يرحل زناوي ويبقي النيل نجاشي
يرحل زناوي ويبقي النيــــل نجـــــاشي، مقال بقلم د. نائل الشافعي، جريدة الأخبار المصرية، 6 أغسطس 2012.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقال
ملس زناوي، حاكم إثيوبيا المطلق، في العناية المركزة من أربع شهور في بلجيكا، ونقل السلطة مؤقتاً إلي وزير خارجيته. إن كان هناك بلد يهمنا أمر تغير الحاكم فيه، فهو إثيوبيا. فمنها يأتي 70٪ من فيضان النيل، ولأن زناوي هو صاحب خطة بناء السدود علي منابع النيل. فهل لمصر قنوات اتصال مع الخلفاء المحتملين؟ بل هل تعرف أسماءهم في الأساس؟ إثيوبيا ذات 94 مليون نسمة تتألف من سبعة أعراق رئيسية ولذلك سُميت "الحبشة"، أي الخليط. يهمنا منهم الأمهرة، في الوسط وهم حكام البلد علي مر التاريخ؛ التيجراي في الشمال والعفر والهرر والأورومو والصوماليون. بعد قيام ضباط المخابرات السودانيون "الفاتح عروة" وعثمان السيد وعمر الطيب بترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا في 1984 قام هؤلاء الضباط بانقلاب "الإنقاذ الوطني" في 1989 وأتوا بعمر البشير. وفي 1991 حدث انقلاب في إثيوبيا أطاح بالحكم الماركسي وفصم إرتريا (النافذة البحرية لإثيوبيا) وجلب متمردَين من التيجراي، إسياس أفورقي، ليحكم إرتريا، وملس زناوي ليكون أول حاكم غير أمهري لإثيوبيا. ويتهم الأمهرة "الفاتح عروة" بأنه المخطط للانقلاب. أحاط زناوي نفسه بأبناء عشيرته التيجراي. فانتفض الأمهرة في الوسط والمسلمون في الشرق، أما الجنوب الذي لم يخضع قط لسلطة أديس أبابا فقد تصاعدت فيه حربان انفصاليتان (الأوجادين الصوماليون والأورومو). حاول زناوي توحيد الأعراق بخطة وطنية شاملة للنهضة، تقوم علي استغلال ما أسماه "الذهب الأبيض" وهو تصدير الكهرباء المولدة من مساقط المياه. فطوّر خطة طموحة، غير مسبوقة، لبناء السدود، وهي ليست لاحتجاز المياه ولكنها تحتاج لملء خزاناتها لأول مرة، وهو ما يحرم مصر من مليارات الأمتار المكعبة من الفيضان لدي افتتاح كل سد.. الحاكم المؤقت حالياً هو وزير الخارجية "هايله مريم دسالگنه"، وهو مهندس من الأمم الجنوبية (المهمشة) ولا قاعدة شعبية له وهو واجهة لاستمرار حكم التيجراي. أما الخليفة الأكثر احتمالاً فهو "برهانه گبره-خريستوس" (1953) المبعوث الشخصي لزناوي ووزير الدولة للخارجية والسفير السابق في واشنطن ثم في الاتحاد الاوروبي. وهو خليفة زناوي في قيادة عرقية التيجراي. المنافس الأخطر هو "بلاي إجيگو بگاشاو" وزير الزراعة السابق الأمهري، ومخطط سد النهضة. وهو حاصل علي ماجستير من جامعة هارفرد ودكتوراه من تكساس أ،م، وحاصل علي زمالة بورلاوج المرموقة في الهندسة الزراعية. وهو حالياً أستاذ بجامعة كلومبيا الأمريكية. ويلعب دوراً محورياً تحت جفري ساكس في قيادة مشروع الألفية بالأمم المتحدة. ويملك الحُسنيين، العرق الأمهري ورضا أمريكا. وقد تحدثت معه مطولاً، وحساسيته تجاه مصر بادية ويؤمن بشدة بعدم قانونية معاهدات النيل السابقة الموقعة في زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر. موسوعة المعرفة تضم مقال مفصل عن كل من الخلفاء المحتملين، بالاضافة لعشرات المقالات عن إثيوبيا ونحو 300 مقال عن النيل.
علاقات آن لها أن تنصلح
بالرغم من أواصر النيل والمسيحية الأرثوذكسية والإسلام، إلا أن الإثيوبيين يشعرون بمرارة من مسار العلاقات التي تعكرها مشاحنات سخيفة علي مر القرون. المصريون لا يدركون ذلك. لذلك فأول خطوة نحو تنقية الأجواء تكون بتوعية كل طرف بمآخذ الطرف الآخر.. الحبش يدرسون في تاريخهم عدو واحد متكرر، هو "مصر". بدءاً من زعم أن تحالف الفراعنة مع بلاد بونت الصومالية كان ضدهم. ثم مناوشات مع مصر البطلمية. ثم دعم المماليك لممالك الطراز الحبشية الإسلامية ضد أكسوم الأمهرية في القرون 13-15 وتعمد سلاطين مصر تأخير إرسال أساقفة أقباط ضروريين لترسيم الأباطرة الجدد. وتدور القصة الشعبية "سيف بن ذي يزن" حول حروب مصر مع الحبشة في العصر المملوكي. ثم تحالف الحبش مع البرتغاليين في غزو موانئ مصر علي البحر الأحمر في القرن 16. ثم كان الصدام الأكبر في حملة الخديوي إسماعيل علي الحبشة (1874-1877) التي دفعتنا إليها فرنسا لمجابهة احتلال بريطانيا لجزيرة بريم اليمنية في باب المندب، لذا ساندت المدفعية البريطانية يوحنس الرابع في دحر المصريين، وإن كنا قد عمّرنا مدن هرر وزيلع وغيرهم. ثم في 1979 يكسر الزعيم الماركسي منجستو هايله مريم زجاجات مملوءة دماً علي اسم مصر والسعودية.. وفي التسعينات ، نجد أن الرواية المقررة بالمرحلة الثانوية، "تفري سلاسي"، هي عن ملك خيالي يكافح ضد قس مصري ماكر، وشيخ أزهري هرري. وحتي الآن فإن أرفع وسام عسكري يحمل اسم "جوندت"، المعركة التي أبادوا فيها جيش الخديوي إسماعيل. تعليقات القراء في المواقع الشهيرة مثل "نظرت" تسب الرئيس الإرتري، أفوِرقي، بأن "وجهه عربي قذر".. وكل تلك الأحداث ليست بالكثير بين أمتين عريقتين متجاورتين. مما يدفعنا للظن أن أكبر مكامن الغبن هو شعور إثيوبيا بالتجاهل. فتواصل الشعبين انحصر في النخب الدينية في أساقفة الكنيسة القبطية وكنيسة التوحيد الإثيوبية التي انشقت عنها في 1959. والمصريون يذكرون الشيخين الأزهريين من الحبشة، الجبرتي الفقيه الأب وابنه المؤرخ الذي شارك في أول حكومة مصرية وضعها نابليون.. ببساطة نحتاج تواصل إعلامي مكثف ومبادرة صداقة بين الشعبين المرحين المحبين للحياة.
أعتقد أنه ليس بالخارجية أوالمخابرات المصريتان شخص واحد يقرأ الأمهرية، اللغة الرسمية، ناهيك عن اللغات الأصغر. يجب أن تفتح مصر قنوات مع قيادات الأعراق الأربع الكبري ومع المعارضة والانفصاليين والدول المحيطة. وأن تفتح السفارة موقعاً إلكترونياً باللغات الأربع المحلية. تبادل الطلاب لا غني عنه. وفتح معهد أزهري في هرر وكلية إكليريكية في بحيردار؛ وخطوات أخري هامة.