رؤيا

رؤيا، قصيدة للشاعر المصري صلاح عبد الصبور.

صنعت لك

عرشا من الحرير .. مخملي

نجرته من صندل

ومسندين تتكّى عليهما

ولجة من الرخام ، صخرها ألماس

جلبت من سوق الرقيق قينتين

قطرت من كرم الجنان جفنتين

والكأس من بللور

أسرجت مصباحا

علقته في كّوة في جانب الجدار

ونوره المفضض المهيب

وظله الغريب

ِ

في عالم يلتف في إزارةالشحيب

والليل قد راحا

وما قدمت أنت ، زائرى الحبيب

هدمتُ ما بنيت

أضعتُ ما اقتفيت

خرجتُ لك

علّى أوافي محملك

ومثلما ولدتُ . غير شملة الإحرام. قد خرجت لك

أسائل الرواد

عن أرضك الغريبة الرهيبة الأسرار

في هدأة المساء ، والظلام خيمة سوداء

ضربت في الوديان والتلاع والوهاد

أسائل الرواد

( ومن أراد أن يعيش فليمت شهيد عشق)

أنا هنا ملقي على الجدار

وقد دفنتُ في الخيال قلبي الوديع

وجسمي الصريع

في مهمه الخيال قد دفنت قلبي الوديع

يا أيها الحبيب

معذبي ، أيها الحبيب

أليس لي في المجلس السنّى حبوة التبيع

فإنني مطيع

وخادم سميع

فإن أذنت إنني النديم في الأسحار

حكايتي غرائب لم يحوها كتاب

طبائعي رقيقة كالخمر في الأكواب

فإن لطفت هل إلىّ رنوةُ الحنان

فإنني أدل الهوى على الأخدان

أليس لي بقلبك العميق من مكان

وقد كسرت في هواك طينة الأنسان

وليس ثمّ من رجوع . في كل مساء،

حين تدق الساعة نصف الليل،

وتذوي الأصوات

أتداخل في جلدي أتشرب أنفاسي

و أنادم ظلي فوق الحائط

أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي

أتحد بجسمي المتفتت في أجزاء اليوم الميت

تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت

أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً

يتآلف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب

أجدل حبلا من زهوي وضياعي

لأعلقه في سقف الليل الأزرق

أتسلقه حتى أتمدد في وجه قباب المدن الصخرية

أتعانق و الدنيا في منتصف الليل.

حين تدق الساعة دقتها الأولى

تبدأ رحلتي الليلية

أتخير ركنا من أركان الأرض الستة

كي أنفذ منه غريباً مجهولاً

يتكشف وجهي، وتسيل غضون جبيني

تتماوج فيه عينان معذبتان مسامحتان

يتحول جسمي دخان ونداوه

ترقد أعضائي في ظل نجوم الليل الوهاجة و المنطفأة

تتآكلها الظلمة و الأنداء، لتنحل صفاء وهيولي

أتمزق ريحا طيبة تحمل حبات الخصب المختبئة

تخفيها تحت سراويل العشاق.

و في أذرعة الأغصان

أتفتت أحياناً موسيقى سحرية

هائمة في أنحاء الوديان

أتحول حين يتم تمامي -زمناً

تتنقل فيه نجوم الليل

تتجول دقات الساعات

كل صباح، يفتح باب الكون الشرقي

وتخرج منه الشمس اللهبية

وتذوّب أعضائي، ثم تجمدها

تلقي نوراً يكشف عريي

تتخلع عن عورتي النجمات

أتجمع فاراً ، أهوي من عليائي،

إذ تنقطع حبالي الليلة

يلقي بي في مخزن عاديات

كي أتأمل بعيون مرتبكة

من تحت الأرفف أقدام المارة في الطرقات.