موسوعة أعلام الفكر العربي

موسوعة أعلام الفكر العربي، الجزء الرابع، هو كتاب علمي من تأليف سعيد جودة السحار ، مكتبة مصر ودار مصر للطباعة، 2003. يتناول اأعلام المفكرين والفنانين والعلماء.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

امرؤ القيس : (497 – 545م ) ( 130 ق.هـ - 80 ق.هـ)

‏هو الملك الضليل جندح بن حجر بن عمرو الكندي ، كان أبوه ملك بني أسد وسليل الملوك من كندة ء وأمه أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة . شب في مدارج المجد والنعيم ، فانغمس فى شرب الراح ومغازلة النساء وعاش في مطلع حياته عيشة اللهو والمجون ء فطرده أبوه وهو أصغر أولاده .

‏خرج امرؤ القيس في زمرة من أخلاط العرب يرتادون الرياض ء فإذا صادفوا غديرا خيموا عليه وطفقوا يلعبون ويعاقرون الراح ويصيدون الوعول والطيور ء حتى إذا نضب الماء وذوى العشب تحولوا عنه إلى غيره ، ولم تزل تلك حاله ‏حتى بلغ ``دمون`` من أرض اليمن . وفى تلك الأثناء انقض بنو أسد على أبيه حجر وقتلوه‏. و( أتاه نعى أبيه قال.

‏ضيعني أبى صغيرا ، وحملني دمه كبيرا .. لا صحو اليوم ولا سكر غداً. اليوم خمر ، وغداً أمر.

‏ثم آلي على نفسه ألا يأكل لحما ولا يشرب خمراً ولا يدهن عطرا حتى يقتل من بني أسد مائة ويجز ‏نواصي مائة • فلما أجنه الليل شاهد برقا وقال:

‏أرقت لبرق بليل أهل .... يضيء سنا وبأهل الجبل

‏أتاني حديث فكذبته .... بأمر تزعزع منه القلل

‏بقتل بني أسد ربهم .... ألا كل شيء سواه جلل

‏فلما كان الغد استنجد أخواله بكرا وتغلب ، وسار إلى بنى أسد فأوقع بهم ، ثم طلبوا أن يفدوه بمائه من وجوههم فأبى ، فتخاذلت عنه بكر وتغلب ، وطلبه المنذر بن ماء السماء لموجدة كانت في نفسه على قومه ، فأمده كسرى أنوشروان بجيش من الأساورة فتفرقت جموع امرؤ القيس خوفا من المنذر .

‏وسار هو فى القبائل يطلب النصر حتى سدت عليه وجوهه فاتجه إلى قيصر الروم ``جوستنيان`` فأكرم وفادته وطمع أن يكون امرؤ القيس قوة له ‏في العرب ليضعف نفوذ الأكاسرة ، فجهزه بجيش وسيره ، وقيل لقيصر : (( إنك أمددت ملوك أرضك رجلاً من العرب وهو أهل غدر . . فإذا استمكنوا مما أرادوا وقهروا عدوهم غزوك أنت )).

‏ويزعم المؤرخون أنه لما فصل امرؤ القيس بالجنود ودخل الطماح الأسدى على قيصر ، فوشى به وحمله عليه انتقاما منه لقتله أباه‏، فبعث إليه قيصر بحلة مسمومة ، وقد بلغ أنقره من بلاد ‏الروم فتقرح جسده وانتهى أمره . وقد اعتر ف النقاد لامرئ القيس بالصدارة والشاعرية وقال عنه لبيد دن ربيعة :

أشعر الناس ذو القروح

‏واجتمع عند عبد الملك بن مروان أشراف ‏من الناس والشعراء فسألهم عن أرق بيت قالته العرب فاجتمعوا على بيت امرئ القيس :

‏وما ذرفت عيناك إلا لتضربي.... بسهميك في أعشار قلب مقتل

‏وقال أبو عبيدة بن الجراح عنه : (( هو أول من قيد الأوابد . . فتبعه الناس على ذلك )) وفضله على بن أبى طالب • كرم الله وجهه • على شعراء الجاهلية جميعاً وقال عنه : ‏(( رأيته أحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة )). ومن أجمل ما قال :

مكر مفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل.

مات امرؤ القيس ودفن بحبل عسيب بأنقرة سنة 545 ‏م .


الخليل بن أحمد : ( 718 م -_ 786م) ( 100 ‏-_ 170هـ ‏)

‏ولد الخليل بن أحمد الفراهيدى في عمان سنة 100 هجرية . وهو مؤسس علم العروض وواضع أول معجم عربي. ترك موطنه باكراً إلى البصرة ، وعاش فيها . ومن العلماء الذين تلقى عليهم علومه : أبو عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر ، وأيوب السختيانى البصري وعاصم الأحول وغيرهم ، فاجتمع له من العلوم والمعارف ما أتاح له أن يكون أستاذ البصرة فى عصره. وكان الخليل _ إلى علمه الغزير _ متواضعا زاهدا ورعاً يحج كل سنتين مرة، ويعيش في خص من أخصاص البصرة . وكان سليمان بن حبيب بن أبى صفرة والي فارس والأهواز يدفع له راتباً بسيطاً يعينه به ، فبعث إليه سليمان يوماً يدعوه إليه ، فرفض ، وقدم للرسول خبزاً يابساً مما عنده قائلا : ما دمت أجده فلا حاجة بى إلى سليمان وقال :

أبلغ سليمان إني عنه في سعة... وفي غنى غير أنى لست ذا مال

شحا بنفسي إني لا أرى أحداًً... يموت هزلا ولا يبقى على حال

الفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

‏فقع سليمان عنه الراتب ، فأرسل إليه الخليل :

‏إن الذي شق فمي ضامن... للرزق حتى يتوفاني

حرمتني خيراً قليلا فما ... زادك في مالك حرماني

وحين وصل ذلك إلى سليمان، اضطرب واعتذر من الخليل وأعاد إليه راتبه.

‏واجتمع يوماً وابن المقفع وتحدثا حتى الفجر، فلما افترقا قيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ أجاب: رأيت رجلا علمه أكثر من عقله. وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فأجاب : رأيت رجلأ عقله أكثر من علمه . والخليل هو أستاذ في سيبويه واضع ((الكتاب)) : أول وأفضل كتب النحو ، فإننا حين نقرأ في ((الكتاب)): سألته. أو قال . من غير أن يذكر الضمير، فإنه يعنى الخليل بن أحمد. ومن تلاميذه أيضاً الكسائى والأصمعي والنضر بن شميل وغيرهم !

‏وضع الخليل بن أحمد أسس علم العروض ، فكان يقضى الساعات ذاهلأ عن نفسه يرفع أصابعه ويحركها ببطء لضبط أوزان ما يتمتم به م الشعر وتنسيقها ، وقد استطاع ضبط أوزان خمسة عشر بحراً ، يجري عليها النظم حتى اليوم ، وزاد عليها الأخفش (الأوسط) بحر الخبب ، فصارت ستة عشر بحراً .

‏ويعتبر ((معجم العين )) للخليل أول معجم اعترف به القدماء والمحدثون، وكان هدف الخليل منه ضبط اللغة وحصرها، فبدأ بترتيب الحروف، ثم تقسيم الأبنية، وأخيراً بتقليب اللفظة على أحد أوجهها. نظر إلى الحروف على أنها أصوات تخرج من جهاز النطق ، فوجد العين أدخل الحروف فى الحلق . فكان ترتيبه : ع ح هـ - خ غ - ق ك - ج ش ض - ص س ز - ط د ت - ظ ث ذ - ف ب م - و ا ي - الهمزة . وسمي المجموعات على التوالي : حلقية ، ولهوية - وشجرية - وأسلية - ونطعية - ولثوية - وذلقية وشفوية ، وهوائية ، وسمى معجمه بأول حرف فيه ((العين )) . وبعد أن رسم الخليل منهجه طبقه خطوة خطوة ، وقد أشار في شروحه إلى القلب والنحت ، والأضداد ، والمعرب ، كما عالج بعض المسائل النحوية ، واعتمد شواهد نثرية وشعرية وقرآنية ، وعني باللهجات واللغات .

‏ومن مؤلفاته : كتاب الإيقاع - تصريف الفعل - التفاحة ، في النحو - جملة آلات العرب - شرح صرف الخليل - الشواهد - العروض - فاتت العين (وهو على ما فاته في كتابه المعجم الموسوم بالعين) - في العوامل - في معنى الحروف -. النغم - النقط والشكل - العين وهو أول معجم عربي في تاريخ اللغة العربية.

الأصمعي: (740 - 871 ‏م) ( 122 هـ -213 ‏هـ )

‏ولد أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن على بن أصمع بالبصرة سنة 122 هجرية ، ونشأ متنقلاً بين البوادي يقتبس علومها ويتلقى أخبارها ويتحف بها الخلفاء . وقد قال عنه الأخفش : ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي، وقد أطلق عليه هارون الرشيد شيطان الشعر . وكان أتقن القوم للغة وأعلمهم بالشعر وأحضرهم حفظاً.

‏قال الأصمعي للكساثى وهما عند الرشيد : ما معنى قول الشاعر:

‏قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ودعا فلم أر مثله مقتولا

‏قال الكسائى : كان محرما بالحج ، وقال الأصمعي فقوله :

‏قتلوا كسرى بليل محرما فتولى لم يمتع بكفن

‏فهل كان محرما بالحج ؟ فقال هارون للكساثى : يا على ، إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي.

قال المبرد فى الكامل : قوله د« محرماً» يريد فى الشهر الحرام وكان قتل فى أيام التشريق .

‏وكان الأصمعي صدوقاً في الحديث ، أخذ عن عبد الله بن عون وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والخليل بن أحمد . وكان الأصمعي يتقى أن يفسر حديثا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك القرآن الكريم.

‏وقد أثنى عليه الإمام أحمد بن حنبل لعلمه بالسنة ، وقال الشافعي عنه : ما رأيت أصدق من الأصمعي . وقال نصر بن على: حضرت الأصمعي وقد سأل سائل عن معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ((جاءكم أهل اليمن وهم ابخع نفسا » ما معنى ابخع ؟

‏قال : يعنى : أقبل . ثم أقبل متندماً على نفسه كاللائم لها .

‏فقلت له : لا عليك ، فقد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى نجيع عن مجاهد فى قوله تعالى : (( فلعلك باخع نفسك)) ‏أي قاتل نفسك فكأنه سرى عنه .

‏من مؤلفات الأصمعي :

‏كتاب خلق الإنسان - الأجناس - الأنواء - الهمز - المقصور والممدود - الصفات - الخيل - الوحوش - الإبل - الأوقاف - فعل وأفعل - الأمثال - الأضداد - الألفاظ - السلاح - اللغات - الاشتقاق - النوادر - أصول الكلام - القلب والإبدال - الأراجيز - معاني الشعر - ما اتفق لفظه واختلف معناه - غريب الحديث - نوادر الأعراب - النسب - الأصوات - المذكر والمؤنث - المترادف .

‏توفى الأصمعي بالبصرة سنة ثلاث عشرة ومائتين ويقال سبع عشرة ومائتين فى خلافة المأمون.

‏قال أبو العتاهية عنه :

أسفت لفقد الأصمعي لقد مضى ... حميداً له فى كل صالحة سهم

تقضت بشاشات المجالس بعده ... وودعنا إن ودع الأنس والعلم

وقد كان نجم العلم فينا حياته ... فلما انقضت أيامه أقل النجم


‏الخوارزمي: ( 780 - 847 ‏م) ( 164 هـ - 235 ‏)

‏ولد أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي؛ في بلدة خيوى جوب خوارزم سنة 64 ‏ا هجرية وقد برز ولمع اسمه في عصر الخليفة المأمون ، وتبوأ منزلة رفيعة بين علماء عصره ، ثم صار رئيسا لدار الحكمة وواحدا من كبار الفلكيين بمرصد بغداد.

‏للخوارزمي بحوث ومؤلفات في العلوم الرياضية (الحساب والجبر والهندسة) وعلم الهيئة (الفلك) والجغرافيا والموسيقى ، وقد حاز ثقة الخليفتين المأمون والواثق اللذين كلفاه ببعض المهام العلمية الخاصة وأنفذاه في بعض البعثات العلمية .

‏وينسب إلى الخوارزمي أكثر من خمسين مؤلفا في العلوم المذكورة ضاع معظمها ففي علم الحساب : نقل الخوارزمي نظام الأعداد الهندية وألف فيه ، كما ألف كتابا غير مسبوق فى الحساب بوبه بطريقة مبتكرة ، وكان أول كتاب في الحساب يدخل أوربا بعد أن ترجمه المترجم الإنجليزي "أديلارد الباثى "، وقد ظل مرجعا للعلماء والتجار في أوربا قرونا طويلة ، وأطلق الأوربيون على الكتاب اسم مؤلفه "الخوارزمي " وعمم هذا اللفظ على علم الحساب نفسه فصار ولعدة قرون يعرف باسم Algoritmi ‏وهو من أدخل على الأعداد النظام العشري واستخدم الصفر .

‏والخوارزمي أول من ألف في الجبر : فالجبر علم عربي إسلامي خوارزمي - نسبه إلى الخوارزمي - خالص • فالثابت المؤكد أن عالمنا الخوارزمي هو مؤسس هذا العلم كعلم مستقل عن الحساب ، وهو الذي أطلق عليه هذا الاسم الذي يعرف به في كل اللغات تقريبا : فحين وضع أسس علم الجبر ألف فيه كتابا هاما سماه كتاب "الجبر والمقابلة " ، وغلب اللفظ الأول على اسم هذا العلم الوليد فصار يعرف به.

‏ولكتاب " الجبر والمقابلة " أهمية علمية وتاريخية عظيمة ، وقد ترجمه الإنجليزي "روبرت التشسترى " إلى اللاتينية ليصبح من أهم روافد النهضة العلمية الأوربية ، فقد ظل كتاب "الجبر والمقابلة " يدرس في الجامعات والمدارس الأوربية حتى القرن السادس عشر الميلادي.

‏وفي حساب المثلثات : درس الخوارزمي حساب المثلثات وبحث فيه ، ونشر أول جداول مثلثية عربية تناول فيها الجيوب والظلال . وقد ترجمت هذه الجداول إلى اللاتينية فى القرن الثاني عشر الميلادي.

‏وفي علم الفلك : شارك الخوارزمي في قياس محيط الأرض الذي جوى في عهد الخليفة المأمون ، حيث قام العلماء بحساب الدرجة القوسية التي استخدمت بدورها في حساب محيط الأرض ونصف قطرها بدقة أكبر من القياس الذي قام به الرياضي اليوناني الإسكندرى "إراتوستنيز" ‏.

‏ووضع الخوارزمي جداول فلكية منها "السند هند" الصغير الذي وضعه على غرار كتاب "السند هند" الشهير ، كما صنف في الفلك مؤلفات هامة منها كتاب "العمل بالإسطرلاب " وكتاب "جدول النجوم وحركاتها ".

‏وفي الجغرافيا ألف الخوارزمي كتاب "صورة الأرض" الذي صحح فيه آراء بطليموس وضمنه خرائط أدق من خرائط بطليموس ، كما ألف أيضا كتاب "تقويم البلدان".

‏ترجمت كتب الخوارزمي إلي عدد من اللغات الأوربية والعبرية والصينية وظلت تدرس في جامعات أوربا حتى القرن السادس عشر الميلادي .


‏الكندي: ( 801‏م - 868 ‏م) ( 185 - 254 ‏هـ)

‏هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي ، كنيته أبو سيف . وهو أحد أبناء ملوك كندة ، ولد في الكوفة سنة 185هجرية ، ونشأ في البصرة ثم انتقل إلى بغداد ، ودرس علوم عصره ، فتعلم الطب والفلسفة والفلك والموسيقى والهندسة .

‏ظهر نبوغ الكندي باكراً ، فاتصل بالخليفتين المهدي والرشيد ، كما كان مؤدب ابن المعتصم . ‏درس الكندي السريانية واليونانية ، واطلع على كتب أرسطو وأفلاطون ، وقرأ كتب الأقربين ومعاصريه في العلوم كافة ، كان ذكياً وذا حافظة مميزة . وكان فاضل دهره في معرفة العلوم بأسرها وفيلسوف العرب .

‏يعد الكندي أول فيلسوف مشائى عربي ، وهو المؤسس الأول للفلسفة العربية التوفيقية . ابتكر مصطلحات وتعريفات في الفلسفة استعان في بها مفكرو الإسلام بعده ، فحسنوا وكيفوا تبعا لنسق تفكيرهم وفي طليعتهم الفارابي فيلسوف الإسلام الأكبر . ورأى الكندي أن الفلسفة علم نبيل شريف يقوم على معرفة الحق الأول الذي هو كل حق ، وأنه لا بد على كل فيلسوف أن يكون كاملأ التعمق بأمور الفلسفة.

‏توصل الكندي إلى فكرة نفى التقاليد السائدة للبحث عن إمكانية تحويل المعادن النجسة إلي معادن ثمينة وأكد وجود الذهب والفضة في المناجم فقط. ووضع طريقة لحفظ السيوف من الصدأ، كما صنع العطور عن طريق التقطير والترشيح. وله رسائل في كيفية صناعة الفولاذ والسيوف واستخدام الحديد وتطويعه . وللكندي في الفلسفة كتب عديدة ، منها :

‏إلاهيات أرسطو - القول في النفس - ماهية العقل - الفلسفة الأولى فيما بين الطبيعيات والتوحيد - كتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى - الحث على تعلم الفلسفة .

‏وللكندي في الموسيقى مؤلفات عديدة ، منها : "رسالة في خبر صناعة التأليف " وفيها : الأبعاد – الأجناس- الجموع- المقامات - الانتقالات للحون - أنواع البناء اللحني - وله الرسالة الكبرى في التأليف .

‏وله "رسالة في أجزاء خبرية في الموسيقى " يتناول فيها : الإيقاعات ، واختبار الإيقاعات للأسفار والأزمنة الملائمة لها ، ومشاكلة الألحان للفلك والبروج وتأثيرها في النفس .

‏وللكندي مؤلفات عديدة في الفلك، فقد درس علم النجوم، وأعاد بعض الظاهرات والحوادث إلي أسباب فلكية اعتنى بتبيانها، وبرهن ببراهين رياضية حول تناهى العالم وإنكار الخلاء وكروية الأرض والسماء. وله في ذلك : رسالة في التنجيم - اختيار الأيام - تحاويل السنين - ذات الشعبتين (آلة فلكية) - الشعاعات - رسم المعمورة - رسالة في علل الأوضاع النجومية - رسالة في ظاهريات الفلك - رسالته في أن العالم وكل ما فيه كروي .

‏وله أيضاً في الهندسة والكيمياء وعلوم عديدة أخرى كتباً، فاق مجملها - كما تقول بعض كتب التراجم - الثلاثمائة كتاب. منها : أقسام العلم الأنسى ، كتاب في تأليف الأعداد، كتاب في علل أحداث الجو ، كتاب في الغذاء والدواء المهلك . كتاب في عبارات الجوامع الفكرية _ كتاب في أوائل الأشياء المحسوسة - رسالته في التوحيد من جهة العدد - رسالة في صناعة الشعر - رسالته في الطب البقراطي ، رسالته في البرهان - رسالته في جواهر الأجسام - رسالته في المسائل - رسالته في تغيير الأطعمة - رسالته في وجع المعدة والنقرس - رسالته في تدبير الأصحاء - رسالته في التمجيد - رسالته في علة النوم والرؤيا وما يرمز به للنفس .


‏أبو تمام : ( 804 - 847 ‏م) ( 88 ‏ا - 231 ‏هـ)

‏ولد حبيب بن أوس الطائي بقرية "جاسم " من أعمال دمشق سنة 188 ‏ هجرية ، ثم انتقل أبوه إلي دمشق يحترف الحياكة وهو معه في خدمته . فارق والده الحياة وهو في سن صغيرة ، فلما ترعرع غادر دمشق إلي مصر ، فكان يسقى الماء بجامع عمرو بن العاص ويستقى من أدب علمائه ، واستطاع بعد فترة وجيزة أن يحفظ الأشعار ويحاكى الشعراء ، حتى بلغ من الشعر مبلغا طيبا. وقد سار به شعره إلى أسواق الأدب في أنحاء مصر ، فغادر مصر يغشى منازل الكرماء ، ويتفيأ ظل النعمة ، فأقبل عليه عشاق الأدب والمدح إقبالا كبيرا ، ثم اتصل بأحمد بن المعتصم ومدحه فأجازه بولاية بريد الموصل فوليها عامين . وكان أبو تمام أسمر اللون طويل القامة، ذكى الطبع حاضر البديهة، قوى الذاكرة، وكان يمتاز بروح المغامرة، وشدة البأس وقيل إنه كانت لديه ملكة الحدس. وكان يركب الأهوال في سفره جلداً فمن قوله :

ذرينى وأهوال الزمان أخانها... فأهواله العظمى تليها رغائبه

وقيل أنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة غير القصائد والمقطوعات.

‏كان أبو تمام صادقاً في رثائه وأشعر الناس في المراثي كما قال أبو القاسم الأمدى . ومن قول أبو تمام:

إلا إن في كف المنية مهجة... تطل لها عين العلا وهى تدمع

هي النفس إن تبك المكارم فقدها... فمن بين أحشاء المكارم تنزع

‏تدل على عمق الفكر والوصول إلي جوهر الذات الإنسانية ، فمن ذلك قوله :

وإذا أراد الله نشر فضيلة... طويت . . أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت... ما كان يعرف طيب عرف العود

‏ومن الموافق التي تدل على اعتزاز أبى تمام بنفسه أنه لما قدم إلي خراسان أنشد الأمير قصيدة مطلعها :

أهن عوادي يوسف وصواحبه... فعزماً فقدماً أدرك السؤل طالبا

‏وحين انتهى من القصيدة نثر الأمير أبو العباس عليه ألف دينار ، فالتقطها الغلمان ، ولم يمس أبو تمام ‏منها شيئا ، فغضب الأمير وقال : " يترفع عن برى ويتهاون بما أكترمه به "

‏ومما يدل على فطنته وسرعة خاطره أنه لما أنشد "أحمد بن المعتصم " قصيدته السبنية التي يقول مطلعها.

ما في وقوفك ساعة من باس... تقضى أمام الأربع الأدراس

ووصل إلى قوله فيها.

إقدام عمرو في سماحة حاتم... في حلم أحف في ذكاء إياس

قال أبو يوسف الكندي الفيلسوف وكان حاضرا:

- إن الأمير فوق من وصفت ، وما زدت على أن شبهته بأخلاق العرب !

فأطرق أبو تمام قليلا ثم قال على البديهة.

‏لا تنكروا ضربي له من دونه... مثلا شرودا في الندى وإلباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره... مثلا من المشكاة والنبراس

‏ولما أخذت منه القصيدة لم يجدوا فيها هذين البيتين فقال الكندي الفيلسوف للخليفة : مهما طلب فأعطه ، فإن فكره يأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده ، ولا يعيش طويلا ، فولاه بريد الموصل.

وبالفعل رحل عن الحياة مبكرا وقد شارف على الأربعين. بعد أن أحدث ثورة في تشكيل القصيدة وعنى بغرابة الصورة وعمق الاستعارة والتوسع في استخدام ألوان البديع .

‏البخاري: ( 810 ‏م - 870 ‏م) ( 194 – 256 ‏هـ)

‏محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، كنيته أبو عبد الله ، ولد فى بخارى سنة 194 ‏ هجرية وإليها نسب . بدأ حفظ الحديث في الكتاب في سن العاشرة وبلغ من قوة التبصر بالحديث ما جعله يصحح ما يخطئ ‏فيه الشيوخ .

‏درس اللغة و.الحديث والفقه ، ونبغ فيها باكراً ، ثم رحل إلي الحجاز فأدى فريضة الحج وأقام في مكة والمدنية ليسمع الحديث من أئمته ولما يبلغ السادسة عشرة بعد . حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وهما محدثا عصره ، ثم سافر إلي مصر وغيرها ، وعاد إلى بخاري .

‏روى البخاري عن الضحاك بن مخلد بن أبى عاصم النبيل ، ومكي بن إبراهيم الحنظلى ، وعبيد الله ابن موسى العبسى ، وعبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن عبد الله الأنصاري .

‏كان البخاري عالما في التاريخ والحديث واللغة والفقه والرجال . أخذ عنه كثيرون منهم : الترمزى، ومسلم ، والنسائي ، ومحمد بن أحمد الدولابى ، ومنصور بن محمد البزودى .

‏للبخاري مؤلفات عديدة ، منها كتاب الكنى ، وكتاب الأدب المفرد ، وكتاب الوحدان ، وكتاب الضعفاء ، والتواريخ الثلاثة الكبير والأوسط والأصغر .

‏وأهم كتبه: "الجامع الصحيح " وهو "أصح الكتب بعد القرآن المجيد ، سمعه من أكثر من سبعين ألفاً ، وظل يشتغل في جمعه ست عشرة سنة ، وقد رتب صحيحه على ترتيب الفقه . وللحفاظ تعليقات على بعض أحاديثه ، فقد انتقدوا منها (110) خرج منها مسلم ( 32 ‏) حديثاً ، وانفرد هو منها بثمان وسبعين (78) ، ويري ابن حجر العسقلاني : "أن هذه الأحاديث التي أخذت عليه ليست عللها كلها فادحة ، بل أكثرها الجواب عنه محتمل ، واليسير منه في الجواب عنه تعسف" .

‏فالإمام البخاري من الحفظة الكبار الذين لا يدانيهم أحد ، كتب عن أكثر من ألف شيخ ، وحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف غير صحيح . قال فيه الترمذي : " لم أر في العلل والرجال أعلم من البخاري " . وقال ابن خزيمة : « ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله من محمد بن إسماعيل البخاري " . وجاءه مسلم بن الحجاج وقبله ين عينيه وقال : « دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله" .

‏يروى أن والي بخاري بعث إليه ليسمع منه فقال لرسوله : قل له إني لا أذل العلم ولا أحمله إلي أبواب السلاطين ، فإن كان لك إلى شئ منه حاجة فاحضرنى فى مسجدي أو في دارى وإن لم يعجبك هذا فأنت السلطان فامنعني من الجلوس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم .

‏لما بلغ الثانية والستين من عمره خرج إلي قرية خرتنك من قرى سمرقند وقال في دعائه بعد أن فرغ من صلاة الليل : " اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضنى إليك ".

‏وبعد أيام مرض ثم دعا بدعوات واضطجع فقضى وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر عام 256هـ .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‏مسلم: (819م – 874م) (204 – 261 هـ)

‏هو مسلم بن الحجاج بن مسلم ، كنيته أبو الحسين ، يعود نسبه إلى بن قشير وهي قبيلة عربية معروفة . ولد فى نيسابور سنة 204 ‏هجرية ، ودرس علوم عصره ، ومال إلى حفظ الحديث وروايته ، فرحل في طلبه . ففي خراسان سمع من يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهوية ، وفى الري سمع من محمد بن مهران ومن أبى غسان ، وفى الحجاز سمع من سعيد بن منصور بن أبى مصعب ، وفى العراق سمع من أحمد ابن حنبل ومن عبد الله بن مسلمة ، وفى مصر سمع من عمرو بن سواد ومن حرملة بن يحيى .

‏أجمع العلماء على إمامة مسلم في الحديث وعلى تضلعه في الرواية ، وقد روى عنه كثيرون ، منهم : الترمذي ، وأبو حاتم الرازي ، وأحمد بن سلمة ، وموسى بن هارون ، ويحيى بن صاعد ، ومحمد بن مخلد ، والفراء ، والقباني ، وإبراهيم بن محمد بن سفيان .

‏وأهم كتبه "الصحيح " ، وصحيحه مع صحيح البخاري من أصح الكتب بعد القرآن المجيد . وكان مسلم شديد الاعتزاز بكتابه ، لما بذل فيه من الجهد ، فقد صنفه من _ثلاثمائة ألف حديث ، وكان من أجل ذلك يقول : لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند - يعنى صحيحه» .

قال أحمد بن سلمة : " كتبت مع مسلم فى تأليف صحيحه خمس عشرة سنة وهو اثنا عشر ألف حديث " . وقال ابن الشرقي : سمعت مسلما يقول : " ما وضعت شيئا في كتابي هذا (المسند) إلا بحجة وما أسقطت منه شيئا إلا بحجة ".

‏سلك مسلم طريق التيقظ والتحوط ، وقسم الأخبار المسندة ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلي ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس :

‏• القسم الأول : ما نقله الثقات المتقنون الذين بلغوا أقصى درجات القوة في الرواية كابن عوف وأيوب السختيانى .

‏• القسم الثاني : ما يقع في إسناده من ليس موصوفاً بالحفظ والإتقان ، لكنه صادق متعاط للعلم مستور ، أي في الدرجة الوسطى من رجال الحديث ، كعوف بن أبى جميلة وأشعث الحمرانى مع الحسن وابن سيرين .

-القسم الثالث : ما رواه متهمون بالكذب أو الوضع أو الغفلة أو سوء الحفظ ، وهذا القسم تركه .

اختصر الحافظ ألمنذري (ت 656 ‏_هـ) صحيح مسلم ، وغير في ترتيب كتابه ، كما أضاف بعض العنا وين الفرعية ، وجعل "الصحيح " في مجلد واحد .

‏من مؤلفات مسلم الأخرى : كتاب العلل ، وكتاب أوهام المحدثين ، وكتاب طبقات التابعين ، وكتاب المخضرمين ، وكتاب المسند الكبير على أسماء الرجال ، وكتاب الجامع الكبير على الأبواب ، الأسماء والكنى ، كتاب التمييز ، الأقران .

‏توفى الإمام مسلم في رجب سنة 261 هـ ‏في مدينة نصر آباد من قرى نيسابور ولما يبلغ الستين من عمره‏.

البتاني: (845 – 929 م) (235 هـ - 317 هـ)

هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البتاني البحراني ولد في بتان قرب حران سنة 235 هجرية، وهو أحد المشهورين برصد الكواكب والمتقدمين في علم الهندسة وهيئة الأفلاك وحساب النجوم. وقد أجمع علماء الغرب الأقدمين على أنه كان في علمه أسمى مكانة من بطليموس، إذ احتوت مصنفاته على شتات الحقائق الفلكية أكثر مما احتوته مصنفات الفلكي الإغريقي.

واعتبره الفلكي الفرنسي الكبير لالند من الفلكيين العشرين المبرزين الذي أنجبتهم الإنسانية.

وقال عنه سارتون: (( إنه أعظم علماء عصره، وأنبغ علماء العرب في الفلك والرياضيات)).

وقد تفرغ البتاني لرصد الأفلاك، حيث أقام أرصاده في الرقة على نهر الفرات منذ عام 264 هـ، واشتهر برصده للنجوم رغم عدم توافر الآلات الدقيقة، لكنه توصل إلي ملاحظات لم يسبقه إليها أحد واستطاع تحديد ميل دائرة فلك البروج بدقة شديدة، وبعد ألف عام قام الفلكي الفرنسي لالند بقياس هذا الميل فوجد فرقاً طفيفاً من الثواني.

والبتانى أول من كشف السمت والنظير وحدد نقطتيهما من السماء، واستنبط نظرية جديدة لبيان أحوال القمر عند ولادته، وله أرصاد قيمة للكسوف والخسوف، وهو مؤمن بأن ما يقوم به هو لتأكيد حكمة الله تعالى، فقد قال في مقدمة إحدى كتبه:

(( ما يدرك بذلك إلا من أنعم النظر، وأدام الفكر فيه من إثبات التوحيد، ومعرفة كنه عظمة الخالق، وسعة حكمته، وجليل قدرته، ولطيف صنعه)).

وللبتاني منهجه العلمي في الرصد، فقد أكد أن أهم مقومات علمه هو جمع الأرصاد الوفيرة المتقنة والمطالعة المتعمقة في كتب الأقدمين ونقدها، وتصحيح اللازم بعد إنعام الفكر والتأمل.

ومن أهم مؤلفاته في الفلك:

كتاب ((معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك))، ويتناول الحل الرياضي للمسألة التنجيمية لاتجاه الرصد – ورسالة في تحقيق أقدار الاتصالات أي الحلول المضبوطة بحساب المثلثات للمسألة التنجيمية عندما تكون النجوم المقصودة لها خط عرض، أي خارج فلك البروج – وشرح المقالات الأربع لبطليموس – الزيج (المعروف بالصابئ) ضمنه نتائج أرصاد لكواكب ثابتة سنة 299 هـ، وقد ترجم هذا الكتاب إلي اللاتينية والأسبانية – مقدار ميل البروج عن فلك معدل النهار وتجزئة هذا الميل – معرفة حركات سائر الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض.

كما برع البتاني في علم المثلثات، وقد أسهم في جعله علماً مستقلاً، واستخدم معادلات المثلثات الكرية الأساسية. وهو أول من عمل الجداول الرياضية لنظير المماس، وقيل أنه أول من أدخل الجيب واستعمله مكان طريقة الوتر التي كان يستعملها بطليموس.

وله إسهام كبير في إيجاد حلول جبرية لمسائل هندسية عديدة وفلكية مختلفة وهو من العلماء الذين تفتخر بهم الثقافة الإسلامية في عصر الدولة العباسية.


الرازي : (865 م – 925 م) (251 هـ - 313 هـ)

هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، ولد في مدينة الري جنوبي طهران سنة 251 هجرية، وهو فيلسوف وطبيب وكيماوي وفيزيائي، بل يعد من أعظم أطباء العالم الإسلامي، وأطباء العالم في القرون الوسطى أجمع، واعتبره بعض الباحثين مؤسس الكيمياء الحديثة في الشرق والغرب معاً.

كان موسوعة في العلوم، ويروي أنه كان في بداية حياته صرافا، وكان مثالا في الصدق والنزاهة العملية، كما مارس فن الصياغة وكثف بحثه عن الإكسير. وقد سماه ابن أبي أصيبعة ((جالينوس العرب)).

اشتهر الرازي بمقدرته على التصنيف الذي يعتمد على البحث العلمي والطريقة العلمية البحتة. فعرف عنه أنه يعطي كل ذي حق حقه.

عاش في الري طيلة ثلاثين عاما. حيث تعلم الموسيقى، وكان بارعا في العزف على العود ونظم الشعر في صغره، برع في الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب.

انتقل إلي بغداد في خلافة المستكفي، حيث ظهرت مواهبه فاستشاره الخليفة المعتضد عند بناء البيمارستان الذي تولى فيما بعد رئاسته، فأجري التجارب الخبرية وباشر العلاج ودون مصنفاته ودرس عددا من التلاميذ منظما إياهم في صفوف تتقدم بتقدمهم في الدراسة. ويذكر أن الخليفة المقتدر أو كل إليه إدارة المستشفى المقتدى ببغداد، وبعدها ذاع صيته رئيسا للأطباء في عصره وطبب السلاطين والأمراء في المشرق الإسلامي. وقد وصل الرازي إلي مرتبة رفيعة كعالم وممارس لصناعة الطب وذلك بسلوكه سبيلين هما الأساس هما الأساس في شهرة الأطباء في كل العصور، الأولى طريق البحث العلمي بالتجربة وتسجيل التطورات السريرية على المرضى، والآخر اهتمامه بالعلوم الأساسية (كالتشريح وعلم وظائف الأعضاء). وكان من سعة علمه انتقاده بعض أفكار جالينوس.

ألف نحو 224 كتابا ضاع منها الكثير، أما كتبه الطبية فتربو على الخمسين، وهو أول من أدخل المستحضرات الكيميائية في مداواة المرضى، وله كتب عديدة متنوعة في المنطق وما وراء الطبيعة والإلهيات وعلم النفس والطبيعيات والهندسة والموسيقي والسياسة.

ولكن قيمته الأساسية في كتبه الطبية، وأهمها كتابه ((الحاوي)) وهو من أشمل ما ألفه طبيب. ومن أشهر ما ألف الرازي في الطب – كذلك – كان عن الجدري والحصبة، حيث درس الرازي كتب جابر بن حيان، وتجنب بعض الأخطاء التي مر بها هذا الأخير، فاهتم بالتنظيم واستعمال المصطلحات الدقيقة فظهرت مصنفاته سهلة الفهم.

ويعتبر الرازي أول من اهتم بالمناحي النفسية في العلاج، لأن للنفس الشأن الأول فيما بينما وبين البدن من صلة. وقد قام بتقسيم المواد الكيميائية المعروفة في زمانه إلي أربعة أقسام أساسية: المواد المعدنية والمواد النباتية والمواد المشتقة.

من أهم مؤلفاته: المدخل التعليمي – علل المعادن وهو المدخل البرهاني – إثبات الصناعة – كتاب الحجر – كتاب الإكسير – كتاب شرف الصناعة – كتاب الشواهد – كتاب معنى الذهب والفضة – كتاب سر الحكماء – كتاب سر السر.

الفارابي: (874 – 950 م) (260 – 339 هـ)

الفارابي، هو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، كنيته أبو نصر. ولد في ((فاراب)) خراسان التركية سنة 260 هجرية، ثم قصد بغداد بعد أن تلقن الفارسية والتركية حيث درس اللغة العربية. والتحق بحلقة أبي بشر متى بن يونس الذي كان يشرح منطق أرسطو، فكتب الشروح ودرسها. ثم أخذ المنطق أيضاً عن إبراهيم المروزي، والحكيم النصراني. كما أنه تعمق في الفلسفة والطب والرياضيات والكيمياء والموسيقى.

غادر بغداد إلي دمشق هرباً من الفتن والحروب وعمل حارساً في بستان، حيث تفرغ للقراءة والتأمل. ثم قصد حلب، ويقال أنه نال حظوة لدى الأمير سيف الدولة الحمداني.

كان ذكياً واسع الثقافة، أتقن لغات عديدة – قيل سبعون لغة- ودرس وألف في الطب وفي الموسيقى، وقيل أنه اخترع آلة القانون – وكتابه الذي درس فيه طبيعة الأصوات وتفرغ الأنغام شرحه المستشرق الألماني كوز جرتن وجعله في صدارة الكتب الموسيقية العربية، كما عد مؤلفه بين أعلام الموسيقى العالميين. وقد بحث الفارابي أيضاً في الفلك والتنجيم والهندسية والسياسة والطبيعة وما بعد الطبيعة، إلا أن كتبه الفلسفية هي الأكثر والأشهر، وإن كان قسم كبير منها شروحاً وتعليقات على مؤلفات أرسطو.

وكان الفارابي زاهداً متقشفاً، محباً للانفراد، شديد التأمل، خاصة حين كان في دمشق.

أحصى بروكلمان للفارابي مائة وسبعة وثمانين كتاباً، وصلنا القليل منها. ودراساته لفلسفية تعده المؤسس الأول للفلسفة الإسلامية، بل في طليعة المفكرين والفلاسفة المسلمين، وقد سمى بالمعلم الثاني، بعد أرسطو المعلم الأول. وقد تتلمذ الفارابي على كتب أرسطو، وأعجب بها، فشرحها وعلق عليها، وقد شكلت هذه الشروحات حصة كبيرة من مؤلفاته. أهمها: البرهان – العبارة – الخطابة – الجدل – الأخلاق – السماع الطبيعي – الآثار العلوية – المقولات – السماء والعالم – المغالطة – القياس.

وفق الفارابي بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو كما وفق أيضا بين الحكمة والشريعة.

وكان للدين الإسلامي تأثيره في فلسفة الفارابي، فأخرج لنا مؤلفات تعالج المنطق والطبيعة والهندسة والطب... وفي الفلسفة أسس بنيان الفكر الإسلامي الشامخ، فما من نظرية أصلية في الفلسفة الإسلامية إلا وتدين للفارابي بإسهام. وقد استقى منه الفلاسفة الذين أتوا بعده جميعاً، ناقلين أو شارحين أو مضيفين إلى فلسفته. ومن أهم كتبه: إحصاء العلوم- كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة – كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين – المسائل الفلسفية والأجوبة عنها – عيون المسائل – التنبيه على سبيل السعادة – تحصيل السعادة – مقالة في معاني العقل.

يقول الفارابي في تعريفه للفلسفة بأنها: ((أعلم بالموجودات بما هي عليه موجودة))، ويتابع: ((لا يوجد شئ من موجودات العالم إلا وللفلسفة فيه مدخل، وعليه غرض ومنه علم بمقدار الطاقة الإنسية)). إذن، الفلسفة عنده هي موضوع جميع العلوم، غايتها الحق، ولما كان الحق لا يتعدد، فكل البحوث تتوجه نحو الحق.

ويرى الفارابي أن نظرية المعرفة مبنية على الحس (( فمن فقد حساً ما، فقد علماً ما)). استقر الفارابي في دمشق حتى توفى في ظاهر دمشق عام 950م =339 هـ.


الزهراوي: (936 – 1013م) (325هـ - 404 هـ)

هو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأنصاري القرطبي، لقب ب(الزهراوي) لمولده في مدينة الزهراء، القريبة من قرطبة بالأندلس سنة 325 هجرية، ولقب ب(الأنصاري) لأن أصله من المدينة المنورة حيث يوجد الأنصار، ولقب ب(القرطبي) لأن مسقط رأسه ضاحية من ضواحي قرطبة.. وهو أكبر جراحي زمانه، ورائد علم الجراحة في العالم، وثالث ثلاثة – مع ابن سينا والرازي – أضاءوا أوروبا في مجال العلوم الطبية. ولم تبلغ الجراحة الذروة إلا على يديه.

ومن أهم إنجازاته:

اختراع أدوات جراحية كالمشارط والمقصات والموسعات والكلاليب والسنانير، وغيرها. كما أنه طور استعمال بعض الآلات الجراحية المصنوعة من الحديد أو الذهب أو النحاس، وحدد مناسبة استعمال كل معدن في عمليات جراحية معينة لأسباب علمية صحيحة. وكثير من آلات الزهراوي لا تزال تستعمل حتى الآن، بعد إدخال بعض تعديلات بسيطة عليها.

وهو أول من ربط الشرايين والأوعية الدموية بالخيوط الحريرية بغرض وقف نزيف الدم في أثناء الجراحة. وقد ادعى الجراح الفرنسي (أمبرواز بارى) في عام 1552 م أنه مبتكر هذه الطريقة في العالم، في حين أن الزهراوي هو المبتكر الأصلي لها قبله بنحو (600) عام.

وهو أول من استخدم الخيوط المستخرجة من أمعاء الحيوان في خياطة أمعاء الإنسان، وهي من أكثر الخيوط استعمالا في مجال الجراحات الحديثة.

نجح الزهراوي في إجراء عمليات الجراحة التجميلية، فوصفه – مثلا – لجراحات قصر الجفن لا يزال هو المستعمل حتى الآن بعد إدخال تعديل بسيط عليه، وكذلك عمليات الأصبع الزائدة، والتحام الأصابع.. وغيرها.

كما ابتكر الزهراوي القسطرة واستخدمها في العديد من العمليات الجراحية. وقد وصف الزهراوي في كتابه الشهير ((التصريف)) عددا من القساطر التي استخدمت في ذلك الزمان لغسيل المثانة البولية أو لإدخال بعض المحاليل إليها، أو لإزالة الدم من تجويف الصدر أو من الجروح. التي اخترعها الزهراوي من عرق ريش طائر، وقد استبدلت الآن خامتها بمادة بولي إيثيلين، وأدخلت عليها إضافات بسيطة.

وهو أول من وصف عملية تفتيت حصى المثانة.

ونجح في استئصال (الأورام الليفية) في الأغشية المخاطية، كما تمكن من استئصال الزوائد اللحمية من الأنف، وكذلك استئصال اللوزتين بسنارة واحدة.

وقد علم تلاميذه كيفية تخييط الجروح بشكل داخلي، بحيث لا يترك شيئا ظاهرا منها، وعلمهم التدرير المثمن في جراحات البطن، وكيفية التخييط بإبرتين وخيط واحد مثبت بينهما.

هو مبتكر الوضعين الجراحيين المعروفين حاليا باسم الجراح الألماني فردريك ترند – لينورغ، ويطلق عليهما (وضع ترندليورج) و(وضع ترند ليورج العكسي).

كما طور الزهراوي فرع أمراض النساء، وأدخل عليه طرقا جديدة في البحث والمداواة، وأوصى بولادة الحوض، وهي طريقة انتحلها الطبيب (فالشر) فيما بعد (1856 – 1935 م).

وقد توفى أبو الجراحة الإسلامية أبو القاسم الزهراوي في مدينة الزهراء بالأندلس عام 4040هـ ـ 1013 م.


البيروني: (973 – 1050 م) (362هـ - 440 هـ)

هو محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي، ولد في خوارزم عام 362 هـ، وتنقل بين كوركنج وجرجان وبخاري، يتصل بأمرائها. ففي جرجان التحق بشمس المعالي قابوس أحد حفدة بني زياد، وفي كوركنج تمكن أن يصبح عظيم المقام لدى مأمون ملوك خوارزم.

ترك البيروني البلاد إلي الهند، بعد أن استولى السلطان محمود الغزنوي على جرجان، وتنقل فيها أكثر من أربعين سنة يقوم بأبحاث علمية كان لها تأثير كبير في تقدم بعض الأفكار والإنجازات. وعن الهند جمع معلومات مهمة ساعدته في وضع كتابات رصينة عنها.

قال العالم الشهير سخاو عنه: "يعتبر البيروني أحد مشاهير رياضيي القرن الرابع الهجري لما له من ابتكارات وبحوث نادرة في الفلك والرياضيات والتاريخ، فقد تجرد عن هوى وتعصب، وتجرأ على تسجيل ما استشنع على أرسطو. وصحح أخطاء بطليموس بروح علمية وتسامح وإخلاص للحقيقة. وكان يدعم آراءه ببراهين مادية وحجج منطقية".

كان البيروني ذا معرفة واسعة باللغات وثقافات عصره، أتقن إلي جانب العربية الفارسية والسنسكريتية والعبرية، وتعلم الفلسفة الهندية واليونانية، ويقال أنه كان بينه وين ابن سينا كتابات في بحوث عديدة.

درس البيروني الأعداد والجغرافيا والفلسفة والرياضيات والفلك وأبدع فيها.

كما عمل البيروني في علم المثلثات، وعرف قانون تناسب الجيوب، وعمل في الجداول الرياضية حول الظل والجيب.

وعمل البيروني على الوزن النوعي، ووجد الوزن النوعي لثمانية عشر كوكباً، كما شرح ارتفاع السوائل وتوازنها وصعود المياه في الينابيع والفوارات من أسفل إلي أعلى.

اشتغل البيروني بالفلك، فقد وضع نظرية تستخرج محيط الأرض وسماها علماء الإفرنج (قاعدة البيروني)، ويعترف نيللينو بأن قياس المأمون والبيروني لمحيط الأرض من الأعمال العلمية الكبيرة.

كان البيروني أول من نادي بإثبات حركة الأوج البطيئة في مدار الشمس ووجودها، بدراسته أرصاد من سبقه واستناداً إلي أرصاده هو شخصياً، وكتب ذلك في "القانون المسعودي" فأشار في المقالة السادسة تحت عنوان: أوج الشمس متحرك.

من مؤلفاته الفلكية: كتاب في تحقيق منازل القمر – كتاب جدول التقويم – مقالة في استخراج قدر الأرض برصد انحطاط الأفق عن قمم الجبال – كتاب القانون المسعودي في الهيئة والنجوم – كتاب مفتاح علم الهيئة – كتاب الإرشاد في علم النجوم.

تميز البيروني بروح علمية وتسامح وإخلاص للحقيقة، وكان على فراش الموت حين طلب من عالم يعوده جواباً على مسألة ألحت عليه، فبكى العالم وقال له: أعلى فراش الموت تطلب العلم؟، فرد البيروني: أخشى أن ألقى ربي جاهلاً. وقد توفي عام 440 هـ (1050 م).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإدريسي: (1100 – 1165م) (493 – 560 هـ)

ولد الشريف الإدريسي وهو محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسيني في سبتة وهى مدينة مطلة على البحر شمالي المغرب إلي بلاد الأندلس سنة 493 هجرية، فعاش في قرطبة وطاف البلاد الإسلامية كلها. "كان فاضلاً، عالماً بقوى الأدوية ومنافعها ومنابتها وأعيانها، وله من الكتب في هذا المجال كتاب الأدوية المفردة" (ابن أبي أصيبعة).

زار الإدريسي مدن الأندلس والمغرب ومصر، وزار آسية الصغرى، واستقر في صقلية، وهناك اتصل بملكها روجر. فقربه، وأعجب بثقافته الإسلامية، واستعان به في خلال وجوده، على رسم خرائط جغرافية لبلاده والعالم.

اشتهر الإدريسي، فضلا عن علم الجغرافية، بعلم الفلك والصيدلية والنبات فهو نباتي وطبيب أيضاً.

ألف في الجغرافيا كتاب قيم هو "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، أو "الكتاب الروجاري"، نسبة إلي روجر ملك صقلية.

وقد صحح الإدريسي في كتابه هذا علوم الأوروبيين الشائعة يومذاك. فاهتموا به ونقلوا عنه وعن خرائطه. وهو أول من رسم خريطة صحيحة للعالم.

وقد جعل الإدريسي العالم سبعة أقاليم واستخدم الميل والفرسخ لقياس المسافات، لكنه لم يذكر خطوط الطول وقال في كتابه: "والأرض ذاتها مستديرة لكنها غير صادقة الاستدارة".

ترجم كتابه إلي كل اللغات الأوربية وبقيت معلوماته وخرائطه معتمدة لفترة طويلة.

عرف الإدريسي بين زملائه بالعشاب، حيث كان يتقن خصائص النبات الطبية، ولكثرة أسفاره، كان يدرس نباتات الأقاليم ويسجل ملاحظاته، ويكتب مقارناً شارحاً. يقول ابن جلجل عن الإدريسي: "إن الشريف الإدريسي استدرك في كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) على ديسقوريدس ما أغفله وما جهله من نبات ومن خصائص كثيرة من النبات".

حظي كتابه "الجامع لصفات أشتات النبات" بشهرة عالمية، فقد ضمنه أسماء النباتات باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والعربية. وقد رتب كتابه على أحرف الهجاء مستفيداً ممن سبقه، مضيفاً ما اكتشفه.


وقد اتصف في كتابه بالموضوعية العلمية والنزاهة.

وقد اكتشف له كتاب آخر في الصيدلة، موجود في مكتبة اسطمبول يبدأ بمقدمة عامة عن النبات، وقد ترجم المستشرق مايرهوف بعضا منه، وقدم فكرة عامة عن الكتاب كله في دراسة لعلم النبات والصيدلة عند الإدريسي.

توفى الشريف الإدريسي عام 560 هـ - (1160م). في سبتة وقد ترك المؤلفات الآتية:

نزهة المشتاق في اختراق الآفاق – روض الأنس ونزهة النفس – الجامع لصفات أشتات النبات – أنس المهج وروض الفرج.


ابن رشد: (1126 م – 1198م) (520 – 595 هـ)

هو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، ولد بقرطبة بالأندلس سنة 520 هجرية من بيت عريق في المجد أصيل في القضاء، فوالده قاضي قرطبة وجده قاضي قضاه الأندلس. درس ابن رشد القرآن ثم موطأ ابن مالك واطلع على فهمه ودرس الطب على أبي جعفر هارون، وانقطع إلي النظر في الحكمة حتى شارف غايتها.

وفي سنة 548 قدمه ابن طفيل إلي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وكان محبا للفلسفة فلخص له كتب أرسطو، ثم تولى قضاء أشبيلية ورجع إلي موطنه بعد عامين، وذهب منه إلي مراكش بدعوة من أمير المؤمنين ليتخذه طبيبا له، ولكنه ما لبث أن عاد إلي قرطبة قاضيا.

ولما توفى أبو يعقوب وخلفه ولده المنصور أقر ابن رشد في مقامه، وبالغ في إكرامه، ولكن بعض حاسديه سعوا إلي الأمير ورموه بالزندقة والمروق، فنفاه هو وسائر الفلاسفة من أرضه، وأمر بإحراق كتبه وبعد عام عاد الأمير إلي نفسه فاستدعاه إلي مراكش واعتذر إليه، ولكن ما لبث أن توفى بمراكش سنة 595 هـ.

أحرقت معظم كتب ابن رشد وكان قد ألف أكثر من سبعين كتاباً ورسالة تنقسم إلي قسمين: أحدهما يضم شروحاته لآراء فلاسفة اليونان وكتبهم أمثال أفلاطون وأرسطو وجالينوس وبطليموس. والآخر يضم المصنفات المبتكرة في الفلسفة فضلاً عن كتابه "الكليات" في الطب والذي نافس به كتاب "القانون" لابن سينا.

رأى ابن رشد أن تنظيم جمهورية فاضلة متقدمة أمر ممكن إذا درب الفلاسفة الشعب على نظم الحكم والحياة فيها، ورأى أن الدين أحكام شرعية لا مذهب نظرية، فعلى الناس أن يؤمنوا بما جاء في الكتاب كما أنزله الله. ولذلك أوجب محاربة العلم الكلامي.

تميز ابن رشد بفهمه العميق لفلسفة أرسطو وتفرقته بين عالم الشهادة وعالم الغيب، والتوفيق بين الشريعة والحكمة. وجعل الآية الكريمة: "ليس كمثله شئ" عماداً لمذهب كامل في الوجود حيث لا يجوز تطبيق المعاني الإنسانية على الأمور الإلهية.

ويعد ابن رشد من كبار مفكري الإسلام في مجال التوفيق بين الفلسفة والدين، فكتب في ذلك كتابه "فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال".

وكتاب "مناهج الأدلة في عقائد الملة" وعنى بالرد على كتاب "تهافت الفلاسفة" للغزالي بكتاب سماه "تهافت التهافت". وأثار فيه مسائل ومنها: عالم الله وعلمه – العالم وأزليته – روحانية النفس.

ولابن رشد مؤلفات كثيرة مثل كتاب "الكليات في الطب"، وفلسفة أرسطو، وقد فقدت أصول كتبه فلم تبق إلا ترجمتها اللاتينية أو العبرية.

وكانت بحوث ابن رشد خلاصة الفلسفة العربية وبداية الفلسفة الغربية، وقد استعان بها كل فلاسفة الغرب واقتبسوا منها ودارت حولها مجادلاتهم حتى القرن التاسع عشر. وقد انتهى ابن رشد إلي القول بأن الحكمة هي أخت الشريعة.

وبين أضاليل الفلاسفة المشائين ورد عنهم تهم الكفر، فكان الغاية التي قصدتها الفلسفة الإسلامية.

ابن البيطار: (1197 – 1249م) (593 – 646هـ)

هو أبو محمد ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي الأندلسي النباتي المعروف بابن البيطار، ولد في مالقة جنوب أسبانيا بالأندلس عام 593 وتوفى في دمشق عام 646 هجرية.

يعتبر من أشهر علماء النبات عند العرب. درس على أبي العباس بن الرومية النباتي الأندلسي – صاحب كتاب المفردات – الذي كان يعشب، أي يجمع النباتات لدراستها وتصنيفها في منطقة أشبيلية، كما درس على عبد الله بن صالح وأبي الحجاج.

رحل إلي المشرق وهو في العشرين من عمره، حيث زار المغرب وجاب مراكش والجزائر وتونس وأقطار شمال أفريقيا، كما زار مصر، ومن ثم ساح في سوريا وبلاد الإغريق وإيطاليا وتركيا آخذاً من علماء النبات فيها، واستقر به الحال في مصر متصلاً بخدمة الملك الكامل الأيوبي.

وكان يعتمد عليه في الأدوية المفردة والحشائش كونه من العارفين بأصولها، حتى أصبح مرجعاً كبيراً في معرفة أنواع النبات وصفاته وأسمائه وأماكن وجوده.

كما اكتشف ابن البيطار عقاقير لم تكن معروفة من قبل. وبقى في منصبه بعد وفاة الملك الكامل وانتقال السلطة إلي ابنه الصالح أيوب. وقد وصف أكثر من ألف وأربعمائة عقار طبي، وقارنها بما سجله كثير من سابقيه في هذا المجال.

وقد ترك ابن البيطار كتباً كثيرة أهمها:

"الجامع في الأدوية المفردة" ويقع في مجلدين ويحتوي على أكثر من 1400 صنف من الأدوية منها 300 صنف لم يعرفها أحد قبله – كتاب "المغني في الأدوية المفردة" وهو مرتب وفق العلاج والمرض – كتاب" ميزان الطبيب" – كتاب "الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام".

ويعد ابن البيطار من أوائل من أوائل الكيميائيين الطبيين رغم أن اهتمامه اقتصر على الأعشاب دون العناصر الكيميائية. فقد جمع الكثير من العقاقير المعروفة قبله، واكتشف عدداً من العقاقير التي لم تكن معروفة سابقاً، وقد صنف الكثير من الأدوية التي لم يعرفها أحد من قبل.

درست كتب ابن البيطار دراسة واسعة، وانتفع بها علماء النبات والصيدلة المتأخرون. وكان كتاب الأدوية المفردة أحدأسس تكوين علم العقاقير الحديثة.

طبع كتاب الجامع لابن البيطار في 4 أجزاء بالقاهرة عام 1875. كما ترجم للفرنسية بقلم لوكيرك. وترجم للألمانية أيضاً بقلم زونتهايمر في جزأين سنة 1840 - 1842.

كان لابن البيطار الدور العظيم في الانتقال بعلوم الزراعة والنبات إلي مرحلة جديدة، وكان لمؤلفاته الأثر البعيد المدى فيمن جاء بعده من علماء زراعيين ونباتيين، كما كان لبحوثه تأثير في عصر النهضة الأوربية الحديثة.

وقد اختلف ابن البيطار عن باقي علماء النبات العرب الآخرين في أنه كان عشاباً وطبيباً نباتاً، يتحدث عن النبات وأوصافه حتى لا يخلط بين نبات نافع وآخر ضار.

وقد توفى عالم النبات ابن البيطار في دمشق عام 1249 م. وهو يعد من الأعلام الذين تفتخر بهم الحضارة الإسلامية.

محمد بن مالك: (1203 – 1274م) ( 600 – 672 هـ)

ولد أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الشافعي النحوي بمدينة جيان بالأندلس سنة 600 هجرية، وينتسب إلي قبيلة طيئ، ويرجح أن والديه توفيا وهو صغير السن.

بدأ ابن مالك بحفظ القرآن الكريم، ثم درس القراءات وعلوم الدين والنحو واللغة، فأخذ العربية عن غير واحد بجيان، ومنهم أبو المظفر وقيل ثابت بن خيار، وأخذ القراءات عن أحمد بن نوار، وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبد الله بن مالك المرشاني وأتقن معرفة لسان العرب.

نشأ ابن مالك بالأندلس في أيام الناصر بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن من ملوك الموحدين، وكانت البلاد مضطربة آنذاك فرحل ابن مالك للحج والدراسة (ما بين 625 – 630 هـ).

زار ابن مالك مصر ولم يستقر بها للصراعات بين خلفاء صلاح الدين، ثم حج ورحل إلي الشام، وبدأ دراسته بدمشق فأخذ عن السخاوي النحوي والحسن بن صباح المخزومي المصري وابن الصقر، ثم رحل إلي حلب وأخذ عن ابن يعيش وجالس تلميذه ابن عمرون في حلقته.

بدأ بالاشتغال بالتدريس والتصنيف وإمامة السلطانية في حلب، ثم عاد إلي دمشق واستقر بها واشتغل بالتدريس والتصنيف وإمامة العادلية وتأليف المصنفات المفيدة في فنون اللغة العربية.

كان إماماً في القراءات وعالماً بها، وكان بحراً في النحو والتصريف، وعالماً بأشعار العرب، وكان آية في الحديث فكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإن لم يكن فيه شاهد، عدل إلي الحديث ثم أشعار العرب.

وقد نظم ابن مالك في القراءات قصيدتين إحداهما دالية والأخرى لامية.

وفي دمشق تكاثر عليه الطلبة وصار يضرب به المثل في دقائق النحو وغوامض الصرف وغريب اللهجات وأشعار العرب، مع الحفظ والذكاء والتحري لما ينقله والتحرير فيه.

تزوج في دمشق حوالي 640 هـ وأنجب ولديه بدر الدين وتقي الدين الأسد.

وقد وهب ابن مالك قدرة فائقة على النظم العلمي، فأخرج الكثير من مؤلفاته النحوية واللغوية نظماً. وجاء هذا النظم على جفاف مسائلة وصعوبة موضوعاته عذباً سائغاً وبخاصة الألفية في علم النحو.

وله مؤلفات عديدة في النحو والصرف واللغة والقراءات منها:

الكافية الشافية ( منظومة فيما يقرب من ثلاثة آلاف بيت من مزدوج الرجز تضم النحو والصرف معاً)

• الوافية في شرح الكافية الشافية ( شرحها نثراً وعليه تعليقات) – الخلاصة الألفية، منظومة في نحو ألف بيت أودع فيها ابن مالك خلاصة ما في الكافية الشافية من نحو وتصريف – التسهيل "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" تناول فيه مسائل النحو والتصريف في ثمانية عشر باباً تتضمن مائتين وأحد عشر فصلا – المؤصل في نظم المفصل – عمدة الحافظ وعدة اللافظ (مختصر يضم أصول النحو).

وقد توفى ابن مالك بدمشق عام 672 هـ، وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بسفح جبل قاسيون. ولا تزال "ألفيته" في النحو هي المصدر الأول لكثير ممن يدرسون أصول النحو والصرف.


القزويني: (1208 م – 1283م) (605 – 682 هـ)

هو أبو عبد الله زكريا بن محمد القزويني، ولد سنة 605 هجرية في قزوين من أسرة عربية تعود بنسبها إلي الإمام مالك بن أنس سنة 605 هجرية أقام في بغداد في عهد الخليفة المستعصم بالله العباسي، وولي منصب القضاء فترة دون أن يعيقه عمله عن الاهتمام بالبحث العلمي في الفلك والطبيعة معتمداً على كتب الأقدمين وملاحظاته الميدانية.

كان غرض القزويني في كل ما كتب الدعوة إلي التأمل في خلق الله وتمجيده، لذا كانت كتاباته مؤسسه على إيمانه بخالق واحد للكون ينظمه ويرسمه، وهذا لم يمنعه من المراقبة العلمية والتجربة.

أهم مؤلفاته: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات. وهو قسمان: الأول في الفلك والثاني في الجغرافيا.

وقد وصف القزويني المجرة بأنها "كواكب صغار متقاربة"، وعلل الكسوف والخسوف علمياً، بما يتماشي مع النظريات الحديثة في علم الفلك، فجاء دقيقاً جداً "فسبب خسوف القمر في وصفه ينتج عن توسط الأرض بينه وبين الشمس، فعندئذ يتشكل من وقوع نور الشمس على الأرض مخروط قاعدته صفحة الأرض، فإذا وقع القمر كله في جرم المخروط كان الخسوف كليا، ويكون كسوف الشمس إذا حال القمر بين الشمس وبين أبصارنا".

وقد وصف مراحل تكوين مياه الأنهار، فأشار إلي أن الأمطار والثلوج المتساقطة على الجبال تغور تحت سطح الأرض، وتخزن فيها خلال فصل المطر، فإذا كان في أسافل الجبال منافذ ضيقة، تخرج المياه في تلك المنافذ فيحصل منها جداول، وتجتمع الجداول إلي بعض فيحصل منها أودية وأنهار".

وأكد القزويني كروية الأرض وتحركها الدائم فقال في كتابه " والذي نراه عن دوران الفلك إنما هو دوران الأرض لا دوران الكواكب".

وفي كتابه الثاني " عجائب البلدان" وصف أقاليم الأرض السبعة من مدن وجبال وأنهار على الترتيب الهجائي، مستطرداً أحياناً لذكر حوادث تاريخية أو سير أعلام كل الإقليم.

وقد وصف الزوبعة منذ قديم الزمان وصفاً علمياً دقيقاً فقال: " هل الريح التي تدور على نفسها شبه منارة وأكثر تولدها من رياح ترجع من الطبقة الباردة فتصادق سحاباً تذروه الرياح المختلفة، فيحدث من دوران الغيم تدوير الرياح، فتنزل تلك الهيئة، وربما يكون سبب الزوبعة ريحان مختلفا الهبوب، فتحدث بسبب ذلك ريح مستديرة".

رأى القزويني أن الموجودات ثلاث مراتب: الأولى للمعادن والثانية للنبات والثالثة للحيوان، وتكلم عن النبات وأوصافه وأصنافه وخصائصه وزاد في كتابه عمن سبقه في هذا العلم.

وكتب أيضاً في مراحل تكون الإنسان في الرحم ثم خروجه.

وقد تأثر بابن سينا فكان ميالاً إلي التفلسف منه إلي علم الحياة.

من مؤلفاته:

عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات – آثار البلاد وأخبار العباد.

ابن حجر العسقلاني: (1372 – 1449م) (773 – 852 هـ)

هو قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على بن محمد العسقلاني الأصل، ثم المصري المولد والنشأة ويعرف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه. ولد بمصر في 12 شعبان 773 هـ ونشأ يتيماً، حيث مات أبواه فكلفه وصى والده زكي الدين الخروبي كبير التجار بمصر الذي استصحبه إلي الحج سنة 784 هـ حيث درس الحديث بمكة على بعض علمائها – وهو في هذه السن المبكرة-، ثم عاد إلي حيث درس على جماعة كبيرة من علماء عصره وفي مقدمتهم شمس الدين القطان وبرهان الدين الإبناسي وسراج الدين ابن الملقن ونور الدين الآدمي وسراج الدين البلقيني وأبو إسحاق التنوخي والشهاب البوصيري وغيرهم من أعلام العصر. ودرس ابن حجر الفقه واللغة وعلوم القرآن وشغف بالحديث. وأقبل عليه من سنة 793 هـ، وانتقل من منزله القديم إلي مدينة القاهرة، وسكنها قبل نهاية القرن الثامن الهجري، وقام بعدة رحلات دراسية في البلاد المصرية والشامية والحجازية واليمنية.

وفي اليمن اجتمع له من الشيوخ والعلماء ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، وكان أخص أساتذته: "التنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في معرفة علوم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف في حفظ اللغة وإطلاعه عليها، والغماري في معرفة العربية ومتعلقاتها".

وقد انكب ابن حجر على الحديث الشريف وخصه بجهوده "مطالعة وقراءة وتصنيف وإفتاء"، وبلغت مصنفاته في الحديث نحو مائة وخمسين مصنفاً أبرزها: فتح الباري بشرح صحيح البخاري.

تولى ابن حجر منصب القضاء وكان غير راغب في توليه، ولذلك استقال أكثر من مرة بسبب الدسائس والمكائد، لكنه استمر فيه واحداً وعشرين عاماً ثم زهد فيه وصرف نفسه عنه نهائيا. كما قام ابن حجر بالتدريس في مدارس الحسينية والمنصورية والجمالية والشيخونية والصالحية والمؤيدية والصلاحية وغيرها من المدارس الشهيرة. وولي مشيخة البيبرسية، وولي الإفتاء بدار العدل، والخطابة بالجامع الأزهر، ثم جامع عمرو، واشتهر ذكر ابن حجر وبعد صيته وكثرت طلبته وارتحل الأئمة إليه، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى، وطارت فتواه في الآفاق، وتهادي الملوك بمؤلفاته، وعرف بشدة تواضعه وحلمه وبهائه وصيامه وقيامه وحسن عشيرته ولذيذ محاضراته وجميل أخلاقه.

وضع ابن حجر كتباً عديدة في الفقه والحديث وعلوم القرآن منها: الإتقان في فضائل القرآن – تعليق التعليق – تهذيب التهذيب – الآيات النيرات في معرفة الخوارق والمعجزات – بلوغ المرام بأدلة الأحكام – تبصير المنتبه بتحرير المشتبه – لسان الميزان – شفاء الغلل في بيان العلل. كما ترك تراثاً تاريخيا هاما جعله من أعلام المؤرخين في مصر ومن مؤلفاته التاريخية: "إنباء الغمر بأنباء العمر" في مجلدين يتضمن حوادث الزمان خلال حياة ابن حجر – "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" معجم يتضمن تراجم أعلام القرن الثامن الهجري – رفع الإصر عن قضاة مصر، الإصابة في تمييز الصحابة – الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام – طبقات الحفاظ – مختصر البداية والنهاية، وكان ابن حجر أديباً وشاعراً ومن نظمه:

خليلي ولي العمر منا ولم نتب... وننوي فعال الصالحات ولكنا

فحتى متى نبني بيوتا مشيدة... وأعمارنا منها تهد وما تبنى

وقد بلغ ابن حجر أوج مجده العلمي في أواخر حياته وتوفي في أواخر شهر ذي الحجة عام 852 هـ.


جلال الدين السيوطي: (849 – 911هـ) (1451 – 1505م)

ولد أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن ناصر الدين السيوطي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ونشأ يتيما بعد وفاة والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر. وعرض محافيظه على قاضي القضاة عز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني الحنبلي فسأله عن كنيته فقال: لا كنيه لي، فقال: أبو الفضل وكتبه بخطه، وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلي سورة التحريم، فأسندت وصايته إلي جماعة منهم الكمال بن الهمام، فقرره في وظيفة الشيخونية، ولحظه بنظره، وختم القرآن وله من العمر دون ثمان سنين. ثم حفظ عمدة الأحكام ومنهاج النووي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي، وعرض كل ذلك على علماء عصره وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحلي والزين العقبى، وحضر مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم ابتداءً من ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة. فقرأ على الشمس السيرافي صحيح مسلم والشفا وألفية ابن مالك، فما أتمها إلا وقد صنف وأجازه بالعربية، وقرأ عليه قطعة من التسهيل، وسمع عليه الكثير من ابن المصنف والتوضيح وشرح الشذور والمغني في أصول فقه الحنفية، وقرأ على الشمس المرزباني الحنفي الكافية وشرحها، ومقدمة إيساغوجي وشرحها للكاتب، وسمع عليه من المتوسط والشافية وشرحها للجاربردي، ومن ألفية العراقي، ولزمه حتى مات سنة سبع وسبعين وثمانمائة. ثم قرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه الشهاب الشارمساحي. وقرأ على البلقيني ولزم المناوي وغيره من كبار علماء عصره.

وقد ذكر تلميذه الداودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعاً مرتبين على حروف المعجم فبلغت عدتهم أحداً وخمسين نفساً، واستقصي أيضاً مؤلفاته وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، وقال: لو وجدت أكثر لحفظته ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك.

ولما بلغ الأربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلي الله تعالى والاشتغال به صرفاً، والإعراض عن الدنيا وأهلها، كأنه لم يعرف أحداً منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلف سماه بالتنفيس. ثم أقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلي أن مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه. وكانت وفاته في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، في منزله بعد أن تمرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر عن إحدى وستين وعشرة أشهر وثمانية عشر يوماً، وصلى عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ثامن رجب من السنة المذكورة.

أهم مؤلفاته هي: الإتقان في علوم القرآن – حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة – المزهر في اللغة – اريخ الخلفاء – طبقات الحفاظ – الأشباه والنظائر – الإكليل في استنباط التنزيل – بغية الرعاة في طبقات اللغويين والنحاة – تحفة المجالس ونزهة المجالس – تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك – الجامع الصغير – جمع الجوامع، ويعرف بالجامع الكبير – الدر المنثور في التفسير بالمأثور – طبقات المفسرين – النقول في أسباب النزول – متشابه القرآن – مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجة – مفحمات الأقران في مبهمات القرآن – مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا – عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد – الحاوي للفتاوى – الألفية في النحو – الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج.


الأمير عبد القادر الجزائري: (1807 – 1883)

ولد الأمير عبد القادر محي الدين الجزائري في قرية القيطنة من قرى إيالة وهران بالجزائر، وحفظ القرآن الكريم وتلقى دروسه الابتدائية والثانوية في زاوية الشيخ محي الدين (والده) سنة 1812، ونشأ في ظل حياة ثقافية وفروسية وسافر إلي وهران في رحلة علمية (1821 – 1823) وسافر مع والده في جولة إلي الحجاز ودمشق وبغداد في مطالع شبابه، وتألق في محيطه حتى اختاره أهل الجزائر وبايعوه أميرا عليهم سنة 1823 تحت شجرة الدردارة تيمنا بمبايعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة الحديبية، وولاه الشعب أمر الكفاح فكان زعيم الجهاد ورئيس الحكومة وحاكم الدولة، واتخذ من مدينة معسكر عاصمة أولى لدولته وحصل على اعتراف فرنسا الصريح بدولته وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها في معاهدة "تافنة" عام 1838. ولكنه هزم بالخيانة، شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، في طرابلس والتل الكبير والريف وميسلوب. ولكن الله كتب له أن يبقى، فهاجر إلي دمشق في أكثر من ثلاثين من أهله وتابعيه، وسافر أولا إلي طولون في فرنسا فأقام أربع سنوات، ثم قصد إلي الشام، حيث كتب له أن يخوض معركة أخرى، وأن يؤدي للأمة العربية رسالة أخرى تكمل رسالته الأولى، ولكن هذه المرة في ميدان الفكر الإسلامي المستنير.

وقد اتصلت دراساته اللغوية منذ مطالع شبابه حتى أتيح له أن يرحل إلي الشرق مع والده وجماعة من أهله قاصدين الحجاز، عن طريق مصر ودمشق وبغداد واستغرقت الرحلة أكثر من عامين، فلما عاد إلي الجزائر كان الدور الأول من حياته على وشك أن يبدأ قائدا ومجاهدا (1830 – 1847).

فلما انتهى هذا الدور بدأ دور العمل الفكري والجهاد السلمي بعد رحلة طويلة إلي فرنسا ثم إلي الآستانة فدمشق حيث استقر بها سنة 1855، وظل طيلة حياته متفرغا للقراءة والصلاة وحلقات العلم، بالإضافة إلي الفروسية والمهارة في ركوب الخيل، وكانت أبرز مواقفه أثناء الفتنة بين الدروز والموارنة في دمشق سنة 1860، حيث وقف خلالها موقفا إسلاميا عربيا مشرقا، فاستدعى الجالية الجزائرية والمغربية في دمشق ووزعهم على أحياء المدينة لحماية المسيحيين، واستطاع أن يحمي أربعة آلاف منهم وهو في غير وطنه، وغير صاحب سلطان. وقد ظل الأمير عبد القادر يقاتل الاستعمار الفرنسي في وطنه الجزائر ورفض التسليم حتى اعتقل في 21 ديسمبر سنة 1847. وتم نفيه إلي قلعة أمبواز بفرنسا والتي حولها إلي منتدى ثقافي ارتاده العلماء وطلاب المعرفة وأخيراً سمح له بمغادرة فرنسا إلي الشرق عام 1852 واستقر الأمير في دمشق حتى وفاته عام 1883.

حصل الأمير عبد القادر على وسام الليجيون (جوفه الشرق) من المرتبة الأعلى من لويس نابليون الثالث وحصل على الوسام المجيدي العالي الهمايوني من السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1852 ومنحه ملك إيطاليا الوشاح الكبير ووسامين. وأما قيصر روسيا ألكسندر الثاني فقد منحه رتبة أعظم فارس المعروفة ب"شارة النسر الأبيض".

الأميرة فاطمة إسماعيل: (1853 – 1920)

  • ولدت الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل. في الثالث من يونيه سنة 1853 وتوفيت بالقاهرة في 18 نوفمبر 1920.

• تزوجت بالأمير محمد طوسون عام 1873 ورزق منها ولدا هو الأمير جميل طوسون وبنتا هي الأميرة عصمت.

• توفى زوجها في العاشر من يوليو 1876 فتزوجت محمود سري باشا عام 1883 ورزق منها بنتا وثلاثة ذكور هم: أميرة – كمال الدين – جمال الدين – محيي الدين.

• توالت إسهاماتها الخيرة للنهوض بالفكر العربي والثقافة والتعليم الجامعي بصفة خاصة، فشرعت في إنشاء أول جامعة مصرية (الجامعة المصرية ثم جامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حاليا ووقفت عليها 661 فدانا ضمن 3357 فدانا بمديريتي الجيزة والدقهلية خصصتها كلها لجهات البر والجمعيات الخيرية والمجمعات الفكرية والعلمية.

• وهبت للجامعة جواهرها ومصوغاتها من الذهب والماس. بيعت في مزاد بمبلغ ضخم هو 25 ألف جنيه من نقود ذلك الزمان.

• وقد أقيم احتفال عظيم رأسه الخديو عباس الأول ووضع فيه حجر الأساس للجامعة في يوم 30 مارس عام 1914 على مساحة كبيرة من الأرض مساحتها نحو ستة أفدنة "مباني وزارة الزراعة والمتحف الزراعي حاليا" وهي الأرض التي تبرعت بها الأميرة فاطمة إسماعيل ضمن تبرعاتها العديدة لهذا الغرض النبيل.

• وقد قدرت جملة تبرعاتها للجامعة آنذاك بمبالغ تزيد على 350 ألف جنيه. وقال أمير الشعراء أحمد شوقي في هذه المناسبة قصيدة شهيرة جاء فيها: تقول مصر:

من الزهراء مشرقة... كأن أيامها أيام أعراس

فما كصنعك صنع في محاسنه... ولا لفضلك في الأجيال من ناس

وبارك الله في أساس جامعة... لولا الأميرة لم تصبح بأساس

تحية إلي هذه الأميرة العظيمة التي وهبت الجامعة نعمة الوجود، فوهبتها الجامعة مجد لخلود.


الشيخ طنطاوي جوهري: (1862 – 1940)

ولد طنطاوي بن جوهري المصري سنة 1287 هـ. (1862م) في قرية عوض الله حجازي التابعة لمحافظة الشرقية. وقد جمع بين الدراسة الدينية والثقافة الأوروبية الحديثة. وهو يعد من رواد النهضة الفكرية والثقافية الحديثة في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.

تعلم في الأزهر فترة قليلة ثم انتقل إلي المدارس الحكومية، ونبغ في تعلم اللغة الإنجليزي. وقد مارس التعليم في بعض المدارس الابتدائية، ثم انتقل إلي التدريس في مدرسة دار العلوم كما ألقي بعض المحاضرات في الجامعة المصرية.

ناصر الحركة الوطنية، وألف كتابا عنوانه "نهضة الأمة وحياتها". وهو مجموعة من المقالات التي سبق نشرها في جريدة "اللواء" التي كان يشرف عليها مصطفى كامل باشا.

انقطع في الفترة الأخيرة من حياته للتأليف. ومن أهم مؤلفاته:

- الجواهر في تفسير القرآن الكريم – 26 جزءا. - النظام والإسلام. - جواهر العلوم. - التاج المرصع بجواهر القرآن الكريم. - الزهرة في نظام العالم والأمم. - الأرواح. - أين الإنسان. - أصل العالم. - جمال العالم. - الحكمة والحكماء. - سوانح الجواهر. - ميزان الجواهر. - عجائب الكون. - الفرائد الجوهرية في الطرق النحوية. - بهجة العلوم في الفلسفة العربية وموازنتها بالعلوم العصرية. - التربية للحكيم الألماني كانت. - أحلام في السياسة.

لم يكن الشيخ الطنطاوي عالما كسائر العلماء فحسب، بل كان – أيضاً – عالم دين إسلامي مستنيراً، ومناضلا وطنيا، ومفكرا اجتماعيا جمع بين علوم التراث والثقافة الأوروبية الحديثة. كان يهدف في كثير من مؤلفاته إلي التوفيق بين الفكر الحديث وما جاء به القرآن الكريم.

وكان يدعو إلي السلام بين شعوب العالم. وهذا ما جعل الدكتور مصطفى مشرفة يرشحه لجائزة نوبل في السلام. لكن المنية عاجلته في القاهرة سنة 1940م (1358 هـ).

الشيخ سلامة العزامي: (1881 – 1956)

طه الراوي: (1890 – 1946)

ولد طه الراوي في قرية عنة الرابضة على ضفاف نهر الفرات في شمال غربي العراق عام 1890، وتملكه حب العلم منذ صباه فجاء إلي بغداد سنة 1905 وتلقى العلم على يد علماء المدارس الدينية، فأم في البداية مدرسة خضر الياس وتعرف على صديق عمره العلامة منير القاضي.

وفي سنة 1910 أسس جمال باشا السفاح كلية الإمام الأعظم فانخرط الراوي في سلكها، وفي سنة 1914 تخلص من الجندية العثمانية بتعيينه بوظيفة (إمام عسكر). ولم يقنع الراوي بما حصل عليه من العلم فقرأ على الشيخ سعيد النقشبندي "تفسير البيضاوي" و"فتح القدير في الفقه الحنفي" و"شرح الشمسية في المنطق وأصول الفقه" على يحيى الوتري، و"ألفية ابن مالك" على العلامة الأكبر محمود شكري الألوسي فأصبح حجة في العلوم اللسانية وفي تاريخ الملة الإسلامية.

وفي عام 1917 فتحت دورة المعلمين فاجتازها بتفوق، وكان أول مدير لمدرسة الكرخ الابتدائية في السنة المذكورة ثم مدرسا للغة العربية في دار المعلمين ومديرا للمطبوعات، ثم سكرتيرا لمجلس الأعيان (الشيوخ)، فمديرا عاما للمعارف، ثم أستاذا في دار المعلمين العالية عام 1939 إلي أن أدركته الوفاة سنة 1946.

ونظرا لمكانته العلمية والأدبية الكبيرة فقد شيع جثمانه تشيعاً مهيبا شارك فيه معظم الأدباء ورجال الدولة وطلابه الكثيرون، ورثته الصحف بمقالات طويلة عرفانا بفضله ومكانته الأدبية والسياسية.

كان الراوي فريدا بتدريسه اللغة والأدب العربي وفي نهجه المبتكر للتفسير.

ومن مؤلفاته: أبو العلاء في بغداد، وبغداد مدينة السلام.

طبعت له وزارة المعارف ببغداد كتاب تاريخ علوم اللغة العربية، ومباحث إسلامية الذي طبعته وزارة الأوقاف، كما جمع نجله (حارث طه الراوي) مقالاته الأدبية واللغوية في كتاب طبع ببيروت، وللراحل نظرة بعيدة في القضايا القومية والتاريخية تدل على عمق تحليلاته وصدقها وصراحتها.

حظي المرحوم طه الراوي على مكانة مرموقة بين أعلام الفكر في مصر والعالم العربي، وخاصة لدى الدكتور زكي مبارك والشاعر الكبير على الجارم الذي خاطب الراوي في إحدى رسائله قائلا:

(هذه والله يا طه صلة الروح التي لا تنفصم وإن بعد المكان وتعاقبت الأزمان، فماذا كبر فيك؟. والله لا أدري أهو علمك؟ أم هو أدبك؟. أم هو خلقك؟. أم هؤلاء جميعا؟. أم هناك أخوة بعيدة المدى منذ خلقت الأرواح لا أعرفها!. رأيت كثيرا من العلماء وعاشرت عديدا من الأدباء وخالطت جمهرة من ذوي الخلق الكريم فما كانوا لك ندا ولا لشخصك العظيم في النفس ظلا).


د. محمد عوض محمد: (1895 – 1972)

ولد محمد عوض محمد بمدينة المنصورة بمصر في الرابع من أبريل سنة 1895 لأسرة محافظة، في بيت علم، فقد كان والده خريجا للأزهر الشريف، فوجد محمد الكتب تملأ البيت. وكان أخا واحدا لثلاث بنات فنشأ يتحمل المسئولية منذ صغره.

أتم دراسته الابتدائية بالمنصورة، ثم أرسله والده إلي مدينة الإسكندرية ليستكمل دراسته الثانوية بها، فأتم دراسته ولحق بمدرسة المعلمين العليا، وفي أثناء دراسته لم ينس قضية وطنه مصر ومحاربة الاحتلال الانجليزي، فاشتغل بالعمل السياسي. وأخذ يشن حملة دعائية ضخمة ضد الاحتلال مما أدى إلي فصله واعتقاله سنة 1916، ثم نفيه إلي مالطا حتى سنة 1919. واستفاد د. محمد عوض من هذه الفترة فتعلم خلالها التركية والألمانية من بعض أسرى الحرب العالمية الأولى.

عاد إلي مصر سنة 1919 وحصل على دبلوم مدرسة المعلمين العليا سنة 1920 مما أهله إلي بعثة علمية، فدرس مرحلتي البكالوريوس والماجستير في جامعة ليفربول، والدكتوراه من جامعة لندن سنة 1926.

وبعد عودته سنة 1926، عين مدرسا بكلية الآداب فأستاذا مساعدا فيها. ولم يكف محمد عوض عن مناصرة القضايا المبدئية حين تدخلت وزارة المعارف في شئون الجامعة بإبعاد د. طه حسين إلي كلية الآداب سنة 1932، واستقال لطفي السيد مدير الجامعة احتجاجاً، وتزعم د. محمد عوض حركة الاحتجاج فأبعدته الوزارة عن كلية الآداب ونقلته إلي كلية التجارة حتى سنة 1935، حتى عاد إلي الآداب بتغيير الوزارة.

وظل محمد عوض يحاضر ويؤلف ويتولى عدة مناصب، منها مدير عام الثقافة سنة 1948.

وفي سنة 1950 نجح في إنشاء معهد الدراسات الإفريقية، وفي سنة 1953 عين مديرا لجامعة الإسكندرية، ثم وزيرا للمعارف سنة 1954، لكنه استقال في السنة نفسها.

وشهدت الفترة من سنة 1945 حتى سنة 1957 نشاطا مكثفا في المجالات الثقافية الدولية، فقد كان د. محمد عوض عضو وفد مصر إلي سان فرانسيسكو سنة 1945، ثم أصبح رئيسا للمجلس التنفيذي لليونسكو من سنة 1960 حتى سنة 1962.

وكان أحد محاور فكر د. محمد عوض يدور حول نهر النيل، حيث عرف باسم "عاشق النيل". وقد عكس ذلك في كتابه "نهر النيل" الذي طبع عدة طبعات، كما اهتم بالقارة الإفريقية فأصدر كتابه "سلالات وحضارة إفريقيا". وبجانب ثقافته الجغرافية والعالمية، فإن الجانب الأدبي لدى د. محمد عوض كان بارزا، فترجم رواية "فاوست" لجوته عن الألمانية، وترجم "هاملت" لشكسبير. كما اشترك مع د. طه حسين وأحمد أمين في تأليف كتاب "في الأدب".

وقد ظل د. محمد عوض محمد دائم العطاء حتى رحل عن الحياة في 9 يناير سنة 1972، وترك لنا عدة مؤلفات عظيمة القيمة، منها:

سكان هذا الكوكب – الاستعمار والمذاهب الاستعمارية – حديث الشرق والغرب – سنحوي – فن المقال الأدبي – ملكات الجمال.


حميد بن سلطان الشامسي: (1896 – 1980)

ولد الشيخ حميد بن سلطان الشامسي في أم القيوين سنة 1314 هـ - 1896 م، وكان مولده في البيت الذي يقع تقريبا خلف حصن أم القيوين بالحي القديم. وفي هذا الحي – عايش الكثير من الرجالات والأعيان. حيث كان الحصن وما حوله من أحياء يشكل محور الحياة في مدينة أم القيوين القديمة.

ومنذ صباه انصرف حميد بن سلطان إلي العلم وحب المعرفة وسماع الأخبار والروايات من الرجال الذين يروون تاريخ البلاد ويتداولونها في مجالسهم الخاصة وفي الأسواق وعندما يجتمعون. ومنذ ذلك الوقت أخذ حميد بن سلطان على عاتقه ملاحقة الأخبار والبحث عن رواتها وحب سماع ما يقوله الناس في الكثير من الأحداث والأمور التي جرت في تلك الفترة.

وفي بداية حياته كان الشيخ حميد بن سلطان يهوي الثقافة الدينية والتاريخية. لذا كان أول عهده بالعلوم دراسة القرآن وحفظ الآيات والأحاديث في أحد الكتاتيب بأم القيوين. وذلك مكنه من حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو في سن الخامسة عشرة. ودرس بعد ذلك علوم الفقه والحديث وقواعد اللغة والصرف والنحو والحسابات على يد العلامة الشيخ أحمد بن سيف يوسف آل يوسف، من أشهر علماء عصره فتتلمذ على يديه وأخذ منذ وقت مبكر يطلع على دواوين الشعراء الفطاحل من أمثال جرير والفرزدق والنابغة والمتنبي وغيرهم، مع قراءة كتب التراجم والسير. ولقد زاده ذلك معرفة بتاريخ الشخصيات الإسلامية وألم بالأحداث إلي جانب ما كان يتميز به من ذكاء فطري ومقدرة على الحفظ والاستيعاب والرصد والتدوين، مما ساعده في تلمس الطريق وحفظ تاريخ البلاد بتدوينه عن كبار السن من الرواة الذين عاصروا الأحداث فأخذ عنهم وكان يتبع أسلوب استماع الأخبار وتدوينها في مذكرات. فكان إذا انتهى من تدوين موضوع قام باسترجاعه بعد فترة لمعرفة مدى دقة الرواية الأولى التي سمعها. وأحياناً يشد الرحال إلي شخص من الرواة ليأخذ عنه شفاهة ما لديه من أخبار ويسجلها ويذكر كل من يلتقي بهم ويقول: قال لي فلان بن فلان الذي التقيته في المكان الفلاني يوم كذا. قال كذا وكذا. وتلك هي عادته في مجاراة الأحداث وتدوين الوقائع، وبذلك يعتبر من المؤرخين القلائل الذين فطنوا إلي طريقة التحقيق العلمي والبحث الدقيق في المعلومة قبل تثبيتها والحكم عليها أو الموافقة على تسجيلها لكي تصبح مصدراً يمكن الرجوع إليه والاستفادة منه في إثبات خبر أو إجلاء الغموض عن بعض الأحداث.

وكان يتنقل من بادية إلي بادية ومن ريف إلي ريف ومن مكان إلي مكان متبعاً أسلوب التقصي والتدوين من الرواة الأصليين الذين يتوسم فيهم المعرفة والإلمام بالأخبار والأحداث.

وقد مارس لفترة بسيطة التجارة وسافر في رحلات تجارية إلي بعض البلدان رغم أنه لم يكن مولعاً بذلك. فانصرف عن التجارة وبدأ مرحلة أخرى في حياته بتعيينه كاتباً في ديوان الشيخ أحمد بن راشد المعلا حاكم أم القيوين سابقاً، واستمر في هذا العمل لمدة ستة عشر عاماً. وكان يحرر رسائل الحاكم ويكتب العقود ويسجل ما يأمره به الشيخ ويمارس ذلك بمعرفة ودراية بكافة الظروف المحيطة.

وفي آخر أيامه اعتلت صحته. وأقعده المرض، وفي عام 1980 م انتقل المؤرخ الشيخ حميد بن سلطان الشامسي إلي بارئه عن عمر ناهز أربعة وثمانين عاماً.


إبراهيم بيومي مدكور: (1902 – 1995)

ولد إبراهيم بيومي مدكور في الأول من شهر إبريل سنة 1902 بمدينة "أبو النمرس" بمحافظة الجيزة.

حفظ القرآن الكريم في كتابها وتلقى تعليمه في مدرستها الأولية ثم التحق بالدراسة الأزهرية، وقضى خمس سنوات في مدرسة القضاء الشرعي ثم حول بعد إلغائها إلي دار العلوم عام 1932، وتتلمذ لكبار شيوخها، وتخرج فيها عام 1927،

عمل الدكتور مدكور فور تخرجه مدرسا في إحدى مدارس القاهرة الابتدائية لمدة عام واحد رشح بعده لبعثة إلي إنجلترا، ولكن العواصف السياسية والخلافات الحزبية تسببت في إلغائها فسافر على حسابه الخاص إلي فرنسا ثم انضم إلي البعثة الرسمية.

التحق إبراهيم مدكور بجامعة السوربون وحصل منها على ليسانس الآداب عام 1931 ثم على ليسانس الحقوق من جامعة باريس عام 1933. ثم نال شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة الإسلامية تحت إشراف خمسة كبار المفكرين وأساتذة الفلسفة الفرنسيين، منهم أندريه لالاند ولويس ماسينيون.

انضم الدكتور إبراهيم مدكور فور عودته إلي القاهرة عام 1935 إلي هيئة التدريس بكلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، كما انتدب للتدريس في بعض الكليات الأزهرية. ويعد صاحب منهج رائد في تدريس الفلسفة الإسلامية يقوم على فكرة "تكامل الحضارات" ويبرز من خلاله دور الفكر الإسلامي في المسيرة الحضارية للإنسان.

رشح حزب الوفد الدكتور إبراهيم مدكور لخوض انتخابات مجلس الشيوخ خلفا لوالده حيث قضى في الحياة البرلمانية خمسة عشر عاما كانت حافلة بالنشاط السياسي والاجتماعي. اعتزل الحياة السياسية وفرغ كل جهوده في خدمة اللغة العربية. وقد تولى أمانة مجمع اللغة العربية خلفا للدكتور منصور فهمي وذلك عام 1960.

كان الدكتور إبراهيم مدكور من المهتمين بإحياء ونشر التراث العربي، فأشرف على تحقيق ونشر موسوعة "الشفاء" لابن سينا في أربعة وعشرين جزءا، و"المغني" و"الفتوحات المكية" و"الموجز في الطب".

ترك عددا من المؤلفات الهامة، منها:

في الفلسفة الإسلامية – منهج وتطبيق – دروس في تاريخ الفلسفة – الأداة الحكومية (بالاشتراك مع ميريت غالي) – في الفكر الإسلامي – في الأخلاق والاجتماع – أحاديث اجتماعية وثقافية – في اللغة والأدب – مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاما – مع الخالدين – مع الأيام: شئ من الذكريات.

وتقديرا لجهوده في اللغة العربية والثقافية الإنسانية نال العديد من الشهادات والجوائز المحلية والعالمية، منها: الدكتوراه الفخرية من جامعة "بريستون" عام 1964، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1974. وجائزة الثقافة العالمية، ووسام الآداب والفنون الفرنسي، والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

محمد سعيد العريان: (1905 – 1964)

ولد الأستاذ محمد سعيد العريان في صباح عيد الفطر عام 1324هـ في محلة حسن مركز المحلة الكبرى بالغربية، وكان والده عالماً جليلاً من علماء الأزهر ومن خطباء الثورة العرابية وشعرائها.

حفظ محمد سعيد القرآن الكريم ثم التحق بالمعهد الأحمدي بطنطا ومنه إلي كلية دار العلوم ونال إجازتها عام 1930 وهو أصغر زملائه سناً وأعلاهم درجة، ورشح للدراسة في الخارج لكن البعثة ألغيت لأسباب سياسية، فعين مدرسا بمدرسة شربين الابتدائية ومكث سنتين يقرأ كثيراً من أمهات الكتب واتجه إلي الكتابة للأطفال فأصدر مجموعة "القصص المدرسية" مع زميليه محمود زهران وأمين دويدار وضمن تلك المجموعة قصة "الراية الحمراء" عن ثورة 1919 فصادرت السلطات القصة وأحرقتها.

وفي عام 1932 اتصل العريان بمصطفى صادق الرافعي حيث دعاه الأول إلي الانضمام لجماعة الثقافة الإسلامية وتوثقت عرى الصداقة بينهما حتى قال البعض: لقد أصبح العريان رافعياً.

وحين توفى الرافعي وأنشأ أول إدارة للشئون العامة في الدولة، ثم انتدب للعمل بمجلس قيادة الثورة وأشرف على إصدار سلسلة "اخترنا لك" وقام بتحقيق أمهات كتب التراث وتفرغ لكتابة القصص التاريخية بأسلوبه الأنيق. خاض العريان معارك أدبية وسياسية على صفحات الجرائد والمجلات وكان واثقاً لا يخشى في الله لومه لائم، ودافع عن فكرة القومية العربية وارتباطها بالدين وهاجم الذين يجردونها من الدين.

أخذ العريان ينشر الدعوة إلي تطوير الدراسات الإسلامية العالية في الجامعات الإسلامية الأخرى على غرار ما حدث للأزهر.

وظل يسعى جاهداً لتنفيذ مشروع "جمعية الصراط العربي" لكسر الحدود والقيود بين الدول العربية والإسلامية.

اهتم العريان بالكتابة للأطفال وأصدر الكثير من السلاسل القصصية وترأس تحرير مجلة الأطفال "سندباد".

نال جائزة مجمع فؤاد الأول للقصة عام 1947. وحصل على جائزة الدولة في أدب الأطفال عام 1962 وكرمه مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال عام 2003.

من مؤلفاته:

مجموعة القصص المدرسية- رحلات سندباد – مغامرات أرنباد – كان يا ما كان – روضة الأطفال (بالاشتراك) – التربية الدينية والقراءة (بالاشتراك) – على باب زويلة – قطر الندى – شجرة الدر – حياة الرافعي – طريق الحرية – أهداف المعركة – معركة الحرية.

قام بتحقيق: العقد الفريد – المعجب في تلخيص أخبار المغرب – الأمصار والعمران لابن خلدون.

رحل المفكر والأديب والصحفي سعيد العريان عن الحياة في 13 يونيه عام 1964 وكان يأمل أن يجتاز الصراط العربي من طنجة إلي الإسكندرية دون أن تقيده حدود أو فواصل.


الدكتور عمر فروخ: (1906 – 1987)

ولد العلامة لدكتور عمر عبد الله فروخ في بيروت وتلقى علومه الأولى في مدارس رسمية (تركية) وأهلية قبل أن ينزل الانتداب في هذا البلد. دخل المدرسة الابتدائية التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت عام 1919. وفي عام 1921 دخل السنة الثالثة الاستعدادية في الجامعة الأمريكية.

حصل على بكالوريوس علوم (الجامعة الأمريكية) وعمل مدرساً للتاريخ والجغرافية الطبيعية في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس (فلسطين) ثم في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية.

تابع دراسته العليا في ألمانيا للتخصص في الفلسفة واللغة وتاريخ العرب في أوروبا في غير الأندلس. درس فصلا في جامعة برلين وفصلا في جامعة ليبزغ وفصلين في جامعة أرلنجن ونال الدكتوراه في الفلسفة عام 1937 ثم قام بالتدريس في جمعية المقاصد ببيروت، ذهب إلي العراق أستاذا للتاريخ الأموي والتاريخ العباسي في دار المعلمين العالية في بغداد عامي 1940 – 1941 ثم عاد للعمل في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. عمل أستاذا زائرا في جامعة دمشق للتاريخ الأموي وتاريخ الأندلس، إلي جانب وجوده مدرسا في المقاصد، عضو المجلس الإسلامي وعضو جمعية أصدقاء الكتاب، وعمل أستاذاً محاضراً في جامعة بيروت العربية للتاريخ العربي في جانبه الحضاري ولتاريخ العلوم عند العرب.

وعمل رئيسا لنقابة المعلمين في لبنان (1968)، وعمل أستاذا لتاريخ العلوم عند العرب في كلية التربية، وأستاذا مشرفا على رسائل الدراسات العليا في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، وعضو بالمجمع العلمي العربي بدمشق وبغداد، وعضواً بمجمع اللغة العربية في القاهرة، وعضواً بجمعية البحوث الإسلامية في بومباي، وعضو اتحاد المؤرخين العرب.

كان د. عمر من أشد المدافعين عن اللغة العربية الفصحى ونادي بأن تكون لغة الخطابة والإذاعة والصحافة وكان يحب مصر إلي درجة العشق، وقد عانى محنة إنسانية حين استشهد ابنه "مازن" المتخصص في الفيزياء النووية في شوارع بيروت.

نال الدكتور عمر فروخ وسام المعارف بلبنان ووسام نجم باكستان من رتبة قائد أعظم وجائزة رئيس الجمهورية بلبنان التي تمنحها جمعية أصدقاء الكتاب ببيروت، ووسام الأرز الوطني ووسام الاستحقاق من موريتانيا ووسام محمد إقبال (باكستان) والوسام المذهب من جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وحصل على الدكتوراه الفخرية من كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية وشهادة تقدير من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتاب "تاريخ الأدب العربي" ووسام الأرز الوطني من رتبة ضابط.

شارك في كثير من المؤتمرات في الدول العربية والإسلامية والهند.

من مؤلفاته: تاريخ الأدب العربي – تاريخ العلوم عند العرب – تاريخ الفكر العربي – التبشير والاستعمار في البلاد العربية – الأسرة في الشرع الإسلامي – عبقرية العرب في العلم والفلسفة – تجديد في المسلمين لا في الإسلام – العرب في حضارتهم وثقافتهم إلي آخر العصر الأموي – الطريق إلي النجوم (ترجمة) – الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط – العرب والفلسفة اليونانية – الحضارة الإنسانية وقسط العرب فيها – أثر الفلسفة الإسلامية في الفلسفة الأوروبية – التصوف في الإسلام – عبقرية اللغة العربية – صفحات من حياة الكندي – الفارابيان: الفارابي وابن سينا – إخوان الصفا – ابن حزم الكبير: أبو محمد على – ابن باجة والفلسفة المغربية – القومية الفصحى – الإسلام والتاريخ – دفاعا عن العلم.


د. وجيه البارودي:( 1906 – 1999)

ولد الشاعر السوري وجيه البارودي في أول مارس "آذار" سنة 1906 بمدينة حماة السورية، وكان الابن البكر لعبد الحسيب البارودي والسيدة بهيجة العلواني، في بيت علم وأدب وترف، ولحق بالكتاب ثم في مدرسة ترقى الوطن الابتدائية. توقف عن دراسته بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية، فأرسلته أسرته إلي بيروت نهاية سنة 1918 للالتحاق بالكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية فيما بعد). ومكث وجيه في رحاب هذه الجامعة أربع عشرة سنة شملت الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية، حيث تخرج فيها سنة 1932 طبيبا عاماً ممارساً.

وفي رحاب الجامعة الأمريكية ببيروت تكونت شخصيته بأبرز ملامحها. وأهم ما أثر فيه خلال المرحلة الثانوية بها بثلاثة شعراء يدرسون بنفس الكلية هم الشاعر الفلسطيني "إبراهيم طوقان"، والشاعر العراقي الشاب "حافظ جميل"، والطالب اللبناني "عمرو فروخ" الذي أصبح أحد كبار النقاد العرب فيما بعد، وكونوا معاً جميعه أدبية سموها "دار الندوة" سنة 1926، حيث كانت تعقد ندواتها في رحاب الجامعة حيث يتبادلون نظم الشعر العربي والفكاهى. ومن أشهر قصائدهم المشتركة تلك القصيدة الغزلية الشهيرة "يا تين يا توت" التي يقول مطلعها: "يا توت يا تين يا رمان يا عنب".

وفي سنة 1931 اقترن وجيه البارودي بابنة خالته السيدة "مسرة علواني" وهو في السنة النهائية بكلية الطب، وسكن وإياها في غرفة على سطح أحد فنادق بيروت، وعاش معها خمسة وأربعين عاما أنجب فيها عشرة أولاد، سبعة ذكور وثلاث إناث، حتى رحلت عن الحياة في 6 يناير سنة 1976.

وفي سنة 1932 عاد إلي مدينته حماة حيث افتتح بها أول عيادة طبية له، وظل يعيش في مدينته الأثيرة التي أحبها حتى آخر حياته.

وفي سنة 1950 طبع ديوانه الأول "بيني وبين الغواني"، وفي سنة 1971 طبع ديوانه الثاني "كذا أنا"، ثم صدر ديوانه الثالث "سيد العشاق" بتحقيق ودراسة روايته الأديب الشاعر "وليد قنباز" سنة 1994.

وقد عبر الشاعر السوري الكبير د. وجيه البارودي عن تجاربه في الحب والوطنية وتاريخ سورية، وتغني بمدينته الجميلة حماة على مدى أكثر من ستين عاما ظل فيها بلبلا غرداً لم تستطع مهنة الطب ولا مشاغله أن تأخذه من عالم الشعر والإبداع، حتى رحل عن الحياة في أواخر التسعينيات من القرن العشرين في مدينته الأثيرة "حماة" على نهر العاصي الجميل.


محمد عبد المنعم بدر: (1907 – 1958)

ولد محمد عبد المنعم بدر بمدينة القاهرة من عائلة من الأشراف وحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة الفرير وشهادة الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالقاهرة.

التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وحصل على ليسانس الحقوق عام 1926 وعين معيدا في الكلية وسافر إلي فرنسا وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس 1930.

عاد د. محمد عبد المنعم بدر ليدرس في كلية الحقوق جامعة القاهرة وكان أول من درس مادة القانون الروماني في كليات الحقوق وألف كتابين يعدان المرجع – في القانون الروماني وهما:

- المدخل للقانون الروماني.

- القانون الروماني.

وتدرج في مناصبها حتى أصبح عميدا لكلية الحقوق جامعة القاهرة 1955 وقد حصل على البكوية من الملك فاروق عام 1950.

كان للدكتور عبد المنعم بدر نشاط رياضيا معروفا في الجامعة حيث حمل شارة اللجنة الأولمبية مدى الحياة منذ عام 1955.

كما شارك مع أبناءه الطلاب في مقاومة الاحتلال الإنجليزي لمصر وكان يحرص على المشاركة في تشييع وحمل نعش شهداء الجامعة في النضال ضد الإنجليز في منطقة القناة.

حصل اسمه على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى تقديرا لما اتصف به من حميد الصفات وما قدمه من جليل الخدمات للدولة في 1980.

وكان الدكتور عبد المنعم بدر متزوجا وله ثلاث بنات وولد واحد.

وبعد وفاته شارك لفيف من طلاب الجامعة وأساتذتها في تشييع الجنازة. وقد أطلق اسمه على أحد مدرجات كلية الحقوق جامعة القاهرة ومازال باسمه حتى الآن وأقيم له تمثال في كلية الحقوق جامعة القاهرة وخصصت كأس باسمه في نادي التجديف لكليات جامعة القاهرة.

حسن كامل الصيرفي: (1908 – 1984)

ولد حسن كامل الصيرفي بمدينة دمياط بدلتا مصر سنة 1908 وتلقى دراسته الولية والابتدائية بمدارسها، وبعد استكمال دراسته بمدرسة الفنون والصنائع المتوسطة عمل بعدة وظائف في القاهرة ثم انضم لجماعة أبوللو (1932 – 1934) التي أسسها الدكتور أحمد زكي أبو شادي. نشر بمجلة أبوللو بواكير شعره الأولى – وأصدر بمساندتها ديوانه الأول "الألحان الضائعة" سنة 1934 حيث لاحظ النقاد غلبة طابع الحزن والتشاؤم على قصائده، وبرر حسن كامل ذلك بقوله "لقد بليت في حياتي الأدبية بصنوف من الجحود ساعد عليه انزوائي عن عالم التهريج وعزوفي عن الجري وراء شهرة لا يتكسبها الإنسان إلا بأشياء لا تريح ضميره "بله ضمير الناقد النزيه"

وبالفعل عاش الشاعر بقية حياته منزويا بعيدا عن الأضواء حتى رحل عن الحياة.

عبد السلام هارون: (1909 – 1988)

ولد الأستاذ عبد السلام محمد هارون عام 1909 بمدينة الإسكندرية وانتقل إلي طنطا مع أسرته ثم إلي القاهرة وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره والتحق بالأزهر، وتخرج في دار العلوم عام 1932، وعين مدرساً في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1945، ثم أستاذاً مساعداً في دار العلوم عام 1950، فأستاذاً ورئيساً لقسم الدراسات النحوية فيها عام 1959.

وقد بدأ عبد السلام هارون نشاطه الأدبي في سن مبكرة إذ حقق كتاب "متن أبي شجاع" وهو في السادسة عشرة من عمره وحقق الجزء الأول من "خزانة الأدب للبغدادي" وهو في التاسعة عشرة من عمره ثم أكمل أربعة أجزاء منه وهو طالب بدار العلوم.

وفي سنة 1943 اختاره طه حسين ليكون عضواً بلجنة إحياء تراث أبي العلاء المعري.

أسهم في إنشاء جامعة الكويت، ووضع منهج قسم اللغة العربية فيها وأشرف على عشرات الرسائل في عدد من الجامعات داخل مصر وخارجها.

اختير عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وشارك في لجان: المعجم الكبير وإحياء التراث والجغرافيا والنفط، كما شارك في المؤتمرات السنوية للمجامع العربية بإلقاء بعض البحوث والمحاضرات.

له إنتاج علمي وفير، وقد وضع أكثر من 15 كتاباً، وحقق ما لا يقل عن مائة كتاب، بعضها في عدة مجلدات.

من أشهر مؤلفاته:

1- تحقيق النصوص ونشرها. 2- الميسر والأزلام. 3- الأساليب الإنشائية في النحو العربي. 4- معجم شواهد العربية (مجلدان). 5- التراث العربي (في سلسلة كتابك).

ومن تحقيقاته:

1- كتاب الحيوان للجاحظ (8 مجلدات). 2- معجم مقاييس اللغة لابن فارس (6 مجلدات). 3- البيان والتبيين للجاحظ (4 مجلدات). 4- شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (4 مجلدات). 5- كتاب سيبويه(4 أجزاء).

شارك في تحقيق 9 كتب، ونشر 20 بحثاً ومقالاً في مجلات علمية مختلفة.

حصل عبد السلام هارون على الجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية في التحقيق والنشر عام 1950 كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1981.

توفي عام 1988.

على الطنطاوي: (1909 – 1999)

ولد الشيخ على بن مصطفى الطنطاوي الداعية العالم نابغة الأدب، الخطيب المفوه القاضي في مدينة دمشق عام 1327هـ الموافق 1909م.

نسبته إلي طنطا في مصر. ثم انتقلت عائلته إلي الشام.

حيث نشأ في بيت علم ودين. جمع في تعليمه بين الطريقتين: القديمة حيث تتلمذ على والده (أمين الفتوى بدمشق) ومجموعة من المشايخ المشهورين، وبين الطريقة الحديثة حيث تخرج في كلية الحقوق جامعة دمشق. ثم درس في معاهد وجامعات دمشق وبغداد وبيروت والرياض ومكة المكرمة.

عمل في القضاء حيث كان قاضي دمشق الممتاز (رئيس المحكمة الكبرى). ومستشاراً في محكمة النقض (التمييز). في الجمهورية العربية المتحدة.

وضع قانون الأحوال الشخصية "القانون الوحيد والكامل في البلاد العربية". كما وضع قانون الإفتاء، وأوجد مجلس الإفتاء الأعلى (مجلس القضاء الأعلى).

وضع مناهج الدروس الدينية والعربية لمدارس وزارة الأوقاف السورية.

شارك في إنشاء الجمعيات الإسلامية في سوريا وأقدمها "جمعية الهداية الإسلامية عام 1350هـ".

من أوائل من عمل في حقل الدعوة الإسلامية بالشام داعية وخطيباً ومؤلفاً، حيث أصدر "رسائل في سبيل الإصلاح" ثم "رسائل سيف الإسلام".

له مساهماته العظيمة في العمل الوطني، حيث كان رئيس اللجنة العليا لطلاب سوريا، ومجاهداً بالقلم واللسان ضد الاستعمار الفرنسي وغيره في سوريا والعالم الإسلامي، من فوق منابر المساجد وفي النوادي والجمعيات وفي وسائل الإعلام.

أسهم في الدفاع عن قضايا المسلمين في الشام ومصر إلي باكستان وإندونيسيا، والجزائر وغيرها، واشترك في مؤتمر القدس عام 1953م لنصره قضية فلسطين وتحريرها. حيث كان له في كل قضية عربية أو إسلامية صولة وجولة.

اشتغل بالصحافة، حيث أصدر مجلة البعث.

له ما يزيد عن خمسين مؤلفاً بين صغير وكبير، وقد اشتهر بأحاديثه الإذاعية المميزة وآخرها برنامج "مسائل ومشكلات"، وأهمها "نور وهداية" وبرنامجه الرمضاني "على مائدة الإفطار".

حارب النزعات القومية والعراقية التي كانت شائعة بين الناس وكشف زيف الدعوة إلي فصل الدين عن الدولة السياسية. وكذلك بين الدين والعلم. التي روجها أعداء الإسلام.

من مؤلفاته: فتاوى على الطنطاوي – تعريف عام بدين الإسلام – رجال من التاريخ – في سبيل الإصلاح – فصول إسلامية – أعلام التاريخ – القضاء في الإسلام – طريق الجنة وطريق النار – قصتنا مع اليهود – موقفنا من الحضارة الغربية.

وله مئات البحوث والمقالات في عشرات الصحف والمجلات.

توفى يوم الجمعة الثالث من ربيع الأول 1420هـ. الموافق للثامن عشر من يونيه حزيران 1999م.

عبد الله بالخير: (1910 – 2002)

ولد عبد الله بالخير سنة 1910م ببلدة "غيل بالخير" لأسرة علم وأدب بوادي حضرموت وينتهي نسبه إلي كنده وهاجر إلي المملكة صبياً صغيرا بمعية والده.

وهو أديب وشاعر وسياسي ومؤرخ وإعلامي ومترجم. ومن كبار الأدباء السعوديين الرواد الذين ظهروا في عصر الملك عبد العزيز. درس بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة وظهرت شاعريته المبكرة في هذه المرحلة وتخرج فيها سنة 1933م. أعجب الملك عبد العزيز بشاعريته وبنبوغه المبكر عندما زار مدرسة الفلاح فاهتم به وأرسله للدراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1935م.

بعد تخرجه سنة 1940م عينه الملك عبد العزيز بالشعبة السياسية بالديوان الملكي.

كان أول مسئول إعلامي بديوان الملك عبد العزيز بتعيينه رئيساً لقسم الإذاعة والصحافة ومسئولاً عن ترجمة نشرات الأخبار الأجنبية للملك عبد العزيز.

كان أول مترجم سعودي مرافق للملك عبد العزيز في معظم أسفاره واجتماعاته بزعماء الدول الأجنبية، التي جمعته بروزفلت وتشرشل في مصر سنة 1945م. رافق الأمراء سعود وفيصل وخالد – رحمهم الله – في زياراتهم لأمريكا وبريطانيا بتوجيه من الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه. ترأس مكتب شئون الجامعة العربية والمؤتمرات الدولية في ديوان الملك عبد العزيز وديوان إمارة الرياض أثناء تولي سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز إمارة الرياض وبالنيابة ديوان سمو ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز ورافقه في جميع رحلاته الخارجية. يعتبر مؤسس أول وزارة إعلام سعودية من الناحية العلمية وذلك بعد تكليفه بإنشاء المديرية العامة لإذاعة والصحافة والنشر سنة 1945م في بداية عهد الملك سعود، ويعد ذلك استكمالا لجهوده واهتماماته الإعلامية التي بدأها في عهد الملك عبد العزيز.

في عصر عبد الله بالخير صدرت معظم الصحف السعودية، وتأسست في عهده مرحلة صحفية سعودية جديدة تم فيها السماح بإعطاء تراخيص للأفراد بإصدار الصحف والمجلات أمثال صالح جمال وأحمد السباعي وحمد الجاسر ومحمد سعيد باغشن وغيرهم.

عينه الملك سعود بن عبد العزيز وزير دولة لشئون الإذاعة والصحافة والنشر سنة 1961م واعتبر بهذا القرار أول وزير إعلام في المملكة العربية السعودية من الناحية الرسمية. أما من الناحية العملية فقد مارس هذه المهمة منذ عهد الملك عبد العزيز.

كتب المقالات ونشر عشرات القصائد بالصحف المحلية والعربية، كتب بالاشتراك مع محمد سعيد عبد المقصود كتاب "وحي الصحراء"، تفرغ للتأليف والسفر بعد تقاعده في عهد الملك فيصل، له شعر غزير ومطولات شعرية إسلامية، كما أن له مذكرات عن الملك عبد العزيز والحياة السياسية في عصره في المملكة والعالم العربي والإسلامي.

صدرت عنه عدة كتب وأبحاث علمية، أصبحت داره بجدة مزاراً للدراسيين والباحثين والمعجبين خلال العشرين عاما الأخيرة من حياته. برغم معاناته الصحية من الناحية الجسدية ظل حاضر الذهن والذاكرة إلي آخر لحظات حياته رحمه الله.

توفي في بيروت ودفن فيها رابع أيام عيد الأضحى المبارك في 4/10/1423 هـ الموافق 8/12/2002م.

صبحي رجب المحمصاني: (1911 )

ولد في بيروت سنة 1911. وتلقى دروسه الابتدائية والتكميلية والثانوية في المدرسة الملحقة بالجامعة الأمريكية. وفي عام 1928 نال شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة ليون، وفي العام الدراسي عام 1929 – 1930 نال دبلوم في العلوم القانونية العليا ودبلوم في العلوم الاقتصادية من جامعة ليون.

نال دكتوراه في الحقوق من جامعة ليون عام 1932.

نال بكالوريوس في الحقوق من جامعة لندن عام 1935.

وبين 1928 – 1946 عمل في سلك القضاء اللبناني ووصل إلي رئاسة غرفة في محكمة التمييز والاستئناف. ومارس المحاماة منذ 1947.

من سنة 1938 إلي سنة 1974 مارس تدريس الحقوق في جامعات بيروت المتعددة (الأمريكية واليسوعية واللبنانية والعربية).

انتخب نائباً في المجلس النيابي بين 1964 – 1968.

عين وزيراً للاقتصاد عام 1966.

كان المستشار القانوني لوفد ميثاق جامعة الدول العربية بالقاهرة ووفد ميثاق الأمم المتحدة بسان فرانسيسكو سنة 1945.

انتخب عضواً في المجامع العلمية العربية في دمشق والقاهرة وبغداد.

وعين عضواً في الشعبة الوطنية لمحكمة التحكيم الدائمة.

كما عين رئيساً أو عضواً في عدد من لجان التحكيم الدولية.

أهم مؤلفاته: فلسفة التشريع في الإسلام، الطبعة الخامسة، بيروت 1980، ترجم إلي اللغات الأوروبية (1955)، والإنجليزية 1961، والإيرانية (1968).

النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية (جزءان)، بيروت، الطبعة الثانية، 1972، ترجم إلي الإيرانية.

الأوضاع التشريعية في الدول العربية، الطبعة الرابعة، بيروت، 1981.

المبادئ الشرعية والقانونية (الحجر والمواريث والوصية)، ط 7 – 1981.

الدستور والديمقراطية، بيروت، 1952.

مقدمة في إحياء علوم الشريعة، بيروت.

محاضرات في آثار الالتزام والأوصاف المعدلة لآثار الالتزام، وانتقال الالتزام، القاهرة، 1945 – 1958.

القانون والعلاقات الدولية في الإسلام. الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية، بيروت. الإمام الأوزاعي وتعاليمه القانونية والإنسانية، بيروت، 1978. المجاهدون في الحق، بيروت، 1979. المجتهدون في القضاء، بيروت، 1980. في درب العدالة، بيروت، 1982. التراث الفقهي والقضائي للخلفاء الراشدين.

عامر بحيرى: (1912 – 1988)

ولد عامر محمد بحيرى في مدينة الخرطوم في 3 سبتمبر 1912 لأبوين مصريين، حيث كان والده يعمل بحكومة السودان أثناء الحكم الثنائي خلال الفترة (1901 – 1924) حيث عاد إلي مصر بعد حادث مقتل السردار بالقاهرة سنة 1924. قضى عامر فترة صباه مع والديه بالسودان ، وكان والده محباً لأدب والشعر فنهل منهما كما تأثر بأخيه الأكبر عبد الفتاح الذي كان هو أيضاً شاعراً.