من أهم عوامل حضارة العرب، علاء الأعرجي
من أهم عوامل نشوء حضارة العرب في القرون الوسطى، مقال لعلاء الدين الأعرجي، يونيو 2013.
أرى أن هناك عاملين رئيسيين :
الأول؛ القرآن والعقيدة الإسلاميَّة، بِما فيها من مبادئَ وقواعدَ تقدُّميَّة وحضاريَّة، بل حداثيَّة، بالنسبة لِما قبلها. هذا الدينُ الجديد نقلَ العربَ من حالتِهم البدائيَّة المتخلِّفة إلى شعبٍ له كيانٌ ونظام، ومن قبائلَ متفرِّقةٍ ومتطاحنةٍ إلى دولةٍ تحكمُها سلطةٌ واحدةٌ وينظِّمُها قانونٌ متوازنٌ يُعتبَر ثورةً على العقل المجتمعي. هذا الدينُ دعا إلى طلبِ العلم "من المهد إلى اللحد"، والسعيٍ في طلبِه من أقصى الأرض "ولو في الصين،" (أي إِنَّه لا يقصد بالعلم علومَ الدين فحسب بل جميع المعارف)، والحصول عليه من أيِّ إنسانٍ أَيًّا يكُن: "الحكمةُ ضالَّـة المؤمن، فخُذِ الحكمةَ ولو من أهلِ النفاق،" و"خذوا الحكمة من أيِّ وعاءٍ خرجَت،" بل أكَّد ذلك كلَّه بقولِـه "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟"
العامل الثاني لنشوءِ تلك الحضارةِ وتطوُّرِها، كما نعتقد ويرى معظمُ الكتّاب، أن هذا الدين، الذي يطلب العلمَ أينما كان والحكمةَ من أيِّ وعاءٍ خرجَت، انفتح على الحضارات الأُخرى فنهلَ من عِلمها وتعلَّمَ من فلسفاتها. ومن أهمِّ مُنجَزات هذا الدين دعوتُه إلى محاربة البداوة والعقليَّة البدويَّة وخاصَّةً العصبيَّة القَبَليَّة. بل جعلها تساوي الكفر :"إذ جعل الذين كفروا في قلوبِهم الحميَّـة، حميَّـة الجاهليَّـة فأَنزل الله سكينَتَه على رسولِه وعلى المؤمنين وألزمهم كلمةَ التقوى" (سورة الفتح: 26). وفي الحديث: "ليس منَّا مَن دَعا إلى عصبيَّـةٍ أو قاتلَ عصبيَّـة." وقال الرسول (ص) في خطبةِ الوداع: " إنَّ الله أذهبَ عنكم نَخوةَ الجاهليَّـة وفخرَها بالآباء، كلُّكم لآدم وآدمُ من تراب، ليس لعربيٍّ على أَعجميٍّ فضلٌ إلاَّ بالتقوى."
ولكن، على الرغم من ذلك، لم ينجحِ الدينُ الإسلاميُّ في التغلُّب على البداوة (العشائرية) ، التي كانت متجذِّرةً في المجتمع العربيِّ الجاهليّ، بل كان "العقلُ المجتَمَعيُّ" البدويّ أقوى تأثيرًا من الدينِ والعقيدةِ والإيمان، كما إنَّـه كان أقوى حضورًا من الحضارات التي تفاعلَت مع ذلك الدين فأنتجَت أعظمَ حضارةٍ في القرون الوُسطى، وأقوى فاعليَّةً من الفلسفات التي نشأتْ لاسيما بالتفاعل مع الحضارة الفارسية والرومانية ثم الفلسفة اليونانيَّة القديمة. ويمكن القول بحصول صراع بين القيَّم البدوية التي كانت متجذرة في "العقل المجتمعي" العربي البدوي، من جهة وبين القيَّم الحضارية التي بشر بها القرآن، وعززتها وأغنتها المفاهيم الحضارية الجديدة. ولكنني أعتقد أن عدم توفر الفرصة أمام العرب للمرور بدور الزراعة، على نحو كاف، بسبب أنهم أصبحوا الأسياد في مجتمع زراعي مغلوب وخاضع، فضلا عن احتقارهم للمهنة أصلا ، لأنها تـُمْهِن صاحبها(أي تذلـّه).