خطاب مفتوح إلى القائمين على مستقبل مصر، مقال
إ ن الوضع الاقتصادى كارثى، فالبلد يخسر ما يقرب من مليار جنيه يوميا (عجز ميزانية الدولة فى عام 13/2014)، وحوالى 2 مليار دولار شهرياً من العملة الأجنبية، ولهذا فإن الوضع الاقتصادى الحالى لا يمكن أن يستمر(لقد «استهلكنا» أو «حرقنا» أكثر من 500 مليار جنيه بالإضافة إلى أكثر من 50 مليار دولار فى عامين!).
إن المرحلة الانتقالية التى بدأت فى فبراير 2011 ستستمر لفترة أخرى (وأنا لا أتحدث هنا عن الفترة القانونية ولكن عن الفترة التى ستصل بنا إلى الهدوء النسبى)، وهذا يعنى أننا فى حاجة، خلال هذه الفترة، لسياسات مختلفة تماماً عن المألوف (فالحديث مثلا عن جذب الاستثمار بمستويات مرتفعة فى الزمن القصير هو غير ُمجد). إن الدعم العربى فى الآونة الأخيرة يعطينا مهلة عدة شهور بدلاً من عدة أسابيع لاستنفاد أرصدتنا، ولكن دون تطبيق حلول جادة سنعود لما كنا عليه سريعاً.
سألتنى والدتى أخيراً عن حالة الاقتصاد المصرى- علماً بأن اهتمامها الأساسى خارج الشؤون المنزلية هو الزراعة فى «برقاش»- وكان ردى هو أنه لمدة زمنية، نستطيع أن نتفق أو نختلف عليها، إذا لم تروَ هذه الأرض ولم تقَلّم ستبور، مازالت الأرض بعظمتها وكبريائها ولكن فى ظل التردد وارتعاش وشلل الأيادى وارتباك وتخبط القرارات، بارت الأرض لأنها فى حاجة إلى ماء وتقليم وإرادة وخيال..
مقدمة عن «التجريف» و«التسطيح».. ولماذا هذا الخطاب الآن:
1. إن الاقتصاد المصرى فى شكله الحالى أخذ من الاشتراكية أسوأ ما فيها (الشكل دون المضمون)، ومن الرأسمالية شراستها (أدوات السوق دون تطويع).. وصار لدينا عشوائيات فى البناء وعشوائيات فى التفكير.
2. إن أكثر البلدان رأسمالية- الولايات المتحدة الأمريكية- بها بدل بطالة وتأمين صحى وضرائب تصاعدية. كما أن أكثر البلدان على اليسار- كالصين مثلا- بها أسواق مال وعرض وطلب، بعبارة أخرى لا توجد رأسمالية «آدم سميث» ولا يسار «الجامعات والكليات» إلا «أكيد فى مصر»!
3. كما أنه لا يوجد فى مصر فكر اقتصادى يمينى، لأن ما هو أمامى حالياً ماهو إلا مجموعة مصالح لا أكثر ولا أقل، كما أن الفكر اليسارى الاقتصادى لم يتطور منذ الستينيات.. أليس هذا هو «التجريف»؟ أما «التسطيح» فهو القول إن هناك فكرا اقتصاديا إسلاميا! «نخبة» لم تتحمل مسؤولية بلادها فى اللحظة التاريخية.. اللحظة الحرجة بعد سقوط الرئيس السابق «مبارك»، وأخشى أن تكرر «النخبة» بكل فصائلها نفس الأخطاء بسبب ضعفها وارتجالها، كما أنها غير قادرة على إدارة «نقلة» حقيقية فى الاقتصاد المصرى.
4. إن البرامج الاقتصادية للأحزاب الحالية تعكس هذا الوهن فى «النخبة»، كما أن الشباب الثورى- شباب كل الفصائل- فى هذا الوطن هو شباب جسور ورائع، ولكن ليس لديه حتى هذه اللحظة مشروع اقتصادى.
5. إن الفترة الانتقالية بطبيعتها قد تؤدى إلى تأجيل القرارات ورمى كل شىء- بسبب ودون سبب- على «التركة الثقيلة» الموروثة.
6. إن الوقت ليس فى صالحنا لأننا وصلنا إلى حافة الانهيار الاقتصادى، كما أن «إدارة» اقتصاد الوطن لا يمكن أن تكون معتمدة على «شحنة من هنا» و«هبة من هناك». علماً بأن الدعم العربى ضرورى ولكنه لا يمثل حلاً فى حد ذاته. ولأضيف أن حرية حركة «القرار السياسى» فى ظل الاعتماد على هذا الدعم قد تكون محدودة.
7. أخشى أن العجز الاقتصادى خلال الفترة الانتقالية الحالية قد يُعقد الأمور السياسية بشكل كبير، والعودة بنا إلى نقطة «الصفر»! وما أدراك ما «الصفر» فى هذه الحالة !.
هذا هو حال الوطن اقتصادياً: نحن نخسر يوميا مليار جنيه، وشهريا 2 مليار دولار..
1. بطالة.. عاطل فى كل عائلة ومنزل، ومع ارتفاع الأسعار المتتالى الفقر يضرب الغالبية العظمى من الأسر.
2. إن خسارة الدولة (العجز فى الموازنة التى بدأت فى 1/7) ستقترب من مليار جنيه يوميا (300 – 350 مليار جنيه فى العام).
3. حرقنا أكثر من 50 مليار دولار فى عامين ونصف (حوالى1.5- 2 مليار دولار شهريا).. احتياطى نقدى ينفد.. يقترب من الصفر إذا لم نأخذ فى الحسبان احتياطى الذهــب واقتراض البنك المركزى من البنوك المحلية بالدولار، وودائع بعض البلدان الإقليمية- مع العلم أن ودائع هذه البلدان لدى البنك المركزى لا تصنع احتياطياً بالمعنى الحقيقى للكلمة.
4. وبعد أن حرقنا أكثر من 50 مليار دولار، ونفد الرصيد، نحن نذهب إلى دين وراء دين، محلى وأجنبى.. سيؤدى ذلك إلى أن الفائدة على دين الدولة ستقترب من مليار جنيه يومياً (يوم عمل) على الفائدة فقط (200 – 240 مليار جنيه)، ناهيك عن الأقساط ! هذا يعنى أن جزءا كبيرا من إيرادات الدولة، بما فيها قناة السويس والضرائب، ستأكلها الفائدة قبل دفع المرتبات والدعم والاستثمارات. ألم يقابل الخديو إسماعيل موقفا شبيهاً؟
5. عدم عدالة فى توزيع الدخل.. أقل من 1% من المجتمع يمتلك أكثر من الاحتياطى النقدى للبلد عدة مرات.
6. نقص فى المواد والخدمات الأساسية.. بدءاً من أسطوانات البوتاجاز إلى الكهرباء لعدم وجود رصيد مالى.
7. مناخ عام طارد للاستثمار وبنية تحتية من سكك حديد وطرق وكبارى، لا تُطور ولا تُصان.
8. انحدار مستمر فى قيمة العملة.
9. مطالبات بتعويضات مالية بسبب منازعات قضائية عن طريق التحكيم الدولى، والتى قد تنتهى بنا إلى أن ندفع عدة مليارات من الدولارات... نتناسى هذا الملف وكأنه لا يعنينا حتى نفيق يوماً ما وبعض أصول البلد فى الخارج مجمدة !
إن هذا مقال ليس الهدف منه إخافة أحد ولكن وضع حلول أتكلم عنها منذ عامين (برجاء مراجعة عدة مقالات منشورة فى جريدة «المصرى اليوم» فى الفترة من مارس حتى مايو 2011).
أستئذن اليوم، أن ألخص «المشروع» (على وزن «البرنامج» حتى أخفف من حدة هذا الخطاب!) لتحقيق «نقلة» حقيقية فى الاقتصاد المصرى، بصرف النظر عن الأوضاع السياسية وفى ظل المرحلة الانتقالية:
1. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 - 1000 جنيه شهرياً.
2. رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيها شهرياً.
3. دفع بدل بطالة فى حدود 200- 300 جنيه شهرياً إلى حوالى 8 ملايين عاطل.
4. دفع بدل تضخم فى حدود 150 – 200 جنيه شهرياً إلى حوالى 12 مليون أسرة.
5. إلغاء الحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام.
6. تطبيق ضريبة على الثروة لكل من تزيد ثروته على 10 ملايين دولار بنسبة 10- 25%.
7. إلغاء الهدر فى قطاع النفط والغاز فى شكل بيع معظم المنتجات البترولية بالسعر العالمى أو قريباً منه.
8. توفير دعم عينى فى حدود 75 مليار جنيه يذهب لمستحقيه.
9. إنشاء صندوق سيادى لجمهورية مصر العربية.
10. دعم الدول العربية لتمويل خطة متكاملة.
11. إعلاء دولة القانون وعدم التصالح مع الفساد.
12. البدء فى عدة مشروعات قومية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد، مع تسليم قاطنى العقارات عقودا رسمية تثبت ملكيتهم.
13. بعد تطبيق ما سبق بستة أشهر، تخفيض سعر الفائدة على الجنيه المصرى.
وغداً- إن شاء الله- أتحدث عن هذه النقاط أكثر تفصيلاً، وكيف أن كل ما سبق سيخفض خسائر البلد وقد يحولها إلى فائض بعد عدة سنوات، وكيف «تروى الأرض» مع تحقيق عدالة اجتماعية نتحدث عنها كوطن فى «المُبهم»، وبإشارات وتعبيرات رنانة دون أن نترجمها إلى واقع محسوس.