هل ستبقى اسرائيل قائمة بعد مائة عام؟
هل ستبقى اسرائيل قائمة بعد مائةعام؟
بقلم: اريك بندر ويوآف برومر
اذا تحققت، لا سمح الله، نبوءة الصحفي الامريكي بنجامين شفارتس، أحد كبار محرري مجلة "أتلانتيك" الامريكية المعتبرة التي تصدر في بوسطن، فهذا يعني ان حزم الحقائب لن يقتصر على غوش قطيف وشمالي السامرة. بامكاننا جميعا ان نبدأ في حزم أمتعتنا.
"هل ستبقى اسرائيل قائمة بعد مائة عام؟"، هذا العنوان الذي اختاره شفارتس لمقالته المثيرة للخلاف في عدد أيار من مجلة "أتلانتيك" والتي توقع فيها نهاية المشروع الصهيوني. آخر من سأل هذا السؤال كان معارض النظام السوفييتي أندريه امريلاك الذي كتب في عام 1969 كتابه "هل سيبقى الاتحاد السوفييتي قائما حتى عام 1984؟". التاريخ يشير الى ان خطأه كان بفارق عدة سنوات فقط. شفارتس قرر مستندا الى محادثات مع جهات مختلفة في اسرائيل وبالأساس على التوقعات الديمغرافية الاسرائيلية، ان الرحم الفلسطيني هو قنبلة متكتكة فعلا، وستؤدي في نهاية المطاف الى ترجيح كفة الميزان ومنعنا من الحفاظ على التوازن في أيار 2048. شفارتس قال في هذا الاسبوع في مقابلة أجريت معه ان التفاؤل الذي يظهر في اسرائيل من خلال الصحف والتصريحات، سطحي، ولكن المشاكل الحقيقية لا تجد طريقها للحل. هو في الثانية والاربعين من عمره، من مواليد نيويورك، ويقطن في بوسطن مع تجربة غنية في الصحافة والعلاقات الدولية سواء لكونه باحثا في معهد "راند" أو من خلال تحريره للصحيفة الاكاديمية الفصلية "سياسة العالم". شفارتس على قناعة ان كل شيء يكمن في التاريخ، وهو لا يعرف اذا كانت الأجيال القادمة من الفلسطينيين ستقبل الاتفاقات التي سيوقع عليها قادتهم. اتفاق السلام مع اسرائيل سيبقى قائما حسب رأيه طالما لم يتمكن الفلسطينيون من تغيير الواقع.
كُتب المؤرخ البروفيسور بيني موريس أثرت عليه كثيرا، حسب اعترافه. وهو يقول انه ليس متشائما في نهاية المطاف، وانما هو واقعي. "فقط اذا واجهوا المسائل الحقيقية الجوهرية في الصراع الآن - مثل الديمغرافيا وحق العودة والاعتراف بحدود اسرائيل الاقليمية - فان مستقبل الدولة سيكون مضمونا".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السور سيتحطم:
المشروع الصهيوني لم ينجح أبدا في التغلب على العقبة الديمغرافية التي تقلقه منذ تأسيسه"، قال شفارتس في مقالته. "الاحتياجات الوجودية للسكان الفلسطينيين ذوي الخصوبة العالية التي تفوق اسرائيل بعدة مرات، ستلزم كل دولة فلسطينية مستقبلية بأن تحاول توسيع حدودها، الامر الذي سيكون على حساب اسرائيل وربما على حساب الاردن ايضا". الواقع الديمغرافي فاض من الوعاء حسب رأيه وتفوق على آباء الصهيونية الذين آمنوا بفكرة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض. خلال عام واحد فقط سيتحول اليهود الى أقلية في المساحة الممتدة بين البحر وحدود الاردن كدولة. وخلال 15 عاما ستصل نسبتهم الى 42 في المائة من السكان فقط.
العملية الديمغرافية ستؤدي الى ان يتخلى الفلسطينيون عن فكرة الدولة المستقلة، وان يتبنوا فكرة الدولة ثنائية القومية حسب مبدأ "صوت واحد للشخص الواحد"، الامر الذي يضمن لهم اغلبية في الدولة العربية اليهودية.
رئيس الحكومة اريئيل شارون يدرك الخطر الديمغرافي جيدا، حسب رأي شفارتس، وخطته أحادية الجانب لفك الارتباط وتمترسه من خلف الجدار الفاصل، هما نتيجتين اثنتين من ادراكه هذا، ولكن الديمغرافيا الفلسطينية ستقوم بتفجير هذا السور.
شارون، أبو مازن وكل شخص عقلاني في المنطقة يعرفون ما يتوجب فعله: ايقاف الارهاب مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل من اغلبية المناطق وتفكيك اغلبية المستوطنات واقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل على اغلبية اراضي الضفة والقطاع. ولكن الشعب في اسرائيل لن يقبل بالانسحاب الكامل والفلسطينيون لا يستطيعون التنازل عن حق العودة، حسب رأي شفارتس. هذا الطريق المسدود، والى جانبه القنبلة الديمغرافية، سيرجح الكفة اذا ضد كل حل مطروح.
الدولة الفلسطينية ايضا لن تستطيع الصمود في المناطق بسبب التكاثر الطبيعي الفلسطيني الهائل، حيث سيبحثون عن كل طريقة ممكنة ومتوفرة نحو سوق العمل والاقتصاد الاسرائيلي القوي. حسب توقعات شفارتس السوداوية اسرائيل لن تستطيع اغلاق الثغرات إلا اذا حاولت حماية نفسها بوسائل مشابهة لتلك التي استخدمتها جنوب افريقيا العنصرية، ولكنها ستفقد في هذه الحالة دعم الولايات المتحدة والغرب، ولن تستطيع البقاء. هذه النبوءة الأخروية تجد التعزيز لدى شفارتس من خلال مشاعر اليأس المتزايدة التي يلمسها في الآونة الأخيرة عند الوطنيين الاسرائيليين الذين يكررون على مسامعه عبارة: "لماذا لم نأخذ أوغندا".
ما الحل؟ فالتاريخ يُعلمنا، كما يدعي شفارتس، ان هناك مشاكل كثيرة بقيت بلا حل، وكل المؤشرات تدل على ان الصراع الصهيوني - الفلسطيني ليس قابلا للحل. ليس من الممكن إلا الوصول الى استنتاج واحد: التطلع القومي اليهودي والفلسطيني لتحقيق الذات على نفس قطعة الارض الصغيرة، لا يمكن ان يتحقق، واسرائيل لن تستطيع البقاء حتى عيد ميلادها المائة.
إعادة التوزيع من جديد:
من لم يفاجأ من مقالة شفارتس هو افيغدور ليبرمان رئيس حركة "اسرائيل بيتنا" والاتحاد الوطني. "لقد حذرت قبل ثلاث سنوات من ان دولة اسرائيل تسير نحو الخراب، وانه ليس مضمونا بالمرة ان تبقى قائمة بعد عشرين عاما"، "عندئذ قالوا عني أنني مجنون ومهووس، ولكن يبدو ان هناك اشخاصا مثلي ينظرون الى الأمام".
إلا ان ليبرمان يدعي ان هناك حلا: رسم خطوط جديدة. دولة يهودية تشمل الكتل الاستيطانية في المناطق طبعا من دون عرب الى جانب كيان فلسطيني متناغم ايضا يضم اغلبية عرب اسرائيل في داخله. في هذا الاطار يبقى في اسرائيل فقط العرب الذين يقبلون دولة اسرائيل كدولة قومية يهودية وصهيونية، ويكونون مستعدين لتلبية كل الواجبات بما فيها الخدمة العسكرية أو المدنية. أما كل من يتبقى فهم ليسوا مرغوبين هنا، وسيضطرون للرحيل الى الجانب العربي.
ليبرمان يحذر ان خطة فك الارتباط تترك للعرب منطقة نظيفة من اليهود، بينما تتحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية مع 20 في المائة من الأقلية العربية الآخذة في الازدياد.
ليبرمان، خلافا لشفارتس، ليس قلقا من نجاح الكيان الصهيوني في الحفاظ على بقائه في أجزاء من الضفة وغزة. وإن كان الفلسطينيون يريدون ان يكونوا طفيليين على غيرهم فليس على ظهر اسرائيل، وانما على ظهر الدول العربية الغنية، وإلا فعليهم ان يحذو حذو سنغافورة وهونغ كونغ المزدهرتين.
من الجانب الآخر من الخارطة السياسية، يقول رئيس حركة "ياحد"، يوسي بيلين، ان شفارتس يقع في خطأ كبير. "صحيح ان استمرار السيطرة الاسرائيلية على المناطق سيُدخلنا في مشكلة ديمغرافية صعبة، ولكن خلافي الأكبر معه هو انه يقول انه لا توجد امكانية لبقاء دولة فلسطينية مستقلة اقتصاديا، وان هذه الدولة ستنفجر باتجاه اسرائيل"، يقول بيلين، "هذه توقعات بلا أساس في الواقع. هناك بالتأكيد امكانية لإدخال عدد كبير من السكان الى منطقة صغيرة اذا قمنا بتوفير العمل لهم. الدول الصغيرة ايضا تستطيع البقاء، وسنغافورة هي مثال على ذلك".
"شفارتس يبرهن عن موقف ما بعد صهيوني في مقالته"، يقول بيلين، "ولكنه لا يقترح أي حل، ويقول انه لا يوجد حل للوضع، وأنا أخالفه واعتقد ان شارون يدرك الوضع اليوم، وخطة فك الارتباط هي البرهان على ذلك، وهو يدرك انه لا يمكن السيطرة على الفلسطينيين على المدى الزمني".
كبير الديمغرافيين المختص في ديمغرافيا الشعب اليهودي، البروفيسور سيرجي ديلا فرغولا، يقول ان شفارتس لم يطرح أي شيء جديد باستثناء إدخاله للرؤيا التدميرية. أبحاث ديلا فرغولا تعطي صورة واضحة للوضع: خلال سنوات معدودات سيتحول اليهود الى أقلية في المساحة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الاردن. "لدينا اليوم اغلبية 51 في المائة يهود بصعوبة. وكل ما تبقى هم فلسطينيون، و3 في المائة مهاجرون جدد غير يهود من الاتحاد السوفييتي سابقا. الفجوة بيننا وبين الفلسطينيين آخذة في التناقص. حتى عام 2010 سنصل الى التكافؤ المطلق، ومن بعد ذلك سنفقد صفة الاغلبية".
التاريخ يُعلمنا حسب رأي فرغولا ان الدول تختفي عن الوجود احيانا ببساطة شديدة. "هل يذكر أحد ما اليوم ان دولة البابا كانت قائمة على ثلث مساحة ايطاليا حتى عام 1861؟ الظروف الداخلية والخارجية قررت انها لا تملك حقا في الوجود. وهذا الامر حدث ايضا مع الاتحاد السوفييتي، وهو، خلافا لنا، كان دولة عظمى عالمية. ولذلك يتوجب علينا ان ننظر الى الأمام وان نراقب المجريات التي تحدث".
"ليس من المسؤولية بمكان التحدث عن تصفية دولة اسرائيل المحتملة، ولكن من واجبنا ان نفعل كل شيء حتى نضمن بقاء هذه الدولة، حتى لا نصل الى هذا الوضع وان لا نقترب حتى من حافة الازمة". فرغولا يعتقد انه لا يوجد حل سوى الافتراق عن المناطق بما فيها أحياء شرقي القدس العربية، ومبادلة المناطق - نقل المثلث للفلسطينيين مقابل الكتل الاستيطانية الكبرى. هذا الحل سيغير الوضع الديمغرافي بصورة ملموسة حسب رأيه، ويُريح اسرائيل من ثلث عرب اسرائيل، الامر الذي يضمن اغلبية يهودية حتى عام 2050 على الأقل.
اسرائيل لا تستطيع ان تواصل سيطرتها على المناطق على المدى الزمني، وحرب المستوطنين حسب رأيه، هي في الواقع حرب ضد مستقبل اسرائيل، وحرب خاسرة سلفا. هي تصب ضد التاريخ وضد المنطق والوجود اليهودي. أهالي غوش قطيف والمستوطنون يخطئون خطأ كبيرا وهم يقومون باحراز هدف في مرماهم وفي مرمانا جميعا، حسب رأي ديلا فرغولا.
الأشد من ذلك هو كلام الديمغرافي البروفيسور أمنون سوفير، الذي يحذر منذ سنوات من الخطر الديمغرافي. وهو يقول ان شفارتس قد استند في نبوءاته على ابحاثه، ويؤيده في توقعاته، وان اسرائيل تسير نحو لانتحار. ولكنه يخالفه الرأي في عدم وجود حل للمعضلة. والحل في نظره، مثل ديلا فرغولا، يكمن في التخلي عن المناطق ومبادلة السكان واقامة الجدار. الجدار هو الحل لبقاء اسرائيل ومن دونه سيكون هناك انتحار جماعي. أما اذا بُني السور فهذا يعني النجاة لليهود. "السور هو الطريق الوحيد للانتصار على الرحم الفلسطيني. اذا سقط هذا السور سيغمرنا طوفان هائل من الفلسطينيين مثل المكسيكيين الذين دخلوا الى الولايات المتحدة، واذا سقط السور سقطت اسرائيل". ولكن الجدار سيدفع الفلسطينيين حسب رأيه الى البحث عن مصادر عمل لانفسهم في الاردن والسعودية والعراق ودول الخليج.
من دون الجدار – سننتحر:
سوفير يقول انه لا يوجد أي منطق في إبقاء السيطرة على شرقي القدس. هذه المواقع ليست اماكن مقدسة ويعيش فيها ربع مليون عربي، ولذلك يتوجب على اسرائيل التخلص منها، حسب قوله. "قلت ذلك لشارون ولم يسقط عن كرسيه. نحن سنضم ذات يوم اريئيل ومعاليه ادوميم والكنا وألفيه منشه. هيا نتخلص من النزعة الخلاصية ومن الجنون. فقد آن الأوان لاتخاذ قرارات قاطعة. في اللحظة التي سيدرك فيها الفلسطينيون انهم لا يستطيعون التغلب علينا من خلال الديمغرافيا، سيبدأون بالتفاوض معنا لانه لن يكون لديهم خيار آخر".
يورام اتينغر، القنصل السابق في السفارة الاسرائيلية في واشنطن، ورئيس طاقم الخبراء الاسرائيلي الامريكي الذي قام بدراسة التهديد الديمغرافي وتوصل الى استنتاجات معمقة ودراماتيكية، لا يوافق على أفكار شفارتس وسوفير. استنتاجات طاقمه قالت ان هناك 2.4 مليون فلسطيني في الضفة وغزة وليس 3.8 مليون كما اعتقدوا حتى الآن على أساس دراسات سوفير وديلا فرغولا. طاقمه تضمن في صفوفه خبراء مثل البروفيسور عزرا زوهر والدكتور دافيد باسيغ والعميد احتياط دافيد شاحف والمؤرخة البروفيسورة روبرتا سياد وغيرهم.
"المعطيات التي استند اليها شفارتس، أي ابحاث أنبياء الغضب الديمغرافيين خاطئة ولا أساس لها من الصحة، لانها ترتكز على أرقام مشوهة ومضخمة وهادفة وتوقعات بلا أساس قام بنشرها مكتب الاحصاء الفلسطيني"، يقول اتينغر. "النتائج تشير الى انه لا يوجد أساس للادعاء بأن اليهود سيتحولون الى أقلية بين النهر والاردن. منذ عام 1967 بقيت هناك اغلبية يهودية بنسبة 60 في المائة، ومنذ عام 1990 ازدادت نسبة اليهود بـ 2.5 في المائة للسنة"، يقول اتينغر. الفلسطينيون ايضا لا يقومون حسب قوله بشطب أسماء الموتى من سجلهم السكاني وذلك لاسباب منها ضمان مواصلة حصولهم على المخصصات من المؤسسات الدولية مثل الانروا. من الناحية الاخرى يرفض فرغولا والبروفيسور سوفير كليا ادعاءات اتينغر، ويُشككان في نتائج أبحاثه. اتينغر يرفض كل السيناريوهات البلهاء. "عندما أعلن بن غوريون عن اقامة الدولة كان بين النهر والبحر 48 في المائة يهود، أما اليوم فقد أصبحوا 60 في المائة، بينما يتراجع عدد العرب. اسرائيل ذات قوة عسكرية هائلة مع تكنولوجيا هي الثانية في حجمها في العالم، وطب متطور. اذا، أليس بامكاننا اليوم ان نفعل ما فعله بن غوريون في عام 1948؟".
آريه الياف، المؤمن المخضرم بالتعايش والسلام، ينظر من رمال نتسانا الى الجدل المحتدم حول نبوءات شفارتس السوداء ويقول: "هذه للأسف الشديد محاولة غير صحيحة لبناء بناية كارثية من خلال المنظار الأكثر سوداوية. هذه رؤية مناهضة للتاريخ. هل خطر ببال أحد ما يوما ان الصراع بين المانيا وفرنسا حول الاليزاس ولورين الذي قُتل بسببه ملايين الشبان في ثلاث حروب دموية سيُحل في يوم واحد؟ أنا لا أقول ان الامر سيكون سهلا، واننا ربما سنضطر الى مواجهة انتفاضة ثالثة، ولكن هذا لا يعني ان نبني كل شيء على الاسود من السواد؟"
- ( المصدر : دنيا الوطن )