موت المشترى مفلسا فإذا باعه ولم يرتهن به لم يحصل مقصوده الذى صرح به فلا ينفذ تصرفه فيه كما لو قال بعه واشترط الخيار ثلاثة أيام فان قيل قوله وارتهن أمر مبتدأ معطوف على الاول فلا يتقيد به الامر الاول كما لو قال بع واشهد قلنا لا كذلك فان هذه الواو بمعنى الحال أي بعه في حال ما ترتهن بالثمن مع أنا نقول قوله وارتهن يقتضى الامر بما يستبد به وذلك برهن مشروط في البيع ليصير ذلك حقا له فكأنه قال بعه بشرط أن ترتهن بالثمن رهنا وما قلنا في قوله واشترط الخيار بخلاف الاشهاد فان ذلك لا يكون شرطا لازما في البيع وان ذكر فلا يتقيد به الامر بالبيع ولو قال بعه برهن ثقة فارتهن رهنا أقل منه بما يتغابن الناس فيه جاز وان كان أقل منه بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز لانه قيد الارتهان هنا بأن يكون ثقة وهو عبارة عما يكون في ماليته وفاء بالدين فيتقيد به الا أن قدر ما يتغابن الناس فيه لا يمكن التحرز عنه فكان عفوا قال وان ارتهن رهنا ثقة وقبضه ثم رده على صاحبه جاز رده في حق نفسه لانه بمنزلة العاقد لنفسه والارتهان لاستيفاء الثمن وحق القبض إلى الوكيل حتى لو أبرأ المشترى منه كان صحيحا فإذا رده عليه الراهن بسبب كان صحيحا أيضا ولكنه يصير ضامنا له ولم يذكر خلاف أبى يوسف رحمه الله هنا قيل على قوله لا يصح رد الرهن بناء على الاصل الذى ذكرنا وقيل لا يصح هنا لانه ليس فيه ابطال شئ من الثمن وهو من صنع التجار فيملكه قال وان وضعه على يدى عدل فهو جائز لان كون الرهن على يدى عدل أو على يدى الوكيل سواء في حق الموكل وهو اختصاصه الرهن عند تعذر استيفاء دينه من محل آخر ولم يقيد الامر بيد الوكيل فلا يتقيد به وليس للموكل قبض الرهن لان المشترى ما رضى بقبضه انما رضى بقبض العدل أو قبض الوكيل ورضاه معتبر في ملكه وكذلك الجواب في القرض برهن في جميع ما ذكرنا قال وإذا دفع إلى رجل مائة درهم فقال له ائت بها فلانا وقل له ان فلانا أقرضك هذه على أن تعطيه بها رهنا وأمرني أن اقبض الرهن منك فآتيه به ففعل وقبض الرهن فهو جائز والرهن مقبوض وللآمر أن يقبضه من الوكيل لانه جعله رسولا حين أمره أن يضيف ما يقول إلى الآمر وقد بلغ الرسالة وليس على الرسول الا تبليغ الرسالة فأما شئ من الحقوق لا يتعلق بالرسول فكان للآمر أن يقبض الرهن من
[ 79 ] الوكيل وان يطالب المستقرض بدينه الا أن الرهن يتم بقبض الرسول لانه نائب عن المرسل في قبضه لنائبه فتم الرهن بقبضه وإذا هلك في يده هلك من مال الآمر وان قال اقرض أنت وخذ بها رهنا لم يكن للآمر أن يأخذ الرهن من الوكيل لانه بمباشرة العقد كان وكيلا لا رسولا فقد أضاف العقد إلى نفسه فتتعلق حقوقه به وانما رضى المستقرض بكون الرهن في يده دون غيره فلهذا لا يكون للآمر ان يأخذه بخلاف ما سبق وان هلك في يد الوكيل هلك من مال نفس الآمر أيضا لانه عامل له فيما صنع فقبضه كقبض الآمر قال وان دفع إليه ثوبا يساوى عشرة دراهم ووكله ان يرهنه بعشرة ففعل وقبض العشرة فان كان قال للذي أعطاه المال ان فلانا أرسلني اليك بهذا الرهن لتقرضه عشرة دراهم وترتهن هذا الثوب منه بدراهم فالدراهم للآمر والوكيل فيها أمين لانه أخرج الكلام مخرج الرسالة حين أضافه إلى الآمر فانعقد العقد للمرتهن مع الآمر حتى لا يكون للرسول ان يسترد هذا الثوب ولا يكون هذا مطالبا بالعشرة وان كان قال للمقرض أقرضنى عشرة دراهم وارتهن هذا الثوب منى فالعشرة للوكيل لانه أضاف العقد إلى نفسه فلم يكن رسولا ولا يمكن ان يجعل وكيلا لان التوكيل بالاستقراض لا يجوز فان المستقرض يلتزم بدل القرض في ذمته ولو قال بع شيئا من مالك عل ان يكون ثمنه لي لا يصح فكذلك إذا قال التزم العشرة في ذمتك على أن يكون عوضه لى وكان التوكيل بالاستقراض قياس التوكيل فكان باطلا والعشرة للوكيل وله أن يمنعها من الآمر وان هلكت من ماله وليس هذا الخلاف منه للآمر وان كان قال استقرض لى ما بينا ان التوكيل لما لم يصلح فاستقراضه لنفسه ولغيره في الحكم سواء وهذا تقبيد غير مفيد فلا يكون معتبرا قال وان كان قال له صاحب الثوب قل لفلان يقرضنى واعطه هذا الثوب برسالتى رهنا عنى فأضاف الوكيل العقد إلى نفسه كان مخالفا ضامنا للثوب ولا يجوز رهنه لان صاحب الثوب جعله رسولا وكيلا هنا فيكون ذلك اذنا منه له في اضافة العقد إلى نفسه قال ولو دفع إليه عبدا فقال له إئت فلانا وقل له ان فلانا يستقرضك الف درهم ويرهنك هذا العبد ففعل ذلك وأخذ الالف واعطاها الامر ثم جاءه بالمال فأمر الراهن فقضاه لم يكن له ان يقبض العبد الا أن يوكله رب العبد بقبضه لانه فيما صنع كان رسولا وقد انتهت الرسالة بالتبليغ فيكون هو في استرداد العبد كأجنبي آخر فلا يملكه إلا بأمر جديد وارساله بالمال على يده لا يتضمن الامر له بقبض العبد فان قبض العبد فعطب
[ 80 ] عنده فهو ضامن كما لو قبضه أجنبي آخر قال فان كان المرتهن هو الذى دفعه إليه فللمالك الخيار يضمن أيهما شاء قيمته بالغة ما بلغت لان كل واحد منهما غاصب في حقه وان أخذه بغير أمره فالمرتهن لا يصير ضامنا بهذا شيئا ولكن صاحبه بالخيار ان شاء ضمن القيمة القابض وان شاء رجع على المرتهن بما قضاه وجعل الرهن تأديا فيسقط الدين به ويسترد منه ما قضاه وهذا بمنزلة ما لو غصب المرهون من المرتهن غاصب فللراهن الخيار ان شاء ضمن الغاصب قيمته وان شاء جعله تاديا فلا يرجع المرتهن عليه بشئ إذا كان في قيمته وفاء بالدين وان قضاه دينه استرده منه فهذا مثله قال ولو وكله ان يرتهن ثوبا له بدراهم قرضا فذهب الوكيل فقال ان فلانا يقول لك اقبض هذا الثوب رهنا واعطه كذا وكذا درهما فزاد على ما سمى له أو نقص ففعل ذلك المقرض لم يكن الثوب رهنا في الوجهين لان الوكيل خالف أمره على وجه هو أضر على الموكل لانه ان نقص عما سمى له فمقصود الموكل لم يحصل ولم يرض هو أن يكون ثوبه مضمونا بأقل مما سمى له وان زاد على ما سمى له فالموكل لم يرض بأن يكون ثوبه محبوسا عنده باكثر مما سمى فعرفنا انه مخالف في الوجهين قال فان جاء الوكيل إلى الموكل بدراهم مثل ما سمى له فاعطاها اياه فهو دين له عليه لانه لما خالف صار مستقرضا لنفسه وان أضاف العقد إلى غيره ثم اعطاه الموكل على سبيل القرض فيكون ذلك دينا للوكيل على الموكل ولا يكون الثوب رهنا بها وانما يصير رهنا عند الوكيل والموكل لم يرض بذلك والوكيل في أصل العقد كان مخالفا فلهذا لم يكن الثوب رهنا وللمرتهن ان يرجع علي الوكيل بما قبض منه والوكيل ضامن له لما بينا أنه صار كالمستقرض لنفسه أو كالقابض لماله بغير حق فان كان المرتهن صدقه في الرسالة فالوكيل مؤتمن ان هلكت الدراهم في يده لم يضمن للمرتهن شيئا لانهما تصادقا على انه غير مخالف بل هو مؤد للرسالة على وجهها أمين في المقبوض وان قال دفعتها إلى رب الثوب فالقول قوله في براءة نفسه عن الضمان ولا يصدق في ايجاب الضمان على رب الثوب لانهما لا يصدقان في حق رب الثوب بزعم أن الرسول خالف ما أمره به وان لم يدفع إليه شيئا فلهذا لا ضمان عليه وان قال الوكيل انما أمرتنى ان أرهنه بخمسة عشر وقال رب الثوب أمرتك بعشرة أو بعشرين ففى الوجهين القول قول رب الثوب لانه لو أنكر الارسال كان القول قوله فكذلك إذا أقر به مقيدا بصفة فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف كان هذا والفصل الاول سواء قال وإذا وكله أن يرهن له ثوبا بشئ ولم يسم ما يرهنه فما
[ 81 ] رهنه به من شئ فهو جائز لان التوكيل مطلق فيجرى على اطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد فيه ودليله عندهما في غير هذا الموضع العرف ولا عرف هنا فالرهن قد يكون بالقليل والكثير عادة قال وليس للوكيل بالرهن ان يوكل غيره به لان هذا عقد يحتاج فيه إلى الرأى والموكل رضى برأيه دون غيره وليس للوكيل المرتهن بيعه لان ذلك ليس من موجبات عقد الرهن (ألا تري) أنه لا يملكه بمطلق عقد الرهن والتوكيل بالرهن لا يعدو ما هو من موجبات العقد ففيما وراء موجب العقد الوكيل كاجنبي آخر قال ولو وضعه على يدى عدل جاز لان يد العدل كيد المرتهن في اتمام الراهن به والتوكيل بالعقد يتضمن التوكيل بما هو من اتمامه وربما يكون كونه في يد العدل انفع للراهن من كونه في يد المرتهن فلهذا يملكه بمطلق التوكيل فان كان قال له الموكل ما صنعت من شئ فهو جائز فان للوكيل أن يوكل غيره بأن يرهنه وان يرهنه بنفسه وان يسلط المرتهن على بيعه عند حلول المال لانه أجاز بيعه على العموم وهذا مما يقصد بعقد الرهن لاتمام المقصود فان المقصود استيفاء الدين منه وإذا تعذر استيفاؤه من محل جاز استيفاؤه من محل آخر وذلك يكون بالبيع عند قيام العين قال وان وكل الوكيل وكيلا فرهنه فليس للثاني أن يسلط المرتهن على البيع لان الثاني وكيل بالرهن مطلقا وتوكيل الاول اياه بذلك عند تفويض الامر إليه على العموم بمنزلة توكيل المالك اياه بذلك قال الا أن يفوض رب الثوب ذلك إليه ومراده ان تفويض الوكيل الاول الامر إلى الثاني عاملا لا يطلق له لان هذا يسوى غيره بنفسه في حق الغير وذلك لا يجوز فيحتاج إلى تفويض الموكل ذلك إليه قال وإذا وكل الرجل رجلا أن يتعين له دراهم في شراء شئ معلوم وأعطاه رهنا يرهنه وقال له ما صنعت من شئ فهو جائز فتعين لرجل ورهن لرجل فان العينة للموكل وبيع العينة ما ورد الاثر بالذم فيه إذا اتبعتم اذناب البقر وقعدتم عن الجهاد ذللتم حتى يطمع فيكم وتفسير ما ذكر في الجامع الصغير ان الرجل إذا استقرض من آخر شيأ فابى أن يقرضه الا بربح وعلم أن ذلك ربا فيبيع المقرض من المستقرض شيأ يساوى عشرة بخمسة عشر فيبيعه المقترض بعشرة فسلم له مقصوده وهو عشرة ويكون للمقرض عليه خمسة عشر فانما أراد بما ذكر في الكتاب التوكيل بهذا النوع من الشراء والرهن وفعل الوكيل كفعل الموكل بنفسه فلهذا العينة للموكل فان كان قال للوكيل ما صنعت من شئ فهو جائز كان له أن يبيع ما اشترى ليحصل الدراهم التى هي مقصود الموكل لانه أجاز صنعه على العموم والبيع من صنعه
[ 82 ] وان لم يكن قال ذلك فليس له أن يبيع ما اشترى لانه وكيل بالشراء فلا يملك بعد الشراء البيع بمطلق التوكيل وهو نظير المستصنع ذلك وان حل الثمن فالمأخوذ به هو الوكيل لانه مباشر لعقد الشراء قابض للمشترى فيكون مطالبا بثمنه فإذا قضي الثمن من مال نفسه كان له أن يقبض الرهن ويكون أمينا فيه ان هلك قبل رده على الآمر ويرجع بما قضى به على الآمر لان شراءه أوجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الآمر وقد قضى ما وجب للبائع عليه فيرجع على الآمر بما استوجبه عليه ولو قال ائت فلانا وقل له ان فلانا يقول لك بعنى خادمك فلانا إلى سنة بألف درهم فأبلغه الوكيل ذلك فقال قد فعلت فرجع الوكيل إلى الآمر فأبلغه ذلك فقال قد قبلت فرجع الوكيل إلى البائع فاخبره بذلك فقال قد أجزت فقد وقع البيع بينهما لان عبارة الرسول كعبارة المرسل واكثر مشايخنا رحمهم الله على أن قوله فرجع الوكيل إلى البائع فاخبره فقال قد أجزت فصل غير محتاج إليه بل يتم البيع بقول البائع بعد تبلغ الرسالة فعلت وقول المرسل قبلت لان انعقاد البيع بلفظين هما عبارة عن الماضي وقد وجد ذلك كما لو كانا حاضرين فلا حاجة إلى اجازته بعد ذلك قال رضى الله عنه والصحيح عندي أن الصواب ما ذكره محمد رحمه الله لان البائع وان * قال قد فعلت ما لم يجعل هذا المبلغ رسولا يقبضه والمرسل الاول ليبلغه فإذا بلغه فقال قد قبلت يوقف هذا التبليع على اجارة البائع وما لم يتم ذلك التبليغ باجازته لم يتم البيع بقول المشترى قبلت فلهذا ذكر هذه الزيادة قال فان قبض الآمر الخادم فالمال عليه إلى سنة ولا شئ على الوكيل من ذلك وليس للوكيل أن يقبض الخادم لانه كان رسولا فبتبليغ الرسالة يخرج من الوسط فصار كان المرسل عبر بنفسه أو كتب قال وإذا وكل رجلين ان يرهنا له شيئا بكذا فرهنه أحدهما بذلك لم يجز لانه عقد يحتاج فيه إلى الرأى في تعيين من يرهن عنده والوضع على يدى مرتهن أو على يدى عدل وقد رضى الآمر أيهما فلا ينفرد به أحدهما وان رهناه جميعا وشرط له أحدهما بيع الرهن جاز الرهن لاجتماع رأيهما فيه ولم يجز ما ينفرد به أحدهما وهو التسليط على البيع حتى إذا باعه المرتهن لا يجوز قال وان كان الموكل قد أمرهما بذلك فان كانا قالا ان فلانا يستقرضك كذا فأقرضه وقال أحدهما انه قد أمرنا أن يجعلك مسلطا على بيعه إذا بدا لك وسكت الآخر فللمقرض أن يبيعه لانهما كانا رسولين والرسول معبر عن المرسل وينفرد كل واحد منهما بتبليغ الرسالة فلهذا صح ما بلغه أحدهما من التسليط على البيع وان
[ 83 ] كانا استقرضا له المال وقال أحدهما هذه المقالة لم يجز للمرتهن ان يبيعه لما بينا أنهما يكونان متستقرضين لانفسهما فان التوكيل بالاستقراض لا يجوز وإذا عملا لانفسهما لم يصح تسليط أحدهما المرتهن على البيع من جهة نفسه لان صاحبه لم يساعده على ذلك وعندهما مباشرتهما العقد لا ينفرد أحدهما بالتسليط على البيع ولا يصح ذلك من جهة الآمر لان الرهن لم يثبت من جهة الآمر وهو ما رضى بالتسليط على البيع إذا لم يكن الرهن من جهته قال فان وكله أن يرهن له ثوبا بدراهم مسماة فرهنه عند نفسه ودفع الدراهم إلى الآمر ولم يبين له الآمر لم يكن الثوب رهنا لانه أمره بأن يرهنه لا بأن يرتهنه وإذا رهنه عند نفسه كان مرتهنا لا راهنا وهو أمين في هذا الثوب والقبض بحكم الرهن قبض ضمان فلا يصلح ان يجعل يده التي هي أمانة يد ضمان بحكم العقد ولكنه يبقى أمينا في الثوب وان هلك لم يضمنه لانه لم يصنع في الثوب شيئا هو مخالف لما أمره به بل هو حافظ للثوب وبذلك أمر والدراهم قرض له على الآمر وكذلك ان رهنه عند ابن له صغير لانه هو القابض لهذا الرهن فهو وما لو رهنه عند نفسه سواء وكذلك ان رهنه عند عبده ولا دين عليه لان كسب العبد مملوك للمولى فهذا وما لو رهنه عند نفسه سواء قال ولو كان رهنه عند ابنه وهو كبير أو عند مكاتبه أو عند عبد له تاجر وعليه دين كان جائزا لانه لا ضرر فيه على رب الثوب معناه ان حكم الرهن واحد وهو انه مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه من أجنبي أو من هؤلاء ولا تتمكن تهمة الاضرار بالآمر في تصرفه مع هؤلاء فلهذا صح فان كان الوكيل في ذلك عبدا تاجرا أو غير تاجر أو مكاتبا أو صبيا فان كان قال ان فلانا يقول لك أقرضنى كذا وامسك هذا رهنا فهو جائز لانه أخرج الكلام مخرج الرسالة وهو أهل للعبادة فيكون صالحا لتبليغ الرسالة وان كان قال أقرضنى وامسك هذا رهنا لم يجز في حق الصبي والعبد المحجور لانهما يكونان مستقرضين لانفسهما والاقراض من الصبي والعبد المحجور لا يصح لانه التزم الضمان بالعقد وليس من أهله وجاز في حق غيرهما لان المكاتب والعبد التاجر يملكان الاستقراض وان كانا لا يملكان الاقراض قال ولو كان تاجرا وعليه دين فرهنه فان قال له اقرض فلانا فهو جائز لان العبد يصلح ان يكون معبرا بين مولاه وبين الآمر وقد أخرج الكلام مخرج الرسالة وان قال أقرضنى وامسك هذا رهنا لم يكن رهنا لان المولى لا يستوجب على عبده شيئا إذا لم يكن العبد مديونا فإذا لم يجب الدين لم يثبت حكم الرهن في الثوب قال وإذا
[ 84 ] وكل الذمي المسلم ان يرهن له عبدا ذميا بخمر أو يرهن له خمرا بدراهم فان أضافه الوكيل إلى الآمر وأخبر به على وجه الرسالة صح لان صحة تبليغ الرسالة ينبنى على صحة العبادة ولا يصير الرسول عاقدا وكان هذا وما لو بلغه كتابا كتب به الآمر سواء وان قال أقرضنى لم يكن رهنا لانه عاقد لنفسه والمسلم لا يعقد علي الآمر بالخمر استقراضا ولا رهنا بها بالدين لان الرهن يكون مضمونا للراهن على المرتهن ولا يجوز ان تكون الخمر مضمونة للمسلم على الذمي وإذا قال لرجل ائت فلانا وقل له اقرضني الف درهم وامسك هذا العبد عندك رهنا بها فلما خرج من عنده أشهد أنه قد أخرجه من الوكالة فلم يبلغ ذلك الوكيل حتى رهن العبد فان الرهن جائز لما بينا ان حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب حتى يبلغه وهو خاطبه بالعزل والنهى عن تبليغ الرسالة فلما لم يبلغه لم يثبت ذلك في حقه فلهذا جاز رهنه وان أرسل إليه بذلك رسولا أو كتب إليه كتابا فرهنه بذلك لم يجز يعنى إذا وصل إليه لان حكمه يتبت في حقه بالوصول إليه فان لم يصدقهما المرتهن بذلك فالقول قوله لانه متمسك بما هو الاصل وهو ثبوت الوكالة حتى يظهر العزل الا أن يقيم البينة على أن الرسول قد أبلغه اخراجه من الوكالة قبل ان يرهنه فحينئذ يجعل الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة قال وان كان رب العبد باعه أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو رهنه أو سلمه ولم يعلم به الوكيل حتى رهنه فالرهن باطل لانه بما أحدث من التصرف خرج المحل من أن يكون محلا للرهن أو أخرج نفسه من أن يكون مالكا فيه التصرف الذى فوضه إلى الوكيل فيتضمن عزل الوكيل حكما والعزل الحكمى لا يتوقف على العلم بل ثبوته لضرورة ثبوت ذلك الحكم قال وان كان الموكل رهنه ثم افتكه ولم يعلم به الوكيل حتى رهنه لم يجز رهنه لان مقصود الموكل قد تم بما باشره بنفسه وبالانفكاك لا ينفسخ رهنه من الاصل بل يتقرر حكمه لان الرهن انما يعقد إلى وقت الفكاك فكان الفكاك تقديرا لا فسخا فلهذا لا يملك ان يرهنه بعد ذلك بخلاف ما إذا وكل ببيعه ثم باعه بنفسه ثم انفسخ بيعه من الاصل بسبب فالوكيل على وكالته لان مقصود الآمر لم يتم بما صنع ولان بانفساخه من الاصل صار ذلك العقد كان لم يكن وكذلك إذا وكل الآمر آخر برهنه فرهنه فقد خرج الاول من الوكالة لان فعل وكيله له كفعله بنفسه وان كان الاول رهنه ثم وكل المولى برهنه رجلا ثم افتكه المولى ثم رهنه الثاني فهو جائز لان التوكيل لما حصل في حال لا يملك مباشرة الرهن بنفسه عرفنا ان مقصوده اضافة التوكيل إلى حال
[ 85 ] الفكاك من الرهن الاول بخلاف الفصل الاول فان هناك حضر الوكيل في وقت هو متمكن من أن يرهنه فإذا زال تمكنه من ذلك تضمن عزل الوكيل وهو بمنزلة من وكل وكيلا ان يزوجه امرأة وتحته أربع نسوة صارت هذه الوكالة مضافة إلى ما بعد مفارقة احداهن إذا فارق احداهن ثم زوجها الوكيل صح ومثله لو تزوج بنفسه بعد التوكيل أربع نسوة انعزل الوكيل والذي يوضح الفرق ما بينا انه إذا كان التوكيل بعد ما رهنه فقد علمنا ان مقصود الآمر بما صنعه بعد التوكيل عزل الوكيل به قال وإذا رهن الوكيل عبدا للموكل ثم انه ناقض المرتهن أو أجره اياه أو باعه فالاجارة والبيع باطل لانه أنشأ تصرفا سوى المأمور به أما مناقضة الرهن فان كان قال ان فلانا يستقرضك وقد رهنك هذا فمناقضته باطلة لانه بتبليغ الرسالة خرج من الوسط وليس هو من العقد في شئ فمناقضته كمناقضة أجنبي آخر فيكون باطلا ويكون ضامنا للعبد ان قبضه على هذا وان كان المستقرض هو أو الراهن فالمناقضة جائزة لانه هو المباشر للعقد والحاجة في المناقضة إلى رضا المرتهن وقد رضى به (ألا ترى) انه لو أراد رد الرهن لم يكن للراهن ان يأتي ذلك فإذا صحت مناقضته كان هو مؤتمنا في العقد لانه قبضه بحق وعادت يده فيه كما كانت وليس له أن يرهنه ثانية لان المأمور بالشئ لا يملك أن يكرره فان الامر المطلق لا يقتضى التكرار ومناقضة الرهن مقصورة على الحال فلا يتبين أن الرهن الاول لم يكن حكما قال وان وكله ان يرهنه فرهنه ثم كتب عليه الشراء فأقر الوكيل والمشترى انه رهنه وانه انما كتب الشراء سمعة ففي القياس هذا لا يكون رهنا وهو ضامن لانه خالف أمره فيما أظهر وجعل ملكه في العين بعرض الهلاك بما كتب به من حجة الشراء أو لانه مأمور بتصرف باطنه كظاهره وقد أبى بتصرف باطنه بخلاف ظاهره فصار ضامنا ولكنه استحسن فقال هذا ظاهرا فيما بين الناس انهم يعقدون الرهن بهذه الصفة وقد أمره بالرهن مطلقا فيملك به ما هو متعارف بين الناس والضرر الموهوم الذى قلنا في وجه القياس فقد اندفع بالاشهاد على اقرار المشترى انه رهن وليس بشراء قال وان وكله بأن يرهن عبدا له بألف درهم فقال رهنته عند فلان وقبضت منه المال وهلك ودفعت إليه العبد وانما قلت له أقرض فلانا فانه أرسلني اليك بذلك وبذلك أمره الموكل وصدقه المرتهن وقال الموكل لم يقبض هذا القرض ولم يرهن العبد فالقول قول الموكل مع يمينه لان المال بهذه الطريق يجب للمقرض على الآمر لا على الوكيل كما لو عاينا هذا
[ 86 ] التصرف فانما حصل اقرار الوكيل بوجوب المال للمقرض على الآمر واقراره ليس بحجة عليه في الزام المال في ذمته لانه انما سلطه على مال عين بقبضه له ولم يحصل ذلك بخبره فلهذا كان القول قوله لانكاره مع يمينه قالوا ولو كان الوكيل الذى استقرض المال هو الذى أقرض العبد وبذلك أمره رب العبد كان المال دينا عليه دون الموكل لما بينا أن التوكيل بالاستقراض باطل وكان العبد رهنا بالمال لان صاحب العبد قد رضى بأن يرهنه بما يستقرضه فصار في معنى المعير للعبد منه ليرهنه بدينه واعارة العبد من غيره ليرهنه بدينه صحيحة قال وإذا أذن الوكيل للمرتهن في ركوب الرهن واستخدامه ففعل فهو ضامن له لان الوكيل لا يملك ذلك بالتوكيل بالرهن فاذنه فيه واذن أجنبي آخر سواء ويكون المرتهن مستعملا ملك غيره بغير اذن صحيح فلهذا كان ضامنا قال وطعام الرهن وعلفه على الموكل وان كان الوكيل استقرض المال لنفسه لان النفقة على المالك وهو الموكل ولان المنفعة له فانه لو هلك في يد المرتهن حتى صار قاضيا لدينه رجع عليه الموكل بمثله فلهذا كانت النفقة عليه بخلاف المستعار للانتفاع فان المنفعة هناك للمستعير دون المعير فيقال اما ان تنفق لينتفع به واما ان ترده على صاحبه لينفق على ملكه وكذلك المكان وأجر رعى الغنم على الموكل لما بينا انه هو المالك المنتفع به بخلاف أجر الحافظ فان الحفظ علي المرتهن فكان أجر الحافظ عليه والمكان الذي يحفظ فيه عليه أيضا فاما الرعى فليس على المرتهن فلا يكون أجر الراعي عليه أيضا فيكون ذلك على المالك والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في قبض الوديعة والعارية) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بقبض أمانة له في يدى رجل فقال ذو اليد قد دفعتها إلى الموكل فالقول قوله مع يمينه لان مطالبة الوكيل اياه بالرد كمطالبة الموكل ودعوي الامين الرد على الموكل أو على الوكيل مقبولة لانه سلط على ذلك ولانه مجبر باداء الامانة الا أنه يقبل قوله في ابرائه عن الضمان الا في ايجاب الضمان عن الغير حتى إذا ادعى الرد على الوكيل وحلف لم يضمن شيأ وكذلك لا يضمن إذا جحد وحلف وان وكل رجلين بقبض عبد له وديعة فقبضه أحدهما بغير أمر الآخر لم يجز وهو ضامن لانه رضى برأيهما وأمانتهما فلا يكون راضيا بأمانة أحدهما ولو قبضه ثم أودعه أحدهما من
[ 87 ] الآخر جاز لانهما امتثلا أمره في القبض ثم لا يقدران على الاجتماع على حفظه آناء الليل والنهار وهو لا يحتمل التبعيض ليحفظ كل واحد منهما نصفه ولما استحفظهما على علمه بذلك فقد صار راضيا بترك أحدهما عند صاحبه ولكن انما يعتبر هذا فيما يطول وهو استدامة الحفظ فأما في ابتداء القبض فيتحقق اجتماعهما عليه من غير ضرر فلهذا لا ينفرد به احدهما وكما يجوز لاحدهما أو يودعه من الآخر يجوز لهما أن يودعاه عيال أحدهما لان يد عيال المودع في الحفظ كيد المودع كما إذا كان المودع واحدا وهذا لان المرء انما يحفظ المال بيد عياله عادة وان وكل بقبضه رجلا أجنبيا فالذي كان عنده الوديعة ضامن الا أن يصل إلى الوكيلين لان الحفظ يتفاوت فيه الناس لتفاوتهم في أداء الامانة فلا يملك الوكيل بوكيل الاجنبي وصار تسليم المودع إلى الاجنبي بعد هذا التوكيل كتسليمه قبله فكان المودع ضامنا إلى أن يصل إلى الوكيلين فحينئذ وصوله إلى يدهما كوصوله إلى يد الوكيل في براءة الدافع له عن الضمان ولو وكل رجلا بقبض وديعته فقبض بعضها جاز لان الوديعة قد تكون بحيث لا يمكن حمل كلها جملة واحدة فيحتاج إلى أن يحملها شيأ فشيأ ولا ضرر على الموكل في قبض الوكيل بعضها الا أن يكون أمره أن لا يقبضها الا جميعا فحينئذ لا يجوز له أن يقبض بعضها أو يصير ضامنا له لان الموكل قيد أمره ونهاه عن القبض الا بصفة فكل قبض لا يكون بتلك الصفة فهو قبض بغير اذن المالك فكان موجبا للضمان وان قبض ما بقى قبل أن يهلك الاول جاز القبض عن الموكل لانه قد اجتمع الكل عند الوكيل واندفع ضرر التفريق عن الموكل فكأنه قبض الكل دفعة واحدة ولو وكله بعبد له يدفعه إلى فلان وديعة فاتاه فقال ان فلانا استودعك هذا فقبله ثم رده على الوكيل فهلك فلرب العبد أن يضمن أيهما شاء لان الوكيل حين أضاف الايداع إلى الآمر فقد جعل نفسه رسولا وتبليغ الرسالة يخرج فكان هو في الاسترداد كأجنبي آخر فيصير المودع بالدفع إليه غاصبا وهو بالقبض كذلك فله أن يضمن أيهما شاء ولو قال له الوكيل قد أمرك فلان أن تستخدمه أو تدفعه إلى فلان ففعل فهلك العبد فالمستودع ضامن ان كان كذب الوكيل لانه باستعمال ملك الغير بغير اذن المالك أو بدفعه إلى غيره يصير غاصبا ولا يضمن الوكيل شيأ لانه لم يوجد منه فعل متصل بالعين انما غره بخبره أو أخبره زورا وذلك غير موجب الضمان عليه كمن قال لغيره هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ متاعه لم يضمن المخبر شيأ ولو وكله بقبض وديعة له عند فلان