أبشروا بمحمد، محمود سامي البارودي
أبشروا بمحمد، محمود سامي البارودي.
أَبَنـيِ الكنانـةَ أبشِـروا بِمحمَّدٍ
وثِقوا بـراعٍ فِي المكـارم أَوحـدِ
فَهُو الزَّعيـمُ لَكـمْ بِكلِّ فَضيلـةٍ
تَبقَى مآثِرُهـا ، وعيـشٍ أَرغـدِ
مَلِـكٌ نَمتـهُ أرومـةٌ علـويَّـةٌ
ملكَت بسؤدُدِهـا عنـانَ الفرقـدِ
يقظُ البصيرةِ لو سـرَت فِي عينـهِ
سِنَـة الرِّقـادِ ، فقلبـهُ لَمْ يرقـدِ
بدهاتهُ قيـدُ الصـوابِ ، وعَزمـهُ
شرُكُ الفوارسِ فِي العجاجُ الأربـدِ
فَإذا تنمَّـرَ فَهُو (زيدٌ) فِي الوَغَـى
وإذا تكلَّم فَهُو (قيسٌ) فِي النـدي
متقسَّمٌ ما بيـنَ حنكـةِ أشيـبٍ
صدَقت محيلَتـهُ ، وحليـةِ أمـردِ
لا يستريحُ إلى الفراغِ ، ولا يَـرَى
عَيشـاً يلـذُّ بِـهِ إذا لَمْ يَجهَـدِ
فَنَهارهُ غَيـثُ اللَّهيـفِ ، وليلـهُ
فِي طاعَةِ الرَّحـمنِ لَيـلُ العبَّـدِ
لَهجٌ بِحبِّ الصَّالِحـاتِ ، فكلمـا
بَلغَ النهايـةَ من صنيـعٍ يبتـدي
خُلُقٌ تَميَّـزَ عـن سِـواهُ بفضلـهِ
والفضلُ فِي الأخلاقِ إرثُ المُحتـدِ
إقليدٌ معضلـةٍ ، ومعقِـلُ عائـذٍ
وسـماءُ منتجعٍ ، وقبلـةُ مهتـدِ
حسُنَت بهِ الأيامُ حتَّـى أسفـرَتْ
عَن وجهِ معشوقِ الشَّمائلِ أغيَـدِ
وصفت مواردُ مصرَ حتى أصبحَتْ
بعـدَ الكـدورةِ شرعـةً للـورَّدِ
فالعـدلُ يرعاهـا برأفـةِ والـدٍ
والبأسُ يَحمِيهَـا بصولـةِ أصيَـدِ
بلغت بفضـلِ (مُحمَّدٍ) ما أملـت
من عيشـةٍ رغـدٍ وجـدٍّ أسعـدِ
هـو ذلكَ الملـكُ الذي أوصافـهُ
فِي الشعر حليةُ راجـزٍ ومقصِّـدِ
فَبِنـورهِ فِي كلِّ جنـحٍ نَهتَـدي
وبِهَديهِ فِي كلِّ خطـبٍ نقتـدي
سنَّ المشورةَ ، وهي أكـرمُ خطَّـةٍ
يَجـري عَلَيهـا كلَّ راعٍ مرشـدِ
هي عصمةُ الدِّين الَّتِي أَوحَى بِهـا
رَبُّ العِبادِ إلـى النَّبِـي مُحمَّـدِ
فَمـن استَعـانَ بِها تأيَّـدَ مُلكـهُ
ومن استَهـانَ بِأمرهـا لَمْ يَرشُـدِ
أمـرانِ ما اجتمعـا لقائـدِ أمـةٍ
إلاَّ جَنَـى بِهمـا ثِمـارَ السـؤددِ
جَمعٌ يكـونُ الأمر فِيمَـا بَينَهـم
شورى ، وجندٌ للعـدو بِمرصـدِ
هَيهَاتَ يَحيـا المُلكَ دونَ مشـورةٍ
ويعـزُّ ركنَ المَجـدِ ما لَمْ يعمـدِ
فَالسَّيفُ لا يَمضي بـدونِ رويَّـةٍ
والرَّأي لا يَمضـي بغيـرِ مهنَّـدِ
فاعكفْ على الشورى تَجد فِي طيِّها
من بينـات الحكـمِ ما لَمْ يوجـدِ
لا غرو إن أبصرتَ فِي صفحاتـها
صورَ الحوادثِ ، فهي مـرآةُ الغـدِ
فالعقل كالمنظـارِ يبصـرُ ما نـأى
عنـه قريبـاً ، دونَ لمـسٍ باليـدِ
وكفاكَ علمُكِ بالأمورِ، وليسَ مـن
سلكَ السَّبيـل كحائـرٍ لَمْ يَهتَـدِ
فلا أنـتَ أولَ من أفـادَ بعدلـهِ
حـريـةَ الأخـلاقِ بعـدَ تعبُّـدِ
أطلقـتَ كلَّ مقيَّـدٍ ، وحلَّلـتَ
كُلَّ معقَّدٍ ، وجَمعـتَ كلَّ مبـدَّدِ
وتَمتَّعـتْ بالعـدلِ منـكَ رعيَّـةٌ
كانت فريسـةَ كلِّ بـاغٍ معتـدِ
فاسلم لِخَير ولايـةٍ عـزَّت بِهَـا
نفسُ النصيـحِ ، وذلَّ كلُّ مفنَّـدِ
ضرحت قذاةَ الغيِّ عن جفنِ الهدى
وسرت قناعَ اليأسِ عن أمـلٍ نـدِ
ضمت إليكَ زمـامَ كـلِّ مثلِّـثٍ
وثنت إليكَ عنـانَ كـلِّ موحِّـدِ
وتألَفـتْ بَعـدَ العـداوةِ أنفـسٌ
سكنت بعدلكَ فِي نعيـمٍ سرمـدِ
فحبـاكَ ربُّكَ بالجميـلِ كرامـةً
لجزيـلِ ما أوليـتَ أمَّـةَ أَحـمدِ
وتَهـنَّ بالـملكِ الَّـذي ألبستـهُ
شرفـاً بِمثـلِ ردائـهِ لَـمْ يَرتـدِ
بزغت بِهِ شَمسُ الهدايةِ بعـدَ مـا
أفلَت ، وأبصرَ كلُّ طـرفٍ أرمـدِ
لَمْ يَبقَ من ذي خلـةٍ إلاَّ اغتـدى
بِجَميلِ صنعِـكَ مصـدراً للوفَّـدِ
بَلَغَـتْ بِكَ الآمـالَ أبعـدَ غايـةٍ
قصرَت على الإغضاءِ طرفَ الحسَّدِ
فَاسعَد وَدمْ واغنم وجُدْ وانعمْ وسُد
وابدأ وعُد وتَهـنَّ واسلـم وازدَدِ
لا زالَ عدلكَ فِي الأنـامِ مُخَلـداً
فالعدلُ فِي الأيـامِ خيـرُ مُخَلَّـدِ