موسوعة الفراعنة: الأسماء - الأماكن - الموضوعات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبريس

أبريس Apries، (589 - 570 ق.م - الأسرة السادسة والعشرون) ، هو ابن الملك الطموح "نخاو الثاني Nechao II " ، تدخل في أمور فينيقيا. وعلى الرغم من مساندته "أورشليم في ثورتها ضد "بابل"، إلا أنها سقطت تحت سيطرة الملك " نبو خذ نصر Nabuchodonosor" الذي قام بطرد اليهود منها، ففر بعضهم إلى مصر التي قامت باستقبالهم، ومنهم على سبيل المثال: "النبي جرمي Jeremie" . كما استطاع "أبريس" كذلك أن يتجه غربا لمساعدة القبائل الليبية ضد الإغريق الذين تمركزوا في مدينة "قورنية Cyrene"، ولكن الحملة المصرية التي أرسلها، لم توفق في مهمتها، بل انقلبت عليه، وخلعته عن العرش.

ولا شك أن هذا الفرعون الصاوي (نسبة إلى صا الحجر) السيء الحظ، كان أقل صيتا من خلال منشآته، والتقاليد المتوارثة عنه من أمازيس الذي أزاحه محله.


أبو فيس

أبو فيس Appohis ، الأسرة الخامسة عشرة)، حكم أبو فيس قبل آخر ملوك الأسرة الخامسة عشرة وبعد أكثر ملوك الهكسوس شهرة. قام بإدارة شئون الدولة خلال فترة حكمه الطويلة المدى (التي امتدت أكثر من ثلاثين عاما) كأي فرعون مصري سبقه. شيد المعابد (خاصة في الجبلين)، وعمل على نسخ المؤلفات القديمة (مثل البحث الرياضي لبردية رند Rhind)، وحدد سلطته من خلال وثيقة نموذجية وصيغ مصرية صحيحة، إلى حد أنه لجأ إلى تغيير اسم تتويجه ثلاث مرات حتى يجعل فترات حكمه على نسق فكري متناسق.

غير أنه وفقا للأسطورة المعنونة "نزاع أبو فيس مع سقنزع seqenenre"، فقد تسبب في قطع أواصر الروابط مع الأسرة السابعة عشرة وذلك عندما فرض على "سقنزع " شرطا مهنيا تحت صياغة مجازية. ولقد قام "كامس Kames، بإضعاف موقف "أبو فيس" عندما أطاح بمعاونه المصري "نفروسي Nefrousy" وبهزيمة حليفه أمير "كوش Kouch" ومن ثم تداعت سلطة أبو فيس في آخر عهده تحت تأثير ضربات أهل طيبة الوطنيين، والذين تغلبوا على خليفته بعد ذلك المدعو "خامودي Khamoudy" .

الأثيوبيون (الأسرة الكوشية)

كان الإغريق يعنون بكلمة أثيوبيا "المبهمة اللامحدودة" - (والتي يطلق عليها الغربيون أفريقيا السوداء، ويسميها العرب السودان أي "بلاد السود") - كافة البقاع التي يقطنها البشر داكني البشرة، وهي الواقعة عند أعالي اشلال الأول للنيل، ولذلك نجد أن "مانيتون" قد حدد الأسرة الخامسة والعشرين كأسرة "أثيوبية" انبثقت من نباتا Napata في النوبة وحكمتفي كل من منبتها، أي السودان ، ومصر في آن واحد ما يقرب من خمسين عاما. ومن قبل نعت "هيرودوت "الملك ساباكون Sabacon (شباكا Chabaka) "بالأثيوبي" عند حديثه عن هذه الأسرة في كتابه المعنون "بالتاريخ" . ولاشك أن كلمة "أثيوبيا" أصبحت تشير في أيامنا الحالية إلى الدولة المتعددة الجنسيات التي أنشأتها الأسرة الحبشية فوق القرن الشرقي لأفريقيا والتي لايمكن مطلقا أن تقترب أراضيها من الأراضي الخاصة بفراعنة "نباتا" و "مروى Meroe". ولذلك فمن الملائم أن نطلق بالتالي على هؤلاء الفراعنة اسم "الكوشيين Kouchites" المستمد من كلمة "كوش Kouch" التي أطلقوها هم أنفسهم على وطنهم.

وعقب زوال الأسرة العشرين، فإن النوبة التي قامت مصر بتمصيرها تمصيرا جذريا خلال الدولة الحديثة، قد أجليت عنها القوات العسكرية المصرية، ولايبدو مطلقا أن بعض "نواب الملوك في كوش " والذين عاصروا الملوك التانيسيين والليبيين قد استطاعوا أن يمدوا سيطرتهم أبعد من ذلك. وفي أراضي دنقله Dongola البعيدة الخصبة تأسست دعائم السلطة المحلية خلال القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد حيث تتابعت سلسلة من الأمراء المجهرلي الشخصية لنا دفنوا في منطقة الكورو El-Kourou بالقرب من نباتا.

وكانت مدينة نباتات هذه، حيث تقام الشعائر الرسمية للإله آمون، بمثابة العاصمة الجنوبية لرجال السلطة المصرية، وفي الوقت الذي كان فيه جوهر الحضارة بمنطقة نباتا قديما قد عاود ارتباطه بالتراث السوداني، كانت لاتزال هناك بعد التقاليد الثقافية الفرعونية المتبقية. وفي وقت من الأوقات اقتبس ا/ير نباتا ألقاب وصفات الفراعنة، وبذا صنع نفسه على قدم المساواة مع الملوك الغزاة الذين كانوا يتقاسمون مصر الليبية فيما بينهم. ولانستطيع أن نجزم بما إذا كان اقتباس هذه الألقاب الرفيعة قد سبق التوسعات الكوشية نحو الشمال أم أنه كان نتيجة له .

وحوالي عام 750 ق.م سيطر "كاشتا Kachta" على "إلفنتين" ، وخلال حكم ابنه "بعنخى" ضمت إلى كوش كافة أنحاء المنطقة الطيبية (نسبة إلى طيبة)، حيث استبعدت كل السلالة المنحدة من شاشانق. ورغما عن "تف نخت Tefnakht" أمير الغرب، بسط بعنخى سيطرته على كافة افمارات الواقعة أسفل النهر (أي مع هبوط النهر)، واستطاع "شباكا Chabaka" أخو "بعنخى" أن يطيح بالملك "بخوريس Bocchoris" ابن "تفنخت" ، ولم يعد هناك سوى فرعون واحد فيما بين الساحل السودان والبحر المتوسط. ويرى "مانيتون" أن "شباكا" (716-702 ق.م) هو مؤسس الأسرة الخامسة والعشرين ، وخلال حكمه ظهرت عادة وضع زوج من حية الكوبرا في مقدمة تاجه، وكان هذا الإبتكار يتطابق مع الفكرةالعتيقة التي ترتكز على توحيد الأرضين، وهي نفس الفكرة التي تؤيد الرغبة في توحيد المملكتين التاسعتين. حكم بعد "شباكا" اثنين من أبناء بعنخى وهما شبتاكا (702-690 ق.م) وطهارقا (690-664 ق.م) ثم "تانوت آمون Tanoutamo" ابن أخ طهارقا (664-656 ق.م) .

ونلاحظ أن المنجزات السياسية والمعمارية الكوشية، لاتبدو بنفس الضخامة أو الأهمية وفقا لنظرتنا إلى السودان ولشطري مصر. ففي الجزء المتحضر من السودان ازدهرت معالم الحياة المدنية والريفية بداية من جزيرة مروى وحتى الشلال الثالث. ولقد ساعد إحضار الفنيين المصرين على إقامة معابد صغيرة رائعة، في أماكن عبادة الإلهة آمون (مثل نباتا ، وصنم ، وكاوا ، وبنوبس) . وبالرغم من تمصر تلك الملكية (حيث يتم انتقال العرش من الأخ لأخيه خلافا للطابع المصري) ، فقد بقت عادة سودانية عن عمد، وشيد الملوك لأنفسهم أهرامات في جبانة الكورو El-Kourou الخاصة بالأسلاف، باستثناء طهارقا الذي تجه إلى "نوري Nouri" دون أن يبعتد تماما عن نباتا. ومع ذلك نلاحظ القليل من العلامات الغربية المستوردة في ملابس هؤلاء الأمراء مثل : وجود تاج ذي نمط خاص بهم، وحلى مستحدثة منها أشكال على هيئة رأس الكبش (أحد مظاهر الإله آمون) .

وفي منطقة طيبة انضمت العائلات الكهنوتية هناك حول الفرعون النباتي (نسبة إلى نباتا)، وجاء من الجنوب البعيد "عابد آمون" لكي يوطد دعائم الإستقلال الذي نجح كبار الكهنة التأنيسيين والليبيين في إحرازه من قبل، وانخرطت بعد المتعبدات الكوشيات أمثال "آمون إردس Amenirdis " ابنه "كاشتا" و "شابنوبت Chapenoupet" إبنة بعنجى، في نهج من سبقتها من العائلة الشاشانقية. وحفلت معابد طيبة بنقوش رائعة مزدانة باسم الملك أو الزوجة الإلهية. وهي معابد متوسطة الحجم بشكل عام، ولكنها ذات طابع بسيط، ووطدت هذه المنشآت من دعائم النهضة المتشبهة بالعصور العتيقة في مجال الفنون المقدسة.

ويبدو أن الأسرة الخامسة والعشرين قد استمرت طوال فترة حكمها تقريبا وهي تمسك بزمام مدينة منف بحزم، وإن كانت قبضتها على الدلتا أقل أحكاما ، إذ أعلنت مملكة "سايس Sais" عن قيام أسرة جديدة هي السادسة والعشرين، وكان ذلك في حد ذاته بعد عقبة منيعة بالنسبة لغاز قادم من أقاصي البلاد، وفي ذات الوقت ثبتت بعض صغار الفراعنة التأنيسيين و "كبار الحكام" في أماكنهم. وبملاحظة انجازات "طهارقا" في مجال البناء والتشييد والذكرى التي تركها وراءه، نجد أنه استطاع خلال بضع سنوات أن يملك تقريبا زمام كافة أراضي ملكه الكائن على ضفاف النيل، والذي كانت رقعته تتزايد باستمرار. ولم يستطيع المصريون والسودانيون أن يمنعوا "سنخريب Sennacherib" الأشوري عام 700 ق.م من أن يغتصب فلسطين. واستطاعت جحافل الجيوش الأشورية خلال حكم "أسردحون Assarhaddon" ثم "أشوريانيبال Assour-banipal" من أن تقتحم مداخل مصر: فسقطت منف عام 671 ق.م ثم تبعتها طيبة عام 666 ق.م. ولقد ساعد ذلك التدخل أخيرا في تقوية دعائم سايس، والمدن المستقلة في الشمال وتسبب هجوم مضاد بقيادة تانوت آمون Tanoutamon في عودة أشوريانيبال إلى مصر وحدوث عمليات نهب وسلب واسعة لمدينة طيبة عام 663 ق.م. وبعد قليل قام الملك الصاوي بسماتيك Psammetipue بطرد أسرة نباتا إلى ما بعد أسوان عام 656 ق.م.

أحمس

أحمس Amosis، (1539 - 1514 ق.م ، الأسرة الثامنة عشرة)، إن كلمة "أموزيس Amosis" مرادفة في الكتابة الإغريقية المصرية القديمة "إياحمس Iahmes تعني : (القمر ولد في الدنيا) ويجب التمييز بين هذا الاسم وبين "أمازيس Amasi" ذلك الاسم الذي حمله أحد فراعنة الأسرة السادسة والعشرين فميا بعد. تبدأ الأسرة الثامنة عشرة بالملك "أحمس" بالرغم من عدم وجود أي انفصال بينها وبين الأسرة السابعة عشرة، فقد كان هذا الفرعون حفيدا لتيتي شيري Tetichery " وابنا "لإعح حتب Ahhotep" و أخا "لكامس Kames" . وتميزت فترة حكم أحمس بحدث كبير، ألا وهو تحرير مصر من الهكسوس وطردهم بعد احتلال دام أكثر من قرن من الزمان. ونستشف أن إتمام حروب التحرير التي بداها "كامس" تطلب جهدا ووقتا طويلا. فلم تسقط مدينة أفاريس عاصمة الهكسوس إالا بعد حصار طويل، وكانت الضرورة تقتضي بعد ذلك استئصال الحصون والاستحكامات التي أقامها هؤلاء الهكسوس في فلسطين ودحر الزعماء النوبيين الذين حاولوا من وقت لآخر استرجاع مكانتهم بالنوبة السفلى، والتي كاهنت مصر قد استعادتها وأخيرا معاقبتهم. ومما يؤسف له حركات التمرد التي قام بها بعض المصريين المتعاونين مع الهكسوس، أو بكل مرارة زملاء الكفاح مع فراعنة طيبة الذين كانت تراودهم الطموحات. وبما أن "أحمس" ارتقى العرش على مايبدو وهو صغير السن، فقد قامت أمه "إعح حتب" خلال فترة من حكمه (1539-1514 ق.م) بنوع من الوصاية عليه. وعندما استتبت الأحوال السياسية - ربما حوالي العام الشعرين من حكمه - ، شرع في إنجاز الإصلاحات الهائلة التي كانت مصر في حاجة إليها. كما فتحت المناجم والمحاجر من جديد (قطع الأحجار الجيرية من المعصرة، والمرمر من البسرا بالقرب من أسيوط، والفيروز من شبه جزيرة سيناء)، وأعيدت المبادلات التجارية التقليدية مع "جبيل". وتركزت أوجه الأنشطة المعمارية بصفة خاصة في مصر العليا في المناطق التي كانت من بين مراكز الكفاح الوطني إبان الأسرة السابعة عشرة، وشيد أحمس لنفسه ولجدته "تيتي شيري" قبرا تذكاريا جعل منه راعيا مقدسا في أبيدوس، وفي الوقت نفسه قام بإعادة تنظيم أملاك المعابد، مع إعطاء اهتمام خاص بالإدارة الخاصة بأرباح الغلال.

ولم يتم اكتشاف مقبرة "أحمس" حتى الآن، وإن أمكن التعرف على موميائه مع غيرها من المومياوات العديدة التي عثر عليها محفوظة بخبيئة الدير البحري منعا لعدم انتهاك حرمتها أو تدنيسها بأيدي اللصوص.

أحمس بن أبانا

أحمس بن أبانا Ahmes fils d'abana، يرجع منبته إلى مدينة الكاب El-Kab، وهو ابن المدعو "بب Beb" أحد جنود سقننرع Seqenenreن وترجع شهرة أحمس عند المصريين إلى مفاخر أعماله، وسيرته الذاتية المكتوبة بتفصيل دقيق للغاية بالنسبة لعلماء المصريات، وما كاد "أحمس بن أبانا" أن يتزوج ويكون لنفسه أسرة، حتى انخرط في البحرية كجندي في حرب التحرير ضد الهكسوس التي قادها الملك أحمس Amosis. وقد أظهر تفوقا ومقدرة خلال خصار مدينة أفاريس Avaris ثم مدينة "شاروهن Charouhen" آخر قلاع الهكسوس الحصينة في فلسطين. ثم تبع الفرعون في حملاته بالنوبة، واشترك في قمع ثورة بقيادة "تيتي عن Tetian" في مصر.

وعندما اضطر الملك "أمنحتب الأول" خليفة الملك "أحمس" إلى شن حملات عسكرية على النوبة، صاحبه "أحمس بن أبانا" في سفينته الحربية تقديرا لشجاعته وإقدامه، وعند العودة خلع عليه لقب "محارب الملك" .

وقد أثبت "أحمس بن أبانا" تفوقا وشجاعة كذلك عندما اصطحبه معه الملك "تحتمس الأول" في حملة أخرى بالنوبة، رقي إلى مرتبة "زعيم الحملة". وعندما اشتعلت الحرب مجددا في سوريا ضد امبراطورية ميتاني، تجلت عظمة "أحمس بن أبانا" مرة أخرى، وكان على رأس الجيش المصري واستحوذ على عربة حربية.

ولما أصبح "أحمس بن أبانا" متقدما في السن كان مفعما بمظاهر العظمة والتبجيل والشرف، وكوفئ ست مرات بذهب الشجاعة، كما استطاع بحد سيفه أن يستحوذ على أراض وعبيد، وعدد ذلك كله بدقة متناهية في ختام سيرته الذاتية على جدران مقبرته التي سمحت له رغدة العيش، واليسر الذي تمتع به من أن يحفرها ويزخرفها بالنقوش. وبوجه عام فإن "أحمس بن أبانا"، يمثل نمطا اجتماعيا تميزت به الدولة الحديثة ألا وهو : الرجل العسكري المتميز.

أحمس نفرتاري

أحمس نفرتاري Ahmes - Nefertary، هي زوجة، وربما أخت شقيقة، أو غير شقيقة، للملك "أحمس" أول فراعنة الأسرة الثامنة عشرة. امتد بها الأجل بعد وفاة زوجها حتى أنها عاصرت كل فترة حكم خليفته الملك "أمنحتب الأول"، وتوفيت في بداية حكم الملك "تحتمس الأول". ولقد ارتبطت هذه الملكة ارتباطا وثيقا ببعض منجزات زوجها، حتى بات واضحا أنها شاركته الحكم بصورة أو بأخرى، ولاسيما أنه كان دائم الإنشعال بحروب التحرير يوما خلفته من آثار وعواقب، كما تمتعت أيضا بسلطة شبه ملكية خلال حداثة سن "أمنحتب الأول". وفضلا عن هذا الدور السياسي، كانت "أحمس نفرتاري" أول ملكة تشغل وظيفة "الزوجة الإلهية" وخصص لذلك مجموعة من الأملاك والعقارات بفضل قرار قضائي بارع (أسند إلى الملكة منصب نبية آمون الثانية الذي استرجعه الملك في الحال نظير مبالغ طائلة تم تقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية).

وبصفتها "زوجة للإله" وبالتالي عضو مهيمن على مجموعة من الشعائر، فقد أعادت تنظيمها، وأضافت إليها عددا ضخما من الأدوات والأشياء التي ارتبطت باسمها. ولاشك أن المنزلة الرفيعة التي اكتسبتها من جراء ذلك، ومن وراء تشييد المباني الجنائزية تكريسا لها ولإبنهعا أمنحتب الأول، جعلت منها القديسة الحامية للجبانة الطيبية، وكانت تصور غالبا بصحبة هذا الفرعون في الهياكل أو في المقابر الخاصة، بل وفي المعابد المقدسة طوال كل فترة الدولة الحديثة. ومن أكثر تماثيلها شعبية ذلكا لتمثال المنحوت من الخشب المطلي بالقار، مما يوضح أن جسد الملكة كان يطلى غالبا باللون الأسود. وكانت تخرج في مركبها في موكب كبير في مناسبات الأعياد الكبرى، كما ان موكب مراسم الاحتفالات كان يجيب أن يتوقف عند معبدها الجنائزي، وبفضلها أنشئ من بعدها مجمع هام تكلف أموالا طائلة استمر دخله مرتبطا دائما بوظيفة "زوجة الإله"، و "عابدة الإله" .

الازدواجية

كانت الملكية في مصر القديمة تعد بكافة مظاهرها مؤسسة مزدوجة يتوحد من خلالها الشمال والجنوب. وكان الفرعون يرتدي - على التوالي - التاج الأبيض الخاص بمصر العليا، والتاج الأحمر الخاص بمصر السفلى، أو يرتدي التاجين معا تحت اسم "بسشنت pschent"، وكان يلقب "سيد القطرين" ، و "ملك الشمال والجنوب" الذي تحميه "الربتان" أي "الإلهة نخبيت Nekhbet" أنثى النسر ربة الكاب El-Kab بالنسبة لمصر العليا، و "واجيت Ouadjyt" الإلهة الكوبرا ربة "بوتو Boto" بالنسبة لمصر السفلى. وكان الملك يعمل في نفس الوقت على إرضاء الإله "حورس Horus" رب مصر السفلى، والإله ست Seth" رب مصر العليا، ولن ننتهي هنا من سرد قائمة التعبيرات والتصويرات الثنائية التي توصف من خلالها عقيدة الملكية، والتي تبلغ أوجها في الطقوس الخاصة مثل طقوس تتويج الملك، أو أعياد "الحب سد Heb-sed" (وهي نوع من اليوبيل الملكي).

لاريب أن هذه الازدواجية والثنائية التي ذكرت مرارا ما تزال تثير دهشة علماء المصريات، حتى أنها جعلت أحدهموهو العالم الألماني "كورت زيته" يضع نظرية معقدة تفيد : بأن هذه الازدواجية ربما تعكس الأحداث السياسية التي ميزت فترة ما قبل التاريخ، وليست فقط مجرد انعكاس لغزو مملكة الجنوب لمملكة الشمال الذي كان فاتحة لتاريخ الأسرات المصرية، ولكن أيضا لبعض الأحداث السابقة، عندما قامت ممالك مصر العليا، ومصر السفلى على التوالي بفرض سيطرتها مؤقتا على كافة الأراضي المصرية.

أما علم الآثار المصرية الحديث فقد ابتعد عن تل النظرية الساذجة إلى حدا ما، والتي تفترض بشكل آلي وجود حدث سياسي وراء كل مظهر مزدوج للإديولوجية الفرعونية. وفي الواقع أن من مميزات الحضارة المصرية عندما تعبر عن حقيقة ما أنها تذكرها في صورة وحدة بين وضعين أو حالتين متعارضتين، فمثلا تعبر عن "التصرف" بكلمتي "الجلوس والقيام" ، وتعبر عن "المجموع" بكلمتي "الموجود وغير الموجود". ولا شك أن هذا النمط من التفكير قد استخدم في مجال ازدواجية العقيدة الملكية، ونجد أن الدولة المصرية - باعتبارها وحدة سياسية تتخذ من الفرعون رمزا وكفيلا - تبدو في هيئة وحدة بين مصر العليا ومصر السفلى. ويرجع ذلك أولا إلى أن التعارض الجغرافي بين هاتين المنطقتين قدم أوضح الأمثلة لهذا الفكر القائم على التضادات. وهذا مع عدم المساس بالتعارضات الثقافية التي قد تكون واكبت تقريبا التعارض الجغرافي في فترة نشوء الدولة الفرعونية، ومع الاحتفاظ أيضا بأن ما نتج عن فترة النشوء هذه يعتبر امتدادا في الشمال للمجتمع الذي كان قد ترسخ في الجنوب، أكثر منه فتح مملكة مصر السفلى على يد مملكة مصر العليا.

وبوجه عام، لانستطيع إنكار أن الإزدواج الذي استخدم في الإديولوجية الملكية يفصح عن حقائق موثوق بها. فعلى كل حال نجد أن مملكة صغيرة كانت تقع في جنوب الدلتا حول مدينة "بوتو Bouto" في وقت ما خلال عصر ماقبل الأسرات، ومن ناحية أخرى، فقد كانت الكاب El-Kab مدينة الإلهة "نخبت Nekhebet" بالصعيد كانت ذات مكانة مرموقة في عصر ما قبل التاريخ، ولكن يتجلى تشكيل الفكر المنهجي لمصر القديمة عبر صهر هذه الحقائق داخل نوع من التماثل والتناظر الذي يرتكز على مماثلة صورية وشكلية، لا تاريخية أو سياسية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إزي

إزي Isi ، قام الملك "تيتي Teti" بتعيين "إزي" حاكما لإدفو، بعد أن أثبت نجاحا في الإدارة المركزية لمدينة (منف) أثناء حكم الملكين "جد كارع إسسي Djedkare-Asosi واوناس Ounas" ، ولقد أصبح بعد ذلك مثالا يحتذى للإداري البارع، حتى أطلق عليه بعد وفاته لقب "وزير" رغم أنه - في الواقع - لم يشغل هذا المنصب مطلقا. وخلاف ذلك فمثله كمثل "حقاإيب Heqaib" في منطقة إلفنتين (بأسوان)، أصبح "أزي" راعيا مقدسا في مدينة إدفو، وأضيف اسمه ضمن الأسماء المحلية إثراء لها. أما مصطبته بجبانة إدفو فقد أصبحت مقصورة يزورهاه المتعيدون على مدى الأسرات الحادية والثانية والثالثة عشرة لوضع بعض الآثار الجنائزية (كتماثيل الأوشابتي، والنواريس والتماثيل، واللوحات، وموائد القرابين). وكان هؤلاء المتعبدون على يقين تام بأن المكانة العالية التي يحتلها إزي والتي سمحت له بالاقتراب من عالم الآلهة (ومن هنا لقب "ألإلهي الحي" الذي كان ينعت به) جعلت منه شفيعا ووسيطا فعالا بينهم وبين الآلهة.

الأسرات

يحصر لنا "علم المصريات" كل الفراعنة في هيئة أسرات ترقم من الأسرى الأولى إلى الأسرة الثلاثينن ويرجع الفضل في هذا التقسيم إلى الكاهن المصري "مانيتون Manethon" الذي كتب تاريخ مصر خلال حكم الملك "بطليموس الثاني" باللغة اليونانية، ولم يصلنا من هذا العمل سوى بضعة أجزاء. ولقد خصصت ملامح كل أسرة بالرجوع إلى اسم مدينتها. أما بالنسة للملوك ذوي الأصول الأجنبية فقد حددت أسرهم بصفتها العنصرية مثل الهكسوس، والإثيوبيون، والفرس، أما الملامح الجغرافية لهذه الأسر فترجع وفقا للظروف إلى المقاطعات، أو الإمارات التي أخضعتها القوات المحاربة للسلطة الجديدة أو للمدينة التي ساندتها الآلهة بهذه السلطة، وإلى الأماكن التي توجد بها أيضا مقابر ملوكها.

وبالمقابل ليس من المؤكد أن مفهوم "الأسرة" كان يعني بالنسبة لمانيتون فكرة توارث الخلافة بين أفراد العائلة الواحدة كما هو متعارف عليه اليوم، فالتقسيم الذي انتهجه مانيتون بيرز لنا بشكل واضح بعض فترات من الإنقطاع وعدم التواصل في تسلسل التاريخ السياسي المصري. فمثلا الفصل الذي حدث بين الأسرتين السابعة عشرة والثامنة عشرة، يتطابق مع طرد الهكسوس بدون أن يحدث تغيير حقيقي في الأسرة أو العاصمة ، أو الانتصارات المتتابعة لمدن الدلتا منذ الأسرة الواحدة والعشرين. ولاشك أن إطار ما تعرفه من أسر لايمكن بالطبع الاعتماد عليه لتحديد فترات كافة التطورات الاجتماعية ، والإقتصادية، والثقافية التي ميزت العصور الفرعونية.

الأسرة الثالثة

تبدأ الدولة القديمة مع بداية الأسرة الثالثة، ولكن من حيث تسلسل الأحداث البحتة تجد أن الانتقال من الأسرة الثانية إلى الأسرة الثالثة تم دون حدوث أي انفصال أو انقطاع. فنجد أن أول ملوكها يقيم تمثالا لسلفه، زيادة على أننا نجد أ الملكة "ني ماعت حابي Nymaathapy" التي كان يطلق عليها لقب "أم الأولاد الملكيين"، خلال حكم "خعسخمري (الأسرة الثانية)، صارت توصف "بأم الملك" أثناء حكم الملك زوسر. مما يوحي بوجود روابط عائلية تجمع بين الأسرتين.

وقائمة أسماء فراعنة الأسرة الثالثة هي كالآتي:

  • نبكا Nebka (2635 - 2617 ق.م)
  • جسر Djoser، (حورس نثري خت) Netcherykhet (2617 - 2599 ق.م)، وهو الذي شيد الهرم المدرج بسقارة.
  • جسرتي Djoserty، (حورس سخم خت) Horus Sekhemkhet (2599 - 2594 ق.م)، وقد عثر على معبده الجنائزي غير المكتمل جنوب معبد جسر.
  • نب كارع (؟) Nebkare (حورس سانخت (؟) Horus Sanakht) (2594 - 2589 ق.م ؟)، لم يستطع هو الآخر تكملة ميناء الجنائزي أو السور المحيط به، ويبدو أنه من الملوك الخاملي الذكر إلى درجة أن الحوليات المصرية قد أسقطت ذكر اسمه.
  • حوني Houni (حورس خع با (؟) Horus Khaba) (2583 - 2561 ق.م)، وهو الذي قام بتشييد حصن على جزيرة إفانتين Elephantine، وهرم في منطقة زاوية العريان Zaouyet el - Aryan وبعد سلفا للملك سنفرو.

فقد باشر فراعنة الأسرة الثالثة الحكم من مدينة منف، ووضعوا أسس ودعائم الحضارة المصرية التقليدية، وصار استخدام الأحجار في بناء المنشآت أمرا مستطاعا بل صار من المتيسر كذلك استغلال موارد المناجم الواقعة بشبه جزيرة سيناء "كالنحاس والفيروز" استغلالا منتظما. أما عن وسيلة جباية الضرائب، بالتجول من مكان لآخر، وفقا لبعض التقاليد التي ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، فقد حل محلها مركز للإحصاءات والبيانات نصف السنوية يقوم بالسيطرة عليه جهاز رسمي منظم. (وفي خلال الأسرة الثالثة ظهر أول وزير معروف وهو "منكا Menka" . ولقد نبغ كبار المستخدمين بالدولة في تلك الفترة في إدارة الهيئة العمالية وإعداد المنتجات المصنعة. كما أن النقوش البارزة الخاصة "بآخت Akhetaa" أو اللوحات الخشبية المنحوتة الخاصة بالمدعو "حسى رع" Hesyre تبرز الأسس الاجتماعية المتعلقة بالنخبة المتميزة الحاكمة.

الأسرة الرابعة

لا تزال ظروف الانتقال من الأسرة الثالثة إلى الأسرة الرابعة مبهمة وغامضة، ويمكننا أن نرتب تتابع وتوالي فراعنة هذه الأسرة تقريبا كالآتي:-

  • سنفرو Snefrou (2561 - 2538 ق.م).
  • خوفو Cheops بن سنفرو (2538 - 2516 ق.م).
  • رع جدف Radjedef بن خوفو (2516 - 2509 ق.م) دفن في أبو رواش.
  • خفرع Chephren بن خوفو (2509 - 2484 ق.م).
  • وهناك أيضا سلالتان مختلفتان من المطالبين بالعرش، فمن ناحية نجد فرعونين أحدهما يدعى باكا Baka (بخريس Bicheris) ابن رع جدف، ومن ناحية أخرى، منكاورع Mykeri-nos الذي فرض نفسه فرعونا شرعيا على البلاد بعد أن كان يحكمها أثناء فترة حكم "باكا" (2484 - 2467ق.م).
  • شبسسكاف Shepseskaf ابن منكاورع (2467 - 2464 ق.م) وهو الذي أتم المجموعة الهرمية لأبيه بالجيزة، ولكنه أقام لنفسه أثرا فريدا على هيئة التابوت في المنطقة الواقعة بين سقارة ودهشور، وهو مايسمى (بمصطبة فرعون).
  • سادت في أواخر هذه الأسرة المنازعات بين المتكالبين على العرش، ولايذكر التاريخ سوى اسم واحد منهم وهو بتاح جدفPtahdjedef (ثمفتيس Thamphthis) .

ولا شك أن الأسرة الرابعة تعد قبل كل شيء "أسرة بناة الأهرام الكبرى"، وأكمل مثال لعصر إلتفت فيه الأمة بأسرها حول الفرعون باعتباره الرمز الأسمى. وفي الواقع لم يكن الفرعون يوجه خبرات البلاد ومواردها لمنفعته فقط وإنما كانت المناصب العليا المدنية منها والدينية تستند كذلك لأفراد عائلته دون سواهم. وهناك عبارة قالها الشاعر "سالي بريدهوم Sully-Praudhomme"، مأثورة بسيطة، ولكن لها مايبررها بلا شك، لأننا نواسي بها الشعب المصري وهي : "هذا الشعب كان يطحنه الجرانيت الذي يكدسه خوفو" .

ويعكس الفن في ذلك العصر، وبصفة خاصة التماثيل الملكية، مدى الاتقان والروعة الذي بلغته المؤسسة الفرعونية حتى وصل إلى القمة، والذي استمد قواعده من العصر الثيني (العتيق)، وتطور تطورا كبيرا خلال الأسرة الثالثة. بيد أنه في الوقت الذي وصل فيه الفن إلى الذروة، ظهرت بوادر الانهيار للنظام المذهبي للفرعون.

الأسرة الخامسة (2450 - 2321 ق.م)

تشرح لنا الأسطورة التي تحولت إلى حكاية (بردية وستكار) انتقال الحكم من الأسرة الرابعة إلى الأسرة الخامسة، إذ تجسد الإله "رع" في هيئة الكاهن المتطهر للإله "حورس سخبو Horus Sakhebou" وبلقائه "رد-جدت Reddjedet" زوجة هذا الكاهن، حملت منه ثلاثة أطفال هم أنفسهم الذين أصبحوا الفراعنة الثلاثة الأوائل في الأسرة الخامسة. ولاشك أن شخصية الزوجة "رد - جدت" تتطابق مع شخصيةالملكة "خنتاكوس Khentkaous" أم أول ثلاثة ملوك للأسرة الخامسة. وتتدرج الخلافة في هذه الأسرة كما يلي :-

  • أوسركاف Ouserkaf (2450 - 2444 ق.م)، شيد هرمه في سقارة على مقربة من هرم جسر، ولكنه أقام معبدا للشمس في أبو صير.
  • ساحورع Sahoure (2444 - 2433 ق.م) .
  • نفرع إيركارع - كاكاي Neferirkare/Kakai (2433 - 2414 ق.م) .
  • رع نفرإف Reneferef ابن الفرعون السابق، والذي قام باستكمال مجموعته الجنائزية (2414 - 2408 ق.م) .
  • ني أوسررع - إني Neouserre/ini (2407 - 2384 ق.م) وربما كان أحد أبناء نفرإيركارع.
  • منكاوحور Menkaouhor (2384 - 2377 ق.م)
  • جد كارع - أسوسي Djedkare/Asosi (2377 - 2350 ق.م)، وهو الذي شيد هرمه في المنطقة الواقعة بين سقارة ودهشور.
  • أوناس Ounas (2350 - 2321 ق.م) .

ومع ظهور الأسرة الخامسة تأكدت معالم تطور على درجة كبيرة من الأهمية. فبعد أن كان الفرعون يعد في الماضي قوة عظمى، تنازل عن هذا الدور بعد ذلك للإله رع، واندمج معه في روابط البنوة، وبالفعل ساد لقب "ابن رع" منذ ذلك الحين، وبشكل دائم، في إطار الألقاب الفرعونيةز وكتعبير للتطور الإنشائي في هذه الفترة، قام فراعنة الأسرة الخامسة باستثناء الفرعونين الأخيرين بتشييد المعابد الشمسية، وهي عبارة عن مجموعات يتكون مكرزها من مصطبة مصطبة تمثل التل الأزلي نصبت فوقها مسلة، ويحيط بذلك فناء فسيح غير مسقوف حيث كان تقام الطقوس المستلهمة من الطبيعة والتي تخصص لها ما يسمى ب(حجر العالم) في مجموعة ني أوسررع. وكان معبد الشمس يرتبط ارتباطا وثيقا مع المعبد الجنائزي الذي تحول إليه القرابين بعد تكريسها.

وخلال الأسرة الخامسة، بدأت تتضح كذلك معالم تطور اجتماعي هام، قد يكون من أسباب أو من نتائج التقلص (النسبي) للمكانة الفكرية الخاصة بالفرعون: فلم تعد الوظائف الكبرى حكرا على اِلأسرة المالكة فقط، وهكذا أصبحت وظيفة الوزير يشغلها بعض الخاصة الذين لايرتبطون بالفرعون برابطة الدم. وبوجه عام تعددت السير الذاتية الخاصة، حيث تم تركيز الضوء على صفة الجدارة والأهلية، حتى وإن استخدمت لخدمة الفرعون فقط، وأخيرا، وخلال تلك الأسرة ظهرت أولى السلالات العريقة لكبار الموظفين وبدأ المفهوم الوراثي يتعادل مع حرية الاختيار التي كان يتمتع بها الملوك.

وفضلا عن ذلك فقد استمر هؤلاء الفراعنة في تشييد أهرامات ولكن أقل حجما من أهرامات الأسرة الرابعة، واستمروا كذلك في إرسال حملات إلى محاجر "الديوريت" ببلاد النوبة، وشبه جزيرة سيناء، وإلى مدينة جبيل بفينيقيا، كما عملوا على تأمين الحدود عن طريق شن غزوات حربية على الليبيين، والنوبيين، والبدو الرحل. وخلال الأسرة الخامسة أيضا احتفظت الأساليب الفنية بنفس المستوى الرفيع الذي بلغته في النقوش البارزة وفي نحت التماثيل بوجه خاص.

الأسرة السادسة

لم نستدل بعد على الأسباب التي أدت إلى انتقال الحكم من الأسرة الخامسة إلى الأسرة السادسة، ولكن يبدو أن هذا الانتقال قد تم في جو لا تكتنفه أية اضطرابات سياسية. وتتكون قائمة أسماء فراعنة الأسرة السادسة كالآتي:

  • تيتي Teti (2321 - 2289 ق.م) وهو مؤسس هذه الأسرة.
  • أوسر كارع Ouserkare (2289 - ؟ ق.م) مغتصب للعرش، لم يستمر حكمه مدة طويلة.
  • بيبي الأول Pepy I إبن تيتي، أعاد الملكية الشرعية (2289 (؟) - 2247 ق.م).
  • مرنرع Merenre (2242 - 2241 ق.م) خلف سلفه في الحكم وهو في سن مبكرة جدا، ويبدو أن أمه قامت بدور الوصية على العرش في بداية حكمه.
  • بيبي الثاني Pepy II أخ غير شقيق لمرنرع، حكم البلاد فترة طويلة (2241 - 2148 ق.م)، تناقصت خلالها سيطرته على البلاد تدريجيا.
  • مرنرع نمتي إم ساإف Merenre/Nemtyemsaf، وهو ابن بيبي الثاني. ارتقى العرش في فترة تشوبها القلاقل والاضطرابات، ولم يستمر طويلا في الحكم (ربما سنة وشهرا).
  • نيتوكريس (Neithiqerty) Nitokris، امرأة صارت فرعون مثل حتشبسوت وتاوسرت. وقد حكمت فترة تتراوحج بين ستة أو اثنى عشر عاما في خضم من المؤامرات والاضطرابات التي وقعت في نهاية الأسرة السادسة وبداية عصر الانتقال الأول.

وفي خلال الأسرة السادسة تطورت العملية التي لاحت بوادرها خلال الأسرة الخامسة والتي كانت تهدف إلى إضعاف سيطرة الفرعون على البلاد، وذلك على النحو التالي:

  • استطاعت بعض المؤسسات مثل "مدن الأهرامات"، والمعابد الإقليمية أن تحصل على الحصانة التي تجعلها غير خاضعة للضرائب، أو المصادرة والاستيلاء من جانب الإدارة المركزية.
  • استطاع كبار المسئولين أكثر فأكثر أن يفرضوا مبدأ الانتقال الوراثي للوظيفة في نطاق أسرهم، متناسين بذلك حق الفرعون في الاختيار الحر وتعيين من يشاء. وهكذا ظلت الوظيفة محصورة في نصل نفس العائلة لمدة طويلة.
  • اتضحت معالم هذا الاتجاه وتأكدت بصفة خاصة على الصعيد الإقليمي: إذ كان الحكان ينصبون أنفسهم سادة محليين. كما كانوا ينتحلون الألقاب الخاصة بالإدارة المركزية مثل (وزير ، ومدير الجنوب) ، بل إن نفوذهم قد تزايدت أحاينا لدرجة دفعت الفرعون إلى التحالف معهم (فلقد تزوج بيبي الأول فتاتين من إحدى العائلات المتسلطة بأبيدوس).

ويتضح لنا إذن أن انهيار الدولة القديمة في أواخر الأسرة السادسة يرجع أساسا، إن لم يكن كليا ، إلى تفاقم واحتدام تلك النزعات الاستقلالية.

وبعد، فإن هذا التغيير ذاته لم يبلغ منتهاه إلا بشكل تدريجي، ولم يشب الصورة الإجمالية للأسرة السادسة بأية شائبة، تلك الأسرة التي حافظت على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته الفترة السابقة لها، ولم تتوقف الإمدادات من السلع الغذائية والمنتجات الأجنبية المستوردة من (شبه جزيرة سيناء ومدينة جبيل بفينيقيا، وبلاد بونت) . بل على لاعكس فقد امتدت عمليات التوغل في بلاد النوبة حتى بلغت إمارات دنقله Dongola والتي استطاعت مصر عن طريقها الاتصال بأعماق أفريقيا (ومثال ذلك إحضار القزم في رحلة حرخوف) . وبالإضافة لذلك فإننا لانستطيع أن نتخدث فعلا عن وجود أي تدهور فني خلال الأسرة السادسة فالرسوم والزخارف البارزة وفن النحت لم تكن تفتقر إلى الرقة والنعومة، بالرغم من أنها قد خفقت ظاهرة الضخامة الهائلة التي كانت سائدة خلال الأسرة الرابعة والخامسة، فقد استمر فراعنة هذه الأسرة في تشييد مجموعات هرمية (تتضمن معبد علوي ومعبد الوادي) وفقا لنموذج موحد نسبيا هو مجموعة اوناس الهرمية. ولقد شيدت هذه الأهرام بكتل صنعت من الطمى، ولاريب أن أحجامها كانت تقل كثيرا عن أحجام أهرام الأسرة الرابعة (يزيد ارتفاعها قليلا عن خمسين مترا) . وتشهد المعابد الجنائزية بمهارة معمارية عظيمة رغم قلة استخدام المواد "المكلفة" (مثل الجرانيت والكوارتزيت) .

الأسرة السابعة

وفقا لما ذكره مانيتون Manethon، شملت الأسرة السابعة سبعين فرعونا، حكم كل منهما سبعين يوما ! وبالطبع فإن هذه الرواية التي تعتبر من نسج الخيال، تكشف مدى الاضطراب والبلبلة في نطاق التحليل المصري لفترة زمنية ساد فيها التطاحن بين مختلف الطامعين في العرش، وعجز أي منهم عن تثبيت نفسه، على الأرجح عقب وفاة الملكة "نيوتكريس Nitokris (2140 ق.م) .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسرة الثامنة

لم تستطع الأسرة الثامنة التي برزت وسط التكالب على اعتلاء العرش بعد وفاة الملكة نيوتكريس Nitokris، في إحلال النظام بالبلاد خلال الفترة القصيرة التي أمسكت فيها بمقاليد السلطة (2140 - 2130 ق.م) . وفيما يلي قائمة فراعنة الأسرة بالرغم مما يشوبها من شك وغموض :-

  • الملك الشاب نفرع كارع Neferkare.
  • نفر كا مين Neferkamin.
  • إبي Ibi: حكم سنتين وشهرا واحدا.
  • نفر كاورع Neferkaoure: حكم أربع سنوات وشهرين.
  • نفر كاوحور Neferkaouhor: حكم سنتين وشهرا واحدا.
  • نفر إيركارع Neferikare (الاسم الحوري لدمج إيب تاوي Demedjibtaouy: حكم سنة وستة أشهر.

حرص هؤلاء الملوك بقدر استطاعتهم على تقليد الأساليب التي كانت سائدة خلال الدولة القديمة، فقد عثرنا على هرم لأحدهم وهو الملك "إبي" في منطقة سقارة، كما اتخذ فراعنة هذه الأسرة من مدينة منف مقرا لهم، أما مدينة أبيدوس فقد ظلت المركز الإداري لمصر العليا. وكانت المراسيم التي أصدروهاه تتفق تماما مع الصيغ التقليدية المعتادة في ذلك الوقت. ورغم ذلك اضطروا إلى التحالف مع واحدة من أقوى الأسر القفطية، وهي أسرة الوزير "شماي Chemay" ، الذي كان حاكما على مصر العليا، ومشرفا على الأقاليم السبعة الأولى من الجنوب... وقد تزوج هذا الوزير من "نبت Nebet" ابنة الملك "نفر كاو حور" ، واستطاع بذلك انتزاع عدة امتيازات جنائزية لنفسه ولأبنائه كذلك. فقد كلف أحد أبنائه وكان يدعى "إدي Idy" بمهمة الإشراف على مؤسسات العبادة، وهياكل معظم المعابد، والتي كان الفرعون يتكلفها بعنايته.

الأسرتان التاسعة والعاشرة

اتخذ ملوك كل من هاتين الأسرتين من مدينة "هراكليوبوليس ماجنا Heracleopolis Magna" عاصمة لهم. وتقع هذه المدينة في مصر الوسطى جنوب واحة الفيوم، وهي عاصمة الإقليم العشرين من أقاليم مصر العليا. قام الفرعون "خيتي Chety" بتأسيس الأسرة التاسعة (وقد أطلق عليه الإغريق اسم أخثوس Achthoes)، وكان يوصف بأنه طاغية جبار، وقد وقع صريعا بين أنياب أحد تماسيح النهر. وبخلاف هذا الفرعون، تضمنت تلك الأسرة ثلاثة ملوك آخرين، أولهم مايزال مجهول الاسم، والثاني يدعى "نفر كارع Neferkar" ورد ذكره في نقوش مقبرة "عنخ تيفي Ankhtyfy"، أما الثالث فهو "خيتي الثاني" . ويبدو أن هذه الأسرة قد امتدت عبر أجيال عديدة وفقا لما تبينه لنا سللة نسب كبار رجالات الدولة المعاصرين (2130 - 2090 ق.م)، وادعت السيادة على مصر بأسرها، وإن كانت هذه السيادة اسمية فقط.

وما زالت أسباب انتقال الحكم من الأسرة التاسعة إلى الأسرة العاشرة مجهولة، لاسيما وأننا نستشف من خلال أسماء ملوكها نوع من التواصل. كما كان المصريون يستخدمون عبارة "عائلة خيتي" للإشارة إليهم. ولا يستبعد أبدا أن يكون انقسام فراعنة هراكليوبوليس إلى أسرتين راجعا إلى إعادة تفسير أصول الملكية المصرية. ومهما كان الأمر فإن الأسرة العاشرة تتضمن أربعة عشر فرعونا، معظمهم مجهولون، حكموا وقتا قصيرا (2090 - 2022 ق.م) (؟) وينبثق من أعماق هذا الغموض ، عدة ملوك هم : نفر كارع Neferkare ، وخيتي Chety وبصفة خاصة مريكارع Merikare ، الذي وجه إليه أبوه تعاليمه المشهورة، لم تدع الأسرة العاشرة بخلاف الأسرة التاسعة السيادة على كل القطر المصري، بل إنها اعترفت بوجود الأسرة الطيبية (نسبة إلى طيبة) بمصر العليا المنافسة لها، وكانت منطقتا أبيدوس وثي اللتان فقدتا على التوالي ، ثم عادتا إليها ثانية ، تعدان بمثابة منطقة حدود فاصلة بين المملكتين، وقد استوحت الأسرة العاشرة الكثير من تقاليد الدولة القديمة ، لاسيما بسبب سيطرتها على منف التي تعد مصدر تلك التقاليد في ذلك الوقت. ومع ذلك يبدو أن "مريكارع" قد شيد هرمه بمنطقة سقارة . كما يبدو أن هذه الأسرة قد حافظت على حدودها عند الدلتا الشرقية من خطر الأسيويين ، وحرصت بشكل أو بآخر على صيانة التراث الثقافي الذي تركته الدولة القديمة حتى إن فراعنة طيبة قد استعانوا بعد انتصارهم بالفنانين والكفاءات التي عملت في الدولة البائدة .

الأسرة الحادية عشرة

ظل "الأمير الحاكم" أنتف بن إكو Antaf fils d'Ikou" الجد الأكبر لملوك الأسرة الحادية عشرة مبجلا بأسلافه ، فقد كان معاصرا لآخر ملوك الأسرة الثامنة . عمل "أنتف" على بث مشاعر الطموح في أجواء منطقة كانت تغط في غياهب الضياع. وأثناء الأسرة التاسعة كونت طيبة مع قفط كيانا وجبهة واحدة مما دفع "عنخ تيفي Ankhtyfy" أحد السادة الطغاة في أقصى الجنوب إلى مجابهته دون أن يفلح في الإطاحة به. بل على العكس من ذلك ازدادت قوة ونفوذ طيبة تحت حكم "منتوحتب" و "أنتف" إلى درجة أن نصب هذا الأخير نفسه فرعونا .

كما رقي الآخر فيما بعد إلى تلك المرتبة العليا وأصبح أول ملوك الأسرة الحادية عشرة ، على الرغم من أنه لم يكن قد اعتلى العرش بالفعل فقد كانت هذه الأسرة بوجه عام هراكليوبوليس كانت تسيطر على الدلتا وجزء من مصر الوسطى. بينما تعد المنطقة التي تشمل ثنى وأبيدوس التي كانت تغزوها الأسرتان وتخسرانها على التوالي، تعد بمثابة منطقة حدود . غير أن تلك العداوة لم تستمر دون انقطاع. فقد أوصى أحد فراعنة هراكليوبوليس ابنه مري كارع Mery Kare بانتهاج سياسة التعايش السلمي . والحق أنها كانت نصيحة حميدة ، لكنا غير مجدية أما الطموح الطيبي الجامح الذي لا يقهر ، والذي استطاع في نهاية المطاف أن يحرز نصرا مؤزرا على أسرة هراكليوبوليس، وأن يعيد توحيد مصر خلال حكم الملك منتوحتب الثاني Montouhotep II في تاريخ غير مؤكد (ربما عام 2023 ق.م) . ومنذ ذلك الحين ، استحوذت الأسرة الحادية عشرة على الموارد الطبيعية وكذا الثقافية ، التي سمحت لها باستئناف السياسة التقليدية لكبار الفراعنة : من إرسال بعثات إلى المناجم والمحاجر ، ومصادر التجارة الخارجية ، وترميم وإصلاح المعابد ، وتشييد المباني الجنائزية على أوسع نطاق .

إلا أنه بمجرد أن تمكنت الأسرة الحادية عشرة من إزاحة غريمتها المنافسة وهي أسرة هراكليوبوليس ، حتى فوجئت على حين غرة ومن داخل طبقتها الحاكمة ، بظهور من يطالب بأحفيته في الحكم ، ألا وهو المدعو (أمنحمات) وزير الملك " منتوحتب الرابع" الذي استغل ضعف الفرعون ، وأمسك بمقاليد الحكم ، إثر اشتعال حرب أهلية .

وفيما يلي قائمة أسماء فراعنة الأسرة الحادية عشرة :

  • منتوحتب الأول ، وأنتف الأول (2130 -115 ق.م)
  • أنتف الثاني (21150 - 2066 ق.م)
  • أنتف الثالث (2066 - 2009 ق.م)
  • منتوحتب الثاني (2059 - 2009 ق.م)
  • منتوحتب الثالث (2009 - 1997 ق.م)
  • منتوحتب الرابع (1997 - 1991 ق.م)

الأسرة الثانية عشرة

أسس هذه الأسرة الملك "أمنحمات الأول" الذي كان يشغل منصب وزير آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة ، ولقد تكبدت هذه الأسرة - الثانية عشرة - مشاق جسيمة لفرض سيطرتها وشرعيتها على المواليد للأسرة السابقة لها ، واستطاعت أن تحقق نجاحا على الرغم من بعض الأزمات الأخطيرة ، مثل تلك التي أسفرت عن اغتيال مؤسسها وذلك بفضل وسائل الدعاية الفعالة التي قام بنشرها كتاب أكفاء . ولقد استمرت هذه الأسرة ممسكة بزمام السلطة أكثر من مائتي عام ، ولم تفقد السيطرة إلا بعد أن آل الحكم إلى إحدى الملكات التي أصبحت فرعون - وتدعى "سكميوفريس Skemiophris" - في ظروف غامضة . ولقد امتدت سياستها وملامح حكمها إلى الأسرة التالية لها .

ولقد تدرجت خلافة فراعنة هذه الأسرة كما يلي :

  • أمنمحات الأول Ammenemes I (1991 - 1962 ق.م)
  • سنوسرت الأول ابنه وشريكه في الملك (1971 - 1926 ق.م)
  • أمنمحات الثاني ابن سنوسرت الأول وشريكه في الملك (1929 - 1895 ق.م)
  • أمنمحات الرابع ، ابن أخ (؟) وشريك الفرعون السابق (1799 - 1787 ق.م)
  • سكميوفريس (سبك نفرو Sebeknefrou) ، ابنة الملك أمنمحات الثالث وزوجة الملك أمنمحات الرابع، حكمت كفرعون (1787 - 1784 ق.م) بعد موت زوجها ، وتقلدت سطلات هذه الوظيفة وقامت بواجباتها (مثل صيانة المعابد) .

ويمكننا تقسيم تاريخ الأسرة الثانية عشرة إلى فترتين : الفترة الأولى : تبدأ من عصر الملك "أمنمحات الأول" حتى الملك "سنوسرت الثاني" ، وفيها حاول الفراعنة توفيق أوضاع الميراث الطيبي من الحالة التي كان بها خلال مرحلة الانتقال الأولى ، حيث أنهم تقلدوا مهمة استمرارية الأسرة الحادية عشرة ، بالرغم من أنهم أزاحوها من طريقهم ومعها الأساليب التقليدية للدولة القديمة . ولهذا السبب ، اختيرت (اللشت) باعتبارها عاصمة إدارية قريبة من (منف) حتى يمكن الانتفاع بإشعاعها الثقافي (في الفنون والعلوم الدينية) ، ولكنها كانت تبعد عنها جهة الجنوب وفي موقع مناسب بين مصر العليا والسفلى مما سمح باحتفاظها بذاتيتها . وفي نفس الوقت الذي كان الفراعنة يشيدون بفكرة "طيبة المنتصرة" كانوا يشيدون الأهرام على نفس النمط الذي كان سائدا في الدولة القديمة . وإذا كانوا قد عملوا أساسا على استقدام الصفوة الحاكمة المختارة في إقليمهم الأصلي ، فقد أبقوا على الخطوط الرئيسية للتنظيم الاجتماعي الذي كان قائما في العصور القديمة لاسيما وان بعض العائلات الكبيرة ذات السطوة استمرت في مزاولة مهامها بنفس روح ومظاهر الفخامة التي كانت سائدة أيام الأسرة السادسة.

الفترة الثانية : وبداية من حكم الملك "سنوسرت الثاني" حدث تغير كبير في أجهزة الدولة ، حيث تكونت وظائف جديدة ، وطبقة جديدة وألقاب مستحدثة . وأعيد كذلك تقسيم المهام والمسئوليات الملقاة على عاتق القوى العاملة ، وإدارة الإنتاج . وتلاشت تقريبا طبقات الحكام على النمط القديم ، وحل محلهم محافظون على مستوى المدن ، وليس على مستوى الأقاليم . الحق بهم فئة من "المراسلين" لمساعدتهم ومراقبتهم في نفس الوقت ، ويتبعون الوزير مباشرة . وقسمت البلاد إلى ثلاث مقاطعات يديرها أيضا بعض المراسلين .

ولقد لاقت الأيدي العاملة عناية واهتماما فائقا وخاصة أنها لم تكن وفيرة العدد . وأنشئ ما يمكن أن نسيمه "مكتب توزيع القوى البشرية" و "مكتب الخدمات الخاصة بالسجون وكانا يختصان - آنذاك - بإدارة شئون المساجين ، والخاضعين للقانون العام ، والمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة ، والعديد من الآسيويين والمهاجرين ، أو أسرى الحروب ، وعمال النحت والبناء الذين يسارعون دائما بالقرار من المزارح أو المحاجر التي كانوا يجبرون على العمل بها . أما النظام الأمني ، فكان يسود بواسطة مجموعات الميليشيا المنظمة التي قسمت إلى فوق مختلفة : "الأتباع" و "أتباع الأمير" و "الأمناء على ندماء الأمير" و "المتقاعدون في المدينة" وهكذا .

ولا شك ان مثل هذه الإصلاحات قد ساعدت على ظهور طبقة متوسطة من قيادات أجهزة الدولة الذين يتقاضون مرتبات كبيرة تسمح لهم بامتلاك المنشآت الجنائزية المنقوشة والمزخرفة ، والتي كانت حكرا على صفوة من سادة القوم من قبل . وتعد مثل تلك التغيرات في البنية الاجتماعية التي تبلورت في الإكثار من إقامة اللوحات والتماثيل أو موائد القرابين المتوسطة الجودة - من أبرز معالم النصف الثاني للأسرة الثانية عشرة .

وقد ساعدت هذه الأسرة بوجه عام على توسيع رقعة الحضارة الفرعونية ، عن طريق استثمار منطقة (الفيوم) التي كانت تمتلئ من قبل بالأحراش والمستنقعات ، بل أكثر من ذلك ، عن طريق صياغة سياسة خارجية فعالة ترتكز على معرفة البلاد المجاورة معرفة جيدة . كما تشهد بذلك "نصوص اللعنات" حيث دون بدقة كافة أسما البلاد الأجنبية وحكامها على بعض الأواني والتماثيل الصغيرة ، التي كانت تعد دعامة لبعض الطقوس السحرية للعنة الأعداء . وبشكل أكثر واقعية أدمج وادي النيل في النوبة السفلى من مصر بفضل مجموعة ضخمة من القلاع . وفي آسيا توطدت العلاقات التقليدية مع مدينة جبيل للدرجة التي ساعدت على تكوين أسر من الحكام المتمصرين إلى أبعد مدى . وبصفة عامة تم تعزيز النشاط التجاري مع سوريا وفلسطين ، ومن خلالهما مع شعوب بحر إيجه . وفي نفس الوقت هاجر العديد من الآسيويين إلى مصر . ولا شك أن قصة "سنوهي Sinohe: تعكس ذلك تماما ، إذ تدور أحداثها الرئيسية في ذلك العالم الآسيوي الذي انفتحت عليه مصر .

وليس من باب المصادفة أن هذه الرائعة من الأدب المصري القديم اتخذت من حكم الملك سنوسرت الأول إطارا لها . ولا شك أن أروع إرث وأعظم ما تركته هذه الأسرة للحضارة المصرية ، هو كل تلك الأساطير والحكايات مثل (قصة سنوهي وقصة الملاح الغريق) وهذه التنبؤات (مثل نبوءة نفرتي Neferty) وتلك الحكم مثل (تعاليم الملك أمنمحات الأول ، ونصائح خيتي ، وتعاليم الولاء ، ونصائح رجل غلى ابنه) وكذلك الأشعار مثل (قصيدة النيل) . وقد استمرت هذه الآداب كأعمال كلاسيكية حتى نهاية الأسرات .

الأسرة الثالثة عشرة

توارت الأسرة الثانية عشرة بعد حكم الملكة "سكميوفريس Skemiophris" . ولكن الانتقال من أسرة إلى أخرى لم يحدث في أعقابه أي تصدع واضح ، سواء من حيث سير عمل أجهزة الدولة ، أو الأسلوب المتبع في تشييد المباني والنقوش . وبينما كانت الأسرة الثانية عشرة السابقة تكون فيما بينها وحدة عائلية ، اختلف الأمر بالنسبة للأسرة الثالثة عشرة ، فعلى امتداد قرن ونصف من الزمان تتابع على الحكم حوالي ستين فرعونا . لم يبق معظمهم على كرسي العرش إلا بضع سنين ، بل أحيانا بضعة أشهر . ولم يتمكن سوى عدد قليل منهم من تكوين سلالة : لكنها كانت سلالة عابرة . وكان عدد كبير ضمن هؤلاء الفراعنة من العامة والعسكريين والأجانب (الآسيويين) ، كما توضحه لنا أسماؤهم الأصيلة التي دونوها كأسماء ملكية أو التي أضافوها إلى الأسماء الملكية داخل الخراطيش . ومع تزعزع مبدأ توارث العرش نفسه ، فإن شرعية الفرعون كحاكم لم تكن تمنحه الأهلية الاعتبارية الكافية في فرض ابنه أو أحد أقربائه ليخلفه ، ولا نعرف أسباب هذه الأزمة ، فهل هي ترجع إلى أن الفرعون كان يتم تنصيبه للعرش بصفة مؤقتة وبواسطة مجموعة من كبار رجالات الدولة ؟ أم إلى التأثير الفعال الذي كانت تمارسه بعض وحدات الجيش التي كانت تنصب الحكام ، أو تزيحهم عن العرش كيفما شاءت مثل ما فعله الحكام الشرعيون فيما بعد عندما وضعوا أيديهم على البلاط في طيبة ؟

ولأن هؤلاء الفراعنة من أصل طيبي ، فإن الحوليات المصرية تعتبر الأسرة الثالثة عشرة بمثابة أسرة طيبية ، ومع ذلك فقد احتفظت مدينة اللشت بمكانتها كعاصمة إدارية . وبيما كان العرش يعاني في الواقع من تقلبات وهزات مستمرة ، إلا أنه في الوقت ذاته ، كانت أجهزة الدولة التي تأسست خلال النصف الثاني من حكم الأسرة الثانية عشرة تبدو على لاعكس من ذلك صامدة قوية ، بل إن كبار الموظفين كانوا يجتازون بثبات التعاقب السريع في فترات الحكم . ولم يكونوا يتورعون ، كلما سمحت لهم الظروف ، عن الاقتران ببعض أميرات هذا العهد . بل كثيرا ما كانوا ينجحون في توريث مناصبهم لأولادهم ، أو على الأقل لأحد أفراد عائلاتهم (مثل الوزير عنخو Ankhou) . وبفضل هذا الاستقرار الإداري استطاع فراعنة الأسرة الثالثة عشرة أن يباشروا وظائفهم كغيرهم من الملوك ، فشيدوا واصلحوا المعابد ، وداوموا على تقديم القرابين للآلهة بل زادوا فيها ، ونصبوا لأنفسهم التماثيل والأهرامات (مثل : أو إيبا رع Aouibre ، وخنجر Khendjer ، ومرمشع Mermecha ، وأيى Ai وذلك لاحتفاظهم ولو جزئيا بزمام النظام القائم على أمور الشعب والممتلكات . وقد تحكموا في الأيدي العاملة وأرسلوا الحملات إلى المناجم والمحاجر المختلفة (كوادي الحمامات ووادي الهودى) ، واستمرت مجموعة القلاع التي كانت تعمل على حماية وادي النيل والنوبة السفلى باقية على ما هلي عليه . كما استمر صغار الملوك المتمصرين في جبيل على ما هم عليه أيضا من تبعية وإخلاص . وإلى آخر عصر الانتقال الثاني على الأقل ، تعد الأسرة الثالثة عشرة امتدادا مباشرا للنصف الثاني من حكم الأسرة الثانية عشرة ، لدرجة أنه لا يسهل علينا أن نحدد - على وجه الدقة - إلى أي عصر نستطيع أن ننسب إليه ما وجدناه من آثار ومنشآت .

ولكن علينا أن نبرز الخطوط المتباينة في هذه اللوحة المغالية في المثالية ، فبشكل تدريجي تقلصت مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة إدارة الأسرة الثالثة عشرة ، وبدأت عمليت التمزيق والانفصال في منطقة مصر السفلى بظهور مملكة مستقلة في مدينة سخا Xois (الأسرة الرابعة عشرة) بجوار مجموعة المستنقعات التي تقع شمال غرب الدلتا . وحوالي عام 1720 ق.م ظهرت أسرة جديدة (أدمجت هي الأخرى في نطاق الأسرة الرابعة عشرة) في أفاريس Avaris الميناء النهري المؤدي إلى آسيا وجبيل . واستطاع الهكسوس بإزاحتهم لتلك الأسرة الأخيرة أن يضعوا أيديهم على مصر ، وثبت ذلك باستيلائهم على منف ، وفي حوالي عام 1650 ق.م بدأ عصر الانتقال الثاني . ولا شك أن ضعف فراعنة هذا العصر لا يرجع فقط إلى عدم استقرارهم ، بل أيضا إلى تعدد وظائف وإدارات الدولة الفائق الحد ، تلك الوظائف الإدارية التي كانت تعد بمثابة مزايا ومصدر أرباح لأصحابها ، والتي ساعدت على إضعاف موارد الدولة وإرهاقها .

ولا نستطيع أن نقدم قائمة كاملة شاملة لفراعنة الأسرة الثالثة عشرة ، فأغلبهم مجهولون تماما أو شبه مجهولين ، وفيما يلي أهم معالم هذه الأسرة :

  • يعد أول فراعنة الأسرة الثالثة عشرة المدعو "أوجاف Ougaf" ، تتابع حوالي خمسة عشر فرعونا ، الواحد تلو الآخر ، ومعظمهم خاملو الذكر تقريبا ، منهم أو إيب رع Aouibre وأمنمحات الخامس والسادس والسابع وسبك حتب الأول .
  • بلغت الأسرة الثالثة عشرة أوج تقدمها لو جاز لنا القول بمجموعة من الفراعنة ، لو جاز القول ، يتميز منهم بوجه خاص : سبك حتب الثاني Sebekhotep II ، خنجر Khendjer، وسبك حتب الثالث ، ونفر حتب الأول Neferhotep I ، وسبك حتب الرابع ، وغبيث ياعو Ibiyaou ، وأيي Ai (1750 1685 ق.م) .
  • ومن خلال آخر مجموعة من الفراعنة ، نستطيع أن نلحظ تدهورا واضحا فيث الأحوال فنجد أن نفر حتب - إبخر نفرت Neferhotep - Iykhernofret قد أخذ يتباهى بأنه أنقذ طيبة من المجاعة خلال الحروب التي خاضتها ضد الاسيويين وبعض عملائهم من المصريين . ومن الواضح أن الهكسوس أصبحوا ضاغطين ، كما أس سقوط منف التي كانت تعد للتقاليد الثقافية والفنية حوالي عام 1650 ق.م جر في أعقابه تدهورا واضحا في مجال تشييد الأبنية والنقوش خلال حكم آخر ملوك الأسرة الثالثة عشرة بداية من ديدومس Dedoumes ، نزفت فيه دماء الأسرة الثالثة عشرة كلها ، فتقوقعت على نفسها في منطقة مصر العليا ، بداية من أسيوط حتى أسوان .

الأسرة الرابعة عشرة

تولى في نطاق هذه الأسرة بيتان حاكمان على الأقل ، وكانا حينذاك - متعاصرين نسبيا في حكم مناطق مختلفة من مصر السفلى ، وهما :

  • فراعنة سخا Xois الذين هيمنوا على جزء من الدلتا الغربية ، ولا نعرف أي شيء عنهم بالفعل سوى أنهم تولوا الحكم غالبا أثناء فتر ة حكم الفرعون "سبك حتب الرابع Sebekhotep IV (1730 - 1723 ق.م) .

أما المملكة الثانية فقد أسسها "نحسي Nehesy" في الدلتا الشرقية حوالي عام 1720 ق.م عاصمتها "أفاريس Avaris" التي كانت تعد ميناءا نهريا تمر من خلاله التجارة مع آسيا. وبالرغم من أنها كانت مملكة مصرية ، إلا أنها أقيمت فوق أرض كان غالبية سكانها من خلال الآسيويين، لذا سرعان ما طوتها موجة الهكسوس الذين بسطوا نفوذهم على مصر انطلاقا من تلك المملكة .

الأسرة السادسة عشرة

بهذه العبارة كان يشار للمقاطعات الآسيوية التابعة للهكسوس ، والتي كانت تتقاسم مصر السفلى (باستثناء الدلتا الشرقية) وبعض الممالك الصغيرة في مصر الوسطى التي كان يمسك بزمامها بعض المصريين المتعاونين مع المستعمر في وقت معاصر للأسرتين الخامسة عشرة والسابعة عشرة .

الأسرة السابعة عشرة

أعقبت الأسرة السابعة عشرة مباشرة الأسرة الثالثة عشرة في ظروف مازالت تبدو غامضة ومبهمة بالنسبة لنا ، ولكنها أتت دون شك بعد استقرار سيادة الهكسوس (عام 1650 ق.م) بفترة قصيرة . ولم تكن هذه الأسرة تهمين إلا على مصر العليا ، وجزء من مصر الوسطى حتى منقطة القوصية ، أما باقي القطر فكان يخضع للمقاطعات الاسيوية التابعة للهكسوس ، والمصريين المتعاونين معهم ، أو الهكسوس أنفسهم ، وكان على فراعنة الأسرة السابعة عشرة أن يقدموا بعض الضرائب لهؤلاء الهكسوس ، وان يتقبلوا وجود حامياتهم القائمة في مواقع استراتيجية (مثل الجبلين) ، فضلا عن إخلاء حصون النوبة السفلى حتى انكمشت الحدود إلى "الفنتين" . لذلك فقد كان الوضع عسيرا بالنسبة لفراعنة الأسرة الطيبية حينئذ والذين اعتمدوا على دعم مجموعة من الأقاليم مثل إدفو ،والكاب الذين كانا حاكميهما يرتبطا بالأسرة الملكية ، وكذلك إقليم قفط الذي ترتبط أملاك معبده ارتباطا وثيقا بأملاك الإله آمون و لا ريب في أن روح الكفاح الحربي كانت تجيش في أجواء الأسرة السابعة عشرة ، ولكن يكبح جماحها عدم توافق ميزان القوى نظرا لتفوق الهكسوس في الأساليب العسكرية ، وبدأت تظهر سلسلة من مظاهر الضغينة والحقد التي أحرزت القليل من النجاح والكثير من الإخفاق ، ووفي ذات الوقت بعض فترات التعايش السلمي . أما حرب التحرير الفعلية التي قامت متضمنة كتائب ضخمة من الجنود المرتزقة النوبية (المجاي Madjay) ، فلم تبدأ إلا مع كامس Kames" ولم تنته إلا خلال حكم خليفته الملك "أحمس" .

ولم نتأكد حتى الآن من تسلسل فراعنة الأسرة السابعة عشرة أو حتى من كل أسمائهم :

  • أنتف الخامس Antef V (نب خبررع Noubkheperre) وهو مؤسس هذه الأسرة بدون شك ، ورع حتب Rehotep، وسبك إم ساإف الأول Sebekemsaf I (أواج خعو Ouadjkhaou ) الذي حكم ستة عشر عاما وبشكل نشيط ، وجحوتي وسواجن ، ونب إريراو الأول Nebiryeraou I ، ونب إريراو الثاني ، وسمننفرع Semenneferre ، وسوسرنرع Souserenre ، وسبك إم ساإف الثاني (سخم رع شدواست Sekhemre - Shedouset)
  • أنتف السادس وأنتف السابع
  • سناخت ان رع Senakhtenre
  • سقننرع تاع Seqenenre Taa
  • كامس Kames

وكان لهؤلاء الفراعنة مقر في البلاص (أمبوس بالقرب من قفط) ، ولكنهم كانوا يحكمون - بالطبع - من طيبة والتي دفنوا بها في مقابر تعلوها أهرام من الطوب - ويبدو أن هذه المقابر التي تقع في منطقة دراع أبو النجا بجوار جبانة الأسرة الحادية عشرة - والتي كانت رمزا لهذه الأسرة - تعرضت للنهب خلال حكم الرعامسة .

الأسرة التاسعة عشرة

لقد جرى العرف على اعتبار القائد "حورمحب Horemheb" آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة ، وهو الذي أعاد النظام نهائيا بعيد القضاء على البدعة الدينية العمارنية وعين زميله رمسيس خليفة له ، وأصبح رمسيس الأول هذا (1293 - 1291 ق.م) على رأس أسرة الرعامسة الأولى التي تنقسم تاريخيا إلى مرحلتين مختلفتين : المرحلة الولى ، هي "قرن ذهبي من الزمان" مازال يبلورها ويعبر عنها ، ذلك الكم الهائل الرائع من المعابد ، والمقابر ، والنقوش . ثم المرحلة الثانية ، التي سادت فيها من المنازعات الداخلية التي عبرت عنها بوجه خاص عمليات الهدم ومسح وتشويه الخراطيش واستمرت حوالي عشرين عاما ، ومن أهم ملامحها ذلك الإنتاج الضئيل في مجال التشييد والبناء .

  • ففي المرحلة الأولى نجح كل من الملك سيتي الأول Sethi I )1291 - 1279 ق.م) ورمسيس الثاني Ramses II (1279 - 1213 ق.م) في الحفاظ على نفوذ مصر وهيمنتها على آسيا . وقد امتلأت المملكة بالإنشاءات المعمارية من الشلال الرابع جنوبا إلى منطقة دمشق في سوريا شمالا . وقام الملك مرنبتاح Merenptah (1213 - 1204 ق.م) بدحر الليبيين والاحتفاظ بفلسطين ، ولقد تميزت هذه الفترة بوجود عدد متزايد من حاشية الملك ومن الجنود الأجانب ، وبتطور ازدهار منطقة الدلتا ، وببناء الهيكل الاقتصادي القائم - أيضا - بتمجيد "ثالوث الرعامسة" (آمون طيبة ، ورع هليوبوليس وبتاح منف وأضيف إليهم ست إله هذه الأسرة) وكذا بمظاهر التباهي والتفاخر بالذات الفرعونية الذي تجسده التماثيل العملاقة . ويتسم كذلك بالضخامة المعمارية ، وبالإطناب والإطالة في مجال الكتابة والنقوش ، كما عمل رمسيس الأكبر على خلق أسلوب حكم متميز ، وإحياء الآداب والفنون .
  • وفي المرحلة الثانية ، واجه الملك "سيتي الثاني" (1204 - 1198 ق.م) ابن الملك مرنبتاح معارضة ورفضا من جانب المغتصب "أمنمسو Amenmessou" . ثم اعتلى العرش ابنه القاصر الملك "سيبتاح Siptah" (1198 - 1192 ق.م) تحت وصاية الملكة الأرملة "تاوسرت Taouseret" والتي انتحلت كافة الألقاب الملكية ، مثل الملكة "حتشبسوت من قبل (1192 - 1190 ق.م) . وكان سيبتاح كذلك تحت وصاية حارس الخزائن الأكبر "باي Bai" . وظلت مصر بعد ذلك عدة سنوات بدون زعيم ، تبعتها سنوات ضعف . وبعد ذلك بثلاثة وثلاثين عاما وصف أحد المؤرخين بدون مغالاة فترة الانتقال القصيرة هذه قائلا ك لم يكن هناك من يبت في الأمور ، ووقعت مصر فريسة في أيدي كبار الموظفين ، وأصحاب الرتب العالية والحكام المحليين . واستطاع أحد السوريين ألأن ينصب نفسه حاكما يسوس البلاد ، في نفس الوقت الذي قام فيه أعوانه بابتزاز الناس ، ولم تتلق الآلهة معاملة أفضل من معاملة البشر ، فقد جردت المعابد من دخلها وأرباحها ، ولم تذكر القوائم المصرية الرسمية اسم أي ملك على امتداد الفترة الواقعة بين عهدي الملك سيتي الثاني ، والملك ست نخت مؤسس الأسرة العشرين .
  • وخلال الأسرة التاسعة عشرة ، قام جميع ملوكها بنحت مقابرهم في وادي الملوك بالبر الغربي بطيبة التي ظلت عاصمة المملكة ، بينما تقاسمت منف و "بي رمسيس Pi-Ramsis "مهام مقر البلاط الملكي والإدارة المركزية .

الأسرة العشرون

قام الملك "ست نخت Sethnakht (1190 - 1187 ق.م) تحت حماية الإله "آمون" بوضع حد للقلاقل والاضطرابات التي انغمست فيها الأسرة التاسعة عشرة ، مؤسسا السلالة الملكية الثانية المعروفة باسم "الرعامسة" . ثم توالى بعد هذا الملك سبعة ملوك آخرون يحملون اسم "رمسيس" . ونحت كل ملوك هذه الأسرة مقابرهم في وادي الملوك بطيبة (وإن كنا لم نستدل بعد على مقبرة رمسيس الثامن) . أما العاصمة الشمالية "بي رمسيس Pi-Ramses" التي كثيرا ما كان الملك رمسيس الثالث" يتردد عليها ، فإن أقدم مخلفاتها الأثرية ترجع إلى عصر الملك "رمسيس الثامن" ، وقد أدى تناقص منسوب مياه الفرع الشرقي للدلتا إلى سقوط هذه العاصمة فيما بعد . وعلى أية حال يبدو أن الرعامسة الأواخر قد فضلوا اتخاذ هذه العاصمة الشمالية مقرا لهم دون طيبة .

عمل رمسيس الثالث (1187 - 1156 ق.م) ابن ست نخت بعد توليه الحكم على انقاذ مصر من هجمات الليبيين وغزوات شعوب البحر ، واحتفظ ببعض المواقع في الأراضي الكنعانية . كما سار هذا الملك بصورة واضحة ومباشرة على نهج رمسيس الثاني ، غير أنه شدد من تأثير الوازع الأخلاقي وتنمية مصادر ثروة الإله آمون . ولكن هذا التألق الخاطف لم يستمر إلى حكم الملك الورع المتدين رمسيس الرابع (1156 - 1150 ق.م) ثم سادت بعد ذلك مرحلة طويلة من الانهيار والتدهور طوال ثلاثة أرباع قرن من الزمان ، وأصيبت كافة أنحاء الشرق الأدنى بنوع من عدم الاستقرار المناخي ، أدى إلى وقوعها فريسة لإضرابات ، وتنازع العبرانيون والفلسطينيون على احتلال فلسطين ، وقام الآراميون بغزو سوريا وبدأت الإمبراطوريتان الآشورية والبابلية تعانيان من الانهيار والاضمحلال . أما مصر التي كانت لاتزال تفرض سيطرتها على السودان ، فقد تقلص نفوذها من جهة آسيا ، ولم تضع قدميها في سيناء بعد موت رمسيس السادس . كما ضعفت أوجه الأنشطة في تشييد المعابد ، ونقشت ألقاب الملوك الرعامسة فوق المساحات الخالية الموجودة أصلا في الزخارف القائمة من قبل ، ونحتت بعض التماثيل الر ئيقة لرمسيس السادس والتاسع . وفي آخر المطاف ، أي خلال حكم رمسيس الحادي عشر ، استأنف العمل في معبد "خنسو Khonsou" بالكرنك . ومن حسن الحظ أن البرديات والشقافات التي عثر عليها في "دير المدينة" ، حيث كان يقيم العمال المكلفون بنحت وزخرفة المقابر الملكية ، والعثور على الملفات الطيبية المتعلقة بالعديد من التحقيقات القضائية والنصوص التي تركها كبار كهنة آمون بالكرنك قد أوضحت لنا كل تلك المصادر الأحوال التي كانت سائدة في تلك الفترة التي كانت الإرادة السياسية والدور الشعائري للملك تبدوان فيها بشكل مبهم غير واضح في الجنوب ، بخلاف قرارات ومبادرات كبار الكهنة في طيبة . ومنذ بداية حكم رمسيس الثالث ظهرت بعض الصعوبات المعيشية (كالإضرابات)، والاضطرابات التي عكرت صفو النظام العام (كتلك المؤامرات التي حيكت في البلاط الملكي وبعض الإنقلابات العسكرية) ، وأخيرا تمكن الليبيون من غزو الشمال وإشاعة القلق بالجنوب . ومما يذكر أن هؤلاء الليبيين كانوا ينحدرون من سلالة أسرى حرب ثم تحولوا إلى جنود ، أو كانوا من القادين الجدد الذين اندفعوا هربا من الصحاري بسبب المجاعات . وفي منطقة طيبة استطاعت إحدى العائلات أن تهيمن طوال عدة أجيال على إدارة الكهنوت والتراث الخاص بآمون ، وتملكت هذه الطبقة الكهنوتية السلطات الدنيوية والدينية وعملت على مد جذور الثقافة الروحية ، كما أكدت على استقلالها ومكانتها ، وفي عهد الملك "رمسيس التاسع" كان كبير الكهنة ويسمى "أمنحتب Amenhotep" هو الحاكم الحقيقي لطيبة ، وفي فترة حكم نفس ذلك الملك ظهرت أيضا مشكلات في توزيع الحنطة (غذاء العمال) أدت إلى حدوث إضرابات جديدة ، وانتشرت أعمال السلب والنهب داخل المقابر حتى تلك الخاصة بكبار الآلهة والملوك المتوفين . كما تجددت المجاعات واغتصاب المقابر ، وعزل كبير الكهنة "أمنحتب" . وظهر الليبيون وبدأ التدخل العسكري من جانب نائب الملك في النوبة ، الذي توغل في قتاله حتى منطقة مصر الوسطى ، بالإضافة إلى هجمات جيوش البرابرة . وازدادت الأمور سوءا في ظل حكم الملك رمسيس الحادي عشر (1098 - 1069 ق.م) وفي العام التاسع عشر سادت فترة سميت بعصر "تجديد الولادة" (وحم مسوت Ouhem Mesout) متوازية مع الحكم الملكي ، وأعلنت عن نهضة النظام الكوني (بدلا من استبدال النظام العائلي) وبعديا عن رمسيس الضعيف المستقر في الشمال تمكن كبار كهنة طيبة ، وقائد المرتزقة المعين حديثا المدعو (حريحور herihor) ، ثم "بيعنخ Piankh" من السيطرة على زمام الأمور في مصر العليا تحت شعار "وسيط آمون" . وبقدوم "سمندس Semendes " مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين المقبلة ، احتلت "تانيس Tanis" مكانة "بي رمسيس" . وبذلك ساعدت نهاية الدولة الحديثة على نمو بذور فترة الانتقال الثالثة متمثلة في اضمحلال وجود الفرعون المعنوي ، وتعزيز مكانة الإله آمون رع الخالق الأعظم بصفته منبع الحكم ، وسيد مصائر الخلق وتشكيل السلطتين الطموحتين السابقتين : سلطة كهنة آمون ، وسلطة الزعماء الليبيين الذين كانوا يسيرون في طريق التحضر والتمصير.

الإسكندر الأكبر Alexandre Le Grand

قاد الإسكندر الزعماء المقدونيين وكافة المدن الإغريقية لغزو الإمبراطورية الفارسية ، كما غزا الأناضول ، وسوريا وفينيقيا ،وفي عام 331 ق.م دخل مصر بدون أية مقاومة ، نظرا لأنها لم ترحب إطلاقا بغزاتها الفرس الذين كانوا قد احتلوها حديثا . وقام الإسكندر ، هذا المحرر الكبير ، بالمرور على منف متوغلا حتى واحة سيوة ، حيث أعلن نفسه ابنا مختارا للإله آمون . وعند عودته شيد الإسكندرية ، تلك المدينة الإغريقية كميناء على البحر الأبيض المتوسط على أطراف المملكة المصرية.

كان حكم الإسكندر بشكل عام امتدادا للحكم الفارسي في الداخل . وعتمل هذا القائد المقدوني الفذ على تثبيت الحكام العسكريين والكتائب الحربية ، وترك مهمة إدارة الأعمال المدنية للمقاطعات المصرية تحت إشراف أحد اليونانيين في مصر ويدعى كليمون النقراطيسي Cleomene de Naucratis . ثم رحل الإسكندر ليغزو الشرق حيث توفي في بابل (323 ق.م) كبطل إغريقي ، وأيضا كرجل ورع تقي حسب المفهوم الكهنوتي فهو "محبوب رع" و "ابن آمون" ، وأصبح بعد ذلك الابن البشري لهذا الإله . وطبقا لأسطورة دينية ملكية نال الإسكندر من رعاياه المصريين الخصائص والأوصاف الجوهرية للفراعنة ، وحفظت خراطيشه في قدس الأقداس بمعبد الأقصر الذي تم ترميمه في عهده . ويبدو أن قدس الأقداس الأخير في الكرنك قد شيد باسم ابنه فيليب أريدي Philippe Arridee (323 317 ق.م) .

ولقد نقل جثمان الإسكندر الأكبر فيما بعد من بابل إلى منف ، ثم دفن في الإسكندرية تحت رعاية بطلميوس الأول Ptolemee I أحد قدامى القادة في جيوش الغازي ومؤسس الأسرة السكندرية .


آسيا

كان مجرى النيل في مصر القديمة ، هو الذي يحدد معالم الحدود الفاصلة بين أفريقيا وآسيا ، إذ تقع مصر عند نقطة الاتصال بين هاتين القارتين . وبالطبع فإن آسيا المتعلقة بالحضارة الفرعونية تعد كمنطقة محدودة المعالم ، بخلاف آسيا المعروفة حاليا والخاصة بالشرق الأدنى .

غير أنه كان هناك في فترة مخاض الحضارة الفرعونية نفسها تأثير قوي للنفوذ الآسيوي ، بدا ملموسا بصفة خاصة بالنسبة لحضارة ما بين النهرين في عصر ما قبل الأسرات من خلال موضوعات النقوش ، وبعض الأدوات مثل الأختام الأسطوانية . وارتبطت مصر الفرعونية كذلك خلال كل الحقب التاريخية بعلاقات مع العالم الآسيوي .

أولا : من جهة استغلال صحراء مصر الشرقية ، فقد تم استخراج كبريت الرصاص من جبل الزيت ، واستغلت مناجم الذهب في البرامية Barramiya ، وفي سموت Samut ومناجم الذهب وأحجار الشست (بخن Bekhen) في منطقة وادي الحمامات . وكان وادي الحمامات يعد فضلا عن ذلك طريقا للعبور ، حيث تفكك السفن عند قفط ، ثم تنقل عبر هذا الطريق إلى ساحل البرح الأحمر ، ليعاد تركيبها هناك في الموانئ (مثل القصير ووادي الجواسيس) ومنها تنطلق الحملات تجاه أفريقيا (كبلاد بونت) أو نحو شبه جزيرة سيناء بمناجمها الهامة المحتوية على الفيروز والنحاس (في سرابيط الخادم ووادي المغارة) . وهكذا كان المصريون يحتكون دائما بالآسيويين من القبائل الرحل السالمين أحيانا المستعدين للمقابضة معهم ، والمشاكسين في أغلب الأحيان والذين كانوا يتهددون فرق المصريين ومنشآتهم .

ثانيا : من جهة التخوم الواقعة شرق الدلتا ، فقد كانت تعد منطقة اتصال دائم ، كالحدود التي تمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، والمنفد البيلوزي من ناحية وخليج السويس من ناحية أخرى والمحاطة بسلسلة من البحيرات ، مثل بحيرة حورس على مقربة من الطرف الشرقي لبحيرة المنزلة الحالية ، وبحيرة البلاح ، وبحيرة التمساح ، والبحيرات المرة . وكان المرور يتم على وجه الخصوص عن طريق منفذين : المنفذ اِلأول ناحية وادي طميلات الذي يؤدي إلى بحيرة التمساح . والذي جف في الوقت الحاضر . فعلى مدى فترات طويلة من الحضارة المصرية غطى هذا الوادي بمساحات شاسعة من المستنقعات ، والحشائش الشائكة ، وحصن مدخل هذا المنفذ بمدينة بيثوم Pithom ، الذي ذكرته التوراة باعتباره أحد طرق "سفر الخروج" ، والمنفذ الثاني جهة منخفض القنطرة الذي كان يحرصه حصن "سيله Sile" خلال الدولة الحديثة قد ارتبط ببحيرة "حورس" وبالفرع البيلوزي بواسطة قناة . وكان هذا الفرع حتى الوقت الذي بدأت تتراكم فيه الرمال في أواخر الألف عام الثانية قبل الميلاد بمثابة الشريان الرئيسي للاتصال بالبحر المتوسط والشرق الأدنى ، ولم يقاوم ميناؤه الرئيسي على الساحل ، ولكن في الدلتا على حافة الصحراء والأراضي الزراعية . كما أنشئت أفاريس Avaris" التي أصبحت عاصمة الهكسوس في نفس هذا المكان ، ومن بعدها أقيمت مدينة "بي رمسيس Pi-Ramsis" . وعندما أصبح الفرع البيلوزي غير صالح للاستعمال استخدم الفرع التانيسي الواقع جهة الشمال طريقا للاتصال بآسيا .

ولاشك أن طرق الاتصال هذه كان يستعان بها فيث كلا الاتجاهين : فالمصريون يعبرون خلالها إلى آسيا ، والآسيويون يعبرون منها بالعكس إلى أفريقيا . ولقد كشفت الآثار بالفعل عن وجود منشآت عريقة في القدم على طول المحاور التي تعبر المرافئ الشرقية بالدلتا ، والتي كانت تتذبذب أهميتها مع اختلاف الحقب التاريخية .

وخلال الدولة القديمة ، استمرت العلاقات منتظمة مع آسيا وذلك بإرسال حملات قمعية إلى شواطئ البحر الأحمر ضد البدو الرحل الذين كانوا يهددون أمن المنشآت القائمة بالمواني ، وحملات أخرى إلى شبه جزيرة سيناء ، وبصفة خاصة إلى ميناء جبيل على الشواطئ اللبنانية حيث كان المصريون يذهبون لإحضار الأخشاب اللازمة للبناء (مثل الصنوبر والأرز) التي كانوا يعانون - كثيرا - من نقصها . ولقد تفاقمت سطوة الآسيويين على الحدود الشرقية لمصر السفلى ، لدرجة أن فراعنة هيراكليوبوليس Heracleoplis لجأوا خلال عصر الانتقال الأول إلى إقامة استحكامات دفاعية واسعة النطاق فيها .

ويبدو أن هذه الاستحكامات لم تكن كافية ، فها هو "أمنمحات الأول" - أول ملوك الأسرة الثانية عشرة - يتباهى متفاخرا بأنه قد وضع حدا للتسلل الآسيوي الذي كان لايكاد يتوقف أبدا قبل فترة حكمه ، وقد فعل ذلك بفضل نظم التحصينات المسماه "بحائط الأمير" . وفضلا عن ذلك قامت الأسرة الجديدة بتكثيف عمليات استغلال موارد سيناء ، وتقوية روابط التجارة مع مدينة "جبيل" حيث أمسك بزمام الحكم منذ ذلك الحين حكام من المواطنين المتمصرين إلى أقصى حد . ليس ذلك فحسب وإنما ازداد انفتاح تلك الأسرة على العالم السوري الفلسطيني أيضا . ولقد أوضحت لنا نصوص اللعنة (التي كانت تكتب لإنزال اللعنات على أعداء مصر) وجود معرفة مستفيضة بالجغرافيا السياسية لتلك المناطق (حتى منطقة دمشق) . في حين أن قصة "سنوهي" قد أفصحت عن تأثر الطبقات الحاكمة بالعادات المجلوبة من الخارج . ولقد اقتضت الظروف أحيانا شن بعض الغزوات العسكرية - التي تميزت إحداها بالإستيلاء على مدينة "سخم Sichem" وذلك لتأمين انتظام استيراد قطعان الماشية ، والذهب ، والنحاس ، واللازورد ، والأ؛جار الكريمة ، والمنتجات المحلية أو المستوردة من جزيرة "قبرص" وبلاد "بحر إيجة" ، كما عثر على أربعة صناديق تحتوي على هذه المنتجات والمواد مدفونة تحت أساس معبد الطود Tod باسم الملك أمنمحات الثاني .

وفي نفس الوقت نمت وتطورت حكرة هجرة الآسيويين إلى مصر ، فكانوا يفدون إليها ليعملوا كخدم أو ليلحقوا طواعية أو قسرا كعمال بالمؤسسات الحكومية الكبرى . واستطاعوا أن يكونوا مستعمرة ذات أهمية في أفاريس Avaris، ذلك الميناء الكبير الذي انفتح على آسيا منذ أواخر الأسرة الثانية عشر . وفي منتصف حكم الأسرة التالية لها - حيث لم يكونوا قد أصبحوا بعد أقلية ضئيلة انسلخت عن تبعية فراعنة طيبة تمهيدا - إذا جاز القول - لاستيلاء الهكسوس على مصر ، بعد ذلك بعشرات السنين حين أسس هؤلاء الهكسوس امبراطورية تسيطر على مصر وعلى العالم الفلسطيني .

ولذا فلقد اضطر أوائل فراعنة الأسرة الثامنة عشرة إلى التوغل في فلسطين لكسر شوكة الهكسوس نهائيا . وكان كل ذلك بمثابة تمهيد لتطبيق سياسة مصرية جديدة في آسيا حيث أقامت خلال الدولة الحديثة نوعا من الحماية على "سوريا وفلسطين" تدعمها بدبلوماسية واعية الكتائب المصرية المتمركزة في المواقع الاستراتيجية . وكانت هذه الأساليب الدبلوماسية تتضمن الزواج من رعايا هذه البلاد أو تبادل الرهائن ، ولقد دافعت مصر بكافة الأساليب الدبلوماسية تتضمن الزواج من رعايا هذه البلاد أو تبادل الرهائن ، ولقد دافعت مصر بكافة الأساليب والطرق عن هذه الحماية من شراهة المستعمرين الغزاة الميتانيين ، ثم من الإمبراطورية الحبشية . وكما يحدث غالبا ، استطاعت ثقافة المهزومين أن تترك بصماتها على ثقافة المنتصرين ، فقد استقبلت مصر بترحاب شديد المنتجات والمصنوعات التقنية الآسيوية . ومع هذه المنتجات جاءت كذلك الكلمات الأجنبية ، مما أثرى اللغة المصرية القديمة بقدر كبير من التعبيرات "الآسيوية" ، وبعض التعبيرات الحورية hourrites ، والهنوأوربية ، وإن كان أغلبها تعبيرات سامية . بل أكثر من ذلك فلقد شاعت في مصر ظاهرة انتشار الساميات ، وساعد على ذلك التشريع الخاص بأن تكون اللغة الدبلوماسية هي اللغة السامية . ومنذ ذلك الحين كان على كل مثقف أن يلم باللغة الكنعانية ، بل في بعض الأحياء كان التعبير السامي يفرض نفسه ، رغم وجود التعبير المصري المناسب . وتطورت تلك (المودة) إلى نوع من التفاخر ، بل إن المعبودات الآسيوية استطاعت أن تدخل مجمع الآلهة المصرية الذي كان أصلا يعج بالآلهة ! وبالطبع كان الآسيويين يأتون مع هذه الكلمات وألأشياء والآلهة . واستقرت أعداد كبيرة منهم في مستعمرات آسيوية أنشئت في مصر ، مثل "برونفر Perounefer" ميناء منف الكبير . وكان أغلبية هؤلاء الوافدين يعملون بأقل المهن شأنا وأكثرها خشونة - على نحو ماورد في سفر الخروج - وحقق البعض منهم نجاحا فائقا في مجال الأعمال الإدارية المصرية العليا ، بل واستطاع أن يصل إلى البلاط الملكي ، وأن يلقب غالبا "بالنديم الملكي" .

ويعد زوال الدولة الحديثة تداعت الطموحات المصرية الهادفة لفرض سيطرتها على آسيا ، حيث كان أحد أمراء "جبيل" يعي ذلك خلال حكم الأسرة الحادية والعشرين عندما زجر بشدة وخشونة مبعوث الإله آمون المدعو "ونآمون Ounamon" ، مبينا له أن عهد العجرفة والتسلط قد انتهى وولى . وبالفعل نجد أن حملات الملك "شاشانق الأول" في فلسطين تمثل خاتمة العصر الذهبي لتوسعات مصر الإستعمارية . فلم تؤد هذه الحملات إلى تبعية الملكية اليهودية إلى مصر ، بل إلى مجرد تدعيم روابطها الثقافيثة معها ، ولذلك يلاحظ اقتباس بعض كتب التوراة لبعض الحكم المصرية اقتباسا حرفيا ، أو باستعمال الترقيم الكهنوتي في مجال الحسابات بمملكة إسرائيل . بعد ذلك لم يعد المصريون يتطلعون جهة آسيا ، وقد اكتست ملامحهم بشراهة الغزاة ، بل بدأوا ينظرون إليها وهم يتوقعون شهرة غزاة مقبلين ، فقد عانوا من الآ شوريين ثم من الفرس مرتين متتاليتين . وخلال مراحل الإستقلال كانت العلاقات تنحصر في نظاق التجارة ، كما أن الغزوات العسكرية النادرة التي قام بها كل من "طهارقا Taharqa" و "نخاو الثاني Nechao II " لم تستقر عنها أية نتيجة.

أصول الحضارة المصرية (عصور ما قبل التاريخ ، وماقبل الأسرات)

لا شك أن أول ماتركه الإنسان من آثار - وبصفة خاصة تلك الأدوات الحجرية - قد ظهر خلال المراحل الأخيرة للإنتقال من العصر البليوسيني Pliocene إلى البليستوسيني Pleistocene ، عندما أخذ النيل يشق مجراه من جديد خلال الترسبات التي انت قد ملأت المجرى من قبل . وليس لهذه الأدوات الحجرية خاصية مميزة ، ولا شك أن علماء ما قبل التاريخ يتعرفون من خلالها بسهولة على أنواع أدوات العصر الحجري القديم الأوروبي التي اشتقت أسماؤها من بعض المواقع الفرنسية ، بل والضواحي الباريسية مثل (الحضارة الشيلية Chelleen نسبة إلى مكان يسمى Chelles بالقرب من باريس ، والحضارة الأشولية Acheuleen نسبة إلى مكان يسمى Saint Acheul في شمال فرنسا والحضارة اللفلوازية Levalloision نسبة إلى مكان يسمى Levallois بالقرب من باريس) . ولكن في أواخر مراحل العصر الحجري القديم Paleolithique قامت ثقافات أكثر اختلافا ، فقد كانت تتطابقث مع ثقافة البدو الرحل الذين كانوا يعيشون في المغرب ، والصحراء ، والسودان . ومن خلال هذه الثقافات تطورت النقوش الصخرية ، حيث نرى بعض الحيوانات الأفريقية (مثل الزرافة ، والفيل ، والنعامة .. إلخ) وهي تحاول عبثا الإفلات من مطاردة الصيادين الذين يحملون على أكتافهم الجعب المليئة بالسهام . وتراهم يبدون مهارة فائقة ، سواء في رشق سهامهم ، أو نصب الفخاخ التي لاتخيب . كما ظهرت كذلك بعض الموضوعات الرمزية التي أثرت التراث الثقافي في مصر الفرعونية فيما بعد ، مثل منظر قرص الشمس المحصور بين قرني البقرة . ولا ريب أن ثقافات العصر الحجري القديم ، قد استتبت لفترة طويلة بمصر حيث استمرت إلى عام 6000 ق.م تقريبا على ضفاف النيل نفسه .

وفي الواقع لم يظهر العصر الحجري الحديث إلا خلال الخمسة آلاف عام قبل الميلاد : فعلى الهضاب المرتفعة التي كانت تشرف على الفيوم أو الرادي ، وحيث لم تكن قد اكتملت عوامل الجفاف تماما ، كانت تعيش جماعات تتقن صنع نوع بدائي من الدوات الفخارية ، ولكنها عرفت كذلك صناعة السلال والنسيج وبصفة خاصة اتقنت زراعة الحبوب (مثل القمح والشعير) ، وكافة ما تتطلبه تلك الزراعة من تقنيات (مثل المناجل ، ومطاحن الحبوب ، والصوامع التي تحفظ بها الغلال) . ولكن ذلك لايمنعنا من أن نقول : إن الزراعة قد تأخر ظهورها كثيرا في مصر عن باقي بلاد الشرق الأدنى . وفي مواجهة ثقافة العصر الحجري الحديث والتي تبدو فجة إلى حد ما والتي كانت قائمة بالفيوم ، وفي مرمدة بني سلامة (في مصر السفلى بالقرب من القاهرة الحالية) ، قامت حوالي الخمسة آلاف عام قبل الميلاد في مصر العليا حضارات تعرف باسم حضارة العصر الحجري النحاسي ، وترجع هذه التسمية غلى استعمال معدن النحاس ، ولكن يبدو أ، هذا الاستعمال كان محصورا في مجال صناعة القطع والأدوات القيمة ،ولكن يلاحظ أن هذه الحضارات تفرقت بشكل واضح في مجال صناعة الخوف ، وأشغال العاج ، ويطلق عليها حضارة "البدارى" .

أما الفترة التي تقترب من الألف الرابعة قبل امليلاد فنطلق عليها فترة "ماقبل الأسرات" وسوف نرى لماذا سميت بهذا الاسم. إن أهم ما يميزها أنها قامت في مصر العليا ، وتميزت بصفة خاصة بأثاثها الجنائزي الوفير والمتقن الصنع : مثل الأواني الحجرية (المنحوتة من الجارنيت والبازلت والمرمر) ، والخزف ذي الزخارف الفنية وأدوات الزينة ، وتماثيل العاج الصغيرة ، والتمائم والإبر المصنوعة من النحاس ، والصلايات المنحوتة من الشست وشعارات النذور ، وأطلق على هذه الحضارة اسم حضارة نقادة Naqada والتي تطورت خلال مرحلتين متميزتين عن بعضهما البعض ، هما : المرحلة الأولى : وتسمى بحضارة نقادة الأولى أو العمرة Amratien ، أما المرحلة الثانية فتسمى بحضارة نقادة الثانية أو جرزة Gerzeen .

وتتعارض هاتان المرحلتان من جهة الأسلوب بوجه خاص : ففي البداية كان الميل إلى الخطوط الهندسية أو التجريدية هو طابع حضارة العمرة . ولكن ظهر خلال مرحلة الجرزة ميل نحو الواقعية إلى حدا ما . وبالإضافة إلى ذلك فقد ظهر أيضا بكل وضوح وجلاء تأثير بلاد الرافدين ، ليس فقط من خلال الأختام الإسطوانية الشكل المستوردة ، ولكن أيضا من خلال الأسلوب والموضوعات التصويرية (مثل المنظر الذي يمثلا رجلا يواجه أسدين يهاجمانه من كل جانب ، أو منظر مجابهة بعض الوحوش الأخرى) ، وتشهد الرسوم الحائطية بالمستوى الراقي (مثل رسوم مقبرة هيراكونبوليس Herakonpolis) وكذلك بصفة خاصة تلك القطع ذات الزخارف المنقوشة (مثل سكين جبل العركى ، ولوحة "الثور" ، ولوحة الغزالتين") .

وبالإضافة إلى ذلك، فإن آخر مراحل الجرزة تستحق أن نطلق عليها فترة "ماقبل الأسرات" ، حيث ظهرت أثناءها بعض العناصر الفرعونية (مثل شعارات ألقاليم ، وتاج ومتعلقات الملك) ، بل وظهرت أيضا بعض التقاليد التصويرية التي تتشابه مع الرؤية التي سادت مصر في عصر الأسرات : مثل تقسيم المناظر إلى صفوف ، أو نصف صفوف حيث يرتبط النص مع الأشكال (وبدأت تتضح كذلك المعالم الأولية للكتابة) ، ثم ظهور "الواقعية الإيديولوجية" (وذلك بالعناية بمقاييس نقوش وتماثيل الأشخاص بحيث تعكس مكانتهم ورتبهم) . ويختلفط علينا الأمر لدرجة أنه أصبح من الصعب ، أ، نحدد ما إذا كانت صلاية الملك (نعرمر Narmer) ترجع إلى أواخر عصر ما قبل الأسرات ، أو أنها إحدى الآثال الأولى لعصر الأسرات . وعلى أية حال ، فقد تكونت في أواخر عصر ما قبل الأسرات مجتمعات متطورة تعدت نطاق القرية أو المنطقة . ككما كانت تتمتع بمؤسسات لتنظيم إنتاج بعض السلع الإستهلاكية ، ولتؤكد ماديا أو رمزيا توحيد مصر العليا أو جزء منها في هيئة مملكة .

وبالطبع فإن الحضارة المصرية هي نتاج تجمعات وتأثيرات متعددة ومتنوعة ، ولعل بعض الدلائل في مجال علم الأجناس البشرية وتطورها تكشف وجود ترطيبة ضخمة من العناصر ذات الرأس المستطيلة التي تنتمي لمنطقة البحر المتوسط Mediterraneenne dloichocephale وهي تعود إلى الفترة التي تبدأ من العصر الحجري القديم حتى عصر ما قبل الأسرات . ولا شك أن العديد من الشعوب الأخرى اندمجت هي أيضا في تلك التركيبة ، وهكذا ظهر في الوادي قوم من ذوي الجماجم العريضة منذ أربعة آلاف عام قبل الميلاد ، (ربما كانوا على صلة ببلاد الرافدين (؟) .. ومن الوجهة اللغوية فإن اللغة المصرية القديمة تعد في حد ذاتها أحد فروع اللغة الحامية السامية Chamito - semitique مع اللغة السامية Semitique ، واللغة الليبية البربرية Libyco berbere ، واللغة الكوشية Kouchitique واللغة الشتادية Tchadique . ولكن يلاحظ أن اللغة المصرية ترتبط ارتباطا وثيقا مع اللغة السامية .

الإضرابات

أي نعم .. كانت هناك الإضرابات في عصر الفراعنة ، أو على الأقل خلال الأسرة العشرين ، فالعمال الذين كانوا يعملون بالمقابر الملكية كانوا يتحصلون على أجوروهم في هيئة إعانات منتظمة ، في شل مواد استهلاكية تقدمها لهم الدولة . وكانت تلك الإعانات تصرف بانتظام عندما تكون صوامع ومخازن الدولة غير خاوية . ولكن من بداية العام التاسع والشعرين من عهد (رمسيس الثالث) ، بدأت تتضح معالم الأزمة التي لطخت بالسواد أواخر الدولة الحديثة ، فلم يكن من الممكن توزيع الحصص الإستهلاكية في وقتها المحدد . وتحت وطأة الحاجة والفقر ، هجر العمال قريتهم (دير المدينة حاليا) ليحتلوا المعابد الجنائزية . فقد احتلوا أولا معبد تحتمس الثالث ، ثم معبدي رمسيس الثاني ، وستي الأول القريبة من الحقول . ولكي يبلغوا تلك الأماكن كان عليهم أن يعبروا المراكز الخمسة المحصنة التي تحمي مداخل هذه المعابد بداية من الجبل ، وبهذا اعتبروا خارجين على القانون . وبالفعل فإن عبور المراكز الخمسة المحصنة في ذاك العصر يرادف في عصرنا الحاضر القيام بالإضراب . وكانت هذه الإضرابات تلقائية تتم دون أي تنظيم مسبق ، كما أن مطالب المضربين كانت بسيطة :

"إذا كنا قد وصلنا إلى هنا ، فهذا بسبب الجوع ، وبسبب العطش ، ليست لدينا ملابس ، أو دهانات عطرية ، لا أسماك ن ولا خضراوات . اكتبوا في هذا الشأن للفرعون ، سيدنا الطيب ، له الحياة والصحة والقوة ، اكتبوا كذلك للوزير رئيسنا ، لكي يوفر لنا سبل العيش!" .

وفي النهاية ، وبعد فترة من التأخير ، تم دفع الرواتب وباشر العمال أعمالهم . ولكن بعد ذلك بقليل اندلعة إضرابات أخرى ، وتتابعت حتى أواخر الأسرة العشرين ن وكانت السلطة تحاول أن تسد الإحتياجات الملحة فتلجأ إلى الأقوال المضللة ، وأنصاف الحلول ، فقد توزع على العمال نصف مستحقاتهم ، وتضطر في النهاية إلى تلبية مطالب العمال الشرعية ، فتجرف الصوامع حتى القاع . وكان حل الأزمات يبدو معقدا أحيانا عندما يكون مبعث الإضرابات هو فضح مظاهر الفساد والإنحراف ، والإخلال بالواجب الوظيفي ، والفضائح التي كانت تنخر في جذور المؤسسة المسئولة من المقبرة ز وعندئذ نلاحظ بشكل مثير أن مصادرنا قد أصبحت كتومة ومنخفضة فيما يختص بالإجراءات التي يتم اتخاذها للسيطرة على تلك الإضرابات!.

أفاريس

تقابل كلمة أفاريس باللغة المصرية القديمة : "حوت وعرت Hout - ouaret" أي (قصر الأرض المنحدرة) . وتعد أفاريس ميناءا نهريا يقع في غرب الدلتا على الفرع البيلوزي عند أطراف الأراضي الزراعية ، ولذلك كان "ست Seth" ، رب المناطق غير المأهولة ، هو إلاهها المحلي . وبفضل موقعها الجغرافي كانت "أفاريس" تهيمن على منفذ طرق حورس المؤدية إلى آسيا وبصفة خاصة "جبيل" والساحل الفينيقي . فكانت تشغل إذن مكانة استراتيجية وتجارية في آن واحد ، ولذلك أولاها الفراعنة اهتماما خاص وعملوا على تدعيم مركزها خلال حكم أسرات "هراكليوبوليس" ، حيث جعلوها مقر إقامتهم الصيفية خلال الدولة الوسطى ، ولقد ساعد تكثيف التجارة مع جبيل على نمو وازدهار تلك المستعمرة الآسيوية التي تكفلت بمهمة تصنيع النحاس المستورد من قبرص . وقد جعل "نحسي Nehesy" من تلك المدينة المزدحمة بالأجانب عاصمة للمملكة التي أسسها خلال الأسرة الثالثة عشرة حوالي عام 1720 ق.م ن والتي غمرت في أواسط القرن السابع عشر بطوفان جديد من الآسيويين أي الهكسوس ، ولقد فرضوا سيطرتهم على مصر بعد استيلائهم على منف ، انطلاقا من مدينة أفاريس . ولقد وقعت هذه المدينة بطبيعة الحال فريسة للسلب والنهب خلال فترة توحيد مصر تحت زعامة الملك "أحمس" ، ولكنها كانت مع ذلك تتمتع بموقع متميز لدرجة أن "رمسيس الثاني" اختار موقعها ليشيد عليه مدينة "بي رمسيس Pi - Ramses عاصمته الجديدة ، قبل أن يدفع تكدس الرمال بالفرع البيلوزي إلى هجرة هذا الموقع . ولق استطاع علماء الآثار فيث العصر الحديث أن يعثروا على مدينة "أفاريس" حول مدينة تل الضبع الحالية .

أمازيس Amasis (570-526 ق.م - الأسرة السادسة والعشرون)

إن كل مانعرفه عن الملك "أمازيس" ، من آثاره العديده ، وبفضل ما ذكره "هيرودوت" ، إنما يوضح ما أصاب مصر في العصر الصاوي من ازدهار واضمحلال معا . كان الإغريق والكاريين المتمركزين بالبلاد منذ فترة طويلة بمثابة جنود النصر الذي حققه الملك "بسماتك Psammetique" مؤسس الأسرة السادسة والعشرين على أعداء مصر . ولقد حرصت الفئة العسكرية الوطنية المصرية على أن يتولى "أمازيس" حكم البلاد ، بعد شعورها بأنها قد ضحى بها خلال حكم الملك السابق "واح إيب رع" (أبريس) في نهاية معركة حربية مدمرة وقعت في ليبيا ، واستطاعت الجيوش المصرية بفضل تفوقها العددي أن تقضي على الأعداء ومن يعاونهم من اليونايين . واستطاع أمازيس عندما تولى العرش أن ينسى ما لحق به من إهانات على يد اليونانيين كما قال عالم الصمريات الفرنسي "ماسبرو" فهذا القائد المنحدر من إحدى المقاطعات الصاوية الصغيرة ، والذي أصبح "إبنا للإلهة نيت Neith" كان يعي جيدا أن المستقبل الصناعي إنما يوجد بجوار المدن الإغريقية ، لذلك حرص على صداقة اليونايين ، فعد معاهدة تحالف مع مملكة قورينة الإغريقية ، وأرسل الهدايا إلى ولاية دلفي Delphes وإلى ساموس Samos ، وعمل على تطوير المركز التجاري لمدينة (نوقراطيس Naucratis" المدينة المصرية ذات الطابع الإغريقي . كما نقل المستوطنين العسكريين الأيونيين والكاريين إلى (منف) . وكانت الحملة الوحيدة التي قام بها هي غزو جزيرة قبرص (مما ترتب عليه ظهور تأثير للفن المصري هناك) . وأنقذ "أمازيس" مصر عام 570 ق.م ببراعة من إحدى الغزوات البابلية . ومع ذلك فإن حرصه على سلامة مصر منعه من التدخلفي آسيا في الوقت الذي قام فيه "قورش Cyrus" حاكم الفرس بضم بلاد الأناضول ثم الأراضي البابلية .

وربما كان الملك أمازيس هو أول من ابتكر فكرة الإقرار الضريبي على الأرباح . وتؤكد الوثائق دوره كمشروع في مجال التقنين الخاص باللوائح الضريبية والجمركية . كما تشهد بمدى اتساع نطاق برامجه في مجال تشييد المنشآت الضخمة (فقد قام بإنشاء بحيرة مقدسة في مدينة سايس ، وكذلك بناء العديد من الهياكل للآلهة في مدينتي سايس ومندس) . وفي مجال الفنون نتبين من ظاهرة انشتار ارتداء النقبة في تماثيل كبار القوم ميل هذا الملك إلى مايعرف بالحداثة الفنية Modernisme . وفي العصور التالية أصبح "أمازيس" من الشخصيات الأسطورية (كما ورد في القصص الديموطيقي، والطرائف اليونانية) التي تبين هذا الملك كسكير ماجن ومهرج غير رقيق ، ولكن نقوش المعابد تظهره لنا وهو يقيم الطقوس الدائمة لتماثيله ويضفي حماية مقدسة على وزرائه . وقال هيرودوت عنه : "خلال حكم أمازيس تمتعت مصر بالإزدهار والتألق الذي لم تتمتع به من قبل ، وذلك بفضل ما جاد به النيل على الأرض من طمى ، وما جادت به الأرض على الناس من خير" . ولقد دمر الغازي الفارسي خراطيش هذا المغتصب للعرش ، ومع ذلك احتفظ الناس لهذا الفرعون المحب للأجانب بصورة مطابقة تماما للنموذج اللاهوتي للفرعون .

الأمراء

كان الأبناء والبنات الذين ينحدرونمن نسل ملكي يحملون لقب "ابن الملك" أو "بنت الملك" وامتد هذا الامتياز في عصور مختلفة إلى بعض الخاصة ، وفي بداية الأسرة الرابعة أصبح "الأبناء الملكيون" الحقيقيون يعتبرون ضمن كبار الحكام.

وخلال حكم الأسر التالية لقب بعض أبناء تلك الفئة منكبار رجال الدولة - والأقل مكانة - بالأمراء والأميرات ، إن تتابع الأنساب كانيمكن أن يجر في أعقابه التفويض والوكالة . ونستطيع أن نلاحظ وجود لقب "الأبناء الملكيين" نظريا ضمن الحكام المحليين خلال عصر الانتقال الثاني ، وهو الأسلوب الذي ظل معمولا به في مراسم الدولة الحديثة حيث كان يلقب الذين يقودون المواكب المقدسة نيابة عن الملك (بالأبناء الملكيين لآمون ولنخبت) ، ونائب الملك في النوبة (بافبن الملكي في كوش) .

ولعلنا نلاحظ أن بعض "البنات الحقيقيات" للملك تظهرن مرتبطات ارتباطا وثيقا بآبائهن على نقوش الآثار ، وفي طقوس العبادة كان أسماؤهن محاطة بالخراطيش (وهو ما لم يلاحظ مثيله بالنسبة للأولاد) . ولقد صور الأمراء والأميرات حتى البالغين منهم وقد تدلت على أصداغهم خصلة الشعر المستعار كدليل على صباهم (كانت هذه الخصلة تبدو مضفرة خلال الأسرة الثامنة عشرة وبعد ذلك بدت مسترسلة ومعقودة في شريط) .

وخلال فترة حكم الملك "رمسيس الثاني" المعروفة لنا جيدا ، نجده وقد صور المراكب اللاهنائية التي يسير فيها أولاده من الجنسين ، كما أنعم على الكثير من أبنائه برتب عسكرية ودينية وهذه الظاهرة بالذات لم تتكرر كثيرا خلال حقبات التاريخ المصري القديم . وفي أواخر حكم الأسرة الثامنة عشرة ظهر من جديد من جديد لقب قديم هو "إربع erpa" (في الأصل كان iry-pat ويعني تقريبا : "من كان ضمن النبلاء ملاك الأراضي") وهو يشير إلى الشخصية الأولى بالمملكة .

أمنحتب Amenophis

من المتبع في علم المصريات أن تعد الصيغة اليونانية "أمينوفيس Amenophis" مساوية للإسم المصري القديم "أمنحتب Amenhotep" ، الذي يعني "آمون راض" . وسوف يتبع هنا هذا التقليد للإشارة إلى لافراعنة الذين يحملون الإسم المصري "أمنحتب" ، لكن يجب الإشارة إلى أن هذه التسمية ترتكز على نوع من اللبس والغموض : إذ أن الإسم الإغريقي "أمينوفيس" قد نقل في الواقع عن الاسم المصري أمنموبي Amenemope ويعني "آمون موجود في أوبي OPe" أما النسخة الإغريقية الصحيحة لاسم "أمنحتب" فهي موجودة في الاسم الذي ينطق أمنوتس Amenothes.

أمنحتب الأول Amenophis I

(1514 - 1493 ق.م - الأسرة الثامنة عشرة)

كان "أمنحتب الأول" ، ثاني فراعنة الأسرة الثامنة عشرة ، وابن وخليفة الملك أحمس والملكة أحمس نفرتاري . استمر حكمه عشرين عاما وسبعة أشهر ( 1514 - 1493 ق.م) . وكان عليه أن يمضي على نفس سياسة الإصلاح والتشييد التي بدأها الملك أحمس لتوه . قام منحتب الأول كذلك بقمع بعض حركات التمرد في النوبة ، حيث امتدت حدود الإحتلال المصري الدائم منذ ذلك الحين إلى الشلال الثاني ، والتي وضعت تحت سلطة قضائية يقوم بها إداري خاص هو نائب الملك في كوش Kouch ، وبذلك اهتم باستخراج الذهب المحلي بطريقة منتظمة . وشملت جهود وأعمال أمنحتب الأول بداخل مصر على وجه الخصوص المدن التي كانت قد شاركت في الإئتلاف الذي كونه الفراعنة الطيبييون ، وبوجه خاص مدينة الكاب El-Kab حيث قام بتشييد أحد المعابد بها . وفي معبد الكرنك قام ببناء مقصورة من المرمر كاستراحة للقارب المقدس . كما حرص أمنحتب الأول بوجه عام على إنعاش الثقافة ، ففي خلال حكمه يستطيع المرء أن يتتبع تصفية الإرث الذي تركته فترة الانتقال الثانية تصفية تدريجية والعودة بالفن والنصوص الهيرغلوفية إلى الأساليب التقليدية المستوحاة من الدولة الوسطى .

كما أعطى أمنحتب الأول دفعة قوية لسياسة جرد الأعمال القديمة ونسخها ، تلك السياسة التي واصلها خلفاؤه من بعده وبصفة خاصة الملك تحتمس الثالث. ولم يتردد في الإبداع والتجديد ، فعمل للمرة الأولى على فصل المقبرة الملكية عن المعبد الجنائزي ، وأسس الهيئة المكلفة بحفر وزخرفة هذه المقبرة . ولهذا اعتبر راعيا مقدسا لعمال دير المدينة الذين أقاموا بجوار منشآته أو تماثيله أماكن عبادة حيث كانت تتم استشارة الوحي الإلهي. وبالاضافة الى ذلك أصبح الشهرالسابع في التقويم المصرى يسمى " الذي من أمنحتب" منذ الدولة الحديثة ، نسبة إلى عيد أمنحتب الأول المؤله . كما ارتبط في أغلب طقوس عبادته بعد مماته ارتباطا وثيقا بأمه الملكة "أحمس نفرتاري" التي كانت تعد هي الأخرى بمثابة مؤسسة لممارسات دينية جديدة .

أمنحتب الثاني Amenophis

(1426 - 1401 ق.م - الأسرة الثامنة عشرة)

كان أمنحتب الثاني هو سابع فراعنة الأسرة الثامنة عشرة (بما فيهم حتشبسوت Merytre - Hatchepsout، شغل الحكم لمدة ثمانية وعشرين عاما (1428- 1401 ق.م) ، وشارك أباه في الحكم ثلاث سنوات منها . ومنذ بداية حكمه كفرعون بمفرده ، اضطر للدفاع عن هيمنة مصر على بلاد المشرق التي كان تحتمس الثالث قد دعم أسسها تدعيما عظيما . فقام في العام السابع من حكمه بغزوة ضد تكتل زعماء منطقة "تاخسي Takhsi" (المنقطة الواقعة بين نهر الأورنت ونهر الفرات) و قتل سبعة منهم بنفسه ، وعلق جثثهم على أسوار مدينتي طيبة ، ونباتا . وبالرغم من ذلك ليس من المؤكد أنه أحرز انتصارا ، بل إن غالب الظن أن مصر قد أرغمت على التخلي عن بعض الأراضي لحلفاء ميتاني Mitanni ، وفي العام التاسع من حكم أمنحتب الثاني قام بغزوة أخرى جهة شمال الكرمل Camel أسفرت عن نتائج أفضل ، فسارعت كل من ميتاني وبابل والإمبراطورية الحبشية بإرسال رسلهم لعقد معاهدة سلام معه .

قام أمنحتب الثاني بإتمام الأعمال التي كان أبوه قد بدأتها في معبد عمدا Amada بالنوبة ، وواصل زخرفة معابد طيبة وتجميلها وكذل المنطقة المحيطة بها دون أن يحمل باقي البلاد . وأنشأ معبده الجنائزي جنوب المعبد الجنائزي لتحتمس الثالث ، وقد عثر على موميائه في مقبرته بوادي الملوك والتي زخرفت زخرفة بسيطة .

ومع حكم أمنحتب الثاني تم نوع من التغيير العميق : ففي الوقت الذي حاول فيه كل من حتشبسوت وتحتمس الثالث أن يتضمن الفن والثقافة نوعا من الأساليب التقليدية الحديثة المستوحاة إلى أبعد حد من الدولة الوسطى ، نجد أن الأفكار الإيديولوجية بداية من عصره قد انفتحت على روح العصر مراعية في ذل كل ما يتضمنه من استحداث وابتكار . وقد أدت سياسة مصر التوسعية بالمشرق إلى انفتاحها على الحضارة الآسيوية . وأدخل على الأسلوب المصري فثي الكتابات الملكية عدة استعارات ومجازات متضمنا بعض المعبودات الآسيوية ، وظهرت العبادات النموذجية لوصف الملامح الجسدية للفرعون . وكان أمنحتب الثاني شغوفا بالجياد التي كان يروضها بنفسه ويطوعها في براعة ومهارة ، كما كانت تخترف ألواحا سميكة من النحاس . وخلف المقدرة البلاغية الواضحة في مثل هذه الآيات تتجلى لانا عقلية أصيلة : فلم يكن الفرعون يختار معظم كبار رجالات الدولة من ضمن السلالات ذات السلطة والسيادة ، بل كان يختارهم من بين رفاق الشباب أو رفاق السلاح .

أمنحتب الثالث Amenophis III

(1391 - 1353 ق.م - الأسرة الثامنة عشرة)

كان أمنحتب الثالث هو تاسع فراعنة الأسرة الثامنة عشرة ، وابنا للملك تحتمس الرابع والملكة موت مويا Moutemouia" ، جلس على العرش مدة ثمانية وثلاثين عاما وسبعة أشهر (1391 - 1353 ق.م) . كانت للملكة تي Tiyi ، زوجته الرئيسية التي أشركها معه مشاركة وثيقة في كافة مظاهر حكمه الرسمية ، تاثير على مجرى الأحداث وعلى وجه الخصوص عندما أضعف المرض من مقدرة الفرعون في أيامه الأخيرة . أنجبت هذه الملكة لأمنحتب الثالث ولدين ، أحدهما الفرعون المرتقب أمنحتب الرابع (أخناتون) ، كما أنجبت له كذلك أربعة بنات ، من بينهن "ساتآمون Satamon" التي باشرت المهام الشعائرية كملكة . ولايعني هذا أن الملك أمنحتب الثالث كان قد تزوج منها فعلا ، كما يدعى البعض ، لميلهم إلى اللغو والإثارة والمبالغة .

إن الإنجازات العظيمة التي تمت في عصره تكفي بمفردها لإثارة الدهشة والإعجاب دون الحاجة إلى إضافة شيء آخر . وفي الواقع إذا كان هناك فرعون قريب الشبه من صورة العاهل الشرقي الأصيل فهو أمنحتب الثالث ، وذلك بسبب ميله الواضح إلى الرفاهية والفخامة والتباهي والأبهة بل ربما أيضا إلى الدعة والراحة . فقد ولى عهد الغزوات الحربية الكبرى . لقد قام أمنحتب الثالث في الواقع بغزوة قمعية حوالي العام الخامس ببلاد النوبة في أنحاء الشلال الرابع ، لكنه فضل أن يوطد دعائم السيادة المصرية في آسيا بالأساليب الدبلوماسية ، لذلك عمل بصفة دائمة على تقوية وتوثيق أواصر الصداقة مع مملكة ميتاني أكبر القوى العظمى في ذلك الحين ، وتزوج في العام العاشر من جيلوخيبا Giloukhepa ابنة "شوتارنا Choutarna" ، ملك ميتاني . وبعد فترة طويلة تزوج أخت "توشراتا Touchratta" وهو ملك آخر لهذه البلاد ، ثم أخت ملك بابل وعاد وتزوج ابنتي الملكين السابقين ، ثم ابنة ملك "أرزاوا Arzawa " . ولإظهار الرغبة في تأكيد العلاقات الطيبة أرسل "توشراتا" إلى الملك أمنحتب الثالث الذي كان يعاني من المرض بتمثار عشتار Ichtar ربة نينوي Ninive، تلك الإلهة التي اشتهرت بمقدرتها على منح الشفاء . ولكن لكل دبلوماسية حدودها ، فهذه الدبلوماسية لم تمنع ملك "أمورو Amourrou" من تكوين تحالف بين الولايات الصغيرة التي أصرت على الانسلاخ عن التبعية المصرية .

ولم يحدث هذا التدهور في الأمور إلا في أواخر عهده ، ذلك العهد الذي بلغت فيه مصر أوج نفوذها وثرائها بفضل تدفق ذهب النوبة عليها ، بالإضافة إلى الكميات الهائلة من المواد الأولية والمنتجات المصنعة الآتية من البقاع الواقعة بدرجة أو بأخرى تحت سيادة الفرعون . ومع هذه الخيرات الوفيرة جاءت أيضا الأفكار والعادات والمعتقدات ، وكذلك أهل تلك الأقطار . لذلك أصبح المجتمع المصري يضم أجناسا مختلفة بصورة واضحة ، كما شهد تغيرا واضحا في النمط والأسلوب بدأت تتضح أولى معالمه منذ عهد أمنحتب الثاني ، وكان الفن بمثابة مثال باهر لذلك ، فلم يتم التخلي مطلقا عن المفاهيم والتقاليد القديمة ، ولكن صار الجمود الصارم يتجه نحو الرقة والنعومة والحساسية ، ومن ذا الذي لم يتأمل في إعجاب وانبهار نقوش مقبرتي "رعموزا ، وخغ إم حات" ؟ وتغيرت في هذا العصر أنماط الملابس والزينة ، وانفتحت الكتابة الهيروغليفية أكثر فأكثر على اللغة المحلية التي كانت حتى ذلك الحين وسيلة الكتابة السريعة الموجزة . وتطورت الديانة المصرية هي الأخرى ، ليس فقط من جهة الترحيب الواسع بالمعبودات الأجنبية ، بل ايضا من حيث اتجاهها نحو مفهوم أكثر واقعية في مجال العبادة الشمسية : إذ أصبح قرص الشمس نفسه المسمى "بآتون Aton" هو محور العبادة ، ومن المعروف إلى أي مدى طور "أخناتون هذا الاتجاه ونماه .

وكان حكم أمنحتب الثالث على نفس مستوى التطور الحضاري السائد . فقد تميز سلوك الفرعون بكل تأكيد بالأبهة والفخامة ، لكنه ارتفع إلى أسمى مستوى بروعة منصبه ، ولاعتقاده أن كل عمل من أعماله يستحق حملة إعلامية أقوى وأوسع من التي كانت تسمح بها الوسائل التقليدية ، لذلك قام بنشر سلسلة من الجعارين في جميع أنحاء المملكة لتريد إنجازاته والتأكيد عليها . وهكذا تم الاحتفاء بمناسبة زواجه من الملكية "تي" ، وزواجه من جيلوخيبا" ، ورحلاته للصيد في العام الثاني من حكمه عندما قام بصيد الثيران بالصحراء ، كذلك مجموعة الأسود التي صرعها في شبابه والإبحار أيضا فوق حوض الري الشاسع الذي حفره في مسقط راس الملكة "تي" .

أما عن نشاط هذا الملك في مجال التشييد فهو لا يحتاج إلى أي إعلان : مثل إقامة سلسلة من المعابد في بلاد النوبة ، ومعبد صولب Soleb الذي تخلد نقوشه ذكرى اليوبيل الملكي . بالإضافة إلى ما قام به الملك من تحويل مقصورة صغيرة بالأقصر إلى معبد ذي أعمدة رشيقة شاهقة الارتفاع ، يعبر حتى الآن عن عظمة تلك العصر . وأيضا إنشاء العديد من الأبنية وإصلاح وترميم وتوسيع العديد من المعابد المصرية . وقد أقام أمنحتب قصره في الملقطة Malgatta جنوب مدينة هابو ، وحفر أمامه بحيرة صناعية (بركة هابو) بلغت مساحتها حوالي 988 مترا في 2500 متر . ولا يستطيع السياح الآن مشاهدة شيء من معبده الجنائزي سوى تمثالي ممنون Memnon العملاقين اللذين لم يبق غيرهما . ومما هو جدير بالذكر أن أحد هذين التمثالين كان في أوائل العصر الروماني يصدر صوتا عند شروق الشمس ، لكن سرعان ما تلاشت هذه الظاهرة بعد حدوث زلزال . وقد نحتت مقبرة أمنحتب الثالث في أحد السراديب بوادي الملوك ، ورسمت زخارفها فوق طبقة جصية وهي في حالة سيئة حاليا ، ولم يتم حتى الآن التأكد من حقيقة موميائه.

أمنحتب الرابع المعروف بأخناتون Amenophis IV, alias Akhenaton

(1353 - 1336 ق.م - الأسرة الثامنة عشرة)

يرى معظم المتخصصين في علم التأريخ أن الافتراض الذي ساد لوقت طويل ، والذي يعني أن حكم "أمنحتب الثالث" المفرط في البذخ والفخامة والتقاليد الموروثة ، قد عاصر أكثر من أحد عشر عاما من حكم ابنه "أمنحتب الرابع" الذي لا يقل عنه فخامة وبذخا ، وإن كان يقل عنه في التقاليد الموروثة . ويرتكز هذا الإفتراض على معطيات وهمية . بل هو يجعلنا نتخيل على النقيض من العديد من الأحداث والحقائق أنه كان هناك وضع مذهل : ملكان من المفروض أنهما مرتبطان بصداقة وثيقة يعيشان في عالمين متوازيين (بلاطان ملكيان ، وإدارتان وديانتان متعارضتان تسيطران على مملكة واحدة ، وفي ات الوقت تتجاهلان بعضهما بعضا) ، وفي الحقيقة حدث انفصال هائل خلال فترة انتقال الحكم . فعند ارتقاء الملك أمنحتب الرابع الحكم سلك مسلك الأنبياء ، معلنا عن إلهه الأوحد "رع حور آخت" الذي يهتز مرحا في الأفق - في اسمه شو Chou (ألنور) الكائن في قرص الشمس (آتون Aton)" وقد دونت تلك العبارة المستحدثة داخل خرطوش مزدوج لنشر الرسالة الخاصة بسيادة الشمس وبكتل صغيرة متوازنة الحجم (المسماه بالتلاتات Talatates) أقيمت على وجه السرعة معابد فسيحة الأرجاء للدين الجديد بالكرنك ، معقل عبادة الإله آمون ملك الآلهة والرب الأول للإمبراطورية . وظلت العبادات الخاصة بالأقاليم قائمة كما هي ، والتي كان الملك يرعاها اسميا ، لكنها كلفت بتقديم القرابين للمعبد الجديد .

وفي العام الرابع ، انتحل هذا الملك اسم "أخناتون" (المفيد لقرص الشمس) ، وأعد في مصر الوسطى بمنطقة بكر - لم يشيد بها أحد معبدا من قبل - مساحة مترامية الأطراف عرفت باسم "أفق آتون" (آخت آتون Akhet - Aton) أنشأ فوقها مدينة فسيحة هي مدينة العمارنة انتقل إليها في العام السادس هو وأمه الملكة "تي" وزوجته "نفرتيتي" وبناته وبلاط قصره ثم حكومته . وأقيمت كذلك معابد "لآتون" في مدن مختلفة (مثل سدينجا Sedeinga بالسودان وجوروب ، ومنف وهليوبوليس) .

وكانت الأناشيد التي دونت على جدران مقابر وزراء العمارنة تتعبد في "آتون" المحرك لعالم الطبيعة ، الذي لايقف أمامه حائل والموزع لعنصري النور والهواء ، وهو الحامي والراعي لكل الكائنات الحية . إنها نبع فكري رقيق ، صيغ في أسلوب بارع ، ولكنه يميل كثيرا إلى اللغة الشعبية الدارجة ، ويتغنى بالحياة في أنغام كلها تفاؤل . والكون العمارني يفيض بالأمن والجمال ، والعبادة التي يؤديها المؤمنون لاتضم مع آتون سوى شخص الملك وزوجته : ففيهما تكتمل قداسة القرص ، وهما الصورة البشرية للكائن السماوي الذي يتكون من الأب والأم المندمجين معا .

وتجسد هذه الأسرة الروحانية والنموذجية الإله الأوحد على الأرض . كما كانت المعابد والمقابر تحفل بصوره أثناء ظهوره على الملأ ، أو في داخل قصره بصحبة بناته وهو يتنفس ، ويأكل ويروح ويغدو ، ويلعب ، ويقدم القرابين ، وهو يتعبد واقفا تحت أشعة الشمس الهائلة التي تنير الحياة بأذرعتها . وكانت الأعياد التي تقام تمجيدا لهذا الثالوث بمثابة مناسبة عامة للمناظر والتركيبات الكبيرة التي تصف الأعياد الأساسية والقرابين الموضوعة داخل المعابد الغير مسقوفة ، وزيارات المقاصير ، وتلقي الجزية ، ومكافأة الوزراء ، وحماسة وحمية المخلصين ، وكافة أنشطة الراعايا ، وكلها عبارة عن تعبير خطي حي ، يختلج بالحياة ، ويتلون ويتنوع من خلال تفاصيل رائعة . وقد خلت منازل العمارنة إلا مما يمثل هذا الثالوث الإلهي : الشمس والملك والملكة . وكنوع من الابتكار الفني الجديد أو كتجسيم رمزي لتشوه ما في خلقة الملك ، كان هو وزوجته يبدوان في النقوش البارزة كما في الرسوم بوجه ممتد مستطيل ، فوق جسم مخنث . وقد عمم هذا النمط الغريب من نوعه لتصوير أي شخص . وفي البداية تميز الفن بالمغالاة لدرجة تجرح الإحساس وتتناقض مع قواعد علم الجمال التي كانت سائدة خلال الحكم السابق (مثل تماثيل الكرنك العملاقة) ، لكنه عولج بشكل متحفظ في حذق ومهارة بالعمارنة (مثل التماثيل النصفية للملكة نفرتيتي) .

وقد تطورت العقيدة الدينية . وكعلامة للتطهر الللاهوتي ، تغير اللقب الإلهي إلى "الشمس موطن الإله ، تموج في السعادة في الأفق ، في اسمها الشمس الأب (أو النورانية) التي تنبع من "آتون" ثم جاءت اللحظة التي انمحت فيها تماما من المعابد القديمة أسماء وصور "آمون" الكائن الأسمى السابق ، الذي كان مايزال حيا في قلوب الرعايا . وأخذت بوادر الرقابة تلاحق ألقاب المعبودات الأخرى وكذا كلمة "الإله" في صيغة الجمع . وهنا استلزم الأمر الإطاحة بكل العلامات والإشارات المضللة الخاصة بكل ما هو غير موجود .

ونعرف من خلال عدد قليل من الوثائق أن أخناتون قد اتخذ إلى جانب الملكة نفرتيتي زوجة ثانوية تدعى "كيا Kiya" ( قد تكون هي أم توت عنخ آمون) .لكن لا يعتقد أبدا أن خلافا ما قد فرق بين الزوجين اللاهوتين . فعندما اختفت نفرتيتي في حوالي العام الرابع عشر ، احتلت مكانتها بصفة شكلية "مريت آتون Merytaton " كبرى بناتها الست اللاتي أنجبتهن للفرعون ، ومن بعدها ظهرت ثالثتهن المدعوة "عنخ إس إن با آتون Ankhesenpaton" في المناسبات الدينية . وقد توفي الملك أخناتون في العام الثامن عشر من حكمه ، ولقد عثرنا على مدفنه العائلي الذي كان قد أمر بنحته في قلب جبل العمارنة ، في حالة سيئة بعد سلبه ونهبه وتخربيه ، كما دمرت خراطيش أخناتون وصوره وتماثيله أينما وجدت خلال الفترة التالي لحكمه . كما هدمت معابد آتون واستخدمت أحجارها في حشو المنشآت الجديدة . وبمرور الوقت أعيد لآمون مجده فتم إصلاح وتجديد أسماؤه وأشكاله على الجدران ، وعادت كلمة "آتون" من جديد إلى ما كانت عليه كوصف ومعنى للجزء المرئي من الشمس والقمر . واستعاد الإله والآلهة طقوسهم وأهميتهم .

ويعد الملك الذي أسكره حب الخالق أفضل الفراعنة في أيامنا هذه ، وبطلا يستحوذ على تعاطفنا ، وبتكرا متقد الذهن لديانة التوحيد المبتكرة ، كما يمتاز بعقلية تقدمية تبسط الحقائق ، وله الكثير من التعبيرات التشكيلية والأدبية المبتكرة . ومن الأمور التي استحدثها هذا الملك العبقري فكرة الانبثاق المفاجئ للأنا أو الذات (ego) . ومما لاشك فيه أن انجازاته العابرة قد تحررت من الطابع التقليدي والغمض بالنسبة لنا والذي كان السمة الغالبة على ما سبقه وما خلفه من قرون . والذي كان يطلق عليه في عصر رمسيس الثاني لقب "العدو في أخيتاتون" لم يكن على الأقل في وقته نبيا غير مفهوم ، أو سيدا سلبيا . بل استطاعت بعض القصص أن تجعل منه مصلحا يحارب الشرك المظلم ، وداعية للسلام ذا مرام وأهداف توحيدية ، ومناضلا شعبيا للكهنة يحارب طغيان آمون وخدم معابده ، وكلها صور كذبتها واستنكرتها المصادر ، تنطوي على أغلاط تاريخية من الناحية النظرية . كما أن المصادر لا تسمح بجماعة الضغط الطيبية . ولا تسمح كذلك بأن تحدد مجموعة الضغوط العسكرية التي اعتمدت عليها هذه الثورة . ومن ملف أحواله الخاص ، تطالعنا صورة شخصية مستبدة ، كأي فرعون آخر مطلق السلطة متحرر من العروض العامة لأمته . ولا شك أن الحساسية المرهفة والنوايا الحسنة كانت تعتمل بداخله . وكان هذا الغرفون يتمتع أصلا بسلطته دون أي منازع لدرجة أن مكنته من أن يقترح على كافة أنحاء هذه الدولة – وربما يفرض أيضا عليها ديانة ومعتقدات ، أو حكمة خاصة به هو نتج عنها تغيير جذري للطقوس واللغة الجوهرية ، والفنون التشكيلية (كل ذلك دون المساس بالمؤسسات الإدارية مثل المكاتب الحكومية ، والجيش ، والشرطة التي عهد بإدارتها لأتباعه البارزين .

كان للملك السلطة ألإلهية – حتى ذلك الحين – للعناية بالآلهة والآلهات المتأصلين في الأرض والقائمين في أعماق البشر كذلك ، وبصفته الإداري القائم بأمر ديانة ما ، قد تغيرت وتبدلت مظاهرها وممارساتها رويدا على مر الأزمنة وفقا لمنطق عام ، وأصبحت كواقع متطابق مع بداية الخلق والحكمة المتأصلة . ولا يعني كل هذا أن الفرد العادي كان لا يستطيع أن يبتهل لهذه الآلهة بعبارات كلها ثقة ومودة . ولا يعني أنيضا أن الكهنة المحترفين المكلفين بتفسير الألوهية ، لم يتسائلوا عن خصائص الآلهة ، وعن وظائفهم المعنوية ، وعن طريقة خلق هذا العالم العتيق بأسمائه وهيئاته والذي يسيطر على التحياة الدنيا والعالم الآخر ... ولقد أقر جميع سادة طيبة ومن ورائهم مصر بأكملها أن "آمون رع Amon- Re" إله طيبة هو صانع التوسع الإستعماري ، كما أقروا بمعجزة إدارته الإلهية طوال مجرى التاريخ الأسري . وبذا كانت السلطة الدنيوية القوية والكيان الكهنوتي المتسع يعبران عن امتنانها للإله "آمون رع" تأكيدا لسيادته . وقام رجال الدين بطيبة بتنمية شخصية الإله "آمون رع" بما كانوا يقدمونه من شرح وتوضيح استدلالي ومنطقي لوظائف خلق الون وشرعيته في سيادة مجمع الآلهة . فهم قد جسموا "آمون رع" كنموذج موحد وشامل للآلهة ، وقل الاتجاه إلى لاتخيل الميثولوجي ، وظهر تصور جديد يرتكز على الشمس وحدها . ويصف التاثير المباشر لمدارها البعيد ، ولم تلجأ هذه الديانة الجديدة إلى محو أو استبعاد الآلهة والإلهات الآخرين ، الذي ظل وجودهم منسجما ومتناغما مع وجود الخالق الأعظم من ناحية التدرج والتسلسل ، أو التماثل في أسمائهم المتنوعة ، وتماثيلهم وأساطيرهم وأماكن عبادتهم وكانت المميزات التي منحتها الأسرة الثامنة عشرة للإله آمون لا تمس المعبودات الأخرى بضرر : فقد قام الملك أمنحتب الثالث بتبجيل وتكريم "مجمع الآلهة Pangheonالذي كان يضم جميع آلهة وآلهات مصر خلال الإحتفالات التي كان يقيمها لعيده اليوبيلي طوال السنوات التسع السابقة لموته . وفي نطاق هذه الثقافة أو العبادة المتعددة الآلهة حيث عدت كل الأنماط الموجودة سواء المرفوضة منها أو المقبولة أمرا طبيعيا ، لم يكن مفروضا على الملك في ذلك الوقت فرض عقيدة معينة . لذلك فليس من المعقول تماما إطلاق عبارة "الرجوع إلى المذهب التقليدي القديم أي الأرثوذكسية" عند الإشارة إلى موضوع تصفية عقيدة العمارنة ، فإأن ديانة التوحيد التي نادى بها الملك "أمنحتب الرابع" كانت عبارة عتن رفض عقائدي شامل ومتعصب لكافة الديانات سواء الوحدانية أو التعددية التي كان يدين بها معاصروه.

ولا شك أن التمهيدات التي سبقت عقيدة "آتون" يصعب التعرف عليها من خلال الوثائق ، فلا نرى هناك أي تأثيرات فكرية واردة من الخارج ، بل بالعكس ، فإن كلا من هيكل التكوين الديني ، واحتكار الفرعون لمجال إقامة الشعائر ، وعناصر وقواعد الأساليب الرمزية ، وأشكال الطقوس الدينية وأيضا الموضوعات الخاصة بمدح الذات الإلهية – وخاصة الفكرة التي توضح أن جميع الأجناس من خلق هذا الرب – وكذلك التبعير العقائدي المطمئن تنبع جميعها من أعماق الثقافة المصرية العامة في ذلك الوقت . ونستطيع أن نتبين علامات ظهور قرص الشمس حديثا كمعبود ملكي ، عندما انتحل الملك أمنحتب الثالث لقب "آتون المتألق" ، وهو الاسم الذي كان قد أطلقه على قصر المشيد بطيبة ، وعلى قاربه الكبير الخاص بالإحتفالات ، وعلى أحد فيالق جيشه . حقيقة أن التفكير الكهنوتي قد أفضى إلى وجدانية الإله ، لكنه لم يترجمها إلى عبارات متناقضة . وجميع من صاغوا هذا التفكير كانوا من بين المفكرين بهليوبوليس ، الذين ألقوا جانبا كافة الصيغ والعبارات المتنوعة والأساطير والطقوس الت يكان يستعان بها في البحث عن السر الإلهي المقدس . ولم يحتفظوا كحقيقة للخالق إلا بالقرص ذي الهواء المضيء المسمى (شو Chou) الذي يسهل إدراكه ، بعيدا عن المراوغة والكلام التخيلي القديم المتوارث . وفي الواقع فقد سمي أمنحتب الراب إلهه "رع حور آختي Re-Horakhty" واعتبره أحد مظاهر نصب "البنبن benben" والثور "منيفيس Mnevis" . كما خلع على الكاهن الأعظم لقب "المشاهد الأعظم" ، وكانت هذه الإقتباسات الأربعة خاصة بتقاليد هيلوبوليس . وينسب إلى نبوغ الملك وعبقريته صفة "الثالوث المقدس" وذلك حين كان الزوجان الملكيان يتقاسمان المقدس الورع المتفائل . لذا فقد تركزت تعاليم أخناتون على نشر مفاهيم بعض المفكرين في هيئة ديانة مطلقة ، وقام هو نفسه بتطوير هذه المفاهيم . كما قام الفنانون والكتبة الذين لقنوا تلك التعاليم بوضعها موضع التنفيذ . ولا يوجد ما يدل على أن استبداد أخناتون وطغيانه قد تولد عنه حركات تمرد وعصيان صريح . كما أن السرعة التي عاد بها النظام إلى حالته الطبيعية ، دون نشوب أية حروب أهلية مدمرة تجعلنا نعتقد أن هذه "البدعة الدينية" لم تسحر ألباب الكوادر المثقفة أو عامة الشعب ، فالأسماء المتضمنة لأسماء الآلهة ، والتي تسمى بها الفلاحون لم يطرأ عليها أي تغيير وتدلنا التماثيل الصغيرة التي عثر عليها في مساكن العمارنة على استمرار العادات الخاصة بتعدد الديانات بشكل مألوف . وكانتالملكة الأم "تي" تتحدث عن زوجها الملك المتوفي قائلة "أوزيريس – أمنحتب" كما نجد أحد كبار سادة الأقاليم يبتهل على جدران مقبرته كل من "آتون الأوحد" ، "أوزيريس سكر Osiris-Sokar" ، و "خنوم Khonoum" . ولم ينجح منطق هذه العقيدة بالرغم من ارتكازه على أجهزة الدولة وإرادة الفرعون المتوقدة ، لم ينجح في الوقوف أمام الإيمان ولا أمام الديانة السمحة التي كان كل إنسان بسيط وكل عالم يجد فيها بغيته نفسيا وماديا كما أن وثائق العمارنة لا تشير إلا لمصادر القصور والأماكن المقدسة . ومن الصعب إدراك السر في أن الثورة الدينية لم تقلل من دنيوية المعابد التقليدية . وقد لاحظ المرممون فيما بعد افتقار المعابد إلى الممتلكات أو الخدم القائمين بأمرها . ومع ذلك فإن سبعة عشرعاما من الهذيان الديني مرت دون أن تنال من الرخاء الداخلي .

وإذا كانت النصوص التي تتناول الموضوعات الدينية لم تشر إلى المنازعات الدولية التي لا مفر منه ، فإن هناك بعض الموضوعات المصورة قد حفظت لنا حفظا تاما ، تبين أن الملك الرسول لم يقم مطلقا حتى من الناحية النظرية بوظيفته الحربية التقليدية التي يجب على الفرعون بمقتضاها أن يصد الشعوب الأجنبية ويخضعها . وفي منتصف فترة حكمه قام نائب الملك في كوش بقمع إحدى حركات التمرد النوبي قمعا قاسيا – كالمعتاد . ولم تكن مصر المنتصرة تميل إلى شن الغزوات على آسيا خلال حكم أمنحتب الثالث بالرغم من المطامع والميول التوسعية من جانب الجيشين والميتانيين ن وبالرغم أيضا من المؤامرات التي كان يحبكها بعض صغار الملوك التابعين لمصر وتكشف لنا الوثائق الدبلوماسية التي عثر عليها بالعمارنة ، والمصادر الحبشية ، أن الأوضاع كانت متدهورة للغاية عند ارتقاء الملك أمنحتب الرابع العرش ، ولم يستطع كبار القادة المشكوك في أمورهم ، والعمليات الحربية المحدودة للغاية التي قامت بها فرق الجيش المصرية أن تحمي "جبيل" الوفية المخلصة لمصر من مطامع الأسرة "الأسرة الأمورية" ، بل لم تستطع أن تمنع "خاتي Khati" من دحر الحليف الميتاني ، ومن ضم سوريا ، أو قمع ثورات الفرق غير النظامية في فلسطين. وتبرير هذا العجز بأن الفرعون كان متقوقعا داخل صومعته الخيالية المثالية ، ولا يهتم شخصيا بأمر الدفاع المسلح وبالألاعيب الدبلوماسية ، إنما هو تبرير تافه .

أمنحتب بن حابو Amenhotep, fils de Hapou

ولد في عهد الملك تحتمس الثالث، وتوفي وهو يناهز الثمانين عاما في العام الواحد والثلاثين من حكم الملك أمنحتب الثالث . لقي هذا القروى ابن أحد الكتبة البسطاء من أتريب Athribis (في وسط الدلتا) أعظم مصير يمكن أن يصير إليه أي مواطن بسيط في مصر الفرعونية ، وذلك بفضل موهبته وكفاءته ورضا الملك عنه . وفي الواقع استطاع الملك أمنحتب الثالث أن يكتشف مواهبه وألحقه لديه ككاتب ملكي جعله في البداية مختصا بالكتابات الدينية ، ثم عينه بعد ذلك كاتبا ملكيا للمجندين الجدد ، وكان على أمنحتب أن يدير شئون العاملين التابعين لمختلف مؤسسات الدولة . وعهد إليه كذلك بتنظيم ما يطرأ من تغيرات على اللوائح الخاصة بعبيد الدائرة الملكية الذين نقلوا نهائيا إلى أملاك الإله آمون. وكان عليه أيضا أن يعمل على ملاحظة معيشة وتحركات الفرق التي تقوم بمراقبة ساحل الدلتا ، أو الهضاب الواقعة بالصحراء الشرقية والغربية ، وأن يجند وينظم حملة عسكرية ، لإخماد الفتن بالنوبة .

أعجب الفرعون إعجابا كبيرا بخدماته ، لذا أوكل إليه مهمة عسيرة للغاية وهي أن يتولى بصفته "مديرا لكل الأعمال" الإشراف على عمليات الإنشاء العديدة القائمة بطيبة . وبذا قام أمنحتب بنقل تمثالي ممنون بعد قطع أحجارهما من هليوبوليس ، وكذلك التمثال الضخم للصرح العاشر في معبد الكرنك . كوفئ أمنحتب على خدماته العظيمة والمخلصة أعظم مكافأة : فلقد خصص له الفرعون تماثيل عديدة بالمعبد استطاع أن يحتل بها مكانته كوسيط وشفيع بين الزائرين والآلهة . وأوكل إليه الفرعون أيضا مهمة إدارة أملاك إحدى كريماته المدعوة "ساتآمون Satamo" كما عهد كإليه بتنظيم يوبيله، بل سمح له بأن يقوم بدور رئيسي في الإحتفالات الدينية . وأخيرا ، أعطى أمنحتب الحق في تشييد معبد جنائزي لنفسه بجوار المعبد الجنائزي للملك يتمتع القائمون عليه بمميزات وحصانة ظلت سارية بعد الدولة الحديثة . وفضلا عن ذلك كوفئ لكي يحصل على دخل خاص بشغل وظيفة "مدير أنبياء خنتي خيتي Khentykhety" إله أتريب ، مسقط رأسه.

ولا شك أن مقبرة أمنحتب كانت تضاهي مقابر معاصريه أمثال "رعموزا Ramose" أو "خع إم حات Khaemhat" وإن كانت لم تكتشف بعد ، وتحديد مكانها مازال صعبا للغاية . وعلى أية حال فمن المؤكد أنها تعرضت للسلب والنهب والتدمير الفادح كما توضحه لنا بقاياها المحفوظة في المتاحف أو المجموعات الخاصة .

ومن المؤكد أن أعمال أمنحتب الرائعة قد حققت له تخليدا عبر الأجيال اللاحقة، ليس بصفته شفيعا أو راعيا مقدسا وإنما كمعبود . فهو يعد ابنا للإله "أبيس Apis" (لتشابه هذا مع اسم أبيه حابو) ، وارتبط أمنحتب مع الإله "إيمحتب" الذي كان بشرا مثله وآلهة المصريون لذلك شيدت من أجله المقاصير والهياكل ، وتدافعت إليها حتى العصر البطلمي جماعات المبتهلين الذين كانوا يزورونها لإيجاد حل لمشاكلهم أو الشفاء من أمراضهم بحوار وسيطه. ولقد طابق الإغريق أمنحتب مع أسكلبيوس Asclepios.

أمنمحات Ammenemes, ou Amenmhat

(الأسرتان الثانية عشرة والثالثة عشرة) حمل هذا الاسم الذي يعني "آمون في المقدمة" العديد من فراعنة الأسرتين الثانية عشرة والثالثة عشرة .

الأسرة الثانية عشرة

أمنمحات الأول (1991 – 1962 ق.م)

هو مؤسس الأسرة الثانية عشرة وأول ملوكها ، وكان يعمل من قبل وزيرا "لمنتوحتب الرابع" آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة ، الذي اتصف حكمه بكثرة القلائل والاضطرابات لدرجة أن علماء المصريات لم يتمكنوا من التعرف على ملامحه تماما . فهل كانت تلك القلاقل والاضطرابات سببا أم نتيجة لمحاولة التغيير الأسري؟ على أية حال عندما اعتلى أمنمحات الأول العرش، وسطر بوضوح معالم عهد جديد ، جعل العاصمة في اللشت Licht ( واسمها بالمصرية القديمة "إثت تاوي Itchtaouy أي "القابضة على الأرضين") في جنوب السهل المنفي (نسبة إلى منف) . كما عمل جاهدا على إعادة استتباب الأمن والنظام اللذين تدهوروا بسبب الحرب الأهلية ، وعمد إلى اتباع أسلوب تقسيم الأراضي الزراعية التقليدية ، كما ساعد على زيادة أعداد الموظفين الإداريين ، لذلك أوصى بكتابة النص المعنون "بالمجمل" (ويعني باللغة المصرية القديمة كميت Kemyt) وهو تجميع لعدد من الإرشادات. وأوصى أمنمحات الأول كذلك بكتابة "نصائح خيتي" وهي نقد لاذع قاتم اللون إلى أبعد درجة يصف الأحوال الخاصة للمهن المختلفة باستثناء مهنة الكاتب . ولقد حرص "أمنمحات الأول" على تحصين الحدود عن طريق شن العديد من الحملات على النوبة ، وليبيا ، وفلسطين ، وقيامه بصفة خاصة ببناء "حائط الأمير" ، وهو نوع من الحصون المنيعة التي تحمي شرق الدلتا من تسرب الآسيويين .

ومن الواضح أن هذا المجهود الضخم لتصفية الآثارالسيئة بفترة الانتقال الأول لم يصل إلى هدفه المنشود ، فقد لوحظ مثلا تمسك حكام مصر الوسطى بالتقاليد الأرستقراطية والنزعة الإقليمية التي كانت سببا في انهيار الدولة القديمة . كما أ، شرعة تلك الأسرة الجديدة كانت شرعية واهية ، فقد بذل الفرعون بكل تأكيد قصارى جهده لتقوية دعائمها موحيا ببعض الأعمال الدعائية مثل النص المعنون به "نبوءة نفرتي La Prophetie de Neferty" التي تدور فكرته حول أنه في العصر الذهبي لحكم الملك الطيب الخير "سنفرو Snefrou" تنبأ أحد المنجمين بأن مصر سوف تنجو من فترة يسودها الضياع والتخبط بفضل منقذ يأتي من الجنوب ، ويدعى "أمني Ameny" ، كإشارة ذكية وماكرة إلى تطابق هذا الاسم مع "أمنمحات" ولقد حاول هذا الملك تدعيم أسس الخلافة أيضا فاتخذ من ابنه "سنوسرت الأول" شريكا له منذ العام العشرين من حكمه. ولكن دون جدوى ، فقد اغتيل في العالم الثلاثين من حكمه على إثر إحدى المؤامرات التي دبرت في جنبات الحريم ، ودفن في هرم كان قد شيده في "اللشت Licht" . عندئذ أوصى ابنه سنوسرت الأول بكتابة نص ملفق تحت عنوان "تعاليم أمنمحات الأول" ، وهو عبارة عن وصية سياسية تمجد ما أنجزه من أعمال ، وتمتدح متابعتها من خلال خليفته.

أمنمحات الثاني (1929 – 1895 ق.م)

ثالث ملوك الأسرة الثانية عشرة جلس على العرش ثمانية وثلاثين عاما ، أمضى جزءا منها كشريك في الحكم مع أبيه وسلفه سنوسرت الأول ، وجزءا مع ابنه وخليفته سنوسرت الثاني . أقام هذا الملك علاقات تجارية عديدة مع مراكز التجارة الخارجية مثل بلاد بونت، وفلسطين السورية ، وحتى مع قبرص. ولقد وضع في أساس معبد الطود كنزا من المشغولات المعدنية النفيسة كالذهب والفضة ، صنع بعضها على النمط الإيجي ولقد أضاف أمنمحات الثاني العديد من المنشآت في معبد هرموبوليس (بالأشمونين) ، وشيد هرمه في دهشور جنوب سقارة.

أمنمحات الثالث (1843 – 1796 ق.م)

هو سادس فراعنة الأسرة الثانية عشرة ، وخلال فترة حكمه بلغت هذه الأسرة أوج مجدها ، بل أوجه مجد الدولة الوسطى بوجه عام. فلقد تمكن هذا الفرعون من إحكام سيطرته إلى أبعد مدى على الموارد والقوى الإنتاجية بمصر والبلاد المجاورة لها . وبفضل الإستعدادات التي أقامها سنوسرت الثالث بالنوبة انتظمت حركة التجارة مع الجنوب . أما في الشمال عند السواحل اللبنانية حول "جبيل Byblos" فلقد نمت وتطورت إمارات كانت تحكمها نخبة مختارة متمصرة إلى أقصى حد ، تقوم بدور الوسيط بين مصر والشرق الأدنى (فلسطين السورية ، وبحر إيجة ) . وبدأت أعداد هائلة من الأيدي العاملية الآسيوية تفد وتستقر في مصر كرها أو طواعية . ولقد تم كذلك استغلال المناجم والمحاجر استغلالا مكثفا ، مثل استخراج أحجار الديوريت من النوبة. والجرانيت من أسوان ، والأحجار الصلبة من وادي الحمامات ، والأحجار الجيرية من طرة، وخاصة الفيروز والنحاس ، من شبه جزيرة سيناء.

ولقد بدا واضحا أن الإصلاح الإداري الذي بدأ في عصر سنوسرت الثالث قد حقق غايته في هذا العصر، ولذلك تعددت الألقاب والوظائف الجديدة ، وظهرت طبقة متوسطة من صغار الموظفين الذين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم معيشة رغدة مكنتهم من تشييد منشآت جنائزية ازدانت جدرانها بالنقوش .

وبفضل إحكام أمنمحات الثالث قبضته على خيرات البلاد والقوى الإنتاجية استطاع أن يقوم بأنشطة إنشائية مكثفة ، فأخضع الأساليب الفنية لخدمة الكلاسيكية الصارمة . وقام بتشييد هرمين : أولهما بدهشور ، وثانيهما بهوارة في الفيوم . وكان المعبد الجنائزي المجاور للهرم الأخيروالمدينة الملحقة يكونان معا مجمعا معقد التركيب ، لدرجة أن الإغريق أطلقوا عليه اسم "اللابيرنث Labyrinthe" . وهناك أطلال أخرى من عهد ذلك الملك يمكن رؤيتها بمنطقة "بياهمو Biahmou" بالفيوم . واستمرت الطقوس الجنائزية لهذا الملك قائمة حتى العصر اليوناني الروماني حيث عبد باسم "لاماريس Lamares" تحريفا لاسمه الثاني "ني ماعت رع Nymaatre" .

أمنمحات الرابع (1799 – 1787 ق.م)

سابع فراعنة ألأسرة الثانية عشرة ، جلس على العرش مدة اثنى عشر عاما ، وشارك عمه وسلفه أمنمحات الثالث الحكم خلال بضع سنين من تلك الفترة . وقام بمتابعة أعماله ، كما عمل على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع آسيا، وتشيد عدة معابد خاصة في الفيوم.

الأسرة الثالثة عشرة

حمل العديد من فراعنة هذه الأسرة اسم أمنمحات – مثل أمنمحات الخامس والسادس والسابع – وإن اتصف حكمهم بقصر المدة ومازالوا غامضين لنا.

أنتفAntef

(الأسرات الحادية عشرة ، والثالثة عشرة ، والسابعة عشرة) حمل اسم أنتف ، مثل اسم منتوحتب، عدد من فراعنة الأسرة الحادية عشرة من جهة ، وآخر فراعنة الدولة الوسطى وفترة الانتقال الثانية من جهة أخرى.

الأسرة الحادية عشرة

لا ريب أن أنتف الأول (واسمه الحوري سهرتاوي Sehertaoury) كان أول الحكام الطيبيين الذي نصب نفسه جهرا كفرعون على البلاد . كما منح لقب فرعون بأثر رجعي لأبيه منتوحتب الأول (ولقد حكما في الفترة 2115 – 2068 ق.م) . ودفن أنتف الأول في العساسيف بالبر الغربي للأقصر.

أما فترة حكم أنتف الثاني الطويلة (واسمه الحوري أواح عنخ Ouahankh) (2115 – 2066 ق.م) فقد تميزت بالحرب مع مملكة "هراكليوبوليس Heracleopolis" . ولقد تقابل جيشاهما في منطقة أبيدوس ، بحيث استولى كل واحد منهما بالتتابع على مدينة "ثنى (طينه) This "ثم فقداها . وأخيرا استطاع أنتف الثاني أن يمد أطراف مملكته جهة الشمال عند حدود مقاطعة "هيبسيليس Hypselis" . وعثر في مقبرته ، التي تعرضت للسلب والنهب خلال الأسرة العشرين ، على لوحة صور عليها وهو بصحبة كلابه التي أطلق عليها أسماء من أصل بربري.

أما أنتف الثالث (واسمه الحوري نختنبتبنفر Nekhtnebtepnefer) ابن أنتف الثاني ، فقد جهد خلال فترة حكمه القصيرة (2066 – 2059 ق.م) في تدعيم المواقع التي احتلها أسلافه.

أواخر الدولة الوسطى وعصر الإنتقال الثاني

وفضلا عن الملك "أنتف الرابع" الخامل الذكر ، والذي حكم خلال الأسرة الثالثة عشرة حمل العديد من فراعنة الأسرة السابعة عشرة اسم "أنتف" وربما كان ذلك تيمنا بملوك الأسرة الحادية عشرة الذين حلوا نفس الاسم ، كما دفنوا بجوار مقابرهم في دراع أبو النجا وكانوا يزمعون إعادة توحيد البلاد انطلاقا من طيبة .

أنتف الخامس (واسمه الثاني نوب خبررع Noubkheperre) ربما كان مؤسسا للأسرة السابعة عشرة (حوالي عام 1650 قبل الميلاد. وبزواجه من "سبك إم ساإف Sebekemsaf" سليلة إحدى الأسر القوية التي كانت تحكم إدفو ، والتي تصاهر أفرادها بالفراعنة السابقين. كان أنتف يرنو إلى تأكيد ولاء أقاليم طيبة له لتكوين تحالف كفيل بالوقوف في وجه سلطة الهكسوس. وقد شمل هذا التحالف كلا من قفط وابيدوس. ومما يذكر أيضا عن أنتف الخامس أنه قام بعزل كبار المسئولين بمعبد "قفط" بعد إدانته بتهمة خطيرة قد تكون الرشوة . وشيد هذا الملك أجزاء في معبد أبيدوس. كما خاص بعض الحروب استحق بعدها أن يلقب "بالمنتصر" .

"أنتف السادس" واسمه الثاني "سخم رع أوبمعات Sekhemre – Oupmaat" و "أنتف السابع" واسمه الثاني "سخم رع حرحر ماعت Sekhemre – Herhermaat" والإثنان هما أيضامن أبناء الملك "سبك إم ساف الثاني Sebekemssaf II ، وقد حكما فترة قصيرة، ولا نعرف عنهما شيئا إلا من خلال بقايا مقابرهما.

أنتف إقر Antefiqer

شغل "أنتف إقر" منصب وزير – على أقل تقدير – منذ فترة الحكم المشترك لكل من "أمنمحات الأول" و "سنوسرت الأول" وخلال فترة طويلة من حكم سنوسرت الأول بمفرده . ومن خلال هذا المنصب قام "أنتف إقر" بالإشراف على كافة الأعمال الكبرى مثل : منطقة المنشآت المعمارية لبناء معبد بأبيدوس ، بالإضافة إلى الحملات التي كانت ترسل إلى مناجم وادي الهودي لاستخراج أحجار "الآمتست" الكريمة أو إلى شواطئ بلاد بونت على الساحل الإفريقي. كما اشترك في الحملات العسكرية على بلاد النوبة حيث أقام حصنا منيعا بأحد المواقع الاستراتيجية. لكن هذه الأعمال المجيدة شابتها شائبة مظلمة بسبب مالاقاه ابنه الذي كان يسمى أيضا "أنتف إقر" من مصير سيء بسبب اقتراف خطأ فادح استحق عليه عقابا سحريا، حيث مثل بدمية مسحورة تحمل اسمه (بالإضافة إلى العقوبات المادية الأخرى) ولقد شيد الوزير "أنتف إقر" مصطبة لي اللشت، وكذلك مقبرة في طيبة خصصت لأمه المدعوة "سنت Senet" ولزوجته.

الأهرام

كانت الوظيفة الملكية تعد وسيطا بين الشعب والكون الذي تسيره الآلهة وتضفي طبيعة مقدسة على كل من ينفرد بالقيام بأعبائها، ويظل هذا النوع من التسامي ممتدا إلى الحياة في العالم الآخر (الحياة الثانية بعد الموت). ومنذ العصر العتيق اختلفت الطقوس الجنائزية والقبور المخصصة لدفن الفرعون . عن تلك المخصصة لدفن عامة الناس. وبرز هذا الإختلاف على نحو مفرط في الدولة القديمة حيث علت قبور الملوك "الثينيين" كتل ضخمة من الطوب (سميت فيما بعد بالمصطبة) . وفي عهد الملك "جسر Djoser" نتج عن وضع المصاطب الحجرية الواحدة فوق الأخرى إلى ظهور الهرم بشكله الحقيقي بعد أن مر بعدة مراحل : الهرم المدرج بميدوم، والهرم المنبعج في (جنوب) دهشور، ثم الهرم الكامل في (شمال) دهشور أيضا ، ثم أتى الملك "خوفو Cheops" لتشييد أكبر الأهرامات على الإطلاق، ويقاربه في الإرتفاع هرم الملك "خفرع Chephren" . أما الملوك التالين له بالجيزة ، وسقارة، وأبو صير فقد اكتفوا بتشييد مرتفعات من الحجارة أقل حجما وفخامة. ويلاحظ الفرق الواضح بين تلك الصروح، وبين المصاطب الخاصة بكبار موظفيهم الموزعة حولها، ويفضي كل هرم قد استقر فوق الهضبة الغربية والوادي المنفي (نسبة إلى منف) ، إلى معبد على مستوى مرتفع (المعبد الجنائزي) يستند تحت قاعدته، ويرتبط عن طريق ممر مغطى بمعبد آخر منخفض (معبد الوادي) ، و "بمدينة الأهرام" التي يقوم سكانها بحرث الحقول ورعايتها . وتوجد أيضا أهرام أخرى أصغر حجما بجوار هرم الملك دلفن الملكات. وابتداءا من حكم الملك"أوناس Ounas" نقشت على جدران حجرة دفن الملك (ثم الملكات بعد ذلك) "متون الأهرام Les Textes des Pyramides" ، وهي صيغ وعبارات تسمح لأوزوريس الملك أن يستعيد كماله الجسماني، ويعود إلى السماء ليتقاسم مع الشمس أبديتها، تكون مصدر غذاء له، وينجو من مخاطر الجحيم. ولا شك أن الهرم المدرج يجسد فكرة الإرتقاء والصعود، أما شكل الهرم الكالم فليس سوى تجسيم للإلتقاء والاتصال (بين أشعة الشمس والأرض الأولية في بداية الخلق) ، ولايزال المتخصصون في العمارة القديمة يتناقشون حتى اليوم في بعض التفاصيل الخاصة بطرق البناء، ويحاولون على وجه الخصوص معرفة كيفية إعداد المنحدر المستخدم في رفع الأحجار. كما يقرون بمهارة ومقدرة بناة الأهرام، ومحاولاتهم وتجاربهم الفائقة التي لايمكن إنكارها، أما الأهرام الشامخة بمنطقتي دهشور والجيزة وغيرهما من أهرام منطقة منف، فلم يكن الغرض من وراء تشييدها إبعاد الناهبين وتضليلهم – فهذا أمر مستبعد في ذلك الحين – أو توصيل رسالة ما إلى عصرنا الحالي، ومن المؤكد أن حجم بناء الهرم لا تتناسب ضخامته مع ممراته وحجراته (وهذا غير عملي) ، بيد أن الهرم ليس مكانا جنائزيا فحسب ، بل هو أيضا قمة الصرح الذي يعد تتويجا للحكم.

وباستثناء الملك "منتوحتب الثاني Montouhotep II" الذي شيد مصطبة ذات طوابق وأروقة وممرات في دير البحري، فقد أضفى ملوك الدولة الوسطى على مقابرهم الشكل الهرمي: مثل جبانة الطارف (من الأسرة الحادية عشرة) ، وجبانة اللشت، واللاهون، ودهشور، وهوارة (من الأسرة الثانية عشرة) ، ومزغونة وجنوب سقارة (من الأسرة الثالثة عشرة)، ودراع أبو النجا من الأسرة السابعة عشرة. ويلاحظ أنه ابتداء من الأسرة الحادية عشرة طوعت "متون الأهرام" لصالح الخاصة، وصار الشكل الهرمي بأبعاد صغيرة شائعا للتويج مقاصر مقابر النبلاء خلال الدولة الحديثة. وفي الفترة (من الأسرة الثامنة عشرة إلى الأسرة العشرين) صارت المقابر تحفر في وادي الملوك. أما الأسر التي تلت تلك الفترة فقد أقيمت مبانيها الجنائزية في نطاق معابد الآلهة، غير أن ملوك الأسرة الخامسة والشعرين الأثيوبية عادوا من جديد إلى تشييد الأهرام الملكية ببلاد النوبة، ونقلوا هذا النهج إلى من تبعهم من ملوك "نباتا" و"مروى" .

أوجاحررسنت Oudjahorresne

يمكن أن نقول : إنه صانع الفراعنة، على الرغم من أنه قد وصف وصفا مغايرا للحقيقة التاريخية بأنه كان مجرد "متعاون معهم" . قام هذا الكاهن الصاوي، بإدارة الأسطول الملكي خلال حكم آخر ملكين في الأسرة السادسة والعشرين، كما شغل عدة وظائف إدارية خلال الفترة التي احتل فيها الفرس مصر عام 525 ق.م إذ وافق الملك الفارسي قمبيز Cambyse على تعيينه رئيسا للأطباء ، وبعدها قام "أوجاحررسنت" بتحرير الوثيقة المصرية لتثبيت الملك على تعيينه رئيسا للأطباء، وبعدها قام "أوجاررسنت" بتحرير الوثيقة المصرية لتثبيت الملك الغازي قمبيز على عرش الفراعنة! وحصل منه على الموافقة بمنع الحاميات الأجنبية أثناء وجودها من تدنيس معبد الإلهة "نيت Neith" . وبعد ذلك بفترة طويلة، وخلال إقامته بمدينة "سوس Saus" بفارس كلفه الملك داريوس الأول Darius بالعودة إلى مقره لإصلاح وتنظيم "بيت الحياة" (أو معهد العلوم الكهنوتية) بمدينة "سايس Sais" . ويروي "أوجاحررسنت" ببساطة شديدة ، كيف نجح في جذب اهتمام الملوك الجدد بعلم الكهنوت الخاص ببلده، وكيف دربهم على الطقوس الدينية الخاصة بسيد القطرين.

ويبدو أن المصريين في عهد "أودجاحررسنت" كانوا أقل تزمتا من المؤرخين المعاصرين في وقتنا الحالي في الحكم على ذلك الذي قوى ودعم النظام المقدس والأمن المعنوي. ففي العصر البطلمي وبعد مرور 177 عاما على وفاته، قام أحد كهنة منف بترميم تمثال له تخليدا لذكراه.

أوسركون Osorkon

(الأسرتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون)

في حوالي عام 1080 ق.م كان أحد أبناء حريحور Herihor مؤسس الدولة الدينية بطيبة يسمى (أوسركون) وهو اسم ليبي الأصل. تمكن أوسركون هذا والذي يعتقد أنه عم شاشانق الأول Chechanq I من أن يحتل مكانا في الأسرة الحادية والعشرين عام 890 ق.م.

واستطاع أوسركون الأول (924 – 889 ق.م) أن يثبت دعائم النظام الذي أرساه أبوه شاشانق، وأقام مقرا له بالقر من اللاهون El-Lahoun. وتشهد النقوش وتيجان الأعمدة في تل بسطة Babasits بمدى ماوصلت إليه عناصر التجميل للمقر الذي اتخدته الأسرة الثانية والعشرين. وقام أوسركون كذلك بتجهيز المعابد في هليوبوليس تجهيزا فاخرا، ويؤكد تمثاله الذي عثر عليه في جبيل مدى العلاقات الوثيقة التي أقامها مع لبنان.

لقد شاءت الظروف، وأوضحت لنا الإكتشافات أن حكم حفيده المدعو أوسركون الثاني (874 – 850 ق.م) هو أوج ما وصل إليه الحكم في عهد الأسرة الشاشنقية. إذ نجد في تل بسطة بابا ضخما منحوتا من الجرانيت يخلد الإحتفال باليوبيل الملكي لهذا الملك، وفي تانيس وتل بسطة كذلك عثر على عدد من الأعمدة النخيلية الدقيقة الصنع التي اقتلعت من مدينة "بي رمسيس" وامتلأت باسمه، والتي تبين كذلك تنحية الإله "ست" وتحريم عبادته ، وأيضا النقوش الجميلة المنحوتة على جدران المقبرة التي أعاد تجهيزها لنفسه في تانيس، والمدفن الذي بناه في مدينة منف لابنه الأكبر الذي كان كبيرا لكهنة بتاح. ومن تذكارات سكرتيره الخاص المدعو "حورمس Hormes، ومن الأثاث الجنائزي للأمير "حورنخت Hornakht" كبير أنبياء آمون الذي دفن في تانيس تشكلت باقة منتقاة من الفنون التطبيقية الرائعة. شيد أوسركون الثاني مقصورة في طيبة عهد بإدارتها لأحد أبنائه الآخرين هو "نامارت "Namart كبير أنبياء آمون. كما كلف حفيده نائب الملك في كوش بإصلاح وترميم المعبد الرئيسي في إلفنتين Elephantine. وكانت الوصية السياسية التي قدمها الملك إلى وسيط الإله آمون الروحي تطالب ببقاء ذريته في نطاق الإقطاعيات التي أنعم عليهم بها هادفا من ذلك ألا يضمر الأخ لأخيه مشاعر الغيرة . لكن من بداية الجيل التالي سرعان ما اشتبك ورثة تلك الإقطاعيات وأبناء الملوك الجدد في صراعات ومنازعات. وقد علمنا بسقوط ذلك النظام من خلال النصوص العديدة المسهبة التي نقشها أحد أحفاد أوسركون الثاني على جدران معبد الكرنك. ولقد رقى الأمير أوسركون الابن الأكبر للملك تاكلوت الثاني Takelot II إلى مرتبة كبير أنبياء آمون، وكان يتشدق بأسلوب كلامه الملكي ليوارى أعماله السياسية وأوجه نشاطه تحت ستار قرارات أوصى بها إليه الإله آمون و الإله حريشف Herychef، بل إنه اضطر أكثر من مرة إلى استعادة مركزه من أيدي منافسيه ومنازعيه المنحدرين من بعض السلالات القريبة منه.

أما عن أوسركون الثالث (787 757 ق.م) الذي كان كبير أنبياء آمون وفرعونا في ذات الوقت، فلم يحكم سوى مصر العليا من جنوب "هيراكليوبوليس". وتشهد بعض آثاره الموجودة في طيبة بمدى مهارة فنانيه ونحاتيه، كما توضح أولى خطوات النهضة لإحياء التراث .

وانحصر حكم "أوسركون الرابع" (730 – 715 ق.م) في منطقة الدلتا الشرقية، وكان من أواخر ملوك الأسرة الشاشنقية. وقد عاصر – دون أن يكون له حول أو قوة – ثورة "سايس Sais" ، والتوسع الإثيوبي ، وتقدم الآشوريين حتى أقصى حدود مصر.

أوناس Ounas

(2350 – 2321 ق.م – الأسرة الخامسة)

يعد أوناس آخر فراعنة الأسرة الخامسة (2350 – 2321 ق.م). وما تزال مجموعته الجنائزية التي تقع خلف هرم زوسر في سقارة في حالة جيدة من الحفظ. وقد زينت جدران الطريق الصاعد الذي يربط المعبد العلوي بمعبد الوادي بنقوش بارزة تصور موضوعات مختلفة مثل : إحدى المعارك ضد البدو، ومناظر لبعض المهن والأسواق، يقابلها منظر مؤثر بصور إحدى المجاعات.

ولايتعدى ارتفاع هرمه أربعين مترا، ولقد قام الأمير خعمواست Khaemouaset خلال حكم الملك رمسيس الثاني بإصلاح هذا الهرم وترميمه. ولأول مرة غطيت جدران حجرته الجنائزية والممر المؤدي إلهيا بنصوص منسوخة من مجموعة التعاويذ الجنائزية المسماة "متون الأهرام".

أوني Ouni

كان "أوني" مسئولا كبيرا في الأسرة السادسة، وترجع شهرته بصفة خاصة إلى سيرته الذاتية التي تم نقشها على جدران مصطبته بأبيدوس، والتي أثارت إعجاب علماء الآثار المصرية بل قدماء المصريين أنفسهم على حد سواء، وهذا ما أوضحته الإشارات التي تضمنتها الأعمال الثقافية التي تلت فيما بعد.

ولقد تقلد "أوني" عدة مناصب خلال حكم كل من الملوك "تيتي Teti" ، وبيبي الأول Pepy I ، ومرنرع Merenre" . وقد تدرج في وظائفه مارا بالمراحل التالية : مدير السجون ، و مشرف على المسئولين عن وحدات الإنتاج في البيت العظيم ، وصديق ونبي مدينة هرم بيبي الأول ، والقاضي ، والناطق بلسان نخن Nekhen و الصديق الأوحد والمدير المسئول عن وحدة الإنتاج بالبيت العظيم، وأمين القصر العظيم وحامل النعال، وأخيرا حاكم ومدير مصر العليا. ويرجع نجاح إلى الكفاءة التي كان يعالج بها مختلف الموضوعات الدقيقة والحساسة :كمحاكمة بعض المتهمين بتدبير مؤامرة داخل حريم الفرعون، وقيادة العديد من الحملات العسكرية في جنوب فلسطين وقيادة بعض الحملات إلى محاجر "حتنوب Hatnoub" لاستخراج المرمر، ومحاجر إلفنتين لجلب الجرانيت الوردي ، ومحاجر "إبهاط" لقطع الديوريت النوبي. وكان الهدف من حملاته إلى هذه المحاجر هو جلب المواد اللازمة لنحت لوحة قرابين، وباب وهمي، وتابوت، ولتكسية هرم الملك "مرنرع" بطبقة خارجية. وعلى العكس من ذلك قدم له أحد الفراعنة أحجرا جيرية ناعمة لمقبرته. ولا شك أن السيرة الذاتية لأوني، بكل ما تتسم به من وضوح ودقة ومقدرة أدبية تميزه بأسلوب شعري خاص، لاتزال أكثر السير الذاتية كمالا وشمولا فيما تركته لنا الحضارة المصرية.

آي Ai

(1326 – 1323 ق.م – الأسرة الثامنة عشرة)

من كبار رجال البلاط المرتدين عن الدين، الذي تمكن من أن يصبح فرعونا في نهاية حقبة تاريخية مأسوية. ونستطيع أن نميز ثلاث مراحل رئيسية من حياته كالآتي: أولا : رئيس المركبات "أي" ، ذلك الذي يرجع أصله إلى مدينة أخميم بدون شك، كان ضمن الوزراء الذين قام الملك "أمنحتب الرابع" (أخناتون) بتلقينهم عقيدته، وكان يحمل – آنذاك – لقب "الأب المقدس" وذلك لأن زوجته "تي" كانت مرضعة للملكة نفرتيتي. وتكشف لنا مقبرته الموجودة بتل العمارنة عن اعتناقه التام للعقيدة الآتونية وإخلاصه للزوجين الملهمين. ثانيا : خلال حكم الملك "توت عنخ آمون" كان "آي" وزيرا وفي نفس الوقت الأب المقدس المشارك في إحلال الديانة العادية محل ديانة آتون. ثالثا : أصبح الأب المقدس آي ملكا ، ونقش اسمه ولقبه داخل خرطوش ، وبهذه الصفة قاد جنازة الملك "توت عنخ آمون" بعد موته. ولم يجد آي الوقت الكافي خلال السنوات الأربع التي بقيت من عمره ليقوم بعمل إنشائي ضخم (ولكنه نحت قبرا في صخور أخميم، وأعتابا علوية بالكرنك تجمع نقوشها بين هذا الملك العجوز وبين سلفه، وأنشأ كذلك معبدا جنائزيا متسعا بمدينة هابو، وشرع في نحت قبر تحت الأرض بوادي القرود).

ولقد هشمت نقوش وأسماء "آي" ودمر تابوته ولم يعثر على موميائه، إذ انكب خليفته "حورمحب" والتقاليد اللاحقة على استئصال ذكرى "آي" ومحوها.

إيمحتب Imhotep, ou Imouthes

كان "إيمحتب " يشغل منصب كبير كهنة "أون" (هليوبوليس) – عاصمة العلوم الكهنوتية – في ظل حكم الملك "جسر Djoser" ، وهذا مايفسر لنا سر اختيار الفرعون له كي يقوم بإدارة عملية بناء مجموعته الضخمة. علما بأن مهمته كانت صعبة وشاقة، حيث أن استخدام الأحجار في فن العمارة لم يكن يرتكز – آنذاك – على تقاليد ومعلومات ثابتة ألأسس، وخاصة في حالة منشآت تتصف بمثل هذه الضخامة . وقد تمخضت أولى محاولات إيمحتب عن عمل رائع استحق عليه مكانته المرموقة التي حفظتها له الأجيال اللاحقة دون أن يغبنوه حقه.

أما عن حكمته التي قام بتدوينها (أو التي نسبت إليه)، فقد تضمنتها نصوص الأدب القديم، بالإضافة غلى أنه – أي إيمحتب – كان يعد نفسه حامل لواء الكتبة المصريين، فضلا عن أنه أدرج في مجمع الأرباب بمدينة "منف" بصفته ابنا للإله (بتاح Ptah) بعد زواجه من امرأة تدعى "خردو عنخ Khardouankh" . وقد اعتبرته مدن أخرى في مصر ، المهندس المعماري الذي قام ببناء معابدها، ضاربين عرض الحائط بكل الحقائق التاريخية . ومن ناحية أخرى فقد خصصت له بعض المقاصير، وخاصة في "طيبة"، بالمشاركة مع "أمنحتب بن حابو Amenhotep fils de Hapou" ، حيث كان المرضى يقصدونه طلبا للعلاج الشافي من آلامهمن ومن أجل ذلك كانوا يستبشرون "إيمحتب" عن طريق الوسيط الديني أو عن طريق النوم الشفائي. وقد أطلق الإغريق على "إيمحتب" اسم "إموثيس" وشبهوه "بأسكليبيوس Asclepios" إله الطب عندهم.

باك إن رنف – بوخوريس Bocchoris

(720 715 ق.م – الأسرة الرابعة والعشرون الصاوية)

كان "باك إن رنف" ابنا للأمير (أو الملك ؟) الصاوي "تف نخت Tefnakht" ، والحاكم الوحيد للأسرة الرابعة والعشرين – حسب قائمة مانيتون – الذي سار على سياسة أبيه وقد نجحت سايس Sais عاصمة هذه الأسرة في فرض فرعونها على كل من منف وتانيس وهراكليوبوليس على مدى ستة أعوام. وبعد ذلك انتصر "شباكا Chabaka" ملك كوش Kouch على "باك إن رنف" بعد صراع معه وحرقه حيا بصفته متمردا. ولقد أمكننا التعرف على ذلك البائس من خلال بعض القطع الأثرية: مثل آنيتين إحداهما قديمة والأخرى نسخة مقلدة ترجع إلى القرن الثامن عشر عثر عليها في إيطاليا (ومن هنا جاء اسم "مقبرة بوخوريس" الذي أطلق على أحد المدافن الأتروسكية في كورنيتو). ولقد أحبطت ذكراه بالعديد من القصص الخيالية التي تصوره كمشرع عطوف على البؤساء وايضا كقاض ماهر محنك. ووصلتنا من عصره تلك الأسطورة التي تحكي أن حملا صغيرا قد تنبأ بما سيعقب الغزوات الأجنبية على مصر من ويلات وهلاك، وأعلن عن خلاص البلاد خلاصا نهائيا بعد ذلك. وربما كانت الصورة المثيرة للإعجاب التي رسمها "هيرودوت" للملك الحكيم "منكاورع" مشيد الهرم الثالث بالجيزة، قد استوحيت من الحكايات النوادر الخاصة "بباك إن رنف".

بتاح حتب Ptahhotep

تنسب التقاليد المتوارثة وسجلات التاريخ إلى بتاح حتب الذي ربما كان وزيرا للملك جدكارع/أسوسي Asosi/Djedkare تلك التعاليم الذائعة الصيت التي غالبا ماكان لها أكبر الأثر على المثالية الرهبانية لأقباط مصر فيما بعد ! إن الواقع التاريخي لشخصية بتاح حتب لا يبدو مؤكدا ، ولكن الروح التي ألهمت تلك التعاليم ترجع على ما يبدو إلى الدولة القديمة. ونجد فيها أن الكون يحكمه نظام ثابت ومتأصل تجسده "الماعت Maat" ، يتولى معاقبة من يخترقه أو ينتهكه تلقائيا. أما الإله الخالق الأول الذي أحكم هذا النظام يظل معتزلا إلى حدا ما.

بتاح واش Ptahouach

كان يشغل منصب مدير أعمال ووزير خلال حكمي الملك ساحورع، والملك نفرإيركارع. ولقد قام بمغامرة مذهلة إلى الدرجة التي جعلت "نفرإيركارع" يأمر بتدوينها على جدران مقبرة بتاح إلى حد ما أن نستشف من خلالها أن تلك المغامرة قد عادت عليه بالمجد والموت في ذات الوقت. وقد أصيب هذا الوزير بالفعل بمرض عضال ظهرت في أعقابه أعراض غريبة من نوعها ، واستلزم الأمر الرجوع للكتابات القديمة الخاصة بعلاج الأمراض، ولكن دون جدوى. ولم يستطع أحد إنقاذه ولكن العزاء الغالي الذي ناله "بتاح واش" هو قيام الفرعون بعمل جنازة فخمة له !

بتوباستيس Petoubastis

(عصر الإنتقال الثالث)

ينتمي هذا الاسم الذي يعني "هبة باستت" إلى إلهة مدينة "بوباستيس Bubastis" التي كانت على هيئة اللبؤة والقطة، وهي ربة الفراعنة الليبيين، والتي اكتسبت شعبية متزايدة منذ القرن العاشر قبل الميلاد.

ويرى المؤرخ "مانيتون Manethon" أن الملك بيتوباستيس هو أول أربعة ملوك تانيسيين، وإن كانت القائمة التي نقلها من قاموا بتلخيص أعمالهم والخاصة بتلك الأسرة تبدو غير مقنعة ، ولم تؤكدها المصادر المعاصرة. إلا أن هذه المصادر تفيد على الأقل بما يلي: في الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من ويلات الحروب الأهلية كان يوجد من يدعي بتوباستيس الملقب "بابن باستت" (حوالي 818 – 793 ق.م) وهو معاصر للملك شاشانق الثالث والذي كان معترفا به في تل بسطة Bubastis، وهيراكليوبوليس Heracleopolis، ومنف وطيبة (ولكن لم يعرف عنه شيء في تانيس). بعد ذلك جاء من يدعى بيتوباستيس الثاني "ملك تانيس" ،وكان أحد صغار الملوك الذين عاصروا غزوات الآشوريين (حوالي 680- 665 ق.م). والذي حفظت بعض آثاره الخاصة في مدينتي تانيس ومنف.

ولايمكن أن نستبعد أن الشخصية التي تحد عنها مانيتون لا تخرج عن إحدى الشخصيتين اللتين ذكرناهما آنفا. أما بخصوص "الفرعون بيتوباستيس" ملك تانيس، فقد توالت خلال حكمه المغامرات البطولية التي جاء ذكرها في الكثير من القصص التي كان يقرؤها المصريون خلال العصور اليونانية والرومانية باللغة الديموطيقية. وخلال هذه المرحلة التي شاع فيها اسم "بيتوباستيس" ، تختلط الذكريات الخاصة باملعارك التي خاضها الأمراء ، وآداب وعادات العصر الليبي، بافشارات الهامشية إلى الآشوريين (الذين كانوا مدحورين مهزومين) ، وبأخبار الطموحات الإستعمارية في عالم يشبه عالم الإسكندر الأكبر. ولا شك أيضا أن تأثير الشاعر الإغريقي هومير Homere، وكذلك المفاخر والمآثر اليونانية تبدو جلية واضحة. ولقد اتجه معظم الموالين للفرعون "بيتوباستيس" خارج بابل، لكي يخوضوا معارك القتال بالاتحاد مع ملكة الأمازون Amazones، بل إنهم قد توغلوا حتى الهند. أما محاربو مدن تانيس، ومندس Mendes، وسمنود Sebennytos، وتل المقدام Leontopolis فقد كانوا يتنافسون بالتحاور والمناظرات، والتنافس في المباريات مع الفرق العسكرية بالأقاليم الأخرى. وقاد أحد كهنة "بوتو" رعاة البقر القاطنين الأحراش ليأخذوا مركب الإله آمون النهرية كرهينة لتعود عليهم بفائدة كهنوتية مقدسة. أما الذين عاشوا في مصر حينذاك حيث كانت تخضع للسيطرة والنفوذ الأجنبي فقد كانوا يتناقلون هذه الإبداعات البراقة ، ويجدون في حكم الفرعون بيتوباستيس حلما مليئا بالمآثر البطولية القوة بل والإستقلالية غير الواضحة.

برإيبب من Peribsen

(حوالي عام 2700 ق.م – الأسرة الثانية)

هو أحد فراعنة الأسرة الثانية، حكم البلاد خلال النصف الأول من عام 2700 ق.م. أثار الإهتمام بوجه خاص لأن أحد أسمائه المدونة في صورة واجهة قصره لم تعتليه كالمعتاد صورة الإله حورس Horus، وإنما حلت مكانها صورة الإله ست Seth، بالرغم من ذلك فإن خليفته المباشر – أو خليفته الثاني أي الملك "خع سخموي Khasekhemouy" صور الإلهين يواجهان بعضهما. وارتسمت خلال الأسرة الثانية معالم حركة جدلية قوامها الإله حورس والإله ست ثم حورس وست معا يدخلان في نطاق المظاهر الفكرية والتي ربما كانت تخفي في طياتها اتجاها سياسيا. ولكن ما هو هذا الاتجاه؟ هل هو التنافر والتضاد، ثم التصالح بين أرستقراطية تشبعت بتقاليد الصيادين من البدو الرحل، وبين العامة الدهماء من القرويين؟ يبدو أن حكم "بر إيب سن" قد اقتصر بصفة عامة على الجنوب فقط، أما الشمال فقد كانت تهيمن عليه سلالة من منف. وبالرغم من تنافس هذه السلالة مع "بر إيب سن" فإن هذا لا يعني أنها كانت تناصبه العداء: فبداخل المعبد الجنائزي للفرعون سنح Senedj، أقيم هيكل كرسه للملك "بر إيب سن" ، مما يدل على مثال رائع للتعايش، حتى ولو كان في العالم الآخر!

بسماتك Psammetique

(الأسرة السادسة والعشرون)

تسمى بهذا الاسم – الذي قد يكون ليبي الأصل – ثلاثة ملوك تركوا بصماتهم على ثلاث مراحل حاسمة وجوهرية في تاريخ الأسرة الصاوية تميزت بالبناء والإزدهار، فقمة النفوذ والسلطان، ثم السقوط العنيف بعد ذلك. ولقد روى هيرودوت العديد من القصص عن الملك بسماتيك الأول (664 – 610 ق.م) ، مثل قضائه على إثنى عشر ملكا غيره، واستعانت بالقراصنة الإغريق والكاريين، وكيفية تدهور الجيش المصري في عصره وهجرة معظمه إلى السودان. وقيام هذا الملك أيضا بتاسيس هيئة من المترجمين كي يرتبط برابطة وثيقة مثمرة لا رجعة فيها مع بلاد اليونان، لكن أحداث التاريخ عادت إلى قطع هذه التقاليد بعد ذلك.

وفي عام 664 ق.م، شن الأثيوبيون هجمات لإعادة غزو إمارات الدلتا، انتهت بدحرهم حتى أراضي السودان على يد الآشوريين. كما تصدى بسماتيك لعودة الكوشيين، وقضى كذلك على المناطق التي يعيش فيها "المشوش Mechoueech" في الشمال. ومنذ عام 656 ق.م. قام بضم المنطقة الطيبة حيث قامت ابنته "نيتوكريس Nitokris" بوظيفة "عايدة آمون" أو "الزوجة الإلهية لآمون" . ووضع هذا الملك إدارة مصر الوسطى والعليا بين أيدي خلصائه، ونبلاء الدلتا ، حيث اختفى تماما "كبار الزعماء" المستقلون.

واستعادت الدولة في ذلك الوقت قوتها العسكرية والدبلوماسية، وساعد قيام حركة التعبئة وأرسلت بعض الحملات المصرية إلى النوبة السفلى، بل إن "بسماتك" استطاع أن يرسل قواته إلى منطقة نهر الفرات في محاولة لمد يد العون، وإنقاذ المملكة الآشورية المتهاوية.

ويلاحظ أن حكم الملك بسماتيك الأول قد طال أمده بشكل واضح، بعكس حفيده بسماتيك الثاني الذي حكم بعد ذلك فترة قصيرة من 595 – 589 ق.م ، إن نوعية الفنون التشكيلية من رسم ونحت وهندسة معمارية، والأعداد الفائقة للمنشآت التي تركها الملك بسماتيك الأول ووزراؤه لتوضح فعلا طول فترة حكمه. وكانت أهم الأحداث التي ميزت عصره هي حربه مع المملكة الأثيوبية في نباتا. حيث قام الجنود المصريون، ومعهم الجنود المساعدون الأجانب باجتياز الشلال الثالث، ولا شك أنهم توغلوا حتى نباتا. وبذلك تم تصفية الحساب النهائي للنزاع القديم الذي قام بين كل من الصاويين والكوشيين. ومحيت أسماء ملوك الأسرة الخامسة والعشرين من الآثار، وبذلك أزيل بأثر رجعي كل أثر لمطامع وطموحات السودانيين في مصر.

وظل المصريون يطلقون اسم بسماتيك العظيم على أولادهم حتى العصر اليوناني. وأحد هؤلاء الذين تسموا بهذا الاسم هو ابن الملك"أمازيس"، الذي كان لسوء حظه قد اعتلى العرش في الوقت الذي هجم فيه الفرس على مصر. ولم يستمر حكمه إلا ستة أشهر فقط (526 – 525 ق.م) ، ثم خلعه الملك العظيم قمبيز عن العرش وأجبره على الإنتحار.

بسوسنس Psousennes

(1040 – 993 ق.م – الأسرة الواحدة والعشرون)

هو ابن كبير كهنة طيبة المدعو بينجم Pinoduem الذي قدم إلى تانيس ليخلف الملك سمندس Semendes على العرش. وتتميز فترة حكمه بطول الأمد. وقد انتحل بسوسنس كذلك اسم "رمسيس بسوسنس Ramses – Psousennes" كوريث يتبع الأسرة العشرين، ولكنه عندما أعلن عن نفسه ملكا، والنبي الأول لآمون في آن واحد، اعتبر مؤسسا لأسرة ملكية خاضعة للاهوت الطيبي في مصر السفلى. ولقد أقام هذا الملك فوق التلال الرملية في تانيس معبدا كرسه للإله آمون بلغت مساحته أربعة هكتارات ونصف (4500 م2) ، تزينه العديد من اللوحات المنقوشة الرائعة، وتحيط به منشآت شهيرة (يقال أنها هكسوسية). وبناء بسوسنس لمقبرته في تانيس، يكون قد قطع الصلة مع التقاليد القديمة التي كانت تقتضي أن يكون المقر الأخير للفرعون في وادي الملوك. وقام باستكشاف أساسات هذه المقبرة، التي أنقذت من السلب والتدمير بمعجزة، عالم المصريات الفرنسي بيرمونتيه Pierre Montet في الفترة ما بين عامي 1939 – 1946.ولذلك فإن "فرعون عام 1000 ق.م" يدين بشهرته إلى قناعه الذهبي وتابوته الفضي، وأوانيه النفيسة، والمجموعة الضخمة لمجوهراته التي تكملها كنوز وزيره "أوندباأوندد Oundebaounded" وخليفته على العرش "أمنمأوبي Amenemope". ويشير هذا الكم من الأدوات المصنوعة من المعادن النفيسة إلى أن الخزائن الملكية كانت في حالة من الثراء الواضح، في نفس الوقت الذي شهد انحسار وتقهقر التوسع المصري. وفي فترة حكم بسوسنس أيضا قام "شاؤول Saul" ثم "داود David" الشاب، بوضع أسس مملكة يهوذا وإسرائيل دون أي تدخل مصري في آسيا.

البطالمة Ptolemees (les)

خلال الفترة التي قسمت فيها إمبراطورية الإسكندر الأكبر، أصبح القائد المقدوني المدعو "بطليموس بن لاجوس Lagos" يحكم ملكا على مصر، وكان المصريون يلقبونه "بالفرعون البطلمي" ، ولم يتم ذلك الأمر إلا بعد أن توفي الحاكم الاسمي – الإسكندر إيجوس Alexandre Aigos" (309 ق.م) . ولقد حمل اسم "بطليموس" هذا أربعة عشر ملكا من خلفائه على عرش الإسكندرية، واستمر حكم هذه الأسرة "البطلمية" أو "اللاجيدية" أكثر من ثلاثة قرون (323 – 30 ق.م) ، وهي تنتمي إلى التاريخ السياسي والثقافي للعالم اليوناني الفتي، وللتاريخ الثقافي والسياسي للعالم المصري العتيق في ذات الوقت، ولذلك فهي تبدو في مظهرين الأول منهما سكندري والثاني فرعوني. وكان البطالمة يتبعون عادة الزواج من أقارب العصب من جهة الأب، ويتصفون بصفات تميز علاقاتهم العائلية المختلفة المفترض فيها أنها ودودة وحانية، أو يخلعون على أنفسهم بعض الحسنات والمميزات التي كان تضفيها الأخلاق الإغريقية في ذلك الحين على الحاكم المثالي: مثل فيلادلف Philadelphe، وفيلوباتور Philopator ، وفيلوميتور Pilometor، وسوتر Soter (المنقذ) ، وإفرجيت Evergete (المحسن)، وإبيفان Epiphane (المنزل)، وإيوخاريستوس Eucharistos (المنعم عليه بالعفو الإلهي). وعندما ترجمت هذه الألقاب إلى اللغة المصرية فسرعان ما أخذت مكانها في مجال الألقاب الهيروغليفية ضمن غيرها من الألقاب المصرية العديدة فعلان والتي كانت ترتبط بآلهة البلاد: رع ، وآمون، وبتاح، وإيزيس والعجل أبيس. ولعبت الملكات الأخوات دورا سياسيا هاما فيما بعد ، بداية من أرسنوي فيلادلف Arsione Philadelphe قرينة بطليموس الثاني المقدسة، إلى العجيبة كليوباترة السابعةCheopatre VII .

فبالرغم من أن "هيكاتيه الأبديري Hecate d'Abdere" قد تناول بشكل فلسفي المزايا النموذجية المثالية للملكية القديمة لكي يعلم بها الملك بطليموس الأول، وبالرغم من أن الكاهن السمنودي "مانيتون" قام خلال حكم بطليموس الثاني بكتابة عدة أعمال باللغة اليونانية تتعلق بالماضي وبمعتقدات وطنه، فإن ما أوصله التاريخ لنا عن الصراعات الداخلية التي كانت تتزايد في حدتها وشراستها، والتي عملت بعد ذلك على تمزيق أوصال اللأسرة ، وإثارة الأوضاع في الإسكندرية، لا تتعلق إطلاقا بالمصالح الفرعونية، ولم يحدث أن تورط الكهنة المصريون فيما ذكر ىنفا إلا نادرا. ففي الإسكندرية حيث كان البلاط الملكي وفرق الجند، وعامة الشعب يمارسون السياسة ، فالتشريع ، والعادات، والملابس، والعمارة والفنون التشكيلية، واللغة والعلوم والثقافة كان لابد أن تكون رغم ذلك إغريقية (ماعدا الحي المختلط المسمى بالسيرابيوم Serapeum) . أما السياسية الخارجية فقد كانت تسير وفقا لمقاييس العالم الإغريقي . ووفقا لما تضمنته الأوضاع السياسية الجغرافية ، قام اللاجيديون (أي نسبة إلى لاجوس) الثلاثة الأوائل يغزو فلسطين وسوريا الجنوبية، على غرار بعض الرعامسة. ولقد ساعدهم اتساع آفاقهم الإغريقية والبحرية على التمكن من السيطرة على بحر إيجة، وقورنية ، وصقلية وكاري وقبرص. وكانت القوة العسكرية تعتمد أساسا على المستوطنين الإغريق، وغيرهم ممن تمركزوا بأعداد ضخمة بصفتهم مستفيدين من الإقطاعات التي آلت إليهم وراثيا. ولقد قام بطليموس الرابع بعد ذلك بإعادة تسليح الجيش المصري الذي لعب دورا حاسما خلال النصر الدفاعي الذي أحرزه على العدو السوري أنتيوخوس الثالث Antiochos III عام (217 ق.م) في رافيا Raphia . ولا شك أن هذه الصحوة التي اجتاحت نطاق الإدارة الإستعمارية قد انقلبت ضد نظم الحكم حيث انفجرت العديد من الثورات الوطنية في ذلك الحين، وأثناء حكم الملك بطليموس الخامس قام الفراعنة الوطنيون مثل "حورون نفر Horounnefer" و "عنخو ان نفر Ankhounnefer" بتحرير منطقة طيبة ذاتها. ولا شك أن مظاهر المقاومة في أعماق مصر، باِلإضافة إلى مظاهر ضعف الحكم السكندري، قد عملت على زيادة استقلالية رجال الدين خلال القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، تلك القوى الاقتصادية التي وضعت في مكانها المناسب، لكي تحيط بالجموع الشعبية إحاطة نفسية. فالكهنة الوارثون الذين يسيطرون على المكاسب المقدسة ويقومون كذلك بالحفاظ على كتابات وفنون الأجداد، قد عملوا فعلا على إدماج الملوك والملكات الإغريق المقدونيين في نظام شعائرهم. ومن أوضح معالم تلك الفترة : قيام المجالس الكهنوتية بتحرير المراسيم الفخرية للإشادة بالإنتصارات والإنجازات الحسنة التي تمت على أيدي البطالمة، بالإضافة إلى النصوص المدونة بالخطوط الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية. ولقد واتت الفرصة بعض ملوك البطالمة خلال جولاتهم في الدلتا وفي مصر العليا على أن يظهروا بمظهر الفراعنة، ويقوموا بالحركات العريقة في القدم التي كان يؤديها الفرعون مثل تجليه متوجا في منف، زيارة العجول المقدسة وتاسيس المعابد وتكريسها للآلهة. كما كان كبار كهنة منف يترددون على البلاط السكندري الذي كان على اتصال بكاهن صغير من أدعياء الرؤية كان يعيش في منطقة سقارة. وإلى جانب الإله سيرابيس Serapisالذي أدمج مع الإله "أوزيريس – أبيس Sosiris – Apis" أصبحت إيزيس Isis إلهة يونانية، حرصت الملكات الهيلينيات على استعارة شارات هذه الإلهة.

وفي ظل حكم الأسرة البطلمية تم توسيع معابد العديد من المدن، أو تجديدها بالكامل على الطراز المصري الأصيل. وتعد كل من فيلة وأمبوس (كوم أمبو)، وإدفو، وإسنا، ودندرة، والميدامود من أكبر مناطق التعمير والبناء التي ظلت باقية حتى الآن والتي أنجزت باسم البطالمة. وكان يستعان بنظام معقد من الكتابة للوصول إلى أبعد مدى للتعبير في مجال العلامات المصورة، واتبعت الدقة المتناهية في أصول الدلالة المعمارية والقواعد الخاصة بالنقوش. فالعلماء الكتبة لهذه الآثار أوضحوا لنا بالرسوم والنصوص ، أكثر من أي وقت مضى، الشعائر الضرورية لسلامة الكون والأساطير التي تحدد مظهره الخارجي. وكما جرت عليه العادة، بدت شخصية الملك في اللوحات والنصوص في شكل الوسيط الأوحد الذي يرعى الآلهة ويستقبلهم لصالح المملكة وشعبها . إنها إذن "المعابد البطلمية" المترامية الأطراف التي لم تمس أو تدمر، وأنها كذلك النصوص البطلمية الغزيرة التي نقلت إلينا أكثر المصادر شمولا وكمالا لكي نتمكن من رسم صورة واضحة للإديولوجية الفرعونية وفهم رموزها. ومع ذلك فإنه خلال حكم البطالمة ظهر مفهوم آخر للجمال والحكم والإنسان، وتفسيرات أخرى للكون اجتذبت إلهيا صفوة المجتمع.

بعنخي Piye ou Piankhy

(747 – 716 ق.م – الأسرة الأثيوبية)

كان بعنخي أول الفراعنة السودانيين في "نباتا" الذي اشتهر بفضل مقبرته القائمة في منطقة "الكورو El-Kourou" وبمعبده في جبل البرقل Barkal، وخاصة بفضل اللوحتين اللتين عثرنا عليهما في نفس الموقع. ويعني اسم "بعنخي" في الكتابة الهيروغليفية "الحي" ولكن يبدو أن نفس الشكلوالتعبير يتضمن في طياته كلمة سودانية هو "بيي Piye" ولها نفس المعنى المذكور آنفا، ثم تناقلت سماعيا لتصل إلى لفظ "بي Py" في الهيراطيقية. وتذكر لنا إحدى اللوحتين إقامة إمبراطورية مصرية سودانية، وأنه بفضل إرادة الإله "آمون" رب نباتا يستطيع حاكم كوش أن ينصب الملوك والحكام على العرش أو يقيلهم على هواه سواء في مصر أو في النوبة. وتعرف اللوحة الثانية بلوحة "الانتصار" حيث تحكي بشكل مفصل كيف استطاع بعنخي أن يدحر إحدى الغزوات التي قادها "تف نخت Tefnakht" ويدفع بها جهة الشمال، وأن يبسط النفوذ الأثيوبي بعد ذلك على كافة أطراف الدلتا.

وتعد نصوص تلك اللوحة بمثابة وثيقة نادرةو تظهر لنا أولى محاولات التوافق مع الأساليب الأدبية المصرية ومع معايير الإديولوجية الفرعونية لصالح تلك الأسرة القادمة من الجنوب. كما يتضح لنا من خلال ذلك العمل المبتكر ورع وتقوى الفرعون بعنخي الزائد واحترامه الشديد للنواهي الكهنوتية، والعناية الفائقة التي كان يوليها للأسطبلات الملكية. وهي تعبر كذلك بشيء من الموضوعية الساذجة عن التوافق والإنسجام بين المفاهمي العمومية التي كان يعتنقها أحد من يسمون "بالخارجين" ، والذي يجسد الأفكار الدينية لكهنة آمون، وبين الإقرار بطموحات ورثة الفرعون "شوشنق الأول" في تولي العرش. وبفضل المدرسة الحديثة التيكانت تضم الكتبة العالمين في نباتا ، يمكننا ولأول مرة من مخلال الكتابات أن نلمح شخصية رجل الإستراتيجية والدبلوماسية الفذ، ونلمح كذلك وجود القوانين المعقدة الخاصة بمظاهر السلطة في اواخر القرن الثامن قبل الميلاد.

بوتو Bouto

تقع هذه المدينة في أقصى شمال الدلتا الغربية بجوار الأحراش، وكانت تحمل اسم "بي ، دب Pe – et – Dep" منذ العصر العتيق كعلامة للإزدواجية والإستقرار البدائي، وكانت الآلهة واجيت Ouadjyt" هي إلهة "بوتو" الرئيسية وهي الحية الحامية والتي تزين جبين الملك، وفي نفس الوقت حارسة التاج الأحمر الخاص بمصرالسفلى، وهي كذلك اللبؤة الضارية. وتضمن الكلمة الإغريقية "بوتو" في طياتها ، اللفظ المصري الذي يعني "بيت واجيت" . ولقد عبد بصفة دائمة في هذه المدينة الإله حورس "رب" بي النموذج الذي احتذاه الملوك. ولقد حددت المأثورات التقليدية بصفة ثابتة حدود ضفاف البحيرات في بوتو حيث توجد أحراش "خميس Chemmis وحيث لجأ "حورس" مع أمه "إيزيس" ثم خرج منها مطالبا بعرشه. ومنذ الدولة القديمة وحسب الشعائر الرمزية فإن "بي ودب" تماثل وتناظر مدينة "هيراكونبوليس Herakonpolis" (نخن Nekhen) . وينبثق تاج "البسشنت" من اتحاد الواجيت مع النخبت "بيضاء مدينة نخن" إلهة التاج الأبيض لمصر العليا التي تمركزت في عصر ما قبل الأسرات في مدينة الكاب، كما أن "الأرواح" الإلهية لهيراكونبوليس هي ند ونظير ل"أرواح" "بوتو" ، ولا شك أن هذا التناظر يتعلق صراحة بالمفهوم الذي يوضح أن الاتحاد المتوازن بين القطرين يحقق أقصى درجات السلطة والسيادة والإنسجام والتوافق الكوني، ومع ذلك نجد أن العديد من الشعائر القديمة مثل التعازيم التي تتلى عند تبخير الحية المقدسة، والإيحاءات الت يتتم أثناء الجنائز الملكية، وتقديم النذور للمعابد.. إلخ، كل هذه الشعائر لا تذكر سوى "بوتو" والمدن المجاورة لها وكأنها لا تختص إلا بتلك المنطقة فقط.

ولا يجرؤ المؤرخون أنفسهم على تأكيد وجود مملكة تسمى "بمملكة بوتو" منذ أربعة آلاف عام، حيث كان غزو الجنوب لها عاملا على توحيد مصر وعلى بداية العصور التاريخية، ولم يعد من المستساغ الإعتقاد بأن "بوتو" لم تكن أصلا سوى حدود تفتق عنها الخيال الإزدواجي لتكون ندا لهيراكونبوليس. ولقد أثبتت مؤخرا بعض الإرجاسات العميقة أن تاريخ وجود البشر في "بوتو" يرجع إلى بداية الألف الثالثة قبل الميلاد. وبصفتها نقطة أصلية للتكوين الخيالي للكون، ومركزا للعبادة الصحيقة القدم للإلهة الكوبرا، أدمجت هذه المدينة في مقاطعة "سايس" خلال القرن الثامن قبل الميلاد. وقد ذكر هيرودوت أن وسيط إلهتها كان الأكثر تقديسا وتبجيلا عند المصريين. ولقد أعاد الصاويون تأسيس معبد مدينة "بوتو" الكبير الذي خربه الملك الفارسي "كسركسيس Xerxes" وقد أعاد إليه الحاكم البطلمي أملاكه العقارية التي كان الفرعون المتمرد "خباش Khabbach" قد خصصها له.

بونت Pount

تظهر الشمس عند شروقها في الجنوب الشرقي خلف بلاد بونت. ولقد جاء ذكر هذه البلاد البعيدة أحيانا في النصوص الملكية، أو السير الذاتية كهدف لبعثات سلمية كان الملك يرسلها لجلب البخور والمر والدهانات والمراهم العطرية، والتي كانت لازمة لإقامة طقوس الآلهة ، ولترف وبذخ البشر. وكان من الممكن بلوغ أرض العطور والطيب هذه بواسطة السفن المنقولة مفككة، عبر ممرات الصحراء الشرقية نحو البحر الأحمر في القصير ووادي الجواسيس. (وكانت الرحلة إلى بلاد بونت ترتبط أحيانا مع بعض الحملات المتوجهة إلى جنوب شرق شبه جزيرة سيناء). وكثيرا ما كان يتوجه أهالي بونت بمراكبهم الصغيرة نحو السواحل المصرية. ومنذ فترة بعيدة عدل الكثيرون عن اعتقادهم بان موقع بلاد بونت هو منطقة العرب السعيدة (اليمن) وعدلوا كذلك عن الخلط بينها بدون أي سند وبين أرض "أوفير Ophir" التي جاء ذكرها في التوراة بكل ما تتضمنه من كنوز الملك سليمان. وكانت هناك وسيلة اتصال عن طريق الصحراء تسمح بوصول منتجات بونت غلى مصر. كما أن جبل بونت ومنحدراته المحتوية على مناجم الذهب كانت تتاخم بلاد "كوش Kouch" في وادي النيل النوبي. فلا يستلزم الأمر إذن الذهاب نحو "زنجبار Znazibar" أو جزيرة "سقطرى Socotra" بل ولا حتى جهة الصومات للبحث عن بلاد بونت.

وكانت بونت تنتج بوجه عام مختلف أنواع أشجار البخور (Boswellia et Commiphera) التي تنمو وتزدهر بالمناخ الجاف. كما تحتوي كذلك على أشجار نخيل الدوم، وتنتج عطورا سوداء اللون وصلبة (حين Heben باللغة المصرية القديمة) . وكانت تعيش في صحراء بونت النمور والفهود، وقرود البابوان والقرود الطويلة الذيل التي كانت تتواجد باستمرار فوق التلال الجدباء، وكذلك الزرافات والكركدن (وحيد القرن) وهي من حيوانات السهول. وكان الذهب كذلك يجلب من بونت. وتهطل سيول الأمطار الغريرة على جبلها في فصل الصيف. وتسمح لنا تلك المعلومات التي استقيناها من بعض النصوص بتحديد شواطئ بونت وبقية أراضيها الداخلية.

وتتضمن تلك البقعة منطقة صحراوية وأخرى ساحلية تنحصر بين خطي عرض 22˚ ، 18˚ شمال خط الإستواء. ومن جهة الجنوب تقطع مرة أخرى إقليم كسلا وشمال أرتيريا. أما جهة الغرب والشمال الغربي فتفصلها عن كوش وعن بلاط "المجاي" (العطية Etbaye بوجه عام) حدود غير واضحة.

وكان المستكشفون المصريون يستطيعون الوصول إليها عن طريق البر، بعد اجتيازهم لمساحات واسعة من الأراضي الجبلية الجرداء. وكان من الممكن كذلك الوصول إليها عن طريق البحر بعد جهد شاق ورحلة طويلة موازية للساحل ذهابا وإيابا. فلا غرابة أن تتصف بلاد بونت بالسحر والغموض والألفة في آنه واحد. وكان "مين Min" إله قفط، ورب طرق الأسفارالكبرى بالصحراء الشرقية هو النموذج الأصلي "للمجاي" الذي وفد من بونت، كما كانت حتحور Hathour المساوية، سيدة الرحلات البعيدة خارج مصر، كانت سيدة بونت.

وكان استيراد البخور الفاخر يتم من يد إلى أخرى في مقايضات عديدة ويخضع كذلك لاحتمالات الربح والخسارة ، ولا يتم بشكل منتظم ومتوال. كما أن القيام برحلة بحرية كان ينطوي على مخاطر عديدة، بكل ما يتضمنه نهاية العالم من غموض وإبهام. (فمن خلال رحلة بحرية مماثلة، وجد "الملاح الغريق" نفسه فوق جزيرة خيالية هي "جزيرة الثعبان" في أسطورته الشهيرة). ولا شك أن إرسال أسطول ضخم نحو الشرق، مصدر البخور والذهب ومختاف النفائس الأفريقية، يعد في حد ذاته بالنسبة لأي ملك من الملوك عملا له أبعاده الإقتصادية والدينية البعيدة المدى. فمثل هذا العمل الذي أوحى به الإله آمون كان المفخرة الكبرى الوحيدة التي قامت بها الملكة "حتشبسوت" خارج مصر والتي سردت تفاصيلها السعيدة في نصوص وأحاديث شيقة، ومن خلال صور ورسوم رائعة.

ويرجع أول ذكر لعلاقة مصر ببلاد بونت إلى الأسرة الخامسة، خلال القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد (في عهد الملك ساحورع، ثم الملك أسوسي Asosi الذي أحضر له قزم من تلك البلاد) . وترجع أحدث الشواهد على قيام حملات إلى بونت إلى الأسرة السادسة والعشرين. وقد نتساءل عما إذا كان الملك "نخاو الأول Nechao I" ، عند تنفيذ مشروعه بشق القناة التي تربط بين البحرين، وتسيير المراكب الفينيقية ذات المجاديف الثلاثة في عرض البحر الأحمر، كان يهدف منافسة الجنوب الغربي في ملء أسواق البلاد الواقعة على البحر المتوسط بالعطور والبخور وغيرها من منتجات بونت؟

بيبي الأول Pepy|

(2289 – 2247 ق.م – الأسرة السادسة)

كان الملك بيبي الأول ابنا للملك "تيتي" من الملكة "إبوت الأولى Ipout I" ، أبعده المغتصب اوسركارع Ouserkare عن عرش أبيه بعد وفاته مباشرة. وأخيرا، وبعد توليه مقاليد الحكم الذي استمر فترة طويلة من 2289 (؟) – 2247 ق.م قام بتغيير اسمه الأول من "نفرساحور Nefersahor" إلى "مريرع Meryre" . وقمع إحدى المؤامرات التي دبرت في أرجاء حريمة. تزوج بيبي الأول من فتاتين تحملان اسم "عنخ نس مري رع Ankhnesmeryre" تنتميان لإحدى عائلات أبيدوس، وكان أخوهما "جاعو Djaou" يحمل لقب وزير.

وبقي لنا الكثير من أوجه نشاط هذا الملك في إقامة المنشآت: مثل (ناووس) إلفنتين و(قصر الكا) في كل من أبيدوس وتل بسطة، هذا بخلاف تمثاله الشهير المصنوع من النحاس والذي عثر عليه في "هيراكونبوليس Hierakonpolis" .

وأصدر الملك بيبي الأول أثناء حكمه مرسوما ينص على حصانة وصناعة مدينة هرم الملك سنفرو، مما يوضح لنا خضوعها ورضوخه للضغوط المنادية بالحكم الذاتي والتي كانت تمارسها بعض المناطق والمؤسسات والتي تزايدت وتفاقمت خلال سنوات حكم تلك الأسرة. ولعل من أهم معالم سياسة بيبي الأول الخارجية هي حملاته إلى جبيل Byblos، وشبه جزيرة سيناء والنوبة، وبعض الحملات العسكرية ضد الآسيويين. ولقد شيد لنفسه هرما متواضعا في سقارة، ومن اسم هذا الهرم اشتق اسم مدينة منف.

بيبي الثاني Pepy II

(2241 – 2148 ق.م – الأسرة السادسة)

كان بيبي الثاني خامس ملوك الأسرة السادسة، ابنا للملك بيبي الأول، وأخا غير شقيق للملك "مرنرع Merenre". ولقد تقلد العرش وهو طفل صغير فقامت أمه الملكة "عنخ نس مري رع" بالوصاية عليه، وتولى خاله الوزير "جاعو" مهمة توجيه السياسة بصورة مستترة غير مباشرة. واستمر حكمه المديد – والذي يعد أطول من المعتاد – مدة أربعة وتسعين عاما (2241 – 2148 ق.م). ونستشف من خلال حكمه مظاهر الوهن والضعف التدريجي الذي أصاب السلطة المركزية أمام تزايد السلطة الإقليمية المحلية. ولذا أصدر الملك بيبي الثاني مرسومين لإضفاء الحصانة والإعفاء الضريبي للقائمين على إدارة ممتلكات معبد الإله "مين Min" بمدينة قفط وحمايتهم من المصادرة أو الإستيلاء من قبل الإدارة المركزية، وفضلا عن ذلك نجد حكام الأقاليم استأثروا ببعض الألقاب : "رئيس مصر العليا" أو "الوزير " . وبعد ذلك كله بمثابة مطالبة صريحة باستقلاليتهم. أما في مجال السياسة الخارجية، فقد ظهر واضحا ذلك التداعي والاضمحلال المستمر للنفوذ الفرعوني. ونلاحظ أن الحملات لم تتوقف عن الذهاب إلى المناجم والمحاجر في شبه جزيرة سيناء أو النوبة السفلى. ولم تتوقف كذلك عمليات البحث عن المنتجات الأجنبية في "جبيل" أو في "بلاد بونت" . وأكثر من ذلك كان يتم البحث عن شركاء تجاريين حتى في إمارات دنقلة . وبالرغم من كل تقوم بحمايتها أثناء رحلاتها. حتى أن أحد الضباط أشاد متفاخرا في أحد النصوص بأنه استطاع استعادة جثة زميل له قتله البدو خلال إحدى الرحلات.

وشيد بيبي الثاني هرمه في الجزء الجنوبي من هضبة سقارة، وهو متوسط الحجم (لا يزيد ارتفاعه عن 52 مترا). يتميز بأن قاعدته أحبطت بجدار منخفض لتدعيمه (ويعد هذا بالطبع مجرد تدعيم ثانوي له). ولقد عثرنا على ثلاثة أهرامات صغيرة داخل نطاق مجموعته الهرمية خصصت لثلاث ملكات من زوجاته : أوجبتن Oudjebten، وإبوت الثانية Ipout II ونيت Neith.

بيتوم Pithom

وهو اسم لمدينة يطلق علهيا كذلك "بيت الإله أتوم في أراضي تشكو Tchekou" . وتعد مع "بي رمسيس" مدينة الملك "رمسيس" وفقا لما ذكر في سفر الخروج إحدى المدينتين التجاريتين اللتين اضطر بنو إسرائيل أن يعملوا فيهما بصناعة قوالب الطوب. وفي منطقة "تل الرطابة" أنشئت "بيتوم" ، وهي إحدى المؤسسات الصغيرة للرعامسة. واتخذت هذه البلدة في البداية كقاعدة ثانوية، حيث كانت تشرف قلعتها على مدخل المضيق المؤدي إلى شبه جزيرة سيناء . وأقيم بها معبد الإله أتوم Atoum" الذي استمر يزاول نشاطه حتى عصر الملك "اوسركون الثاني" . بيد أنه خلال العصر الصاوي نقلت القاعدة، ومعبد أتوم، وبعض التماثيل التي تزينه إلى منطقة أخرى تبعد عنه عدة كيلو مترات جهة الشرق عند "تل المسخوطة" ، واعتبر هذا المكان محطة للقناة التي تربط بين النيل والبحر الأحمر والتي تم حفرها وتنظيمها أيام حكم الملكين "نخاو الثاني" و "دارا الأول".

بي رمسيس Pi-Ramsis

يعني هذا الاسم "يت رمسيس" وحسب الصيغة الكاملة: "بيت رمسيس محبوب آمون المعظم بانتصاراته" . ولقد أطلق على بيت رمسيس اسم جديد خلال حكم رمسيس الثاني وهو "بيت رمسيس محبوب آمون، الكا العظيمة لرع حور آختي" وتلخص العبارتان برنامج رمسيس الثاني خلال فترة حكمه في سياسة هجومية مع تعظيم هالة الفرعون الشمسية المقدسة. وتشير العبارة إلى المنشأة الرئيسية التي أقامها ذلك الملك العظيم ضمن العديد غيرها وهي عاصمة جديدة اتخذت من مدينة "أفاريس" القديمة نواة لها.

وتقع "أفاريس" عند منحدر الفرع الشرقي بين النيل والصحراء الشرقية، وكانت عاصمة الهكسوس آنفا بمعبدها العريق للإله "ست Seth"، وقد سارت بها بعض الأنشطة في أواخر الأسرة الثامنة عشرة. ولقد أقيم في هذا الموقع مقر ملكي خلال حم الملك سيتي الأول الإبن الروحي للإله "ست" ، وأحد أبناء المنطقة العسكريين. بعد ذلك قام "رمسيس الثاني" عند توليه الملك بتطوير هذا المقر الملكي وتحويله إلى مدينة مترامية الأطراف. ومثلما حدث في "العمارنة" فقد شيدت مجموعة فخمة من القصور والمعابد، ومباني الخدمات، والمنازل الأنيقة، وكذلك الأحياء الشعربية. وشملت موقع "أفاريس" من جهة الجنوب، بل وتعدتها بكثيرا جهة الشمال. أما المدينة التجارية لاتي أطلق عليها اسم "رمسيس" والتي تعذب فيها بنو إسرائيل، ليست في الواقع سوى "بي رمسيس" . ولا شك أن فكرة الملجأ القومي خلال الأسرة التاسعة عشرة، كانت لها أبعاد استراتيجية أمام اضطرابات وقلاقل بدو المضيق، واندفاع الحبشيين نحو فلسطين. إذن كان لابد أن يكون مقر الملك ومعسكرات قواته المسلحة والترسانة البحرية، في موقع متميز يسمح لها بمراقبة الحدود الشرقية بالدلتا، بسرعة التدخل – إذا ما اقتضي الأمر – في كنعان وفينيقيا. واستمرت مدينة "بي رمسيس" تحتل مكانتها كعاصمة في ظل حكم الملك رمسيس الثالث أيضا، ولكن بدأ يأفل نجمها خلال حكم باقي الرعامسة شأنها في ذلك شأن غيرها من المدن. وقد تسبب انخفاض منسوب مياه النيل الشرقي، وتعرضها لغزوات الليبيين والآسيويين في إحلالها بمدينة تانيس التي أصبحت مقر للحكم ومرفأ نهر ي حوالي عام 1100 ق.م.

ونستطيع حاليا أن نحدد موقع "بي رمسيس" شمال مدينة "فاقوس" تقريبا، فيما بين تل الضبعة والختاعنة وقنتير حيث كانت على مستوى أسفل من مستوى المزارع الحالية . وهناك ثلاثة أنواع من المصادر التي تسمح لنا بمعرفة أوجه الأنشطة ومكانة مدينة "بي رمسيس" العظيمة : نص رائع ومجموعتين من الشواهد الأثرية: 1- نجد الكثير من النصوص المنحوتة على الأحجار والتي تروي أعمال رمسيس الثاني، كذلك العديد من الوثائق الإدارية والفنية، بالإضافة إلى ألقاب كبار الموظفين، وبعض النصوص الأدبية الخاصة بالمديح والثناء. كل ذلك يساعدنا في إعداء لمحة عن تلك المدينة الكبرى التي كانت مخزنا للأسلحة وقاعدة بحرية تقع على حدود الأراضي المصرية والأراضي الآسيوية، ومكانا للإقامة والراحة. كما كانت مقرا فخما فسيح الأرجاء، يستقبل فيه الفرعون دافعي الضرائب، ويحتفل بأعياده، وحيث تقام شعائر عبادة الآلهة الثلاثة الرئيسية بالدولة : آمون ، ورع، وبتاح بالإضافة إلى الشعائر الخاصة بالإله "ست" رب الأسرة، وبقية "أرباب رمسيس" ، ومختلف أوجه نبوغ الذات الملكية التي تتمثل في التماثيل الضخمة العملاقة. 2- الجبانة المنهوبة التي انهارت وتحولت إلى محجر ومخزن للأثاث الخاص بملوك الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين. وتكشف لنا مجموعة المنشآت والنصب، التي أعيد استخدامها في تانيس وبعض القطع التي عثر عليها في "تل بسطة" و"تل المقدام" ، عن أبعاد مترامية، وعن مجمع معابد رمسيس الثاني من تماثيل عملاقة (ومن بينها جزء من أضخم تمثال معروف حتى الآن) والتماثيل المبتكرة والمنحوتات القديمة اليت قام الرعامسة بإجراء إضافات عليها، والأساطين العالية والمقاصير الأحادية الحجر، والمسلات الكبيرة والصغيرة وأجزاء من الجدران الكثيرة، واللوحات التي تشهل بورع وتقوى رمسيس الثاني وانتصاراته. ولقد تم نحت وبناء كل ذلك بمختلف أنواع الأحجار التي أمر مؤسس المدينة بإحضارها سواء من الصحراوات أو من صخور الشلالات. وعلى "لوحة عام 400" نجد نصا فريدا من نوعه يخلد الإله" ست بعل Seth-Baal" إله الملك رمسيس وكذلك أسلافه. 3- ولا تحوي أراضي "قنتير" والأماكن المجاورة لها إلا أنقاض ضئيلة متناثرة للمعابد. ولكنها أظهرت وجود أرضية من الخزف البراق لأحد القصور، والقوالب التي كانت تستخدم صب الجعارين لتمجيد الملكية. كما عثر على تماثيل عملاقة للآلهة، وأنقاض ورش لتصنيع الأسلحة، وأبواب ونوافذ جميلة الصنع خاصة بالقصور الصغيرة التي كان يقطنها الأمراء والوزراء، وعثر كذلك على مجموعة من اللوحات التي تصور الجنود والعمال وهم يتبهلون إلى تماثيل رمسيس الثاني العملاقة.

بينجم Pinodjem

(1070 – 1032 – الأسرة الواحدة والعشرون)

كان "بيعنخ Piankh" جنديا مجهول المنبت، تلا "حريحور Herihor" في حكم مصر العليا أصبح خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك "رمسيس الحادي عشر" وبعد وفاة "بينعخ" ، ابنه بينجم" النبي الأكبر للإله آمون وقائدا عاما. ولقد تشابهت سياسته في التشييد مع سياسة "حريحور" : كالقيام بتجميل وإصلاح وترميم الكرنك ومدينة هابو، وتوجيه العناية والإهتمام بمومياوات الملوك الأقدمين (حيث خصصت مقبرة "امنحتب الثاني" كخبيئة لها في عهده) . وبالرغم من تشاهب فترتي حكم "بينجم" و "حريحور" ، مؤسس الدولة الكهنوتية في الجنوب، إلا أن "بينجم" تمادي أكثر من ذلك، فبعد مرور نحو خمسة عشر عاما انتحل الخصائص والصفات الالشرعية لاتي كان يتميز بها الفراعنة، وأصبح ندا للملك "سمندس Smendes" مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين. وبمعاونة زوجته "حنوت تاوي Henouttaoui" التي تنحدر من سلالة الرعامسة، كون نوعا من المحاور التي تدور حول توزيع السلطات. ثم تزوج من أخته موت نجمت Moutnedjmet، وقدم أحد أبنائه بسوسنس الأول Psousennes I إلى تانيس ليخلف الملك آمون. في حين ورث إبناه "ماساهرتا Masaharta" و "منخبر رع Menkheperre" على التوالي وظيفة الكاهن الأعظم. بعد ذلك أصبحت هذه الوظيفة تورث مباشرة في سلالة هذا الأخير. وقد عثر على مومياء "بينجم" ومومياوات أقاربه في خبيئة الدير البحري مع باقي الملوك القدامى، ولكن لم يعثر حتى ألآن على مومياء كل من منخبر رع وسمندس في حين عثر على مقابر كل من "بينجم الثاني" – حفيد بينجم الأول – وزوجاته وبناته.

تاخوس أو تيوس Tachos, ou Teos

(361 - 359 ق.م – الأسرة الثلاثون)

ثاني فراعنة الأسرة الثلاثين السمنودية، أمضى فترة حكم خاطفة، لذلك لم يترك لنا الكثير من الآثار (مثل بعض القطع النادرة من زخرفة المعابد). كان "تاخوس" يتمتع بشخصية ذائعة الصيت وفقا لما ذكره "بسيدو أريستوت" في كتابة "الإقتصاديات" وما ذكره كذلك "بولين" في مؤلفه "الخدع الحربية" ، ويبدو أن الحرب الهجومية ضد الإمبراطورية الفارسية كانت شغله الشاغل مما عاد بأضرار مادية واجتماعية وخيمة على مصر. ووفقا لنصيحة قائد المرتزقة الأثيني خابرياس Chabrias قام الملك بمصادرة كل كميات المعادن النفيسة في البلاد، وسلب كل إيرادات المعابد تقريبا، وأرسل تسعين ألف رجل لاحتلال سوريا. لكن أخاه الوصي على العرش المدعو تشاهابيمو Tchahapimou، والذي كان يحكم مصر أثناء غيابه انقلب على هذا الملك، المغتصب للآلهة ولعلية القوم، ودفع بابنه نختابنو الثاني Nectanebo II إلى العرش، فتوجه "تاخوس" حيث وافته المنية إلى بلاط "الملك العظيم ملك فارس" الذي عمل، ولحسن حظ خليفته، على تفويض قوته الضارية، لم يتبق لنا من فترة حكم هذا الفرعون الذي ربما كان أول من صلك النقود، سوى صورة شخص راسمالي عالمي يختلف أسلوبه تماما عن أسلوب أبيه وابن أخيه الذي يتصف بالقداسة.

تاكلوت Takelot (les)

حمل هذا الاسم الليبي ثلاثة من ملوك الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين، وهم جميعا من الملوك الخاملي الذكر. و "تاكلوت الأول" (889 – 874 ق.م) هو مجرد اسم بين الملكين اللامعين أوسركون الأول والثاني، ولم يستدل على أية آثار شخصية له. وخلال حكم الملك "تاكلوت الثاني" (886 – 840 ق.م) – والذي عثر على تابوته منهوبا في تانيس – اشتعلت حرب أهلية كانت بمثابة أولى بوادر التصدع في نظام الحكم الليبي، وورد لنا ذكر مراحل وتطورات هذه الحرب في نقوش ابنه الأكبر والكاهن الأعظم أوسركون التي نقشها في الكرنك، أما "تاكلوت الثالث" (764 – 757 ق.م) فهو الملك قبل الأخير الذي عرف من ألسرة الثالثة والعشرين، والتي لم تعد تسيطر إلا على منطقة مصر العليا.

تانيس Tanis

تقع تانيس في الركن الشمالي الشرقي من الدلتا، وما زال هذا الموقع المترامي الأطراف يحمل حتى الآن الاسم القديم جعني Djene والذي أصبح "صان San" . وهو عبارة عن هضبة رملية عالية تنبثق وسط مساحات من الطمى الحديث بجوار الفرع التانيسي الصغير، ولا يؤمها سوى العشائر الفقيرة التي تدفن أمواتها بها. لكنها دخلت التاريخ مؤخرا من أوسع أبوابه، ففي نهاية الأسرة العشرين أقام سمندس Smendes في هذه البقاع حيث كان يسوس منها مصر السفلى بصفته مفوضا من الإله آمون، وحيث قام بتاسيس الأسرة الواحدة والعشرين التانيسية حوالي عام 1069 ق.م. وفي نفس هذا الموقع قام كل من بسوسنس Psousennes وسيأمون Siamman ثم ملوك الأسرة الثانية والعشرين الليبية بتشييد معابد كبرى لآلهة طيبة . وقد استخدموا في بنائها وتجميلها الأحجار والآثار التي اقتلعوها من بي رمسيس Pi-Ramses. ومن بعد سمندس وحتى حكم شاشانق الثالث على الأقل كان الملوك يدفنون في معبد آمون. لكن تانيس، التي كانت تعد صنوا ومثيلا شماليا لطيبة، فقد مكانتها كمقر ملكي بعد حكم بيتوباستيس الثاني Petoubastis II، وإن قام الفراعنة اللاحقون بزخرفة معابدها.

وكان ملوك هذه الفترة يدفنون بمعبد آمون. وبعد كل من بخوريس حاكم سايس وطهارقا الأثيوبي من أشهر الملوك المعروفين خلال فترة الصراعات من أجل توحيد البلاد. وفي ذات الوقت قام بعض صغار الملوك المغمورين الذين لم تتعد سلطتهم شرق الدلتا، ببناء معبد للإله "خنسو Khonsou" مثل الملك حورس سيعنختاوي Seankhtaouy (الشهير بسخم كارع Sekhemkare)، والملك جمنإف خنسوباك Gemenefkhonsoubak والمدعو نفركارع Neferkare. وبعد حكم الملك بتوباستس الثاني Petoubastis II فقدت تانيس – التي كانت تعد النظير الشمالي لمدينة طيبة – مكانتها كمدينة ملكية، وإن كانت معابدها ظلت تلقي العناية من الفراعنة اللاحقين، وأعيد إصلاحها في عصر البطالمة.

تاوسرت Tousert

(1192 – 1190 ق.م – الأسرة التاسعة عشرة)

هذا الاسم – أو "تاهوسر" حسب كتابة شمبليون له – استعارة الروائي الفرنسي "تيوفيل جوتييه" ليطلقه على المومياء الجميلة التي ورد ذكرها في روايته، والتي كان مصيرها غريبا وغير مألوف. لكن "تاوسرت" التي ذكرها المؤرخون ليس بينها وبين البطلة وليدة خيال الأديب جوتييه أي علاقة : كانت "تاوسرت" زوجة عظمى للملك ستي الثاني (1204 – 1198 ق.م) . فقامت بعد وفاة زوجها بدور الوصية على سيبتاح Siptah ابن إحدى زوجات الفرعو الثانويات، والذي استطاع رئيس الخزائن الأكبر المدعو "باي Bai" أن يساعده على اعتلاء عرش أبيه"، ثم تولت تاوسرت الحكم بعد سيبتاح كفرعون كامل، وأصدرت لنفسها خرطوش التتويج، كما أسست في طيبة معبدها الجنائزي الخاص بها.

وبعد مرور حوالي خمسة عشر عاما على وفاة رمسيس الأعظم، بدأت المملكة تمر بأزمة خطيرة وغدت السلطلة موضع صراع بين ثلاثة من المتنازعين الذين قاموا بحفر قبورهم في وادي الملوك: أولهم: مالك شرعي ولكنه قاصر ومعوق ، قام بتغير مناهجمه فحول ألقابه في العام الثاني من حكمه (فأصبح مرنبتاح – سيبتاح بعد أن كان رمسيس – سيبتاح) .

وثانيهم: كان من صناع الملوك، ومن المعتقد أنه ذو أصل أجنبي، فهو أحد الأسرى الأجانب الذين رباهم رمسيس الاثني في قصره واصبح صاحب حظوة في البلاط فيما بعد.

ثالثهم: سيدة وارثة بدون شك من أصل ملكي كانت تقوم بالدور الأنثوي اللازم في إطار الملكية، ثم أصبحت في النهاية رابع "فرعونة" عرفها التاريخ، كان حكمها الشخصي حكما خاطفا ، يعد بمثابة تحديد لنهاية الأسرة التاسعة عشرة، ولقد عثر على إناء منقوش عليه خرطوش باسم تاوسرت في دير علا Alla بالأردن.

وفي الواقع فقد شهدت تلك الفترة تقهقرا للسيادة المصرية في آسيا، في حين أن رجال البلاط المنحدرين من أصل آسيوي، وكذلك المجندين السوريين المتآمرين هم الذين كانوا يتولون أمر القانون في البلاد. وبذا أصبح التخريب والتدمير والمغالاة في فرض الضرائب الباهظة، كالمعتاد، من المظاهر المباشرة أو المؤجلة للإنتقام وتصفية الحسابات. ولقد تجاهلت التقاليد خلال الأسرة لاعشرين ذكر فترة حكم كل من سيبتاح وتاوسرت.

تتابع الأزمنة (التأريخ)

تعود الحضارة المصرية الفرعونية إلى أسحق عهود التاريخن فذا فإن تحديد تاريخ بداية ونهاية حكم أي ملكم ملوك مصر يعتبر من الأسئلة غالبا ما يطرحها المتخصصون. لذلك علينا أن نغفر لهم عدم تمكنهم عادة من تقديم إجابة شافية دقيقة بخلاف وضع الملك المقصود معرفة مدة حكمه في حدود عشر سنوات أو نصف قرن (وقد يكون التقدير بالقرن بالنسبة للعصور الأقدم) أو القول بأن فرعونا ما قد حكم فعلا خلال "س" من السنين على الأقل. ولا ريب أن التواريخ المقدمة في هذا الكتاب عندما تكون متعلقة باحداث سابقة لعام 700 ق.م لا تحدد سوى ترتيب المدى الزمني المحتمل، ولاينبغي أن نندهش إطلاقا من الفروق المختلفة التي يظهرها تتابع الأزمنة وتسلسلها في جداول المؤلفات الممتازة للتاريخ المصري القديم. إذن ما هي السب التي نستطيع بواسطتها أن نقترب على ألأقل من تواريخ أحداث التاريخ المصرين بل ونقدر بدقة مراحل هذا التاريخ على وجه الخصوص؟ من الممكن الوصول إلى هذين الهدفين بوسيلتين متتابعتين: وضع "تسلسل نسبي" لتحديد تتابع الملوك، والأحداث الثقافية، ثم بعد ذلك البحث عن "التسلسل المطلق" الذي يضع الأحداث داخل نطاق التقويم العالمي، وتبعا لذلك مع التاريخ العام (بداية من نقطة الصفر للعصر القبطي).

ولا خلاف في أن كل حكم كان يعيد من جديد خلق وتكوين حقبة تاريخية تنتهي مع موت الملك، كما أن تغيير السنوات كان يتحدد بالشروق الشمسي المرتبط بنجمة "الشعري اليمانية (Sirius) Sothis" . وجد أن العام الأول لحكم أحد ملوك الدولة لاوسطى تم إرجاعه رسميا إلى بداية هذه السنة "المدنية" التي تتبع تسلمه السلطة. وفي الدولة الحديثة كان العالم الثاني يبدأ بع مرور 365 يوما بعد ارتقاء الملك للعرش. أما في العصر المتأخر كان العام الثاني يبدأ يوم ظهور نجمة العشري اليمانية اللاحق للتويج (وبذلك قد ينحصر العام الأول في عدة أيام فقط). وقد يسهل علينا غلمامنا بهذه الخصائص وضع تسلسل تاريخي كامل عن طريق جمع فترات حكم الملوك، لكن من دواعي الأسف أن الوثائق التي وصلتنا لا تحدد لنا تاريخ نهاية حكم كل ملك من الملوك(فهناك بعض الفراعنة لا نعرف سواء أسمائهم فقط) . وفي الواقع فقد تمكننا من تحديد تتابع الملوك في مجموعه، بيد أن بعض الفترات التاريخية قد شهدت حكم العددي من الفراعنة في نفس الوقت، وقد يكون مبعث ذلك التنافس فيما بينهم أو المشاركة السلمية في الحكم.

إن وسيلة الثغران وإزالة الغموض من المصادر توجد في الأعمال النادرة المعروفة للمؤرخين المصريين. وقد بقي من النصوص التاريخية التي دونها الكاهن المصري مانيتون باللغة لايونانية ملخص استعان به علماء تتابع الأحداث التاريخية في العصور الرومانية والبيزنطية، إذ يقدم قائمة بأسماء الملوك مقسمة إلى ثلاثين أسرة، مع تحديد فترة حكم كل منهم، بعدد السنين الخاصة بذلك، كما أن التواريخ التي وردت في أعمال هذا المؤرخ نالها شيء من التبديل والتغيير بسبب النقل أو الإقتباس من القوائم الملكية السابقة لعهده. ولقد سمحت الظروف الطيبة أن تصل إلينا إحدى البرديات التي تعود إلى عصر الملك رمسيس الثاني باسم "القائمة الملكية لتورين" ، وهي سجل دقيق لفترات الحكم، ولكن لم يتبق منها الآن سوى بعض شذرات . هناك كذلك ذلك الأثر النفيس الذي دمر هو الآخر (المعروف باسم "حجر بالرمو" وبعض الأجزاء المتناثرة المكملة له) ، والذي يعدد الأحداث البارزة من المنشأ حتى أواسط الأسرة الخامسة (وحتى العلماء الذين يعدونه بمثابة نخسة أو تجميع مقلد أعد خلال الأسرة الخامسة والعشرين، يعتبرونه مختصرا مقبولا يمن الرجوع إليه) . كما أن المعلومات التاريخية لهذه الأعمال التركيبية قد تمت مضاهاتها بالقوائم الملكية المنحوتة على جدران المعابد (مثل معبد أبيدوس) والمقابر (في سقارة) لأغراض ثقافية ، بالإضافة إلى لاسير الذاتية الخاصة بالملوك وأصفيائهم والمحيطين بهم.

ولا شك أن العصور الفردية للملوك والتعاقب الأسرى يقدمان إطارا فسيحا يسمح بتأريخ المواد التي لا تحمل تاريخا صريحا واضحا، كما أن القطع الأثرية التي تتضمن نصا أو قرينة مثل الخرطوش الملكي، أو اسم شخصية شهيرة في إطار عصر ما يمكن الإستعانة بها كمرجع نموذجي، ويصلح هذا الأسلوب لتحديد أي حدث عارض أو مفتعل، بداية من البقايا المعمارية إلى الأدوات الشائعة. ولقد أمكن تدريجيا تتبع تسلسل الأنشطة لاثقافية للمواد المختلفة، في المجال الزمني الخاص بها، وعلى مر الحقبات التاريخية في دقة متناهية أحاينا ، كما أن دراسة علم طبقات ألأرض، وتطور الإنشاءات وامتداد رقعة الجبانات والتغيرات الخاصة بالطقوس الجنائزية تعزز وتؤكد معرفتنا بالتتابع النسبي.

ولربط هذا التتابع النسبي بالتتابع المطلق يعتمد علماء الآثار المصرية على وسيلة خاصة بهم مستمدة منالنظام التقويمي الخاص بقدماء المصريين، فلم تكن السنة المصرية تتعدى 365 يوما ، يخصم منها يوم واحد كل أربع سنوات، ولهذا كانت تتناقض تدريجيا عن حقيقتها الفعلية بما يعادل شهرا على مدى مائة وعشرين عاما. ولذلك لوحظ أن موسم الحصاد كان يتفق وقوعه أحيانا مع موسم الفيضان، ولم يكن الحساب الرسمي يعاود تطابقه مع السنة الطبيعية الفعلية إلا بعد انقضاء 1456 عاما. وكان المصريون يتأقلمون ويتعايشون تماما مع هذه السنة المتحركة ، ومع هذا التقويم المشتق منها لدرجة أن الملك بطلميوس الثالث فشل في أن يجعلهم يتقبلون أن يدمجوا به السنوات الكبيسة التي فرضها عليهم الإمبراطور أوغسطس Auguste بعد ذلاك . ومع ذلك فقد لاحظ المصريون أن شروق الشمس مع بزوغ نجم الشعري اليمانية Sothis كان يتوافق مع موعد بداية الفيضان، ولذا اعتبروه يوما من أيام أعيادهم.

وعلى هذا النحو يكفي ان يثبت أحد النصوص أنه قد تم الاحتفاظ بظهور "نجم الشعري اليمانية" في يوم ما من حكم أحد الملوك لكي نتمكن من تحديد التاريخ بما يقرب من التاريخ الفلكي بأربعة أعوام، (فالمعطيات الخاصة بالتتابع الزمني النسبي تعد كافية لتجنب أي تردد حول دورة ال1460 سنة التي سيحدد الحدث التاريخي في نطاقها). ولا نملك سوى خمس وثائق من هذها لانمط ، ترجع إحداها إلى الدولة لاوسطى، بينما ترجع الأربعة الأخرى إلى لادولة الحديثة.

وتدعونا بعض التواريه الملكية تكملها الإشارة إلى مرحلة من مراحل القمر إلى وضع تأريخ وفيق، ولكن تأويل هذه المعطيات المنبثقة من دورة قصيرة تعد مثار جدل، إذ يلقى تطبيق النظرية المبنية على شروق نجمة الشعري اليمانية" الكثير من النقد النظري بما يتذمنه من اعتراض على بعض التفاصيل (عدم التأكد من خط العرض الذي شوهد منه بزوغ ذلك النجم).

وتوفر الدعائم القوية للتأريخ التي تعمل وسائل المعلومات الأخرى على تأكيد صحتها، ومن ضمن هذه الوسائد التأريخ التقريبي للقطع الأثرية بقياس الإشعاع الذاتي المتخلف من النظير المشع للكربون الذي يمتصه الكائن الحي ومن ثم يحدد تاريخ موت الأجسام العضوية (مثل البقايا العظيمة، والمواد العضوية التي تنتج عن حادث عارض أو مفتعل)، وتعتبر تقنية (الكربون 14) هذه التي تشه8د تقدما وتطورا في أساليبها، والتي تعمل على تصغير هوامشها التقريبية (في إعطاء المعيار المطلوب من خلال التسلسل التدريجي لأخشاب الأشجار) تعتبر ذات قيمة كبيرة خاصة للعصور الطاعنة في القدمن وبالمثل بالنسبة لتأريخ المواد الفخارية عن طريق الإضارة الحرارية Thermoluminescence.

وهناك طرق أخرى للتحقيق توفرها سلسلتان من التزامن التاريخي مع الحضارات المجاورة مثل التزامن الأثري وتزامن النصوص، فالأول يبدو أقل دقة، إذ أن وجود بعض الأحداث المصرية العارضة الخاصةب إحدى الأسر في موقع ما في آسيا أو إيجة قد يوحي لأول وهلة بأن هذا الموقع كان يعاصر تلك الأسرة، والعكس صحيح. فإن العثور على بعض القطع الأثرية الآسيوية أو الإيجية بموقع مصري، قد يوحي بأن هذا الموقع كان موجودا في الوقت الذي صنعت فيههذه القطع، ولكن القطعة الأثرية في حد ذاتها لا يمكن أن تقدم إلا كبديل عن الحدس والتخمين.

وبالمقابل فإننا عندما نلاحظ أن العديد من المظاهر المستوردة في العديد من مراكز تشكيل المعادن تنتمي إلى شكل واحد معين، تم تحديده من التسلسل التاريخي، فإن التزامنبين الثقافة المستوردة والثقافة المصدرة يبدو واضحا. كما أن النتائج التي توصل إلهيا كل من علماء آثار آشور وعلماء الآثار الذين تخصصوا في حضارات الشرق الأدنى تتطابق تماما مع النتائج التي توصل إلهيا علماء الآثار المصرية في نطاق البحث حول "نجم الشعري اليمانية"" . وبالطبع فإن التزامن في نطاق النصوص والكتابات يعد أكثر دقة ن ولكنه أكثر محلية وانحصارا في أماكن التزامن في نطاق النصوص والكتابات يعد أكثر دقة، ولكنه أكثر محلية وانحصارا في أماكنه المحددة ، ويمك نالحصول عليها بوجه الخصوص من خلال الحكايات والقصص التاريخية، والوثائق الدبلوماسية لاتي تبين لنا أن ملكا ما من ملوك مصر قد عاصر ملكا ما من ملوك الشرق الأدنى .

إن التواريخ التي في حوذتنا ابتدأ من العام 7200ق.م صحيحة ودقيقة، على الأقل من ناحية السنة التقريبية، وبالرجوع إلى التواريخ التي مترتبة على شروق "نجم الشعري اليمانية" ، وبالعديد من التزامنات مع الممالك الأجنبية، فإن تحديد فترة حكم الأسر من الثامنة عشرة إلى العشرين لا يشوبه أي شك. وقد نتج عن بعض التعديلات الحديثة إرجاع تاريخ تتويج رمسيس الثاني من عام 1290 ق.م. (كما حدده لنا كتاب التاريخ القديم الذي وضعه مجموعة من علماء كمبريدج Cambridge Acnient History) إلى عام 1279 ق.م. على أكثر تقديرز أما الأسرة الثانية عشرة فقد تحدد تاريخها في أوائل الألف الثانية قبل الميلاد بفضل التطابق مع نجم الشعري اليمانية. ومن المنتظر أن يغطي تطور التقنيات الفيزيائية على كل حال فترة الألف الثالثة قبل الميلاد التي تفتقر إلى أي تزامن تاريخي دقيق مع الخارج أو أي تواريخ مرتبطة بشروق نجم الشعري اليمانية، ويلاحظ أن مجموع فترات الحكم الثيني والمنفى، بقدر ما نعرفه عنه من خلال الوثائق الخاصة بتلك الحقب التاريخية والقصص والأخبار ، تتفق بصفة عامة مع كل ما جاء في بردية (تورين) عن هذه الفترة (حوالي تسعة قرون ونصف). وبخلاف ذلك فإن التردد بخصوص تحديد تاريخ تتويج الملك مينا Menes، مؤسس الأسرات من وجهة نظر الكتاب المرموقين ينحصر في نطاق ثلاثة قرون.