هل الصومال مسؤولية عربية أيضاً، حلمي شعراوي

هل الصومال مسئولية عربية أيضاً، مقال كتبه حلمي شعراوي في مايو 2006.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقال

أن يكون هناك من المناطق العربية الحية، والحيوية، في الأطراف، وتحديداً في أفريقيا، ما تتعرض لكل ذلك العنت الدولي والتفجر الداخلي، ثم يكون الاهتمام العربي بها "نصف نصف" أو هامشياً، فهذا ما لا يعد مفهوماً. كيف يحدث ذلك؟ يبدو أن غيبة التفهم العربي لمشكلات "الوطن العربي" الاجتماعية، بمعنى عدم رغبة النظم السياسية في تفهم الأثر السلبي للأوضاع الاجتماعية ومن ثم التحليلات والمعالجات الاجتماعية الضرورية، لتجنب آثارها على الواقع والمستقبل، يبدو أن ذلك فوّت على شعوبنا إمكانيات الوعي المبكر بالنتائج المضادة للمركز "القح"، أي قضايا المشرق العربي، والهامش "النصف نصف"، أي القضايا العربية- الأفريقية، كالصومال ودارفور، على السواء.

بل إننا يمكن أن نلاحظ أن البدء المبكر بتجاهل ما يحدث في الهامش، هو الذي أوقع المركز فيما هو فيه الآن أو لاحقاً. والأمثلة على ذلك لا تحتاج لبحث عميق، فالسودان يعاني مشكلة "الجنوب" "غير العربي" منذ عقود دون تحليل صحيح للمشكلة، أو احترام لمبادئ الحكم الذاتي والديمقراطية، أو وضعه في إطار التنمية المتكاملة والعادلة الضرورية في أنحاء البلاد، وقد ظل كذلك باعتباره هامشاً غير جدير بالاهتمام العربي المركزي، حتى وُضعت المسألة برمتها في إطار إقليمي غير عربي (منظمة الإيغاد) ناهيك عن الإطار الدولي (التدخلي)... الذي بات ببعديه الإقليمي والدولي شديد الوطأة مع تصاعد مشكلة دارفور... وحلها الذي لا يبدو انتصاراً لأحد، أو حتى عملياً حتى الآن. وبسبب هذا التدهور المبكر في الهامش -دون إدراك صحيح- لم يكن بعيداً أن يُحتل العراق أمام عيوننا، وهو أحد قوى "المركز" العربي الحيوية التي لا نستطيع الآن إنقاذها إلا في إطار الشرق الأوسط الكبير وليس الوطن العربي بالتأكيد. ها هو السودان الذي يكاد يكون في طريقه لأن يصبح من "دول الجوار"، يهيئه الحل الملغوم في "دارفور" والمسمى باتفاق "أبوجا" لكي يصبح فقط منطقة "مضطربة" صالحة بدورها للتدخل السريع، وقد سبق "الحل" بأسابيع الحديث عن إعلان السودان ضمن خمسة أو ستة نماذج لـ"الدول الفاشلة" التي تستدعي هذا التدخل. وقد كان غريباً أن يقترن يوم إعلان الوصول إلى اتفاق "الحل السلمي" في "أبوجا"، بتصريحات أميركية عن استعداد "حلف الأطلسي" للمساعدة في توصيل "قوات دولية" لدارفور لتحقيق الأمن والاستقرار، بينما لم يفهم المراقبون المخلصون معنى للاتفاق إلا أنه ينفي مبررات "التدخل" من أي نوع بعد وصول المتصارعين إلى "الوئام"! بل وفاجأنا الوزير السوداني الجنوبي "لام أكول" نفسه بأنه لولا التدخل الأميركي ووعودهم لفصائل المتمردين، لكان الاتفاق قد تم توقيعه بـ"سلاسة طبعاً". فهل يظل عدم تحديد مفهوم الاستقرار في "دارفور" مفتاحاً لسياسات أخرى "توسعية" في الصحراء الكبرى التي تريد قوى النظام العالمي تأمينها من "شرور الإرهاب"، والذي يهدد في نظرها منطقة غنية بالمعادن الاستراتيجية؟ وهل نفهم -أو قلْ نتأكد الآن- أن بقاء المناطق "مضطربة" وفق مبدأ "الفوضى البناءة"، هو أكسب لأصحاب المصالح الدولية من تحقيق الاستقرار؟ هل هذا بحق هو ما يقف وراء عدم توقيع بعض الفصائل لاتفاق "أبوجا"؟ وهل تقبل بعض قوى المعارضة الداخلية في السودان، وبدعمها لبعض الفصائل بدلاً من ضغطها السياسي على النظام داخلياً كقضية ديمقراطية، هل تقبل أن تتوافق بهذا الشكل مع التدخل الأجنبي بنفس الإيقاع الذي حدث في العراق وما زال يحدث تقريباً؟ ومن جانبنا نحن أليست لحظة لمعالجة النظم السياسية لأوضاعها المحلية ديمقراطياً بدل الاستسلام لآليات التدخل؟ أليست القوى الديمقراطية والتجمعات المدنية مطالبة بقراءات اجتماعية صحيحة وشفافة للواقع العربي؟ كل ذلك هو ما أعادني لدولة الجوار الأخيرة... الصومال! ولأتأمل وضعها في "الهامش العربي"، أو بين مناطق اهتمام "النصف نصف" التي تُركت فضاء مباحاً للعبث الدولي والداخلي على مدى العقدين الأخيرين تقريباً. الغريب هنا أيضاً أنه ما كاد الصومال يقترب من صيغة الاستقرار، برلمان وحكومة وشرطة ومبدأ دمج الميليشيات... إلخ، وإن كانت كلها تحت صفة "المؤقتة"، وذلك منذ أواخر العام الماضي، وبينما يسعى الرئيس عبدالله يوسف للتوفيق بين المجموعات الإسلامية التي أيدته بنفوذها بين جمهور العاصمة على الأقل، وبين لوردات الحرب الذين توازنت قواهم في البرلمان ومجلس الوزراء بدرجة أو بأخرى، وإن بقي الصراع قائماً حول الاستقرار في مقديشو أو "جوهر" أو "بيداو"، وكدنا لا نسمع في الأشهر الأخيرة تلك التصريحات الملتهبة بين الفصائل المتقاتلة التي يفوق عددها عشرين فصيلاً. بينما الأمر كذلك، إذا بنا نجد صفة "الدولة الفاشلة" تقفز من جديد مرتبطة بالصومال (يعني شرعية التدخل)، ثم نسمع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن اطراد تهريب السلاح ومخالفات لقرارات حظره، ومن قبل دولة معينة لم يسمها (البعض قال الأميركان والبعض قال أثيوبيا) كل حسب سوء نيته! ثم أخبار عن المجاعة القاتلة في جنوب الصومال وحدود كينيا مثل الحال في دارفور، لتتكاثر مؤسسات الإغاثة التي ستصرخ لإنقاذ الصومال ولو عن طريق حلف الأطلسي، ثم أخيراً نشر أنباء تسلل عناصر من أتباع "القاعدة" إلى هناك دعماً للاتحاد الإسلامي أو "مجلس المحاكم الشرعية"... وكأن الصومال لم تكن أرضاً "براحاً" يمكن أن يلجأ إليها "الإرهابيون" من سنوات، كما لجأ إليها مهربو "النفايات الذرية" والمخدرات والأموال السوداء في حماية قوات "دولية". فهل تجهَّز الصومال لمعركة محلية مثل دارفور تؤهلها لـ"تدخل" أكبر وأكثر مباشرة مما يحيطها؟ إن اضطراب الحجج للتدخل السريع الآن يبدو ملفتاً بالفعل، فالمجالس الإسلامية كانت تطوراً تلقائياً للحالة الدينية والعشائرية التي تجاهلناها طويلاً، ولم يستطع أن ينفذ إليها تنظيم سلفي سياسي مثل الاتحاد الإسلامي بسهولة مدعوماً من السودان لفترة، كما أن فصائل لوردات الحرب لم يسبق اجتماعهم على أمر إلا اشتراكهم الجزئي في صيغة الحكم التوافقي أو الصوري الذي تقرر أواخر العام الماضي. فكيف اجتمعوا فجأة تحت مسمى التنظيم المصطنع الجديد باسم "التحالف من أجل السلام ومواجهة الإرهاب"! وهو مسمى غريب على لوردات الحرب لا يعني إلا استعدادهم لمواجهات حرب جديدة تعد باسم مواجهة "القاعدة". إن الجامعة العربية مطالبة بسرعة التدخل في الصومال، بمؤتمر وفاق ضروري، قبل أن تشملها عملية تدخل أخرى غير مشرفة، ولابد أن نضع في اعتبارنا آخر الأمر أنه قد تكون تحركات ما يسمى بـ"القاعدة" مؤخراً وبنشاط ملحوظ في أنحاء مختلفة من العالم العربي والإسلامي، وبهذه القسوة في ضرباتها المتلاحقة، مبرراً فعلياً لأشكال من تحرك دولي جماعي، ومخلص للحل الإنساني والاجتماعي إلى جانب الاقتصادي، في مواجهة هذا الاضطراب غير البناء. وقد تكون الحاجة ماسة وعاجلة أيضاً وبشكل خاص، إلى استراتيجية عربية لمواجهة الأوضاع الاجتماعية المتردية، وغير الديمقراطية التي تدفع عجلة الإرهاب المتبادل ولا تتصدى لكل أسباب الاضطراب غير البناء هذه. ولكن الاستحقاقات المحلية والإقليمية لا تعني أن نترك الأمور لمفهوم واحد لـ"التدخل" الأميركي في مواجهة "الفوضى البناءة"، أو قصر الاهتمام على جانب واحد من العرب في "المركز" دون "الهامش"، ومن ثم يتوجب عند البحث عن حل شامل للأوضاع العربية المتدهورة أن تعتبر الصومال مسؤولية عربية "أيضاً"!


المصادر