دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين (1876-1909)
دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين (1876-1909)، تأليف فدوى نصيرات، نشره مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2014.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
تحاول هذه الدراسة تقيم قراءة تاريخية تحليلية لموقف السلطان عبد الحميد الثاني منذ بدايات السيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين ، والتي تزامنت مع بداية حكمه ١٨٧٦، وتوليه عرش السلطنة العثمانية .وقد لاحظت أن هناك حاجة ماسّة إلى دراسة هذا الموقف بسبب خلو المكتبة العربية من دراسة تاريخية نقدية تكشف عن طبيعة هذا الموقف وتجلياته وآثاره في نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين . وكان الاعتماد أولا على المصادر والمراجع التي تناولت تاريخ هذه المرحلة من حياة السلطان عبد الحميد الثاني، إضافة إلى المذكرات والأدبيات والصحف والمجلات العربية والإنجليزية فضلا عن الكتابات المعاصرة التي بحثت في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر.
تتوقف هذه الدراسة - بحثاً وتحليلاً واستنتاجات - عند موقف السلطان عبد الحميد الثاني منذ بدايات السيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين في الفترة من ١٨٧٦ - ١٩٠٩ ، وهي المرحلة التي بدأت فيها طلائع الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين، وبداية تأسيس المستعمرات بشكل منظم ، وشكلت أيضا بدايات السيطرة الاقتصادية من تأسيس البنوك والشركات التي تعنى بنشاط الحركة الصهيونية وتدفع بها نحو تحقيق أهدافها، وكان الباعث الأساسي لاختيار هذا الموضوع هو الكشف عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الحركة الصهيونية ومدى قدرته على حماية الأرض والمقدسات ، ومنع امتداد هذا النشاط وتزايده وهو الذي شكل النواة الأولى لتأسيس دولة الصهاينة على أرض فلسطين فيما بعد .
تناول فصل التمهيد الأوضاع العامة للدولة العثمانية إبان حكم عبد الحميد الثاني، إذ مرت الدولة العثمانية خلالها لأزمات دولية وأخري داخلية هددت مصير الإمبراطورية ووحدة أراضيها . ووضح الطريقة التي تعامل بها عبد الحميد الثاني لمواجهة هذه الأزمات التي كانت سببا في الانتقادات الشديدة التي وُجهت إلى نظام حكمه لاحقا .
وكشفت الدراسة ملامح شخصية عبد الحميد الثاني التي تميزت بالذكاء والحنكة السياسية ، لما في ذلك من أهمية في توضيح الدور الذي أداه تجاه الحركة الصهيونية لاحقا ، واشتمل الفصل أيضا على التعريف بالحركة الصهيونية والدور الذي قام به هرتزل في التأسيس للحركة الصهيونية وتحديد أهدافها على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية كافة.
تناول الفصل الأول موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ، وأوضاع اليهود العامة في الدولة العثمانية، إذا تمت معاملتهم وفق نظام الملل العثماني ، تمنحنا استقلالاً ذاتياً في الطقوس الدينية و التعليم ، وتمتعوا بمنافع الامتيازات الأجنبية التي اعطيت للرعايا الأجانب . وأشارت الدراسة إلى البدايات الأولى لهجرة اليهود إلى فلسطين والظروف التي دفعت بهم لهذه الهجرة ، وبخاصة ما بعد حادثة اغتيال قيصر روسيا والمساعدات الأجنبية التي تلقوها لهذا الغرض ،ومن بعد تم توضيح السياسة التي اتبعها السلطان عبد الحميد الثاني تجاه الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، والتي تميزت بالتناقضات الشديدة في أوامر المنع وفشل التدابير العملية التي اتخذتها الإدارات المحلية والمراكز أيضا في وقف الهجرة ، الأمر الذي أدى إلى تدفق أعداد المهاجرين ومن ثم الإخفاق في منع التسلل اليهودي إلى فلسطين . وخصص الفصل الثاني للحديث عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الاستعمار الصهيوني على أرض فلسطين ، حيث تناولت الدراسة المراحل التي مرت بها حركة الاستعمار الاستيطاني، ثم تخصيص الجزء الثاني للحديث عن أهم المستعمرات الصهيونية التي نشأت على أرض فلسطين ، وكذلك الأحياء اليهودية التي نشأت بمساعدات الجمعيات الصهيونية في أوروبا، كم توقفت عند أهم الأجهزة والأدوات والمؤسسات والجمعيات التي أسست بهدف دعم عملية الاستعمار الصهيوني لفلسطين ، والتي بدأت نشاطها أثناء فترة حكم عبد الحميد الثاني.
٤٢
وأخيرا تم الحديث عن النتائج التي ترتبت على السياسة التي اتبعها السلطان عبد الحميد الثاني تجاه حركة الاستعمار الصهيوني، والتي تمثلت بتغلغل الصهاينة على أرض فلسطين، سواء عبر شراء الأراضي أو بناء المستعمرات، وتأسيس البنوك والشركات الكبرى التي شكلت نواة الدولة الصهيونية لاحقا .
واشتمل الفصل الثالث علي عرض للأهداف التي انطلقت منها المفاوضات بين هرتزل وعبد الحميد الثاني والتي امتدت لست سنوات، إذ هدف هرتزل منها على السيطرة منها فلسطين والحصول على ميثاق أو وثيقة فرمانية ن السلطان تسمح له بتملك أرض فلسطين وباعتراف دولي بهذا الحق مقابل تسوية ديون الدولة العثمانية، وإنعاش اقتصادها عبر أنشطة اقتصادية يقوم بها كبار الأثرياء اليهود داخل الدولة العثمانية ، وتم التوقف بعدها عند آراء المؤرخين ومحاولات تسويقهم لهذه المفاوضات، ومن ثم الحديث عن الأسباب التي أدت إلى فشل هذه المفاوضات لاحقاً ، والتي كان من أبرزها فشل هرتزل في الحصول على الدعم المالي اللازم من كبار الأثرياء اليهود الذين تناقضات سياستهم مع سياسته في استعمار فلسطين ، ومن المنطلق الذي قامت عليه هذه المفاوضات ومن ثم تزايد المعارضة الشعبية لحكم عبد الحميد الثاني. ولم يتمكن هرتزل من الحصول على الوثيقة بشكل " مباشر ". وتم إظهار النتائج التي تمخضت عن هذه المفاوضات وكان من أبرزها انتزاع هرتزل اعترافا ماليا بالمنطقة الصهيونية العالمية وضمان حقوق إقامة دولة الصهاينة في فلسطين . أما الفصل الرابع فقد خصص للكشف عن الموقف الشعبي تجاه النشاط الصهيوني في فلسطين وموقف السلطان عبد الحميد الثاني منه ، وبيان حجم الدور الذي ادته الزعامات المحلية والسكان المحليون والصحافة العربية في وقف الهجرة الصهيونية ومنعها التسلل إلى أرض فلسطين سواء عبر العرائض أو الشكاوى التى رفعها اهلى فلسطين إلى السلطان مطالبين من خلالها بإيقاف هذه الأنشطة ، وهى تعبر عن عمق الاحساس عند أهالي فلسطين والمنطقة واستشعارها المبكر للخطر الصهيوني ، أو عبر المقالات التي نشرت في الصحف الكبرى والتي نبهت السلطان إلى الخطر الصهيوني وطالبتة باتخاذ موقف حازم تجاه حركة الهجرة والاستعمار الصهيوني ، وكان هذا دليلاً آخر على تساهل عبد الحميد تجاه الهجرة الصهيونية، وهو ما ساعد على تأسيس دولتهم على أرض فلسطين.
وهناك دراسات متخصصة تناولت موقف السلطان عبد الحميد الثاني من الحركة الصهيونية ونشاطها على أرض فلسطين، من خلال الحديث عن تاريخ فلسطين الحديث أو حياة السلطان والأحداث التي عاشتها الدولة العثمانية وفلسطين ، وبخاصة في ظل حكمة ، نذكر من هذه الدراسات ، على سبيل المثال لا الحصر ، واحدة لحسان حلاق بعنوان :موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية (١٧٩٧ - ١٩٠٩) ، تناول فيها الباحث سياسة الدولة العثمانية حيال فلسطين ، وما ترتب على هذه السياسة من نتائج تمثلت بموقف السلطان ذاته من فلسطين ، معتمدا الأسلوب الوثائقي ، لكنها انحازت عاطفيا إلى موقف السلطان عبد الحميد من النشاط الصهيوني على أرض فلسطين. ودراسة أخرى لمحمود الشناق بعنوان :العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين ١٨٧٦-١٩١٤ ، تناولت العلاقات بين عرب فلسطين واليهود الأجانب، اعتمادا على الأرشيف العثماني والصهيوني وتطرقت بشكل سريع ومختزل إلى موقف السلطان عبد الحميد من الهجرة والاستعمار الصهيوني في فلسطين . ودراسة لميم كامل أوكى بعنوان : السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية والمشكلة الفلسطينية ، ركزت على تقديم تحليل للصهيونية وعثمانييها وأهدافها وتفسر تحليل لطبيعة التنافس الدولى والقوى المتصارعة في الشرق الأوسط، ورد الفعل العثماني على الخطط والسياسات للقوى فى الشرق ، ومدى انعكاس هذا الصراع على سياسة عبد الحميد الثاني تجاه فلسطين .
ونلاحظ أن جميع هذه الدراسات وغيرها قد تناولت الموضوع إما على شكل إشارات سريعة ألى أثر سياسة عبد الحميد تجاه فلسطين ، أو العثمانيين ،علي بعض الجوانب المضيئة دون غيرها ، ولم تتوقف بالتحليل والربط المباشر بين الواقع وما تم تدوينه في المراجع بل جاءت سريعة محاولة لا تفي بالحاجة ، ولا تقدم تصورا تاريخيا دقيقا لموقف السلطان عبد الحميد الثاني من النشاط الصهيوني على أرض فلسطين، ولسنا بحاجة هنا إلى ذكر الدراسات الكثيرة التى تناولت حياة السلطان بالتحليل والتحميد . وفي إشارة سريعة إلى المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في البحث فهي تضم العربية والأجنبية ( الصهيونية) منها على سبيل المثال:
-يوميات هرتزل : تعد هذه المذكرات وثائق صهيونية على جانب كبير من الاهمية لانها تسجل يوما بيوم محاولات هرتزل المتتابعة مع السلطان عبد الحميد الثاني
- لأجل الحصول على وثيقة فرمانية تحقق هدفه بتحقيق مشروع استعماري صهيوني في فلسطين .
- الدراسة التي قام بها, N .J Mendel , Turks,arabs , and Jewish immigration i Palestine 1882-1902 وبالرغم من قدم هذه الدراسة إلا أنها تشكل مصدرا أساسيا لكل من أراد دراسة موقف السلطان عبد الحميد الثاني من هجرة اليهود إلى فلسطين كونها اعتمدت بشكل أساسي على وثائق الأرشيف الصهيوني في القدس . - دراسة وثائقية بعنوان : A.Hyamson , The British consulate in Jerusalem وتعد هذه الدراسة من أهم الدراسات الوثائقية المنشورة الخاصة بالهجرة اليهودية إلى فلسطين ،والتي استكملت فيما بعد بدراسة : mordechai Eliav , Britain , and the holy land , 1838- 1914 الذي غطي من خلالها النقص في الدراسة السابقة من الارشيف البريطاني اليهودي . - ,Ruth , kark,American consuls in the Holy land 1823-1914 وقد اعتمد الموقف فيها على وثائق من الأرشيف الأمريكي والصهيونية البريطاني . واخيرا كان اعتماد الباحثة على دراسات صهيونية من مثل : Baitullah Destani The Zionist movement and the Foundation of Israel, 1839-1972;
Raphael Patai, Herzi Year Book Essays in Zionist History and و Thought. Friedman Isaiah, The Rise of Israel From Precursors of Zionismو to Herzl وجاءت هذه الدراسات الوثائقية اعتمادا على أرشيف هرتزل في المقام الأول بالإضافة إلي أرشيف القنصليات الأجنبية الألمانية والإنكليزية والأمريكية في القدس فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، كما تم الاعتماد على مذكرات الشهداء الأوائل للحركة الصهيونية ،هذا بالإضافة إلي الدراسات الوثائقية العربية التي اعتمدت بشكل أساسي على الأرشيف العثماني والبريطاني دراسة عبد العزيز عوض تاريخ فلسطين الحديث و خيرية قاسمية النشاط الصهيوني على أرض فلسطين .
٤٥
وفي ما يتعلق بأطروحة الكتاب حاولت الدراسة الإجابة على الأسئلة التالية:
- كيف يمكن تفسير أو حل لغز التناقض بين القرار السلطاني بمنع بيع أرض فلسطين لليهود ومخالفة هذا القرار خلال حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، بحيث تمكن اليهود من شراء أراضي شاسعة في كل المدن والقرى الفلسطينية ؟
- لماذا سمح يشيد أو إقامة المستعمرات الصهيونية علي أرض فلسطين بحيث تجاوزت ٦٨ مستعمرة زراعية وتجارية و٣٣قومبانية مع نهاية عهده ؟
- ألم يكن عبد الحميد الثاني على علم بموجات الهجرة المتعاقبة إلى فلسطين ، والتي سمحت بزيادة عدد اليهود فيها في الفترة من ١٨٨٢- ١٩٠٨ من ٥الاف الي ٨٠ الف يهودي ؟
- كيف لنا أن نفسر المفاوضات التى دارت بين عبد الحميد الثاني و هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، سواء عبر المقالات الشخصية ام الرسائل الورقية في الفترة من ١٨٩٦ - ١٩٠٣ ؟
- ما موقف السلطان عبد الحميد الثاني من النشاط الاقتصادي الصهيوني المتمثل بإقامة الشركات الاستثمارية الكبرى من أجل خدمة المستعمرين الصهاينة ؟
- لماذا تمثلت ردود السلطان علي العرائض والشكاوي المستمرة من أهالي فلسطين والمطالبة بوقف الهجرة وبيع الأراضي ؟
- هل قدمت الدراسات التاريخية لموقف السلطان من النشاط الصهيوني على أرض فلسطين صورة مطابقة لما حدث على أرض الواقع.؟
إن هدف البحث هو الإجابة عن جميع هذه الأسئلة إيجازا وتفصيلا ، وإظهار الثغر التي مازالت تكتنفها ، أو تفنيد المنطلقات المتحيزة التي أخذ بها معظم المؤرخين اعتمادا على مقولة السلطان الشهيرة لهرتزل ( انصحه إلا يسير أبدا في هذا الأمر لا أقدر ان أبيع ولو قدما واحدا من البلاد ، لأنها ليست لى بل لشعبي ؛ لقد حصل شعبي على هذه الأراضي بأراقة دمائهم وقد غزوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا ، قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا فليحتفظ اليهود بملايينهم )
● إن هذه النظرة السائدة والشائعة في كثير من الكتابات والمنشورات العثمانية والعربية باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى التعديل والتصحيح فالسلطان عبد الحميد يتحمل مسؤولية كبيرة جدا ، أن لم تقل المسؤولية الكبرى ،تتسرب أراضي فلسطين للمنظمات الصهيونية وقيام البيئة الاستيطانية الأولية التي تأسست عليها دولة إسرائيل في ما بعد . وهناك هذه المسؤولية هو سياسته البراغماتية والمترددة والتى تضمنت التساهل تجاه تزايد الوجود اليهودي في فلسطين ، على أمل الاستفادة من نفوذ الحركة الصهيونية في أوروبا وأمريكا والمساعدة علي التخلص من عبء الديون ، الديون الذي كان يرهق داخل الدولة العثمانية . فسياسة على الأرض لم تترجم موقفه المعلن ،بل كانت متناهية ومترددة وفي أحيان كثيرة خاضعة لإملاءات القناصل الأجانب والدول الغربية ، بحيث كان يسارع في إبطال كثير من الفرمانات التي كان يصدرها والتي كانت تفرض قيودا على انتقال اليهود إلى فلسطين ،ولأنه كان ذكيا ومحنك في السياسة وعلى قدر واسع من المتابعة والاطلاع الدائم لما يحدث في الغرب وفى الإعلام، فقد كان على يقين عام من طموحات وأطماع المنظمات اليهودية في فلسطين ؛ كما هو مثبت في الأدبيات ، وكما يروي هو نفسه في مذكراته في وقت لاحق . وهذا يضاعف من قدرة المسؤولية عليه ، إذ لم يكن ساذجا أو منخدعا بالدعاوي اليهودية أو مجاملاتهم له . ونحن ، فى هذا الكتاب ، نعترف مسبقا بأوجه القصور التي يمكن أن تشكل نقاط ضعف لهذه الدراسة ، ألا وهي عدم توافر الوثائق المباشرة العثمانية ،والعربية على وجه الخصوص، التي يمكن الاعتماد عليها لتوضيح موقف عبد الحميد الثاني من النشاط الصهيوني على أرض فلسطين والتي يمكن من خلالها إدانة عبد الحميد الثاني واثبات تورطه في بيع فلسطين. لكن أقوال :يتسع دوري في هذا البحث إلى النظر في القرائن والشواهد وفي جمع المعلومات التى توصل إليها غير من الباحثين وجاءت متناثرة هنا وهناك ، لكنها اعتمدت بمجملها على سجلات المحاكم الشرعية والوثائق العثمانية والأجنبية ، وفي الربط بين هذه المعلومات ، وتحليلها وتفسيرها وتقدمها ضمن سياق الحدث التاريخي آخذين بعين الاعتبار التسلسل الزمني للحدث وصولا الى الاستنتاجات بعيدا عن التحيز أو التعصب بحيث نخلص الى نتيجة يمكن من خلالها أن نفسر عدم التطابق بين ما تم تدوينه عبر المصادر والمراجع المختلفة وما حدث على أرض الواقع. إن موقف السلطان عبد الحميد الثاني من النشاط الصهيوني ما زال بحاجة إلى مزيد من البحث والتنقيب ، فضلا عن حاجتنا إلى التفسير الموضوعي ،والمتون لهذا الموقف ، وكل ما أرجوه أن يشكل هذا البحث منطلقا جديدا المؤرخين.
للتحرر من سطوة الوثيقة فى تصوير الحدث وترك المجال للتصوير المنطقي والعقلانية ان يأخذ مجراه ، بحيث نخلص الى نتيجة يمكن من خلالها أن نفسر التناقض بين ماتم تدوينه في المراجع والمصادر وما حدث على أرض الواقع ، و بحيث نتوصل إلى تقديم صورة حقيقية لنشاط الحكام على أرضنا آخذين بعين الاعتبار الظروف التى دفعت بهم إلى تبني هذا الموقف والابتعاد من أسلوب التمجيد والتهليل الذي طالما اتبعناه ، والذي بسببه لم نتمكن من تجاوز كثير من أخطاء الماضي التى ما زالت تلقي بظلالها على حاضرنا ومستقبلنا .
تمهيد
اولا : الأوضاع العامة للدولة العثمانية إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني
بعد السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين آل عثمان البارزين الذين ترك عهدهم أثرا في ذاكرة شعوب الإمبراطورية بعامة وفي فلسطين بخاصة . تربع هذا السلطان على عرش الخلافة مدة ثلاثة وثلاثين عاما (١٨٧٦-١٩٠٩)، مرت الدولة العثمانية خلالها بأزمات دولية وأخري داخلية هددت مصير الإمبراطورية ووحدة أراضيها ،فمنذ اليوم الأول لارتقائه عرش الإمبراطورية وجد أن ثورات هادرة تعم إقليمي البوسنة والهرسك بغية الانفصال عن الدولة العثمانية ، والثورات مازالت مشتعلة في بلغاريا ،ووجد ايضا أن الصرب والجبل الأسود يحاربان الدولة انتصارا للثوار بتحريض من روسيا التي أسهمت في هذه الحرب إسهاما غير مباشر ؛ هذا بالإضافة إلى الحرب المباشرة مع روسيا القيصرية (١٨٧٧) التي كشفت عن ضعف الدولة العثمانية في حماية حدودها . وتزامن مع الحرب الروسية -العثمانية مشكلتنا لم تكونا في حساب السلطان عبد الحميد ، وهما ثورة اليونان وثورة كريت (١٨٧٧) اللتان طالبتا من خلالهما بمزيد من الامتيازات .
ولاسيما بالحكم الذاتى ،كما تخلت أنجلترا وفرنسا عن سياسة التكامل السياسي للدولة العثمانية ، اذ أخذت هاتان الدولتان تنتزعان من الدولة العثمانية وولاياتها وأقاليمها وأيدتا أن تكون البوسنة والهرسك إداريا خاضعين لدولة النمسا و استولت فرنسا على تونس عام ١٨٨١، انجلترا على مصر عام ١٨٨٢. أما في الصعيد الداخلي فقد تم إعلان المشروطية ( الدستور ١٩٧٦) الذي تقررت فيه المساواة التامة بين جميع رعايا الدولة العثمانية أمام الفرمان ، ونص على أن الدولة جسم واحد لا يمكن تجزئته ، وعلي أنشأ مجلس نيابى(مجلس المبعوثان) يضم مئة وعشرين مبعوثا منتخبين يمثلون الولايات العثمانية ،وسمح بحرية التعليم والمطبوعات ،. وأهم من ذلك حرص الدستور على الإبقاء على الطابع الإسلامي للدولة ، فقرر أن دينها الرسمي هو الإسلام واللغة العثمانية هي اللغة الرسمية ، وأن رعاياه عثمانيون بدون تفرقة بين عثماني عثمانى الاصل او عربي او كردي او بين مسلم او مسيحي او يهودي ،لكنه - أي عبد الحميد- عاود و عطل الدستور وحل البرلمان سنة ١٨٧٨، وهو ما جعل حكمه اوتوقراطيا مستفيدا على مدى ثلاثة عقود متتالية. حاول السلطان عبد الحميد مواجهة تلك التحديات والمحافظة على ما تبقى من أراضي الدولة العثمانية بإمكانيات متواضعة ؛ بالجيش أضعف من أن يواجه جيوش الدول الأوروبية التي أنا لست في اختلاف جزء من أراضي الإمبراطورية ، أما الخزينة فكانت خاوية ؛ الأمر الذي دفع الحكومة إلى التفتيش باستمرار عن مصادر دولية جديدة للقروض بشروط وفوائد غير مربحة .كما أن أجهزة الدولة الإدارية في العاصمة وفي الولايات المختلفة عانت الضعف وعدم الفاعلية في تنفيذ الاصلاحات ومشاريع التطوير لحفظ سلامة الإمبراطورية في مواجهة التحديات الداخلية .فكل محاولات الإصلاح كانت تنطوي على مواطن للضعف وأماكن للتناقض أدت لكيان الدولة المتحلل والمتفكك الى نهاية الدولة المنطقة المحتومة، إذ كانت عوامل الإصلاح نفسها واهية وعروض للانهيار، ذلك أن السلطان كان يريد سلطة استبدادية مطلقة ، في حين أن البيروقراطية الإدارية كانت تريد السلطة المقيدة بالمبادئ والمحدودة بالفرمانات .وهاتان الدائرتان لا يمكن التوفيق بينهما في النهاية ،فكان أن انشقت في زمن السلطان عبد الحميد عند نهاية القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من هذه التركة التى ورثها عبد الحميد عند وصوله إلى السلطة، الا انه نجح في المحافظة على حكمه ، وكذلك أدت الظروف الدولية في إطالة عمر الدولة العثمانية وحكم السلطان عبد الحميد الثاني ، حيث لم تتفق الدول العظمى على تقسيم الدولة العثمانية فكان لروسيا والنمسا والمجر خطط متضاربة بشأن البلقان ، وبريطانيا وفرنسا في شمال إفريقيا ، وبريطانيا وألمانيا في الدولة العثمانية الآسيوية ، وغني عن الذكر صراع إيطاليا وفرنسا في طرابلس الغرب وتونس ،. وفي عام ١٨٧٧ حصلت الصرب على استقلالها وحصلت إمارة بلغاريا علي حكمها الذاتي ، وتأكد استقلال رومانيا وحصلت روسيا على القوقاز ؛ ومن أجل المحافظة على تكافؤ الفرص فحصلت إنجلترا علي قبرص ١٨٧٨ومصر فى حصلت فرنسا على تونس . ومع تدهور العلاقات مع كل من بريطانيا وفرنسا بعد احتلال مصر وتونس ، إذ لم يعد بالإمكان الاعتماد على سياستها التقليدية في حفظ سلامة الإمبراطورية ووحدة أراضيها ، وفي سبيل ذلك قام السلطان عبد الحميد الثاني بتعزيز التعاون مع ألمانيا في مؤتمر برلين ، إذ بدأ اعتماد الدولة العثمانية بصورة كبيرة على تأييد ألمانيا التي كانت تتطلع إلى زيادة نفوذها في المنطقة كونها صناعية استعمارية ، وقادتها سياستها هذه في عام ١٨٩٨الى إنشاء توافق اقتصادي عثماني - المانى، وذلك بعد زيارة الإمبراطور فيلهلهم الثاني لعبد الحميد الثاني . وشمل التعاون مجالات التجارة والاستثمار في مشاريع الإعمار والمواصلات ، وازداد التنسيق السياسي والتعاون العسكري بين البلدين . بهذا بأدوات سياسته الداخلية الآنفة الذكر استطاع عبد الحميد الحفاظ على عرشه ، أما أسلوب تحقيق هذا الهدف كان سبباً في الانتقادات التي وجهت إلى نظام حكمه وسياسته الداخلية ، إذ استمر في الإصلاحات ،لكن من دون فتح الباب على مصراعيه للنفوذ الغربي سياسيا وثقافيا ، وحاول كسب ولاء المسلمين يدعمه فكرة الجامعة الاسلامية التى رأى فيها سياجا يحمي الدولة من الأخطار التي كانت تحيق بها من الدول الغربية ، وفي المقابل حارب الدول الأفكار الليبرالية التحررية وخصوصا القومية منها ، واستعان ،في سبيل ذلك بأجهزة أمن قمعية تعتمد على شبكة واسعة من المراقبة والتجسس . لذا فإن أصحاب الفكر الليبرالي اتخذوا من عبد الحميد موقفا معاديا بسبب محاربة اليقظة القومية ومحاربة تنظيماتها السرية والعلنية ،وفي المقابل فإن الفئات المحافظة ونشطاء الحركات الإسلامية جعلوا من عبد الحميد رمزا للخلافة وبطلا حارب الاستعمار والصهيونية ومجمل" الأفكار الغربية الهدامة " وهكذا امتلأت صفحات الكتب مقالات الأيديولوجية المؤيدة او المعارضة لسياسته وصار حكمه في نظر الكثيرين رمزا لمرحلة تاريخية هي التي يجب علينا دراستها وعرضها بصورة متكاملة ومتزنة. ثانيا: شخصية السلطان عبد الحميد الثاني السلطان عبد الحميد هو السلطان السادس والثلاثون في تاريخ الاسرة العثمانية التي حكمت الامبراطورية العثمانية طوال ستة قرون . وقد ظل جالسا على العرش ثلاثة وثلاثين عاما انتهت بإقصائه عن سدة الحكم يوم الثلاثاء ٢٧نيسان /أبريل سنة ١٩٠٩، وكان عمره آنذاك سبعة وستين عاما، حيث قضى تسع سنين رهن الحبس في قصر اللاتيني الذي كان يملكه شخص يهودي ، ثم نقل بعد ذلك إلى قصر بيرلي في اسطنبول حتى وفاته يوم الأحد الموافق العاشر من شباط /فبراير سنة ١٩١٨ من عمر يناهز السادسة والسبعين .
عرف السلطان عبد الحميد الثاني بحنكته السياسية ، إذ كان رجلا المعياً أدبيا إحساسا ذا فكر ثاقب وبصيرة نافذة ،يدرك كل ما يدور حوله باطنة وسرعة بديهية ، شديد ،الحرص على وقار السلطنة ومقامها التي كان يريد أنها معرضة للخطر بشكل دائم . وكانت تقارير المخبرين السريين لا تنقطع عنه ، وهو ما دفعه إلى استخدام كل صنوف الضغط وتضيق الخناق على كل من كان فى دائرة شكه . كان يفكر ملياً في شؤون دولته، ونتيجة للأحداث التي تعرضت لها الدولة مع بداية حكمه تجده وبشكل متواصل مع متابعا للصحافة المحلية ومطلعا على ما يدور من أحداث في الإمبراطورية، أضف إلى هذا كان يأتي بالصحف الاوربية بواسطة كل من اسرافيم افندي أفندي صاحب دار القراءة (مقهى الاطلاع) والكتبي المسمى الينينو (Elinino) وكان يقرأ هذه الصحف أو يأمر بترجمتها اذا كان المترجمون يقدمون ترجمات للحلقات المتسلسله والمقالات وكل الاخبار التي تتضمن أحداثا ووقائع مهمة تتصل بالدولة العثمانية وكان مجدا ومجتهدا يتمتع بطاقة وحيوية عظيمتين ويهتم بكل شيء ، ويتابع كل صغيرة وكبيرة في قضايا الأمة منذ الساعات المبكرة من الصباح حتى الأوقات المتأخرة من الليل ، وكان ذا ذاكرة لاقطة حافظة على غير المألوف . يقول المستشرق أرمينيوس فامبري أن الطاقة والحيوية الماثلتين في شخصية عبد الحميد لا وجود لها لدى أي حاكم آخر من حكام الشرق قاطبة ،فهو حاكم حذر يقظ ذكى متنور ملى بالإحساس الوطني ، وعلى علم قوي بالشؤون الأوروبية ، عارف باللغات والعادات والشؤون الخارجية لكلا العالمين الغربي والشرقي .
وبناء على طلب السلطان كان على فامبري أن يكتب تقريرا مرتين في الشهر على الأقل حول الرأي العام الأوربي الخاص بالوضع في الدولة العثمانية ، ويتابع في موقع آخر قائلا : اننى ومن دراستي لشخصية عبد الحميد لطالما تساءلت كيف استطاع هذا الرجل ردع يد أوروبا القوية عنه ؟ ولطالما أظهر روح التفاؤل نحو مستقبل الدولة العثمانية فقد قال لي مرة ( أن تزايد روح التنافس السياسي والاقتصادي بين الأوروبيين يجعلني في امان من الصدمات ، وستعمل على أن اتخلص من الامتيازات الأجنبية) وهنا تبرز السمة الأساسية في سياسة عبد الحميد الخارجية المرتكز على الإستغلال الماهر الذكي للتناقضات والخلافات الموجودة بين الدول الأوروبية وتضارب مصالحها ، مستندا بذلك إلى شبكة الاستخبارات القوية التى أسس لها فرعا فى كل إنما أوروبا . كان عبد الحميد الثاني شديد الذكاء والحساسية دمث الخلق لين العريكة ، وقد حظي باحترام الأجانب وتوقيره لذكائه ومعاملته الجذابة ، فهو بخير العقل ويشد الذهن في جميع أفعاله وحركاته ، يجتهد كثيرا لتيسير الغاية التي كان ينشدها أو يرومها ، وعرف عنه حب العمل وقوة البصيرة ، كان رجلا صلب الرأى قوي التفكير مصيبا في رأيه في الشؤون والقضايا الخارجية . يقول عبد الحميد في مذكراته ( كان أعدائي يجاهرون بالشكوى من أنني أخضع أحيانا لتأثير بعض مستشاري ، وهذا خطأ ، ولم يكن لما يقوله عزت بك تأثير في شخصيتي،لقد كنت قادرة لأنه إنسان يتسم بالحكمة والعقل السديد ، ويقول: ( كنت القى السمع مليا إلى مستشاري وتمعن التفكير في أفكارهم بتريث ورزانة ، وبعد ذلك لا ارجع عن قراري ولا احدي عنه واشرع في تطبيقه بثبات وعزيمة وإصرار ) سئل جمال الدين الأفغاني رأيه في عبد الحميد ، فقال ( أن السلطان عبد الحميد لو وزن بأربعة من رجال العصر لرجحهم ، دهاء وذكاء وسياسة وخصوصا في تسخير جليسه … لا عجب أن رأيناه يذلل ما يقام في ملكه من الصعاب من دول الغرب ، ويخرج المناوي له من حضرته راضيا عنه وعن سيرتة مقتنعاً بحجته ، سواء في ذلك الملك والأمير والوزير والسفير)
وتمثلت سياسته الخارجية بإحياء الدولة العثمانية في إطار الإسلام ، لهذا ارتكزت سياسته على السلطة المركزية ، والتوازن والاعتدال ،والاستقلالية وعدم الانحياز والاستفادة من اختلاف الآراء والصلح والجنوح للسلم واستمالة القلوب واللجوء إلى الشدة بحسب مكانها والعزل والتجريد والتخويف . وقد سعى عبد الحميد فى مضمار سياسته الخارجية إلى تأسيس رابطة قوية تجمع شتات العالم الإسلامي وتوحد صفوفه، وكان يبتغي من ذلك تحقيق مستقبل باهر للدولة مسلمة تنتمي بصدق الى خليفة مسلم عن طريق اتحاد العناصر المسلمة وتضامنها مع بعضها ،إذ رأى عبد الحميد أن دولته تتمزق وأن الدول الأجنبية أصبحت تنظر إليها نظر الأسد الي فريسته ، لهذا دعا إلى تأسيس فكرة الجامعة الاسلامية ،التي كانت في حقيقة ذاتها اداة دينية لتقوية سلطنة عبد الحميد السياسية في العالمين العربي والإسلامي ، بواسطتها استطاع أن يحتفظ و بولاء العناصر الإسلامية غير العثمانية داخل الدولة العثمانية .
يقول جمال الدين الأفغاني الذي كان مؤيد السلطان عبد الحميد في سياسته الإسلامية : ( رأيته يعلم دقائق الأمور السياسية وكرامة الدول الغربية، وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك مخرجاً وسلما ،وأعظم ما أدهشني ما أعده من خفي الوسائل وأمضي العوامل مر تتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية. ويريها عياناً محسوساً أن تجزئة السلطة العثمانية لا يمكن إلا بخراب يعم الممالك الأوروبية بأسرها) . ورأى الأفغاني أن السلطان:(رجل داهية ، إذ كلما حاولت أوروبا أن تجمع كلمة أرض البلقان للخروج عن سياسة الدولة كان يسارع بدهائه لحل ما ربطوه وتفريق ما جمعوه من كلمة وخطط ) . وقال (أن ما رأيته من يقظة السلطان سودة حذره وإعداده العدة اللازمة وإبطال مكايد أوروبا وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة قد دفعني بمد يدى له فبايعته بالخلافة والملك ). كان يهدف فى دعوة إلى الجامعة الإسلامية إلى مقاومة أطماع الدول الغربية ومن ثم مقاومة معارضيه في الداخل ومواجهة أعدائه في الخارج بإبراز الصفة الدينية المقدسة لمذهبه بصفته الخليفة وزعيم المسلمين . وقد وصفت خطة عبد الحميد هذه بأنها تمثل سياسة التوازن الدولي التي كان من شأنها أن تبقي الدول الغربية متحاسدة متنابذة في الأمور التي تتعلق بالدولة العثمانية ومستقبلها . لقد كان عبد الحميد سياسيا قديراً ( وقرماً من أقرام السياسة ) الدولية ، ولولا ذلك لما استطاع أن يصمد فى وجه هذه الرياح، وكان قادراً على معرفة مختلف التيارات الفكرية والمؤامرات ، وكان يفهم أبعاد الخطر الداخلي الذي يؤججه الاستعمار والصهيونية عن طريق حزب الدولة العثمانية الفتاة وكيف تسيطر عليهم الماسونية العالمية وتوجههم لمصلحتها . نكتفي بهذه اللمحات السريعة فى الحديث عن شخصية السلطان عبد الحميد الثاني التي كان الهدف منها إبراز معالم شخصية هذا السلطان لنقول إننا لسنا امام شخصية ضعيفة لا تقرأ ما يدور حولها من أحداث وبالتالى لا يمكن أن تتنبأ بما يحدث في المستقبل ، و سنقرأ في الفصول القادمة المزيد حول سياسته الداخلية والخارجية ، وانعكاساتها السلبية على الوضع في فلسطين.
ثالثا : الحركة الصهيونية ودور هرتزل فيها
تشير كلمة (صهيون ) في التراث الديني اليهودي إلى جبل صهيون والقدس ، وإلى الأرض المقدسة كلها ، وتستخدم للإشارة إلى اليهود بوصفهم ديناً .وتعد العودة إلى صهيون حجر الزاوية في الديانات اليهودية . ويطلق اصطلاح الصهيونية أيضا على نظرة محددة ظهرت فى أوربا ترى اليهود ليسوا جزءاً عضويا من التشكيل الحضاري الغربي ، بل هم شعب الله المختار والجماعة المقدسة التي استوطنت القدس فى فلسطين ويجب أن تهجر إليها. ومع تطور الفكر القومي في أوروبا ظهرت نزعات صهيونية في أواسط الفلاسفة والمفكرين السياسيين والأدباء تنادي بإعادة توطين اليهود في فلسطين استنادا إلى أسباب تاريخية وسياسية وعلمية .وبدأت النزاعات الصهيونية تظهر بين اليهود أنفسهم أواخر القرن التاسع عشر.وعبرت عن نفسها في بادي الأمر عن طريق تقديم الصدقات التى كان يرسل بها أثرياء اليهود في الغرب إلى إخوانهم البائسين في شرق أوروبا. وقد نحت المصطلح نفسه المفكر النمساوي بيرنباوم (Nathan Birnbaum) فى مؤتمر بال ١٨٩٧ حيث قال ان الصهيونية ترى أن القومية والعرق والشعب شي واحد وبهذا استبعد الجانب الديني من المصطلح ، وأصبحت الصهيونية هي الدعوة القومية اليهودية التى جعلت من السماء العرقية اليهودية قيمة نهائية مطلقة بدلا من الدين اليهودي . وفى الحركة التى تحاول أن تصل إلى أهدافها من خلال العمل السياسي المنظم لا من خلال الصدقات ، وبعد المؤتمر الصهيوني الأول ١٨٩٧ تحدد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التى تبشر بها المنظمة الصهيونية ،وإلى الجهود التي تبذلها ، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بال.وبعد ذلك بدأت دلالات الكلمة تتفرع وتتشعب ، فهناك (صهيونية سياسية) وأخرى (صهيونية عملية) وكل صهيونية لها توجهها وأسلوبها الخاص وإن كانت لا تختلف جميعها فى القصد النهائي.
٥٧
وتوصل أقطاب الحركة الصهيونية في المؤتمر إلى أن الحل الوحيد لخلاص اليهود من هذا الاضطهاد هو إنشاء وطن قومي خاص بهم .وتطور الفكر الصهيوني ، فغدا أكثر تحديداً ،وأصبحت الصهيونية تعني تهجير اليهود المشتتين إلى فلسطين لتأسيس الدولة اليهودية التي تدين بالدين اليهودى، وتتميز بالعنصر اليهودي والثقافة اليهودية، وتعمل على بعث مملكة داود وإعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، ثم اتخاذ فلسطين مركز إنطلاق للسيطرة على المناطق المتاخمة لها والتي تمتد من نهر النيل الى نهر الفرات . وقد استعمل الصهاينة في بحثهم عن مساندة اليهود فكر العودة الخيالية إلى أرض الميعاد فلسطين لمنح الصهيونية شحنة عاطفية بغية جعلها مقبولة من اليهود جميعهم، وفي الوقت نفسه عملت الصهيونية على أن يتمسك اليهود بدينهم ويفيدوا من القيم اليهودية القديمة التي تجعل منهم شعب الله المختار، كما عملت على أحياء اللغة العبرية والثقافة اليهودية وعلى تدعيم الأمل في العودة إلى فلسطين هدفا لجمع اليهود سياسيا ، وتدعوهم إلى إقامة دولة يهودية يستطيعون فيها أن يمارسوا شعائرهم و يؤدوا رسالتهم العالمية من طريق نشر مجموعة من المؤلفات الصهيونية التي استهدفت تجديد المفاهيم القديمة وتكييفها مع الأفكار العقلانية الحديثة . واعتمدت الصهيونية في الترويج لحركتها على المؤسسات اليهودية الثقافية والدينية والاجتماعية التي كانت منتشرة في أنحاء العالم كافة ، وتم التنسيق فيها لإنشاء دولة يهودية في فلسطين . وانطلقت الصهيونية الحديثة مع مؤسس الحركة الصهيونية وزعيمها الاهم ثيودور هرتزل الذي ولد في بودابست العام ١٨٦٠م، ودرس في فيينا بين عامر ١٨٧٨- ١٨٨٤م ، ثم اشتغل بالكتابة الأدبية والسياسية بين عامر ١٨٨٥ -١٨٩١م. في عام ١٨٩١ عين مراسلاً ل جريدة الحرة الجديدة (Duo Neue freie pressé ) التى تصدر فى باريس ، وقبلها كانت تصدر في فيينا،وظل في وظيفتة هذا إلى عام ١٨٩٥. وقد اكتسب شهرته من طريقها، وتمكن من التعرف عن كثب إلى الشؤون السياسية والثقافية في أوروبا . وخلال إقامته في باريس ظهرت المشكلة التى قامت ٥٨
آنذاك حول قضية الضابط اليهودي ديفورس المتهم بالخيانة ونقل أسرار عسكرية إلى السفارة الألمانية في باريس فحكم عليه بالسجن المؤبد ، وفى صباح ٥كانون الثاني ١٨٩٥، وبينما كان ديفورس يمر أمام الصحافيين وبينهم هرتزل صاح ( عليكم أن تقولوا لفرنسا كلها إني برئ ) وفي الوقت نفسه كانت هتافات السخرية تعلوا من الجماهير،( جبان!يهوذا!يهودي قذر ، الموت لليهودي).
من هنا بدأ هرتزل يعنى بالتدريج أخطار معاداة السامية، ومن هنا بدأ يدعو الى إنشاء دولة يهودية مستقلة ،وهي الدعوة إلى نشرها في كتابه الدولة اليهودية (Juden Staat Der) الصادر عام ١٨٩٦، وكان له تأثير كبير وصدى واسع في أوساط اليهود فى جميع أنحاء العالم ، إذ نبه إلى أن مشكلة اليهود مسألة قومية ولابد من إيجاد حل لها ، ويجب على الدولة أن تنظر إليها بوصفها سياسة دولية تجتمع الدول المتحضرة لمناقشتها ، وقرر أن اليهود لا يمكن العيش لهم في المجتمعات الأخري ، لأنه ليس لهم مكان يجمعهم . والكتاب محاولة من هرتزل لإيجاد حل للمسألة اليهودية ،ومحاولة لإحياء فكرة دولة اليهود ،وتحت عنوان فرعي فلسطين أم الارجنتين ، يقوا :(هل نختار فلسطين ام الارجنتين إننا سنأخذ ما يعطي لنا وما يختاره الرأي العام)، ويعدد إيجابيات الأرجنتين بأنها أرض خصبة ومناخها معتدل ، ولكن بشئ من عدم الراحة . وفى فقرة سابقة يتوقف عند فلسطين،ويقول : ( أما فلسطين فئه وطننا التاريخي الذي لن يُنسى ابداً واسمها فقط سيجذب شعبنا اليها بقوة . وإذا فرضنا أن السلطان سيعطينا فلسطين فإننا في المقابل سنتولي إدارة المالية العثمانية كلها) وبهذا يجب أن يحصل الدعم المالي من أثرياء اليهود لتحقيق هذا الهدف كذلك ، فهرتزل منذ البداية
٥٩ كان على يقين بضرورة ضمان الدعم الأوروبي لليهود ، وذلك كخطوة ثابتة من أجل تحقيق أطماعهم بإنشاء الدولة اليهودية . وهو في كتابه الدولة اليهودية لم يأتى بجديد عما سبقه ، لكنه ما تميز به هو طرحه المنهجى الهادي وتوكيده الواثق للدولة حلا اكيداً لما يعانيه اليهود في المجتمعات الغربية .كانت اداتاه جمعية اليهود والشركة اليهودية ، الأولى هى الأداة السياسية التى تقوم بتوعية الرأي العام اليهودي والعالمي وتنظيم الهجرة الجماعية إلى المفاوضات والحصول على الوثيقة التى تعترف بالسيادة اليهودية على فلسطين ،أما الشركة فمن أجل جمع المال اللازم وتنظيم التجارة والصناعة وتصفية ممتلكات اليهود في أوروبا وشراء الأراضي . وبهذا الكلام نتوصل إلى أن اطماع هرتزل كانت محددة ، توجهت نحو فلسطين منذ البداية ، حيث قررت أن فلسطين هي البلد الوحيد الذي يمكن أن يشبع رغبات اليهود، وأي مكان آخر هو مستحيل ولن يتحقق ذلك إلا عبر حركة وطنية تضم الصهاينة وتحقق آمالهم في إنشاء وطنهم القومي في فلسطين. وكان لليهود ردود فعل متناقضة على صدور كتاب الدولة اليهودية ، إذ اعتبره البعض ضربا من الجنود ،وبخاصة يهود النمسا وبعض الفعاليات الرسمية كالجمعية اليهودية ( كاديما) التى بادرت إلى تأييد مشروع الدولة اليهودية واستمرت على رأس الفئات المتحمسة لسياسة هرتزل . وعلى الرغم من منع روسيا للكتاب إلا أنه انتشر بين اليهود في أوروبا الشرقية كما ساعدته جمعيات "أحياء صهيونية " وأطلقت على هرتزل لقب " موسي الجديد " ودعته إلى قيادة الحركة السياسية . وهكذا بدأ الحديث عن مؤتمر صهيوني شامل . وبهذا نرى أن هرتزل شكل حجر الأساس في إنطلاقة الحركة الصهيونية وتحقيق أهدافها في استعمار فلسطين. وعلى الصعيد الإعلامي فقد رأى هرتزل أن الوقت قد حان لإصدار صحيفة صهيونية تعبر عن أهداف الحركة الصهيونية ، فقرر إصدار صحيفة العالم ( Die welt) فى ٤حزيران /يونيو ١٨٩٧ خدمة للحركة و لسد حاجات القضية .وكانت أبحاث هذه المجلة
٦٠ وأفكار كتاب دولة اليهود الأساس الذي اعتمده في دعوته إلى المؤتمر الصهيوني الأول . وقد استغلها هرتزل لاستمالة السلطان عبد الحميد، إذ أكد له وعبر المقربين منه أنه سيعمل على نشر الأخبار والأنباء التى قد تكون في مصلحة السلطان والدولة العثمانية ،واعتبر هرتزل هذا الحل خطوة نحو تكريس الصحافة اليهودية لمصلحة الدولة العثمانية.
وبهذا كانت كتابات هرتزل وجهودة السابقة الذكر الأساس الذي مهد لظهور الحركة الصهيونية العالمية في مؤتمر بال١٨٩٧الذي جدد الخطط الرئيسية للاستيلاء على فلسطين كما سنرى ، والذي انتقل بالحركة الصهيونية من معرض الجهد الفردي غير المنظم والجمعيات المحلية المتناثرة في أرجاء العالم إلى حركة سياسية عالمية عنصرية يترأسها هرتزل قولاً وعملاً ، إذ نصبه مؤتمر بال رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية . وحدد هذا المؤتمر أهداف الحركة الصهيونية فى ماسمي برنامج بال . وقد امتاز التفكير السياسي لدى هرتزل بالمرونة والصحافة وتعدد الجوانب ، وكان إذا سُدّ في وجهه طريق سلك طريقاً آخر إلى أن تمكن من تحقيق أهدافه .
٦١
ويمكننا القول إن السياسة العامة التي اتبعها هرتزل انحصرت في تحقيق ثلاثة أهداف هي : 1. الاستيطان في فلسطين . 2. إحياء العادات والتقاليد والدراسات اليهودية. 3. تحسين الوضع الاجتماعي والحضاري الثقافي لليهود في العالم . وقد مات هرتزل في الثالث من تموز /يوليو ١٩٠٤ودفن في فيينا ، وفي عام ١٩٤٩ نقلت رفاته إلى جوار القدس المحتلة .
٦٢
الفصل الأول
موقف السلطان عبد الحميد الثاني
من الهجرة اليهودية إلى فلسطين
اولا : بدايات الهجرة اليهودية إلى فلسطين شكلت فلسطين في المرحلة التي سندرسها جزءا من الإمبراطورية العثمانية . وكانت في ظل الحكم العثماني تابعة لأقسام الشام الإدارية التي كانت وقتذاك تتألف من خمس ولايات وهي ولاية حلب و ولاية بيروت ، وولاية الشام ، متصرفية القدس، و متصرفية جبل لبنان. أما فلسطين فكانت تقسم إداريا إلى المناطق التالية : فى الشمال ومتصرفية عكا وتشمل أقضية حيفا ، وطبريا ،وصفد.و متصرفية نابلس وتشمل قضاءَي جنين طولكرم ،وكلها تتبع ولاية بيروت. في الجنوب متصرفية القدس الشريف المستقلة وتشمل اقضية القدس ، ويافا، وغزة ،والخليل ، وبئر السبع وتخضع مباشرة للحكومة المركزية في الأستانة. ومن المهم الإشارة إلى هذه التقسيمات الإدارية التى جعلت من فلسطين جزءا من سوريا لم تنفِ عنها المفهوم العربي الجغرافي الذي تعود جذوره إلى عوامل دينية مرتبطة بمعنى الأراضي المقدسة . وبناء على توجيهات السلطان عبد الحميد لإعادة التنظيم الإداري في فلسطين، وبعد أن لمس أن النفوذ الأجنبي فيها أصبح متجذراً ، وخطراً على مستقبلها ،فقد ثبت متصرفية القدس الشريف عام ١٨٧٧م كيانا ادارياً مستقلاً عن ولاية سورية،
٦٥
وشملت جنوب فلسطين ووسطها ، وتحكم من القدس مرتبطة بوزارة الداخلية مباشرة وقد جاء الإجراء السلطاني هذا لاعتبارات عديدة منها :
● الحد من النفوذ الأجنبي ووقف التدخل المتزايد للدول العظمى في شؤون فلسطين الداخليه. ● الحد من هجرة اليهود الأجانب إلى فلسطين . ● المكانة الدينية . ● أما مناطق شمال فلسطين فتشكل فيها وحدتين إداريتين هما : لواء عكا ولواء نابلس وألحقا بولاية بيروت عام ١٨٨٨. ● وأصبحت فلسطين تدار من المركز من اسطنبول واوصلت مع القصر بواسطة خطوط اتصال .وقد دلتنا الوثائق العثمانية على أن إجراء أي تصرف أو اتفاق الحكام الاداريين حتى فى أدني المرتب الإدارية كان يتطلب تفويضاً رسمياً من اسطنبول .ولقد تم العمل بهذا النظام المركزي لضمان عدم وجود أي انحراف في تطبيق الفرمانات والأوامر المركزية . أما عن أوضاع اليهود في الدولة العثمانية بعامة فقد أخذت الدولة منذ قيامها بمبدأ الحرية الدينية ، وطبق العثمانيون التقليد الإسلامي الخاص بمعاملة أهل الكتاب .وبعد سقوط غرناطة بأيدي الإسبان (١٤٩٣) هاجر كثير من يهود إسبانيا إلى الدولة العثمانية التى رحبت بهم وعاملتهم وفقا لنظام الملة
٦٦
العثماني ، إذ منحوا استقلالاً دينيا ذاتيا فيما يتعلق بالطقوس الدينية والتعليم ومنحت سلكة رسمية لزعيمهم (حاخام باشي) الذي كان يقيم في العاصمة العثمانية، وخلال حكم الدولة العثمانية للبلاد العربية كان اليهود من رعايا السلطان يتنقلون بحرية من فلسطين وإليها وأقاموا فى الأماكن المقدسة القدس، وطبريا ، وصفد ،والخليل .
يعود اليهود في أصولهم أما إلى بقايا اليهود القدامى الذين امتزجوا مع أهل البلاد وأطلق عليهم اسم "المستعمرين " ، وأما الى اسبانيا عرفوا اسم "السفارديم" وفي نهاية القرن التاسع عشر جاء اليهود من ألمانيا وشرق أوروبا وعرفوا ب "الاشكنازيم" وترجع أصولهم الى العرق السلافي والكسونى.ولا يبلغ عدد الذين يحملون التبعية العثمانية منهم سوى خمسة الآف نسمة من أصل خمسة وثلاثين ألفاً ،ويحافظ الباقون على جنسية الباقون على جنسية بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها .وقد عمل اليهود فى كل فروع التجارة والصناعة وتمتعوا باستقلال ذاتي، واستفادوا منذ وقت مبكر بمنافع الامتيازات الأجنبية التي اعطيت للرعايا الأجانب .
٦٧
وفي فترة الحكم المصري لبلاد الشام (١٨٣١-١٨٤٠) تحسنت أحوال اليهود ،إذ أعفاهم الحاكم المصري من المغارم التي كانت تفرضها عليهم الدولة العثمانية . في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الصدور مرسوم الإصلاح لعام ١٨٥٦، فقد منحت الدولة العثمانية الأقليات الدينية المساواة مع المسلمين أمام الفرمان ، وذلك بالمحافظة على حقوقهم الدينية والدنيوية وأمنهم الشخصي وأمن ممتلكاتهم ، وفي الوقت نفسه جرى توسيع نظام الحماية حتى أصبح الرعايا غير المسلمين يلجأون إلى قناصل الدولة الأجنبية في القدس ،ليكونوا تحت حماية دولتهم ، وليصبحوا بمنزلة مواطنين أجانب يتمتعون بالامتيازات الممنوحة لهم فى ظل الامتيازات الأجنبية .
من هنا اقبل معظم اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين على قنصليات الدولة الأجنبية ، وطلبوا الحماية الأجنبية، وأكثرها لدى القنصلية الأجنبية في القدس،التى أصبحت تتولى رعاية شؤونهم وتتابع جميع قضاياهم الحياتية المتعلقة بالبيع والشراء الأموال غير المنقولة ودخولهم إلى البلاد والوقوف على حل مشاكلهم من تحصيل ديونه ومشاجراتهم مع المواطنين ، وتحصيل رخص البناء باعتبار أن الحكومات المحلية ليست مسؤولة عنهم ، ولا تستطيع محاسبتهم بموجب فرمان الحماية.
٦٨
ومع صدور فرمان تملك الأجانب لعام ١٨٦٩ وتزايد قدوم اليهود الأجانب إلى فلسطين لم تعد الدولة العثمانية تدقق في أسباب دخولهم ،الأمر الذى يمكنهم من شراء الأراضي والبدء في إنشاء المستعمرات، وأعطيت لهم الحقوق الكاملة في التملك والعمل على كل الأراضي العثمانية ما عدا الحجاز ، وكان هذا التعديل نتاج ضغوط الدولة العظمى على الدولة العثمانية.
ويعد فرمان تملك الأراضي أحد التنظيمات التى تركت بصمات واضحة المعالم على أراضي الدولة العثمانية ، وقد جاء نتيجة للضغوط الخارجية التى حتمتها تدخلات الدولة الأوروبية والتنافس فيما بينها على ممارسة النشاط القنصلي والديني والثقافي والاقتصادي ، وضغوط سفرائها في اسطنبول والقنصليات المنتشرة فى المدن الأخرى، والمطالبة للسماح لرعاياها بتملك الأراضي والعقارات. وما ان صدر هذا الفرمان أخذ المهاجرون اليهود ممن يحملون جنسياتها بشيد الأحياء وشراء الأراضي لأغراض البناء دون الحاجة إلى أخذ موافقة اسطنبول.
تجد الإشارة إلى أن العوامل الدينية أيضا قد قامت بدورها في استقطاب اليهود وهجرتهم إلى فلسطين فى تلك الفترة ،إذ أن كثيراً من العائلات اليهودية هاجرت من أجل زيارة الأماكن المقدسة ومن أجل إنقاذ أبنائهم من سياسة التمييز العنصرى التى اخذت رذاذ قوة فى أوروبا تجاههم . ولم يجد العثمانيون غضاضة في ازدياد إعداد اليهود فى فلسطين خلال تلك الفترة . إذ أنهم كانوا يرحبون بتعميرهم للمنطقة من أجل زيادة حصيلة الضرائب.
٦٩
استمرت الهجرة إلى فلسطين على الرغم من أن الدول الأوروبية قامت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر بتحرير رعايا اليهود من جميع القيود من جميع القيود التي كانت مفروضة عليهم ، ولكن أوضاع اليهود في دول أوروبا الشرقية بقيت على حالها بل زاد اضطهادهم ، وذلك بعد التطورات التي حصلت في روسيا (تحديداً)، إذ كانت أكثرية اليهود في روسيا تعيش من التجارة والحرف واستئجار المزارع والحانات والمطاعم والفنادق وتشغيلها ، بحيث كانوا حلقة الوصل بين الإقطاعيين الروس والفلاحين ، الى أن جاء التطور الرأسمالي الذي أدى الى نشوء طبقة متوسطة من غير اليهود ،راحت تنافس تجارهم وتضيق سبل العيش عليهم ، مما اضطر إعداد كبيرة منهم للهجرة إلى المدن التي ضاقت بالحجم الكبير من العمالقة .
وفى عام ١٨٨١اخذت الهجرة اليهودية تأخذ بعدا جديدا من اغتيال قيصر روسيا واشتراك عناصر يهودية في الحادثة ،اذ قامت مذابح واعتداءات منظمة ضدهم اسفرت عن هجرات جماعية الى فلسطين منذ العام ١٨٨١الى العام ١٩١٤ ، ويذكر أنه خلال هذه الفتره هاجر حوالى ٢.٦٥ مليون يهودى توجه منهم ٥٠ الفاً نحو فلسطين.
يتضح مما سبق أن هجرة اليهود إلى فلسطين مرتبطة بأسباب مختلفة،فلكل سببه حسب مكانه وزمانه ، وملخص الأمر اعتمادا على تقرير أكرم بك وإلى القدس للسنوات .
٧٠
١٩٠٤ - ١٩٠٦ حول الهجرة اليهودية بالقول :( فمن روسيا مثلا هاجروا للحفاظ على حياتهم وبقائهم، أما المهاجرون من فرنسا أمريكا وغيرها فطبيعى أنهم أرادوا الهجرة من أجل توسيع تجارتهم ، وكان هناك سبب حاسم هو العامل الديني وبسبب اندفاعهم الدينى ، فقد فضل البعض القدس على دول أخرى ، والبعض منهم لا يتأخر عن تقديم أى تضحية فى سبيل القدوم والبقاء في القدس . وإذا أضفنا إلى ذلك النشاطات التشجيعية التى كان يقوم بها أغنياء يهود أوروبا، أمثال روتشيلد وهيرش، فلا شك أن هجرة اليهود الأجانب ستتوسع وتزداد أهميتها من يوم إلى يوم). ويتابع حديثة (بأن أصحاب الأفكار من اليهود وغيرهم من الأجانب ، يعترفون دائما والأزهار والسعادة والأمن التى حصلوا عليها في الدولة العثمانية والتى لم يروا مثلها فى اى مكان آخر فى العالم ، هذا بالإضافة إلي الذل والضغط الذي يواجهون في البلاد الاخرى، فهى من الأسباب الدافعة الى هجرتهم. ولهذه الأسباب فأن المنع الذي صدر من قبل الحكومة لم يؤد إلى كسر اندفاعهم نحو القدس، بل العكس فلكونهم جيدين ومنتجين جدا فى أفعالهم وأصحاب خيال فى طموحاتهم ولاعتبارهم ذلك المنع كمصادر لحقوقهم المكتسبة ولاعتبارهم اياه غير عادل فقد دعموا وضاعفوا طموحهم الى الهجرة ". وقد تزايدت مع حركة الهجرة إعداد الجمعيات اليهودية التي كانت تهدف إلى مساعدة يهود أوروبا وتخفيف حدة الآمهم ومنها التحالف الاسرائيلي العالمى (AIU) الذي أنشئ في باريس عام ١٨٦٠بالتعاون مع الفرع الفرنسي من بيت روتشيلد المالى ،وذلك باعتباره أداة للدفاع عن اليهود في وجه حرمانهم من المواطنة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثانيا : سياسة عبد الحميد الثاني تجاه الهجرة اليهودية إلى فلسطين
سجلت الدولة العثمانية ممثلة بالسلطان عبد الحميد الثاني أول موقف رسمي معلن من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في نيسان / أبريل عام ١٨٨٢ بعد تزايد أعداد المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية إليها، إذ أعلنت أنه لن يسمح لليهود المهاجرين إلى أراضيها بالاستقرار في فلسطين، بل يمكنهم أن يهاجروا إلى داخل اي ولاية عثمانية أخرى وأن يستقروا فيها كما يريدون ، بشرط أن يصبحوا رعايا عثمانين ، وأن يقبلوا فرمانات الإمبراطورية العثمانية عليهم ، ووفقا لهذه الفرمانات كان يمكن إعطائهم الأراضي الحكومية معفاة من الرسوم، كما اعفوا من الضرائب والخدمة العسكرية وأعطوا حرية ممارسة شعائرهم الدينية شأنهم شأن بقية الرعايا. وكان يمكن لليهود الاستقرار بمجموعات لا تتجاوز ١٥٠ عائلة فى المنطقة الواحدة . هنا تدخلت الولايات المتحدة لأول مرة لمصلحة اليهود، وذلك في ١٢ حزيران/يونيو ١٨٨٢ ، فكان جواب الخارجية العثمانية ان الموضوع لا يزال قيد البحث لدى السلطان عبد الحميد الثاني ، وأن مجلس الوزراء العثماني يسمح لليهود والاستيطان فى أى مكان من الدولة العثمانية باستثناء فلسطين بشرط أن يصبحوا رعايا عثمانين ،وأن ينفذوا الفرمانات العثمانية. وفي ٢٩حزيران/يونيو ١٨٨٢ قامت الدولة العثمانية بتنفيذ قرارات منع الهجرة إلى فلسطين بأن أبرقت إلى متصرف القدس تطلب منه عدم السماح لليهود الذين يحملون جنسيات كل من روسيا ورومانيا بالاستقرار في فلسطين كونهم غير مرحب بهم ، كما اتخذت الإجراءات ذاتها في اللاذقية وبيروت وحيفا .وفي العام نفسه صدر القرار بمنع بناء المستعمرات لليهود الروس في فلسطين .ثم ابلغت البعثات الدبلوماسية لدى الباب العالي رسمياً بقرار مجلس الوكلاء (الوزراء ) العثماني الذي يقضي بمنع اليهود الروس من استيطان فلسطين . قدمت الدولة العثمانية كثير من التبريرات توضيح قرار المنع ،لكن السببين الرئيسيين الذين دفعا الحكومة العثمانية إلى اتخاذ القرار هما: اولاً،الخوف الذي لازم السلطان عبد الحميد الثاني من احتمال ظهور مشكلة قومية فى أراضيها تزيد من مشكلاتها التى لازمتها منذ بداية القرن التاسع عشر فى حروبها مع دول البلقان . ثانيا ،التدخل المتزايد الذي مارسته الدول الأجنبية فى الشؤون الداخلية للدولة العثمانية بحجة رعاية مصالح رعاياها الذين يطلبون المساعدة بشكل متواصل من قناصلهم . وكان هذا الحظر مناقضا لشروط اتفاقية الامتيازات الأجنبية المتوقعة مع الدول الأجنبية التي ضمنت لرعاياها حرية التنقل في مختلف أحياء الدول العثمانية باستثناء الحجاز ،وصدرت كذلك الأوامر للمتصرف في القدس بطرد جميع اليهود الذين استقروا في المتصرفية. هنا عاود القناصل الأجانب وتحديداً الدول الكبرى : روسيا،ألمانيا ، النمسا ، وفرنسا ، وبريطانيا، الاحتجاج على هذه التعليقات ؛ لذا كانت الحكومة العثمانية دائما تتراجع عن قرار الحظر الصادر بشأن منع أو الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين . يدل على ذلك تمكن اليهود من الجنسيات كافة من النزول إلى يافا بمن فيهم اليهود الروس والرومانيون . كذلك فى الأعوام ١٨٨٤-١٨٨٥تم تأسيس مدارس متعددة في فلسطين لتعليم اليهود تحت الحماية البريطانية فى ظل نظام الامتيازات الأجنبية . وقد أدت الصدمات بين العرب واليهود إلى حظر الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام ١٨٨٦وهو ما دفع مرة أخري إلي احتجاج الدول الأوروبية على هذه الأوامر لأنها تعاكس نظام الامتيازات الأجنبية ،فقام الباب العالى باتخاذ قرار رسمي حدد بموجبه مدة إقامة اليهودى فى فلسطين بثلاثة أشهر، ويطبق هذا بحق جميع المهاجرين اليهود، الذين كانوا يأتون إلى فلسطين ، ليس بهدف الحج بل للإقامة في الأراضي المقدسة. وفى العام نفسه طلب الباب العالى من متصرف القدس إبلاغ القناصل الأجانب استياء السلطان من عدم قيامهم بخطوات مباشرة من أجل إخراج اليهود الأجانب الذين انتهت مدة إقامتهم في فلسطين ، وجاء الرد منهم انهم لن يقبلوا بتنفيذ الاوامر حتى يتلقوا تعليمات من سفارتهم فى إسطنبول. وهذا دليل آخر على عدم اهتمام الدول الأجنبية بقرارات الدولة العثمانية بشأن الهجرة ، وان القرارات ماهى الا حبر على ورق ، ولم تنفذ على أرض الواقع . وفي عام ١٨٨٨صدرت غرمانات جديدة نصت على ضرورة أن يحمل اليهود الأجانب جوازات سفر توضح عقيدتهم الدينية كى تمنحهم الدولة العثمانية تصريحا لزيارة المتصرفية لمدة ثلاثة أشهر ، كما رفضت السلطات العثمانية في ميناء يافا السماح بدخول اليهود الذين لم يحصلوا على تأشيرات دخول من القناصل العثمانيين في بلادهم ،وأوعزت الدولة العثمانية إلى جميع قناصلها بعدم التأشير على جوازات سفر اليهود إلا بداعى الزيارة الدينية .
بررت الحكومة العثمانية هذه الإجراءات بأنها على علم ودراية بالأخبار التي انتشرت في الخارج والتي تفيد بأن اليهود في أنحاء العالم يقوون أنفسهم في القدس وجوارها بهدف اعادة تأسيس مملكتهم القديمة ، وبأن شعورا غريبا قد ساور السلطان عبد الحميد الثاني بسبب الهجرة اليهودية الواسعة وما رافقها من امتيازات لليهود كرعايا أجانب ، لهذا رغبت بوقف الهجرة اليهودية. لكن الولايات المتحدة لم تقنع بالإيضاحات التي قدمها الباب العالى ، واحتجت على القيود المفروضة على الهجرة في ما يتعلق برعاياها، كم احتجت بريطانيا وفرنسا ( بحجة المحافظة على الحقوق التي اكتسبتها من الامتيازات الأجنبية ) وهذا ما دفع بالدولة العثمانية بالتراجع عن قراراتها (مرة اخرى )، واضطرت الى التصريح بأن التعليمات الجديدة لن تطبق إلا على المهاجرين بأعداد كبيرة وليس على الذين يأتون فرادي . وفي رواية أخرى استطاعت الدول الأوروبية عام ١٨٨٨ ان تحصل على تنازل من الباب العالى يسمح لليهود بالاستقرار في فلسطين بشرط أن يصلوا فرادى لا جماعات، وأدي ذلك إلى فشل الدولة فى منع اليهود من الإستقرار في فلسطين. نتبين من ذلك أن الدولة العثمانية لم تكن تستطيع مواجهة ضغوط الدول الأوروبية ولم تكن قادرة على إيجاد أي إدارة تختص بمواجهة المشاكل الناتجة من هجرة اليهود ؛ لذلك أجريت تعديلات كثيرة على القرارات ، وكان يجرى نقض قرارات الإدارة المعنية أو غيرها من الإدارات ، وهكذا ازدادت التناقضات وواجهات مشاكل بأستمرار لم تكن لتعرف كيفية حلها .
تجدر الإشارة هنا إلى محاولة رؤوف باشا متصرف القدس ما بين عامى ١٨٨٧- ١٨٨٩ وضع العراقيل في وجه المهاجرين اليهود الذين أبدوا رغبتهم في اكتساب حق الرعاية العثمانية، وبذل جهوداً لأجل طرد المقيمين الأجانب الذين خرقوا الفرمان ، كما فرضت ضريبة عالية على الذين سعوا لأجل الحصول على الجنسية العثمانية .وعلل رؤوف باشا مطالبة هذه بأن روح المعارضة لوجود اليهود في فلسطين قد تعالت وأدت إلى صدمات عديدة بينهم وبين السكان ، ولأن يهود العالم قد أصبحت لديهم النية لتقوية نفوذهم حول القدس لإعادة تأسيس دولتهم أو مملكتهم القديمة . من هنا فقد طالب رؤوف باشا الباب العالى أن تكون فلسطين خارج حرية الدخول والإقامة، فجاء الرد بما نصه :(اليهود القادمون إلى فلسطين من أجل الحج والتجارة لا يستطيعون البقاء فيها من أكثر من شهر وبعدها يغادرون البلاد ) أى لا تراجع من الدولة العثمانية .وأمثال هذه القرارات براى رؤوف باشا هى التى سمحت لليهود بالاستيطان الدائم ، إذ كانوا يدخلون بحجة التجارة او الحج إلى الديار المقدسة ثم يستقرون فيها .
ورغم حماسة رؤوف باشا ومحاولاته المستمرة إلا انه لم ينجح في الحيلولة دون استقرار اليهود في متصرفية القدس ، أو نمو مستعمراتهم ، ذلك لأن اليهود كان بإمكانهم زيارة البلاد بحجة احجاج واللجوء إلى قناصل الدول الأجنبية فى ما بعد لتوفير الحماية لهم أو رشوة سلطات الميناء التى تسهل لهم إجراءات الدخول التي جعلت هذه الأوامر بلا معنى . ويشار إلى أن جميع اليهود كانوا يفضلون الحصول على الجنسية الأجنبية للبقاء تحت حماية قنصليتهم . هكذا ، وبرغم كل القيود المفروضة ، ونتيجة لتناقض قرارات الدولة العثمانية من الهجرة اليهودية، نرى أن إعداد اليهود كانت في تزايد مستمر ، ويمكن القول أن إعداد اليهود في فلسطين عام ١٨٨٢وصلت إلى ٢٤ ألفاً وارتفعت إلى ٥٠ ألفاً عام ١٨٩٠ ، جلهم من يهود روسيا ورومانيا ، ولأول مرة ومنذ قرون شكل اليهود أكثرية ضمن سكان القدس . ويذكر أنه فى عام ١٨٩٠ تزايدت أعداد اليهود المقيمين بطريقة فرمانية وغير فرمانية وأغلبهم تحت الحماية الأمريكية والبريطانية، ففى العام ذاته وبحسب تقرير القنصل البريطاني في القدس زاد عدد السكان من ٢٠الفاً الى ٤٠ الفاً ، اكثر من النصف يهود . وفى تقرير آخر يذكر أنه مع بدايات الهجرة الأولى (١٨٨٢-١٩٩٤)بلغ عدد اليهود فى فلسطين ٢٦ ألفا أو ٥,٨بالمئة من مجموع السكان البالغ عددهم ٤٥٠الفاً .وقد امتلك اليهود حوالى ٠,٠٣ بالمئة من الأراضي ، بمجموع ١٠,٠٠٠من أصل ٢٦,٣ مليون دونم . ومع انتهاء موجة الهجرة الأولى ١٩٠٢ ارتفع عدد المستعمرات الى٥٥,٠٠٠ منهم ٥٠٠٠يهودي يعيشون ٢٨ مستعمرة زراعية جديدة موزعين في أنحاء فلسطين ، وزادت مساحة الأرض التى امتلكها اليهود الى٤٠٠,٠٠٠دونم حيث إن (اليشوف) ( Yishuv ) ٤٢٠ ,٠٠٠ دونم او ١,٦ بالمئة من مساحة فلسطين كاملة. ونذكر أنه في هذا العام ، وفي المؤتمر الرابع لحركة أحياء صهيون (١٨٩٠) في أوديسا اخذ المؤتمرون قرار بأمرين مهمين : الأول ، تخيف السلطة العثمانية القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها، الثاني ، موافقة الحكومتين الروسية والرومانية على الترخيص الفرمان لحركة أحباء صهيون .وتم ذلك عبر تدخل الولايات المتحدة لدى الباب العالى وحكومتى روسيا ورومانيا دعما للحركة الصهيونية فى توطين اليهود في فلسطين . وهنا قامت الجمعية بفتح مكتب لها في يافا لشراء الأراضي ، وعادت الهجرة لتدفق الى فلسطين (١٨٩٠-١٨٩١) . ونتيجة لذلك فقد احتج الأهالى لدى الباب العالى لإجبار الدولة العثمانية على اتخاذ قرار بالعدول عن السماح بهجرة يهود روسيا إلى فلسطين.
بهذه الطريقة انتقلت الهجرة من حيز الفكرة إلى حيز التطبيق العملي . ومن الخطوات التي اتبعها الصهاينة لتسهيل أمور الهجرة إلى فلسطين في عامي ١٨٩٠ و١٨٩١ الاتصال بالوزراء العثمانيين عبر قناصل الدول الأجنبية في إسطنبول ، ومنهم السفير الأمريكي ، لرفع القيود عن الهجرة وبوسائل شتى ، ومنها الرشي . وقد جرى الالتفاف على هذا الحظر العثماني وصار المهاجرون يصلون إلى فلسطين بصفتهم حجاجا. نقول ، رغم أن الموقف الرسمي العثمانى بقي من عام ١٨٨١ إلى عام ١٩١٧ يعارض الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة عامة ، إلا أن التدابير العملية التي اتخذتها الإدارات المحلية وأحياناً من المركز لم تثبت فعاليتها في وقف تلك الهجرة. و بالتسلسل الزمني نجد أن السلطان عبد الحميد الثاني قد كتب فرمانات بخط يده عام ١٨٩١ ليحول دون استيطان اليهود فى فلسطين خشية قيامهم بتشكيل حكومة يهودية عنصرية في فلسطين، وبعثها إلى الصدارة العظمى لاتخاذها قرار عام فى هذا الموضوع وفي ما يلي نص هذه الفرمانات بالتسلسل . الفرمان الأول: ( صدر الفرمان الأول من شهر ذي القعدة ١٣٠٨ه (١٨٩١) ) (أن قول الذين طردوا من كل مكان ، في الممالك العثمانية سيؤدي في المستقبل إلى تشكيل حكومة يهودية ، لذا فإن إجراء هذه المعاملات غير جائز… لذا فلا يقبل هؤلاء بل يجب وضعهم فى السفن فوراً لإرسالهم إلى أمريكا ...وبناء على ذلك وحتى لا يبقى هناك اى مجال بعد الآن لأية معروضات أخرى بهذا الخصوص ، تعاد هذه المذكرة للصدارة العظمى لاتخاذ قرار عام فى هذا الموضوع ) . وفي ٢٨ ذي القعدة أى بعد سبعة أيام من الفرمان الأول أصدر السلطان عبد الحميد الثاني الفرمان الثانى التالي نصه : الفرمان الثاني : ( إن قبول هؤلاء اليهود أو إعطاءهم حق المواطنة شئ ضار جداً فقد يتولد عن هذا في المستقبل مسألة حكومية يهودية… لذا يجب عدم قبولهم ،وينبغي أن يؤخذ هذا فى الحسبان عن عرض المسألة ويعرض هذا القرار بسرعة اليوم وتعطى المعلومات للصدارة العظمى من السكرتاريا الخاصة ) . وبعد يوم واحد ، في ٢٩ ذي القعدة أصدر السلطان عبد الحميد الثاني الفرمان الثالث وهنا نصة: الفرمان الثالث :( لا يحق لأي دولة أن تعترض على عدم قبولنا لليهود الذين طردتهم دولة متمدنة وبناء عليه فإن هؤلاء اليهود لو اسكنوا فى مكان آخر (من أجزاء الإمبراطورية) فإنهم سوف يتسللون إلى فلسطين شيئا فشيئاً مهما
اتخذت من تدابير و سيسعون الى تشكيل حكومة يهودية بتشجيع الدول الأوروبية وحمايتها) .
من خلال هذه الفرمانات نرى أن التعليمات تشير إلى الوعى الكامل للسلطان عبد الحميد الثاني للهدف الحقيقي من هجرة اليهود ، وفي تلك السنوات المبكرة التى لم تكن الدعوة الصهيونية قد بدت فعالياتها ونشاطها بشكل منظم كان يرصد جميع التيارات الفكرية والسياسية في أوروبا بدقة ، فنراه يقرر أن غاية اليهود هى تشكيل حكومة موسوية ( يهودية) فى فلسطين بتشجيع الدول الأوروبية، وأنهم ان اسكنوا في أي جزء من الإمبراطورية العثمانية فسيتسللون إلى فلسطين وسيقومون بأعمال الربا ومص دماء المحتاجين.
وقد اعترف السلطان فى عام ١٨٩٥ بأنه أدرك مشروعهم الشرير ،لكن جاء اعترافه هذا متأخرا .
هذا التناقض الصارخ في موقف السلطان الذي سنراه لاحقاً ، حين عرض على هرتزل استيطان أى جزء من الدولة العثمانية عدا فلسطين ، فهو حينما قدم العرض كان يعلم أن بمقدور اليهود التسلل إلى فلسطين إذا فتح لهم الباب لكن من جهات أخري . أن فرمانات ١٨٩١ لم تؤد إلى وقف الهجرة اليهودية، إذ كانت من الناحية العملية خيراً على ورق ولم تكن لها قوة دائمة ، وكانت السلطات العثمانية تتقاضى عن هذا الفرمان . ففي هذا العام قبلت طلبات الهجرة لليهود من كل الجنسيات وأقام اليهود بشكل غير فرماني و تمتع بالحقوق كافة التي يتمتع بها المواطن العثماني.
وفي منتصف عام ١٨٩١ أورد مراسل الأهرام تقريرا عن الهجرة اليهودية من يافا إلى القاهرة ذكر فيه أنه بالنظر إلى كثرة ورود الإسرائيليين إليها فقد ارتفعت أجور منازلها وأثمان بضائعها ومأكلها ارتفاعا أرض بسكانها … وأكد التقرير استمرار التسرب اليهودي إلى فلسطين نتيجة تساهل السلطات المحلية العثمانية المراكشية التي كانت تتقاضى عن تسجيل القادمين اليهود في سجلاتها...وأكد التقرير أن سكان فلسطين أظهروا ضيقا بالهجرة بعد شعورهم بأخطارها متعددة الجوانب ) نذكر - على سبيل المثال - تقرير القنصل البريطاني حول محاولة قائمقام يافا ابراهيم باشا منع نزول حوالى ٥٠٠٠ ألف يهودي في يافا ومطالبته بكيفية التصرف معهم ، لكن جاء رد إسطنبول بالسماح لهم بالإقامة وضمان حرية التنقل لهؤلاء الحجاج. وبعد إصدار فرمان ١٨٩١ وردت تقارير للأستانة حول كثرة المستعمرات،وتنبه السلطان لها دون اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن توقف الهجرة أو الاستيطان ، وهو ما يمكن هؤلاء لاحقاً من تشكيل حكومة خاصة بهم .
تشير إلى أنه منذ بدء المنع عام ١٨٨٢ وحتى عام ١٨٩٦ أصدرت الحكومة عدة قرارات عدلت فيها موضوع المنع ، وكان مرد ذلك إلى ظهور عدة صعوبات واجهت الإداريين عند تنفيذ قرارات المنع من جراء وقف اليهود ضد هذا المنع و توسطهم مباشرة مع الأستانة ، وضغط الدول الأجنبية ، لوقف المنع ، لأن ذلك مخالف لنظام الامتيازات الأجنبية ، وهو ما استدعى من الحكومة إجراء تعديلات كان من شأنها أن تضعف القوة المطلقة لذلك المنع .
وفي ما يلي بعض الأمثلة على إصدار القرار بالمنع من ثم التراجع عنه : 1. اعترضت القنصلية البريطانية على إعطاء تذكرة مرور لليهود الأجانب عند قدومهم لأجل السياحة داخل الدولة العثمانية، وطالبت السفارة فى إسطنبول بإلغاء تذاكر مرور الأجانب وفعلاً تم إلغاؤها فى عام ١٨٨٦ . 2. كان يتم إرجاع اليهود الذين لم يأخذوا تأشيرة عثمانية من السفارات في الخارج ، لكن تم تجاوز هذا القرار بأخذ كفالة لهم من القنصليات الأجنبية. 3. تم تعديل المنع مرة ثانية عام ١٨٨٧إذ جاء لمصلحة اليهود بأن يبقى الحفاظ على المنع الحالي ومنع قدوم وبقاء المستثنين من ذلك ، وبناء على الأمر العالى فلم يمنع دخول اليهود القادمين كأفراد دون دخول الجماعات من اليهود ،وحددت مدة الإقامة بثلاثة أشهر . وتكررت أوامر المنع مرة ثانية عام ١٨٩٢ وتم التعديل عليها بأن التعليمات الصادرة من الباب العالى تفيد بأن هجرة اليهود بقصد الاستقرار في فلسطين غير مسموح به ، أما الذين يرغبون في زيارة البلاد حجاجا فسوف يسمح لهم بالإقامة لمدة تراوح بين شهر وشهرين ، ثم ينبغي عليهم بعدها مغادرة البلاد . وتكررت الأوامر نفسها ١٨٩٣. 4. صدرت توجيهات من قصر يلدز بلغها رئيس كتاب السلطان إلى الصدر الأعظم تخص اليهود القادمين من روسيا إلى القدس بهدف الزيارة بضرورة توخي الحذر والدقة مع هؤلاء ، لكن دون المنع التام . أن مثل هذا السماح بدخول اليهود إلى القدس أفرادا لا يمكن ألا الغاءً للمنع وتسهيلاً للعائلات اليهودية بالدخول إلى فلسطين والسكن في المكان الذي تريد ، سواء في القدس أو في يافا أو صفد أو طبريا ، أو فى المستعمرات التى كثر بناؤها فى تلك الفترة بمساعدة كبار رجال رأس المال اليهودي الأوروبي ، وعلى رأسهم روتشيلد الذي تعهد بالإشراف على معظم المستعمرات وشراء الأراضي ، وهذا الدعم هو الذي أعطي حرية للهجرة عن طريق تنظيم القوافل المؤلفة من (٢٠ -٢٥٠ ) شخصا من البلدان الأوروبية كافة ، حيث يأتون إلى القدس أفراداً بعد أن ينتشروا لوقت قصير في أطراف الدولة العثمانية . وفي متابعة لتطورات الهجرة نقول : حدث موقف جديد فى عام ١٨٩٦ عندما سعى هرتزل للاتصال بالسلطان عبد الحميد الثاني أوائل أيار /مايو ١٨٩٦ محاولاً إيجاد تفاهم عثماني - يهودي يساعد السلطان بموجبه اليهود فيعطيهم فلسطين مقابل تقديم الدعم المالي للدولة العثمانية والتأثير في الرأي العام الأوروبي ليقف إلى جانب السلطان عبد الحميد الثاني الذي بات مكروهاً وخاصة بعد مذابح الأرمن. لكن السلطان تشبث بموقفة المعارض " ظاهريا " للهجرة اليهودية ، وخصوصاً بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ١٨٩٧م. مع استمرار تدفق المهاجرين اليهود تشكلت في عام ١٨٩٧ لجنة خاصة فى القدس لمحاولة تطبيق قيود الدخول إلى البلاد ، وفي عام ١٨٩٩قدم أعضاء اللجنة تقريراً إلى المجلس الإداري أوضحوا فيه أن قيود الهجرة لعام ١٨٩١ لم تطبق إلا على يهود روسيا ورومانيا والنمسا واليونان فى حين سمح ليهود آخرين بالدخول دون أي عوائق . وفى عام ١٨٩٧ طبقت اللجنة قيود الحظر ، لكن كان بإمكان اليهود الدخول بأستمرار بصفتهم حجاجاً ، وما أن يتم الدخول حتى كان يستحيل ارغامهم على الخروج . واكتشفت اللجنة وجود عدة نقاط يمكن لليهود أن يدخلوا منها فلسطين ، وأن اليهود الموظفين الذين يتقاضون رشي لا يمكن التعرف عليهم ، وأن البحث عن المخالفين لا قيمة له طالما أنه لا يمكن معاقبتهم . وقدمت اللجنة عدة اقتراحات لجعل القيود أكثر فعالية ، ومنها تعزيز قوات البوليس وإيجاد لجان خاصة في كل من يافا والقدس والتسجيل الإجباري لكل المقيمين في البلاد وتقديم مكافأة مالية لمن يبلغ عن اليهود المقيمين بصفة غير فرمانية . نذكر هنا دور ثلاثة من الولاة هم : محمد توفيق بك (١٨٩٧-١٩٠١) ، وأحمد رشيد بك (١٩٠٤ -١٩٠٦) ، وعلى أكرم بك ( ١٩٠٦ - ١٩٠٨) ، الذين كان لهم دور بارز في مقاومة الهجرة والاستعمار الصهيوني للمنطقة ؛ إذ حذروا السلطان عبد الحميد الثاني وعبر مراسلاتهم لإسطنبول مراراً وتكراراً من مخاطر الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ، وطالبوا السلطان بالضغط على القوى العظمى من أجل أن لا تسمح لقناصلها في القدس بالتعاون معهم . لكن لم يكن هناك استجابة لتحذير اتهم هذه ، ما اضطر توفيق بك إلى مراسلة الصدر الأعظم من أجل أزاحت هذه المسؤولية عن أكتافه .كما أن أكرم بك وجد معارضة كبيرة لسياسته في إسطنبول ، فالمشكلة كانت في النظام نفسه الذي كان يعتمد في تقاريره وقراراته على الجواسيس الذين تعارضت مصالحهم مع سياسة أكرم بك وغيره من الولاة . أصدرت الدولة العثمانية تقارير جديدة فى حزيران/ يونيو ١٨٩٨ بمنع اليهود الأجانب من دخول فلسطين دون تمييز بين جنسياتهم مالم يدفعوا تأميناً ، ويقدموا تعهداً بالمغادرة خلال ثلاثين يوماً وسمح لكل يهودي اجنبي يزور فلسطين بالإقامة فيها لمدة ثلاثة أشهر بشرط تسليم جواز سفره ويتسلم بدلاً منه بطاقة حمراء، وعند انتهاء المدة الفرمانية تقوم السلطات المحلية بترحيل اليهودى من البلاد . وفى عام ١٨٩٨ تمكن القناصل الأجانب من تقديم خدمات المئات من اليهود الأمريكان واستطاعت القنصلية إدخال المئات والتغاضي عن تعليمات الدولة العثمانية، كذلك حال اليهود الروس ، إذ دخلوا القدس وسرعان ما أصبحوا رعايا انكليز ، ونلاحظ تكرار الفرمانات ذاتها وعبر التسلسل الزمني الذي اتبعناه . ونلاحظ هنا تزامن إصدار هذه الفرمانات مباشرة من بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي اطلع السلطان عبد الحميد الثاني على قراراته ، حيث أبرق السفير العثماني فى واشنطن ١٨٩٩ إلى السلطان بأن هدف الصهيونية إحياء الدولة الصهيونية في فلسطين وإقامة حكومة مستقلة فيها ، وأن بين يدية نشرة عبرية تبين مطامعهم ، وأن بعض اليهود في الولايات العثمانية مشجعات لهذه الفكرة . وعاود السفير العثماني فى واشنطن مرة أخرى الكتابة إلى سراي يلدز اوائل عام ١٨٨٩حول الأفكار التي تراود اليهود في استيطان فلسطين ، وجاء فى إحدى رسائله أنه على الرغم من أن هذه الأفكار تبدوا مستحيلة لكنهم - اليهود - يستعدون لتنفيذها بجمع النقود وتأمين النفوذ . من هنا نرى أن سفراء عبد الحميد الثاني بلغوه بالتطورات كافة ، وبتطلعات اليهود ومطاعمهم في فلسطين. ونجد أن عبد الحميد يسن الفرمانات ويصدر التعليمات المتلاحقة للسيطرة على الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، إذ أصدر التعليمات عام ١٩٠٠، وجاء فيها أنه لابد للموسويين الذين يذهبون إلى فلسطين لأجل الزيارة أن يحملوا معهم تذكرة مرور - أو جوازسفر - تتضمن صفة وغاية السياحة وتابعية حاملها ، وإيداع جوازات سفرهم لدى موظف الجوازات ، والحصول بالمقابل على تذكرة أو إقامة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر في فلسطين، ويجب أن تكون بلون احمر وشكل متميز ،ويجب تنظيم قائمة بأسماء هؤلاء الزوار ، وإذ ظهرت لاحقا فيها أي مخالفة لأى منهم فيجب اتخاذ إجراءات حازمة ضد المخالفين .
هنا نترك الحكم على هذه التعليقات لتعليق أكرم بك وإلى القدس على نظام البطاقة الحمراء الذي يعطي رأيه بفعالية هذه الورقة التي لم تكن يوما عائقا أمام استقرار اليهود القادمين إلى فلسطين ، بل ( كانت أداة مساعدة ...إذ لم تنفذ في اى وقت ضد أي يهودى هذا الإجراء . لذلك فإن فعالية البطاقة الحمراء قد أمنت دخول اليهود إلى القدس براحة تامة …) فأول ما يدخل اليهودى لا تستطيع الشرطة متابعة وتعقبة لإعادته إلى بلاده ، إذ اعتبرت ركيزة تؤمن لليهود سلامة إقامتهم ، وذلك لأن ٩٠ بالمئة يأتون إلى يافا بجوازات سفر مزيفة . وكان تنفيذ هذا الإجراء يتطلب المتابعة الحثيثة من الأجهزة التنفيذية المدنية والعسكرية في المتصرفية وعدم إتاحة المجال لموظفيها بتلقي الرشوة ، وتشديد الرقابة على الحدود البرية والبحرية للحيلولة دون تسلل المهاجرين بطريقة غير شرعية . غير أن ارتفاع عدد المستوطنين بشكل لافت للنظر يبين ان الورقة الحمراء لم تضع حداً لتيار الهجرة . فعندما حاول رؤوف باشا إحصاء سكان القدس بهدف ضبط عدد المستوطنين أحصي ٤٣٠٠٠ مستوطن من أصل ٥٥٠٠٠، وقد عقب على هذا الأمر مراسل البشير عام ١٨٩١ قائلاً ( لو سألت اليوم أحد رؤسائهم الدينيين عن عدد أهل ملته لأجابك أنهم خمسة عشر أو عشرين الفاً في الكثير مع اني اعلم العلم اليقين أنهم لا يقلون عن الثمانين ألفا) . كما أصدر الإدارة السنية في ١٥ تشرين الأول/أكتوبر عام ١٩٠٠لمنع الإقامة الدائمة لليهود في فلسطين ومنع الهجرة الجماعية إلى أراضي الدولة العثمانية ومنع استملاك اليهود للأراضي في فلسطين . وأصدر إرادة سنية ثانية عام ١٩٠٢حينما علم بتراخي الموظفين في تطبيق الأمر ، ومما جاء فيه : ( كنا شددنا على منع دخول الإسرائيليين إلى أرض فلسطين ولكن الموظفين تراخوا في تطبيق الأمر . أن مأموري الدولة مسؤولون عن تطبيق الأمر وحتى اليهود من أتباع الدولة لا يجوز لهم بالإقامة الدائمة … أن هذه الأمور لا تمانع في زيارة اليهود للأراضي المقدسة منفردين كانوا أو جماعات ولكنها لا تسمح بإقامتهم الدائمة .
لكن كالمعتاد احتج الصهاينة ودافعوا بعض الحكومات الأوروبية إلى الاحتجاج لدى السلطان ومنهم السفير الإيطالي والأمريكي والانكليزي .فكان أن تمثل رد الباب العالى عام ١٩٠١ ولكي يخفف السلطان عن وطأة هذه الاحتجاجات وافق على أن يقابل هرتزل عام ١٩٠١، وأن يسمح لليهود بالدخول من كل الجنسيات . كما تمتع اليهود العثمانيون والأجانب منذ العام ١٩٠١ بالحقوق التي يتمتع بها الرعايا العثمانيون ، ولهذا أصبح بأمكانهم شراء الأراضي الميري والبناء عليها ، وبشكل فرماني ، حتى اليهود الذين لم يكن لهم حق الإقامة في فلسطين ودخلوا بشكل غير فرماني تم تجاهلهم وتمت معاملتهم كبقية المواطنين العثمانيين . ونلحظ أن جميع هذه التسهيلات تمت بعد زيارة هرتزل لإسطنبول في فترة لاحقة . في الوقت نفسه تزايدت إجراءات اضطهاد اليهود في روسيا منذ عام ١٩٠٥ وازداد توجه اليهود ورغبتهم فى الهجرة إلى فلسطين وتجاهل اليهود الأمر القاضي بحمل جواز السفر أو ما يعادله - الذي يحدد الهدف من الزيارة - ومدة الإقامة المحددة ، هو ما سهل عليهم دخول البلاد ، إذ كانت الوثيقة ضماناً لدخول البلاد في الوقت الذي ثبت فيه استحالة طردهم ، واستمر الحال على ما هو عليه إلى نهاية حكم السلطان عبد الحميد الثاني ١٩٠٨. نختم بالقول إن تأكيد الصهاينة المستمر إمكان التقلب على فرمانات الدولة العثمانية يعد دليلاً على فشل سياسة الدولة العثمانية فى الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، فهذا وايزمن يصرح في المؤتمر الصهيوني الثاني ١٩٠٧ ( أنا أعلم أنه يوجد بينكم من يتحدث عن الدولة العثمانية وعن فرماناتها التي تحظر علينا كذا وكيت من أعمال فلسطين، أما أنا فأرفض هذا الهذيان واؤكد أن العزيمة والإصرار يتغلبان على الأتراك وعلى فرماناتهم، وهناك شيء آخر تتحدثون عن وعد تنالونه من دولة كبرى يبيح لكم العمل في فلسطين وأنا أؤكد لكم أن ألف وعد كهذا لا يفيد إن لم نعمل نحن أولاً في فلسطين ونقوم بالأعمال التي من شأنها أن تحول فلسطين إلى وطن عملي لليهود ) . كان هذا العرض التاريخي المجمل ،الذي راعينا فيه التسلسل الزمني لإصدار القرارات السنية التى تمنع الهجرة ، وبالمقابل إصدار القرارات التي تناقضها مباشرة حريصا على بيان مدى نجاح سياسة عبد الحميد ومدى إخفاقها في ما يتصل بالحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثالثا : النتائج المترتبة على الهجرة اليهودية إلى وانعكاساتها فلسطين
نرى مما تقدم أن السلطان عبد الحميد الثاني قد حاول منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ( نظريا ) وذلك عبر الفرمانات والتعليمات التي أصدرها . لكن يبقى السؤال : هل كانت هذه الإجراءات ناجحة تماما ؟ وهل تمكن من وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ؟ والسؤال الاهم : هل كانت الفرمانات التى أصدرها بروحها مطابقة لشكلها ، الم تتميز بالمرونة ؟ لماذا كل هذا التغير بهذه التعليمات ؟ ومن بعدُ : هل يحق لنا أن نصور السلطان عبد الحميد الثاني بصورة المدافع عن فلسطين ، الاتحاديين بصورة عملاء الصهيونية ؟ نجيب عن هذه الأسئلة بعد قراءة في النتائج التي ترتبت على الهجرة اليهودية إلى فلسطين والأسباب التي أدت إلى فشل السياسة العثمانية تجاه الهجرة اليهودية خلال حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، حيث تبين لنا ما يلى: ١.فشلت سياسة السلطان عبد الحميد الثاني في منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بصورة لا يمكن علاجها على عكس ما يذهب إليه الكثيرون ، الذين يصورون السلطان عبد الحميد الثاني بصورة المدافع عن فلسطين . فقد ازدادت أعداد اليهود في فلسطين في عام ١٩٠٨ إلى٨٠الفاً ، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه عددهم عام ١٨٨٢، وقد بدأت إجراءات الحظر حين كانت إعداد اليهود لا تتجاوز ٢٤ الفاً ، بمعني أن ٥٠ الفاً كانوا من المستوطنين الجدد ، وهكذا ازدادت نسبة اليهود من ٥ بالمئة من مجموع السكان ( كان عدد سكان فلسطين عام ١٨٨٢ يصل إلى حوالى نصف المليون ) إلى ما يزيد على ١١ بالمئة ( ٨٠ ألفا من مجموع السكان الذي وصل في ١٩٠٨ الى حوالى ٧٠٠,٠٠٠).ونؤكد هنا سير الهجرة اليهودية إلى فلسطين في خط بيانى مألوف ، إذ تشتد في بعض السنين ثم تتضائل في أخري ، وذلك لتوفير الاستقرار للقادمين من ناحية و لإقناع السلطات المعارضة أن الهجرة ليست مستمرة بشكل مبرمج . ٢- تمكين كثير من اليهود من دخول فلسطين والاستيطان فيها وتأسيس أكثرمن ثمانٍ وستين مستعمرة تحت سمع السلطات العثمانية وبصرها . ٣- بحلول عام ١٩٠٨لم يعد اليهود يتمركزون في القدس والخليل وصفد وطبريا ، إنما في يافا وحيفا وغيرها من المدن الفلسطينية، وتمتعوا بالمزايا التى تضمنتها الامتيازات الأجنبية وعملوا على رفع مستوى المعيشة في المدن الفلسطينية اقتصادياً واجتماعياً ، وارتفعت أسعار الأراضي والبناء ، وكل حوائج الحياة ،وعملوا على تأسيس المدارس الزراعية والصناعية، ومن ثم عملوا على أساس الوجود اليهودى في البلاد. ٤- شكلت موجات الهجرة اليهودية الأولى الي فلسطين القاعدة المادية أو البنية التحتية لإنشاء الكيان الإسرائيلي لاحقاً ، إذ أدت الى إدخال مزيد من رؤوس الأموال اليهودية ، وبالتالي إلى توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي للحركة الصهيونية ، ومكانها من السيطرة على الأرض في فلسطين وزيادة حجم استثماراتها الاقتصادية . بعد عرض النتائج التى ترتبت على الهجرة اليهودية إلى فلسطين نوضح الأسباب التي أدت إلى فشل سياسة عبد الحميد الثاني في منع الهجرة. فالحكومة المركزية في إسطنبول والسلطات المحلية في فلسطين على أمرها الأسباب التالية : أولاً ، تدخلات ونفوذ السفراء الأجانب في الاستانة والقناصل الأجانب في القدس وبيروت الذين تمسكوا بالامتيازات الأجنبية ، فأصبح القنصل والمواطنون الأجانب الخاضعون له يشكلون دولة مستقلة بحد ذاتها. واعاقت احتجاجاتهم تنفيذ قيود الهجرة ضد اليهود ، فعبد الحميد الثاني لم يكن على درجة عالية من القوة المادية والأدبية في المجال الدولى بحيث يتسني له وقف الهجرة وقفاً تاماً. وكان نتيجة هذا التدخل أن بدأت السياسة العثمانية في التهرب من قيود الدخول ، فقد أوضح السفراء في إسطنبول للباب العالي أن حقوق رعاياهم في السفر داخل البلاد العثمانية تؤمنها الامتيازات الأجنبية ، لذلك فإن أي تنظيمات معادية للصهيونية تعتبر لاغية وباطلة من تلقاء نفسها ؛ إذ كانت هذه التنظيمات تخص أشخاصاً يتمتعون بحمايتهم ، ولم يكتفِ ممثلوا الدول العظمي بمنع طرد اليهود الذين لا يمتلكون مستندات صحيحة بل أمدوهم بمنافذ للتهرب تمكنهم دخول فلسطين ، وبعد أن ارهبوا الأتراك أجبرت الدولة العظمي الحكومة العثمانية على تقديم امتياز خاص لليهود فحواه أن قيود الدخول سوف تنطبق فقط على اليهود الذين يأتون إلى فلسطين فى جماعات قيوداً محددة ، أما الذين يصلون مع عائلاتهم فقط فلا ينطبق عليهم ذلك ، وبهذا أصبح في مقدور اليهود الأجانب أن يدخلوا فلسطين بسهولة .
أن جهود الدول العظمي في تسهيل وتأمين هجرة اليهود الأجانب يمثلها قول لاكرم بك والي القدس : ( إذ عزمت المتصرفية على أن تعيده إلى وطنه … وإذ بذلنا جهدا من قبل المتصرفية لإخراج ولو يهودي واحد من يهود الروس فستدخل السفارة الروسية في الأستانة في الموضوع بمثابرة كبيرة ستعمل من ذلك قضية مهمة وخطيرة) . ثانيا ، فساد الجهاز الإداري في متصرفية القدس وولاية بيروت الذي كان يصدر تعليمات متناقضة بهذا الشأن من حين الى آخر ، واستمرار اليهود في استخدام سلاح الرشوة مع الموظفين العثمانيين وهو ما كان سبباً في تمكين المهاجرين اليهود الى فلسطين من شراء الأراضي وتعميق نفوذهم فيها. ثالثا :محاولات اليهود المستمرة للتملص من القيود المفروضة عليهم بالتحايل عليها سواء كان ذلك بالحصول على الجنسية البريطانية أو الأمريكية ، بعد التخلي عن الجنسية الروسية ام بالنزول على موانئ اخرى على الشاطئ السوري ثم التسلل براً الى فلسطين . رابعا ،حصول الدول الأوروبية في عام ١٨٨٨على امتياز يسمح لليهود بالإقامة في فلسطين افراديا وليس جماعياً ، وعدم التأكد من هوية مشتري الأراضي، وهما أمران ساعدا بشدة على انهيار جميع القرارات والقيود التي فرضت على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. خامسا ، أوضح هرتزل في كتابه دولة اليهود الصادر ١٨٩٦ مبادئ الحركة الصهيونية ، وزار اسطنبول ، وفاوض عبد الحميد الثاني بشأن فلسطين، لكن السلطان رفض بالرغم من أن بعض الوزراء كان أكثر تجاوباً ، ومع ذلك منح السلطان عبد الحميد الثاني وساما لهرتزل وطلب إليه تدبير قرض أوروبي بقيمة ٢,٠٠٠,٠٠٠ TF .وأن كان هرتزل لم يحصل على مطلبة بشكل مباشر فإن عبد الحميد لم يتخذ (بصورة فعالة) اي إجراء صارم لإيقاف هجرة اليهود وتملكهم الأراضي في فلسطين.
واستمر هرتزل في مساعيه إلى أن قابل عبد الحميد الثاني عام ١٩٠١ وبالرغم أنه لم يحصل على نتائج إيجابية فإنه فتح الباب للمناقشة وضمن عدم إتخاذ إجراء سلبي ضد هجرة اليهود . سادسا، صدرت قرارات عثمانية لمنع الهجرة شكلاً ولكنها أتت مبهمة قصداً ،وكانت النتيجة تسرب المهاجرين بأعداد أكبر،وتملكهم الأراضي بشكل أوسع، فالتعليمات والفرمانات غير واضحة - كما بينا سابقا - ومفتوحة للتلاعب . سابعا، الفرق الكبير بين الفرمان العثماني والممارسات على أرض الواقع ، فالمسافة كبيرة ما بين النظري والتطبيقي ، ومهما كانت الفرمانات كان يمكن الالتفاف حولها ، وكل ذلك بفعل تأثير أغنياء الصهاينة في إسطنبول وسورية. ثامناً ،مضت الحركة الصهيونية بوضع خططها لغزو فلسطين مالياً وبشرياً ،لتنفيذها في أرجاء فلسطين ، وذلك بأنشاء أجهزة تتولى عمليات شراء الأراضي العربية وتمويل عملاء الشراء ، وتوزيع الأراضي على فقراء المهاجرين ابتغاء زيادة كثافة السكان اليهود ، وإقامة مشروعات صناعية وتجارية ، وإنشاء أجهزة التحكم المحلي والإدارة المحلية ، وقيام مؤسسات تعليمية وثقافية ،من انتشار الصبغة اليهودية وصولاً إلى تأسيس الدولة . تاسعا : تمثل الموقف العثماني الرسمي طوال السنوات الممتدة من ١٨٨١ إلى ١٩٠١بالترحيب بقدوم المهاجرين اليهود الى جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية ما عدا فلسطين ، حيث يحظر الاستيطان في الأراضي الواقعة داخل حدودها والسماح باستيطان جماعات صغيرة شرط أن يتخلى المهاجرون عن جنسياتهم الأجنبية ويتحولوا إلى رعايا عثمانيين ويحجموا عن السعي وراء امتيازات خاصة ويكتفوا بالبقاء ضمن حدود والفرمانات السارية المفعول داخل الدولة العثمانية .
وهكذا كانت التعليمات الصادرة إلى متصرف القدس عشية إبحار المهاجرين اليهود صوب فلسطين تقضي ببذل الجهود للحؤول دون دخول الواصلين من روسيا وأوروبا الشرقية إليها ، غير أن المهاجرين اليهود رفضوا التقيد بقرارات الحكومة العثمانية واحتموا خلف حجة تعارض هذه الإجراءات مع الامتيازات الأجنبية . وتابعت الدولة العثمانية إصدار التعليمات وتحديد الزيارة بثلاثين يوما فتابعت الدول الأوروبية احتجاجها على القيود المفروضة ، فما كان من الباب العالى الا ان اقدم على تنازل أسمي بتمديد فترة الأقامة إلى ثلاثة أشهر وإبلاغ المستفسرين أن مفعول القيود يسري على اليهود المهاجرين إلى فلسطين بصورة جماعية فقط . ونختم بالقول إن نقطة الضعف التى تسجلها هذه الدراسة على السلطان عبد الحميد الثاني تجاه المسألة الفلسطينية أنه أصدر فرمانات جزئية لمصلحة بعض اليهود ، وأذن لهم في بمقتضاها في شراء بعض مساحات محدودة من الأراضي الفلسطينية . وقد استغل اليهود هذه الفرمانات فأقاموا عدة مستعمرات أشرفت عليها أجهزتهم المالية والفنية لتمويل الهجرة اليهودية وتأسيس المستعمرات فيها وإصلاح أراضيها واستغلالها اقتصادياً . وليس في حنكة المؤرخ أو الباحث المحايد ان يجد تفسيراً أو تبريراً لموفقة السلطان على إصدار هذه الفرمانات الجزئية بحجة تعرض السلطان لضغوط دول أوروبية كبرى لم يقوّ على الوقوف فى وجهها ، إذ أن هذه الفرمانات كانت سندا قوياً في يد الصهيونية للتوسع في شراء مزيد من الأراضي الفلسطينية وفتح باب الهجرة سواء بطرق مشروعة او غير مشروعة. كما لا يمكن القول أن عبد الحميد الثاني لم يكن يتوقع أن موافقته على بيع أرض محدودة في فلسطين لليهود ،تكون بداية لتهويد فلسطين، فإن هذا التفسير يبعد من السلطان صفات السياسي الحصيف المحنك بعيد النظر ،وقد أجمع جمهرة من المؤرخين على أنه كان على حظ موفور من هذه السجايا . كانت هذه النسبة العددية الضئيلة لليهود ثمرة من ثمار سياسة عبد الحميد الثاني.
مجمل القول أن السياسة العثمانية بمحاولاتها المتكررة في منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين قد تعالت مع هذه المشكلة، لكنها لم تستطع النجاح بها ، ونجحت فقط في الحد منها والحفاظ على عروبة فلسطين. ودلالة على فشل السياسة العثمانية في السيطرة على الهجرة الصهيونية إلى فلسطين يقول وايزمان في مذكراته، : ( كنا نعلم أن أبواب فلسطين مغلقة أمامنا، وكنا نعرف بأن أي يهودي يريد دخول فلسطين كان عليه أن يحمل بطاقة حمراء ،وإلا كان يطرد من قبل السلطات العثمانية ، وكنا نعرف أن الفرمان العثماني يحظر على اليهود شراء الأراضي ، ولربما لو حاولنا أن نكون نظاميين لرعبنا ، ولكننا استطعنا العبور إلى فلسطين و بصورة منتظمة ومستمرة في جنح الظلام ، وعليه نرى أن اليهود قد استقروا في فلسطين ولم يطردوا وقاموا بشراء الأراضي والبناء عليها ).
الفصل الثاني
موقف عبد الحميد الثاني من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
يعالج هذا الفصل بدايات الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين وموقف السلطان عبد الحميد الثاني منه ، ويتخلص الهدف منه في إعادة قراءة النتائج المتعلقة بموقف السلطان عبد الحميد الثاني من عملية الاستيطان ، وأن كان لنا أن نعمل على تبرئة تماما من المسؤولية الملقاة على عاتقه بوصفه حامياً للديار المقدسة أم لا . وهل فعلا يستحق كل هذا الثناء والتقدير لموقفه من الحركة الصهيونية ؟ وهل فعلاً يستحق كل هذا الذم الذي ناله من المؤرخين ، سواء المعاصرين ام اللاحقين، له ؟ وهل تكفي الفرمانات الصادرة بخط يد لمنع الهجرة والاستيطان واعتبارها دليلاً على براءته ؟ أم لنا أن نقرأ بنتيجة ما آل إليه الوضع في فلسطين أثناء حكم عبد الحميد الثاني ؟ وقد تم عرض الموضوع في ثلاثة محاور أساسية حيث أفرد المحور الأول للحديث عن المستعمرات الاستيطانية الصهيونية، وتناول المحور الثاني أدوات الاستعمار الاستيطاني التي نشأت على أرض فلسطين أثناء حكم السلطان عبد الحميد الثاني ، وخصص المحور الثالث للحديث عن النتائج التى ترتبت على حركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين.
اولاً : المستعمرات الاستيطانية الصهيونية
يتفق معظم المؤرخين اليهود والعرب على أن بداية الا الاستعمار الصهيوني الفعلي على أرض فلسطين كانت عام ١٨٨٢ ، وقد بدأ خارج نطاق المدن الأربع التى سكنتها الأقلية اليهودية تقليدياً في فلسطين على الأقل منذ سنة ١٨٧٨، وهي صفد والخليل والقدس وطبريا، حيث شكلوا حارات خاصة بهم في هذه المدن التي كانت أبوابها مفتوحة أمام السكان من الطوائف كافة ، اندمجوا في البنى الاجتماعية والاقتصادية القائمة وبقي اليهود يشكلون أقلية بين سكان فلسطين قبل البدء بتهجيرهم من أوروبا الشرقية والغربية في مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر ،وقد اعتاد الباحثون الصهاينة أن يستعملوا مصطلح الاستيطان القديم ( البيشوف القديم) الذي تمت إقامته منذ وصول بعض يهود إسبانيا بعد طردهم عام ١٤٩٢م إلى فلسطين والذين اعتاشوا من المساعدات وأموال الصدقات ، واستخدام مصطلح الاستيطان الجديد منذ وصول مجموعات المهجرين من يهود أوروبا الاشكناز إلى فلسطين عام ١٨٨٢ . فقد بدأ الاستعمار الصهيوني في فلسطين على أسس استهدفت تحويل فلسطين إلى وطن يهودي وتمثلت بامتلاك الأراضي وإنشاء المستعمرات عليها وإحياء اللغة والثقافة العربيتين . وقد مرت حركة الاستعمار الصهيوني في فلسطين- فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني - بمرحلتين هما : ١- مرحلة الاستيطان غير المنظم وهي تنتهي بعام ١٩٠٠ التي امتازت بسيطرة مشاريع الاستيطان الفردية وتمثلت بالجهود والمساعي التي بذلها بعض المتحمسين من اليهود، واتخذت طابعاً خيرياً . ولم تكن هذه الجهود منظمة ، حيث لم يربط بينهم سوى العطف على اليهود . ٢- مرحلة الاستيطان المنظم وتبدأ بعام ١٩٠٠، إذ به أخذ اليهود الصهاينة ببرنامج استعماري استيطاني منظم له أهدافه السياسية الواضحة التي تحظى بتأييد جماهير اليهود ،وتم إيجاد الأجهزة والأدوات لدعم عملية الاستعمار . واتخذ الاستيطان أشكالاً متعددة،منها : أ - الاستيطان المدني ، وإقامة الأحياء اليهودية في المدن الكبرى . ب - الاستيطان الزراعي ، وإقامة المستعمرات الزراعية . ونتحدث عن بعض المشاريع الاستعمارية المستعمرات التي تأسست في المرحلة الأولى للاستعمار الصهيوني في فلسطين، إذ امتازت هذه المرحلة بسيطرة مشاريع الاستيطان الفردية التي تمثلت بالجهود التي بذلها بعض المتحمسين من اليهود ، واتخذت الطابع الخيري من خلال مساعدة فقراء اليهود عبر العالم واجبهم للعيش علي أرض فلسطين لكنها شكلت نواة أساسية لحركة الاستعمار الاستيطاني في ما بعد ، ومن أشهرها : ١- مشروع منتفيوري تقدم منتفيوري ( sir moses montefiore ) بمشروع لتوطين اليهود في فلسطين أثناء الحكم المصري لبلاد الشام (١٨٣١-١٨٤٠) لكن محمد علي لم يوافق على المشروع ، وعندما عادت بلاد الشام إلى الحكم العثماني جدد منتفيوري جهوده وزار الاستانة وحصل على فرمان من السلطان عبد المجيد عام ١٨٥٦يمكنة من شراء أراضي بالقرب من القدس ويافا ، فأنشأ فيها البساتين ، واسكنها عائلات قليلة من المستوطنين اليهود . لكن مشروع منتفيوري لم يلق نجاحاً على الرغم من اهتمامه به وزيارة لفلسطين أكثر من سبع مرات ، حيث أبقت السلطات العثمانية مشروعة مجمداً . ٢- مشروع لورنس أوليفانت تعتمد مشروع لورنس أوليفانت كما وصفه في كتابه أرض جلعاد على فصل منطقة البلقاء عن نابلس ليستطيع اليهود من رعايا السلطان استغلال أراضي البلقاء بواسطة الأموال والخيرات والصناعات التى يمتلكها اليهود المهاجرين وتقوم الدولة العثمانية بدورها ببيع الأراضي الأميرية هنالك لليهود وتأخذ الضرائب عنهم في كل عام .
وكان لورنس يرى أن العمل على تطوير إقليم أو مقاطعة بعينها هو لفائدة الدولة العثمانية، حيث سيزيد إيرادات الإمبراطورية ، ويطور سكانها من دون أن يؤثر في حقوق السلطان ( العثماني عبد الحميد الثاني) ، الذي رفض المشروع ،إذ خشي أن تلعب إنكلترا بالورقة اليهودية ضد السلطنة تمهيدا للسيطرة على فلسطين، ولأنه قد يفتح باباً جديداً للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية من خلال تقديم العون والحماية إلى أقلية غير مسلمة ، وهكذا تنشأ مشكلة قومية جديدة يتعذر حلها الا بالانفصال عن الدولة العثمانية.
٣ - مستعمرة مكيفة إسرائيل أو ينبوع إسرائيل تأسست مستعمرة مكيفة إسرائيل (mikveh Israel ) سنة ١٨٧٠ وتعني بالعبرية امل إسرائيل ، وهي عبارة عن مدرسة زراعية بالقرب من يافا هدفها تعليم الفلاحة والزراعة لأبناء المستعمرات وتقديم التسهيلات لهم . نمت هذه المستعمرة وشغلت مساحة حوالى ٣٢١٠ دونمات وعرفت لدى عرب فلسطين بمستعمرة نيتر نسبة إلى مؤسسات تشارلز نيتر ( charles- Yitzhak Netter ) .
وتزامنت هذه الحركة مع بداية تأسيس الجمعيات اليهودية في أوروبا ومنها الاتحاد اليهودي والعالمي (١٨٦٠) والاتحاد اليهودي الإنكليزي (١٨٧١) وجمعية أحباء صهيون،وتنافست في ما بينها لجميع الأموال اللازمة من أثرياء اليهود لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين عن طريق تأسيس المستعمرات والمدارس الصناعية والزراعية ، لكن الدعم الأقوى جاء من البارون إدموند دي روتشيلد ومن المستعمرات التي تأسست في فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني ونذكر منها:
أ- مستعمرة بتاح تكفا
تعنى بتاح تكفا (petah Tikva ) بالعبرية باب الأمل وتعرف باسم أم (المستعمرات) ومعناها باب الرجاء ، تأسست عام ١٨٧٨ على يد جماعة من يهود روسيا إلى الشمال من مدينة يافا وعلى جزء من أراضي القرية العربية ( ملبس ) ومساحتها ٣٤٨٠ دونما . ونشطت بفضل التبرعات المالية التي قدمتها إليها جمعية أحباء صهيون في روسيا . ومن ثم اشتراها البارون روتشيلد وتم إعادة إحيائها سنة ١٨٨٣. تزامن ذلك مع محاولات السلطات العثمانية وقف أعمال البناء الجديد نظراً إلى القيود التى فرضت آنذاك
علي دخول اليهود إلى فلسطين ، لكن تدخل القناصل الأجانب حمل السلطات العثمانية على التراجع . وقد كان لبتاح كفا دور مهم في بلورة مفاهيم عديدة داخل الكيان الصهيوني في فلسطين ، إذ أصبحت محطة مرور لأبناء الهجرة الثانية الصهيونية بين عامي ١٩٠٤و ١٩١٤ . وعلى خلفية العلاقات بين الفلاحين العرب الذين كانوا يعملون في الأرض والمهاجرين الذين كانوا إليها وضع زعماء الجناح العمالي الصهيوني كثيراً من نظرياتهم ومبادئهم بشأن بناء دولتهم في فلسطين ، ومن ضمنها أسس العمل العبري التي لاتزال حية إلى يومنا هذا.
وفي إشارة أخرى ، فقد قام اليهود الروس بشراء ٢٦٠٠دونم من الأرض التي كانت قد عرضتها الحكومة العثمانية للبيع عام ١٨٨٣ ، وذلك لعجز الفلاحين العرب عن تسديد الضرائب ، فقاموا بشرائها و أضافوها إلى أراضي المستعمرة الأصل.
ب- مستعمرة ريشون ليتصيون
أنشئت ريشون ليتصيون او "الاول لصهيون " ( Rishon Le- Zion) في قرية عيون القرى أو عيون قارة عام ١٨٨٢ على مساحة ٣٢٠٠ دونم جنوب شرق يافا ، سكنها ست عائلات يهودية روسية . حيث اشتروها في المزاد العلني الذي عرضته الحكومة العثمانية لعجز أهلها عن تسديد الضرائب المترتبة عليهم ، لكن والي القدس عارض بيع الأراضي وتسجيلها بأسم مواطنين اجانب ، وتدخل نائب القنصل البريطاني في يافا الحاخام (حاييم أمزيليغ ) وتمكن من شراء الأراضي و تحويلها لاحقا إلى المهاجرين اليهود . ومن الخطوات التي اتبعت من أجل تجاوز أي عقبات بشأن نقل ملكية الأرض كانت تتم بنقل الأرض بأسم مواطن عثماني أو تحصيل ترخيص لبناء مزرعة إذ بالإمكان تحصيلها بسهولة من السلطات المحلية. وكان من أبرز الذين أسسوا المستعمرة زلمان ليفونتين وهو من نشطاء جمعية أحباء صهيون ، الذي أعجب بخصوبة الأرض ، والتحقت عائلات أخري من حركة البيلو (Bilu ) بالعائلات الروسية الست وعاشوا حياة مشتركة ، ووضعوا فرماناً مشتركاً لتيسير شؤون الحياة في المستعمرة . ج- مستعمرة روش بينا (رأس الزاوية ) تقع مستعمرة روش بينا ( Rosh pinna) على بعد ساعة من صفد بأتجاه الشمال الشرقي وقد أسستها جمعيات استيطان فلسطين "موتيست في رومانيكا " عام ١٨٨٢ بمساعدة اللجنة المركزية لأحباء صهيون في رومانيا على أرض مساحتها ٢٧٠٠ دونم واستوطنتها ٥٠ عائلة يهودية من رومانيا . استمرت المستعمرة بمساعدة روتشيلد المالية ، وذلك بناء على استرحام قدمه سكان المستعمرة لروتشيلد ، فاستجاب لطلبهم ، وقدم دعماً مقدره١٠ فرنكات لكل شخص ، وزاد مساحة أراضيها بشرائه ٣٧٠٠ من أفندية صفد .
د- مستعمرة زحرون يعقوب ( زمارين ) أنشئت عام ١٨٨٢ على لسان صخري مرتفع على احد قرون جبل الكرمل من أعمال حيفا، وقد اشترت جمعية أحباء صهيون الأرض البالغة مساحتها ٦٠٠٠ دونم واستوطن فيها ٤٠ عائلة قادمة من رومانيا ، وتابعت أعمالها ونشاطاتها في الزراعة بدعم البارون هيرش الذي أطلق عليها اسم أبيه " زخرون يعقوب" ( Zikhron Yaakov) . وقد امر البارون روتشيلد بإقامة مصنع للنبيذ وآخر للبراميل وخمارة كبيرة ، وثالثاً للزجاج، وبني فيها كنيسا فخماً وأكثر من مدرسة ومستشفى وصيدلية . وفي عام ١٨٨٩ تم تحويل ضاحيتين تابعتين المستعمرة هما " يات تلوموا" و" مئير شافية" إلى مستوطنتين مستقلتين . وشكلت المستعمرات السابقة الذكر نواة الاستعمار الصهيوني في فلسطين، إذ أدت دوراً أساسياً في تدريب المزارعين اليهود على الزراعة وفق الأساليب الحديثة . ه- مستعمرة عكرون ( عاقر) تعني بالعربية تذكار بيت الله ، أسسها روتشيلد عام ١٨٨٣ إلى الجنوب من مدينة الرملة،قامت على أرض مساحتها ٤٩٠٠دونم وسكنتها١٧ عائلة روسية . عملت في الزراعة ، وذلك لحساب روتشيلد بسعر ٧٠,٠٠٠ الف فرنك ، وتم تغير اسمها من عكرون الي " مزكيرت باتيه " أو " مسكرة باتيا" (Mazkkeret-Batya ) اسم والدة روتشيلد عرفاناً بالجميل له . وسجلت الأرض بإسم ميكايل إرلانغو (Michael Erlangew ) رئيس جمعية أحباء صهيون في باريس . زرع فيها أشجار متنوعة من الزيتون والمشمش واللوز والتوت لاستخراج الحرير . و- مستعمرة يسود همعلاة ( أساس الصمود)
أسس مجموعة من يهود بولونيا مستعمرة بالقرب من بحيرة الحولة على أرض مساحتها ٢٥٠٠ دونم سموها يسود همعلاة أو " أساس الصمود " (Yesudha-Maala ) عام ١٨٨٣ . وقد استملكت بواسطة " يعقوب عبو" يهودي من صفد، ومن ثم نشطت بدعم من روتشيلد. أما بقية المستعمرات الزراعية التي أنشئت من أجل الإعلان عن الجمعية الصهيونية فقد تم اختيارها على أن تكون قريبة من الساحل ، والباقية قريبة من منابع نهر الأردن وحول بحيرة طبريا والحولة، ومنها : ز- مستعمرة مش تصورنا(راية صهيون) أنشئت مستعمرة نس تصيونا ( Ness Tsiyona) أو " راية صهيون " ، على أراضي وادي حنين عام ١٨٨٣ وكانت استملكها أحد المهاجرين اليهود بمبادلتها مع مالكها الألماني لقاء مساحة مماثلة من الارض٥فب أوريا بروسيا .سكن فيها حوالي ٢٦ عائلة من أصل روسي، وأصبحوا في ما بعد مواطنين عثمانيين. تراوح مساحتها بين ١٣٥٠ و١٨٠٠دونم .أصبحت منذ عام ١٩٠٠ تابعة لجمعية الاستيطان اليهودي (يكا ) ؛ وزرعت الأشجار العنب والبرتقال.
ح- مستعمرة غدير ( فكرة يهود ) أقيمت عام ١٨٨٤ مستعمرة غدير " قطرة يهود " ( Gedera) ، وتعني " فطيرة الغنم" ،على أراضي القرية العربية (قطرة) لحساب حركة أحباء صهيون علي مساحة مقدارها ٣٠٠٠ دونم .كانت ملكاً لإبن نائب قنصل فرنسا في يافا إميل يوسف فيليت وسكنها المهاجرون من أبناء البيلوييم ، وقد اتخذت مركزاً الأبحاث الزراعية لتدريب اليهود المهاجرين على أعمال الفلاحة. تركزت زراعتها على كروم الفاكهة والعنب وتم بناء مصنع الكحول وانشاء مطحون هوائية القمح فيها مدرسة وصيدلية. وبذلك وصل عدد المستعمرات التي أسسها اليهود الصهاينة في الفترة من ١٨٨٢ إلى ثمانٍ، شكلت نواة النشاط الصهيوني داخل فلسطين أي أن الاستعمار الاستيطاني الفعلي على أرض فلسطين بدأ في ظل حكم السلطان عبد الحميد الثاني. كما أن المرحلة التي تأسست فيها هذه المستعمرات تزامنت مع بدء إصدار فرمانات منع الهجرة والاستيطان. فكيف نشأت هذه المستعمرات بهذه الفترة الزمنية القصيرة وما دور فرمانات في ذلك؟ وفي السنوات العشرة الأخيرة من القرن التاسع عشر تم تأسيس كثير من المستعمرات في وقت شددت فيه الدولة العثمانية من إجراءاتها لمنع دخول اليهود الأجانب، وذلك بعد موقف الأهالي المعارض الذي عبروا عنه من خلال مخاطبة الدولة في اسطنبول بعرائض موقعة من جميع فئات المجتمع مطالبين بمنع قدوم اليهود ومنع شراء الأراضي بخاصة في القدس. وفي الوقت نفسه حاول قناصل الدول الأجنبية ممارسة ضغوطهم على الدولة العثمانية فلم تستجيب لكامل طلباتهم ، لكن المفارقة- ومن المستغرب - أن الدولة العثمانية قد اعترفت بوجود المستعمرات التي أسست قبل إعلان المنع (وهو ما سمح للبارون روتشيلد تسجيل الأراضي التي اشتراها باسمة ) سمحت لليهود بشراء الأراضي في كل أنحاء سورية . ويذكر أن روتشيلد حين زار فلسطين عام ١٨٨٧ قضى معظم وقته في مشاريع خارج المستعمرات، منها تأسيس المدارس، وتأمين الأراضي للمستشفيات في صفد ،ومنها مستشفى " عزرا ناشيم " ( Ezzat Nashim ) في القدس و" سينوغوغيو" (Synogogue ) في رام الله، وتأسيس مراكز توفير فرص عمل لليهود في مستعمراته.
ومن المستعمرات التي أسست في تلك الفترة: ● مستعمرة بئر طوبا(Be'er Tuviya ) : أسست عام ١٨٨٦على أرض مساحتها ٦٣٠٠دونم من أراضي قرية القسطينة التابعة لقضاء غزة ؛ من أجل توطين مجموعة من يهود صربيا الذين جاؤوا للاستيطان على أرض البارون بشروط خاصة ، وزرع فيها القمح والسمسم . ● مستعمرة رحبوت ( Rehovot) : تعني " الأماكن الرحبة " أسستها شركة روسية يهودية عام ١٨٩٠ على أرض مساحتها ١٦٠٠دونم في قرية ديران الواقعة جنوب غرب الرملة،وعاش فيها ٦٤ عائلة وتلقت الدعم المادي من شركة "يكا" .غير أن الدولة العثمانية لم تسمح ببناء البيوت فيها إلا بعد عام ١٨٩٤،وهو ما أدى إلى اتساعها وزيادة عدد سكانها. وقد أعطت هذه المستعمرة انطباعاً جيداً بسبب العشرات من كروم العنب والليمون والبرتقال، وتميزت بتربية الخيول والأبقار والطيور ،وعاش سكانها برفاهية وأنشئت فيها مدرسة أستخدمت للصلاة والعبادة . ● مستعمرة موتسا (Motza):أو " قولونيا" ( ١٨٩٤) وهي تقع على سلسلة جبال القدس، وأقيمت على أرض مساحتها ٢٠٠دونم لحساب جمعية أحباء صهيون، زرعت بالكروم ليعتاش السكان منها. ● مستعمرة هرتوف ( Hartuve) : وتعني " الجبل الجميل " (١٨٩٥) ؛ تقع على طريق يافا - القدس في قرية دير أبان في منطقة العرقوب ، أنشئت على أرض مساحتها ٥٠٠٠دونم وسكانها يهود من روسيا ورومانيا وبلغاريا .وهي خصبة ومناخها جيد ، وزرع فيها القمح والسمسم، وبني فيها اليهودي إسحق أول مطحنة تعمل على الغاز . مستعمرة الخضيرة أو جديرة ( Hedera) : أنشئت سنة ١٨٩٠ على شواطئ البحر المتوسط بين يافا وحيفا. تبلغ مساحة أراضيها ٣٠الف دونم ،واستوطن فيها ٤٠ عائلة يهودية. بُني فيها ٤٠بيتاً حجرياً واسعاً ، وعمل لكل بيت مخزن ياخور في التسوية وذلك لحماية البيوت من الرطوبة، وانتشر فيها مرض الملاريا عام ١٨٩٠عام ١٨٩٣،فأمر روتشيلد خبراء من موظفيه بمساعدة سكانها . ● مستعمرة "مشمار هايردن" (Mishmar Hayarden) (مجلس نهر الأردن) : أقيمت سنة ١٨٩٠على أرض مساحتها ٤٤٠٠دونم، نشأتها عائلات يهودية من صفد.تلقت الدعم المادي من البارون هيرش ومن جمعية احباء صهيون، معروفة بزراعة الحبوب وتربية الحيوانات. ● مستعمرة متولا أو المطلة ( Metula) : تقع خلف الجليل ، وأقيمت عام ١٨٩٥ على أرض مساحتها ١٢٨٠٠دونم، وبدعم من روتشيلد. وجاء ذلك في إثر تمرد قام به سكان المطلة ضد السلطات العثمانية فأعلنوا أمامهم عن استعداد روتشيلد شراء أراضيهم، فوافقت السلطات المحلية على ذلك، وأجبرت الأهالي على الرحيل وطردهم من أراضيهم بعد أن أعطتهم تعويضات رمزية عنها ، واسكنت مستوطنين يهوداً مكانهم . ● مستعمرة "عام شموئيل " (١٨٩٦): أسسها بعض المستوطنين المتدينين تكريماً الحاخام شموئيل موهيليفر أحد زعماء حركة أحباء صهيون ومن أوائل الحاخامين الذين ساهموا في عقد المؤتمر الصهيوني الأول إلى الشمال من الخضيرة. ولقد صرف البارون روتشيلد على بنائها نصف مليون فرنك، وأقام بها ٢٧٠ مستوطنا ً. وما إن جاء مؤتمر ١٨٩٧حتي كان هناك ١٩ مستعمرة غطت مساحة ٤٥٠٠٠دونم، وضمت ٤٣٥٠نسمة، إضافة إلى اراضٍ غير مستعمرة لليهود ١٠٠٠٠دونم غرب نهر الأردن و٢٠٠٠٠ دونم شرق الأردن. كما وصل عدد اليهود إلى ٤٥ ألف يهودي يعيشون في ٩ قرى و٢٥٤و٢٨ في القدس وحدها.لذا ومع نهاية القرن التاسع عشر كان عدد اليهود فى فلسطين حوالي ٥٠الفاً .كما انتقلت إدارة المستعمرات آنذاك في فلسطين والإشراف على عملية الاستيطان إلى جمعية الاستيطان اليهودي (يكا)،التي بدأت بنقل الإدارة إلى المستوطنين أنفسهم وشراء الأراضي وإنشاء مستعمرات جديدة منذ عام ١٩٠٠وتركزت اغلبيتها في الجليل الأدنى شمال فلسطين. ولنا أن نتساءل هنا عن وجود آلية إدارة هذه المستعمرات تحت سمع وبصر السلطات العثمانية. ونتيجة لزيادة الطلب على أراضي البناء قفزت أثمان الأراضي قفزات كبيرة، وكانت الحكومات الأوروبية والمؤسسات الصهيونية وكبار الأثرياء والممولون اليهود على استعداد تام لإغلاق الأموال الطائلة لشراء الأراضي، وذلك لبناء المستعمرات لاستيعاب المهاجرين اليهود والمؤسسات الدينية والثقافية. ومع الهجرة الثانية (١٩٠٤- ١٩٠٨) تم تأسيس الكيبوتس (kibbutz) وهي مستعمرة زراعية تملكها الحركة الصهيونية والعاملون فيها موظفون،وهي تجربة منقولة عن " السفخوز" في روسيا السوفياتية، أو كما أطلق عليها الموشاف ( Moshav ) أو صغار وكلاء المستوطنات، وهي مستعمرة زراعية تعاونية يملك المزارعون قطعاً منها ، وهي مشابهة " للكولخوز" في روسيا السوفياتية .
● مستعمرة سيجرة ( الشجرة بالعربية ) أو شجيرة : أنشئت عام ١٩٠٠على أراضي قرية الشجرة العربية على أرض مساحتها ٣٥ ألف دونم وأصبحت مكاناً لتدريب المزارعين اليهود ومركزاً لتجمع شبيبة مت عمال صهيون ، ومنها تم ترتيب أول حراسة يهودية منظمة من أعضاء جمعية سرية اسمها "بارغيورا" ( المحارب المتدين ) في عام ١٩٠٨. وفي بداية القرن العشرين كرست كل الجهود لشراء الأراضي وإقامة مستعمرات جديدة في الجليل الأدنى، وسهل مرج بن عامر ، وغور الأردن وطبريا والناصر وكانت مجموع ما اشترته شركة يكا بين عامي ١٨٩٩ و١٩٠٤ سبعين ألف دونم في تلك المناطق، ومن هذه المستعمرات: - محانايم،أسست عام ١٨٩٩. - تفنئيل ، أسست عام ١٩٠٠غرب مدينة طبريا . - كفار تابور ( Kefar Tavor ) ،على أرض قرية (مسحة) أسست عام ١٩٠١ مساحتها ٧٠٠٠دونم. - منحاميا،أسست عام ١٩٠٢ قرى مدينة طبريا. - بيت غان، أسست عام ١٩٠٤. أما بقية المستعمرات التى أسست على الساحل الفلسطيني فكانت : ● مستعمرة غفعات عبدة ١٩٠٣ أنشئت على أرض مساحتها ٧٨٥٨دونماً من أراضي قرية امراج العربية . ● مستعمرة عتليت ١٩٠٤ جنوب غرب حيفا على الساحل تقع بين مدينة حيفا ومستعمرة زخرون يعقوب. كان روتشيلد قد اشترى معظم أراضيها، ومساحتها ٣٤٠٣دونم وأقيمت على قطعة من الأرض منحتها لهم الحكومة العثمانية لاستخراج ملح الطعام منها إلا أنها تحولت إلى مستعمرة. ● مستعمرة كفار سابا ( Kefar Saba) ، احتفظت باسم القرية العربية كفر سابا وقد اشتراها روتشيلد عام ١٨٩٦ وبيعت مرة ثانية إلى يهود من مستوطني بتاح تكفا١٩٠٣ من أجل إقامة مستعمرة لأبنائهم عليها. ● الكاشينا (بير توفيا)،أقيمت بدعم من صندوق الاستيطان في فلسطين عام ١٨٩٠ واستمرت بدعم من روتشيلد. ● خلدا(Hulda):تقع إلى الجنوب من مدينة الرملة، أقيمت عام ١٩٠٩ولكن شراء الأراضي بدأ فيها عام ١٩٠٧. ● بن شمن (pen Schemen ) ,أقيمت عام ١٩٠٦، وتقع إلى الشرق من اللد . ● بئر يعقوب (Beer Yaquv)، تقع بين صرفند والرملة، وتأسست عام ١٩٠٧ . ● بات شلومو ( Bat shalom) ، عرفت أيضا بأسم أم الجمال وقد أقيمت عام ١٨٩٩. ● مئير شفياء(Meir Shefeiya) ، أقيمت عام ١٨٩٢ . وبعد استعراض لأهم المستعمرات نشير إلى أن غير باحث نعت أوضاع المستعمرات الأولى بأنها كانت تعيش في حالة بؤس؛ لكن واقع المستعمرات يشير إلى عكس ذلك.فقد نجحت في تثبيت العمل الاستيطاني الزراعي والمدني على أرض فلسطين بعد أن توافرت له الإمكانات كافة، وهي امتلاك الأرض والإنسان اليهودي لتوطينه عليها والمال اللازم لنجاحه، ونجحت في إنتاج المحاصيل الزراعية وفي بعض الصناعات. كما أن العمل الاستيطاني إستطاع أن يوطن في المستعمرات الأولى عدداً من اليهود الأجانب البالغ عددهم ٦٥٠٠ مستوطن بجانب ٣٥٠ عاملاً يهودياً حتى عام ١٩٠٥ ، وهذا العدد يعد مؤشراً على نجاح التجربة الاستعمارية الصهيونية على أرض فلسطين في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
يعدد الجدول الرقم (٢-١) المستعمرات الصهيونية على أرض فلسطين خلال حكم عبد الحميد الثاني ( ١٨٧٦- ١٩٠٩) وفقاً للتسلسل الزمني لتاريخ المستعمرة حيث يبين المستعمرات وتاريخ إنشائها ومساحة أراضيها وعدد سكانها. ٤- القومبانيات اليهودية خارج أسوار القدس يوضح الجدول ( ٢-٢) أهم القومبانيات الموسوية ، وهي عبارة عن أحياء سكنية يهودية أقيمت خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني (١٨٧٦-١٩٠٩) . وكان الهدف من إنشائها تمكين اليهود الأجانب من الحصول على بيوت للسكن ، وقد تم تجهيزها بالمؤسسات الدينية والمدارس الدينية والمشافي والصيدليات والأسواق التجارية في كل حي يتم بناؤه ، وقد أقيمت تلك الأحياء بفضل المتبرعين في الخارج والداخل من أجل شراء الأراضي والبناء عليها. أما تسميات هذه الأحياء الاستعمارية فقد نسبت إلى مصادر كثيرة منها آيات من التوراة وفقاً لرغبة بناة هذه الأحياء واختيارهم تسميتها ، وأحياء حملت أسماء مؤرخين وردت أسماؤهم في المخطوطات والكتابات المقدسة، وأحياء سميت بالأسماء الشخصية للمؤسسين، وأحياء سميت بأسماء البلدان والأقطار التي قدم منها المهاجرون اليهود.
ثانيا : أدوات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
تأسس في أوروبا عدد من الجمعيات والمنظمات والشركات اليهودية والتقت على هدف واحد هو نقل الجماعات اليهودية المهجرة من أوطانها إلى فلسطين، بعد أن تكون قد بعثت مبعوثيها لشراء الأراضي الزراعية لتوطين تلك الجماعات، وقد وصل عدد من الأعضاء المؤسسين لهذه الجمعيات إلى فلسطين للقيام بالدور الذي أوكل إليهم من متابعة عمليات شراء الأراضي وإنشاء المستعمرات عليها. وأعلنت تلك المؤسسات إبان تأسيسها ان غرضها هو مساعدة الفقراء من اليهود وإقامة مؤسسات ثقافية و إجتماعية لهم ، وأن عملها يتركز على الجانب الانساني،وتنشيط الجمعيات الخيرية اليهودية التي أقيمت في فلسطين. وعملت الحركة الصهيونية على إيجاد الأجهزة والأدوات والمؤسسات والجمعيات التي كان الهدف منها تعميم عملية الاستعمار الاستيطاني وتمويلها والإشراف عليها والتأكد من نجاحها . وهنا أهم المؤسسات والشركات اليهودية التي عملت على شراء الأراضي العربية في فلسطين والتي بدأت نشاطها قبل فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني: ● جمعية التحالف اليهودي العالمي ( Alliance Israelite Universell): أسسها عام ١٨٦٠ يهود فرنسيون من بينهم 《 أدولف كراميه》عضو مجلس النواب ووزير العدل في الحكومة الفرنسية منذ عام ١٨٧٩، وأول ماستر إليه الاتحاد هو تقديم المساعدة السياسية والثقافية لليهود أينما كانوا ،وإنشاء المستعمرات الزراعية، فأقام المدرسة الزراعية بأسم 《 مكفية إسرائيل 》 عام ١٨٧٠ وعين المسؤول الإداري لها شارلز متى.وقد عهد إلى هذه الجمعية الصهيونية بعد تأسيسها تعليم أبناء اليهود في فلسطين. ● جمعية رومانيا الاستيطانية: تشكلت بإتحاد ٣٢ جمعية التهجير اليهود كانت تعمل في رومانيا آنذاك بمساعدة اللجنة المركزية لأحباء صهيون ،وبعد أن اعترفت بها الحكومة الرومانية بادرت بالعمل على تنظيم يهود حركة تهجير رومانيا إلى فلسطين،
وتمكنت من حيازة ثلثي أراضي قرية الجاعونة الفردية من صفد بمساعدة أحد مبعوثيها إلى فلسطين (موشي دايفيد شوف) حيث تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف دونم، واسس عليها مستعمرة روش بينا وسكنها ٣٠ عائلة يهودية بحماية البارون الفرنسي هيرش الذي قام بتسديد كل دي ونهم، واشترى لهم مستلزمات العمل من بهائم وعدة زراعية، وقدم لكل مواطن م ١ فرنكات شهريا. وقد نجحت الجمعية بشراء ٦ آلاف دونم من أراضي قرية زمارين الواقعة في الجنوب الغربي من حيفا، وانشات مستعمرة أطلق عليها اسم زخرون يعقوب تخليدا لذكرى والد روتشيلد. بعد ذلك انهارت الجمعية، وأصبح المستوطنون بحماية روتشيلد ضمن شروطه، أما الأسس التي قامت عليها والمقاصد التي عملت لأجلها فيمكن تلخيصها بما يلي: ١ - تحقيق استعمار فلسطين على يد اليهود. ٢ – نشر الفكرة القومية بين اليهود وتعزيزها. ٣- رفع شأن اللغة العبرية باعتبارها لغة قومية. ٤ — رفع مستوى المجموعات اليهودية من المسويات كافة ● تحيات إسرائيل ):أسسها أواخر سنة ١٨٨١بعض اليهود في القدس بمبادرة يحيثيل بينس وأليعازر بما يهودا ،وهي شركة لشراء الأراضي في فلسطين أسموها 《 تحيات إسرائيل》 (بعث إسرائيل ) لأن انقاذ ارض إسرائيل لا يتم إلا إذا أسست شركة سرية واحدة تستطيع شراء الأرض في كل وقت وفي كل مكان، غير ان هذه، الشركة لم تقم باي نشاط في هذا المجال. ● يسود همععلاة: تأسست على يد ل:(زلمان دايفيد ليوفتين)مبعوث الجمعيات الروسية التي كانت تعمل من أجل استيطان اليهود في فلسطين في ١٨٨٢ ؛ إذ عمل على تجميع القوى اليهودية (الروس الجدد) في لجنة اسماها 《لجنة طلائعي يردها معلاة. 》(اساس الصمود) بهدف تنسيق عمليات الاستعمار الصهيوني في فلسطين وتقديم المشورة والعون إلى المهاجرين الجدد اللذين يفدون إلي البلد. ● البيلو: (Bilu) أو (Biluim): وهي مخمر للكلمات العبرية التالية《.تعالوا نرحل بيت يعقوب》(Come Let Us Go to the House of Jacob)، جمعية مكونة من م م ٥ شخص من مقاطعة خارتوف (Khartov Region)، وهم في الأصل جزء من جماعة أحباء صهيون التي تاسست في روسيا عام ١٨٨٢، وسجلت رسميا في العام نفسه في الدولة العثمانية كما نقل مكتب البيلو الى إسطنبول؛ ومن شعاراتها: إلى إخواننا واخواننا في الخارج إذا لم أساعد نفسي من سيساعدني To our brothers) («and sisters in Exile «if I do not i help myself who will help me. وكان الهدف الأساسي لهذه الجمعية هو تجهيز الطلائع (الحالوتسا) وتوجيهها إلى فلسطين من أجل الاستعمار، وتحديدأ بناء المستعمرات الزراعية لاستقبال موجات المهاجرين المنسابة وتعليمهم أساليب الزراعة الحديثة. فمع موجة جديدة يخرج القدامى إلى مستعمرات أخرى جديدة ويحل مكانهم القادمون الجدد. وهكذا، وبهذه الطريقة يمكن لليهود أن يؤسسوا لمجتمعهم القادم. جاء في نداء الجمعية «يا أحباءنا يهود المنفى ندعوكم للنهوض من سباتكم الذي استمر إلى عام، أنتم مدعوون لغسل العار الذي لحق بالأمة اليهودية والحصول على موطن لليهود في أرضهم فلسطين. ● جمعية البيكا(PICA): أنشئت هذه الجمعية عام ١٨٨٣ برعاية إدموند روتشيلد يهدف شراء الأراضي من الفلسطيفي ن وتهيئتها للاستيطان الاستعماري اليهودي، فتمكنت حتى عام ١٩٠٧م من إنشاء ٤٢ مستعمرة على أراضيها بتمويل منها، وكانت قد بدأت القيام بمشاريع تجفيف المستنقعات من عام ١٨٩٣ حتى تشجع على جلب المهاجرين وبيع الأراضي لهم. ● جمعية أحباء صهيون (Hibbat Zion): أطلق هذا المسمى على منظمات يهودية نشأت في مناطق مختلفة في روسيا، وانكلترا، ورومانيا، والنمسا، والولايات المتحدة. وكان أول نشوئها في رومانيا إثر الاضطرابات بعد اغتيال القيصر عام 1881م وعملت على تشكيل مجموعة من الطلاب اليهود من أجل البعث القومي والاقتصادي بواسطة الهجرة والعمل في فلسطين، وأطلقت على تنظيمهم اسم البيلو الذي اشرنا إليه، كما عملت على إيجاد جمعية اخرى باسم 《كاديماء》 وتعني إلى الأمام، والهدف العمل من أجل تهجير اليهود من بلادهم والوصول إلى فلسطين، واسست مستعمرات 《 ريشون لتصيون» و《غدير》 و《 روش بيتا». ولهذا فإن تاريخ الاستيطان في فلسطين مرتبط بتاريخ قدومهم إليها . ويمكن اعتبار هذه الجمعية أول حركة صهيونية ذات طابع سياسي، وقد توحدت جميع منظماتها 《 أحباء صهيون 》 في جمعية واحدة ينض الاسم واختير ليون بنكر (Leon Pinsker) رئيساً للمؤتمر الذي عقد سنة ١٨٨٤ في روسيا. ونذكر أن نشاطها لم يقتصر فقط على الهجرة، بل على تأسيس المعاهد التعليمية في فلسطين وتأمين رشدين في الأمور العملية. وفي كل ذلك كان لدى الأتراك شكوكهم تجاه نشاط هذه المنظمة التي أسسوا لها مكتبا رسميا في اسطنبول. وطالبوا بالسماح لهم رسميا لتأسيس المستعمرات وقدموا عريضة للسلطان الحميد الثاني بهذا الخصوص لكن الحكومة العثمانية وضعت كثيرا من المعيقات امامهم، بيد أنهم استطاعوا التحايل على الفرمانات من خلال تسجيل الأراضي التي تم شراؤها باسم يهود أوروبا، ومن خلال توزع 《 البخشيش》بين الولاة المحليين. وقد اجتمع قادة أحباء صهيون في مؤتمرهم الأول الذي انعقد في كاتاويك (Katawic) عام ١٨٨٤ عبروا من خلاله عن ولائهم للسلطان ورغبتهم في الاستيطان في فلسطين بوصفهم مواطنين موالين للسلطان والدولة والحكومة وبدون اي تطلعات أخرى. هذه الأنشطة الاستعمارية الاستيطانية على أرض فلسطين توضح مدى اطلاع الحكومة العثمانية على المخططات الصهيونية وبالتعاون مع الحكومات الأوروبية، وكانوا على معرفة بأن وجود عدد من الجمعيات اليهودية باسمائها المختلفة كان هدفها السيطرة على الأرض وبناء المستعمرات وتوطين اليهود في أرض فلسطين. ● الوكالة اليهودية - جمعية الاستعمار اليهودي The Jewish Col.nization) (Association: ترجع نشأتها إلى مؤتمر بال عام ١٨٩٧م، وهي الجهاز الذي يشرف على حركة الاستعمار الاستيطاني ويعني بإسكان المهاجرين في المستعمرات التي التي أقيمت براسمال قدره ٢,٠٠٠,٠٠٠ فرنك بتمويل من البارون دي هيرش وروتشيلد. وتعرف اختصارا بـ(JCA). وقد تأسست الوكالة بهدف ادارة المستعمرات التي كان يشرف عليها روتشيلد. فاخذت تؤسس المدارس اليهودية الصناعية والزراعية، وعملت على توسيع أراضي المستعمرات وتنظيم إدارتها بحيث تكتفي ذاتيا. ونالت الجمعية دعم بريطاني فاصدرت سفاراتها في أسطنبول تعليمات إلى القنصل البريطاني في القدس بالاستمرار في تقديم الحماية البريطانية لمشاريع الجمعية، وقامت بتزويد المستوطنين بكل ما يلزمهم لتكوين انفسهم في المستعمرات من بناء وراسمال وعقار، كما انها كانت تبيع الأراضي في نهاية الأمر إلي المزارع وتمنحه سند تسجيل (الطابو) بعد تسديد الأقساط كافة المترتبة عليه وأصبحت الشركة أكبر مالك للأراضي في فلسطين فامتلكت ما يقارب ١٥١ ألف دونم، وأقيمت سبع مستعمرات، وهي محانايم ينتئيل، وكفار تابور، وإيلانيا، ومنحاميا، وغفعات عبده، وكفارسابا وعتليت.
الصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund ‘Kern Kayemet):
أنشئ الصندوق عام ١٩٠٠م (والفكرة في الأصل كانت لهرتزل ١٨٩٩م) بهدف شراء الأراضي فيفلسطين، ووقدسجلالمصرف في لندن باسم《 كارن كايمت 》عام ١٩٠٤م وتمكن من امتلاك خمسة عشر الف دونم من الأراضي في يافا والخليل عام 1905م ومما جاء في فرمانه أن الهدف الأساسي لتأسيس المصرف هو شراء واستئجار ومبادلة اي اراض او غابات واكتساب حقوق الحيازة والمرافق والأملاك الأخرى غير المنقولة في فلسطين وسوريا وأي جزء آخر في الدولة العثمانية.
وفي المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903م تقرر أن يكون هدف الصندوق شراء الأراضي وبيعها للإنشاء والزراعة والبستنة، وكذلك الغابات ومساحات الأراضي من اي نوع يذكر في فلسطين، وتعمير الأراضي او زراعتها او تاجيرها لليهود اللذين يحظر عليهم إعادة تأجيرها. ولتحقيق هذا الغرض يجب مساعدة جميع المشاريع القابلة للتحقيق وابرام عقود من اي نوع للمساعدة على الحفاظ على الأرض وتوسيعها، وإقامة اتصالات بالمشاريع الصناعية والمالية وبالحكومات أو السلطات الأخرى.
وقد ابتاع الصندوق منذ تأسيسه وحتي عام ١٩٠٨ حوالى ٨٧٠٠٠ دونم، إي ٦ بالمئة من الأراضي في فلسطين، منها٢٠٠٠ دونم في سهل حطين و٦٥جج دونم في وادي الأردن. ● المصرف اليهودي للمستعمرات (Jewish Coloniai Trust): حددت أهداف المصرف في المؤتمر الصهيوني الثالث عام ١٨٩٩م تحسين إدارة الاستعمار في الشرق، ولا سيما في فلسطين وسوريا وسائر أنحاء العالم. ● (جمعية مساعدة اليهود الألمان):٢The Hilfsverein Der Deutscnen Juden: ● منظمة يهودية المانية تاسست عام 1901م لتحسين وضع اليهود الاجتماعي السياسي، وتحديدا يهود أوروبا الشرقية. وقامت على تأسيس المدارس في الدولة العثمانية، لتعليم المستوطنين اليهود. وقد تعاونت مع الحركة الصهيونية لاحقا لتحقيق أهدافها، ومن المدارس اليهودية العليا التي أنشأتها : Gymnasium BezaleJ Arts and School في القدس. ● مكتب فلسطين: أسس من أجل توسيع الشركة الاستيطان اليهودي. التي وضعت خطة عمل للوصول إلى أهدافها عام ١٩٠٣م وكان هدفها شراء الأراضي في فلسطين وفي البلدان المجاورة بغرض الزراعة والبناء، وأنشأت شركة شجرة الزيتون وذلك لتثبيت حيازة الأراضي التي تشتريها من قبل شركة كارن كايمت والقيام بالعمل الزراعي وغراسة الأشجار. وبعد تسجيل الصندوق القومي فرماني برزت الحاجة إلى تأسيس مكتب رسمي في فلسطين لتقديم نصائح وتوصيات بشأن ما يتم شراؤه ولمساعدة المهجرين على استيطان الأراضي المستملكة، وكان قد شكل اكثر من شركة للإشراف وتقديم الخدمات للمستعمرات الزراعية والمدنية وتقرر في المؤتمر الصهيوني الثامن عام 1907م إنشاء ذلك المكتب باقتراح من آرثر روبين اليهودي الألماني عضو الهيئة التنفيذية الصهيونية الذي اقترح فكرة إقامة شركة للاستيطان في فلسطين، تمولها البنوك اليهودية، وبالتعاون مع شركات خاصة هدفها التطوير الصناعي والتجاري. وبناء على ذلك تمت الموافقة على تأسيس شركة تطوير أراضي فلسطين عام 1908م (.Palestine Land Development Co)، وأخذت مكانها الفعلي في إدارة أعمال شراء الأراضي باسم الصندوق القومي اليهودي والإشراف على جميع مراحل النشاطات الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين من خلال فرعها الرئيسي 《 مكتب فلسطين》 الذي تولى إدارته روبين، والذي تمكن من شراء الأراضي وتوطين اليهود الأجانب في فلسطين. ● البنك الإنكليزي الفلسطيني (The Anglo Palestine Bank): أسس في لندن 1903م ومركزه الرئيسي في يافا وله فرع في القدس والخليل وبيروت وصفد وطبريا. ويعد أول مؤسسة صهيونية تقوم في فلسطين. وكان الهدف العام البحث عن الامتيازات لمشروعات اقتصادية بهدف خدمة المشروع الصهيوني ومساعدة الحركة الصهيونية على شراء الأراضي. لهذا حرص على مساعدة الحكومة العثمانية بقروض مقابل الحصول على امتيازات للحركة الصهيونية ورفع القيود عن الهجرة اليهودية. وقد نشط هذا البنك في تقديم القروض للفلاحين بضمان أراضيهم للاستيلاء عليها في حال عجزهم عن سداد قروضهم. واستطاعوا من خلاله امتلاك مساحات واسعة من الأراضي في فلسطين. ومن اهدافه التي سعي إليها إيجاد مكان لليهود المهاجرين من أوروبا الشرقية داخل فلسطين لممارسة حقوقهم الكاملة، وخلق نواة دولة يهودية في فلسطين قادرة في المستقبل على التزود بالقيم والتقاليد اليهودية والنهوض بفلسطين كي تحتل مكانأ مرموقأ يليق بالشعب اليهودي. ● بنك فلسطين الألماني :أسس البنك عام ١٨٩٧م لتشجع المصالح الاقتصادية والاستعمارية الألمانية في الدولة العثمانية من خلال ممارسة الأعمال المصرفية وشراء الاراضي. إن الهدف من إنشاء هذه البنوك في فلسطين هو خدمة المشاريع الاستعمارية للدول الأوروبية في فلسطين ولمساعدة الحركة الصهيونية على شراء الأراضي، وقد أدار اليهود معظم فرع هذه البنك في المدن الفلسطينية المختلفة. ● جمعية مونتفرور (Montefrore): أسسها اليهود الروس عام ١٨٩٣م بدعم من منظمة أحباء صهيون لتحسين الزراعة لدى اليهود وتدعيم المستعمرات اليهودية. ● نادي المكابيين (The Macabaeans):جمعية اصدقاء أسست في لندن عام ١٨٩١م لتضم عددأ من المثقفين والفنانين والكتاب وأصحاب المال من اليهود، وكانت تعقد اجتماعاتها بصورة منظمة لكي تنمي الثقافة اليهودية، وكان يرأسها عام ١٨٩٥م الرسام سولومرن ج . وفي عام ١٨٩٧ قام هوبرت بتويش بتنظيم الرحلة المكابية إلي فلسطين فاشترك فيها ٣٢ شخصا بينهم إسرائيل زانغويل، وتمت عشية انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال، وهناك من يعتبر هذه الرحلة دلالة علي الاهتمام المتزايد لدى يهود انكلترا وفلسطين بالإضافة الي وقعها في النفوس. وفي سبيل تعزيز علاقات التعاون بين اليهود (المستمرين) ويهود الولايات المتحدة تم تأسيس النادي الأمريكي في يافا مطع القرن العشرين على يد رجال الأعمال والمال اليهود الأمريكان، والهدف منه السعي لتوحيد السكان ومساعدتهم وتشجع العلاقات التجارة بين الولايات المتحدة والمستعمرين اليهود. ومن أهدافهم جعل يافا من اكثر المدن حضارة وتمدنا في المنطقة . وتزامن مع هذه الأنشطة الاقتصادية بداية تأسيس أولى الجماعات الصهيونية المسلحة في فلسطين، وكانت مكونة من الحرس (شو مريم) الذين تولوا حراسة المستعمرات الصهيونية، وفي ايلول سبتمبر١٩٠٧م تألفت جمعية سرية منهم لايتعدى عدد افرادها العشرة باسم《 بارغيورا 》واتخذت شعارناً لها يقول: بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستنهض.
ثالثا:موقف السلطان عبدالحميد الثاني من حركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والنتائج التي ترتبت عليها:
يتمثل موقف السلطان عبد الحميد الثاني من حركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بالفرمانات والأوامر التي أصدرها سواء بخط يده، أو من خلال الإشراف والمتابعة عن طريق ولاته لكن يبقى السؤال عن فاعلية تطبيق هذه الأوامر وعما إذا بقيت حبرا على ورق. ولنا أن نسأل هل يكفي المؤرخ ان يتخذ من هذه الأوامر والفرمانات ادلة وشواهد على موقف السلطان عبدالحميدالثاني من الهجرة والاستيطان على اراضى فلسطين، ام عليه ان يطابق بين هذه الفرمانات وما كان يجري على أرض الواقع عبر الربط بين الأحداث التاريخية وما توصلت إليه حركة الاستعمار الاستيطاني من نتائج؟ بناء على هذه النتائج يمكننا ان نقدر موقف السلطان عبدالحميدالثاني والدولة العثمانية من حركة الهجرة والاستعمار الاستيطاني؛ وعلينا بداية ان نؤكد الحقائق الآتية : أولا:إن الظروف الموضوعية والأوضاع الإدارية التي كانت سائدة في فلسطين خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني كانت خير معين لليهود الأجانب للقدوم إلى فلسطين وشراء الأراضي وإقامة المستعمرات. ولم تكن «الإدارة العثمانية- التي كانت قائمة في فلسطين مع وصول طلائع المهاجرين اليهود إلى البلد معروفة بحسن تنظيمها او فعاليتها او نزاهتها؛ بل كان العكس هو الصحيح. كذلك كانت السلطات المركزية العثمانية في وضع مماثل وبخاصة بعد أن ازدادت ديون الدولة العثمانية وازداد نفوذ الدول الغربية وتدخلها المباشر في شؤون الإمبراطورية الداخلية. ثانياً:أصدرت الحكومة قرارات عديدة منذ بدء المنع عام 1882م، لكنها لم تؤدي إلى كسر اندفاع اليهود نحو فلسطين واستيطانهم، وكان ذلك بسبب «ضغط الدول الأوروبية" لوقف المنع كونه مخالفا لنظام الامتيازات الأجنبية، وهو ما اضطر الحكومة العثمانية إلى إجراء تعديلات كان من شأنها أن تضعف القوة المطلقة لذلك المنع وجعل تعديل الفرمانات من أبرز المشاكل التي كان يواجهها الحكام الاداريون في فلسطين وعليه فإن قرار منع دخول اليهود واستيطانهم لا يمكن أن تنفذه الحكومة المحلية . ثالثاً : صحيح أن السلطات العثمانية فرضت القيود المتلاحقة لمنع هجرة اليهود وامتلاكهم الأراضي في فلسطين غير أن سلاح الرشوة والتحايل على الفرمانات والإهمال مكن اليهود من شراء قسم من الاراضي وإن كان يبدو قليلاً لكنه شكل نواة الوجود الصهيوني في فلسطين كما شكلت المستعمرات فواصل رئيسية في بناء عملية بناء الكيان الصهيوني، بكل الأحوال فأن مسؤولية تطبيق الفرمانات والأوامر تبقي في جانب السلطة العثمانية القائمة آنذاك . رابعاً: أدرك السلطان عبدالحميد الثاني وولاته أن حرية دخول اليهود الأجانب وإقامتهم في فلسطين وما تقدمه المنظمات والجمعيات اليهودية العالمية والمحلية والمساعدات يتعدى كونه قضية إنسانية – وإن ما تقدمه الدول الاجنبية من تسهيلات وبناء المستعمرات الخاصة بهم سيكون له ثمن باهظ وضار بالدولة أذا طالب اليهود باستقلالهم وتشكيل حكومة خاصة بهم لكن السلطان عبد الحميد أبدي ضعفاً كبيراً إزاء وقف تدخل الدول الأجنبية وبالتالي تحقيق أهدافها الاستعمارية في فلسطين. خامسا:استطاعت الدول الأجنبية المحافظة على الحقوق التي اكتسبتها من الامتيازات الأجنبية، وإذ حصلت على امتياز من الباب العالي يسمح لليهود بالاستقرار في فلسطين بشرط ان يصلوا فرادى لا جماعات، وقدمت القنصليات الخدمات اللازمة لليهود إذا زللت جميع العقبات التي كانت تعترضهم سواء بالدخول إلى فلسطين أو بشراء الأراضي، فلم تألو القنصليات الألمانية والانكليزية جهدا في تقديم الدعم اللازم لإتمام معاملات نقل الأملاك غير المنقولة لرعاياها اليهود، فما كان على اليهودي الراغب في شراء أي عقار إلا أن يكتب استدعاءه ويقدمه إلى القنصل وكان يذيل استدعاءه بقوله: «أنني من الموسويين المستوطنين أولا في القدس وليس داخلاً في عداد الممنوعة مهاجرتهم)، وما على القنصل إلا ان يرفق مع تلك المطالب صورة تشبه سند التمليك، تجمع معلومات مفصلة عن العقار المراد مبايعته وموقعة من القنصل إلى متصرف القدس. وعندما تصدر الموافقة من الحكومة يتم تسجيل العقار في دائرة الأراضي لإصدار سند التمليك. وكان بإمكان اليهود الحصول على الأراضي من جديد فكانوا يشترونها بأسماء اليهود العثمانيين المستقرين في البلاد وبأسماء العرب المحليين وبأسماء القناصل أو مندوبيهم. اما البناء فكان بإمكان المباني المؤقتة ان تتحول بوسيلة او بأخرى إلى مباني دائمة، وهكذا انشئت جميع المستعمرات التي ذكرنا. وحين قامت الحركة الصهيونية كان في فلسطين ١٩ مستعمرة حديثة. سادساً:أقدمت الدولة العثمانية على 《رفع الحظر》 عن الاستعمار اليهودي في فلسطين، ورخصت الحكومة الروسية لحركة أحباء صهيون بصورة رسمية، وعقدت الجمعية مؤتمرها الرابع، وتالفت لجنة مركزية برئاسة بنسكر، وتم افتتاح مكتب للإشراف على عملية الهجرة وشراء الأراضي في مدينة يافا. وبهذا انطلقت عمليات المضاربة بأسعار الأراضي، ثم اقدمت الدولة العثمانية بعد احتجاجات عرب فلسطين على حظر الهجرة اليهودية لهذا عمل السلطان على إصدار الفرمانات المتوالية وبخط يده سنة ١٨٩١م لكي يمنع استيطان اليهود في فلسطين. سابعاً:رغم أن السلطان عبد الحميد الثاني رفض ان يبيع الأرضى مباشرة فهو كان يبدي استعدادات ملحوظة للتساهل مع الطلبات اليهودية، سواء عبر غض الطرف عن تطبيق الفرمانات بشأن هجرتهم او عبر إصدار تشريعات تنظيمية تستجيب لرغباتهم.
ثامناً : في عام ١٨٩٦م أجازت الدولة العثمانية لليهود الذين استوطنوا في البلاد قبل نيسان/أبريل ١٨٩٣م أن يتملكوا العقارات الثابتة، ولكنها ظلت متمسكة بقرارها عدم السماح للشركات اليهودية خارج فلسطين بشراء الأراضي. ويذكر ماندل أن السلطة العليا ووزارتي الداخلية ومساحة الأملاك قد أكثرت من القيود المتعلقة باليهود في كل وقت، و بالتدريج كانت هذه الجهات تقلل، وغالباً تناقض أوامرها السابقة حتى إنه في عام ١٩٠٠م كانت الإدارة المركزية قد أصبحت في فوضى من تشابك الأنظمة والتعليمات غير المتناسقة. تاسعاً:منذ بدء المنع عام ١٨٨٢ م وحتى ١٨٩٦م كانت الحكومة قد اصدرت قرارات عديدة عدلت فيها موضع المنع، وكان مرد ذلك يعود إلى ظهور عدة صعوبات وعقبات واجهت الإداريين عند تنفيذ قرارات المنع، منها توسط اليهود مباشرة مع الأستانة وضغط الدول الأجنبية لوقف محاولات المنع، وذلك لمخالفتها نظام الامتيازات الأجنبية الذي أعطي رعاياها حرية التنقل والإقامة في الولايات العثمانية. وهذا ما اضطر الحكومة إلى إجراء تعديلات كان من شأنها أن تضعف القوة المطلقة لذلك المنع ، وابقى فعالية هذه القرارات بين مد وجزر، وظل دخول اليهود الأجانب حرا بالرغم من قرار المنع الذي كان خاصا برعايا روسيا والنمسا واليونان وإيران، لكنه لم يشمل رعايا أمريكا وفرنسا والمانيا انكلترا الذين يحطون جنسيات الدول التي ينتمون إليها. مثال على ذلك أنه في عام ١٨٨٨م وفي سبيل إرضاء الدول الأجنبية صرح الباب العالي بأن بإمكان اليهود الأجانب الذين يقيمون في فلسطين ان يشتروا الأراضي وفق الشرطين الآتيين: _أن يقدموا لمكتب تسجيل الأراضي (الطابو) في القدس شهادة صادرة عن قنصليتهم وعليها تصديق المتصرف تثبت أنهم مقيمون شرعيون.
- أن يتعهدوا بأن لا يسمحوا 《 ليهود غير الشرعيين 》بأن يقيموا علي ارضهم أذا كانت حضرية أو يقيموا عليها مستعمرة إذا كانت ريفية. وهذا التنازل كان نمونجاً للثغرات التي خرقت إجراءات الحظر؛ ففي الوقت الذي تصدر فيه الدولة العثمانية أوامر المنع كان يتم ضمان حق اليهود الأجانب في الاقامة والحصول على الأراضي، إما بفعل ضغوطات الامتيازات الأجنبية أو لعدم وجود اي إدارة تختص بمواجهة المشكلات الناتجة من استقرار اليهود في فلسطين، فبرغم الأوامر المتكررة كانت تجري تعديلات عليها تناقض القرارات الصادرة، ومن ثم فقد كانت السلطات تواجه مشاكل لا تعرف كيفية حلها. وفي مثال آخر، تنبه المتصرف رؤوف بك لموضوع شراء اليهود للأراضي، الأمر الذي جعله يصدر أمرا محليا يمنع فيه بيع الأراضي لليهود ولو كانوا من الرعايا العثمانيين، واخذ يعمل على اعاقة إقامة الابنية الجديدة في مستعمراتهم تنفيذا للأوامر. وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر عام ١٨٩٢م مغ نهائيأ بيع الأراضي الأميرية لليهود و لمواطني كل الدول الأجنبية. كما تم اعتبار أراضي واسعة في أماكن مختلفة من فلسطين اراضي اميرية؛ لكن أمام ضغط الدول العظمى، وخاصة ألمانيا الغي القرار في نيسان/ابريل عام ١٨٩٣م، حيث أعلنت الحكومة أن المنع يشمل اليهود الذين يقيمون في فلسطين إقامة غير فرمانية فقط وسمح للأخرين بشراء الأراضي بشرط ان لا يكونوا ممنوعي الإقامة، وأن لا يقيم على هذه الأرض يهود إقامتهم غير فرمانية. عاشراً: عملية امتلاك الأراضي كانت 《فرمانية 》تماما. وتناولتها تقارير مفصلة كان يبعث بها الولاة من فلسطين إلى الأستانة، إذ ارسل .رشيد بك غير تقرير الى الإدارة؛ ويظهر من قراءتنا لهذه التقارير أن السلطات المحلية كانت تعرف جيدا الأشخاص والجمعيات التي عملت وساعدت على شراء الأراضي ووسائل عملها. وقد برر رشيد بك ان عملية الاستيطان تعود بفائدة اقتصادية على البلاد، وشهد على نفسه بأنه قد عمل وشدد على تنفيذ الفرمانات، وبأن كل الصفقات التي تمت في عهده كانت فرمانية، يقول: نظراً لوجود التشديد في تنفيذ تبديل الملكية فقد استعملوا وسائل اخرى عن طريق تسجيل ونقل الملكية عن طريق يهود واجانب التي لا تنطبق عليهم الشروط المقررة، حيث توجهوا لامتلاك الأراضي كمشترين. وأخذت المنظمات والجمعيات تدفع أثمان الأراضي التي اشتروها. حادي عشر :إن روتشيلد كانت له عدة امتيازات، وعلاقات جيدة مع السلطان عبدالحميدالثاني ومع الإدارة العثمانية والسبب ان بنك روتشيلد في لندن كان قد آمن عدة قروض للدولة العثمانية أثرت بدورها في سياسة الدولة العثمانية تجاه فلسطين. وقام روتشيلد ومدير مستعمراته في فلسطين إلياهو شايد(Elie Scheid) وهو يهودي من فرنسا، بتوثيق علاقاتهم بشكل قوي مع المسؤولين العثمانيين في اسطنبول. وفي كل زيارة إلى المنطقة كان يلتقي شأيد المسؤولين العثمانيين في بيروت وفلسطين، ويعمل معهم لإزالة العقبات التي تحول دون تأسيس المستعمرات، وكان يزود الدولة العثمانية بتقارير شهرية يوضح من خلالها أهمية وجود هذه المستعمرات. ولنا أن نأخذ بحيثيات العمل الذي قام بها البارون روتشيلد في امتلاك الأراضي وبناء المستعمرات دليلا على نجاح اليهود(الصهاينة) في اختراق أوامر المنع ومنها: ١ إسكان اليهود الأجانب داخل ولاية بيروت في حيفا في قرية زمارين وجوارها وفي قضاء صفد من سنجق عكا، وتشكل هناك ثلاث مستعمرات الجاعونة وزبيد ودهاير، أصبحت في ما بعد تحت تصرف روتشيلد لإسكان القادمين من اليهود عن طريق موانئ صور وصيدا وحيفا ويافا. ٢ - هجوم استعماري كبير على أراضي فلسطين وشراء ١٢٠ الف دونم بتمويل من روتشيلد. ٣-عين روتشيلد وكلاء له في جميع مناطق فلسطين بمعاش خمسة آلاف قرش وعين عددا من الأطباء بمعاش .٣٠٠٠ قرش للمحافظة على صحة اليهود الساكنين هناك، وفتح صيدلية في كل محل ووظف صيادلة فيها. كما أرسل الخبراء والفنين الفرنسيين لدراسة اوضاع اليهود الزراعية والاقتصادية والاجتماعية، وبدأ هؤلاء الخبراء بتدريب اليهود أصول الزراعة وإرشادهم إلى الأمور المهنية والتعليمية والصحية. استخرج سندات طابو باسم الوكلاء وخاصة وكيله الكبير الياهو شايدق. ٥ —تعاون روتشيلد مع عدد من المبشرين والمتعاونين الإنكليز والأمريكان يييعون لهم أراضي - برخصة أو بدونها—وذلك لإنشاء معابد ومستشفيات وبيوت سكنية، إذا كان لروتشيلد شركات تعمل في الزراعة وبدعم من أمواله. وأسس مراكز توفير فرص عمل لليهود في مستعمراته. ٦ — انشاء روتشيلد ابنية علي شكل حصون في المستعمرات اليهودية في أقبية حيفا وطبريا وصفد، واكمل الأبنية والبيوت والمستشفيات وجميع مراكز الصناعات. ٧— استملك الأراضي في حوران وعمل على شراء الأسلحة والتدريب عليها وتوزيعها على القرى اليهودية. من هنا نرى أن روتشيلد أصبح الموجه الرئيسي لحركة الاستعمار الاستيطاني عمليا، وتمكن من الحصول على إذن من الدولة العثمانية لتسجيل كل الأراضي التي بحوزته باسمه شخصياً و قد بلغ عدد مستعمراته 19 مستعمرة. ويقدر ما صرفه عليها بحوالي ٤٠ مليون فرنك، استطاع بواسطتها أن يمتلك٢٧٥٠٠٠ دونم. وكل هذه التبرعات البالغة لا تساوي شيئاً أمام فضل البارون هيرش الذي دعم المشروع الاستعماري الاستيطاني بمائة مليون فرنك وكان روتشيلد قد أسر في خريف أيامه إلي الدكتور وايزمن قائلآ: لقد قمت بذلك لأنني اعتقدت بأن يوما سيأتي وستكون المسالة اليهودية (الشعب وارضه) مطروحة امام شعوب العالم، لذلك اردت ان اجهز حقيقة تاريخية في المستعمرات في كل أنحاء البلاد حيث يستطيع مندوبون أن يأتوا ويصرحوا بأسمائهم أمام الشعوب. ثاني عشر:كرست الحركة الصهيونية نشاطها الاستعماري الاستيطاني في ثلاث مدن رئيسية، ومنها استطاعت إيجاد قاعدة انطلاق صلبة لبناء الوطن القومي الذي كانت تحلم به، وهي: ا— القدس: تم شحنها بالمال لدفع أثمان الأراضي وبناء المستعمرات وتعزيزها بالمدارس الدينية والجامعات والمشافي والصيدليات لصهر الثقافات المختلفة وإحياء اللغة العبرية. ب-افا: يحتل النشاط الاستعماري الاستيطاني في يافا المركز الثاني بعد القدس من حيث الأهمية، كونها البوابة الاستراتيجية التي يمر عبرها سيل المستوطنين وحركة التغلغل الأجنبي والأموال اللازمة لشراء الأراضي وبناء المستعمرات، كما يتم من خلالها الاتصال بالجمعيات والبنوك والشركات الصهيونية في الخارج . ج-الخليل: تركز الاستيطان الاستعماري الصهيوني فيها في محلة اليهود مما ادى إلى تضاعف سكانها م٦٠٠0 مستوطن عام ١٨٧٥م إلي ١٢٠٠مستوطن بعد ست سنوات وتم فيها بناء النزل والمدارس لخدمة المستوطنين. إن دور مستعمرات المدن الثلاث لم يقتصر على إيواء جموع المستوطنين وحسب، بل صارت اوكارا لأعضاء الحركة الصهيونية وشركاتها وبنوكها وجمعياتها ووكلائها الذين نشطوا في شراء الأراضي في الأرياف والبادية. والدليل على ذلك وجود الوكالات الكثيفة التي تزودنا بها سجلات المحاكم الشرعية الصادرة من داخل المتصرفية من الولايات العثمانية الأخرى ومن الدول الأجنبية، والتي صادق عليها قناصل وسفراء الدولة العثمانية والمعتمدة من دائرة الأملاك الأجنبية في القدس، وتقضي بتفويض وتوكيل ذوي الشأن بإبرام صفقات الأراضي وإدارة شؤونها). وفي تقرير للقنصل الأمريكي في بيروت حول وضع المستعمرات اليهودية في فلسطين يقول: بغض النظر إذا نجحت الصهيونية ام لا، الا أنها حققت وجود لها في فلسطين. هنا لابد من التأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تمول حركة الاستعمار الصهيوني في فلسطين منذ بدء الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة عام ١٨٧٠م ثالث عشر:كانت سياسة الدولة العثمانية قد فشلت تماما في السيطرة على حركة الاستيطان بعد في قيام ثورة الاتحاديين عام ١٩٠٨وذلك على عكس ما يذهب إليه الكثيرون الذين يصورون السلطان عبد الحميد الثاني بصورة المدافع عن فلسطين والاتحاديين بصورة عملاء الصهيونية؛ إذ ازدادت أعداد اليهود في فلسطين عام ١٩٠٨ إلى ٨٠ الفأ، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام ١٨٨٢م، وازدادت نسبة اليهود من ٥ بالمئة من مجموع السكان الى ١١ بالمئة. وفي حلول عام ١٩٠٨ملم يعد اليهود يتمركزون في القدس والخليل وصفد وطبريا. فحسب؛ بل أصبحوا في جميع المدن الفلسطينية، وحصل اليهود أيضا على٤١٨٠٠٠ونم من الأراضي من مجموع مساحة أراضي البلاد البالغة ٢٧ مليون دونم وأنشأوا أكثر من ٤٠ مستعمرة زراعية يقيم فيها ١٢٠٠٠ مستوطن، وكان أكثر من النصف هم من الوافدين الجدد الذين لم يحصلوا على الجنسية العثمانية ، وتمتع البقية بمزايا الامتيازات الأجنبية، ومن ثم تم وضع أساس الوجود اليهودي المستقل في البلاد. رابع عشر:كانت الإغراءات المالية التي قدمها الصهاينة سببا لحمل عبد الحميد الثاني على إصدار فرمانات جزئية لمصلحة اليهود، فأذن لهم بشراء أقسام معينة من الفلسطينيين . كذلك، واعتمادا على فرمان تملك الأجانب عام ١٨٦٩م ، جيزت الملكية لمن يريدون سواء أكانوا أفرادا ام مؤسسات أم شركات. وبهذا تمكنت الجمعيات والمؤسسات الصهيونية من شراء الأراضي من الملاك الإقطاعيين، وأخذوا يقيمون المستعمرات الزراعية عليها. وهذا يدفعنا الى التساؤل هنا: ألم يكن بمقدور السلطان عبدالحميد الثاني العمل على إلغاء فرمان تملك الأجانب الصادر عام ١٨٦٩م؟. خامس عشر: كان لبعض الحكام الإداريين الدور في تسريب الأراضي إلى اليهود؛ومن الأمثلة علي ذلك التقرير الذي رفعته شورى الدولة إلى الباب العالي يبين بيع عشر قرى في قضاء صفد بمساعدة قائم مقام صفد(حمدي افندي) في فترة إدارته ١٨٩٤م-١٨٩١م لقضاء صفد بموجب الكشف المرفق إلى البارون روتشيلد على النحو التالي: (١)١٧٥٩٢ دونما بيعت بمقيمة٩٤ ,٨٦٨ ,١ قرش. (٢)١٥٥ قطعة أرض بيعت بقيمة م ٨٣٩٨١ قروش مساحتها ٧٩٧٦ دونمأ من الأراضي الزراعية. (٣) اربع قطع أراضي مملوكة باعها بصورة غير فرمانية ومخالفة لقرارات العدلية وغير مطابقة للفرمان، قيمتها١٠٢٨٢٨٠قرشا ومساحتها ٩٥١٦ دونما، وغير مطابقة للمواصفات، وتقع جميعها في أراضي ، قرية الريحانية. ولنا ان نلخص وبالتسلسل الزمني لتطور حركة الهجرة والاستعمار الاستيطاني في فلسطين ايام حكم السلطان عبدالحميد الثاني كالأتي : ١٨٧٨ : أول مستعمرة استيطانية صهيونية على أرض فلسطين. ٢٨٨١م : تشرين الثاني/ نوفمبر أعلنت الدولة العثمانية الإذن للأجانب اليهود سكن الدولة العثمانية ما عدا فلسطين. ١٨٨٢ : بدا البارون إدموند دي روتشيلد في باريس التمويل المالي الاستعمار اليهودي في فلسطين: -اول موجة هجرة يهودية منظمة إلى فلسطين. -عدد السكان اليهود في فلسطين ٢٤الفأ. - تموز/يوليو: بدأت الدولة العثمانية باتباع او تبني سياسة السماح لليهود بزيارة فلسطين حجاجأ او رجال أعمال لكن ليس للاستيطان.
١٤كانون الأول/ ديسمبر: أبلغت الحكومة العثمانية قادة اليهود وزعمائهم في أسطنبول أنها أخذت تنظر إلي حركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين كمشكلة سياسية. ١٨٨٤ : آذار/ مارس، قرار الحكومة العثمانية بإغلاق فلسطين في وجه رجال الأعمال اليهود الأجانب منهم ولكن ليس الحجاج منهم. ١٨٨٨ : الدول الأوروبية الكبرى تزيد حدة ضغوطها على الدولة العثمانية للسماح لليهود والأجانب بالدخول والاستيطان في فلسطين، وذلك فرادى وبى جماعات. ١٨٩١: أس رجل الأعمال الألماني اليهودي هيرش المؤسسة الاستعمارية اليهودية (JCA). ١٨٩٢: منعت الحكومة العثمانية بيع الأراضي (الميري) لليهود الأجانب. ١٨٩٣: تضغط القوى الأوروبية الكبرى على الحكومة العثمانية للسماح لليهود الأجانب المقيمين بشكل فرماني في فلسطين بشراء الأراضي. ١٨٩٦ : بدات المؤامرة الاستعمارية اليهودية أعمالها في فلسطين: نشر كتاب الدولة اليهودية لمؤسس الحركة الصهيونية هرتزل. ١٨٩٧ :- اعترض طاهر الحسيني مفتي القدس آنذاك سلطان عبد الحميد الثاني على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال، و تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية (W.Z.O)؛ ونتيجة لذلك فقد وثق السلطان عبدالحميد الثاني صلاته مع القدس وأرسل جماعات من أعوانه لحراسة ولاية القدس. ١٨٩٨: حذرت الصحافة العربية من المؤتمر الصهيوني الأول وأهداف الحركة الصهيونية الاستعمارية في فلسطين، في صحيفة المنار. القيصر الألماني يزور فلسطين. ١٩٠٠م: أخذت المؤسسة الاستعمارية اليهودية على مسؤوليتها رعاية حركة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بدلا من روتشيلد.
.
-أرسلت الدولة العثمانية لجنة خاصة إلى فلسطين لدراسة أحوال الاستعمار الاستيطاني وحركة الهجرة اليهودية فيها. ١٩٠١م : الدول الأوروبية تمارس الضغط على الحكومة العثمانية من أجل السماح لليهود الأجانب بشراء الأراضي في فلسطين. - تأسيس الصندوق القومي اليهودي داعما رسميا للمنظمة الصهيونية العالمية من أجل شراء الأراضي في فلسطين وتأسيس المعامل وتوظيف اليهود فيها. -كانون الثاني/يناير: اعتراض كبير من أهالي فلسطين على حركة بيع الأراضي لليهود الأجانب. ١٩٠٢م : المنار تحذر من ان الصهيونية تعمل على إحياء فكرة الدولة اليهودية. ١٩٠٣م : موجة الهجرة الثانية تبدأ إلي فلسطين. -تأسيس البنك الإنكليزي الفلسطيني من أجل تمويل حركة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. ١٩٠٤م : موت ثيودور هرتزل. تموز/ يوليو: اشتباكات بين الفلاحين الفلسطينيين والمستعمرين الصهاينة في يافا. ١٩٠٧م: تأسيس اول حركة أو تنظيم عسكري يهودي في فلسطين. آب/ أغسطس: تقارير من والى القدس إلي الحكومة العثمانية توضح أطماع المستعمرين الصهاينة في فلسطين عبر كثافة الهجرة وشراء الأراضي
الفصل الثالث: مفاوضات هرتزل - عبد الحميد الثاني (١٨٩٦م-1903م)
أولا: سير المفاوضات:
امتدت الاتصالات بين هرتزل والسلطان عبد الحميد الثاني ستة أعوام، لم يقطع خلالهما أي منهما شعرة معاوية مع الآخر، فقد كان هرتزل يعلم أن الحصول على وعد بفلسطين من السلطان عبد الحميد الثاني لا يعادله اي وعد آخر، وكان الإغراء بالمال وسيلته الوحيدة ولكي يكسب عبد الحميد إلي صفه قام بخمس رحلات إلي اسطنبول بين عامي ١٨٩٦ ١٩٠٢م وكانت اثنتان منهما على نفقة السلطان عبدالحميد الثاني.
واثناء إقامته في إسطنبول استدعي إلى الباب العالي كما استدعي إلي القصر واجرى محادثات كما لو كان《 قوة أمام قوة 》-إذ نتفاوض مع كبار رجال الدولة وتمكن من ان يمثل بين يدي السلطان عبدالحميد الثاني نفسه.
بدأ هرتزل مفاوضاته مع السلطان عبد الحميد الثاني عبر رجالات السلطان والمقربين منه أمثال الكونت فيليب نيولنسكي وصموئيل مونتاغيو. وقد انطلقت المفاوضات من التعهد بتسديد ديون الدولة وإنعاش اقتصادها من خلال تشجيع كبار أثرياء اليهود للقيام بأنشطة اقتصادية لمصلحة الدولة العثمانية، وذلك مقابل الحصول على فرمان مصدق (Charter) من السلطان عبدالحميد تسمح له بتملك أرض فلسطين وباعتراف دولي بهذا الحق ).
بدأ هرتزل اتصالاته عبر صديقه الكونت نيولنسكي الذي كان قد حدثت مسبقا مع السلطان عبد الحميد بشأن المشروع الذي طرحه عبر كتابه الدولة اليهودية. محاولا اقناعه ان الاقتصاد العثماني لن يتعافى ابدآ من دون المساعدة المالية من اليهود.
نذكر هنا ان عبد الحميد الثاني كان مطلعا على كتاب هرتزل الدولة اليهودية؛ المشار إليه سابقا قبل المفاوضات، فهو على علم ودراية كاملة بمخططات هرتزل وأهدافه في فلسطين، وهو ليس بحاجة إلي ان يدخل معه في مفاوضات طويلة الأمد تمتد لست سنوات حتى يدرك مخططات الصهيونية، وذلك كما اشار كثير من الذين ناصروا فكرة مفاوضات هرتزل—عبد الحميد، وهو أيضا مدرك تماما لقوة اليهود المالية وبما يمكن لهم أن يقدموه من أموال تساعد على حل مشكلة الدولة العثمانية المالية المضطربة.
كما أن نيولنسكي زود هرتزل بتقرير عن الوضع المالي العام للدولة العثمانية، على أساسه وضع هرتزل خطته، كما أكد لهرتزل ان بيع فلسطين أمر غير ممكن لكن ضمانها كدولة تابعة (Vassal State) ممكن، كما رتب لقاءات هرتزل مع كبار رجال الدولة العثمانية.
وكانت زيارة هرتزل الأولى لإسطنبول في ١٨ حزيران/ يونيو ١٨٩٦م حيث قابل خلالها ابن الصدر الأعظم جاويد بك وقدم من خلالها عرضه القائم على تقديم ٢٠مليون ليرة (Pounds) عثمانية لتخليص الدولة العثمانية من الدين العام، منها مليونان من اجل فلسطين، وثمانية عشر مليونا من اجل تخليص الدولة العثمانية من التبعية المالية الأوروبية. وركزت الدولة العثمانية مطلبها في هذا اللقاء على ضرورة الإبقاء على القدس تحت السيطرة العثمانية كونها بلد المقدسات ولها مكانة خاصة لدى أصحاب الديانات الثلاث، وتم الاتفاق بينهما على ان تكون طبيعة العلاقة بين الدولة العثمانية والدولة اليهودية المقترحة قائمة على أساس اللامركزية في الحكم. وفي هذه الزيارة أيضا قابل هرتزل الصدر الأعظم خليل رفعت بك الذي اكد ضرورة ان يكون صحيفة (جديد الصحافة) الحرة (Neue freie Presse) التي يرأس تحريرها هرتزل مساندة لسياسة الدولة العثمانية الخارجية تجاه أوروبا. واستجاب هرتزل لهذا الطلب وأسفلها لاستمالة السلطان إليه عبر نشره المراسلات والأنباء التي في مصلحة حكومة السلطان، وكرس الصحافة اليهودية بعموميتها في أوروبا لمصلحة الدولة العثمانية وبخاصة في المسالة الأرمنية. إن مكانة القدس الدينية تم أخذها بعين الاعتبار منذ البداية من كلا الطرفين. ومنذ البداية كان عبد الحميد يسعى لأهداف منها القروض المالية والدعاية الإعلامية التي يمكنه ان يكسب من خلالها الرأي العام الأوروبي تجاه المسالة الأرمنية التي سببت له كثيرا من المشاكل. وعندما سأل الصدر الأعظم هرتزل عن الجزء الذي يودون الإقامة فيه من فلسطين، كان جواب هرتزل: سنضحي بمبلغ أكبر لجزء أكبر من البلاد (ForMore Land We Make Greater Sacrifices). وأثناء زيارة هرتزل للاستانة لم يقابل السلطان عبد الحميد الثاني لكنه تلقى رسالة شفوية من السلطان مع صديقه نيولنسكي في ١٩ حزيران ١٨٩٦م قال فيها: «إذا كان السيد هرتزل صديقك بقدر ما أنت صديقي فانصحه الا يتخذ اي خطوة أخرى في هذا الموضوع؛ لا أستطيع أن أبيع ولو قدما واحدا من البلاد لأنها ليست ملكا لي بل لشعبي؛ لقد حصل أبناء شعبي على هذه الأرض بالقنال بدمائهم وقد غذوها بدمائهم، فنحن سنغطيها بدمائنا قبل ان نسمح لأحد باغتصابها منا، كتيبتان من سورية وفلسطين استشهد أفرادها الواحد تلو الأخر في بلفنه (Plevna). لم يسلم منهم احد، قدموا حياتهم في المعركة، الدولة العثمانية ليست لي وحدي بل لشعبي؛ لا أستطيع ان أتخلى عن شبر منها. يوفر اليهود ملياراتهم فإذا قمت امبراطوريتي ربما يحصلون على فلسطين بلا مقابل إنما لن تقسم إلا على جثثنا. انا لن اقبل بتشريحها ونحن أحياء》. من المهم ان نذكر هنا انه وبالرغم من هذا الرد القاطع والحازم الذي قاله السلطان، ولا انه وبعد ايام معدودة اي في ٢٦ حزيران/ يونيو١٨٩٦م؛ وافق على مقابلة هرتزل آجلا أم عاجلا» لكن لم يحدد التاريخ. وطلب من نيولنسكي ترتيب المقابلة إنما دون التزامات مسبقة. كما طلب من مقربيه ومسؤولية أن يزودوه بتقارير عن هرتزل ودوافعه. تعاطف السلطان مع هرتزل وتصميمه على إنقاذ شعبه من الوضع الصعب الذي يعانيه، فقال له «إن الدولة العثمانية تستطيع ان تستقبل اليهود على شرط ان لا يقيموا معاً ,ويجب ان يقيموا في أماكن مناسبة تحددها لهم الحكومة وسوف يقوم المواطنون العثمانية بمنحهم سلطات التصرف،. لم يحقق عرض عبد الحميد آمال هرتزل، ومع ذلك لم يتردد في ان يرفض هذا العرض الطيب.
تم تفسير عرض السلطان هذا أنه ربما أراد ان يختبر هرتزل إذا كان هو فعلا قادرا على مساعدته في حل المسألة الأرمنية حين طلب أن يؤثر في الصحف الأوروبية في لندن وباريس وبرلين وفينا ليتحدثوا عن المسألة الأرمنية بعداء أقل للأتراك، وان يعمل على إقنإع زعماء الأرمن بالخضوع له، إذا تحقق ذلك يمكن ان يستقبل هرتزل بوصفه صديقاً. ووعد هرتزل بدوره العثمانيين بتحقيق مطالبهم هذه، واكد للأتراك انه يستطيع ان يكون وسيطا ويساعد الحكومة على التوصل إلي اتفاقية هدنة مع اللجان الثورية الأرمنية، ولهذا الغرض اجتمع هرتزل بأحد زعامات الأرمن الثورية ناظار بك في لندن عام ١٨٩٦م، وحاول أن يقنع الهنتشاك بتسوية منازعاتهم مع الباب العالي بالطرق السلمية، لكن الأرمن رفضوا هذا العرض وشككوا بدوافع هرتزل، وظنوا ان الأتراك والصهاينة قد اقنعوا الدول العظمي بتاجيل الإصلاحات في أرمينيا مقابل إقامة دولة يهودية ذات حكم ذاتي في فلسطين. وقبل أن تنتهي رحلة هرتزل الأولى لإسطنبول دار حديث بين السلطان ونيولينسكي نورده هنا لنكشف عن مدى التردد القائم عند السلطان؛ فقد سأل نيولنسكي: هل اليهود مصممون على اخذ فلسطين بأي ثمن؟ أليس بإمكانهم أن يقيموا في أي بلد آخر؟ أجاب نيولنسكي: فلسطين مهدهم وإليها يتمنون العودة. فعقب السلطان لكن فلسطين مهد الأديان الأخرى؛ أجاب نيولنسكي: إذا لم يحصل اليهود على فلسطين فسوف يذهبون الأرجنتين. وفي عام ١٨٩٦م أيضا أخبر السلطان هرتزل بواسطة نيولنسكي انه وبسبب ضيق وضعه المالي مستعد للدخول في مفاوضات مقابل ٢٠ مليونا ، وعلى دفعات، وبحسب ما يقدمون سوف يناقش الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومقابل الدولة التابعة ما بعد، وإن التفاصيل سيتم بحثها لاحقا في مفاوضات إسطنبول، وأن اليهود سيعطون إدارة خاصة فيهم في الأرض وفقا للاتفاق وبأن الاتفاق سيعلن لاحقا على العالم.
كما اكد نيولنسكي لهرتزل أن السلطان لم يتخذ موقفا واضحا من المشروع، لأن خطة اليهود لم تكن واضحة وسرية، واكد له ان السلطان قد اخبره (ان اليهود أذكياء سيجدون الصيغة المناسبة). من هذا الرد نستنتج أن السلطان عبد الحميد لديه رؤية ما في الموضوع، لكن لم تحدد بعد. وأنه على استعداد للدخول في مفاوضات مع هرتزل. كذلك لم يشعر هرتزل بالفشل كل الفشل من زيارته هذه لإسطنبول وإذا اعتبر أن النجاح الذي تمكن من تحقيقه هو انه وضع السلطان عبد الحميد في صورة مشروعة بإقامة دولة يهودية في فلسطين متسقبلاً.
ان المتابع للمفاوضات بتفاصيلها الأولية الدقيقة يجد أن السلطان لم يملك رؤية اوموقفأ واضحأ، لكننا نستنتج ان قبوله بإعطاء فلسطين بشكل مباشر وبصيغة فرمانية يتفق عليها الطرفان كان امرأ مستحيلا لأسباب سنذكرها لاحقا، لكن نلتمس من ردوده الصارمة أحيانا، التي تمتاز بالمرونة أحيانا اخرى، ان السلطان أراد المناورة ليحقق أهدافه المشار إليها وأهمها المالية.
ارى ان هذه المناورات سمحت لليهود بتحقيق اهدافهم ولو بشكل جزئي في الهجرة والاستيطان داخل فلسطين، وربما تفسر لنا قرارات عبد الحميد التي مانعت الهجرة والاستيطان احيانا ومن ثم تراجعت عنها احيانا اخرى.
ولو افترضنا ان النوايا صادقة عند السلطان عبد الحميد فهو كان يمكنه ان يتخذ إجراءات أكثر حزما في ممانعة الهجرة والاستيطان الصهيوني في فلسطين خلال مفاوضاته مع هرتزل الذي تابع المفاوضات عبر رسائل كان يبعث بها إلى السلطان عبد الحميد؛ فقد جاء في إحدى رسائله بتاريخ م 25/8/1896م مايلي:
«أن يقدم اليهود قرضا تحت السيطرة العثمانية بقيمة عشرين مليون جنيه استرليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود في فلسطين إلى السلطان وتبلغ مائة ألف جنيه استرليني في السنة وتزداد إلى مليون جنيه سنوياً مقابل ذلك يفتح السلطان باب الهجرة غير المحدودة بناء على دعوة خاصة منه لليهود إلي فلسطين ويعطون الاستقلال الذاتي لفلسطين دولة شبه مستقلة. يضمنه الفرمان الدولي.
ونذكر أيضا أن هرتزل بعد هذه الزيارة تمكن من عقد المؤتمر الصهيوني الأول ما بين ٢٩/ ٨ و١/ ٩ في عام ١٨٩٧ وبحضور ٢٤٠ مندوبا يمثلون جمعيات صهيونية من أنحاء العالم، وتمخض عن تحديد أهداف الحركة الصهيونية في ما تعرف ببرنامج بال، وإنشاء ادارة تنظيمية لتنفيذ هذا البرنامج (المنظمة الصهيونية العالمية)، وقد حدد المؤتمر الصهيوني الأول هدف الصهيونية بما يلي: إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه الفرمان العام أما وسائل تحقيق هذا الهدف فهي: ١ -العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق اسس مناسبة. ٢-تنظيم اليهودية العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع الفرمانات المتبعة في كل بلد. ٣-تقوية وتغذية الشعور والوعي القوميين اليهوديين. ٤ — اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية. م —تصديق الباب العالي والدول التي يسكنونها لهذا المشروع . مهم أن نذكر أن أكثر لحظات المؤتمر حسما عندما رفعوا أيديهم وقالوا إذا نسيت القدس أجعل اجعل يدي اليمنى نسي» وبهذا تم تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية وانتخاب هرتزل لرئاستها وإعلان برنامج بال الصهيوني. ومما جاء في خطاب هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول ١٨٩٧ مايلي: ((ولما كان الرواد العمليون الأوائل للصهيونية قد أدركوا هذا فإنهم قد بدأوا العمل الزراعي لليهود... ووضعوا اللبنات الأولى للحركة الصهيونية... إن الصهيونية لن تحقق أهدافها دون التفاهم القاطع مع الوحدات السياسية المشتركة... إذا يمكن الاستحواذ على ثقة الحكومة التي نريد التفاوض معها بخصوص توطين جماهير اليهود على نطاق واسع وذلك عن طريق اللغة البسيطة والتعامل القويم إن المزايا التي يمكن لشعب أن يقدمها مقابل الفوائد المجنية لهي من الكبر بحيث تضفي على المفاوضات اهمية مسبقة... إن المنهج المعقول الوحيد للعمل الذي يمكن لحركتنا أن تسلكه هو العمل للحصول على ضمانات شرعية، فالاستعمار ليس هو الحل للمشكلة اليهودية.., وإذا كان أحد يعتقد أن في استطاعة اليهود التسلل إلي ارض آبائهم فإنه وما يخدع نفسه أو يخدع الآخرين... إن هجرة اليهود... إنعاش للإمبراطورية العثمانية بأكملها... الى جانب ذلك فإن صاحب العظمة السلطان له خبرات رائعة مع رعاياه من اليهود وكان هو بدوره أهلاً رفيقا بهم. وهكذا فإن الأحوال القائمة تشير إلى نتائج ناجحة شريطة أن يعالج الموضوع كله بذكاء وسلاسة إن المساعدات المالية التي يمكن لليهود ان يقدموها للدولة العثمانية ليست بالشيء اليسير وسوف تعمل على القضاء على كثير من الأمراض الداخلية التي يعاني منها البلد الأن... فإذ ما حلت مشكلة الشرق الأدنى بصورة جزئية إلي جانب حل المشكلة اليهودية فإنها ستعود بالفائدة المؤكدة لجميع الشعوب المتحضرة. وبهذا عارض هرتزل اي محاولة للتسلل التدريجي إلى فلسطين، إذ إن خطته كانت قضي بالحصول على ميثاق قانوني من السلطان العثماني عبد الحميد، يمنح اليهود بموجبه الحق في إقامة وطن لليهود في فلسطين، يتمتع بحكم ذاتي. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف أقدم على الخطوات التالية: ١ -الحصول على رعاية القيصر الألماني مقابل دعم مصالح وسياسة ألمانيا في الشرق الأدنى. ٢ -رشوة المسؤولين العثمانيين وتقديم الوعود بشأن قروض يهودية عاجلة. ٣— إنعاش المالية العثمانية المتدهورة. ٤ - شراء موافقة السلطان على مشاريع الصهيونية في فلسطين.
وسعى هرتزل أيضا لإنشاء بنك صهيوني من أجل تمويل عملية استعمار فلسطين وتنظيمها وربطها بالعهود الصهيونية الشاملة لتعزيز اهداف مؤتمر بال، إذ من دون هذا البنك يغدو الأمل الصهيوني في الحصول على فرمان للهجرة والاستيطان في فلسطين أملأ صعب التحقيق، لهذا عين هرتزل ديفيد ولفسون المتمول اليهودي رئيساً للجنة البنك التي بدأت تعمل على التمويل من كبار أثرياء اليهود، كما حث هرتزل على إقامة صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار ليكون عمله في فلسطين وسوريا. وليكون وسيلة لامتلاك الأرض في فلسطين.
كما سعى هرتزل لدى كبار الممولين الأوروبيين اليهود أمثال دج. لثم بوزنانسكي وهو أغنى رجل في بولونيا والمتحمس جدأ للقضية الصهيونية وكان يبتغي من إشراكه في تأسيس البنك اليهودي الاستعماري استمالة أصحاب الملايين الآخرين في جميع انحاء اوروبا الشرقية، كما حرص على الاتصال باثرياء اليهود في إنكلترا أمثال سليجمان وهو صاحب أكبر بنك فيها، واتصل باللورد روتشيلد وحاول إغراءه بانه (لآنا تمشيت معنا سنغنيك مرة أخرى وسنأخذ أول حاكم منتخب لنا من بيتكم). ولخص وايزمن الفكرة لدى هرتزل كالاتي:
هناك أثرياء اليهود وهناك الفقراء منهم، الأثرياء الذين أرادوا مساعدة الفقراء لديهم التاثير القومي في بلادهم، ومن ثم هناك سلطان الدولة العثمانية الذي طالما أراد المال ولديه التأثير في فلسطين. والأكثر منطقية أن تجعل أثرياء اليهود يقدمون المال للسلطان من أجل السماح للفقراء بالذهاب إلى فلسطين، وبالتالي تكون أمام خطوتين: الأولى، إقناع أثرياء اليهود من اجل المساعدة؛ والثانية، إقناع الدول العظمي لممارسة الضغط على الدولة العثمانية والصرف كضمانة في هذا الأمر وهما المانيا وانكلترا .
وبهذا حقق المؤتمر الصهيوني الأول الأهداف التي وضعها هرتزل له كما تناقلت الصحف اليهودية الصهيونية وغير الصهيونية جميعها أخبار المؤتمر عالميا. أما هرتزل ققداعطاه المؤتمر دفعة قوية نحو الأمام للاستمرار في مشاريعه من أجل إيجاد التمويل اللازم له، وبه اصبح الرئيس الفعلي للمنظمة الصهيونية العالمية.
وكان السلطان عبد الحميد الثاني متابعا لهذا المؤتمر الصهيوني الأول والمقررات التي تمخضت هذه . ولجميع المؤتمرات الصهيونية اللاحقة، وكانت ترسل له برامجها.
ومن الدلائل والمؤشرات التي تؤكد وعي السلطان عبدالحميد بخطر الحركة الصهيونية على فلسطين والزيارة التي قام بها جماعة من يهود انكلترا وعلى رأسهم إسرائيل زانغويل لفلسطين من اجل التمهيد للمؤتمر الصهيوني الأول، وإذ بهم يصرحون عن عقد المؤتمر في ميونخ، وهو ما أثار غضب حقي بك متصرف القدس، وكتب تقريرا إلى الأستانة حول الموضوع مؤكدا أنه اتخذ الإجراءات اللازمة حول عقد مؤتمرهم في ألمانيا . وقام الدبلوماسيون العثمانيون في العواصم الأوروبية بكتابة تقارير للاستانة عن نشاط الحركة الصهيونية ومدى التقدم الذي وصلت إليه في اوروبا.
وكانت الصحف الأوروبية تتداول أخبار الحركة الصهيوني ونشاطاتها تباعا، ومنها كتابات نيولنسكي في صحيفة الوقت (Les Temps) في باريس ومقال في ٤ ١ أيلول/سبتمبر١٨٩٧ في صحيفة (Correspondence Detest) أشار من خلاله لمأساة تشرد اليهود في العالم وتطلعاتهم بالعودة إلى فلسطين.
وفي مقابلة مع هرتزل في صحيفة نجاب إسرائيل اللندنية (Young Israel) في تموز/يوليو١٨٩٨ يقول: كل الأدوات يجب أن نضعها بايدينا تماما كما فعل روبيون كروزو في جريدته؛ قراء الصحيفة تماما سيدركون المغزى من هذا الكلام، في الأيام القادمة قصة نمو الصهيونية ستكون بمثابة رواية جميلة رائعة.
ونؤكد هنا أيضآ أن وزارة الخارجية العثمانية لم تتوان لحظة عن متابعة أخبار المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال، وجمع المعلومات اللازمة عنه، ومتابعة تطورات نشاط الحركة الصهيونية ما بعد المؤتمر الصهيوني الأول، وارسلت التقارير الواردة لهذا الغرض لإسطنبول، كما أرسلت مقتطفات الصحف التي تناولت هذا الأمر الى إسطنبول.
كذلك حاول الدبلوماسيين الأتراك مقابلة زعماء الصهيونية وارسلوا عملائهم إلى مختلف مؤتمراتهم. ونخص بالذكر تقارير السفير العثماني في واشنطن علي فرح بك والسفير العثماني في ألمانيا علي توفيق باشا التي تحذر السلطان من رغبة اليهود في إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
وفي عام ١٨٩٨ أرسل السفير العثماني في لندن (انتونوبولوس باشا Antonopulos) (Pasha تقريرا للاستانة حذر من زيادة عدد المستعمرات الصهيونية في فلسطين، وإن هؤلاء المستوطنين لن يقبلوا العيش في ظل الدولة العثمانية وفرماناتها، بل على العكس، وكما أعلنوا في المؤتمر الأول، ارادوا العيش في ظل الحماية الدولية وبشكل مستقل عن الدولة العثمانية.
وفي عام ١٩٠٣حذر السفير العثماني في برلين وطالب بمنع الصهاينة من شراء واستئجار الأرض في فلسطين حيث كان يعرف ان الهدف منها تأسيس دولة لليهود في فلسطين.
إذآ، فالسفراء الأتراك قد حذروا السلطان عبدالحميد من نشاطات الحركة الصهيونية القائمة على الهجرة والاستيطان، لأنها رأيهم تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي العثماني ؛ فلهذا علي فرح بك في عام ١٨٩٨م يكتب وبشكل متواصل إلى السلطان فتقول «لقد آن الأوان لمنع اليهود من الدخول إلى فلسطين، ولأجل ذلك يجب اتخاذ إجراءات أكثر حزما. وأخبر السلطان أنه أثناء زيارة القدس شاهد أثرياء اليهود وسيطرتهم على المدينة في حين ان المسلمين فقراء، وإذا لم نقم بإيقاف نشاطهم الاستيطاني هذا ستكون لهم السيطرة الكاملة على المدينة، وعلى السلطان أن يقنع الدول الكبرى بعدم تقديم المساعدة لهؤلاء والا نوقع على موت إخواننا في الدين من المسلمين.
واهتمت وسائل الإعلام العالمية بعد المؤتمر الصهيوني الأول بالحركة الصهيونية ونشاطها اذاكرها بوصفها عضوا في المجتمع الدولي. وقد أدى الكتاب اليهود دورا أساسيا في هذا الأمر، إذ تحدثوا عن اهداف روحانية للحركة، وظهرت مقالات تحت عنوان : تطور الصهيونية. (The Evolution of the Zionism) والصهيونية» The) (Zionism).
وبتتابع الأحداث عقد المؤتمر الصهيوني الثاني في بال عام ١٨٩٨ وكان في مقدمة قراراته تكريس مقررات المؤتمر الأول، والسعي لدى الدولة العثمانية لتحقيق المشروع الصهيوني، وإنشاء البنك اليهودي الاستعماري، وتشجع تعليم اللغة العبرية، ليظهر اليهود على أنهم أمة واحدة ذات لغة واحدة وقومية واحدة، اطلاق يد هرتزل في التفاوض«ع الدول الأوروبية لخدمة المسألة اليهودية.
انطلاقا من القرارات الأخيرة للمؤتمر الصهيوني الثاني بدأ هرتزل محاوراته مع المانيا تحديدا وذلك لنفاذها في الأوساط العثمانية .
ومن خلال قرارات المؤتمر الصهيوني الأول والمؤتمر الثاني،التي جاءت بعد زيارة هرتزل الأولي إلي للأستانة، نجد ان الصهاينة كانوا مباشرين في طلباتهم وتحديد أهدافهم تجاه السيطرة على فلسطين؛ وبحسب ما قدمتا في الفصلين الأول والثاني (الهجرة والاستيطان)، فقد كانوا يتجهون نحو التطبيق العملي لهذه الأفكار وبشكل منظم، وقد سعوا لكسب التأييد الدولي عليه، ولما كان عبد الحميد متابعآ لنشاطهم من خلال التقارير الدورية التي تصله، فلماذا استمر في المفاوضات؟.
ومن الأدلة التي تؤكد ذلك أنه بين عامي ١٨٩٨ و١٨٩٩ كنت ترى السماسرة اليهود يطوفون منطقة «مرج عيون» لتحصل أملاك جديدة فيها. وبسبب هذا الأمر عبرت مجلة المشرق وصحف الأستانة عن قلقها من الهجرة اليهودية إلى فلسطين وحذرت السلطات العثمانية من نتائجها وقالت ( اتتنا الأعداد الأخيرة من جرائد الأستانة العلية) وفيها كلام مريب عن اليهود وانتشارهم في فلسطين وربما استلفت أصحاب هذه المقالات أنظار ذوي الأمر الى استدراك ما يعدونه مخالفا لنظام الدولة ويؤيدون قولهم بذكر الأوامر الشريفة التي كررتها مرارا الحضرة السلطانية في هذا الشأن. وتباعا لسير المفاوضات زار هرتزل إسطنبول للمرة الثانية في تشرين الأول أكتوبر ١٨٩٨ بهدف لقاء القيصر الألماني فيلهلم الثاني الذي كان في زيارة السلطان عبد الحميد الثاني حيث راى هرتزل فيه خير وسيط بينه وبين السلطان لتحقيق مشروعه . لكن لماذا ألمانيا؟ اتجهت أنظار هرتزل نحو ألمانيا لعدة أسباب، منها: ا_ثقافة هرتزل الألمانية، وكون اغليية قادة الحركة الصهيونية من اليهود الألمان. ب-العلاقات الوطيدة بين ألمانيا والدولة العثمانية. ج— قدرة ألمانيا العسكرية وأطماعها في المشرق، وتطلعها إلى الحصول على نصيب مناسب من المستعمرات في آسيا وأفريقيا. فقد كان هرتزل مدركا لأطماع ألمانيا، لذلك سعى منذ البداية لتقديم الحركة الصهيونية بوصفها عميلأ للإمبريالية. وما يدلل على هذا ما جاء في كتابه الدولة اليهودية بقوله: لولا أعطانا صاحب الجلالة السلطان فلسطين، فبوسعنا أن نتعهد له بالمقابل بتنظيم أمور الدولة العثمانية المالية، وسوف نقيم سورأ دفاعيأ لأوروبا في آسيا ومركزا حضاريا ضد البربرية، ونحن كدولة محايدة يمكننا التواصل مع كل أوروبا التي يجب عليها الحفاظ على وجودنا. ومن الجدير بالذكر أن هرتزل كان قد بعث إلى بسمارك بنسخة من كتابه الدولة اليهودية الذي صدر عام ١٨٩٦ مرفقا برسالة استعطاف جاء فيها: أضع بين أيديكم مشروعي حول تأسيس دولة يهودية في فلسطين للتصرف والبت فيه إذ إنكم بقبضتكم الفولاذية وإرادتكم الحديدية تمكنتم من توحيد المانيا المجزاءه وإذا ارتأيتم واقعية مشروعي ستكون هذه الدولة من أخلص حماة مصالحكم في المنطقة،. ونذكر آن بسمارك كان خارج الحكم آنذاك، ولانعرف ماذا كان رد على رسالة هرتزل هذه.. ولقد دعم الألمان المشروع الصهيوني منذ البداية، وكانوا الهجرة اليهودية إلي فلسطين، فبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول كتب الوزير المفوض الألماني في بيرن الهو فون تاتتباخ تقريرا مفصلا عنه، وعليه رأيه في المشروع الصهيوني وانتشار الوعي القومي بين اليهود الألمان، ورفعه إلى القيصر الألماني الذي أجاب دع اليهود يذهبون إلى فلسطين وكلما اسرعوا في الهجرة كلما كان أفضل، ولن أضع أي عراقيل في طريقهم. إن رأي القيصر هذا هو الرأي السائد في أوروبا التي شهدت هجرة آلاف اليهود من روسيا وبولندا وروماذيا خلال هذه الفترة، وقد سعت الحكومة الألمانية لدى الحكومة العثمانية والسلطان عبد الحميد من اجل ان ينظر للحركة الصهيونية نظرة معقولة. وكان لهرتزل عدة لقاءات مع مجموعة من المسؤولين الألمان أمثال الأمير اويلئبورغ ودوق بارون اللذين أعلنا ر لإقامة المشروع الصهيوني داخل فلسطين، وقاما بتبليغ هرتزل بموافقة القيصر الألماني على المشروع، وموافقته لمقابلة هرتزل عند زيارته للقدس ١٨٩٨م ونذكر هنا ان القيصر الألماني اعترف ان الفكرة الصهيونية لطالما اعجبته واستهوته واثارت عاطفته. وفي ايلول/سبتمبر عام ١٨٩٨ كتب السفير الألماني في فيينا الكونت فيليب زو إليتبرغ (Count Philipp zu Eulenburg) الى هرتزل أن القيصر على استعداد لمقابلة السلطان وعلى استعداد ليأخذ على عاتقه حماية اليهود في المنطقة. التقى هرتزل القيصر الألماني في الأستانة وبحضور وزير الخارجية الألماني بولوف (Bulow) وذلك في 18/10/1898م حيث شرح هرتزل أوضح اليهود في العالم وتطلعاتهم في تحقيق الهجرة إلى فلسطين ومشاريعهم الاقتصادية اللذين ينوون القيام بها حين يستوطنون فلسطين . وأظهر القيصر بدوره تعاطفا مع مطالب هرتزل، وذلك لقناعته بأن القدرات المالية والبشرية لليهود يمكنها أن تحقق آمالهم وتطلعاتهم في عملية الاستيطان داخل فلسطين. وطلب من هرتزل تحديد نوع الطلب فأجاب هرتزل شركة فرمانية تحت الحماية الألمانية (A Chartered Company under Gerjnan Protection) وجاءت تحت عنوان آخر: «شركة يهودية لأراضي سورية وفلسطين Jewish Land) (Company for Syria and Palestine فوافق القيصر في هذا اللقاء على ان يقابل الوفد اليهودي برئاسة هرتزل في فلسطين .
وأثناء لقاء القيصر بالسلطان العثماني تحدث القيصر بشيء من الحماسة عن أماني اليهود في فلسطين، ولكنه فوجئ بفتور شديد من جانب السلطان الذي سار بالحديث نحو موضوعات اخرى. عاد هرتزل والتقى القيصر على أبواب مستمعرة مكفيه إسرائيل» إذ اصطف مع كبار الحاخامين وتلامذة المدارس العبرية الذين انشدوا للقيصر ترحيبا باللغة الألمانية مطلعة: مرحبا بك يا حامل تاج النصر.، وكان لقأءً سريعا. واستقبل القيصر الألماني الوفد الصهيوني في خيمته في القدس في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر ١٨٩٨. والغى هرتزل خطابا بين يديه، أشار فيه إلى خطة الحركة الصهيونية القائمة على إنشاء شركة يهودية لأراضي سورية وفلسطين تحت الحماية الألمانية، تأخذ على عاتقها المشروع الكبير، وكل ماهو مطلوب من الدولة العثمانية ان تلغي فرمان الهجرة، وأكد مرة اخرى احترام اليهود جميع الأديان التي قامت على أرض فلسطين. وقد وصف هرتزل في هذا اللقاء مدى اهتمام واحترام القيصر له اثناء زيارته لفلسطين وذلك على نقيض ما قدمت له المراجع العربية. وكان رد القيصر على هرتزل كالالتي : المسألة بحاجة إلى دراسة معمقة ونقاش مطول إذ ان الأرض ما زالت بحاجة إلى المزيد من العمل، فالمستعمرات التي رأيتها سواء الألمانية ام اليهودية توضح تمامأ ما يمكن عمله بشأن الأرض فالبلاد تحتوي على مكان لكل واحد The Countiy) (Has R m for Every One وعمل المستوطنين يمكن أن يكون مثالا لأهل البلاد، إن حركتكم يقصد الحركة الصهيونية التي اعلن عنها الكثير يبدو فيها رأي مواصلة واستكمل الحديث في ما بينهم حول ما يمكن عمله بالأرض وكيفية توفير الماء وتطوير الوضع في البلاد والقضاء على الأمراض.
علق هرتزل علي في جة اللقاء بقوله: هو لم يقل نعم ولم يقل لا . و ذلك ليس بمستغرب، والسبب أن القيصر يريد إيجاد موطئ قدم له داخل الدولة العثمانية لغزوها اقتصاديا، وان هو لبي طلب الصهاينة فذلك يؤدي الى فشل الهدف الذي جاء من أجله بشكل مباشر. ولأن الدولة العثمانية تعتمد في سلاحها علي الألمان فإن تأييد الصهيونية امر سيغضب السلطان، كما ان فرنسا وبريطانيا ما كانتا لترحبا بنفوذ ألمانيا في المنطقة. كما كان لموقف أغنياء اليهود السلبي من الحركة الصهيونية أثره، في الموقف الألماني. إن السؤال المطروح هنا هو لماذا سمحت الدولة العثمانية لهرتزل بهذا النشاط أثناء زيارة القيصر الألماني لفلسطين؟ وبأي صفة يقوم بإلقاء خطاب في فلسطين أمام القيصر وتحديدأ في إحدى المستعمرات الصهيونية؟ ألم يكن أجدى بالسلطان عبد الحميد — وخاصة بعد كل ما تقدم من معرفته وتتبعه لنشاط الحركة الصهيونية — القيام بمنع هرتزل من دخول أرض فلسطين؟ كتب هرتزل معلقا على زيارته لفلسطين: «لو كان لدى الحكومة العثمانية بعد نظر لوضعوا حدأ لنشاطي وتحركاتي ، فالأمر بسيط، إذ كان يجب طردي من البلاد. وهو مستغرب من سماح الحكومة العثمانية له بإكمال رحلته إلى فلسطين. ولا بد من الإشارة إلى أن هرتزل لاقى استقبالآ حارأ من جانب المستوطنين اليهود في المستعمرات اليهودية من مثل مكفيه إسرائيل، وريشون لتسيون ، و رحوفوت . ولمزيد من التوضيح حول موقف المانيا من الحركة الصهيونية نقول: إن الخط الذي انتهجته الدبلوماسية الألمانية خلال عهد القيصر فيلهلم الثاني، هو الخط الذي تبنى دعم المؤسسات اليهودية في فلسطين، وبخاصة المدارس والمؤسسات الخيرية الي كان يعتقد أنها مفيدة 《الجرامنة.》الشرق، وتبنى المستعمرون العهود هذا الخط في فلسطين لاعتبارات اقتصادية، لأن هؤلاء المستعمرين كانوا يستوردون البضائع والمنتجات الألمانية، لذلك لم تردد المانيا عام ١٨٩٣ في المطالبة بإلغاء الفرمان العثماني الذي يحرم اليهود من شراء الأرض في فلسطين، وكانت المانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي طالبت بهذا الالغاء. لكن الحكومة الألمانية كانت تخشى إعلان حمايتها للوجود اليهودي في فلسطين وللمشروع الصهيوني خوفأ من وإثارة الدول الأوروبية. ورغبة في الحفاظ على صداقتها مع الدولة العثمانية وذلك لحماية مشاريعها في الشرق؛ وهذا ماجعل القيصر يتراجع عن موقفه تجاه طلب هرتزل، وما دامت الصهيونية هي الخطر الأساسي للدولة العثمانية فإن دعم المانيا لهرتزل يكون ضد سياسة الماب القائمة على حماية الدولة العثمانية. والواقع ان تحركات المانيا في الدولة العثمانية كانت قد أثارت شكوك الروس والفرنسيين؛ ورغم محاولاتها نفي هذه الإشاعات لكنها لم تفلح (ولكن هذا لايمنع من دعم المانيا لنشاط الحركة الصهيونية في راي الباحثة. ونتابع القول إن الألمان كانوا اول المعجبين بافكار هرتزل وبكتابه الدولة اليهودية. وتم وصدار محيفي دي فلت (Die Welt) الأسبوعية في المانيا لتنطق باسم الحركة الصهيونية، وتشكل اتحاد الصهاينة الألمان الذي عقد مؤتمره العام في فرانكفورت 31/10/1897م كما إنشأ هاينريش لوي (Heinrich Lowe) في برلين اتحاد الصهاينة البرلينين وقد صدرت عدة صحف لتعبر عن نشاط الصهاينة في المانيا منها صحيفة الصهيوني (Der Zionist) عام 1901م وصحيفة (cIsraelitische Rundschau ) الشهرية الناطقة باسم اتحاد الصهاينة البرلينين. وقد انشاء اليهود الألمان .جمعية إغاثة اليهود الألمان 1901م التي ادت دورأ مهمأ في إغاثة يهود اوروبا الشرقية وقامت بنشاط ثقافي تعليمي واسع في الدولة العثمانية وتوالت انشاء شبكة من المدارس اليهودية في الدولة العثمانية وكانت لغة التعليم فيها اللغة العبرية وفي الفترة الممتدة من١٥ الى ١٨ اب / أغسطس ١٨٩٩ باشر المؤتمر الصهيوني الثالث جلساته وفيه أنضمت جمعية أحباء صهيون إليه بصورة رسمية واعلن هرتزل ان نشاطه السياسي ينصب في هذه الحقبة في الأوساط العثمانية لإقناع السلطان العثماني بمشروعه، والموافقة على فرمان يبيح لليهود الاستيطان في فلسطين. وقد قرأ على المؤتمرين رسالته إلى اصدار السلطان عبدالحميد التي أكد له من خلالها إخلاص اليهود للسلطان نحو رعاياه اليهود ورغبة الصهاينة في اغاثة إخوانهم التعساء في دول اوروبا المختلفة وأمل الصهاينة بتقدير وتشجع السلطان لهذه الرغبات»، واكد ان الغاية منها لفت نظر السلطان إلي الحركة الصهيونية ومطالبها. واضاف هرتزل في خطابه الافتتاحي امام المؤتمر، ان اتصالاته التي بداها ع العثمانيين لا بد من ان تستمر وتتطور حتي تتمكن الحركة الصهيونية من الحصول علي موافقة الباب العالي لتفيذ خطتها الاستيطانية في فلسطين بحماية السلطان العثماني ورعايته. وقد تمسك هرتزل برايه الداعي الى ضرورة الحصول على تأييد أحدي الدول الكبري بالإضافة إلى الدولة العثمانية قبل البدء بإرسال مهاجرين يهود إلي فلسطين، وبمجرد ان ايقن فشله في الوصول إلي هدفه عن طريق المانيا قرر الاتصال مباشرة بالعثمانيين والعمل على الوصول إلي السلطان العثماني نسفه. وتم خلال المؤتمر وضع صيغة فرمانية صهيونية لوثيقة الاستيطان والإعلان عن تاسيس المصرف اليهودي الاستعماري.
ادت التطورات العالمية دورأ مؤثرأ في مسيرة الحركة الصهيونية وجعلتها تنقل أحد مؤتمراتها إلى لندن، وذلك إدراكأ من الحركة بأهمية دعم بريطانيا لنشاطها، فعقدت مؤتمرها الرابع في لندن عام ١٩٠٠م لحث الشعب اليريطاني على مضاعفة تأييده للحركة، وانتهى المؤتمر في مقرراته الى ضرورة تكثيف الجهود من اجل تحقيق مقررات المؤتمرات السابقة، وفي مقدمها مؤتمر بال ١٨٩٧ ، والعمل على زيادة الجمعيات الصهيونية لخدمة الحركة الصهيونية وإجراء المفاوضات مع المسؤولين الإنكليز لبذل المساعي من اجل تحقيق مشروع الدولة اليهودية، وفيه تم الإعلان عن تأسيس صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار. بعد المؤتمر الرابع عاد هرتزل يطلب لقاء السلطان عبدالحميد، عن طريق وسيط جديد هو المستشرق الرحالة اليهودي ارميئيوس فامبري، وذلك لأن نولنسكي كان قد توفي في تلك المرحلة. فأعد فامبري للقاء هرتزل عبدالحميد بشرط ان يقابله بوصفه صحافيأ متنفذا ورئيسأ ممتنفذ ورئيس لليهود وليس ممثلآ عن الحركة الصهيونية. وكان هرتزل قد نوه إلى ان فامبري حذره من الحديث عن الصهيونية، إذ إن فلسطين مدينة مقدسة شانها شان مكة. لكن بما أنه ءصحافي متنفذ ورئيس لليهود فلماذا بحث معه طلبات الحركة الصهيونية كما تم الإعلان عنها في المؤتمر الصهيوني الأول؟ اليس هذه مناورة اخرى من السلطان حتي يحافظ على ماء الوجه ؟ أذا كانت فلسطين مقدسة شانها شان مكة فلماذا الحديث عنها؟
قابل هرتزل السلطان عبد الحميد الثاني في ١٨ آيار/مايو 1901م، وكان منطلقه في الحديث تقديم الشكر إلى السلطان كونه مخلصآ لليهود ويقدم لهم المساعدة بشكل دائم، وانه— أي هرتزل بالمقابل مستعد لتلبية اي طلب للسلطان وطمأنه أنه لا ينوي حاليا البوح بهذا اللقاء وما صدر فيه، لهذا بإمكانه الحديث والتعبير عن طلباته بحرية تامة، خلال اللقاء أكد السلطان صداقته الدائمة لليهود وثقته الكييرة بهم. كان منطلق هرتزل للحديث مع السلطان قصة اندروكليس مع الأسد والشوكة التي انتزعها، فجلالة السلطان هو الأسد والشوكة التي يود هرتزل انتزاعها هي الدين العام، الذي إن امكن الدولة العثمانية التخلص منه استعادت مكانتها بين دول العالم. واكتشف هرتزل في هذه اللحظة أن عبد الحميد لديه الرغبة لجعل إدارة الشؤن الداخلية العامة تحت سيطرته الخاصة وإضعاف الدور الأوروبي فيها، لهذا رسم هرتزل خطته لتحرير االسلطان من قبضة الدول الأوروبية وأموالهم. واكد هرتزل للسلطان انه يود مساعدة الدولة العثمانية ماليآ عبر اثرياء اليهود والخبراء اليهود في المجالات كافة، فكل ما تحتاج إليه الدولة العثمانية الأن هو المال والخبرة الصناعية المتوافرة لدى اليهود في العالم. هنا نوه السلطان عبد الحميد إلي أن الثروات المعدنية غير مستغلة في الدولة العثمانية من حديد وذهب وفضة ونفط، وطلب منه آن يوصي له بمستثمر قدير لأجل ان يؤسس لمصادر دخل جديده في البلاد مثل ضرائب الكبريت، وكان ذلك إشارة استشف منها هرتزل ثقة السلطان وأكد السلطان لهرتزل ان الرجل سيكون له مركز رسمي في البلاد، وذلك حتي لا يثير الشبهات من حوله، وأنه سيعمل على تزويد هرتزل بالتقارير بشكل مستمر، وبهذا يكون هذا الرجل صلة وصل بين السلطان وهرتزل. وبعد ذلك انتقل الحديث بينهما عن الدين العام للدولة العثماية موضحا المبلغ المطلوب لتصفية هذا الدين، وهنا طلب هرتزل معرفة التفاصيل كاملة وأمر السلطان رجاله وكبار المسؤولين تلبية طلبه على الفور.
استمرت المحادثات لأكثر من ساعتين، انتهت بطلب هرتزل تصريحأ للهجرة لمصلحة اليهود، وعرض التفاصيل ألمالية الدولة العثمانية ، وضرورة استمرار المراسلات في ما بينهما، ووعد السلطان بتقديم ذلك كلهاهام. بعد اللقاء تلغى هرتزل هدية من السلطان تحتوي على قلم وخاتم تعبيرأ عن الصداقة.
عاد هرتزل بعد هذه المقابلة إلى فرنسا وهو متفائل من اجل جمع المال اللازم لتحقيق ما تم الاتفاق عليه مع السلطان، وخلال مباحثاته واتصالاته في العواصم الأوروبية استمرت المفاوضات بينه ويين السلطان عبدالحميد عبر الرسائل التي تم تبادلها في ما بينهما، إذا قام هرتزل بإرسال الرسائل إلى عبد الحميد يطلعه على أهم التطورات في مشروعهما الذي اتفقا عليه، ومن أهم ما جاء في هذه الرساثل: طلبت الدولة العثمانية اربعة ملايين جنيه من هرتزل‘ ووعد هرتزل بتنفيذ الطلب،
لكن مقابل تحديد موقف واضح من السلطان تجاه الهجرة اليهودية٩٨١ء، والضمانات التي يمكن ان قدمها الدولة لهؤلاء المهاجرين وكبار المستعمرين اليهود. فكأن ان اسجاب له السلطان بشرط ان يحصل اليهود على الجنسية العثمانية، وان زدوا الخدمة السعكرية، وان لا تكون الهجرة بجماعات كبيرة.
وفي المقابل علي هرتزل إنشاء شركة اراض عثمانية ضخمة تعمل على استصلاح الأرض وبناء المستعمرات لتسهيل عملية اقتراض الأموال. وبهذا دخل هرتزل في المفاوضات الجدية مع السلطان حول الفرمان الذي سعي إليه.
مكث هرتزل أياما أخرى في إسطنبول بعد مقابلة السلطان يحاول الاتصال بالشخصيات العثمانية مثل عزت بك و ابراهيم بك ونوري بك للتباحث معهم بشان القروض اليهودية لتغطية العجز المالي في الدولة لقاء السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين. وهكذا تبين لاحقا من دراسة الوقائع والمباحات الصهيونية - العثمانية ان العثمانيين كانوا على استعداد لقبول المساعدات المالية اليهودية ولا مسما بعد تردي اوضاعهم المالية، ولكن دون ان يمسحوا بمنح فلسطين لليهود بشكل مباشر انعقد المؤتمر الصهيوني الخامس في بال بويرا في الفترة من 16 إلى ٢ كانون الأول/ ديسمبر عام 1901م ، واتخذت فيه قرارات مهمة، ومنها إنشاء الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي في فلسطين وجعلها اراضي ذات ملكية جماعية لا خاصة، وتشغيل العمال اليهود لا غيرهم، وتهويد الأرض المقدسة من جديد، والسماح بإنشاء منظمات صهيونية في اية منطقة، والشروع في وضع دائرة للمعارف اليهودية. تلغى هرتزل دعوة لزارخ رابيعؤ إلى إسطبول في ٥ شباط/ فبراير 1902م، لكنه لم يقابل السلطان خلالها واتكفى بالتفاوض مع رجليه: عزت بك إبراهيم بك، لتزودها بأهم ماتوصل وليه من نتائج لكنهما استنكرا عليه تصريحاته التي القاها في المؤتمر الصهيوني مشيرأ خلالها إن السلطان قد سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين بهدف إقامة مملكتهم؛ فانكر ذلك وتنصل منه. ومن ذلك نلاحظ مدى إصرار السلطان على سرية المفاوضات. قام عزت بك بإبلاغ هرتزل بموقف السلطان، بقوله: إن السلطان سوف يسمح بالهجرة اليهودية الى آسيا الصغرى وما بين التهويد بشرط الحصول علي الجنسية العثمانية، وبها يخضعون للفرمانات العثمانية وان لا تكون الهجرة جماعية ولا للإقامة انما يكون ذلك ونفقأ لشروط حكومة السلطان وفي المناطق الي تحددها لهم في كل البلاد عدا فلسطين في البداية. اي خمس عائلات هنا و خمس عائلات هناك: مهجرة غيرمركزية. واشترط السلطان مقابل ذلك على هرتزل تشكيل وكالة مالية يهودية من اجل إنشاء شركة تعدين لاستثمار مناجم الذهب والفضة والنفط في الدولة العثمانية وتخليصها من ديونها، وتقديم القروض بشروط معندلة لها. وأجاب هرتزل عبر رسالة بانه قادر على تشكيل الشركة التي ارادها السلطان، لكن ما يتعلق بالدين العام فهذا يحتاج إلى دعاية إعلامية، وذلك يتعارض مع السرية التي اشترطها السلطان للمفاوضات. وعاود السلطان التاكيد لهرتزل انه متعد لأن يمنح لإمبراطورية لليهود-ما عدا فلسطين أولآ-وان يتجنوا بالجنسية العثمانية، ولكن هرتزل رفض رفضأ قاطعأ، وهدد بترك إسطنبول. وقام السلطان بإرسال رسالة لهرتزل يعبر بها عن مخاوفه من سمح بالهجرة غير المقيدة لليهود-حتى لو هو رغب بها- فقد تثير غضب شعبه كله. ثم كان الجواب النهائي من السلطان ورجاله لهرتزل على شكل نصيحة، تقول: ادخلوا هذه البلاد كرجال مال وكونوا اصدقاء؛ بعد ذلك يمكنكم ان تقطنوا ما تشاؤون. ويمكن ان تفهم من هذه النصيحة ان بإمكانهم الحصول على فلسطين، ونحن لانسامح بذلك، ولكن علينا ان نكون حذرين وإلا خسر ناكل شيء. هنا لم يكن امام هرتزل سوى الرفض المباشر والصريح لهذه العروض، لأنه منذ البداية سعى إلى تعهد رسمي يسمح بدخول فلسطين بشكل فرماني - ان يقدمه بشكل صريح ومباشر-كما اننا لا ننى ان هرتزل ايضأ لم يتمكن من جمع المال اللازم للسلطان-كماسنوضح لاحقأ-فالأخير يقول لا اعطيك حتي تعطينى.
كانت الزيارة الخامة والأخيرة لهرتزل لإسطبول نهاية نمونا/يوليو 1902م، وجاءت بناء على دعوة سفير الدولة العثمانية في بريطانيا، التي أكد له من بعدهاعدم إشاعة او نشر أي خبر عن مفاوضات هرتزل مع السلطان، لأن في ذلك ضرر أكبر للدولة العثمانية ، وإن تمكن من تجميد الدين العام للسلطان فإنه سينطر بيعين العطف على طلبات اليهود وسيقدم له من الأدلة مايبن ذلك. وصل هرتزل الى إسطنبول في ه٧/٢/ ١٩م٢(ا"). وعلى الرغم من كل الشروحات التي قدمها إلي السلطان. فقد جاء الرد النهائي بواسطة تمين بك السكرتير الأول للسلطان وإبراهيم بك ترجمان الديوان العثماني ان بإمكان الإسرائيليين ان يهاجروا ويتنقلوا في الإمبراطورية العثمانية بشرط الا يجتمعوا في مكان واحد بل في اماكن تحددها لهم الحكومة العثمانية وبشرط ان تقرر الحكومة عددهم مسبقأ وسيعطون الجنسية العثمانية ، وستطبق عليهم الواجبات المدنية بما فيها الخدمة العسكرية، وسيخضعون لفرمانات البلاد كالعثمانيين تمامأ، وكان هذا الرد في ٢ آب/أغطس ١٩٠٢م. نرى من عرض السلطان المتلاحق على هرتزل بانه على استعداد لفتح الإمبراطوية امام المهاجرين اليهود من جميع الدول على ان يتعهدوا بان يصبحوا رعايا عثمانيين بكل ما يفرضه ذلك عليهم من واجبات، وبهذا يمكنهم السكن في اي مقاطعة من البلاد عدا فلسطين — بادى الأمر. مقابل ذلك يريد السلطان من هرتزل تأمين وكالة لتصفية الدين العام والقيام باستثمار مناجم الدولة العثمانية ومعادنها كلها. لكن هرتزل كان يرفض اي اتفاق لا ذكر لفلسطين فيه مع عدم القبول بالهجرة غير المقيدة هكذا اضطر هرتزل إلى التحول من أستنطبول الى لندن بعد أن تأكد من استحالة الحصول على أي وعد أو تشرع بفلسطين أو حتي بجزء منها بشكل صرح ومباشر. وفي عام 1902م قررت الحركة الصهيونية عقد مؤتمرين في آن واحد، أحدهما في بال سويرا في الفترة ٢٣_٢٨ آب/اغسطس والآخرفي فلسطين، وهو اول مؤتمر صهيونية عقد في الأراضي المقدسة، اعد له الروسي الصهيوني مناحم ماندل أرميثكين (Menahem Mandle Ussishikin) وكان الاتجاه السائد في المؤتمرين ان تكون فلسطين دولة قومية لليهود وأعلنوا أنهم لن يتوطنوا إلا فلسطين. اما المؤتمر الصهيوني الذي عقد في فلسطين في مستمعرة "زخرون يعقوب» فقد كان اجتماعأ سريأ عقده اليهود لتوحيد جهودهم داخل فلسطين بعد ملاحظة بوادر الانقسام بين افراد الطائفة اليهودية ومقاومة الفرمانات العثمانية والعمل على تسهيل مهمة المهاجرين اليهود. وقد اسفر الموتمر عن وضع تنظيم يضم جميع اليهود اللذين يقيمون في فلسطين، وقسمت فلسطين إلى ستة اقسام علي النحو التالي: ١-بيت المقدس، والخليل، ومنه، وعليطوف. ٢ -المستعمرات حول الرملة. ٣—يافا ويتاح ذكفا. ٤ - الناصرة، وطبريا، والمستعمرات القائمة في هذه المنطقة. ٥-الخضيرة، وزخرون يعقوب، وحيفا. ٦ – صفد ومستعمرات الجليل". ويرى الخولي ان هذا المؤتمر لم يعاود الانعقاد مرة اخرى في فلسطين لأن السلطات العثمانية تنبهت إلى ان الصهيونيين قد مدوا نشاطهم إلى فلسطين، فعملت على وقف النشاط، ولربما ان استقطاب الصهيونية لشعورها أن أوروبا هي المكان المناسب لعقد مؤتمرهم وليس فلسطين.
والواقع ان هرتزل ظل حتى آخر أيامه يجتهد من أجل تحقيق مشروع الدولة اليهودية؛ في فلسطين. وفي ١٦ايار/مايو ١٩٠٤ فقدت الحركة الصهيوني زعيمها فطويت بوفاته صفحة نشطة من التحرك الصهيوني. ويقول موكولوف عن وفاة هرتزل هذه تركنا وكان متاكدأ باننا نسلك الطريق نفسه، ولكن عاش فينا إلي الأبد كمثل النجمة الي تضيء وتسيرون فى ضوئها مؤثرا في الآخرين. في٢٧ تموز/يوليو١٩٠٥م عقد المؤتمر الصهيوني الرابع في بال وانتخب ماكى نور دوري المؤتمر، فأكد في أول خطاب له ضرورة التواصل بين الحركة الصهيونية والدولة العثمانية وان من مصلحة الدولة العثمانية أن تقيم في فلسطين و سوريا شعبا قويا ملتزما، وقرر المؤتمر رفض أي مشروع استيطان آخر لا يتضمن فلسطين التي لا بدل منها وطن للشعب اليهودي. وهذا ما تم التشديد عليه في المؤتمر الصهيوني الثامن ١٩٠٦م اكدوا ان الذهاب إلي فلسطين ضرورة صهيونية إضافة إلي أن الصهيونية بمنزلة رائدة للمدنية الأوروبية، كما تقرر تأسيس شركة للأراضي الفلسطينية وتخصيص قرض يقدمه البنك القومي اليهودي، لبناء مستعمرات جديدة بالقرب من يافا؛ وتقرر أيضا اعتبار اللغة العبرية لغة التخاطب الرسمية للصهيونية وأنه يمكن التغلب على الفرمانات العثمانية والحصول على فلسطين بوابة العمل الصهيوني الذي له أن يحول فلسطين الى وطن عملي وفعلي لليهود . ثانياً: تقييم المفاوضات قبل الحديث عن أسباب فشل المفاوضات والنتائج التي ترتبت عليها نحاول الإجابة عن سؤال مهم، وهو لماذا المفاوضات إذأ وميقآ؟ وما يلفت الانتباه هنا ان السلطان عبدالحميد أبقى الباب مفتوحا أمام هرتزل للتفاوض وإجراء الاتصالات طوال الفترة الممتدة من عام ١٨٩٦ حتى ١٩٠٢م رغم انه كان معارضا للحركة الصهيونية وتطلعاتها؛ إذآ لماذا لم يضع حدا لهذه الاحتمالات منذ بدايتها؟ وما الهدف من وراء محادثاته مع هرتزل؟ ولماذا حاول الإبقاء على شعرة معاوية بينه وبين هرتزل؟ . وقد تضاربت الآراء حول مفاوضات هرتزل مع عبدالحميد الثاني ، فهناك من اعتبرها مناورة سياسية قام بها السلطان ليطلع على مخططات الحركة الصهيونية عن قرب، وهذا ما يمنعه من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع امتداد نشاط الصهاينة على أرض فلسطين وهناك من شكك بصحة قيام مثل هذه المفاوضات، وأنها وجدت في خيال هرتزل وان لا أساس لها من الصحة، وحجتهم في هذا الأمر أن المصدر الوحيد الذي تناولها هو مذكرات هرتزل، والمذكرات مصدر صهيوني يجب الحذر مما جاء فيه. وهنا سنحت الفرص أمام مستشاري السلطان وافراد بطانته منذ كانوا يبحثون عن الرشوة في اية جهة ومن أي مصدر، انهم اقنعوا عبد الحميد باستقبال هرتزل لاستخدامه اداة في الحمول على قرض مالي من الممولين اليهود كديون الدولة العثمانية التي بلغت أوضاعها المالية حدأ بالغ الخطورة، وأنهم بينوا للسلطان إمكان تحقيق ذلك من دون اللجوء الى التخلي عن فلسطين لليهود؛ اضافة إلى ذلك فإن المسؤولين العثمانيين وجدوها فرصة سانحة لإطالة المفاوضات كي يستغلوا النفوذ اليهودي في الصحافة الأوروبية لتقديم صورة إيجابية عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الدامية في الدولة العثمانية. وهنا من يغر هذا الموقف بان العثمانية ين كانوا غير جادين في مفاوضاتهم مع هرتزل، إذا إنهم كانوا يماطلونه في استخدام عروضه المالية على انها ورقة رابحة في ايديهم للضغط بها على الممولين الأوروبيين-بضخامة الغرض وأن مذهم-من اجل حملهم على تقديم شروط وتسهيلات افضل، إذ كانت الحكومة العثمانية متورطة منذ مدة طويلة في مفاوضات مضنية مع هؤلاء الممولين من أجل توحيد ديونها وسدادها. واستناداً إلي راي كثيرين ممن تناولوا حياة السلطان عبدالحميد الثاني وجدوا انه لجاء إلى هذا الأسلوب للأسباب التالية:
١ -محاولة السلطان أستخدام هرتزل وكل من يقف وراء مشروعه في خدمة سياستة وتحقيق اغراضه والتلوح بإمكان الاقتراض المالي منهم للدول الي كان يزمع الاقتراض منها فعلا'لكي يقوي مركزه في هذه المباحثات. ٢_تأجيل فتح جبهة جديدة ضده في تلك الأوقات الحرجة التي كانت فيها المشكلة الأرسة في اوجها، لأنه كان على وعي تام بالنفإذ اليهودي الكبير في عالم الصحافة والسياسة في اوروبا، وكان وإغلاق الباب في وجوههم بشكل نهائي لا يعني إلا هبوب عاصفة شديدة من المتاعب والمشاكل ضد الدولة العثمانية الغارقة أصلا في مشاكلها. أي ان موقف السلطان كان دفيقأ وحرجأ جدأ، فهو من جهة لايستطيع التخلي عن اي شير من فلسطين، وعليه من جهة اخرى ان يتجنب إثارة عداوة المؤسسات اليهودية الواسعة النفاذ في عالمي الصحافة والمال... فما الحل إذن؟ هو ان يمتنع عن إعطاء اية وعود محددة لهم لكن بشكل يبقيهم على امل غامض يدفعهم إلي تكرار المحاولة وعدم قطع هذا الخيط الرفيع من الأمل، اي كسب أكبر قدر ممكن من الوقت، لذا نراه يمنح هرتزل وسامأ جبرأ للخواطر بعد رد طلبه وذلك الرد الحازم وذلك في اول عام من بدء المفاوضات. من الحق القول إن السلطان كان مشدودآ لشروع هرتزل، لأن هدفه الرئيسي الذي سعي إليه آنذاك كان تخليص الدولة العثمانية من تبيعيتها وديونها لأوروبا. واستخدم .أطماعهم في فلسطين. طريقأ لتحقيق هدفه، لكن كما لاحظنا في الغصلين الأول والثاني (الهجرة والاسطان) ان اليهود تمكنوا من تحقيق اهدافهم حتي لو لم يقدم السلطان اي تعهد رسمي مباشر بذلك. والمفاوضات يمكنها ان تفسر موقف السلطان اللامبالي من العرائض والشكاوى ولجميع ما تناولته الصحف العربية آنذاك عن مخاطر الصهيونية ، لكن رغم ذلك فشلت المفاوضات في تحقيق أهدافها المباشرة لكلا الطرفين . ١) يمكن أن نخلص السبب وراء فشل المفاوضات كما جاء على لسان هرتزل ، بقوله: أنا على إيمان تام بانني لونجحت في إقامة الشركة اليهودية المصرفية وذلك بمساعدة روتشيلد لتغيرت لهجة عبدالحميد تجاهي ولحقق لي دعلالبيه فهرتزل والحركة الصهيونية لم يعتمدا ميزانية مالية خاصة بغية تحقيق ما تم الاتفاق عليه مع السلطان عبدالحميد الثاني. كما وجد كبار االمستثمرين اليهود في مشروعات هرتزل مغامرة مالية كييرة وعلي رأس هؤلاء روتشيلد، إذ شعر ان مصالحه المالية المستثمرة لن تصان مع هرتزل والصهيونية، بل ستصبح مهددة، وهو ما سبيعرض مستعمراته للخطر، لهذا السبب لم إتفق. لقد بنى هرتزل خطته منذ البداية على فرضية المساهمة بملايين أصحاب الملايين ولا سيما آل هيرش وروتشيلد وآل مونتاغو وغيرهم، وهو يروي ادق التفاصيل عن مقابلاته لأصحاب الملايين ورسائله لهم وهو يدو متزلقأ احيانأ ومهاجمأ لهم في معظم الأحيان و واثقأ بانه سيجبرهم بسحر شخصيته إلى مشروعه الجامح، لكنه لم ينجح فعليأ مع احد من هؤلاء.
كذلك كان لدى الأتراك شكوكهم تجاه هرتزل ومدى تأثيره عالميأ في رجال المال والأعمال وفي ضمانات الدول الأوروبية الخارجية، وقدرته المالية لإتمام المشروع. وهذا ما تأكد لهم لاحقأ، إذا لم يتمكن هرتزل فعليأ من تحميل الدعم الكافي من أثرياء اليهود والمتظمات القيادية اليهودية، كما أن البنوك لم يكن لها علاقة بمشاريعه، وهو ببساطة كان يامل في الحصول على هذا الدعم في حال حصوله على تعهد من السلطان، وبهذا أيضأ تشل نوط رجال المال اليهود، وقدأدرك الأتراك ذلك لكنهم لم يريدوا ان يخيبوا ظنه لأنهم كانوا يطمعون من خلال وجوده في إسطنبول أن يتمكنوا من الحصول على عروض مشابهة اخرى، وهذا ما تحقق لهم. ويبدو ان الأوضاع المالية للدولة العثمانية هي التي جعلت عبد الحميد يوافق على مقابلة كل من هرتزل وإليسون لاحقأ، لكن تضاربت الأولويات؛ إذ ان رجال المال اليهود اشترطوا على هرتزل الحصول على الموافقة اولأ، ومن ثم يمكنهم ان يقدموا الدعم، وفي المقابل اشترط الاطراف توافر المال اولأ ثم يمكنه ان يناقش تعهد الاسطان المطلوب، ومن منا لم يمكن كلا الطرفين من التوصل إلى حل نهائي . ومن الأمثلة علي ذلك ان ممولين مونتاغيو من أصحاب رأس المال الكبار وضع شرطأعلى هرتزل ان تكون مساعدته مقترنة بمساعدة هيرش وروتشيلد، ولم يكن لدى روتشيلد قناعة بالوعود العثمانية، ولديه شكوك بقدرته على إتمام المشروع، كما لم يكن على استعداد بالمغامرة لأجل استقبال عشرات الألوف من المهاجرين اليهود إلى فلسطين وتحديدأ لمستعمراته، وكما ان خبراته وتجاربه مع إسطنبول اقنعنه ان الشارع السياسية لم تكن مقنعة عندهم وكان لهرتزل محاولاته لإقناع هيرش عام ١٨٩٦ لكن دون جدوى إذا لم يكن على قناعة ان هرتزل قد يحصل على وثيقة فرمانية، ولذا تحصل هرتزل علي الأموال من صغار اليهود.
جاءت سياسة هرتزل تجاه الدولة العثمانية على اساس (أعط وطالب) لكن هذه السياسة اثبتت فشلها لأنه لم يستطيع توفير المصادر المالية، كما ان السلطان بدوره رفض تقديم اي تصريح مباشر يمكنه ان يقنع او يطمئن كبار رجال المال اليهودي او الصهاينة. فمن أسباب فشل المفاوضات (بتقديري) ما يلي: اولآ، أن هرتزل قد آمن في الحصول على اعتراف دولي بقضية اليهود، وقبل البدء بأي نشاط اقصادي او سياسي في فلسطين، وهو ما اطلق عليه اسم الصهاينة الكلاسيكيون (Classical Zionists). من ناحية اخرى برز التيار المعارض لخط هرتزل الذي اصر على الاستيطان، سواء حصل اليهود على «التعهد» اوالفرمان او الضمانات الدولية اولم يحصلوا، وهم من اطلق عليهم اليهود. الصهاينة العمليين (Practical Zionism). من هنا جاء رفض معظم اثرياء اليهود دعمهم هرتزل ومشاريعه ماليآ لأجل مداد ديون الدولة العثمانية وتنفيذ رغبات عبد الحميد. ونقول إن عبد الحميد كان عنده رغبة شديدة بحل كل مشاكل الدولة العثمانية المالية ورح السيطرة الأوربية علي الدولة، ولكن المحرم وحدود المحرم. هو الذي وقف في طريق عبد الحميد، فهرتزل أراد التعهد وعبد الحميد أراد المال، وعبد الحميد لم يكن قادرأ علي منح التعهد بشكل مباشر. كان السبب الرئيسي لعدم توصل هرتزل إلي اتفاق مع الأتراك هو اصراره على الجمع بين المالية ومشاريع الاستيطان والعثمانيون، بدورهم، فصلوا بين المساعدات المالية والحصول على اتعهد من اجل فلسطين. وعندما اصر هرتزل على التعهد أمتعض السلطان أي شمانة او حتي الوصول إلى اي شي مهم مع الصهاينة في الأمور المالية. ثانياً :إن عبدالحميد مع تقدم المفاوضات وانكشافها اصبح يدرك ان هناك مشاعر إسلامية ضد المشروع تزداد يومابعد يوم، فكان من نتيجة ذلك ان تفاقمت رغبته في عقد الصفقة وزاد حرصه على عدم إغضاب الراي العام الإسلامي الذي كان السلطان قد بدا يتزلف إليه ليستميله ضد اوروبا، لهذا رفض الإغراءات المالية التي قدمها هرتزل له، لكن هذه الإغراءات قد نجحت في حمله على إصدار فرمانات جزئية لصالح اليهود فاؤفي لهم بشراءاقسام معينة من فلسطين. ثالثآ، إن عبد الحميد (المشهود له بالذكاء والمهارة الدبلوماسة في تدبير الأمور)لا يمكنه ان يتورط في عمل كهذا وبالصورة التي ارادها هرتزل، لكنه أبقى على شعرة معاوية بينه وبين هرتزل وذلك لمحاولته التخلص من الدين العام وانعاش البلاد اقتصادياً بالأموال اليهودية، وفي المقابل كان لايستطيع ان يقدم شبرأ واحدآ من فلسطين فكان يريد الأخذ دون عطاء، إلاان هرتزل لم يقم وزنأ لأي عطاء من قبل السلطان خارج ار|ضي فلسطين. رابعأ، إصرار هرتزل على التعهد أو الضمانات الدولية لأنه اراد ان يبدو كل شيء بشكل فرماني، ورفض فكرة التسلل إلى البلاد بصورة غير شرعية، ولأن استيطانأ كهذا لن يلبي الطموحات الصهيونية المغرقة في التفاؤل بنجاح مشروعها، إذا أكد هرتزل ان ما يجب عمله هو إيجاد موطئ قدم «لليهود» في فلسطين بواسطة وثيقة معلنة ومعترف بها تحت حماية دول اوروبية مثل المانيا او إنكنرا أو إيطاليا، والوثيقة عند هرتزل تعني الترخيص اليامي الذي كان يودن الحصول عليه لاقامة مستعمرات في فلسطين تتمع بالحكم الذاتي ، وبعبارة اخرى استعمار فلسطين بأقامة دولة فيها. وكان اهتمام السلطان الرئيسي منصبا على استخدام صلات هرتزل بالمصرفيين اليهود للحصول على قروض، وكان هرتزل يتظاهر بان له علاقات مع مصرفيين يهود.
ثالثآ: نتائج المفاوضات
هل حقق هرتزل اي نجاح يذكر من هذه المفاوضات؟ يمكن ان نذكر النتائج على النحو الأتي: ١ - استطاع هرتزل ان يصنع اعترافأ عالميأ من كثير من حكومات العالم بالمنظمة الصهيونية العالية. ٢_تمت عبر هذه المفاوضات(ست سنوات) ان يجعل من فلسطين مسالة سياسية أعلامية تشغل بال الراي العام الأوروبي، ووضع الصهيونية على الخريطة السياسية للدول الكبرى، وكان شعاره، مقابل قليل من المال والدبلوماسية يمكن ان تحقق هدفك. ربما تكون هذه مناورة ذكية قام بها الأتراك، ومع ان هرتزل عاد من إسطبول ولم يحقق شيئاً بشكل نهائي ومباشر، لكن على الصعيد المعنوي فإن اخبار، وأخبار مهمه انتشرت بين اليهود في العالم، وبناء عليها زاد آملهم وحصل على شعبية كبيرة في ما بينهم وهو ما مؤدم السبيل امام زعماء الصهيونية بعد هرتزل للير ندمأ على خطته من أجل الحصول على التعهد حتي تم لهم ذلك في ظروف الحرب العالمية الأولي، على يد حاييم وايزمن، بوعد بلفور. إن مجرد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة ١٨٩٧ اي بعد جولة المفاوضات الأولي بين هرتزل مع السلطان عبدالحميد، والإعلان الصريح عن هدف بناء وطن قومي لليهود في فلسطين، يدلل على أن هرتزل لم ياخذ رفض السلطان عبد الحميد لمطلبه على محمل الجد، وأنه فهم رفض السلطان على اساس انه موقف تفاوضي لتحصيل المزيد من اليهود لا اكثر. ويتوضح ذلك من خلال خطاب هرتزل امام المؤتمر وثنائه على السلطان وقناعته التي أعلنها بان تحقيق الهدف الكبير بالاستيلاء على فلسطين لايزال ممكنا وقيد الاستطاعة.
٣-لم يكن لدى السلطان ومستشاريه اية نية في إعطاء فلسطين للصهاينة بشكل مباشر، لكن فتحوا لهم الأبواب بطرق غير مباشرة، فاعطوهم الجنسية العثمانية وسمحوا بمستعمراتهم بشرط الا تركز في نقطة واحدة، وهذاماحدث فعلأ. وقد كان محور استراتيجية هرتزل الحصرل على الوعد والبراءة الفرمانية من السلطان بشكل واضح ويعتمد من قبل الدول الكبرى. ولم يكن هرتزل مقتنعأ باستراتيجية الصهيونيين المحليين القائمة على خلق واقع على الأرض عن طريق اكلل التدنجي وشراء الأراضي وبناء المستوطنات. في تحليل موقف وسياسة واستراتيجية السلطان عبد الحميد إزاء الاستراتيجيتين الصهيونيتين يمكن القول إنه غض النظر عمليا عن استراتيجية اكلل»، اي صار الصهيونية العملانية، لكنه وقف في وجه استراتيجية الوعد الفرماني،. وعلى الأغلب كان عبد الحميد يرى ان عدم التنازل والتشدد إزاء مطلب الوعد الفرماني. سيكون كافيا لحمايته من حكم التاريخ ويدفع عنها تهمة «بيع فلسطين لليهود،. غير ان تاهله مع استراتيجية ءاكلل، قادت عمليأ إلي النتيجة عينها، وكان التانى والتفاوض كان يتم آنذاك بين عمليتين: الأولي، شراء فلسطين من قبل اليهود بالجملة ودفعة واحدة، مسار هرتزل؛ والثانية، شراؤها بالتقسيط عبر اكلل، وهو مسار الصهيونيين المحليين. ٤ - فشق الصهيونية في تحميل تعهد الاستيطان، لكن حققت الفوز بشكل آخر،إذ راوغت الأتراك في الهجرة والاستيطان، واستطاعت ان تؤسس لتفسها مستعمرات كثيرة على امتداد سير المفاوضات، وهي المستعمرات التي شكلت النواة الأولي لدولة اليهود في فلسطين. م - بالرغم من الجواب الذي حصل عليه هرتزل من السلطان عبد الحميد إلا انه على الأقل ضمن حقوق إقامة الصهاينة في فلسطين، وهو ما شجع اليهود على الانخراط في الخطط الخاصة بالحركة الصهيونية في فلسطين؛ فتكرار قول السلطان إن اليهود دائمأ عاشوا بامان في الدولة العثمانية شكل اكبر عامل جذب لليهود إلي فلسطين.
٦— يبدوأن التشدد المتزايد الذي أظهره عبد الحميد في وجه المشاريع اليهودية، وبخاصة الصهيونية في فلسطين، كان تتيجة تأثير ببعض رجال الحاشية من العرب مثل عزت باشا العابد وأبي الهدى الصيادي من ناحية، وحرص السلطان على تدعيم سياسته الإسلامية من ناحية اخرى، والشكوك التي كان يدركها بشان النوايا الصهيونية؛ فلم يكن غريبأا ن يرفض السلطان الإغراءات الصهيونية المالية، وليس غريبأ ان يرفض كل ما عرض عليه من مال رغم حاجة الدولة إليها، لأن المقابل كان ارض فلسطين وهو مستحيل، إذ لا توجد حكومة متحضرة تستيطع ان تمنح اشخاص آسعون دولآ اخرى اميتازات خاصة في بلاد سكنها رعاياها؛ إلى جانب مخاوف السلطان من استيلاء اليهود على ارض فلسطين وفصلها عن الدولة العثمانية والتمهيد لإقامة ملك لهم فيها. ومثل هذا الموقف مفتوح، لكن ما لم يكن متوقعأ ان يغض النظر عن سياسة اكلل الصهيونية والآشيدي المم المطلوب في تئفين فرماناته وزماناته هو نفسه. لم تكن القيود التي فرضها عبد الحميد ناجحة تماما، ليس بسبب تحوله عن وجهة نظره إزاء الخطر الصهيوني الذي احمر يخشا. حفي عزله عام ١٩٠٩م فقد اضطر تحت وطاة الديون ومشاكل الدولة المالية إلي الدخول في مفاوضات مع هرتزل استمرت ستة اعوام، لكنها انتهت بالفشل بسبب تشبث السلطان بموقفه المعارض علنأ لهجرة اليهود إلى فلسطين. وقد تبنى هذا الراي كثير من المؤرخين اللذين تحدثوا عن مفاوضات هرتزل - عبدالحميد. فلماذا لم نقل أن المفاوضات بأت بالفشل بسبب عدم تمكن هرتزل من تحقيق مطالب السلطان المالية؟ لأن هذا التفسير هو الأقرب إلي الصحة في تفسيرنا لمفاوضات هرتزل—عبد الحميد، إذ لو كان عبد الحميد سخن موقفأ صارمآ لما دخل المفاوضات التي دامت ست سنوات مع هرتزل زعيم الحركة الصهيونية. ونرى ان المؤرخين يقعون في تناقض كبير عند تفسير ما من معلومات أستندت إلى الوثائق التاريخية عن الهجرة والمستعمرات الصهيونية في فلسطين ومع رأيهم الخاص أوالتحليل الذي يقدمه لموقف االسلطان، فالتبريرات تستند إلي العاطفة ذلاور الواقع الشخية البحتة. فالمبدا او الموقف الحازم لا يقبل التفاوض لمدة ست سنوات، ولا يقبل كل هذه التنازلات التي اتيحت للصهاينة في فلسطين سواء في الهجرة او الاستيطان او النشاط الاقتصادي.
وعلينا أن ننبه القارئ ايضأ إلى مدى حساسية الموقف يين العرب والسلطان عبد الحميد في هذه الفترة، إذ بدأت النزعة القومية بالتزايد والمطالبة بالانفصال عن الدولة العثمانية والدارس والمطلع على تاريخ المتعلق العربية آنذاك يدرك ان قبول عبدالحميد لمطاب الصهيونية بشكل مباشر، وكما اراد هرتزل، يعني تمامأ القضاء على عرشه، فكيف يمكن لأي حاكم ذكي ان يقبل بيع ارض مقدسة لجميع الديانات المساوية؟ لكنه “راوغ هرتزل وراوغ اهالي المنطقه. ما معني ادخلوا فرادى وليس جماعات؟ ما معني سورية وما بين التهويد وما عدا فلسطين “في البداية.؟ ما معني إعطاؤهم الجنية العثمانية وان يعاملوا شانهم شأن اي مواطن عثماني له ما لهم من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات؟ ألا يحق لهم من بعد اعطائهم الجنسية حرية التنقل واقلك داخل الدولة العثمانية بما فيها فلسطين؟ ما معني ان تقام مستعمراتهم بترخيص زماني ؟ ما معنى طرد او عزل جميع الولاة المتعصبين اللذين طالبوا بإنهاء السيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين؟ وإذا اردنا أن ناخذ بآراء البعض اللذين يرون انه دخل المفاوضات لكي يتقي شر الحركة الصهيونية، إذأ لماذا لم يتمكن من الإجراءات ما يمكن من خلالها من هجرة الصهاينة او بناء مستعمراتهم في فلسطين؟ ولماذا لم يحن من نشاطاتهم الاقتصادية من مثل -اسس البنك والشركات اللذين اشرنا إليها؟ ان هرتزل أراد ان يبرر كل شيء بشكل فرماني وباعتراف دولي بهذا التنازل،وهو ما ادرك استحالته الصهاينة العمليون، لهذا انفصلوا عن هرتزل وتقدموا بنشاطهم الاستعماري داخل فلسطين، وفقا للحرية والتغاضي عن تقييد القرارات التي كان يتم إصدارها، وبدي عبد الحميد نتيجة الظروف التي قدمناها غير قادرعلى أن يعلن بصراحة عن موقفه. الم يجدر بعبد الحميد، وتحديدا بعد التصريح الحازم الذي أعلنه قبل بدء المفاوضات بايام، ان لا يقدم على خطوة واحدة بدلآمن الاستمرار مدة ست سنوات. وإن قبلنا براي البعض في ان المفاوضات دارت بين رجالات السلطان المرتشين وهرتزال فكيف يمكن لرجل محنك سياسيأ مثل هرتزل ان يقبل بمفاوضات يعرف انها لا تثمن ولا تغني من جوع، ولا يمكن ان تاخذ شكلها الزماني من غير موافقة عبد الحميد عليها؟ الا يحق القول أن هذه المفاوضات جلبت رجال المال اليهودي لبناء المستعمرات ولإحياءآمالهم في بناء مملكتهم القديمة؟ ثم كيف تمكن هرتزل من مقابلة القيصر الألماني في الأستانة وإلقاء خطاب بين يديه في فلسطين؟ بأي صفه قام بمثل هذه الأنشطة؟ أما من جانب هرتزل فإن من يتابع موقفه وخطاباته في المؤتمرات الصهيونية الئتابعية يجد انه كان واضح الرؤية في مطالبه واهدافه، لكن لعدم وضوح موقف عبدالحميد قلت حماسة رجال المال اليهود ولم يساعدوه على جمع المال اللازم، وهو ما ادى إلي فشل المفاوضات.
الفصل الرابع: الموقف الشعبي العربي تجاه النشاط الصهيوني في فلسطين وموقف السلطان عبد الحميد الثاني منه
عاش العرب واليهودعيشة مسالمة في معظم الأحيان، ولم يتخللها من الحرمات اكثرما يتخللها عادة حيإة اي مجتمع متعدد الطوائف والأجناس. ولم يحصل منذ ما قبل نهاية القرن (التاسع عشر) مثل ذلك الغضب المرقز الذي اشتد عقب اشتداد الهجرة اليهودية الى فلسطين منذ عام ١١١٨٨م)، إذ اعتبر مكان المدن العربية المهاجرين اليهود اللذين قدموا إلى البلاد حجاجأ جاؤا والدوافع دينية او هروبأ من الاضطهاد في اوروبا الشرقية. ولما كانت اعداد المهاجرين لليلة سيأ، ولما كانوا يستروون ايضأ على الدوافع السياسية للهجرة اليهودية فقد اظهر عرب فلسطين شعورآ غير عدائي نحوهم. واسمرت العلاقات هادئة بين العرب واليهود، فقد كانت حاجة المستعمرات الأورماتة إلى العمال، ولم يكن في وسع المستوطنين اليهودإحضارالعمال من الخارج نظرأ إلى القيود المفروضة على الهجرة، لذلك اضطروا إلي الاستعانة بالعمال العرب، وحدثت نزاعات حدود على الأراضي بين العرب واليهود، لكنها كانت عادية، كما ؤجد بدؤ مسلحون يهاجمون المستعمرات من وقت إلي آخر، لكن ليس لأنها يهودية. لكن موقف عرب فلسطين تبذل اواخر القرن (التاسع عشر) بعد ان تنبه العرب للخطر الصهيوني واصبح مألوفاً ان تحمل اعتداءات من السكان العرب على المستعمرات الصهيونية، واتخذت المعارضة اشكالآ مختلفة جاءت: اولآ، عبر العرائض والشكاوى التي رفعها هالي فلسطين إلي السلطان عبدالحميد الثاني مطالبين من خلالها بوقف الهجرة والاستنيطان اليهودي.
ثانياً :عبر المقالات التي نشرت في الصحف الكبري آنذاك التي نبهت السلطان عبد الحميد الثاني الي الخطر الصهيوني، وطالبته باتخاذ موقف حازم تجاه حركة الهجرة و|لاستيطان الصهيوني. ونتساءل هنا: بم تمثل موقف السلطان عبدالحميدالثاني من هذه العرائض والشكاوى بكل أشكالها؟ وهل اتخذ من التدابير والإجراءات ما يتجيب بها لمطالب مكان فلسطين؟ وهل لفا ان نتخن من هذه العرائض والشكاوى دليل مرئي علي تجاهل السلطان عبد الحميد الثاني تجاه امر الهجرة والاستيطان الصهيوني علي ارض فلسطين، الأمر الذي ساعد الصهاينة في ما بعدعلي تأسيس دولتهم علي ارض فلسطين؟
إذ ما يبرئ السلطان عبدالحميدالثاني من ذاك هوعدم معرفته بحقيقة ما يجري في فلسطين، وصب هذا التقصير إلى ولاته المسلمين، ولا سيما شهادة الكثير من المقربين إلي السلطان علي انه كان يطلع على كل ماتنشره الصحف سواء العربية ام الأوروبية دائما.
يسلط هذا الفصل الضوء على الموقف الشعبي العربي من زعامات محلية أو عبر الصحافة العربية. من نشاط الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، والهدف من هذا الاستعراض للموقف الشعبي ان نوضح للقارئ استشعار اهالي فلسطين والمنطقة المبكر للخطر الصهيوني. ومن محاولاتهم المستمرة لتنبيه السلطان عبد الحميد الثاني او حتى واستنجادهم به من أجل وقف هذا النشاط الصهيوني.
أولا: العرائض والشكاوي
لم تشهد فلسطين حركة مقاومة منظمة» ومستمرة يمكن ان تقف بقوة أمام المشروع الصهيوني طوال الفترة ١٨٧٨-١٩٠٩. أما ما جرى فجاء رد فعل مباشر اذا النشاط الصهيوني وموجات الهجرة، وبالمقابل نشط الأعيان وأصحاب النفوذ المحليون في كبريات المدن الفلسطينية وعلى رأسها القدس في مواجهة النشاط الاستعماري الصهيوني.
ولم يدل الموقف من اليهود إلابعد أن اخذت طبيعة الوجود اليهودي تتحول من الطابع الديني في فلسطين والمعايشة إلي الطابع الاستعماري الاستيطاني الزراعي-اي فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني -بوحي من الأفكار الصهيونية، وكان واضحأ منذ ابدء ان هناك اكثر من رد فعل واحد إزاء الهجرة الصهيونية الأولي ومحاولات الصهيونين امتلاك الأراضي. وقد تجسد ذلك في إقبال الجوالي الزراعية اليهودية على شراء الأراضي بدعم من روتشيلد-كما قدمئام وهو ما شكل مصدر ربيع وفير لكبار الملايين العرب في فلسطين. ونجد ان كثيرآ من الأراضي وقمت خد المراين العرب، ومن ثم انتقلت إلى المتعمر الصهيوني ، وذلك لعدم قدرة الغلاح الغلطيئي على مدادديونه والفوائداباهغلة(٧>. أما في الريف فقد كان جهز المستوطنين اليهود للغة العربية والعادات والتقاليد الاجتماعية الزراعية مصدر استفزاز للفلاحين العرب، سرعان ما تحول هذا الاحتكاك إلي صدام علني فعندما بدا المستوطنون الجدد بإجلاء الفلاحين عن الأراضي التي اشتروها من الملاك الإقطاعيين ومن الحكومة التي كانت تصادر أراضي الفلاحين مقابل ضرائب لاقدرة لهم على سدادها. إذ كانت يد السلطة ثقيلة عليهم وخفيفة على المستوطنين في تتقين تعليمات الدولة وأوامرها. واصطدم المستوطنون مع القبائل البدوية التي خرجت من مراعي قطعانها. وقام الطرفان - الفلاحون والبدو-من غير تنثيق بعمل متكامل في مواجهة المستعمرات وحرق المزارع وتخريب المرافق. وتنفتح يوميات المستوطنين الأوائل بأخبار هذه المقاومة التي يسمونها أعمال نهب وتخريب. انطلقت إلي ملامح المقاومة العربية الفلسطينية تجاه النشاط الصهيوني عام ٨٨٦ ١ ، حين اتخذت الصفة العامة عندما قام المزارعون من سكان مستعمرة يتإح تكفا (قرية ملس والخضرة)، بإجبار مكانها من الفلاحين الفلسطينيين على ترك أراضيهم تحت التهديد؛ الأس الذي دخ الفلاحين الفلسطينيين إر الدخول معهم في مواجهات علني في أجبرت العمل البريطاني في القدس على تقديم شكوى الى قاضي نابلس الشرعي ضد تصرفات الفلاحين العرب تجاه المستعمرين اليهود.
ونقل الزعماء السامرين الفلسطينيون معارضة الشعب إلى البرلمان الشافي والأوساط الدامسة الدولية. منذ بداية الاستيطان الصهيوني على فى يوسف الخالدي، ممثل القدس في البرلمان العثماني، الذي شكل عام ٨٧٦ ١ ، خطر الهجرة الصهيونية إر فلسطين، وطالب المجلس باتخاذ قرار بوقفها. وقد تقدم رؤوف باشا حاكم القدس العثمانية باعتراض إلي القنصلين الألماني والروسي على الهجرة اليهودية، ليس لأنهم يهود من رعايا روسيا او ألمانيا ولكن خوفا من عودة اليهود إلي فلسطين بأعداد كبيرة. تجدر الإشارة هنا إلى أن العداء للصهيونية وفي هذه المرحلة لم يقتصر على الفلاحين والمهنيين والتجارب شمل قطاعات لم تضرر مباشرة من الهجرة الصهيونية في مراحلها الأولي؛ فعندما حل وناد بانا محل رؤوف باشا مستمرا لتجق القدس، وابدى محاباة للصهيونية ، قام وفد متوجها القدس بتقديم الاحتجاج ضدهم في أيار/مايو م ١٨٩٠. وتضمنت المطلبين الأساسين للحركة الوطنية في فلسطين، وهما تحريم الهجرة اليهودية، ومنع امتلاك اليهود للأراضي الفلسطينية. تجدر الإشارة هنا أيضا إلي عريضة رفعها ثلاثة مخبرين للدولة العثمانية إلي السلطان عبد الحميد الثاني تحكي تفاصل تواطؤ بعض المسؤولين في فلسطين عام م ٨٩ ١ في بيع أراضي بين حيفا ويافا للمستوطنين اليهود، وجاءت تحت عنوان .اخبارية صادقة نرفعها إلي مقام مولانا الخليفة!)، وقد جاء فيها: نحن وبدافع من القيمة الدينية والوطنية و باعتبارنا مسؤولين بالاخبار عن كل تمرق تخالف رضا السلطان،ولكوننا في الأصل من أهالي البلقاء وحيفا وبيروت وموظفين مستخدمين في لواءي عكا والبلقاء كنا قد سمعنا وعلمنا من مصادر موثوقة ارتكاب بعض المسؤولين في حيفا وعكا اعمالأ تتنافى ورضا الإعلام. وأشارت العريضة هنا إلى عملية إدخال اليهود الأجانب من رومامنين وروس واسكانهم في الدولة العثمانية بوجه عام وفي فلسطين بوجه خاص، وتمكنهم الأراضي. ذكر اتفاق متصرف عكا صادق باشا مع قائم مقام حيفا السابق مصطفى القنوالتي والحالي احمد شاوي و مفتي عكا علي أفندي ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي وآخرين بقبول مئة واربعين عائلة يهودية طردوا من الممالك الروسية في فضاء حيفا، وعلى بيع الأراضي التي يملكها وافي أضنة السابق وشفيق المتصرف الشار إليه شاكر باشا وسليم نصر الله قودي من أهالي جبل لبنان، وقبول المأمورين الرشى، وقام ربى البلدية بتنظيم رخص مزورة لأحداث شة وأربعين متزلأ على الأراضي المنكورة وتحويلها إلى قرية وأسكان اليهود فيها لأعطائهم صفة رعايا الدولة العثمانية من القدم ،وبالتالي إعطائهم حق الإقامة في هذه القرية. وأوضحت الوثيقة أطماع اليهود الغامضة الذين طردوا من الدول الأجنبية في تملك الأرض. وما يثبت ذلك المعاملات الجارية في سجلات الدوائر الرسمية في عكا وحيفا. وأشارت العريضة إلى تمليك ثلاث قرى وهي حيفا وام التوت وام الجمال وإلحاقها بمستعمرة زمارين، إلى شراء اليهود أراضي الساحل بين حيفا ويافا التي تزيد مساحتها على ثلاثين ألف دونم. وتابعت التنويه إلي عمليات البيع، وذكرت منها بيع حوالى خمسة عشر الف دونم من جبل الكرمل بالحيل والطرق الملتوية من قبل رئيس البلدية، وسلب اراضي العاجزين والفقراء من الأهالي باثمان بخسة ليقوموا بعد ذلك ببيعها لليهود بأثمان مرتفعة. و ذكرت بأن قدرة اليهود المالية جعلتهم يسومون السكان العرب المسلمين ابشع انوع الظلم، و يسلطون على أعراض النساء، وقاموا بتزوير العملات، وحبس الرجال وتعذيبهم، وتخزين الأسلحة، وبناء المدارس . ومن بعد كل هذا فهم 《آملين ان تتخذ الوسائل الكفيلة لوضع حد لمثل هذه الأعمال 》التي سكت عنها المسؤول العثماني. وقد سجل عرب فلسطين اول تذمر رسمي لهم من الهجرة اليهودية في٢٤ حزيران/يونيو ١٨٩١ حينما بعث جمع س نعماء القدس ببرقية موقعة من خمسمائة شخص إلى الصدر الأعظم يطالبون بفرمان يمنع الصهيونيين من دخول فلسطين ومن شراء الأراضي فيها. ويذكرون فيها: 《بأن اليهود قد سلبوا الأراضي من المسلمين وبدأوا تدريجيا بالسيطرة على التجارة السلبية وإحضار السلاح إلى فلسطين》 وتعتبر هذه العريضة أول عمل علمي منظم ضد الهجرة والاصطاف اليهوديين. ولم تكن وليدة المصادفة، بل نتيجة الوعي العربي المبكر لطبيعة الفكرة الصهيونية وأهدافها وتهديدها للوجود القومي لعرب فلسطين. وكانت على ما يبد واحد الأسباب في نددت فيها الأقلية قيودها على الهجرة وشراء الأراضي من قبل اليهود، إذ ينقل أهارون كوهين(المؤرخ الصهيوني) من مذكرات كالفار سكي عن المنازعات ايي جرت في منطقة طبريا أواخر القرن التاسع عشر ان قائم مقام طبريا (امين ارسلان) قد اخبره اننا حاربنا ضد التغييرفي الصفه القومية للمنطقة وليى مساوئ المتاجرين العرب من عبر تعويضا ما). وعزا قنصل بريطانيا في القدس موقف العرب هذا إلى تزايد عدد المهاجرين حتى اصبح ثلثا مكان القدس يهودياً ، كذلك لعدم قدرة المسلمين من السكان على الصمود أمام مافي المهاجرين اليهود لهم في النواحي الاقتصادية، ومن أجل الحفاظ على بلادهم بعد نراه اليهود الأراضي بشكل ملموسا أم يدلل على وعي المواطنين في فلسطين للخطر الصهيوني ان آحادها عام Ahad) (Ha’am كان أول من حذر من الفلاح العربي الغاضب ضد الهجرة الصهيونية، وذلك في مقابلة له مع الصحيفة الروسية — العبرية (Ha-Melitz) . في أول زيارة له لفلسطين عام ١٨٩١ يقول فيها ان العربي لا يمكن تجاهله، وهو ليس بالساذج والبسيط، فهو حاد الطباع ويقظ، الأس الذي يجعل عيشة المستوطن صعبة ويؤدي به إلي صدام مع العرب فيما بعد . ويشفي على ذلك ام هومان وهو صحافي يهودي استوطن فلسطين عام ١٨٩٨، بقوله: إن الفلسطيني العربي يقفل وحذر وإن الحركة العربية ما زال في البداية؛ لكن على الحركة الصهيونية ان تأخذ حذرها لأنها ستواجه التحديات الكبيرة. وفي ٢٦ حزيران/ يونيو ١٨٩١ ارسل متصرف القدس إلي الصدر الأعظم برقية ذكر فيها تعليماته حول قرب وصول يهودي إلى ميناء يافا، فكان الر؛ مبلغ اليهود الروس من الإقامة في فلسطين، ومنع بيع الأراضي السماح لهم بزيارة القدس لفترة قصيرة. ويعلق الصايغ على هذا المنع بأنه كان حبرا على ورق لتدخل الإنكليز لمصلحة الصهاينة، وبذلك احرت الهجرة، واستمر بيع الأراضي تحت سمع الحكومة العثمانية وبصرها. وتبع ذلك احتجاج آخر من أهالي القدس ضد ممارسات متصرف القدس أحمد رشيد باشا (١٨٩٠-١٨٩١ ) لمواقفه العاطفي المؤيدة والداعمة لليهود في التصرفية وفي تسهيل أمورهم من حيث شرائهم الأراضي وإنشاؤهم المستعمرات. بحيث اعاقوا عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والصحي. كما ثار العرب وهاجموا مستمعرة 《 بيار تعبيا》 في غزة ودمروها تدميرا كاملا ومساحتها .٠٠٤٨م دونم وعدد سكانها٦٥م نسمة، الأمر الذي اضطر الحكومة العثمانية إلى مضاعفة نشاطها لمواجهة الأحداث الجديدة. وقد تلت زيارة هرتزل إلى الأستانة عام ١٨٩٦، والرحلة المكابيية إلي فلسطين تحت إشراف كل من إسرائيل زانغويل وهوبرت بتتويش التي جاءت غداة انعقاد اول مؤتمر صهيونية عام ١٨٩٧، والأخبار التي ترامت إلى المثقفين في فلسطين عن اجتماع عقد في في ويورك تأييدآ للمؤتمر الصهيوني المنوي عقده؛ أسباب مجتمعة كان لها اليد الطولى في تتييه أهالي البلاد إلى الأخطار ابسة التي تنطوي عليها هجرة اليهود المتزايدة إلى فلسطين، وهو ما حمل .تصرف القدس على استدعاء القنصل الألماني للإعراب عن مخاوفه حيال الغزو الصهيوني، كما أخذ الباب العالي في هذا العام يتلقى سيلا من الاستفسارات المتكررة تدور حول المشاكل الناجمة عن الهجرة اليهودية . وبعد انعقاد مؤتمر بال ١٨٩٧ ازدادت ردود الفعل العربية، واتخذت المعارضة الفلسطينية طابعا جديدا؛ إذ ترأس مفتي القدس محمد طاهر الحسيني هيئة عربية محلية هدفها الوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني، وكان من مهامها التدقيق في طبيعة نقل الملكية في متصرفية القدس لمنع الملفات المزورة التي يعقدها المستوطنون والحؤول دون امتلاكهم أراضي زراعية . وفي آذار/مارس عام ١٨٩٩ بحيث مبعوث القدس إلي مجلس المبعوثان العثمانية يوسف ضياء الخالدي وهو من الذين تتبعوا الصحافة الأوروبية ويعتبر من أكثر وأقوى الشخصيات التي وقفت في وجه عبدالحميد في البرلمان العثمانية برسالة إلى زادوك كان(Zad.k Kahn) الحاخام الأكبر ليهود فرنسا، أكد فيها أن فلسطين جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية، ورأى الخالدي ان الحركة الصهيونية تشكل خطرا على مصير شعب فلسطين، وأن الهجرة اليهودية ستؤدي إلى طرد الفلسطينيين من ديارهم، وسيواجه اليهود حركة شعبية رافضة من السكان العرب، لذا طاب اليهود بالذهاب الي مكان آخر غير فلسطين.
ويقول الخالدي إن الكارثة آن يفكر هرتزل وزملاؤه بأن سهر الصهاينة على فلسطين حتى لو كانت هناك إمكانية للحصول على موافقة الخليفة. من هنا فهو يعبر هذه الحركة خطرا كبيرا على اليهود في فلسطين، ويقول: صحيح أن العرب والأتراك يتعاطفون بصورة عامة مع أصحابك بالدين، ولكن يوجد بينهم متعصبون مثل باقي الشعوب وهو ما يعني حركة شعبية واضطرابات؛ لذلك فإن من مصلحة اليهود في الدولة العثمانية ان لا يفكروا بفلسطين مكانا جغرافيا لدولتهم، وان يبحثوا عن أي مكان آخر للشعب اليهودي البادى.
والجدير بالذكر أن الحاخام زادوك كان لم يجب عن رسالة الخالدي بل سلمها إلى هرتزل الذي بادر بدوره إلى الرد عليها بقوله؛ إن اليهود كانوا وما زالوا وسيبقون من احسن اصدقاء الدولة العثمانية وأكد ان اليهود لا قوة عسكرية لهم وإنهم عنصر محب ومسالم ويأملون في العيش على قدم المساواة مع غيرهم، وأن الفكرة الصهيونية ليس لديها مساعي العداء تجاه الحكومة العثمانية بل على العكس فالحركة مهتمة تماما في إيجاد موارد جديدة للإمبراطورية متطريق السماح لعدد محدود من اليهود بالهجرة... اما الشعب الفلسطيني فإنهم سيكونون اخوة أذكياء كما سيكسب السلطان مخلصين... لقد قدمت لجناب السلطان ببعض المطالب العامة وانا معبد لاعتقادي بأن ذكاءه الحاد سيجعله يقبل الفكرة من حيث المبدأ وكل من هو قلبه على الدولة العثمانية يجب أن يكون مع مطالب الصهيونية، وإذا رفضها سنبحث، وثق بأننا سنجد ما نبتغيه في مكان آخر«. وحينها ستفقد الدولة العثمانية الى الأبد الفرصة الأخيرة للإصلاح المالي. وأنت تسمع هذه الكلمات اليوم من صديق نطي للدولة العثمانية. اما رد هرتزل فكان مختصرا، وتجاهل خطر الصهيونية، وركز على المكاسب الاقتصادية التي يمكن للدولة العثمانية ان تحققها إذا ما استجابت وتعاونت مع الحركة الصهيونية.
وفي هذه الفترة من عام ١٨٩٩ تأزمت العلاقات بين العرب واليهود نتيجة الهجرة اليهودية، الأمر الذي استدعى الشرطة العثمانية للتدخل، وبخاصة في مستعمرات الجليل الأدنى وبيت حان، وقد تركزت الأزمات بين الجانبين بسبب الخلافات الحادة بين الفلاحين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود.
وقد عشر في احد البيوت المقدسية على علي صيغة خطية، كان قد كتبها عدد من أبناء المدينة الأحرار بهدف إرسالها إلى الصدر الأعظم في الاستانة عام .١٩٠٠م، تحدثوا فيها عن الخطر الصهيوني المحدق بهم. واستمرت المعارضة العربية للهجرة اليهودية، وكانت مؤثرة بحيث استطاعت ان تشكل قوة ضاغطة على الحكومة العثمانية لوضع حد بيع الأراضي، وبدعم من مفتي فلسطين امتنعت السلطات العثمانية في القدس في عام ١٩٠٠م عن السماح بانتقال الأراضي لليهود، ويمنع الهجرة إلى فلسطين.
كما أن خطباء المساجد في عدد من المدن الفلسطينية، مثل القدس ونابلس والخليل، هاجموا في خطبهم الدور الاستعماري النشط الذي أمسي بقوة لزيادة عدد اليهود في فلسطين وتعجيل هجرة اليهود إليها، وقد لوحظ أن ملفات بلدية نابلس وسجلات القرارات فيها قد اشتملت على عدد كبير من القرارات التي اتخذت بين عامي ١٨٩٠م و١٩٠٨ حول النشاط السياسي الذي قام به أبناء المنطقة من احتجاجات وتظاهرات وعرائض، كتبوها الباب العالي. وما يلفت الانتباه ان ما جاء في هذه القرارات اعتير نشاطا سياسيا محمودأ شهدته المدن الفلسطينية، وتمثل بعقد ندوات ومؤتمرات جماهيرية تندد بانشطة القناصل الداعمين للحركة الصهيونية وتصرفاتهم المشبوهة ومحاولاتهم تشجع السكان على القبول بمبدأ الحوار اليهودي معهم او تلك التي تتعلق بالأذن بإقامة مهرجانات في ميادين عامة، في كل من القدس وابلى وعكا وغيرها من المدن الفلسطينية الأخرى. كما ان وكلاء قناصل الدول الأوروبية، وبخاصة وكيل القنصل البريطاني (مستر بيلد) قام بجولة في عدد من المدن الفلسطينية يشرح ما سوف يستفيد منه أبناء فلسطين من خبرات اليهود في مختلف مجالات الحياة، وبخاصة في الزراعة، في محاولة منه لتحسين صورة القناصل عند الناس وتبرير تعاليم الدين اليهودي في فلسطين.
كما شهد عام١٩٠٠ محملة احتجاجات واسعة من العرائض الجماعية ضد شراء اليهود للأراضي الزراعية، وجاء ذلك عبر تقارير ألبرت عنتيبي المعتمد الرسمي للجمعية الاستعمارية اليهودية، حيث سجل فيها ما كان يواجه الفلاحين الفلسطينين الأصليين من أسئلة حول صحة الاستيلاء على فلسطين. كما سجلت تقارير. اشداد المعارضة للصهيونية إلى صفوف صغار موظفي الحكومة من أهالي البلاد. ونقل عنتيبي قول أحد الشباب العرب “سوف نبذل كل ما لدينا حتى القطرة الأخيرة من دمنا لتحول دون استيلاء غير المسلمين على الحرم الشريف. وحدث أن قامت الجمعيات اليهودية بشراء مساحة واسعة من الأرض من عائلة نرمق اللبناني بالقرب من طبريا، فما كان من فلاحي القرى المجاورة إلا أن هاجموا الموظفين الذين جاؤوا لمنح الأرض تمهيدا لنقل ملكيتها، وذلك بقصد محاولة منع إتمام الصفقة، وقد دمج العرب بالفعل في استصدار أحكام من الباب العالي بإلغاء بعض الصفقات التي عقدها الصهاينة في مطلع القرن العشرين. ويبدو أن مساعي الفلسطينيين العرب كانت ذات تأثير في مواقف السلطان عبدالحميد الثاني من محاولات هرتزل لإغرائه ببيع فلسطين لليهود على الرغم من حاجة الإمبراطورية العثمانية الماسة حينذاك الى الدعم المالي. ومع بدايات القرن العشرين ظهر في فلسطين صوت « ينادي بضرورة الانتباه إلى الخطر الصهيوني وتناميه وتعاظمه، وحذر بقوة عبر مجلس المبعوثان العثمانية الذي كان يمثل فيه ببعض الشخصيات الوطنية، فقد اصدر هؤلاء بياناً رسميا عام ..١٩م سمي وثيقة الخطر الصهيوني. وهي تدعو إلى وقفة وطنية توقف التدخل الصهيوني وفرض اليهود على الشعب الفلسطيني والحد من أطماع الدول الغربية. وبعث متصرف القدس عام 1904م بتقرير إلى إسطنبول، يقول فيه: إن حركة وصول اليهود تزايدت بشكل كبير مما يوحي بحجم المؤامرة التي كان أطرافها (القناصل ووكلاؤهم، كبار الملاك وكبار موظفي الإدارة المحلية المرتشين).، ففي سند هذا التقرير يقول كاتبه: .... سق وان ابلغكم بأنه كلما زاد عدد اليهود المهاجرين القادمين من روسيا بسبب الاضطرابات والقلاقل المستمرة هناك، يزداد عدد اليهود القادمين من النمسا ورومانيا وعلى الرغم أنهم .مطاردون و مبعدون من بلادهم ويدخلون إلي فلسطين كأجانب، فإن القناصل يعطونهم حماية لا مثيل لها...». اجتاحت أواخر عام ١٩٠٢م موجة من الاحتجاجات المناطق الفلسطينية، لأن المهاجرين اليهود ساهموا في إعاقة عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والصحي بما جعل الحكومة العثمانية والسلطات المحلية تخضع لظروف جديدة، اضطرتها إلي مضاعفة نشاطها لمواجهة الأعباء الجديدة من هجرة اليهود إلى فلسطين. وإزاء تطور النشاط الاستيطاني على الأرض وما صاحبه من تحولات جذرية في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع تبلورت اتجاهات ومواقف متباينة على الصعيدين الرسمي والشعبي. كما شهد أواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين كثيرا من مظاهر الاحتجاجات الفلسطينية وإرسال البرقيات للحكومة المركزية يطالبون فيها بمنع انتقال الأراضي الى اليهود، والعمل على منح أراضي فلسطين وتقسيمها على الفلاحين، وتقعد اثمان القرى المعروضة للبيع على الفلاحين لمدة تراوح بين ١٥يوم ٢ عاما، وأن يقوم البنك الزراعي العثمانية بشراء أراضي هذه، القرى وتقسيط أثمانها للفلاحين. إن أكثر مظاهر المقاومة الفلسطينية والعربية بوجه عام للأطماع الصهيونية في فلسطين تمثلت بقضيتين، هما قضية أراضي مرش والأراضي المدورة (الجفتلك). ففي عام 1901م حاول اليهود شراء اراضي عائلة سرسق الواقعة في طبريا، لكن هذه الصفقة لم تتم في حينها نتيجة للموقف المعارض الذي وقفه قائم مقام طبريا آنذاك الأمير أمين أرسلان، حيث كان يعارض بيع الأراضي لليهود على اسس قومية، فكان يرى ان هذا البيع وما يتبعه من استيطان سيغير طبيعة المنطقة في المستقبل. وعلى الرغم من المعارضة التي أبداها أرسلان فقد تمت الصفقة بعد أن أصدرت الحكومة العثمانية قرارا يسمح بالبيع لرئيس جمعية الاستيطان الصهيوني نارسيس ليفين بحجة انه اجنبي يستطيع شراء أراض في ولاية بيروت وفقأ لفرمان الأراضي العثمانية الصادر عام ١٨٦٩ شريطة أن لا يسكن يهود اجانب فيها. و بموجب هذا الامتياز حصلت الجمعية على .٣١٥م دونم من الأراضي الفلسطينية الواقعة بالقرب من طبريا، وقد عارض الفلاحون الموجودون في المنطقة هذه العملية، فقام فلاحو قرى لوبية والعبيدية وبدو الديلاق والزبيدات وعرب الصح بالعمل على إعاقة أعمال مناحي الجمعية الذين جاؤوا المح الأراضي تمهيدا لنقل ملكيتها، كما أظهر أهالي قرية كفركما مقاومتهم لمن. الجمعية عندما أخذت تتفاوض لشراء أراض في أم جبيل، التي كان اليهود يعملون فيها بالإيجار منذ 15 سنة، لكنهم فشلوا في ذلك على الرغم من المحاولات التي بذلوها للحصول على قرار بملكية هذه الأراضي من محكمة طبريا. هذه الحادثة وغيرها تبرز تواطؤ الحكومة الشابة في انتقال الأراضي إلى اليهود. والواقع أن ردود الفعل الفلسطينية ظلت مستمرة، حيث كانت على شكل مصادمات وهجمات على المستعمرات اليهودية حينآ، وعلى شكل جهود سياسة ورفع اعتراضات إلى الحكومة العثمانية حينا آخر. ويرى البعض أن هذا الشعور كان أكثر وضوحا في المدن بسبب متاني اليهود للعرب في المجالين الصناعي والتجاري، وقد حدث أن ثار العرب وهاجموا مستمعرة بيار تعبيا في غزة فدمروها تدميراً كاملاً. ويعود السبب في تعاظم الشعور المناوى للصهيونية إلي اشتداد الخطر الصهيوني بعد تبني الحركة الصهيونية خطة جديدة للعمل في فلسطين عقب موت هرتزل واطلاع المثقفين الفلسطينيين على الكتابات الصهيونية بما في ذلك جريدة الشاب العامل (Ha Poel Hazair) العبرية، ووصول اعداد كبيرة من مهاجري الهجرة الثانية (ه١٩م_١٩م٧). وكان للعامل الثالث أثره الحاسم، إذ سرعان ما اتضح ان المستعمرين اليهود يتمتعون بدرجة عالية من التنظيم والتوقيت العقائدي الذي يدفعهم إلى مقاطعة الأيدي العاملة العربية باعتبار ان ذلك يتنافى مع هدف الصهيونية الرامي إلى خلق مجتمع يهودي مختلف عن غيره في كل شيء، مستقل في اقتصاده وثقافته ولغته وقادر على حماية نفسه.
واخيراً؛ ننكر ما جاء في نداء أرسك مجموعة من شخصيات وزعامات فلسطينية إلى مجلس المبعوثان العثمانية في عام١٩٠٨م حيث وجه إلي نواب القدس عموما ونواب فلسطين عموماً وجاء فيه .اليهود الصهيونيون يريدون أن يستعمروا بلادنا ويخرجونا منها، فهل انتم يا ابناء فلسطين بذلك راضون؟ وبه يؤكدون استفحال خطر شراء الصهاينة للأراضي. كما اشاروا الى موجات الهجرة المتتالية إلى فلسطين وزيادتها إذ قدروا العدد ٣٠٠٠ ألف مهاجر وسيطرتهم على اقتصاد البلاد وصناعتها وتجارتها. من منا طالبوا اهالي البلاد بمناشدة الحكومة العثمانية بوقف هذه الحركة عن نشاطها، وتساءل كيف لها ان تكتب عما تكتبه الصحف وتخضع بأقوال الصهيونيين؟
كما طالبوا الدولة أن تصدر قرارها بحظر بيع الأرض للأجانب الصهاينة. وتبين انهم قد كشفوا الألاعيب الصهاينة التي يشترون الأرض بأسماء السمامرة، واتهموا الحكومة بانها علي معرفة وإدراك لمن اللعبة: «ذلك لا تخضع علي الحكومة واي سمسار يستطيع أن يشتري خمسين أو ثلاثين ألف دونم صفقة واحدة ولتعد تعليماتها الأولي في تقضي بعدم اقامة اليهود الأجانب في فلسطين اكثر من ثلاثة أشهر وقانون الورقة الحمراء؛ وهم يرون أن مثل هذه التعليمات هي التي سهلت على الصهيوني تمتلك البلاد. وبهذا تبين لنا موقف الأهالي المعارضة للنشاط الصهيوني على أرض فلسطين وسياسة عبد الحميد وفرماناته المتناقضة الذين ساعدت الصهاينة على تثبيت أقدامهم على الأرض الفلسطينية.
ثانياً الصحف:
اهتمت الصحافة العربية بالحركة الصهيونية و تنبهت مبكرا لأطماعها، وتحديدا بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام ١٨٩٧ ، وقد أدت الصحافي العربية دورا بارزا في تنبيه الرأي العام العربي ولا سيما الرأي العام الفلسطيني ، إلي خطورة المغامرة الصهيونية وحقيقة أطماعها، وفي التبرير بالصهيونية والتحريض على مقاومتها. نقصر هذا الفصل على تقديم عرض انتقائي لبعض المواقف اللذين عبر عنها ثر من رجالات العرب ومفكريهم آنذاك، وهم منذ اشتغلوا في مجال الصحافي . كانت إلى هذه الإشارات ما جاء في صحيفة الحفنة الناطقة بالف يهود الإسكندرية في١٨٩١/١م/١٦،لذ تنبهت الى عمليات الشراء التي تقوم بها الجمعية الاسرائليين من مهاجري روسيا في جهة وادي يزدعيل وجهة الجيدرا الواقعة بين عكا وحيفا، وفي القدرة على بعد ٨ ساعات من يافا، ومن جهة الجهد والمثابرة، وهي تعمل على ابتياع أراض واقعة في ضواحي غزة. وتشير الجريدة إلى التحسن في أسعار الأطيان والى ازدهار أحوال الأهالي في هذه الأراضي. وتابعت الصحافة العربية تطورات الحركة الصهيونية ونشأتها ونموها واطماعها في المنطقة منذ البدايات الأولي، وقد تكشفت لهم مخططاتها في المنطقة لذا عملت على تبيه السلطان عبد الحميد الثاني للعمل من أجل وقف الهجرة والاستعمار الاستيطاني في فلسطين. واستجابة لذلك أصدر السلطان عبد الحميد الثاني كثيرأ من الفرمانات عام ١٨٩١، وأصدرت حكومته كثير من الأنظمة والفرمانات التي تحول دون نقل اليهود ودخولهم إلى فلسطين. هذا الموقف يؤكد ان السلطان كان على معرفة ووعي لنيات قادة اليهود الرامية إلى إقامة كيان لهم على أراضيها. وعلى الرغم من تف الإجراءات إلا أن هجرة اليهود كانت في ازدياد، وأن عمليات شراء الأراضي كانت مستمرة لدرجة اصبحت تهدد الوجود العربي في فلسطين. من هذه الزاوية اهتمت الصحف القاهرية بمناقشة السبل التي كان يسلكها اليهود في شراء الأراضي وإدخال المهاجرين الى فلسطين في ظل تلك الفرمانات السلطانية وهي على النحو الآتي:
١-الرشوة والتواطؤ. ٢-اغراء الفلاحين بالأسعار العالية. ٣-الإرادات الجنسيه.
٤-الجنسية العثمانية . وقد تمثل ذلك اولآ في مقال لأمين أرسلان نشر في المقطم بعنوان «مملكة صهيون» يشير فيه إلي مؤتمر بال الذي عقدته الحركة الصهيونية في مريرا، إذ وضح الهدف من انعقاد.، وذلك للمفاوضة في مشتري ارض فيحة وزى كسبرة في فلسطين وجوار أورشليم من الدولة العثمانية وجعلها مملكة إسرائيلية ومستقلة تحت سيادة الحضرة الثقافية عاصمتها القدس الشريف».
وتحدث الكاتب عن مشاريع روتشيلد وهيرش اللذين اشتريا قرى كثيرة في نواحي فلسطين ،واكثروا من العمال وخططوا مدنأ بشوارعها المستقيمة، وهاجر إليها الإسرائيليون من كل صوب، و وجهوا عنايتهم إلى الزراعة لغرس الكروم على الطريقة الأوروبية، فنجحوا كثيرأ. وأشار إلى تأليف جمعية صهيون اليهودية عام ١٨٨٧ ، وذكر دور هرتزل في عقد المؤتمر الذي حدد غايته في شترى ارشمى فلسطين من عبدالحميد وجعلها مملكة مستقلة تحت حمايته. وذكر ما خرج به المؤتمر فقال إن الحزب الصهيوني يدأب في إنشاء وطن للإسرائيليين في فلسطين تضمنه شرائع وثيقة، ولتحقيق ذلك قرر مساعدة الفلاحين وانصح اليهود علي الهجرة إلى فلسطين وعلى ابكانؤ والاتحاد ولإنشاء بنك لسماعدة اليهود تحقيق هذه الغايه. واستطاعت النشرة الأسبوعية ابتداء من ١ ١ كانون الأول/ديسمبر عام ١٨٩٧ أن تعالج الحركة الصهيونية، ومن اهدافها؛ بل اعتبرت شمت علي الهجرة اليهودية، واظهرت فشلهم في الميادين الزراعية. وكتبت المنعطف مقالا بعنوان بعودة اليهود إلى فلسطين. ردا على استفسار قارئ المجلة عن الحركة الصهيونية، ونقل لهم غاية الجمعية التي تهدف إلى استعمار فلسطين عبر استجلاب يهود أوروبا الشرقية، وذلك بإذن الدولة العليا ومرادهم (تعمير أراضي فلسطين بالفلاحة والصناعة.. )ردا على القارئ إن كانت الصحافة العربية قد عنبت بهذا الامر ام لا فأجابت المنعطف ان الجرائد العربية لم تعتني بهذا الأمر، وأكدت ان الصهاينة لن ينجحوا في تحقيق أغراضهم. وكتب الأب هنري لامنس اليومي في بحث مطول عن اليهود ومستعراتهم في فلسطين، إذ امتعض مواخ المستعمرات الصهيونية على ارض فلسطين، وذلك بعد زيارة قام بها إليها، واطلع عيان على نشاط الصهاينة فيها. ونكر أن المستعمرات اليهودية في فلسطين هي خمس مستعمرات، يافا وضواحيها، والقدس الشريف وضواحيها، وصفد وصواحيها، وبلاد بثارة، وحيفا وملحقاتها، وحوران وعبر الأردن.
يدلل على وعي الصحافي العربية بخطر الصهيونية العالمية على فلسطين ووعيهم بتقصير الدولة العثمانية في وإجراءات الحماية ماكتبه فرح أنطون في الأهرام عام ١٨٩٨ (العدد ٦٣م٦) بعنوان «الحمام الإسرائيلي ووطنه القديمء إذا كان سعي اليهود لإعادة السيطرة على القدس، هو أن هذا الهدف كان من وراء انعقاد المؤتمر الصهيوني في بال، فقد تنادوا في المؤتمر بجمع المال من أغنياء اليهود عبر العالم لشراء أرض فلسطين قصد العودة اليها إعادة التمدن اليهودي!)، وتابع في ذكر روتشيلد الذي سهل الطريق إليهم لتحقيق هذا الأمر. كذلك ذكر الدولة العثمانية ة الي يعيش اليهود تحت أكنافها بلام وامان“. وإلى وعيه لأهداف الدول الكبرى في تهجير اليهود إلي فلسطين يوجه اللوم إلي الدولة العثمانية اما الوصول إلى الاستيلاء على أورشليم فامر يقابله العثمانيون بالاسلام.، مشيرا إلي سوء تصرف الولاة بمقابلة الهجرة اليهودية بالرضى والقبول، مذكرا بالإمبراطور فيلهلم الثاني عند زيارته فلسطين وردة على الوفد اليهودي الذي سأله ان يمد يد المساعدة إليهم: ماذي امتح عوني وساعدني لكل من يخدم الزراعة في بلاد الدولة العثمانية خدمة تنطيق على سلطتها وسيادتها، مؤكدا بذلك دعم الدول الغربية للصهيونية. واخيرا يطالب الدولة العثمانية «بالأ تنع رعيتها في فلسطين بلا سند يستندون إليه بإزاء الأجانب المهاجمين لاستعمار قطعة من بلادها تدر لبنا وعسلا وإلا ستصبح الصهاينة هم اسيادة والمواطنون هم الخدم، وفي حديث للاهرام عن زيارة إمبراطور ألمانيا حيفا تم توضح مطامع الألمان في فلسطين بوصفهم من أكبر الداعمين للصهاينة في احتلال فلسطين، أدرأك الأتراك لمطامعهم هذه وسكوتهم عنها. وفي حديث لكاتب المقال مع مسؤول عثماني، يقول:《 ليس لكم ماتخافونه من المانيا فهي صديقة لكم تود بقائكم فأجابني ضاحكا نعم تود بقاءنا كما يود الفلاح بقاء دجاجته طمعا في بيضها》،. ويشير إلي جمال مستعمرات الألمان واليهود وعن تخطيطها داخل حيفا، ويقابل حالهم بحال السكان الأصليين الضعفاء، وإلى اتفاق سيعقد قريبا بين ألمانيا والدولة العثمانية ينص على إرسال ١٠ آلاف من الفلاحين الألمان إلي الدولة العثمانية وعلق على ذلك بأنهم سياكلون الأخضر واليابس.
وكتب شكيب أرسلان مقالة بعنوان 《 حيفا بيروت الصغيرة 》 : 《 يقال بيروت الصغيرة لما بين البلدين من التماثيل في الطبيعي》 ،مبدياً إعجابه بأعمال المهاجرين اليهود في فلسطين عند حديثه عن مستعمرة زمارين .لكن أرسلان ربط تأييد الهجرة اليهودية ببعض التحفظات ، منها عدم السماح لليهود في بقعة واحدة وأن يحصلوا على الجنسية العثمانية. وفي مقالة آخر لشكيب أرسلان قال《 إن مقصد الصهيونية هو إعادة ملك فلسطين واسترجاع أرض الميعاد وضم اليهود تحت راية واحدة في وطنهم القديم. وفي هذا الصدد أيضا نشر أحد زعماء الصهاينة صورة تحقيق عن أن الصهاينة يمكنهم أن يعتمدون على دعم ألمانيا وروسيا، مشيراً إلى زيارة غليوم الثاني لفلسطين ومقابلة هرتزل و خطابه أمامه وجواب غليوم له 《 إني أميل إلى المساعدة لتحسين الزراعة في فلسطين رغبة في الدولة العثمانية وتحت رعاية السلطان 》 . وخطب البرنس ترو بأسم الحكومة الروسية فقال 《 إن حكومة جلالة القيصر لا تعارض الصهيونيين بل ترى ما يبديه الإسرائيليون من الامانة لوطنهم ومعتقدهم أمرأً يستحق الثناء 》 .ويشار إلى الأهرام السابق إلى الهدف غير المعلن من زيارة قيصر ألمانيا إلى الدولة العثمانية وإدراكها لأطماع ألمانيا في فلسطين. وهناك أشكال أخرى من الاحتجاج والمواقف قد أظهرتها الصحافة العربية في ذلك الوقت، ونقتبس هنا ما أوردته المؤيد بتوقيع 《 نزيل سوري بالإسكندرية: اليهود في سوريا ومستعمراتهم 》. ويدعو في طلب إلى الحكومة 《 أن تمنع بيع الأراضي منعاً قطعياً 》 ،ويقول 《 إن الحكومة السنية تصدر الأوامر المتشددة من وقت لآخر بمنع دخول اليهود وعدم وتملكهم الأراضي، لكن ماذا تعمل ببعض المأمورين الذين يسهلون لهم الدخول إلى الموانئ لقاء دراهم معدودة؟》...ويوجه نداء إلى الحكومة بتعيين بوليس في يافا وحيفا وصفد من ذوي العفة والشهامة واستبدال جميع مأموري الطابو بغيرهم . وهناك إشارات متعددة من الأهرام حول نشاط الجمعية الصهيونية وأهدافها القائمة على 《 إعادة بناء مملكة صهيون وجمع كلمة الأمة في إسرائيل من خلال لم شتات اليهود من العالم وتوحيد كلمتهم وإعادتهم إلى أرض الميعاد 》،وعلى التصميم لديهم لتحقيق هذا الهدف بوسائل متعددة، إذ أصدروا مجلة في حيفا يبحثون من خلالها على الهجرة إلى فلسطين، وقاموا بتأسيس مدارس خاصة بهم لتعليم الأطفال اللغة العبرية ليتمكنوا مستقبلاً من استعمار فلسطين، وتأسيس الجمعيات الخيرية لتدريبهم على أساليب الزراعة والصناعة التي بلغت حوالي ٣٠ جمعية حتى ١٩٠٧. وكتب عزتلو عطا بك حسني في صحيفة المؤيد ( ١٩٠٤ ) تحت عنوان 《استعمار فلسطين 》:لما رأى اليهود أن لا سبيل لاستعادة ملكهم في تلك الديار بالقوة لمنعه الدولة العليا وعزتها ولاهتمام الدول الأوروبية جمعاء بها رأوا أن يستعمروها وأموالهم وهم ملوك المال .والتوصل إلى هذه الغاية ألقوا جمعيتهم الشهيرة 《 الجمعية الصهيونية 》 ومهمتها 《 جمع الأموال لشراء تلك الأراضي الواسعة … وإسكان فقراء اليهود الذين يتوافدون إليها من أكثر الممالك التي تضطهدهم وتطردهم كدولة الروس ،وغيرها من الدول المتمدنة》 . واليهود عدا هذه الجمعية جمعيات أخرى تأسست لهذا الغرض في مقدمها 《 جمعية الاتحاد الإسرائيلي العام 》 التي يرئسها البارون هيرش وجمعية 《 الألياس》 التي أخذت على نفسها افتتاح المدارس الناشئة على مبدأ الاستقلال السياسي والخداع التجاري.
ويقول 《 أن المستعمرين اكثرهم من الأجانب الحائزين حماية الدول الأجنبية- فهم اليوم في قراهم يحكمون بأمرهم ولا من رادع مراقب - فقد أصدر مولانا الخليفة أكثر من مرة إرادته السنية بإيقاف بناء هذا الاستعمار ودفع رشوة عن البلاد إلا أننا نرى لسوء الحظ أن اليهود تمكنوا بذكائهم ودهائهم وأموالهم في التأثير على نفوس المأمورين فسمحوا لهم بإمتلاك الأراضي… وأن السبيل للتخلص من هذه الورطة هي أن يمنع قطعياً استملاك الأجانب للأراضي 》 . وتابعت صحيفة الأهرام عملية دخول اليهود فلسطين من خلال مراسليها في فلسطين في غير عدد ، فقد جاء في رسالة يافا: 《 لقد أصبح توافد اليهود الروس إلى بلادنا عظيماً،ففي كل باخرة يحضر عدد كبير منهم حتى كادت يافا والقدس تضيقات بهم ...ومأمور التذاكر على الرصيف وأعوانه يمهدون لهم سبيل الدخول لقاء عشر فرنكات يدفعها كل مهاجر والأمة الإسرائيلية تتهالك في سبيل استيطان فلسطين…》. وكتبت الأهرام أيضا عن رد فعل أهالي فلسطين في يافا على وجود اليهود بين الأهالي في مقابل لاحد الآباء دون ذكر اسمه ، يقول: 《 يظهر أن مراحل الحقد على اليهود الروس المهاجرين حديثا إلى بلادنا بدأت تغلي في صدور المواطنين لأنه ما كادت ترسخ أقدامهم في يافا حتى أخذوا ينافسون الأهالي في تجارتهم وزراعتهم وصناعتهم حتى في مخازنهم التي استأجروها من أصحاب الأملاك، ذلك لأنهم يطمعون صاحب الملك بأجرة زيادة عما يدفع إليه المستأجر…فإلى حكومتنا نسوق هذا الكلام لتضع حداً لمهاجرتهم، حذار من ردود العاقبة وها نحن قد انذرنا ومن أنذر فقد أعذر》 . وفي عدد آخر في "رسالة يافا" يتحدث عن مأمور تذاكر المرور الذي يحصل على عشر فرنكات عن كل مهاجر والبرقية التى صدرت بعزله ، ومعه " قومسس الاسلكة" شريكه وأخذهما إلى المحاكمة فتوسط بعض الإسرائيليين إلى السويس قادمين من عدن ، وبعض الجرائد قالت انهم قادمون من صنعاء وإن أحد المهاجرين دخل إدارتنا بطلب صدقة ، فسألناه عن بلاده فقال 《 بلاد اليمن هجرناها طلباً للرزق وقال أنا من عدن وذهب رفاقي إلى القدس، وأسلم آخر وبقيت وحدي ألتمس رزقاً》.
نؤكد هنا أن كتابات صحيفة المؤيد جاءت لإيضاح أضرار الهجرة،وكانت لكتاب سوريين وفلسطين ممن شاهدوا بأنفسهم خطر الوجود اليهودي في فلسطين واستشعروا أهدافه. ونقلت الأهرام 《 أن الإسرائيليين عقدوا اجتماعات كبيرة في ميلوكي بأمريكا وقرروا أن يفتحوا اكتتاباً عاما في جميع البلدان لمشتري فلسطين من الدولة العليا》 وأشارت إلى اجتماع الصهاينة في لندن لجمع المال لهذا الغرض. كذلك أشارت إلى تخصيص يوم للشيكل من كل عام يجتمعون فيه الأموال لمصلحة الجمعية الصهيونية. كما نشرت وتابعت مساعي الصهاينة لشراء الأراضي في فلسطين، و مقررات المؤتمر الصهيوني لعام ١٩٠٥،وأشارت إلى رفضه أستعمار أوغندا، وتعينه المال الذي تبتاع به الأراضي في فلسطين. ونشرت الصحيفة رسالتين في عام ١٩٠٤ 《 لوطني في مستعمرة اجنبية》 وأخرى بتوقيع مسلم عثماني عام ١٩٠٧ وأخرى 《 لمكاتبها في صيدا 》 وقد ركزت الرسائل الثلاث على إبراز سوء الإدارة العثمانية وسوء نظام الامتيازات الذي أدى إلى التمييز بين الوطنيين والأجانب. ونشرت صحيفة المقطم عام ١٩٠١ ما يشير إلى أن الجمعية ظفرت بمرادها من جلالة السلطان بالسماح لها باستعمار جهات عديدة حول القدس وفي بلاد فلسطين، وقالت: إنه تم الاتفاق على ذلك مالياً إما على سبيل البيع أو الشراء. وإذا نظرنا إلى التواريخ التي أثيرت فيها هذه الموضوعات فإننا نرى بوضوح أن الصحف المحليه كانت على علم خلال السنوات الأولى التي أعقبت المؤتمر الصهيوني الأول وأن الصهاينة يسعون إلى تحقيق أهدافهم من خلال شراء الأراضي، وأن عملية الشراء كانت ماضية في طريقها بالرغم من فرمانات المنع التي أصدرها السلطان عبد الحميد الثاني.
يدلل على الوعي العربي بالخطر الصهيوني ما كتبه في المنار رئيس تحريرها محمد رشيد رضا،حيث دعا من خلال مقالاته العرب والمسلمون إلى تفهم الخطر الصهيوني ودراسته، وإلى اليقظة القومية والتنبه إلى خطر الاستيطان اليهودي، فقد كتب مقالاً بعنوان 《 خير واعتبار - جمعية اليهود الصهيونية 》 دعا فيه العرب إلى التنبه للخطر الصهيوني فيقول :《 أترضون أن يسجل في جرائد جميع هذه الدول أن فقراء أضعف الشعوب الذين تلفظهم جميع الحكومات من بلادها هم العلم والمعرفة بأساليب العمران وطرقه بحيث يقدرون على امتلاك بلادكم واستعمارها وجهل أربابها إجراء واغنيائها فقراء》 . كما دعا إلى التثبت والتحري من أهداف الحركة الصهيونية والعمل بجدية لمواجهتها وعقد المناظرات والاجتماعات والمؤتمرات بين العرب والمسلمين. وتابع بالقول 《 تفكروا في هذه المسألة واجعلوها موضوع محاورتكم لتتبينوا هل هي حقة أم باطلة ،صادقة أم كاذبة،ثم إذا تبين لكم مقصرون في حقوق أوطانكم وخدمة أمتكم فانظروا وتأملوا وتفكروا و تحاوروا في مثل هذا الأمر، فهوا أخلق بالنظر من اختلاق المصايب وانتحال المثالب وإلصاقها بالبراء وأحرى بالمحاور من القذح والتجني على إخوانكم فإن في الخير شغلا ً عن الشر وفي الجد مندومة عن الباطل وما يتذكر إلا من ينيب 》 . ثم عاود رضا الكتابه في عام ١٩٠٢ من خلال مقالة بعنوان 《 أمة بعد موتها - جمعية الاستقلال بفلسطين وإقامة دولتهم ،فقال : 《 لم تكن تظهر في أول الأمر طالب الملك وأنما كانت تتظاهر بحب نقل فقراء اليهود إلى فلسطين ليعمروها ويعيشوا فيها في ظل السلطان آمنين،وكأنها وثقت بقوتها الآن فخرجت من مضيق الكتمان وقد بعثت منذ أشهر المستر إسرائيل زانغويل لندرة( لندن) إلى الأستانة للمساومة في شراء القدس الشريف، ويقال إنه لقي من الحضرة التفافاً وانعطافاً . ومن ثم دعا الدولة العثمانية إلى التحري والتثبت من أهداف الحركة الصهيونية والعمل بجدية لمواجهتها. وتحدثت الأهرام بشكل متواصل عن محاولات اليهود شراء فلسطين من الدولة العثمانية وتأسيس دولة يهودية فيها . وتحدثت كذلك عن محاولات الاستيطان الصهيوني المتعددة في فلسطين، ويكون الدولة العثمانية عن هذه المحاولات . وأشارت إلى مقابلة هرتزل مع السلطان عبد الحميد عام ١٩٠١،وذلك نقلاً عن جريدة الديلي ميل اللندنية ( Daily Mail) حين قالت: 《 إذ جاء هرتزل ومعه كاتم أسرار الجمعية الصهيونية، وأحسن رجال المابين استقبالهم وأكراموا مثواهم،وأشار لحسن مقابلة السلطان له وحسن استقباله له . وشرح هرتزل للسلطان المشروع الذي يودون الشروع فيه لاستعمار فلسطين، وقدم له توصية إمبراطور ألمانيا بهذا الشأن، ومن ثم قدم المال اللازم للسلطان ، وتمهيداً لاقتناء الأراضي والأملاك في فلسطين، والحصول على حقوق إدارتها الداخلية تمهيداً لاقتنائها في مابعد . أما الأموال فمنها ما يدفع مقدماً ومنها لاحقاً .بحسب تقدم تلك البلاد وحسن إدارتها ،لكن المال المعجل لا يدفع إلا بعد الحصول على ضمان دولي يكون الإسرائيليون معه على يقين أن تلك البلاد تسلم إليهم كما تدفع أموالهم إلى الخزينة العثمانية، والمرجح أن الذي يقوم بذلك الضمان هو إمبراطور ألمانيا. وتابعت : وأشارت الصحيفة أن السلطان تردد في البداية في قبول الأمر 《 لكنه كلما أبدى التردد بالغ في إكرام هرتزل 》 إلى أن سلم بما تردد به وحصلوا منه على أكثر مما يبتغون الحصول عليه . وأشارت الصحيفة إلى المؤتمر الصهيوني المنوي عقده،وإلى مخططات الصهاينة بعدم استقطاب المستوطنين في البداية بكثرة . كان الهدف المعلن هو إصلاح ميناء يافا وتيسير أعمال الري،وبناء البيوت ، فهم يريدون نقل المقتدرين لا الضعفاء .
وتفسر الصحيفة أسباب انقلاب السلطان عن موقفه الذي اشتهر عنه بمقاومة الصهاينة للأسباب الآتية: 1. أن الصهاينة يطلبون ابتياع فلسطين بالمال الطائل وافتقار الخزينة ، أن لم نقل الجيب الخاص، إلى المال في هذه الأيام. 2. رغبة إمبراطور ألمانيا بهذا، والسلطان لا يرد له طلباً . 3. الصهاينة الذين يستعمرون فلسطين الآن ينتمون إلى دول تتنافس على مصالحها في الدولة العثمانية ولا تخفى أن سلامة السلطنة العثمانية كلها قائمة بتعدد مصالح الدول ودوام منافستها عليها. وكتبت صحيفة المقطم بعنوان 《 استعمار فلسطين 》 فطالبت السلطان عبد الحميد بالعمل على قمع المهاجرين اليهود ومحاربة الرشوة وأصحابها من الولاة .وأشارت إلى أن الصهاينة أسسوا مستعمراتهم التي أخذت تدر الأموال على خزينة الدولة وأنهم امتلكوا ما امتلكوه من خلال حصولهم على الجنسية العثمانية وباستعداد الإرادات السنية بواسطة سفرائهم . وأكدت على شكوى الأهالي المستمرة وتذمرهم من بناء المستعمرات 《 لكن من يسمع ومن يقرأ 》 فالحكومة العثمانية لا تنصر الأهالي الفقراء المعوزين مقابل أثرياء اليهود. ونشرت المقطم بالعنوان نفسه " أستعمار فلسطين " مايلي:《 إن نظامات الدولة العلية لا تبيح للأجانب امتلاك شبر من أراضيها ولذلك تجنس جميع اليهود النازحين إلى فلسطين بالجنسية العثمانية ليسهل عليهم امتلاك الأراضي أسوة بالرعايا العثمانين 》 . وتؤكد الصحيفة حصولهم على الجنسية العثمانية وتورد الأدلة الآتية: ا- أنهم يدفعون جميعهم بدل العسكرية العثمانيين غير المسلمين. ب- أنهم يدفعون ضرائب إصلاح الطرق ( للتمتع والويركو). ج- أن الحكومة العثمانية تنتخب منهم أعضاء لمجالس إدارتها ومحاكمها. د- صدرت إدارة سنية بأن تعطى المدرسة الإسرائيلية في يافا قطعة أرض ذات مساحة واسعة هبة لإنشاء دار للمدرسة،وهي لا تقبل في سلكها إلا التلاميذ العثمانيين. وأشارت المقطم إلى أن الإسرائيليين سعوا عام ١٩٠١ لشراء فلسطين بمال طائل لتمويل الخزانة العثمانية التي تفتقر إلى المال ، إن لم يكن تمويل الجيب الخاص للسلطان ، وأشاروا إلى أن مستعمرات الإسرائيليين تدر على الخزينة العثمانية الأموال الطائلة، وأضافت أن الصهيونية تعرض خدماتها على الدولة العثمانية بصورة قروض أو أطيان، وأنهم يفيدون الدولة بشراء الأراضي وإصلاحها. وورد في المقطم حكاية قرية عتليت من مدينة حيفا للتدليل على كيفية امتلاك اليهود للأراضي 《 إذ هي قرية تقع على شاطئ البحر وتعتبر من الثغور المهمة التي تحرم الدولة امتلاكها على كل من له علاقة بالأجانب تحريماً قطعياً ، لكن مستعمري زمارين تمكنوا منها إذ اشتروا حصة من رجل فقير فباعهم ولم يبعهم الآخرون فكانت شهادة زور ورشوة الحكام لقاضي حيفا وادعوا أن أهالي القرية باعوهم مايمتلكون في أرضهم فحكم القاضي بصحة الدعوى ،فشكا الأهالي إلى ولاة الأمور لا سميع ولا مجيب ، فذهب أحدهم إلى الأستانة وصاح واستغاث واستنجد حتى صدرت الأوامر بعودة الأراضي لأصحابها ودفع المال من البنك العثماني، وسيق القاضي إلى الأستانة ليحاسب على خيانة إلا أنه لم يغب طويلاً حتى عاد إلى محل وظيفته بالواسطة 》. هذه تدل على كيفية تلاعب مأموري الدولة وحكامها بالأنظمة والفرمانات. وأشارت إلى الرشوة وتقاضي مأموري الأراضي وولاة الولايات لها،وطالبت الحكومة ولاة الأمور بالعناية بشؤون فلسطين ومنع الأجانب من التدخل في شؤونها مع ملاحظة حركة المتنفذين، كما طالبت بأن تمنع بيع الأراضي في فلسطين منعاً قطعياً حتى تكفل عدم وقوع الخلل في المستقبل. وتابعت الصحافة العربية المؤتمرات الصهيونية المتتالية ونشرت أخبارها، إذ تحدثت عن المؤتمر الصهيوني الخامس عام ١٩٠٢ ونقلت ما جاء في خطاب هرتزل الذي دعا فيه إلى تملك اليهود لأرض تكون لهم سيادة عليها ليتمكنوا من منافسة بقية الأمم. وحديثه في مقابلته للسلطان عبد الحميد الثاني حين قال 《 أن السلطان قد أظهر له من العطف مالم يكن ينتظره وأظهر أيضا ميلاً لشعب اليهود وأمره بأن يعلن ذلك للأمة اليهودية ولقد أحيى فيه هذا العطف الآمال بالوصول إلى الضالة المنشودة 》. وأشارت الأهرام مراراً إلى مواقف هرتزل وتطلعاته المتتابعة لأخذ الموافقة من السلطان لتأسيس دولتهم ، فقالت :《 إن جلالة السلطان أظهر استعداداً لمنح المستعمرين اليهود اذناً بالإقامة في فلسطين وبعض جهات آسيا الصغرى وأن البنك الاستعماري الإسرائيلي سيبتاع الأراضي التي يراد منحها الإسرائيليين ثم يبني على نفقته معامل وقرى لتحقيق أهدافهم》 وتابعت على لسان هرتزل 《 أن السلطان لا يلبث أن يصدر إرادة موفقة لمشروع الإسرائيليين 》 . ونشير هنا إلى أنه قد تم نشر كثير من المقالات عن عطف السلطان على اليهود واستعداده لمنحهم إذناً بالإقامة في فلسطين. وتابعت الأهرام اعتراضها على بيع الأراضي لليهود ،فقالت 《 تلك الأراضي كانت لنا وبعناها للأجنبي الذي استعمل رأس ماله وسواعدنا ومعرفتنا وهمتنا ببذل يسير 》 ونشرت القرارات التي تمخض عنها المؤتمر الصهيوني الثامن ومن أهمها 《 أن شراء الأراضي يجب أن يكون رأس المال الوطني وأن يكون مبنياً على قواعد مضمونة لا يمكن فيها نزاع》 . وتابعت الصحف العربية أخبار الوفود اليهودية المهاجرة إلى فلسطين، وحذرت من تزايد أعداد اليهود في فلسطين، وبخاصة اليهود الروس التي كادت 《 القدس ويافا وتضيقين بهم》 إذ ما إن يصل الواحد منهم حتى يبدأ بشراء الأراضي وإيجار المحالّ والمخازن بإسم 《 اليهود المتجنسين بالجنسية العثمانية 》 . وكانت صحيفتا الأهرام والمقطم منأكثر الصحف اهتماناً برصد تعداد اليهود في فلسطين واعتبار ازدياد الهجرة على مستقبل البلاد،إذ زار بشارة تقلا القدس ونشر مقالاً بعنوان " القدس الشريف (١٨٩٧) وتحدث عن ازدياد عدد المهاجرين اليهود الذين أصبحوا يمثلون أغلبية السكان فيها.واعطتا مؤشراً لمن يعنيهم الأمر بأستمرار الهجرة وتزايدهأ في ظل الإرادة التي تمنع إقامة المهاجرين اليهود في فلسطين وتملكهم الاراضي فيها . وأشارتا إلى قوتهم التي أصبح لا يمكن الاستهانة بها.
وتابعت الافلام العربية توضيحها لخطر الصهيونية ومناشدة السلطان عبد الحميد الثاني بوقف نشاطها. وكان نجيب عازوري أول عربب يندد بالخطر الصهيوني بوضوح وروية بعيدة المدى لاستحالة تعايش الكيانين العربي والصهيوني معاً وبالتالي حتمية الصراع المستقبلي بين العروبة والصهيونية، وحذر من خطر تفاقم الحركة الصهيونية ومن خطر المناداة بإعادة إنشاء دولة إسرائيل.
وكان عازوري شاهد عيان على ضعف الإدارة العثمانية وتغلغل الفساد في أجهزتها،وهي براية الأسباب التي أدت الى التسلل الصهيوني من خلال التحايل على الفرمانات والرشى. وقد تجلت في كتابات نجيب عازوري أول ظاهرة سياسية لمعارضة الحكم العثماني، ففي كتابه يقظة الأمة العربية عبر في مقدمته ولأول مرة عن تلك المظاهر السياسية والمطامع اليهود حين تنبأ ببعد نظر فريد سواء بين العرب أو بين اليهود في تلك الفترة عن إمكانية الصراع بين اليقظة القومية والحركة الصهيونية يقول :《 ان ظاهرتين هامتين متشابهتين الطبيعة بيد أنهما متعارضتان لم تجذبا اهتمام أحد تتضحان الآن في الدولة العثمانية الآسيوية: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع ،ومصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين متضاربين يتعلق بمصير العالم بأجمعه》 . فهو يدرك مخطط العمل الصهيوني الذي يرسم لإعادة تأسيس ما يسمونه وطنهم القديم باحتلال الحدود الطبيعية لهذا الوطن، ويقول : هذه الحدود الطبيعية هي بالنسبة إليهم جبل الشيخ الذي يضم منابع نهر الأردن ووادي بردى من الشمال مع الأراضي المحصورة بين راشيا وصيدا كمقدمة ، وقناة السويس وشبه جزيرة سيناء من الجنوب والجزيرة العربية في الشرق والبحر المتوسط في الغرب وبتكوينها هذا تصبح فلسطين بين يدي شعب يعرف كيف يدافع عنها … بلد صعب المنال》 .هذه هي الحدود الطبيعية للدولة اليهودية المنتظرة من وجهة نظر عازوري والتي حققها اليهود بقيام دولة إسرائيل خلال حربي عامي ١٩٤٨و١٩٦٧. وأوضح عازوري من خلال كتابه يقظة الأمة العربية أن الإدارة العثمانية في فلسطين ضعيفة ومجزأة،أذ يقول 《 وأنني متأكد بأن حكم الأتراك والقناصل العاميين لم يرفعوا إلى حكومتهم تقارير يلفتون أنظارها إلى خطط اليهود وتنظيمهم وغزوهم فلسطين 》 ويتابع " خيم جو من عدم الرضي على حكم الوالى العثماني الذي كان يبيع أرض العرب للصهاينة والوكالة اليهودية التي استقدمت الفاً وخمسمئة يهودي روسي وقد وفرت هذه الصفقة لجيب الوالي مبلغ ثلاثة ملايين". وأخيراً يشير عازوري في كتابه إلى أن عبد الحميد لم يفعل شيئا إزاء كل ذلك " إن المكافأة كانت إصدار الأمر بإعدامه ومكافأة الوالى" .
ونذكر أن عازوري قد ألف كتاباً بعنوان الخطر اليهودي العالمي كما تشير التصريحات والدراسات السياسية إلى التنبه لهذا الخطر ، هذا إذا ما لاحظنا أن أول مؤتمر عقد للحركة الصهيونية كان في بال متزامناً مع ظهور عازوري وانشغاله بالقضية العربية، وكان ذلك خلال تسلمه منصب نائب حاكم القدس الأعوام ١٨٩٨- ١٩٠٤؛ إذ اتهم خلالها حاكم القدس كاظم بك ببيع أراضي العرب للصهاينة والوكالة اليهودية، وقال: إن اليهود في فلسطين قد اشتروا كاظم بك بالأموال. ونشر عازوري مقالات متعددة في الإخلاص المقطم حول المسألة الفلسطينية شرح من خلالها كيفية تملك مساحات شاسعة من أراضي فلسطين خلال حكم السلطان عبد الحميد الثاني وتساهل الولاة المرتشين، ونخص بالذكر هنا كاظم بك حاكم القدس، في الأراضي للوكالة اليهودية. ونشر في الإخلاص في ٦حزيران/ يونيو عام ١٩٠٤ رسالة أخرى تعهد فيها بالاستمرار في فضح الوالى ليتأكد من خلالها السلطان عبد الحميد أن أولئك الخونة سيكونون سبباً في خراب الدولة وفقدانها من أيدي المسلمين.
ونشر في ٢٤ حزيران/ يونيو عام ١٩٠٤ مقالاً آخر شرح فيه الحالة التي وصل إليها الفلاح الفلسطيني نتيجة مفاسد الوالى كاظم بك ،وناشد السلطان عبد الحميد باستبعاده عن السلطة. ونشرت مقالات أخرى في ٨و٢٢تموز / يوليو عام ١٩٠٤وتحت عنوان 《 إيرادات كاظم بك وشركاء الشهرية من أهالي فلسطين 》 أكد تسهيلات الوالي الذي اخترع نظاماً ضريبباً سهل من خلاله المهاجرين اليهود الدخول إلى البلاد والترخيص لهم بالبناء واعتراض من خلالها على تعيين الموظفين الفاسدين.
وكتب عازوري سلسلة مقالات أحدها في المقطم بتاريخ ٢٥حزيران/ يونيو عام ١٩٠٤ بعنوان《 وعيد وتهديد 》 ومقال《 أملاك الدولة بالمزاد》 ١٥ تموز / يوليو عام ١٩٠٤ ، ويقال 《 المتصرفون في السلب》 في ٢٢ تموز / يوليو عام ١٩٠٤ حمل فيها السلطان عبد الحميد المسؤولية عما يجري في فلسطين وامتلاك الأجانب الأراضي، إذ اعتبره امراً متعلقاً بالسلطان بشكل مباشر إذ لو شاء الأهالي التسامح يمكنه أن يضع حداً لهم، ويقول 《 إن رجال المابين شركاء كل حاكم يبتز الأموال ويقسمها حصصا》 . بيد أن حملة عازوري في جريدة الإخلاص كانت فعالة ،فوجهت إليه تهم الخيانة ضده في إسطنبول لذلك واجه حكم الإعدام. وهذا يعزز لدينا الاعتقاد بأن عبد الحميد الثاني لم يكن ضد استعمار اليهود لفلسطين ،فموافقتة على إعدام عازوري لأنه كشف تواطؤ والي القدس دليل على ذلك. في عام ١٩٠٥ ازدادت التظاهرات والاحتمالات والاحتجاجات في المدن الفلسطينية وترتب على ذلك أن أضطرت وزارة الداخلية العثمانية إلى إصدار تعليمات إلى متصرف القدس رشيد باشا بمنع بيع الأراضي لليهود، ونتيجة لزيادة ضغط الأهالي أيضا تم نقل رشيد بك باشا واستبداله بأكرم بك (١٩٠٦-١٩٠٨). وفي عام ١٩٠٦ أظهر العرب الفلسطينيون تذمرهم من الهجرة اليهودية، ولاسيما بعد أن رأوا أن عدداً من المهاجرين الذين دخلوا إلى البلاد بحجة الزيارة الدينية لم يخرجوا منها بل وأقاموا في المستعمرات والمزارع الجماعية، والأمر الذي جعل العرب يشنون غاراتهم الهجومية على اليهود كما حدث في منطقة سيليرا وغيرها. والواقع أن عرب فلسطين مارسوا معارضتهم للاستيطان اليهودي بأشكال عديدة، ومنها المعارضة السياسية والاقتصادية، حيث شكل العرب لجاناً شعبية مهمتها التضييق على اليهود و مؤسساتهم، ولا سيما في القدس، فكان اعضاء هذه اللجان يوزعون أنفسهم في مختلف المناطق لتنفيذ مخططاتهم في تخريب وحرق المؤسسات الأجنبية والصهيونية. ونلخص هنا موقف العرب في فلسطين من المساعي الصهيونية بالنقاط التالية: أولا ً، اتخذت المقاومة أشكالاً متعددة جمعت بين أساليب العنف ممثلة بمهاجمة المستعمرات الصهيونية والأساليب السياسية السلمية من خلال التظاهرات والاحتجاجات. ثانياً،إرسال برقيات أو عرائض ومذكرات وشكاوى إلى الدولة العثمانية تدور حول المطالبة بوضع قيود على هجرة اليهود الروس ومنع استملاكهم الأراضي وحل مشكلة اليهود بتوطينهم خارج فلسطين. ثانيا، التوعية الإعلامية عن طريق الصحف والمجلات. رابعاً ،الجهود والمساعي التي بذلها النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني. أن العرب في فلسطين وخارجها لم يتجاهلوا الخطر الصهيوني المتنامي في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، لكنهم لم يكونوا بمستواه من حيث التخطيط والتنظيم المشار إليه في الهجرة والاستيطان، ولم يؤسسوا لحركة رسمية للحفاظ على عروبة فلسطين، ولم يستغلوا اضطهاد الأتراك الرأي العام العالمي.
وما لا ريب فيه أن الصحافة العربية أدت دوراً بارزاً في تنبيه الرأي العام العربي بوجه عام إلى خطورة المغامرة الصهيونية وإلى حقيقة أطماعها وأهدافها البعيدة المدى، فإذا كان هذا ما فهمه العربي الأمي فلا حاجة إلى تفصيل ما فهمه المتعلم وكتاب الصحف والمجلات؛ فكل الصحف والمجلات والكتاب فهموا أن غرض الصهيونية إنشاء دولة يهودية في فلسطين على حساب سكانها العرب. صحيح أن الحكومة العثمانية وضعت الفرمانات لمنع الهجرة ووقف استملاك الأراضي لكن ضغط القنصليات الأجنبية والتهديد الذي واجهته من قوة اليهود المالية في مصارف أوروبا والحصول على قروض لخزينة الدولة كلها عوامل جعلت الحكومة العثمانية تتراجع عن أي قرار تصدره.
خاتمة
تمثل مرحلة حكم السلطان عبد الحميد الثاني للدولة العثمانية مرحلة مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية باعتبارها المرحلة التي تشكلت فيها نواة الصهيونية على أرض فلسطين. ومن خلال تتبع مراحل الوجود الصهيوني على أرض فلسطين وتطوره خلال حكم عبد الحميد الثاني يمكن الوقوف على بعض النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة: أولاً : رغم ان الصهاينة قد فشلوا في تحقيق أهدافهم السياسية بالحصول على " ميثاق فرماني " لدولتهم اليهودية المقترحة لكنهم تمكنوا من أن يوطنوا آلافاً من اليهود في فلسطين، إذ ازدادت أعدادهم عام ١٩٠٨ إلى ٨٠الفاً أي حوالي ثلاثة أضعاف ما كان عليه عددهم في عام ١٨٨٢،حيث كان عدد اليهود لا يتعدى ٢٤الفاً ، وبهذا ازدادت نسبتهم من ٥ بالمئة إلى ١١ بالمئة ( ٨٠الفاً من عدد السكان الذي وصل في عام ١٩٠٨إلى حوالي ٧٠٠ ألف نسمة ) .وكان اكثرمن خمسين الفاً من الوافدين الجدد من الصهيونيين الذين لم يحصلوا على الجنسية العثمانية سوى عدد قليل منهم ، ومن هنا كان بإمكان اغلبيتهم التمتع بالمزايا التي تضمنها نظام الامتيازات الأجنبية. وقد فشلت سياسة الدولة العثمانية بصورة لا يسهل علاجها ،على عكس ما يذهب إليه الكثيرون الذين يصورون السلطان عبد الحميد الثاني بصورة المدافع عن فلسطين، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة . ثانيا،بحلول عام ١٩٠٨ كان اليهود الصهاينة قد حصلوا على ما مساحته ٤٠٠ ألف دونم من الأرض من مجموع مساحة البلاد البالغة ٢٧مليون دونم وأنشأوا ٦٨ مستعمرة زراعية عام ١٩٠٨، وبحلول عام ١٩٠٨.لم يعد اليهود يتمركزون في القدس والخليل وصفد وطبريا كما كان عليه الحال ١٨٨٢ فحسب، إنما انتشروا أيضا في مدن الساحل، يافا وحيفا. ١- نجاح الحركة الصهيونية في استقطاب الدول الكبرى الأوروبية والآسيوية لدعم مشروعها ،فقد تحدى اليهود كل ما أصدرته الدولة العثمانية من أنظمة وفرمانات بخصوص وقف الهجرة اليهودية ورفضوا الحصول على الجنسية العثمانية والخضوع لأحكام الدولة، وأصروا على اتخاذ فلسطين وطناً قومياً لهم . ٢- وجود الفجوة الواسعة بين النظرية والتطبيق في سياسة عبد الحميد الثاني وقراراته في منع الهجرة والاستيطان إلى فلسطين، وأهم الأسباب التي حالت دون تنفيذ قراراته كانت تدخل الدول الأجنبية لمصلحة الصهاينة، وذلك وفقاً لنظام الامتيازات الأجنبية الذي شدد الخناق على عبد الحميد الثاني وجعله في حالة اضطراب عند اصداره الفرمانات ومن ثم التراجع عنها أو تعديلها وفقاً لمصالح الدول الكبرى والصهاينة. فأي قرارات معادية للصهيونية تعتبر لاغيه وباطلة من تلقاء نفسها، فالقرارات والفرمانات وأوامر المنع التي ناقضتنفسها غير مرة كانت عيباً كبيراً في سياسة عبد الحميد الثاني تجاه فلسطين. فما المعني من أن تنطبق قيود الدخول فقط علي اليهود الذين يأتون إلى فلسطين فى جماعات؛ أما هؤلاء الذين يصلون مع عائلاتهم فقط فلهم مطلق الحرية؟ ٣- الربط الإداري المباشر بين متصرفية القدس والاستانة يعد أقوى دليل على علم عبد الحميد الثاني بكل ما يجري على أرض فلسطين، وليس الولاة والحكام والمرتشين فقط هم من يتحملون مسؤولية ضياع فلسطين. ٤- لم يخُفِ الصهاينة مخططاتهم، بل أعلنوها بكل صراحة ووضوح، والمتتبع للصحافة الأوروبية ولمؤلفات الصهاينة يجد الأدلة على سياستهم الرامية إلى الاستيلاء على أرض فلسطين، لاتنسى أن عبد الحميد الثاني كان متتبعاً للصحافة الأوروبية بشكل جيد ،فهو على اطلاع دائم على تحركات الصهاينة و مؤتمراتهم و خطواتهم العملية على أرض فلسطين؛ ورغم استشعاره للخطر الصهيوني إلا أنه لم يأخذ من الإجراءات ما يمنع من خلاله تسلل اليهود إلى فلسطين. ٥- رغم أن السلطان عبد الحميد رفض أن يبيع الأرض مباشرة فإنه كان يبدي استعدادات ملحوظة للتساهل أمام الطلبات اليهودية سواء عبر غض الطرف عن تطبيق الفرمانات بشأن هجرتهم أو إصدار تشريعات وفرمانات تنظيمية تستجيب لرغباتهم .ولنا أن نؤكد أن جميع المستعمرات التى تم تأسيسها والأراضي التي تم شراؤها كانت ضمن الترخيص الفرمانى . ٦- رأينا أثناء المفاوضات أن الأساس الذي دخل لأجله عبد الحميد في المفاوضات مع هرتزل كان لأسباب مالية أولاً ، وهذا ما تبين لنا أثناء شرح الأوضاع المالية للدولة العثمانية. لكن عبد الحميد أراد الحصول على المال من دون تقديم تنازلات مباشرة وصريحة لهرتزل والصهاينة في فلسطين، إذ أدرك أنه للبقاء للدولة العثمانية إلا بالاعتماد على العرب والمسلمين وتأييدهم في مواجهة التدخل الأوروبي، وأدرك أن هناك مشاعر إسلامية تزداد يوماً بعد يوم ضد المشروع الصهيوني، لهذا كان من الصعب أن يتنازل أو يغامر في خسارة رضا العرب ، كما أن تنازله عن فلسطين يعني بالنسبة إليه خسارة أكبر مؤيد له في الدولة العثمانية آنذاك. فكان أمام خيارين صعبين جعلاه يدخل في مفاوضات طويلة الأمد مع زعيم الحركة الصهيونية هرتزل محاولاً تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح دون تقديم أي تنازلات كبيرة ومباشرة في فلسطين . لكن إصرار هرتزل على ( الوثيقة الفرمانية ) وفشله في الحصول على المال اللازم جعل المفاوضات تسير في طريق الفشل لكلا الطرفين. ومع ذلك أبقي عبد الحميد على شعرة معاوية بينه وبين هرتزل ،محاولاً بذلك التخلص من الدين العام وإنعاش البلاد اقتصادياً بالأموال اليهودية، وفي المقابل لم يكن بمقدوره أن يقدم شبراً واحداً من فلسطين، فكان يريد الأخذ دون العطاء ، ولم يقم هرتزل وزناً لأي عطاء من السلطان خارج الاتفاق على أراضي فلسطين. وهذا التحليل يفسر لنا لماذا طالت المفاوضات كل هذه المدة الزمنية؛إذ لا يمكن لحاكم له صفات الذكاء التي ذكرنا أن يدخل مفاوضات لمدة ست سنوات فقط من أجل التعرف إلى مخططات الصهاينة أو محاولة صدها، وإلا لماذا حققت الحركة الصهيونية كل هذا النجاح في فلسطين أثناء مدة هذه المفاوضات؟ ٧- لا يجوز أن نضع فشل سياسة عبد الحميد الثاني في منع المشروع الصهيوني على أكتاف الولاة والسلطات المحلية وحدها،إذ أن الحكام الإداريين، كما تبين لنا، كانوا أكفاء وأمناء ، أمثال رؤوف باشا وأكرم باشا . لكن أوامر الدولة العليا المضطربة هي التي جعلتهم يحتارون في كيفية التصرف مع الصهاينة الوافدين إلى فلسطين . ٨- الفرمانات الرسمية دليل على موقف السلطان؛ إذ إن أكثر الفرمانات حسماً كانت في عام ١٨٩١،وجاءت كرد فعل من السلطان على احتجاج الأهالي في فلسطين من أجل وقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، لكن لا تجد لها أي تطبيق فعلي ،فما هي إلا حبر على ورق. وكذلك الفرمانات الجزئية التي سمحت لليهود ببناء المستعمرات، إذ كانت سنداً قويا في يد الصهيونية للتوسع في شراء مزيد من الأراضي. أن مثل هذه الإجراءات لا يمكن أن تفوت آثارها على السلطان عبد الحميد السياسي المحنك . ٩- كانت الإغراءات المالية التي قدمها الصهاينة سبباً لحمل عبد الحميد الثاني على إصدار فرمانات جزئية، فأذن لهم بشراء أقسام معينة من فلسطين، كذلك واعتماداً على فرمان تملك الأجانب عام ١٨٦٩،أجيزت الملكية لمن يريد، سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات أم شركات ،وبهذا تمكنت الجمعيات والمؤسسات الصهيونية من شراء الأراضي من الملّاك الإقطاعيين وإقامة المستعمرات عليها. ١٠- نجحت الحركة الصهيونية بتنفيذ خططها لغزو فلسطين مالياً وبشرياً ،وذلك بإنشاء أجهزة تتولى عمليات شراء الأراضي العربية وتوزيعها على الفقراء اليهود ابتغاء زيادة كثافة السكان اليهود وإقامة مشروعات صناعية وتجارية وإنشاء أجهزة التحكم المحلي والإدارة المحلية وقيام مؤسسات تعليمية وثقافية، حتى يتم صبغ فلسطين بصبغة يهودية وصولاً إلى تأسيس الدولة اليهودية فيها. ١١- اهتمت الصحافة العربية بالحركة الصهيونية و تنبهت مبكراً لأطماعها ،وأدت دوراً أساسياً في تنبيه الرأي العام العربي بوجه عام، ولا سيما الرأي العام الفلسطيني ، إلى خطورة المخططات الصهيونية وحقيقة أطماعها والتحريض على مقاومة . ١٢- تمثلت ردود الفعل الحميدية على العرائض والشكاوى التي رفعها أهالي فلسطين للسلطان مطالبين من خلالها بوقف المد الصهيوني على أراضيهم، بالتراجع لفترة قصيرة عن بعض القرارات التي سمحت بالهجرة وبيع الأراضي،ولكن لمدة زمنية ليس لها تأثير يذكر ، إذ سرعان ما تم تعديلها لمصلحة الصهاينة. ونعتبر أن جميع ما ورد في الصحف العربية والعرائض والشكاوى دليل على علم ودراية عبد الحميد الثاني لكل ما يجري في فلسطين. ١٣- موقف عبد الحميد الثاني من القضية الفلسطينية لقيت أصداء متفاوتة لدى المؤرخين وكثير منهم لم يحمل السلطان المسؤولية التامة عما حدث في فلسطين بناء على ما ورد في مذكراته ومما نقل عنه من آراء، ونذكر من أهم ما تم تداوله الآتي: أ- "وثيقة أبو الشامات " : هذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة بعث بها السلطان عبد الحميد الثاني إلى شيخ الطريقة الشاذلية في الشام الشيخ محمود أفندي أبي الشامات في ٢٢ أيلول ١٣٢٩ ، يقول فيها: ( إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة ، إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا علىّ بأن أصادق علي تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة "فلسطين " ، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف ، وأخيراً وعدوا بتقديم مئة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً ، فرضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، و أجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: " إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا _فضلاً عن مئة وخمسين مليون ليرة إنكليزي ذهباً - فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي ،لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم هذا قطعي ايضاً ".وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي وابلغوني انهم سيعدونني إلى (سلانيك) فقبلت بهذا التكليف الأخير .هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن أُلَطٌخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة: فلسطين، وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال وأعتقد أن ما عرضته كافٍ في هذا الموضوع وله اختم رسالتي هذه " . عبد الحميد الثاني.نتوقف هنا ونخص وثيقة أبوالشامات بالتحليل :
يعتبر البعض رسالة السلطان عبد الحميد إلي الشيخ أبو الشامات ( أو وثيقة أبو الشامات كما يطلق عليها )"الدليل الدامغ" على براءة السلطان عبد الحميد من تهمة المسؤولية عن ضياع فلسطين. وتحتاج هذه الوثيقة والملابسات المحيطة بها إلى وقفة مطولة ونقاش من ثلاث زوايا : الاولى،مغزى وأهمية،أو عدم أهمية ،الوثيقة ، أى وثيقة، في العملية التاريخية بشكل عام؛ والثانية، إثارة السؤال حول صحة وموثوقية هذه الوثيقة المحددة التي بين أيدينا؛ والثالثة، مناقشة ما جاء على لسان السلطان عبد الحميد وبافتراض أنها صحيحة. ابتداءً يصعب تجاوز المسألة التي تثير نقاشاً وخلافاً دائماً في دوائر المؤرخين والتاريخ وهي " مركزية الوثيقة" فى العملية التاريخية، من دون التوقف عندها ،والحديث هنا يقتصر على الوثيقة المتأكد من صحتها وغير المشكوك في أصلها. ويختلف المؤرخون في نظرتهم إلى الوثيقة، ففي حين لا يعطيها بعضهم أهمية كبيرة، فإن البعض الآخر يراها حجر الزاوية و" كنز الحقائق " في التاريخ، ذلك أنها تتفوق على غيرها من أدوات التاريخ مثل التحليل ،وربط الحوادث، والاستنتاج المنطقي ،أو المقابلة المباشرة ، أو استنطاق تواريخ شفهية وسوى ذلك. الوثيقة في نظر هذا الفريق من دون أن يدخل عليها أي تعديل مستقبلي بأثر رجعي، ومن دون أن تسمح لتغير الظروف ومرور السنوات بأن يغير جوهرها ومضمونها .في المقابل فإن تغير الظروف وتبدل السياقات يؤثر في المواقف الاسترجاعية، ويؤثر أيضا في المؤرخ نفسه وطريقة تناوله ونظرته إلى الأحداث. وهناك على الجهة المقابلة فريق من المؤرخين يرفض المركزية الزائدة التي تمنح ل" الوثيقة" في العملية التاريخية، وفي نظر هؤلاء يجب تقليص دور الوثيقة إلى مجرد أداة لا تتفوق على بقية أدوات التحليل التاريخي، ويفترض أن تكون محط شك دائم. بل والأهم من ذلك ، قد تتحول الوثيقة، كما يقول المؤرخ البريطاني إدوارد كار، إلى " مقبرة للحقائق " ، لأنها تختلف عملية التحليل التاريخي وتحشرها في المضمون "المقدس " الذي تتضمنه وتزعم أنه يحتوي على القول الفصل إزاء الحوادث التاريخية أو الحادثة التي تصفها .وبالتالي يجب أن ينظر إلى الوثيقة في سياقها الظرفي وموضعتها في إطار أوسع واختبارها في ضوء ما يتوافر من معرفة وأدوات أخرى، والأهم من ذلك فحص ظروف كتابتها والأهداف من وراء ذلك، ومن ثم استخدامها. أي باختصار، نزع القدسية عنها ورفض منحها الأولوية المطلقة في العملية التاريخية. وتتبنى الباحثة هذا الرأى ،وهو الذي يرى في الوثيقة أداة من أدوات البحث التاريخي ،وليس الأداة الحاسمة او تلك التى تؤخذ على علاتها ومن دون نقد وتفكيك .ولتنزيل هذا الرأى من تجريديته إلى أرض الواقع ، وقياساً على " وثيقة أبو الشامات " ، لنفترض أن أحد الرؤساء الذين أطاحهم الربيع العربي بعث برسالة إلى شيخ من شيوخ الدين المقربين له ، يشرح له فيها أسباب الثورة عليه ، فماذا ستتضمن تلك الرسالة ؟ ماذا سيكتب حسني مبارك، ، أو زين العابدين بن علي، أو علي عبد الله صالح ، في وثيقة يعلم كل منهم أنه سوف يتم استخدامها تاريخياً في إطلاق حكم التاريخ على الحقبة التي حكموا فيها ؟ وإذا كان كثير من المؤرخين الذين في قيد الحياة الآن ،أو المتابعين من غير المؤرخين، قد يستخفون بمثل هذه الرسالة ( الافتراضية) لأنهم عاشوا الحدث التاريخي يستطيعون تأريخة بطرق مختلفة ، فلا أحد منا يستطيع التكهن بموقع هذه الرسائل أو ( الوثائق) ، التي افترضنا أن هؤلاء الرؤساء أحداث تاريخية عديدة وتتطور أمور وظروف مختلفة،بشكل يغري مؤرخ المستقبل كي يتعامل مع " وثيقة مبارك " ، أو " وثيقة زين العابدين بن علي " ، أو " وثيقة علي بن عبد صالح" ، من زاوية مختلفة تماماً ، ويعطيها جدية بالغة وربما مركزية كبيرة في التحليل التاريخي، بينما لو صدرت هذه الوثائق هذه الأيام لما وجدت اهتماماً كبيراً يُذكر.خلاصة ذلك ، وبالعودة إلى " وثيقة أبو الشامات" ، فإن صدورها في وقت متأخر عن الزمن المفترض أنها كتبت فية أعطاها أبعاد متضخمة لأنها صارت تقرأ في ضوء سياقات وظروف أخرى، وليس في ضوء السياق الذي ولدت فيه . وعموماً فإن ما تفترضه الخبرة التاريخية في التعامل مع مثل هذه الوثائق هو وضعها في سياقها الخاص بها ، وربطها دوماً بظروف كتابتها والأهداف المتوخاة منها. الزاوية الثانية التي لنا أن نناقش فيها هذه الوثيقة هي التساؤل حول ما إن كانت صحيحة واصلية ومكتوبة من قبل السلطان نفسه ، أم أن " فاعل خير " كتبها في وقت لاحق وأراد بها أن يبرئ السلطان من الاتهامات التي تثار حول موقفه.وفي و الوقت الذي لاتتبنى فيه الباحثة موقفا يقول أن الوثيقة غير صحيحة أو مزورة ، إلا أن كثير من الملابسات المحيطة بها تثير شكوكاً عميقة تستلزم المزيد من البحث والتحري حول الوثيقة وصدقيتها. لنبدأ أولاً بنقطة أن رسالة السلطان هي رد على رسالة من الشيخ أبو الشامات نفسه للسلطان في منفاه .لا يذكر السلطان أي شيء عن مضمون رسالة الشيخ له سوى الأخير طمأنة عن نفسه وأنه " بصحة وسلامة دائمتين" ، ونحن لا نعرف أصلاً وعلى وجه الدقة طبيعة العلاقة بين الاثنين وفي ما إن وجدت أصلاً .وبعد المقدمة التبجيلية يدخل السلطان في موضوعه مباشرة وتقريباً من دون مقدمات ، ومن دون أن نعرف في ما أن كان في رسالة أبو الشامات أي شيء عن الموضوع الذي سوف يتحدث عن السلطان ، الذي يقول : " … وأعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة الآتية في ذمة التاريخ…" والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن وتستدعي إجابات هنا حول صحة الوثيقة وصدقيتها كثيرة ومن ضمنها : أين هي رسالة أبو الشامات للسلطان عبد الحميد، وهل لها ذكر في أي من الأرشيفات العثمانية أو الأوروبية؟ وهل هناك ذكر ل "مراسلات " الشيخ أبو الشامات مع السلطان في أي مراجع أخرى كتبت عن أبو الشامات نفسه وهو من كبار شيوخ الصوفية في دمشق آنذاك؟ ولماذا لم يعرف أحد بتلك المراسلات حتى من قبل أقرب مغربي الشيخ يؤكدها بشكل أو بآخر . ثم لماذا يسكت الشيخ أبو الشامات نفسه هذا السفر التاريخي الكبير ولا يدافع عن سمعة أحد كبار مريديه ،أي السلطان نفسه، بل يموت سنة ١٩٢٣تاركاً هذا السفر مدفوناً ولا يظهر إلا في سنة ١٩٧٢ عن طريق أحد أحفاده الذي لا يذكر لنا لماذا أبقي هذا السر مدفوناً طوال تلك العقود ؟ ولنا أن نتذكر أيضا أن السلطان عبد الحميد مات سنة ١٩١٨ أي أن هناك خمس سنوات كاملة بين وفاة السلطان والشيخ أبو الشامات، وبالتالي كان حرياً بالشيخ أن ينشر الرسالة / الوثيقة دفاعاً عن عبد الحميد و حتى يبرأ بذمته إلى التاريخ ، وهي الأمانة التي أوكلها له السلطان . كيف يغفل الشيخ أبو الشامات وهو العالم الذي كتب مصنفات وكتباً كثيرة عن أهمية نشر رسالة السلطان وهي بتلك الأهمية التاريخية والعلمية البالغة ؟ إضافة إلى ذلك تثير الوثيقة ولغتها وصيغة التاريخ المستخدمة فيها شكوكاً أخرى .فهناك بعض التعبيرات مثل " تفضلوا بقبول احترامي" ،تبدو معاصرة وبعيدة من الاستخدامات القديمة. لكن ربما يكون هذا الانطباع ناتجاً من الترجمة العربية لذلك نذكر هذه النقطة بحذر .بيد أن الصيغة المستخدمة في التاريخ الجمهور إلى جانب توقيع السلطان تثير الاستغراب وهي : " ٢٢ أيلول ١٣٢٩" ( وهي واضحة بهذه الصيغة في الصورة المأخوذة عن الوثيقة الأصلية بالتركية) . لماذا يستخدم السلطان لفظة " أيلول " ولا يستخدم الشهر والمناظر بالتقويم الهجري. الزاوية الثالثة: في مضمون الوثيقة نفسها ،وما هي الأهداف التي يريد عبد الحميد الثاني تحقيقها من إرسال الرسالة إلى الشيخ أبو الشامات، ومرة أخرى بفرض أنها صحيحة وأصلية ، ولماذا يرسلها أصلاً إلى شيخ طريقة صوفية ، ولم يرسلها إلى أحد وزراء عهده الموثوقين مثلاً ، أو أحد الكتاب أو المؤرخين؟ لنبدأ من النقطة الأخيرة هذه ، وهي العنوان الذي اختاره السلطان عبد الحميد لهذه الرسالة. فما هي أولاً طبيعة العلاقة حقاً وفعلاً بين الشيخ أبو الشامات والسلطان عبد الحميد ؟ هل هي فعلاً علاقة شيخ ونريد، أم أن السلطان أعلن تبعيته له في وقت متأخر وبعد عزله وفي رأسه إرسال هذه الرسالة ؟ ونعرف ثانياً أن السلطان قد تمتع بذكاء حاد ومتابعة دقيقة لما كان يحدث في الدول الإمبراطوريات المختلفة، وإدراكه للسياسة وألاعيبها ، ومفارقات التاريخ، والأدوار المختلفة التي يؤديها الأفراد، كما عرف عنه ولعه بالقراءة وحتى بالروايات البوليسية .ويعرف السلطان أن كثيرين من السياسيين حوله وفي مكان كانوا على معرفة كلية أو جزئية بعلاقات ولقائاته مع هرتزل، وأنه لو أرسل إلى أى منهم تلم الرسالة فإن المستقبل لن يقرأها بروحية المقتنع بما فيها ، بل بنظرة المتشكك .أما الشيخ أبو الشامات، وبخاصة بعد الديباجة الطويلة والتبجيلية التي يقدمها السلطان للشيخ ويصفه فيها بأنه " مفيض الروح والحياة " و" شيخ أهل عصره" ، فإنه سيقبل رواية مريده كما هي ولا سيما أنها مفعمة بمزاعم الدفاع عن الدين والملة .كما لنا أن نغامر ونتوقع أن الشيخ الصوفي لم يكن متابعاً لما يحدث في ردهات الدبلوماسية و الصفقات والسياسة والسلطانية في إسطنبول. إضافة إلى ذلك، فقد أراد عبد الحميد الثاني أن يضفي على روايته الخاصة لتاريخه مع الصهيونية وفلسطين صدقية وشرعية دينية من خلال إيداعها بين يدي شيخ الطريقة الشاذلية في الشام. أما التمعن وتدقيق النظر في مضمون الرسالة فإننا نجد أكثر من قضية تثير الشك في الهدف الذي استبطنه السلطان عبد الحميد من ورائها ، وتستحق النقاش . هناك أولاً ما يقوله السلطان عبد الحميد حول الهدف من إسقاطه وعزله عن الحكم هو تسليم
فلسطين لليهود، معطياً الانطباع بكونه العائق الكبير الذي كان يحول دون ذلك. لكن مسار الأحداث بعد عزله لا يؤكد ذلك الزعم .فمن ناحية أولي يتم تسليم فلسطين ولا بيعها لخلفاء هرتزل أو المنظمات الصهيونية بعد عزل السلطان؛ بل لم يحاول قادة المنظمات الصهيونية مقابلة السلاطين ( حتى رغم ضعفهم ) الذين جاؤوا بعد عبد الحميد ولم يجددوا العرض عليهم .وهذا الامتناع قد تكون له ثلاثة تفسيرات:
الأول، هو قناعة تلك المنظمات أنه لا يوجد أمل في مواصلة المساعي لشراء أراضي فلسطين حتى بعد سقوط السلطان عبد الحميد، وأن جاؤوا بعده سوف يرفضون الطلب نفسه. الثاني، هو أن تجربة عبد الحميد الثاني مع تلك المنظمات كانت لينة وأنه أبدى لهم بطريقة أو بأخرى استعداداً للتفاوض ، وأبقى الباب موارياً ، بحيث بقيت آمال تلك المنظمات الجهات ، وبخاصة هرتزل ، عالية في مسألة إقناعه، بينما لم تجد تلك المنظمات والجهات نفسها الليونة و الباب الموارب الذي كان أثناء الفترة الحميدية. الثالث،هو غلبة تيار " فرض الأمر الواقع " على تيار " الشراء القانوني " داخل المنظمات الصهيونية نفسها واقلاعها عن فكرة التفاوض مع السلطنة على ذلك. لكن أياً ما كان الأمر فإن السلطان عبد الحميد الثاني وهو الذي خلف عبد الحميد الثاني واعتبر ضعيفاً أمام حركة الاتحاد والترقي ،بل واتهمه ( شقيقة ) عبد الحميد في رسالته إلى الشيخ أبو الشامات ولو بشكل مباشر بأنه جيء به من أجل تسهيل مؤامرة تسليم فلسطين، لم يقم بذلك التسليم مطلقاً ، ولم يتخل عن فلسطين طوعاً .فالقدس لم تسقط بيد القوات البريطانية رغم الحروب المتواصلة و المنهكة ضد الجيش العثماني إلا سنة ١٩١٧، ومعركة القدس تحديداً استمرت قرابة الشهر ونصف الشهر ،من منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩١٧ وحتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر. أين هي إذا مزاعم السلطان عبد الحميد من أن عزله كان لهدف تسليم فلسطين، ولماذا لا يتم تسليمها فوراً ويوفر الجيش العثماني على نفسه الانهاك والخسائر في حرب لا طائل من ورائها وهناك جبهات مفتوحة عليه في كل مكان ، من الجيش الروسي في الشمال ومن جيوش الحلفاء في الغرب وفي الأناضول؟ حقيقة الأمر أن عزل السلطان عبد الحميد لا علاقة له بفلسطين، وأسبابه متجذرة فى فشله الداخلى وفى فشل إدارته للإمبراطورية بوجه عام. وإذا كان قد لخص نظرته إلى حركة الاتحاد والترقي بكونهم عملاء و يريدون تسليم فلسطين فهذا مما يرد من تبادل اتهامات في الخصومات السياسية، وإلا فكيف نفسر فوز الاتحاديين الساحق في أول انتخابات تم تنظيمها سنة ١٩١٢،أي بعد عزل عبد الحميد؟ على ذلك فإن إرساله لتلك الرسالة ، ويفرض صحتها إلى الشيخ أبو الشامات قصد منه تحقيق هدفين مرة واحدة . الأول، هو تسوية حساباته التاريخية مع خصومة السياسيين وتسديد ضربة قاصمة لهم تحت الحزام في محكمة التاريخ ، بكونهم عزلوه بسبب تصلبه أمام الصهاينة وعدم تفريطه بفلسطين، وأنهم في المقابل جاؤوا لتنفيذ ذلك تماماً ؛ والهدف الثاني هو محاولة تبرئة نفسه وسياساته وحكمه من مسألة التفريط والتساهل بأرض فلسطين. " وثيقة أبو الشامات " هي الرواية التي يريد السلطان عبد الحميد أن يودعها التاريخ بشأن علاقته مع تيودور هرتزل، والاشاعات التي هو أعرف الناس بها إزاء تساهله في انتقال أرض فلسطين من ملاكها العرب والفلسطينيين إلى اليهود يريد السلطان أن يكون موجوداً في محكمة التاريخ عندما تحال قضيته هناك وتتجمع الأدلة والشواهد ضده ،وهي الشواهد التي ناقشها هذا الكتاب مثل مضاعفة بناء المستوطنات اليهودية ثلاث مرات في عهده ، والتراخي في حظر الهجرة اليهودية، وإنشاء بنية تحتية صهيونية في فلسطين، وغير ذلك. عبد الحميد الثاني يدرك تمام الإدراك أن هناك شبهات كثيرة سوف يثيرها المؤرخون حول اسمه عندما ترد قضية ضياع فلسطين، ولهذا أرسل رسالته ، ويفرض أنها صحيحة، إلى الشيخ أبو الشامات.
ب- كذلك تداول المؤرخون كثيراً من مذكراته ونقتبس منها :
يقول :( لكننا لا يمكننا القول بأن الهجرة اليهودية شكل مناسب ، لقد مضى عهد دخول أتباع الأديان الأجنبية إلى مجتمعنا كما تدخل الشوكة في أجسادنا؛ ليس لنا أن نقبل في أراضينا إلا من كان من أمتنا وإلا من شاركنا في معادنا ) . لنا تعقيب على تصريحات السلطان هذه : كيف لعبد الحميد الثاني أن يصرح أو يصف أصحاب الأديان الأخرى " بالشركة التى تدخل الجسد " وكيف له أن لا يقبل إلا من مسلما ؟ أليس بالأمر المستغرب أن يطالب بأمر كهذا في دولة تجمع في ما بينها من الملل والنحل الدينية كافة . ج- ومما جاء في مذكراته ما دونه فى عام ١٨٩٥ قائلاً : لن يستطيع رئيس الصهاينة "هرتزل " أن يقنعني بأفكاره وقد يكون قوله : ( ساحل المشكلة اليهودية يوم يقوى فيه اليهودي على محراثه بيده ) صحيحاً ، في رأيه أنه يسعى لتأمين أرض لإخوانه اليهود ، لكنه ينسى ( أن الذكاء ليس كافيا لحل جميع المشاكل). ويتابع ( لن يكتفي الصهاينة بممارسة الأعمال الزراعية في فلسطين بل يريدون أموراً أخرى مثل تشكيل حكومة وانتخاب ممثلين ، إنني أدرك إطعامهم جيدا ،لكن اليهود سطحيون في منهم أنني سأقبل بمحاولاتهم وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود خدماتهم لدى الباب العالى فإنني اعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين . ونشير هنا إلى التاريخ الذي دونت به هذه التصريحات هو عام ١٨٩٥ حيث لم يكن هرتزل قد بدأ نشاطه الفعلي في محاولة تأسيس وطن قومي للصهاينة في فلسطين. ونلاحظ ضمن هذه التصريحات مدى إدراك عبد الحميد لأبعاد مخططات الصهاينة في فلسطين في هذا الوقت المبكر ،فلماذا لم يضع حداً صارماً لمخططاتهم؟ لماذا بعد عام واحد من هذه التصريحات تراه يدخل في مفاوضات مع هرتزل؟
ومما جاء على لسانه : ( يشكو المعارضون من أنني أخضع لتأثيرات مستشار حينا ومستشار حيناً آخر ،إنه خطأ فادح ؛ لم أكن يوماً تحت تأثير عزت بك كما زعموا … الحقيقة أنني استمع إلى كل المستشارين وأقيس آراءهم الأعصاب باردة ،ثم أتخذ قراري على بصيرة دون أي ارتباك ، فلا أرجع عنه وأضعه قيد التنفيذ) .ويقول : ( لابد لكل حاكم من مستشارين وأمناء سر ، وأمراء أوروبا محاطون بأناس حريصين على كسب الثقة والتأثير بشتى الوسائل، أما أنا فيمكنني أن أقول بأنني لم أقع تحت تأثيرا أي رجل استشرته، إنني بطبيعة الحال استشير أحد الكتاب حيناً وأحد أمناء السر حيناً اخر ، وأحد الوزراء إذا اقتضى الأمر، لكن القرارائماً هو القرار الذي أتخذه بمفردي ). ووفقاً لتصريحات هذه يمكننا أن نؤكد عدم تأثير مستشاري السلطان في قراراته،وبكلامه هذا نرد على من قالوا : إن عبد الحميد كان يتخذ كثيراً من القرارات المتعلقة بفلسطين وفقاً لرؤى مستشاريه والمقربين منه ، ودلالة على استقلالية شخصيته وتمكنه من مواجهة الأمور الاعتماد على رؤيته الخاصة. وبعد أن رأى كل جهوده ضاعت سُدى ، كتب في ٧تموز / يوليو عام ١٨٩٠:
( لماذا لا تعترض الدول العظمى على هذه الدول المتحضرة التي اضطهاد وتطرد اليهود ؟ ولماذا لا تعترض على الدول المتحضرة التى ترفض أن تؤوي هؤلاء الناس عندها ؟ هل لهم أي حق في أن يختارونا هدفاً لجهودهم الشرير وإكرامهم العنف؟ ).
ونذكر أيضا: وبعد أن خلع سلطان الدولة العثمانية ونُفي اعترف لطبيبه الخاص عاطف بك عام ١٩١١( أن إنجازات الصهيونية في فلسطين ليست إلا مقدمة تمهد الأراضي لهدفهم النهائي، أنا متأكد أنه مع مرور الوقت سوف يستطيعون وسوف ينجحون في إقامة دولتهم في فلسطين) . ومن الآراء التي تحاول أن تنصف عبد الحميد وتعتمد على( مصطفى طوران) الذي كان حاضراً لقاء عبد الحميد - هرتزل ١٩٠١،إذ ينقل على لسان هرتزل ( أن اليهود يستعطفونكم للهجرة إلى فلسطين المقدسة ولقاء أوامركم نرجوا التفضل بقبول هديتهم خمسة ملايين ليرة ذهبية ). ولكون السلطان كان مطلعاً على أهداف الحركة الصهيونية فقد قام بطرد هرتزل والوفد الذي معه. ومن الأقاويل التي نسبت إلى عبد الحميد ما ورد عند النقيب العثماني دُبرالي (Zinun Dubrali ) بأن عبد الحميد حدثه عندما كان مسجوناً في سلانيك عن آخر اجتماع له مع هرتزل ورئيس الحاخاميين في الدولة العثمانية حين قال: ( أن اخُرجا من هنا،وطلب من رجال القصر أن يقودوهما حالاً إلى خارج القصر. وبذلك أصبح اليهود أعدائي فما ألاقيه هنا في سلانيك من عذاب الاعتقال ليس سوى جزائي منهم حيث لم أرض أن أقتطع أرضاً لدولتهم المزعومة ). أما المؤرخ يلماز أوزتونا فيذكر هذه الحادثة بقوله ( عرض هرتزل طلب قبول المهاجرين اليهود إلى فلسطين...وأنهم سيكونون من رعايا السلطان الجديدين وأن مساندة العالم ستكون بجانب الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد. وسوف يقدم للسلطان على الفور عدة ملايين من الليرات الذهبية...عبد الحميد كان يعلم من هم الذين وراءه ومن بينهم أصحاب البنك المالي الإنكليزي وأدرك أن القصد هو تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين...هنا أخرج هرتزل من حضرته بشكل عنيف). ويعد كثير من المؤرخين هذه الوثيقة وغيرها مما ورد في مذكرات السلطان عبد الحميد دليلاً على براءته التامة في ضياع فلسطين. لا نريد هنا التشكيك بصدقية الوثيقة أو حتى المذكرات،لكن أرى أن المذكرات والوثائق الشخصية تعد من أضعف المصادر التاريخية، لأنك لن تجد من يُلقي اللوم على نفسه بأي جرم هو أرتكبه أو يعترف به وسوف يحاول إيجاد المبررات لما قام به . فكيف لنا أن ننكر كل ما حدث على أرض الواقع في فلسطين طوال فترة حكم عبد الحميد الثاني ونأخذ بوثيقة ومذكرات السلطان، أعداد المستعمرات والمهاجرين اليهود التى قدمنا لها ،على الأقل بإلقاء اللوم عليه بالتقصير تجاه فلسطين.
د- هناك من دافع عن السلطان عبد الحميد وبرأه من كل ما حدث، ومثال على ذلك ما ذكره فاروق يلماز في كتابه عبد الحميد الثاني بالوثائق حيث ذكر الإجراءات قام بها السلطان عبد الحميد لوقف الاستيطان، منها: (١) أعلن فلسطين بكاملها أرض شاهانية ( سلطانية). (٢) عين في فلسطين جيشاً مرتبطاً بشخصه. (٣) أسس فيها سككاً حديداً جديدة ومؤسسات زراعية. (٤) قام بتوطين بعض مسلمي القوقاز والبلقان في فلسطين. وفي مقالة بعنوان ( فلسطين والمسألة اليهودية) نشرت في جريدة بويوك ضوغو العثمانية في ٢/٥/١٩٤٧،العدد ٦١،يقول محرم فوزي طوغاي: ( منع السلطان عبد الحميد تحقيق هدف إنشاء دولة يهودية في فلسطين وكلف هذا المنع السلطان عبد الحميد غالياً واودى بعرشه). ويقول عبد الحميد الغامدي ( أستبعد أن يكون السلطان عبد الحميد قد وافق على بيع جزء من فلسطين مقابل ٥٠ مليون فرنك ، فعبد الحميد المشهود له بالذكاء،لا يمكنه أن يتورط بعمل كهذا ، ثم إنه كان يدرك قوة وسطوة اليهود المالية ومدى دعم الدول الأوروبية لهم . فمبلغ كهذا لن يعجز اليهود . وقال ايضاً ( فعبد الحميد لن يتخلى أبداً عن القدس لأن بها جامع عمر والإسلام هو الرباط الوحيد بين إمبراطوريته المهدمة فكيف له أن يفرط به ) وأرى أن كل هذه الآراء لا تكفي لتبرئة عبد الحميد تبرئة تامة مما حدث على أرض فلسطين؛ بالأرقام والنتائج تبيّن لنا عكس ذلك، وهناك فرق بين المكتوب في صفحات الكتب وما حدث على الأرض فعلاً .
لقد تناولت هذه الدراسة موقف السلطان عبد الحميد تجاه النشاط الصهيوني على أرض فلسطين بالتحليل والتفسير مراعية بذلك التسلسل الزمني لنمو حركتي الهجرة والاستعمار الصهيوني على أرض فلسطين، وهي تُلقي الضوء على مفاوضات هرتزل-عبد الحميد وفقاً لتفاصيلها الدقيقة في فترة مهمة حُددت بين عامي ١٨٩٦و١٩٠٢ وبها تم لنا الكشف عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني منذ بدايات النشاط الصهيوني على أرض فلسطين الذي لا يمكننا من خلال ما تقدم من نتائج أن نعمل على تبرئته من المسؤولية تماماً مما تمكن الصهاينة من تحقيقة على أرض فلسطين ولا يمكننا أن نأخذ بالحجج والمبررات التي تقدم بها عدد كبير من المؤرخين والتي تخلى السلطان من مسؤوليته تجاه الأحداث في فلسطين، صحيح لا يمكننا أن نتجاوز نقاط الضعف التي عاناها عبد الحميد والتي كانت للأسباب الآتية: (أ) الظروف المالية الصعبة والمتأزمة للمالية العامة للدولة . (ب) الترهل والفساد الإداري ورثه عن أجداده . (ج) "الامتيازات الأجنبية " والضغوط التي مارستها الدول الأجنبية من أجل تحقيق أطماعها وأطماع الصهاينة على أرض فلسطين. (د) القوة المالية لليهود داخل الدولة العثمانية وخارجها . (ه) قوة اليهود والصهاينة على المستوى الإعلامي العالمي وتمكنهم من إثارة الرأي العام الأوروبي تجاه قضيتهم . أما نقاط القوة التى كانت لمصلحة السلطان فهي على النحو الآتي: ● التنافس الشديد بين الدول الأجنبية على ممتلكات الدولة العثمانية، الأمر الذي حاول السلطان استغلاله من أجل تحقيق تطلعاته في الحفاظ على الدولة العثمانية. ● الانقسام والاختلاف بين قادة الحركة الصهيونية حول ضرورة "الوثيقة الفرمانية " ومن ثم رفضهم تقديم العروض المالية لهرتزل. لقد حاول السلطان المراوغة من أجل تحقيق أهدافه ، وهي تخليص الدولة العثمانية من ديونها مقابل منح الصهاينة جزءاً من طموحاتهم في فلسطين- ولكن بشكل غير مباشر- وهو ما يفسر لنا دخوله في المفاوضات مع هرتزل ، ونقله لكثير من الولاة المخلصين، وضعف تجاوبه مع طلبات الأهالي بوقف الهجرة والاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وكذلك عدم انسجام الموقف الذي تبناه منذ البداية. وتجيب الدراسة على سؤال : هل كان النشاط الصهيوني بعلمه أم لا ؟ وما يدع مجالا للشك " نعم بعلمه" ،ولكن انعكاسات الأمر جاءت بشكل سلبي على الوضع في فلسطين وبصورة لم يتوقعها السلطان نفسه. ه- والأمر الذي يفسر لنا لغز التناقض بين القرار السلطاني بمنع بيع أرض فلسطين لليهود وتمكن اليهود من شراء أراضي شاسعة في كل المدن والقرى الفلسطينية بإصدار فرمانات تمنع البيع ومن ثم تراجعه عنها وإصدار فرمانات تخفف من قيود الأولى أو تلعبها. ونقول نعم ! كان على علم بموجات الهجرة اليهودية المتعاقبة على أرض فلسطين، وإلا لماذا أصدر الفرمان تلو الآخر محاولاً منع الهجرة، لكن تراجعه عنها أو السماح بالهجرة بصورة مبطنة يفسر لنا زيادة أعداد اليهود خلال فترة حكمه. ونعم ! سمح بتشييد المستعمرات الاستيطانية، وإلا كيف وصلت لهذا العدد ومارست نشاطها الزراعي وتنامت حركتا الاستيراد والتصدير من داخل مزارع المستعمرات وإليها . ويمكننا رؤية الجهود التي تهدف إلى تملك فلسطين مع السلطان عبد الحميد ، وخلال فترة حكمه، بكونها تمت عبر سيرورتين متكاملتين: الاولى، " تحتية - من أسفل إلى أعلى " متجسدة في الاستيطان المباشر والتراكمي والمتواصل، وشراء الأراضي، وجلب المهاجرين اليهود ، وتأسيس الشركات ، والاتحادات،وسوى ذلك، أي توفير البنية التحتية للدولة اليهودية التي ستتأسس في المستقبل . والسيروة الثانية، " فوقية - من أعلى إلى أسفل " و المتجسدة في جهود هرتزل نحو الحصول على وعد فرماني ودولي من السلطان عبد الحميد ومصادق عليه من قبل الدول الكبرى، يتم بموجبه منح فلسطين لليهود. أدت جهود هرتزل المتواصلة إلى طرح المسألة اليهودية في العالم و اعتبارها مسألة دولية تحتل مكاناً بارزاً على أجندة سياسة القوى العالمية. وقد وفر ذلك كله دعاية وخطاباً سياسياً ( من فوق) يتمركز حول فكرة الوطن القومي اليهودي والدولة اليهودية. وفي الوقت الذي كان يظن فيه عبد الحميد أن رفضه ( المتردد) لمطالب هرتزل "الفوقية " سوف يمنع ، أو يعوق على الأقل، تحقيق الهدف الصهيوني النهائي، كان تساهله إزاء السيرورة " التحتية " يبطل مفعول رفضه للسيرورة " الفوقية " فعلى الأرض كانت آليات البناء من " أسفل إلى أعلى " تشتغل بطاقة كبيرة وبقوة متواصلة ولا تواجه صعوبات حقيقية في مراكمة إنجازاتها ، ويتحمل السلطان وسياسته المسؤولية الأولى والأخيرة في نجاح سيرورة " البنية التحتية " التي أسست عملياً لقيام دولة إسرائيل في ما بعد.
ولعل ما قمنا به يكون حافزاً لإعادة التفكير في المسائل الإشكاليات في تاريخ فلسطين الحديث. نأمل أن تكون هذه الدراسة قد شكلت اسهاماً في البحث من خلال العودة إلى الجذور الأساسية لنشاط الصهاينة على أرض فلسطين.
المراجع
١- العربية كتب ابو بكر، امين مسعود . ملكية الأراضي في متصرفية القدس ، ١٨٥٨- ١٩١٨.عمان مؤسسة عبد الحميد شومان ، ١٩٦٦. ابو صبيح ،عمران . الهجرة اليهودية : حقائق وأرقام .عمان : دار الجليل للدراسات والنشر ، ١٩٩١. ابو عسل ، ايلي ليفي. يقظة العالم اليهودي،. القاهرة مطبعة النظام ،١٩٣٤ أفنيري ارية.دعوة نزع الملكية - الاستيطان اليهودي والعرب ، ١٨٧٨-١٩٤٨ . ترجمة بشير برغوثي -عمان دار الجليل ،١٩٨٦. أنيس ،محمد.على .السلطان عبد الحميد الثاني : حياته وأحداث عهده . الرمادي : مكتبة دار الانبار، ١٩٨٧.
أوكى،مريم كامل . السلطان عبد الحميد الثاني بين الصهيونية العالمية والمشكلة الفلسطينية ترجمة إسماعيل صادق .القاهرة : الزهراء للإعلام العربي ،١٩٩٢. باتريك ، مارى ملز .سلاطين بني عثمان الخمسة . تعريب حنا غصن ، كامل مروة وكامل صموئيل .مسلحة .القاهرة : مطبعة صادر ، ١٩٣٤. تهويد فلسطين . إعداد وتحرير إبراهيم أبو لغد ؛ ترجمة اسعد رزوق .بيروت مركز الأبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ١٩٧٢ .( سلسلة كتب فلسطينية؛ ٣٧). جب ، هاملتون وهارولد بوون . المجتمع الإسلامي والغرب .ترجمة عبد المجيد حسيب القيسي .دمشق : دار المدى للثقافة والنشر ، ١٩٩٧. جريس ،صبري . تاريخ الصهيونية ( ١٨٦٢- ١٩٤٨ ) ، ج١: التسلل الصهيوني الي فلسطين ، ١٨٦٢ - ١٩١٧ . بيروت مركز الأبحاث الفلسطينية .١٩٧١.
الجندي ،أنور. السلطان عبد الحميد والخلافة الاسلامية: تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث .بيروت : دار ابن زيدون ،١٤٠٧ه/ ١٩٨٦م.
جفرير، ج.م.ن.فلسطين إليكم الحقيقة . ترجمة أحمد خليل الحاج ؛ مراجعة محمد أحمد أنيس.الشارقة: دار الثقافة والإعلام، ٢٠٠٠.٢ج. حرب ، محمد . السلطان عبد الحميد الثاني آخر السلاطين العثمانيين الكبار. دمشق : دار القلم ،١٩٩٠.(أعلام المسلمين؛ ٣٠) حلاق ، حسان . دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش ، ١٩٠٨ - ١٩٠٩.بيروت : الدار الجامعية للنشر ،[د.ت.]. _____ .موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ١٨٩٧- ١٩٠٩.بيروت : دار النهضة العربية، ١٩٩٩ الحلو، انجلينا. عوامل تكوين إسرائيل السياسية والعسكرية والاقتصادية. بيروت ؛ منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، ١٩٦٧. الحوت، بيان نويهض .فلسطين : القضية، الشعب ،الحضارة .بيروت : دار الاستقلال للدراسات والنشر ،١٩٩١. الخالدي، وليد . الصهيونية في مئة عام: من البكاء على الأطلال إلى الهيمنة على المشرق العربي، ١٨٩٧- ١٩٩٧.بيروت : دار النهار ،١٩٩٨. الخولي،حسن صبري . سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين. القاهرة : دار المعارف، ١٩٧٣.٢ج. الدباغ،مصطفى مراد . بلادنا فلسطين. حيفا : دار الهدى للطباعة والنشر، ٢٠٠٢. ١١ج. الدستور .ترجمة من اللغة التركية إلى العربية نوفل نعمة الله نوفل ؛ بمراجعة وتدقيق خليل الخورى. بيروت : المطبعة الأدبية، ١٣٠١ه/ ١٨٨٣م.٢ج. رزوق، أسعد . إسرائيل الكبرى: دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني. بيروت : منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، ،١٩٧٣. ستيوارت، ديزموند.تيودور هرتزل: مؤسس الحركة الصهيونية. ترجمة فوزي وفاء وإبراهيم منصور. بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٧٤. السلطان عبد الحميد الثاني: مذكراتىالسياسة (١٨٩١-١٩٠٨).بيروت : مؤسسة الرسالة، ١٩٧٧. الشناق ، محمود. العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين، ١٨٧٦- ١٩١٤ . حلحول، فلسطين: مطبعة بابل الفنية ، ٢٠٠٠. الشناوي، عبد العزيز .الدولة العثمانية، دولة إسلامية دولة مفترى عليها .القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٨٠. ٣ج. صايغ، أنيس عبد الله. الهاشميون وقضية فلسطين. بيروت : منشورات جريدة المحرر، ١٩٦٦. _______(معد ) .يوميات هرتزل. ترجمة هلدا شعبان الصايغ . ط٢.بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٧٣.( سلسلة كتب فلسطينية؛ ١٠) صياغ، ليلى. تاريخ العرب الحديث والمعاصر. دمشق: جامعة دمشق، ١٩٨١. طربين ،أحمد. قضية فلسطين (١٨٩٧-١٩٤٨): محاضرات في التاريخ السياسي.دمشق: دار الهلال، ١٩٦٨. ٢ج. الطيباوي، عبد اللطيف. القدس الشريف في تاريخ العرب والإسلام. عمّان : وزارة الأوقاف، ١٩٨١. عازوري،نجيب.يقظة الأمة العربية. نقله إلى العربية وقدم له ووضع حواشيه أحمد أبو ملجم.ط ٢.بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٩٨. عبد الحكيم، منصور . السلطان عبد الحميد الثاني المفترى عليه( آخر السلاطين المحترمين). القاهرة: دار الكتاب العربي، ٢٠١٠. عصر السلطان عبد الحميد وأثره في الأقطار العربية، ١٨٧٦- ١٩٠٩.دمشق: المكتبة الهاشمية. [د.ت.]. علوش ، ناجي ، المقاومة العربية في فلسطين، ١٩٢٧- ١٩٤٨ .بيروت: دار الطليعة ١٩٦٦.( سلسلة كتب فلسطينية؛ ٦) عمر ،يوسف حسن . أسباب خلع السلطان عبد الحميد الثاني، ١٨٧٦- ١٩٠٩ عمان : دار الكتاب الثقافي، ٢٠٠١. عوض ، عبد العزيز محمد. مقدمة فلسطين في تاريخ فلسطين الحديث، ١٨٣١- ١٩١٤.بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٨٤. الغامدي،سعيد بن سفر .موقف المعارضة في المشرق العربي من حكم السلطان عبد الحميد الثاني ( الشام ومصر). القاهرة : مكتبة التوبة، ١٩٩٢. عمان، زهير غنايم عبد اللطيف. تملك الأرض ومشكلة الديون وأثرهما في التحول في الأراضي في فلسطين العثمانية، ١٨٥٨- ١٩١٧.فلسطين: جامعة القدس، ٢٠٠٦. قاسمية ، خيرية .النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه،١٩٠٨-١٩١٨. بيروت: مركز الأبحاث الفلسطينية، ١٩٧٣.( سلسلة كتب فلسطينية؛٤١) قوجة باش،سليمان. السلطان عبد الحميد الثاني شخصيته وسياسته. ترجمة عبد الله أحمد إبراهيم. القاهرة: المركز القومي للترجمة، ٢٠٠٨. الكيالي،عبد الوهاب. تاريخ فلسطين الحديث. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٧٠. متولي،أحمد فؤاد. مشكلة طابا بين الحاضر والماضي من واقع كتابات المسؤولين عن الأحداث. القاهرة: مكتبة النهضة العربية، ١٩٨٩. محافظة، على .أبحاث وآراء في تاريخ الأردن الحديث.بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٩٨. ______ العلاقات الألمانية- الفلسطينية: من إنشاء مطرانية القدس البروتستانتية وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ١٨٤١- ١٩٤٥.بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٨٢. _____ موقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية، ١٩١٩-١٩٤٥.بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٨٥.( موقف الدول الكبرى من الوحدة العربية؛١) محمود أمين عبد الله. مشاريع الاستيطان اليهودي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ١٩٨٤.( عالم المعرفة؛٧٤) المدنى، زياد.مدينة القدس وجوارها في أواخر العهد العثماني .عمان : المؤلف، ٢٠٠٤.
مركلي،بول الصهيونية المسيحية (١٨٩١-١٩٤٨ م). ترجمة فاضل جتكر .دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، ٢٠٠٢. المسيري،عبد الوهاب. موسوعة تاريخ الصهيونية. القاهرة: دار الحسام،١٩٩٧. ٣ج. معلوف ، يوسف نعمان. أسرار يلدز( أو) العقد الثمين في تاريخ أربعة سلاطين .نيويورك: مطبعة الايام،١٩٠٠. ملف وثائق فلسطين: مجموعة وثائق وأوراق خاصة بالقضية الفلسطينية . القاهرة: وزارة الإرشاد القومي، الهيئة العامة للاستعلامات، ١٩٦٩. ٢ج. مناع،عادل .تاريخ فلسطين أواخر العهد العثماني ،١٧٠٠-١٩١٨ (قراءة جديدة).بيروت مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٩٩٩. الموسوعة الفلسطينية. بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية، ١٩٩٩. النتشة،رفيق شاكر.السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين. عمان : دار الكرمل للنشر والتوزيع، ١٩٨٤. نصار ،سهام .موقف الصحافة من الصهيونية خلال الفترة من ١٨٩٧- ١٩١٩.القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٣. النعيمي،أحمد نوري .أثر الأقلية اليهودية في سياسة الدولة العثمانية تجاه فلسطين. بغداد: مركز الدراسات الفلسطينية، ١٩٨٢. النفراوي،محمد الناصر. التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية، ١٨٣٩-١٩١٨ .تونس : دار محمد علي الحافي للنشر والتوزيع، ٢٠٠١ . الهلال،محمد مصطفى. السلطان عبد الحميد الثاني بين الإنصاف والجحود .دمشق: دار الفكر، ٢٠٠٤. وتلن،ألما.عبد الحميد ظل الله على الأرض. ترجمة عن الإنكليزية راسم رشدي. القاهرة:[د.ن.]،١٩٥٠. الوعري ،نائلة.دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، ١٨٤٠-١٩١٤.عمان : دار الشروق، ٢٠٠٧. وولتر، لين واوري ديفيس.الصندوق القومي اليهودي. ترجمة محمود زايد ورضوان مولوي. بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ١٩٩٠. يلماز ،عمر فاروق.السلطان عبد الحميد الثاني بالوثائق. ترجمة طارق عبد الجليل السيد؛مراجعة الصفصافي أحمد المرسي إسطنبول: دار النشر العثمانية العمرانية، ٢٠٠٠.
دوريات
الاحمد،نجيب.《الاستيطان والهجرة الصهيونية إلى فلسطين 》 صامد الاقتصادي : السنة٦،العدد٤٨،آذار/مارس- نيسان/ أبريل ١٩٠٣. 《أخبار البريد.》 الأهرام: ٣٠/١/١٩٠٣.
٢٤٠
______ الأهرام:١٥ /٨/ ١٩٠٣.
______ الأهرام: ١٩ /٩/ ١٩٠٧.
《أخبار البريد حول الجمعية الصهيونية. 》 الأهرام: ٥ / ٨/ ١٩٠٢.
____ الأهرام: ٩/٨/ ١٩٠٥.
《أخبار سوريا -صفد .》 الأهرام: الهدد٦١٨٧،أغسطس/ آب ١٨٩٨.
الإخلاص(القاهرة) : ١٠/ ٦/١٩٠٤.
أرسلان، أمين. 《 مملكة صهيون .》 المقطم : ٢٣/ ١٠ /١٨٩٩.
《استعمار الإسرائيليين لفلسطين. 》الأهرام: ٩/ ٦/ ١٩٠١ .
_____ المقطم: ٨/ ٦/ ١٩٠١. 《 الإسرائيليون في روسيا. 》 المقطم: ٢٦ / ٥/ ١٩٠٣. الأهرام: ٢٤/ ٦/ ١٨٩٨؛١٥ /٣/ ١٨٩٩ ؛ ٢٥ / ٦/ ١٩٠١؛ ٢١ /٦/ ١٩٠٦؛ و١٩/ ٩/ ١٩٠٧. 《 باريس لمكاتبنا الخصوص.》الأهرام: ١٠ /٨/ ١٩٩٥. 《 بيت لحم .》 الأهرام: ٧/ ٦ / ١٩٠٦. 《 جلالته في حيفا .》 الأهرام: ٤/ ٦/ ١٨٩٨. 《 الجمعية الصهيونية. 》الأهرام: ٤ / ١ / ١٩٠٢. _____ الأهرام: ٢٣/ ٨ / ١٩٠٧ 《 الجمعية الصهيونية في فلسطين. 》 الأهرام: ٦/ ٨/ ١٩٠٤. 《 الحركة الصهيونية بإنكلترا.》الأهرام: ٢٨/ ٥/ ١٩٠٣.
《 حوادث محلية .》الأهرام: ١٥/ ٩/ ١٩٠٤. الخالدي،وليد. 《 بناء الدولة اليهودية ١٨٩٧' ١٩٢٤: الأداة العسكرية. 》 مجلة الدراسات الفلسطينية: العدد٣٩،صيف ١٩٩٩. الدباغ، مصطفى مراد .《 الاستيطان اليهودي في ريف فلسطين في العهدين العثماني والبريطاني،١٨٥٤- ١٩٤٨.》مجلة دراسات عربية : العدد ٥،١٩٧٥. 《 سكنى الإسرائيليين في فلسطين. 》 الأهرام: ٢٩ / ٤/ ١٨٩٩. سليمان، محمد. 《 قانون التنظيمات العثماني وتملك اليهود في أرض فلسطين. 》 صامد الاقتصادي ( بيروت ) : السنة٤،العدد٣٣،تشرين الأول/أكتوبر ١٩٨١. سمعان ،سمير.《 القدس عبر محطات تاريخية مفصلية، ١٨٢٧- ٢٠٠٠م.》 المنتدى (عمان ): السنة٢٤،العدد٢٤٥،آب/ أغسطس ٢٠٠٩. 《 الصهيونية. 》 الأهرام: ١٩/ ١٢ / ١٩٠٠. طرزي،نصري.《 فضيحة بداية القرن، تواطؤ والى القدس وصمت السلطان عبد الحميد وراء ضياع أراضي فلسطين. 》 العربي: تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٠٠. 《 عودة اليهود إلى فلسطين. 》 المقتطف: مج٢٢،ج٤ ،١٨٩٨. 《 فلسطين. 》 الأهرام: ٥/ ١/ ١٩٠٦. _____ الأهرام: ١٩/ ٩ / ١٩٠٧. 《 فلسطين وكلمة إصلاحية فيها. 》 الأهرام: ١٤/ ١١/ ١٩٠٤. قبعين، سليم .《 استعمار فلسطين. 》 المقطم: ١٣/ ١/ ١٩٠٥. _____《 مدرسة الاتحاد الإسرائيلي بمصر .》 المقطم: ٧/ ١/ ١٩٠٥. 《 القدس الشريف لمكاتبنا. 》الأهرام: ١٠/ ١٠/ ١٩٠٦. القلقيلي،عمر. 《 أستعمار فلسطين (١).》المقطم :١٣/ ١/ ١٩٠٥. ____《 مدرسة الاتحاد الإسرائيلي بمصر. 》 المقطم ٧/ ١/ ١٩٠٥. 《 القدس الشريف لمكاتبنا. 》 الأهرام: ١٠ / ١٠/ ١٩٠١. القلقيلي، عمر. 《 استعمار فلسطين (١).》 المقطم ١٧/ ١/ ١٩٠٥. _____《 استعمار فلسطين (٢).》 المقطم: ١٨/ ١/ ١٩٠٥. القلقيلي، محمد. 《 استعمار فلسطين. 》المقطم:٥/ ١/ ١٩٠٥.
لامنس، هنري.《 اليهود مستعمراتهم في فلسطين. 》 المشرق : العدد ٢٣،كانون الأول/ ديسمبر ١٨٩٩. المشرق، العد ٢٣، ١كانون الثاني/ يناير ١٩٠٢. المقطم : ٥-١٣/ ١/ ١٩٠٥. المنار: مج٤، ٢٩ كانون الثاني/ يناير ١٩٠٢. المؤيد :١٥/ ١٠/ ١٨٩٩. 《 يافا.》 الأهرام: ١١/ ٥/ ١٩٠٦. 《 يافا في ٧ الجاري.》 الأهرام: ١١/ ٥ / ١٩٠٦. 《 اليهود العثمانيين. 》 الأهرام: ٤/ ١٢/ ١٩٠٨. 《 اليهود وفلسطين. 》 الأهرام: ٢٤/ ٤/ ١٩٠٤.
أطروحات، رسائل جامعية
السيد صلاح الدين، محمد ماجد .《 ملكية الأراضي في فلسطين، ١٩١٨ - ١٩٤٨.》 ( أطروحة دكتوراه، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، ١٩٩٣).
مؤتمرات ، ندوات بحوث ودراسات مهداة إلى علي محافظة: بمناسبة بلوغه الخامسة والستين من عمره المديد . تحرير محمد عبد القادر خريسات .عمان: الجامعة الأردنية، عماد البحث العلمي، ٢٠٠٦. المؤتمر الدولي الثالث لتاريخ بلاد الشام 《 فلسطين 》 = The Third International Conference on Bilad Al- Sham: Palestine 19- 24 April 1989.عمان : الجامعة الأردنية، ١٩٨٣- ١٩٨٤. ٦ج.
ندوة فلسطين العالمية الثانية التي عقدت في الكويت خلال الفترة من ١٣إلى ١٧ شباط/ فبراير ١٩٧١.