إحكام ابن حزم - الجزء الخامس

من معرفة المصادر

وقالوا ذكر الله تعالى { لذين يظاهرون منكم من نسآئهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا للائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من لقول وزورا وإن لله لعفو غفور } فقالوا نقيس من يظاهر بجريمته أو بشيء محرم على الأم ونلحق المسكوت عنه بالمذكور ثم قالوا لا نقيس تظاهر المرأة من زوجها بتظاهره منها ولا نلحق عنه بالمذكور ثم قالوا نوجب الكفارة على المرأة الموطوءة نهارا في رمضان قياسا على الرجل الواطىء في رمضان فيلحق المسكوت عنه بالمذكور وقد قالوا كما ذكرنا نلحق الرقبة المسكوت عنها في الظهار بالرقبة المذكور دينها في القتل ثم قالوا نوجب في التعويض من الصيام في كفارة القتل إطعاما وإن كان قد عوض من الصيام بالإطعام في كفارة الظهار التي قسنا آنفا رقبتها على رقبة القتل وقاس بعضهم التيمم على الوضوء أن لا بد من بلوغ التيمم إلى المرفقين وأبوا أن يقيسوا مسح الرأس في التيمم على مسحه في الوضوء وقالوا الحكم المسكوت عنه بحكم المذكور ههنا ثم لم يقيسوا قوله تعالى في الرجعة { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا لشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بلله وليوم لآخر ومن يتق لله يجعل له مخرجا } على قوله تعالى في الدين { يأيها لذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فكتبوه وليكتب بينكم كاتب بلعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه لله فليكتب وليملل لذي عليه لحق وليتق لله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان لذي عليه لحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بلعدل وستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل ومرأتان ممن ترضون من لشهدآء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما لأخرى ولا يأب لشهدآء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند لله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم وتقوا لله ويعلمكم لله ولله بكل شيء عليم } فقالوا هذا لا نحكم عنه للمسكوت عنه بحكم المذكور وقالوا هنالك نحكم للمسكوت عنه بحكم المذكور وأما الحنفيون فحكموا في آيتي الشهادة المسكوت عنه بحكم المذكور فقبلوا النساء في الرجعة والطلاق والنكاح وفي آية التيمم فأوجبوا إلى المرفقين ولم يحكموا في رقب الظهار والقتل والكفارة للمسكوت عنه بحكم المذكور ولا حكموا لغير السائمة بحكم السائمة ففرقوا ههنا بين المسكوت عنه وبين المذكور فكل طائفة منهم تحكمت في دين الله بعقولها وتقليدها الفاسد بلا برهان وقد احتج بعضهم علي حيث وافق هواه بأن البدل حكمه حكم المبدل منه فأعلمته بأن ذلك باطل بلغة العرب التي خوطبنا بها في القرآن والسنة وبحكم الشريعة أما اللغة فإن البدل على أربعة أضرب بدل البعض من الكل وبدل البيان وبدل الغلط وبدل الصفة من الموصوف فليس في هذه الوجوه بدل يكون حكمه حكم المبدل منه إلا بدل البيان وحده كقولك مررت بزيد رجل صالح على أن أحدهما نكرة الآخر معرفة

وأما القرآن فقد أبدل الله تعالى من عتق رقبة الكفارة صيام ثلاثة أيام ومن عتق رقبة الظهار صيام شهرين متتابعين وأبدل من عتق رقبة الكفارة إطعام عشرة مساكين ومن هؤلاء العشرة صيام ثلاثة أيام وأبدل من صيام الشهرين إطعام ستين مسكينا وأبدل تعالى من هدي المتعة صيام عشرة أيام ومن هدي الأذى صيام ثلاثة أيام فبطل ما ادعوه وقالت طائفة منهم في قوله صلى الله عليه وسلم من مس فرجه فليتوضأ لا ينقض الوضوء إلا من مسة بباطن يده دون ظاهرها فلم يحكموا في ذلك بكل ما يقع عليه اسم مس ثم قالوا في ذلك بحديث لا يصح فيه من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ قال أبو محمد ولو صح لما كان مانعا من إيجاب الوضوء في مسه بغير اليد لأنه إنما يكون في هذه الرواية التي احتجوا بها ذكر الإفضاء باليد فقط وكان يكون في الحديث الآخر المس جملة كما لم يكن في قوله صلى الله عليه وسلم من مس فرجه فليتوضأ ما يوجب إسقاط الوضوء من الريح والغائط بل كان مضافا إليه ومجموعا معه ثم نقضوا هذا فقالوا في حديثين وردا أحدهما إذا وقعت الحدود فلا شفعة والآخر إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فاستعملوا كلا اللفظين ولم يجعلوهما حديثا واحدا بل أوجبوا قطع الشفعة بتحديد الحدود وإن لم تصرف الطرق وقالوا نعم إذا حدث الحدود فلا شفعة وإذا زيد في ذلك فصرفت الطرق فلا شفعة أيضا قال أبو محمد ولم يفعل ذلك الحنفيون ههنا ولكنهم قد نقضوه فيما ذكرنا آنفا من مس الفرج ونقضه بعضهم في حديثين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما أنه عليه السلام مسح بناصيته وفي الآخر أنه مسح على العمامة فقالوا هذا حديث واحد ولا يجزىء المسح على العمامة دون الناصية قال أبو محمد وهذا خلاف ما فعلوا في الشفعة مع أن كون الحديث الذي فيه ذكر الناصية غير الحديث الذي فيه ذكر العمامة أبين من أن يحتاج فيه كلفة لأن راوي الناصية المغيرة بن شعبة وراوي العمامة فقط بلال وعمرو بن أبي أمية الضمري معا فمن ادعى أنهما حديث واحد فقد افترى وقفا ما ليس له به علم وذلك لا يحل وقد كان ينبغي لهم أن يحكموا المسكوت عنه من المسح على الرأس المستور بحكمهم على الرجلين المستورين كما حكموا بالمسح على الجرموقين قياسا على الخفين وكما قاسوا المسح على الجبائر

في الذراعين على المسح على الخفين في الرجلين والجبائر لم يأت ذكرها في نص صحيح أصلا وإذا جاز عندهم تعويض المسح عليها من غسل الذراعين فتعويض المسح على العمامة من مسح الرأس أولى لأن هذا مسح عوض من مسح وذلك مسح عوض من غسل وكان قياس الرأس على الرجلين لأنهما طرفا الجسد ولأنهما جميعا يسقطان في التيمم أولى من قياس الذراعين بالجبائر على الرجلين ولكن القوم ليسوا في شيء وإنما يقولون ما خرج إلى أفواههم دون تعقب وقلدهم من تلاهم وأتوا إلى قوله تعالى { يأيها لذين آمنوا كتب عليكم لقصاص في لقتلى لحر بالحر ولعبد بلعبد ولأنثى بلأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فتباع بلمعروف وأدآء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن عتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } فتناقضوا فقالوا هذه الآية موجبة أنه لا يقتل الحر بالعبد وليست موجبة ألا يقتل الذكر بالأنثى أفيكون أقبح تحكما ممن يقول إن قوله تعالى { لحر بالحر } موجب ألا يقتل حر بعبد ويقولون إن قوله تعالى { ولأنثى بلأنثى } موجبا ألا تقتل الأنثى بالذكر والذكر بالأنثى وأما نحن فإن قوله صلى الله عليه وسلم المؤمنون تتكافأ دماؤهم عموم موجب عندنا قتل الحر بالعبد والعبد بالحر والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر وكذلك قوله تعالى { وجزآء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على لله إنه لا يحب لظالمين } موجب القصاص بين الحر والعبد والذكر والأنثى فيما دون النفس يقص فيه للحر من العبد وللعبد من الحر والإماء والحرائر فيما بينهن ومع الرجال كذلك ولا قصاص لكافر من مؤمن أصلا لنصوص أخر ليس هذا مكان ذكرها وقال بعضهم قوله تعالى { قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير لله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } يدل على أن الدم الذي يكون مسفوحا ليس حراما قال أبو محمد وهم قد نسوا أنفسهم في هذه الآية لأنه إذا كان ذكر المسفوح موجبا أن يكون غير المسفوح مباحا فوجب أن يكون ذكر لحم الخنزير في الآية

نفسها موجبا إباحة جلده وشعره وهم لا يقولون هذا فقد تناقضوا فإن ادعوا إجماعا كذبوا لأن كثيرا من الفقهاء يبيحون بيع جلده والانتفاع به إذا دبغ والخرز بشعره فهذا تناقض لم يبعد عنهم فينسوه وأيضا فإن قوله تعالى في سورة المائدة في آية منها من آخر ما نزل { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } مبين أن كل دم فهو حرام ويدخل في ذلك المسفوح وغير المسفوح وهذا بين وبالله تعالى التوفيق

الباب الثامن والثلاثون في إبطال القياس في أحكام الدين قال أبو محمد علي بن أحمد رضوان الله عليه ذهب طوائف من المتأخرين من أهل الفتيا إلى القول بالقياس في الدين وذكروا أن مسائل ونوازل ترد لا ذكر لها في نص كلام الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع الناس عليها قالوا فننظر إلى ما يشبهها مما ذكر في القرآن أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحكم فيما لا نص فيه ولا إجماع بمثل الحكم الوارد في نظيره في النص والإجماع فالقياس عندهم هو أن يحكم لما لا نص فيه ولا إجماع بمثل الحكم فيما فيه نص أو إجماع لاتفاقهما في العلة التي هي علامة الحكم هذا قول جميع حذاق أصحاب القياس وهم جميع أصحاب الشافعي وطوائف من الحنفيين والمالكيين وقالت طوائف من الحنفيين والمالكيين لاتفاقهما في نوع من الشبه فقط وقال بعض من لا يدري ما القياس ولا الفقه من المتأخرين وهو محمد بن الطيب الباقلاني القياس هو حمل أحد المعلومين على الآخر في إيجاب بعض الأحكام لهما أو إسقاطه عنهما من جمع بينهما بأمر أو بوجه جمع بينهما فيه قال علي وهذا كلام لا يعقل وهو أشبه بكلام المرورين منه بكلام غيرهم وكله خبط وتخليط ثم لو تحصل منه شيء وهو لا يتحصل لكان دعوى كاذبة بلا برهان وأطرف شيء قوله أحد المعلومين فليت شعري ما هذان المعلومان ومن علمهما ثم ذكر إيجاب بعض الأحكام أو إسقاطه وهما ضدان ثم قال من جمع بينهما بأمر أو بوجه جمع بينهما فيه وهذه لكنه وعي وتخليط ونسأل الله السلامة وإنما أوردناه ليقف على تخليطه كل من له أدنى فهم ثم نعود إلى ما يتحصل منه معنى يفهم وإن كان باطلا من أقوال سائر أهل القياس وبالله تعالى التوفيق وقال أبو حنيفة الخبر المرسل والضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من القياس ولا يحل القياس مع وجوده قال والرواية عن الصاحب الذي لا يعرف له مخالف

منهم أولى القياس قال ولا يجوز الحكم بالقياس في الكفارات ولا في الحدود ولا في المقدرات وقال الشافعي لا يجوز القياس مع نص قرآن أو خبر صحيح مسند فقط وأما عند عدمهما فإن القياس واجب في كل حكم وقال أبو الفرج القاضي وأبو بكر الأبهري المالكيان القياس أولى من خبر الواحد المسند والمرسل وما نعلم هذا القول عن مسلم يرى قبول خبر الواحد قبلهما وقسموا القياس بثلاثة أقسام فقسم هو قسم الأشبه والأولى وهو إن قالوا إذا حكم في أمر كذا بحكم كذا فأمر كذا أولى بذلك الحكم وذلك نحو قول أصحاب الشافعي إذا كانت الكفارة واجبة في قتل الخطأ وفي اليمين التي ليست غموسا فقاتل العمد وحالف اليمين الغموس أولى بذلك وأحوج إلى الكفارة وكقول المالكي والشافعي إذا فرق بين الرجل وامرأته لعدم الجماع فالفرقة بينهم العدم النفقة التي هي أوكد من الجماع أولى وأوجب وكقول الحنفي والشافعي والمالكي إذا لزمت المظاهر بظهر الأم الكفارة فالمظاهر بفرج أمه أولى وقسم ثان وهو قسم المثل وهو نحو قول أبي حنيفة ومالك إذا كان الواطىء في نهار رمضان عمدا تلزمه الكفارة فالمتعمد للأكل مثله في ذلك وإذا كان الرجل يلزمه في ذلك الكفارة فالمرأة الموطوءة باختيارها عامدة في وجوب الكفارة عليها مثل الرجل وكقول من قال من التابعين ومن بعدهم إذا كان ظهار الرجل من امرأته يوجب عليه الكفارة فالمرأة المظاهرة من زوجها في وجوب الكفارة عليها مثل الرجل وكقول الشافعي إذا وجب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبعا فهو من الخنزير كذلك وكقول المالكيين إذا وجب على الزاني الذي ليس محصنا جلد مائة وتغريب عام فقاتل العمد إذا عفي له عن دمه مثله وكقول الحسن إذا ورثت المطلقة ثلاثا في المرض فهو في وجوب الميراث له منها إن ماتت كذلك أيضا والقسم الثالث قسم الأدنى وهو نحو قول مالك وأبي حنيفة إذا وجب القطع في مقدار ما في السرقة وهو عضو يستباح فالصداق في النكاح مثله وكقول أبي حنيفة إذا كان خروج البول والغائط وهما نجسان ينقض الوضوء فخروج الدم وهو نجس متى خرج من الجسد أيضا كذلك وكقول الشافعي إذا كان مس الذكر ينقض

الوضوء فمس الدبر الذي هو عورة مثله كذلك وكقول المالكي إذا كان قول أف عمدا في الصلاة يبطلها فالنفخ فيها عمدا كذلك قال أبو محمد فهذه أقسام القياس عند المتحذلقين القائلين به وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة وقالوا لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى أو نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من فعل أو إقرار أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها متيقن أنه قاله كل واحد منهم دون مخالف من أحد منهم أو بدليل من النص أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا والإجماع عند هؤلاء راجع إلى توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بد من لا يجوز غير ذلك أصلا وهذا هو قولنا الذي ندين الله به ونسأله عز وجل أن يثبتنا فيه ويميتنا عليه بمنه ورحمته آمين وشغب أصحاب القول بالقياس بأشياء موهوا بها ونحن إن شاء الله تعالى ننقض كل ما احتجوا به ونحتج لهم بكل ما يمكن أن يعترضوا به ونبين بحول الله تعالى وقوته بطلان تعلقهم بكل ما تعلقوا به في ذلك ثم نبتدىء بعون الله عز وجل بإيراد البراهين الواضحة الضرورية على إبطال القياس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فما شغبوا به أن قالوا قال الله عز وجل { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما } فوجب إذ منع من قول { لهمآ } للوالدين أن يكون ضربهما أو قتلهما ممنوع لأنهما أولى من قول { أف } وقال تعالى { وإذ قال موسى لقومه ياقوم ذكروا نعمة لله عليكم إذ جعل فيكم أنبيآء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من لعالمين } قالوا فوجب أن ما فوق القنطار وما دونه داخل كل ذلك في حكم القنطار في المنع من أخذه وقال تعالى { ونضع لموازين لقسط ليوم لقيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } قالوا فعلمنا أن ما دون مثقال حبة وما فوقها داخلان في حكم مثقال حبة الخردل أنه تعالى يأتي بها وقال تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } قالوا فعلمنا أن ما فوق مثقال الذرة وما دونها يرى أيضا وقال تعالى { ومن أهل لكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قآئما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في لأميين سبيل ويقولون على الله لكذب وهم يعلمون }

قالوا فعلمنا أن ما فوق القنطار والدينار وما دونهما في حكم القنطار والدينار وقال تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بلباطل وتدلوا بها إلى لحكام لتأكلوا فريقا من أموال لناس بلإثم وأنتم تعلمون } قالوا فعلمنا أن ما عدا الأكل من اللباس وغيره حرام إذا كان بالباطل وقال تعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا } فعلمنا أن قتلهم لغير الإملاق حرام كما هو خشية الإملاق قالوا وقول الناس لا تعط فلانا حبة فإنه مفهوم منه أن ما فوق الحبة وما دونها داخل كل ذلك في حكم الحبة قالوا ومن ادعى من هذه الآي فهم ما عدا ما فيها من غيرها فهو خارج عن المعقول وعن اللغة قالوا وأنتم توافقوننا في كل ما قلنا في هذه الآيات وهذا الفصل وتقرون معنا بأن ما عدا هذه المنصوصات فإنه داخل في حكمها قالوا وهذا إقرار منكم بالقياس وترك لمذهبكم في إبطاله قال أبو محمد قال الله عز وجل { أم للإنسان ما تمنى } وكل ما ذكروا فلا حجة لهم فيه أصلا بل هو أعظم حجة عليهم لأنه ينعكس عليهم في القول بدليل الخطاب فإنهم على ما ذكرنا في بابه في هذا الديوان يقولون إن ما عدا المنصوص فهو مخالف للمنصوص فيلزمهم على ذلك الأصل أن يقولوا ههنا إن ما عدا { أف } فإنه مباح وما عدا الدينار والقنطار والأكل ومثقال الخردلة والذرة وخشية الإملاق بخلاف حكم ذلك فقد ظهر تناقضهم وهدم مذاهبهم بعضها لبعض ثم نعود فنقول وبالله تعالى التوفيق أما قول الله تعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * وخفض لهما جناح لذل من لرحمة وقل رب رحمهما كما ربياني صغيرا } فلو لم يرد غير هذه اللفظة لما كان فيها تحريم ضربهما ولا قتلهما ولما كان فيها إلا تحريم قول { أف } فقط ولكن لما قال الله تعالى في الآية نفسها { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * وخفض لهما جناح لذل من لرحمة وقل رب رحمهما كما ربياني صغيرا }

اقتضت هذه الألفاظ من الإحسان والقول الكريم وخفض الجناح والذل والرحمة لهما والمنع من انتهارهما وأوجبت أن يؤتى إليهما كل بر وكل خير وكل رفق فبهذه الألفاظ وبالأحاديث الواردة في ذلك وجب بر الوالدين بكل وجه وبكل معنى والمنع من كل ضرر وعقوق بأي وجه كان لا بالنهي عن قول { أف } وبالألفاظ التي ذكرنا وجب ضرورة أن من سبهما أو تبرم عليهما أو منعهما رفده في أي شيء كان من غير الحرام فلم يحسن إليهما ولا خفض لهما جناح الذل من الرحمة ولو كان النهي عن قول { أف } مغنيا عما سواه من وجوه الأذى لما كان لذكر الله تعالى في الآية نفسها مع النهي عن قول { أف } النهي عن النهر والأمر بالإحسان وخفض الجناح والذل لهما معنى فلما لم يقتصر تعالى على ذكر الأف وحده بطل قول من ادعى أن بذكر الأف علم ما عداه وصح ضرورة أن لكل لفظة من الآية معنى غير سائر ألفاظها ولكنهم جروا على عادة لهم ذميمة من الاقتصار على بعض الآية والإضراب عن سائرها تمويها على من اغتر بهم ومجاهرة لله تعالى بما لا يحل من التدليس في دينه كما فعلوا في ذكرهم في الاستنباط قول الله تعالى { وإذا جآءهم أمر من لأمن أو لخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى لرسول وإلى أولي لأمر منهم لعلمه لذين يستنبطونه منهم ولولا فضل لله عليكم ورحمته لاتبعتم لشيطان إلا قليلا } وأضربوا عن أول الآية في قوله تعالى { وإذا سمعوا مآ أنزل إلى لرسول ترى أعينهم تفيض من لدمع مما عرفوا من لحق يقولون ربنآ آمنا فكتبنا مع لشاهدين } وأول الآية مبطل للاستنباط وكما فعل من فعل منهم في قول الله تعالى { وإذا قرىء لقرآن فستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وأضربوا عما بعدها من قوله تعالى { وذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون لجهر من لقول بلغدو ولآصال ولا تكن من لغافلين }

قال أبو محمد ومن البرهان الضروري على أن نهي الله تعالى عن أن يقول المرء لوالديه ليس نهيا عن الضرب ولا عن القتل ولا عما عدا الأف أن من حدث عن إنسان قتل آخر أو ضربه حتى كسر أضلاعه وقذفه بالحدود وبصق في وجهه فشهد عليه من شهد ذلك كله فقال الشاهد إن زيدا يعني القاتل أو القاذف أو الضارب قال لعمرو يعني المقتول أو المضروب أو المقذوف لكان بإجماع منا ومنهم كاذبا آفكا شاهد زور مفتريا مردود الشهادة فكيف يريد هؤلاء القوم بنا أن نحكم بما يقرون أنه كذب فكيف يستجيزون أن ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بما يشهدون أنه كذب ونحن نعوذ بالله العظيم من أن نقول إن نهي الله عز وجل عن قول للوالدين يفهم منه النهي عن الضرب لهما أو القتل أو القذف فالذي لا شك فيه عند كل من له معرفة بشيء من اللغة العربية أن القتل والضرب والقذف لا يسمى شيء من ذلك فبلا شك يعلم كل ذي عقل أن النهي عن قول ليس نهيا عن القتل ولا عن الضرب ولا عن القذف وأنه إنما هو نهي عن قول فقط وأما ذكره تعالى القنطار في آية الصداق وآية وفاء أهل الكتاب فما فهمنا قط أن ما عدا القنطار فهو حكم القنطار من هاتين الآيتين لكن لما قال تعالى { لطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود لله فإن خفتم ألا يقيما حدود لله فلا جناح عليهما فيما فتدت به تلك حدود لله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود لله فأولئك هم لظالمون } قال أبو محمد فبهذه الآية حرم على الزوج أن يأخذ مما أعطى زوجته شيئا وسواء قل أو كثر إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله أو تطيب نفسها كما قال تعالى { وآتوا لنسآء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } لولا هذه الآية وما في معناها من سائر الآيات والأحاديث التي فيها تحريم الأموال جملة وتحريم العود في الهبات لما كان في آية القنطار مانع مما عدا القنطار أصلا

وبرهان عن ذلك أنه لو شهد شاهدان لزيد أن له على عمرو قنطارا وكان في علمهما الصحيح أنه له عليه قنطارين أو أكثر من قنطار أو أقل من قنطار لكانا شاهدي زور كذابين آفكين وما علمنا في طبيعة بشر أحدا يفهم من قول القائل أخذ لي عمرو قنطارا أنه آخذ له أكثر من قنطار ومدعي هذا مفتر على اللغة ومكابر للحس داخل في نصاب الموسوسين مبطل للحقائق ويقال له لعله تعالى إذا ذكر سبع سموات إنما أراد بها خمس عشرة أو أكثر من ذلك وهذا هو بطلان الحقائق وفساد العقل على الحقيقة وأما الآية التي فيها ذكر الدينار والقنطار في ائتمان أهل الكتاب فقد أخبرنا تعالى أنهم يقولون أو من قال منهم { ومن أهل لكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قآئما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في لأميين سبيل ويقولون على الله لكذب وهم يعلمون } ففي هذا استجازة أهل الكتاب لخون أماناتنا قلت أو كثرت وقد علمنا بضرورة العقل والمشاهدة وعلم الناس قبل نزول هذه الآية المذكورة أن في أهل الكتاب وفي المسلمين أوفياء يفون بالقليل والكثير وغدرة يغدرون بالقليل والكثير لأن هذا من صفات الناس وإن في الناس من يفي بالقليل تصنعا ويخون الكثير رغبة وأن فيهم من يغدر بالقليل خسة نفس واستهانة ويفي بالكثير مخافة الشهرة أو انقطاع رزقه إن كان لا يعيش في مكسبة إلا بائتمان الناس إياه وهذا كله موجود مشاهد معلوم بالحس فإن قالوا فما فائدة الآية إذن قيل لهم وبالله تعالى التوفيق الفائدة فيها عظيمة فأول ذلك الأجر العظيم في تلاوتها في التصديق أنها من عند الله عز وجل وأيضا فالتنبيه لنا على التفكر في عظيم القدرة في ترتيبه لنا طبائع الناس فمنهم الوفي الكافر والخائن الكافر وأيضا فائتمانهم على المال فإن ذلك مباح لنا إذا قدرنا فيهم الأمانة وإبطال قول من منع من الوصية إليهم بالمال وهذا مثل قوله تعالى { أفلا ينظرون إلى لإبل كيف خلقت } ومثل قوله تعالى { ونزلنا من لسمآء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب لحصيد } وقد علمنا ذلك قبل نزول القرآن ولكنه تنبيه ووعظ وتحريك إلى اكتساب الأجر بالاعتبار والفكرة في قدرة الله عز وجل وذكره تعالى القنطار ههنا كذكره السبعين استغفارة في قوله تعالى { ستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر لله لهم ذلك بأنهم كفروا بلله ورسوله ولله لا يهدي لقوم لفاسقين }

وقد سبق في علم الله تعالى أنه سيبين مراده من ذلك أنه تعالى لا يقبل استغفاره لهم أصلا وقد قلنا غير مرة إن مثل هذا السؤال فاسد وأنه تعالى لا يسأل عما يفعل ونحن نسأل عن كل فعلنا وقولنا وأما قوله تعالى { ونضع لموازين لقسط ليوم لقيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } وقوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فإنما علمنا عموم ذلك كله فيما دون الذرة وما فوقها من قوله تعالى { ووضع لكتاب فترى لمجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يويلتنا ما لهذا لكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا } وبقوله تعالى { فستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فلذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها لأنهار ثوابا من عند لله ولله عنده حسن لثواب } وبقوله تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } فهذه الآيات بينت أن ما فوق الذرة والخردلة وما دونها محسوب كل ذلك ومجازى به وكذلك قوله تعالى { يبني إنهآ إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في لسماوات أو في لأرض يأت بها لله إن لله لطيف خبير } فإنما علمنا العموم في ذلك من قول الله تعالى { وما من دآبة في لأرض إلا على لله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين } فشمل تعالى جميع أرزاق الحيوان في هذه الآية فدخل في ذلك ما هو دون الخردلة وما فوقها وقد أجاب أبو بكر بن داود عن هذا السؤال أن قال إن الذي هو فوق الذرة ذرة وذرة وهكذا ما زاد لأنه زاد على الذرة بعض ذرة فذاك البعض إذا أضيف إلى أبعاض الذرة جاء من ذلك مقدار الذرة وأما ما دون مثقال الذرة فحكمه مأخوذ من غير هذا المكان قال علي وهذا جواب صحيح ضروري والذي نعتمد عليه عموما في جميع هذا الباب فهو الذي قلنا آنفا وأن المرجوع إليه في كل ما جرى هذا المجرى نصوص أخر

أو إجماع متيقن أو ضرورة المشاهد بالحواس والعقل فقط فإن لم نجد نصا ولا إجماعا ولا ضرورة اقتصرنا على ما جاء به النص وقفنا حيث وقف ولا مزيد وإلا فإن ذكره تعالى لما ذكر من هذه المقادير وهذه الأحوال في هذه الآيات كذكره تعالى أخبار بعض الأنبياء عليهم السلام في مكان وذكره تعالى لهم في مكان آخر بأكمل مما ذكرهم به في غيرها ولا يسأل عما يفعل وأما قوله عز وجل { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بلباطل وتدلوا بها إلى لحكام لتأكلوا فريقا من أموال لناس بلإثم وأنتم تعلمون } فإنما علمنا أن ما عدا الأكل حرام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وبآيات أخر وأحاديث أخر فبالحديث المذكور حرم التصرف في أموال الناس بغير ما أمر الله تعالى به بالأكل وغير الأكل ولو تركنا والآية المذكورة ما حرم بها شيء غير الأكل ولكان ما عدا الأكل موقوفا على طلب الدليل فيه إما بمنع وإما إباحة من غيرها ولما وجب أن تحكم فيما عدا الأكل من الآية لا بتحريم ولا بتحليل كما يقولون معنا إن الله حرم الأكل على الصائم ولم يحل عليه تملك الطعام ولا ما عدا الأكل من بيه وهبة وغير ذلك فأي فرق بين الأكل المحرم على الصائم وبين الأكل المحرم على الناس في أموالهم وكما أباحوا هم ونحن الأكل من بيت الأب والأم والصديق والأقارب المنصوصين فهلا أباحوا أخذ ما وجدوا للأقارب ما عدا الأكل قياسا على الأكل المباح أهلا حرموا على الصائم تملك الطعام وبيعه قياسا على ما صح من تحريم الأكل عليه كما زعموا أنهم إنما حرموا تملك الأموال بالظلم والباطل قياسا على تحريم الله تعالى أكلها بالباطل فإذ لم يفعلوا ذلك فقد تركوا القياس الذي يقرون أنه حق فظهر تناقضهم والحمد لله رب العالمين وحتى لو لم يرد نص جلي في تحريم الأموال جملة لكان الإجماع على تحريمها كافيا ولعلمنا حينئذ أن اسم الأكل موضوع على أخذ منقول عن موضوعه المختص له في اللغة كما تقول العرب أكلتنا السنة أي أفنت أموالنا وكما قال الشاعر فإن قومي لم تأكلهم الضبع يريد لم تفنهم

وأما قوله تعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا } فإنما حرم قتلهم جملة لغير الإملاق من آيات أخر وهي قول الله تعالى { قد خسر لذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم لله فترآء على لله قد ضلوا وما كانوا مهتدين } وبقوله تعالى { ولا تقتلوا لنفس لتي حرم لله إلا بلحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في لقتل إنه كان منصورا } وبقوله تعالى { وإذا لموءودة سئلت * بأى ذنب قتلت } وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام وأما قوله تعالى { يولج لليل في لنهار ويولج لنهار في لليل وسخر لشمس ولقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم لله ربكم له لملك ولذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير } فإنما أخبر عز وجل في موضع آخر على أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع وما كان هذا فبالضرورة نعلم أنها لا تملك شيئا وهكذا الحكم في كل ما موهوا به فإن الله تعالى قد بين لنا مراده ولو لم يرد غير النصوص التي ذكرنا لوجب ألا نتعدى البتة إلى ما لم يذكر بها وللزم ألا نحكم بها أصلا إلا فيما وردت فيه ومن تعدى هذا فإنه متعد لحدود الله تعالى { يأيها لنبي إذا طلقتم لنسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا لعدة وتقوا لله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود لله ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا } نعوذ بالله من ذلك وأما قول الناس لا تعط فلانا حبة فإنما يعلم مراد القائل في ذلك أمجدا قال ذلك أم هازلا أم مقتصرا على الحبة أم لأكثر منها بما يشهده من حال الأمر في امتناعه وتسهله وأكثر ذلك فهذا القول من قائله لا يتأتى مجردا البتة ولا بد ضرورة من أن يقول لا تعطه البتة شيئا ولا حبة وربما زاد لا قليلا ولا كثيرا فهذا هو المعهود من تخاطب الناس فيما بينهم ومن ادعى غير هذا فهو مجاهر مدع على العقل ما ليس فيه بل هو مخالف لموجب العقل ولمقتضى اللغة على الحقيقة وبالله تعالى نعتصم

فإن ذكروا قول الله تعالى { أم لهم نصيب من لملك فإذا لا يؤتون لناس نقيرا } فقد قال تعالى في آية أخرى { قل لو أنتم تملكون خزآئن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية لإنفاق وكان لإنسان قتورا } فنص تعالى على الإمساك والإمساك على عمومه يقتضي النقير وغير النقير وأقل من النقير وأكثر منه واحتجوا في ذلك أيضا بقول الله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بلمعروف وتنهون عن لمنكر وتؤمنون بلله ولو آمن أهل لكتاب لكان خيرا لهم منهم لمؤمنون وأكثرهم لفاسقون } وبقوله تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } قالوا فلم يخص الله تعالى ما قال أولو الأمر منا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم مما قالوه بقياس قال أبو محمد هذا الاحتجاج منهم جمع الشناعة والإثم لأن الله تعالى لم يأمر قط أولي الأمر منا أن يقولوا بآرائهم ولا بقياساتهم ولا أن يقولوا ما شاؤوا وإنما أمرهم الله تعالى أن يقولوا ما سمعوا أو يتفقهوا في الدين الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وينذروا بذلك قومهم وهذا بين في قوله تعالى { وعتصموا بحبل لله جميعا ولا تفرقوا وذكروا نعمة لله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من لنار فأنقذكم منها كذلك يبين لله لكم آياته لعلكم تهتدون } وفي قوله تعالى { لطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود لله فإن خفتم ألا يقيما حدود لله فلا جناح عليهما فيما فتدت به تلك حدود لله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود لله فأولئك هم لظالمون } وفي قوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن لسمع ولبصر ولفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } وفي قوله تعالى { إنما يأمركم بلسوء ولفحشآء وأن تقولوا على لله ما لا تعلمون } قال أبو محمد ومن قال بقياسه فقد تعدى حدود الله وقفا ما لا علم به وأخبر عن الله تعالى بما لا يعلم أحد ما عند الله تعالى إلا بإخبار من الله تعالى بذلك وإلا فهو باطل وقد بينا فيما خلا أن قول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } إنما هو جميع أولي الأمر لا بعضهم ولم يجمعوا قط على القول بالقياس فكيف نكون نحن مأمورين باتباعهم فيما افترقوا فيه

وهذا ضد أمر الله تعالى في القرآن وبرهان قاطع وهو أن الله تعالى قال { يأيها لنبي إذا طلقتم لنسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا لعدة وتقوا لله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود لله ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا } وحدود الله تعالى هي كل ما حد وبين فصح أنه ليس لأحد أن يتعدى في شيء من الدين ما حده الله تعالى في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالوحي فبطل أن يحمل أولوا الأمر على تعدي حدود الله تعالى لأنه باطل فقد اتفقنا أنهم لا يجمعون على باطل وكل ما لم يكن من حدود الله تعالى ووحيه فهو من عند الله ضرورة لا بد من ذلك وقد قال تعالى { أفلا يتدبرون لقرآن ولو كان من عند غير لله لوجدوا فيه ختلافا كثيرا } فصح بهذه الآية أنه لا يمكن أن يكون إجماع أبدا إلا على ما جاء من عند الله تعالى بالوحي الذي لا يعلم ما عند الله تعالى إلا به والذي قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل بهذه النصوص يقينا أن يجمعوا على غير نص صحيح واحتجوا بقول الله تعالى في آية الكلالة { يستفتونك قل لله يفتيكم في لكلالة إن مرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثهآ إن لم يكن لهآ ولد فإن كانتا ثنتين فلهما لثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونسآء فللذكر مثل حظ لأنثيين يبين لله لكم أن تضلوا ولله بكل شيء عليم } قالوا فأنتم تقولون إن الميراث ههنا إنما هو بعد الدين والوصية قالوا وليس هذا في الآية فإنما قلتموه قياسا على سائر آيات المواريث التي فيها أنها بعد الوصية والدين قال أبو محمد وهذا خطأ عظيم ونعوذ بالله تعالى من أن نثبت الميراث في مواريث الإخوة بعد الوصية والدين من طريق القياس وما أثبتنا ذلك إلا بنص النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يقدم إلى الجنازة فيسأل صلى الله عليه وسلم أعليه دين فإن قيل له لا صلى عليه وإن قيل له نعم سأل صلى الله عليه وسلم أعليه وفاء فإن قيل له نعم صلى عليه وإن قالوا لا قال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم ولم يصل هو عليه وبقوله صلى الله عليه وسلم إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين أو كلاما هذا معناه وقوله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم مرتهن بدينه وبأمره صلى الله عليه وسلم جملة بالوصية لمن عنده شيء يوصي فيه وبأمره صلى الله عليه وسلم بالوصية بالثلث فدون وقال صلى الله عليه وسلم في الوصية بالثلث والنهي عن الوصية بأكثر إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة أو كما قال صلى الله عليه وسلم فعم صلى الله عليه وسلم الورثة كلهم ولم يخص أخا ولا أختا من غيرهما فصح ضرورة ألا ميراث لأحد إلا بعد الدين ثم الوصية فسقط تمويههم بذكر الآية المذكورة

ثم نعكس عليهم هذا السؤال المذكور بعينه فنقول لهم إذا فعلتم أنتم ذلك في آية الكلالة قياسا على سائر المواريث فيلزمكم أن توجبوا الإطعام في كفارة القتل لمن عجز عن الصيام والرقبة قياسا على كفارة الظهار وقياسا على كفارة الواطىء في نهار رمضان ولا تفرقوا بين الأمرين فقد ذكر الله تعالى في كلتا الآيتين عتق الرقبة ثم الصيام لشهرين متتابعين ثم ذكر تعالى في أحدهما تعويض الإطعام من الصيام فافعلوا ذلك في المسكوت عنه من الآية الأخرى لا سيما وأنتم قد قستم أو بعضكم المسكوت عنه من دين الرقبة في الظهار على المنصوص عليه من أن تكون مؤمنة في قتل الخطأ فما الذي جعل قياس الرقبة في الظهار على التعويض في القتل حقا وجعل قياس التعويض بالإطعام من الصيام في كفارة قتل الخطأ على التعويض بالإطعام من الصيام في كفارة الظهار باطلا ولولا التخليط والموق ونعوذ بالله من الخذلان واحتج بعضهم بأن قال إن ثبات العشرين منا للمائتين من الكفار منسوخ بالقياس على نسخ ثبات المائة منا للألف من الكفار قال أبو محمد وهذا تخليط وكذب وعكس الخطأ على الخطأ وما نسخ قط ثبات المائة للألف ولا ثبات العشرين للمائتين وقد بينا هذه المسألة في باب الكلام في النسخ من ديواننا هذا وبالجملة لا يحل لمسلم أن يقول في آية ولا حديث بالنسخ إلا عن نص صحيح لأن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واجبة فإذا كان كلامهما منسوخا فقد سقطت طاعته عنا وهذا خطأ ومن ادعى سقوط طاعة الله تعالى وسقوط طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم في مكان ما من الشريعة فقوله مطروح مردود ما لم يأت على صحة دعواه بنص ثابت فإن أتى به فسمعا وطاعة وإن لم يأت به فهو كاذب مفتر إلا أن يكون ممن لم تقم عليه الحجة فهو مخطىء معذور باجتهاده وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا لا تقتلوا لصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزآء مثل ما قتل من لنعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ لكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا لله عما سلف ومن عاد فينتقم لله منه ولله عزيز ذو نتقام } وهذا عمدة ما موهوا به في إثبات القياس مع آية الاعتبار ومع قوله تعالى { فقلنا ضربوه ببعضها كذلك يحيي لله لموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون }

قال أبو محمد وهذا من أطرف ما شغبوا به من الجرأة على التمويه بكلام الله تعالى ووضعه في غير موضعه فهذا عظيم جدا نعوذ بالله من الخذلان وما فهم أحد قط له عقل أن للقياس في هذه الآية مدخلا أو طريقا أو نسبة بوجه من الوجوه وما هذه الآية إلا نص جلي أمر تعالى ذوي عدل من المؤمنين أن يحكما في الصيد المقتول بما يشبهه من النعم فهذا نص لا قياس وإنما كان يكون قياسا لو قالوا كما أمرنا تعالى إذا قتلنا الصيد المحرم علينا قتله أن نجزيه بمثله من النعم فكذلك إذا قتلنا شيئا من النعم حراما علينا لملك غيرنا له فواجب علينا أن نجزيه بمثله من الصيد وأيضا فكما قاسوا ملك الله تعالى الصيود فأوجبوا الجزاء على قاتلها مخطئا وخالفوا القرآن في ذلك قياسا على ملك الناس فواجب عليهم على أصلهم الفاسد أن يقيسوا ملك الناس من النعم ومن الصيد إذا قتله فيلزموه أن يجزيه بمثله إن كان صيدا فمن النعم وإن كان من النعم فمثله من الصيد فهذا حقيقة القياس الذي إن قالوه كفروا وإن تركوا القياس وتناقضوا ووفقوا في تركهم له وأيضا فإن كانت هذه الآية متيحة للقياس فينبغي ألا يكون إلا حتى يحكم فيه ذوا عدل منا أو يكون عدل ذلك صياما فهكذا هو الحكم في الآية وأما الآية المذكورة فلا نسبة بينها وبين القياس البتة وإنما فيها أن الصيد يكون مثلا للنعم وهذا أمر لا ننكره فالعالم كله متماثل في بعض أوصافه وإنما أنكرنا أن نحكم في الديانة شيء لم يأت فيه ذلك الحكم من الله تعالى بمثل الحكم المنصوص فيما يشبهه فهذا هو الباطل والخطأ والحرام الذي لا يحل وبالله تعالى نتأيد واحتج أيضا بعضهم بقول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا لا تقربوا لصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغآئط أو لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم إن لله كان عفوا غفورا } وبقوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من لله وكان لله عليما حكيما } قالوا فقستم واجد الثمن للماء والثمن للرقبة وإن لم يكن عنده رقبة ولا ماء على من عنده الرقبة والماء فلم تجيزوا لهما التيمم ولا الصيام قال أبو محمد وهذا من ذلك التمويه المعهود ويعيذنا الله تعالى أن نقول بالقياس في شيء من الدين وليس ما ذكروا قياسا ولكنه نص جلي بلا تأويل فيه البتة لأن الله تعالى إنما قال في آية كفارة قتل الخطأ والعود للظهار بعد إيجاب الرقبة

{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من لله وكان لله عليما حكيما } ولم يقل تعالى فمن لم يجد رقبة ولكنه تعالى أطلق الوجود فكل وجود يتوصل به إلى عتق الرقبة فإنه مانع من الصيام فالواجب اتباعه لأنه موافق لظاهر الآية الذي لا يجوز خلافه وهكذا القول في كفارة الواطىء في نهار رمضان وأما التيمم لمن لم يكن له ماء وعنده ثمن يبتاع به الماء فإن أصحابنا قالوا ما ذكر هؤلاء ورأوا واجبا على من وجد ماء للشراء أن يبتاعه بقيمته في الوقت لا بأكثر وقال غيرهم بأكثر من قيمته ما لم يجحف به وقال الحسن البصري يبتاعه بكل ما يملك إن لم يبع منه بأقل قال أبو محمد ولعل من حجة أصحابنا أن يقولوا إن قوله تعالى { يا أيها لذين آمنوا إذا قمتم إلى لصلاة فغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى لمرافق ومسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى لكعبين وإن كنتم جنبا فطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغائط أو لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد لله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } يقتضي بعموم هذا اللفظ واجده بالابتياع والاستيهاب كما يقول القائل أمر كذا موجود في السوق فيقولوا إن واجده بالابتياع والاستيهاب واجد للماء قال أبو محمد وأما نحن فلا يجوز عندنا بيع الماء البتة بوجه من الوجوه ولا بحال من الأحوال لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء فهذا عندنا على عمومه وقولنا هذا هو قول إياس بن عبد الله المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فلا يجوز ابتياع الماء للوضوء البتة ولا للغسل لأنه منهي عن ابتياعه وهو غير واجد للماء فحكمه التيمم إلا أن يتطوع عليه صاحب الماء بأن يهبه إياه فذلك جائز وهو حينئذ واجد للماء مالك له ففرضه التطهر به وأما من اضطر إلى شرب الماء وخشي الهلاك من العطش ولم يجد من يتطوع له بماء يحيي به رمقه ففرض عليه إحياء نفسه كيف أمكن بغلبة أو بأخذه سرا مختفيا بذلك أو بابتياعه فإذا لم يقدر على غير البيع فابتاعه فهو حينئذ جائز له والثمن حرام على البائع وهو باق على ملك المبتاع المضطر وهو بمنزلة من اضطر إلى ميتة أو لحم خنزير فلم يجده مع ذلك إلا بثمن ففرض عليه أن يبتاعه لإحياء نفسه

وكذلك ما يبذل من المال في فدى الأسرى وفي الرشوة لدفع المظلمة فهذا كله باب واحد وهو مباح للمعطي وحرام على الآخذ لأن المعطي مضطر والآخذ آكل مال بالباطل عاص لله تعالى نعوذ بالله ثم نعكس عليهم اعتراضهم هذا فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق إن كان هذا عندهم قياسا فيلزمهم أن يقولوا بقول الحسن في ابتياع الماء بكل ما يملك لأنه واجد له فلا يسعه التيمم مع وجود الماء كما يقولون فيمن لم يجد رقبة إلا بكل ما يملك وهو قادر على اكتساب ما يقوم بقوته وقوت عياله بعد ذلك فإنه لا يجزيه عندهم إلا ابتياع الرقبة بملكه كله فإن لم يقولوا في الماء كذلك فقد تناقضوا وتركوا القياس الذي يزعمون أنه دين وهذا ما لا انفكاك منه واحتجوا بقوله تعالى { ليس على لأعمى حرج ولا على لأعرج حرج ولا على لمريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبآئكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند لله مباركة طيبة كذلك يبين لله لكم لآيات لعلكم تعقلون } قالوا ولم يذكر تعالى بيوت الأولاد فوجب إباحة الأكل من بيوت الأولاد قياسا على الإباحة من بيوت الآباء قال أبو محمد وهذا في غاية الفساد والكذب ومعاذ الله أن تكون الإباحة للأكل من بيوت الأولاد قياسا على إباحة ذلك من بيوت الآباء والأقارب وما أبحنا الأكل من بيوت الأولاد إلا بنص جلي وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أطيب ما أكل أحدهم من كسبه وإن ولد أحدكم من كسبه فبهذا أبحنا الأكل من بيوت الأولاد ولكن يلزمهم إذا فعلوا ذلك قياسا بزعمهم على بيوت الآباء أن يسقطوا الحد على الابن الواطىء أمة أبيه كما أسقطوا الحد عن الأب إذا وطىء أمة ولده ولزمهم أن يسووا في جميع الأحكام بين الأبناء والآباء وسائر القرابات كما فعلوا ذلك قياسا على الأكل وإلا فقد تناقضوا وتركوا القياس واحتجوا بقول الله تعالى { لا جناح عليهن في آبآئهن ولا أبنآئهن ولا إخوانهن ولا أبنآء إخوانهن ولا أبنآء أخواتهن ولا نسآئهن ولا ما ملكت أيمانهن وتقين لله إن لله كان على كل شيء شهيدا } بقوله تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبآئهن أو آبآء بعولتهن أو أبنآئهن أو أبنآء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسآئهن أو ما ملكت أيمانهن أو لتابعين غير أولي لإربة من لرجال أو لطفل لذين لم يظهروا على عورات لنسآء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى لله جميعا أيها لمؤمنون لعلكم تفلحون } قالوا فأدخلتم من لم يذكر في الآيتين المذكورتين من الأعمام والأخوال في حكم من ذكر فيهما

قال أبو محمد وهذا ليس قياسا بل هو نص جلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة إنه عمك فليلج عليك وقال صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم فأباح لكل ذي محرم أن يسافر معها وإذا سافر معها فلا بد له من رفعها ووضعها ورؤيتها فدخل ذو المحارم كلهم بهذا النص في إباحة رؤية المرأة فبطل ظنهم أن ذلك إنما هو قياس وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بقول الله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات لأخ وبنات لأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من لرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم للاتي في حجوركم من نسآئكم للاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم لذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين لاختين إلا ما قد سلف إن لله كان غفورا رحيما } قالوا فأدخلتم بنات البنين وإن سفلن وبنات البنات وإن سفلن والجدات وإن علون وعمات الآباء والأجداد وخالاتهم وعمات الأمهات والجدات وخالاتهن وإن بعدن في التحريم وإن لم يذكرن في آية التحريم قالوا وهذا قياس وكذلك أدخلتم تحريم ما نكح الأجداد وإن علوا وبنو البنين وإن سفلوا قياسا على تحريم ما نص عليه من نكاح نساء الآباء وحلائل الأبناء قال أبو محمد وهذه دعوى فاسدة بل هذا نص جلي وبنو البنين وبنو البنات وإن سفلوا وبنات البنين وبنات البنات وإن سفلن فإنه يقع عليهن في اللغة بنص القرآن اسم البنين والبنات وإن سفلن قال الله تعالى { يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس لتقوى ذلك خير ذلك من آيات لله لعلهم يذكرون } فجعلنا بنين له وبنو البنين بنون بالنص والجد والجدة وإن بعدا فاسم الأب والأم يقع عليهما كما قال تعالى { يابني آدم لا يفتننكم لشيطان كمآ أخرج أبويكم من لجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهمآ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا لشياطين أوليآء للذين لا يؤمنون } يعني آدم وحواء وهكذا القول فيمن سفل من أولاد الإخوة والأخوات ومن علا من الأعمام والأخوال والعمات والخالات فمن كنت من ولد أخيه فهو عمك وعمتك وأنت ابن أخيه وأخيها ومن كنت من ولد أخته فهو خالك وخالتك وأنت ابن أخته وأختها وإنما فرقنا بين أحكام بعض من يقع عليه الاسم الواحد في المواضع التي فوق النص أو الإجماع المنقول المتيقن بينهم فيها وهذا أيضا الذي ذكروا إجماع والإجماع لا يجوز خلافه

ثم نقول لهم إذا فعلتم ذلك بزعمكم قياسا فيلزمكم أن تسووا أيضا قياسا بين كل من ذكرنا في الإنكاح والمواريث ووجوب الإنفاق وهم لا يفعلون ذلك فقد نقضوا أصلهم وأقروا بترك القياس وهكذا تكون الأقوال الفاسدة وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بقول الله تعالى في المطلقة ثلاثا { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهمآ أن يتراجعآ إن ظنآ أن يقيما حدود لله وتلك حدود لله يبينها لقوم يعلمون } قالوا فقستم وفاة هذا الزوج الثاني وفسخ نكاحه عنها على علاقة لها في كونها إذا مسها في ذلك حلالا المطلق ثلاثا قالوا لنا بل لم تقنعوا بذلك حتى قلتم إن كانت ذمية طلقها مسلم ثلاثا فتزوجها ذمي فطلقها بعد أن وطئها لم تحل بذلك لمطلقها ثلاثا ولا تحل إلا بموته عنها أو بفسخ نكاحه منها قال أبو محمد فالجواب وبالله تعالى التوفيق أننا أبحنا لها الرجوع إليه بالوفاة وبالفسخ لوجهين أحدهما الإجماع المتيقن والثاني النص الصحيح الذي عنه تم الإجماع وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرظية المطلقة ثلاثا أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قال علي فهذا الحديث أعم من الآية وزائد على ما فيها فوجب الأخذ به ووجب أن كل ما كان بعد ذوق العسيلة مما يبطل به النكاح فهي به حلال رجوعها إلى الزوج المطلق ثلاثا لأنه صلى الله عليه وسلم إنما جعل الحكم الرافع للتحريم ذوق العسيلة في النكاح الصحيح فإذا ارتفع بذلك التحريم فقد صارت كسائر النساء فإذا خلت من ذلك الزوج بفسخ أو وفاة أو طلاق كان لها أن تنكح من شاءت من غير ذوي محارمها ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذوق العسيلة طلاقا من فسخ من وفاة وأيقنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يبحها للزوج الأول وهي بعد في عصمة الزوج الثاني ولا خلاف بين أحد في ذلك وأما طلاق الذمي وسائر الكفار فليس طلاقا لأن كل ما فعل الكافر وقال غير اللفظ بالإسلام فهو باطل مردود إلا ما أوجب إنفاذه النص أو الإجماع المتيقن المنقول أو أباحه له النص أو الإجماع كذلك فإذا لفظ بالطلاق فهو لغو لأنه لا نص ولا إجماع في جواز طلاقه فليس مطلقا وهو بعد في عصمته لصحة نكاحهم بالنص من إقرار

النبي صلى الله عليه وسلم للكفار لما أسلموا مع نسائهم على نكاحهم معهن ولأنه صلى الله عليه وسلم من ذلك النكاح خلق وقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم مخلوق من أصح نكاح ولا يحل لمسلم أن يمر بباله غير هذا ولم يمنع تعالى في الآية من إباحة رجعتها بعد وفاة الزوج أو فسخ نكاحه وإنما ذكر تعالى الطلاق فقط وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجمال لفظه الطلاق وغيره وقد كان يلزم من قال بذلك الخطاب منهم ألا يبيحها إلا بعد الطلاق لا بعد الفسخ والوفاة فهذه الآية حجة عليهم لا لهم وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقوله تعالى { يأيها لذين آمنوا إذا نكحتم لمؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } قالوا فقستم الكافرات في ذلك على المؤمنات قال أبو محمد وهذا خطأ وقد بينا في باب مفرد من كتابنا هذا لزوم شريعة الإسلام لكل كافر ومؤمن مستويا بقوله تعالى { وأن حكم بينهم بمآ أنزل لله ولا تتبع أهوآءهم وحذرهم أن يفتنوك عن بعض مآ أنزل لله إليك فإن تولوا فعلم أنما يريد لله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من لناس لفاسقون } فهذا لازم في كل حكم حاشا ما فرق النص والإجماع المتيقن فيه بين أحكامنا وأحكامهم وما كان كرامة لنا فإنه ليس لهم فيه حظ لقول الله تعالى { قاتلوا لذين لا يؤمنون بلله ولا بليوم لآخر ولا يحرمون ما حرم لله ورسوله ولا يدينون دين لحق من لذين أوتوا لكتاب حتى يعطوا لجزية عن يد وهم صاغرون } والصغار لا يجتمع مع الكرامة أصلا وأيضا فالأمة كلها مجمعة على أن حكم العدة في الطلاق وسقوطها على الذمية كحكمها على المسلمة والإجماع لا يجوز خلافه وأيضا فإن الآيات التي أوجب الله تعالى فيها العدد على المطلقات معلومة محصورة لا خلاف بين المسلمين أن المراد بها الممسوسات وأصل الناس كلهم على البراءة من وجوب الأحكام عليهم حتى يلزمهم الحكم نص أو إجماع وإلا فلا يلزم أحدا حكم إلا أن يلزمه إياه نص أو إجماع فبقيت الذمية المطلقة غير الممسوسة لم يأت قط بإيجاب عدة عليها فلم يجز لأحد أن يلزمها عدة لم يأت بها نص ولا إجماع ووجب المتعة لها ونصف الصداق بإيجاب الله تعالى ذلك لكل مطلقة فرض لها صداق المتعة خاصة لكل مطلقة وهي إحدى المطلقات فبطل ظن هؤلاء القوم والحمد لله رب العالمين

واحتجوا بما في القرآن من الآيات التي فيها خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وحده مثل قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم لصلاة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود لذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن لله أعد للكافرين عذابا مهينا } ومثل قوله تعالى { وآخرون عترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى لله أن يتوب عليهم إن لله غفور رحيم } وما أشبه ذلك قالوا فقلتم هي لازمة لنا ومباحة كلزومها النبي صلى الله عليه وسلم وإباحتها له قال أبو محمد وهذا من التخليط ما هو لأن النص حكم علينا بذلك إذ يقول { لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة لمن كان يرجو لله وليوم لآخر وذكر لله كثيرا } وبقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وبغضبه صلى الله عليه وسلم على من تنزه عن أن يفعل مثل فعله فبطل تمويههم بأن هذا قياس وصح وجوب كل شريعة خوطب بها صلى الله عليه وسلم علينا ما لم ننه عن ذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصال لست كهيئتكم فلو قال قائل إن الذين تعلقوا به مما ذكروا هو حجة عليهم في إبطال القياس لكان حقا لنص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه ليس كهيئتنا ولا كأحدنا ولا مثلنا وإذ ليس مثلنا والقياس عند القائلين به إنما هو قياس الشيء على مثله لا على ما ليس مثله فقد بطل القياس ههنا فيلزمهم ألا يحكموا على الناس بشيء خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وحده وإن فعلوا ذلك خرجوا من الإسلام فصح أنه لا مدخل لهذه الآيات ولا لهذا المعنى في القياس البتة وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقول الله تعالى { هو لذي أخرج لذين كفروا من أهل لكتاب من ديارهم لأول لحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من لله فأتاهم لله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم لرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي لمؤمنين فعتبروا يأولي لأبصار } قال أبو محمد وهذه هي قاعدتهم بظنهم في القياس وما كانوا أبعد قط من القياس منهم في هذه الآية وما فهم قط ذو عقل من قول الله تبارك وتعالى { هو لذي أخرج لذين كفروا من أهل لكتاب من ديارهم لأول لحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من لله فأتاهم لله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم لرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي لمؤمنين فعتبروا يأولي لأبصار } تحريم مد بلوط بمدي بلوط وما للقياس مجال على هذه الآية أصلا بوجه من الوجوه ولا علم أحد قط في اللغة التي بها نزل القرآن أن الاعتبار هو القياس وإنما أمرنا تعالى أن نتفكر في عظيم قدرته في خلق السموات والأرض وما أحل بالعصاة كما قال تعالى في قصة إخوة يوسف عليه السلام { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي لألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق لذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } فلم يستح هؤلاء القوم أن يسموا القياس اعتبارا وعبرة على جاري عادتهم في تسمية الباطل باسم الحق ليحققوا بذلك باطلهم

وهذا تمويه ضعيف وحيلة واهية وقد قال تعالى { إن هي إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وآبآؤكم مآ أنزل لله بها من سلطان إن يتبعون إلا لظن وما تهوى لأنفس ولقد جآءهم من ربهم لهدى * أم للإنسان ما تمنى } فأبطل الله تعالى كل تسمية قام بصحتها برهان إما من لغة مسموعة من أهل اللسان وإما منصوصة في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فباطل وهل هذه الطريقة التي سلكوا من التمويه والغش بقلع الأسماء عن مواضعها وتحريف الكلم عن مواضعه إلا كمن سمى من النخاسين أواريهم بأسماء المدن ثم يحلف بالله لقد جاءت هذه الدابة أمس من بلد كذا تدليسا وغشا وأهل القياس جارون على هذه الطريقة في تسميتهم القياس عبرة واعتبارا ونسألهم في أي لغة وجدوا ذلك وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي لألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق لذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } فليت شعري أي قياس في قصة يوسف عليه السلام أترى أنه أبيح لنا بيع إخوتنا كما باعه إخوته أو ترى أن من باعه إخوته يكون ملكا على مصر ويغلو الطعام في أيامه أو ترى إذ قال الله تعالى { هو لذي أخرج لذين كفروا من أهل لكتاب من ديارهم لأول لحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من لله فأتاهم لله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم لرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي لمؤمنين فعتبروا يأولي لأبصار } أنه أمرنا قياسا على ذلك أن نخرب بيوتنا بأيديهم وأيدينا قياسا على ما أمرنا الله تعالى أن نعتبر به من هدم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين أما سمعوا قول الله تعالى { وإن لكم في لأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سآئغا للشاربين * ومن ثمرات لنخيل ولأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } أفيجوز لذي مسكة عقل أن يقول إن العبرة ههنا القياس وإن معنى هذه الآية { وإن لكم في لأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سآئغا للشاربين } لقياسا أما يرى كل ذي حس سليم أن هذه الآية

مبطلة للقياس لما قص تعالى عليه أنه يخرج من بين فرث حرام ودم لبنا حلالا وأننا نتخذ من تمر النخيل والأعناب مسكرا حراما خبيثا ورزقا حلالا وهما من شيء واحد فظهر أن تساوي الأشياء لا يوجب تساوي حكمها وصح أن معنى العبرة التعجب فقط هذا أمر يدريه النساء والصبيان والجهال حتى حدث من كابر الحس وادعى أن الاعتبار القياس مجاهرة بالباطل تالله ما قدرنا أن عاقلا يرضى لنفسه بهذه الخساسة وبهذا الكذب في الدين وبعاجل هذه الفضيحة نعوذ بالله والقوم كالفريق يتعلق بما وجد ولو لم يكن في إبطال القياس إلا هذه الآية لكفى لأن أولها قوله تعالى { هو لذي أخرج لذين كفروا من أهل لكتاب من ديارهم لأول لحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من لله فأتاهم لله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم لرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي لمؤمنين فعتبروا يأولي لأبصار } فنص الله تعالى كما نسمع على أنه أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم وأن المؤمنين لم يظنوا قط ذلك وأن الكفار لم يحتسبوا قط ذلك فثبت يقينا بالنص في هذه الآية أن أحكام الله عز وجل جارية على خلاف ما يحتسب الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم والقياس إنما هو يحتسبه القائسون لا نص فيه ولا إجماع كظن المالكي أن علة الربا الإدخار في المأكولات في الجنس وظن الحنفي أنها الوزن أو الكيل في الجنس وظن الشافعي أنها الأكل في الجنس وهذه كلها ظنون واحتسابات فصح أن أحكام الله تعالى تأتي بخلاف ما يقع في النفوس فهذه الآية أبين شيء في إبطال القياس والحمد لله رب العالمين وقد قوى بعضهم احتجاجهم بما ذكرنا في قوله { لمؤمنين } بما روي عن ابن عباس من قوله في دية الأصابع ألا اعتبرتم ذلك بالأسنان عقلها سواء وإن اختلفت منافعها قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن ابن عباس إنما أراد بقوله هلا اعتبرتم أي هلا تبينتم ذلك بالأصابع فاستبنتم لأن العبارة عن الشيء هو ما يتبين به الشيء أي هلا تبينتم أن اختلاف المنافع لا يوجب اختلاف الدية أو هلا فكرتم وعجبتم في الأصابع

ورأيتم أن اختلاف منافعها لا يوجب اختلاف دياتها ولا اختلاف أحكامها كما أن الأسنان أيضا كذلك وهذا نص جلي من ابن عباس على إبطال القياس والعلل الموجبة عند القائلين بالقياس لاستواء الأحكام لأنهم يقولون إن الدية إنما هي عوض عن الأعضاء المصابة فيقيسون فقد السمع على فقد البصر في الدية لأن المنفعة بذلك متساوية فأبطل ابن عباس ذلك ورد إلى نص ولم يجد الأصابع أصلا للأسنان يقاس عليه ولا جعل الأسنان أصلا للأصابع يقاس عليه بل سوى بين كل ذلك تسوية واحدة وهذا هو ضد القياس لأن القياس عند القائلين به إنما هو رد الفرع إلى الأصل وليس ههنا أصل وفرع بل النص ورد أن الأصابع سواء وأن الأسنان سواء ورودا مستويا فبطل تمويههم الذي راموا به تصحيح أن القياس يسمى عبرة ولقد ناظرني كبيرهم في مجلس حافل بهذا الخبر فقلت له إن القياس عند جميع القائلين به وأنت منهم إنما هو رد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه أو رد ما لا نص فيه إلى ما فيه نص وليس في الأصابع ولا في الأسنان إجماع بل الخلاف موجود في كليهما وقد جاء عن عمر المفاضلة بين دية الأصابع وبين دية الأضراس وجاء عنه وعن غيره التسوية بين كل ذلك فبطل ههنا رد المختلف فيه إلى المجمع عليه والنص في الأصابع والأسنان سواء ثم من المحال الممتنع أن يكون عند ابن عباس نص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسوية بين الأصابع وبين الأضراس ثم يفتي هو بذلك قياسا فقال لي وأين النص بذلك عن ابن عباس فذكرت له الخبر الذي حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث السجستاني ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا شعبة بن الحجاج ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصابع سواء الأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء يعني الإبهام والخنصر فانقطع وسكت وزاد بعضهم جنونا فاحتج في إثبات القياس بقول الله تعالى { وقال لملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يأيها لملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون }

قال أبو محمد وهذا من الجنون ما هو لأن العبارة إنما هي في اللغة البيان عن الشيء تقول هذا الكلام عبارة عن كذا وعبرت عن فلان إذا بينت عنه ولا مدخل للحكم في شيء من ذلك لشيء لم يذكر اسمه في الشريعة بالحكم في شيء ذكر فيها اسمه فعارضوا بأن قالوا العبور هو الجواز والتجاوز من شيء إلى شيء تقول عبرت النهر قالوا والقياس تجاوز شيء منصوص إلى شيء لا نص فيه قال أبو محمد هذا من المكابرة القبيحة لأن هذا من الأسماء المشتركة التي هي مثل ضرب من ضراب الجمل وهو سفادة الناقة و ضرب بمعنى الإيلام بإيقاع جسم على جسم المضروب بشدة و الضرب العمل وهكذا عبرت الرؤيا فسرتها وعبرت النهر أي تجاوزته فهذان معنيان مختلفان ليس أحدهما من الآخر في ورد ولا صدر ومصدر عبرت النهر إنما هو العبور ومصدر عبرت الرؤيا إنما هو العبارة ومصدر اعتبرت في الشيء إذا فكرت فيه الاعتبار و العبرة الاسم و العبرة والاستعبار التأهب للبكاء والأخذ فيه والعبرى نبات يكون على شطوط الأنهار و العبرانية لغة بني إسرائيل و العبير ضرب من الطيب فإذا قلنا إن معنى عبرت النهر إنما هو تجاوزته ومعنى عبرت الرؤيا إنما هو فسرتها فقد وضح أن هذا غير هذان ولو أن المعبر للرؤيا تجاوزها لما كان مبينا لها بل يكون تاركا لها آخذا في غيرها كما فعل عابر النهر إذا تجاوزه إلى البر والاعتبار أيضا معنى ثالث غير هذين بلا شك فخلط هؤلاء القوم وأتوا بالسفسطة المجردة وهو أن يأتي بألفاظ مشتركة تقع على معاني شتى فيخلط بها على الناس ليوهم أهل العقل أشياء تخرجهم عن نور الحق إلى ظلمة الباطل وقد حذر الأوائل من هذا الباب جدا وأخبروا أنه أقوى الأسباب في دخول الآفات على الأفهام وفي إفساد الحقائق وقد نبهنا نحن عليه في مواضع كثيرة من كتابنا هذا ومن سائر كتبنا وقد بينا ذلك في كتاب التقريب ولم نبق فيه غاية وبالله تعالى التوفيق ثم مع ذلك لم يقنعوا بهذا الباب من الباطل حتى زادوا عليه زيادة كثيرة وهو أنهم سموا القياس عبرة جرأة وتمويها والتسمية في اللغة والكلام المستعمل بيننا كله لا تخلو من وجهين لا ثالث لهما

أحدهما اسم سمع من العرب والعرب لا تعرف القياس في الأحكام في جاهليتها لأنهم لم يكن لهم شريعة كتابية قبل محمد صلى الله عليه وسلم فبطل أن يكون للقياس عندهم اسم والقسم الثاني اسم شرعي أوقعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على بعض أحكام الشريعة كالصلاة والزكاة والإيمان والكفر والنفاق وما أشبه ذلك وتعالى الله ورسوله عن أن يقيسا فبطل أن يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سميا القياس عبرة فهذان القسمان من الأسماء لازمان لكل متكلم بهذه اللغة ولكل مسلم وأما الأسماء التي يتفق عليها أقوام من الناس التفاهم في مرادهم فلذلك لهم مباح بإجماع إلا أنهم ليس لهم أن يلبسوا بذلك على الناس وهم في أعظم إثم وحرج إن سموا ما يخالفهم فيه غيرهم باسم واقع على معنى حقيقي ليلزموا خصومهم قبول ما خالفهم فيه تمويها على الضعفاء وعدوانا كمن سمى الخمر عسلا يستحلها بذلك لأن العسل حلال فبطل أن يسمي القياس عبرة أو اعتبارا وعلمنا أن أصحاب القياس الذي أحدثوا هذه البدعة هم الذين أحدثوا له هذا الاسم كما أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يأتون في آخر الزمان يسمون الخمر بغير اسمها ليستحلوها بذلك فقد فعل أصحاب القياس ذلك بعينه وسموا الباطل عبرة واعتبارا لهم ليصبح لهم باطلا بذلك لأن العبرة حق { يريدون أن يطفئوا نور لله بأفواههم ويأبى لله إلا أن يتم نوره ولو كره لكافرون } وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بآبدة أنست ما قبلها وهو أن بعضهم استدل على صحة القياس بقول الله تعالى واصفا لأمر آدم عليه السلام إذ تكشفت عورته عند أكل الشجرة فقال تعالى { فدلاهما بغرور فلما ذاقا لشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق لجنة وناداهما ربهمآ ألم أنهكما عن تلكما لشجرة وأقل لكمآ إن لشيطآن لكما عدو مبين } قال أبو محمد إنما شرطنا أن نتكلم فيما يعقل وأما الهذيان فلسنا منه في شيء ولا ندري وجه القياس في تغطية آدم عورته بورق الجنة وليت شعري لو قال لهم خصمهم مجاوبا لهم بهذا الهذيان إن هذه حجة في إبطال القياس بماذا كانوا ينفكون منه وهل كان يكون بينه وبينهم فرق واحتجوا أيضا بقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام إذ قال { إن لله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما لذين آمنوا فيعلمون أنه لحق من ربهم وأما لذين كفروا فيقولون ماذآ أراد لله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا لفاسقين }

قال أبو محمد وهذه كالتي قبلها وما يعقل أحد من إحياء الله عز وجل الطير قياسا ولا أنه يوجب أن يكون الأرز بالأرز متفاضلا حراما وأن الاحتجاج بمثل هذا مما ينبغي المسلم أن يخاف الله عز وجل فيه وما بين هذا وبين من احتج في إثبات القياس وفي إبطاله بقول الله تعالى { قل أعوذ برب لناس } فرق ولكن من لم يبال بما تكلم سهلت عليه الفضائح وليس العار عارا عند من يقلده واحتجوا بقول الله تعالى { مثل ما ينفقون في هذه لحياة لدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم لله ولكن أنفسهم يظلمون } وبقوله تعالى { كأنهن لياقوت ولمرجان } قال أبو محمد وهذا من نحو ما أوردناه آنفا من العجائب المدهشة بينما نحن في تحريم شيء لم يذكر تحريمه في القرآن والسنة ولا في الإجماع من أجل شبهه لشيء آخر حرم في النص حتى خرجنا إلى تشبيه الحور العين بالياقوت والمرجان فكل ذي عقل يدري أن الياقوت والمرجان يباع ويدق ويسرق ويخرج من البحر الملح وأنه لا يعقل ولا هو حيوان أفترى الحور العين يفعل بهن هذا كله تعالى الله عن ذلك وقد علم كل مسلم أن الحور العين عاقلات أحياء ناطقات يوطأن ويأكلن ويشربن فهل الياقوت والمرجان كذلك وإنما شبه الله تعالى الحور العين بالياقوت والمرجان في الصفاء فقط ونحن لا ننكر تشابه الأشياء وإنما ننكر أن نحكم المتشابهات بحكم واحد في الشريعة بغير نص ولا إجماع فهذا هو الزور والإفك والضلال وأما تشابه الأشياء فحق يقين وكذلك شبه الله تعالى بطلان أعمال الكفار ببطلان الزرع بالريح التي فيها الصر فأي مدخل للقياس ههنا أترى من بطل زرعه خالدا في جهنم كما يفعل بالكافر أو ترى الكافر إذا حبط عمله ذهب زرعه في فدانه كما يذهب زرع من أصاب زرعه ريح فيها صر هذا ما لا يقوله أحد ممن له طباخ وأما الحقيقة فإن هاتين الآيتين تبطلان القياس إبطالا صحيحا لأن الله تعالى مثل الحور العين بالياقوت والمرجان ومثل أعمال الكفار بزرع أصابته ريح فيها صر ولم يكن تشبيه الحور بالياقوت والمرجان يوجب للياقوت والمرجان الحكم أحكام الحور العين ولا للحور العين الحكم بأحكام الياقوت والمرجان ولا كان شبه عمل الكفار

بالزرع الذاهب يوجب للزرع الحكم بأحكام أعمال الكفار من اللعين والبراءة والوعيد ولا لأعمال الكفار بأحكام الزرع من الانتفاع بتبنه في علف الدواب وغير ذلك فصح أن تشابه الأشياء لا يوجب لها التساوي في أحكام الديانة ولا شيء أقوى شبها من شيئين شبه الله عز وجل بعضها ببعض فإذا كان الشبه الذي أخبرنا الله تعالى به لا يوجب لذينك المتشابهين حكما واحدا فيما لم ينص فيه فبالضرورة تعلم أن الشبه لا يوجب لذينك المتشابهين حكما واحدا فيما لم ينص فيه فبالضرورة تعلم أن الشبه المكذوب المفترى من دعاوى أصحاب القياس أبعد عن أن يوجب لما شبهوا بينهما حكما واحدا وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بقول الله تعالى { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي لعظام وهي رميم * قل يحييها لذي أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم * لذي جعل لكم من لشجر لأخضر نارا فإذآ أنتم منه توقدون * أوليس لذي خلق لسماوات ولأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو لخلاق لعليم } قال أبو محمد وهذا من عجائبهم وطوامهم ليت شعري ما في هذه مما يوجب القياس أو أن يحكم في ألا يكون الصدق أقل مما يقطع فيه اليد وأن يرجم اللوطي كما يرجم الزاني المحصن ولكاد احتجاجهم بهذه الآية أن يخرجهم إلى الكفر لأنه تعالى لم يوجب أنه يعيد العظام من أجل أنه أنشأها أول مرة ولا أخبر تعالى أن إنشاءه لها أول مرة يوجب أن يعيدها ومن ظن هذا فقد افترى ومع ذلك فلو كان إنشاء الله تعالى للعظام أو لا يوجب أن يحييها ثانية لوجب ضرورة إذا أفناها أيضا بعد أن أنشأها أولا أن يفنيها ثانية بعد أن أنشأها ثانية وهذا ما لا يقولونه ولا يقول به أحد من المسلمين إلا جهم بن صفوان وحده ولو كان ذلك أيضا لوجب أن يعيدهم إلى الدنيا ثانية كما ابتدأهم ونشأهم فيها أول

مرة وهذا كفر مجرد لا يقول به إلا أصحاب التناسخ فقبح الله كل احتجاج يفر صاحبه من الانقطاع والإذعان للحق إلى ما يؤدي إلى الكفر فبطل تمويههم بهذه الآية وصح أن معناها هو اقتضاء ظاهرها فقط وهو أن القادر على خلق الأشياء ابتداء قادر على إحياء الموتى وقد بين الله تعالى نصا إذ يقول { ومن آياته أنك ترى لأرض خاشعة فإذآ أنزلنا عليها لمآء هتزت وربت إن لذي أحياها لمحى لموتى إنه على كل شيء قدير } فبين عز وجل أنه إنما بين ذلك قدرته على كل شيء وإنما عارض الله تعالى بهذا قوما شاهدوا إنشاء الله تعالى للعظام من مني الرجل والمرأة أقروا بذلك وأنكروا قدرته تعالى على إنشائها ثانية وإحيائها فأراهم الله تعالى فساد تقسيمهم لقدرته كما قال في أخرى { أولم يروا أن لله لذي خلق لسماوات ولأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي لموتى بلى إنه على كل شيء قدير } فهذه كتلك وليس في شيء منها أن نحكم لما لا نص فيه بالحكم بما فيه نص من تحريم أو إيجاب أو إباحة أصلا وأن هذا كله باب واحد ليس بعضه مقيسا على بعض ولا أصلا والآخر فرعا وإقدام أصحاب القياس وجرأتهم متناسبة في مذاهبهم وفيما يؤيدونها نعوذ بالله من الخذلان واحتجوا أيضا بقول الله تعالى { وهو لذي يرسل لرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذآ أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به لمآء فأخرجنا به من كل لثمرات كذلك نخرج لموتى لعلكم تذكرون } وبقوله تعالى { يأيها لناس إن كنتم في ريب من لبعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في لأرحام ما نشآء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل لعمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى لأرض هامدة فإذآ أنزلنا عليها لمآء هتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } ولقوله تعالى { ولله لذي أرسل لرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به لأرض بعد موتها كذلك لنشور } وبقوله تعالى { ونزلنا من لسمآء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب لحصيد } إلى قوله { ونزلنا من لسمآء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب لحصيد } وبقوله تعالى { أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل لذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا }

قال أبو محمد وهذا كله من جنس ما ذكرناه آنفا والمحتج بهذه الآيات في إثبات القياس في الأحكام إما جاهل أعمى لا يدري ما القياس وإما مموه لا يبالي ما قال ولا ما أطلق به لسانه في استدامة حاله ولو كان هذا قياسا لوجب أن يحيي الله الموتى كل سنة في أول الربيع ثم يموتون في أول الشتاء كما تفعل الثمار وجميع النبات وهذا مما لا يقوله إلا ممرو وإنما أخبر تعالى في كل هذه الآيات بأنه يحيي الموتى ويقدر على كل ذلك لا على أن بعض ذلك مقيس على بعض البتة وذكروا أيضا في ذلك قول الله تعالى { ويقول لإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر إلإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } وبقوله تعالى { يأيها لناس إن كنتم في ريب من لبعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في لأرحام ما نشآء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل لعمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى لأرض هامدة فإذآ أنزلنا عليها لمآء هتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } { يأيها لناس إن كنتم في ريب من لبعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في لأرحام ما نشآء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل لعمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى لأرض هامدة فإذآ أنزلنا عليها لمآء هتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج } قال أبو محمد هذا هو إبطال القياس على الحقيقة لأنه لا سبيل إلى أن يخلق ثانية من نطفة ولا من علقة ولا من مضغة فإنما معنى هذه الآية من الله تعالى علينا وتذكيره لنا بقدرته على ما يشاء لا إله إلا هو وكذلك الآية التي قبلها أن الإنسان لم يك شيئا ثم خلق ولا سبيل إلى أن يعود لا شيء أبدا بل نفسه عائدة إلى حيث رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ويعود الجسم ترابا ثم يجمعان يوم القيامة فيخلد حيا باقيا أبد الأبد بلا نهاية ولا فناء في نعيم أو عذاب فبطل القياس ضرورة من حيث راموا إثباته تمويها على اغترابهم وهذه الآيات كلها هي بمنزلة قوله تعالى { أأنتم أشد خلقا أم لسمآء بناها * رفع سمكها فسواها } فإنما بين قدرته على ما شاهدنا وعلى ما أخبرنا به مما لم نشاهد وهذا إبطال للقياس ولظنون الجهال لأن الله تعالى نص على تشابه الأشياء كلها بعضها لبعض ولم يوجب من أجل ذلك التشابه أن تستوي في أحكامها وهذا هو نفس قولنا في إبطال القياس في تسوية الأحكام بين الأشياء المشتبهات وبالله التوفيق

ومثل ذلك قوله تعالى { وضرب لهم مثل لحياة لدنيا كمآء أنزلناه من لسماء فختلط به نبات لأرض فأصبح هشيما تذروه لرياح وكان لله على كل شيء مقتدرا } وكقوله تعالى { إنا بلوناهم كما بلونآ أصحاب لجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون } الآيات إلى قوله تعالى { كذلك لعذاب ولعذاب لآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } قال أبو محمد ولا شبه أقوى من شبه شهد الله تعالى بصحبته فإذا كان الله تعالى قد شبه الحياة الدنيا بالنبات النابت من الماء النازل من السماء فهي أشبه الأشياء به وشبه تلف جثث أولئك العصاة بالعدل وذلك لا يوجب استواءهما في شيء من الحكم في الشريعة غير الذي نص الله تعالى عليه من البلى بعد الجدة فقط فبطل ظنهم الفاسد والحمد لله رب العالمين وكذلك أيضا قوله تعالى { محمد رسول لله ولذين معه أشدآء على لكفار رحمآء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من لله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر لسجود ذلك مثلهم في لتوراة ومثلهم في لإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فستغلظ فستوى على سوقه يعجب لزراع ليغيظ بهم لكفار وعد لله لذين آمنوا وعملوا لصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } قال أبو محمد وذلك الزرع يرعى وليس متعبدا ولا جزاء عليه في الآخر والقوم الذين شبهوا به ولا شك أنهم خلاف ذلك وأنهم متعبدون مجازون بالجزاء التام في الآخرة وأن العجب ليكثر من عظيم تمويههم في الدين وتدليسهم فيه باحتجاجهم بهذه الآيات في القياس وما عقل قط ذو مسكة عقل أنه يجب في هذه الآيات تحريم بيع التبن بالتبن متفاضلا إذا حرم بيع التمر بالتمر متفاضلا وما قائل هذا قريب من الاستخفاف بالقرآن والشرائع ونعوذ بالله من هذا واحتج بعضهم في إثبات القياس بآبدة أنست ما تقدم وهو أنه قال من الدليل على صحة القياس قول الله تعالى { ولمرسلات عرفا } قال فأشار إلى العرف

قال أبو محمد وهذا دليل على فساد عقل المحتج به في إثبات القياس وقلة حيائه ولا مزيد وبالله تعالى نعوذ من الخذلان ونسأله التوفيق ولا عرف إلا ما بين الله تعالى نصا أنه عرف وأما عرف الناس فيما بينهم فلا حكم له ولا معنى وما عرف الناس مذ نشؤوا إلا الظلم والمكوس واحتجوا أيضا بأن قالوا قال الله عز وجل { ولبلد لطيب يخرج نباته بإذن ربه ولذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف لآيات لقوم يشكرون } قالوا فإذا جاء النص بجلد قاذف المحصنات وأنتم تجلدون قاذف الرجال المحصنين كما تجلدون قاذف المحصنات من النساء وهذا قياس قال أبو محمد وهذا ظن فاسد منهم وحاشا لله أن يكون قياسا ونحن نبدأ فنبين بحول الله وقوته من أين أوجبنا جلد قاذف الرجال من نص القرآن والسنة فإذا ظهر البرهان على ذلك لائحا بحول الله وقوته وأنه من النص عدنا إلى بيان أنه لا يجوز أن يكون قياسا وأنه لو استعمل ههنا القياس لكان حكمه غير ما قالوا وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله تعالى نتأيد إن قول الله عز وجل { ولذين يرمون لمحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهدآء فجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم لفاسقون } عموم لا يجوز تخصيصا إلا بنص أو إجماع فممكن أن يريد الله تعالى النساء المحصنات كما قلتم وممكن أن يريد الفروج المحصنات وهذا غير منكر في اللغة التي بها نزل القرآن وخاطبنا بها الله تعالى قال الله عز وجل { وأنزلنا من لمعصرات مآء ثجاجا } يريد من السحاب المعصرات فقلنا نحن إنه أراد الفروج المحصنات وقلتم أنتم إنه أراد النساء المحصنات فوجب علينا ترجيع دعوانا بالبرهان الواضح فقلنا إن الفروج أعم من النساء لأن الاقتصار بمراد الله تعالى على النساء خاصة تخصيص لعموم اللفظ وتخصيص العموم لا يجوز إلا بنص أو إجماع وأيضا فإن الفروج هي المرمية لا غير ذلك من الرجال والنساء برهان ذلك ما قاله

تعالى { ولذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن لله خبير بما يصنعون } { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن لله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبآئهن أو آبآء بعولتهن أو أبنآئهن أو أبنآء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسآئهن أو ما ملكت أيمانهن أو لتابعين غير أولي لإربة من لرجال أو لطفل لذين لم يظهروا على عورات لنسآء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى لله جميعا أيها لمؤمنون لعلكم تفلحون } وقال تعالى { إن لمسلمين ولمسلمات ولمؤمنين ولمؤمنات ولقانتين ولقانتات ولصادقين ولصادقات ولصابرين ولصابرات ولخاشعين ولخاشعات ولمتصدقين ولمتصدقات ولصائمين ولصائمات ولحافظين فروجهم ولحافظات ولذاكرين لله كثيرا ولذاكرات أعد لله لهم مغفرة وأجرا عظيما } وقال تعالى { ومريم بنة عمران لتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من لقانتين } فصح أن الفرج هو المحصن وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد بن نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه أنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت أن شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وبه إلى مسلم ثنا إسحاق بن منصور أنا هشام المخزومي هو ابن سلمة ثنا وهيب بن خالد ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه قال أبو محمد فصح يقينا أن المرمية هي الفروج خاصة وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج إلا ما عداها وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفروج خاصة لا زنى سائر الأعضاء ولا زنى النفس دون الفرج فلا حد في النص كما أوردنا في زنى العينين ولا في الرجلين ولا في زنى اللسان ولا في زنى الأذنين ولا في زنى القلب الذي

هو مبعث الأعمال وصح أن من رمى العينين بالزنى أو رمى الرجلين بالزنى أو رمى القلب بالزنى أو رمى الأذنين بالزنى أو رمى اليدين بالزنى أو رمى أي عضو كان بالزنى ما عدا الفرج فليس راميا ولا حد عليه بالنص لأن الفرج إن كذب فهو كله لغو فصح يقينا أن الرمي الذي يحد فيه الحدود ورد الشهادة والتفسيق إنما رمي الفروج بلا شك بيقين لا مرية فيه فإذ ذلك كذلك فقد صح أن مراد الله تعالى بالحدود ورد الشهادة في الآية المتلوة إنما هي رمي الفروج فقط فصح قولنا بيقين لا مجال للشك فيه وهذا إذ هو كذلك ففروج الرجال والنساء داخلات في الآية دخولا مستويا ثم نسألهم فنقول لهم أخبرونا عن قول الله تعالى { ولذين يرمون لمحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهدآء فجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم لفاسقون } إذ قلتم أنه تعالى أراد بهذه اللفظة ههنا النساء فقط هل أراد الله أن يحد قاذف الرجل أم لا ولا بد من إحداهما فإن قالوا لم يرد بقوله تعالى فقد حكموا على أنفسهم أنهم يحكمون بخلاف ما أراد الله تعالى وكفونا أنفسهم وإن قالوا إن الله تعالى أراد أن يحد قاذف الرجل قلنا لهم إن هذا عجب أن يكون تعالى يريد في دينه وعلمه من عباده أن يحد قاذف الرجل ثم لا يأمرنا إلا بحد قاذف النساء فقط حاشا لله من ذلك فإنه تلبيس لا بيان فإن قالوا اقتصر على النساء ونبهنا بذلك على حكم قاذف الرجال قلنا له هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ولم تأتوا بأكثر من الدعوى الكاذبة التي فيها خالفناكم فإن كانت عندكم حجة من نص جلي على صحة هذه الدعوى وإلا فهي كذب بحت ولستم بصادقين فيها بنص القرآن قالوا الإجماع قد صح على وجوب حد قاذف الرجل قلنا لهم وأي دليل لكم في الإجماع والإجماع لنا لا لكم لأن الإجماع إنما كان من هذا النص المذكور فهاتوا دليلا على أنه كان عن قياس ولا سبيل لهم إلى دليل ذلك أصلا لا برهاني ولا إقناعي ولا شغبي وظهر بطلان قولهم والحمد لله رب العالمين ثم نعود إلى إبطال أن يكون حد قاذف الرجل قياسا جملة ولا بد فنقول وبالله تعالى نتأيد إننا وجدنا أحكام الرجال والنساء تختلف في مواضع فالرجال عليهم الجمعات

والجماعات فرضا والنساء لا تلزمهن جمعة ولا جماعة فرضا وقد استووا في حكم سائر الصلاة والزكاة والمرأة لا تسافر في غير واجب إلا مع زوج أو ذي محرم والرجل يسافر حيث شاء دون زوجة ودون ذي محرم والخوف عليه من أن يزني كالخوف عليها من أن تزني ولا فرق لأن زناها لا يكون إلا مع رجل وحكمهن في اللباس مخالف لحكم الرجل فلا يجوز للرجل لباس القمص والعمائم والسراويل في الإحرام وهذا مباح للنساء واستووا في تحريم الطيب عليهم وعليهن في الإحرام والرجال عليهم الصلاة مع الإمام بمزدلفة صلاة الصبح ومباح للنساء السفر قبل ذلك فاستووا فيما عدا ذلك والجهاد على الرجال ولا جهاد على النساء وشهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل وخصومنا ههنا لا يقبلون النساء أصلا إلا في الأموال مع رجل ولا بد وفي عيوب النساء والولادات فقط ويقبلون الرجال فيما عدا ذلك ولا يقيسون الرجال عليهن ولا يقيسوهن على الرجال وليس هذا إجماعا ودية المرأة نصف دية الرجل وكثير من الحاضرين من خصومنا ههنا يسوون بينهن وبين الرجال في مقدور محدود من الديات ويفرقون بين أحكامهم وأحكامهن في سائر ذلك ولا يقيسون النساء على الرجال ولا الرجال على النساء وحد المرأة كحد الرجل في القذف والخمر والزنى والقتل والقطع في السرقة وفرق بين الحاضرين من خصومنا في التغريب في الزنى بين الرجال والنساء وفرق آخرون منهم في حد الردة بين الرجال والنساء فرأوا قتل الرجل في الردة ولم يروا قتل المرأة في الردة وتركوا القياس ههنا وللرجل أن ينكح أربعا ويتسرى ولا يحل للمرأة أن تنكح إلا واحدا ولا تتسرى ولم يقيسوا عليهن إلى كثير مثل هذا اكتفينا منه بهذا المقدار فلما وجدنا أحكام الرجال وأحكام النساء تختلف كثيرا وتتفق كثيرا على حسب ورود النص في ذلك فقط بطل أن يقاس حكم الرجال على النساء إذا اقتصر النص عن ذكرهن أو أن تقاس النساء على الرجال إذا اقتصر النص على ذكرهم إذ ليس الجمع بين أحكامهن وأحكام الرجال حيث لم يأت النص بالتفريق قياسا على ما جاء النص فيه متساويا بين أحكامهن وأحكامهم أولى من التفريق بين أحكامهن وأحكام الرجال حيث لم يأت النص بالجمع قياسا على ما جاء النص فيه مفرقا بين أحكامهن وأحكامهم وهذا في غاية الوضوح

والحقيقة بلا شك فيها فلو كان القياس حقا لكان قياس قاذف الرجل في إيجاب الحد عليه على قاذف المرأة باطلا متيقنا لا يجوز الحكم به أصلا فارتفع توهمهم جملة والحمد لله رب العالمين ومن أوضح برهان على أن حد قاذف الرجل ليس عن قياس على قاذف المرأة بالزنى أن بعد أمر الله بجلد قاذف المحصنات بسطر واحد فقط قوله تعالى { ولذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهدآء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بلله إنه لمن لصادقين } الآيات فلا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يقاس قاذفة زوجها أن تلاعن على قاذف زوجته أن يلاعن فلو كان القياس حقا لما كان قياس قاذف الرجل على قاذف المرأة أن يجلد الحد أولى ولا أصح من قياس قاذف زوجته أن تلاعنه أيضا ولا يجد أحد فرق بين الأمرين أصلا فصح أن القياس باطل إذ لو كان حقا لاستعمله الناس في الملاعنة وصح أن جلد قاذف الرجل ليس عن قياس وأنه عن نص كما ذكرنا وبالله التوفيق واحتج بعضهم بقول الله تعالى { هو لذي أنزل عليك لكتاب منه آيات محكمات هن أم لكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه بتغاء لفتنة وبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا لله ولراسخون في لعلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا لألباب } قال أبو محمد وجمجم هذا المحتج ولم يصرح على ههنا أشياء من القرآن مفتقرة إلى القياس قال أبو محمد وهذا كلام يسيء الظن بمعتقد قائله ولا قول أسوأ من قول من قال إن الله تعالى شبه على عباده فيما أراد منهم وفيما كلفهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين تلك الأشياء وتركها مهملة واحتاجوا فيها إلى قياسهم الفاسد وقد بينا الكلام في باب مفرد في ديواننا هذا وأخبرنا أنه لا يحل لأحد أن يتبع متشابه القرآن ولا أن يطلب معنى ذلك المتشابه وليس إلا الإقرار به وأنه من عند الله تعالى كما قال عز وجل في آخر الآية المذكورة { هو لذي أنزل عليك لكتاب منه آيات محكمات هن أم لكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه بتغاء لفتنة وبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا لله ولراسخون في لعلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا لألباب } وأخبر تعالى فيها فقال { هو لذي أنزل عليك لكتاب منه آيات محكمات هن أم لكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه بتغاء لفتنة وبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا لله ولراسخون في لعلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا لألباب } فنص تعالى على أن من طلب تأويل المتشابه فهو زائغ القلب مبتغي فتنة

ونحن نبرأ إلى الله من هذه الصفة فثبت بالنصوص ضرورة أن تأويل المتشابه لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل وحده فقط لأن ابتغاء معرفته حرام وما حرم ابتغاء معرفته فقد سد الباب دون معرفته ضرورة إذ لا يوصل إلى شيء من العمل إلا بعد ابتغائه فما حرم ابتغاؤه فلا سبيل إلى الوصول إليه وهذا بين لا خفاء فيه وطرق المعارف معروفة محصورة وهي الحواس والعقل اللذان ركبهما الله في المتعبدين من الحيوان وهم الملائكة والجن ومن وضع من ذلك فيه شيء من الإنس ثم ما أمر الله بتعرفه وتعرف حكمه فيه مما جاء من عنده عز وجل وهو القرآن والسنة فقط وهذه كلها طرق أمرنا بسلوكها والاستدلال بها وقد نهينا عن طلب معنى المتشابه فصح أنه لا يوصل إلى معرفة معناه من جهة شيء من الحواس ولا من المعقول ولا من القرآن ولا من السنة فإذا كان الأمر كذلك فلا سبيل لمخلوق إلى معرفته إلا أن الذي صح في الآي المحكمات التي أمرنا الله بتدبرها وبتعلمها وبطلب تأويلها والتفقه فيها فطاعة القرآن فيما أمر الله تعالى فيه ونهى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الذي أمر فيه ونهى وترك التعدي لهذه الحدود وبطلان ما عداها فبطل القياس ضرورة لأنه غير هذه الحقائق والحمد لله رب العالمين واحتجوا فقالوا حرم الله تعالى لحم الخنزير فحرمتم شحمه والأنثى منه وهذا قياس قال أبو محمد وهذا ظن فاسد منهم ومعاذ الله أن نحرم شحم الخنزير وأنثاه بقياس بل بالإجماع الصحيح وبالنص في القرآن ولو كان الشحم كحكم اللحم لوجب إذ حرم على بني إسرائيل الشحم أن يحرم عليهم اللحم فإذا لم يكن ذلك فقد صح أن الشحم لم يحرم من الخنزير قياسا على اللحم ومن الطرائف أن المحتجين بهذا يقولون أو أكثرهم إن الشحم جنس غير اللحم ويجيزون رطل لحم برطلي شحم حتى إن جمهورهم وهم صحاب أبي حنيفة يرون شحم الظهر غير شحم البطن فيجيزون رطل شحم بطن برطلي شحم الأوز فأين هذيانهم إنه إنما حرم شحم الخنزير قياسا على لحمه والشافعيون والحنفيون والمالكيون يقولون من حلف ألا يأكل شحما فأكل لحما فإنه لا يحنث ولا خلاف بينهم أن من قال لآخر ابتع لي بهذا الدرهم لحما فابتاع له به شحما فإنه ضامن فبطل قياسهم البارد إن الشحم من الخنزير مقيس على لحمه ولا

خلاف بينهم أن العظم لا نسبة بينه وبين اللحم ولا يجوز أن يقاس عليه ونحن وهم مجمعون على أن من سحق عظم الخنزير فاستفه فقد عصى الله تعالى فصح ضرورة أنه لم يحرم شحمه قياسا على لحمه ولا أنثاه قياسا على ذكره وبطل تمويههم والحمد لله وإنما حرم شحم الخنزير وغضروفه ودماغه ومخه وعصبه وعروقه وجلده وشعره وعظمه وعضله وسنه وظلفه وملكه والأنثى منه ولبنها بقول الله تعالى { قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير لله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } والضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور وقد أفردنا لذلك بابا في كتابنا هذا وأقرب مذكور إلى الضمير الذي في { يأيها لذين آمنوا إنما لخمر ولميسر ولأنصاب ولأزلام رجس من عمل لشيطان فجتنبوه لعلكم تفلحون } هو الخنزير لا اللحم فالخنزير كله بالنص رجس والرجس كله خبيث محرم بقول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا إنما لخمر ولميسر ولأنصاب ولأزلام رجس من عمل لشيطان فجتنبوه لعلكم تفلحون } فرجع الضمير في قوله تعالى إلى الرجس لأنه تعالى لو أراد الأربعة المذكورة في أول الآية لقال فاجتنبوها فلما لم يقل تعالى ذلك ولم يجز أن يكون الضمير راجعا في قوله تعالى { يأيها لذين آمنوا إنما لخمر ولميسر ولأنصاب ولأزلام رجس من عمل لشيطان فجتنبوه لعلكم تفلحون } إلى الشيطان لأننا غير قادرين على اجتنابه صح ضرورة أنه راجع إلى الرجس وعمل الشيطان فكان الرجس كله محرما وهو من عمل الشيطان محرم مأمور باجتنابه فكل ما كان رجسا فهو باجتنابه والخنزير رجس فكله محرم مأمور باجتنابه وكذلك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وكل رجس بالنص المذكور وبالله تعالى التوفيق وإنما قلنا هذا حسما للأقوال وإنما فالضمير راجع إلى عمل الشيطان والرجس بنص الآية من عمل الشيطان فهو مأمور باجتنابه بيقين والخنزير رجس بنص القرآن والخنزير كله حرام والخنزير في لغة العرب التي بها خوطبنا اسم للجنس يقع تحته الذكر والأنثى والصغير والكبير فبطل ما ظنوا أن تحريم الشحم إنما هو جهة القياس وبالله تعالى التوفيق ثم نقول لهم أخبرونا عن قول الله تعالى { قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير لله به فمن ضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } ماذا أراد به عندكم اللحم وحده دون الشحم فإن قلتم ذلك فقد أباح الشحم على قولكم وهذا خلاف الإسلام وخلاف قولكم أم أراد به الشحم واللحم والعظم

واللبن فهذا باطل لأن كل ذلك يقع عليه عند أحد اسم لحم فقد حصل قولكم بين كذب وكفر لا بد من إحداهما فإن قالوا حرم اللحم ودل بذلك على الشحم قلنا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وفي هذا خالفناكم وكذبنا دعواكم فحصلوا في ضلال محض واحتج بعضهم بأن قال يلزمكم ألا تبيحوا قتل الكفار إلا بضرب الرقاب فقط لقول الله تعالى { فإذا لقيتم لذين كفروا فضرب لرقاب حتى إذآ أثخنتموهم فشدوا لوثاق فإما منا بعد وإما فدآء حتى تضع لحرب أوزارها ذلك ولو يشآء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ولذين قتلوا في سبيل لله فلن يضل أعمالهم } قال أبو محمد والجواب بأن الله تعالى إنما قال هذا في المتمكن منهم من الكفار وهذا فرض بلا شك ولا يحل خلافه فمن أراد الإمام قتله من الأسارى لم يحل قتله إلا بضرب الرقبة خاصة لا بالتوسيط ولا بالرماح ولا بالنبل ولا بالحجارة ولا بالخنق ولا بالسم ولا بقطع الأعضاء وأما من لا يتمكن منه فقد قال تعالى { إذ يوحي ربك إلى لملائكة أني معكم فثبتوا لذين آمنوا سألقي في قلوب لذين كفروا لرعب فضربوا فوق لأعناق وضربوا منهم كل بنان } وقال تعالى { فإذا نسلخ لأشهر لحرم فقتلوا لمشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وحصروهم وقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا لصلاة وآتوا لزكاة فخلوا سبيلهم إن لله غفور رحيم } فقتل هؤلاء واجب كيف ما أمكن بالنص المذكور وهذا لا نعلم فيه خلافا وهو ظاهر الآيات المذكورات ويبين أن المراد بالآية التي فيها ضرب رقاب الأسرى فقط قوله تعالى في تلك الآية بعينها { هو لذي أنزل لسكينة في قلوب لمؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود لسماوات ولأرض وكان لله عليما حكيما } فاستثنى الأسرى من جملة قوله تعالى { إذ يوحي ربك إلى لملائكة أني معكم فثبتوا لذين آمنوا سألقي في قلوب لذين كفروا لرعب فضربوا فوق لأعناق وضربوا منهم كل بنان } و { فإذا نسلخ لأشهر لحرم فقتلوا لمشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وحصروهم وقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا لصلاة وآتوا لزكاة فخلوا سبيلهم إن لله غفور رحيم } وقال بعضهم أيضا يلزمكم ألا تجيزوا أن يبدأ في غسل الذراعين في الوضوء إلا من الأنامل لقول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا إذا قمتم إلى لصلاة فغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى لمرافق ومسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى لكعبين وإن كنتم جنبا فطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغائط أو لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد لله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } قال أبو محمد وهذا خطأ وقول فاسد لأن الله تعالى لم ينص على أن يبدأ في ذلك من مكان من اليدين بعينه وإنما جعل عز وجل المرافق نهاية موضع الغسل لا نهاية عمل الغسل فكيف ما غسل الغاسل ما بين أطراف الأنامل إلى نهاية المرافق فقد فعل ما أمر به في النص ولا مزيد

واحتج بعضهم بقول الله تعالى { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا لشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بلله وليوم لآخر ومن يتق لله يجعل له مخرجا } قالوا وإنما قال ذلك تعالى في الطلاق والرجعة يعني اشتراط العدالة واشترط تعالى الرضا في الرجل والمرأتين في الديون فقط فكان ذلك في سائر الأحكام قياسا على الطلاق والرجعة قال أبو محمد وهذا الاحتجاج من غريب نوادرهم فأول ذلك أن المحتج بهذا إن كان مالكيا فقد نسي نفسه في إباحتهم شهادة الطبيب الفاسق وفي شهادة الصبيان في الدماء والجراحات خاصة وهم غير موصوفين بعدالة ولم يقس على ذلك الصبايا ولا تحريق الثياب وإن كان حنفيا فقد نسي نفسه في قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض ونقضهم كلهم هذا الأصل في رد شهادة العبيد العدول والأقارب العدول وأما نحن فلم نأخذ قبول شهادة العدول فيما عدا الطلاق والرجعة والديون قياسا على ذلك ونعوذ بالله من هذا وإنما لزم قبول العدول في كل موضع حاشا ما استثناه النص من قبول شهادة الكفار في الوصية في السفر فقط في قول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } فنهانا الله تعالى عن قبول الفاسق ليس في البالغين العقلاء وإلا فاسق أو عدل فوجب علينا التبين في كل شاهد وكل مخبر حتى نعلم أفاسق هو فلا نعمل بخبره ولا بشهادته إذا أنبأنا بها أو نعلم أهو عدل فنعمل بخبره وشهادته فبطل ظن هذا الجاهل وأما قبول عدلين في سائر الأحكام فقد كان يلزم هذا الجاهل إن التزم القياس أن يقيس جميع الشهادات في السرقة والقذف والخمر والقصاص والقتل على الشهادة في الزنى فلا يقبل في شيء مما ذكرنا إلا أربعة شهداء لا أقل لأن الحدود بالحدود أشبه من الحدود بالطلاق والرجعة والديون والزنى حد وكل ما ذكرناه في السرقة والقذف والخمر حد وكان يلزمه أيضا أن يقيس على الديون فيقبل في سائر الأشياء رجلا وامرأتين كما جاء النص في الأموال وإلا فلأي معنى وجب أن يقاس على الرجعة والطلاق دون أن يقاس

على الديون فإن ادعى الإجماع قيل له كذبت وجهلت فالحسن البصري لا يقبل في القتل إلا أربعة شهداء عدول وهذا عمر بن الخطاب وعطاء بن أبي رباح يقبلان في الطلاق النساء دون الرجال وعطاء يقبل في الزنى ثماني النسوة وأبو حنيفة يقبل في الطلاق والرجعة والنكاح رجلا وامرأتين ولا يقبل ذلك في الحدود وقول الحسن أدخل في القياس لأن القتل أشبه بالزنى الذي يكون فيه القتل في الإحصان فهو قتل وقتل فالقتل بالقتل أشبه من القتل بالطلاق وقول عمر وعطاء أشبه بالقياس لأنهما جعلا مكان كل رجل امرأتين وجلد الزنى جلد وجلد القذف والخمر جلد فالجلد بالجلد أشبه من الجلد بالرجعة في النكاح وهذا ما لا يحل يخيل على من له أدنى حس سليم لا سيما المالكيين الذين يقولون بقياس القتل على الزنى أنه إن عبر عن القاتل أن يجلد مائة سوط ويغرب سنة قياسا على الزاني غير المحصن فهلا قلدوه عليه فيما يقبل عليه من عدد الشهود ولكن هكذا يكون من سلك السبل فتفرقت به عن سبيل الله تعالى والعجب أن مالكا أجاز في القتل شاهدا واحدا وأيمان الأولياء وهذا قياس على الشاهد واليمين في الأموال فلا أجاز ذلك في الطلاق والنكاح والعتق وغير ذلك وأي فرق بين هذه الوجوه نعوذ بالله من التخليط والآراء والمقاييس الفاسدة في دين الله تعالى واحتج بعضهم في ذلك بالآية الواردة في تعبير الرؤيا وهذا تخليط ما شئت والرؤيا قتل كل كلام لا يقطع بصحتها وقد تكون أضغاثا والحكم في الدين استباحة للدماء والفروج والأموال وإيجاب العبادات وإسقاط لكل ذلك ولا يجوز الحكم في شيء من ذلك برؤيا أحد دون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كانت هذه الرؤيا التي جعلها هذا المحتج أصلا لتصحيح القياس لا يجوز القطع بها في دين الله تعالى فالقياس الذي هو فرعها أبعد من ذلك على قضيته الفاسدة التي رضيها لنفسه وأيضا فإن كثيرا من الرؤيا يفسر فيها الشيء بضده فيحمد القيد والسواد ويذم العرس وليس هذا من القياس في ورود ولا صدر ولو كان ذلك في القياس لوجب إذا جاء النص بالأمر أن يفهم منه النهي أو بالنهي أن يفهم منه ضده وهذا عكس الحقائق وبالجملة فهذا شغب فاسد ضعيف لأن الحكم بالقياس عندهم إنما هو أن يحكم المسكوت عنه بحكم المنصوص عليه وهذا هو غير العمل في الرؤيا جملة ومن شبه

دينه بالرؤيا وفيها الأضغاث وما تتحدث به النفس فقد كفى خصمه مؤنته وبالله تعالى التوفيق وذكروا أيضا قول الله تعالى { ولقد صرفنا للناس في هذا لقرآن من كل مثل فأبى أكثر لناس إلا كفورا } وقوله تعالى { وتلك لأمثال نضربها للناس وما يعقلهآ إلا لعالمون } قال أبو محمد صدق الله تعالى وكذب أصحاب القياس وما أنكر ضرب الله تعالى الأمثال إلا كافر بل قد ضرب الله عز وجل الأمثال في إدبار الدنيا بالزرع وفي أعمال الكفار بسراب بقيعة وفي الظالمين بالأمم السالفين فهذا لا يعقله فيغبط به إلا العالمون ولعمري إن من صرف هذا الأمثال عما وضعها الله تعالى له إلى تحريم القديد بالقديد إلا مثل بمثل أو البتة وإلى أن على المرأة الموطوءة في نهار رمضان عتق رقبة وإلى أن الصداق لا يكون إلا عشرة دراهم أو ربع دينار وإلى أن من لاط حد حد الزنى لجريء على القول على الله تعالى بغير علم وليت شعري لو ادعى خصمهم عليهم واستحل ما يستحلونه فادعى في هذه الآيات أنها تقتضي ضد مذاهبهم فيما ذكرنا أكان بينه وبينهم فرق ونعوذ بالله من الخذلان وكما نقول إن الله تعالى ضرب لنا الأمثال وإن أمثاله المضروبة كلها حق لأنه تعالى قال ذلك فيها فكذلك نقول لا يحل لنا ضرب الأمثال لله تعالى لأنه قال تعالى { فلا تضربوا لله لأمثال إن لله يعلم وأنتم لا تعلمون } والقياس ضرب أمثال الله تعالى بيقين منا ومنهم فهو حرام وباطل لنهي الله تعالى عنا نصا وبالله تعالى التوفيق فهذا كل ما شغبوا به من القرآن ووضعهوه في غير مواضعه وقد أوردناه وبينا ذلك لكل ذي حس سليم أنه لا حجة لهم في شيء منه وأن أكثره مانع من القول في الدين بغير نص من الله تعالى واحتجوا من الحديث بما كتب به إلي يوسف بن عبد الله النمري حدثنا سعيد ابن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار المدائني عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك

بن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب قال هششت إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أتيت أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو مضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس قال ففيم قال أبو محمد لو لم يكن في إبطال القياس إلا هذا الحديث لكفى لأن عمر ظن أن القبلة تفطر الصائم قياسا على الجماع فأخبره صلى الله عليه وسلم أن الأشياء المماثلة والمتقاربة لا تستوي أحكامها وأن المضمضة لا تفطر ولو تجاوز الماء الحلق عمدا لأفطر وأن الجماع يفطر والقبلة لا تفطر وهذا هو إبطال القياس حقا ولا شبه بين القبلة والمضمضة فيمكنهم أن يقولوا إنه صلى الله عليه وسلم قاس القبلة على المضمضة لأنهم لا يرون القياس إلا بين شيئين مشتبهين وبضرورة العقل والحس نعلم أن القبلة من الجماع أقرب شيئا لأنهما من باب اللذة فهما أقرب شبها من القبلة إلى المضمضة ثم إن الحديث عائد للمالكيين لأنهم يستحبون المضمضة للصائم في الوضوء ويكرهون له القبلة فقد فرقوا بإقرارهم بين ما زعموا أنه عليه السلام سوى بينهما وفي هذا ما فيه فبطل شغبهم بهذا الحديث وعاد عليهم حجة والحمد لله رب العالمين واحتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا إبرهيم بن نصر ثنا الفضل بن دكين ثنا طلحة بن عمر عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم قال أبو محمد طلحة بن عمرو ركن من أركان الكذب متروك الحديث قاله أحمد ويحيى وغيرهما وهذا حديث مشهور من طريق أبي هريرة وعثمان بن أبي العاص ليس في شيء منه هذه اللفظة البتة إلا من هذه الطريق الساقطة ولو صحت ما كانت لهم فيه حجة أصلا لأنه ليس هنا شيء مسكوت قيس بمنصوص عليه وإنما أمر صلى الله عليه وسلم الإمام أن يخفف الصلاة على قدر احتمال أضعف من خلفه وليس يخرج من هذا تحريم البلوط بالبلوط متفاضلا والنص قد جاء بإيجاب أن يخفف الإمام الصلاة رفقا بالناس كلهم

فكيف وإنما جاء هذا الخبر بلفظين اقتد بأضعفهم و اقدر الناس بأضعفهم كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا أحمد بن سليمان ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة ثنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب نا قتيبة نا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء وهكذا رواه أيضا أبو سلمة عن أبي هريرة واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر نا أبو داود نا قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين قال أبو محمد وقد قلنا مرارا إننا لا ننكر نقل لفظ إلى معنى آخر إذا صح ذلك بنص آخر أو إجماع ولكن إذا كان عندهم هذا قياسا فإنه يلزمهم أنه متى سمعوا ذكر جحر في أي شيء ذكر أن يقيسوا عليه كل ما في العالم كما جاء النهي عن البول في الجحر فلم يقيسوا عليه غيره فإذا لم يفعلوا فلا شك أنه إنما انتقل إلى ههنا لفظ الجحر إلى كل ما عداه بالإجماع وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم للخثعمية وللمستفتية التي ماتت وعليها صوم وهو حديث مشهور رويناه من طرق ومن بعضها ما حدثناه عبد الله بن يوسف عن أحمد بن فتح عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أحمد بن عمر الوكيعي ثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن سليمان الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها

قال لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى قال الأعمش فقال الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل جميعا ونحن جلوس حين حدث مسلم هذا الحديث فقال سمعنا مجاهدا يذكر هذا الحديث عن ابن عباس ومنها ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب حدثنا خشيش بن أصرم النسائي عن عبد الرزاق أنا معمر عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رجل يا نبي الله إن أبي مات ولم يحج أفأحج عنه قال أرأيت لو كان على أبيك دين كنت قاضيه قال نعم قال فدين الله أحق أخبرني محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه قال نعم قال فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء قال أبو محمد وهذا من أعجب ما احتجوا به وأشده فضيحة لأقوالهم وهتكا لمذاهبهم الفاسدة أما الشافعيون والحنفيون والمالكيون فينبغي لهم أن يستحوا من ذكر حديث الصوم الذي صدرنا به لأنهم عاصون له مخالفون لما فيه من قضاء الصيام عن الميت فكيف يسوغ لهم أو تواتيهم ألسنتهم بإيجاب القياس من هذا الحديث وليس فيه للقياس أثر البتة ويقدمون على خلافه فيقولون لا يصوم أحد عن أحد وأما المالكيون والحنفيون فإنهم زادوا إقداما فلا يقولون بقضاء ديون الله تعالى من الزكاة والنذور والكفارات من رأس مال أحد ويقولون ديون الناس أحق بالقضاء من ديون الله تعالى واقضوا الناس فهم أحق بالوفاء وإن ديون الناس من رأس المال وديون الله تعالى من الثلث إن أوصى بها وإلا فلا تؤدى البتة لا من الثلث ولا من غيره والله إن الجلود لتقشعر من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول

اقضوا الله فهو أحق بالوفاء و دين الله أحق أن يقضى فيقول هؤلاء المساكين بآرائهم المخذولة تقليدا لمن لم يعصم من الخطأ ولا أتته براءة من الله تعالى بالصواب من أبي حنيفة ومالك وأصحابهما دعوا كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا تلتفتوه وخذوا قولنا فاقضوا ديون الناس فدينهم أحق من دين الله تعالى قال أبو محمد ما نعلم في البدع أقبح من هذا ولا أشنع منه لأن أهل البدع لم يصححوا الأحاديث فهم أعذر في تركها وهؤلاء يقولون بزعمهم بخبر الواحد العدل وأنه حق لا يجوز خلافه وليس لهم في هذه الأسانيد مطعن البتة ثم يقدمون على المجاهرة بخلافها والذي لا يشك فيه أن من بلغته هذه الآثار وصحت عنده ثم استجاز خلاف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إتباعا لقول أبي حنيفة ومالك فهو كافر مشرك حلال الدم والمال لاحق باليهود النصارى وأما من صحح مثل هذا الإسناد وحكم به في الدين ثم قال في هذه لا يصح فهو فاسق وقاح قليل الحياء بادي المجاهرة نعوذ بالله من كلتي الخطتين فهما خطتا خسف ثم تركهم كلهم أن يقيسوا الصوم عن الميت وإن أوصى به على الحج عنه إذا أوصى به وهم يدعون أنهم أصحاب قياس فهم أول من ترك القياس في الحديث الذي احتجوا به مع تركهم لحديث الصوم وقياسهم عليه وهم لا يأخذون به ثم نقول وبالله تعالى التوفيق إنه ليس في هذا الحديث قياس أصلا ولا دلالة على القياس ولكنه نص من الله تعالى أخبر في آية المواريث فقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم لربع مما تركن من بعد وصية يوصين بهآ أو دين ولهن لربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن لثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بهآ أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو مرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما لسدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركآء في لثلث من بعد وصية يوصى بهآ أو دين غير مضآر وصية من لله ولله عليم حليم } فعم الله عز وجل الديون كلها وبضرورة العقل علمنا أن ما أوجبه الله علينا في أموالنا فإنه يقع عليه اسم دين بلا شك ثم بالنصوص علمنا وبضرورة العقل أن أمر الله أولى بالانقياد له وأحق بالتنفيذ وأوجب علينا من أمر الناس وكان السائل والسائلة للنبي صلى الله عليه وسلم مكتفين بهذا النص لو حضرهما ذكره فأعلمها للنبي صلى الله عليه وسلم بأن كل ذلك دين وزادهم علما بأن دين الله تعالى أحق بالقضاء من ديون

الناس وهذا نص جلي فأين للقياس ههنا أثر أو طريق لو أن هؤلاء القوم أنصفوا أنفسهم ونظروا لها ولكن ما في المصائب أشنع من قول من قال إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصام عن الميت ويحج عنه وأخبر أنه دين الله تعالى وهو أحق بالقضاء من سائر ديون الناس فترك ذلك واجب فلا يجوز أن يصام عن ميت ولا يستعمل هذا الحديث فيما جاء فيه لكن منه استدللنا على أن بيع العسل في قيره بعسل في قيره لا يجوز أو أن بيع رطل لحم تيس برطلي لحم أرنب لا يجوز أو أن رطل قطن برطلي قطن لا يجوز تبارك الله ما أقبح هذا وأشنعه لمن نظر بعين الحقيقة ونعوذ بالله من الخذلان واحتجوا بما روى الحديث المشهور أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن امرأتي ولدت ولدا أسود وهو يعرض لنفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى ترى ذلك أناه أو كلاما هذا معناه فقال له الرجل لعل عرقا نزعه فقال صلى الله عليه وسلم لعل هذا عرقا نزعه قالوا وهذا قياس وتعليم للقياس قال أبو محمد وهذا من أقوى الحجج عليهم في إبطال القياس وذلك لأن الرجل جعل خلاف ولده في شبه اللون علة لنفيه عن نفسه فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الشبه وأخبره أن الإبل الورق قد تلدها الإبل الحمر فأبطل صلى الله عليه وسلم أن تتساوى المتشابهات في الحكم ومن المحال الممتنع أن يكون من له مسكة عقل يقيس ولادات الناس على ولادات الإبل والقياس عندهم إنما هو رد فرع إلى أصله وتشبيه ما لم ينص بمنصوص وبالضرورة نعلم أنه ليس الإبل أولى الولادة من الناس ولا الناس أولى من الإبل وأن كلا النوعين في الإيلاء والإلقاح سواء فأين ههنا مجال للقياس وهل من قال إن توالد الناس مقيس على توالد الإبل إلا بمنزلة من قال إن صلاة المغرب إنما وجبت فرضا لأنها قيست على صلاة الظهر وإن الزكاة إنما وجبت قياسا على الصلاة وهذه حماقة لا تأتي بها عضاريط أصحاب القياس لا يرضون بها لأنفسهم فكيف أن يضاف هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آتاه الله الحكمة والعلم دون معلم

للناس وجعل كلامه على لسانه ما أخوفنا أن يكون هذا استخفافا بقدر النبوة وكذبا عليه صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نعجب من إقدام أصحاب القياس في نسبتهم إلى عمر وعلي وعبد الرحمن رضي الله عنهم قياس حد الشارب على حد القاذف ونقول إن هذا استنقاص للصحابة إذ ينسب مثل هذا الكلام السخيف إليهم حتى أتونا بالثالثة الأثافي والتي لا شوى لها فنسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاس ولادة الناس على ولادة الإبل فأذكرنا هذا الفعل منهم قول بشر بن أبي حازم الأسدي غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعقبوا بالصيلم هذا مع أن بعضهم لا يأخذ بهذا الحديث فيما ورد فيه ويروى في التعريض الحد وهو يسمع فيه أن الأعرابي كان يعرض بنفي ولده فلم يزده النبي صلى الله عليه وسلم على أن أراد بطلان ظنه ووجوب الحكم بظاهر المولد والفراش ولم ير عليه حدا أفيكون أعجب ممن يترك الحديث فيما ورد فيه ويطلب فيه ما لا يجده أبدا ومن أن القاتل إذا عفي عنه ضرب مائة سوط ونفي سنة قياسا على الزاني إن هذا العجب ونسأل الله العصمة والتوفيق واحتجوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن الإبل تكون في الرسل كأنها الظباء فيدخل فيها البعير الأجرب فتجرب كلها فقال صلى الله عليه وسلم ومن أعدى الأول قال أبو محمد وهذا كما قبله وأطم وما فهم قط أحد أن هذا القياس وجها بل فيه إبطال القياس حقا لأنهم أرادوا أن يجعلوا الإبل إنما جربت من قبل الأجرب الذي انتقل حكمه إليها فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الظن الفاسد وأخبر أن كل وارد من قبل الله عز وجل وأنه فعل ذلك بالإبل والنعم ولا فرق وذكروا ما حدثناه أحمد بن قاسم ثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا إسماعيل هو ابن إسحاق ثنا علي هو ابن المديني ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثنا هشام هو ابن حسان عن الحسن عن عمران ابن الحصين قال

أسرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلما كان من آخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس فجعل الرجل يثب دهشا فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبوا فركب وركبنا فسار حتى ارتفعت الشمس ثم نزل فأمر بلال فأذن قضى حاجاتهم وتوضؤوا فصلينا ركعتين قبل الغداة ثم أقام فصلى بنا فقلنا يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد فقال لا ينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم قالوا فقاس صلى الله عليه وسلم حكم قضاء صلاتين مكان صلاة على الربا قال أبو محمد وهذا باطل من وجوه أحدها أنه قد تكلم في سماع الحسن بن عمران بن الحصين فقيل سمع منه وقيل لم يسمع منه وأيضا فإنه قد صح من طريق جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جابر كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني فهذا أشبه بالربا من صلاتين مكان صلاة إلا أن هذا حلال والربا حرام وأيضا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن جامع عامدا في يوم رمضان أن يصوم مكانه ستين يوما أو ثمانية وخمسين يوما أو تسعة وخمسين يوما فلو كان القياس كما ذكروا لكان هذا عين الربا على أصلهم وأيضا فإن هذا الحديث لا يقول به المالكيون والشافعيون لأنهم لا يرون أن يؤذن للصلاة الفائتة ولا يصلي ركعتا الظهر قبل صلاة الصبح إذا فاتت ولا أقبح من قول من يحتج بخبر ثم هو أول مخالف لنصه وحكمه والقول الصحيح هو أن هذا الخبر حجة في إبطال القياس لأنهم رضي الله عنهم أرادوا أن يصلوا مكان صلاة صلاتين وقد نهاهم الله تعالى عن تعدي حدوده ومن تعدي الحدود أن يزيد أحد شرعا لم يأمر الله تعالى به والربا في لغة العرب الزيادة فصح بهذا الخبر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى عن الزيادة على ما أمر به فقط وبيقين يدري كل ذي حس أن القول بالقياس زيادة في الشرع على ما أمر الله تعالى به فلما حرم الله تعالى الأصناف الستة متفاضلة في ذاتها زادوا هم ذلك في المأكولات أو المكيلات أو الموزونات أو المدخرات فزيادتهم هذه هي الربا حقا والله تعالى قد نهى عنه فهذا الخبر حجة لو صح في إبطال القياس وإلا فلا نسبة بين الصلاة والبيع وبالله تعالى التوفيق

وأيضا فإن هذا الخبر نص جلي لا مدخل للقياس فيه أصلا ولا بينه وبين شيء من القياس نسبة لأنه اسم الربا يجمع الزيادة في الدين والزيادة في الصلاة بنص هذا الخبر فتحريم الربا مقتضى لتحريم الأمرين وكل ما جاء به النص فصحيح وكل ما أرادوا هم أن يريده مما ليس منصوصا عليه فهو باطل فظهر أن من احتج بهذا الخبر فموه بما ليس مما يريد في شيء بل هو حجة عليه والحمد لله رب العالمين ثم لو صح لهم نصوصا من القرآن والسنن ووردت باسم القياس وحكمه وهذا لا يوجد أبدا لما كان لهم في شيء من ذلك حجة لأنه كان يكون الحكم حينئذ أن ما قاله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحق وإنما ما يقولونه هم مما لم يقله الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الباطل الذي لا يحل القول به وفي هذا كفاية لمن عقل وقد أوجب الله تعالى وحرم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفي كتابه ولم يحل لأحد أن يحرم ولا أن يوجب ولا أن يحل ما لم يحله الله تعالى ولا أوجبه ولا حرمه لأن الله تعالى حرم وأوجب وأحل وكل ذلك تعد لحدود الله تعالى وموهوا أيضا بأن قالوا لو كان العلم كله جلي لاستوى العالم والجاهل في البيان ولو كان العلم كله خفيا لاستوى العالم والجاهل في الجهل به فصح أن بعضه جلي وبعضه خفي فوجب أن يقاس الخفي على الجلي قال أبو محمد وهذا كلام في غاية الفساد لأنه إذا كان بعضه جليا وبعضه خفيا فالواجب على أصلهم هذا الفاسد أن يستوي العالم والجاهل في تبين الجلي منه وأن يستوي الجاهل والعالم في خفاء الخفي منه عليهما أيضا فبطل العلم على أصلهم الخبيث الظاهر الفساد وأما نحن فنقول إن العلم كله جلي بين نعني علم الديانة قال تعالى { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلآء ونزلنا عليك لكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وقال تعالى { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نزل إليه والمبين بين والحمد لله رب العالمين لمن يعلم اللغة التي بها خوطبنا

وإنما خفي ما خفي من علم الشريعة على من خفي عليه لإعراضه عنه وتركه النظر فيه وإقباله على وجود الباطل التي ليست طريقة إلى فهم الشريعة أو لنظره في ذلك بفهم كليل إما لشغل بال أو مرض أو غفلة ولو لم يكن علم الدين جليا كله ما أمكن الجهل فهم شيء منه أبدا نعني مما يدعون أنه خفي فلما صح أن العالم ممكن له إقامة البرهان وإيضاح ما خفي على الجاهل حتى يفهمه ويتبين له صح أن العلم كله جلي بين نعني علم الديانة والحمد لله رب العالمين وموهوا أيضا بما روي من قول نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثناه عن عبد الله بن ربيعة التميمي ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا سليمان بن الأشعري ثنا حفص بن عمر العوضي عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال أقضي بكتاب الله عز وجل قال فإن لم تجد في كتاب الله عز وجل قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله قال اجتهد رأيي ولو آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله قال أبو محمد وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا داود ثنا مسدد ثنا يحيى هو القطان عن شعبة بن أبي عون عن الحارث بن عمر عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فذكر معناه قال أبو محمد هذا حديث ساقط لم يروه أحد من غير هذا الطريق وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يسموا فلا حجة فيمن لا يعرف من هو وفيه الحارث بن عمر وهو مجهول لا يعرف من هو ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه أخبرني أحمد بن عمر العذري ثنا أبو ذر الهروي ثنا زهر بن أحمد الفقيه زنجويه بن النيسابوري ثنا محمد بن إسماعيل البخاري هو جامع الصحيح قال فذكر سند هذا الحديث وقال رفعه في اجتهاد الرأي قال البخاري ولا يعرف الحارث إلا بهذا ولا يصح هذا كلام البخاري رحمه الله

وأيضا فإن هذا الحديث ظاهر الكذب والوضع لأن من المحال البين أن يكون الله تعالى يقول { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } و { وما من دآبة في لأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في لكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } و { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلآء ونزلنا عليك لكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ينزل في الديانة ما لا يوجد في القرآن ومن المحال البين أن يقول الله تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يقع في الدين ما لم يبينه صلى الله عليه وسلم ثم من المحال الممتنع أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا جاء هذا بالسند الصحيح الذي لا اعتراض فيه وقد ذكرنا في باب الكلام في الرأي ثم يطلق الحكم في الدين بالرأي فهذا كله كذب ظاهر لا شك فيه وقد كان في التابعين الراوين عن الصحابة رضي الله عنهم خبث كثير وكذب ظاهر كالحارث الأعور وغيره ممن شهد عليه بالكذب فلا يجوز أن تؤخذ رواية عن مجهول لم يعرف من هو ولا ما حاله ولقد لجأ بعضهم إلى أن ادعى في هذا الحديث أنه منقول نقل الكافة قال أبو محمد ولا يعجز أحد عن أن يدعي في كل حديث مثل هذا ولو قيل له بل الحديث الذي جاء من طريق ابن المبارك إن أشد الفرق فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام هو من نقل الكافة أكان يكون بينه وبين فرق ولكن من لم يستح قال ما شاء ولكن الذي لا شك فيه أنه من نقل الكواف كلها نقل تواتر يوجب العلم الضروري فقول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }

فهذا هو الذي لا شك في صحته وليس فيه الرد عند التنازع إلا إلى الله تعالى وهو القرآن وإلى الرسول وهو كلامه صلى الله عليه وسلم ولا أذكر القياس في ذلك فصح أن ما عدا القرآن والحديث لا يحل الرد إليه عند التنازع والقياس أصلا ليس قرآنا ولا حديثا فلا يحل الرد إليه أصلا وبالله تعالى التوفيق مع أن هذا الحديث الذي ذكرنا من طريق معاذ لا ذكر للقياس فيه البتة بوجه من الوجوه ولا بنص ولا بدليل وإنما فيه الرأي والرأي غير القياس لأن الرأي إنما هو الحكم بالأصلح والأحوط والأسلم في العاقبة والقياس هو الحكم بشيء لا نص فيه بمثل الحكم في شيء منصوص عليه وسواء كان أحوط أو لم يكن أصلح أو لم يكن كان أسلم أو أقتل استحسنه القاتل له أو استشنعه وهكذا القول في قوله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ليس فيه للقياس أثر لا بدليل ولا بنص ولا للرأي أيضا لا يذكر ولا بدليل بوجه من الوجوه وإنما فيه إباحة الاجتهاد فقط والاجتهاد ليس قياسا ولا رأيا وإنما الاجتهاد إجهاد النفس واستفراغ الوسع في طلب حكم طلب النازلة في القول والسنة فمن طلب القرآن وتقرأ آياته وطلب في السنن وتقرأ الأحاديث في طلب ما نزل به فقد اجتهد فإن وجدها منصوصة فقد أصاب فله أجران أجر الطلب وأجر الإصابة وإن طلبها في القرآن والسنة فلم يفهم موضعا منهما ولا وقف عليه وفاتت إدراكه فقد اجتهد فأخطأ فله أجر ولا شك أنها هنالك إلا أنه قد يجدها من وفقه الله لها ولا يجدها من لم يوفقه الله تعالى لها كما فهم جابر وسعد وغيرهما آية الكلالة ولم يفهمها عمر وكما قال عثمان في الأختين بملك اليمين أحلتهما آية وحرمتهما آية فأخبر أنه لم يقف على موضع حقيقة حكمهما ووقف غيره على ذلك بلا شك ومحال أن يغيب حكم الله تعالى عن جميع المسلمين وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بما حدثناه أحمد بن قاسم ثنا أبي قاسم بن محمد ثنا جدي قاسم ابن أصبغ نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا سعيد بن أبي مريم أنا سلمة بن علي حدثني الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعلم العلم قبل ذهابه

قال صفوان بن عسال وكيف وفينا كتاب الله ونعلمه أولادنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك فيه ثم قال أليست التوراة والإنجيل في أيدي اليهود والنصارى فما أغنت عنهم حين تركوا ما فيهما قال أبو محمد هذا الحديث من أعظم الحجج عليهم في وجوب إبطال القياس لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن من ترك القرآن والعمل به فقد ترك العلم أو سلك سبيل اليهود والنصارى وأصحاب القياس أهل هذه الصفة لأنهم تركوا القرآن والعمل به وأقبلوا على قياساتهم الفاسدة ونعوذ بالله من الخذلان ثم يقال لهم إنما تعلقتم بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم فعل من حرم التوفيق من أمته في ذلك بفعل اليهود والنصارى إذ نبذوا كتابهم ونحن نقر بصحة هذا التشبيه وإنما ننكر أن يكون حكم من فعل ذلك من المسملين كحكم من أشبه فعله من اليهود والنصارى وأما أهل القياس فيلزمهم لزوما ضروريا إذ حكموا للمشتبهين بحكم واحد أن يحكموا فيمن ترك أحكام القرآن منا بما نحكم به في اليهود والنصارى من القتل والسبي للذراري والنساء وأخذ الجزية إن سالموا فإن تمادوا على قياسهم لحقوا بالصفرية الأزارقة وعاد هذا من الحكم عليهم في تركهم لأحكام القرآن والعمل بالقياس وإن جحدوا عن ذلك تناقضوا وتركوا القياس وبالله تعالى التوفيق فهذا كل ما موهوا به من إيراد الحديث الذي قد أوضحنا بحول الله تعالى وقوته أنه كله حجة عليهم وموجب لإبطال القياس وكل من له أدنى حس يرى أن إيرادهم ما أوردوا لا طريق للقياس فيه ولأنهم يوهمون الضعفاء أننا ننكر تشابه الأسماء ونحن ولله الحمد أعلم بتشابه الأسماء منهم وأشد إقرارا به منهم وإنما ننكر أن نحكم في الدين للمتشابهين في بعض الصفات بحكم واحد من إيجاب أو تحريم أو تحليل بغير إذن من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا أنكرنا وفي هذا خالفنا لا في تشابه الأشياء فلو تركوا التمويه الضعيف لكان أولى بهم وادعى بعضهم دون مراقبة إجماع الصحابة رضي الله عنهم على القول بالقياس وهذه مجاهرة لا يعدلها في القبح شيء أصلا وباليقين نعلم أن ما روي قط عن أحد من الصحابة القول بأن القياس حق بوجه من الوجوه لا من طريق تصح ولا من طريق ضعيفة إلا حديثا واحدا نذكره إن شاء الله تعالى بعد فراغنا من ذكر تمويههم بدلائل الإجماع وهو لا يصح البتة

ولو أن معارضا يعارضهم فقال قد صح إجماع الصحابة على إبطال القياس أكان يكون بينه وبينهم فرق في أنها دعوى ودعوى بل إن قائل هذا من إجماعهم على إبطال القياس يصح قوله ببرهان نذكره إن شاء الله تعالى وهو أنه قد صح بلا شك عند كل أحد من ولد آدم يدري الإسلام والمسلمين من مؤمن أو كافر أن جميع الصحابة مجمعون على إيجاب ما قال الله تعالى في القرآن مما لم يصح نسخه وعلى إيجاب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنه لا يحل لأحد أن يحرم ولا يحلل ولا أن يوجب حكما لم يأت به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في الديانة وعلى أن رسول الله لم يلبس على أمته أمر دينها وأنه صلى الله عليه وسلم قد بينه كله للناس وهذا كله مجمع عليه من جميع الصحابة أولهم عن آخرهم بلا شك ولولا ذلك ما كانوا مسلمين فإن هذا مجمع عليه بلا شك فهذه المقدمات مبطلة للقياس لأنه عند القائلين به حوادث في الدين لم ينزل الله تعالى فيها حكما في القرآن بينا ولا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكمها بنصه عليها وهذا ما لا يشك مسلم أن الصحابة لو سمعوا قائلا يقول بهذا لبرئوا منه وأيضا فالصحابة عشرات ألوف روى الحديث منهم ألف وثلاثمائة ونيف مذكورون بأسمائهم وروى الفقه والفتيا منهم عن نحو مائة ونيف وأربعين مسمين بأسمائهم حاشا الجمل المنقول عن أكثرهم أو جميعهم كإقامة الصلاة وأداء الزكاة والسجود فيما سجد بهم إمامهم فيه من سجود القرآن والاشتراك في الهدى والصلاة الفريضة خلف التطوع ومثل هذا كثير وإنما أوردنا بنقل الفتيا من ذكر عنه باسمه أنه أجاز أمر كذا أو نهى عن أمر كذا أو أوجب كذا أو عمل كذا فما منهم أحد روي عنه إباحة القياس ولا أمر به البتة بوجه من الوجوه حاشا الحديث الواحد الذي ذكرنا آنفا وسنذكره إن شاء الله تعالى بإسناده ونبين وهيه وسقوطه وروي أيضا نحو عشر قضايا فيها العمل بما يظن أنه قياس فإذا حقق لم يصح أنه قياس منها صحيح السند ومنها ساقط السند ويروى عنهم أكثر من ذلك وأصح في إبطال القياس نصا وأما القول بالعمل التي يقول بها حذاق القياسيين عند أنفسهم ولا يرون القياس جائزا إلا عليها فباليقين ضرورة تعلم أنه لم يقل قط بها أحد من الصحابة بوجه من

الوجوه ولا أحد من التابعين ولا أحد تابعي التابعين وإنما هو أمر حدث في أصحاب الشافعي واتبعهم عليه أصحاب أبي حنيفة ثم تلاهم فيه أصحاب مالك وهذا أمر متيقن عندهم وعندنا وما جاء قط في شيء من الروايات عن أحد من كل من ذكرنا أصلا لا في رواية ضعيفة ولا سقيمة أن أحدا من تلك الأعصار علل حكما بعلة مستخرجة يجعلها علامة للحكم ثم يقيس عليها ما وجد تلك العلة فيه مما لم يأت في حكمه نص وإذا لا يجوز القياس عند جمهور أصحاب القياس إلا على علة جامعة بين الأمرين هي سبب الحكم وعلامته وإلا فالقياس باطل ثم أيقنوا هم ونحن على أن ليس أحد من الصحابة ولا من تابعيهم ولا من تابعي تابعيهم نطق بهذا اللفظ ولا نبه على هذا المعنى ولا دل عليه ولا علمه ولا عرفه ولو عرفوه ما كتموه فقد صح إجماعهم على إبطال القياس بلا شك وقد اضطر هذا الأمر وهذا البرهان طائفة من أصحاب القياس إلى الفرار من ذكر العلل وتعليل الأحكام جملة وعن لفظ القياس ولجؤوا إلى التشبيه والتمثيل والتنظير وهو المعنى الذي فروا منه بعينه لأنه لا بد لهم من التعريف بالشبه بين الأمرين الموجب تسوية حكم ما لم ينص عليه مع ما نص عليه منهما فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار وكمحلل الخمر باسم النبيذ وأكثر ما هي هذه الطائفة فمن أصحاب مالك وأحمد ومن لم يقلد أحدا من علماء أصحاب الحديث ومنهم نبذ من أصحاب مالك ويسير من أصحاب أبي حنيفة فكيف يستحل من له علم وورع وفرار عن الكذب أن يدعي الإجماع فيما هذه صفته وفي أمر قد روي عن أصحابه أزيد من عشرين ألف قضية ليس فيها ما يدل على القياس إلا قضية واحدة لا تصح ونحو عشر قضايا يظن أنها قياس وليست عند التحقيق قياسا وهم مجمعون معنا على أنه لم يحفظ قط عن أحد من الصحابة قياس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فإذ ذلك كذلك فنحن نبرأ إلى الله تعالى من كل دين حدث بعده صلى الله عليه وسلم ولو كان القياس حقا لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه العمل به ثم من الباطل المتيقن أن يكون القياس مباحا في الدين ثم لا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شيء نقيس ولا على ما نقيس ولا أين نقيس ولا كيف نقيس فصح أن القياس باطل لا شك فيه وأما القول والرأي والاستحسان والاختيار فكثير عنهم رضي الله عنهم جدا ولكنه لا

سبيل إلى أن يوجد لأحد منهم أن جعل رأيه دينا أوجبه حكما وإنما قالوا إخبارا منهم بأن هذا الذي يسبق إلى قلوبهم وهكذا يظنون على سبيل الصلح بين المختصمين ونحو هذا مع أن أصحاب القياس قد كفونا ولله الحمد التعلق بهذا الباب لأنهم نعني حذاقهم ومتكلميهم مبطلون للرأي والاستحسان إلا أن يكون قياسا على علة جامعة وقد أصفق على هذا أكابر المتأخرين من الحنفيين المالكيين وسلكوا في ذلك مسلك الشافعيين وتركوا طرائق أسلافهم في الاعتماد على الرأي والاستحسان وقياس التمثيل المطلوب والتشبيه ولو لم يفعلوا لكان أمرهم أهون مما يظن لأنه لم يبق إلا بالرأي وحده مجردا والاستحسان المطلق فليس رأي زيد أولى من رأي عمرو ولا استحسان زيد أولى من استحسان رأي عمرو فحصل الدين وأعوذ بالله لو كان ذلك هملا غير حقيقة وحراما حلالا معا وحقا باطلا معا وتخليطا فاسدا وهذا أبين من أن يغلط فيه من له حس وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بإجماع الأمة على تقديم أبي بكر إلى الخلافة وأن ذلك قياس على تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له إلى الصلاة وأن عمر قال للأنصار ارضوا لإمامتكم من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاتكم وهي عظم دينكم قال أبو محمد وهذا من الباطل الذي لا يحل ولو لم يكن في تقديم أبي بكر حجة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف عليا على المدينة في غزوة تبوك وهي آخر غزواته عليه السلام فقياس الاستخلاف على الاستخلاف اللذين يدخل فيهما الصلاة والأحكام أولى من قياس الاستخلاف على الصلاة وحدها فإن قالوا إن استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر هو آخر فعله قيل لهم وبالله تعالى التوفيق إن عليا لم ينحط فضله بعد أن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة تبوك بل زاد خيرا بلا شك فلم يكن استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الصلاة لأجل نقيصة حدثت في علي لم تكن فيه إذا استخلفه على تبوك كما لم يكن استخلافه عليه السلام عليا على المدينة في عام تبوك لأنه كان أفضل من أبي بكر فليس استخلاف أبي بكر على الصلاة حاطا لعلي وإنما العلماء في خلافة أبي بكر على قولين أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه وولاه

خلافته على الأمة وأقامه بعد موته مقامه صلى الله عليه وسلم في النظر عليه ولها وجعله أميرا على جميع المؤمنين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهذا هو قولنا الذي ندين الله تعالى به ونلقاه إن شاء الله تعالى عليه مقرونا منا بشهادة التوحيد وحجتنا الواضحة في ذلك إجماع الأمة حينئذ جميعا على أن سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كانوا أرادوا ذلك أنه خليفة على الصلاة لكان أبو بكر مستحقا لهذا الاسم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والأمة كلها مجمعة على أنه لم يستحق أبو بكر هذا الاسم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إنما استحقه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إذ ولي خلافته على الحقيقة وأيضا فلو كان المراد بتسميتهم إياه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة لا على الأمة لما كان بهذا الاسم في ذلك الوقت أولى من أبي زهم وابن أم مكتوم وعلي فكل هؤلاء فقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ولا من عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس وقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على مكة ولا من عثمان بن أبي العاص الثقفي فقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على الطائف ولا من خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس فقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على صنعاء فلما اتفقت الأمة كلها على أنه لا يسمى أحد ممن ذكرنا خليفة رسول الله لا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته يسمى بذلك علي إذ ولي الخلافة علمنا ضرورة أنه سمي أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه استخلفه على الخلافة التامة بعد موته في ولاية جميع أمور الأمة وهذا بين وبالله تعالى التوفيق ومعنى خليفة فعيلة من مخلوف وهذا الهاء للمبالغة كقولك عقير وعقيرة منقول عن معقورة فهذا قول والقول الثاني أنه إنما قدمه المسلمون لأنه كان أفضلهم وحكم الإمامة أن يكون في الأفضل واحتجوا بامتناع الأنصار في أول الأمر وبقول عمر إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه بل بعضه عائد عليهم لأن الأنصار لم يكونوا

ليتركوا رأيهم وهم أهل الدار والمنعة السابقة الذين لم يبالوا بمخالفة أهل المشرق والمغرب وحاربوا جميع العرب حتى أدخلوهم في الإسلام طوعا وكرها إلا لنص من النبي صلى الله عليه وسلم لا لرأي أضافهم النزاع إليهم من المهاجرين وأما قول عمر فظن منه وقد قال رضي الله عنه إذ بشره ابن عباس عند موته بالجنة والله إن علمك بذلك يا ابن عباس لقليل فخفي عليه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مع ما في القرآن من ذلك لأهل الحديبية وهم منهم فهكذا خفي عليه نص النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر وهذا من عمر مضاف إلى ما قلنا آنفا ومضاف إلى قول يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم والله ما مات رسول الله وإلى قوله يوم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب في مرضه الذي مات فيه كما حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن إبراهيم ثنا أبو زيد المروزي ثنا محمد بن يوسف ثنا البخاري ثنا يحيى بن سليمان الجعفي ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط فقال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس يقول إن الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه وحدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور عن سفيان الثوري سمعت سليمان هو الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث وفيه إن قوما قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ما شأنه هجر قال أبو محمد هذه زلة العالم التي حذر منها الناس قديما وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف وتضل طائفة وتهتدي بهدى الله أخرى فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به مما كان سببا إلى حرمان الخير بالكتاب الذي لو كتبه لم يضل بعده ولم يزل أمر هذا الحديث مهما لنا وشجى في نفوسنا وغصة نألم لها وكنا على يقين من أن الله تعالى لا يدع الكتاب الذي أراد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتبه فلن يضل بعده دون بيان ليحيا من حي عن بينة إلى أن من الله تعالى بأن أوجدناه

فانجلت الكربة والله المحمود وهو ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن سعيد ثنا يزيد بن هارون ثنا إبراهيم بن سعد ثنا صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر قال أبو محمد هكذا في كتابي عن عبد الله بن يوسف وفي أم أخرى ويأبى الله والمؤمنون وهكذا حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي ثنا يزيد بن هارون ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وفيه إن ذلك كان في اليوم الذي بدىء فيه عليه السلام بوجعه الذي مات فيه بأبي هو وأمي قال أبو محمد فعلمنا أن الكتاب المراد يوم الخميس قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام كما روينا عن ابن عباس يوم قال عمر ما ذكرنا إنما كان في معنى الكتاب الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتبه في أول مرضه قبل يوم الخميس المذكور بسبع ليال لأنه صلى الله عليه وسلم ابتدأه وجعه يوم الخميس في بيت ميمونة أم المؤمنين وأراد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وكانت مدة علته صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوما فصح أن ذلك الكتاب كان في استخلاف أبي بكر لئلا يقع ضلال في الأمة بعده صلى الله عليه وسلم فإن ذكر ذاكر معنى ما روي عن عائشة إذ سئلت من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف فإنما معناه لو كتب الكتاب في ذلك قال أبو محمد فهذا قول ثان وقالت الزيدية إنما استخلف أبو بكر استيلانا للناس كلهم لأنه كان هنالك قوم ينافرون عليا فرأى علي أن قطع الشغب أن يسلم الأمر إلى أبي بكر وإن كان دونه في الفضل قال أبو محمد وأما أن يقول أحد من الأمة إن أبا بكر إنما قدم قياسا على تقديمه إلى

الصلاة فيأبى الله ذلك وما قاله أحد قط يومئذ وإنما تشبث بهذا القول الساقط المتأخرون من أصحاب القياس الذين لا يبالون بما نصروا به أقوالهم مع أنه أيضا في القياس فاسد لو كان القياس حقا لما بينا قبل ولأن الخلافة ليست علتها علة الصلاة لأن الصلاة جائز أن يليها العربي والمولى والعبد والذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والأحكام والسير الفاضلة وأما الخلافة فلا يجوز أن يتولاها إلا قرشي صليبة عالم بالسياسة ووجوهها وإن لم يكن محكما للقراءة وإنما الصلاة تبع للإمامة وليست الإمامة تبعا للصلاة فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس الإمامة التي هي أصل على الصلاة التي هي فرع من فروع الإمامة هذا ما لا يجوز عند أحد من القائلين بالقياس وقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم أكابر المهاجرين وفيهم عمرو وغيره أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ممن تجوز له الخلافة فكان أحقهم بالصلاة لأنه كان أقرأهم وقد كان أبو ذر وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابن مسعود أولى الناس بالصلاة إذا حضرت إذا لم يكونوا بحضرة أمير أو صاحب منزل لفضل أبي ذر وزهده وورعه وسابقته وفضل سائر من ذكرنا وقراءتهم ولم يكونوا من أهل الخلافة ولا كان أبو ذر من أهل الخلافة ولا كان أبو ذر من أهل الولايات ولا من أهل الاضطلاع بها وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي وإنك ضعيف فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأسامة بن زيد على من هو أفضل منهم وأقرأ وأقدم هجرة وأفقه وأسن وهذه هي شروط الاستحقاق للإمامة في الصلاة وليست هذه شروط الإمارة وإنما شروط الإمارة حسن السياسة ونجدة النفس والرفق في غير مهانة والشدة في غير عنف والعدل والجود بغير إسراف وتمييز صفات الناس في أخلاقهم وسعة الصدر مع البراءة من المعاصي والمعرفة بما يخصه في نفسه في دينه وإن لم يكن صاحب عبارة ولا واسع العلم ولو حضر عمرو وخالد وأسامة مع أبي ذر وهم غير أمراء ما ساغ لهم أن يؤموا تلك الجماعة ولا أن يتقدموا أبا ذر ولا أبي بن كعب ولو حضروا في مواضع يحتاج فيها إلى السياسة في السلم والحرب لكان عمرو وخالد وأسامة أحق بذلك من أبي ذر وأبي

ولما كان لأبي ذر وأبي من ذلك حق مع عمرو وخالد وأسامة وبرهان ذلك استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا وأسامة وعمرا دون أبي ذر وأبي وأبو ذر وأبي أفضل من عمرو وأسامة وخالد بدرج عظيمة جدا وقد حضر الصحابة يوم غزوة مؤتة فقتل الأمراء وأشرف المسلمون على الهلكة فما قام منهم أحد مقام خالد بن الوليد كلهم إلا الأقل أقدم إسلاما وهجرة ونصرا وهو حديث الإسلام يومئذ فما ثبت أحد ثباته وأخذ الراية ودبر الأمر حتى انحاز بالناس أجمل انحياز فليست الإمامة والخلافة من باب الصلاة في ورد ولا صدر فبطل تمويههم بأن خلافة أبي بكر كانت قياسا على الصلاة أصلا فإن قالوا لو كانت خلافة أبي بكر منصوصا عليه من النبي صلى الله عليه وسلم ما اختلفوا فيها قال أبو محمد فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق هذا تمويه ضعيف لا يجوز إلا على جاهل بما اختلف فيه الناس وهل اختلف الناس إلا في المنصوصات والله العظيم قسما برا ما اختلف اثنان قط فصاعدا في شيء من الدين إلا في منصوص بين في القرآن والسنة فمن قائل ليس عليه العمل ومن قائل هذا تلقى بخلاف ظاهره ومن قائل هذا خصوص ومن قائل هذا منسوخ ومن قائل هذا تأويل وكل هذا منهم بلا دليل في أكثر دعواهم كاختلافهم في وجوب الوصية لمن لا يرث من الأقارب والإشهاد في البيع وإيجاب الكتابة وقسمة الخمس وقسمة الصدقات وممن تؤخذ الجزية والقراءات في الصلوات والتكبير فيها والاعتدال والنيات في الأعمال والصوم ومقدار الزكاة وما يؤخذ فيها المتعة في الحج والقرآن والفسخ وسائر ما اختلف الناس فيه وكل ذلك منصوص في القرآن والصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا وعلى النسيان للنص كان اختلاف من اختلف في خلافة أبي بكر وأما الأنصار فإنهم لما ذكروا وكان قبل ذلك قد نسوا حتى قال قائلهم منا أمير ومنكم أمير ودعا بعضهم إلى المداولة وبرهان ما قلنا أن عبادة بن الصامت الأنصاري روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنصار بايعوه على ألا ينازعوا الأمر أهله وأنس بن مالك الأنصاري روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأئمة من قريش فبهذا ونحوه رجعت الأنصار عن رأيهم ولا ذلك ما رجعوا إلى رأي غيرهم ومعاذ

الله أن يكون رأي المهاجرين أولى من رأي الأنصار بل النظر والتدبير بينهم سواء وكلهم فاضل سابق وقد قال عمر يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم والله ما مات رسول الله وهو يحفظ قول الله عز وجل { إنك ميت وإنهم ميتون } فلما ذكر بها خر مغشيا عليه وهكذا عرض للأنصار وقد روينا ذلك نصا كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري فذكر حديث وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقال رجال أدركناهم فذكر باقي الحديث وفيه أن أبا بكر قال وقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد إن الأئمة من قريش والناس برهم تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم قال صدقت أو قال نعم قال أبو محمد ومن أعاجيب أهل القياس أنهم في هذا المكان يحتجون بأن إمامة أبي بكر كانت قياسا لا نصا ثم نسوا أنفسهم أو تناسوا عمدا فإذا أرادوا إثبات التقليد للمصاحب قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر قال أبو محمد وهذا اعجب ما شئت منه فإن كان هذا الحديث صحيحا فقد صح النص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافة أبي بكر بعده ثم على خلافة عمر بعد أبي بكر وبطل قولهم إن بيعة أبي بكر كانت قياسا على صلاته بالناس وإن كان هذا الحديث لا يصح فلم احتجوا به في تقليد الإمام من الصحابة أفيكون أقبح من هذه المناقضات بما يبطل بعضه بعضا ولكن إنما شأن القوم نصر المسألة التي يتكلمون فيها بما أمكن من حق أو باطل أو ضحكة أو بما يهدم عليهم سائر مذاهبهم ليوهموا من بحضرتهم من المغرورين بهم أنهم غالبون فقط فإذا تركوها وأخذوا في غيرها لم يبالوا أن ينصروها أيضا بما يبطل قولهم في المسألة التي تركوا وهكذا أبدا ونعوذ بالله من الخذلان

واحتجوا بأن أبا بكر قاتل أهل الردة مع جميع الصحابة قياسا على منع الصلاة واحتجوا في ذلك بما روي من قوله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة حتى إن بعض أصحاب القياس قال على هذا عول أبو بكر لا على الآية التي في براءة قال أبو محمد وهذا من الجرأة واستحلال الكذب ونسب الضلال إلى أبي بكر بحيث لا مرمى وراءه ومن نسب هذا إلى أبي بكر فقد نسب إليه الضلالة وقد أعاذه الله من ذلك وبيان كذبهم في هذا الاعتراض أوضح من كل واضح لأن أبا بكر لم يقل لأقاتلنهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وإنما قال لأقاتلن المفرقين بين الصلاة والزكاة وإنما فعل ذلك بلا شك وقوفا عند إلزام الله تعالى لنا وللمسلمين قديما وحديثا إذ يقول تعالى { فإذا نسلخ لأشهر لحرم فقتلوا لمشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وحصروهم وقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا لصلاة وآتوا لزكاة فخلوا سبيلهم إن لله غفور رحيم } فلم يبح الله تعالى لنا ترك سبيلهم إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فهذا الذي حمل أبا بكر على قتالهم لا ما يدعونه من الكذب المفضوح من القياس الذي لا طريق له ههنا وصدق أبو بكر في إيجابه قتال من فرق بين الصلاة والزكاة لأن نص الله تعالى عليهما سواء وليست إحداهما أصلا والأخرى فرعا فيجب قياس الفرع على الأصل وهذا تخليط ما شئت منه ولو اتعظوا بهذا القول من أبي بكر فلم يفرقوا ما ساوى النص بينه لكان أولى بهم لكنهم لم يفعلوا بل قالت طائفة منهم الزكاة تجزىء إلا بنية والصلاة تلزم العبد والزكاة لا تلزمه وإن كان ذا مال وأما في سائر النصوص فلا يبالون أن يقولوا في بعض النص هذا مخصوص وفي بعضه هذا عموم وفي بعضه هذا واجب وفي بعضه هذا ندب ومثل هذا لهم كثير وقد عارض الصحابة أبا بكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله

قال أبو محمد ونسبوا رضي الله عنهم الآية التي ذكرنا آنفا في براءة وكلهم قد سمعها لأنها في سورة براءة التي قرئت على الناس كلهم في الموسم في حجة أبي بكر سنة تسع وفي الجملة أيضا أبو هريرة وابن عمر وكلاهما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بقتال الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة كما حدثنا ابن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي ثنا عبد الملك بن الصباح عن شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله قال مسلم وحدثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع نا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال أبو محمد فلولا هذه النصوص من القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الصحابة الحديث الذي تعلقوا به ولكن ليس كل أحد يحضره في كل حين ذكر كل ما عنده واحتجوا بإجماع الأمة على استخلاف إمام إذا مات إمام ولا نص على المستخلف قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن النص قد صح بطاعة أولي الأمر منا وجاءت الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الطاعة للأئمة ولزوم البيعة وهذا ما يوجب استخلاف إمام إذا مات الإمام فهو نص صحيح على وجوب الاستخلاف لمن يوثق بدينه ويقوم بأمور المسلمين من قريش نصوصا بينة على وجوب العدل على الإمام والرفق بالرعية والنصح لهم فصفات الإمام منصوصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة واضحة فمن كانت فيه تلك الصفات فقد نص على تقديمه وإفراده بالأمر ما عدل كالأمر بالعتق ولا حاجة بنا إلى تسمية المعتق وإيجاب الأضحية والنسك ولا حاجة بنا إلى

صفة لونها وهكذا جمع الشريعة وليت شعري أي مدخل للقياس في هذا إن هذا الأمر كان ينبغي لكل ذي عقل أن يستحي من الاحتجاج بمثله واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي قالوا لنا فقولوا إنه يكون بعده رسول لأنه أخبر بأنه لا يكون بعده نبي ولم يقل لا رسول بعدي قال أبو محمد وهذا جهل مظلم ممكن أتى بهذا لأن هذا من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فلو قال عليه السلام لا رسول بعدي لأمكن أن يقول بعده نبي لكن إذ قال لا نبي بعدي فقد صح أنه لا رسول بعده لأن كل رسول فهو نبي بلا شك ولا سبيل إلى وجود رسول ليس نبيا فبطل هذا التمويه الضعيف على أن هذا كله لو صح لهم كما ادعوه ومعاذ الله من ذلك لما كان من شيء منه دليل على قياس التين على البر ولا على وجوب القياس في الشرائع فكيف وكل ما أوتوا به عليهم هو لا لهم والحمد لله رب العالمين وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي عن المختار بن فلفل عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن النبوة والرسالة قد انقطعت فجزع الناس فقال قد بقيت مبشرات وهن جزء من النبوة قال أبو محمد واحتجوا بأن الحائض إنما أمرت بالتيمم إذ عدمت الماء في السفر قياسا على الجنب قال أبو محمد هذا تمويه ضعيف ومعاذ الله أن نأمر الحائض بذلك قياسا بل بالنص وهو قوله تعالى إذ أمر باعتزال الحيض حتى يطهرن { ويسألونك عن لمحيض قل هو أذى فعتزلوا لنسآء في لمحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم لله إن لله يحب لتوابين ويحب لمتطهرين } فأمرهن الله تعالى بالطهور جملة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فالتراب طهور والماء طهور بالنص وفسر الإجماع أن التراب لا يستعمل ما دام يوجد الماء لغير المريض أو من أوجبه له النص فدخلت الحائض في هذا النص ولقد كان ينبغي لمن فرق بين الحائض والجنب فيما أباح لها من قراءة القرآن ومنعه الجنب من ذلك أن يعلم أنه ترك القياس

واحتجوا أيضا بإيجاب الزكاة في الجواميس وأنه إنما وجب ذلك قياسا على البقر قال أبو محمد وهذا شغب فاسد لأن الجواميس نوع من أنواع البقر وقد جاء النص بإيجاب الزكاة في البقر والزكاة في الجواميس لأنها بقر واسم البقر يقع عليها ولولا ذلك ما وجدت فيها زكاة وكذلك البخت والمهاري والفوالج هي أنواع من الإبل وكذا الضأن والماعز يقع عليها اسم الغنم وقد قال بعض الناس البخت ضأن الإبل والجواميس ضأن البقر وقد رأينا الحمر المريسية وحمر الفجالين وحمر الأعراب المصامدة نوعا واحدا وبينها من الاختلاف أكثر مما بين الجواميس وسائر البقر وكذلك جميع الأنواع واحتجوا بأن الناس قاسوا على ذي الحليفة وأنهم قاسوا ذات عرق على قرن قال أبو محمد وهذا كذب وباطل لأن الحديث في توقيت ذات عرق لأهل العراق مشهور ثابت مسند لا يجهله من له بصر بالحديث حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم القاضي ومحمد بن معاوية قال ابن إسحاق ثنا أبو سعيد الأعرابي ثنا سليمان بن الأشعث ثنا هشام بن بهرام وقال ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن عبد الله عمار ثنا أبو هاشم محمد بن علي قال بهرام ثنا المعافى بن عمران وقال أبو هاشم عن المعافى بن عمران ثم اتفقا عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق قال أبو محمد هشام بن بهرام ثقة والمعافى ثقة جليل وأفلح بن حميد كذلك وأما قياسهم على ذي الحليفة فهذيان لا يدرى ما هو ولا ماذا قيس عليه والمواقيت مختلفة فمنها ذو الحليفة على عشر ليال ومنها الجحفة على ثلاث ليال ومنها قرن على أكثر من ليلة ومنها يلملم على ليلة فعلى أي هذا يقاس إن هذا الأمر لا يفهمه إلا ذو لب واحتجوا بما روي من قول ابن عمر فعدل الناس بصاع من شعير مدين من بر قال أبو محمد وهذا من طرائف ما احتجوا به لأن المحتج بهذا إن كان مالكيا أو شافعيا فهو مخالف لهذا الإجماع عنده ومن أقر على نفسه بأنه مخالف للإجماع فأقل ما عليه اعترافه بأنه مخالف للحق ثابت على الباطل غير تائب عنه وهذا فسق مجرد

ومن أعجب العجب احتجاج المرء بما لا يراه حجة ولكن هذا غير بديع منهم فهذا أبو حنيفة يحتج أن الخيار لا يكون إلا ثلاثة أيام لا أكثر بحديث المصراة فإذا قيل له فهذا الذي تحتج به أتأخذ به قال لا وهذا مالك احتج في تضمين القائد والسائق ما تجنيه الدابة المسوقة والمقودة بأن عمر غرم بني سعد بن ليث نصف دية رجل من جهينة أصاب أصبعه رجل من بني سعد بن ليث كان يجري فرسه فمات الجهني فإذا سئل أتبدي المدعى عليهم في هذا المكان كما فعل عمر قال لا يجوز ذلك وإذا قيل له أتغرم المدعى عليهم بغير أن يحلف المدعون كما فعل عمر في هذا المكان قال لا يجوز ذلك وإذا قيل له أتقتصر في هذا المكان على نصف الدية كما فعل عمر قال يجوز ذلك وإذا قيل له أتجعل ما جنى الذي يجري فرسه على عاقلته في هذا المكان كما فعل عمر قال لا يجوز ذلك ثم يجعل هذا الحديث نفسه حجة في تضمين القائد والسائق قياسا على الراكب وهذا عجب عجيب ثم تلاه في ذلك ابن الجهم فاحتج أنه لا يجزئه من ذبح الهدي أو الأضحية ليلا بالنهي عن حصاد الليل وجذاذه فإذا قيل له أتمنع من حصاد الليل وجذاذه قال لا فهو يخالف ما أقر أنه حجة فيما ورد فيه ويحتج به فيما ليس منه في ورد ولا صدر ثم تلاه في ذلك ابن أبي زيد فاحتج في مخالفته نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على القبر بصلاته صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة السوداء رضي الله عنها فإذا سئل أتأخذ بصلاته صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة السوداء قال لا قال أبو محمد وهذا كثير منهم جدا كاحتجاج المالكيين في شق زقاق الخمر وكسر أوانيها بالحديث الوارد في إحراق رجل الغال فإذا قيل لهم أتحرقون رجل الغال قالوا لا وقد رأيت لرجل منهم يدعى الأبهر ويكنى بأبي جعفر احتجاجا أن الصداق لا يكون أقل من ثلاثة دراهم بحديث رواه إن الصداق لا يكون أقل من عشرة دراهم ومثل هذا من نوادرهم كثير وحسبنا الله ونعم الوكيل ثم نرجع إلى ما احتجوا به من قول ابن عمر فعدل الناس بصاع من شعير نصف صاع بر فأول ذلك أن ابن عمر الذي يروون عنه هذا القول لا يرضى به ولا يقول به

حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا أحمد بن مطرف نا عبد الله بن يحيى نا أبي ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر الزاهد نا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع بن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر إن الله تعالى قد أوسع والبر أفضل من التمر قال إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه حدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن حسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا ابن اجهم نا معاذ بن المثنى نا مسدد نا إسماعيل بن إبراهيم نا محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد قال ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاع زبيب أو صاع أقط فقلت له أو مدين من قمح قال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها قال أبو محمد أفيكون أعجب ممن يدعى الإجماع على قول يقول به ابن عمر إن الصحابة على خلاف ذلك الإجماع كما ذكرنا وإنه لا يخرج البر أصلا اتباعا لطريق أصحابه ثم يقول أبو سعيد تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها فأين الإجماع لولا الجنون وقلة الدين ومن طرائف الدهر قول الطحاوي ههنا إنما أنكر أبو سعيد المقوم لا القيمة فيكون أعجب من هذه المهاجرة وهو يذكر أنه قال أبو سعيد وقد ذكر القيمة لا أقبلها ولا أعمل بها فهل ضمير المؤنث راجع إلى القيمة وهذا ما لا يشك فيه ذو بصر بشيء من مخاطبات الناس ولكن الهوى يعمي ويصم حدثنا أحمد بن عمر العذري ثنا عبد الله بن حسين بن عقال ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن أحمد بن الجهم ثنا موسى بن إسحاق الأنصاري ثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع فأما إذا وسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع

فصح بما ذكرنا أن قول ابن عمر وعائشة فعدل الناس بذلك مدين من بر إنما هو على الإنكار لفعل من فعل ذلك وبرهان هذا ثبات ابن عمر وعائشة على صاع صاع لا على ما ذكروا من عمل الناس فلو كان عمل الناس عندهما حقا لما وسعهما خلافه فبطل تمويههم وبالله تعالى التوفيق مع أن عائشة لم تقل نصف صاع من بر ولعلها عنت من لا يجد أكثر من نصف صاع شعير إلا أنه لا شك أن ما حكته من فعل الناس في ذلك لم يكن عندها حجة ولا عملا مرضيا ولكن كقولها إذا أمرت هي وأمهات المؤمنين أن يخطر على حجرهن بجنازة سعد فأنكر الناس ذلك فقالت ما أسرع الناس إلى إنكار ما لا علم لهم به وقالوا وقد وجدنا مسائل مجمع عليها ولا نص فيها فصح أنها قياس قال أبو محمد قد ذكرنا هذه المسألة في باب الإجماع من ديواننا هذا وتكلمنا عليها وبيناها بعون الله تعالى غاية البيان وأرينا البراهين الضرورية على أن ذلك لا يجوز البتة وأنها إنما هي أحوال كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بها وقد علمها ومن ذلك القراض وليس ههنا شيء يقاس عليه جواز القراض بل القياس يمنع من جوازه لأنه إجازة إلى غير أجل وعلى غير عمل موصوف وبأجرة فاسدة وربما لم يأخذ شيئا فضاع عمله وربما أخذ قليلا أو كثيرا وهكذا القول في سائر الإجماعيات من المسائل مع أن قولهم إنها عن قياس خبر كاذب ودعوى بلا دليل والبرهان قد قام على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين جميع واجبات الإسلام وحلاله وحرامه فكل ما أجمع عليه فعن الرسول وبيانه بلا شك هذا هو اليقين إذ لا يجوز إجماع الناس على شريعة لم يأت بها نص فبطل أن يكون قياس وبالله تعالى التوفيق واعترضوا ههنا على من أجاب من أصحابنا في هذه المسألة بأن قال الناس مختلفون في القياس بلا شك فكيف يجوز أن يجمعوا على ما اختلفوا فيه وهذا تخليط ظاهر قال أبو محمد وهذا جواب صحيح عياني لا مجال للشك فيه فاعترض بعض أصحاب القياس فيه بأن قال لنا إنكم تجيزون الإجماع عن سنن كثيرة أتت في أخبار الآحاد وقد علمتم أن أخبار الآحاد مختلف في قبولها وهذا هو الذي أنكرتم قال أبو محمد وهذا تمويه ضعيف منحل ظاهر الانحلال لأننا لم ندع إجماع الناس

على ما اختلفوا عليه من قبول خبر الواحد وإنما قلنا ونقول إن الأمة كلها مجمعة على قبول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف بين أحد ممن ينتمي إلى الإسلام في ذلك من جميع الفرق أولها عن آخرها ثم اختلفوا في الطريق المؤدية إلى معرفة صحة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا نحن خبر الواحد العدل من جملة ذلك وقال آخرون ليس من جملة ذلك ثم تأتي سنن قلنا نحن صحت عندنا من طريق من الآحاد وقال من خالفنا إنما صحت عندنا من طريق التواتر ولو لم تأت إلا من طريق الآحاد فقط ما أخذنا بها فهذه الصفة النقل هو الذي اتفق الناس كلهم من المسلمين على قبوله وأجمعوا على الأخذ به كإجماع الناس على أن في خمس من الإبل شاة وعلى أن فيما سقي بالنضح من القمح والشعير نصف العشر وسائر ما أجمعوا عليه من آيات النبوة التي جاءت من طريق الكافة وجاءت أيضا من طريق الآحاد وليس هكذا أمر القياس الذي ادعوه ولكنا لا ننكر أن تأتي مسائل تستوي في حكم القياس على أصولهم وقد صح بها نص أو إجماع أيضا فأخذنا نحن بها لأن النص أتى بها أو لأنها إجماع ولم نبال وافقت القياس أو خالفته وأيضا فإن من ينكر القياس ينكره على كل حال وبكل وجه وفي كل وقت وليس في فرقة من فرق المسلمين أحد ينكر الخبر جملة بوجه من الوجوه بل كلها مجمعة بلا خلاف عن أن الديانة لا تعرف إلا بالخبر وإنما أنكرت طوائف خبر الواحد وقالت بخبر التواتر وقال آخرون بالخبر المشتهر وقال آخرون بخبر الواحد العدل فالفرق بين ما أنكرنا وبين ما نظروه به بين واضح وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بإيجاب التحرير على المسيء قالوا وهذا قياس قال أبو محمد وهذا من ذلك المرار ليت شعري على أي شيء قيس التعزير إن كانوا إنما قالوا به قياسا وأما نحن فإنما قلنا به للنص الوارد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجلد أحد في غير حد أكثر من عشر جلدات وأما السجن فإنما هو منع المسجون من الأذى للناس أو من الفرار بحق لزمه وهو قادر على أدائه فقط وهذا وقع تحت قوله

تعالى { يا أيها لذين آمنوا أوفوا بلعقود أحلت لكم بهيمة لأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي لصيد وأنتم حرم إن لله يحكم ما يريد } وله حد لا يتجاوز وهو توبة المسجون وإقلاعه أو خروجه عما لزمه من الحق أو موته إن فعل به ذلك قصاصا واحتجوا أيضا بالتوجه إلى القبلة عند المعاينة فإذا غبنا عنها فبالاجتهاد قال أبو محمد وهذا من ذلك التخليط وليس ههنا شيء قيس عليه ذلك بوجه من الوجوه ولا هو أيضا موكول إلى الرأي ولا إلى الاستحسان ولكنه نص من الله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في لسمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر لمسجد لحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن لذين أوتوا لكتاب ليعلمون أنه لحق من ربهم وما لله بغافل عما يعملون } فأما وصولنا إلى معرفة جهة القبلة فبالدليل الذي أنكروه علينا ولم يعرفوا ما هو وظنوه قياسا وهذه مسألة يلوح فيها لمن له أدنى حس الفرق بين الدليل والقياس لأن جهة طلب القبلة ليس قياسا أصلا ولا ههنا شيء يقاس عليه ولا هو موكول إلى رأي كل إنسان فيستقبل أي جهة شاء ولا إلى استحسانه فصح أنه يتوصل إلى ذلك بدليل ليس رأيا ولا قياسا ولا استحسانا وإنما كان يكون قياسا إذا خفيت عنا الكعبة توجهنا إلى بيت المقدس قياسا عليها لأنها قد كانت أيضا قبلة أو إلى المدينة وهذا كفر من قائله وهذا نحو قولكم لما حرم البر بالبر نسيئة حرمنا التبن بالتبن نسيئة وإنما الدليل على جهتها مطالع الكواكب والشمس ومعرفة نسبة العرض من الطول وقالوا أيضا قد أسقطتم الزكاة عن الثياب قياسا على سقوطها عن الحمير وتركتم أخذ الزكاة من الثياب بعموم قول الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ولله سميع عليم } وقوله تعالى { وأقيموا لصلاة وآتوا لزكاة وركعوا مع لراكعين } قال أبو محمد وكذبوا في ذلك ما شاؤوا ومعاذ الله أن نترك أخذ الزكاة من الثياب قياسا على الحمير ولكن لما كانت الآيتان المذكورتان لم ينص عز وجل فيهما على مقدار ما يؤخذ في الزكاة ولا متى يؤخذ لم يحل لأحد العمل بما لم يبين له إذ لا يدري أيأخذ الأقل أو الأكثر أو كل يوم أو كل شهر أو كل سنة أو مرة من الدهر ووجب عليه طلب بيان الزكاة في نص آخر فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام قال هذا في حجة الوداع بعد نزول { وأقيموا لصلاة وآتوا لزكاة وركعوا مع لراكعين } بيقين وبعد نزول { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ولله سميع عليم } بيقين لا شك فيه عند أحد من

المسلمين لأن هاتين الآيتين نزلتا في صدر الهجرة فوجب بهذا النص ألا يؤخذ من مال أحد شيء إلا بنص على ما أخذه باسمه فما نص صلى الله عليه وسلم في واجب أخذه في الزكاة وجب قبوله وما لم ينص على وجوبه فلا يحل أخذه لأحد فهكذا سقطت الزكاة عن الثياب والعروض كلها على كل حال وأيضا فقد قال صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق من حب أو تمر صدقة ودون في لغة العرب بمعنى غير وبمعنى أقل قال تعالى { من ورآئهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما تخذوا من دون لله أوليآء ولهم عذاب عظيم } يريد من غير الله فوجب بهذا الحديث أن لا يؤخذ شيء من غير التمر والحب إلا ما جاء النص على وجوب أخذه بعينه واسمه وليس حمل لفظه دون على بعض ما تقتضيه أولى من حملها على كل ما تقتضيه وأيضا فإن سقوط الزكاة عن الثياب المتخذة لغير التجارة إجماع لا خلاف فيه من أحد والإجماع الانقياد وكان يلزمهم وهو الموجبون لاستعمال القياس والتدين به أن يوجبوا الزكاة في الثياب قياسا على وجوبها في القمح والتمر والذهب والفضة لأن هذا كله موات لا حيوان فالثياب بالذهب والفضة والقمح والتمر أشبه منها بالحمير وليت شعري ما الذي أوجب عندهم قياس الثياب على الحمير دون أن يقيسوها على الغنم والإبل فيوجبوا فيها الزكاة لأن الثياب لا تكون إلا من جلود أو نبات إلا من شذ كالحرير وهو أيضا من حيوان فقياسها على ما هي مأخوذة منه أولى من قياسها على ما لا شبه بينها وبينه هذا إن كان القياس حقا بل ههنا قياس هو أقرب وأشبه على أصولهم وهو قياس المنتقاة على الثياب المتخذة للتجارة وكما أوجب المالكيون الزكاة في غير السائمة قياسا على السائمة وكما قالوا يجمع بين الذهب والفضة في غير التجارة كما يجمع بينهما في التجارة وبين سائر العروض المتخذة للتجارة فبطل تمويههم والحمد لله رب العالمين واحتجوا أيضا بوجوب الزكاة في الذهب وقالوا هو قياس على الفضة قال أبو محمد وهذا في الفساد كالذي قبله لأن الخبر في زكاة الذهب ووجوب حق الله تعالى فيه أشهر من أن يجهله ذو علم بالآثار ثم اختلف العلماء فقالت طائفة بيان المأخوذ منه مرجوع فيه إلى الإجماع إذ لم يصح فيه أثر فما أجمع المسلمون على

وجوب تزكيته من الذهب قلنا به وما اختلفوا فيه لم نوجبه إلا بنص وما اتفقوا فيه ثم اختلفوا لم نزل عن إجماعهم إلا بنص وبالله التوفيق وقالت طائفة بل في المقدار الذي يجب فيه الزكاة من المذهب نص صحيح فالواجب الوقوف عنده بهذا نقول واحتجوا أيضا بتسويتنا في حديث عتق الشقص واشتراط مال العبد بأننا سوينا بين العبد والأمة في ذلك وهذا خطأ بل النص قد جاء في ذلك بلفظ مملوك وهذا اسم يقع على الأمة كوقوعه على العبد وأيضا فإن لفظة العبد واقعة على الجنس وقولنا عبيد يقع على الذكور والإناث لأنك تقول عبد وعبدة بلا خوف من أهل اللغة ولهم علينا في خاصتنا اعتراض ننبه عليه وهو أن أصحابنا لا يجوزون المزارعة ونحن نجيزها وهذا الاعتراض علينا على أصحابنا في المساقاة فإنهم يقولون إن الشروط فاسدة بقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فأنتم إذا أجزتم المساقاة والمزارعة على النصف فكلم مقال لفعله صلى الله عليه وسلم في خيبر فلم أجزتموها بالثلث والربع وقد جاء النهي نصا عن ذلك فهل هذا إلا قياس الثلث والربع على النصف قال أبو محمد ومعاذ الله أن نقول قياسا وما قلنا ذلك اتباعا للإجماع فإن الأمة كلها بلا خلاف من أحد منها مساوية بين النصف وبين سائر الأجزاء يقينا فمن مانع من كل ذلك قاطع على أن حكم كل ذلك سواء مبيح لكل ذلك قاطع على أن كل ذلك سواء فقد صح الإجماع يقينا على أن حكم النصف وسائر الأجزاء سواء ثم وجدنا النص قد جاء بالمساقاة والمزارع على النصف فوجب القول به وصح بالإجماع أن حكم سائر الأجزاء كحكم النصف والنصف حلال فسائر الأجزاء حلال وهذا برهان متيقن لا يجوز خلافه وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن المتعاقدين على النصف والنصف فقد تعاقدا على ما دون النصف بدخول ذلك في النصف فإذا اقتصر أحدهما على بعض ماله أن يعاقد عليه مع سائره فذلك جائز له بالنص المجيز له أن يعاقد على ما دون النصف مع قوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا لذي بيده عقدة لنكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا لفضل بينكم إن لله بما تعملون بصير } فتجافيه عن بعض ماله أن يشترطه فضل منه

واحتجوا بقيم المتلفات ومهر المثل ومقدار المتعة والنفقات وإن كل ذلك لا نص فيه قالوا فوجب الرجوع إلى القياس قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه البتة ولا للقياس هنا مدخل أصلا لأنه ليس ههنا شيء آخر منصوص عليه يقيسون عليه هذه الأشياء وهذا هو القياس عندهم فبطل تمويههم إن هذا القياس وما هو إلا نص جلي لا داخلة فيه وهو قول الله تعالى { لشهر لحرام بلشهر لحرام ولحرمات قصاص فمن عتدى عليكم فعتدوا عليه بمثل ما عتدى عليكم وتقوا لله وعلموا أن لله مع لمتقين } فهل في البيان أكثر من هذا وهل هذا إلا نص على كل قصة وجب فيها ضمان المثل فأي معنى للقياس فيمن أتلف الآخر ثوبا قيمته دينار فقضى عليه بثوب مثله فإن لم يوجد فمثله من القيمة في سوق البلد الذي وقع فيه الغصب أو الذي وقع فيه الحكم وكذلك امرأة وجب لها مهر مثلها بالنص فعلم مقدار ما تطيب به نفس مثلها في المعهود الذي أحالنا الله تعالى عليه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وكذلك نص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن للأزواج والأقارب والمماليك النفقة والكسوة بالمعروف وساوى في ذلك بين الأقارب وبين من ذكرنا وأحالنا على المعروف والمعروف هو غير المنكر فهو ما تعارفه الناس في نفقات من ذكرنا وما فيه مصالحهم من كسوة معروفة لأمثالهم وإسكان وغير ذلك مما لا قوم للمعاش إلا به مما لا جوع فيه ولا عري ولا عطش ولا برد ولا شهرة ولا اتضاع ولا إسراف ولا تبذير ولا تقصير ولا تقتير فهذا هو المنكر وضده هو المعروف فأين القياس ههنا وعلى أي شيء قاسوا ما ذكرنا فإذ ليس ههنا شيء يقاس عليه ما ذكرنا البتة فقد بطل أن يكون قياسا وبطل تمويههم في ذلك واحتجوا أيضا بأروش الجراحات والجنايات والديات قال أبو محمد وهذا في التمويه كالذي قبله وقولنا في ذلك إن كل ما أوجبه من ذلك نص وقف عنده وما لم يوجبه نص فهو ساقط لا يقضى به للنص الوارد إن دماءنا وأموالنا علينا حرام وما تيقن أنه أجمع عليه واختلف في مقداره وجب من ذلك أقل ما قيل فقط وما عدا ذلك فتحكم في الدين لا يحل وأي شيء في معرفة مقدار شبع الناس في الجمهور في أقواتهم في ذلك البلد مما يكون

فيه للقياس معنى وكذلك ما اتفقوا على وجوبه في المتعة وهل شيء من هذا يوجب تحريم البلوط بالبلوط متفاضلا إن انطلاق اللسان بمثل هذا لعظيم ونعوذ بالله من نصر الباطل والتمادي عليه فهذا كل ما احتجوا به من دلائل الإجماع فقد بينا بحول الله وقوته أنه عائد عليهم ومبطل للقياس والحمد لله كثيرا كما هو أهله واحتجوا أيضا بأحاديث وردت عن الصحابة رضي الله عنهم كرسالة منسوبة إلى عمر رضي الله عنه ذكروا أنه كتب بها إلى أبي موسى وكقول ابن عباس ولا أرى كل شيء إلا مثله ولو لم يعتبروا ذلك إلا بالأصابع أرأيت من ادهن وعن سعد أينقض الرطب إذا يبس وعن معمر بن عبد الله أخشى أن يضارع وعن أبي سعيد فأيما أولى التمر أو الورق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا سكر هذى وعن علي وزيد في الجد وعن علي لو كان هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل حمزة وعن ابن عباس قد أمر الله بالتحكيم بين الزوجين وفي أرنب قيمتها ربع درهم وعن علي في احتجاجه بمحو اسمه من الصحيفة بمحو النبي صلى الله عليه وسلم اسمه يوم الحديبية من الصحابة وعن علي وعمر في قتل الجماعة بالواحد وبالقطع في السرقة قال أبو محمد هذا كل ما يحضرنا ذكره مما يمكنهم أن يتعلقوا به ونحن إن شاء الله تعالى نذكر كل ما يحضرنا ذكر كل ذلك بأسانيده ونبين بعون الله عز وجل أنه لا حجة لهم في شيء منه لو صح فكيف وأكثر ذلك لا يصح فأما رسالة عمر فحدثنا بها أحمد بن عمر العذري نا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي نا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي السجستاني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا يوسف بن موسى القطان نا عبيد الله بن موسى نا عبيد الله بن موسى نا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري فذكر الرسالة وفيها الفهم الفهم يعني فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الأمثال والأشكال فقس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أشبهها بالحق وأقربها إلى الله عز وجل وذكر باقي الرسالة وحدثناها أحمد بن عمر نا عبد الرحمن بن الحسن الشافعي نا القاضي أحمد بن

محمد الكرخي نا محمد بن عبد الله العلاف نا أحمد بن علي بن محمد الوراق نا عبد الله بن سعد نا أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نا سفيان عن إدريس بن يزيد الأودي عن سعيد بن أبي موسى الأشعري بن أبي بردى عن أبيه قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى فذكر الرسالة وفيها الفهم فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في الكتاب ولا السنة ثم قس الأمور بعضها ببعض ثم انظر أشبهها بالحق وأحبها إلى الله تعالى فاعمل به وفيها أيضا المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجريا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة وذكر باقيها قال أبو محمد وهذا لا يصح لأن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف وأبوه مجهول وأما السند الثاني فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهولون وهو أيضا منقطع فبطل القول به جملة ويكفي من هذا أنه لا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وكم قصة خالفوا فيها عمر وأيضا فلا يخلو من أن تكون صحيحة أو غير صحيحة فإن كانت غير صحيحة فهو قولنا ولا حجة علينا فيها وإن كانت صحيحة تقوم بها الحجة فقد خالف أبو حنيفة ومالك والشافعي والحاضرون من خصومنا المحتجين بها ما فيها فأجازوا شهادة المجلود في الخمر والزنى إذا تاب وأجاز مالك والشافعي شهادة المجلود في حد القذف إذا تاب وهذا خلاف ما في رسالة عمر وإن ادعوا إجماعا كذبهم الأوزاعي فإنه لا يجيز شهادة مجلود في شيء من الحدود أصلا كما في رسالة عمر التي صححوا وأجازوا شهادة الأخ لأخيه والمولى لذي ولائه ولم يجعلوهما ظنينين في ولاء وقرابة وردوا شهادة الأب العدل لابنه وجعلوه ظنين في قرابة وليس إجماعا لأن عثمان البتي وغيره يجيز شهادته له وردوا شهادة العبد وهو مسلم وكل هذا خلاف ما في رسالة عمر ومن الباطل المحال أن تكون حجة علينا في القياس ولا تكون حجة عليهم فيما خالفوها فيه ويكفي في هذا إقرارهم بأنها حق وحجة ثم خلافهم ما فيها فقد أقروا بأنهم خالفوا الجن والحجة ونحن لا نقر بها ولله الحمد

والصحيح عن عمر غير هذا من إنكار القياس مما سنذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى وأما الرسالة التي تصح عن عمر فهي غير هذه وهي التي حدثنا بها عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني نا أحمد بن شعيب النسائي نا محمد بن بشار نا أبو عامر العقدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله فكتب إليه عمر أن اقض بما في كتاب الله تعالى فإن لم يكن في كتاب الله فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى الصالحون فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ولم يقض به الصالحون فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرا لك والسلام قال أبو محمد وهذا ترك الحكم بالقياس جملة واختيار عمر لترك الحكم إذا لم يجد المرء تلك النازلة في كتاب ولا سنة ولا إجماع فسقطت الرواية عن عمر في الأمر بالقياس لسقوط راويها ولوجه ثان ضروري مبين لكذب تلك الرسالة وأنها موضوعة بلا شك وهو اللفظ الذي فيها ثم اعمد لأشبهها بالحق وأقربها إلى الله عز وجل وأحبها إليه تعالى فاقض به قال أبو محمد وهذا باطل موضوع وما يدري القايس إذا شبهت الوجوه أيها أحب إلى الله عز وجل أو أيها أقرب إليه وهذا ما يقطعون به ولا يقطع به أحد له حظ من علم ثم قوله اعمد إلى أشبهها بالحق ولا نعلم إلا حقا أو باطلا فما أشبه الحق فلا يخلو من أن يكون حقا أو باطلا فالباطل لا يحل الحكم به وإن كان حقا فلا يجوز أن يقال في الحق إنه أشبه طبقته ونظرائه بالحق ولكن يقال في الحق إنه حق بلا شك ولا يجوز أن يقال فيه يشبه الحق فصح أن القياس باطل بلا شك وبطلت تلك الرسالة بلا شك وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل افتقطعون في خبر الواحد العدل أنه حق إذا قضيتم به أم تقولون إنه باطل أم تقولون إنه يشبه الحق وهذا نفس ما دخلتم علينا قال أبو محمد والجواب وبالله التوفيق إن خبر الواحد العدل المتصل وشهادة العدلين حق عند الله عز وجل مقطوع به إلا أننا نحن نقول إن كل خبر صح مسندا

بنقل من اتفق على عدالته فهو حق عند الله بخلاف الشهادات وقال غيرنا إن كل شخص من أشخاص الأخبار وأشخاص الشهادات إما حق عند الله فهو حق مطلق وإما باطل عند الله فهو باطل مطلق ولا يجوز أن يقال إنه يشبه الحق ولا إنه أشبه بالحق من غيره ولسنا نوقفهم في هذه المراجعة على مذهبهم في أشخاص القياس وإنما نتكلم على ما رووا عن عمر من لفظ أشبهها بالحق فعلى هذه اللفظة تكلمنا وفسادها بينا لنرى بعون الله كذب الرواية في ذلك عن عمر وأما ولا أحسب كل شيء إلا مثله فحدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد الأشقر ثنا أحمد بن علي القلانسي ثنا مسلم ثنا قتيبة ثنا حماد وهو ابن زيد عن عمر بن دينار عن طاوس عن ابن عباسأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس واحسب كل شيء مثله قال أبو محمد ولا حجة لهم في هذا لأن كثيرا من أصحاب القياس لا يقولون بهذا ولا يرون غير الطعام داخلا في حكم الطعام في ذلك بل يرون ما عدا الطعام جائز بيعه قبل أن يستوفى وهذا قول المالكيين فمن المحال أن يحتج امرؤ بشيء يقر أنه خطأ لا يجوز أن يؤخذ به وأيضا فإن ابن عباس لم يقطع بصحة ظنه في ذلك وإنما أخبر أنه يحسب كل شيء مثل الطعام في ذلك وهذا هو الذي قلنا عنهم رضي الله عنهم إنهم لا يقطعون برأيهم فيما رأوه وإنما هو ظن لا يثبتونه دينا وليس حكم القياس عند القائلين به من باب الحسبان الذي ذكره ابن عباس في هذا الحديث فصح يقينا أنه لا مدخل للقياس في هذا الحديث فاحتجاجهم به باطل وبالله تعالى التوفيق وأما لو لم تعتبروا ذلك إلا بالأصابع فحدثناه حمام بن أحمد ثنا محمد بن أبي مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو يعقوب الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان أن مروان أرسله إلى ابن عباس يسأله ماذا جعل في الضرس قال فيه خمس من الإبل قال فردني إلى ابن عباس فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس فقال ابن عباس لو أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء

قال أبو محمد وهذا لا مدخل للقياس فيه البتة بل هو إبطال للتعليل جملة لأن مروان علل الدية بأنها عرض من العضو المصاب فينبغي أن تكون دية العضو الأفضل أكثر وهذه هي علل أصحاب القياس على الحقيقة فأراه ابن عباس بطلان هذا وتناقضه في قوله بأن الأصابع منافعها متفاضلة وديتها سواء وهذا إبطال العلل على الحقيقة وفي إبطال العلل إبطال للقياس إذ لا قياس إلا على علة جامعة عند حذاق القائلين به فهذا الحديث مبطل للقياس كما ذكرنا وراد إلى النص وألا يتعقب بتعليل وبالله تعالى التوفيق وبرهان واضح فيما ذكرنا هو أن القياس بلا خلاف إنما هو أن يحكم لما نص فيه بالحكم فيما نص أو فيما اختلف فيه بالحكم فيما اجتمع عليه وليس في الأصابع إجماع فيقاس عليه الأضراس بل الخلاف موجود فيها كما هو في الأضراس وليس في الأصابع نص دون الأضراس بل الخلاف موجود فيها كما هو في الأضراس وليس في الأصابع نص دون الأضراس بل النص فيهما جميعا فبطل أن تكون الأصابع أصلا يقاس عليه الأضراس فأما الخلاف في كل ذلك فكما حدثنا حمام بن أحمد ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الديري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد هو الأنصاري قال قال ابن المسيب قضى عمر بن الخطاب فيما أقبل من الفم أعلى الفم وأسفله خمس قلانص وفي الأضراس بعير بعير وقال عبد الرزاق أيضا عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب جعل في الإبهام خمس عشرة وفي السبابة والوسطى عشرا عشرا وفي البنصر تسعا وفي الخنصر سبعا فبطل أن يكون ههنا إجماع في الأصابع يقاس عليه أمر الأسنان والأضراس وأما النص فإن عبد الله بن ربيع ثنا قال حدثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري ثنا شعبة حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء فصح أن النص عند ابن عباس في الأضراس كما هو في الأصابع بأصح إسناد وأجوده وشعبة لم يسمع قتادة حديثا إلا فقه على سماعه إلا حديثا واحدا في الصلاة

فبطل أن يكون ابن عباس أراد بقوله ولو لم تعتبروا ذلك بالأصابع قياسا البتة وبالله تعالى التوفيق نعم قد روى التسوية أيضا بين الأضراس والأسنان وبين الأصابع عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا وفي كتاب عمرو بن حزم أيضا فبطل ما ظنوه بيقين والحمد لله رب العالمين وأما أرأيت لو ادهن فحدثناه حمام بن أحمد حدثنا ابن مفرج حدثنا ابن الأعرابي حدثنا الديري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن يرقان قال كان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار فبلغ ذلك ابن عباس فأرسل إليه أرأيت لو أخذت دهنة طيبة فدهنت بها لحيتي أكنت متوضئا قال أبو هريرة يا ابن أخي إذا حدثت بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال جدلا قال أبو محمد وليس ههنا للقياس مدخل البتة بوجه من الوجوه وابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شاهده أكل شيئا مما مست النار فلم يتوضأ وهذا الحديث عنه مشهور فلم يترك ابن عباس الوضوء مما مست النار قياسا لكن اتباعا للنص وإنما عارض أبا هريرة بأمر الدهن في هذا الحديث ليعلم أيطرد أبو هريرة قوله أم لا يرى الوضوء من الدهن فقط فإنما هو استفهام عن مذهب أبي هريرة في الدهن أيوجب الوضوء أم لا ليس في هذا الحديث شيء غير هذا البتة ولكن في قول أبي هريرة إذا حدثت بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال جدلا إبطال صحيح للقياس لأن القياس ضرب أمثال في الدين لم يأذن بها الله تعالى وقد نهى أبو هريرة عن ذلك وأمره باتباع الحديث والتسليم له فهذا الحديث عليهم لا لهم والصحيح عن ابن عباس إبطال القياس على ما ذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى وأما أينقص الرطب إذا يبس فحدثناه أحمد بن محمد الجسور نا أحمد بن سعيد بن حزم نا عبيد الله بن يحيى نا أبي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن زيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت قال له سعد أيتهما أفضل فقال البيضاء فنهاه عن ذلك وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس

فقالوا نعم فنهاه عن ذلك قال أبو محمد فأول هذا إن هذا خبر لا يصح لأن زيدا أبا عياش مجهول فارتفع الكلام فيه وأيضا فلو صح لما كانت لهم فيه حجة لأن جميع أصحاب القياس أولهم عن آخرهم لا يرون هذا قياسا ولا يمنعون من البيضاء بالسلت فمحال أن يحتج قوم بما لا يقولون به وأيضا فإن هذا ليس قياسا عند القائلين به لأنه تنظير للأفضل بما ينقص إذا يبس وهذا ليس شبها البتة عند من يقول بالقياس فسقط تعلقهم بهذا الأثر والحمد لله رب العالمين وأما أخاف أن يضارع فحدثناه عبد الله بن يوسف بن نامي نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا أخبره بذلك فقال له معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تأخذ إلا مثلا بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير فقيل إنه ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه أصلا وإنما هو تورع من معمر بن عبد الله لا إيجاب ولا أنه قطع بذلك وبيان ذلك إخبار معمر بأنه يخاف أن يضارع ولم يقطع بأنه يضارع وأيضا فإن الحنفيين والشافعيين لا يقولون بهذا وهم يجيزون القمح بالشعير متفاضلا فلا وجه لاحتجاج المرء بما لا يراه صحيحا ولا ممن يخطىء ويصيب ممن لا يلزم اتباعه ولعل من جهل يظن أن احتجاجنا بمن دون النبي صلى الله عليه وسلم هو أننا نرى من دونه صلى الله عليه وسلم حجة لازمة فليعلم من ظن ذلك أن ظنه كذب وأننا لا نورد قولا عمن دون النبي صلى الله عليه وسلم إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما إما خوف جاهل يدعي علينا خلاف الإجماع فنريه كذبه وفساد ظنونه وأنه لا إجماع فيما ظن فيه إجماعا وإما لنرى من يحتج بمن دون النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يحتج به مخالف له فنوقفه علي تناقضا في أنه يخالف من يراه حجة

حاشا موضعا واحدا وهو حكم الحكمين بجزاء الصيد فإننا نورده احتجاجا به لقول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا لا تقتلوا لصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزآء مثل ما قتل من لنعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ لكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا لله عما سلف ومن عاد فينتقم لله منه ولله عزيز ذو نتقام } فألزمنا الله عز وجل قبول العدلين ههنا فنحن نورد قول العدلين من السلف رضي الله عنهم احتجاجا بقولهما لأن الله تعالى أوجب ذلك وأما حديث أيما أولى فحدثناهابن نامي نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الأعلى أنا داود عن أبي نضر قال سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم ير بأسا فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري إذ جاءه رجل فسأله عن الصرف فقال ما زاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فقال لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه صاحب نخلة بصاع من تمر جنيب وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا اللون فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنى لك هذا قال انطلقت بصاعين واشتريت به هذا الصاع فإن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك أرأيت إذا أردت ذلك فبع تمرا بسلعة ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت قال أبو سعيد فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا أما الفضة بالفضة قال أبو محمد وهذا ليس قياسا لأن النهي عن التفاضل في الفضة بالفضة عند أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا وبالسند المذكور إلى مسلم حدثنا محمد بن رمح ثنا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر قال ذهب ابن عمر وأنا معه حتى دخل على أبي سعيد الخدري فذكر سؤال ابن عمر لأبي سعيد عن الصرف فقال أبو سعيد وأشار بأصبعه إلى عينيه وأذنيه فقال أبصرت عيناني وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تفشوا بعضه على بعض وذكر الحديث وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا إسماعيل بن مسلم العبدي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد واستزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء

قال أبو محمد فمن المحال البين أن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل عند أبي سعيد سماعا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ويعول في تحريمه على القياس فصح أن هذا الأثر لا مدخل للقياس فيه أصلا لأن القياس عند القائلين به إنما هو حكم في شيء ولا نص فيه على نحو الحكم في نظيره مما جاء فيه النص والنص عند أبي سعيد مسموع في الفضة بالفضة كما هو في التمر بالتمر فبطل ضرورة إقرار أصحاب القياس أن يكون أحد الأمرين عنده قياسا على الآخر فإن قيل فما وجه قول أبي سعيد إذن هو القول فنقول وبالله تعالى التوفيق إننا لا نشك أن أبا نضرة مسخ لفظ أبي سعيد وحذف منه ما لا يقوم المعنى إلا به كما فعل في صدر هذا الحديث نفسه من قوله سألت ابن عباس وابن عمر عن الصرف فلم يريا به بأسا وهذا كلام مطموس لأن الصرف لا بأس به عند كل أحد من الأمة إذا كان على ما جاء به النص من التماثل والتعاقد في الفضة بالفضة وفي الذهب بالذهب ومن التفاضل والتناقد في الذهب بالفضة فطمس أبو نضرة كل هذا وكذلك فعل بلا شك في كلام أبي سعيد ولا يجوز غير هذا أصلا إذ من الباطل أن يروي من هو أوثق من أبي نضرة عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يوجب أن التفاضل في الفضة بالفضة ربا ثم لا يعول أبو سعيد في تحريم ذلك إلا على تحريم التمر بالتمر متفاضلا هذا ما لا يدخل في عقل أحد وجميع أصحاب القياس لا يجوزون هذا القياس ولا يدخلون الصفر بالصفر قياسا على الربا في التمر بالتمر فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة والحمد لله رب العالمين وبالله تعالى نعتصم وأما سكر هذى فحدثناه حمام بن أحمد ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة أن عمر بن الخطاب شاور الناس في حد الخمر وقال إن الناس قد شربوها واجترؤوا عليها فقال له علي إن السكران إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فاجعله حد الفرية فجعله عمر حد الفرية ثمانين وحدثناه أيضا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ثنا أبي ثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب

استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب نرى أن نجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن أبي خالد عن عامر الشعبي قال استشارهم عمر في الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف هذا رجل افترى على القرآن رأى أن تجلده ثمانين حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي نا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي ثنا أحمد بن خالد نا عبد الله بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شربوا الخمر بالشام وإن يزيد بن أبي سفيان كتب فيهم إلى عمر فذكر الحديث وفيه إنهم احتجوا على عمر بقول الله تعالى { ليس على لذين آمنوا وعملوا لصالحات جناح فيما طعموا إذا ما تقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ولله يحب لمحسنين } فشاور فيهم الناس فقال لعلي ماذا ترى فقال أرى قد شرعوا في دين الله تعالى ما لم يأذن به الله تعالى فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم فإنهم قد أحلوا ما حرم الله وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين فقد افتروا على الله الكذب وقد أخبر الله تعالى بحد ما يفتري به بعضنا على بعض حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ثنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن فليح بن سليمان المدني عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر فجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين قد شرب فأمر به أن يجلد فقال لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله فقال عمر وفي أي كتاب الله

تجد ألا أجلدك قال له إن الله تعالى يقول في كتابه { ليس على لذين آمنوا وعملوا لصالحات جناح فيما طعموا إذا ما تقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ولله يحب لمحسنين } فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر ألا تردون عليه ما يقول فقال ابن عباس إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن يحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله تعالى يقول { يأيها لذين آمنوا إنما لخمر ولميسر ولأنصاب ولأزلام رجس من عمل لشيطان فجتنبوه لعلكم تفلحون } ثم قرأ الأخرى فإن كان من الذين { ليس على لذين آمنوا وعملوا لصالحات جناح فيما طعموا إذا ما تقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ولله يحب لمحسنين } فإن الله نهاه أن يشرب الخمر فقال عمر صدقت فما ترون فقالعلي إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلد ثمانين قال محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي وحدثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن فليح بن سليمان حدثني ثور بن زيد الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس فذكر هذا الحديث وفي آخر ثم سأل من عنده عن الحد فيها فقال علي بن أبي طالب إنه إذا شرب هذى وإذا هذى افترى فاجلده ثمانين فجلده عمر ثمانين حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا يوسف بن سليمان نا حاتم بن إسماعيل نا أسامة بن زيد عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن أزهر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بسكران فأمر من كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب عليه ثم إن أبا بكر أتي بسكران فتوخى الذي كان يومئذ من ضربهم فضرب أربعين ثم ضرب عمر أربعين قال ابن شهاب ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن وبرة الكلبي قال بعثني خالد بن الوليد إلى عمر فأتيته وعنده علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف

متكئون معه في المسجد فقلت له إن خالد بن الوليد يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الناس انتهكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فما ترى فقال عمر هم هؤلاء عندك قال فقال علي أراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأجمعوا على ذلك فقال عمر بلغ صاحبك ما قالوا فضرب خالد ثمانين وضرب عمر ثمانين قال وكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب ضربه ثمانين وإذا أتي بالرجل الذي كان منه زلة الضعيف ضربه أربعين وفعل ذلك عثمان أربعين وثمانين قال أبو محمد فهذا كل ما ورد في ذلك قد تقصيناه وكله ساقط لا حجة فيه مضطرب ينقض بعضه بعضا أما الآثار التي صدرنا بها من طريق الثقات أيوب ومالك والشعبي ومحارب بن دثار فمرسلات كلها لا يدري عمن هي في أصلها فسقط الاحتجاج بها وأما المتصلان فمن طريق يحيى بن فليح بن سليمان وهو مجهول البتة والحجة لا تقوم بمجهول وأبو فليج متكلم فيه مضعف والثاني عن أسامة بن زيد وهو ضعيف بالجملة فسقط كل ما في هذا الباب مع أنه لو صح هذان الأثران المتصلان لكان حجة عليهم قاطعة لأن في رواية يحيى بن فليح أن أبا بكر فرض الحد في الخمر أربعين فلو جاز لعمر أن يزيد على ما فرض أبو بكر لمن بعد عمر أن يزيد ويحيل الحد الذي فرض عمر أو يسقط منه ولا فرق فإن لم يكن فرض أبي بكر بحضرة جميع الصحابة حجة وعمر وغيره بالحضرة وفي أقل من هذا يزعمون أنه إجماع ففرض عمر وقد مات كثير من الصحابة قبل ذلك الفرض أحرى ألا يكون حجة وهذا على أقوالهم إجازة لمخالفة وفي هذا ما فيه وأن من يرى ما في هذا الخبر من فعل أبي بكر بحضرة الصحابة إجماعا ثم يرى رسالة مكذوبة من عمر إلى الأشعري إجماع لمنحرف عن الحق وأما الذي من طريق أسامة بن زيد ففيه بيان جلي على أن عمر لم يجعل ذلك فرضا واجبا وأنه إنما كان منه تعزيرا وذلك أنه ذكر فيه إذا أتي بالمنهمك في الشراب جلده ثمانين جلدة وإذا أتي بالذي كانت منه في ذلك زلة الضعيف جلده أربعين وأن عثمان أيضا جلد أربعين وثمانين فباليقين يعلم كل ذي عقل أنه لو كانت الثمانون فرضا لما جاز أن يحال في بعض الأوقات فسقط احتجاجهم بالجملة وعاد عليهم مسقطا لقولهم

فكيف ولا يصح من ذلك كله شيء وقد نزه الله عز وجل عليا رضي الله عنه عن هذا الكلام الساقط الغث ثم سأل عمر عن من عنده عن الحد فيهما فقال علي بن أبي طالب الذي ليس وراءه مرمى في السقوط والهجنة لوجوه أحدها أنه لا يحل لمسلم أن يظن أن عمر وعليا يضعان شريعة في الإسلام لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم ولكانا في ذلك كالذين أنكرا عليهم في الحديث نفسه أنهم شرعوا ما لم يأذن به الله تعالى فمن المحال أن ينكر على علي من شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ويشرع هو في الحين نفسه شريعة لم يأذن بها الله تعالى وهذا ما لا يظنه بعلي ذو عقل ودين ولا فرق بين وضع حد في الخمر وبين إسقاط حد الزنى أو الزيادة فيه أو إسقاط ركعة من الظهر أو زيادة فيها أو فرض صلاة غير الصلوات المعهودة أو وضع حد مفترض في أكل الربا وكل هذا كفر ممن أجازه ثم المشهور عن علي رضي الله عنه بالسند الصحيح أنه جلد الوليد بن عقبة في الخمر أربعين في أيام عثمان رضي الله عنه فبطل يقينا أن يكون يرى الحد ثمانين ويجلد هو أربعين فقط وهذا الحديث يكذب كل ما عن علي بخلافه وأيضا فليس كل من يشرب الخمر يسكر وشارب الجرعة لا يسكر والحد عليه ولا كل من يسكر يهذي ففي الناس كثير يغلب عليهم السكون حينئذ نعم وذكر الله تعالى الآخرة والبكاء والدعاء والتأدب الزائد ولا كل من يهذي يفتري فالمبرسم يهذي ولا يفتري ولا كل من يفتري يلزمه الحد فقد يفتري المجنون والنائم فلا يحدان فوضح أن هذا الكلام المنسوب إلى علي وقد نزهه الله تعالى عنه من الكذب في منزله ينزه عنها كل ذي عقل فكيف مثله رحمة الله عليه وأيضا فإن كان يجلد لفرية لم يفترها بعد فهذا ظلم بإجماع الأمة ولا خلاف بين اثنين أنه لا يحل لأحد أن يؤاخذ مسلما أو ذميا بما لم يفعل ولا أن يقدم إليه عقوبة معجلة لذنب لم يفعله عسى أن يفعله أو عسى ألا يفعله وإنما عندنا هذا من فعل ظلمة الملوك ذوي الأعياث المشتهرين بأتباعهم من السخفاء المتطايبين بمثل هذا وشبه من السخف ومثل هذا الجنون لا يضيفه إلى عمر وعلي إلا جاهل بهما وبمحلهما من الفضل والعلم رضي الله عنهما وعهدنا بهؤلاء القوم يقولون ادرؤوا الحدود بالشبهات فصاروا ههنا يقيمون الحدود

وينسبون إلى عمر وعلى إقامتها بأضعف الشبهات لأن لا شبهة أحمق من شبهة من يقيم حد القذف على شارب الخمر خوف أن يفتري وهو لم يفتر بعد وأيضا فإن كان حد الشارب إنما هو للفرية فأين حد الخمر وإن كان للخمر فأين حد الفرية ولا يحل سقوط حد لإقامة آخر وأيضا فإنه إذا سكر هذى وإذا هذى كفر فينبغي لهم أن يضربوا عنقه وإذا شرب سكر وإذا سكر زنى فينبغي لهم أن يرجموه ويجلدوه وإذا شرب سكر وإذا سكر سرق فينبغي لهم أن يقطعوا يده وإذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى خرج فأفسد أموال الناس وأقر في ماله لغيره فينبغي لهم أن يلزموه كل هذه الأحكام فإن لم يفعلوا فقد أبطلوا حدهم إياه ثمانين لأنه إذا هذى افترى وهذا كله جنون نبرأ إلى الله تعالى منه ونقطع يقينا بلا شك أنه كذب موضوع مفترى على علي رضي الله عنه لم يقله قط وكذلك الرواية التي ذكرنا أيضا عن عبد الرحمن بن عوف فهالكة جدا مبعد عن مثله أن يقول افترى على القرآن اجلده ثمانين وهذا محال ظاهرا وكيف يمكن أن يفتري أحد على الله تعالى أو على القرآن فرية توجب ثمانين جلدة والفرية الموجبة لذلك إنما هي في القذف بالزنى فقط وهذا ما لا سبيل إلى إضافته إلى القرآن لأنه ليس إنسانا فإن صحح أهل القياس هذه القضية فليوجبوا ثمانين جلدة حدا واجبا لا يتعد على كل من افترى على أحد بكذبة مثل أن يرميه بكفر أو بتهمة أو بسرقة أو كذب على القرآن أو على الله تعالى وهذا ما لا يقولونه فقد أقروا بضعف هذا القياس الذي جعلوه أصلهم وبنوا عليه أو أنهم تركوا القياس في سائر ما ذكرنا ولا بد لهم من أحد الوجهين ضرورة وأول من كان يلزمهم هذا فهم لأنهم مفترون فيما يدعونه من القياس وبالله تعالى التوفيق والصحيح في هذا الباب هو ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر نا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر

قال أبو محمد فصح أنه تعزير لا حد نعني الأربعين الزائدة وقد حدثنا حمام ثنا ابن مفرج نا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج ثنا عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبيد بن عمير يقول كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر حتى خشي أن يغتال الرجال فجعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين ثم قال هذا أدنى الحدود حدثنا أحمد بن عمر العذري نا عبد الله بن حسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا ابن الجهم نا موسى بن إسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد عن حجاج عن الأسود بن هلال عن عبد الله هو ابن مسعود أنه أتي برجل قد شرب خمرا في رمضان فضربه ثمانين وعزره عشرين وقد فعل ذلك أيضا علي بالنجاشي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن عبد الوهاب أنا خالد بن الحارث ثنا سفيان الثوري ثنا أبو حصين قال سمعت عمير بن سعد النخعي قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه هكذا رويناه من طريق الهمداني وغيره عمير بن سعد والصواب سعيد كما رويناه من طريق يزيد بن زريع حدثنا عبد الله بن نامي ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم ثنا إسحاق بن راهويه ثنا يحيى بن حماد ثنا عبد العزيز بن المختار ثنا عبد الله بن فيروز الديباج مولى ابن عامر نا حصين بن المنذر أبو ساسان قال شهدت عثمان أتي بالوليد صلى الصبح ركعتين فقال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر والثاني أنه قاءها فقال عثمان يا علي فاجلده فقال علي للحسن قم فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد

عليه علي فقال علي يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة قال أبو محمد فهذه الأحاديث مبينة ما قلنا من أن زيادة عمر على الأربعين التي هي حد الخمر إنما هي تعزير فمرة زاد عشرين فقط ومرة زاد أربعين ومرة زاد علي وابن مسعود ستين وأخبر علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن ذلك يعني الزيادة على الأربعين فقط ومن ظن غير هذا فإنه يكذب النقل الصحيح ويصدق الواهي الضعيف الساقط وهذا علي يجلد في أيام عثمان بحضرة الحسن وعبد الله بن جعفر وسائر من هنالك من الصحابة وغيرهم أربعين فقط وقال عمر وعبد الرحمن بأخف الحدود فصح يقينا أن تلك الزيادة على الأربعين لم يوجبوها فرضا ولا حدا البتة ونعيذهم بالله تعالى من ذلك ولو أخبار مرسلة وردت بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر ثمانين لكفر من يقول إن حد الخمر ثمانون ولكن من تعلق بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد اجتهد فإن وفق لخبر صحيح فله أجران وإن يسر لخبر غير صحيح وهو لا يدري وهيه فهو معذور وله أجر واحد وهو مخطىء وإنما الشأن والبلية في اثنين هالكين وهو من قامت عليه حجة صحيحة فتمادى فهو ضال فاسق أو مقلد بغير علم متجاسر في دين الله عز وجل فهو أيضا ضال فاسق ونعوذ بالله من الخذلان وأما القياس في الجد فحدثنا حمام بن أحمد القاضي بالغرب ثنا ابن مفرج القاضي برية نا عبد الأعلى بن محمد بن الحسن البوسي قاضي صنعاء نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عيسى هو ابن أبي عيسى الخياط عن الشعبي قال كره عمر الكلام في الجد حتى صار جدا فقال إنه كان من أبي بكر أن الجد أولى من الأخ وذكر الحديث وفيه فسأل عنه زيد بن ثابت فضرب له مثلا شجرة خرجت لها أغصان قال فذكر شيئا لا أحفظه فجعل له الثلث قال الثوري وبلغني أنه قال يا أمير المؤمنين شجرة نبتت فانشعب منها غصن فانشعب من الغصن غصنان فما جعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني وقد خرج

الغصنان من الغصن الأول قال ثم سأل عليا فضرب له مثلا واديا سال فيه سيل فجعله أخا فيما بينه وبين ستة فأعطاه السدس وبلغني عنه أن عليا حين سأله عمر جعله سيلا قال فانشعب منه شعبة ثم انشعبت شعبتان فقال أرأيت لو أن ماء هذه الشعبة الوسطى يبس أما كان يرجع إلى الشعبتين جميعا قال الشعبي فكان زيد يجعله أخا حتى يبلغ ثلاثة وهو ثالثهم فإن زادوا على ذلك أعطاه الثلث وكان علي يجعله أخا ما بينه وبين ستة وهو سادسهم ويعطيه السدس فإن زادوا على ستة أعطاه السدس وصار ما بقي بينهم وحدثنا أيضا أحمد بن عمر العذري عن عبد الرحمن بن الحسن العباسي عن أحمد بن محمد الكرجي أنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاف النصيبي ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والإخوة قال زيد وكان رأيي يومئذ الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته فتحاورت أنا وعمر محاورة شديدة فضرب له في ذلك مثلا فقلت لو أن شجرة تشعب من أصلها غصن ثم تشعب في ذلك الغصن خوطان ذلك الغصن يجمع الخوطين دون الأصل ويغدوهما ألا ترى يا أمير المؤمنين أن أحد الخوطين أقرب إلى أخيه منه إلى الأصل قال زيد فأنا أعبر له وأضرب له هذه الأمثال وهو يأبى إلا أن الجد أولى من الأخوة ويقول والله لولا إني قضيته اليوم لبعضهم لقضيت به للجد كله ولكن لعلي لا أخيب سهم أحد ولعلهم أن يكونوا كلهم ذي حق وضرب علي وابن عباس يومئذ لعمر مثلا معناه لو أن سيلا سال فخلج من خليج ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أحدهما أن كلا من هذين الإسنادين ضعيف في الأول عيسى بن أبي عيسى الخياط وهو ضعيف ومع ذلك منقطع لأن الشعبي لم يدرك عمر والثاني فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف البتة فهذا وجه والثاني أنهما صحا لما كان فيهما للقياس مدخل بوجه من الوجوه ولا بمعنى من

المعاني لأن السيل لا يستحق ميراثا أصلا لا سدسا ولا ثلثا وكذلك الغصن ولا فرق ومن أنوك النوك أن يظن أحد بمثل علي وزيد رضي الله عنهما إن أحدهما قاسم الجد مع الإخوة إلى خمسة وهو سادسهم ثم له السدس وإن كثروا وإن الثاني قاسم بالجد الإخوة إلى اثنين هو ثالثهما لا ينقضه من الثلث ما بقي أو السدس من رأس المال قياسا على غصنين تفرعا من غصن شجرة وأن إدخال أصحاب القياس لهذا في القياس في القحة الظاهرة والاستخفاف البادي فإن قال قائل فما وجه هذين الصاحبين لهذين المثلين في هذه المسألة فالجواب وبالله تعالى التوفيق إن هذا باطل بلا شك ونحن نبت أنهم رضي الله عنهم ما قالوا قط شيئا من هذا ولقد كانوا أرجح عقولا وأثقب نظرا وأضبط لكلامهم في الدين من أن يقولوا شيئا من هذا الاختلاط ولكن عيسى الخياط وعبد الرحمن بن أبي الزناد غير موثوق بهما ولعل الشعبي سمعه ممن لا خير فيه كالحارث الأعور وأمثاله ثم لو قال قائل إن وجه ذلك لو صح بين ظاهر لا خفاء به وهو أن زيدا وعليا رضي الله عنهما يذهبان من رأيهما الذي لم يوجباه حتما على أحد إلى أن الميراث يستحق بالدنو في القرابة فإذا كان ذلك والإخوة عندهما أقرب من الجد فإذ هم أقرب من الجد فلا يجوز أن يمنعوا من الميراث معه وللجد فرض بإجماع فلم يجز أن يمنع أيضا من أجلهم وخالفهما غيرهما في قولهما إن الأخ أقرب من الجد فههنا ضربا هذين المثلين ليريا أن قربى الأخ من الأخ المتولدين من الأب كقربى الغصن والغصن المتفرعين من غصن واحد ومن شجرة أو كقربى جدول من جدول تفرعا جميعا من خليج من واد لكان قولا وهذا تشبيه حسي عياني ضروري لا شك فيه إلا أنه ليس من قبل التشبيه بقرب الولادة تستحق الميراث فالعم وابن الأخ أقرب من الجد ولا خلاف بيننا وبين خصومنا أنهما لا يرثان معه شيئا وابن البنت أقرب ابن العم الذي يلتقي مع المرء إلى الجد العاشر وأكثر ولا يرث معه شيئا بإجماع الأمة ونحن لم ننكر الاشتباه وإنما أنكرنا أن نوجب أحكاما لم يأذن بها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل الاشتباه في الصفات فبطل أن يكون لهذا الخبر مدخل في القياس أو تعلق به بوجه من الوجوه ولكن تمويه أصحاب القياس في قياسهم وفيما يحتجون به لقياسهم متقارب كله في الضعف والسقوط والتمويه على الضعفاء المغترين بهم نسأل الله أن يفيء بهم إلى الهدى والتوفيق بمنه

وأما قول علي إذ بلغه أن معاوية قال إذ قتل عمار فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية فقال معاوية إنما قتله من أخرجه فبلغ ذلك عليا فقال فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن هو قتل حمزة فلا أعجب من تجليح من أدخل هذا القياس وهل هذا إلا الائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في قتل الصالحين بين يديه ناصرين له ومن استجاز أن يقول إن هذا قياس فليقل إن قول لا إله إلا الله قياس لأنه إذا قيل لنا لم تقولون ذلك قلنا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها وأن الاشتغال بمثل هذا لعناء لولا الرجاء في الأجر الجزيل في بيان تمويه هؤلاء القوم الذين اختدعوا الأغمار بمثل هذه الدعاوى وإنما هذا من علي رضي الله عنه ليري معاوية تناقض قوله إنه إنما قتل عمارا من أخرجه وهذا مثل قول المالكي والحنفي إن نكاح من اعتق أمته وتزوجها وجعل عتقها صداقها نكاح فاسد فيقول لهم أصحابنا والشافعيون فنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن صفية فاسد فإن أقدموا على ذلك كفروا وإن كعوا عنه تناقضوا وكقول الحنفي إن الحكم باليمين مع الشاهد مخالف للقرآن فنقول لهم نحن والشافعيون والمالكيون فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إذن مخالف للقرآن فإن قالوا بذلك كفروا وإن كعوا تناقضوا وكقول المالكيين إن صلاة الصحيح المؤتم بإمام مريض قاعدة فاسدة فنقول لهم نحن والشافعيون والحنفيون فصلاة الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه كذلك وأمره صلى الله عليه وسلم الناس إذا صلى إمامهم قاعدا أن يصلوا قعودا فاسد كل ذلك باطل فإن قالوه كفروا وإن كعوا عنه تناقضوا وإن من ظن أن هذا قياس لمخذول أعمى القلب ومن هذا الباب هو قول علي فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن هو قتل حمزة إذ أخرجه وأي قياس ههنا لو عقل هؤلاء القوم وحسبنا الله ونعم الوكيل وكذلك قصة علي رضي الله عنه يوم القضية بينه وبين أهل الشام إذ أراد أن يكتب علي أمير المؤمنين فأنكر ذلك عمرو ومن حضر من أهل الشام وقالوا اكتب اسمك واسم أبيك ففعل فقالت الخوارج لما محا أمير المؤمنين قد خلعت نفسك فاحتج عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إذ أنكر سهيل بن عمرو حين القضية يوم الحديبية

أن يكتب في الكتاب محمد رسول الله فمحا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب محمد بن عبد الله فقال علي أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم محا نفسه من النبوة إذ محا رسول الله من الصحيفة قال أبو محمد وهذا كالذي في قصة عمار سواء بسواء ولا مدخل للقياس ههنا وإنما هو إئتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكلا الأمرين محو من رق ليس أحدهما مقيسا على الآخر وهكذا الأمر حديثا وقديما وإلى يوم القيامة وليس إذا كتبت نار ثم محى امحت النار من الدنيا وهذا من جنون الخوارج وضعف عقولهم إذ كانوا أعرابا جهالا بل قولهم في هذا هو القياس المحقق لأنهم قاسوا محو الخلافة عن علي على محو اسمه من الصحيفة وهذا قياس يشبه عقولهم وقد علم كل ذي مسكة عقل أنه إذا محيت سورة من لوح فإنها لا تمحى بذلك من الصدور ومن ظن أن بين القياس وبين قول علي نسبة فإنما هو مكابر للعيان لأن القياس إنما هو تحريم أو إيجاب أو إباحة في شيء غير منصوص تشبيها له بشيء منصوص وليس في هذه القضية تحريم ولا إيجاب ولا تحليل وبالله تعالى التوفيق وأما قول ابن عباس للخوارج إذ أنكروا تحكيم الحكمين يوم صفين إن الله تعالى أمر بالتحكيم بين الزوجين وفي أرنب قيمتها ربع درهم فإن هذا الخبر حدثناه أحمد بن محمد الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا عبد السلام بن سعيد التنوخي ثنا سحنون ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عمن حدثه عن ابن عباس قال أرسلني علي إلى الحرورية لأكلمهم فلما قالوا لا حكم إلا لله قلت أجل صدقتم لا حكم إلا لله وإن الله قد حكم في رجل وامرأته وحكم في قتل الصيد فالحكم في رجل وامرأته والصيد أفضل أو الحكم في الأمة يرجع بها ويحقن دماؤها ولم شعثها قال أبو محمد وهذا لا يصح البتة لأنه عمن لم يسم ولا يدري من هو ثم هبك أنه أصح من كل صحيح وأننا شهدنا ابن عباس يقول ذلك فإنه ليس من القياس من ورد ولا صدر بل هو نص جلي ومعاذ الله أن يظن ذو عقل بأن عليا ومعاوية ومن معهما من الصحابة حكموا في النظر للمسلمين قياسا على التحكيم في الأرنب وبين الزوجين فما يظن هذا إلا مجنون البتة

وهل تحكيم الحكمين إلا نص قول الله عز وجل { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } فنص تعالى على أن كل تنازع في شيء من الدين فإن الواجب فيه تحكيم كتاب الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والتنازع بين علي ومعاوية لا يجهله من له أقل معرفة في الأخبار ففرض عليهما تحكيم القرآن كما فعلا فأي قياس ههنا لو أنصف هؤلاء القوم عقولهم فإن كان هذا عندهم قياسا فقد ضيعوه وتركوه ويلزمهم إن تحاكم إليهم اثنان في بيع أو دين أو غير ذلك فليبعثوا من أهل كل واحد منهما حكما وإلا فقد تركوا القياس بزعمهم فإن قالوا فهلا كفاهم حكم واحد حتى احتجوا إلى اثنين قيل لهم وبالله تعالى التوفيق إن أهل العراق لم يرضوا حكما من أهل الشام ولا رضي أهل الشام حكما من أهل العراق فلذلك اضطروا إلى حكم من كلتا الطائفتين وأما الرواية عن علي وعمر في قتل الجماعة بالواحد فكما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو قال قال أخبرني حيي بن يعلى بن أمية أنه سمع أباه يعلى يقول وذكر قصة الذي قتله امرأة أبيه وخليلها أن عمر بن الخطاب كتب إلي اقتلهما فلو اشترك في دمه أهل صنعاء كلهم لقتلتهم قال ابن جريج فأخبرني عبد الكريم وأبو بكر قالا جميعا إن عمر كان يشك فيها حتى قال له علي يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور فأخذ هذا عضوا وأخذ هذا عضوا كنت قاطعهم قال نعم قال فذلك حين ليس أحدهما أصلا للآخر لأن النص قد ورد بقتل من قتل وكما ورد بقطع من سرق ليس أحد النصين في القرآن بأقوى من الآخر قال تعالى { ولكم في لقصاص حياة يأولي لألباب لعلكم تتقون } وقال تعالى { وجزآء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على لله إنه لا يحب لظالمين } وقال تعالى { ولسارق ولسارقة فقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من لله ولله عزيز حكيم } ولم يخص تعالى من كلا الأمرين منفرد من مشارك فلو صح لكان علي إنما أنكر على عمر اختلاف حكمه فقط وتركه أحد النصين وأخذه بالآخر

وهذا هو الذي ننكره نحن سواء بسواء فخرج هذا الخبر لو صح من أن يكون له في القياس مدخل أو أثر أو معنى والحمد لله رب العالمين ثم قد روينا عن علي أنه كان لا يرى قتل اثنين بواحد فلو قاله لكان قد تركه ورجع عنه ورآه باطلا من الحكم فهذا كل ما ذكروه مما روي عن الصحابة قد بيناه بأوضح بيان بحول الله تعالى وقوته أنه ليس لهم في شيء منه متعلق وهو أنه إما شيء بين الكذب لم يصح وإما شيء لا مدخل للقياس فيه البتة فإذا الأمر كما ترون ولم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس وأيقنا أنهم لم يعرفوا قط العلل التي لا يصح القياس إلا عليها عند القائل به فقد صح الإجماع منهم رضي الله عنهم على أنهم لم يعرفوا ما القياس وبأنه بدعة حدثت في القرن الثاني ثم فشا وظهر في القرن الثالث كما ابتدأ التقليد والتعليل للقياس في القرن الرابع وفشا وظهر في القرن الخامس فليتق الله امرؤ على نفسه وليتداركها بالتوبة والنزوع عمن هذه صفته فحجة الله تعالى قد قامت باتباع القرآن والسنة وترك ما عدا ذلك من القياس والرأي والتقليد ولقد كان من بعض الصحابة نزعات إلى القياس أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكرها إن شاء الله تعالى في الدلائل على إبطال القياس إذا استوعبنا بحول الله تعالى وقوته كل ما اعترضوا به وبقيت أشياء من طريق النظر موهوا بها ونوردها إن شاء الله تعالى ونبين بعونه عز وجل بطلان تعلقهم وأنه لا حجة لهم في شيء منها كما بينا بتأييد الله تبارك وتعالى ما شغبوا به من القرآن وما موهوا به من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وما لبسوا به من الإجماع وما أوهموا به من آثار الصحابة وبالله تعالى التوفيق فمن ذلك أنهم قالوا إن القياس هو من باب الاستشهاد على الغائب بالحاضر فإن لم يستشهد بالحاضر على الغائب فلعل فيما غاب عنا نارا باردة قال أبو محمد هذه شغبية فاسدة فأول تمويههم ذكرهم الغائب والحاضر في باب الشرائع وقد علم كل مسلم أنه ليس في شيء من الديانة شيء غائب عن المسلمين وإنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين للناس دينهم اللازم لهم قال تعالى { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }

فلا يخلو رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون لم يبلغ ولا بين للناس فهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة بلا خلاف وإما أن يكون صلى الله عليه وسلم بلغ كما أمر به وبين للناس جميعهم دينهم وهذا هو الذي لا شك فيه فأين الغائب من الدين ههنا لو عقل هؤلاء القوم إلا أن يكون هؤلاء القوم وفقنا الله وإياهم يتعاطون استخراج أحكام في الشريعة لم ينزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فهي غائبة عنا فهذا كفر ممن أطلقه واعتقده وتكذيب لقول الله عز وجل { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد وأما تمويههم بذكر النار ولعل في الغائب نارا باردة فكلام غث في غاية الغثاثة لأن لفظة نار إنما وقعت في اللغة على كل حار مضيء صعاد فإن كنتم تريدون أن شيئا حارا يكون باردا فهذا تخليط وعين المحال وأما لفظة نار فقد وقعت أيضا في اللغة على ما لا يحرق فالنار عند العرب اسم الميسم الذي توسم به الإبل فيقولون ما نارها بمعنى ما وسمها فليس الاسم مضطرا إلى وجوده كما هو ولا بد ولكنه اتفاق أهل اللغة وليس من قبل أننا شاهدنا النار محرقة صعادة مضيئة وجب ضرورة أن تسمى نارا ولا بد بل لو سموها باسم آخر ما ضر ذلك شيئا وليس أيضا من قبل أننا شاهدنا النار على هذه الهيئة عرفنا أن ما غاب عنا منها كذلك أيضا بل قد علمنا أن أهل اللغة لم يوقعوا اسم نار في الغائب والحاضر إلا على الحار المضيء المحرق الصعاد فإن قلتم فلعل في الغائب جسما مضيئا باردا صعادا قلنا لكم هذا ما لا دليل عليه والقول بما لا دليل عليه غير مباح وقد عرفنا صفات العناصر كلها إلا إن قلتم لعل الله تعالى عالم بهذه الصفة فالله تعالى قادر على ذلك ولكنه تعالى لم يخلق في هذا العالم مما شاهدنا بالحواس أو بالعقل أو بالمقدمات الراجعة إلى الحواس والعقل غير ما شاهدنا بذلك ولعله تعالى قد خلق عوالم بخلاف صفة عالمنا هذا إلا أن هذا أمر

لا نحققه ولا نبطله ولكنه ممكن والله أعلم ولا علم لنا إلا ما علمنا الله وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا فقالوا إن في النصوص جليا وخفيا فلو كانت كلها جلية لاستوى العالم والجاهل في فهمها ولو كانت كلها خفية لم يكن لأحد سبيل إلى فهمها ولا إلى علم شيء منها قالوا فوجب بذلك ضرورة أن نستعمل القياس من الجلي على معرفة الخفي قال أبو محمد وهذه مقدمة فاسدة والأحكام كلها جلية في ذاتها لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ولا يحل لمسلم أن يعتقد أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالبيان في جميع الدين فلم يفعل ولا بين وهذا ما لا يجوز لمسلم أن يخطره بباله فإذ لا شك في هذا ونوقن أنه صلى الله عليه وسلم قد بين الدين كله فالدين كله بين وجميع أحكام الشريعة الإسلامية كلها جلية واضحة وقد قال عمر رضي الله عنه تركتم على الواضحة ليلها كنهارها أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا وقال أيضا رضي الله عنه سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض إلا أن يضل رجل عن عمد قال أبو محمد إلا أن من الناس من لا يفهم بعض الألفاظ الواردة في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم لشغل بال أو غفلة أو نحو ذلك وليس عدم هذا الإنسان فهم ما خفي عليه بمانع أن يفهمه غيره من الناس وهذا أمر مشاهد يقينا وهكذا عرض لعمر رضي الله عنه إذا لم يفهم آية الكلالة وفهمها غيره وقال عمر رضي الله عنه اللهم من فهمته إياها فلم يفهمها عمر وقال ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي بشيء ما أغلظ لي فيها إلى أن طعن بأصبعه في صدري وقال لحفصة ما أراه يفهمها أبدا أو كما قال صلى الله عليه وسلم فصح ما قلناه يقينا وأخبر صلى الله عليه وسلم أن آية الصيف كافية الفهم وأن عمر لم يفهمها ليس لأنها غير كافية بل هي كافية بينة ولكن لم ييسر لفهمها وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أن الحلال بين وأن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فلم يقل صلى الله عليه وسلم إنها مشتبهات على جميع الناس وإنما هي

مشتبهة على من لا يعلمها وإذ هذا كذلك فحكم من لا يعلم أن يسأل من يعلم كما قال تعالى { ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسألوا أهل لذكر إن كنتم لا تعلمون } ولم يقل فارجعوا إلى القياس فوضع دعوى هؤلاء القوم وصح أن الدين كله بين واضح وسواء كله في أنه جلي مفهوم إلا أن من الناس من يخفى عليه الشيء منه بعد الشيء لإعراضه عنه وتركه النظر فيه فقط وقد يخفى على العالم الفهم أيضا إذا نظر في مقدماته وقضاياه بفهم كليل إما لشغل بال وإما لطلبه في اللفظ ما لا يقتضيه فقط حتى يعلمه إياه العلماء الذين هو عندهم بين جلي ولو لم يكن الأمر هكذا لما عرف الجاهل صحة قول مدعي الفهم أبدا فصح أنه لما أمكن العالم إقامة البرهان حتى يفهم الجاهل من القضايا كالذي فهم العالم فإن العلم كله جلي ممكن فهمه لكل أحد ولولا ذلك ما فهم الجاهل شيئا ولا لزم من لا يفهم العمل بما لا يفهم وأيضا فيلزم فيما كان منه خفيا ما ألزموه لو كان كله خفيا وفي الجلي منه ما يلزم لو كان كله جليا ولا فرق وليس للقياس ههنا طريق البتة وبالله تعالى التوفيق واحتجوا فقالوا لما رأينا البيضتين إذا تصادمتا تكسرتا علمنا أن ذلك حكم كل بيضة لم تنكسر قالوا وهذا قياس قال أبو محمد وهذا خطأ ولم نعلم ذلك قياسا ولكن علمنا بأول العقل وضرورة الحس أن كل رخص الملمس فإنه إذا صدمه ما هو أشد منه اكتنازا أثر فيه إما بتفريق أجزائه وإما بتبديل شكله ولم نقل قط إن البيضة لما أشبهت البيضة وجب أن تنكسر إذا لاقت جرما صليبا بل هذا خطأ فاحش وفي هذا القول إبطال القياس حقا فبيضة الحنش وبيضة الوزعة وبيضة صغار العصافير لا تشبه بيضة النعام البتة في أغلب صفاتها إلا أنهما جميعا واقعان تحت نوع البيض وكلاهما ينكسر إذا لاقا جسما صليبا مكتنزا ونحن لو خرطنا صفة بيضة من عاج أو من عود البقس حتى تكون أشبه ببيضة النعامة من الماء بالماء ولم تشبه بيضة الحجلة إلا في الجسمية فقط ثم ضربنا بها الحجر لما انكسرت

فصح أن الشبه لا معنى له في إيجاب استواء الأحكام البتة وبطل قولهم إننا علمنا انكسار ما بأيدينا من البيض لشبهها بما شاهدنا انكساره منها وصح أنه من أجل الشبه بينهما وجب انكسار هذه كانكسار تلك وإنما الذي يصح بهذا فهو قولنا إن كل ما كان تحت نوع واحد فحكمه مستو وسواء اشتبها أو لم يشتبها فقد علمنا أن العنب الأسود الضخم المستطيل أو المستدير أشبه بصغار عيون البقر الأسود منه بالعنب الأبيض الصغير لكن ليس شبهه به موجبا لتساويهما في الطبيعة ولا بعده عن مشابهة العنب بموجب لاختلافهما في الطبيعة فبطل حكم التشابه جملة وصح أن الحكم للاسم الواقع على النوع الجامع لما تحته وهكذا قلنا نحن إن حكمه صلى الله عليه وسلم في واحد من النوع حكم منه في جميع النوع وأما القياس الذي ننكر فهو أن يحكم لنوع لا نص فيه بمثل الحكم في نوع آخر قد نص فيه كالحكم في الزيت تقع فيه النجاسة بالحكم في السمن يقع فيه الفأر وما أشبه هذا فهذا هو الباطل الذي ننكره وبالله التوفيق ومعرفة المرء بأول طبيعته لا ينكرها إلا جاهل أو مجنون فنحن نجد الصغير يفر عن الموت وعن كل شيء ينكره وعن النار وإن كان لم يحترق قط ولا رأى محترقا وعن الإشراف على المهواة ونجده يضرب بيده إذا غضب وهو لا يعلم أن الضرب يؤلم ويعض بفمه قبل نبات أسنانه وهو لم يعضه قط أحد فيدري ألم العض نعم حتى نجد ذلك في الحيوان غير الناطق فنجد الصغير من الثيران ينطح برأسه قبل نبات قرنيه والصغير من الخنازير يشتر بفمه قبل كبر ضرسه والصغير من الدواب يرمح قبل اشتداد حافره وهذا كثير جدا فبمثل هذا الطبع علمنا أن كل رخص المجسمة فإنه يتغير بانكسار أو تبدل شكل إذا لاقى جسما صليبا وبه علمنا أن كل نار في الأرض وفيما تحت الفلك فهي محرقة لا بالقياس البارد الفاسد وليس هذا في شيء من الشرائع البتة بوجه من الوجوه لأنه لم تكن النار قط منذ خلقها الله تعالى إلا محرقة حاشا نار إبراهيم لإبراهيم عليه السلام وحده لا لغيره بالنص الوارد فيها ولم يجز أن يقاس عليها غيرها ولا كانت البيضة قط إلا متهيئة للانكسار إذا لاقت شيئا صلبا وقد كان البر بالبر حلالا متفاضلا برهة من

الدهر وكذلك كل شيء من الشريعة واجب فقد كان غير واجب حتى أوجبه النص وغير حرام حتى حرمه النص فليست ههنا شيء أن يجب أن يقاس عليه ما لم يأت بإيجابه نص ولا تحريم أصلا وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بأن قالوا إن علمنا بما في داخل هذه الجوزة والرمانة على صفة ما إنما هو قياس على ما شاهدنا من ذلك وإلا فلعل داخلهما جوهر أو شيء مخالف لما عهدناه وكذلك أن في رؤوسنا أدمغة وفي أجوافنا مصرانا وأن هذا الصبي لم تلده حمارة وأن الأحياء يموتون إنما علمنا ذلك قياسا على ما شاهدنا قال أبو محمد وهذا من أبرد ما موهوا به وما علم قط ذو عقل أن من أجل علمنا بأن ما في داخل هذه الرمانة كالذي في داخل هذه وأن في أجوافنا مصرانا وفي رؤوسنا أدمغة وأن الناس لم تلدهم الأتن وأن الأحياء يموتون علمنا أن الزيت ينجس إذا مات فيه عصفور ولا ينجس إذا مات فيه مائة عقرب وأن التمرة بالتمرة حرام والتفاحة بالتفاحة حلال وأن البئر إذا مات فيها سنور نزح منها أربعون دلوا فإن سقط فيها نقطة بول نزحت كلها وأن من مس دبره انتقض وضوءه وأن من مس أنثييه لم ينتقض وضوءه وهل بين هذه الوجوه والتي قبلها تشبيه وإن المشبه بين هاتين الطريقتين لضعيف التمييز وتلك أمور طبيعية ضرورية تولى الله عز وجل إيقاعها في القلوب لا يدري أحد كيف وقع له علمها وهذه الأخر إما دعاوى لا دليل عليها وإما سمعية لم تكن لازمة ثم ألزم الله منها بالنص لا بالكهانة ولا بالدعوى ونحن نجد الصغير الذي لم يحب بعد وإنما هو حين هم أن يجلس إذا رأى رمانة قلق وشره إلى استخراج ما فيها وأكلها وكذلك الجوز وسائر ما يأكله الناس فليت شعري متى تعلم هذا الصبي القياس بأن ما في هذه الرمانة كالتي أطعمناه عام أول أو قبل هذا بشهر ولقد كان ينبغي لهم أن يعرفوا على هذا أحكام القياس بطبائعهم دون أن يأخذوها تقليدا عن أسلافهم ولو أنهم تدبروا العالم وتفكروا في طبائعه وأجناسه وأنواعه وفصوله وخواصه

وأعراضه لما نطقوا بهذا الهذيان فإن كانوا يريدون أن يسموا جري الطبائع على ما هي عليه قياسا فهذه لغة جديدة ولم يقصدوا بها وجه الله تعالى لكن قصدوا الشغب والتخليط كمن سمى الخنزير أيلا ليستحله والأيل خنزيرا ليحرمه وكل هذه حيل ضعيفة لا يتخلصون بها مما نشبوا فيه من الباطل وإنما تكلمهم عن المعنى لا على ما بدلوه برأيهم من الأسماء فإذ حققوا معنا المعنى الذي يرمون إثباته ونحن نبطله فحينئذ يكلف البرهان من ادعى أمرا منا ومنهم فمن أتى به ظفر ومن لم يأت به سقط وليسموه حينئذ بما شاؤوا ويكفي من سخف هذا الاحتجاج منهم أن يقال لكل ذي حس هل نسبة التين من البر كنسبة الجوزة من الجوزة وكنسبة الرمانة من الرمانة وكنسبة الإنسان من الإنسان فإن وجد في العالم أحمق يقول نعم لزمه إخراج البلوط والتين عن زكاة البر كيلا بكيل وهذا ما لا يقوله مسلم ولزمه أن يقول فيمن حلف لا يأكل برا فأكل تينا أن يحنث ولزمه أكثر من هذا كله وهو الكذب إن التين بر وإن قالوا لا تركوا قولهم في تشبيه القياس في الشرائع لمعرفتنا بأن ما في هذه الرمانة كهذه والذي لا نشك فيه فهذا الاحتجاج منهم مبطل لقولهم ومثبت لقولنا لأن الرمانة من الرمانة والجوزة من الجوزة والإنسان من الإنسان كالسمن من السمن والفأر من الفأر وكل نوع من نوعه والجوز مخالف للرمان كخلاف السنور من الفأر وخلاف الزيت للسمن وهذا هو الذي ينكره ذو عقل وأنه إذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم البر بالبر متفاضلا لزم ذلك في كل بر ولم يجب فيما ليس ببر إلا بنص آخر وإذا أمر بهرق السمن المائع الذي مات فيه الفأر وجب ذلك في كل سمن مات فيه فأر ولم يجب ذلك في غير السمن الذي مات فيه الفأر وهذا هو الذي لا تعرف العقول غيره وبالله تعالى التوفيق وأما تحريم البلوط قياسا على البر وهرقهم الزيت قياسا على السمن فهو كمن قال الذي داخل اللوز كالذي داخل الرمان ولا فرق فبطل قولهم بالبرهان الضروري وصح أن القياس إنما هو قياس نوع على نوع آخر وهذا باطل بنفس احتجاجهم وبالله تعالى التوفيق ويقال لهم أمعرفتكم بأنكم تموتون وهو شيء يستوي في الإقرار به كل ذي

حس هو مثل معرفتكم بالشرائع كالصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك مما يحرم في البيوع والنكاح وما يحل فإن قالوا لا كفونا أنفسهم وأبطلوا ما استدلوا به ههنا وإن قالوا نعم كابروا ولزمهم أن يكونوا مستغنين عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا يدرون الشريعة بطبائعهم قبل أن يعلموها وهذا ما لا يقوله ذو عقل ويقال لهم هل كان على قشر الرمان قط على لوز فإن قالوا نعم لحقوا بسكان المارستان وإن قالوا لا سألناهم أكانت الخمر قط حلالا وكان بيع البر بالبر متفاضلا غير محرم في صدر الإسلام أو لم يزل ذلك والخمر حلالا مذ خلق الله الخمر وللبر بينة الطبع فإن قالوا كانت الخمر وبيع البر متفاضلا غير حرام برهة من الإسلام ثم حرم ذلك أقروا بأن ذلك ليس من باب ما في قشر اللوز والرمان في ورد ولا صدر لأن الطبائع قد استقرت مذ خلق الله تعالى العالم على رتبة واحدة هذا معلوم بأول العقل والحس اللذين يدرك بهما علم الحقائق وأما الشرائع فغير مستقرة ولم يزل تعالى مذ خلق الخلق ينسخ شريعة بعد شريعة فيحرم في هذه ما أحل في تلك ويسقط في هذه ما أوجب في تلك ويوجب في هذه ويحل فيها ما أسقط في تلك وما حرم إلى أن نص الله تعالى أنه لا تبدل هذه الملة أبدا فصح أن من شبه الطبائع التي تعلم بالحس والعقل بالشرائع التي لا تعلم إلا بالنص لا مدخل للعقل ولا للحس في تحريم شيء منها ولا في إيجاب فرض منها إلا بعد ورود النص بذلك فهو غافل جاهل ولو احتج بهذا يهودي لا يرى النسخ لكان هذا الاحتجاج أشبه بقوله منه بقول أصحاب القياس وأما الموت فهو حكم كل جسم مركب من العناصر إلى نفس حية فقد رتب الله تعالى في العالم هذا اصطحابهما مدة ثم افتراقهما ورجوع كل عنصر إلى عنصره وليس هذا قياسا يوجب موت أهل الجنة والنار فبطل تمويههم وبالله تعالى التوفيق وقالوا القياس فائدة زائدة على النص قال أبو محمد لا فائدة في الزيادة على ما أمر الله تعالى به ولا في النقص منه بل كل ذلك بلية ومهلكة وتعد لحدود الله تعالى وظلم وافتراء وبالله تعالى نعوذ من ذلك ولا أعظم جرما ممن يقر على نفسه أنه يزيد على النص الذي أذن الله به ولم يأذن في تعديه وبالله تعالى نعوذ من الخذلان

واحتج بعضهم فقال لمن سلف من أصحابنا فقهكم في اتباع الظاهر يشبه فعل الغلام الذي قال له سيده هات الطست والإبريق فأتاه بهما ولا ماء في الإبريق فقال له وأين الماء لم تأمرني وإنما أمرتني بطست وإبريق فهاهما وأنا لا أفعل إلا ما أمرتني قال أبو محمد فقال لهم وبالله تعالى التوفيق بل فقهكم أنتم يشبه فعل المذكور على الحقيقة إذ قال له سيده إذا أمرتك بأمر فافعله وما يشبهه فعلمه سيده القياس حقا على وجهه وحفظ الغلام ذلك وقبله قبولا حسنا فوجد سيده حرارة فقال سق إلي الطبيب فإني أجد التياثا فلم ينشب أن أتاه بعض إخوانه فزعا فقال له يا فلان من مات لك فقال ما مات لي أحد فقال له فإن الغاسل والمغتسل والنعش وحفار القبور عند الباب فدعا غلامه فقال له ما هذا الباب فقال له ألم تأمرني إذا أمرتني بأمر أن أفعله وما يشبهه قال نعم قال فإنك أمرتني بسوق الطبيب لالتياثك وليس يشبه العلة وإحضار الطبيب إلا الموت والموت يوجب حضور الغاسل والنعش والحفار لحفر القبر فأحضرت كل ذلك وفعلت ما أمرتني وما يشبهه فنحن نقول إن هذا الغلام أعذر في الائتمار لأمر مولاه في الإبريق الفارغ إذ لعله يريد أن يعرضه على جليسه أو يبيعه أو يقبله لمذهب له فيه منه في جلب الحفار والغاسل والنعش قياسا على العلة والطبيب ولقد كان الغلام قوي الفهم في القياس إذ لا قياس بأيديكم إلا مثل هذا وهو أن تشبهوا حالا بحال في الأغلب فتحكمون لهما بحكم واحد وهو باب يؤدي إلى الكهانة الكاذبة والتخرص في علم الغيب والتحذلق في الاستدراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فيما لم يأذن به عز وجل وبالله تعالى نعوذ من ذلك واحتجوا فقالوا أنتم تقولون إذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين ما فهو حكم واحد في جميع نوع تلك العين التي يقع عليها اسم نوعها وهذا قياس قال أبو محمد هذا تمويه زائف وقد بينا وجه هذه المسألة وهو أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى كل من يخلق إلى يوم القيامة من الإنس والجن وليحكم كل نوع من أنواع العالم بحكم ما أمره به ربه تعالى ولا سبيل إلى أن يخاطب صلى الله عليه وسلم من لم يخلق بعد بأكثر من أن يأمر بالأمر فيلزم النوع كله إلا أن يخص صلى الله عليه وسلم كما خص أبا بردة بن نيار بقوله يجزيك ولا تجزىء جذعة عن أحد بعدك

قالوا فهلا قلتم في أمره صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت حبيش بما أمرها به إذا استحيضت إنه لازم لكل امرأة تسمى فاطمة فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق لم ينص عليه السلام على أن ذلك حكم كل امرأة تسمى فاطمة وإنما نص صلى الله عليه وسلم على أن دم الحيض أسود يعرف فإذا أقبل فافعلي كذا وإذا أدبر فافعلي كذا فنص صلى الله عليه وسلم على صفة الحيض والطهر والاستحاضة وعلى حكم كل ذلك متى ظهر فوجب التزام ذلك متى وجد الحيض أو الطهر أو الاستحاضة ثم ينعكس هذا السؤال عليهم بعد أن أريناه أنه حجة لنا فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق أنتم أهل القياس وتفتيش العلل في الديانة وتعدي القضايا عما نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما لم ينصا عليه وأنتم أهل الكهانة والاستدراك في الديانة ما لم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فاستعملوا مذهبكم في هذا الحديث فقد قال عليه السلام في دم الاستحاضة عندكم إنما هو عرق وبين أن دم الحيض أسود يعرف فكما قستم الحمرة والصفرة والكدرة على الدم الأسود فجعلتموه كله حيضا فكذلك قيسوا كل عرق يسيل من المرأة من رعاف أو جرح على عرق الاستحاضة وأحكموا لها حينئذ بحكم الاستحاضة وإلا كنتم متناقضين وتاركين للقياس ولا شك عند كل ذي حسن إن كان القياس حقا إن قياس عرق يدمي عن عرق يدمي أشبه وأولى من قياس الدلاع أو الشاهبلوط على البر والتمر على أن بعضهم قد فعل ذلك وهم الحنفيون وأوجبوا أن الوضوء ينتقض بكل عرق دمي قياسا على عرق المستحاضة عندهم فيلزمهم أن يوجبوا من ذلك الغسل كما جاء النص على المستحاضة وهذا ما لا انفكاك لهم منه وبالله تعالى التوفيق وقالوا لم نعلم أن أجسام أهل الصين كأجسامنا إلا قياسا منا بالشاهد على الغائب قال أبو محمد وهذا من الجنون المكرر وقد بينا آنفا أن علمنا بهذا علم ضروري أولي يعرف ببديهة العقل ولم يكن المميز قط من الناس إلا وهو عالم بطبعه أن كل من مضى أو يأتي أو غاب عنه من الناس فعلى هيئتنا بلا شك ولا يتشكل في عقل أحد سوى هذا

وبالضرورة يعلم كل ذي عقل أن علمنا أن المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها إلا بعد زواج يطؤها ليس من علمنا بأن أهل الصين من الناس هم على هيئاتنا بل كان جائزا أن تحل له بعد ألف طلقة دون زوج ولولا النص وهكذا القول في البئر وسائر ما وردت به النصوص لأنه قد كانت هذه الأعيان موجودة آلافا من السنين ليس فيها شيء من هذا التحريم ولا هذا الإيجاب ولم تكن الأجسام قط خالية من حركة أو سكون ولا كانت أجسام الناس على خلاف هذا الشكل الذي هم عليه والمشبه للشرائع بالطبائع مجنون أو في أسوأ حالا من الجنون لأن من سلك سبيل المجانين وهو مميز فالمجنون أعذر منه ولو أنصفوا أنفسهم لعلموا أن الذي قالوا حجة عليهم لأن علمنا بأن أجسام الناس في الصين وفيما يأتي إلى يوم القيامة على هيئة أجسامنا هو كعلمنا بعد ورود النص بأن كل بر في الصين والهند وكل بر يحدثه الله تعالى إلى يوم القيامة فحرام بيع بعضه ببعض متفاضلا وأما هم فإنه يلزمهم إذ نقلوا حكم البر المذكور إلى التين والأرز أن ينقلوا حكم أجسام الناس إلى أجسام البغال فيقولوا إن بغال الصين على هيئة أجسام الناس لأن نسبة الأرز إلى البر كنسبة البغال إلى الناس ولا فرق وكل ذلك أنواع مختلفة ويلزمهم أيضا إذا قاسوا الغائب على غير نوعه من الشاهد أن يقولوا إن الملائكة والحور العين لحم ودم قياسا على الناس وأنهم يمرضون ويفيقون ويموتون وأن فيهم حاكة وملاحين وفلاحين وحجامين وكرباسيين قياسا على الشاهد وإلا فقد نقضوا وبطلوا قياسهم للغائب على الشاهد والحق من هذا أن لا غائب عن العقل من قسمة العالم التي تدرك بالعقل ولا غائب عن السمع من الشريعة وبالله تعالى نعتصم وكل ذلك ثابت حاضر معلوم والحمد لله رب العالمين وقالوا إن كل مشتبهين فوجب أن يحكم لهما بحكم واحد من حيث اشتبها قال أبو محمد وهذا تحكم بلا دليل ودعوى موضوعة وضعها غير مستقيم والحقيقة في هذا أن الشيئين إذا اشتبها في صفة ما فهما جميعا فيها مستويان استواء واحدا ليس أحدهما أولى بتلك الصفة من الآخر ولا أحدهما أصل والثاني فرع ولا أحدهما مردود إلى الآخر ولا أحدهما أولى بأن يكون قياسا على الآخر من أن يكون الآخر قياسا

كزيد ليس أولى بالآدمية من عمرو ولا حمار خالد أولى بالحمارية من حمار محمد والغراب الأسود والسح ليس أحدهما أولى بالسواد من الآخر وهذا كله باب واحد في جميع ما في العالم وكذلك الشرائع ليس بر بغداد بأولى بالتحريم في بيع بعضه ببعض متفاضلا من بر الأندلس ولا سمن المدينة إذا مات فيه الفأر وهو مائع بأولى أن يهراق من سمن مصر فهذا هو الذي لا شك فيه وأما ما يريدون من دس الباطل وما لا يحل جملة الواجب فلا يجوز لهم بعون الله تعالى إلا على جاهل مغتر بهم أهلكوه إذ أحسن الظن بهم وذلك أنهم يريدون أن يأتوا إلى ما ساوى نوعا آخر في بعض صفاته فيلحقونه به فيما لم يستو معه وهذا هو الباطل المحض الذي لا يجوز البتة أول ذلك أنه تحكم بلا دليل وما كان هكذا فقط سقط وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المؤمن كقتله وكل مسلم يعلم أنه لا تشابه أقوى من تشابه أخبر به صلى الله عليه وسلم فإذا لا شك في هذا وصح يقينا أن لعن المؤمن كقتله وأجمعت الأمة بلا خلاف أن لعن المؤمن لا يبيح دم اللاعن كما يبيح القتل دم القاتل ولا يوجب دية كما يوجب القتل دية فبطل قول من قال إن الاشتباه بين الشيئين يوجب لهما في الشريعة حكما واحدا فيما لم على اشتباههما فيه وبعد فإن البرهان يبطل قولهم من نفس هذه المقدمة التي رتبوا وذلك أنه ليس في العالم شيئان أصلا بوجه من الوجوه إلا وهما مشتبهان من بعض الوجوه وفي بعض الصفات وفي بعض الحدود لا بد من ذلك لأنهما في محدثان أو مؤلفات أو جسمان أو عرضان ثم يكثر وجود التشابه على قدر استواء الشيئين تحت جنس أعلى ثم تحت نوع فنوع إلى أن تبلغ نوع الأنواع الذي يلي الأشخاص كقولنا الناس أو الجن أو الخيل أو البر أو التمر وما أشبه ذلك فواجب على هذه المقدمة الفاسدة التي قدموا إذا كانت عين ما مما في العالم حراما إما أن يكون ما في العالم أوله عن آخره حراما قياسا عليه لأنه يشبهه ولا بد في بعض الوجوه إن تمادوا على هذا سخطوا وكفروا وإن أبوا منه تركوا مذهبهم الفاسد في قياس الحكم فيما لم ينص عليه من الأنواع على ما نص عليه منها

ثم نلزمهم إلزاما آخر وهو أننا نجد أيضا شيئا آخر حلالا فيلزم أن يكون كل ما في العالم حلالا قياسا على هذا لأنه أيضا يشبهه من بعض الوجوه وهذا إن قالوه حمقوا وخرجوا عن الإسلام وإن أبوا منه تركوا مذهبهم الفاسد في قياس الحكم فيما لم ينص عليه من الأنواع على ما نص عليه منها ثم تجمع عليهم هذين الإلزامين معا فيلزمهم أن يجعلوا الأشياء كلها حراما حلالا معا قياسا على ما حرم وما حلل وهذا تخليط ولا شك في فساد كل قول أدى إلى مثل هذا السخف فإذ لا شك في بطلان هذا الهذيان فالواجب ضرورة أن يحكم بالتحريم فيما جاء فيه النص بالتحريم وأن يحكم بالتحليل فيما جاء فيه النص بالتحليل وأن يحكم بالإيجاب فيما جاء فيه النص بالإيجاب ولا يتعدى حدود الله تعالى فلم يبق لهم إلا أن يقولوا إن النص لا تستوعب كل شيء قال أبو محمد وهذا قول يؤول إلى الكفر لأنه قول بأن الله تعالى لم يكمل لنا ديننا وأنه أهم أشياء من الشريعة تعالى الله عن هذا والله تعالى أصدق منهم حيث يقول { وما من دآبة في لأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في لكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } و { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } و { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } فبطل قولهم بالقياس والحمد لله رب العالمين وما نعلم في الأرض بدع السوفسطائية أشد إبطالا لأحكام العقول من أصحاب القياس فإنهم يدعون على العقل ما لا يعرفه العقل من أن الشيء إذا حرم في الشريعة وجب أن يحرم من أجله شيء آخر ليس من نوعه ولا نص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم على تحريمه وهذا ما لا يعرفه العقل ولا أوجب العقل قط تحريم شيء ولا إيجابه إلا بعد ورود النص ولا خلاف في شيء من العقول أنه لا فرق بين الكبش والخنزير ولولا أن الله حرم هذا وأحل هذا فهم يبطلون حجج العقول جهارا ويضادون حكم العقل صراحا ثم لا يستحبون أن يصفوا بذلك خصومهم فهم كما قال الشاعر ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه مراد لعمري ما أراد قريب

وأيضا فإنه يقال لهم إذا قلتم إن كل شيئين اشتبها في صفة ما فإنه يجب التسوية بين أحكامهما في الإيجاب والتحليل وبالتحريم في الدين فما الفرق بينكم وبين عكس من عليكم هذا القول بعينه فقال بل كل شيئين في العالم إذا افترقا في صفة ما فإنه يجب أن يفرق أحكامهما في الإيجاب والتحليل والتحريم في الدين فأجاب بعضهم بأن قال هذا لا يجب دون أن يأتي بفرق فقال أبو محمد وهذا تحكم عاجز عن الفرق ويقال له بل قولك هو الذي لا يجب فما الفرق وقال بعضهم هذا قياس منكم فإنكم ترومون إبطال القياس بالقياس فأنتم كالذين يرومون إبطال حجة العقل بحجة العقل قال أبو محمد فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق لم نحتج عليكم بهذا تصويبا منا له ولا للقياس لكن أريناكم أن قولكم بالقياس ينهدم بالقياس ويبطل بعضه بعضا وليس في العالم أفسد من قول من يفسد بعضه بعضا فأنتم إذا أقررتم بصحة القياس فنحن نلزمكم ما التزمتم به ونحجكم به لأنكم مصوبون له مصدقون لشهادته وهو قولكم بالفساد وعلى مذاهبكم بالتناقض أقررتم به أو أنكرتموه وأما نحن فلم نصوبه قط ولا قلنا به فهو يلزمكم ولا يلزمنا وكل أحد فإنما يلزمه ما التزم ولا يلزم خصمه كما أن أخبار الآحاد المتصلة بنقل الثقات لازم لنا للاحتجاج بها علينا في المناظرة ولا نلزم من أنكرها فمن ناظرنا بها لم ندفعه عما يلزمنا بها وهذا هو فعلنا بكم في القياس وأما تشبيهكم إيانا في ذلك بمن جنح في إبطال حجة العقل بحجة العقل فتشبيه فاسد لأن المحتج علينا في إبطال حجة العقل لا يخلو من أحد وجهين إما أن يصوب ما يحتج به ويحققه فقد تناقض أو يبطل ما يأتي به فقد كفانا مؤنته ولسنا نحن كذلك في احتجاجنا عليكم بالقياس لكنا نقول لكم إن كان القياس حقا عندكم فإنه يلزمكم منه كذا وكذا وليس يقول لنا المبطلون لحجج العقول هكذا لكنهم محققون لما يحتجون به فيتناقضون إذا حققوا ما أبطلوا كما تناقضتم أنتم في إبطالكم ما حققتموه من نتائج القياس فطريقكم هي طريقهم ونحن نقول إن هذا الذي نعارضكم به من القياس أنتم التزمتم حكمه وهو عندنا باطل كقولكم سواء بسواء فإن التزمتموه أفسد قولكم وإن أبيتموه فكذلك لأنكم

تقرون حينئذ بإبطال ما قد صوبتموه ولا فساد أشد من فساد قول أدى إلى التزام الباطل وليس من يبطل قضايا العقل كذلك لأنه لا يصح شيء أصلا إلا بالعقل أو بالحواس مع العقل أو ما أنتج من ذلك فمن أبطل حجة العقل ثم ناظر في ذلك بحجة العقل فإن صححها رجع إلى الحق ودخل معنا وإن أبطلها سقط القول معه لأنه يقر أنه يتكلم بلا عقل وليس القياس هكذا بإقراركم ويكفي من هذا أن من رام إبطال حجة العقل بحجة فقد رام ما لا يجده أبدا وحجة العقل لا تبطل حجة العقل أصلا بل توجبها وتصححها وكذلك من رام إبطال خبر الواحد بخبر الواحد فإنه لا يجد أبدا خبرا صحيحا يبطل خبر الواحد وهكذا كل شيء صحيح فإنه لا يوجد شيء صحيح يعارضه أبدا هذا يعلم ضرورة ولو كان ذلك لكان الحق يبطل الحق وهذا محال في البنية وليس كذلك القياس لأنه يبطل بالقياس جهارا وبأسهل عمل فصح أنه باطل وهكذا كل باطل في العالم فإنه يبطل بعضه بعضا بلا شك وقال بعضهم من الدليل على أن حكم المماثلين حكم واحد أن الله عز وجل قد تحدى العرب بأن يأتوا بمثل هذا القرآن وأعلم أنهم لو أتوا بمثله لكان باطلا لأن مثل الباطل لا يكون إلا باطلا ومثل الحق لا يكون إلا حقا قال أبو محمد هذا قول صحيح وهو حجة عليهم لأن المشبه للباطل في أنه باطل هو بلا شك باطل وبهذا أبطلنا القياس بالقياس ورأينا أنه كله باطل وليس ما أشبه الباطل في أنه مخلوق مثله وأنه كلام مثله يكون باطلا بل هذا حكم يؤدي إلى الكفر لأن الكفر كلام والكذب كلام والقرآن كلام والحق كلام وليس ذلك بموجب اشتباه كل ذلك في غير ما اشتبه فيه يرومون وأيضا فهذا من ذلك التمويه الذي إذا كشف عاد مبطلا لقولهم بعون الله عز وجل وذلك أننا لم ننكر قط أن ما وقع عليه مع غيره اسم يجمع تلك الأشخاص فإنها كلها مستحقة لذلك الاسم بل نحن أهل هذا القول ونقول إن كل ما يوضع من الكلام في غير مواضعه التي وضعها الله تعالى فيها في الشرائع أو في غير المواضع التي وضعه فيها أهل اللغات للتفاهم فهو باطل وتحريف للكلم عن مواضعه وتبديل له وهذا محرم بالنص وتدليس بضرورة العقل وكل ما كان من الكلام موضوعا في مواضعه التي ذكرنا فهو حق

فإذ لا شك في هذا فلم نحكم لشيء من الباطل بأنه باطل من أجل شبهه بباطل آخر بل ليس أحد الباطلين أولى أن يكون باطلا من سائر الأباطيل بل كل الأباطيل في وقوعها تحت الباطل سواء ولا أحد الحقين أولى أن يكون حقا من حق آخر بل كل حق فهو في أنه حق سواء مع سائر الحقوق كلها وليس شيء من ذلك مقيسا على غيره والقول مطرد هكذا بضرورة العقل في كل ما في العالم من الشرائع وغيرها فكذلك كل بر فهو بر وكل تمر فهو تمر وكل ما أشبه البر مما ليس برا فليس برا وكل ما أشبه الذهب مما ليس ذهبا فليس ذهبا وكل ما أشبه الحرام مما لم ينه النص عنه فليس حراما وهكذا جميع الأشياء أولها عن آخرها فهذا الذي أتوا به مبطل للقياس لو عقلوا وأنصفوا أنفسهم وبالله تعالى التوفيق وإنما عول القوم على التمويه والكذب والتلبيس على من اغتر بهم فقالوا إن أصحاب الظاهر ينكرون تماثل الأشياء ثم جعلوا يأتون بآيات وأحاديث ومشاهدات فيها تماثل أشياء وهذا خداع منهم لعقولهم وما أنكرنا قط تماثل الأشياء بل نحن أعرف بوجوه التماثل منهم لأننا حققنا النظر فيها فأبانها الله تعالى لنا وهم خلطوا وجه نظرهم فاختلط الأمر عليهم وإنما أنكرنا أن نحكم للمتماثلات في صفاتهما من أجل ذلك في الديانة بتحريم أو إيجاب أو تحليل دون نص من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من الأمة فهذا الذي أبطلنا وهو الباطل المحض والتحكم في دين الله تعالى بغير هدى من الله نعوذ بالله من ذلك وقالوا أيضا إن أصحاب الظاهر يبطلون حجج العقول قال أبو محمد وكذبوا بل نحن المثبتون لحجج العقول على الحقيقة وهم المبطلون لها حقا لأن العقل يشهد أنه يحرم دون الله تعالى ولا يوجب دون الله تعالى شريعة وأنه إنما يفهم ما خطب الله تعالى به حامله ويعرف الأشياء على ما خلقها الله تعالى عليه فقط وهم يحرمون بعقولهم ويشرعون الشرائع بعقولهم بغير نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع من الأمة فهذا هو إبطال حجج العقول على الحقيقة وبالله تعالى التوفيق واحتجوا بالموازنة يوم القيامة قال أبو محمد وهذا من أغرب ما أبدوا فيه عن جهلهم وهل هذا إلا نص جلي

وأي شيء من موازنة أعمال العباد وجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته والعفو عن التائب بعد أن أجرم والعفو عن الصغائر باجتناب الكبائر والمؤاخذة بها لمن فعل كبيرة وأصر عليها مما يحتج به في إيجاب تحريم الأرز بالأرز متفاضلا وهل يعقل وجوب هذا من موازنة الأعمال يوم القيامة وجزاء الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة وجزاء السيئة بمثلها إلا مجنون مصاب وقالوا أخبرونا عن قولكم بالدليل أبنص قلتموه أم بغير نص فإن قلتم قلناه بنص فأروناه وإن قلتم بغير نص دخلتم فيما عبتم من القياس قال أبو محمد وقد أفردنا فيما خلا من كتابنا هذا بابا لبيان الدليل الذي نقول به فأغني عن ترداده إلا أننا نقول ههنا جوابا لهم وبالله تعالى التوفيق ما لا يستغني هذا المكان عن إيراده وهو أن الدليل نقول هو المقصود بالنص نفسه وإن كان بغير لفظه كقول الله تعالى { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } فبالضرورة نعلم أنه ليس بسفيه ومثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام فصح ضرورة من هذا اللفظ أن كل مسكر حرام فدليلنا هو النص والإجماع نفسه لا ما سواهما وبالله تعالى التوفيق وقالوا لا نص في ميراث من بعض حر وبعضه عبد ولا في حده ولا في ديته فما تقولون في ذلك وكذلك نكاحه وطلاقه والجناية عليه ومنه قال أبو محمد وصاحب هذا الكلام كان أولى به أن يتعلم قبل أن يتكلم وذلك أن النص ورد بعموم ميراث الأبناء والبنات والآباء والأمهات والإخوة والأخوات والعصبة والأزواج فواجب ألا يخرج عن النص أحد فيمنع الميراث إلا بنص والنص قد صح من حديث علي وابن عباس إن المكاتب إذا أصاب حدا أو دية أو ميراثا ورث وورث منه وأقيم عليه الحد وودي بمقدار ما أدى دية وميراث حر وبمقدار ما لم يؤده دية عبد وميراث عبد فحص أن العبد لا يرث وقد قال قوم من العلماء إن لهما من الميراث بمقدار ما فيهما من الحرية وقال آخرون لا شيء لهما من الميراث فكان قول هؤلاء مساقطا لمخالفته النص ولأنه دعوى بلا دليل فلم يبق قول من قال إن لهما من الميراث بمقدار ما فيهما من الحرية فقلنا به

فهكذا القول في حده وديته إذ قد بطل قول من قال إن حده كحد الحر بحديث ابن عباس في المكاتب إذا في نص ذلك الحديث الفرق بين حد الحر وحد العبد وأما نكاحه فإن النص جاء بأن كل عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه عهر والمعتق بعضه ليس عبدا كله ولا حرا كله ولا ينتقل عن حكمه المجمع عليه والثابت عليه بالنص إلا بنص آخر أو إجماع فهو غير خارج عن هذا النص فليس له أن ينكح كسائر المسلمين إلا بإذن من له فيه ملك وطلاقه جائز على عموم النص في المطلقين وأما جنايته والجناية عليه وشهادته فكالأحرار ولا فرق إذ لم يمنع من ذلك نص ولا إجماع هذا مع صحة حديث ابن عباس في ميراث المكاتب وديته وحدوده وإن ذلك بمقدار ما فيه من الحرية والرق وقسموا أنواع القياس فقال بعضهم من القياس قياس المفهوم مثل قياس رقبة الظهار على رقبة القتل قالوا ومنه قياس العلة كالعلة الجامعة بين النبيذ والخمر وهي الإسكار والشدة ومنه قياس الشبه ثم اختلفوا في هذا النوع من القياس فقالوا هو على الصفات الموجودة في العلة وذلك مثل أن يكون في الشيء خمسة أوصاف من التحليل وأربعة من التحريم فيغلب الذي فيه خمسة أوصاف على الذي فيه أربعة أوصاف وقال آخرون منهم وهو على الصور كالعبد يشبه البهائم في أنه سلعة متملكة ويشبه الأحرار في الصور الآدمية وأنه مأمور منهي بالشريعة قال أبو محمد وكل هذا فاسد باطل متناقض لأنه كله دعاوى باردة بلا دليل على صحة شيء منها ثم تسميتهم قياس الرقبة في الظهار على الرقبة في القتل أنه مفهوم وليت شعري بماذا فهموه حتى علموا أنها لا تجزىء إلا مؤمنة هذا وقد خالفهم إخوانهم من القائسين في ذلك من أصحاب أبي حنيفة فلم يفهموا من هذا القياس العجيب ما فهم الشافعي والمالكي وكل ما فهم من كلام فأهل اللغة متساوون في فهمه بلا شك فصار دعواهم للفهم كذبا ثم هلا إذا فهموا أن كلتا الرقبتين سواء مشوا في قياسهم ففهموا أنه يجب التعويض من الصيام في القتل إطعام ستين مسكينا كالتعويض لذلك من صيام الظهار كما تساوى التعويض من رقبتي الظهار والقتل صيام شهرين متتابعين فما هذا التباين في فهم ما لا تقضيه الآية ولا اللغة وأما قولهم قياس العلة وأن النبيذ مقيس على الخمر فكذب مجرد بارد سمج وجرأة على الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام

فساوى صلى الله عليه وسلم بين كل مسكر ولم يخص من عنب ولا تمر ولا تين ولا عسل ولا غير ذلك ثم أخبر أن كل مسكر حرام فليست خمر العنب في ذلك بأولى من خمر التين ولا خمر العنب أصلا وغيرها فرعا بل كل ذلك سواء بالنص فظهر برد قولهم وفساده فإن قالوا فهلا كفرتم من استحل نبيذ التين المسكر كما تكفرون مستحل عصير العنب المسكر قيل له وبالله تعالى التوفيق إنما كفرنا من استحل عصير العنب المسكر لقيام الحجة بالإجماع ولو استحله جاهل لم يعرف الإجماع في ذلك ما كفرناه حتى يعرفه بالإجماع وكذلك لم نكفر مستحل نبيذ التين لجهله بالحجة في ذلك ولو أنه يصح عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم كل مسكر على عمومه ثم يستجيز مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لكان كافرا بلا شك وقد أفردنا بعد هذا بابا ضخما في إبطال قولهم في العلل وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم في موازنة صفات التحليل وصفات التحريم فإنا نقول لهم هبكم لو سامحناكم في هذا الهذيان المفترى وماذا تصنعون إذا تساوت عندكم صفات التحريم وصفات التحليل فإن قالوا نغلب التحريم احتياطا قلنا لهم ولم لا تغلبوا التحليل تيسيرا لقول الله تعالى { شهر رمضان لذي أنزل فيه لقرآن هدى للناس وبينات من لهدى ولفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد لله بكم ليسر ولا يريد بكم لعسر ولتكملوا لعدة ولتكبروا لله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } وإن قالوا نغلب التحليل قيل لهم وهلا غلبتم التحريم ولقول الله تعالى { كتب عليكم لقتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ولله يعلم وأنتم لا تعلمون } فظهر بطلان قولهم وفساده وبالجملة فليس تغليب أحد الوجهين أولى من الآخر وقد قال تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم لكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على لله لكذب إن لذين يفترون على لله لكذب لا يفلحون } فنص تعالى على أن كل محرم ومحلل بغير نص من الله تعالى فهو كاذب ومفتر وبالله تعالى التوفيق وأيضا فلو كانت صفة شبه التحريم توجب التحريم وصفة شبه التحليل توجب التحليل لما وجد كلا الأمرين في شيء واحد البتة لأنه كان يجب من ذلك أن يكون الشيء حراما حلالا معا وهذا حمق محال فصح أن الشبه لا يوجب تحريما ولا تحليلا كثرت الأوصاف بذلك أو قلت

وقد أقدم بعضهم فقال إن الله تعالى قال { يسألونك عن لخمر ولميسر قل فيهمآ إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل لعفو كذلك يبين لله لكم لآيات لعلكم تتفكرون } قالوا غلب تعالى الإثم فحرمها قال أبو محمد هذا من الجرأة على القول على الله تعالى بغير علم وهذا يوجب إن الله تعالى اعترضه في الخمر والميسر أصلان أحدهما المنافع والثاني الإثم فغلب الإثم هذا هو نص كلامهم وظاهره ومقتضاه وليت شعري من رتب هذا الإثم في الخمر والميسر وقد كانا برهة قبل التحريم حلالين لا إثم فيهما وقد شربها أفاضل الصحابة رضي الله عنهم وأهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتنادم الصالحون عليها أزيد من ستة عشر عاما في الأصل صح ذلك عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبي دجانة وأبي طلحة وأبي أيوب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو بن حرام وغيرهم كلهم شربوا الخمر بعد الهجرة واصطحبها جماعة يوم أحد ممن أكرمهم الله تعالى في ذلك اليوم بالشهادة فهل أحدث الإثم فيها بعد أن لم يكن إلا الله تعالى فأين قول هؤلاء النوكى إن الله تعالى حرمها لأجل الإثم الذي فيها أو لأجل الشدة والإسكار وهل هذا إلا كذب بحت وهل حدث الإثم إلا بعد حدوث التحريم بلا فصل وهل خلط قط عن الشدة والإسكار مذ خلقها الله تعالى فبطل قولهم بتجاذب الأوصاف والحمد لله كثيرا وأما قولهم في تغليب الصورة الآدمية في العبيد على شبهة البهائم إنه سلعة مملوكة فقول بارد وهلا إذ فعلوا ذلك قبلوا شهادته إذ غلبوا شبهة الأحرار على شبهة البهائم وهل هذا كله إلا لهو ولعب وشبيه بالخرافات نعوذ بالله من الخذلان ومن تعدي حدوده ومن القول في الدين بغير نص من الله تعالى أو رسوله وحسبنا الله ونعم الوكيل وإذا أبطلوا حكم الشبه من أجل شبه آخر أقوى منه فقد صاروا إلى قولنا في إبطال حكم التشابه في إيجاب حكم له في الدين لم يأت به نص ثم تناقضوا في إثباته مرة وإبطاله أخرى بلا برهان

وشنع بعضهم بأن قال إن إبطال القياس مذهب النظام ومحمد بن عبد الله الإسكافي وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر وعيسى المراد وأبي عفار وبعض الخوارج وإن من هؤلاء من يقول إن بنات البنين حلال وكذلك الجدات وكذلك دماغ الخنزير قال أبو محمد ولسنا ننكر أن تقول اليهود لا إله إلا الله ونقولها أيضا نحن ولكن إذا ذكروا هؤلاء فلا تنسوا القائلين بقولهم القياس أبا الهذيل العلاف وأبا بكر بن كيسان الأصم وجهم بن صفوان وبشر بن المعتمر ومعمرا وبشرا المريسي والأزارقة وأحمد بن حائط ومن هؤلاء من يقول بقياس الأطفال على الكبار وأنهم نسخت أرواحهم في الأطفال وبالقياس على قوم نوح فأباحوا قتل الأطفال وقاسوا فناء الجنة والنار على فناء الدنيا وغير ذلك من شنيع الأقوال فهذا كل ما موهوا به في نص القياس قد تقصيناه والحمد لله ولم ندع منه بقية وبينا بعون الله أنه لا حجة لهم بوجه من الوجوه ولا متعلق في شيء منه البتة وأنه كله عائد عليهم ومبطل لقولهم في إثبات القياس وقد كان هذا يكفي من تكلف إبطال القياس لأن كل قول لا يقوم بصحته برهان فهو دعوى ساقطة ولكنا لا نقطع بذلك حتى نورد بحول الله البراهين القاطعة على إبطال القياس والقول به

فصل في إبطال القياس وهذا حين نأخذ في إبطال القياس بالبراهين الضرورية إن شاء الله تعالى قال أبو محمد ويقال للقائلين بالقياس أليس قد بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الإنس والجن فأول ما دعاهم إليه فقول لا إله إلا الله ورفض كل معبود دون الله تعالى ومن وثن وغيره وأنه رسول الله فقط لم يكن في الدين شريعة غير هذا أصلا لا إيجاب حكم ولا تحريم شيء فمن قولهم وقول كل مسلم وكافر نعم هذا أمر لا شك فيه عند أحد فإذ هذا لا خلاف فيه ولا شك فيه ولا ينكره أحد فقد كان الدين والإسلام لا تحريم فيه ولا إيجاب ثم أنزل الله تعالى الشرائع فما أمر به فهو واجب وما نهى عنه فهو حرام ومالم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق حلال كما كان هذا أمر معروف ضرورة بفطرة العقول من كل أحد ففي ماذا يحتاج إلى القياس أو إلى الرأي أليس من أقر بما ذكرنا ثم أوجب ما لا نص بإيجابه أو حرم ما لا نص بالنهي عنه قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقال ما لا يحل القول به وهذا برهان لائح واضح وكاف لا معترض فيه ثم يقال لهم أيضا وبالله تعالى التوفيق فماذا يحتاج إلى القياس أفيما نص عليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أم فيما لم ينص عليه فإن قالوا فيما نص عليه فارقوا الإجماع وقاربوا الخروج عن الإسلام لأنه لم يقل بهذا أحد وهو مع ذلك قول لا يمكن أحد أن يقوله لأنه لا قياس إلا على أصل يرد ذلك الفرع إليه ولا أصل إلا نص أو إجماع فصح على قولهم أن القياس إنما هو مردود إلى النص

وإن قالوا فيما لم ينص عليه فقلنا وبالله تعالى التوفيق قال الله تعالى { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } وقال تعالى { وما من دآبة في لأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في لكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } وقال تعالى { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اللهم هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن مرة الهمداني قال قال عبد الله بن مسعود من أراد العلم فليثر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين هكذا رويناه عن مسروق والزهري أنه ليس شيء اختلف فيه إلا وهو في القرآن فصح بنص القرآن أنه لا شيء من الدين وجميع أحكامه إلا وقد نص عليه فلا حاجة بأحد إلى القياس فإن قالوا إنما نقيس النوازل من الفروع على الأصول قال أبو محمد وهذا لأنه ليس في الدين إلا واجب أو حرام أو مباح ولا سبيل إلى قسم رابع البتة فأي هذه أصل وأي هذه فرع فبطل قولهم وصح أن أحكام الدين كلها أصول لا فرع فيها وكلها منصوص عليه فلما اختلف الناس قط إلا في الأصول كالوضوء والصلاة والزكاة والحج والحرام من البيوع والحلال منها وعقود النكاح والطلاق وما أشبه ذلك فإن قالوا لسنا ننكر أن الله تعالى لم يفرط في الكتاب من شيء ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين ولكن النص والبيان ينقسم قسمين أحدهما نص على الشيء باسمه والثاني نص عليها بالدلالة وهذا هو الذي نسميه قياسا وهو التنبيه على علة الحكم فحيثما وجدت تلك العلة حكم بها قالوا وهذا هو الاختصار وجوامع الكلم التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لهم وبالله تعالى التوفيق هذا هو الباطل لأن الذي تذكرون دعوى بلا دليل وتلك الدلالة تخلو من أن تكون موضوعة في اللغة التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن لذلك المعنى بعينه

فهذا غير قولكم وهذا هو القسم الأول من النص على الشيء باسمه فلا تموهوا فتجعلوا النص قسمين أو تكون تلك الدلالة غير موضوعة في اللغة التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن لذلك المعنى فإن كانت كذلك فهذا هو التلبيس والتخليط الذي تنزه الله تعالى ونزه رسوله صلى الله عليه وسلم عنه ولا يحل لأحد أن ينسب هذا إلى الله تعالى ولا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا برهان ضروري ولا محيد عنه بين لا إشكال فيه على من له أقل فهم وليس هذا طريق اختصار ولا تنبيه ولا بيان ولكنه خبط وإشكال وإفساد وتدليس ولا تنبيه ولا بيان فيمن يريد أن يعلمنا حكم الصداق فلا يذكر صداقا ويدلنا على ذلك بما نقطع فيه اليد أو يريد الأكل فيذكر الوطء أو يريد الجوز فيذكر الملح أو يريد المخطىء فيذكر المتعمد وهذا تكليف ما لا يطاق وإلزام لعلم الغيب والكهانة وإيجاب للحكم بالظن الكاذب تعالى الله عن ذلك وتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وإنما الاختصار وجوامع الكلم والتنبيه أن يأتي إلى المعنى الذي يعبر عنه بألفاظ كثيرة فيبينه بألفاظ مختصرة جامعة يسيرة لا يشذ عنها شيء من المراد بها البتة ولا تقتضي من غير المراد بها شيئا أصلا فهذا هو حقيقة الاختصار والبيان والتنبيه وذلك مثل قول الله تعالى { لشهر لحرام بلشهر لحرام ولحرمات قصاص فمن عتدى عليكم فعتدوا عليه بمثل ما عتدى عليكم وتقوا لله وعلموا أن لله مع لمتقين } فدخل تحت هذا اللفظ مالو تقصى لملئت منه أسفار عظيمة من ذكر قطع الأعضاء عضوا عضوا وكسرها عضوا عضوا والجراحات جرحا جرحا والضرب هيئة هيئة وذكر أحد الأموال وسائر ما يقتضيه هذا المعنى من تولي المجني عليه للاقتصاص ونفاذ أمره في ذلك ومثل قوله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار وسائر كلامه صلى الله عليه وسلم وأما من إسقاط معاني أرادها فلم يذكرها بالاسم الموضوع لها في اللغة التي بها خوطبنا وطمع أن يدل عليها باسم غير موضوع لها في اللغة فهذا فعل الشيطان المريد إفساد الدين والتخليط على المسلمين لا فعل رب العالمين وخاتم النبيين وبالله تعالى نستعين فإن قالوا لسنا نقول إنه تنزل نازلة لا توجد في القرآن والسنة لكنا نقول إنه يوجد حكم بعض النوازل نصا وبعضها بالدليل

قيل لهم وبالله تعالى التوفيق إن هذا حق ولكن إذا كان هذا الدليل الذي تذكرون لا يحتمل إلا وجها واحدا فهذا قولنا لا قولكم وأما إن كان ذلك الدليل يحتمل وجهين فصاعدا فهذا ينقسم على قسمين إما أن يكون هنالك نص آخر بين مراد الله تعالى من ذينك الوجهين فصاعدا بيانا جليا أو إجماع كذلك فهذا هو قولنا والنص بعينه لم نزل عنه وإما ألا يكون هنالك نص آخر ولا إجماع يبين بأحدهما مراد الله عز وجل من ذلك فهذا إشكال وتلبيس تعالى الله عن ذلك ولا يحل لأحد أن ينسب هذا إلى شيء من دين الله تعالى الذي قد بينه غاية البيان رسوله صلى الله عليه وسلم فإن قالوا إن التشابه بين الأدلة هو أحد الأدلة على مراد الله تعالى قيل لهم هذه دعوى تحتاج إلى دليل يصححها وما كان هكذا فهو باطل بإجماع ولا سبيل إلى وجود نص ولا إجماع يصحح هذه الدعوى ولا فرق بينها وبين من جعل قول إنسان من العلماء بعينه دليلا على مراد الله تعالى في تلك المسألة وكل هذا باطل وافتراء على الله تعالى وأيضا فإنهم في التشابه الموجب للحكم مختلفون فبعضهم يجعل صفة ما علة لذلك الحكم وبعضهم يمنع من ذلك ويأتي بعلة أخرى وهذا كله تحكم بلا دليل وقد صحح بعضهم العلة بطردها في معلولاتها وهذا تخليط تام لأن الطرد إنما يصحح بعد صحة العلة لأن الطرد إنما هو فرع يوجبه صحة العلة وإلا فهو باطل ومن المحال ألا يصح الأصل إلا بصحة الفروع وأيضا فإنهم إذا اختلفوا في طرد تلك العلة فليس من طردها ليصححها بأولى ممن لم يطردها ليبطلها وطرد غيرها وهذا كله تحكم في الدين لا يجوز وذلك نحو طرد الشافعي علة الأكل في الربا ومنع أبي حنيفة ومالك من ذلك وطرد أبي حنيفة علة الوزن والكيل ومنع مالك والشافعي من ذلك وطرد مالك علة الادخار والأكل ومنع أبي حنيفة والشافعي من ذلك فإن قالوا فأرونا جمع النوازل منصوصا عليها قلنا لو عجزنا عن ذلك لما كان عجزنا حجة على الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم إذ لم ندع لكم الواحد فالواحد منه الإحاطة بجميع الفتن لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة فكيف ونحن نأتيكم

بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة وهو الخبر الصحيح الذي ذكرناه قبل بإسناده وهو قوله صلى الله عليه وسلم دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه فصح نصا أن ما لم يقل فيه النبي صلى الله عليه وسلم فليس واجبا لأنه لم يأمر به وليس حراما لأنه لم ينه عنه فبقي ضرورة أنه مباح فمن ادعى أنه حرام مكلف أن يأتي فيه بنهي من النبي صلى الله عليه وسلم فإن جاء سمعنا وأطعنا وإلا فقوله باطل ومن ادعى فيه إيجابا كلف أن يأتي فيه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم فإن جاء به سمعنا وأطعنا وإن لم يأت به فقوله باطل وصح بهذا النص أن كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم فهو فرض علينا إلا ما لم نستطع من ذلك وأن كل ما نهانا عنه فحرام حاشا ما بينه صلى الله عليه وسلم أنه مكروه أو ندب فقط فلم يبق في الدين حكم إلا وهو ههنا منصوص جملة ثم نعكس عليهم هذا السؤال وهذا القول فنقول لهم أنتم تقولون لا نازلة إلا ولها نظير في القرآن أو السنة فنحن نعكس السؤال عن تلك النوازل التي تريدون سؤالنا عنها من دينار وقع في محبرة وسائر تلك الحماقات فأرونا نظائرها في القرآن والسنة وأنتم تقرون أنه لا نصوص فيها فخبرونا كيف تصنعون فيها أتحكمون فيها بقولكم فهذا دينكم لا دين الله ففي هذا ما فيه فظهر فساد كل سؤال لهم والحمد لله رب العالمين كثيرا وقال من سلف من أصحابنا رحمهم الله يقال لمن قال بالقياس قد أجمعتم أنتم وجميع المسلمين بلا خلاف من أحد منهم على أن الأحكام كلها في الديانة جائز أن تؤخذ نصا واتفقوا كلهم بلا خلاف من واحد منهم لا من القائلين بالقياس ولا من غيرهم على أن أحكام الديانة كلها لا يجوز أن تؤخذ قياسا ولا بد عندهم من نص يقاس عليه فيقال لأصحاب القياس عندكم حقا فمن ههنا ابدؤوا به فقيسوا ما اختلفنا فيه من المسائل التي جوزتم القياس فيها ومنعنا نحن منها على ما اتفقنا عليه من المسائل التي أقررتم أنها لا يجوز أن تؤخذ قياسا فإن لم تفعلوا فقد تركتم القياس وإن فعلتم تركتم القياس ولسنا نقول إن هذا العمل صحيح عندنا ولكن صحيح على أصولكم ولا أبطل من قول نقض بعضه بعضا ويقال لهم وجدنا مسائل كثيرة قد أجمعتم وأنتم وجميع الأمة على ترك القياس فيها

كقاتل تاب قبل أن يقدر عليه وندم فلا يسقط عنه القصاص عند أحد ولم تقيسوا ذلك على محارب تاب قبل أن يقدر عليه فالحد في الحرابة عنه ساقط وكذلك اتفقوا على ألا يقاس الغاصب على السارق وكلاهما أخذ مالا محرما عمدا أو كترك قياس تعويض الإطعام من الصيام في قتل الخطأ على تعويضه من الصيام في الظهار ومثل هذا كثير جدا بل هو أكثر مما قاسوا فيه فلو كان القياس حقا ما جاز الإجماع على تركه كما لا يجوز الإجماع على ترك الحق الذي هو القرآن أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مما صح عنه فإنه لم يجمع قط على ترك شيء منه إلا لنص آخر ناسخ له فقط وهذا يوجب بطلان القياس ضرورة ويقال لهم أخبرونا عن القياس أيخلو عندكم أن يحكم للشيء الذي لا نص فيه ولا إجماع بمثل الحكم الذي فيه نص أو إجماع إما لعلة فيهما معا هي في المحكوم فيه علامة الحكم وإما لنوع من الشبه بينهما وإما مطارفة لا لعلة ولا لشبه ولا سبيل إلى قسم رابع أصلا فإن قالوا مطارفة لا لعلة ولا لشبه كفونا مؤنتهم وصار قائل هذا ضحكة ومهزأة ولم يكن أيضا أولى بما يحكم به من غيره يحكم في ذلك الأمر بحكم آخر وهذا ما لا يقوله أحد منهم فإن قالوا بل لنوع من الشبه قيل لهم وما دليلكم على أن ذلك النوع من الشبه يجب به ذلك الحكم ولا سبيل إلى وجود ذلك الدليل وتعارضون أيضا بشبه آخر يوجب حكما آخر وهذا أبدا فإن قالوا بل لعلة جامعة بين الحكمين سألناهم ما الدليل على أن الذي تجعلونه علة الحكم هي علة الحقيقة فإن ادعوا نصا فالحكم حينئذ للنص ونحن لا ننكر هذا إذا وجدناه فإن قالوا غير النص قلنا هذا الباطل والدعوى التي لا برهان على صحتها وما كان هكذا فهو ساقط بنص القرآن وبحكم الإجماع والعقول وإن قالوا طرد حكم العلة دليل على صحتها قيل لهم طردكم أنتم أو طرد أهل الإسلام فإن قالوا طرد أهل الإسلام قيل هذا إجماع لا خلاف فيه ولسنا نخالفكم في صحة الإجماع إذا وجد يقينا وإن قالوا بل طردنا نحن قيل لهم ما طردكم أنتم حجة على أحد فهاتوا برهانكم على صحة دعواكم إن كنتم صادقين وهذا ما لا مخلص منه أصلا والحمد الله رب العالمين

قال أبو محمد وقال جاءت نصوص بإبطال القياس فمن ذلك قول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا لا تقدموا بين يدي لله ورسوله وتقوا لله إن لله سميع عليم } وقال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن لسمع ولبصر ولفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } وقال تعالى { وما من دآبة في لأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في لكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } وقال تعالى { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا } وهذه نصوص مبطلة للقياس وللقول في الدين بغير نص لأن القياس على ما بينا قفو لما لا علم لهم به وتقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واستدراك على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يذكراه فإن قال أهل القياس فلعل إنكاركم للقياس قول بغير علم وقفو لما لا علم لكم به وتقدم بين يدي الله ورسوله قيل لهم وبالله تعالى التوفيق نحن نريكم إنكارنا للقياس أنه قول بعلم وبنص وبيقين وذلك أن الله عز وجل قال { ولله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم لسمع ولأبصار ولأفئدة لعلكم تشكرون } فصح يقينا لا شك فيه أن الناس خرجوا إلى الدنيا لا يعلمون شيئا أصلا بنص كلام الله عز وجل وقال تعالى { كمآ أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم لكتاب ولحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } فصح يقينا أن الله أرسل محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم إلينا ليعلمنا ما لم نعلم فصح ضرورة أن ما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الدين فهو الحق وما لم يعلمنا منها فهو الباطل وحرام القول به وقال تعالى يعني به إبليس اللعين { إنما يأمركم بلسوء ولفحشآء وأن تقولوا على لله ما لا تعلمون } وقال تعالى { قل إنما حرم ربي لفواحش ما ظهر منها وما بطن ولإثم ولبغي بغير لحق وأن تشركوا بلله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على لله ما لا تعلمون }

فصح بنص القرآن أننا خرجنا إلى الدنيا لا نعلم شيئا ثم حرم علينا القول على الله تعالى بما لا نعلم وأخبرنا تعالى أن إبليس يأمرنا بأن نقول على الله ما لا نعلم فقد صح بهذه النصوص ضرورة أن القول بقياس وبغير القياس كمن أثبت العنقاء والغول والكيميا وكقول الروافض في الإمام وكقول من قال بالإلهام وكل هذا فالقول به على الله تعالى في الدين حرام مقرون بالشرك أمر من أمر إبليس إلا ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الحق الذي نقوله على الله تعالى ولا يحل لنا أن نقول عليه غيره فإذ لم يأمرنا عليه السلام بالقياس فهو حرام من أمر الشيطان بلا شك وقد بينا فيما خلا كل ما شغبوا مما أرادوا التمويه به فيه بالحديث فحرم القول بالقياس البتة وبهذا بطل كل قول بلا برهان على صحته حتى لو لم يقيم برهان بإبطاله فلو لم يكن لنا برهان على إبطال القياس لكان عدم البرهان على إثباته برهانا في إبطاله لأن الفرض علينا ألا نوجب في الدين شيئا إلا ببرهان وإذ ذلك كذلك فالفرض علينا أن نبطل كل قول قيل في الدين حتى يقوم برهان بصحته وهذا برهان ضروري لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق وقد اعترض بعضهم في قول الله تعالى { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعدي وبما روي عن عائشة رضي الله عنها قولها لم يكن الوحي قط أكثر منه قبيل موت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه أشياء زائدة على ما كان حين قوله تعالى في حجة الوداع { حرمت عليكم لميتة ولدم ولحم لخنزير ومآ أهل لغير لله به ولمنخنقة ولموقوذة ولمتردية ولنطيحة ومآ أكل لسبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على لنصب وأن تستقسموا بلأزلام ذلكم فسق ليوم يئس لذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وخشون ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لأسلام دينا فمن ضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن لله غفور رحيم } واعترض آخرون من أهل الجهل على الحديث المذكور بالآية المذكورة وصوبوا فعل عمر وقوله في ذلك اليوم قال أبو محمد وهذان الاعتراضان من هاتين الطائفتين لا يشبهان اعتراض المسلمين وإنما يشبهان اعتراض أهل الكفر والإلحاد وبعيد عندنا أن يعترض بها مسلم صحيح الباطن لأن الطائفة الأولى مكذبة لله عز وجل في قوله إنه أكمل ديننا مدعية أنه

كانت هنالك أشياء لم تكمل والطائفة الثانية مجهلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدعية عليه الكذب في أمر الكتاب الذي أراد أن يكتبه أو التخطيط في كلامه وأن قول عمر أصوب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين القولين كفر مجرد وكل هذه النصوص حق لا تعارض بين شيء منها بوجه من الوجوه لأن الآية المذكورة نزلت يوم عرفة في حجة الوداع قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وحتى لو نزلت بعد ذلك شرائع لما كان نزولها معارضا للآية المذكورة لأن الدين في كل وقت تام كامل ولله تعالى أن يمحو من الدين ما يشاء وأن يزيد فيه وأن يثبت وليس ذلك لغيره بل قد صح أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبيل موته بساعة بإخراج الكفار من جزيرة العرب وألا يبقى فيها دينان ولمن يكن هذا الشرع ورد قبل ذلك ولو ورد لما أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما غرضنا في هذه الآية أن الله تعالى تولى إكمال الدين وما أكمله الله تعالى فليس لأحد أن يزيد فيه رأيا ولا قياسا لم يزدهما الله تعالى في الدين وهذا بين وبالله تعالى التوفيق وأما أمر الكتاب الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام فإنما كان في النص على أبي بكر رضي الله عنه ولقد وهل عمر وكل من ساعده على ذلك وكان ذلك القول منهم خطأ عظيما ولكنهم الخير أرادوا فهم معذورون مأجورون وإن كانوا قد عوقبوا على ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالخروج عنه وإنكاره عليهم التنازع بحضرته ولقد ولد الامتناع من ذلك الكتاب من فرقة الأنصار يوم السقيفة ما كاد يكون فيه بوار الإسلام لولا أن الله تداركنا بمنه وولد من اختلاف الشيعة وخروج طوائف منهم عن الإسلام أمرا يشجي نفوس أهل الإسلام فلو كتب ذلك الكتاب لانقطع الاختلاف في الإمامة ولما ضل أحد فيها لكن يقضي الله أمرا كان مفعولا وقد أبى ربك إلا ما ترى وهذه زلة عالم نعني قول عمر رضي الله عنه يومئذ قد حذرنا من مثلها وعلى كل حال فنحن نثبت ونقطع ونوقن ونشهد بشهادة الله تعالى ونبرأ من كل من لم يشهد بأن الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يمله في ذلك اليوم في الكتاب الذي أراد أن يكتبه لو كان شرعا زائدا من تحريم شيء لم يتقدم تحريمه أو تحليل شيء تقدم تحريمه أو إيجاب

شيء لم يتقدم إيجابه إو إسقاط إيجاب شيء تقدم إيجابه لما ترك صلى الله عليه وسلم بيانه ولا كتابه لقول عمر ولا لقول أحد من الناس فصح ضرورة أنه فيما قد علم بوحي الله تعالى إليه أنه سيتم من ولاية أبي بكر وذلك بين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الذي قد ذكرنا قبل ويأبى الله والمؤمنون وروي أيضا والنبيون إلا أبا بكر فوضح البرهان بصحة قولنا يقينا والحمد لله كثيرا وأما تتابع الوحي فإنما كان بلا شك تأكيدا في التزام ما نزل من القرآن قبل ذلك ومثل ما روي من { إذا جآء نصر لله ولفتح * ورأيت لناس يدخلون في دين لله أفواجا } ونزول { وتقوا يوما ترجعون فيه إلى لله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وآية الكلالة التي قد تقدم حكمها فصح أنه لا تعارض بين شيء من هذه النصوص والحمد لله رب العالمين فإن قالوا فأرونا كل نازلة تنزل على ما تقولون في نص القرآن والسنة قلنا لهم نعم وبالله تعالى التوفيق وهذا واجب علينا وأول ذلك أن نقرر ما الديانة وهي أن نقول إن أحكام الشريعة كلها أولها عن آخرها تنقسم ثلاثة أقسام لا رابع لها وهي فرض لا بد من اعتقاده والعمل به مع ذلك وحرام لا بد من اجتنابه قولا وعقدا وعملا وحلال مباح فعله ومباح تركه وأما المكروه والمندب إليه فداخلان تحت المباح على ما بينا قبل لأن المكروه لا يأثم فاعله ولو أثم لكان حراما ولكن يؤجر فاعله والمندوب إليه لا يأثم تاركه ولو أثم لكان فرضا ولكن يؤجر فاعله فهذه أقسام الشريعة بإجماع من كل مسلم وبضرورة وجود العقل في القسمة الصحيحة إلى ورود السمع بها فإذ لا شك في هذا فقد قال الله عز وجل { هو لذي خلق لكم ما في لأرض جميعا ثم ستوى إلى لسمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } وقال تعالى { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر سم لله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما ضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بلمعتدين } فصح بهاتين الآيتين أن كل شيء في الأرض وكمل عمل فمباح حلال إلا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه اسمه نصا عليه في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه عز وجل والمبين لما أنزل عليه

وفي إجماع الأمة كلها المنصوص على اتباعه في القرآن وهو راجع إلى النص على ما بينا قبل فإن وجدنا شيئا حرمه النص بالنهي عنه أو الإجماع باسمه حرمناه وإن لم نجد شيئا منصوصا على النهي عنه باسمه ولا مجمعا عليه فهو حلال بنص الآية الأولى وقد أكد الله تعالى هذا في غير ما موضع من كتابه فقال عز وجل { يأيها لذين آمنوا لا تحرموا طيبات مآ أحل لله لكم ولا تعتدوا إن لله لا يحب لمعتدين } فبين الله تعالى أن كل شيء حلال لنا إلا ما نص على تحريمه ونهانا عن اعتداء ما أمرنا تعالى به فمن حرم شيئا لم ينص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم على تحريمه والنهي عنه ولا أجمع على تحريمه فقد اعتدى وعصى الله تعالى ثم زادنا تعالى بيانا فقال { قل هلم شهدآءكم لذين يشهدون أن لله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهوآء لذين كذبوا بآياتنا ولذين لا يؤمنون بلآخرة وهم بربهم يعدلون } فصح بنص هذه الآية صحة لا مرية فيها أن كل ما لم يأت النهي فيه باسمه من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حلال لا يحل لأحد أن يشهد بتحريمه وقال تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } وقال تعالى { يأيها لذين آمنوا لا تسألوا عن أشيآء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل لقرآن تبد لكم عفا لله عنها ولله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } فبين الله تعالى أن ما أمرنا به في القرآن أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو واجب طاعته وضد الطاعة المعصية فمن لم يطع فقد عصى ومن لم يفعل ما أمر به فلم يطع ونهانا عن أن نسأل عن شيء جملة البتة ولم يدعنا في لبس أن يقول قائل إن هذه الآية نزلت في السؤال عن مثل ما سأل عنه عبد الله بن حذافة من أبى فأكذب الله ظنونهم لكن قال الله تعالى { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } فصح أن ذلك في الشرائع التي يكفر في جحدها ويضل من تركها فصح أن ما لم يأت به نص أو إجماع فليس واجبا علينا

فأي شيء بقي بعد هذا وهل في العالم نازلة تخرج من أن يقول قائل هذا واجب فنقول له إن أتيت على إيجابه بنص من القرآن أو بكلام صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع فسمعا وطاعة وهو واجب ومن أبى عن إيجابه حينئذ فهو كافر وإن لم يأت على إيجابه بنص ولا إجماع فإنه كاذب وذلك القول ليس بواجب أو يقول قال هذا حرام فنقول له إن أتيت على النهي عنه بنص أو إجماع فهو حرام وسمعا وطاعة ومن أراد استباحته حينئذ فهو آثم كاذب عاص وإن تأت على النهي عنه بنص ولا إجماع فأنت كاذب وذلك الشيء ليس حراما فهل في العالم حكم يخرج عن هذا فصح أن النص مستوعب لكل حكم يقع أو وقع إلى يوم القيامة ولا سبيل إلى نازلة تخرج عن هذه الأحكام الثلاثة وبالله تعالى التوفيق ثم قد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما جاءت به هذه الآيات كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم قال أبو محمد فهذا حديث جامع لكل ما ذكرنا بين فيه صلى الله عليه وسلم أنه إذا نهى عن شيء فواجب أن يجتنب وأنه إذا أمر بأمر فواجب أن يؤتى منه حيث بلغت الاستطاعة وأن ما لم ينه عنه ولا أمر به فواجب ألا يبحث عنه في حياته صلى الله عليه وسلم وإذ هذه صفته ففرض على كل مسلم ألا يحرمه ولا يوجبه وإذا لم يكن حراما ولا واجبا فهو مباح ضرورة إذ لا قسم إلا هذه الأقسام الثلاثة فإذا بطل منها اثنان وجب الثالث ولا بد ضرورة وهذه قضية النص وقضية السمع وقضية العقل التي لا يفهم العقل غيرها إلا الضلال والكهانة والسخافة التي يدعيها أصحاب القياس أنهم يفهمون من الوطء الأكل ومن الثمر الجلوز ومن قطع السرقة مقدار الصداق وحسبنا الله ونعم الوكيل ثم نعكس عليهم سؤالهم فنقول لهم إذا جوزتم وجود نوازل لا حكم لها في قرآن ولا سنة فقولوا لنا ماذا تصنعون فيها فهذا لازم لكم وليس يلزمنا لأن هذا عندنا باطل معدوم لا سبيل إلى وجوده أبدا فأخبرونا إذا وجدتم تلك النوازل أتتركون الحكم

فيها فليس هذا قولكم أم تحكمون فيها ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن حكمتم فيها فأخبرونا عن حكمكم فيها أبحكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم حكمتم فيها فإن قلتم نعم قلنا قد تناقضتم لأنكم قلتم ليس فيها نص بحكم الله تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وقد كذب آخر قولكم أوله وإن قلتم بغير حكم الله تعالى أو بغير حكم رسوله صلى الله عليه وسلم نحن برآء إلى الله تعالى من كل حكم في الدين لم يحكم به الله عز وجل وفي هذا كفاية لمن عقل فوضح لنا وبطل ما سواه والحمد لله رب العالمين وبهذا جاءت الأحاديث كلها مؤكدة متناصرة كما ثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن إبراهيم ثنا أبو زيد المروزي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن زيد المقرىء ثنا سعيد ثنا عقل عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته فنص صلى الله عليه وسلم كما تسمع أن كل ما لم يأت به تحريم من الله تعالى فهو غير محرم وهكذا أخبر صلى الله عليه وسلم في الواجب أيضا كم ثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد الفقيه الأشقر ثنا أحمد بن علي القلانسي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا يزيد بن هارون ثنا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه قال أبو محمد فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ما لم يوجبه فهو غير واجب وما أوجبه بأمره فواجب ما أستطيع منه وأن ما لم يحرمه فهو حلال وأن ما نهى عنه فهو حرام فأين للقياس مدخل والنصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة باسمها وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من لدين ما لم يأذن به لله ولولا كلمة لفصل لقضي بينهم وإن لظالمين لهم عذاب أليم }

قال أبو محمد فصح بالنص أن كل ما لم ينص عليه فهو شيء لم يأذن به الله تعالى وهذه صفة القياس وهذا حرام وقال تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بلكتاب لتحسبوه من لكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند لله ويقولون على لله لكذب وهم يعلمون } قال أبو محمد فكل ما ليس في القرآن والسنة منصوصا باسمه واجبا مأمورا به أو منهيا عنه فمن أوجبه أو جرمه أو خالف لما جاء به النص فهو من عند غير الله تعالى والقياس غير منصوص على الأمر به فيهما فهو من عند غير الله تعالى وما كان من عند غير الله تعالى فهو باطل وقال تعالى { يأيها لنبي إذا طلقتم لنسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا لعدة وتقوا لله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود لله ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا } وقد علمنا ضرورة أن الله تعالى إذا حرم بالنص شيئا فحرم إنسان شيئا غير ذلك قياسا على ما حرم الله تعالى أو أحل بعض ما حرم الله قياسا أو أوجب غير ما أوجب الله تعالى قياسا أو أسقط بعض ما أوجب الله تعالى قياسا فقد تعدى حدود الله تعالى فهو ظالم بشهادة الله تعالى عليه بذلك وقد قال تعالى { فبدل لذين ظلموا قولا غير لذي قيل لهم فأنزلنا على لذين ظلموا رجزا من لسمآء بما كانوا يفسقون } قال أبو محمد وهذه كالتي قبلها سواء بسواء وقال تعالى { أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم لله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من لله وما لله بغافل عما تعملون } قال أبو محمد ومن استدرك برأيه وقياسه على ربه تعالى شيئا من الحرام والواجب لم يأت بتحريمها ولا إيجابها نص فقد دخل تحت هذه العظيمة المذكورة في هذه الآية ونحمد الله تعالى على توفيقه لا إله إلا هو

وقال تعالى يصف كلامه { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلآء ونزلنا عليك لكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وقال تعالى { فإذا قرأناه فتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه } وقال تعالى { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } قال أبو محمد فنص الله تعالى على أنه لم يكل بيان الشريعة إلى أحد من الناس ولا إلى رأي ولا إلى قياس لكن إلى نص القرآن وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقط وما عداهما فضلال وباطل ومحال وقال تعالى { ومن لإبل ثنين ومن لبقر ثنين قل ءآلذكرين حرم أم لأنثيين أما شتملت عليه أرحام لأنثيين أم كنتم شهدآء إذ وصاكم لله بهذا فمن أظلم ممن فترى على لله كذبا ليضل لناس بغير علم إن لله لا يهدي لقوم لظالمين } قال أبو محمد فصح أن كل ما لم يأتنا به وصية من عند الله عز وجل فهو افتراء على الله كذب وناسبه إلى الله تعالى ظالم ولم تأتنا وصية قط من قبله تعالى بالحكم بالقياس فهو افتراء وباطل وكذب بل جاءتنا وصاياه عز وجل بألا نتعدى كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وألا نحرم ولا نوجب إلا ما أوجبا وحرما ونهيا فقط فبطل كل ما عدا ذلك والقياس مما عدا ذلك فهو باطل وقال تعالى { أولم يكفهم أنآ أنزلنا عليك لكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } فأوجب تعالى أن يكتفى بتلاوة الكتاب وهذا هو الأخذ بظاهره وإبطال كل تأويل لم يأت به نص أو إجماع وألا نطلب غير ما يقتضيه لفظ القرآن فقط وقال تعالى { وما ختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى لله ذلكم لله ربي عليه توكلت وإليه أنيب } وقال تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } فلم يبح الله تعالى عند التنازع والاختلاف أن يتحاكم أو يرد إلا إلى القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى رأي ولا قياس فبطل كل هذا بطلانا متيقنا والحمد لله رب العالمين على توفيقه هذا مع شدة شرط

الله تعالى بقوله { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } فلقد يجب على كل مسلم قامت عليه الحجة أن يهاب لحقوق هذه الصفة به وفرض عليه ألا يقتدي بمن سلف ممن تأول فخطأ فليس من قامت عليه الحجة كمن لا ندري أقامت عليه الحجة أم لم تقم إلا أننا نحسن الظن بهم كما نحسنه بسائر المؤمنين والله أعلم بحقيقة أمر كل أحد وقال تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم لكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على لله لكذب إن لذين يفترون على لله لكذب لا يفلحون } فحرم تعالى الحكم في الشيء من الدين بتحريم أو تحليل وسمى من فعل ذلك كاذبا وفعله كذبا إلا أن يحرمه الله أو يحلله الله في النص أو الإجماع وقال تعالى { قل أرأيتم مآ أنزل لله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ءآلله أذن لكم أم على لله تفترون } فسمى تعالى من حرم بغير إذن من الله تعالى في تحريم ذلك الشيء أو حلل بغير إذن من الله في تحليله مفتريا وهذه صفة القائسين المحرمين المحللين الموجبين بالقياس بغير إذن من الله تعالى وقال تعالى { فلا تضربوا لله لأمثال إن لله يعلم وأنتم لا تعلمون } فنص تعالى على ألا تضرب له الأمثال وهذا نص جلي على إبطال القياس وتحريمه لأن القياس ضرب أمثال للقرآن وتمثيل ما لا نص فيه بما فيه النص ومن مثل ما لم ينص الله تعالى على تحريمه أو إيجابه بما حرمه الله تعالى وأوجبه فقد ضرب له الأمثال وواقع المعصية نعوذ بالله من ذلك ونص تعالى على أنه يعلم ونحن لا نعلم فلو علم تعالى أن الذي لم ينص عليه مثل الذي نص عليه لأعلمنا بذلك وما أغفله وما ضيعه قال تعالى { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا } وقال تعالى { ومآ أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل لله من يشآء ويهدي من يشآء وهو لعزيز لحكيم } فصح أن العربية بها أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فبهذا بين لنا وقال تعالى { وما ينطق عن لهوى * إن هو إلا وحي يوحى } فكل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى بينه وقد علمنا يقينا وقوع كل اسم في اللغة على مسماه فيها وأن البر لا يسمى تبنا

وأن الملح لا يسمى زبيبا وأن التمر لا يسمى أرزا وأن الشعير لا يسمى بلوطا ولا الواطىء آكلا ولا الآكل واطئا ولا القاتل مظاهرا ولا المظاهر قاتلا ولا المعرض قاذفا فإذ قد أحكم اللسان كل اسم على مسماه لا على غيره ولم يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالعربية التي ندريها فقد علمنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم إذا نص في القرآن أو كلامه على اسم ما بحكم ما فواجب ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم فقط ولا نتعدى به الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وألا يخرج عن ذلك الحكم شيء مما يقتضيه الاسم ويقع عليه فالزيادة على ذلك في الدين وهو القياس والنقص منه نقص من الدين وهو التخصيص وكل ذلك حرام بالنصوص التي ذكرنا فسبحان من خص أصحاب القياس بكلا الأمرين فمرة يزيدون إلى النص ما ليس فيه ويقولون هذا قياس ومرة يخرجون من النص بعض ما يقتضيه ويقولون هذا خصوص ومرة يتركونه كله ويقولون ليس عليه العمل والعبرة معترضة عليه كما فعل الحنفيون في حديث المصراة والإقراع بين الأعبد وكما فعل المالكيون في حديث تمام الصوم لمن أكل ناسيا وحديث الحج على المريض البائس والميت وغير ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل وقال الله تعالى { إن هي إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وآبآؤكم مآ أنزل لله بها من سلطان إن يتبعون إلا لظن وما تهوى لأنفس ولقد جآءهم من ربهم لهدى } قال أبو محمد والقياس اسم في الدين لم يأذن به الله تعالى ولا أنزل به سلطانا وهو ظن منهم بلا شك لتجاذبهم علل القياسات بينهم كتعليلهم الربا بالأكل وقال آخرون منهم بالكيل والوزن وقال آخرون بالادخار وهذه كلها ظنون فاسدة وتخاليط وأسماء لم يأذن تعالى بها ولا أنزل بها سلطانا وقال تعالى { فخلف من بعدهم خلف ورثوا لكتاب يأخذون عرض هذا لأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق لكتاب أن لا يقولوا على لله إلا لحق ودرسوا ما فيه ولدار لآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون } وقال تعالى { ويحق لله لحق بكلماته ولو كره لمجرمون } فنص تعالى على ألا يقال عليه إلا الحق وأخبر تعالى أنه يحق الحق بكلماته فما لم يأتنا كلام الله تعالى بأنه حق من الدين فهو باطل لا حق

وقال تعالى حكاية عن رسله صلى الله عليهم وسلم { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن لله يمن على من يشآء من عباده وما كان لنآ أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن لله وعلى لله فليتوكل لمؤمنون } قال أبو محمد فنص الله تعالى عن الأنبياء الصادقين أنه ليس لهم أن يأتوا بسلطان إلا بإذن الله تعالى والسلطان الحجة بلا شك فكل حجة لم يأذن الله تعالى بها في كلامه فهو باطل ولم يأذن قط تعالى في القياس فهو باطل وقال تعالى { ما جعل لله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم للائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيآءكم أبنآءكم ذلكم قولكم بأفواهكم ولله يقول لحق وهو يهدي لسبيل * دعوهم لآبآئهم هو أقسط عند لله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في لدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان لله غفورا رحيما } وقال تعالى { لذين يظاهرون منكم من نسآئهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا للائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من لقول وزورا وإن لله لعفو غفور } فأنكر تعالى غاية الإنكار أن يجعل أحد أمه غير التي ولدته ولا أن يجعل ابنه إلا ولده وهو تعالى قد جعل أمهاتنا من لم تلدنا كنساء النبي صلى الله عليه وسلم واللواتي أرضعتنا وجعل أبناءنا من لم تلده كنحن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وكمن أرضعه نساءنا بألباننا فصح بالنص أن الشيء إذا حكم الله تعالى به فقد لزم دون تعليل وأن من أراد أن يحكم بمثل ذلك بما لا نص فيه فقد قال منكرا من القول وزورا وأنه ليس لأحد أن يقول بغير ما لم يقل الله تعالى به وفي هذا كفاية لمن جعلنا نحن وهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتنا في التحريم كما جاء النص فقط ثم لم نقس على ذلك رؤيتهن كما نرى أمهاتنا بل حرم ذلك علينا ولا قسنا إخوتهم وبنيهم على أخوال الولادة وإخوة الولادة بل حل لهم نكاح نساء المسلمين وحل لرجال المسلمين نكاح إخواتهن وبناتهن فبطل حكم القياس يقينا وصح لزوم النص فقط وألا يتعدى أصلا وفي آية واحدة مما ذكرنا كفاية لمن اتقى الله عز وجل ونصح نفسه فكيف وقد تظاهرت الآيات بإبطال ما يدعونه من القياس في دين الله تعالى وكذلك أيضا جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال القياس كما

حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم ثنا ابن نمير ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة مسلم وحدثني زهير بن حرب ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال أخبرني أبو بكر بن حفص عن سالم بن عمر قال إن عمر رأى على رجل من آل عطارد قباء من ديباج أو حرير فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو اشتريته فقال إنما يلبس هذا من لا خلاق له فأهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فأرسل بها إلي فقلت أرسلت بها إلي وقد سمعتك قلت فيها ما قلت قال إنما بعثت إليك لتستمتع بها وقال ابن نمير في حديثه إنما بعثتها إليك لتنتفع بها ولم أبعث بها إليك لتلبسها والسند المذكور إلى مسلم قال حدثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال رأى عمر عطاردا اليمني يقيم بالسوق حلة سيراء فقال عمر يا رسول الله إني رأيت عطاردا يقيم في السوق حلة سيراء فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذ قد مرا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وإلى ابن زيد بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال اشققها خمرا بين نسائك فذكر أمر عمر قال وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع فقال يا رسول الله ما تنظر إلي فأنت بعثت بها إلي فقال إني لم أبعثها إليك لتلبسها ولكن بعثت بها لتشققها خمرا بين نسائك فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر تسويته بين الملك والبيع والانتفاع وبين اللباس المنهي وأنكر على أسامة تسويته بين الملك واللباس أيضا وكل واحد منهما قياس فأحدهما حرم قياسا والآخر أحلى قياسا فأنكر صلى الله عليه وسلم القياسين معا وهذا هو إبطال القياس نفسه ولا بد في هذين الحديثين من أحد مذهبين إما أن يقول قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن لباس الحرير ثم وهبهما حلل الحرير أن يكون لبس عليهما وهذا كفر من قائله أو أنه صلى الله عليه وسلم بين عليهم المحرم من الحرير وهو اللباس المنصوص عليه فقط وبقي ما لم يذكر على أصل الإباحة فأخطآ رضي الله عنهما إذا قاسا وهذا هو الحق الذي

لا يحل لأحد أن يعتقد غيره وبالله تعالى التوفيق حدثنا أحمد بن قاسم ثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ نا بكر بن حماد نا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء من غير نسيان لها رحمة لكم فلا تبحثوا عنها كتب إلي النمري يوسف بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن محمد علي الباجي نا الحسين بن إسماعيل نا عبد الملك بن يحيى نا محمد بن إسماعيل ثنا سنيد بن داود نا محمد بن فضيل عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها حدثنا أحمد بن قاسم قال نا أبي القاسم بن محمد بن قاسم قال نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا نعيم بن حماد نا عبد الله بن المبارك ثنا عيسى بن يونس عن جرير هو ابن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال قال أبو محمد حريز بن عثمان ثقة وقد روينا عنه أنه تبرأ مما أنسب إليه من الانحراف عن علي رضي الله عنه ونعيم بن حماد قد روى عن البخاري في الصحيح وفي الأحاديث التي ذكرنا في هذا الفصل وفيما قبل هذا من أمره صلى الله عليه وسلم بأن يتركوا ما تركهم وأن ينتهوا عما نهاهم وأن يفعلوا ما أمرهم به ما استطاعوا كفاية في إبطال القياس لمن نصح نفسه وقد قال بعض أصحاب القياس إنما أنكر في هذه الأحاديث من يقيس برأيه وأما من يقيس على تشابه المنصوص فلم يذم قال أبو محمد فقلنا لهم من أين فرقتم هذا الفرق وهل رددتموها على الدعوة المفتراة

الكاذبة شيئا وقولكم هذا من أشد المجاهرة بالباطل وقد وجدنا للصحابة فتاوى كثيرة بالرأي يتبرؤون فيها من خطأ إن كان إلى الله تعالى ولا يوجدون شيئا منها دينا ولا يقولون إنه الحق بل يذمون القول بالرأي في خلال ذلك خوف أن يظن ظان أنه منهم على سبيل الإيجاب والقطع بأنه حق فمن تعلق بالرأي هكذا فله متعلق وأما القياس الذي ذكر هذا القائل على التعديل واستخراج علة الشبه فما نطق بذلك قط أحد من الصحابة ولا قال به فالذي فر إليه أشد مما فر عنه وبالله تعالى التوفيق وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وعمن بعدهم إبطال القياس نصا كالذي ذكرنا عن أبي هريرة من قوله لابن عباس إذ أتاك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال وهذا نص من أبي هريرة على إبطال القياس حدثنا عبد الله بن يوسف نامي نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زهير ثنا منصور عن هلال بن يساف عن ربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الكلام إلى الله عز وجل أربع فذكر الحديث وفي آخره لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو فيقول لا إنما هن أربع فلا تزيدوا علي قال أبو محمد فهذا سمرة بن جندب لم يستجز القياس وأخبر أنه زيادة في السنة ولم يستجز أن يقول ومثل هذا يلزم في خيرة وسعد وفرج فتقول أثم سعد أثم فرج أثم خيرة فيقول لا هذا وقد نص على السبب المانع من التسمية بالأسماء المذكورة التي يسمون مثلها التي يكذبون في استخراجها علة يقيسون عليها فقد كان ينبغي لو اتقوا الله عز وجل أن يقولوا إن التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقاس عليها ما يشبهها لكن لم يفعلوا ذلك ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خص هذه الأسماء ولا سمرة بعده وهذا إبطال صحيح للقياس فإن قالوا لعل هذا الكلام إنما هن أربع فلا تزيدون علي هو من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قيل لهم فذلك أشد عليهم وأبطل لقولكم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القياس والتعليل وأمر بالاقتصار على ما نص عليه فقط

حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني نا أحمد بن شعيب النسائي نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر وأبو داود الطيالسي وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأبو الوليد الطيالسي ومحمد بن أبي عدي قالوا ثنا شعبة قال سمعت سليمان بن عبد الرحمن قال سمعت عبيد بن فيروز قال قلت للبراء بن عازب حدثني ما كره أن نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي فقال هكذا بيده ويده أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع لا تجزىء في الأضاحي وذكر الحديث قال فإني أكره أن يكون نقص في القرن والأذن قال فما كرهت منه فدعه ولا تحرمه على أحد وروينا نحو ذلك عن عتبة بن عبد السلمي ألا يتعدى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن عمر العذري ثنا عبد الله بن حسين بن عقال الفريسي نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وذكر الحديث وقال محمد بن أحمد بن الجهم ثنا أحمد بن الهيثم ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد ابن زيد نا المعلى بن زياد عن الحسن قال بينا عمر بن الخطاب يمشي في بعض طرق المدينة إذ وطىء رجل من القوم عقبه فقطع نعله فأهوى له ضربة فقال يا أمير المؤمنين لطمتني وظلمتني لا والله ما هذا أردت فألقى إليه الدرة فقال دونك فاقتص فقال بعضهم اغفرها لأمير المؤمنين فقال لا والله ما أريد مغفرتها لقد كتبت وحفظت ولكن إن شئت دللتك على خير من ذلك { وكتبنا عليهم فيهآ أن لنفس بلنفس ولعين بلعين ولأنف بلأنف ولأذن بلأذن ولسن بلسن ولجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بمآ أنزل لله فأولئك هم لظالمون } قال فإني قد تصدقت فجاء عمر رقيق فأعطاه خادما وذكر الحديث قال أبو محمد فهذا عمر لم يستجز قياس المغفرة على الصدقة والعلة عند القائسين واحدة ولا أرى أن يفارق ظاهر النص حدثنا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن جبرون نا قاسم بن أصبغ ثنا

أبو بكر بن أبي خيثمة نا أبي هو زهير بن حرب نا جرير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أن عمر بن الخطاب نهى عن المكايلة قال مجاهد يعني المقايسة حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق البصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد المقرىء نا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب عن سلمة بن كهيل قال قال عمر بن الخطاب وقد وضحت الأمور وسنت السنن ولم يترك لأحد متكلم إلا أن يضل عبد عن عبد حدثنا ابن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا وامرأته أتيا ابن مسعود في تحريم فقال إن الله تعالى بين فمن أتى الأمر من قبل وجهه فقد بين له ومن خالف فوالله ما نطيق خلافه وربما قال خلافكم قال أبو محمد فهذا ابن مسعود يجعل كل ما ليس في النص خلافا لله تعالى ويخبر أن البيان قد تم وهذا إبطال القياس أخبرنا المهلب التميمي نا بن مناس نا محمد بن مسرور القيرواني أنا يونس بن عبد الأعلى نا عبد الله بن وهب قال سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن المجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال ليس عام إلا والذي بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم وكتب إلي النمري أحمد بن فتح الرسان نا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري نا الزبير بن بكار حدثني سعيد بن داود بن أبي زبر عن مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن طاوس عن عبد الله بن عمر قال العلم ثلاثة أشياء كتاب ناطق وسنة ماضية ولا أدري حدثنا أحمد بن عمر حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي حدثنا أحمد بن عبدان بن محمد الحافظ النيسابوري بالأهواز نا محمد بن سهل بن عبد الله المقرىء نزيل فسا ثنا

محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال قال لي صدقة عن الفضل بن موسى عن ابن عقبة عن الضحاك عن جابر بن زيد قال لقيني ابن عمر قال يا جابر إنك من فقهاء البصرة وستستفتى فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية قال أبو محمد وهذا نص المنع من القياس والرأي والتقليد حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكتاني نا أحمد بن خليل نا خالد بن سعيد نا طاهر بن عبد العزيز نا أبو القاسم مسعدة العطار بمكة وكان طاهر وأحمد بن خالد يحسنان الثناء عليه قال أنا الخزامي يعني إبراهيم بن المنذر وحدثنا طاهر بن عصام كان طاهرا وكان ثقة عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنه قال العلم ثلاثة كتاب الله الناطق وسنة ماضية ولا أدري حدثنا محمد بن سعيد نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سليمان الشيباني هو أبو إسحاق سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر قلت فالأبيض قال لا أدري قال أبو محمد فلو جاز القياس عند ابن أبي أوفى لقال ما الفرق بين الأخضر والأبيض كما يقول هؤلاء الفرق بين الزيت والسمن وبين الفأر الميت والسنور الميت وبين الأرز والبر وسائر ما قاسوا فيه لكنه وقف عند النص وهذا الذي لا يجوز غيره حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفريري نا البخاري نا أبو اليمان الحكم بن نافع أنا شعيب هو ابن حمرة عن الزهري قال كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه كان عند معاوية في وفد من قريش فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله تعالى ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولئك جهالكم وذكر باقي الكلام والخبر حدثنا عبد الله بن ربيع بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن زيد بن عميرة عن معاذ بن جبل قال تكون فتن يكثر فيها الملل ويفتح فيها القرآن حتى

يقرؤه الرجل والمرأة والصغير والكبير والمؤمن والمنافق فيقرؤه الرجل فلا يتبع فيقول والله لأقرأنه علانية فيقرؤه علانية فلا يتبع فيتخذ مسجدا ويبتدع كلاما ليس من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإياكم وإياه فإنها بدعة ضلالة قالها ثلاث مرات فهؤلاء عمر وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة ومعاذ بن جبل وسمرة بن جندب وابن عباس والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى ومعاوية كلهم يبطل القياس وما ليس موجودا في القرآن ولا في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه صفة الرأي والقياس والتعليل وقد قدمنا أنه لا يصح خلاف هذا عن أحد من الصحابة بوجه من الوجوه وبالله تعالى التوفيق وأما التابعون ومن بعدهم فحدثنا يونس بن عبد الله القاضي نا يحيى بن مالك بن عائذ نا هشام بن محمد بن قرة المعروف بابن أبي حنيفة نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي نا ابن غليب حدثني عمران بن أبي عمران ثنا يحيى بن سليمان الطائفي حدثني داود بن أبي هند قال سمعت محمد ين سيرين يقول القياس شؤم وأول من قاس إبليس فهلك وإنما عبدت الشمس والقمر بالقياس حدثنا المهلب نا ابن مناس نا محمد بن مسرور القيرواني نا يونس بن عبد الأعلى نا ابن وهب قال أخبرني مسلمة بن علي أن شريحا الكندي هو القاضي قال إن السنة سبقت قياسكم كتب إلي النمري قال قال أبو ذر الهروي نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني بالري نا عبد الرحمن بن أبي حاتم نا محمد بن إسماعيل الأحمسي نا وهب بن إسماعيل عن داود الأودي قال قال لي الشعبي احفظ عني ثلاثا لهما شأن إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك أرأيت فإن الله تعالى قال في كتابه { أرأيت من تخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } حتى فرغ من الآية والثانية إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشيء فربما حرمت حلالا أو حللت حراما والثالثة إذا سئلت عما لا تعلم فقل لا أعلم وأنا شريكك كتب إلي يوسف بن عبد الله نا خلف بن قاسم نا ابن شعبان نا محمد بن محمد نا أبو همام نا الأشجعي عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال لا أقيس شيئا بشيء قلت لم قال أخاف أن تزل رجلي

كتب إلي النمري نا عبد الرحمن بن يحيى بن محمد العطار نا علي بن محمد بن مسرور حدثنا أحمد نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي أنه سمعه يقول إياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظوه حدثنا يونس بن عبد الله القاضي نا يحيى بن مالك بن عائذ نا أبو عبد الله ابن أبي حنيفة نا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي نا يوسف بن يزيد القراطيسي نا سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال السنة لم توضع بالمقاييس وحدثنا أيضا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن يحيى نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي نا محمد بن علي بن زيد الصائغ ثنا سعيد بن منصور نا جرير هو عبد الحميد عن المغيرة عن الشعبي قال السنة لم توضع بالمقاييس حدثنا يونس بن عبد الله القاضي نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن العنان ثقة نا أحمد بن خالد نا أحمد بن عبد السلام الخشني محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا صالح بن مسلم قال قال لي عامر الشعبي يوما وهو آخذ بيدي إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس لقد بغض إلي هذا المسجد فلهو أبغض إلي من كناسة داري هؤلاء الصفافقة كتب إلي النمري نا محمد بن خليفة شيخ فاضل جدا واسع الرواية ثنا محمد بن الحسين الآجري ثنا أحمد بن سهل الأشناني نا الحسين بن علي بن الأسود نا يحيى بن آدم نا المبارك عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } قال كتاب الله تعالى وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي النمري أخبرنا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران

في قول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا لرسول وأولي لأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى لله ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم لآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } قال إلى الله إلى كتاب الله تعالى وإلى الرسول ما دام حيا فإذا قبض قال سنته حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث نا محمد بن الحسن الزبيدي نا أحمد هو ابن سعيد بن حزم الصدفي نا أحمد هو ابن خالد نا مروان هو ابن عبد الملك النجار نا العباس بن الفرج الرياشي عن الأصمعي أنه قيل له إن الخليل بن أحمد يبطل القياس فقال الأصمعي أخذ هذا عن إياس بن معاوية حدثني أبو العباس العذري نا الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس أنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي نا علي بن عبد العزيز نا أبو الوليد القرضي نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي نا سليمان بن جعفر نا محمد بن يحيى الربعي عن ابن شبرمة أن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن قال لأبي حنيفة اتق الله ولا تقس فإنا نقف غدا نحن ومن خالفنا بين يدي الله تعالى فنقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ ثنا ابن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن هارون بن إبراهيم البربري قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال أبي الله لا يدع شيئا أن يبينه أن يكون نسبه فما قال الله عز وجل فهو كما قال الله وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يقل الله ورسوله فبعفو الله ورحمته فلا تبحثوا عنه حدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا علي بن الحسن بن فهر ثنا محمد بن علي نا محمد بن عبد الله الحفاظ إجازة نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا وهب سمعت مالك بن أنس يقول ألزم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم

يتبع : إحكام ابن حزم - الجزء الخامس2