مبسوط السرخسي - الجزء التاسع عشر2
[ 88 ]
أو عارية ثم مات الموكل فقد خرج الوكيل من الوكالة لانتقال الملك إلى الوارث ولم يوجد من الوارث الرضا بقبضه وان قال الوكيل قد كنت قبضتها في حياته وهلكت عندي أو دفعتها إلى الميت فالقول قوله بخلاف الدين لان المودع لو ادعى هنا الرد على الوكيل كان القول قوله وان لم يصدقه الوكيل فإذا صدقه أولى وفى الدين لو ادعى المديون قضاء الدين وجحد الوكيل لم يقبل قوله فكذلك إذا صدقه الوكيل لان قول الوكيل ليس بحجة في حق الوارث فتصديقه كتكذيبه في الفصلين قال ولو وكل رجل عبد رجل بقبض وديعة له عند مولاه أو عبد غيره فباع المولى العبد أو أعتقه أو كاتب أمة فاستولدها فالوكيل على وكالته لان ما اعترض لا ينافى ابتداء التوكيل فلا ينافى بقاءه بطريق الاولى قال وإذا وكل رجلا قبض عبد له عند رجل فقتل العبد خطأ كان للمستودع ان يأخذ قيمة العبد من عاقلة القاتل لانه مأمور بالحفظ وحفظ الشئ بامساك عينه في حال قيامه وبدله بعد هلاكه ولان يد المودع كانت ثابتة على العبد والقاتل جان على حقه بتفويت يده فكان له أن يأخذ القيمة من عاقلته وهو مذهبنا فاما عند الشافعي رحمه الله فليس للمودع أخذ القيمة لانه مودع في العين فتتعذر ولايته على العين ولا تتعدى إلى محل آخر فما دامت العين باقية بملك أحد يجوز له استردادها فاما بعد هلاك العين فلا يكون له ان يخاصم في القيمة ثم فرق علماؤنا رحمهم الله بين المودع والوكيل قالوا ليس للوكيل بالقبض ان يقبض القيمة لانه نائب في القبض وانما أنابه الموكل في قبض العبد دون القيمة وقد يختار المرء بقبض شئ دون شئ لاداثه في الاعيان دون النقود فاما المودع فقد كانت له يد ثابتة على العين فأزالها القاتل بجنايته فله ان يسترد القيمة من عاقلته بحكم يده المعتبرة شرعا حتى لو كان الوكيل قبض العبد ثم قتل عنده كان له ان يأخذ القيمة أيضا لانه بعد القبض صار مودعا فيه ولو جنى على العبد قبل أن يقبضه الوكيل فأخذ المستودع الارش فللوكيل ان يقبض العبد ولا سبيل له على الارش لانه أمين من جهة المالك في قبض العبد وذلك لا يتعدى إلى قبض الارش اعتبارا للجزء بالكل وكذلك لو كان المستودع أجره باذن مولاه لم يكن للوكيل ان يقبض الاجر ولو كانت أمة فوطئت بالشبهة لم يكن للوكيل ان يقبض المهر لما بينا ان المالك انما أنابه مناب نفسه في قبض العبد فلا يصير به نائبا في قبض ما انقلب من العين دراهم قال ولو وكله بقبض أمة أو شاة فولدت كان للوكيل ان يقبض الولد مع الام لان الولد جزء من عينها وقد ثبت له حق القبض في جميع اجزائها بالوكالة فلا يسقط
[ 89 ] عن هذا الجزء بالانفصال بخلاف ما إذا ولدت قبل الوكالة لان حق القبض يثبت له بالتوكيل وعنده ذلك الولد شخص وليس بجزء ثم نقول الولد من جنس الاصل ولا يبقى محفوظا الا مع الام ومقصود الموكل من هذا التوكيل صيانة ماله فلهذا يتعدى أمره إلى ما يلد بعد ذلك ولا يتعدى إلى الارش والعقد لانه ليس من جنس الاصل ويبقى محفوظا منفصلا من الاصل فان قيل فعلى هذا ينبغى ان يقبض المنفصل قبل الوكالة قلنا نعم ولكن هناك لو كان مقصوده قبض الولد مع الاصل أمكنه ان ينص في التوكيل عليها لكون الولد موجودا عند التوكيل فاما ما ينفصل بعد ذلك فما كان الموكل يعلم به لينص في التوكيل على قبضه فلهذا يتعدى حكم الآمر إليه وثمرة البستان بمنزلة الولد لانه متولد من الاصل ولو كان المستودع باع الثمرة في رؤس النخيل بأمر رب الارض لم يكن له أن يقبض الثمن لان ائتمانه اياه في قبض البستان لا يكون ائتمانا في قبض الدراهم بخلاف الثمار فان ائتمانه اياه في قبض البستان يكون ائتمانا في قبض الثمار التى تتولد من الاشجار عادة (ألا ترى) أن ما يحدث بعد قبضه من الثمار يكون أمانة عنده باعتبار رضا المالك به وكما لا يقبض ثمن الثمار لا يقبض ثمن ولد الجارية ولا قيمته إذا أتلفه متلف قال وإذا كانت الوديعة مما يكال أو يوزن فوكله بقبضه فاستهلكها رجل وقبض المستودع مثلها من المستهلك ففى القياس ليس للوكيل ان يقبض المثل لان المثل في ذوات الامثال كالقيمة فيما لا مثل له وهذا لانه أذن له في قبض العين فلا يتعدى اذنه إلى عين أخرى ومثل الشئ غيره ولكنه استحسن فقال له أن يقبض المثل لان رضاه بأمانته لا يختلف باختلاف العين وانما يختلف باختلاف الجنس فقد يؤدى الانسان الامانة من الجنس والقيمة ليست من جنس العين فائتمانه اياه في العين لا يتعدى إلى ما ليس من جنسه فأما المثل من جنس المتلف فائتمانه اياه في تلك العين يقتضى الائتمان في المثل الذى هو من جنسه وهذا لان التعيين معتبر فيما يفيد دون مالا يفيد (ألا ترى) أن تعيين النقود في العقود معتبر في تعيين جنس النقد ولا يعتبر في استحقاق تلك العين حتى كان للمشترى ان ينقد مثله ولم يكن له ان ينقده من جنس آخر فهذا مثله قال أرأيت لو أكلها المستودع أما للوكيل ان يأخذ منه مثلها والجواب فيما استشهد به وفيما استشهد له سواء قال وإذا وكله بقبض وديعة له عند رجل ثم قبضها الموكل ثم استودعها اياه ثانية لم يكن وكيلا بقبضها علم بذلك أو لم يعلم لان بقبض الموكل تم مقصوده فانعزل الوكيل ولان ايداعه ثانيا عقد جديد والتوكيل باسترداد وديعة بحكم عقد لا يتعدى
[ 90 ] إلى استرداد وديعة بعقد آخر كما لا يتعدى من عين إلى عين أخرى وكذلك لو قبضها الوكيل أولا ودفعها إلى الموكل ثم استودعها الاول لم يكن للوكيل ان يقبضها منه لان الوكالة قد انتهت باسترداد الوكيل اياها فكان هو في استردادها في المرة الثانية كأجنبي آخر فلرب الوديعة أن يضمن أيهما شاء فان ضمن الوكيل لم يرجع على المستودع لانه في قبضها ما كان عاملا للمستودع وان ضمن المستودع رجع على الوكيل لانه مكنها بالضمان وما رضى بقبض الوكيل له وحالهما كحال غاصب الغاصب مع الاول وهذا إذا لم يصدقه على انه وكيل في المرة الثانية وقد بينا وجوه هذه المسألة فيما سبق ولو وكله بقبض الوديعة وقال اقبضها اليوم ففى القياس ليس له ان يقبضها غدا لان الوكالة تتوقت بالتوقيت فإذا وقتها باليوم انتهت الوكالة بمضي اليوم كما لو جعل أمر امرأته بيدها اليوم لم يكن لها أن تختار نفسها غدا ولكنه استحسن فقال ذكر اليوم ليس لتوقيت الوكالة بل للتعجيل في قبضه بمنزلة قوله اقبضها الساعة ولو قال ذلك كان له أن يقبضها بعد تلك الساعة فكذلك هنا * توضيحه انه لو قال اقبضها كان له ان يقبضها متى شاء فقوله اليوم سكوت عما بعده وذلك لا يكون عزلا عما كان ثابتا له بمطلق الامر بخلاف قوله لامرأته أمرك اليوم بيدك لانه لو قال أمرك بيدك اليوم كان مقصورا علي المجلس فقوله اليوم لمد حكم الامر إلى آخر اليوم فإذا مضى اليوم خرج الامر من يدها لانه ليس في الغد أمر ثابت لها ولو قال اقبضها بمحضر من فلان فقبضها وهو غير حاضر جاز لما قلنا انه لو قال اقبضها كان له أن يقبضها سواء كان فلان حاضرا أو لم يكن فقوله بمحضر من فلان سكوت في غير هذه الحال فيبقى ما كان على ما كان (ألا ترى) انه لو قال اقبضها بشهود كان له ان يقبضها بغير شهود بخلاف ما لو قال لا تقبضها الا بمحضر من فلان فانه هناك نهاه عن القبض واستثنى قبضا بمحضر من فلان وكل قبض لا يكون بمحضر من فلان فهو مما يتناوله النهى لعمومه دون الاذن قال وإذا قبض رجل وديعة رجل فقال رب الوديعة ما وكلتك وحلف على ذلك وضمن المستودع رجع بالمال على القابض ان كان عنده بعينه لانه ملكه باداء الضمان وان قال هلك منى أو دفعته إلى الموكل فهو على التقسيم الذي قلنا ان صدقه المستودع بالوكالة لم يرجع عليه بشئ وان كذبه أو لم يصدقه ولم يكذبه أو صدقه وضمنه كان له أن يضمنه لما قلنا ولو وكل رجلا بقبض دابة استعارها من رجل فقبضها الوكيل وركبها فهو ضامن لها لان المالك انما رضى بركوب المستعير دون الوكيل والركوب يتفاوت
[ 91 ] فيه الناس فرب راكب يروض الدابة ركوبه والآخر يتلف الدابة ركوبه فلهذا كان الوكيل ضامنا ولا يرجع به على الموكل لانه في الركوب ما كان عاملا له ولا كان مأمورا به من جهته قالوا وهذا إذا كانت الدابة بحيث تنقاد للسوق من غير ركوب فان كانت لا تنقاد فلا ضمان على الوكيل لان صاحب الدابة لما دفعها إلى الوكيل ليأتي بها المستعير مع علمه انها لا تنقاد الا بالركوب فقد صار راضيا بركوبه قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بقبض وديعة أو دين له على رجل ثم رد المكاتب في الرق فقبضها الوكيل جاز وكذلك لو كان الموكل عبدا تاجرا فحجر عليه مولاه لانه فيما باشر الايداع بنفسه أو المعاملة حق القبض إليه بعد الحجر حتى لو قبضه بنفسه جاز فكذلك يبقى الوكيل على وكالته ولو أن رجلا وكل رجلا بقبض وديعة له وجعل له أجرا مسمى على أن يقبضها فيأتيه بها فهو جائز لانه استأجره لعمل غير مستحق عليه وهو حمل الوديعة إليه وذلك عمل معلوم في نفسه فيجوز الاستئجار عليه فان كان دينا يتقاضاه لم يجز الا أن يوقت له أياما لان عمل التقاضى ليس بمعلوم المقدار في نفسه فلا يجوز الاستئجار عليه إلا ببيان المدة كالبيع والشراء ولو وكله بالخصومة وجعل له أجرا كان فاسدا الا أن يوقت اياما لانه أستأجره لعمل غير معلوم في نفسه فلا يصح الا ببيان المدة وان وكل الوصي وكيلا بدفع وديعة أو دين أو بقبضهما كان جائزا لان الوصي في التوكيل قائم مقام الموصي والله أعلم (باب الوكالة في الهبة) (قال رحمه الله) ويجوز للواهب أن يوكل وكيلا بالتسليم لانه عمل تجزي فيه النيابة وإذا وقع فيه الغلط يمكن تداركه فيقوم فعل الوكيل فيه مقام فعل الموكل وكذلك يجوز للموهوب له أن يوكل بالقبض والصدقة نظير الهبة في ذلك فان التسليم والقبض في ذلك بمنزلة الايجاب والقبول في البيع والشراء والتوكيل به يصح وادا وكل الواهب بالتسليم والموهوب بالقبض وقاما جميعا فامتنع وكيل الواهب من التسليم فخاصمه وكيل الموهوب له وأقام البينة أن صاحب العين وكله بدفعها إليه قبلت البينة وأجبر الوكيل على دفعه لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فمراده من هذا الاخبار انه لا يمكنه أن يمنع العين لا أن يجبره على مباشرة فعل فان وكيل الموهوب له أن يقبضه بأمر الواهب إذا لم يمنعه أحد من ذلك فهو بهذه البينة يثبت عليه
[ 92 ] انه ليس له حق المنع فإذا ثبت ذلك قبضه وكيل الموهوب له بنفسه وإذا ادعي مدع في ذلك دعوى لم يكن واحد من هذين الوكيلين خصما في خصومته لان كل واحد منهما أمين في هذه العين والامين لا يكون خصما لمدعى الامانة ما لم يحضر صاحبها وليس لوكيل الواهب أن يرجع في الهبة سواء كان وكيلا بالتسليم أو بعقد الهبة لانه سفير ومعبر فانه لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل وتكون هذه الهبة تبرعا من جهة الموكل دون الوكيل فكما باشر عقد الهبة وسلمت انتهت الوكالة والتحق بأجنبى آخر فلا يملك الرجوع لان ثبوت حق الرجوع في الهبة لفوات ما هو المقصود وهو العوض وهذا هو المقصود للموكل دون الوكيل قال ولو أراد الواهب أن يرجع في الهبة وهى في يد وكيل الموهوب له لم يكن له أن يرجع ولم يكن الوكيل خصما له فيه لان يد الوكيل كيد الموكل والعوض مقصود من جانب الموكل دون الوكيل فالقبض ثابت محض فانتهت الوكالة بقبضه (ألا ترى) أنه لا يستغنى عن الاضافة إلى الموكل فيقول سلم إلى ما وهبت لفلان ولا يقول ما وهبته لى وكذلك الوكيل بقبول الهبة لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل بأن يقول هب لفلان كذا حتى لو قال هب لى كان العقد للوكيل دون الموكل بخلاف الوكيل بالشراء إذا قال بع منى لان الانتقال إلى الموكل هناك بوجب ضمان اليمين على الموكل للوكيل وليس في عقد الهبة ضمان الثمن فلهذا جعل ملتمسا العقد لنفسه إذا لم يضفه إلى الآمر قال ولو وهب رجلان لرجل شيأ ثم وكلا رجلا بان يدفعه إليه جاز وكذلك لو وكلا رجلين أو وكل كل واحد منهما رجلا على حدة لان كل واحد من الوكيلين نائب عن موكله ويجوز نيابة الواحد عن الواحد وعن الاثنين فان دفعه أحدهما إليه أو قبضها من غير دفع جاز لانهما حين وكلا هذين بدفعها فقد سلطا الموهوب له على قبضها وقد بينا أنه ينفرد بالقبض عند وجود التسليط من الواهب تصريحا أو دلالة قال وإذا وهب الذمي للذمي خمرا أو خنزيرا فوكل الموهوب له بقبضها مسلما أو وكل الواهب بدفعها إلى الموهوب له مسلما فهو جائز لان الوكيل غير مملك ولا يتملك بل هو نائب في القبض أمين في المقبوض والمسلم يجوز أن يكون نائبا عن الذمي أمينا له في قبض الخمر والخنزير قال ولو وكل الموهوب له رجلين بقبض الهبة فقبضها أحدهما لم يجز لانه رضى بأمانتهما فلا يكون راضيا بأمانة أحدهما لان الموهوب له يملك القبض بنفسه من غير دفعها وكذلك عند دفع أحدهما وعلى هذا لو وكل الوكيل غيره بدفعها جاز ولو وكل وكيل الموهوب له
[ 93 ] يقبضها لم يجز الا أن يكون الموكل قال له ما صنعت من شئ فهو جائز فحينئذ له ان يوكل غيره بذلك لانه اجاز صفة على العموم والتوكيل من صفته قال وإذا وكل رجل رجلا ان يهب الثوب لفلان على عوض يقبضه منه ففعل ذلك غير ان العوض أقل من قيمة الهبة فهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار اطلاق اللفظ فان اسم العوض يتناول القليل والكثير ولا يجوز في قولهما الا أن يكون العوض مثل الموهوب أو دونه بما يتغابن الناس في مثله بناء على أصلهما في تقييد مطلق اللفظ باعتبار العادة قال وإذا وكل الموهوب له وكيلا بأن يعوض ولم يسمه فدفع عوضه من عروض الموهوب له لم يجز لان ما أمره بدفعه مجهول جهالة مستدركة لا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل فكان التوكيل باطلا بمنزلة قوله بع شيأ من مالى واستبدل شيأ الا ان يكون قال له عوض له من مال ما شئت فحينئذ يكون له أن يعوض ما شاء لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم وان قال له عوض عنى من مالك على انى ضامن له فعوضه عوضا جاز ورجع بمثله على الآمر ان كان له مثل وبقيمته ان لم يكن له مثل لانه باشتراط الضمان على نفسه يصير مستقرضا منه بعوض له من ملك نفسه والمستقرض مضمون بالمثل ان كان من ذوات الامثال أو بالقيمة ان لم يكن من ذوات الامثال وجهالة ما يعوضه هنا لا تمنع صحة الامر لانه في أصل التعويض متصرف في ملك نفسه وتعيينه في ملك نفسه صحيح وانما يرجع عليه بحكم الضمان والجهالة لا تمنع صحة الضمان إذا كان المضمون له والمضمون عنه معلومين والعوض وان كان مجهولا الا أن ذلك لا يمنع صحة الاستقراض إذا كان عند الاقراض معينا معلوما فان هناك هو في أصل التعويض نائب فلا يملك التعيين الا على وجه ان يكون موافقا لمقصود الموكل وذلك لا يحصل مع جهالة الجنس قال ولو أمره ان يعوضه من ملك نفسه ولم يشترط الضمان على نفسه فعوضه لم يرجع على الآمر بشئ لان التعويض غير مستحق عليه فلا يكون هو مسقطا عنه بهذا التعويض ما هو لازم عليه بخلاف المأمور بقضاء الدين من ملك نفسه فان الدين مستحق على الامر هناك فإذا أمره ان يسقط عن ذمته ما هو مستحق عليه ثبت له حق الرجوع عليه بما يؤدى من ملك نفسه ولان المديون يملك ما في ذمته بقضاء الدين والمعوض عن الهبة لا يملك بالتعويض شيئا فلهذا فرقنا بين الفصلين قال وللواهب أن يوكل وكيلا في الرجوع بالهبة لانه يملك المطالبة به بنفسه ويحكم به الحاكم عند طلبه فكذلك عند طلب وكيله له قال ولو وكل رجلين بذلك لم
[ 94 ] يكن لاحدهما أن ينفرد به دون صاحبه لانهما وكيلان بالقبض فان الرجوع في الهبة لا يتم الا باثبات اليد على الموهوب وقد بينا أن الوكيلين بالقبض لا ينفرد أحدهما به دون صاحبه قال ولو وكل رجلا أن يقبض له دينا من فلان فيدفعه إلى فلان هبة منه له فهو جائز لانه وكله بشيئين بقبض الدين ثم بعقد الهبة في المقبوض ويجوز التوكيل بكل واحد منهما على الانفراد فكذلك يجوز التوكيل بهما وتوكيله بهبة دين يقبضه من مديونه كتوكيله بهبة عين يدفعها إليه فيصح كل واحد منهما لانه يضيفه إلى ملك نفسه وكذلك لو أمر المديون أن يدفع إليه فدفعه فهو جائز لان أمره اياه بالدفع يكون تسليطا للآخر على القبض فان قال الغريم قد دفعت إليه فصدقه الموهوب له فهو جائز وان كذبه لم يصدق الغريم لان دعواه الدفع إلى الموهوب بمنزلة دعواه الدفع إلى الواهب فان صدقه ثبت الدفع وان كذبه لم يثبت لان الدين مضمون في الذمة لا يستفيد البراءة عنه بمجرد قوله قال ولو وكل وكيلا بقبضه منه ودفعه إلى الموهوب له فقال الغريم قد دفعه إلى الوكيل وقال الوكيل قد دفعته إلى الموهوب له فالغريم والوكيل بريئان فتصديق الوكيل لاختياره باداء الامانة ولكن لا يصدق الوكيل على الموهوب له لان قول الامين انما يقبل في براءته عن الضمان لانه ادعى ثبوت وصول شئ إلى غيره فلا يثبت بقوله وصول الهبة إلى الموهوب له حتى لا يرجع الواهب عليه وكذلك الرجل يهب ما على مكاتبه لرجل ويأمر آخر بقبضه ودفعه إلى الموهوب له فان دين الكتابة في هذا بمنزلة غيره من الديون في الحكم والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في العتق والكتابة) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بعتق عبده على مال أو غير مال فله أن يعتقه في ذلك المجلس أو بعده لان التوكيل مطلق وهذا بخلاف ما لو قال لعبده أعتق نفسك لان ذلك تمليك وليس بتوكيل لان العبد في العتق عامل لنفسه فلا يكون نائبا عن غيره وجوب التمليك يقتصر على المجلس (ألا ترى) أن هناك لا يملك الرجوع عنه قبل أن يعتق العبد نفسه وهنا يملك اخراج الوكيل مثل الوكالة قبل أن يعتقه ثم ليس للوكيل أن يقبض المال هنا لان العتق تبرع وان كان بمال (ألا ترى) أن الاب والوصى لا يملكانه في عبد اليتيم وقد بينا أن الوكيل بالتبرع نائب محض وان المعتق هو المولى دون الوكيل (ألا ترى)
[ 95 ] أن الولاء يثبت للمولى والشرع انما أثبت الولاء لمن أعتق ولانه انما يطالب بقبض البدل من تتوجه عليه المطالبة بتسليم المبدل والوكيل بالعتق لا يكون مطالبا بشئ من جهة العبد ولا يكون إليه قبض البدل بل المولى هو الذى يقبض لان مباشرة نائبه كمباشرته بنفسه قال ولو وكله أن يعتقه فدبره لم يصح لانه تصرف سوى ما أمره به فان التدبير اضافة العتق إلى ما بعد الموت أو تعليق العتق بالموت والمأمور بالتنجيز لا يملك التعليق ولا الاضافة وعلى هذا لو قال أنت حر غدا أو ان دخلت الدار أو أعتقه على مال لانه تعليق بشرط قبوله فيكون بمنزلة تعليقه بشرط آخر ولانه مأمور بالتبرع المحض وربما يكون له فيه مقصود يفوت ذلك باشتراط العوض وهو الجواز عن كفارته وكذلك لو كاتبه فان الكتابة عقد آخر سوى ما أمره به فلهذا لم يصح منه وكذلك لو وكل آخر باعتاقه لان مطلق التوكيل لا يثبت للوكيل ولاية توكيل الغير به فانه يساوي تأثيره بنفسه في حق الغير وذلك لا يصح ولان التوكيل بالعتق ليس باعتاق وهو انما أنابه مناب نفسه في الاعتاق خاصه قال ولو وكله أن يعتقه غدا فأعتقه اليوم كان مخالفا لانه أضاف وكالته إلى وقت في المستقبل فلا يصير وكيلا قبل مجئ ذك الوقت قال ولو وكله أن يعتقه اليوم فأعتقه غدا جاز استحسانا وقد تقدم نظيره وقد بينا أن المقصود بذكر اليوم التعجيل وهو لا يفسد الوكالة بالوقت بمنزلة قوله أعتقه الساعة فانه يصير وكيلا بعتقه ما لم يعزله عنه قال ولو وكل صبيا أو عبدا أن يعتق عبده على مال أو غير مال أو كاتبه فهو جائز لانه من أهل العبادة ومباشرة هذا العقد انما تكون بالعبادة قال ولو وكله أن يعتقه ألبتة على مال أو غير مال ثم دبره المولى فالوكيل على وكالته وكذلك لو كانت أمة فاستولدها المولى لان التدبير والاستيلاد لا يمنعان صحة الاعتاق بجعل أو غير جعل فلم يخرج المحل بتصرف المولى من أن يكون محلا لما فوضه إلى الوكيل قال ولو وكله أن يعتق أمته فولدت قبل أن يعتقها لم يكن له أن يعتق ولدها لانه أمره بعتق شخص واحد فلا يملك عتق شخصين ولان الوكالة بالعتق ليس بحق مستحق في الام وانما يسرى على الولد ما كان مستحقا في الام قبل الانفصال للولد عنها (ألا ترى) أن الوصية لا تسرى إلى الولد المنفصل قبل لموت الموصى لهذا المعنى والكتابة والبيع على هذا فان التوكيل بهما ليس بحق مستحق في الام فلا يسرى إلى الولد المنفصل قبل ثبوت الاستحقاق في الام قال ولو وكله أن يعتق عبده أو مكاتبه أو يبيعه ثم باعه المولى فقد خرج الوكيل من الوكالة لان الموكل بعد
[ 96 ] البيع لا يملك فيه مباشرة التصرف الذى وكل الوكيل به فاقدامه على البيع يتضمن خروج الوكيل من الوكالة حكما فان رجع إلى ملك المولى فان كان رجوعه بسبب هو فسخ للبيع من الاصل فقد عاد إليه قديم ملكه وكان الوكيل على وكالته لان رجوعه من الوكالة كان حكما لزوال ملكه فلا يظهر بعد عود ذلك الملك إليه وان كان بسبب هو تمليك فسد من وجه كالرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء قاض أو بالاقالة أو الميرات لم تعد الوكالة لان تعلقها كان بذلك الملك والعائد ملك غير ذلك الملك قال ولو باشره أهل الحرب فادخلوه دارهم ثم رجع إلى الموكل بملك جديد بأن اشتراه منهم لم تعد الوكالة ولو اخذه المشترى منهم بالثمن أو ممن وقع في سهمه من الغانمين بالقيمة فهو على وكالته لانه بالاخذ بهذا الطريق يعيده إلى قديم ملكه وقد كانت الوكالة متعلقة بذلك الملك فإذا عاد عادت الوكالة قال ولو وكله ان يعتق امته ثم اعتقها المولى فارتدت ولحقت بدار الحرب فاسرت وملكها المولى لم يجز عتق الوكيل فيها لانه كان مأمورا بازالة رق كان فيها وقد زال ذلك باعتاق المولى وهذا الحادث رق متجدد السبب فلا يكون هو وكيلا بازالته الا بتوكيل مستأنف قال ولو أمره أن يعتق عبده فقال الوكيل اعتقته أمس وجحد ذلك رب العبد لم يصدق الوكيل على ذلك لان الوكالة بالعتق تنتهى بالفراغ منه فكيف يقبل اقراره وليس هو بوكيل في الحال بخلاف البيع والشراء فان الوكالة تبقى بعد المباشرة لتعلق حق العقد بالوكيل * توضيحه ان الوكيل بالعتق معبر عن الموكل وانما أمره بأن يعبر عنه أنشاء العتق دون الاقرار وكان هو في الاقرار كأجنبي آخر سوى المأمور به فلا يصير به ممتثلا للآمر ويبقى المأمور على وكالته قال ولو وكله أن يعتقه فقبل ذلك ثم أبى أن يعتقه لم يجبر عليه لان الوكيل معير لمنافعه والمعير غير مجبر على تسليم ما أعاره ولو قال له الوكيل أنت حر ان شئت فقال قد شئت لم يعتق لانه مأمور بالتنجيز وقد اتى بالتعليق بمشيئة أو بتمليك الآمر من العبد وكل واحد منهما غير مأمور به ولكنه يبقى على وكالته فإذا أعتقه بعد ذلك كان صحيحا منه قال وان اعتقه بغير لسان العربية جاز لان المقصود ايصال العبد إلى شرف الحرية وذلك يحصل بأى لسان كان وبأى لفظ من العربية يكون كقوله أنت عتيق أو معتق وحررتك وكما يحصل ذلك باللسان يحصل بالكتاب أيضا حتى إذا كتب بعتقه جاز (ألا ترى) انه يشتريه مكفرا فكذلك الوكيل يصير به ممتثلا قال وان قال له اعتق
[ 97 ] نفسك بما شئت فاعتق نفسه على درهم فهو جائز ان رضى المولى بذلك لان تفويضه في حق البدل غير معتبر لانه مجهول الجنس والقدر فلا يقدر العبد على تحصيل المقصود للمولى يبقى قول العبد اعتقت نفسي بدرهم فيوقف ذلك على رضا المولى به كما لو ابتدأ العبد بهذا الكلام وكذلك لو قال بع نفسك من نفسك بما شئت فباع نفسه من نفسه جاز ذلك إذا رضى المولى به والطلاق في هذين الوجهين قياس العتق ولا يقال انه فوض الامر في البدل إلى رأيه وهو لا يصلح نائبا عن المولى في قبول البدل على نفسه فكيف يصلح نائبا في تعيين جنس البدل ومقداره قال وان وكله ان يعتق عبده على مال فاعتقه على درهم جاز في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار اطلاق اللفظ ما لم يقم دليل التقييد ولا يجوز عندهما الا بمثل القيمة أو بنقصان يسير بناء على أصلهما في ثبوت التقييد بدليل العرف قال وان وكله أن يعتقه على شئ فما اعتقه عليه من أصناف المال فهو جائز اما عند أبى حنيفة رحمه الله فظاهر كما هو أصله في الوكيل بالبيع وعندهما هناك يتقيد مطلق اللفظ بالبيع لاعتبار العرف ولا عرف هناك فان الاعتاق بغير النقود من الاموال متعارف كالاعتاق بالنقود فلهذا جاز له أن يعتقه على أي صنف من المال يسميه وان اختلف المولى والوكيل في جنس ما أمره به من البدل أو في مقداره فالقول قول المولى لان الاذن يستفاد من جهته فلا يثبت في حقه الا ما يقر به قال وان وكله ان يعتقه على جعل فاعتقه على خمر أو خنزير فالعتق جائز وعلى العبد قيمة نفسه لانه امتثل أمره بما صنع فان العتق بالخمر لو باشره المالك كان عتقا بعوض لقيام شبهة المالية في الخمر وعلى العبد قيمة نفسه لفساد التسمية فكذلك إذا باشره الوكيل ولو اعتقه على ميتة أو دم لم يجز لان هذا العتق لو باشره المالك كان عتقا بغير عوض إذ ليس في الميتة والدم شبهة المالية فبتسميته لا يصير ممتثلا لانعدام الرضا بالعتق مجانا والموكل انما أمره بعتق بعوض فليس له أن يعتق بغير عوض قال ولو اعتقه على حكم العبد أو على حكم الوكيل جاز العتق وعليه قيمته لان هذا العتق لو باشره الموكل كان عتقا بعوض فكذلك إذا باشره الوكيل غير ان ما يحكم به العبد أو الوكيل مجهول الجنس والقدر فلا تصح التسمية وعند فساد التسمية يجب على العبد قيمة نفسه ولكن لاشتراط أصل المال بهذا اللفظ ينعدم الرضا بالعتق مجانا قال ولو قال اعتقه على هذا العبد فاعتقه عليه فإذا هو حر جاز العتق وعليه قيمة نفسه لان فعل الوكيل كفعل الموكل بنفسه حين امتثل أمره فيما صنع وقد سمى ما هو
[ 98 ] مال وهو العبد فإذا ظهرت حريته تبين به فساد التسمية فعليه قيمة نفسه ولو اعتقه على عبد واستحق جاز العتق وعليه قيمة نفسه في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو قول أبى يوسف رحمه الله وفى قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله قيمة العبد المستحق وهى معروفة في كتاب البيوع ان في قوله الآخر بيع العبد من نفسه بمال عند الاستحقاق ثم حكم مبادلة المال بالمال وفى قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله في حكم مبادلة المال بما ليس بمال عند الاستحقاق أو الرد بالعيب قال وان وكله أن يعتقه على جعل فاعتقه على شاة مذبوحة بعينها أو على دن خل بعينه فإذا الشاة ميتة والخل خمر فالعتق جائز في الخمر وعلى العبد قيمة نفسه والعتق باطل في الشاة لانه ليس في الميتة شبهة المالية فلا يصير بها العتق بعوض بخلاف الخمر ففيها شبهة المالية فيكون العتق بعوض عند ذكر الخمر فليس في تسمية الشاة ما يوجب اشتراط العوض لان اسم الشاة يتناول الميتة كما يتناول المذبوحة بخلاف تسمية العبد فان اسم العبد لا يتناول الا ما هو مال فبذكره يثبت اشتراط العوض ويصير الوكيل ممتثلا أمره قال وإذا وكل الكافر المسلم بعتق عبده على جعل فاعتقه على خمر أو خنزير جاز لان الوكيل بالعتق بمال نائب محض لا يتعلق به شئ من الحقوق ولا يثبت له حق المطالبة بالبدل فيكون المعتبر فيه دين من وقع له العقد وهو المولى كما في النكاح والخلع والخمر والخنزير مال متقوم في حق الكافر فلهذا صحت التسمية والكتابة في هذا قياس العتق بالجعل لان الوكيل بالكتابة سفير ومعبر أيضا قال وإذا وكل العبد رجلا ان يشترى له نفسه من مولاه ويسأله له العتق على مال ففعل ذلك الوكيل والمولى فالعتق جائز والمال على العبد وليس على الوكيل شئ هكذا ذكر هنا وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب ان المال على الوكيل وهكذا أجاب في الجامع الا أن هنا في بعض النسخ قال ويسأله العتق وفى بعض النسخ قال يسأله له العتق فقال بعض مشايخنا رحمهم الله انما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فقوله يسأله العتق تفسير لاول كلامه وبيان أنه جعل رسولا إلى المولى والمطالبة بالبدل لا تتوجه على الرسول في شئ من العقود فأما إذا وكله العبد فالجواب على ما قال في الجامع ان الوكيل هو المطالب بتسليم البدل وفى المسألة روايتان وعيسى بن ابان رحمه الله قال في الصحيح ما ذكر هنا دون ما قاله في الجامع لان الوكيل من جانب العبد في العتق بجعل يكون سفيرا ومعبرا بمنزلة الوكيل من جانب المولى (ألا ترى) انه لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الآمر
[ 99 ] وانه ليس إليه من قبض المعقود عليه شئ فلا تتوجه المطالبة بتسليم البدل كالوكيل من جانب المولى وجه رواية الجامع أن توكيله بشراء العبد لنفسه بمنزلة توكيله بشراء العبد لغيره فكما أنه هناك يصير المطلوب بتسليم البدل فكذلك هنا بخلاف الوكيل من جانب المولى فان الذى في جانب المولى اعتاق بمال يشترطه والذى في جانب العبد التزام المال فالوكيل في جانب المولى يكون وكيلا بالاعتاق فكان معبرا لا تتعلق به حقوق العقد والوكيل في جانب العبد وكيل بالتزام المال فيكون بمنزلة الوكيل في البيع والشراء فما زاد على هذا من البيان فقد أمليناه في شرح الجامع قال ولو وكله (2) وهذا بناء على أصلين أحدهما أن العتق يتجزأ عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما لا يتجزأ والثانى أن عند أبى حنيفة رحمه الله تسمية النصف غير تسمية الكل والوكيل متى زاد على ما أمر به وأتى بغيره كان مخالفا فهنا الموكل أمره باعتاق النصف وهو قد سمى الكل فصار مخالفا فلهذا لا يعتق منه شئ وعلى قولهما العتق لا يحتمل التجزى فالتوكيل باعتاق النصف واعتاق الكل سواء ويكون هو ممتثلا أمر الموكل في اعتاق الكل فلهذا عتق كله قال ولو وكله أن يعتق العبد كله فاعتق نصفه عتق النصف في قول أبى حنيفة رحمه الله كما لو أعتق الموكل بنفسه نصفه وهذا لان الوكيل أتى ببعض ما أمره به فلم يكن مخالفا فيعتق نصفه وعلى العبد أن يسعى في نصف قيمته وعندهما يعتق كله ولا يسعى في شئ لان العتق عندهما لا يتجزأ قال وإذا وكله أن يعتقه على جعل ولم يسم شيأ فاعتقه على ألف جاز ذلك استحسانا وعليه ألف درهم ان كان مثله يعتق على مثل ذلك وفى القياس لا يصح اعتاقه لان البدل المسمى مجهول جهالة متفاحشة فان اسم الالف يتناول كل معدود مالا كان أو غير مال فلم تصح التسمية وان لم تصح كان هذا بمنزلة عتق بغير جعل فيكون باطلا من الوكيل ولكنا استحسنا فقلنا الوكيل ممتثل أمره فان الموكل بنفسه لو أعتقه على هذا كان عتقا بعوض وكان صحيحا فكذلك الوكيل إذا فعله وهذا لان مطلق التسمية محمول على المتعارف فيما بين الناس كما أن مطلق تسمية النقد معروف فكذلك مطلق تسمية الالف فإذا كان قيمة العبد الف درهم أو مثلها فالظاهر أن المراد بذكر الالف هو الالف درهم لان المعتاد هو الاعتاق بمثل القيمة أو أقل فصار الثابت بالعادة كالثابت بالنص قال ولو وكله أن يكاتب عبده فكاتبه لم يكن للوكيل أن يقبض المكاتب لانه في العقد سفير ومعبر وهو لا يستغنى عن الاضافة إلى الموكل ولا تتوجه عليه المطالبة بتسليم العوض فلا يكون إليه من قبض البدل شئ وان دفعها
[ 100 ] إليه المكاتب لم يبرأ لان وكالته قد انتهت بمباشرة العقد فكان هو في قبض البدل كأجنبي آخر فلهذا لا يستفيد المكاتب البراءة بالدفع إليه قال ولو وكله ان يكاتب عبده فكاتبه على شئ لا يتغابن الناس في مثله جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار الاطلاق ما لم يقم الدليل المقيد كما لو وكله ببيعه ولم يجز عندهما لان التقييد عندهما يثبت بدلالة العرف وان كاتبه على غنم أو صنف من الثياب أو الموزون أو من المكيل جاز ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يشكل بناء على مذهبه في التوكيل بالبيع وعندهما الاختصاص بالنقد هناك بدليل العرف ولا يوجد ذلك هنا فالاعتاق بغير النقود من الاموال متعارف وكذلك الخلع والكتابة قال ولو وكله ان يكاتب عبدين له فكاتب احدهما جاز لانه أتى ببعض ما أمر به ولا ضرر فيه على الموكل فيكون هذا بمنزلة الوكيل ببيع العبدين ببيع أحدهما فانه يجوز على الآمر فكذلك هنا قال ولو وكله أن يكاتبهما مكاتبة واحدة ويجعل كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فكاتب أحدهما لم يجز لانه ترك شرطا فيه منفعة للموكل وهو أن يصير كل واحد منهما مطالبا بجميع البدل ولان العقد بهذه الصفة لا يصح الا ان كاتبهما معا فكان الموكل بالتنصيص على هذا الوصف كالشارط عليه أن لا يفرق العقد فإذا فرق كان مخالفا (ألا ترى) انه لو قال بعه من فلان برهن فباعه بغير رهن لم يجز وكذلك لو قال بعه من فلان بكفالة فباعه من غير كفالة لم يجز بخلاف ما لو قال بعه بشهود فباع بغير شهود حيث يجوز لان الرهن والكفالة انما يشترطان في العقد ويصير مستحقا بالشرط وحرف الباء للوصل فانما أقر أن يصل شرط الكفالة والرهن بالبيع فإذا لم يفعل كان مخالفا لامره فأما الشهود فلا يتحقق اشتراطهم في البيع فلا يخرج هو بهذا اللفظ من أن يكون مأمورا بمطلق البيع قال ولو وكله ان يكاتب عبده ثم كاتبه المولى فعجز فليس للوكيل ان يكاتبه لان ما قصده الموكل بتصرف الوكيل قد حصل له بمباشرته فتكون مباشرته عزلا للوكيل ثم بعجز المكاتب لا تنفسخ الكتابة من الاصل ولكن ترتفع في الحال لان السبب مقصور على الحال وهو العجز عن تسليم البدل بعد توجه المطالبة به فلهذا لا تعود وكالة الوكيل قال ولو وكله ان يكاتبه أو يبيعه ثم قتل العبد رجلا خطأ ثم فعل الوكيل ذلك وهو يعلم أو لم يعلم جاز ما صنعه الوكيل لان استحاق العبد بجنايته لا يمنع الموكل من التصرف فيه بالبيع والكتابة فلا يوجب عزل الوكيل أيضا وابتداء التوكيل صحيح بعد جناية العبد فلان يبقى أولى ثم على المولى قيمته ولا يصير مختارا للدية وان علم بذلك
[ 101 ] لان التوكيل قبل الجناية وهو لا يصير مختار بفعل منه سبق جناية العبد ولم يوجد بعد الجناية من المولى فعل يصير به مختارا ولكنه صار مستهلكا للعبد فعليه قيمته كما لو دبره قبل جنايته وأشار في موضع من الزيادات إلى أن استمرار الوكالة بعد العلم بالجناية بمنزلة انشاء التوكيل لكونه متمكنا من العزل فيصير به مختارا للفداء وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الزيادات ولو قال بع عبدى هذا أو كاتبه أو أعتقه على مال فأى ذلك فعل الوكيل جاز لانه خيره بين التصرفات الثلاثة وان قال كاتب عبدي هذا أو هذا فله ان يكاتب أيهما شاء لان المولى خيره بينهما بحرف أو فان كاتب كل واحد منهما على حدة جازت مكاتبة الاول لانه وكيل بكتابة أحدهما فإذا كاتب الاول انتهت وكالته وليس له أن يكاتب الآخر بعد ذلك وان كاتبهما معا فكتابتهما باطلة إذا جعل النجوم واحدة لان هذا بمنزلة عقد واحد (ألا ترى) انه لا يقبل أحدهما دون لآخر وهو غير مأمور بمكاتبتهما جميعا فإذا تعذر تنفيذ العقد فيهما ولا وجه لتصحيح واحد منهما لانهما في حكم هذا العقد كشخص واحد تعينت جهة البطلان في هذا العقد وان لم يجعل النجوم واحدة فالخيار إلى المولى يختار أيهما شاء بحصته من ذلك ويحبس الاخر لان تصحيح العقد في احدهما ممكن فان العقد متفرق فهو في كتابة أحدهما ممتثل أمر المولى وفسخ العقد في أحدهما ويكون الخيار إلى المولى لان الوكيل معبر عنه فلا يكون إليه من خيار البيان شئ كالطلاق والعتاق وهذا لان الكتابة في حكم الاسقاط دون التمليك لانه فك الحجر واسقاط حقه من ملك اليد حتى يصير للمكاتب كما ان في الاعتاق اسقاط الحق عن أصل ملكه لان يكون تمليكا من العبد والجهالة انما تمنع الصحة في التمليكات لا في الاسقاطات فاما في النكاح لو وكله أن يزوجه أي هاتين فزوجهما منه لم يصح نكاح واحدة منهما لان النكاح من عقود التمليكات فلا يمكن تصحيحه فيهما لانه مأمور بتزويج احداهما ولا يمكن تصحيحه في احداهما بعينها لانه ليست احداهما بأولى من الاخرى ولا في احداهما بغير عينها لان النكاح لا يثبت في المجهول وعن أبى يوسف رحمه الله انه جعل النكاح كالكتابة فقال يجوز في احداهما بغير عينها والبيان إلى الزوج وهو قوله الاول وقد رجع عنه فأما في البيع إذا باعها جميعا فلا يجوز البيع في واحد منهما لان البيع تمليك لا يثبت في المجهول ولا يمكن تصحيحه فيها لانه لم يكن مأمورا ببيعها قال ولو وكله ان يكاتب عبده يوم الجمعة فقال الوكيل يوم السبت قد كاتبته أمس بعد الوكالة على كذا وكذبه المولى فالقول قوله في القياس لانه أقر
[ 102 ] بالعقد في حال لا يملك استئنافه فان بمضي يوم الجمعة قد انتهت وكالته ولكن استحسن فجوز اقراره فكان مسلطا على مباشرة العقد في وقت معلوم وقد أخبر بما سلطه عليه وأدى الامانة على وجهها وهذا لان التوقيت من المولى كان في مباشرة العقد لا في الاقرار به فجعل في حق الاقرار كان التوكيل كان مطلقا فإذا أقر به كان اقراره صحيحا وعلى هذا البيع والاجارة والخلع والعتق على مال قال ولو وكله أن يكاتبه فقال الوكيل وكلنى أمس وكاتبته آخر النهار بعد الوكالة وقال رب العبد انما وكلتك اليوم فالقول قول رب العبد لانه لو أنكر التوكيل أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر التوكيل أمس وإذا لم يثبت التوكيل في الوقت الذى أضاف الوكيل مباشرة العقد إليه كان العقد باطلا ولو قال أي هذين الرجلين كاتبه فهو جائز فأيهما كاتبه جاز وهذا استحسان وقد تقدم بيانه ان الوكالة مبنية على التوسع والجهالة المستدركة فيها تمنع الجواز وكذلك لو قال وكلت أحد هذين الرجلين أن يكاتبه فهذا والاول سواء وأيهما كاتبه جاز قال ولو وكل رجلا بأن يكاتب عبده فأبى العبد أن يقبل ثم بدا له في قبول ذلك فكاتبه الوكيل جاز لان باباء العبد في الابتداء لا ينعزل الوكيل فان العبد لا يملك عزل الوكيل عن كتابته وإذا بقيت الوكالة نفذت الكتابة بقبول العبد كما لو قبل في الابتداء والله أعلم بالصواب (باب وكالة المضارب والشريك فيه) (قال رحمه الله) وتوكيل المضارب بالبيع والشراء والقبض والخصومة وغير ذلك من أسباب المضاربة جائز لان للمضارب اقامة الاعمال كلها بنفسه فيحتاج إلى الاستعانة بغيره في بعض الاعمال ولما دفع رب المال إليه المال مضاربة على علمه بذلك فقد صار آذنا له في الاستعانة بالغير فيما يعجز عن مباشرته بنفسه قال ولو وكل المضارب رجلا أن يشترى له عبدا بالمضاربة فاشترى له أخا رب المال فالشراء جائز على المضارب دون رب المال لان شراء وكيل المضارب بمنزلة شراء المضارب بنفسه وهو لو اشترى أخا رب المال كان مشتريا لنفسه لان رب المال انما أمره أن يشترى بمال المضاربة ما يمكنه ان يبيعه ليحصل الربح بتصرفه وهو لا يحصل بشراء أخى رب المال لانه لو جاز شراؤه على رب المال عتق عليه فلهذا جعلناه مشتريا لنفسه ويضمن مال المضاربة إذ هو في يمينه قال وان اشترى أخا المضارب فان لم يكن فيه فضل
[ 103 ] فهو جائز على المضاربة لان شراء الوكيل كشراء المضارب بنفسه ولو اشترى أخا نفسه بمال المضاربة جاز على المضاربة ان لم يكن فيه فضل لانه شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح لا يملك المضارب شيئا منه فيتمكن من بيعه بعد الشراء وان كان فيه فضل كان الشراء على المضارب خاصة لانه لو جاز على المضاربة عتق عليه حصته من الربح فلا يملك بيعه فلهذا كان مشتريا لنفسه قال وإذا وكل المضارب وكيلا في الخصومة في دين المضاربة فأقر الوكيل عند القاضى أو المضارب قد قبض ذلك الدين فهو جائز الا على قول زفر رحمه الله لان الوكيل بالخصومة مطلقا يملك الاقرار ويكون اقراره كاقرار الموكل بنفسه ولو أقر المضارب بين يدى القاضى بقبض الدين الواجب بادانته صح اقراره فكذلك اقرار وكيله وان قال المضارب لم أقبضه منه برئ الغريم ولا ضمان على المضارب لان اقراره الوكيل انما يصح باعتبار أنه وكيل بجواب الخصم وذلك فيما بين الوكيل والخصم وليس من ضرورة براءة الغريم وصول المال إلى المضارب فلهذا لا يقبل اقرار الوكيل في ايجاب الضمان على المضارب لانه ما وكل بذلك قال وهذا بمنزلة قول الوكيل قد أخذته فدفعته اليك وقال المضارب لم تدفعه إلى وكذا اقرار الوكيل بالقبض صحيح في براءة الغريم غير مقبول في ايجاب الضمان على المضارب فكذلك هنا قال ولو وكل المضارب رجلا بقبض مال المضاربة من رب المال أو بدفع شئ من المال إلى رب المال كان جائزا لانه وكله بما يملك مباشرته بنفسه فيصير الوكيل قائما مقامه في مباشرته قال وإذا أمر رب المال المضارب ان ينفق على أهله فوكل المضارب وكيلا بالنفقة عليهم فهو جائز لانه مأمور بايصال مقدار حاجتهم من المال الذى في يده إليهم فلا فرق بين ان يوصل ذلك بنفسه أو بنائبه وهذا لان من له النفقة له ان بمد يده إلى هذا المال ويأخذ منه مقدار حاجته إذا ظهر به ولان أمر رب المال بالدفع إلى أهله بمنزلة أمره بالدفع إليه ولا فرق بين ان يدفع بنفسه أو بوكيله فان قال الوكيل انفقت مائة درهم عليهم وقال المضارب أنفقت مائتي درهم في مدة ينفق مثلها على مثلهم وقال رب المال ما انفقت عليهم شيأ فالقول قول المضارب وقد ذهب من المال مائة درهم كما لو ادعى انه أنفق بنفسه وهذا لان المال في يده وهو أمين فيما في يده من المال فلو ادعى الرجل على رب المال كان القول قوله فكذلك إذا ادعى الانفاق على أهله بأمر ولا يضمن الوكيل شيأ لانه كان أمينا فيما أمره به ولم يوجد منه سبب يوجب الضمان عليه فلهذا لا يصير ضامنا شيأ وكذلك كل وكيل يدفع
[ 104 ] إليه المال ويؤمر بالنفقة على شئ من الاشياء فهو جائز وهو مصدق في النفقة على ذلك بالمعروف لانه أمين أخبر بأداء الامانة بطريق محتمل قال وان وكل المضارب وكيلا ينفق على رقيق من المضاربة ولم يدفع إليه مالا فقال الوكيل انفقت عليه كذا وكذا وكذبه المضارب فان الوكيل لا يصدق لانه يدعي لنفسه دينا في ذمة المضارب فان المال لم يكن في يده ليكون أمينا فيما يخبر به من الانفاق ولكنه يزعم أنه أنفق من مال نفسه ليكون ذلك دينا في ذمة من أمره وهو غير مصدق في مثله ألا ببينة وكذلك لو وكله في مال نفسه ينفق على رقيقه فهذا والاول سواء قال وان وكل المضارب رجلا يشترى له متاعا بعينه من المضاربة ولم يدفع المال إليه فجاء رب المال واخذ المال وناقض المضاربة لا يمنع ابتداء التوكيل فلا يمنع بقاء التوكيل أيضا بالطريق الاولى وإذا بقيت الوكالة كان شراء وكيل المضارب كشراء الضارب بنفسه فانما ينفذ العقد على المضارب خاصة لان عقد المضاربة قد انفسخ باسترداد رب المال ماله قال ولو وكل المضارب عبدا من رقيق المضاربة ثم ان رب المال نهى المضارب عن البيع ونقض المضاربة ثم باعه الوكيل وهو لا يعلم أو يعلم فبيعه جائز لان المال بعد ما صار عروضا بملك رب المال فيه نهى المضارب عن التصرف فكان وجود النهى كعدمه وكذلك لو مات رب المال ثم باعه الوكيل أو وكله المضارب بعد موته فباعه لانه يملك مباشرة البيع بنفسه بعد موت رب المال فانه شريك في الربح والربح انما يظهر ببيع المشترى فكان تصرفه من وجه بنفسه فلهذا لا يمتنع بموت رب المال ولا ببيعه قال ولو وكله بشراء عبد بألف درهم من المضاربة ثم مات رب المال ثم اشترى العبد لزم المضارب خاصة لان عقد المضاربة انفسخ بموت رب المال حين كان المال نقدا حتى لا يملك المضارب بعد ذلك التصرف فيه فيكون هذا بمنزلة استرداد رب المال ماله وقد بينا أن هناك الوكالة تبقى ولكن الوكيل يصير مشتريا للمضارب خاصة فكذلك هنا قال وإذا اشترى أحد المتفاوضين عبدا فوجد به عيبا فوكل وكيلا في رده أو كان شريكه هو الذى يخاصم فيه لم يكن بد من ان يحضر الذى اشترى حتى يحلف ما رضى بالعيب وقد بينا فيما سبق أن القاضى لا يقضى بالرد الا بعد هذه اليمين ولا يمكن استحلاف الوكيل ولا الشريك إذا كان يخاصم بنفسه لان النيابة لا تجرى في اليمين وان كان الذى اشترى حاضرا يخاصم فطلب البائع يمين شريكه ما رضى بالعيب لم يكن له عليه يمين لان الاستحلاف ينبنى على توجه الخصومة ولا خصومة للبائع مع الشريك
[ 105 ] لانه لم يعامله بشئ وكذا ان وكل أحدهما وكيلا بالخصومة في عبد باعه وطعن المشترى فيه بعيب ورده لم يكن عل الوكيل فيه يمين لان الوكيل فيه نائب ولا نيابة في اليمين وان أراد المشترى ان يخاصم الشريك الآخر ويحلفه على علمه لان كل واحد من الشريكين في المفاوضة قائم مقام صاحبه فيما يدعى عليه فانهما في الحكم كشخص واحد ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم ولا يكون على البتات قال وإذا وكل أحد المتفاوضين وكيلا بشئ هو بينهما ثم نقضاها واقتسما واشهدا انه لا شركة بينهما ثم امضى الوكيل ما وكل به وهو يعلم أو لا يعلم جاز ذلك عليهما لان توكيل أحدهما في حال بقاء عقد المفاوضة كتوكيلهما فصار وكيلا من جهتهما جميعا فلا ينعزل بنقضهما الشركة بينهما قال وإذا وكل أحد شريكي العنان وكيلا ببيع شئ من شركتهما جاز عليه وعلى صاحبه استحسانا وكان ينبغى في القياس ان لا يجوز لان كل واحد من الشريكين وكيل من جهة صاحبه بالتصرف وليس للوكيل ان يوكل غيره إذا لم يأمره الموكل بذلك ولكنه استحسن فقال كل واحد من الشريكين في حق صاحبه بمنزلة وكيل فوض إليه الامر على العموم لان مقصودهما تحصيل الربح وذلك لا يحصل بتصرف واحد فصار مأذونا من جهة صاحبه بالتوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه كما بيناه في المضارب وهذا لان كل واحد منهما رضى بتصرف صاحبه فيما هو بصدده من التجارة والتوكيل من التجارة فلهذا نفذ من كل واحد منهما على صاحبه قال وان وكله ببيع أو شراء أو اجارة أو تقاضى دين ثم أخرجه الشريك الآخر من الوكالة فكان له أن يخرجه من الوكالة في جميع ذلك الا في تقاضى الدين خاصة لانه كما جعل توكيل أحدهما في التصرف بمنزلة توكيلهما فكذلك عزل أحدهما عن التصرف بمنزلة عزلهما إلا في تقاضى الدين فان سبب وجوب الدين هو الذى يختص بقبضه على وجه لا يملك شريكه نهيه عن ذلك فكذلك نهى وكيله * توضيحه أن الشريك الآخر لما جعل في هذا الدين بالقبض بمنزلة سائر الاجانب فكذلك في عزل الوكيل يجعل بمنرلة سائر الاجانب فلهذا لا يصح منه النهى قال وان كان الموكل هو الذى ادانه لم يصح اخراج هذا الآخر الوكيل من التقاضى لما بينا وان كان الذى ادانه هو الشريك الآخر فتوكيل الشريك بقبضه لا يصح لانه لا يملك مباشرة القبض بنفسه فكذلك لا يوكل به غيره والله أعلم بالصواب
[ 106 ] (باب مالا تجوز فيه الوكالة) (قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل وكيلا بطلب قصاص في نفس أو في فيما دون النفس لا يجوز فان وكله باقامة البينة على ذلك جاز التوكيل في قول أبى حنيفة رحمه الله عنه رضا الخصم أو مرضه أو غيبته وعند محمد رحمه الله على كل حال وعلى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز التوكيل بذلك وجه قوله أن الوكيل يقوم مقام الموكل في دعوى القصاص والقصاص لا يثبت بما يقوم مقام الغير كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وهذا لان هذه عقوبة تندرئ بالشبهات وفيما يقوم مقام الغير ضرب شبهة في العادة وهو انما يوكل ليحتال الوكيل لاثباته وفى القصاص انما يحتال لاسقاطه لا لاثباته (ألا ترى) ان التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز باعتبار انه يندرئ بالشبهات فكذلك باثباته وقد ذكر في بعض المواضع قول محمد رحمه الله كقول أبى يوسف رحمه الله وجه قول أبى حنيفة رحمه الله انه وكل بما يملك مباشرته بنفسه وإذا وقع الغلط أمكن التدارك والتلافي فصح التوكيل كما في الاموال بخلاف استيفاء القصاص فانه إذا وقع فيه الغلط لا يمكن التدارك والتلافى فاما اثبات القصاص فكاثبات سائر الحقوق من حيث انه إذا وقع فيه الغلط أمكن التدارك والتلافي وعلى هذا الخلاف إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلا بالخصومة في دفع ما يطالب به وكلام أبى حنيفة رحمه الله في هذا الفصل أظهر لان دفع القصاص جائز بمن يقوم مقام الغير (ألا ترى) ان الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال في العفو صحيحة ولكن هذا الوكيل لو اقر في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لم يصح اقراره استحسانا وفى القياس يصح لانه قام مقام الموكل بعد صحة التوكيل (ألا ترى) أن في سائر الحقوق جعل اقراره كاقرار الموكل وكذلك في القصاص وفى الاستحسان يقول اقرار الوكيل قائم مقام اقرار الموكل والقصاص لا يستوفى بحجة قائمة مقام غيرها * توضيحه انا حملنا التوكيل على الجواب لان جواب الخصم من الخصومة ولكن هذا نوع من المجاز فاما في الحقيقة فالاقرار ضد الخصومة فيصير ذلك شبهة فيما يندرئ بالشبهات دون ما يثبت مع الشبهات وكذلك في التوكيل باثبات حد القذف أو دفعه من جهة القاذف فأما التوكيل باثبات المال في السرقة فقد طلب بالاتفاق لان المقصود اثبات
[ 107 ] المال والمال يثبت مع الشبهات (ألا ترى) أن بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال تثبت فأما التوكيل باثبات الحد فهو على الخلاف الذي بينا قال وإذا قتل العبد عند المستودع أو عند المستعير فليس لهما أن يستوفيا القصاص وان وكلهما بذلك صاحبه لان من الجائز أن صاحب العبد عفى فلو استوفينا القصاص كان استيفاء مع تمكن الشبهة وذلك لا يجوز يدل عليه أن وجوب القصاص باعتبار الدم والمستودع والمستعير ليسا بخصمين في الدم وانما خصومتهما فيما يتناوله الايداع والاعارة وكذلك عبد من المضاربة أو عبدان شريكان شركة عنان أو مفاوضة قتل عمدا وأحدهما غائب فليس للحاضر أن يقتل قاتله وان وكله الغائب بذلك لتمكن شبهة العفو من رب المال أو من الشريك الغائب قال وإذا كان للرجل عبد في يدى رجل فقال الرجل انطلق فاشتر عبدى من فلان لنفسك فذهب فاشتراه ولم يكن رب العبد وكل البائع بالبيع فان هذا البيع يجوز ويكون أمره للمشترى بالشراء وكالة للبائع بالبيع وذكر بعد هذا انه لا يجوز وقيل انما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فالمراد هنا انه لما أتاه أخبره بما قال له المالك فيصير ذو اليد وكيلا لعلمه بوكالة المالك اياه ومراده بما ذكر بعد هذا أنه لم يخبره بذلك ولكنه قال له بع هذا العبد منى فلا يصير ذو اليد وكيلا ما لم يعلم بتوكيل المالك اياه وان حملنا المسألة على الروايتين فيما إذا لم يخبره فوجه الرواية التى قال لا يجوز البيع أن البائع لم يرض بالتزام العهدة حين لم يعلم بالوكالة (ألا ترى) انه لو وكله بالبيع مقصودا لا بحضرته لا يصير وكيلا ما لم يعلم به فكذلك إذا كان التوكيل ضمنا لامر المشترى بشرائه ووجه هذه الرواية أن رضا المالك قد تم بهذا العقد والمشترى انما أقدم على الشراء باعتبار تمام الرضا من المالك فلو لم ينفذ البيع صار مغرورا من جهة المالك ويلحقه الضرر فيه والضرر مدفوع في الشرع وما زاد على هذا البيان قد بيناه فيما أمليناه من شرح الزيادات قال وكذلك إذا قال اقبض دينى من فلان كان جائزا وليس للذى عليه الدين ان يمتنع من دفعه وهذا ظاهر فانه وكل القابض بالقبض هنا وقد علم القابض بوكالته ولا معتبر بعلم المديون بعد ان يثبت وكالته وكذلك لو وكله بقبض الوديعة والعارية وما أشبههما قال أرأيت لو قال للعبد انطلق إلى فلان حتى يكاتبك فكاتبه فلان أما كان يجوز أو قال انطلق إليه حتى يعتقك فاعتقه أما كان يعتق أو قال لامرأته انطلقي إليه حتى يطلقك وطلقها فلان أما يقع الطلاق عليها والفرق بين هذه الفصول وبين البيع على الرواية الاخرى ظاهر
[ 108 ] لان حقوق العقد لا تتعلق بالعاقد في هذا الموضع بخلاف البيع قال ولو أمر رجلا أن يطلق امرأته أو بعتق عبده ثم قال للمرأة والعبد قد نهيت فلانا عن ذلك فلم يعلم الوكيل بالنهي حتى طلق أو أعتق وقع وان علم بالنهي لم يقع وكذلك في الفصل الاول ان نهاهما بعد ذلك لا يعمل النهى في حق فلان ما لم يعلم به ولا فرق بين أن يثبت التوكيل بخطاب خاطب به الوكيل وبين أن يثبت ضمنا بخطاب خاطب به المرأة والعبد فانه بعد ما صار وكيلا لا ينعزل ما لم يعلم بالعزل قال وإذا قال الرجل لرجل اذهب بثوبي هذا إلى فلان حتى يبيعه أو اذهب إلى فلان حتى يبيعك ثوبي الذى عنده فهو جائز في الوجهين وهو اذن منه لفلان في بيع ذلك الثوب ان أعلمه المخاطب بما قاله المالك جاز بيعه رواية واحدة وان لم يعلمه ففيه روايتان وكذلك لو قال اذهب بهذا الثوب إلى القصار حتى يقصره أو إلى الخياط حتى يخيطه قميصا فهذا اذن منه للقصار والخياط في ذلك العمل حتى لا يصير ضامنا بعلمه بعد ذلك والله أعلم بالصواب (باب وكالة العبد المأذون والمكاتب) (قال رحمه الله) وكل ما جاز لهما ان يفعلاه جاز لهما أن يوكلا به من يفعله لان الحجر قد انفك عنهما فيما هو من عمل التجارة أو سبب اكتساب المال والتوكيل من هذه الجملة فيصح منهما وبعد صحة الوكالة فعل الوكيل كفعل الموكل بنفسه وكل ما يجوز للموكل أن يفعله جاز لوكيله أن يفعله قال وليس للعبد المأذون أن يتزوج ولا يكاتب عبده لان هذا من عقود التجارة وانفكاك الحجر في حقه مقصور على التجارة فإذا أذن له المولى في ذلك فوكل به وكيلا لم يجز لانه نائب عن المولى في هذا العقد بمنزلة الوكيل (ألا ترى) أنه يعمل بهبة عنه مع بقاء الاذن له في التجارة والوكيل لا يملك أن يوكل غيره بمباشرة ما وكل به فإذا حجره مولاه أو عجز المكاتب عن كتابته انقطعت وكالة وكيله في البيع والشراء ونحوهما لانه عجز عن مباشرة التصرف في نفسه وصحة التوكيل كانت باعتباره ولو وكله ابتداء بعد الحجر لم يجز فكذلك إذا طرأ الحجر على الوكالة لان المقصود بنفس التوكيل لا يحصل والطارئ قبل حصول المقصود بالسبب كالمقترن بأصل السبب فاما إذا كان التوكيل بقضاء الدين أو التقاضى لم يبطل ذلك التوكيل بالعجز ولا بالحجر على المأذون لانه في كل شئ ولاه العبد
[ 109 ] لا يسقط المطالبة عنه بالحجر عليه بل يبقى هو مطالبا بايفائه وله ولاية المطالبة باستيفاء ما وجب له لان وجوبه كان بعقده فإذا بقى حقه بقى وكيله على الوكالة فيه قال ولو وكله ابتداء بعد الحجر صح أيضا فان باعه باذن الغرماء أو مات بطلت وكالة الوكيل في جميع ذلك لانه حين خرج عن ملكه لم يبق له حق المطالبة بالاستيفاء ولا يبقى هو مطالبا بايفاء شئ في حالة الرق فتبطل وكالة الوكيل حكما بخروج الموكل من أن يكون مالكا لذلك التصرف قال وليس لمولى العبد أن يتقاضى دينه كان عليه دين أو لم يكن لانه ان كان عليه دين فكسبه حق غرمائه والمولى منه كسائر الاجانب ما لم يفرغ من الدين وان لم يكن عليه دين فوجوب المال بعقد العبد ولا يكون هو في هذا دون الوكيل وما وجب من الثمن بعقد الوكيل لا يملك الموكل المطالبة به فهنا أولى وكذلك ليس للمولى أن يوكل بذلك وكيلا لانه لا يملك المباشرة بنفسه فلا يوكل به غيره أيضا فان اقتضى هو شيأ أو وكيله جاز ان لم يكن على العبد دين لانه خالص حق المولى لو قبضه العبد سلمه إلى المولى فإذا قبضه المولى أو من وكله جاز كما في الموكل إذا قبض الثمن بتسليم المشترى إليه وإذا كان على العبد دين لم يجز لان حق الغرماء متعلق بكسبه فالمولى كأجنبي آخر (ألا ترى) أنه لو قبض شيأ من أعيان كسبه كان ضامنا بمنزلة أجنبي آخر فلهذا لا يبرأ الغريم بالدفع إليه والوديعة والبضاعة في هذا قياس الدين قال ولو أذن له المولى في التزويج فوكل العبد وكيلا بذلك فرجع المولى عن الاذن في التزويج فان علم به الوكيل خرج عن الوكالة وإذا لم يعلم به فهو على وكالته لان العبد في هذا التوكيل نائب عن المولى حتى لا يملك التوكيل الا باذن المولى فهذا الوكيل بمنزلة الوكيل من جهة المولى ثم نهيه العبد عن ان يتزوج عزل لوكيله لانه يظهر بهذا انه غير راض بعيب العبد بالنكاح وتعلق المهر والنفقة بماليته وفى هذا لا يفترق الحال بين عقد العبد وعقد الوكيل فعرفنا أنه بمنزلة العزل للوكيل قصدا فان علم به صار معزولا وان لم يعلم به لا يصير معزولا قال ولو وكل العبد بتقاضي دينه وكيلا ثم باعه المولى باذن الغرماء أو مات العبد خرج وكيله من الوكالة سواء علم به أو لم يعلم كان على العبد دين أو لم يكن لان العزل هنا ثبت حكما لخروج موكله من أن يكون مالكا لذلك التصرف وفى مثله لا يشترط علم الوكيل ولو لم يكن على العبد دين فالمولى يتقاضاه لان الحق تخلص له وان كان عليه دين نصب القاضى وكيلا بتقاضي الدين ليقضى به حق الغرماء لان الحق للغرماء ولكنهم عاجزون عن التقاضى
[ 110 ] بانفسهم فينصب القاضي عنهم وكيلا بمنزلة التركة إذا كان على الميت دين وله دين على انسان فاما إذا أعتق المولى العبد فالوكيل على وكالته لان حق العبد في المطالبة والقبض لا يبطل بعتقه بل يتقوى وكذلك لو كاتبه باذن الغرماء لان حق القبض إليه بعد الكتابة كما كان قبلها وإذا قال الوكيل قبضته قبل الحجر أو قبل موته لا يصدق لانه أخبر بما يملك استئنافه وقد صار الحق للمولى بعد الحجر إذا تحقق ذلك ببيعه فهو بهذه الدعوى يريد ابطال حق المولى فلم يكن مصدقا في ذلك قال ولو أن عبدا تاجرا له دين على رجل وله به كفيل فوكل رجلا بتقاضي دينه ليتقاضى دينه على فلان كان له أن يتقاضاه من الكفيل أيضا لانه أقامه مقام نفسه في المطالبة بذلك الدين وله أن يطالب الكفيل والاصل جيمعا وكذلك لمن قام مقامه وهذا الاصل معروف في كتاب الكفالة ان أصل الدين في ذمة الاصيل وانما يطالب الكفيل بما على الاصيل والوكيل صار مالكا المطالبة بالدين على الاصيل سواء طالب الكفيل أو الاصيل فانما طالب بذلك الدين قال ولو ادعى دارا في يدي رجل فوكل رجلا بالخصومة فيها وبقبضها فباعها ذو اليد وقبضها المشترى كان للوكيل أن يخاصم المشترى لان وكالته بالخصومة كانت مقيدة بالدار لا بالبائع ففى يد من وجدت الدار يكون له أن يخاصمه لانه انما يخاصم في العين التى وكله بالخصومة فيها قال ولو وكله بخصومة فلان في هذه الدار لم يكن له أن يخاصم المشترى لانه قيد الوكالة بخصومة البائع وهذا تقييد مفيد فقد يقاوم الانسان انسانا في الخصومة ولا يقاوم غيره وهو نظير ما لو وكله بأن يبيع عبده هذا كان له ان يبيعه ممن بينا وان قال له بعه من فلان لم يكن له أن يبيعه من غيره وهذا بخلاف ما إذا وكل ذو اليد وكيلا بالخصومة معروفا بين الناس فلما وكله بالخصومة مع ذى اليد مع علمه ان ذا اليد قد يوكل غيره بالخصومة فيه كان هذا رضا منه بالخصومة مع وكيله وهذا لان القضاء إذا توجه على الوكيل يكون على الموكل خاصة والوكيل نائب عنه فلهذا ملك ان يخاصم وكيله وهذا لا يوجد في حق المشترى لانه بالشراء يصير مالك فانما يخاصم عن نفسه ولا يكون نائبا عن البائع فلهذا فرقنا بينهما قال ولو وكله أن يخاصم فلانا في هذه الدار فإذا الدار في يدى غير فلان لم يكن له أن يخاصم غير فلان ولا فلانا لان الدار ليست في يديه والخصومة في دعوى الملك المطلق انما تكون مع ذى اليد والوكالة كانت مقيدة بالخصومة مع فلان فلا يملك ان يخاصم في هذه الوكالة غير فلان وان لم يسم له أحدا كان له أن يخاصم من وجد الدار في يده
[ 111 ] لان الوكالة هنا مقيدة بالخصومة في العين فإذا خاصم فيه ذا اليد فانما يخاصم في تلك العين فلهذا سمعت خصومته قال ولو كانت الدار في يدى العبد فوكل وكيلا بالخصومة فيها لفلان المدعى فادعاها آخر لم يكن الوكيل وكيلا في خصومة هذا الثاني وهو وكيل في خصومة الاول وخصومة وكيله لانه قيد الوكالة بالخصومة مع فلان فلهذا يملك ذلك قال وإذا وكل العبد التاجر وكيلا ببيع أو شراء أو رهن وغير ذلك فأخرج المولى الوكيل من الوكالة فليس ذلك بشئ وهو على وكالته ان كان على العبد دين أو لم يكن لانه حجر خاص في اذن عام وذلك باطل (ألا ترى) ان المولى بنفسه لو نهى العبد عن ذلك التصرف ولم يحجر عليه لا يعمل نهيه فكذلك إذا منع وكيله منه أو هذا بمنزلة النهى عن التوكيل وكما لا يملك نهيه عن تصرف آخر مع بقاء اذنه فكذلك لا يملك نهيه عن التوكيل لان ذلك من صنع التجار لا يملك اخراج وكيله قال ولو ان العبد وكل مولاه بشئ من ذلك كان جائزا كما لو وكل غير المولى به وليس للمولى بمطلق التوكيل ان يوكل به غيره ولكن لو وكل به غيره فباشره الوكيل فان لم يكن على العبد دين جاز لا بالتوكيل السابق من العبد ولكن ما تصرف فيه خالص ملك المولى لان المولى لو باشره بنفسه صح وان لم يسبق التوكيل من العبد فكذلك إذا وكل به غيره وان كان عليه دين لم يجز لانه لا يملك مباشرة هذا التصرف بنفسه إذا لم يسبق التوكيل من العبد فان كسبه حق غرمائه والوكيل لا يملك ان يوكل غيره قال وإذا وكل العبد وكيلا بخصومة في شئ له ثم حجره مولاه بطلت وكالة الوكيل لما بينا فان أذن له في التجارة لم يكن الوكيل وكيلا في ذلك وكذلك البيع والشراء وما أشبههما لان هذا اذن حادث غير الاول ووكالته كانت بحكم الاذن الاول فان لم يعد ذلك لم يعد هذا (ألا ترى) انه لو كان تصرف بنفسه قبل الاذن لا ينفذ بالاذن الحادث فكذلك إذا كان الوكيل في الاول لا يملك التصرف به في الاذن الثاني قال ولو كان العبد التاجر بين رجلين وكل وكيلا بشئ من ذلك ثم حجر عليه أحدهما وعلم به الوكيل كان على وكالته ويجوز ما صنع في حصة الذى لم يحجر عليه لانهما لو حجرا عليه لم يجز تصرف الوكيل في حقهما بعد ذلك فكذلك إذا حجر عليه احدهما جعلا في حقه كأنهما حجرا عليه وفى حق الآخر كانه لم يحجر عليه واحد منهما ولان في الابتداء لو كان اذن له أحدهما جاز توكيله بالتصرف في حصة الذى اذن له فكذلك يبقى الوكيل باعتبار بقائه مأذونا له في نفسه فاما في تقاضى الدين فيجوز قبضه في نصيبهما جميعا
[ 112 ] لانهما لو حجرا عليه لم يؤثر الحجر في منع الوكيل من قبض الدين بالتقاضى وكذلك إذا حجر عليه أحدهما قال وإذا وكل العبد مولييه ببيع شئ أو شرائه ثم حجرا عليه ثم اذنا له في التجارة وعليه دين ثم باعا ما كان وكلهما ببيعه لم يجز ذلك إلا بوكالة مستقلة لان الموليين في هذه لوكالة كغيرهما من الاجانب فان كسب العبد إذا كان مشغولا بالدين لا يملك المولى التصرف فيه إلا بتوكيل وقد بينا أن الوكالة في الاذن الاول لا تكون سببا لنفوذ تصرفه في الاذن الثاني في حق الاجانب فكذلك في حق المولى قال وليس للعبد ان يوكل وكيلا بخصومة أحد يدعى رقبته أو يدعى جراحة جرحها اياه العبد أو جرح هو العبد ولا بالصلح في ذلك لانه ليس بخصم في هذه الاشياء بنفسه بل الخصم فيها مولاه وانما يملك التوكيل بالخصومة فيما يملك مباشرة الخصومة فيه بنفسه فاما فيما لا يملكه بنفسه فلا يملك انابة الوكيل فيه مناب نفسه وله أن يوكل بذلك في خصومة آخر جنى على عبده من كسبه أو جنى عبده عليه أو يدعى رقبته لانه في كسبه خصم يملك مباشرة الخصومة بنفسه فيملك ان يوكل غيره به قال وإذا أذن الموليان للعبد في التجارة فوكل وكيلا بشراء أو غيره فباعه أحدهما من آخر فأذن له المشترى في التجارة فانه ينبغى في القياس ان تكون الوكالة جائزة في النصف الذى لم يبع لان الحجر قد ثبت منه في نصيب من باع نصيبه وانما صار مأذونا باذن حادث بعد ذلك ولو ثبت الحجر في الكل بطلت الوكالة ثم لا يعود بعد ذلك بسبب الاذن الحادث فكذلك إذا ثبت الحجر في النصف اعتبارا للبعض بالكل ولكن في الاستحسان الوكالة جائزة في جميع ذلك لان بيع النصف لم يصر العبد محجورا عليه (ألا ترى) أن ابتداء التوكيل يصح منه بعد بيع البعض فلان يبقى أولى وهذا لان الحق بهذا الشراء انما خلص لمن هو راض بتصرف العبد أو خلص الحق لمن هو وكيل وخلوص الحق له لا يجوز أن يكون مبطلا لحقه فلهذا بقى الوكيل على وكالته في الكل قال وإذا كانت الامة مؤجرة وعليها دين فاذن لها مولاها بالتزويج فهو جائز لان المولى لو زوجها بغير اذن الغرماء جاز فان فيه منفعة للغرماء لانها تتمكن من قضاء ديونها من مهرها والزوج يعينها على الاكتساب لتقضي به ديونهم فكذلك إذا زوجت نفسها باذن المولى ولو وكلت وكيلا بذلك فان زوجها وكيلها وهى حاضرة جاز وان زوجها وهى غائبة لم يجز الا أن يخبره بعد ذلك لانها بمنزلة الوكيل للمولى والوكيل ليس له أن يوكل غيره بما وكل به ليعقد الا بحضرته فإذا كانت
[ 113 ] حاضرة كانت مباشرة وكيلها كمباشرتها وان كانت غائبة لم يتم عقد الوكيل الا برأيهما وانما يحصل رأيها بالاجازة قال وإذا وكل العبد المحجور عليه وكيلا بشراء شئ ثم أعتق أو كوتب أو أذن له المولى في التجارة فاشترى ذلك ففى القياس لا يصير مشتريا للعبد لان سبق ثبوت حق التصرف للعبد فكان باطلا بمنزلة سائر تصرفاته والعتق والكتابة والاذن بعد ذلك مقصور على الحال ولا يستند إلى وقت التوكيل باطلا فكان الوكيل مشتريا لنفسه ولكن في لاستحسان تجوز هذه التصرفات على العبد لان التوكيل غير مقصود لعينه لما نفذه من التصرفات ووقت التصرف الآمر أهل أن يباشره بنفسه فيجوز مباشرة وكيله له إما لانه لا ضرر على المولى في مباشرة تصحيح الوكالة أو لان الاستدامة بعد العتق والكتابة والاذن بمنزلة إنشاء التوكيل وفرق بين هذا وبين الصبى يوكل بالبيع أو بالشراء ثم يدرك أو يأذن له أبوه فيه فيمضيه الوكيل عليه فانه لا يجوز الا أن يجيزه الصبى فيما يحتمل التوقيت لان توكيله قبل الاذن غير معتبر في حق نفسه فانه محجور عن التصرف لحق لنفسه والاذن والادراك لا يستند حكمه الي وقت التوكيل فاما توكيل العبد في نفسه فصحيح لكونه أهلا لذلك والحجر عليه عن التصرف لحق المولي فإذا سقط حق المولى بالكتابة والعتق والاذن نفذ تصرف الوكيل عليه * توضيحه ان امتناع توكيل الصبى كان لمعنى لا يزول ذلك المعنى بالاذن ولا بالادراك لان التوكيل نفع له في الحالين فإذا كان قبل الاذن والادراك لم يجز تصرفه له بحكم الوكالة فكذلك بعده وأما امتناع نفوذ تصرف وكيل العبد في حق العتق والكتابة والاذن كان لمعنى يزول ذلك بهذه الاسباب وذلك المعنى هو أن حكم تصرف الوكيل يلاقى حق المولى وذلك يزول بهذه الاسباب فيجعل استدامة الوكالة كانشائها بعد هذه الاسباب قال ولو وكل العبد وكيلا أن يكاتب مولاه عليه في عمل لم يكن على الوكيل من المال شئ وان ضمنه ولو وكله أن يشترى له نفسه من مولاه فاشتراه وبينه لمولاه عتق والمال على الوكيل وهذا موافق لرواية الجامع وقد ذكر هذا الفصل فيما سبق وأجاب بخلاف هذا وقد بينا وجه الروايتين ثم على ما ذكر هنا وفى الجامع الفرق بين الكتابة والعتق أن يقول هو لا يوجب للعبد مالا بعقد الكتابة وانما يوجب له ملك اليد والمكاسب فلم يكن هذا التصرف في حق وكيل العبد بمنزلة مبادلة مال بمال فلهذا لا يجب على الوكيل شئ من ذلك المال فاما في العتق فلان المولى يزيل عن ملكه ما هو مال بازاء مال يستوجبه على العبد فكان هذا في حق وكيل العبد
[ 114 ] بمنزلة مبادلة مال بمال ثم في باب الكتابة وان ضمن الوكيل البدل لا يكون مطالبا به لانه بمباشرة العقد لا تتوجه عليه المطالبة ببدل الكتابة فلو لزمه انما يلزمه بحكم الكفالة ببدل الكتابة وهو لا يصح كما لو كفل به غيره وفى العتق بمال إذا أداه وكيل العبد غرمه نائبه إذا كان المال في يده قبل العتق لان ذلك المال ملك المولي فلا يسقط به ما وجب له على الوكيل بالعقد ولكنه يطالب الوكيل ليؤديه من مال نفسه ثم رجع به على العبد لانه التزمه بأمره فحصل مقصوده له وان كان الوكيل وكيل المولى لم يكن له أن يقبض المال من العبد وقد بينا الفرق بين وكيل المولى ووكيل العبد أن الذى من جانب المولى اعتاق والمعتق هو المولى دون الوكيل حتى كان الولاء له فلا يكون الوكيل في حكم المستحق للبدل فأما في جانب العبد فهو التزام المال ويمكن أن يجعل الوكيل ملتزما المال قال وإذا وكل العبد وكيلا في خصومة أو بيع أو شراء ثم أبق العبد خرج الوكيل من الوكالة لان الاباق من المأذون حجر عليه وبالحجر يخرج العبد من أن يكون مالكا لما وكل الوكيل به فيكون ذلك موجبا عزل الوكيل كما لو حجر عليه المولى وان كان الوكيل عبدا فابق فهو على الوكالة غير انه لا يلزمه عهدة في شئ لان صيرورته محجورا عليه لا تبقى صحة التوكيل في الابتداء وانما تبقى لزوم العهدة فكذلك إذا صار محجورا عليه بعد التوكيل وعزل المطالب يبطل وكالة وكيله في العقود والخصومات الا في تقاضى الدين الذى ولاه المكاتب أو قضائه لان عجزه يوجب الحجر عليه عن أسباب التصرفات فيخرج وكيله من الوكالة ولا يوجب الحجر عليه عن قضاء الدين واقتضائه فكذلك لا يوجب عزل وكيله عن ذلك فان كوتب بعد ذلك لم تعد الوكالة التى بطلت لان صحتها كانت باعتبار ملك المولى التصرف عند التوكيل وقد زال ذلك بعد العجز ولم يعد بالكتابة الثانية وقد بينا نظيره في الاذن بالتجارة فكذلك في الكتابة وهذا بخلاف المحجور عليه يوكل وكيلا ثم يكاتب أو يأذن له على طريقة الاستحسان لان صحة التوكيل هناك لم تكن باعتبار ملك التصرف الذى هو نائب للآمر وقت الوكالة وانما ذلك باعتبار ما يحدث له عند التصرف باعتبار الكتابة أو الاذن وقد وجد ذلك وهذا نظير رجل تحته أربع نسوة فوكل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه بعد ما فارق احداهن جاز ذلك ولو كان تزوج أربعا بعد الوكالة ثم فارق احداهن لم يكن للوكيل ان يزوجه بحكم تلك الوكالة والفرق ما ذكرنا قال وتوكيل المكاتب وكيلا بالخصومة في جناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيما يدعي قبله أو قبل عبده جائز
[ 115 ] لانه هو الخصم في ذلك كله وان موجب جنايته في كسبه فيلزمه الاقل من قيمته ومن أرش الجناية فلهذا صح توكيله به بخلاف المأذون فانه ليس بخصم في جناية نفسه لان موجبه على مولاه لا في كسبه فلا يصح توكيله بالخصومة في الخصومة وتوكيل المكاتب بمخاصمة المولى في الكتابة أو غيرها جائزة لانه مالك للخصومة بنفسه معه فيجوز توكيله به كما في الخصومة مع غيره قال عبد بين رجلين كاتبه أحدهما في نصيبه بغير اذن شريكه فوكل المكاتب ببيع أو شراء أو خصومة فهو جائز في نصيب الذى كاتبه لان كتابته في نفسه صحيحة ما لم يفسخ شريكه ذلك ولو كان مكان الكتابة اذنا منه للعبد في نصيبه جاز توكيله باعتبار ذلك في نصيب الآذن فلان يجوز بعد الكتابة كان ذلك بطريق الاولى فان كاتبه الآخر بعد ذلك جاز فعل الوكيل في نصيبهما استحسانا أما في نصيب المكاتب الاول فلا اشكال فيه وأما في نصيب المكاتب الثاني فلانه لو كان محجورا عليه حين وكل ثم كاتبه مولاه جاز تصرف المولى استحسانا فكذلك هنا لان أكثر ما في الباب ان يكون نصيبه كعبد على حدة ولو كان مكاتبا لهما فوكل وكيلا بشئ من ذلك ثم عجز عن نصيب أحدهما ففعل ذلك الوكيل فعلا جاز في نصيبهما جميعا وكان ينبغى ان لا يجوز في نصيب الذى عجز بمنزلة ما لو عجز في نصيبهما ولكنه قال مساعدة كل واحد منهما صاحبه على الكتابة تكون اذنا منه له في كتابة نصيبه ولهذا لا يملك فسخه في نصيب شريكه بعد ذلك فلما عجز عن نصيب أحدهما بقيت الكتابة في نصيب الآخر باذن الشريك فهو بمنزلة عبد بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه باذن صاحبه ثم وكل العبد بشئ من أنواع التجارات فيكون ذلك صحيحا من الوكيل في جميع ذلك كما يصح في المكاتب نفسه فان قيل هذا لا يشبه ذلك لان هناك اذنه لشريكه من الوكيل في ان يكاتب نصيبه يتضمن الاذن للعبد في التجارة في نصيب نفسه وهنا بعد العجز لا يبقى نصيبه مأذونا فينبغي ان لا ينفذ تصرف الوكيل ولا تصرف العبد في نصيبه قلنا ليس كذلك بل من ضرورة بقاء الكتابة لازمة في نصيب الشريك كون نصيبه مأذونا وليس من ضرورة فسخ الكتابة في نصيبه الحجر عليه عن التصرفات لا محالة فيبقي نصيبه مأذونا كما كان في الابتداء لو أذن له ان يكاتب نصيبه قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بقبض هبة له فقبضها الوكيل بعد عجز المكاتب أو بعد عتقه جاز لان عجز الموكل لا يمنع صحة التوكيل بقبض الهبة كما لا يمنع صحة مباشرته بنفسه فكذلك لا يمنع بقاء الوكالة فان قبضها بعد موته لم يجز لان موته يخرجه من أن يكون أهلا
[ 116 ] للقبض بحكم الهبة ويكون مبطلا لعقد الهبة فيوجب اخراج الوكيل من الوكالة أيضا قال ولو كان المكاتب بين رجلين فوكله أحدهما بقبض دين له على آخر أو على غيره أو ببيع أو شراء من الآخر أو من غيره فهو جائز لانه ما بقى عقد الكتابة فكل واحد من الموليين ينزل منزلة أجنبي آخر وكذلك ان وكله أحدهما ببيع عبد من الآخر أو من غيره أو بالخصومة مع الآخر أو غيره فهو جائز للمعنى الذى قلنا وكذلك لو كانت الخصومة بينه وبين مولييه جميعا فوكل ابن أحدهما بذلك أو عبده أو مكاتبه أو وكله بالبيع أو الشراء فهو جائز كما يجوز مع سائر الاجانب لانه ملك الخصومة معه بنفسه فيجوز ان يستعين في ذلك بابن الخصم أو بعبده أو مكاتبه ليكون نائبا عنه في هذه الخصومة قال ولو وكل هذا المكاتب وكيلا بدفع نصيب أحدهما إليه وغاب لم يكن للآخر ان يأخذ من الوكيل شيئا لانه في نصيبه ليس بوكيل من جهته في الدفع فلا يكون له أن يطالبه بشئ كما لا يطالبه به قبل التوكيل وكذلك لو كان وكل وكيلا بقضاء دين عليه ودفع المال إليه فأراد مولياه أو غيرهما ان يقبضوا ذلك من الوكيل لم يكن لهم ذلك لان التوكيل كان مقيدا بالدفع إلى صاحب ذلك الدين ففى الموليين أو غريم آخر يكون الحال بعد التوكيل كالحال قبله (ألا ترى) ان مطالب المكاتب بنفسه لو قضى دين هذا الرجل لم يكن للموليين على ما قبضه سبيل فكذلك إذا دفعه إلى رجل ليقضي به دينه قال وإذا أمر المكاتب رجلا أن يشترى له عبد فلان من فلان فاشتراه الوكيل من فلان أو من وكيله أو من رجل اشتراه منه فهو جائز لان مقصوده سلامة العبد له وقد قيد الوكالة بذلك العبد وهو مشتر لذلك العبد ممن اشتراه فحصل مقصوده فنفذ تصرفه عليه قال ولو أمر رجلا ان يبيع عبدا له من فلان فباعه من غيره وليس بوكيله لم يجز لانه قيد الوكالة بالبيع من فلان وله في ذلك غرض لا يحصل ذلك الغرض بالبيع من غيره اما لان الناس يتفاوتون في الملاءة والمماطلة في قضاء الدين أو لانه أراد أن يؤثره على نفسه بذلك العبد لعلمه انه يتمكن من الاسترداد منه بالاقالة أو الشراء المبتدإ الذى أراد ذلك ولا يتمكن منه إذا باعه من غيره ولم يبين أنه إذا باع من وكيل فلان يجوز أم لا وعلى قضية الطريقة الاولى لا يجوز لان المطالبة بالثمن تكون على الوكيل دون الموكل وعلى الطريقة الثانية يجوز لان الملك في العبد انما يحصل بشراء الوكيل للموكل وهذا هو الاصح قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بتقاضي دين له على رجل ثم عجز المكاتب ورد في الرق فقال قد قبضت ما عليك غيرها فهو مصدق في ذلك أيضا
[ 117 ] لانه في الدين الواجب بعقده بمنزلة الحر فكما ان اقرار الحر ببيان مقدار الدين صحيح فكذلك اقرار المكاتب به بعد عجزه عن اداء الكتابة أو قبله واقرار وكيله انما يصح بما فوضه الموكل إليه وهو القبض والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في النكاح) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بان يزوجه امرأة بعينها فزوجها اياه باكثر من مهر مثلها جاز في قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله أن المطلق يجرى على اطلاقه حتى يقوم دليل التقييد وعندهما لا يلزمه النكاح إذا زاد أكثر مما يتغابن الناس فيه لان التقييد عندهما يثبت بدليل العرف وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين الوكيل بالشراء فان هناك إذا زاد يصير مشتريا لنفسه لانه لم يضف أصل العقد إلى الموكل وانما أضافه إلى نفسه فتتمكن التهمة في تصرفه من حيث انه قصد الشراء لنفسه ولما علم بغلاء الثمن حوله إلى الآمر وفى النكاح يضيف العقد إلى الموكل فلا تتمكن فيه التهمة ولو أضاف العقد إلى نفسه بأن تزوجها كانت امرأته دون الموكل بخلاف الشراء فان هناك يجوز أن يثبت حكم العقد لغير من يضاف إليه العقد ولا يجوز مثله في النكاح بل يثبت الملك لمن يضاف إليه العقد (ألا ترى) أن ملك اليمين يثبت للمولى بسبب مضاف إلى عبده ولا يثبت ملك النكاح بمثله قال ولو وكله أن يزوجه امرأة ولم يسمها فزوجها اياه وليست بكفؤ له فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله هو جائز لاطلاق التوكيل وعندهما في القياس يجوز أيضا لان التقييد بدليل العرف والعرف مشترك هنا فقد يتزوج الرجل من ليست بكفؤ له لان الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء فان نسب الاولاد إلى الآباء فيبقى مطلق التوكيل عند تعارض دليل العرف ولكنهما استحسنا فقالا لا يجوز لان المرء مندوب شرعا أن يتزوج من يكافئه دون من لا يكافئه قال صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم الاكفاء والغالب أن مراده بهذا التوكيل نكاح من يكافئه لانه غير عاجز بنفسه عن التزوج إذا كان يرضى بمن لا يكافئه قال أرأيت لو كان الموكل من قريش فزوجه الوكيل أمة أو نصرانية أو حبشية أو كتابية أنجيزه عليه أم لا قال وبهذا الاستشهاد أشار إلى الخليفة قال ولو وكله أن يزوجه أمرأة بعينها فزوجها اياها على عبد للزوج فانه لا يجوز أن يمهرها العبد الا أن يسلمه الزوج لانه ما سلطه على ازالة الملك عن عين العبد إذ
[ 118 ] ليس من ضرورة ما أمره به زوال ملكه عن شئ من أعيان ماله ثم في القياس لا يجوز النكاح لانه خالف حين سمى ما لم يأمره بتسمية فكأنه أمره بالتزويج فعقد بألفين ولكنه استحسن فقال يجوز النكاح لانه لم يخالف ما أمره به نصا فانه كما لم يؤمر بتسمية العبد صداقا لم ينه عن ذلك ولكن امتنعت صحة التسمية في حق العبد لما قلنا وذلك لا يمنع جواز أصل النكاح كمن تزوج امرأة على عبد للغير يصح النكاح ولها قيمة العبد ان لم يرض صاحب العبد وهذا مثله بخلاف الالفين حيث خالف هناك ما أمره به نصا قال وان زوجه على وصف بغير عينه جاز لان هذه التسمية باعتبار مالية الوصف ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول ووجوب المال على الزوج من ضرورة ما أمر به الوكيل وهو النكاح قال الله تعالى أن تبتغوا بأموالكم ولان فيه تحصيل ملك النكاح للزوج من غير زوال شئ من أعيان ماله من ملكه ثم هذا عند أبى حنيفة رحمه الله لا يشكل وعندهما كذلك فان التوكيل عندهما يتقيد بالنقد بدليل العرف والعرف في الصداق مشترك فيصح تسمية النقد وغير النقد حتى إذا زوجه على بيت وخادم أو على عشرة أكرار حنطة موصوفة أو غير موصوفة فذلك جائز كما لو باشره الموكل بنفسه وكذلك لو زوجه على جراحة جرحها الزوج ولها ارش جاز لان الواجب من الارش دراهم أو دنانير فتسمية ذلك كتسمية الدراهم ثم يصير قصاصا بارش الجراحة قال ولو وكله ببيع عبده فزوجه امرأة على رقبته لم يجز لانه باشر عقدا غير ما أمر به بعقد يكون العبد معتوقا عليه مقصودا حتى لا ينقضى العبد بهلاكه وقد أتى بعقد يكون المقصود فيه ملك البضع دون العبد حتى لا ينقضى العقد بهلاكه قبل التسليم ولان البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال ولان تقابل العبد في النكاح ليس بمال وعلى هذا لو صالح به عن جراحة فيها قصاص أو استأجر به له دارا لم يجز لما قلنا قال وان وكله أن يزوجه امرأة لم يسمها فزوجه ابنته لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله الا أن يرضى الزوج وعندهما يجوز إذا كانت كبيرة ورضيت بذلك للاصل الذى قلنا ان بمطلق التوكيل عند أبى حنيفة رحمه الله لا يملك التصرف مع ولده للتهمة فالتهمة دليل تقييد المطلق وعندهما يملك ذلك ولو كان الولد صغيرا لم يجز ذلك بالاتفاق لانه هو الموجب والقابل فكان ذلك بمنزلة عقده مع نفسه وبمطلق التوكيل لا يملك العقد مع نفسه وان زوجه اخته جاز لانه غير متهم في حقها قال ولو زوجه امرأة عمياء أو معتوهة أو رتقاء أو ذمية أو مفلوجة جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهذا على أصل أبى حنيفة رحمه
[ 119 ] الله غير مشكل لانه في التوكيل سمى المرأة مطلقا وانما الاشكال على قولهما وقد بينا مثله في الشراء أنه لا يجوز عندهما وكذلك في النكاح ولكنهما قالا النكاح لا يختل بهذه العيوب وانما تختل صفة المالية ولهذا يثبت له بالشراء حق الرد بهذه العيوب ولا يثبت في النكاح فلهذا صح من الوكالة ولان هناك لو لم نجوز العقد على الآمر جعلنا الوكيل مشتريا لنفسه شراء صحيحا وهنا لو لم نجز على الآمر بطل أصل العقد فلا يمكن اثبات هذا الحكم بالقياس على ذلك قال ولو أمر رجلا أن يزوجه امرأة من قبيلة أو من بلدة فزوجه امرأة من قبيلة أخرى أو من بلدة أخرى لم يجز لتقييد الوكالة بما سمى ومباشرة الوكيل بخلاف ما سمى قال ولو وكله أن يزوجه امرأة وجعلها الوكيل طالقا ان أخرجها الزوج من الكوفة فالنكاح جائز والشرط باطل لانه امتثل أمره ثم تصرف تصرفا لم يأمره به وهو تعليق طلاقها بالاخراج ولئن جعل هذا شرط في النكاح فهو شرط باطل من الوكيل والشرط لا يهدم النكاح كما لو تزوج بنفسه وشرط شرطا باطلا وكذلك لو شرط لها الوكيل أن لا يخرجها من الكوفة جاز النكاح وبطل الشرط كما لو تزوجها الموكل بنفسه بهذا الشرط الا ان حطت من مهر مثلها لان رضاها بالنقصان لمنفعة مشروطة فإذا لم يقبل كان لها مهر مثلها ولو قال زوجنى فلانة على مائة درهم فان أبت فاعطها ما بين مائة ومائتين فأبت المائة فزوجها اياه على مائتين فذلك لازم للزوج لان الوكالة لا يتعلق بها اللزوم والغاية تدخل في مثله بالاتفاق كما في الاباحات إذا قال خذ من مالى من درهم إلى مائة فله ان يأخذ المائة قال وان وكله أن يزوجه امرأة على بيت وخادم ففعل وقال الزوج عنيت أرضا ميتة لم يصدق لان مطلق التسمية في عقود المعاوضات ينصرف إلى المتعارف والمتعارف من تسمية البيت في الصداق متاع البيت وان زوجها الوكيل على بيت من داره فقال الزوج عنيت أثاث البيت فالقول قوله لانه هو المتعارف وقد سمى الوكيل غير ما أمر به نصا فلا يجوز النكاح بينهما أصلا قال وان أرسل رجل رجلا يخطب عليه امرأة بعينها فذهب الرسول وزوجها اياه فهو جائز لانه أمر الرسول بالخطبة وتمام الخطبة بالعقد وقد بينا أن المأمور بالشئ مأمور باتمام ذلك الشئ والعاقد في باب النكاح سفير ومعبر كالرسول ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجها اياه على خمر أو خنزير أو على غير مهر أو على حكمها فالنكاح جائز لانه لم يخالف ما أمره به نصا وانما فسدت التسمية شرعا وذلك لا يمنع صحة النكاح كما لو تزوجها الموكل بنفسه وان زوجها اياه على دار رجل أو على عبده جاز النكاح ولها قيمة ذلك
[ 120 ] لانه غير مخالف لما أمره به نصا ولكن صاحبه استحق عين ملكه فيكون لها قيمته صداقا على الزوج كما لو زوجها بنفسه قال وان زوجه امرأة معتدة أو لها زوج قد دخل بها الزوج ولم يعلم بذلك فرق بينهما وعليه الاول من مهر المثل ومما سمى لها لان الدخول حصل باعتبار صورة العقد فسقط به الحد ويجب الاقل من المسمى ومن مهر المثل وهو الحكم في النكاح الفاسد ولا ضمان على الوكيل في ذلك لان ما لزم الزوج انما لزمه بفعله وهو الدخول لا بعقد الوكيل فان العقد الباطل لا يوجب شيئا ولا كذلك ان كاتب أم امرأة الزوج والوكيل يعلم بذلك أو لا يعلم لما بينا ان ما يلحق الزوج من الاقل من مهر المثل ومما سمى للوطوءة من فساد نكاح امرأته وغير ذلك وكان كل ذلك باعتبار فعل الزوج لا بعقد الوكيل فلا يرجع على الوكيل بشئ قال وإذا وكله أن يزوجه امرأة بعينها على ألف درهم فزوجها اياه بألف درهم وكرامتها فان كان مهر مثلها أكثر من الالف لم نر النكاح لانه لو جاز النكاح كان لها تمام مهر مثلها كما لو باشره الموكل بنفسه فهذا في معنى تسمية الزيادة على الالف لها فيكون مخالفا لما سمى له نصا ويستوى ان ضمن الوكيل الكرامة أو لم يضمن لها لانه لو سمى لها الزيادة قدرا معلوما ضمنها من مال نفسه لم يجز النكاح فهنا أولى وكذلك ان شرط مع ذلك طلاق امرأة أخري ففى هذا الشرط منفعة لها فهو قياس ما لو شرط كرامتها قال ولو وكله أن يزوجه أمرة فزوجه حرة لم يجز لانه خالف المأمور نصا وفى هذا التقييد منعفة للزوج وهو ان لا يؤوي الحرة التى تحته في القسم وكذلك مؤنة الامة دون مؤنة الحرة وان زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز لان هؤلاء في حكم النكاح كالامة الا أنه يصير محصنا بالدخول بهن بالنكاح كما في الامة قال وان وكله أن يزوجه امرأة فزوجه صغيرة لا يجامع مثلها فهو جائز لان اسم المرأة اسم جنس يتناول الصغير والكبير وملك النكاح يثبت على الصغيرة حسبما يثبت على الكبيرة وانما كان مقصود المجامعة متأخرا لصغرها ولو كان فائتا بأن كانت رتقاء أو قرناء لم يكن الوكيل به مخالفا فهنا أولي قال وان وكله أن يزوجه امرأة بعينها على ألف درهم ومهر مثلها الفان فزوجها الوكيل بألف وشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من الكوفة لم يجز النكاح لانه لو جاز كان لها كمال مهر مثلها باعتبار ما سمى لها إذا لم يف الزوج بالشرط والوفاء بهذا الشرط لا يلزمه كما لو التزمه بنفسه وكان هذا في معنى تزويجه اياه باكثر مما سمى له قال ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة قد حلف الزوج بطلاقها أو لا يتزوجها أو كان آلى منها أو
[ 121 ] ظاهرها أو كانت في عدة منه والنكاح جائز لانه أطلق اسم المرأة في التوكيل وذلك يتناولها كما يتناول غيرها قال ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقد لم يلزم الزوج واحدة منهما وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أو لا يلزمه واحدة منهما يختار أيتهما شاء ثم رجع إلى قولهما * وجه قوله الاول انه في العقد على احداهما ممتثل أمر الزوج فينفذ عليه ذلك إذ لا يبعد أن يكون ملك النكاح له في امرأة يعبر عنها ويتعين باختياره كما لو طلق احدى امرأتيه بغير عينها ثلاثا * وجه قوله الاخر أن عقد النكاح عقد تمليك فلا يملك اثباته في المجهول ابتداء لانه انما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالخطر فان الثابت في غير المعنى في الحكم كالمتعلق به لخطر البيان ولا يمكن اثباته في احداهما بعينها لانه ليست احداهما بأولى من الاخرى ولا فيهما لان الموكل لم يرض بنكاح امرأتين ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فزوجه تلك وأخرى معها لزمته تلك دون الاخرى لانه في ملك المرأة ممتثل أمره فحصل مقصوده فان حكم النكاح لا يختلف بضم الاخرى إليها قال ولو وكله ان يزوجه امرأة فاختلف الزوج والوكيل فقال الزوج زوجتني هذه وقال الوكيل لا بل زوجتك هذه فالقول قول الزوج إذا صدقته المرأة لان الوكيل في النكاح معبر والزوج انما يتملك عليها لا على الوكيل وقد تصادقا على النكاح فيثبت بتصادقهما ولا قول للوكيل في ذلك قال ولو وكله أن يزوجه فلانة أو فلانة فايتهما زوجه جاز لان التوكيل مبنى على التوسع فهذا القيد من الجهالة لا يمنع صحته وان زوجهما جميعا منه لم يجز نكاح واحدة منهما لانه مأمور بنكاح احداهما بغير عينها فلا يمكن تصحيح نكاحهما للزوج ولا نكاح احداهما بعينها إذ ليست احداهما بأولى من الاخرى ولا احداهما بغير عينها لان النكاح في المجهول لا يثبت ابتداء قال ولو وكل رجلا أن يزوجه امرأة ووكل آخر بمثل ذلك فزوجه كل واحد منهما امرأة وإذا هما اختان جاز نكاح الاولى منهما لانه ممتثل أمره ولم يجز نكاح الثانية لا لانه مخالف ولكن لان الموكل لو فعله بنفسه لا يجوز لانه يصير به جامعا بين الاختين وان وقع النكاحان معا فالنكاح باطل لان الجمع بين الاختين حرام وقد حصل بهما معا وليس تصحيح نكاح احداهما بأولى من الاخرى كما لو تزوجهما الموكل بنفسه في عقدة واحدة وكذلك لو وكل خمسة رهط أن يزوجه كل واحد منهم امرأة فالجمع بين ما زاد على الاربع بالنكاح حرام كالجمع بين الاختين فكان هذا مثل الاول قال ولو زوج رجل رجلا من غير وكالة أختين في عقدتين أو خمس نسوة في
[ 122 ] عقد متفرقة كان له أن يختار احدى الاختين أو أي أربع شاء من الخمس لان العقود كلها تتوقف على اجازته فان الجمع بين نكاح الاختين لا يكون نافذا بل موقوفا والعقد الموقوف لا يوجب الحل ولا يثبت الفراش فلا يكون من ضرورة توقف العقد الاول امتناع توقف الثاني ولا من ضرورة توقف العقد الثاني بطلان الاول فإذا توقف الكل كان له أن يختار ما شاء من ذلك على وجه لا يحصل به الجمع بين الاختين ولا بين خمس نسوة وان كان ذلك في عقد واحد لم يكن له أن يختار نكاح شئ منهن لانه انما يتوقف علي اجازته ما يتصور نفوذه بالاذن السابق وهو لا يجوز لو باشره بنفسه وهذا العقد لا ينفذ بمباشرته ولا باذنه سابقا فلا يتوقف على اجازته بخلاف العقود المتفرقة فان كل عقد من ذلك معتبر على حدته وهو مما ينفذ بمباشرته وباذنه السابق فيتوقف على اجازته أيضا قال وان وكله أن يزوجه من النساء ما شاء وكيف شاء فزوجه أمة مسلمة أو كتابية أو أربع اماء جاز لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم فمباشرته فيما يكون من جنس التزويج كمباشرة الموكل بنفسه قال وان وكله أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه واحدة جاز لانه امتثل أمره في بعض ما أمر به وحكم نكاح هذه لا يختلف بضم نكاح الاخرى إليها فلا يكون هذا التفريق من الوكيل خلافا للاصل الذى بينا أن التقييد انما يعتبر إذا كان مفيدا وهذا التقييد غير مفيد ولو كان قال لا يزوجنى الا اثنين في عقدة واحدة لم يلزمه نكاح امرأة واحدة لانه نهاه عن العقد هنا واستثنى عقدا واحدا فما لا يكون بصفة المستثنى فهو داخل في عموم النهى بخلاف الاولى فانه ما نهاه عن شئ نصا بل أمره وقيد الامر بما ليس بمقيد وهو نظير ما سبق إذا قال لا تبع الا بشهود فباع بغير شهود لا يجوز بخلاف ما لو باع وقد قال له بع بشهود قال ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فإذا لها زوج فمات عنها أو طلقها وانقضت عدتها ثم زوجها اياه الوكيل جاز لانها لما لم تكن محلا عند التوكيل لما أمر به الموكل صار التوكيل كالمضاف إلى ما بعد صيرورتها محلا فان التوكيل يحتمل الاضافة ويحصل مقصود الموكل في ذلك ولو تزوجها الموكل ثم أبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها اياه لان ما قصد تحصيله بتصرف الوكيل قد حصل له بمباشرته فاوجب ذلك عزل الوكيل ثم لا يعود التوكيل بالابانة لانه ليس بفسخ لذلك العقد من الاصل قال ولو تزوجها الوكيل ودخل بها ثم أبانها وانقضت عدتها ثم زوجها اياه جاز لان مقصود الموكل لم يحصل بمباشرة الوكيل العقد الاول مع نفسه ولا منافاة بين ذلك العقد وبين الوكالة (ألا ترى) أن ابتداء التوكيل
[ 123 ] بعده صحيح حتى إذا فارقها زوجها منه فبقاؤها أولى ولو ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب ثم سبيت وأسلمت فزوجها اياه الوكيل جاز في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله ولم يجز عندهما لان من أصلهما أن تسمية المرأة مطلقا في التوكيل ينصرف إلى الحرة دون الامة ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يتقيد بالحرة فكذلك التوكيل في المرأة المعينة وعندهما يتقيد بحال حريتها فبعد ما صارت أمة لا يجوز تزويجها منه وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يتقيد فمتى زوجها منه كان ممتثلا أمره قال ولو كان الموكل تزوج أمها أو ذات رحم محرم منها أو أربعا سواها خرج الوكيل من الوكالة لانه صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بنفسه بما أحدث من التصرف وذلك عزل منه للوكيل وقد سبق نظائره قال ولو كان الموكل قال ان تزوجتها فهى طالق فليس هذا باخراج له من الوكالة لانه ما صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بما أحدث فانه ان تزوجها بعد يمينه صح النكاح فيبقي الوكيل على وكالته أيضا قال وإذا وكلت المرأة رجلا أن يزوجها فزوجها من غير كفؤ لها لم يجز قيل هذا قولهما وهو قياس رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في أن المرأة لا تملك ان تزوج نفسها من غير كفؤ وأما على ظاهر الرواية فينبغي أن يجوز نكاح الوكيل عنده لانها لو زوجت نفسها من غير كفؤ كان جائزا وان كان للاولياء حق الاعتراض عليها والاصح قولهم جميعا لانها ممنوعة من أن تزوج نفسها من غير كفؤ ومطلق التوكيل ينصرف إلى ما يجوز للموكل أن يفعله بنفسه شرعا دون ما يكون ممنوعا عنده فيقيد مطلق التوكيل بهذا الدليل ولان مقصودها لم يتم بالتزويج من غير كفؤ لان للاولياء حق الاعتراض عليها وانما ينصرف مطلق التوكيل إلى عقد يتم لها به مقصود النكاح وان كان كفوءا لها غير انه أعمى أو مقعد أو صبي فهو جائز لان مقصود النكاح يتم لها بما صنعه الوكيل وكذلك ان كان عنينا أو خصيا فالنكاح جائز ويؤجل كما لو زوجت هي نفسها ثم علمت بهذا العيب من الزوج قال وان زوجها الوكيل من نفسه لم يجز لانها أمرته أن يكون مزوجا لا متزوجا ولانه في حق نفسه متهم والتهمة دليل التقييد ولو زوجها ابنه أو أباه لم يجز عند أبى حنيفة رحمه الله وجاز عندهما الا أن يكون الابن صغيرا فحينئذ لا يجوز لانه لا يباشر العقد مع نفسه وقد بينا هذا في جانبه قال وإذا وكلته أن يزوجها فزوجها على مهر صحيح أو فاسد أو وهبها لرجل بشهود أو تصدق بها على رجل وقبل ذلك الرجل فهو جائز لانه مأمور بالتزويج وقد أتى به فان
[ 124 ] لفظ الهبة والصدقة عبارة التزويج مجازا وترك تسمية الصداق لا يمنع حصول المقصود بالنكاح ولا وجوب الصداق وكذلك فساد التسمية كما لو باشرته هي بنفسها قال وان زوجها اياه على ألف درهم على ان زاد عبدا لها فالنكاح جائز ولها أن تمنع العبد لانها ما رضيت بزوال العبد عن ملكها ولكن الزوج سمى الالف بمقابلة نكاحها والعبد فإذا لم تسلم له العبد فبمنعها بطلت حصته من الالف وجاز النكاح بحصتها من الالف قال ولو تزوجت هي قبل أن يزوجها الوكيل فقد أخرجته من الوكالة لانها حصلت ما هو مقصودها بالتوكيل وكذلك لو ارتدت لانها خرجت من أن تكون محلا بما أحدثت فيكون ذلك منها عزلا لوكيلها سواء لحقت بدار الحرب أو لم تلحق قال ولو كانت امرأة لها زوج فقالت لرجل انى اختلع من زوجي فإذا فعلت ذلك وانقضت عدتي فزوجني فلانا جاز ذلك على ما قالت لانها اضافت الوكالة إلى ما بعد انقضاء العدة فيجعل كمباشرتها التوكيل بعد انقضاء عدتها قال ولو وكلته بأن يزوجها وقالت ما صنعت من أمرى في شئ فهو جائز فحضر الوكيل الموت فأوصى بوكالتها إلى رجل فزوجها الوكيل الثاني بعد موت الاول كان جائزا لانها فوضت الامر إلى رأيه على العموم وهذا من جملة رأيه فهو بمنزلة التوكيل في حياته والبيع والشراء في هذا قياس النكاح قال ولو وكلته بأن يزوجها رجلا فزوجها منه واشترط عليه انه إذا تزوجها كان أمرها بيدها فالنكاح جائز وأمرها بيدها حين تزوجها لان هذا شئ يستبد به الزوج ولا ضرر عليها فيه ولا هو حاصل بقبول الوكيل ولو كان هذا وكيل الرجل كان النكاح جائزا والشرط باطلا لان الزوج لم يأمره بذلك وهو يتضرر به ولو قال الزوج زوجنى امرأة وأمرها بيدها فزوجه الوكيل ولم يشترط لها فأمرها بيدها حين يقع النكاح لان الزوج يستبد بذلك مضافا إلى النكاح كما يستبد به منجزا بعد النكاح ولو قال زوجنى امرأة واشترط لها على انى إذا تزوجتها فأمرها بيدها لم يكن الامر بيدها إلا أن يشترطه الوكيل لان الزوج ما باشر ذلك بنفسه بل فوضه إلى الوكيل فما لم يباشره الوكيل لا يصير الامر في يدها وليس في ترك الوكيل هذا الشرط ضرر على الموكل بل فيه منفعة قال ولو وكلته أن يزوجها فزوجها على عبد على ان زادته مائة درهم فالنكاح جائز فان أبت أن تعطى الدراهم بطلت حصتها من العبد لانه امتثل أمرها في النكاح وزاد تصرفا آخر وهو الشراء فان ما يخص المائة من العبد يكون مبيعا وما يخص البضع يكون صداقا فلا تنفذ حصة الشراء الا برضاها إذ الوكيل لا يقدر على ان يلزمها
[ 125 ] المائة بغير رضاها فان قيل كان ينبغى ان يكون مشتريا لنفسه ما يخص المائة من العبد لان الشراء لا يتوقف بل ينفذ على العاقد إذا تعذر بتقييد غيره ويكون المباشر معبرا لا يلزم شيأ بنفسه فكذلك فيما يثبت تبعا (ألا ترى) ان هذا الشراء يحصل بغير القبول إذا قالت تزوجني على هذا العبد على ان أزيدك مائة درهم فقال فعلت يتم من غير قبولها والشراء مقصورا لا يتم بهذا اللفظ بدون القبول فعرفنا ان ما هو بيع ليس نظير ما هو مقصود قال ولو وكلته على ان يزوجها على دم عمد في عتقها فزوجها بعض أولياء ذلك الدم بطلت حصة الزوج من الدم كما لو باشرت هي العقد وهذا لان تزوج الزوج اياها على القصاص يكون عفوا منه عنها وذلك صحيح في نصيبه وانقلب نصيب الآخرين مالا فعليها حصة الورثة من الدية ولها مهر مثلها لان القصاص ليس بمال فلا يصلح ان يكون صداقا فهذا والنكاح بغير تسمية المهر سواء قال ولو وكلت المرأة أو الرجل وكيلين بالتزويج أو الخلع ففعل ذلك أحدهما لم يجز لانه فوض إليها عقدا يحتاج فيه إلى الرأى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى قال ولو وكل رجلين بطلاق أو عتاق بغير مال ففعل ذلك أحدهما جاز لان هذا لا يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير بل الحاجة فيه إلى العبارة وعبارة الواحد والمثنى سواء والله أعلم بالصواب (باب توكيل الزوج بالطلاق والخلع) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا ان يطلق امرأته ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة لانه أتى ببعض ما فوض إليه ولا ضرر علي الموكل في هذا التبعيض بل فيه منفعة له ولانه مكنه من ايقاع الثلاث ومن ضرورته تمكنه من ايقاع الواحدة كما ان الشرع لما مكن الزوج من ايقاع الثلاث فلان يمكنه من ايقاع الواحدة أولى وان وكله ان يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا أو اثنين لم يقع شئ في قول أبى حنيفة لان الثلاث غير الواحدة ولم يصر متمكنا من ايقاع الثلاث بتفويض الواحدة إليه فلا يقع الثلاث لعدم تمكنه من ايقاعها ولا الواحدة لانه ما أوقعها وعند أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع واحدة لانه أوقع ما فوض إليه وزيادة فيعمل ايقاعه بقدر ما فوض إليه وهى خلافية معروفة قال وان وكله ان يطلقها واحدة بائنة فطلقها واحدة رجعية طلقت واحدة بائنة لانه لاغ في قوله رجعية فان ذلك غير مفوض إليه يبقى قوله طلقتك فيقع على الوجه الذى فوض إليه لان ثبوت الصفة بثبوت الاصل وهو
[ 126 ] نظير ما لو قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق تطليقة رجعية لانعدام محلها يبقى قوله أنت طالق فيقع الطلاق به بائنا كما هو مملوك له شرعا قال وان وكله ان يطلقها واحدة رجعية فطلقها واحدة بائنة طلقت واحدة رجعية لانه لاغ في قوله بائنة لانه لم يفوض إليه تلك الصفة يبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وهذا على أصلهما ظاهر وعلى أصل أبى حنيفة رحمه الله كذلك لانه بما ألحق كلامه من الصفة لا يخرج من ان يكون ممتثلا في ايقاع أصل الطلاق فان الاصل لا يتغير بالصفة بخلاف ما إذا أوقع ثلاثا فانه يصير مخالفا في أصل الايقاع لان الثلاث اسم لعدد مركب مؤلف والواحدة في ذوى الاعداد أصل العدد وليس فيه تأليف وتركيب وبينهما مغايرة على سبيل المضادة قال وان وكله ان يطلق امرأتين له فطلق احداهما طلقت لان بضم الثانية إلى الاولى لا يتغير حكم الطلاق في حق الاولى فلا يخرج به من أن يكون ممتثلا في حقها بخلاف الطلقات الثلاث مع الواحدة فانه يتغير حكم الطلاق من حيث انه يثبت الحرمة الغليظة وزوال الملك به لوجود المنافى في المحل وهو الحرمة الغليظة قال وان وكله أن يطلق امرأته للسنة فطلقها في غير وقت السنة لم يقع لانه أضاف الوكالة إلى وقت السنة فان اللام للوقت قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس أي لوقت دلوك الشمس فلا يكون وكيلا في غير وقت السنة ومباشرته ما لم يفوض إليه لا يبطل الوكالة حتى إذا طلقها في وقت السنة بعد ذلك وقع الطلاق قال وان وكله أن يطلقها ثم طلقها الزوج أو خالعها فان طلاق الوكيل يقع عليها ما دامت في العدة لان المملوك للزوج من الطلاق محصور بالعدد فلا يتغير ما أوقعه الزوج بما فوضه إلى الوكيل ولكن ما بقى الزوج مالكا لايقاع الطلاق عليها يبقي الوكيل على وكالته أيضا وإذا انقضت عدتها لم يقع طلاق الوكيل عليها بعد ذلك لان الزوج خرج من أن يكون مالكا للايقاع بعد انقضاء العدة فتبطل الوكالة وكذلك ان تزوجها بعد ذلك لان تمكن الزوج من الايقاع بالسبب المتجدد والوكالة لم تتناوله فلا تعود الوكالة باعتباره وعلى هذا لو ارتدت أو ارتد الزوج فان طلاق الوكيل يقع عليها في العدة لبقاء تمكن الزوج من الايقاع بالسبب المتجدد ولو قال لرجل إذا تزوجت فلانة فطلقها فتزوجها الموكل فطلقها الوكيل جاز لان الوكالة تحتمل الاضافة كالطلاق وقد وقعت الاضافة إلى ما بعد الزواج فعند ذلك يصير كالمستثنى للتوكيل ولو وكل عبدا بطلاق امرأته فباعه مولاه فهو على وكالته لان تمكنه من الايقاع لا يزول ببيعه وابتداء التوكيل يصح بعد بيعه وكذلك لو وكل مجنونا
[ 127 ] فقبل الوكالة في حال جنونه ثم أفاق فهو على وكالته لان بالافاقة يزداد التمكن من التصرف ولا يزول ما كان ثابتا قال ولو وكل مسلم مسلما بالطلاق فارتد الوكيل ولحق بدار الحرب ثم جاء مسلما كان على وكالته إذا لم يقض القاضى بلحاقه وهو بمنزلة الغيبة فاما بعد قضاء القاضى بلحاقه فهو قول محمد رحمه الله وقد بينا الخلاف فيه قال ولو وكل رجلا بطلاق امرأته والوكيل غائب لا يعلم فطلقها فالطلاق باطل وكذلك سائر العقود لان الوكالة لا تثبت قبل علم الوكيل بها كما في العزل لا يثبت قبل علمه وهذا للاصل الذى قلنا ان حكم الخطاب في حق المخاطب لا يثبت ما لم يعلم به وهذا لان الوكيل نائب عن الموكل معبر عن منافعه في التصرف له ولا يتحقق ذلك إلا بعلمه بخلاف الوصي إذا تصرف بعد موت الموصى قبل علمه بالوصية ينفذ تصرفه استحسانا لان الوصاية خلافة وهو النائب فيها ولان أوانها بعد انقطاع ولاية الموصى وقد تحقق ذلك بموته وانما جوز ذلك للحاجة فالحاجة بعد موت الموصي تصرف إلى من يتصرف قياسية فاما هنا فالوكالة انابة والموكل قادر على التصرف بنفسه فلا حاجة إلى اثبات حكم الوكالة قبل علم الوكيل بها قال ولو وكله بطلاقها فأبى ان يقبل ثم طلقها لم يقع لان الوكالة ارتدت برده فكأنها ارتدت برجوع الموكل عنها وان لم يقل الوكيل قبلت وان قال رددت حين طلقها وقع استسحانا وفى القياس لا يقع لما بينا انه معير لمنافعه والاعارة لا تثبت بمجرد السكوت فما لم يصر وكيلا لا يعمل ايقاعه ووجه الاستحسان ان دليل القبول واقدامه على ما فوض إليه بعد علمه به من أدل الدلائل على قبوله الوكالة فقد يباشر بعد القبول وقد لا يباشر قال وإذا وكل الصحيح وكيلا بطلاق امرأته ثلاثا ثم طلقها الوكيل في مرض الموكل ثم مات الزوج وهى في العدة ورثت لان ايقاع الوكيل كايقاع الموكل بنفسه فان قيل بعد وقوع الثلاث بقاء ميراثها باعتبار الفرار من الزوج ولم يوجد ذلك هنا فان التوكيل كان في الصحة ولم يكن لها في ماله حق يومئذ ولم يوجد من الزوج صنع بعده قلنا لا معتبر لقصد الفرار لان ذلك لا يوقف عليه ولكن متى كان وقوع الثلاث عليها في مرضه باعتبار معنى مضاف إليه يجعل فارا وان لم يقصد وقد وجد ذلك هنا مع أنه قادر متمكن من عزل الوكيل بعد مرضه فاستدامة الوكالة بعد تمكنه من العزل بمنزلة انشاء التوكيل في أنه يثبت به حكم الفرار وعلى هذا لو كان الموكل عبدا فاعتق بعد التوكيل ثم مرض فطلقها الوكيل أو وكل الذمي بعد اسلام المرأة ثم أسلم الزوج ومرض فطلقها الوكيل كان له أن يستديم الوكالة بعد تعلق حقها بماله وكذلك
[ 128 ] تعليق المسلم الوكالة بمرضه لان المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكأنه انشأ التوكيل بعد مرضه قال وإذا شهد الموليان على وكالة زوج أمتهما بالطلاق وان الوكيل قد طلق أو شهدا على ذلك وأن الزوج طلقها بنفسه فان كانت الامة تدعى ذلك فهو باطل لانهما يشهدان لها وان كانت تجحد فكذلك الجواب في قول محمد رحمه الله وعلى قول أبى يوسف رحمه الله الشهادة جائزة وهذا بناء على ما قدمنا في كتاب النكاح أن أبا يوسف رحمه الله يعتبر الدعوى والانكار في شهادة الابنين لابيهما فكذلك في شهادة الموليين لامتهما ومحمد رحمه الله يعتبر المنفعة وعلى سبيل الابتداء في هذه المسألة فمحمد رحمه الله يقول هما في معنى الشاهدين لانفسهما لان ملك البضع يعود اليهما بعد طلاق الزوج وشهادته لنفسه أو فيما فيه منفعة له لا تكون مقبولة وأبو يوسف رحمه الله يقول هذه الشهادة تقوم بطريق الحسبة وهذا لان كون الانسان خصما في منافاة الشهادة أبلغ من منفعته له في ذلك وكل أحد خصم فيما هو حق الشرع ومع ذلك كانت شهادته في ذلك مقبولة كالزنا ونحو ذلك فكذلك فيما له فيه منفعة مع أنه لا منفعة لهما في المشهود به لان موجب الطلاق سقوط ملك الزوج عنها أو حرمة المحل عليه لا انتقال ذلك الملك الي الموليين وكذلك إذا سقط ملك الزوج ظهر ملك الموليين لفراغ المحل عن حق الغير وبهذا لا يمنع قبول الشهادة كصاحبي الدين إذا شهدا للمديون بمال من جنس حقهما على انسان قبلت الشهادة وان كانا يتمكنان من استيفاء حقهما إذا قبض المشهود له المال وإذا قال الرجل للرجل طلق امرأتي ان شئت أو ان هويت أو أردت فقام من المجلس بطل لانه تمليك للمشيئة منه وذلك يقتصر على المجلس كتمليك المشيئة في القبول بايجاب البيع له والوكيل هنا في معنى المخير وقد اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أن المخيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها لانها مالكة للرأى والمشيئة متمكنة من ذلك في المجلس فقيامها منه دليل الاعراض فكذلك بهذا اللفظ يصير متمكنا من الرأى والمشيئة وهذا بخلاف قوله للاجنبي طلقها فان ذلك انابة واستعارة لمنافعه فيقوم هو في الايقاع مقام الموكل وهذا تفويض للمشيئة إليه لا استعارة شئ منه ولو قال أنت وكيلي في طلاقها ان شاءت أو هويت أو أرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء هي ذلك في مجلسها لانه علق التوكيل بمشيئتها ولو علق الوقوع بمشيئتها اقتصر ذلك على المجلس وتأخر الوقوع إلى حين وجود مشيئتها فكذلك إذا علق التوكيل وإذا صار وكيلا فان قام الوكيل من المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة قال
[ 129 ] عيسى رحمه الله وهذا غلط لان عند مشيئتها انما تثبت الوكالة بقول الزوج أنت وكيلى في طلاقها وذلك لا يقتصر على المجلس كما لو نجز هذا اللفظ ولكن ما ذكر في الكتاب أصح لان معنى قوله ان شاءت الطلاق وكان هذا بمنزلة قوله ولئن كان المراد ان شاءت هذه الوكالة فثبوت الوكالة بالايقاع بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس وهو لا يتأبد فكذلك ما ينبنى عليه من تمكن الوكيل من الايقاع واليه أشار في الكتاب فقال لانها وكالة بالمشيئة وقعت بحيث لا يملك الزوج فسخها ولو جعل قوله أنت وكيل في طلاقها منفصلا عن المشيئة يملك الزوج فسخها وان قال أنت وكيلى في طلاقها ان شئت فان شاء في ذلك المجلس فهو جائز وان قام قبل ان يشاء فلا وكالة لان تعليق الوكالة بمشيئته يكون ملكا للرأى والمشيئة منه كتعليق الايقاع بمشيئته على ما بينا وان قال أنت وكيلى في طلاقها على أنى بالخيار ثلاثة أيام فالوكالة جائزة والخيار باطل وكذلك لو قال على أن فلانة بالخيار ثلاثة أيام وكذلك هذا في كل تصرف لان اشتراط الخيار باشره في منع صفة اللزوم والوكالة لا يتعلق بها اللزوم بحال فاشتراط الخيار فيما لا يكون مفيدا يكون باطلا ولان اشتراط الخيار ليتمكن به من له الخيار من التفرد بالفسخ بغير رضا صاحبه وهذا في الوكالة ثابت بدون اشتراط صاحب الخيار وكما لا يصح اشتراط الخيار لنفسه في الوكالة لا يصح اشتراطه لغيره قال ولو وكله بطلاق امرأته فقال الوكيل أنت طالق غدا لم يقع وان جاء الغد لانه مفوض إليه التخيير والاضافة إلى وقت والتعليق بالشرط غير التخيير قال وان وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم أو على الف فطلقها واحدة أو اثنتين لم يقع لانها لو وقعت وقعت بحصتها من الالف والزوج لم يرض بزوال ملكه عنها الا بعد أن يجب له عليها جميع الالف فكان بما صنع مخالفا وفيه ضرر على الموكل بخلاف التوكيل بالايقاع بغير عوض وان بألف درهم أو أكثر جاز لانه حصل ما هو مقصود الزوج من المال ونفعه لبقاء صفة الحل في المحل حين اقتصر على ايقاع الواحدة وليس للوكيل بالخلع قبض المال لان الذى من جانب الزوج في باب الخلع ايقاع الطلاق والوكيل معبر عنه اما حقيقة بالاضافة إليه أو حكما لانه غير مالك للايقاع بنفسه فهو نظير وكيل المولى في العتق بجعل أو لانه لا يتوجه عليه المطالبة بتسليم المعقود عليه فلا يكون له قبض البدل قال وان وكله أن يطلق امرأته وله أربع نسوة ولم يسم له امرأة بعينها فان أوقع الطلاق على احدى نسائه جاز لانه ممتثل أمره فانه أمره بايقاع الطلاق على
[ 130 ] امرأة غير معينة وقد فعل فان طلقهن جميعا وقع الطلاق على واحدة منهن لانه في حق الواحدة ممتثل أمره وفيما زاد عليه مبتدى فيقع على الواحدة بغير عينها والبيان إلى الزوج كما لو أوقع بنفسه على احداهن بغير عينها وليس إلى الوكيل من البيان شئ لانه معبر عن الزوج وقد انتهى حكم وكالته بايقاعه قال ولو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا فان كان نوى الزوج ثلاثا فهو جائز لان قوله طلقها تفويض وهو يحتمل معنى العموم والخصوص فإذا نوى الثلاث فقد نوي العموم في التفويض وذلك صحيح منه ثم الوكيل ممتثل أمره في ايقاع الثلاث وان لم يكن نوى ثلاثا لم يقع شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قولهما تقع واحدة بمنزلة ما لو قال طلقها واحدة وطلقها ثلاثا وكذلك لو قال اخلعها فطلقها ثلاثا فهو على ما بينا لان نية الثلاث تقع في الخلع ولو قال طلق احداهن بعينها أو اخلعها كان ذلك جائزا بمنزلة ما لو قال طلق أيتهن شئت وهناك يملك الايقاع على واحدة بعينها وكذلك إذا طلق احداهن (ألا ترى) أنه لو قال بع عبدا من عبيدى فباع واحدا منهم بعينه جاز ولو قال الموكل لم أعن هذا لم يصدق فكذلك في الطلاق فان قيل التعيين من ضرورة ما فوض إليه فان بدون التعيين لا ينفذ بيعه وهنا التعيين ليس من ضرورة ما فوض إليه فان بدون التعيين يقع الطلاق على احداهن فينبغي ان لا يملك الوكيل الايقاع على المعينة لما فيه من قطع خيار الزوج قلنا هذا أن لو شرط الزوج لنفسه خيارا وهنا لم يشترط ولكن ثبوت الخيار له عند انعدام تعين محل الطلاق وذلك لا يوجد إذا وقع على احداهن بعينها وهذا لان المعتبر ما نص عليه في التوكيل وهو انما نص على الايقاع على واحدة وهذه واحدة منهن قد أوقع عليها فكان ممتثلا لما نص عليه الموكل وكذلك لو طلق واحدة منهن بغير عينها وقع لانه ممتثل أمره بالايقاع على واحدة منهن ثم الخيار إلى الزوج لانعدام تعين محل الطلاق ولا يملك الوكيل التعيين لان وكالته قد انتهت بالايقاع فاما قبل الايقاع فوكالته قائمة فلهذا ملك الايقاع على واحدة بعينها قال وإذا وكلت المرأة رجلا أن يخلعها من زوجها على مال أو علي ما بدا له فخلعها على المهر الذى أخذت منه فهو جائز عليها وهو دين على المرأة ولا يؤخذ به الوكيل لانه معبر عنها فانه لا يستغنى عن اضافة العقد إليها فيقول اخلع امرأتك ولا يقول اخلعني ولانه ليس علي الوكيل من تسليم المعقود عليه شئ فلا تتوجه عليه المطالبة بالبدل أيضا قال وإذا وكلته بالخلع فله أن يخلعها في ذلك المجلس وغيره ما لم تعزله لان التوكيل مطلق فهو بمنزلة الوكيل في سائر التصرفات أو
[ 131 ] التوكيل بالخلع من جانب الزوج قال ولو وكل الرجل رجلا ان يخلع امرأته ووكلت المرأة ذلك الرجل ان يخلعها من زوجها فخلعها الوكيل من نفسه ولم يلق الزوج ولا المرأة فالخلع باطل وهو في هذا بمنزلة البيع لان الخلع من جانبها التزام للمال بعوض فيكون في حكم البيع وهذا لان المال في الخلع لا يجب الا بتسمية البدل فالواحد إذا تولاه من الجانبين يكون مستزيدا أو مستنقصا وذلك لا يجوز وكذلك ان كان البدل مسمى لان تسمية البدل من جانب الزوج يمنع الوكيل من النقصان دون الزيادة ومن جانب المرأة يمنع من الزيادة دون النقصان قال ولو وكلت المرأة زوجها أن يخلعها من نفسه بما شاء فخلعها من نفسه بخادمها فهو باطل الا أن تجيز المرأة ذلك وكذلك لو وكل الزوج المرأة ان تخلع نفسها منه فخلعت نفسها منه بمال أو عرض فان ذلك لا يجوز الا أن يرضى الزوج به وهذا بمنزلة البيع من الوجه الذى قلنا وهذا لان المرأة رضيت بالخلع لا بزوال ملكها عن الخادم والزوج رضى بالخلع لا بدخول ذلك العرض بعينه في ملكها فلهذا لا يجوز الا برضا من الجانبين ولو قال الرجل لامرأته اشترى طلاقك منى بما شئت فقد وكلتك بذلك فقالت قد اشتريته بكذا وكذا كان باطلا لما بينا أنها لا تصلح نائبة عن الزوج في تعيين جنس البدل وتسمية مقداره فيما يجب عليها لانها بحكم النيابة تكون مستزيدة في ذلك وباعتبار جانبها تكون مستنقصة ولو قال لها طلقي نفسك منى بكذا وكذا ففعلت كان ذلك جائزا لان الزوج هنا قدر البدل بنفسه ثم جعلها نائبة عنه في الايقاع وهى تصلح معبرة عن الزوج في ايقاع الطلاق قال ولا تنشئ الطلاق بالمال كالخلع بغير مال وقيل هذا غير صحيح فانه ذكر في الخلع بمال انه جائز فما معنى هذا الفرق الذى أشار إليه قيل معناه إذا قال لها طلقي نفسك أو اختلعي منى بغير مال فاوقعته كان صحيحا ولو قال بما شئت لم يكن صحيحا إلا ان يرضى به الزوج قال وإذا وكل الرجل رجلا أن يخلع امرأته فخلعها الزوج أو بانت منه بوجه ثم تزوجها في العدة أو بعدها لم يكن للوكيل أن يخلعها لان بوقوع البينونة خرج الموكل من أن يكون مالكا للخلع فيتضمن ذلك عزل الوكيل ثم لو تزوجها بعد ذلك بسبب مستأنف لا يوجب اعادة الوكالة وكذلك لو وكلته هي سقطت برده أو بطلاق الزوج قال ولو وكله ان يخلعها على عبد لها على ان زادها مائة درهم فأبى الزوج ان يلتزم المائة بطلت حصتها من العبد لان العقد في حصة المائة شراء ولم يفوض الزوج إليه ذلك وجاز له حصة المهر وقد بينا في النكاح نظيره قال ولو كان الوكيل ضمن المائة لها لزمته
[ 132 ] بالضمان ولا يرجع بها على الزوج لانه ضمن بغير أمره وهذا لان ضمان البدل في باب الخلع من الوكيل صحيح فكذلك ضمان ما كان ثبوته تبعا للخلع والشراء في حصة المائة يثبت تبعا على ما قدرنا فيصح التزام الوكيل ذلك بالضمان ولا يملك الوكيل بمقابلته شيئا من العبد بل يكون العبد كله للزوج بدلا في الخلع قال ولو خلعها الوكيل على حر أو خمر أو دم أو خنزير فالخلع باطل لانه لو وقع الطلاق هنا وقع بغير جعل فصار كما لو أوقعه الزوج بنفسه والموكل بهذا لم يرض بخلاف النكاح فانه لو صح النكاح عند تسمية الخمر والخنزير كان بعوض كما لو ترك تسمية العوض أصلا قال ولو خلعها على درهم جاز عند أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصلهما فيما يفسد الوكالة بالعرف وان خلعها على حكمها أو على حكم الوكيل جاز لان الطلاق بهذا الخلع يقع بعوض كما لو باشره الزوج بنفسه ثم الواجب عليها رد المقبوض من الصداق فان حكمت بذلك أو أكثر جاز حكمها وان حكمت أو حكم الوكيل بأقل من ذلك لم يجز حكمه لان فيه اسقاط حق الزوج عن بعض ما صار مستحقا له فهما لا يملكان ذلك قال وإذا وكلت المرأة الذمية مسلما بخلعها من ذمى على خمر أو خنزير جاز وكذلك النكاح لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم ولو كان أحد الزوجين مسلما والوكيل كافرا جاز الخلع وبطل الجعل لان الوكيل ممتثل أمره حين سمى ما هو مال متقوم في حقه ولكن المسلم ممنوع من تملك الخمر وتملكها بالعقد فلهذا بطل الجعل وهذا على أصلهما ظاهر لانهما يعتبران حال الموكل كما في التوكيل ببيع الخمر وشرائها وعلى أصل أبى حنيفة رحمه الله هناك كذلك لان الوكيل سفير ومعبر لا يتعلق به شئ من حقوق العقد هنا بخلاف الوكيل بالبيع والشراء قال ولو وكل رجلا بأن يخلع امرأته وقال له ان أبت الخلع فطلقها فأبت الخلع فطلقها وقع بايقاعه ثم هذا كايقاع الموكل بنفسه وايقاع الموكل بصريح الطلاق لا يمنع بقاء الوكالة بالخلع فكذلك ايقاع الوكيل حتى لو قالت انا اخالع فخلعها وهى في العدة جاز لان الاول كان رجعيا والطلاق الرجعى لا يمنع الخلع وقد بينا الوكالة بالخلع بعد ما أبانها فلهذا صح الخلع والله أعلم (باب الوكالة في الاجارة والمزارعة والمعاملة) (قال رحمه الله) وإذا كانت الارض بين رهط فوكل أحدهم وكيلا باجارة نصيبه فأجره من جميعهم جاز وان أجره من أحدهم لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله وجاز عندهما
[ 133 ] بمنزلة ما لو باشره الموكل بنفسه واصل المسألة أرض بين رجلين اجر أحدهما نصيبه من صاحبه يجوز بالاتفاق لتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه كما تناوله العقد ولو أجره من أجنبي لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله وجاز عندهما لان بيع المنفعة معتبر ببيع العين فالشيوع لا يمنع صحته وأبو حنيفة رحمه الله يقول المستأجر لا يقدر على استيفاء المعقود عليه كما تناوله العقد لان المعقود عليه منفعة نصيب من العين شائع والاستيفاء جزء معين إذا عرفنا هذا فنقول هنا إذا أجر نصيبه من جميع شركائه فهم يقدرون على الاستيفاء كما هو قضية العقد وان أجره من أحدهم لم يقدر على استيفاء المعقود عليه كما تناوله العقد فلهذا لم يجز العقد عنده والوكيل بالاجارة إذا أجره بعرض أو خادم بعينها فهو جائز وعند أبى حنيفة رحمه الله ظاهر وعندهما تقييد التوكيل بالبيع بالنقد لدليل العرف ولا عرف في الاجارة بل العرف فيه مشترك ولان البيع بعرض بعينه شراء من وجه وهنا تعيين الاجرة لا يخرج العقد من أن يكون اجارة من كل وجه ولانا لو جعلناه مخالفا تضرر به الموكل لان الاجر يكون للعاقد ولا ضمان عليه فان المنافع لا تتقوم بخلاف بيع العين والوكيل بالاجارة خصم في اثبات الاجارة وفى قبض الاجر وجنس المستأجر به لان الاجارة بيع المنفعة قياس بيع العين والوكيل وكيل في اضافة العقد إليه وكان في حقوق العقد كالعاقد لنفسه فان وهب الاجر للمستأجر أو ابراه منه جاز ان لم يكن شيئا بعينه ويضمنه للآمر وان كان شيئا بعينه لم يجز ابراؤه ولا هبته لان الغير صار مملوكا له باستيفاء المنفعة واشتراط التعجيل فتصرف الوكيل بالهبة يلاقى عينا هي ملك الغير بغير أمره فكان باطلا في غير المعين وانما وجب الاجر بعقد الوكيل عند استيفاء المنفعة دينا في ذمة المستأجر فيكون بمنزلة الثمن في البيع وقد بينا أن الوكيل بالبيع إذا ابرأ المشترى عن الثمن صح ابراؤه وصار ضامنا للآمر في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لابي يوسف رحمه الله فهذا مثله وأما إذا أبراه عن جميع الاجر قبل استيفاء المنفعة فهو على الخلاف الذى عرف في المؤاجر إذا كان مالكا فابرأ عن جميع الاجر قبل استيفاء المنفعة وفيه خلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله مذكور في الاجارات وموت الوكيل لا ينقض الاجارة وموت رب الارض أو المستأجر ينقضها لان الانتقاض بموت رب الارض باعتبار أن العين قد انقلبت إلى ملك الوارث فالمنافع بعد الموت تحدث على ملك الوارث وفى هذا لا يفترق الحال بين ان يكون هو المؤجر بنفسه أو وكيله وبموت المستأجر انما ننتقض لان الارث لا يجرى في المنافع المجردة
[ 134 ] وعند موت الوكيل لا يتحقق واحد من هذين المعنيين فلا تنتقض الاجارة وكذلك الجواب في وصى اليتيم وقيم الوقف بعد ما أجر العين قال ولو أن الوكيل ناقض المستأجر الاجارة قبل استيفاء المنفعة جازت مناقضته ان كان الاجر دينا أو عينا بخلاف الاقالة في بيع العين وقد قررنا هذا الفرق فيما سبق (ثم زاد فقال) الا أن الوكيل قد قبض الاجر فحينئذ لا يجوز مناقضته لان المقبوض صار مملوكا للآمر بعينه فان الاجر يملك بالتعجيل وفى هذه المناقضة ابطال ملك الآمر عن العين وابطال يده لان مقبوض الوكيل صار كالمقبوض للآمر فاما قبل القبض وان كان الاجر عينا فلم يصر مملوكا فلا تثبت اليد أيضا للآمر فلهذا ملك الوكيل نقض العقد فيه وأما بعد استيفاء المنفعة فلا يتصور مناقضة الاجارة قال وإذا وكله أن يؤاجره أرضا له وفيها بيوت ولم يسم البيوت فله أن يؤاجر البيوت والارض وكذلك لو كان فيها رحى لان ما في الارض من البناء وصف وتبع له حتى يدخل في البيع من غير ذكر فكذلك في الاجارة لانه صالح لما يصلح له الاصل بطريق الاجارة فكذلك إذا وكل الوكيل بأن يؤاجره وإذا أجر الارض صاحبها ثم وكل وكيلا بقبض الاجر فهو جائز كالتوكيل بقبض سائر الديون فان أخر الوكيل الاجر عن المطلوب أو حطه عنه أو صالحه على نقض دينه لم يجز لانه غير ما فوض إليه وهو نائب محض فلا يصح منه الا ما فوض إليه وان وكله أن يؤاجرها بدراهم فأجرها بدنانير لم يجز لانه خالف ما أمره به نصا ولو أجرها باكثر مما سمى له من الدراهم جاز الا على قول زفر رحمه الله وهو نظير الوكيل بالبيع بألف إذا باع بألفين فعند زفر رحمه الله ظاهر لانه خالف اللفظ في الفصلين ونحن نقول إذا حصل مقصود الآمر وزاد خيرا لم يكن تصرفه خلافا وكذلك الوكيل بالاستئجار مدة معلومة بدراهم مسماة إذا استأجرها بأقل من ذلك والوكيل بالاجارة والاستئجار بالدراهم ليس له أن يزارع لانه مخالف لما أمره به نصا وكذلك الوكيل بالمزارعة ليس له أن يؤاجر بدراهم ولا حنطة لانه مخالف لما أمره به نصا أما في الاستئجار بدراهم فغير مشكل وكذلك بالحنطة لان الآمر انما رضى بأن يكون حق صاحب الارض في جزء من الخارج لا في ذمته والاستئجار بالحنطة يوجب الاجر في ذمته وله في هذا منفعة فربما يصيب الخارج آفة فإذا كان أجرها مزارعة لم يضمن شيأ وإذا استأجره بحنطة في ذمته كان ضامنا للاجر قال وإذا وكله أن يستأجرها له فأخذها له مزارعة لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه لا يرى جواز المزارعة أصلا
[ 135 ] وتجوز عندهما لان المزارعة عقد وهى من صاحب اليد استئجار الارض بجزه من الخارج فإذا لم يسم له الآمر بأى شئ يستأجرها له أن يستأجرها ببعض الخارج لان فيه منفعة للآمر فانه ان حصل الخارج يجب الاجر وان لم يحصل لا يجب شئ ولو استأجرها بأجرة مسماة يجب الاجر سواء حصل الخارج أو لم يحصل قال وإذا وكله أن يستأجر له أرضا فما استأجرها به من مكيل أو موزون بغير عينه فهو جائز على الآمر في قول أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو على الدراهم والدنانير وما يستأجر به الارض مما يخرج منها من المكيل والموزون ونحوه أما عند أبى حنيفة رحمه الله فلان التوكيل بالاستئجار مطلق فما استأجر به من مكيل أو موزون بغير عينه فهو جائز لانه استئجار مطلق وقيل هذا بناء على قوله الاول في الوكيل بالشراء انه يملك الشراء بمكيل أو موزون بغير عينه فاما على قوله الآخر كما لا يملك الوكيل بالشراء أن يشترى الا بالنقد فكذلك الوكيل بالاستئجار وقيل بل بينهما فرق لان في الشراء بالنقد عرفا ظاهرا فإذا تعذر حمل التوكيل على العموم حمل على المتعارف وليس في الاستئجار مثل ذلك الفرق فقد يكون بمكيل أو موزون بالنسيئة كما يكون بالنقد فاما عندهما فالوكيل بالاستئجار يملك أخذ الارض مزارعة وذلك استئجار ببعض ما تخرج الارض فإذا استأجرها بالدراهم أو بشئ مما تخرجه تلك الارض كان ممتثلا أمر الامر فيجوز وان استأجرها بشئ من الجراب أو المكيل أو الموزون بعينه كان مخالفا لانه لو نفذ هذا التصرف منه خرج ملك العين عن ملك الآمر وهو مأمور من جهته بادخال المنفعة في ملكه لا بنقل الملك بشئ من أعيان ماله الي غيره قال وللوكيل بالمزارعة والمعاملة أن يقبض نصيب رب الارض من الخارج لانه وجب بعقده فان وهبه للعامل أو أبرأه منه لم يجز في قول من يجوز المزارعة والمعاملة لان لرب الارض في نصيبه من الخارج عينا وقد بينا أن الاجر إذا كان شيأ بعينه فليس للوكيل فيه ولاية الابراء والهبة قال وإذا وكله أن يدفع أرضه مزارعة فأجرها بحيوان أو بدراهم لم يجز لانه مأمور بأن يؤاجرها يجزء مما تخرجه الارض وقد خالف ما أمر به نصا وان أجرها بحنطة كيلا أو بشئ مما يزرع يجوز ذلك في قول من يجيز المزارعة لانه حصل مقصود الامر بطريق هو أنفع له مما سمى له فانه لو دفعها مزارعة ثم اصطلم الزرع آفة لم يستوجب الآمر شيأ وإذا أجرها بحنطة كيلا كان الآمر مستحقا للاجر وان اصطلم الزرع آفة وفيه يحصل مقصوده لان الاجر المسمى من جنس ما تخرجه
[ 136 ] الارض فلهذا كان صحيحا قال وإذا وكله أن يدفعها مزارعة فدفعها الي رجل وزرعها رطبة أو شيأ من الحبوب كان هذا جائزا لان هذا كله من عمل المزارعة والضرر على الارض فيه غير متفاوت فان دفعها إلى رجل يغرس فيها شجرا لم يجز لان الغراسة ليست من المزارعة في شئ والضرر على الارض في عمل الغراسة ليس من جنس ضرر عمل المزارعة فلهذا كان مخالفا ثم فرق بين هذا وبين ما إذا أخذ الارض مزارعة ولم يبين الآمر ما يزرع فيها لم يجز والتوكيل بدفعها مزارعة يجوز في هذا لان الوكالة مبنية على التوسع وتسمية البدل في الوكالة ليس بشرط والجهالة المستدركة لا تمنع صحتها بخلاف المزارعة فانها تتعلق بها صفة اللزوم على قول من يجيزها فلا بد أن يكون البدل معلوما فيها وانما يصير الجنس معلوما ببيان ما يزرع فيها قال ولو وكله بدفعها لمن يغرس فيها النخل بالنصف فدفعها له لم يجز قال ولو وكله في أرض له ليدفعها إلى رجل يبني فيها بيوتا ويؤاجرها بالنصف ويكون الاجر بينهما نصفين فهو جائز في قول من يجيز المعاملة وليس هذا مذهب علمائنا رحمهم الله بل هو قول أهل المدينة رحمهم الله (بيانه في مسألة الدسكرة في كتاب المضاربة) قال ولو وكل رجل رجلا بأن يستأجر له أرضا فاستأجرها فالاجر انما يجب لرب الارض على الوكيل وللوكيل على الامر بمنزلة التوكيل بالشراء حتى لو وهب رب الارض الاجر من المستأجر أو أبرأه منه كان للمستأجر أن يأخذ ممن وهبها له ولو أراد المستأجر أن يأخذ من الامر الاجر قبل أن يؤديه كان له ذلك كما في الوكيل بالشراء وكذلك لا سبيل لرب الارض على الآمر له في المطالبة بالاجر لانه لم يعامله بشئ قال ولو مات المستأجر كان ينبغى في القياس ان الاجارة له لانه في حكم العقد بمنزلة العاقد لنفسه ولكنه استحسن فقال موت العاقد ليس بمبطل للاجارة بعينه بل لما في ابقائه من توريث المنفعة وذلك غير موجود هنا لان المنفعة كانت مملوكة للآمر يستوفيها قبل موت الوكيل وبعده بصفة واحدة قال ولو أن المستأجر ناقض رب الارض الاجارة فان كانت الارض في يد المؤاجر جازت المناقضة لان الآمر لم يتملك بنفس العقد شيأ من المعقود عليه ولا ثبتت يده على شئ فصحت المناقضة من الوكيل كما في جانب الوكيل بالاجارة وان كان قد دفعها إلى الآمر أو المستأجر ثم ناقض ففى القياس يجوز أيضا لان الآمر لم يملك شيأ من المعقود عليه لكونها معدومة وكذلك لم تثبت يده على المعقود عليه حتى لو تلفت لخراب الدار كان في ضمان الاجر كذلك ولكنه استحسن فقال قبض محل المعقود عليه
[ 137 ] وهو الارض أو الدار جعل بمنزلة قبض المعقود عليه كما ان عين الدار والارض جعل قائما مقام المعقود عليه في جواز العقد (ألا ترى) أنه لا يملك التصرف قبل قبض الدار ويملك بعد ذلك وقد ثبتت يد الآمر على الارض حقيقة بقبضه وحكما بقبض المستأجر وصار استدامة اليد إلى انتهاء المدة مستحقا له فلا يملك الوكيل ابطال ذلك الحق عليه للمناقضة استحسانا قال وإذا وكله أن يستأجرها له سنة فاستأجرها سنتين فالسنة الاولى للآمر والسنة الثانية للوكيل لان عقد الاجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة ففى المدة التى سمى له الآمر امتثل أمره بالاستئجار له وحصل مقصوده وفيما زاد على ذلك انشأ التصرف بغير أمره فيكون عاقدا لنفسه ويكون كالمضيف العقد الذى باشره لنفسه إلى وقت في المستقبل ولان التوكيل بالاستئجار كالتوكيل بالشراء والوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشترى ذلك الشئ مع غيره كان مشتريا ذلك الشئ للآمر وما سواه يصير مشتريا لنفسه قالوا وإذا وكله أن يستأجر له دارا فسقط بعض الدار قبل أن يقبضها أو بعد ما قبضها فقال المستأجر أنا أرضي بها فانها تلزم المستأجر دون الآمر بمنزل الوكيل بالشراء يعلم بالعيب فيرضى به وذلك يلزمه دون الآمر فهذا مثله الا أن هنا يستوى ان كان الانهدام قبل قبض الدار أو بعده لان بقبض الدار المعقود عليه لا يدخل في ضمان المستأجر وانهدام بعض البيوت يمكن نقصانا في المعقود عليه فيكون منشئا الخيار للمشترى والمستأجر والآمر قال ولو وكل رجلين أن يستأجرا له أرضا فاستاجرها أحدهما لزم الوكيل لان هذا عقد يحتاج فيه إلى الرأى وقد فوضه اليهما فلا ينفرد به أحدهما وإذا تعذر تنفيذه على الامر نفذ العقد على المباشر بمنزلة الوكيلين بالشراء فان قال الآمر أنا أرضى بذلك فللمستأجر أن يمنعه منه لانه صار عاقدا لنفسه فلا يملك استحقاقه عليه بغير رضاه فان دفعها إليه فهو للآمر باجارة مستقبلة ويجعل الوكيل عند التسليم إليه كان يقول أجرتك هذه إلى كذا كذا فهو بالقبض يصير كأنه قال استأجرته منك والله أعلم بالصواب (باب الوكالة من أهل الكفر) (قال رحمه الله) وإذا وكل الذمي الذمي بقبض خمر له بعينها فصارت خلا فله أن يقبضها لان العين باقية بعد التخلل والهيئة باقية وانما اختلف الطعم والوكالة انما صحت لبقاء العين فيما بقيت العين صحت الوكالة وبقيت وكذلك المسلم يوكل المسلم بقبض عصير له بعينه فيصير العصير
[ 138 ] خلا فله أن يقبضه ولم يذكر ما إذا صار خمرا والصحيح ان له أن يقبضه أيضا لان الموكل يملك قبضه بعد التخمر فيملك وكيله قبضه أيضا قال ولو وكل ذمى ذميا بقبض جلود ميتة ودباغها ففعل ذلك فهو جائز وهذا لا يختص بالذمي والجواب في المسلم هكذا لان القبض اثبات اليد على العين مالا كان أو غير مال والموكل يملك ذلك بنفسه وهو أحق به لان ملكه لم يبطل ببطلان المالية الا انه وضع هذه المسائل في أهل الذمة صيانة للمسلمين عن التداول لاعيان نجسة قال وإذا وكل الحربى مسلما أو ذميا أو حربيا بتقاضي دين له في دار الاسلام وأشهد على ذلك شهودا من أهل الاسلام فخرج وكيله من دار الحرب وطلب ذلك فهو جائز لانه خرج بنفسه مسلما أو ذميا أو مستأمنا فطلب ذلك الحق جاز فكذلك إذا بعث وكيلا لانه ربما يعجز عن الخروج بنفسه والتوكيل استعانة بالغير فيما يعجز فيه عن مباشرته بنفسه وعلى هذا لو وكل بقبض وديعة له أو بيع شئ أو شرائه في دار الاسلام وعلى هذا توكيل المسلم أو الذمي أو الحربى المستأمن في دار الاسلام بخصومة أو بيع أو غير ذلك لان المسلم والذمى من أهل دار الاسلام وهو يملك الخصومة بنفسه فيملك أن يوكل الحربي المستأمن بها قال فان كان الحربى مستأمنا فلحق بدار الحرب فان كان الذى وكله مسلما أو ذميا انتقلت الوكالة لتباين الدارين حقيقة وحكما وذلك قاطع لاقوى أنواع العصمة وهو النكاح فلان يقطع الوكالة بالخصومة أولى (ألا ترى) ان ابتداء التوكيل بهذه الصفة لا يجوز فكذلك لا يبقى قال وإذا كان الذي وكله حربيا من أهل داره ففى القياس تبطل الوكالة أيضا لما قلنا ولكنه استحسن فقال انفاق الدارين حكما قد نعدم هنا لان المستأمن وان كان في دارنا صورة فهو من أهل الحرب حكما (ألا ترى) انه ممكن من الرجوع والظاهر ان يرضي بتصرفه بعد رجوعه إلى دار الحرب لانه على عدم اللحوق بدار الحرب بخلاف المسلم والذمى قال وإذا كل المستأمن مستأمنا بخصومة ثم لحق الموكل بالدار وبقى الوكيل يخاصم فان كان الوكيل هو الذي يدعي للحربى الحق قبلت الخصومة فيه لما بينا وان كان الحربى هو المدعى عليه ففى الاستحسان كذلك اعتبار لاحد الجانبين بالآخر وتحقيقا للتسوية بين الخصمين وفى القياس تنقطع الوكالة حين يلحق بالدار وبالقياس نأخذ لان المقصود من الخصومة القضاء وانما توجه القاضى للقضاء على الموكل دون الوكيل (ألا ترى) ان فيما يقيم من الحجة عليه يراعى دين الموكل دون الوكيل وبعد ما رجع الموكل إلى دار الحرب حربيا لا يبقى لقاضي المسلمين عليه ولاية
[ 139 ] الزام القضاء فلهذا تبطل الوكالة فاما إذا كان الموكل هو المدعى فانما يوجه القاضى القضاء على الخصم الذى هو في دار الاسلام لخصومة وكيل الحربى وله هذه الولاية فلهذا بقيت الوكالة قال ولو وكل المستأمن ذميا ببيع متاع أو بتقاضي دين سوى الخصومة ثم لحق بدار الحرب فهو جائز لان ابتداء التوكيل وهو في دار الحرب صحيح فبقاؤه أولى قال وان كان الموكل ذميا والوكيل مستأمنا فلحق بالدار بطلت الوكالة لان الذمي من أهل دارنا كالمسلم ومن هو في دار الحرب حقيقة وحكما في حق من هو في دار الاسلام كالميت فكما لا يبقى بعد موت الوكيل فكذلك بعد لحاقه بخلاف ما إذا كان الموكل حربيا لانه من أهل تلك الدار حكما فلا يصير الوكيل باللحوق بالدار في حقه كالميت قال وان وكل المرتد وهو في دار الحرب وكيلا ببيع شئ من ماله في دار الاسلام لم يجز لان بلحوقه بالدار زال ماله عن ملكه وصار في حكم الميت ولهذا يقضي بالمال لوارثه لانه انما وكل ببيع ما لا يملك بيعه بنفسه فان أسلم بعد ذلك لم تجز الوكالة لانه لما لم يكن مالكا عند التوكيل تعينت جهة البطلان في وكالته فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك بعود الملك إليه (ألا ترى) انه لو باع بنفسه ثم أسلم لم ينفذ ذلك البيع قال ولو وكله وهو مسلم ثم ارتد ثم أسلم قبل لحاقه بدار الحرب فهو على وكالته في جميع ذلك لان ملكه لم يزل قبل لحاقه بل توقف وباسلامه قبل لحاقه يعود (ألا ترى) انه لو باع بنفسه ثم أسلم نفذ البيع فكذلك تبقى وكالة الوكيل في جميع ذلك ما خلا النكاح لانه بالردة خرج من ان يكون مالكا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضا ثم لا يعود الا بالتجديد قال ولو لحق بدار الحرب مرتدا ثم جاء مسلما فالوكيل على وكالته إلا أن يكون القاضى قضى بلحاقه وقسم ماله بين ورثته فحينئذ ينعزل الوكيل ثم لا يعود وكيلا وان جاء مسلما لان اللحوق بدار الحرب إذا لم يتصل به قضاء القاضى فهو غيبة وإذا اتصل به قضاء القاضي فهو كالموت ولم يذكر هذا التقسيم فيما إذا كان ابتداء التوكيل بعد ما لحق بدار الحرب فمن أصحابنا رحمهم الله من قسمه على أحد الفصلين والاصح هو الاول والفرق بينهما أن تعيين اللحوق بدار الحرب لا يمنع ابتداء التصرف من المرتد فلا يمنع بقاءه ما لم يقض القاضى بلحاقه (ألا ترى) أنه لو باع بنفسه بعد ما التحق بدار الحرب شيئا من ماله في دار الاسلام ثم جاء مسلما لم ينفذ ذلك البيع فكذلك الوكالة بلا فرق بينهما قال وإذا وكل الرجلان رجلا ان يشترى لهما جارية بعينها ثم ارتد أحدهما ولحق بالدار ثم اشتراها الوكيل لزم الوكيل نصفها والموكل الثاني نصفها لان
[ 140 ] كل واحد منهما وكله بشراء النصف له ففى نصف الذى لحق بالدار جعل كأنهما لحقا فيكون الوكيل مشتريا لنفسه وفى نصيب الذي بقى يجعل كأنهما بقيا في دارنا فيكون مشتريا له وهذا قياس موت أحد الموكلين فان قال ورثة المرتد اشتريتها قبل ان يرتد صاحبها وكذبهم الوكيل فالقول قوله مع يمنيه لان الورثة يدعون الارث فيما لم يثبت الملك لمورثهم فيه ولان الشراء حادث فيحال بالحدوث الي أقرب الاوقات وهم يدعون فيه تاريخا سابقا ولان الظاهر أن المرء يكون متصرفا لنفسه حتى يقوم الدليل على أنه يتصرف لغيره ولو كان الوكيل نقد مال المرتد فالقول قول الورثة لان الظاهر شاهد لهم فان الانسان في تصرفه لنفسه لا ينقد مال غيره فان أقاما البينة فالبينة بينة الورثة أيضا لانهم يثبتون الملك لمورثهم وسبق التاريخ في العقد الذى باشره الوكيل وعلى هذا لو كان المرتد هو الموكل وحده فالجواب لا يختلف ولو قال الوكيل اشتريتها قبل لحاقه بدار الحرب وكذبه الورثة فالقول قول الوكيل إذا كان المال مدفوعا إليه وهو ليس تعيين مال قائم في يده أو يد غيره وان لم يكن المال مدفوعا إليه فالقول قول الورثة لانه يدعى عليهم وجوب ثمن المشترى وهم ينكرون ذلك وكذلك ان كان المال المدفوع إليه بعينه في يده أو في يد البائع لان عينه صارت ملكا لهم فهو بقوله يبطل ملكهم وقد بينا نظير ذلك في موت الموكل قال وإذا وكل الرجل رجلا ان يخلع امرأته على مال أو يطلقها بتا بغير مال ثم ارتد الزوج ولحق بالدار أو مات وخلعها الوكيل أو طلقها فقالت المرأة فعل ذلك بعد موت زوجي أو بعد لحاقه وقال الوكيل والورثة كان ذلك في حياته واسلامه فالقول قول المرأة والطلاق باطل ومالها مردود عليها ولها الميراث لان الخلع والايقاع من الوكيل حادث والورثة يدعون فيه سبق التاريخ وهو ينكر فالقول قولها الا ان تقوم البينة فحينئذ يثبت التاريخ ببينة الورثة قال ولو وكل وكيلا بعتق عبد له على مال أو غير مال أو مكاتبته ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب أو مات فقال الوكيل فعلت ذلك في اسلامه وكذبه الورثة فالقول قول الورثة لان سبب ملكهم في العبد ظاهر فالوكيل مخبر بما يبطل ملكهم عن العين وهو لا يملك انشاءه في الحال فلا يقبل قوله بخلاف ما تقدم فان الورثة لا يخلفونه في ملك المرأة نكاحا فلهذا جعلنا القول قولها هناك وفى الحقيقة لا فرق وفى الموضعين جميعا يجعل تصرفه محالا به على أقرب الاوقات لانه لم يثبت فيه سبق التاريخ ولهذا لو قامت لهم جميعا البينة أخذ ببينة الوكيل والعبد لان فيها اثبات سبق التاريخ ولو
[ 141 ] دفع إلى رجل ألف درهم فقال تصدق بها أو اقضها فلانا عنى ثم ارتد الآمر ولحق بالدار فقال الوكيل فعلت ذلك في اسلامه فالقول قوله لانه أمين مسلط أخبر بما سلط عليه فيوجب قبول قوله إذا لم يكن كذبه ظاهرا وان أقاموا البينة فالبينة بينته أيضا لانه يثبت سبق التاريخ في تصرفه ببينته وكذلك لو وكله ببيع عبد بعينه فقال قد بعته في اسلامه ودفعت إليه الثمن فان كان مستهلكا فالقول قوله والبينة ببينته لما بينا وان كان العبد قائما بعينه لم يصدق الوكيل لانه يخبر بزوال ملك الورثة عنه بتصرف لا يملك انشاءه في الحال وكذلك هذا كله في المرتدة اللاحقة بالدار لان بعد اللحوق حال الرجل والمرأة فيه سواء قال وان كان الموكل قد عاد مسلما من دار الحرب ثم اختلف هو والوكيل فالقول فيه مثل الاول كاختلاف الوكيل مع الورثة لما قلنا قال ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها ثم ارتد الآمر ولحق بالدار فقال الوكيل زوجته في اسلامه وكذبه الورثة والموكل بعد جاء مسلما فانه لا يقبل قول الوكيل أو المرأة لان الوكيل يخبر بما لا يملك استئنافه فقد انعزل بردة الآمر ولم يعد وكيلا بعد ما جاء مسلما وليس في كلامه نفى ضمان عن نفسه بل فيه ايجاب الحق لها في تركته أو في ذمته إذا جاء مسلما وان أقاموا البينة فالبينة بينة المرأة لانها تثبت الحق لنفسها ببينتها ونثبت سبق التاريخ والورثة ينفون ذلك وان لم يكن بينهما بينة يستحلف الورثة على علمهم لانهم لو أقروا بما ادعت لزمهم فان قضى القاضى لهم بالميراث بعد ما حلفوا ثم رجع المرتد مسلما فارادت المرأة أن تستحلفه أيضا فلها ذلك لانها تدعى الصداق دينا في ذمته واستحلاف الورثة لا يسقط اليمين عنه لانهم ما كانوا نائبين عنه فالنيابة في الايمان لا تجرى قال وتوكيل المرتدة بالتصرفات التى تملك مباشرتها بنفسها صحيحة سواء وكلت بذلك مرتدة مثلها أو مسلما وكذلك ان كان التوكيل قبل ردتها يبقى بعد الردة لانها تبقى مالكة للتصرف بنفسها الا ان توكل بتزويجها وهى مرتدة فان ذلك باطل لانها لا تملك ان تتزوج بنفسها فلا يصح توكيلها بذلك حتى لو زوجها الوكيل في حال ردتها لم يجز وان لم يزوجها حتى اسلمت ثم زوجها جاز لان التوكيل كالمضاف إلى ما بعد اسلامها بمنزلة المعتدة أو المنكوحة إذا وكلت انسانا بأن يزوجها وهذا بخلاف ما إذا كان التوكيل في اسلامها ثم ارتدت ثم أسلمت فزوجها لم يجز لان ارتدادها اخراج من الوكالة فانها حين كانت مالكة للعقد وقت التوكيل نثبت الوكالة في الحال ثم بردتها تخرج من أن تكون مالكة للعقد فيكون ذلك عزلا منها لوكيلها فبعد ما انعزل
[ 142 ] لا يعود وكيلها إلا بتجديد قال ولو وكلت المرتدة وكيلا بخصومة أو قضاء دين أو تقاضيه ثم لحقت بالدار انتقضت الوكالة لان لحاقها بمنزلة ردتها حكما كلحاق الرجل لانها باللحوق صارت مستحقة لان تسترق ففيه اتلاف حكما فلهذا تبطل الوكالة فان قال الوكيل فعلت في حياتها أو قبل لحاقها فهو مصدق في المستهلك غير مصدق في القائم بعينه لانه صار مملوكا لورثتها ولو قال قد قبضت دينا لها من فلان لم يصدق على ذلك إلا ببينة وان كان قائما بعينه لان الورثة؟ قاموا مقامها في الدين في ذمة الغريم والوكيل يخبر بتحول حقهم إلى العين في حال ملك؟ انشائها فلا يصدق في ذلك إلا ببينة ان قال قد قبضت المال الذى أعطتني فلانة وقد كانت أمرته بذلك فهو مصدق إذا كان المال عينا قائما بعينه لانه يخبر بما كان مسلطا عليه ويقصد بذلك نفى الضمان عن نفسه فكان القول قوله قال وإذا وكلت المرتدة وكيلا بقبض وديعة لها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها إليها وقالت الورثة قبضتها بعد موتها فالقول قول الوكيل لانه أخبر بما كان مسلطا عليه والوديعة ما كانت مضمونة وهذا بخلاف الدين فانه كان مضمونا في ذمة الغريم فلا يقبل قول الوكيل في قبضه إذا كان لا يملك انشاء القبض في الحال لان فيه اسقاط الضمان عن الغريم ولو وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة فوكلت وكيلا بقبضها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها إليها فالقول قول الوكيل لانه يخبر بما جعل مسلطا عليه أمينا فيه وان قال الواهب قبضتها وبعد موتها فالقول قول الوكيل أيضا لان الواهب يدعى الضمان لنفسه عليه فلا يصدق الا بحجة فان كون القبض حادثا يحال بحدوثه على أقرب الاوقات نوع من الظاهر ولا يكفى الظاهر لاثبات الضمان على الوكيل الا أن تكون قائمة بعينها فيكون للواهب أن يرجع فيها لانه يبقى استحقاق المرأة عنها والظاهر شاهد له والظاهر يكفى لدفع الاستحقاق وكذلك لو وهبت هبة فوكلت بدفعها وكيلا ثم ماتت ودفعها الوكيل فقال دفعتها في حياتها فصدقه الموهوب له فلا ضمان على الوكيل لانه كان أمينا في الدفع ولكن ان كانت قائمة في يد الموهوب له فللورثة أن يأخذوها لان الظاهر يشهد لهم فانه انما يحال بالدفع على أقرب الاوقات وهو ما بعد موتها والوكيل يبطل ملك الورثة باختياره بتصرف لا يملك انشاءه فان أقاموا البينة أخذت ببينة الموهوب له لانه يثبت الملك لنفسه في الموهوب وسبق التاريخ في دفع الوكيل إليه قال وإذا رهنت المرتدة رهنا أو ارتهنته مع التسليط على البيع عند حل الاجل فهو جائز وللوكيل أن يبيعه وان مات أو لحقت
[ 143 ] بالدار ان كانت رهنت فلقيام حق المرتهن وان كانت ارتهنت فلقيام حق ورثتها وبقاء الوكيل والموكل جميعا قال وإذا وكل المكاتب المرتد وكيلا ببيع أو شراء فهو جائز بخلاف الحر على قول أبى حنيفة رحمه الله لان المكاتب بعد الردة يملك التصرف بنفسه لقيام الكتابة فيوكل به غيره بخلاف الحر وهذا لان كسب المكاتب دائر بينه وبين مولاه والمولى راض بتصرفه بخلاف مال الحر فانه يوقف على حق ورثته وهم لا يرضون بتصرفه والمستسعى كالمكاتب في قوله قال فان لحق المكاتب بالدار مرتدا كان الوكيل على وكالته وكذلك لو أسر أو سبي لان عقد الكتابة بان بعد لحاقه (ألا ترى) أن لحاقه لا يكون أعلى من موته وموته عن وفاء لا يبطل الكتابة فكذلك لحاقه فلهذا بقى الوكيل على وكالته والله أعلم بالصواب (باب الوكالة في الدم والصلح) (قال رحمه الله) قد بينا فيما سبق ان وكيل من عليه القصاص إذا أقر بوجوب القصاص على موكله لم يجز استحسانا الا ان يشهد هو وآخر معه ان ادعى المدعى عليه لان قبوله الوكالة لا يخرجه من أن يكون شاهدا على موكله اما عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فلا يشكل لانه عزل قبل الخصومة فشهادته لموكله تجوز فعلى موكله أولى وعند أبى يوسف رحمه الله فقد صار قائما مقام موكله فلم تجز شهادته له ولا يوجد هذا المعنى في شهادته عليه وهذا إذا لم يسبق من الوكيل انكار فان سبق منه انكار في مجلس القضاء ثم جاء بعد ذلك يشهد بحضرة المدعى عليه فهو مناقض والشهادة مع التناقض لا تقبل قال والتوكيل بطلب دم جراحة خطأ أو عمدا ليس فيها قود جائز مثل التوكيل في المال لان العمد الذى لا قود فيه موجبه موجب الخطأ وهو المال وهذا التوكيل لاثبات موجب الفعل والاستيفاء وذلك مال قال ولو وكل رجل رجلا ان يصالح عنه رجلا ادعى عليه دعوى من دين أو عين وان يعمل في ذلك برأيه فصالحه الوكيل على مائة فهو جائز لانه فوض الامر إلى رأيه على العموم والمال على الآمر دون الوكيل لان الوكيل يضيف العقد إلى الموكل فيقول صالح فلانا من دعواك على كذا وفى مثله العاقد يكون سفيرا ويكون المال على من وقع له دون الوكيل قال والوكيل بالصلح ليس بوكيل في الخصومة لان الصلح عقد ينبنى على الموافقة والمسالمة وهو ضد الخصومة (ألا ترى) أن الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولو أقر ان ذلك باطل لم يجز اقراره على صاحبه
[ 144 ] لان صحة اقرار الوكيل بالخصومة باعتبار أنه وكيل بجواب الخصم والوكيل بالصلح ليس بوكيل بالجواب وانما هو وكيل بعقد يباشره والاقرار ليس من ذلك العقد في شئ قال ولو وكل المدعى عليه وكيلا بالصلح فوكل الوكيل وكيلا بالصلح وفعل لم يجز لانه عقد يحتاج فيه إلى الرأى وانما رضى الموكل برأيه دون رأى غيره فان كانت الدراهم من مال الآمر رجع بها لان الصلح لا ينفذ في حقه حين لم يباشره من رضي برأيه وان لم يكن الآمر دفع المال فصالح الوكيل الآخر ودفع المال من عند نفسه لم يلزم الاول شئ وجاز الصلح عن الموكل الآخر وهو الوكيل الاول لان الوكيل باشره بأمر الاول فجاز في حق الاول ولكنه حصل على وجه لم تتضمنه وكالة الموكل الاول فكان توكيل الاول لم يوجد ولكن أمر أجنبي أجنبيا بأن يصالح على مال ويدفع من عند الموكل أو من عنده فهذا الصلح يجوز ويكون الموكل متطوعا فيه فكذلك هنا الموكل الثاني يكون متطوعا وكذلك لو وكل اثنين فصالح أحدهما دون الآخر بماله دون مال الموكل جاز ذلك عليه وهو متطوع فيه ولا يجوز على الموكل لان الموكل رضى برأيهما فلا يكون راضيا برأى أحدهما وهذا الواحد إذا تفرد بالصلح كان كالفضولى وصلح الفضولي صحيح إذا أضافه إلى نفسه أو أدى المال أو ضمن المال ويكون متطوعا فيه لمعين وهو ان موجب الصلح في حق المصالح المديون البراءة عن الدين والمشتري ينفرد بذلك وانما يحتاج إلى رضاه لوجوب العوض عليه فإذا لم يكن عليه شئ من العوض سقط اعتبار رضاه وكذلك لو وكله ان يصالح عنه بألف وضمن المال فصالح بالفين أو بمائة دينار ونقده من ماله أو شئ من العروض أو المكيل أو الموزون من عند الوكيل فالصلح جائز ولا يرجع على الموكل بشئ لانه خالف أمره حين صالح على غير ما سمى له كالفضولي في هذا الصلح ولو صالحه على أقل من ألف درهم وضمنه جاز على الموكل لانه امتثل أمره فان صالحه بأقل مما سمى من الدراهم يكون خيرا للموكل فهذا لا يعد خلافا وقد وقع ضمن بدل الصلح بامره فيكون له أن يرجع به عليه قال ولو وكله أن يصالح على كر حنطة فصالح على كر شعير أو دراهم جاز على الوكيل دون الآمر لانه خالف ما أمره به نصا قال ولو وكله أن يصالح على عبد بعينه فصالح على أمة للوكيل جاز عليه ان ضمن أو دفع ولا يجوز على الموكل لمخالفته أمره نصا قال ولو وكله أن يصالح على كر حنطة لعينها فصالحه علي غيرها من حنطة أجود منها وضمنها جاز على الوكيل دون الموكل لانه
[ 145 ] خالف ما أمره به نصا حين أضاف الصلح إلى غير المحل الذى أمره به الموكل وهو أضر على الموكل مما أمره به قال ولو صالح على كر حنطة وسط بغير عينه والكر الذى دفع إليه وسط ففى القياس لا يجوز على الموكل لانه لو جاز كان بدل الصلح دينا في ذمته وهو انما وكله بان يصالح على كر حنطة بعينه وكان بهذا مغيرا العقد إلى غير المحل الذى أمر به ولكنه استحسن وقال يجوز صلحه على الموكل لانه ما خالف أمره به بتسمية شئ آخر سوى المأمور به انما ترك التعيين ولا ضرر على الموكل في ذلك وقد بينا انه انما يعتبر من التقييد ما يكون مفيدا في حق الموكل دون ما لا يكون مفيدا ولان الوكيل قد يبتلى بهذا فقد يتفق الصلح في غير الموضع الذى فيه الحنطة ولو أضاف العقد إلى عينه وهو غير مرئى دخل فيه شبهة الاختلاف بين العلماء رحمهم الله في جواز شراء ما لم يره فتجوز عن ذلك بتسمية كر وسط مطلقا على أن يدفع إليه ذلك الكر ولما وكله الموكل مع علمه انه قد يبتلى بهذا فقد صار راضيا بترك التعيين قال ولو وكله المدعى أن يصالح على بيت من هذه الدار بعينه فصالح عليه وهو بيت وآخر فهو جائز لانه زاد خيرا بما صنع وحصل مقصوده قال ولو وكله أن يصالح عن هذا البيت بمائة درهم فصالح عنه وعن بيت آخر بمائة درهم والوكيل من جانب المدعى عليه جاز في حصة ذلك البيت لانه امتثل أمره حين صالحه عن ذلك البيت على أقل مما سمى له قال ولو وكله رب الدار أن يصالح عنه ولم يسم له شيأ فصالح على مال كثير وضمن فهو لازم للوكيل بحكم ضمانه ثم ان كان مما يتغابن الناس فيه جاز على الموكل وان كان أكثر من ذلك لم يجز على الموكل لانه بمنزلة الوكيل بالشراء وقد بينا أن تصرفه هناك يتقيد بما يتغابن الناس في مثله فإذا زاد على ذلك لم يجز على الموكل فان كان الوكيل وكيلا للمدعى فصالح على شئ يسير فهو جائز على المدعى في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه بمنزلة الوكيل بالبيع والتوكيل مطلق فلا يتقيد بشئ من البدل كما هو مذهبه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يجوز الا أن يحط عنه فيما يتغابن الناس في مثله بمنزلة الوكيل بالبيع والشراء عندهما وان لم يعرف الدعوى فالصلح جائز على كل حال يريد به إذا كان الخصم منكرا ولا حجة للمدعى أو لا يعرف مقدار ما يدعيه من الدار فالصلح على البدل اليسير في مثل هذا الموضع متعارف والحط على وجه يكون فيه اسقاط شئ من حق الموكل غير معلوم هنا فلهذا جاز الصلح على كل حال قال وإذا وكل المشترى الطاعن بالعيب وكيلا بالصلح فأقر أن صاحبه قد رضى بالعيب فاقراره
[ 146 ] باطل لان الوكيل بالصلح لا يملك الخصومة وصحة اقرار الوكيل باعتبار مباشرته أو كونه وكيلا بالخصومة ولم يوجد ذلك قال ولو كان البائع عبدا فوكل مولاه وكيلا بالصلح لم يجز ان كان على العبد دين وجاز ان لم يكن عليه دين كما لو باشر المولى الصلح بنفسه وهذا لان كسب العبد خالص ملك مولاه ان لم يكن عليه دين وحق غرمائه ان كان عليه دين فيكون المولى منه كالأجنبي وكذلك لو كان العبد هو المشترى قال ولا يجوز توكيل المولى على المكاتب بذلك لانه من كسبه كالأجنبي لا يملك مباشرة الصلح بنفسه فلا يملك أن يوكل به غيره ولو كان ابن المكاتب ولدا من أمة له فباع أو اشترى فطعن بعيب أو طعن عليه فوكل المكاتب بالصلح في ذلك جاز ان لم يكن على الاب دين وان كان دخل عليه دين لم يجز لان كل من في كتابته فكسبه يكون له بشرط الفراغ من دينه يأخذه فيستعين به في قضاء بدل الكتابة فإذا لم يكن على العبد دين فالمكاتب يملك هذا الصلح بنفسه فكذلك يوكل غيره به بخلاف ما إذا كان عليه دين قال ولو وكل المكاتب وكيلا بالخصومة في ذلك لم يجز على أبيه ان كان عليه دين أو لم يكن لان الخصومة في العيب من حقوق العقد والعقد انما باشره الابن والمكاتب لا يملك الخصومة فيه بنفسه على كل حال فكذلك لا يملك أن يوكل به غيره بخلاف الصلح فانه أنشأ عقدا في كسبه وهو يملكه إذا كان الكسب حقه وكذلك لو وكل المكاتب وكيلا بتقاضي دين لابنه وبالخصومة في ذلك لم يجز ان كان على العبد دين أو لم يكن لان الابن هو الذى باشر المداينة فحق القبض والتقاضى إليه دون المكاتب والذى بينا في المكاتب مع ابنه فكذلك الجواب في المولى مع عبده قال وإذا كان دين بين رجلين فوكل أحدهما وكيلا فاقتضى منه شيأ كان نصف ما أخذ لشريكه لان أصل الدين مشترك بينهما وقبض وكيل أحدهما كقبض الموكل بنفسه وللشريك أن يأخذ منه نصفه وان ضاع المقبوض من الوكيل فللشريك أن يضمن صاحبه نصف ما أخذ الوكيل لان الموكل صار قابضا بقبض وكيله فكان هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فلهذا يرجع الشريك عليه بنصفه قال وان كان وكله بقبض ماله كله فقبضه فهلك منه فللشريك أن يضمن شريكه نصف ذلك كما لو قبضه بنفسه وان شاء ضمن الوكيل لانه في قبض نصيب الشريك متعد في حق الشريك فكان له أن يضمنه نصيبه بتعديه ثم يرجع الوكيل بما ضمن لانه قائم مقام من ضمنه ولانه لحقه غرم فيما باشره بأمر الموكل فيرجع به عليه وذكر في نسخ أبى حفص رحمه لله أن
[ 147 ] للشريك أن يضمن شريكه نصف ذلك ان شاء وان شاء ضمن الغريم ثم يرجع الغريم بما؟ ضمن من ذلك على الشريك وهذا هو الاصح لانه إذا لم يجز قبض الوكيل بقي حقه في ذمة الغريم على حاله وانما يكون له أن يضمن الغريم دون الوكيل لان قبض الوكيل لم يصادف ماله ثم قبض الوكيل في حق الموكل كقبضه بنفسه ولو قبض أحد الشريكين بنفسه جميع الدين ثم ان الآخر رجع لحقه على الغريم كان للغريم أن يرجع بذلك على القابض لانه انما دفع إليه المال على أنه يستفيد البراءة من جميع الدين ولم يستفد ذلك فلهذا رجع عليه ويستوى ان أقر الوكيل بالقبض أو قامت به بينة عليه لانه يملك مباشرة القبض بنفسه فيصح اقراره به في حق الموكل قال وان كان الوكيل وكيلا بالخصومة فأقر عند القاضى ان صاحبه الذى وكله به قد قبض حصته جاز ذلك على صاحبه ولم يضمن لشريكه شيئا لان صحة اقرار الوكيل بقبض موكله كان باعتبار انه جواب الخصم وهو وكيل بالخصومة بينه وبين الغريم لا بينه وبين الشريك فلا يثبت قبضه في حق الشريك بهذا الاقرار فلهذا لا يرجع عليه بشئ بخلاف الوكيل بالقبض إذا أقر انه قبض لانه أقر بما سلطه عليه فيكون اقراره بذلك كاقرار الموكل فلهذا كان للشريك ان يرجع عليه بنصف المقبوض قال ولو كان دين بين اثنين وكل أحدهما وكيلا يتقاضاه فاشترى بحصته ثوبا جاز على الوكيل دون الموكل لانه أتى بتصرف آخر سوى ما أمره به فلا ينفذ على الموكل وقد بينا ان الشراء ينفذ على العاقد إذا تعذر بتقيده على الموكل فيصير مشتريا الثوب لنفسه بما سمى من الثمن دينا في ذمته ثم جعله قصاصا بدين الموكل ولم يصح ذلك فبقى هو مطالبا بالثمن وبقى المطلوب مطالبا بحصة الموكل من الدين وكذلك ان رضى الموكل بذلك لان رضاه انما يعتبر فيما توقف على اجازته وهذا التصرف لم يكن موقوفا فلا يعتبر رضاه فيه قال وإذا كان الدين طعاما قرضا بينهما فوكل أحدهما وكيلا بقبض حصته فباعها بدراهم لم يجز على الموكل لانه تصرف بغير ما أمره به وان رضي به الموكل جاز لان بيع نصيبه من الدين كبيع نصيبه من العين بغير أمره فيتوقف على اجازته فإذا أجاز كانت الدراهم له ويرجع شريكه عليه بربع الطعام ان قبض الدراهم أو لم يقبضها بمنزلة ما لو باع نصيبه بدراهم وهذا لانه صار متملكا عوض نصيبه من الدراهم فيجعل نصيبه كالسالم له حكما حين يملك بدله فللشريك ان يرجع عليه بنصفه فقال ولو كان باعها بثوب وقبض لم يجز على الوكيل ولا على الموكل إلا ان يجيزه الموكل بمنزلة ما لو باع نصيبه بالدراهم فان قيل ينبغى ان
[ 148 ] ينفذ الشراء للثوب على الوكيل لانه في جانب الثوب مشتر والشراء ينفذ على العاقد إذا تعذر بتقيده على غيره قلنا ولكنه في جانب الطعام بائع واضافة العقد إلى الطعام هو دين للموكل في ذمة المطلوب بمنزلة اضافته إلى طعام هو عين له ومن باع طعام غيره بثوب لا ينفذ عقده ما لم يجز صاحبه فإذا أجاز يكون الثوب للعاقد دون صاحب الطعام وهذا لانه مشتر للثوب ومستقرض الطعام من صاحبه في جعله عوضا عن الثوب فيتوقف جانب الاستقراض على اجازة صاحبه ولو جعلنا العقد نافذا قبل اجازته لم يكن بالمسمى من الطعام لانه لا يجوز اخراجه من ملك صاحبه بغير رضاه فإذا أجازه تم رضاه الآن فينفذ العقد في الثوب للوكيل ويكون على الوكيل حصة الموكل من الطعام بسبب استقراضه لانه صار قاضيا به عوض ما اشتراه به لنفسه فإذا قبضه الموكل أخذ منه شريكه نصف ذلك لانه وصل إليه الطعام الاول فاما قبل القبض فلم يتملك هو بدلا بمقابلته وانما تحول حقه من نصيبه في ذمة الغريم إلى مثله في ذمة الوكيل فكان بمنزلة قبوله الحوالة في نصيبه فلهذا لا يرجع عليه الشريك بشئ حتى يقبضه بخلاف ما تقدم لان هناك يملك الدراهم بمقابلة نصيبه من الطعام * توضيح الفرق ان رجوع الشريك عليه بالطعام هناك لا يجوز ان يكون موقوفا على قبضه الدراهم وهنا هو يقبض من الوكيل الطعام دون الدراهم فيكون رجوع الشريك عليه بالطعام موقوفا على قبضه الطعام قال ولو وكله ان يصالح عنه في دم عمد ادعى عليه فصالح الوكيل على عشرة آلاف درهم وضمنها فهو جائز لان التوكيل بالصلح عن الدم ينصرف إلى بدل الدم وبدل الدم مقدار الدية عشرة آلاف درهم أو ألف دينار أو مائة من الابل أو ألف شاة على قولهما أو مائتا ثوب فإذا صالح الوكيل على شئ من ذلك بعد صلحه على الموكل بعد أن يكون ما سمي معلوما بان قال مائتي ثوب يهودى فيكون هو في هذا الصلح والضمان ممتثلا لامره فيرجع بذلك ويستوى ان كان أمره بالضمان أو لم يأمره بمنزلة الوكيل بالخلع وهذا لانه إذا ضمن البدل فلا حاجة إلى اعتبار أمره في جواز أصل الصلح لان ذلك جائز بدون أمره وانما الحاجة إلى ذلك في الرجوع بالضمان على الآمر فيجعل أمره معتبرا في ذلك جائزا فلهذا رجع عليه وان لم يأمره بالمضان ولان المباشر لهذا العقد قد يكون ملتزما إذا ضمن للبدل وقد لا يكون ملتزما إذا لم يضمن فينصرف مطلق التوكيل اليهما بخلاف الوكيل بالنكاح إذا ضمن المهر ولم يأمره الزوج بذلك لم يرجع عليه بشئ وقد قررنا هذا الفرق فيما أمليناه من شرح الجامع
[ 149 ] وكذلك لو صالحه على عشر وصفاء بغير أعيانهن كان جائزا لان الدم ليس بمال والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال فان كان قيمة الوصفاء أكثر من الدية تقيد بما لا يتغابن الناس في مثله فلو ضمن ذلك جاز عليه دون الموكل لانه في معنى الوكيل بالشراء فانه يلتزم بالصلح البدل عما هو مستحق على موكله من القصاص وتصرفه في ذلك يتقيد بما يتغابن الناس في مثله فإذا زاد على ذلك كان بمنزلة الفضولي فينفذ عليه إذا ضمن البدل ولا يرجع على الموكل لانه التزمه بغير أمره قال ولو وكله فان كان طالب الدم هو الذى وكل بالصلح في ذلك فصالح على بعض ما سميا كان جائزا وان صالحا على مائة درهم جاز على الطالب في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يجوز عندهما إلا ان ينقص من الدية ما يتغابن الناس في مثله لانه الآن بمنزلة الوكيل بالبيع وان صالح وكيل المطلوب على عبد المطلوب فالصلح جائز فان شاء المطلوب أعطى العبد وان شاء أعطى قيمته لانه أمره بالصلح وما أمره بازالة ملكه عن عين العبد وكان له حق امساك العبد فإذا امسكه كان هذا بمنزلة ما لو صالح من الدم على عبد فاستحق والصلح بهذا لا يبطل ولكن يجب قيمة المستحق بمنزلة الخلع فكذلك هنا وكذلك كل شئ يعينه من العروض والحيوان والعقار وان كان مكيلا أو موزونا بعينه فان شاء الموكل أعطاه وان شاء مثله لانه من ذوات الامثال فإذا حبس العين باعتبار انه لم يرض بزواله عن ملكه كان ذلك كالمستحق من يده فيلزمه مثله وان كان بغير عينه وضمن ذلك جاز على الوكيل والموكل لانه امتثل أمره فيما صنع فينفذ تصرفه على الموكل قال وإذا وكل المطلوب وكيلا يصالح عنه ويضمن فصالح عنه على مال وسمى ذلك إلى أجل وضمن فهو للوكيل على الموكل إلى ذلك الاجل لان بالصلح يجب على الضامن المال إلى ذلك الاجل فيجب له على الموكل أيضا إلى ذلك الاجل بمنزلة الوكيل بالشراء إذا اشترى بثمن مؤجل وان كان بدل الصلح حالا كان للوكيل ان يأخذه من الموكل قبل أن يؤديه بمنزلة الوكيل بالشراء إذا اشترى بثمن غير مؤجل لان الوكيل حين ضمن البدل فالمطالبة للطالب انما تتوجه على الوكيل لا على الموكل وكما تتوجه مطالبة الوكيل على الموكل بخلاف الكفالة فان الكفالة لم تسقط مطالبة الطالب عن الاصيل فلا تتوجه مطالبة الكفيل على الاصيل ما لم يؤد عنه وان اعطاه الوكيل به كفيلا لم يكن للكفيل إذا أدى ان يرجع على الموكل بشئ لان الموكل ما أمره باداء شئ عنه ولا بالكفالة ولكن الوكيل هو الذى كفل به فيكون رجوع الكفيل على الوكيل ورجوع
[ 150 ] الوكيل على الموكل قال ولو ان الموكل اعطى الوكيل رهنا بالمال قيمته والمال سواء فهلك الرهن عند الوكيل صار مستوفيا بهلاك الرهن ما استوجبه على الموكل فكأنه استوفاه حقيقة وعليه أن يؤدى المال للطالب من عند نفسه كما التزمه ولا يرجع به على الموكل لانه قد استوفاه منه مرة قال ولو ان الوكيل صالح للطالب على ألف درهم على ان يكون ذلك على المطللوب دون الوكيل كان ذلك جائزا على ما قاله لانه أخرج كلامه مخرج الرسالة وأضاف العقد إلى الموكل وهو المطلوب بالدم فكان على المطلوب وكذلك لو قال الوكيل أعف عنه على ألف درهم فعفا عنه على ذلك كان المال على المطلوب وفى غير الدم الحكم هكذا متى أضاف الوكيل العقد إلى المطلوب لا يكون عليه من البدل شئ إذا لم يضمن قال ولو ان طالب الدم وكل وكيلا بالصلح والقبض فصالح كان له أن يقبض المال لانه مأمور بذلك ولانه بمنزلة البائع ولو وكله أن يقول قد عفى فلان عن فلان بالف درهم وقبل ذلك المطلوب لم يكن للوكيل أن يأخذ ذلك المال لانه أضاف العفو إلى الموكل وجعل نفسه سفيرا ومعبرا عنه فكان حق قبض المال إلى الطالب ولان الوكيل لا تتوجه عليه المطالبة بتسليم المبدل فلا يكون له قبض البدل قال ولو أن المطلوب بالدم وكل وكيلا بما يطالب به أو وكله بالدم لم يكن له أن يصالح لان ما وكل به مجهول فانه لم يبين انه أراد الصلح أو الخصومة فهو عاجز عن تحصيل مقصود الموكل فلهذا لا يجوز صلحه حتى يتبين مراده قال وإذا وكل المطلوب بالدم وكيلا يصالح عنه الطالب فالتقى الوكيلان واصطلحا فهو جائز لان مقصود كل واحد من الموكلين يحصل بالصلح مع وكيل صاحبه مثل ما يحصل بالصلح مع صاحبه فلا يكون هذا خلاف من الوكيلين وعلى هذا لو أمر رجلا أن يشترى له خادما بعينه فاشتراه من وكيله أو من رجل اشتراه منه فهو جائز لان المقصود قد حصل للمولى فان مقصوده ملك ذلك الخادم بالشراء بخلاف ما لو وكله ببيع عبده من فلان فباعه من غيره لم يجز الا أن يكون ذلك الغير وكيل فلان بشرائه له وقد سبق بيان هذا الفرق قال وإذا كان دم خطأ بين الورثة فوكل أحدهم بالصلح في حصته عن عشرة دراهم وقبضها فلبقية الورثة أن يشاركوا الموكل ويخاصموه فيما أخذ كما لو أخذ بنفسه وهذا لان ما وقع عليه الصلح بدل دين مشترك بينهم وهو الدية ولا سبيل لهم على الوكيل لان ما في يده من المال أمانة لمن وكله ويده فيه كيد من وكله فلا يكون لهم معه في ذلك خصومة كصاحب الدين فانه لا خصومة له مع مودع المديون وان كانت الوديعة من جنس حقه وان هلك المال
[ 151 ] عند الوكيل فلا ضمان عليه لاحد ولكن سائر الورثة يأخذون الموكل فيضمنونه بقدر حصتهم مما أخذ وكيله لان هلاك المقبوض في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل قال وإذا قضي بالدية مائة من الابل على القاتل وعواقله فوكل الطالب وكيلا بقبضها فقبضها وانفق عليها في علفها وسقيها ورعيها حتى يبلغها الموكل فهو متطوع في ذلك لانه لم يؤمر بذلك فهو أمين أنفق على الامانة بغير أمر صاحبها ولا أمر القاضى قال ولو أمره الموكل ببيعها فوكل الوكيل عبدا له فباعها لم يجز لان الموكل رضى برأيه دون رأى عبده وهذا بخلاف الحفظ فان الانسان يحفظ المال بيد عبده فلا يصير ضامنا بالدفع إلى عبده ليحفظه ولكنه يباشر البيع بنفسه فإذا أمر به عبده لم يجز كما لو أمر به أجنبيا آخر قال وان تعذر استرداد عينها فلرب الابل أن يضمن الوكيل لانه متعد بتسليطه عبده على البيع والتسليم وان شاء ضمن عبده قيمة الابل في رقبته لانه متعد بالبيع والتسليم في حقه قال وإذا قضى بالدية من جنس فوكله بقبضه فقبض به جنسا آخر لم يجز على الموكل لان حقه تعين في ذلك الجنس بقضاء القاضى فبقبض جنس آخر مكانه يكون استبدل والوكيل بالقبض لا يملك الاستبدال قال وان وكل المطلوب وكيلا يؤدى عنه وقد قضى عليه بالدية بالدراهم فباع بها وكيل الطالب دنانير أو عروضا فهو جائز لانه باع ملك نفسه ثم قضى بالثمن دين المطلوب فان أخر الدينين يكون قضاء عن أولهما ولا فرق في حق المطلوب بين ان يقضى بهذه الطريق وبين ان يقضي بأداء الدراهم فلهذا جاز ويرجع الوكيل بالدراهم على المطلوب قال وإذا وكل المطلوب رجلا بالخصومة فأدى الوكيل من عند نفسه لم يرجع به على الموكل لانه مأمور بالخصومة لا بأداء المال فان الخصومة تكون في دفع دعوى المدعى فاما دفع المال فليس من الخصومة في شئ فكان متبرعا كاجنبي آخر قال وإذا دفع الدية دراهم إلى رجلين وقال أدياها عنى فصالحا الطالب من المال على دنانير أو عروض جاز ذلك لانهما عقدا على ملكهما فكانا متطوعين في ذلك لانهما باشرا عقدا غير ما امرا به فانهما أمرا بحمل المال للمطلوب والتسليم إليه ولم يفعلا ذلك بل تبرعا باداء المال من عندهما فيردان على الموكل دراهمه ولو قضى الطالب الدراهم لهما لانهما في حق المطلوب لا فرق بين أن يدفعا تلك الدراهم أو مثلها وقد يبتلى الوكيلان بذلك بان يتفق رؤيتهما الطالب في موضع لا تكون دراهم المطلوب معهما لانه يشق عليهما استصحاب تلك الدراهم في كل وقت فلدفع الحرج عليه استحسنا لهما أداء مثل الدراهم ليرجعا فيها قال ولو وكل وكيلا بأن يؤدى عنه دية
[ 152 ] ودفع إليه المال فادى نصفه وحط الطالب نصفه فهذا الحط عن الاصيل وليس للوكيل منه شئ لان الحط اسقاط والاسقاط انما يكون عمن عليه المال فان وهبه للوكيل وأمره بقبضه من الاصيل فهو جائز وهى مسألة الهبة إذا وهب الدين من غير من عليه الدين وسلطه على القبض ثم للوكيل أن يقاصصه بما في يده حتى يستوفى منه ما في يده إذا حضر من عليه الدين لانه لو رده عليه كان له أن يستوفيه منه لتسليط صاحب الدين اياه على قبضه فكذلك إذا كان في يده فله أن يمسكه ولكن بمحضر من عليه الدين لانه مأمور بقبضه منه والله أعلم بالصواب (باب الوكالة بالصلح في الشجاج) (قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بالصلح في شجة ادعيت قبله وأمره أن يضمن ما صالح عليه فصالح على أكثر من خمسمائة فان كانت الشجة خطأ جاز من ذلك خمسمائة وبطل الفضل لان بدل الشجة مقدر بالخمسمائة شرعا فالصلح على أكثر منه يكون ربا ولو باشره الموكل بنفسه بطل الفضل لهذا فكذلك إذا باشره الوكيل وان كانت عمدا جاز ذلك كله على الموكل إذا كان زاد ما يتغابن الناس في مثله لان الواجب في العمد القود وما يقع عليه الصلح يكون بدلا عن القود فلا يتمكن فيه الربا ولكن الوكيل بمنزلة الوكيل بالشراء وتصرف الوكيل بالشراء انما ينفذ على الموكل في الزيادة بقدر ما يتغابن الناس في مثله وان مات المشجوج انتقض الصلح في الوجهين جميعا (وفى مسألة كتاب الديات) أن العفو عن الشجة لا يكون عفوا عن السراية عند أبى حنيفة رحمه الله فكذلك الصلح عن الشجة لا يكون صلحا عن السراية فإذا مات المشجوج بطل الصلح لانه يتبين أن الحق كان في الدم دون الشجة فكان أولياؤه على دعواهم قال وان كان الوكيل صالح عن الجناية فان برئ من الشجة فالجواب كما بينا لانه حصل مقصود الموكل في اسقاط الموجب للشجة عنه بلفظ الجناية وان مات فيها فالصلح جائز على الوكيل ان كان ضمن البدل ولا يجوز على الموكل لانه تبين أنه صالح عن الدم فان اسم الجناية يتناول النفس وما دونها وانما كان هذا مأمورا بالصلح عن الشجة فيكون هو في الصلح عن الدم متبرعا بمنزلة أجنبي آخر فيلزمه المال بالضمان ولا يرجع به على الموكل قال فان كان الوكيل صالح عن الشجة وهى خطأ وما يحدث منها على خمسمائة فان
[ 153 ] المشجوج يجوز له من ذلك نصف العشر ويرد تسعة اعشار ونصف العشر ان كان قبض لان ما يحدث منها النفس وهو انما جعل الخمسمائة بالصلح عوضا عن جميع الدية وقد تبين أن الواجب كان بعد نصف عشر الدية فيمسك من بدل الصلح حصة حقه ويرد ما بقى منه ولو مات عن مال الشجة وله مال كثير يخرج ما حطه من ثلثه جاز ذلك علي الوكيل ان كان ضمنه ولا يجوز على الموكل لما بينا انه أمره بالصلح عن الشجة وهو انما صالح عن النفس والمشجوج أسقط من حقه ما زاد عن الخمسمائة وذلك بمنزلة الوصية منه فإذا كان يخرج من ثلثه كان جائزا وان لم يكن للمشجوج مال الا الدية جازت وصيته بقدر الثلث ثم يخاصم أولياء المشجوج المدعى عليه الشجة في مقدار الثلثين فان ثبت لهم عليه أخذ واتمام ذلك منه لبطلان وصية المشجوج فيما زاد على الثلث ولو ان المشجوج حط ما يتغابن الناس فيه جاز على الموكل وان كان أكثر من ذلك لم يجز قيل هذا قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله فينبغي أن يجوز لان وكيل المشجوج بمنزلة الوكيل بالبيع وقيل بل هذا قولهم جميعا لان بدل الشجة معلوم شرعا فالتوكيل بالصلح ينصرف مطلقه إلى ذلك ولكن قدر ما يتغابن الناس فيه يكون عفوا لان مبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق قال ولو وكل وكيلا بالصلح في الشجة خاصة فصالح عليها وعلى ما يحدث منها على عشرة آلاف وضمن الوكيل ثم مات المشجوج فالصلح يلزم الوكيل دون الآمر في قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله أن اسم الشجة لا يتناول النفس فالآمر انما أمره بالصلح عن الشجة وهو قد صالح عن النفس وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله اسم الشجة يتناول الشجة وما يحدث منها فإذا وكله بالصلح عما يحدث منها كان هو ممتثلا أمره فيما صنع لا مبتدئا شيأ آخر قال ولو وكله بالصلح في شجة فصالحه عن الشجة وعن جرح آخر مثلها جاز على الموكل النصف لانه في حصة ذلك ممتثل أمره وفى الجراحة هو مبتدئ فهو كاجنبي آخر وان كانت الجراحة الاخرى أكبر أو أصغر جاز علي الموكل بحساب تلك الشجة وما زاد على ذلك فهو على الوكيل إذا ضمنه لانه متبرع بالتزام ذلك قال وإذا وكله بالصلح في موضحة وما يحدث منها فصالح عن موضحتين وما يحدث منهما وضمن جاز علي الموكل النصف ولزم الوكيل النصف سواء مات أو عاش لانه في أحد الموضحتين ممتثل أمره وفى الاخرى متبرع بالصلح كاجنبي آخر فان وكله بالصلح في موضحة ادعاها قبل فلان فصالح الوكيل عليها وعلى غيرها جاز عليها ولم يجز على غيرها لان وكيل الطالب
[ 154 ] مسقط الحق بالصلح وانما يصح اسقاطه بقدر ما أمره صاحب الحق وفيما زاد على ذلك هو كأجنبي آخر فلا يصح اسقاطه أصلا قال وإذا وكل الرجل رجلا بالصلح في شجة تدعى قبله وان يضمن البدل فصالح على صنف بغير عينه أو على عشرة من الغنم أو على خمس من الابل فهو جائز وعلى الوكيل من ذلك الوسط كما لو كان الموكل صالح بنفسه وهذا لانه مال يلتزمه عوضا عما ليس بمال وجهالة الوصف في المسمى لا تمنع صحة التسمية في مثله كما في النكاح والخلع ثم يرجع الوكيل به على الموكل لانه التزمه بأمره حين أمره ان يضمن قال ولو وكل المطلوب وكيلا بالصلح في موضحة عمدا فصالح الوكيل على خدمة عبد الموكل سنين فالصلح جائز لان تسمية خدمة عبده كتسمية رقبة عبده وذلك لا يمنع جواز الصلح إلا ان يكون الموكل لم يرض بزوال ملكه عن منفعة عبده فيخير في ذلك ان شاء رضى به وان شاء لم يرض وعليه قيمة الخدمة وقد بينا نظيره فيما إذا سمى في الصلح عينا من أعيان ماله وان استحقاقه ذلك المسمى كاستحقاق غيره فلا تبطل به التسمية ولكن يجب قيمة المسمى قال ولو صالحه على خمر أو خنزير أو حر فهو عفو ولا شئ على الآمر ولا على الوكيل لان القصاص ليس بمال وانما يجب المال فيه بالتسمية وإذا كان المسمى ليس بمال لا يجب شئ كالطلاق فان من طلق امرأته على خمر أو خنزير أو حر لا يجب عليها شئ وهذا بخلاف البضع لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم (ألا ترى) انه لو سكت هناك عن ذكر البدل يجب مهر المثل ولو سكت عن ذكر البدل هنا لا يجب شئ ولو قال الوكيل أصالحك على هذا العبد أو على هذا الخل فضمنه له فإذا العبد حر والخل خمر فعلى الوكيل ارش الشجة لانه سمي متقوما فإذا ظهر أن المشار إليه ليس بمال تمكن الغرر من جهته فيرجع بأصل حقه وهو أرش الشجة وهو بمنزلة الخلع في هذا ثم الوكيل قد ضمنه فيكون مطالبا بحكم الضمان ويرجع به على الموكل لانه غير مخالف أمره فيما التزم ولو صالحه على عبدين فإذا أحدهما حر فليس للمصالح غير العبد الباقي في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف رحمه الله الآخر له العبد الباقي وقيمة الحر لو كان عبدا وفى قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله مع العبد الباقي تمام ارش الشجة وهذا الخلاف في الخلع هكذا فمحمد رحمه الله يقول المصالح سمي عبدين فإذا كان احدهما حرا تحقق الغرر من جهته فيكون حق الطالب في تمام أرش الشجة هنا وحق الرجوع للزوج فيما ساق إليها من الصداق في الخلع هكذا فيأخذ العبد الباقي
[ 155 ] وما زاد على قيمته إلى تمام الشجة باعتبار الغرر كما إذا كان الصلح على عبد واحد فظهر انه حر وأبو حنيفة رحمه الله يقول الخلع والصلح باعتبار تسمية الباقي صحيح وتسمية الحر معه لغو فصار ذكره والسكوت عنه سواء بخلاف ما إذا كان المسمى عبدا واحدا لانه لا يمكن تصحيح العقد هناك معاوضة باعتبار ما وقعت الاشارة إليه من العبد الباقي فلهذا جعلنا التسمية في العبد الاخير لغوا (واصل مذهب أبى حنيفة رحمه الله في مسألة الجامع الصغير) إذا تزوجها على عبدين فإذا أحدهما حر فليس لها الا العبد الباقي في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله الآخر لها العبد الباقي وقيمة الحر لو كان عبدا وفي قول محمد رحمه الله لها العبد الباقي والزيادة على ذلك إلى تمام مهر مثلها قال ولو صالحه على عبد فإذا هو مدبر أو مكاتب أو على أمة فإذا هي أم ولد وضمن الوكيل تسليمه فعليه قيمته في ماله ويرجع بها على الموكل لان المسمى مملوك متقوم ولكنه استحق نفسه بالحرية الثابتة له فكأنه استحقه غيره ولو وقع الصلح على عبد فاستحق وجبت قيمته فهذا مثله قال وإذا شج رجلان رجلا موضحة فوكل وكيلا يصالح مع أحدهما بعينه على مائة درهم جاز كما لو باشر الصلح بنفسه وعلى الآخر نصف الارش لان الواجب بالجناية علي كل واحد منهما نصف الارش دون القود فان الاشتراك في الفعل يمنع وجوب القود فيما دون النفس قال وان وكله ان يصالح مع أحدهما ولم يبين أيهما هو فهو جائز لان هذه جهالة مستدركة ومثلها لا يمنع صحة الوكالة ثم الرأى إلى الوكيل يصالح أيهما شاء وكذلك لو كان الشاج واحدا والمشجوج اثنين فوكل وكيلا بالصلح عنهما فصالح عن أحدهما ولم يسمه ثم قال الوكيل هو فلان فالقول قوله لانه ممتثل أمره في حق من صالح معه وهو المباشر للعقد واليه تعيين ما باشر من العقد لانه كان مالكا للتعيين في الابتداء فكذلك في الانتهاء يصح تعيينه ويكون هو بمنزلة الموكل فيه قال وإذا اشترك حر وعبد في موضحة شجاها رجلا فوكل الحر ومولى العبد وكيلا فصالح عنهما على خمسمائة فعلى مولى العبد نصف ذلك قلت قيمة العبد أو كثرت وعلى الحر نصفه لان كل واحد منهما كان مطالبا بنصف الجناية وانما وكلا الوكيل بالصلح عن الجناية فإذا كان كل واحد منهما مطالبا بالنصف كان الوكيل نائبا عن كل واحد منهما في النصف فعلى كل واحد منهما نصف البدل كما لو كانا حرين أو كان المولي والاجنبي صالحا بانفسهما مع المشجوج وهذا لان المولى بهذا الصلح صار مانعا دفع العبد فيكون مختارا للفداء وعند اختيار الفداء
[ 156 ] فموجب جناية العبد والحر سواء وكذلك لو كان ذلك في دم خطأ لما ذكرنا قال ولو أن رجلا فتل عبدا وحرا عمدا أو خطأ فوكل مولى العبد وأولياء الحر وكيلا فصالح القاتل على عشرة آلاف كانت بينهم يضرب فيها أولياء العبد بقيمته وأولياء الحر بالدية كما لو صالحا بانفسهما وهذا لان كل واحد منهم يضرب في بدل الصلح بجميع حقه وحق مولى العبد في قيمة العبد وحق أولياء الحر في الدية وكذلك لو صالح على احد عشر ألفا وقيمة العبد خمسمائة والقتل عمد لان الواجب هو القصاص دون المال والمال في الصلح من دم العمد لا يتقدر بشي شرعا فأما إذا كان القتل خطأ فلورثة الحر من ذلك عشرة آلاف والباقى لمولى العبد لان دية الحر في الخطأ مقدرة شرعا بعشرة آلاف لا تجوز الزيادة عليها فلهذا كان لورثة الحر عشرة آلاف قال ولو كان العبد قتل عمدا والحر خطأ فصالح على احد عشر الفا كان لاولياء الحر عشرة آلاف لما بينا وما بقى فلمولي العبد لانه في حقه هذا صلح عن القود فيجوز على قدر من البدل قال ولو كان الحر قتل عمدا والعبد خطأ كان الصلح جائزا وهو مثل الباب الاول لما قلنا قال ولو أن نصرانيا شج موضحة فوكل المطلوب وكيلا مسلما فصالح عنه بخمر وضمن له لم يجز وكان الذمي على حقه لانه ملتزم بدله حين ضمنه بعقد الصلح والتزام المسلم الخمر لا يكون صحيحا ولما وكله بأن يصلح ويضمن كان التوكيل باطلا فيبطل الصلح أيضا والنصراني على حقه قال ولو كان الطالب وكل مسلما فصالح عنه على خمر جاز لان وكيل الطالب سفير عنه لا يتعلق به شئ من الحقوق ولا إليه شئ من قبض البدل وهو قياس نصرانية وكلت مسلما أن يزوجها من نصراني على خمر وذلك جائزا فهذا مثله قال ولو كان الطالب والمطلوب مسلمين وقد وكل كل واحد منهما ذميا فصالح على خمر لم يجز لان الوكيلين سفيران عن المسلمين فلا يكون اليهما من حقوق العقد شئ فيكون صلحهما كصلح الموكلين قال ولو أن عبدا قتل خطأ فوكل مولاه وكيلا بالصلح فصالح على عشرة آلاف درهم جاز ذلك ويرد المولى من ذلك عشرة دراهم لان بدل نفس العبد في الخطأ لا يزاد على عشرة آلاف الا عشرة فالزيادة على ذلك أخذ بغير حق فيلزمه رده وعلى قياس ما روى عن أبى يوسف رحمه الله انه لا تتقدر نفس العبد بشئ ولكن تجب القيمة بالغة ما بلغت لا يلزمه به شئ ولو كانت شجة فصالح على ألف درهم جاز لان بدل الطرف من العبد في الجناية لا يتقدر بشئ بل تجب القيمة بالغة ما بلغت بمنزلة الجناية على الاموال وقد ذكر هنا على قول محمد رحمه الله أنه يسلم له من ذلك
[ 157 ] خمسمائة درهم ويبطل ما بقى وهذا اشارة إلى أن الجناية على العبد فيما دون النفس فعلى هذه الرواية يسلم له باعتبار الموضحة نصف عشر بدل نفسه وذلك خمسمائة الا نصف درهم ويلزمه رد ما بقى قال ولو كانت الجناية فق ء عين فصالحه على ستة آلاف جاز في ظاهر الرواية لما قلنا وعلى قول محمد رحمه الله يسلم له من ذلك خمسة آلاف الا خمسة ويبطل ما بقى وذكر في هذا الكتاب رواية أخرى عن أبى يوسف رحمه الله أنه إذا صالحه من هذه العين على عشرة آلاف نقصت منها احد عشر درهما ووجه هذا ان بدل الطرف وان كان لا يتقدر بشئ فعلم انه لا يكون مساويا لبدل النفس وإذا كان بدل نفسه يتقدر بعشرة آلاف الا عشرة ينقص من ذلك في بدل العين درهم فلهذا يسلم له عشرة آلاف الا احد عشر درهما قال ولو كان وكيل هذا الصلح وكيل المطلوب فضمن ذلك جاز عليه ولكن ان كان زاد بقدر ما يتغابن الناس فيه لزم ذلك المطلوب حتى يرجع الوكيل عليه لانه ممتثل أمره في الالتزام وان زاد ما لا يتغابن الناس فيه كان مخالفا لانه بمنزلة الوكيل بالشراء فيلزمه المال بالضمان ولا يرجع علي المطلوب بشئ منه قال وإذا وكل رجلا بشجة موضحة شجها اياه رجل فليس له أن يصالح ولا يعفو ولا يخاصم لانه لم يبين عند التوكيل انه بماذا أمره فكان عاجزا عن تحصيل مقصود الموكل بما سمى له ولو أخذ ارشها تاما كان باطلا في القياس أيضا لما قلنا ان التوكيل باطل حين لم يعرف الوكيل مقصود الموكل وفى الاستحسان ان كان عمدا فكذلك لان الواجب هو القصاص فأخذ الارش يكون صلحا وقد بينا ان الوكيل بالشجة لا يملك الصلح وان كان خطأ جاز أخذه الارش لا بانتفاء أنه استوفي كمال حقه وذلك كان مقصود الموكل وهو نظير ما تقدم فيما إذا وكل وكيلا بدينة كان له أن يقبضه استحسانا فكذلك إذا وكل وكيلا بشجة لان المراد موجب الشجة وهو الدية قال ولو وكله في كل شئ له لم يكن له أن يتقاضى دينه ولا يخاصم وانما هو وكيل بالحفظ لان في قوله وكلتك باعيان مالى فانه نص على ما هو له على الاطلاق وذلك في العين دون الدين ويعلم ان الحفظ مراده وليس في شئ آخر سوي الحفظ بيقين فلهذا لا يملك إلا المتيقن به قال ولو قال المشجوج ما صنعت في شجتى من شئ فهو في حل فصالح عليها أجزت ذلك استحسانا لان هذا وقوله وكلته بالصلح عن شجتى سواء فان قوله فهو في حل أي هو من النقصان في حل وذلك انما يكون بالصلح لان مبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق ولو أبرأه منهما لم يجز لانه بهذا اللفظ صار وكيلا بالصلح
[ 158 ] ولفظ الصلح يحتمل اسقاط بعض البدل لا كله وفي الابراء اسقاط الكل ولو قال ما صنعت فيها من شئ فهو جائز أجزأت البراءة والصلح وغيره لانه أجاز صنعه مطلقا واسقاط البعض بالصلح أو الكل بالابراء من صنعه فلهذا يجوز ولو قال قد جعلته وكيلا في الصلح وأمرته بالقبض فصالح عنه فله أن يقبض لانه أمره بالقبض نصا ولو صالح بنفسه ثم أمره بقبض بدل الصلح جاز فكذلك إذا أمره بالصلح والقبض قال وإذا وكل الشاج وكيلا بما يدعى قبله فليس له أن يصالح ولا يخاصم ولا يصنع شيأ لان الموكل لم يعين مراده عند التوكيل فكان عاجزا عن تحصيل مقصوده قال وإذا وكل المكاتب بالصلح عن جناية ادعيت عليه أو على عبده ثم رد في الرق ثم صالح الوكيل وهو لا يعلم بعجزه وضمن بدل الصلح فانه لا يجوز على المكاتب في رقبته كما لو صالح بنفسه بعد العجز وعجزه يتضمن عزل الوكيل في حق المولى لا في حق المكاتب لان ابتداء التوكيل بعد عجزه لا يصح في حق المولى ولكنه يصح في حق المكاتب وكذلك العجز بعد التوكيل فيكون الوكيل مطالبا بالمال لانه قد ضمنه ويرجع به على المكاتب إذا عتق لان التوكيل في حقه صحيح وعلى هذا توكيل العبد المأذون بالصلح عن جناية عبده إذا حجر عليه مولاه قال ولو وكل رجل رجلا بالصلح في شجة ادعيت قبله ثم مات الموكل بطلت الوكالة لان تصرف الوكيل كان على وجه النيابة عن الموكل وقد انقطع رأى الموكل بموته فان صالح الوكيل وضمن جاز عليه في ماله خاصة لانه متبرع في الصلح كاجنبي آخر وان لم يمت ومات الطالب فصالح الوكيل ورثته جاز على الموكل لان ورثة الطالب بعد موته يقومون مقامه في المطالبة بموجب الشجة قال وإذا وكله بالصلح في موضحة شجها اياه رجل فصالح على الموضحة التى شجها فلان ولم يقل هي في موضع كذا فهو جائز لانه عرفها بالاضافة إلى فلان ومحل فعل فلان معلوم معاين فيغنى ذلك عن الاشارة إليه وكذلك اليد والعين والسن فان قال علي اليد اليسرى والمقطوعة هي اليمنى فالصلح باطل لانه أضاف الصلح إلى ما ليس بحق له ولو صالح الموكل بنفسه عما ليس بحق له كان الصلح باطلا فكذلك الوكيل إذا صالح عن مثل ذلك والله أعلم (باب وكالة الوكيل) (قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل الصبي الذى لا يعقل أو المجنون الذى لا يعقل ولا
[ 159 ] يتكلم فهو باطل لان التوكيل انابة للوكيل مناب نفسه في العبارة فإذا لم يكن الوكيل من أهل العبارة كان التوكيل باطلا وان كان صبيا يعقل ويتكلم أو مجنونا يعقل فهو جائز لانه من أهل العبارة (ألا ترى) ان تصرفه في حق الموكل بأمره ينفذ ولكنه ليس من أهل التزام العهدة فعهدة التصرف تكون على الموكل قال ولو وكل وكيلا بشئ من التصرفات وقال ما صنعت فيه من شئ فهو جائز فوكل الوكيل بذلك غيره فهو جائز لانه اخبار منه على العموم والتوكيل من صنعه قال وان مات الوكيل أو جن أو ارتد ولحق بدار الحرب فالوكيل الثاني على وكالته لان الوكيل الثاني وكيل الآمر لا وكيل الوكيل فان فعل الوكيل الاول في توكيله كفعل الموكل بنفسه فصار هو بعبارة الوكيل الاول وكيلا للموكل ورأى الموكل باق فلهذا بقى على وكالته ولم يذكر في الكتاب ان الموكل إذا عزل وكيله وجاء فضولي وأخبره بذلك هل ينعزل أو لا والجواب فيه على قول أبى حنيفة رحمه الله ان المخبر ان كان عدلا انعزل بخبره والا فلا وفى الفضولي اختلاف الروايات على قول أبى حنيفة رحمه الله في اشتراط العدالة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ينعزل بخبر الواحد عدلا كان أو فاسقا وسنقرر هذا الفصل في المأذون ان شاء الله تعالى فان الحجر على العبد المأذون وعزل الوكيل في هذا سواء فمن أصلهما أن ما يكون من المعاملات لا يشترط العدالة في الاخبار به لاجل الضرروة فان العدل في الخبر لا يوجد في كل معاملة (ألا ترى) ان في التوكيل والاذن إذا أخبره به مخبر فوقع في قلبه انه صادق كان له ان يتصرف وان كان المخبر فاسقا فكذلك العزل على أصل أبى حنيفة رحمه الله إذ كل خبر يتعلق به اللزوم فقول الفاسق لا يكون حجة فيه لان الشرع نص على التوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى فتثبتوا وذلك يمنع ثبوت اللزوم بخبره والاخبار بالعزل والحجر يلزمه الكف عن التصرف فلهذا يشترط فيه ان كان فضوليا أن يخبر عن نفسه الا ان يكون رسولا للموكل فحينئذ هو معبر عنه فيكون الملزم قول الموكل لا قوله بخلاف التوكيل والاذن فانه غير ملزم شيئا بل هو بالخيار ان شاء تصرف وان شاء لم يتصرف فلهذا لا تشترط العدالة فيه وذكر في نوادر هشام رحمه الله انه إذا وكل وكيلا ببيع عبده وقيمة العبد ألف فباعه بأقل من ألف على ان الوكيل بالخيار ثلاثة أيام فصار يساوى الفين في مدة الخيار ثم اختار الوكيل البيع ومضت الايام الثلاثة فعند أبى حنيفة رحمه الله يجوز في الوجهين لانه يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته فكذلك يملك الاجازة وعلى قول محمد لا يجوز في
[ 160 ] الوجهين لان عنده لا يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته بما لا يتغابن الناس فيه فكذلك لا ينفذ بالاجازة سواء كانت الاجازة بفعله أو بمضي المدة قبل الفسخ لان سكوته عن الفسخ حتى مضت المدة بمنزلة الاجازة منه وعلى قول أبى يوسف رحمه الله ان أجاز الوكيل في الثلاثة فهو باطل كما قال محمد رحمه الله وان سكت حتى مضت المدة تم البيع بمضي المدة ويجعل كان حصول الزيادة بعد مضى المدة قال ولو وكله أن يشترى له فعلى قول زفر رحمه الله يجوز شراؤه على الموكل لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا فالشراء به كالشراء بالدراهم وفى قول أبى حنيفة الآخر رحمه الله وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يكون الوكيل مشتريا لنفسه لانه لما لم يحمل التوكيل في الثمن على العموم لما بيناه حمل على أخص الخصوص وهو الشراء بالنقد فإذا اشترى لغيره كان مشتريا لنفسه وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله انه إذا وكله ببيع متاعه في سوق الكوفة فباعه في بيت في غير سوق الكوفة لا ينفذ بيعه عند زفر رحمه الله لانه خالف ما أمره به نصا وجاز عند أبى يوسف رحمه الله لان مقصود الموكل انما هو سعر الكوفة لا عين السوق وقد حصل مقصوده وانما يراعي من الشروط ما يكون مفيدا على ما بينا قال ولو كان عبد بين رجلين فباع فضولي نصفه من رجل فان أجاز الموليان جاز في النصيبين جميعا بالاتفاق وان أجازه أحدهما فعلى قول زفر رحمه الله يجوز في النصف نصيبه ويبقى النصف نصيب الآخر موقوفا على اجازته لانه هكذا يتوقف وعند الاجازة انما ينفذ على الوجه الذى يتوقف وعند أبى يوسف رحمه الله يجوز في جميع نصيب المجيز ويصير عند الاجازة كانه باشر بيع النصف بنفسه فينصرف إلى نصيبه خاصة ولو أراد صاحبه أن يجيز بعد ذلك لا تصح إجازته في شئ والله أعلم بالصواب (كتاب الكفالة) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله املاء الكفالة مشتقة من الكفل وهو الضم ومنه قوله تعالى وكفلها زكريا أي ضمها إلى نفسه وقال صلى الله عليه وسلم أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين أي ضام اليتيم إلى نفسه ومنه سميت الخشبة التي تجعل دعامة الحائط كفيلا لضمها إليه فمعنى تسمية العقد بالكفالة انه يوجب ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الاصيل على وجه التوثيق (أحدهما)
[ 161 ] الضم في المطالبة دون أصل الدين بل أصل الدين في ذمة الاصيل على حاله والكفيل يصير مطالبا كالاصيل وكما يجوز أن تنفصل المطالبة عن أصل الدين في حق من له ابتداء حتى تكون المطالبة بالثمن للوكيل بالبيع وأصل الثمن للموكل فكذلك يجوز أن تنفصل المطالبة عن أصل الدين في حق من عليه فتتوجه المطالبة على الكفيل بعد الكفالة وأصل الدين في ذمة الاصيل وكذلك تنفصل المطالبة عن أصل الدين سقوطا بالتأجيل فكذلك التزاما بالكفالة والمطالبة مع أصل الدين بمنزلة ملك التصرف مع ملك الغير فكما يجوز أن ينفصل ملك التصرف عن ملك العين في حق المطالبة وملك اليد عن ملك العين في حق المرتهن فكذلك يجوز أن ينفصل التزام المطالبة بالكفالة عن التزام أصل الدين (والطريق الآخر) أن تنضم ذمة الكفيل إلى ذمة الاصيل في ثبوت أصل الدين لان الكفالة اقراض للذمة والتزام المطالبة ينبنى على التزام أصل الدين وليس ضرورة ثبوت المال في ذمة الكفيل مع بقائه في ذمة الاصيل ما يوجب زيادة حق الطالب لانه وان ثبت الدين في ذمتهما فلان لا يكون إلا من أحدهما كالغاصب مع غاصب الغاصب فان كل واحد منهما ضامن للقيمة ولا يكون حق المغصوب منه الا في ذمة واحد لانه لا يستوفى الا من أحدهما غير ان هناك أختيار تضمين أحدهما يوجب براءة الآخر لما فيه من التمليك منه وهنا لا يوجب مالا توجد حقيقة الاستيفاء فلهذا ملك مطالبة كل واحد منهما به (والحوالة مشتقة من التحول) ومنه الحوالة في الغرس بالنقل من موضع إلى موضع وموجبه تحول الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه على سبيل التوثق به والعقد ان في الشرع (وأما الكفالة) فلقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم وما ثبت في شريعة من قبلنا فهو ثابت في شريعتنا ما لم يظهر نسخه والظاهر هنا التقرير فان النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يكفلون فاقرهم على ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم * والدليل على جواز الحوالة قوله صلى الله عليه وسلم من أحيل على ملئ فليتبع أي فليتبع من أحيل عليه والكفالة مع جوازها وحصول التوثق بها فالامتناع من مباشرتها أقرب إلى الاحتياط على ما قيل انه مكتوب في التوراة الزعامة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة واختلف العلماء رحمهم الله في موجب العقدين فعندنا الكفالة لا توجب براءه الاصيل والحوالة توجب وعند ابن أبى ليلى رحمه الله الكفالة توجب براءة الاصيل كالحوالة لانه لابد من وجوب الدين في ذمة الكفيل ومن ضرورته فراغ ذمة الاصيل منه لان ما ثبت في
[ 162 ] محل فما دام باقيا في ذلك المحل فرغ منه سائر المحال ضرورة وإذا ثبت في محل اخر فرغ منه المحل الاول ضرورة لاستحالة ان يكون الشئ الواحد شاغلا لمجلس وقد ثبت الدين في ذمة الكفيل فمن ضرورته براءة ذمة الاصيل وعلى قول زفر رحمه االله الحوالة لا توجب براءة الاصيل كالكفالة لان المقصود بها التوثق لحق الطالب وذلك في أن تزاد له المطالبة لا ان يسقط ما كان له من المطالبة ولكنا نقول كل واحد من العقدين اختص باسم واختصاص العقد بموجب هو معنى ذلك الاسم كاختصاص الصرف باسم كان كاختصاصه بموجب هو معنى ذلك الاسم وهو صرف ما في يد كل واحد منهما إلى يد صاحبه بالقبض في المجلس (والسلم) اختص باسم لاختصاصه بموجب هو معنى ذلك الاسم وهو تعجيل أحد البدلين في القبض في المجلس وتأخير البدل الآخر بالتأجيل فكذلك هنا معنى الكفالة الضم فيقتضى ان يكون موجب هذا العقد ضم أحد الذمتين إلى الاخرى وذلك لا يكون مع براءة ذمة الاصيل (ومعنى الحوالة) التحويل وذلك لا يتحقق الا بفراغ ذمة الاصيل (ثم الكفالة نوعان) كفالة بالنفس وكفالة بالمال وقد بدأ ببيان الكفالة بالنفس لان ذلك يكون قبل ثبوت المال عادة ومباشرته بين الناس أظهر من مباشرة الكفالة بالمال وافتتح بحديث حبيب الذى كان يقوم على رأس شريح رحمه الله ان شريحا حبس ابنه بكفالة بنفس رجل قال حتى طلبنا الرجل فوجدناه فدفعناه إلى صاحبه وفى الحديث دليل عدل شريح رحمه الله فانه لم يمل إلى ابنه بل حبسه ولهذا بقى على القضاء نيفا وأربعين سنة وفيه دليل على ان الكفالة بالنفس تصح وأن الكفيل يحبس إذا لم يسلم نفس المطلوب إلى خصمه وان تسليم الغير بأمر الكفيل كتسليم الكفيل لانه قال طلبنا الرجل فأخذناه فدفعناه إلى صاحبه وجواز الكفالة بالنفس مذهب علمائنا رحمهم الله وعليه عمل القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهو أحد أقاويل الشافعي رحمه الله وفى القول الآخر يقول هي ضعيفة وفى القول الثالث يقول لا تكون صحيحة لانه يلتزم ما لا يقدر على تسليمه فيكون كبيع الطير في الهواء وبيانه ان المكفول بنفسه رقبانى مثله لا ينقاد له لتسليمه خصوصا إذا كفل بغير أمره وكذلك إذا كفل بأمره لان أمره بالكفالة لا يثبت له عليه ولاية في نفسه لتسليمه كما ان أمره بالكفالة بالمال لا يثبت له عليه ولانه يؤدى المال من مال المكفول عنه وهو الحرف الثاني له ان هذه الكفالة بشرط اداء المكفول به من ملك المكفول عنه ولو كفل بشرط أن يؤديه من
[ 163 ] مال المكفول عنه لم يصح فكذلك إذا كفل بالنفس وحجتنا في ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كفل رجلا في تهمة والتكفيل أخذ الكفيل بالنفس وكان بين علي وابن عمرو رضي الله عنهما خصومة فكفلت أم كلثوم رضى الله عنها بنفس علي رضى الله عنه وكفل حمزة ابن عمر والاسلمي في تهمة رجل فاستصوبه عمر رضى الله عنه وان ابن مسعود رضى الله عنه لما استناب أصحاب ابن النواحة كفلهم عشائرهم ونفاهم إلى الشام والمعنى فيه انه التزم تسليم ما هو مستحق على الاصل فتصح كالكفالة بالمال ومعنى هذا ان تسليم النفس مستحق على الاصيل حقا للمدعى حتى يستوفى عند طلبه فان القاضى يقطعه عن أشغاله وبحضره مجلسه عند طلب خصمه وقد ذم الله تعالى قوما على الامتناع عن الحضور بقوله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم الآية وانما يذم الامتناع بما هو مستحق عليه فإذا ثبت ان التسليم مستحق وهو مما تجرى فيه النياية صح التزامه بالكفالة والظاهر أن الانسان لا يكفل الا بنفس من يقدر على تسليمه ممن هو تحت يده أو ينقاد له في التسليم خصوصا إذا كفل بامره فانه هو الذى أدخله في هذه الورطة فعليه اخراجه بالانقياد له لتسليمه إلى خصمه الا انه إذا كان كفل بالمال والديون تقضى بامثالها وهو موجود في يد الكفيل فلا حاجة إلى اثبات الولاية له في مال الاصيل فيؤمر بالاداء من مال نفسه ثم يؤمر بالرجوع عليه وفى النفس لا يتأتى التسليم الا باحضار الاصل فيثبت له عليه ولاية الاحضار للتسليم وكذلك ان كان كفل بغير أمره لانه يتمكن من أن يدعى عليه مالا ليحضره القاضى فيسلمه إلى خصمه ويكون هذا كذبا ولا رخصة في الكذب والاصح أن يقول ليس التسليم كله في احضار الاصل إذا أتى بالطالب إلى الموضع الذى فيه المطلوب فبدفعه يتحقق التسليم مع ان شرط صحة الالتزام كون الملتزم ملتزما ما لا قدرة له على أدائه كالتزام حقوق الله تعالى بالنذر حتى ان من نذر أن يحج ألف حجة يلزمه وان كان لا يعيش هو ألف سنة ليؤدي فهنا أيضا التسليم يتأتى فيصح التزامه وان كان الكفيل ربما يعجز عنه وعن الشعبي رحمه الله في رجل كفل بنفس رجل فمات المكفول برئ الكفيل وبه نأخذ لمعنيين أحدهما أن الخصومة وتسليم النفس إلى الخصم الذى سقط عن الاصل بموته وبراءة الاصيل بأى طريق يكون موجب براءة الكفيل والثانى أن محل التسليم فات بموته ولا يتأتى التسليم بدون المحل فكما ان عدم تأتى التسليم يمنع ابتداء الكفالة فكذلك يمنع بقاءها ثم ذكر عن أبى حنيفة رحمه الله في الرجل يكفل بنفس الرجل ثم لم يأت
[ 164 ] به أن يحبس ولا يكون ذلك في أول مرة يتقدم إليه وهذا لان الحبس نوع عقوبة وانما تتوجه على الظالم ولا يظهر ظلمه في أول مرة لانه لم يسرقه انه لماذا يدعى حتى يأتي بالخصم معه فلهذا لا يحبسه القاضى ولكنه يأمره أن يأتي بالخصم فيسلمه فإذا امتنع حين ذلك مع تمكنه منه حبسه وإذا ارتد المكفول ولحق بدار الحرب لم يبرأ الكفيل لان لحاقه بدار الحرب كموته حكما في قسمة ماله بين ورثته فاما في حق نفسه فهو مطالب بالتوبة والرجوع وتسليم النفس إلى الخصم فيبقى الكفيل على كفالته وكذلك الاحضار والتسليم يتأتى بعد ردته وعليه تنبني الكفالة إذا علم ذلك لا يحبس الكفيل ولكنه ان كان يتمكن من الدخول في دار الحرب واحضاره أمهله في ذلك مقدار ما يذهب فيأتى به فان لم يفعل حبسه حينئذ بمنزلة ما لو كان غائبا في بلدة أخرى وان كان يعلم أن الكفيل لا يتمكن من ذلك أمهله إلى أن يتمكن منه ويحبسه ما لم يمتنع منه بعد تمكنه وهو نظير الكفيل بالمال فانه إذا كان معسرا عاجزا عن الاداء أمهله القاضى إلى وقت يساره عملا بقوله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وطريق ثبوت هذا العجز علم القاضى به باقامة البينة عليه ولم يذكر في الكتاب ان في مدة عجزه عن الطالب أن يلزم الكفيل فهو على الاختلاف عندنا له ذلك ولكن لا يمنعه من كسبه وحوائجه وعند اسماعيل بن حماد رحمهما الله ليس له ذلك وهو نظير الاختلاف في المديون إذا ثبت عند القاضى عسرته فأخرجه من السجن وسنقرره في موضعه ان شاء الله تعالى وإذا حبس المكفول به بدين أو غيره فللطالب أن يأخذ الكفيل بتسليمه لانه قادر على تسليه بان يعتقه مما حبس فيه ان كان دينا قضاه عنه أو حقا آخر أوفاه اياه وهذا النوع من التسليم وان كان يلحقه الضرر فيه فقد رضى بالتزامه حتى قدم على الكفالة ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا إذا كان محبوسا عند غير هذا القاضى فاما إذا كان محبوسا عند هذا القاضى فالسبيل للكفيل أن يقول للقاضى هو في يديك فاخرجه من السجن لاسلمه إلى خصمه حتى يثبت عليه حقه ثم يحبسه بحقهما فالقاضي يحبسه إلى ذلك لانه طلب منه أن ينظر له وليس فيه ضرر على أحد فيحبسه القاضى إلى ذلك وان مات الكفيل بطلت الكفالة لان تسليم الكفيل المطلوب بعد موت الكفيل لا يتحقق منه ولا تتوجه المطالبة بالتسليم على ورثته لانهم لم يكفلوا له بشئ وانما يخلفونه فيما له لا فيما عليه (ألا ترى) أن من عليه القصاص إذا مات لا يخلفه وارثه فيما عليه وكذلك لا يبقى باعتبار تركته بعد موته لانه انما يبقى باعتبار التركة بعد الموت ما يمكن استيفاؤه
[ 165 ] من التركة والكفالة بالنفس لا يمكن استيفاؤها من المال فلهذا لا يبقى باعتبار التركة وإذا أقر الطالب انه لا حق له قبل المكفول ثم أراد أخذ الكفيل بتسليم نفسه فله ذلك واقراره بهذا لا يمنع ابتداء الكفالة فلا يمنع بقاءها بطريق الاولى وهذا لانه ربما يكون وصيا لميت له عليه حق أو وكيلا في خصومة له قبل ذلك الرجل حق فانتفاء حق نفسه عنه لا يمنع استحقاق التسليم له بهذا الطريق فلهذا كان الكفيل مطالبا بتسليم نفسه وان لم يقر الطالب بذلك ولكن بقى المكفول به فأخذ منه كفيلا آخر لا يبرأ الكفيل الاول لانه لا منافاة بين الكفالة الثانية والاولى ومقصود الطالب من هذه الزيادة التوثق بحقه فلا يتضمن براءة الكفيل الاول وكذلك ملاقاة الطالب مع المكفول لا يمنع بقاء الكفالة لان ذلك كان موجودا عند ابتداء الكفالة ولم يمنع صحة كفالته فلان لا يمنع بقاءها أولى وإذا سلم الكفيل المكفول إلى الطالب برئ منه لانه أوفاه ما التزمه له فانه ما التزم التسليم الا مرة واحدة وقد أتى به وهو كالمطلوب إذا أوفى الطالب ما عليه من الدين ويستوى ان قبله الطالب أو لم يقبله لان الكفيل يبرأ بايفاء عين ما التزم فلا يتوقف ذلك على قبول صاحب الحق كالمديون إذا جاء بالدين فوضعه بين يدى الطالب وتضرر من عليه فانه يمتنع من ذلك ابقاء لحق نفسه والضرر مدفوع بحسب الامكان وإذا كفل بنفس رجل على ان يوافي به في المسجد الاعظم فدفعه إليه بالكناسة أو في السوق أو في غير ذلك الموضع من المصر برئ لان التقييد انما يعتبر إذا كان مفيدا فاما إذا لم يكن مفيدا فلا وتقييد التسليم بالمصر مفيد لانه إذا سلمه خارج المصر ربما يهرب منه أو لا يتمكن من احضاره بل يمتنع منه أما في المصر فالتقييد بموضع منه غير مفيد لانه يتمكن من احضاره مجلس الحكم في أي موضع من المصر سلمه إليه اما بقوة نفسه واما بمعاونة الناس اياه فلهذا لا يعتبر تقبيده بالمسجد الاعظم والمتأخرون من مشايخنا رحمهم الله يقولون هذا الجوب بناء على عادتهم في ذلك الوقت فاما في زماننا إذا شرط التسليم في مجلس القاضى فانه لا يبرأ بالتسليم إليه في غير ذلك الموضع لان في زماننا أكثر الناس يعينون المطلوب على الامتناع من الحضور لغلبة أهل الفسق والفساد فتقييد التسليم بمجلس القاضى مفيد وفيه طريقة أخرى ان نواحى المصر كلها كمكان واحد (ألا ترى) ان في عقد السلم إذا شرط التسليم في مصر كذا جاز وان لم يبين في أي موضع من المصر يسلمه إليه فإذا جعل الكل كمكان واحد قلنا في أي موضع من المصر سلمه إليه فقد أتى بها التزمة فيبرأ وإذا كفل بنفس رجل وهو غائب أو محبوس جاز
[ 166 ] وهو حائز ضامن لان تسليمه يتأتى باحضاره أو اخراجه من السجن وشرط صحة الكفالة يأبى التسليم وإذا طلب رجل إلى رجل ان يكفل بنفس آخر ففعل فان الكفيل يؤخذ به ولا يرجع على الآمر ولا على المكفول به أما الكفيل فلانه التزم تسليم ما يتأتى تسليمه فيؤخذ به ولا يرجع عليه فكذلك إذا كفل بنفسه وهو يرجع على الآمر لانه ما ضمن له شيئا وانما أشار عليه بمشورة ولم تكن تلك المشورة ملزمة اياه شيئا وانما اللزوم بالتزامه باختياره فلهذا لا يرجع عليه وإذا كفل بنفسه إلى شهر ثم دفعه إليه قبل الشهر برئ لان التأجيل انما كان لحق الكفيل حتى لا يضيق عليه الامر في المطالبة قبل الشهر فإذا سلمه قبل مضى الشهر فقد أوفى ما عليه واسقط حق نفسه فهو بمنزلة من عليه دين مؤجل إذا قضاه قبل مضى الاجل برئ ولم يكن للطالب أن يأبى القبول فكذلك هنا لا يكون للمكفول أن يأبى القبول وإذا دفع المكفول به إلى الطالب في السجن وقد حبسه غيره فان الكفيل لا يبرأ منه لان المقصود من التسليم أن يتمكن من احضاره مجلس الحكم ليثبت حقه عليه وذلك لا يتأتى إذا كان محبوسا فهو بمنزلة تسليم الطير في الهواء أو السمك في الماء وكذلك لو دفعه إليه في مفازة أو موضع يستطيع المكفول أن يمتنع من الطالب فان المقصود بهذا التسليم لا يحصل للطالب فهو نظير المؤجر إذا سلم الدار إلى المستأجر وهناك غاصب يحول بينه وبين السكنى لا يكون هذا التسليم معتبرا وإذا دفع إليه في مصر غير المصر الذى كفل به وفيه سلطان أو قاض برئ في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يبرأ في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله حتى يدفعه إليه في المصر الذى كفل به فيه قيل هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حكم فابو حنيفة رحمه الله كان في القرن الثالث وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهله بالصدق فكانت الغلبة لاهل الصلاح والقضاة لا يرغبون في الميل بالرشوة وعامل كل مصر ينقاد لامر الخليفة فلا يقع التفارق بالتسليم إليه في ذلك المصر أو في مصر آخر ثم تغير الحال بعد ذلك في زمن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فظهر أهل الفساد والميل من القضاء إلى أخذ الرشوة فقالا يتقيد التسليم بالمصر الذى كفل له فيه دفعا للضرر عن الطالب ثم وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان مقصود الطالب التسليم في موضع؟ يمكن فيه إثبات حقه عليه بالحجة وربما يكون شهوده على الحق في ذلك المصر الذى كانت فيه الكفالة فإذا سلمه إليه في مصر آخر لا يتمكن من اثبات الحق عليه كما لو سلمه إليه في المفازة وأبو حنيفة رحمه الله يقول
[ 167 ] سلمه إليه في موضع آمن وغاب فيبرأ مما سلمه إليه في ذلك المصر وهذا لان المعتبر تمكنه من ان يحضره مجلس القاضى اما ليثبت الحق عليه أو ليأخذ منه كفيلا وهذا قد حصل ثم كما يتوهم أن يكون شهوده في ذلك المصر يتوهم أن يكون شهوده في ذلك المصر فيتقابل الموهومات ويبقي التسليم متحققا من الكفيل على وجه الالتزام فيبرأ به وإذا كفل بنفس رجل ثم دفعه إليه وبرئ منه فلزمه الطالب فقال الكفيل دعه وانما على كفالتي أو علي مثل كفالتي أو انا كفيل به فهو لازم له أتى بلفظ صالح لانشاء الكفالة به أما قوله انا على كفالتي أي بعقد انشائه سوى الاولى لانه لا وجه لتصحيحه الا هذا ووجه الصحة مقصود كل متكلم عاقل أو معناه فسخنا ذلك الابراء الحاصل لى بالرد عليك فانا كفيل به كما قلت وإذا كفل بنفس رجل والطالب يدعى قبله مالا عينا أو دينا أو كفالة بنفس أو مال أو وكالة أو وصية فالكفالة صحيحة لان تسليم النفس بهذه الدعاوى للجواب مستحق على المطلوب وكذلك لو كان الطالب يدعى قبل المطلوب قصاصا في النفس أو فيما دونها أو حدا في قذف أو سرقة لان تسليم النفس للجواب يستحق على المطلوب في هذه الدعاوى فيصح التزامه بعقد الكفالة ومراده من هذا إذا أعطى الكفيل بنفسه طوعا فاما القاضى فلا يأخذه باعطاء الكفيل بنفس في دعوى القصاص والحد ولكن ان أقام المدعى شاهدين مستورين أو شاهدا عدلا وقال لى شاهد آخر حاضر حبسه القاضى على قدر ما يرى استحسانا ولا يجبره على اعطاء الكفيل بالنفس وان لم يقم شاهدا لم يحسبه ولكنه يمكنه من ملازمته اعطاء الكفيل بالنفس وان لم يقم شاهدا لم يحبسه ولكنه يمكنه من ملازمته إذا ادعى شهودا حضورا إلى آخر المجلس ليأتي بهم لانه ينظر لاحد الخصمين على وجه لا يضر بالآخر والمقصود من الكفالة بالنفس التوثق والاحتياط ومبنى الحدود والقصاص الدرء والاسقاط فلهذا لا يجبر على اعطاء الكفيل فيه فان قيل فقد قلتم بحبسه بعد اقامة شاهد عدل ومعنى الاحتياط في الحبس أكثر منه في أخذ الكفيل قلنا الحبس ليس للاحتياط ولكن لتهمة الدعاوى والفساد فبشهادة الواحد العدل أو شهادة المستورين يصير متهما بذلك فيحبس تعزيرا له وهذا لان الحبس نوع عقوبة وفى دعوى القصاص والحد عقوبة هي أقوى من الحبس إذا صار متهما به يعاقب بالحبس فاما في المال فاقصى العقوبات إذا ثبت الحبس لا يجوز أن يعاقب به قبل ثبوته وإذا لم يجز حبسه وجب الاحتياط بأخذ الكفيل بنفسه ولكن هذا في دعوى الحد والقصاص بنفسه لو كفل صح بخلاف ما إذا كفل بنفس الحد
[ 168 ] والقصاص لان ذلك لا تجرى النيابة في ايفائه والكفالة التزام التسليم فإذا حصل بما يمكن استيفاؤه من الكفيل كان باطلا فاما تسليم النفس فتجرى فيه النيابة فلهذا صحت الكفالة ولو لم يدع شيئا من ذلك قبله غير انه كفل له بنفسه فالكفالة جائزة لان الحضور عند دعواه مستحق عليه (ألا ترى) انه لو حضر مجلس القاضي وادعى قبله شيئا أحضره مجلسه للجواب والدعوى ليست بسبب الاستحقاق فعرفنا ان الحضور مستحق إذا لم يسبق ما ينفيه فلهذا جازت الكفالة وكان التسليم مستحقا بما التزمه بعقد الكفالة (ألا ترى) انه لو كفل عنه بمال صحت الكفالة وان كان الاصيل منكرا للمال وجعل كالثابت في حق الكفيل فان خاصم الكفيل بالنفس الطالب إلى القاضى وقال انه لا حق لهذا قبل الذى كفلت به فان القاضى ينبغى له أن يسأله عن ذلك ولكنه يأخذه بالكفالة لانه التزم تسليم نفسه فيكون مطالبا به ما لم يظهر ما ينفيه وما ادعاه قبل الطالب من اسقاط حقه عن المطلوب فانه هو ليس بخصم فيه فلهذا لا يسأل الخصم عنه ولكن ان اقر الطالب انه لا حق له قبل المكفول وانه ليس بوصى لميت قبله خصومة ولا حق له قبله بوجه من الوجوه فان الكفيل يبرأ لان الاقرار بهذه الصفة ينفى استحقاق تسليم النفس للمقر على المطلوب وبراءة الاصيل توجب براءة الكفيل وقد ذكر قبل هذا أنه لا يبرأ واختلف الجواب لاختلاف الموضوع فانه وضع المسألة هناك فيما إذا أقر مطلقا أنه لا حق له قبله وهذا لا يوجب براءة الكفيل لجواز أن يكون الطالب صبيا أو وكيلا وهنا وضع المسألة فيما إذا فسر اقراره بما يبقى استحقاقه لتسليم النفس عنه من كل وجه وكذلك لو جحد الطالب هذه المقالة وشهد عليه بها شاهد ان برئ لظهور ما ينفى استحقاق تسليم النفس عن المطلوب والثابت بشهادة العدالة كالثابت باقرار الخصم أو أقوى منه وقوله ضمنت وكفلت وهو على أو إلى سراء يصير به كفيلا بالنفس أما الضمان فهو موجب عقد الكفالة لانه يصير به ضامنا للتسليم والعقد ينعقد بالتصريح بموجبه كعقد البيع ينعقد بلفظ التمليك وكذلك كفلت فان اسم هذا العقد هو الكفالة والعقد ينعقد بالتصريح باسمه ولفظ القبالة كلفظ الكفالة فان الكفيل يسمى قبيلا وهو عبارة عن الالتزام ومنه يسمي الصك الذى هو وثيقة قبالة ولفظ الزعامة كذلك قال الله تعالى وانا به زعيم وقوله وهو على أي أنا ملتزم بتسليمه لان مبلغ كلمات اللزوم على والى والى هنا بمعنى على قال صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو عيالا فالى أو قال على معناه انا ملتزم له وإذا أبرأ الطالب الكفيل
[ 169 ] من الكفالة برئ منها لانه أسقط خالص حقه وهو من أهله وألحق بمحل السقوط وكذلك قد برئ إلى صاحبي فهذا اقرار بالتسليم إليه لان أقر ببراءته مفتتح بالكفيل مختتم بالطالب وذلك بالتسليم يكون (ألا ترى) ان هذا اللفظ في المال يكون اقرارا بالاستيفاء وذلك لو قال قد دفعه إلى أو قال لا حق لى قبل الكفيل من هذه الكفالة فهو برئ منها لان النفى على سبيل الاطلاق أبلغ وجوه البراءة وإذا دفع المكفول به نفسه إلى الطالب وقال دفعت نفسي اليك من كفالة فلان برئ الكفيل وهذا وما لو سلمه الكفيل سواء لان للكفيل ان يطالبه بالحضور ليسلمه إذا طولب به فهو انما يبرئ نفسه عن ذلك بهذا التسليم فلا يكون منتزعا فيه كالمحيل إذا قضى الدين بنفسه وكذلك لو دفعه إليه انسان من قبل الكفيل من رسول أو وكيل أو كفيل لانهم قائمون مقامه في التسليم أو لم يقبل والمرأة والرجل والذمى والمستأمن في ذلك سواء وإذا كفل ثلاثة رهط بنفس رجل على ان بعضهم كفيل عن بعض كان للطالب أن يأخذ أيهم شاء بنفس الاول وبنفس صاحبه لان كل واحد منهم التزم تسليم نفس المطلوب يملكه إليه بنفسه وتسليم نفس صاحبه باشتراط كفالة بعضهم عن بعض وكما تصح الكفالة بنفس المطلوب فكذلك تصح الكفالة بتسليم النفس لابقاء ما التزمه مستحقا عليه فايهم دفع الاول إلى الطالب برئ لان تسليم النفس لابقاء ما التزمه مستحق عليه فايهم دفع الاول إلى الطالب وأشهد بالبراءة فهو برئ وصاحباه بريئان لانه في حق صاحبيه هو كفيل بنفسيهما وقد بينا أن تسليم كفيل الكفيل كتسليم الكفيل بنفسه فلهذا يبرؤن جميعا عن تسليم نفس المطلوب كما لو سلموه جميعا وبراءة الاصيل توجب براءة الكفيل فيبرأ كل واحد منهم عن كفالة صاحبه ولو لم يكن بعضهم كفيلا عن بعض كان للطالب ان يأخذ أيهم شاء بنفس الاول وليس له ان يأخذه بصاحبه لانه ما التزم تسليمهما بنفسهما وأيهم دفع الاول برئوا جيمعا لانهم التزموا تسليم نفس المطلوب بعقد واحد فكانوا فيه كشخص واحد ولان المستحق عليهم احضار واحد فبالعقد الواحد لا يستحق إلا احضار واحد وقد أتى به أحدهم وهو غير متبرع في ذلك فكأنهم أتوا جميعا به وهذا بخلاف ما إذا كفل كل واحد منهم بنفسه بعقد على حدة ثم سلمه أحدهم برئ هو دون صاحبه لان هناك كل واحد منهم التزم الاحضار بعقد على حدة فالاحضار المستحق على كل واحد منهم غير ما على صاحبيه وفى الاول التزموا الاحضار بعقد واحد فيكون المستحق عليهم احضار واحد
[ 170 ] وقد قال ابن ابى ليلى رحمه الله إذا كفل به الثاني برى الاول لان الطالب يصير معرضا عن كفالتة حين اشتغل بأخذ كفيل آخر وهذا فاسد فانه يأخذ الكفيل الثاني بقصد زيادة التوثق فلا يصير مبرئا للكفيل الاول ولا منافاة بين الكفالتين فالمستحق على كل واحد منهم الاحضار ولا يبعد ان يكون احضار شئ واحد مستحقا على شخصين وإذا كفل رجل بنفس رجل وكفل آخر بنفس الكفيل ثم مات الاول برئ الكفيل لان الاصل برئ من الحضور فيبرأ الكفيل الاول ببراءة الاصيل والكفيل الاول أصل في حق الكفيل الثاني فيبرأ ببراءته أيضا وان مات الاوسط برئ الاخير لان الوسط أصل في حق الآخر وقد برئ بموته وان مات الاخير فالاوسط على كفالته لان براءة الكفيل على ما هو سقوط محض لا يوجب براءة الاصيل كما لو برئ الكفيل بالابراء ولو دفع الاول نفسه إلى الطالب برئ الكفيلان لما بينا ولو كفل بنفس رجل والطالب غير حاضر فهو باطل في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الاول ثم رجع وقال هو جائز وكذلك الكفالة بالمال إذا لم يكن الطالب حاضرا وفى موضع آخر من هذا الكتاب يقول هو موقوف عند أبى يوسف رحمه الله حتى إذا بلغ الطالب فعله جاز وذكر الطحاوي رحمه الله قول محمد مع قول أبى يوسف رحمهما الله وهو غلط فان كان الصلح الصحيح من مذهب أبى يوسف رحمه الله التوقف فهو مبنى على بيانه في كتاب النكاح وهو ما إذا قال اشهدوا انى تزوجت فلانة وهى غائبة فكما ان هناك عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله كلام الواحد شطر العقد فلا يتوقف على ما وراء المجلس وعند أبى يوسف رحمه الله جعل كلام الواحد كالعقد التام حتى يتوقف على ما وراء المجلس فكذلك هنا لانه لا ضرر على أحد من هذا التوقف وان كان الصحيح من قول أبى يوسف رحمه الله انه جائز في مسألة مبتدأة وجه قوله ان الكفالة التزام من الكفيل من غير ان يكون بمقابلته الزام على غيره والالتزام يتم بالملتزم وحده كالاقرار وهذا لانه تصرف منه في ذمته وله ولاية على ذمته ولا يتعدى ضرره إلى الطالب لانه لا يزداد بالكفالة حق الطالب وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا الكفالة تبرع وهو تبرع على الطالب بالالتزام له وانشاء سبب التبرع لا يتم بالتبرع ما لم يقبله المتبرع عليه كالهبة والصدقة وهذا لان التزام الحق بانشاء العقد والعقد لا يتم بالايجاب بدون القبول ولا يمكن جعل ايجابه قائما مقام قبول الآخر لانه لا ولاية له عليه فبقى ايجابه شطر العقد وذلك يبطل بالقيام عن المجلس بخلاف الاقرار فانه
[ 171 ] اخبار عن واجب سابق والاخبار يتم بالمخبر ثم قد يتعدى ضرر هذا الالتزام إلى الطالب فان على قول بعض العلماء رحمهم الله الكفالة إذا صحت برئ الاصيل فبقى الامر إلى الطالب ولعل قاضيا يرى ذلك فيحكم ببراءة الاصيل عن حق الطالب وفيه ضرر عليه فلهذا لا تصح الكفالة الا بقبوله وعلى هذا لو خاطب فضولي عن الطالب على قولهما يتوقف على اجازة الطالب وعلى قول أبى يوسف رحمه الله هو جائز قبله الفضولي أو لم يقبله إلا في خصلة واحدة وهى ما إذا قال المريض لورثته أو لبعضهم اضمنوا علي دينى فضمنوا فهذا لا يجوز في القياس على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان الطالب غير حاضر فلا يتم الضمان الا بقبوله ولان الصحيح لو قال هذا لورثته أو لغيرهم لم يصح إذا ضمنوه فكذلك المريض وفى الاستحسان يصح لان حق الغرماء والورثة يتعلق بتركته بمرضه على أن يتم ذلك بموته وتتوجه المطالبة على الورثة بقضاء ديونهم من التركة فقام المطلوب في هذا الخطاب لورثته مقام الطالب أو نائبه لانه يقصد به النظر لنفسه حتى يفرغ ذمته بقضاء الدين من تركته فلهذا جوزناه استحسانا بخلاف ما إذا كان صحيحا فانه لا حق لاحد في ماله ولا مطالبة في شئ من دينه قبل ورثته فلا يقوم هو مقام الطالب في الخطاب لهم بهذا الضمان واختلف مشايخنا رحمهم الله فيما إذا قال المريض ذلك لاجنبي فضمن الاجنبي دينه بالتماسه فمنهم من يقول لا يجوز لان الاجنبي غير مطالب بقضاء دينه بدون الالتزام فكان المريض في حقه والصحيح سواء ومنهم من يقول يصح هذا الضمان لان المريض قصد به النظر لنفسه والاجنبى إذا قضى دينه بأمره يرجع به في تركته فيصح هذا من المريض على أن يجعله قائما مقام الطالب لضيق الحال عليه بمرض الموت ومثل ذلك لا يوجد في الصحيح فأخذنا فيه بالقياس ثم هذا من المريض صحيح وان لم يسم الدين ولا صاحب الدين لانه انما يصح بطريق الوصية منه لورثته بأن يقضوا دينه ووجوب تنفيذ الوصية على الورثة لحق الموصي والجهالة لا تمنع صحة الوصية وإذا كفل رجل برأس رجل أو برقبته أو بوجهه أو بجسده أو ببدنه جاز لان هذا كله يعبر به عن جميع البدن ولهذا صح ايقاع الطلاق والعتاق به فهذا وكفالته بنفسه سواء وكذلك لو كفل بروحه وهكذا ذكره في الكتاب خاصة فانه يعبر بالروح عن النفس وكذلك لو كفل بنصفه أو بجزئه لان النفس واحدة في الكفالة لا تتجزأ فان المستحق احضارها واحضار بعض النفس لا يتحقق وذكره جزء ما لا يتجزأ كذكر كله ولو كفل بيده أو رجله فهذا باطل لان هذا
[ 172 ] اللفظ لا يعبر به عن جميع البدن ولهذا لا يصح ايقاع الطلاق والعتاق به فكذلك الكفالة ولو قال علي أن أوفيك به أو إلي أن أوفيك به فهو كفيل لان الموافات به احضاره للتسليم وذلك موجب الكفالة وقد التزمه بقوله علي أو الي وكذلك لو قال على أن أكفلك به يعنى على أن أحضره وأسلمه اليك إذا التقينا وذلك موجب الكفالة وكذلك لو قال هو على حتى تجتمعا أو تلتقيا لانه التزام إلى غاية وهو اجتماعهما وذلك موجب الكفالة والتصريح بموجب العقد ينعقد به العقد وان قال أنا ضامن لمعرفته فهو باطل لان موجب الكفالة التزام التسليم وهو انما ضمن المعرفة فهذا بمعنى قوله أنا ضامن لان أدخلك عليه أو أوقفك عليه بخلاف ما لو قال أنا ضامن بوجهه لان الوجه انما يعبر به عن النفس فكأنه قال أنا ضامن بنفسه ولو قال أنا ضامن لك أن تجتمعا أو تلتقيا فهو باطل لان اجتماعهما أو ملاقاتهما فعلهما ولا يكون الانسان ضامنا لفعل الغير بخلاف قوله هو على حتى تجتمعا أو تلتقيا لان قوله هو علي اشارة إلى نفسه فان التزم تسليم نفسه إلى هذه الغاية وذلك التزام منه لفعله دون فعل الغير وإذا كفل وصى الميت غريما للميت بنفسه من رجل فدفعه الكفيل إلى ورثة الميت أو غريم من غرمائه لم يجز لانه التزم تسليم النفس إلى الوصي وبالتسليم إلى غيره لا يكون موفيا ما التزمه والمقصود لا يحصل بالتسليم إلى الغرماء وهم لا يتمكنون من اثبات الدين للميت عليه وكذلك الورثة لان أيديهم لا تنبسط في التركة عند قيام الدين على الميت وانما الوصي هو الذى يتمكن من اثبات الدين عليه واستيفائه فلهذا لا يبرأ بالتسليم إلى غيره والكفالة جائزة بالنفس فيما بين الاولاد والازواج والزوجات وفيما بين الاقارب كجوازها بين الاختين بمنزلة سائر العقود من التبرعات والمعاوضات والكفالة بالنفس أو المال إلى الحصاد والدياس أو إلى الجذاذ أو إلى المهرجان أو إلى النيروز جائزة إلى الاجل الذى سمى لان ما ذكر من الاجل وان كان فيه نوع جهالة فهى جهالة مستدركة متقاربة فان الدياس والحصاد يتقدمان الحر وتأخرهما بامتداد البرد فتكون متقاربة ومثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الكفالة لانها مبنية على التوسع (ألا ترى) ان الجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة مع انه هو المقصود بها المعقود عليه ففيما ليس بمعقود عليه وهو الاجل أولى وبه فارق البيع فان الجهالة في المعقود عليه هناك تمنع صحة العقد فكذلك في الاجل المشروط فيه لانه إذن شرط في نفس العقد ولهذا روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله انه إذا أجله في الثمن بعد البيع إلى الحصاد أو إلى الدياس يجوز لانه إذا لم يكن
[ 173 ] الاجل مشروطا في العقد لا يصير من العقد ولكن تأثيره في تأخير المطالبة ويجوز تأخير المطالبة إلى هذه كما في الكفالة فان قيل ما يقولون فيما إذا تزوج امرأة بصداق مؤجل إلى هذا الاجل فان الصداق يحتمل الجهالة المتقاربة ثم لا يصح اشتراط هذه الآجال فيه قلنا جواب هذا الفصل غير مذكور في الكتب وبين مشايخنا رحمهم الله فيه خلاف والاصح عندي أنه تثبت هذه الآجال في الصداق لانه لا شك ان اشتراط هذه الآجال لا يؤثر في أصل النكاح بخلاف البيع فيبقى هذا أجلا في الدين المستحق بالعقد لان في العقد والمهر تحتمل جهاله الصفة فجهالة الاجل أولى ومن يقول لا يثبت تحول ما هو المعقود عليه في النكاح وهو المرأة لا يحتمل الجهالة فكذلك الاجل المشروط فيه بخلاف الكفالة وكذلك لو قال الكفالة إلى العطاء أو إلى الرزق أو إلى صوم النصارى أو فطرهم فهذا كله جائز باجل وان كانت فيه جهالة مستدركة ولو قال إلى ان يقدم المكفول به من سفره لان قدوم المكفول به من سفره منتشر لتسليم نفسه إلى خصمه والتأجيل إلى ان ينتشر التسليم صحيح بخلاف ما لو قال إلى قدوم فلان غير المكفول به لان ذلك غير منتشر لتسليم ما التزمه فيكون تعليقا للكفالة بالشرط المحض وذلك باطل كما لو علقه بدخول الدار أو كلام زيد وهذا لانه انما يحتمل التعليق ما يجوز ان يحلف به كالطلاق والعتاق ويعنى بقولنا باطل ان الشرط باطل فاما الكفالة فصحيحة لان الكفالة لا تبطل بالشروط الفاسدة كالنكاح ونحوه وعلى هذا لو كفل به إلى ان تمطر السماء أو إلى ان يمس السماء فالكفالة جائزة والاجل باطل لان ما ذكره ليس من الآجال المعروفة بين التجار ولان الاجل بذكر الزمان في المستقبل ولا يحصل ذلك بهذا اللفظ لجواز ان يتصل هبوب الريح وامطار السماء بالكفالة فيبقى شرطا فسادا فلا تبطل به الكفالة فاما ما ذكر من الحصاد والدياس فذكر زمان في المستقبل لا بالعلم إذ زمان الدياس ليس زمان الحصاد فيصح ذلك على وجه التأجيل ولو قال انا كفيل بنفس هذا إلى قدوم فلان وذلك معه في الدين عليهما جازت الكفالة إلى هذا الاجل لان اشتراط قدومه لينتشر الامر عليه يتمكن الطالب من استيفاء الدين منه فكان هذا وما لو شرط قدوم المكفول بنفسه سواء ولو قال رجل لقوم اشهدوا انى كفيل لفلان بنفس فلان والطالب غائب فقد بينا ان انشاء الكفالة بهذه الصفة لا يجوز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وسواء أجازه الطالب أو لم يجزه فان قال الطالب حين حضر قد كنت كفلت لي به قبل ذلك وأنا حاضر وانما كان هذا اللفظ اقرارا منك بالكفالة وقال
[ 174 ] الكفيل بل انشأت الكفالة بهذا اللفظ فلم يصح فالقول قول الطالب لان صيغة كلامه اقرار ولا نالو حملنا كلامه على الاقرار كان صحيحا ولو حملناه على الانشاء لم يصح وكلام العاقل مهما أمكن حمله على وجه صحيح يحمل عليه وكان الظاهر شاهدا للطالب من هذا الوجه وإذا كفل رجل بنفس رجل على أنه ان لم يوثق به غدا فهو كفيل بنفس فلان لرجل آخر وللطالب قبله حق فذلك جائز ان لم يواف بالاول كان عليه الثاني وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله الآخر فاما على قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحهمها الله فالكفالة بنفس الاول صحيحة وبنفس الثاني باطلة نص على الخلاف بعد هذا في الكفالة بالمال والكفالة بالنفس والكفالة بالمال في هذا سواء وجه قول محمد رحمه الله ان هذه مخاطرة لانه علق الكفالة بالشرط وتعليقها لا يجوز كما لو قال ان دخلت الدار فانا كفيل لك بنفس فلان وهذا بخلاف ما لو كفل بنفسه على انه ان لم يواف به فعليه المال الذى له عليه لان القياس هناك ان لا تصح الكفالة الثانية لكونها مخاطرة وكنا استحسنا للتعامل الجارى بين التجار وهذا ليس في معنى ذلك لان ذلك المال كان سببا للكفالة بالنفس فكال بينهما اتصالا من هذا الوجه فاما الكفالة بنفس عمرو فليست بسبب للكفالة بنفس زيد فلا اتصال بين الكفالتين هنا فوجب اعتبار كل واحدة منهما على حدة والثانية منهما متعلقة بالخطر وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا تعليق الكفالة بخطر عدم الموافاة صحيح كما لو قال ان لم أوافك به غدا فعلى مالك عليه وهذا لان الكفالتين حصلتا لشخص واحد فكان في تصحيح الثانية تأكيد يوجب الاولى لان موجبها الموافاة فإذا علم انه ان لم يواف به لزمته الكفالة الثانية جد في طلبه ليوافى به حتى يدفع عن نفسه ضرر التزام الكفالة الثانية ولو قال أنا كفيل لفلان أو لفلان كان جائزا بدفع أيهما شاء الكفيل إلى المكفول له فيبرأ من الكفالة لان جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة على ما بينه في قوله ما ثبت لك على فلان فهو على ان شاء الله ثم الكفيل بهذا اللفظ يكون ملتزما تسليم أحدهما إلى الطالب لاقحامه حرف أو بينهما فيكون الخيار في بيان ما التزمه إليه وأيهما سلم فقد وفى بما شرط وإذا قال رجل لرجل لفلان على فلان مال فاكفل له بنفسه فقال قد فعلت ثم بلغ الطالب فقال أجزت فانه يجوز لانه عقد جرى بين اثنين ولو كان الملتزم وكيل الطالب كانت الكفالة صحيحة فإذا كان فضوليا توقفت على اجازته فإذا أجاز صار ملتزما وللكفيل أن يخرج من الكفالة قبل قدوم الطالب لانه يدفع اللزوم عن نفسه عند اجازة
[ 175 ] الطالب وللعاقد هذه الولاية في العقد الموقوف إذا فسخه المشترى قبل اجازة المالك وليس للمخاطب أن يبطل هذه الكفالة قبل اجازة الطالب لانه لا يدفع به عن نفسه شيأ فان عند الاجازة لا يجب على المخاطب شئ بخلاف البائع في البيع الموقوف فانه يجوز فسخه قبل أن يجيزه المالك لانه يدفع به عن نفسه ضرر لزوم العهدة إذا أجازه المالك وإذا وكل رجل رجلا أن يأخذ له من فلان كفيلا بنفسه فأخذه منه كفيلا بنفسه فان كان الكفيل كفل للوكيل فان الوكيل يأخذه بذلك دون الموكل لانه أضاف العقد إلى نفسه بقوله أكفل لى والتزام الكفيل تسليم نفس المطلوب إليه فعليه الوفاء بما التزم وان كفل به للموكل أخذه الموكل دون الوكيل لان الوكيل أضاف الكفالة إلى الموكل وجعل نفسه رسولا من جهته والكفيل التزم تسليم نفسه إلى الموكل فان دفعه في الوجهين جميعا إلى الموكل فهو برئ من الكفالة أما في الفصل الثاني فلا يشكل وأما في الفصل الاول فالوكيل وان كان هو الذى يطالب للموكل فإذا سلمه إلى الموكل فقد وفي الحق المستحق عليه إلى مستحقه وهو كالمشترى من الوكيل إذا دفع الثمن إلى الموكل وإذا ادعى رجل من رجل كفالة بنفس وأراد يمينه فانه يستحلفه له لانه يدعى عليه حقا مستحقا لو أقر به لزمه فإذا أنكره يستحلف عليه حتى إذا نكل عن اليمين يقام نكوله مقام اقراره فيؤخذ بذلك فان أخذ به فاستعدى على المكفول به أن يحضر فيبرئه عن الكفالة فان كان المكفول به مقرا بانه أمره بالكفالة أمر بان يحضر معه لانه هو الذى أدخله في هذه الورطة فعليه اخراجه منها ولا طريق للاخراج سوى أن يحضر معه ليسلمه فان تسليم نفسه لا يتصور بدون نفسه وان قال كفل لى ولم آمره وحلف على ذلك لم يجبر على الحضور معه لانه تبرع بهذا الالتزام ولم يكن مأمورا به من جهة أحد فيقتصر وبال ما التزمه عليه الا أن يقيم البينة انه كفل له بأمره فحيئنذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فيؤمر بالحضور معه وإذا كفل رجل بنفس رجل فمات الطالب فلوصيه أن يأخذه بها لان الوصي قائم مقام الموصى في حقوقه وكما يطالب الوصي المطلوب بالحق الذى كان عليه للموصى فكذلك يطالب الكفيل وان لم يكن له وصى أخذه الورثة لانهم خلفاؤه يقومون مقامه في حقوقه وأى الورثة أخذه به فله ذلك ولكن يبرأ الكفيل بدفعه إليه من جهته لا من جهة سائر الورثة حتى ان لهم أن يطالبوه بالتسليم لان كل واحد منهم يقوم مقام الميت فيما هو من حقه ولا يقوم مقام شركائه في حقوقهم (ألا ترى) أنه لا يقبض من المطلوب الا مقدار
[ 176 ] حصته من المال ولو دفع إليه جميع المال لم يبرأ من نصيب سائر الورثة ولو كان على الميت دين يحيط بماله ولم يوص إلى أحد فدفعه الوكيل إلى غرمائه أو إلى الورثة لا يبرأ لان المقصود لا يحصل بالدفع إليهم فان الغرماء لا يتمكنون من الخصومة معه والورثة كالاجانب إذا كانت التركة مستغرقة بالدين ولو كان في ماله فضل على الدين وقد أوصى الميت بالثلث فدفع الكفيل المكفول به إلى الغرماء أو إلى الموصى له لم يبرأ الا أن يدفعه إلى الوصي لانه هو القائم مقام الميت للمطالبة بحقوقه حتى يوصل إلى كل مستحق حقه فأما الموصى له والورثة فحقهم مؤخر عن حق الغرماء والخلافة لكل واحد منهم بقدر حقه فلهذا لا يبرأ الا بدفعه إلى الوصي ولم يذكر في الكتاب ما إذا دفعه إلى الثلاثة جميعا قيل يبرأ بالدفع إليهم لان الحق لهم لا يعدوهم والاصح انه لا يبرأ لان الغرماء لا يتمكنون من الخصومة معه فلا يعتبر دفعه إليهم ولا حق للورثة والموصى له ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فإذا أدى الورثة الدين والوصية جاز الدفع إلى الورثة وبرئ الكفيل من كفالته لان المانع من صحة الدفع إليهم قيام حق الموصى له والغريم وقد زال ذلك بوصول حقهم إليهم فبقي الحق للورثة فلهذا جاز دفعه إليهم وإذا كفل رجل لرجلين بنفس رجل ثم دفعه إلى أحدهما برئ من كفالة هذا وكان للآخر ان يأخذه لانه التزم تسليمه اليهما وواحد منهما ليس بنائب عن الآخر في استيفاء حقه فلا يبرأ عن حقه بالتسليم إلى الآخر ولكن في حق من سلم إليه المقصود لم يحصل بهذا التسليم لانه يتمكن من خصومته واثبات حقه عليه وكذلك وصيان لميت كفلا رجلا بنفسه للميت عليه دين فدفعه الكفيل إلى أحد الوصيين برئ منه وكان للآخر ان يأخذه به سواء كانت الكفالة في صفقة واحدة أو في صفقتين لان كل واحد منهما ينفرد بالخصومة فيحصل المقصود بالتسليم إليه فلهذا برئ من حقه والله أعلم (باب الكفالة بالنفس فان لم يواف به فعليه المال) (قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل مال فكفل رجل بنفس المطلوب فان لم يواف به إلى وقت كذا فعليه ماله عليه وهو كذا فمضي الاجل قبل ان يوافيه به فالمال لازم له عندنا استحسانا وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقول لا يلزمه المال وهو القياس لانه علق التزام المال بالخطر وتعلق التزام المال بالخطر باطل كالاقرار لانه انما يعلق بالاخطار ما يجوز ان يحلف به ولهذا لا يجوز تعليق الكفالة بسائر الشروط فكذلك بخطر عدم الموافاة وللاستحسان
[ 177 ] وجهان أحدهما انه يحمل على التقديم والتأخير فيجعل كأنه كفل بالمال في الحال ثم علق البراءة على الكفالة بالموافاة بنفسه والموافاة تصلح سببا للبراءة عما التزمه بالكفالة والتقديم والتأخير في الكلام صحيح فإذا أمكن في هذا الوجه تصحيح كلامه حمل عليه وللتحرز عن الغاية والثانى ان هذا متعارف فيما بين الناس فان رغبة الناس في الكفالة بالنفس أكثر منه بالكفالة بالمال فللطالب ان يرضى بأن يكفل بنفسه على انه ان لم يواف به يكون كفيلا بالمال حينئذ وفيه يحصل مقصوده فانه يجد في طلبه ليسلمه إلى خصمه فيتمكن من استيفاء الحق منه وان لم يفعل يصير كفيلا بالمال فقد بينا ان سبب كفالته بالنفس هو المال الذى ادعاه قبله ويكون للحقين اتصال من هذا الوجه فإذا عين الكفالة بأحدهما وأخر الكفالة الثانية إلى وقت عدم الموافاة كان صحيحا وإذا لم يواف بنفسه حتى لزمه المال لا يبرأ من الكفالة بالنفس لانه لا منافاة بين الكفالتين (ألا ترى) انه لو كفل بهما معا كان صحيحا وبعدما صحت الكفالة بالنفس لا يستفيد البراءة عنها إلا بالموافاة بالنفس ولم يوجد ذلك وكذلك ان كان قال فعلي مالك عليه ولم يسم كم هو جاز لان جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة فانها مبنية على التوسع مع ان عين الجهالة لا تؤثر في العقد وانما المؤثر جهالة تفضي إلى المنازعة (ألا ترى) ان بيع القفيز من الصبرة جائز فان جهالة القفيز لا تقتضي المنازعة وهنا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لان الحق الذي له عليه معلوم في نفسه وان لم يكن معلوما فاعلامه بطريق ممكن فلهذا صحت الكفالة (ألا ترى) أنه لو قال كفلت لك ما أدركك في هذه الجارية التى اشتريت من درك كان جائزا وأصل لحوق الدرك وقدر ما يلحقه فيه من الدرك مجهول وقد اعتاد الناس الكفالة بهذه الصفة وكذلك لو قال كفلت لك بما أصابك من هذه الشجة التى شجك فلان وهى خطأ كان جائزا بلغت النفس أو لم تبلغ ومقدار ما التزمه بهذه الكفالة مجهول لانه لا يدرى قدر ما يبقى من الشجة وانه هل يسرى إلى النفس أو لا يسرى فدل ان مثل هذه الجهالة لا تمنع الكفالة وكذلك لو قال كفلت بالمال الذي لك عليه ان وافيتك به غدا فان برئ منه كان جائزا عن المال إذا أسلم نفسه إليه في الغد لان ابراء الكفيل اسقاط محض والاسقاط بالتعليق بالشرط كالطلاق والعتاق ولان الموافاة بنفسه ممكنة للطالب من الوصول إلى حقه فيجعل ذلك قائما مقام وصول حق الطالب إليه في ابراء الكفيل ولكن هذه الاقامة تكون عند الشرط فلا تثبت بدون الشرط وإذا كفل رجل رجلا وقال ان لم أوافك به غدا فعلى ألف درهم ولم يقل
[ 178 ] التى لك فمضى الغد ولم يواف به وفلان ينكر ان يكون عليه شئ والطالب يدعى عليه ألف درهم والكفيل ينكر ان يكون له عليه شئ فالمال لازم على الكفيل في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وفى قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله لا شئ عليه لان بمجرد دعوى الطالب لا يثبت المال على واحد منهما فكانت هذه رشوة التزمها الكفيل له عند عدم الموافاة والرشوة حرام ولو جعلناه كأنه قال فعلى الالف التى لك عليه لزمه المال ولو جعلناه كانه قال فلك على ألف درهم ابتداء من جهتى لم يلزمه شئ والمال لا يجب بالشك لعلمنا ببراءة ذمته في الاصل ووقوع الشك في اشتغالها وحجتهما ما بينا ان الصحة مقصود كل متكلم فمهما أمكن حمل كلامه على وجه صحيح يجب حمله عليه ولو حملناه على الالتزام بطريق الرشوة لم يصح ولو حملناه على الالتزام بطريق الكفالة عن فلان كان صحيحا فعلي مالك عليه وهو ألف درهم موجب حمله على هذا الوجه (ألا ترى) أن من قال لغيره لك علي ألف درهم حمل كلامه على الاقرار فيصح ولا يحمل على الالتزام ابتداء لانه إذا حمل عليه لم يصح * توضيحه ان أول كلامه كفالة صحيحة عن فلان والاصل أن ما مبناه على كلام صحيح يكون صحيحا على ما بينا هذا في الفرق بين الوجه واليد ان شاء الله تعالى وإذا حملنا آخر كلامه على الكفالة كان ذلك اقرارا منه بوجوب المال على فلان واقراره صحيح في حق نفسه فلا ينفعه الانكار بعد ذلك ولو ادعي الطالب المال وجحد المطلوب وكفل رجل بنفسه فان لم يواف به غدا فعليه الذى ادعى على المطلوب فلو مضى الغد ولم يواف به لزم الكفيل المال عندهم جميعا لانه صرح بالالتزام بطريق الكفالة عن فلان وذلك اقرار بوجوب المال على فلان لان الكفالة لا تصح الا به واقراره حجة على نفسه فإذا أداه رجع به على المطلوب ان كان أمره أن يكفل عنه بالمال وان لم يأمره بذلك وأمره أن يكفل بالنفس لم يرجع عليه بالمال لانه متبرع بالكفالة بالمال وهذا عندنا وقال مالك رحمه الله الكفيل بالمال إذا أدى يرجع على الاصيل سواء أمره بالكفالة عنه أو لم يأمره لان الطالب بالاستيفاء منه يصير كالمملك لذلك المال من الكفيل أو كالمقيم له مقام نفسه في استيفاء المال من الاصيل ولكنا نقول تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز وإذا كفل بامره فبنفس الكفالة يجب المال للطالب على الكفيل كما يجب للكفيل على الاصيل ولكن يؤخر إلى أدائه وهذا لا يكون عند كفالته بغير أمره والثانى أن عند الكفالة بالامر يجعل أصل المال كالثابت في ذمة الكفيل عند الاداء يتملكه بالاداء وذلك يصح
[ 179 ] عند وجود الرضا من الطالب والمطلوب وإذا كانت الكفالة بغير أمره لا يمكن اثبات أصل المال في ذمته حتى يتملكه بالاداء لانعدام الرضا من المطلوب بذلك فلهذا لا يرجع عليه قال وكذلك لو كان المطلوب عبدا تاجرا لانه تبرع عليه والعبد في التبرع عليه كالحر ولو كفل بنفس المطلوب على أن يوافيه به إذا ادعى به فان لم يفعل فعليه الالف التى له عليه فلو سأله الرجل أن يدفعه إليه فدفعه إليه مكانه فهو برئ من المال لان شرط التزام المال عدم الموافاة حين يطلبه منه فإذا وافاه به في المجلس الذى طلب منه فقد انعدم شرط وجوب المال وان لم يدفعه إليه فقد تقرر شرط وجوب المال فيلزمه وكذلك ان قال أئتنى به العشاء أو الغداء فلم يوافه به على ما قال فالمال لازم عليه لوجود شرطه وان قال الطالب أئتنى به غدوة وقال الكفيل آتيك به بعد غدوة فأبى الطالب أن يفعل فلم يواف به الكفيل غدوة فالمال عليه لان الكفيل استمهله وله أن يأبى الامهال فإذا أباه بطل ذلك الاستمهال فيبقى عدم الوفاء إلى الوقت الذى طلب منه فيلزمه المال وان أخره الطالب إلى بعد غد كما قال فقد أجابه إلى ما التمس من الامهال وصار في التقدير كأنه أمره بالموافاة بعد غد فإذا أوفاه به فقد برئ عن المال وان مضى بعد غد ولم يوافه به فعليه المال وان كان شرط أن يوافيه به عند مكان القاضى فدفعه إليه في السوق أو الكناسة فهو برئ من المال لانه أتاه بالموافاة المستحقة عليه فان التقييد بمكان القاضى غير معتبر لان المقصود أن يتوصل إلى الخصومة معه وذلك حاصل بالتسليم في المصر وقد بينا هذه الفصول في الباب المتقدم وان شرط عليه أن يدفعه إليه عند الامير فدفعه إليه عند القاضى أو شرط عليه عند القاضى فدفعه إليه عند الامير أو شرط له عند القاضى فاستعمل قاض غيره فدفعه إليه عنده فهو برئ لانه ليس المقصود بهذا التقييد عين القاضى والامير وانما المقصود تمكنه من اثبات الحق عليه بالحجة والاستيفاء منه بقوة الوالي وفى هذا المقصود الامير والقاضى الاول والثانى سواء وقد بينا أن ما لا يكون مفيدا من التقييد لا يعتبر ولو كفل بوجهه على انه ان لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو الالف درهم فهو جائز على ما شرط ولو كفل بيده أو برجله على هذا الشرط كان باطلا لا يلزمه المال فيه والفرق بينهما أن الكفالة الثابتة بالمال مبنية على الكفالة الاولى بالنفس والكفالة بالنفس بالاضافة إلى الوجه تصح فإذا صح ما هو الاصل صح ما جعل بناء عليه لمعنى وهو ان الكفالة بالمال لا يمكن اثباتها بهذه الصفة مقصودا لانه علقها بالشرط وتعليق الكفالة بالشرط لا يصح وانما
[ 180 ] يصححها اعتبار التبعية للكفالة الاولى وثبوت التبع بثبوت المتبوع ففى الفصل الاول لما صح المتبوع صح التبع وفى الفصل الثاني لم يصح المتبوع فلا يمكن تصحيحه التبع ولا يمكن تصحيح الكفالة بالمال مقصودا بهذه الصفة فتعينت جهة البطلان فيه وإذا كفل رجل بنفس رجل فان لم يوافه به غدا فالمال الذى للطالب على فلان رجل آخر وهو ألف درهم على الكفيل فهو جائز في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله الآخر وفى قول محمد وأبى يوسف رحمهما الله الاول الكفالة بالمال باطلة (وهذه الفصول أحدها) أن يكون الطالب والمطلوب واحدا في الكفالتين فتجوز الكفالتان استحسانا كما بينا (والثانى) أن يكون الطالب مختلفا فتبطل الكفالة بالمال سواء كان المطلوب واحدا أو اثنين نحو ان يكفل بنفس رجل على انه ان لم يواف به غدا فالمال الذى لرجل آخر على هذا المطلوب على الكفيل أو المال الذى لرجل آخر سوى الطالب على رجل آخر سوى المطلوب على الكفيل فهذا باطل بالاتفاق لان عند اختلاف الطالب الكفالة الثانية لا تكون تابعة للكفالة الاولى ولا يكون تصحيحها مقصودا لانه تعليق للالتزام بالشرط ولانا عند اتحاد الطالب والمطلوب صححنا الكفالة الثانية حملا لكلامه على معنى التقديم والتأخير ولا يتأتى ذلك عند اختلاف الطالب فاما إذا كان الطالب واحدا والمطلوب اثنين فهو على الخلاف كما بينا فمحمد رحمه الله يقول الكفالة الثانية هنا لا يمكن تصحيحها تبعا للكفاله الاولى لان الكفالة الاولى بنفس غير نفس المطلوب بالمال ولا يمكن أن تجعل الموافاة بنفسه مبرئة له عما التزمه عن آخر فبقيت هذه كفالة مقصودة متعلقة بالشرط وهى مخاطرة فلا يصح كما قال في الفصل الثاني وكذلك لا يمكن تصحيح الكفالة هنا بحمل كلامه على التقديم والتأخير بخلاف ما إذا اتحد المطلوب فاما أبو يوسف رحمه الله فانه يقول الكفالة الثانية هنا توقن بحق من وقعت الكفالة الاولى له فيصح كما إذا اتحد المطلوب وهذا لان الكفالة انما تقع للطالب حتى يحتاج إليه قبول الطالب وإذا كان الطالب واحدا أمكن جعل الكفالتين في المعنى ككفالة واحدة واتباع الثانية للاولى فيحكم بصحتها بخلاف ما إذا اختلف الطالب ولو قال فان لم أوافك به فالمال الذي لك عليه وهو مائة درهم والمال الذى لك على فلان وهو عشرة دنانير علي فان ذلك كله عليه عند عدم الموافاة عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله عليه المال الذى كان على المطلوب دون الذى علي غيره اعتبار الحالة الجمع بينهما بحال افراد كل واحد منهما واستشهد لهما بما لو كان عليهما مال واحد
[ 181 ] وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكفل بنفس أحدهما على أنه ان لم يواف به غدا فالمال الذي على فلان وهو كذا على ان لم أواف به ان ذلك عليه وعذر محمد رحمه الله واضح لان المال هنا واحد سواء اضافه إلى المكفول بنفسه أو إلى صاحبه ولو كفل بنفس رجل للطالب على مال فلزم الطالب الكفيل فأخذ منه كفيلا بنفسه على أنه ان لم يواف به فالمال الذي له على فلان المكفول به الاول عليه فهو جائز وهذا عندهم جميعا وعذر محمد رحمه الله ان الكفالة بالنفس هنا باعتبار ذلك المال (ألا ترى) ان المطلوب إذا برئ من ذلك المال برئ الكفيل الاول والثانى فامكن تصحيح الكفالة بالمال تبعا للكفالة بالنفس وإذا كفل رجل بنفس رجل أو بما عليه وهو مائة درهم كان جائزا لانه ردد الالتزام بين شيئين وقد ذكرنا ان مثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الالتزام بحكم الكفالة والخيار إلى الكفيل وأيهما سلم المال أو النفس برئ لان حرف أو للتخيير وعزيمة الكلام في أحدهما وإذا كفل بنفس فلان أو بما عليه أو بنفس فلان آخر أو بما عليه فهو جائز وأي ذلك دفع الكفيل فهو برئ لان الجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة عند عدم التنصيص فعند التنصيص عليه أولى وأي ذلك دفع فقد وفى بما لزمه ولو ادعى رجل قبل رجل ألف درهم فأنكرها ثم قال ان لم أوافك به غدا فهو على فان لم يوافه به غدا لا يلزمه شئ لانه تعليق للالتزام بالخطر بمنزلة قوله ان دخلت دارك فهو على وهذا بخلاف ما لو كفل رجل بنفس جاحد وقال ان لم أوافك به غدا فالذي تدعى عليه لك علي لان الكفالة بالنفس والمال جائزة ويلزم الكفيل المال ان لم يواف لانه جعل التزام المال تبعا للكفالة بالنفس وقد صحت الكفالة بالنفس فكذلك بالمال وحقيقة المعنى في الفرق انه ليس من شرط توجه المطالبة على الكفيل وجوب أصل المال في ذمته على ما بينا أن موجب الكفالة المطالبة بما هو في ذمة غيره وهو لما قدم على الكفالة صار كالمقر بوجوب المال في ذمة المطلوب واقراره بذلك ملزم اياه وان لم يثبت المال له في ذمة المطلوب بخلاف المطلوب إذا علق الالتزام بعدم موافاته لانه لا يمكن توجه المطالبة عليه الا بعد وجوب المال في ذمته ولم يوجد منه الاقرار بوجوب المال عليه صريحا ولا دلالة فكانت هذه مخاطرة حتى لو كان المطلوب أمر الكفيل بالكفالة بهذا الشرط يجب المال به على المطللوب كما يجب على الكفيل ولو كفل رجلا بنفسه فان لم يواف به غدا فالالف درهم التى لك عليه على فلان آخر سوى الكفيل بالنفس واقرار الكفيل بالمال بذلك فهو جائز على هذا الشرط لان معنى الاستحسان الذى
[ 182 ] ذكرنا في الفصل الاول إذا أضاف الكفالة بالمال إلى نفسه يأتي هنا أيضا وهو أن يحمل كلامه على التقديم والتأخير ويجعل كان أحدهما كفيل بنفس المطلوب والآخر بالمال بشرط أن الكفيل بنفسه ان وفى بالنفس برئ الكفيلان جميعا فايهما صرح بهذا كان جائزا مستقيما لان عند الموافاة بالنفس الطالب يستغنى عن الكفالتين فلذا تعينت البراءة عن الكفالتين بسبب بعينه عنهما ولا فرق في ذلك بين أن يكون الكفيل رجلا أو رجلين وإذا كفل رجل بنفس رجل فان لم يواف به غدا فعليه المال الذي عليه وهو الالف فلم يواف به الكفيل ولكن الرجل لقى الطالب وخاصمه ولازمه في المسجد حتى الليل فالمال لازم للكفيل لوجود شرطه وهو عدم موافاة الكفيل به وقد بينا أنهما وان تلاقيا لا يبرأ الكفيل به عن الكفالة بالنفس بخلاف ما إذا وافاه به فكذلك في وجوب المال وهذا لان تسليم المطلوب نفسه إلى الطالب أنواع قد يكون عما هو مستحق عليه وقد يكون من جهة الكفالة فلا تتعين جهة الكفالة في تسليمه الا بالتنصيص لان الاصل في تسليمه انه عما هو مستحق عليه فان الكفالة بناء على ذلك الاستحقاق الا أن يكون المطلوب قال قد دفعت نفسي اليك عن كفالة فلان فحينئذ يصح ذلك منه لانه مطلوب بذلك من جهة الكفيل فيصح تعيينه لتلك الجهة ليسقط به مطالبة الكفيل عن نفسه وإذا صح ذلك كان هذا وموافاة الكفيل به سواء فيبرأ من المال (ألا ترى) أنه لو بعث به مع رسوله إلى الطالب كان ذلك موافاة منه حتى يبرئه من المال ولو كفل رجل بنفس الكفيل على انه ان لم يواف به غدا فالمال الذى كفل عن فلان وهو ألف عليه فوافى الكفيل الاول بالمطلوب ودفعه إليه في الغد فالكفيلان بريئان من الكفالة بالمال أما الكفيل الاول فلوجود الموافاة منه وأما الكفيل الثاني فلان الكفيل الاول في حقه أصيل وبراءة الاصيل توجب براءة الكفيل وان لم يواف به الاول ولا الثاني ووافى الكفيل الاول في الغد فان الكفيل الثاني يبرأ لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بنفس الكفيل الاول في الوقت الذى اشترطه والتزم المال الكفيل الاول لوجود شرطه وهو عدم الموافاة بنفس المطلوب ولو كفل بنفس رجل فان لم يواف به إلى شهر فالمال الذى عليه وهو مائة عليه ثم لقى الطالب به المكفول قبل الاجل فأخذ منه كفيلا آخر بنفسه وبالمال بهذا الشرط أيضا فوافي به أحدهما في الاجل فان الذى وافى به برئ من المال والنفس ولا يبرأ الآخر لان كل واحد منهما التزم تسليم النفس بعقد على حدة فموافاته به تكون تسليما عن نفسه لا عن غيره فيجب المال على
[ 183 ] الآخر لوجود شرطه وهو انعدام الموافاة بالنفس منه وان قال الكفيل الذى وافى به قد دفعته عن نفسي وعن فلان فانه يكون عن نفسه ولا يكون عن فلان لان التسليم الواحد لا يكون عن جهتين ولانه متبرع في التسليم عن فلان لان ذلك الالتزام غير متعلق به أصلا فهو في ذلك كاجنبي آخر فلا يصح تسليمه عن فلان الا أن يقبله الطالب فإذا قبله على ذلك برئا جميعا ويصير كأنه سلم مرة عن نفسه ومرة عن فلان فان الاستدامة على ما يستدام بمنزلة الانشاء وعلى هذا لو جاء رجل ليس بكفيل فقال قد دفعته اليك عن فلان لم يبرأ واحد منهما الا أن يقبله الطالب عنهما ولو قال المكفول به قد دفعت نفسي اليك عن فلان وفلان برئا جميعا من الكفالتين ولا يشترط قبول الطالب هنا لان الطالب مطالب من جهة كل واحد من الكفيلين بتسليم النفس إليه لتسليمه إلى الطالب فلا يكون هو متبرعا في هذا التسليم فلا يشترط فيه قبول الطالب بخلاف الأجنبي * وتوضيح هذا الكلام لو كان المكفول به قاعدا مع الطالب يحدثه فقال رجل للطالب قد دفعت اليك هذا عن فلان فسكت الطالب أو قال لا لم يبرإ الكفيل وان قال الطالب نعم قد قبلت فالكفيل برئ لان المسلم ليس بخصم عنه فكان متبرعا فلا تقع البراءة للكفيل الا بقبول الطالب ولو كان المتكلم بذلك وكيل الكفيل برئ الكفيل لان وكيله قائم مقامه فصار تسليم النفس كتسليم المال في حكم البراءة ولو ان أجنبيا أدى المال عن المطلوب لم يبرأ المطلوب الا بقبول الطالب بخلاف ما إذا كان المؤدى وكيل المطلوب أو المطلوب نفسه فكذلك البراءة عن الكفالة بالنفس ولو كفل ثلاثة رهط بنفس رجل فان لم يوافوا به يوم كذا فعليهم المال الذى عليه وهو ألف درهم فلم يوافوا به فعلى كل واحد منهم ثلث الالف كما لو أرسلوا الكفالة بالمال والمعنى فيه أنه التزام للمال أو للمطالبة فإذا أضيف إلى جماعة يتوزع على عددهم كالاقرار ولو قال ثلاثة نفر لرجل لك علينا ألف درهم يجب على كل واحد منهم ثلث الالف فان وافى به أحدهم في ذلك اليوم فهم جيمعا برآء من المال والنفس لانهم التزموا تسليم النفس بعقد واحد فموافاة أحدهم به كموافاتهم جميعا وكذلك ان كان قال فعليهم الالف التى عليه وبعضهم كيفل عن بعض بها فوافي به أحدهم برئوا جميعا وهذا أظهر وان لم يوافوا به لزمهم المال وللطالب أن يأخذا أيهم شاء بجميع المال لان كل واحد منهم التزم عن الاصيل ثلث المال وكل واحد عن صاحبه كفيل بالثلث الذى التزمه أيضا فان أدى أحدهم جميع المال رجع كل واحد على صاحبه بثلثه ان شاء
[ 184 ] لانه كفل عن كل واحد منهم بثلث المال وأدى ثلثه ويرجعون جميعا علي صاحب الاصل بالمال وان شاء المؤدى رجع علي أحد صاحبيه بالنصف لانه يقول أنت مساو لى في هذه الكفالة وقد أديت المال فارجع عليك بنصفه لنستوي في القيام بالكفالة كما استوينا في الكفالة فان قيل كيف يرجع عليه بالنصف وهو انما كفل عنه الثلث قلنا نعم ولكن الثلث الذى علي الثالث المؤدى وهذا الآخر يستويان في الكفالة عنه بذلك فكان له ان يقول نصف ذلك الثلث أديته بحكم الكفالة عنك لانك كفيل معى عنه بذلك وبعضنا كفيل عن بعض فلهذا رجع عليه بنصفه فإذا فعل ذلك ثم لقيا الثالث رجعا عليه بثلث المال ليستووا في عدد الكفالة ثم إذا لقوا المطلوب رجعوا عليه بجميع المال ولو كفل بنفسه رجل على انه ان لم يواف به غدا فعليه ألف درهم التى له عليه فلم يواف به في الغد وقال الطالب وصلني الالف وأديته الفا أخرى أو قال لم يكن لى عليه يومئذ شئ ولكن أديته ألفا قبل حلول الاجل لم يلزم الكفيل من ذلك شئ لانه انما كفل المال الواجب عليه عند الكفالة بالنفس لا عند عدم الموافاة وذلك المال قد سقط أو تبين انه لم يكن واجبا باقرار الطالب وما وجب بعد ذلك لم يتناوله عقد الكفالة فلا يطالب الكفيل بشئ منه ولو قال ان لم يواف به فعليه المائة درهم التى له عليه وما باعه من شئ ما بينه وبين ان يمضى هذا الاجل لزمه على ما قال لان الكفالة هنا كما تناولت الواحب عند الكفالة بالنفس تتناول ما يجب بعدها قبل الاجل وكل واحد منهما صحيح لانه أضاف الالتزام بالكفالة إلى سبب وجوب المال وهو المبايعة فما كان قائما من المال عند عدم الموافاة يصير الكفيل به كفيلا به ولو كفل بنفس رجل وان لم يواف به إلى كذا من الاجل فعليه المال الذى عليه وهو مائة درهم فمات المكفول به قبل الاجل ثم مضى الاجل فالمال على الكفيل لان شرط الوجوب عدم الموافاة وذلك يتحقق بعد موت المكفول به وان قيل شرط وجوب المال عدم موافاة مستحقه وذلك لا يكون بعد موت المكفول به لان الكفالة بالنفس تبطل بالموت فينبغي ان لا يلزمه المال وهو كما قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا قال ان لم أشرب الماء الذى في هذا الكوز اليوم فامرأته كذا فأهريق الماء قبل الليل لا يقع الطلاق لان الشرط عدم شرب يتأتى أو يكون مستحقا باليمين في آخر النهار ولا يتحقق ذلك إذا هريق والجواب عنه ان نقول هما جعلا عدم الموافاة شرط وجوب المال فالتقييد بموافاة مستحقة يكون زيادة ثم حقيقة المعنى وبه يتضح الفرق
[ 185 ] ان تصحيح الكفالة بالمال هنا بطريق التقديم والتأخير وهو انه يجعل كانه كفل بالمال للحال ثم علق التركة عنه بالموافاة بالنفس والموافاة بالنفس لا توجد بالموت فيبقى المال واجبا بالكفالة ولا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير في اليمين بالطلاق لان الطلاق يحتمل التعليق بالشرط وبعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلهذا افترقا وان مات الكفيل قبل حلول الاجل فان مضى الاجل قبل أن يوافي ورثة الكفيل الطالب بالرجل فالمال دين في مال الكفيل لان شرط البراءة الموافاة بالنفس ولم توجد ثم يضرب الطالب مع سائر غرمائه في تركته لان حق الطالب قبله في حكم دين الصحة في الوجه قلنا انه يجعل كانه كفل بالمال في الحال وعند الكفالة كان صحيحا فلهذا كان حق الطالب بمنزلة غرماء الصحة يضرب معهم في تركته وان دفعوه إليه في الاجل أو دفع المكفول به نفسه برئ الكفيل من المال والكفالة لان موافاة الوارث بنفسه كموافاة المورث في حياته وكذلك دفع المكفول به نفسه من جهة الكفالة بمنزلة دفع الكفيل فقد وجد شرط البراءة عن المال وهو الموافاة بالنفس وان لحق الكفيل بدار الحرب مرتدا فهو بمنزلة موته في أن تسليم الورثة يقوم مقام تسليمه في براءة الكفيل لانهم يخلفونه في أمواله بهذا السبب كما يخلفونه بعد موته وان لحق المكفول به بدار الحرب فان مضى الاجل قبل أن يوافي به فالمال لازم للكفيل لان شرط البراءة عن المال الموافاة بالنفس ولم توجد وأكثر ما فيه أن يكون لحوقه كموته وقد بينا أن المال بعد موته يجب على الكفيل عند عدم الموافاة فهذا مثله ولو كان المكفول به امرأة فارتدت ولحقت بالدار وسبيت فوافى بها وهى أمة في الاجل برئ الكفيل من الكفالة والمال لان شرط البراءة وهو الموافاة في الاجل قد وجد والموافاة تتحقق بعدما صارت أمة ولانها حين سبيت سقط الدين عنها وبراءة الاصيل توجب براءة الكفيل وكذلك لو كان المكفول به رجلا فوافى به وهو حلال الدم بردة أو قتل عمدا لان الموافاة بعد حل دمه تتحقق كما تتحقق قبله ولو مات الطالب فوافى به الكفيل وصيه برئ من المال والكفالة لان وصيه قائم مقامه بعد موته فتسليم النفس إليه كالتسليم إلى الموصى فلهذا يستفيد به البراءة وان لم يكن له وصى فوافى به ورثته فان كان عليه دين يستغرق ماله لم يبرأ بتسليمه إلى الورثة لانهم لا يملكون شيأ من تركته مع الدين المستغرق فالتسليم إليهم في هذه الحال بمنزلة التسليم إليهم قبل موته وهذا لان المقصود لا يحصل بالتسليم إليهم فانهم لا يتمكنون من مطالبته بالمال فأما إذا لم يكن
[ 186 ] عليه دين فيبرأ بتسليمه إلى جميع الورثة لانهم خلفاؤه في التركة فيتمكنون من مطالبته بالمال فتسليمه إليهم بمنزلة تسليمه إلى الطالب في حياته ولو وافى به أحدهم برئ من الكفالة لهذا الواحد ولم يبرأ من غيره لما بينا أن حق المطالبة والاستيفاء إليه في نصيبه دون نصيب سائر الورثة فقد برئ بالتسليم إليه في نصيبه دون نصيب غيره ولو كفل بنفس رجل لرجلين فان وافاهما به فكذا والا فعليه مالهما عليه فلو وافى به أحدهما والآخر غائب برئ من كفالة الشاهد لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بالنفس ولزمه نصيب الغائب من المال لانعدام شرط البراءة في حقه فان شريكه لم يكن نائبا عنه في المطالبة بحقه ثم ما أخذه الغائب من الكفيل يكون بينه وبين شريكه لان أصل المال كان مشتركا بينهما فاستيفاء أحدهما نصيبه من الكفيل بمنزلة استيفائه من الاصيل فكان له أن يشاركه في المقبوض ولو ماتا جميعا كان ورثتهما على ما كانا عليه حتى إذا سلمه إلى ورثة أحدهما برئ في نصيبه دون نصيب الآخر اقامة لكل وارث مقام مورثه ولو كان الطالب واحدا فتغيب عند حل الاجل فطلبة الكفيل وأشهد على طلبه ولم يدفع إليه الرجل فالمال لازم للكفيل لان شرط البراءة عن المال تسليم النفس إلى الطالب ولم يوجد ذلك وان طلبه ليسلمه فيبقى المال عليه فان قيل انما تغيب قصدا منه إلى الاضرار بالكفيل فيبقى إلى ان يرد عليه قصده ويقام هذا مقام تسليمه لان الكفيل أتى بما في وسعه قلنا الكفيل هو الذى أضر بنفسه بكفالته بالمال وقد بينا أن وجوب المال عليه بالكفالة لانعدام الموافاة ولكن الموافاة بنفسه مبرئة له عن المال فإذا انعدم ذلك بقى المال عليه بكفالته لا بتغيب الطالب وكذلك لو كان اشترط عليه مكانا فوافى به ذلك المكان وتغيب الطالب لان المبرئ له تسليم نفسه إلى الطالب دون احضاره ذلك ولا يتصور تسليمه إلى الطالب وهو غائب فوجود احضاره ذلك المكان كعدمه وان كان الكفيل اشترط في الكفالة انه برئ منه ان وافى به المسجد الاعظم وأشهد عليه يوم كذا فوافى به المسجد يومئذ وأشهد وغاب الطالب فقد برئ الكفيل من الكفالة بالنفس والمال لانه جعل شرط براءته احضاره للمسجد في ذلك الوقت وقد وجد ذلك فيبرأ من الكفالة بالنفس والمال جميعا وكذا في الكفالة بالنفس وحدها وهذا لان ابراء الكفيل اسقاط محض ولهذا لا يرتد بردته فيصح تعليقه بحضور المكان في وقت معلوم كالطلاق والعتاق وإذا صح التعليق فالمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو كفل بنفسه إلى غد في المسجد فعليه المائة الدرهم التى
[ 187 ] له عليه ولو اشترط الكفيل على الطالب ان لم يوافني غدا عند المسجد ليقبضه منى فانا برئ منه فالتقيا بعد الغد فقال الكفيل قد وافيت به وقال الطالب قد وافيت ولم تواف لم يصدق كل واحد منهما على الموافاة لان كل واحد منهما يدع موافاته وخصمه يكذبه في ذلك فلا نثبت موافاة بدعوى كل في حق صاحبه وكان الكفيل على كفالته والمال لازم لما بينا انه ملتزم للمال بنفس الكفالة وجعل شرط براءته موافاته ولم يثبت ذلك بقوله فلا يبرأ منه ولو جعل شرط البراءة عدم موافاة الطالب ليقبضه منه ولم يثبت هذا الشرط بقوله لم تواف أنت بل يجعل القول قول الطالب مع يمينه على ما عرف أن الشرط سواء كان نفيا أو اثباتا لا يثبت الا بحجة والقول قول من ينكر وجود الشرط فان أقام كل واحد منهما البينة على الموافاة إلى المسجد ولم تشهد على دفع الكفيل إليه فان المال لا يلزم الكفيل لانه قد اثبت بالبينة شرط براءته عن المال وهو عدم موافاة الطالب ليقبضه منه فيبرأ من المال ولكن الكفالة بالنفس على حالها لان براءته عن الكفالة بالنفس بتسليمه إلى الطالب ولم يوجد ولان البينتين قد تحققت المعارضة بينهما فامتنع القضاء بما كان متقررا وهو وجوب تسليم النفس بحكم الكفالة والعمل بهما ممكن في البراءة على المال لان الكفيل يثبت شرط البراءة ببينة والآخر ينفى فيترجح الاثبات وان أقام المطلوب البينة على موافاة المسجد ولم يقم الطالب البينة برئ الكفيل من كفالة النفس والمال جميعا لان الطالب غير مصدق على الموافاة والكفيل أثبت ببينته موافاته المسجد فوجب قبول بينته على ذلك وإذا قبلنا ببينته صار الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فيثبت شرط البراءة عن المال والنفس جميعا ولو كفل بنفسه على ان يدفعه إليه غدا فان لم يفعل فالمال عليه ولو اشترط الكفيل عليه ان لم توافنى فتقبضه منى فانا برئ من الكفالة والمال فلم يلتقيا من الغد فالكفيل برئ والقول قول الكفيل ان الطالب لم يواف مع يمينه وعلى الطالب البينة بخلاف ما تقدم لان هناك موافاة المكان مشروطة على الطالب والكفيل جميعا وموافاة الكفيل لا تثبت بقوله لانه يدعى وجود فعل كان مشروطا فلا يصدق عليه الا بحجة ولهذا لو أقام البينة على الموافاة بنفسه برئ لان موافاته المكان مشروطة عليه فتثبت ببينته فاما في الفصل الاول فالموافاة غير مشروطة على الكفيل وانما هي مشروطة على الطالب وان يأتي ليقبضه منه ولم يأت فقد وجد شرط براءة الكفيل عن المال فلهذا كان بريئا وحاصل الفرق بين هذه الفصول بحرف وهو ان من ينكر فعل غيره فالقول قوله في ذلك لانه متمسك
[ 188 ] بالاصل ومن يدعي فعل نفسه لا يقبل قوله الا بحجة لانه يدعى أمرا عارضا ولو كفل بنفس رجل على أنه ان لم يواف به غدا فعليه ما للطالب عليه من شئ فلم يواف به الغد وقال الكفيل لا شئ لك عليه فالقول قوله مع يمينه على علمه لانه التزم مالا موصوفا وهو ان يكون واجبا على الاصيل فلما لم يثبت الوجوب على الاصيل لا يصير هو ملتزما كما لو قال ما قضى به لك عليه فهو على فما لم يصر المال مقضيا به على الاصيل لا يجب على الكفيل وبقول الطالب لم يصر المال واجبا على الاصيل والكفيل في انكاره تمسك بالاصل وهو عدم الطالب فالقول قوله مع يمينه على علمه لانه استحلاف على ما هو فعل غيره وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا قال ان لم أوافك به غدا فالمال الذى تدعى عليه على لانه كفل هناك بما يدعيه الطالب والدعوى متحققة منه فلما وجدت الصفة التى قيدت الكفالة بما يصحح التزامه للمال كان مؤاخذا به وكذلك ان قر الكفيل بمائة درهم واقر المكفول عنه بمائة درهم صدق المكفول عنه ولم يصدق الكفيل لما بينا أنه التزم بالكفالة ما كان واجبا على الاصيل وقت كفالته واقرار الاصيل ليس بحجة على الكفيل فانما يثبت الوجوب وقت الكفالة فما أقر به الكفيل وهو المائة فلا يلزمه أكثر من ذلك ولو كفل بنفسه على انه ان لم يواف به غدا فعليه من المال قدر ما أقر به المطلوب فلم يواف به الغد واقر المطلوب أن عليه ألف درهم فالكفيل ضامن لها لانه قيد الكفالة هنا بصفة ثبتت تلك الصفة باقرار المطلوب فيتم به شرط الالتزام بالكفالة بخلاف الاول فان باقراره هناك ثبت الوجوب عليه وقت الاقرار وانما التزم هو بالكفالة ما كان واجبا عليه وقت الكفالة ولا يثبت ذلك الا فيما أقر به الكفيل لو نكل عن اليمين فيه بعد الاستحلاف ولو كفل بنفسه على أنه ان لم يواف به غدا فعليه ما ادعى الطالب فلم يواف به الغد وادعى الطالب ألف درهم وأقر بها المطلوب وجحدها الكفيل فالقول قول الكفيل مع يمينه على علمه وهو مشكل لانه انما كفل هنا بما ادعاه الطالب وقد تحققت الدعوى منه والاقرار من المطلوب ولكن مراده من هذه المسألة انه كفل بما ادعاه الطالب قبل الكفالة ولم تظهر تلك الدعوى منه ولكنه لما لم يواف به غدا ادعى الآن أنه كان ادعى عليه ألف درهم قبل الكفالة وهو غير مصدق في هذا فالقول للكفيل في انكاره انك لم تدع مع يمينه على علمه بخلاف ما تقدم فان هناك انما كفل بما يدعى الطالب عليه وقد وجد ذلك منه بالمعاينة بعد الكفالة ولو كفل بنفسه على أن يوافي به إذا جلس القاضي فان لم يواف به فعليه الالف التى للطالب
[ 189 ] عليه فلم يقعد القاضى أياما ولم يواف به وطلبه صاحبه فلم يأت به فلا شئ عليه أي على الكفيل من المال لانه جعل شرط وجوب المال عدم الموافاة إذا جلس القاضى وان لم يجلس القاضى لم يوجد ذلك ولانه أجل في الموافاة إلى جلوس القاضى وما لم يمض الاجل لا تتوجه عليه المطالبة بالموافاة ووجوب المال عليه عند عدم موافاة مستحقة فإذا لم يوجد ذلك قبل جلوس القاضى لا يلزمه المال ولو كفل بنفسه على أنه ان لم يواف به غدا فقد احتال الطالب عليه بالالف درهم التى له على المطلوب ولم يواف به الغد فالمال عليه والحوالة في هذا والكفالة سواء على ما بينا من طريق الاستحسان انه يلزم المال وتتعلق براءته عنه بشرط الموافاة بالنفس وذلك صحيح في الكفالة والحوالة جميعا وكذلك لو قال فالى المال أو فعلي المال لان هذا من ألفاظ الكفالة وكذلك لو قال فعندي له هذا المال لان كلمة عند عبارة عن القرب وقرب الدين منه اما بالتزام أصله في ذمته أو بالتزام المطالبة به فكان هذا والكفالة سواء ولو كفل بنفسه على ان يوافي به غدا فان لم يواف به غدا فعليه المال الذى عليه وهو ألف درهم فلم يواف به الغد ولزمه المال ثم أخذه الطالب بكفالة النفس وقال لي عليه مال آخر أو لى معه خصومة فان الكفيل يؤخذ بنفسه ولا يبرأ منه حتى يدفعه إليه لانه باصل الكفالة التزم تسليم نفسه وبأداء المال لم يصر مسلما نفسه واداؤه ذلك المال لا يمنع ابتداء الكفالة بنفسه فلان لا يمنع بقاءها كان أولى وان كفل بنفسه على انه متى ما طالبه الطالب فلم يواف به فعليه المال الذى عليه وهو ألف درهم فطلبه منه فلم يدفعه إليه فعليه المال لوجود شرطه وهو عدم الموافاة في الوقت الذى طلبه الطالب منه وكذلك لو طلبه غدوة فلم يدفعه إليه حتى العشى قال ولا يبرئه من المال إلا ان يدفعه إليه ساعة طلبه منه وهذا اللفظ اشارة إلى ما بينا أن المال واجب عليه بالكفالة من المال لانه جعل شرط وجوب المال عدم الموافاة إذا جلس القاضى وان لم يجلس القاضى لم يوجد ذلك ولانه أجل في الموافاة إلى جلوس القاضى وما لم يمض الاجل لا تتوجه عليه المطالبة بالموافاة ووجوب المال عليه عند عدم موافاة مستحقة فإذا لم يوجد ذلك قبل جلوس القاضى لا يلزمه المال ولو كفل بنفسه على أنه ان لم يواف به غدا فقد احتال الطالب عليه بالالف درهم التى له على المطلوب ولم يواف به الغد فالمال عليه والحوالة في هذا والكفالة سواء على ما بينا من طريق الاستحسان انه يلزم المال وتتعلق براءته عنه بشرط الموافاة بالنفس وذلك صحيح في الكفالة والحوالة جميعا وكذلك لو قال فالى المال أو فعلي المال لان هذا من ألفاظ الكفالة وكذلك لو قال فعندي له هذا المال لان كلمة عند عبارة عن القرب وقرب الدين منه اما بالتزام أصله في ذمته أو بالتزام المطالبة به فكان هذا والكفالة سواء ولو كفل بنفسه على ان يوافي به غدا فان لم يواف به غدا فعليه المال الذى عليه وهو ألف درهم فلم يواف به الغد ولزمه المال ثم أخذه الطالب بكفالة النفس وقال لي عليه مال آخر أو لى معه خصومة فان الكفيل يؤخذ بنفسه ولا يبرأ منه حتى يدفعه إليه لانه باصل الكفالة التزم تسليم نفسه وبأداء المال لم يصر مسلما نفسه واداؤه ذلك المال لا يمنع ابتداء الكفالة بنفسه فلان لا يمنع بقاءها كان أولى وان كفل بنفسه على انه متى ما طالبه الطالب فلم يواف به فعليه المال الذى عليه وهو ألف درهم فطلبه منه فلم يدفعه إليه فعليه المال لوجود شرطه وهو عدم الموافاة في الوقت الذى طلبه الطالب منه وكذلك لو طلبه غدوة فلم يدفعه إليه حتى العشى قال ولا يبرئه من المال إلا ان يدفعه إليه ساعة طلبه منه وهذا اللفظ اشارة إلى ما بينا أن المال واجب عليه بالكفالة وشرط براءته ان يوافيه به حين يطلبه الطالب فإذا لم يفعل انعدم شرط البراءة فبقى المال عليه كما التزمه باصل الكفالة ولا ينفعه دفع النفس إليه بعد ذلك لان ذلك لم يكن شرطا عن المال والله أعلم بالصواب (تم الجزء التاسع عشر * ويليه الجزء العشرون وأوله) (باب الكفالة والوكالة بالخصومة)