مقدمة فى نظرية القوة المقبولة
تنبؤات عما قد يسود التعاملات الدولية فى العقود القادمة
- مقدمة فى نظرية القوة المقبولة -
للمفكرة غادة عبد المنعم
كتاب عن حس النفع المشرك
أو نظرية فكرية جديدة للاتصال
هذا نص لكتاب مقدمة فى نظرية القوة المقبولة والذى يعرض نظرية القوة المقبولة، ويقدم لها ويناقش عدد من الأمثلة المتعلقة بها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نظرية القوة المقبولة
نظرية القوة المقبولة هى نظرية فلسفية مستحدثة، تصف عملية الاتصال فى ظل الظروف الحضارية الحالية والمستقبلية، وهذه النظرية الحديثة من وضع المفكرة المصرية غادة عبد المنعم وهى ككل النظريات الفلسفية تمثل أساسا فكرى يمكن أن يبنى عليه تصورات لآليات عمل فى مجالات كـ نظم الحكم ، و المعاملات الدولية ، و المعاملات الاقتصادية ، و الاقتصاد المحلى ، وغير ذلك من مجالات الحياة، ونظرا لأنها تصف على وجه الخصصوص عملية الاتصال، فهى بالضرورة ذات تطبيقات تتسع لتشمل مجالات الحياة كافة.
وفى الكتاب الذى بين أيدينا تقوم الكاتبة والمفكرة غادة عبد المنعم بتقديم شرح مخلص فى مقدمة تضم نص النظرية وعدد من أمثلة تطبيقها فى عدد من المجالات مختلفة، ذلك بعد أن تشرح بتبسط الأوضاع العالمية المعاصرة، والأسباب الفكرية التى قامت ببناء نظريتها عليها.
تنبؤات عما قد يسود التعاملات الدولية فى العقود القادمة
تقديم
أستشعر، نهايات مرحلة لا يمكن أن تستمر الحضارة فى السير بعدها على نمطها الحالى، انه مجرد شعورا عاما وقد لا يستشعره أحد غيرى..؟؟! عموما لا يهم عدد من يعتقدون ذلك أو يستشعرونه، فكما نعلم هناك دائما قلة من البشر يستشعرون نهاية مرحلة من التاريخ وبداية أخرى، بعضهم يسجل تصوراته ( مثلى) والبعض الآخر يتمكن بقليل من الحراك التغيير المساهمة فى بدء المرحلة الجديدة من التاريخ بنفسه، وليس ببعيد عنا مرحلة الثورات على الاستعمار وتحرير بلدان أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، إن القادة الذين بدءوا هذه الثورات الاستقلالية تميزوا باستشعار حركة التاريخ فى اللحظة التى ظهروا فيها.. بالطبع لست فى وضع يتيح لى من الفعل على أى من المستويات السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أن أحدث تغييرا من هذا النوع، تغييرا يبدأ بالجديد ويشير للمختلف، هذا إذا كنت محقة فيما أتصوره من بداية لمرحلة حضارية جديدة..؟! مرحلة توحى بالتفاؤل
الفصل الأول
تمهيد ضرورى
فى الوقت الحالى حيث يتغلب الاقتصاد والمصالح التى تحكمه على السياسة، تلك التى تركت له الكثير مما كانت تمارسه من ضغوط، وحيث صارت المصالح الاقتصادية هى الحاكمة والمتحكمة فى التعاملات الدولية، فى هذا الوقت الذى بلغ فيه التطور الحضارى درجة دفع فيها البشرية لميل لتفضيل كل ما هو سلمى والبحث عن الحلول السلمية بدلا من العسكرية، حيث تتنامى كراهية ضد الحرب وما تخلفه من دمار، كراهية كادت معها النظرة القديمة للحرب، تلك التى تقدسها وتعتبر التلويح بها هو الطريقة الفضلى لإظهار القوة نحو الآخر، والخوض فيها هو الفعل النهائى للتغلب عليه و التحكم فيه والاستفادة من ممتلكاته وإجباره على السير طبقا لنهج الطرف الأقوى ولمصالحه ، فى هذا الوقت الذى بدأ فيه البشر يتفهمون فكرة التعدد دينيا وثقافيا وبدؤوا أيضا القبول والتفهم لقوة الآخر ونفوذه، فى هذا الوقت صار من الضرورى، أو بات العالم مستعد للقبول بأن تحكم معاملاته – المعاملات الدولية خاصة، ما أسميه بـ (القوة المقبولة) ومضمون هذا التصور هو أنه قد صار من الضرورى القبول بقوة الآخرين والسماح لهم باستخدام نفوذهم وسلطانهم والشعور بتأثير قوتهم فى دوائر نفوذهم، بل وإقامة الدول لعلاقاتها الدولية لا على أساس الحد سياسيا أو اقتصاديا من تأثير غيرها وتقليص نفوذهم بل على العكس من ذلك على أساس إتاحة الفرصة للدولة التى بصدد التعامل معها لتوسيع دوائر نفوذها وقدرتها على التأثير فى تلك الدوائر، فى تصورى أن الدولة التى ستفهم هذا النوع من السياسة الخارجية، وهى سياسة من الضرورى تنفيذها داخليا أيضا، تلك الدولة هى القادرة على إدارة دفة معاملاتها السياسية والاقتصادية بنجاح والقادرة بلا شك على اكتساب أكبر قدر من القوة والقدرة على التأثير فى محيطات متعددة ومتباينة أحيانا، وهى أيضا القادرة على تحقيق أكبر قدر من النمو الاقتصادي واكتساب مساحة أكبر من التحضر و التقدم. ذلك على شريطة أن يكون هذا التأثير المسموح به من جانبها للدول الأخرى، والقوة موضوع السعى، تأثير مرغوب من الطرف الممارس عليه، و قوة ممارسة من النوع المقبول من كافة الأطراف سواء القائمة بفعل القوة أو المتأثرة به – الممارس عليهم – فالقوة المقبولة من الطرف الذى يتم عليه فعل الممارسة، هذا النوع من القوة هو ما أتصوره مقبول فى العقود والقرن الحالى أو ما يليه، وهو ما أتصوره قادرا على فتح أفاق للمعاملات السلمية تنمى بدورها إمكانات للتطوير والتنمية فى مختلف الدول، وقد يبدو كلامى عن القوة المقبولة كلام غير مفهوم وقد يبدو مصطلح القوة المقبول، مصطلح ملغز. كما قد يبدو تصورى طوباوى لحد كبير، لكن ببعض الشرح والأمثلة ستتضح تلك النظرية وهذا التصور، وقبل أن أعرض لشرح ما أسميه بالقوة المقبولة وأدعى أنها الطريق الأمثل للمعاملات خاصة الدولى منها على أن أعرض أولا وبإجمال للواقع الحضارى الحالى والمستقبل الذى قد يدعو له ..
الواقع الحضارى الحالى وأفقه المستقبلى
لم يجد البشر أنفسهم فجأة وقد ارتقوا حضاريا وصاروا يرفضون الحروب التى كانت تمثل فيما مضى إعلان عن القوة والنفوذ، لكنهم وصلوا لرفضها بعد مسار طويل من التحضر.. وبمساعدة عاملين ظلا يتفاعلان لعصور، وهما الإيمان بأن لأى إنسان آخر من الحقوق ما يساوى حقوق الآخر، ونمو وانتشار المدنية التى صار من الممكن معها الحصول على المكاسب دون التورط فى خسائر الحروب، بسبب من هاذين العاملين وجد الإنسان المعاصر نفسه غير قادر على الخوض فى صراعات نتائجها التضحية بحياته كما وجد نفسه قد يتعرض للكثير من النقد إذا خاضها وعرض الآخرين لممارسات غير إنسانية أو لإزهاق الكثير من أرواحهم. وحيث أن الكثير من الآليات الدولية المنتشرة فى شكل جمعيات ومؤسسات دولية كالأمم المتحدة – مثلا - قد صارت إلى حد ما تشارك فى إدارة العالم وهى وإن كانت قد فشلت فى أن تجبر الكثير من الدول على تبنى السياسات السلمية التى تقرها، إلا أنها على الرغم من ذلك ظلت تقوم على الأقل بدور تنويرى فى تبصير العالم بالأوضاع الإنسانية لكافة الأطراف المشتركة فى أى صراع، ومع وجود هذه المؤسسات الدولية وخاصة مع ما تحقق فى عصرنا من سرعة فائقة لكافة طرق الاتصال والتواصل صار من الطبيعى أن يجد الطرف المنتصر فى كل حرب نفسه وقد تم الحد وتقليص المكاسب التى حصل عليها. ذلك، حيث يتابعه العالم كله بعدد من الآليات المستعدة دائما لإدانته عند أى اختراق لحقوق الإنسان أو أى اغتصاب لحقوق الطرف المهزوم، وهو الوضع الذى قد يؤدى فى يوم ما – لا أظن أنه قريب – لاعتبار شن الحروب عمل ضد حقوق الإنسان، عمل يستحق مقاطعة القائم به ومعاقبته من المجتمع الدولى بشكل سريع وحاسم. أما حاليا فلم يعد من المستغرب أن يرى الكثير من مواطنى الدول التى تشن الحروب حجم مخاطر أى حرب من موت للبشر ودمار وآثار سيئة على اقتصادهم حتى وإن كانت بلدانهم هى الطرف المنتصر، هذا علاوة على ما يكسبه الطرف المغير من سمعة عالمية سيئة، وصار على مواطنى كل بلد متقدم أن يقارنوا خسائرهم التى لاشك فيها، بحجم المكاسب التى سيحصلون عليها، مما قد يدفع الكثير منهم لمعاداة الحروب. ومع انتشار مزيد من الانفتاح الاعلامى والذى سيؤدى لمزيد من التقارب بين البشر فى جميع أنحاء العالم من مختلف الأديان والثقافات ذلك بعد أن يؤدى للتعارف المحتم بين كافة طوائف البشر فى كل أنحاء العالم بمختلف ثقافاتهم وحضاراتهم ومعتقداتهم سينتج المزيد من تقدير الاختلاف الثقافى والدينى واستيعابه كحتمية عالمية بل واستحسانه باعتباره داع للحراك الثقافى وباعتبار التنوع دافع لطرد الملل وموسعا لأفاق متعددة للمعرفة، مع تلك الحركة المستقبلية من التحضر والتى يسير البشر تجاهها مع كل زيادة فى الانفتاح الاعلامى وتحقق لمزيد من سرعة المواصلات والاتصالات، وإذا تزامن هذا مع زيادة فى انتشار الديمقراطية، وحيث انتشار الديمقراطية فى المزيد من الدول ضرورى لمصالح الدول الأكثر ثراء وتقدما صناعيا وهو ما يشير لأن الدول الأغنى فى العقدين القادمين ستسعى بشكل حثيث لنشرها، مع تحقق هذه الاحتمالات فإن ميول البشر ستتطور لكراهية الحروب وتتوجه لاستبدال المواجهات الحادة التى (يخرج فيها بعض الأطراف منتصرا ومزهوا وبعضها مهزوما ومحققا لتعاطف الآخرين،مما يهدد تعاملات الدولة المنتصرة سلبا) بنوع آخر من التعاملات يحقق للطرف الأقوى ما يسعى له من حاجة للشعور بالزهو بقوته والقدرة على تسيير الأضعف والسيطرة عليهم، تلك الحاجة الإنسانية التى لا يمكن للبشر الاستغناء عنها، والتى تدفعهم حثيثا لإحراز المزيد من القوة باطراد. ولتقريب هذا التصور علينا فقط النظر لكيفية تأثر صورة الولايات المتحدة، وكيف تهددت مصالحها التجارية مع الدول الإسلامية والعربية بعد شنها لهجومها على العراق، ولو كانت دول المنطقة العربية دولا محكومة بشكل أكثر ديمقراطية، لأزداد تأثر هذه المصالح سلبا ولكانت خسائرها الاقتصادية ضخمة ولزاد هذا من تنامى المعارضة للحرب داخل الولايات المتحدة. ومع ذلك فكما نعلم فلدى الأمريكان جميعا تقريبا فى الوقت الحالى توجه يدين غزو بلادهم للعراق حتى أن الكثيرين منهم يرونه عار على بلدهم، وهو ما يؤكد أن دولة كالولايات المتحدة مستقبلا وعلى سبيل المثال قد لا تورط نفسها قريبا فى حرب أخرى وأنها فى المستقبل القريب ستحاول الخروج سريعا من أفغانستان وقد تحاول حل مشكلات تواجهها مع دول ذات سياسات لا تتوافق معها كإيران وكوريا الشمالية بطرق أخرى غير الغزو العسكرى، قد يحدث هذا وبالطبع قد لا يحدث .. فربما على العكس تورط الولايات المتحدة نفسها فى المزيد من الحروب..!! ولكن ذلك إن حدث سيكون حدثا ضد توجه اللحظة وضد الشعور الجماعى للمواطنين الأمريكان، ويمثل مزيد من التعدى على مشاعر الجماهير فى كل بلدان العالم، ويؤدى للمزيد من مشاعر الغضب والإدانة منهم للدولة الأغنى والأقوى فى العالم. لذا قد يكون عصر شن الحروب قد تم تجميده مؤقتا فيما بين الدول الكبرى أو منها على الدول الأضعف..؟! مع ذلك فالحروب ستبقى مستقبلا ولكن فى حدود أقل وبأطراف أخرى غير الدول الكبرى، حيث ستصبح أسلوبا للدول الأقل حضارة ورقى فأصحاب المصالح الضيقة، وتجار الأسلحة لن يكفوا عن التهيئة للحرب والدفع ببعض الأطراف للخوض فيها، حيث من المستبعد أن يغيروا مجال تجارتهم فى المستقبل القريب. أتخيل إذن أن خيار الحروب لم يعد الخيار المتاح حاليا فى مجال العلاقات الدولية خاصة بين الدول القوية والغنية أو منها وأن هذا التوجه سيستمر لعدة عقود قادمة، هذا على الرغم من أن حروبا صغيرة مبيدة ربما، ما بين دول متخلفة بلا حكومات ديمقراطية، أو بين جماعات معارضة وحكومات فى دول صغيرة، أو حتى بين جماعات قبلية أو دينية قد تستمر، ولكن ستستمر فقط فى دول تبدو خارج منظومة التحضر الدولية..؟! دول فقيرة وغير متحضرة، يتم حكمها بشكل غير ديمقراطى، ومستوى دخل الأفراد فيها منخفض جدا، ومستوى ثقافتهم، وتعليمهم متدنى، مثل هذه الدول قد ينظر لها على أنها خارج إطار الثقافة التى تحكم العالم والتى تدين الحرب، وهذه الثقافة أو العرف الدولى فى طورها للوضوح والتنامى، لتسود معظم دول العالم فى الحقبة التالية من التاريخ. والدول التى قد يطلق عليها تسمية "دول خارج المنظومة الدولية" ستتسم فى التصور الكبير الذى سيتم رؤية العالم من خلاله بأنها دول غير مستقرة..! ولا ساعية للاستقرار.. ( السياسى أو الاقتصادى )، أما فى غير ذلك من الدول الديمقراطية (المستقرة أو الساعية للاستقرار) والأخرى الغنية (النامية) فسيؤدى ضغط المواطنين المثقفين على حكوماتهم للانحياز للحلول السلمية. وعلىَّ هنا أن أوضح أننى استخدم تعبير "الدولة النامية" للإشارة للدول الغنية على عكس ما دأب المعاصرون على استخدامه، حيث يشيرون بمصطلح الدول النامية لمجموعة الدول التى لم تحقق استقرارها الاقتصادى بعد، على اعتبار أنها دول تسعى للنمو، بينما أقوم باستخدام المصطلح نفسه ولكن فى صيغة الماضى ليعنى الدول التى حققت نموها بالفعل، وصار لديها من الإنتاج ما يفوق حاجات مواطنيها، وهى فى حاجة للسوق العالمى لتصريف تلك المنتجات. وعلى عكس ما أتصوره هنا، حيث أعتقد أن المستقبل ستتم فيه عملية تقليص للحروب فإن الكثيرين من الكتاب والفلاسفة والمفكرين كانوا قد سبقونى لتصور المستقبل ورؤيته على أنه: مستقبل مظلم، سيتم فيه فناء البشرية فى حرب كبرى، وكان قد دفعهم لذلك شعور ساد فى سنوات سابقة بالوصول لحافة الأفق الحالى لحضارتنا، وربما أتفق معهم فى الشعور بالوصول لنهاية أفق من أفاق حضارتنا البشرية لكننى أختلف معهم فى أننى أرى فى هذه اللحظة أفاقا أخرى تتفتح لتلك الحضارة، أفاق ليست بالجديدة تماما، فهى أفاق كانت قد استشعر بداياتها فى العديد من المجالات خلال القرن الماضى وهى فى هذه اللحظة على وشك التجمع فى أفق واحد بسمات حضارية مميزة، سمات ستميز المستقبل وحضارته، أتخيل إذن أننا نعيش بداية مستقبل له سمات حضارية، تحدد الكثير منها، ومع تحدده ظهرت للبشر فى هذا العصر أفاق حضارة قادمة، أفاق قد يتوسع المعاصرون فى الخوض فيها كلها – وهو ما أرجوه وأبنى تصورى عليه – أو قد يتراجع بعضها عن التنامى مع إغفال البشر لها، أو ربما تتراجع كلها ليظهر أفق مجمع، آخر، مختلف، جديد و بطبيعة الحال مكونا من عدة أفاق بعيدة عن رؤيتى التى أطرحها هنا، حيث سيتشكل مستقبل آخر مختلف تماما..!! ولكن فيما أتصوره من أفق لمستقبل الحضارة البشرية، أرى أن الديمقراطية سمة من سمات الدول التى ستندمج فى حركة التحضر القادمة، وهى سمة قد لا تتوافر فى الدول التى لن تشارك (مؤقتا..!) فى المسار التالى للتاريخ، وأكثر من غيرى أرى أن الفرصة قائمة وكبيرة للدول العربية ولكل دول منطقة الشرق الأوسط للمشاركة فى حركة التحضر التالية، وهى فرصة للأسف، قد لا تتوفر للكثير من دول أفريقيا، ذلك حيث سيدفع احتياج الدول الكبرى لدول الشرق الأوسط كسوق كمنتجاتها لحث دول المنطقة كلها، أو بعضها للخروج من حالة الغياب الحضارى التى تتسم بعدم الاستقرار الاقتصادى والحاجة لنظام حكم ديمقراطى وفقدان الإستراتيجية، ودفعها لتحقيق مراحل أكثر استقرار حضاريا واقتصاديا، بحيث يتاح لمواطنى هذه البلاد التمتع بقدر من الرفاهية يمكنهم من الإقبال على المنتجات الغربية، وقدر من التعليم والتثقيف يبعد التطرف الدينى عن أبناء هذه البلاد ويدفعهم لتقبل دول الغرب حضاريا بلا مشاعر من ضغينة ناتجة عن الفقر أو قصور فى الثقافة. والدول الغنية التى حققت نموها هى كما لابد أن نستنتج مهددة بعدم قدرة الدول التى تستهدفها كسوق على استهلاك المزيد من منتجاتها، وذلك بسبب من الانخفاض المتنامى فى مستوى دخل الفرد فى الدول ذات الدخل المتوسط والتى يزداد مواطنيها فقرا بسبب توقف التنمية فيها، وهذا يعنى أن الدول الأغنى ستضطر للتوقف عن إنتاج المزيد أو بمعنى آخر ستتقهقر عن المستوى الصناعى الذى وصلت له، وبالتالى عن درجة الرفاهية التى يتمتع بها مواطنوها. إن هذا الاحتياج من جانب الدول الغنية المنتجة لسوق يتكون من شعوب ذات دخل مرتفع نسبيا لتستطيع شراء منتجاتها هو ما يؤكد مصلحة الدول الأغنى فى تنمية الدول ذات الدخل القومى المتدنى كمعظم دول منطقة الشرق الأوسط وذلك لفتح المزيد من الأسواق شبه المغلقة فى الوقت الحالى. أسواق يؤدى واقع بلدانها لأنها ستغلق وتتضاءل أمام جميع المنتجات فى السنوات التالية. لذا أتخيل ما تتسم به أحوال هذه البلدان من: "عدم تحديد خطة تنموية وانعدام الديمقراطية وبقايا الفكر القبائلى والتحيز للقومية وانخفاض مستوى التعليم والتطرف ضد الآخر ومعاداة الواقع متعدد الثقافات" أنه وضع مؤقت فى دولنا رغم كل الاستقراءات الواقعية التى تقول بغير ذلك.
مصر كمثال تقريبى
ولنتخذ دولة كمصر مثالا يمكننا به أن نتخيل الآليات التى قد تعمل لدفعها لمزيد من النمو ولإتباع خطة تنموية واعية. فى مصر وحيث مستوى دخل الفرد يتدهور بشكل سريع حتى صار أقرب للكفاف لدى الطبقات الوسطى، أى ما يكفى فقط لشراء الطعام والتكفل بأجر مسكن صحى تتوفر فيه الاحتياجات الرئيسية من كهرباء ومياه شرب نظيفة. ومع ما يتاح للأطفال من مستوى منخفض من التعليم، مع واقع له هذه خصائصه يبدو من غير المعقول أن تأمل دول غنية منتجة فى ترويج بضائعها المرتفعة الثمن فى السوق المصرى، خصوصا لو كانت منتجاتها منتجات كمالية. لذا فقد تدفع الدول التى تأمل فى فتح السوق لها فى اتجاه تحقيق قدر من النمو الاقتصادى بمصر ليتيح هذا النمو ارتفاع دخل الفرد وبالتالى قدرته على شراء المزيد من المنتجات الترفيهية الحديثة التى تنتجها الدول المتقدمة، لا تلك المنتجات المقلدة منخفضة الجودة رخيصة السعر التى تنتجها دول كالصين، هنا تقابلنا معضلة وهى أن دولة تتسم بهذه السمات غالبا ما تتقلص ممارسة الديمقراطية داخلها وغالبا ما تعانى من الفساد وعدم امتلاكها لخطة تنموية طموحة تسعى بذكاء لرفع مستوى دخل الفرد بل على العكس تستقر فيها سياسات اقتصادية تزيد من دخل قلة قليلة من كبار الموظفين ورجال الأعمال المتعاونين مع الفساد زيادة ضخمة، وتؤدى إلى إرهاق باقى المواطنين بالمزيد من الضرائب وبزيادة البطالة وبانخفاض مستوى دخل المواطنين الذين يعانى معظمهم من نوع من البطالة المقنعة وبزيادة الأسعار وانخفاض أجور الكفاءات الحقيقية أو إهمال سوق العمل لاستخدامهم، وهذه السياسات المتخبطة لن تؤدى فى المستقبل سوى لمزيد من انحطاط مستوى دخل الأفراد ولانتشار الفقر الذى يؤدى بدوره لانخفاض مستوى التعليم ولانتشار الفكر المنغلق ومزيد من التطرف، فى وضع تتطور فيه الأمور بهذا الشكل يستحيل ازدهار السوق فيه وسيؤدى هذا كما شرحت سابقا، لتعطيل إمكانيات إنتاج المزيد لدى الدول التى كان يمكن لها الاستفادة من السوق المصرى والوضع نفسه سيؤدى عند تفاقمه لمستوى من التأزم الاقتصادى الذى سيؤدى لفقدان الدولة لإمكانية تشغيل رؤوس الأموال الوطنية – الداخلية – فضلا عن الأجنبية – الخارجية – حيث تتوقف قدرة البلد تماما على الاستثمار ويتحدد سوق البيع فيه بالمنتجات الأساسية، منخفضة الجودة. هنا قد يتسنى لأصحاب رؤوس الأموال المحلية، إذا تمتعوا بقدر من الحنكة، وحتى فى حالة استفادتهم السابقة من واقع غير ديمقراطى وإدارة غير منضبطة أن ينقلبوا على استمرار الأوضاع غير الديمقراطية بما تؤسس له من فساد وقصور فى الرؤى التنموية وقد ينحازون بإرادتهم لحكومات يمكنها أن تتبع خطط من شأنها إنعاش الاقتصاد وبالتالى نمو مشاريعهم وازدهار أموالهم. إذن فأغنياء بلد فى هذا الوضع يمكن أن يعملوا مستقبلا فى إطار دافع للتنمية ذلك على الرغم من اعتبارهم فى وقت ما من كبار المستفيدين من الأوضاع المتخبطة والفاسدة وسيدفعهم لذلك انعدام قدرة الاقتصاد المحلى على مدهم بمزيد من الثراء، وهذا التصور يعنى أن مصالح رجال الأعمال المحليين الأثرياء تحتاج كمصالح نظرائهم فى الدول الأكثر تقدما لمشروع حضارى تنموى واعى، ولسلطة ديمقراطية كضمان لانحياز السلطة الحاكمة لهذا المشروع التنموى، وسعيها لتطويره سريعا ( وهذا سعى لن تقوم به سوى حكومات تأتى للسلطة بطرق ديمقراطية وتعرف أن سر بقائها فى السلطة يتمثل فى التنمية) مشروع تنموى يطور الإمكانات الاقتصادية للبلد، ويفتح الباب للحد من البطالة ورفع مستوى دخل الفرد، مشروع لن يضمن تحققه واستمراره ونموه سوى ديمقراطية صارت منذ الآن، على الرغم من عدم إدراك الكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال المحليين فى الدول الفقيرة لذلك، ضمانتهم الوحيدة لمزيد من الثراء والكسب وصار عليهم فى الوقت الحالى أو فيما بعد..! الدفاع عن هذه الديمقراطية بدلا من الدفاع عن الفساد، الذى يمثل الخيار الحالى لهم، وطبقة رجال الأعمال الأثرياء هذه قد تسعى فى وقت قريب لتبنى خيار الديمقراطية وحث الجماهير على ممارستها أو لحث السلطة على تبنيها. عندما نرجو إذن أن يصير خيار التنمية خيارا لكثير من الدول الفقيرة فى المستقبل فأننا نعول فى ذلك على أصحاب المصالح واتسامهم بقدر من الوعى يدفعهم لتنشيط هذا الخيار، الذى يحقق مصالحهم!! إن كل ما ذكرته سابقا يصب فى نقطة هامة جدا، هى أنه فى المستقبل قد تتغير الطرق التى تتعامل بها الدول، وقد تتغير الطرق التى تتم بها التعاملات الاقتصادية والسياسية سواء بين الدول أو فى داخل الدولة الواحدة، حيث ستقوم الدول الأقوى ( أو الأطراف الأقوى عامة) بمزيد من الجهود للحفاظ على علاقتها بالدول الأضعف..؟! حيث ستصب تلك الجهود فى مصلحة الجميع الضعيف والقوى، وهذا باختصار هو مضمون ومجمل النظرية الجديدة التى وضعتها، والتى تصف نموذج أو طريقة للاتصال، والتعامل بين البشر بعضهم بعضا، كأفراد وجماعات، نموذج عام للاتصال والتواصل بين الأطراف المختلفة، نموذج يحلم بعالم أفضل ويصف كيف يمكن أن يكون عالم الغد أفضل، ولكن على شرط كما تقول النظرية التى أسميها نظرية القوة المقبولة أن يتم التواصل طبقا لنموذج هذه النظرية حيث يتم نبذ استخدام القوة الجبرية وانتشار استخدام عادل لضغوط المصالح بدلا من الطرق الجبرية.. والنظرية تنص على :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نظرية القوة المقبولة
" عند الاتصال أو التعامل بين عدة أطراف، وحيث أن كل اتصال أو تعامل ممكن، هو هادف بالضرورة لكسب نفعى لكل الأطراف المشاركة فيه، فعلى كل طرف ومهما كانت القدرات أو المميزات التى يتفوق بها على الطرف الآخر الالتزام بمنح الأطراف الأخرى المشاركة فى هذا الاتصال – أو العلاقة - مكاسب للاتصال القائم، ذلك أنه لابد لاستمرار أى اتصال – أو علاقة - أن يحقق كل الأطرف المشاركين به مكسب أو مكاسب تهم كل منهم، وعلى ذلك فإنه لا يمكن أن يخرج أحد الأطراف المشاركة فى أى اتصال– أو العلاقة - كفائز مطلق، أو أن ينتج عن هذا الاتصال – أو العلاقة – خاسر لم يحقق أى مكسب. لذا فإنه يتوجب على كل طرف مشارك فى اتصال – أو علاقة - أن يتخذ موقفا من المرونة بحيث يقبل بأكبر قدر من المكاسب التى تهمه مما يطرح عليه من باقى الأطراف المشاركة فى التواصل، وألا يتعنت للحصول على مكسب كان قد قرر بشكل مسبق ضرورة الحصول عليه من الاتصال القائم، وعليه أن يتسم بتفهم للأطراف الأخرى التى تشاركه اتصاله، بما يتيح له كطرف فى علاقة يرغب فى نجاحها تهيئة الفرصة أمام الطرف أو الأطراف الأخرى التى تشاركه لتحقيق مكاسب مرغوبة من جانبهم، ذلك أنه لا يوجد ما يسمى باستحالة تحقيق مكاسب لكل الأطراف المتشابكة فى أى شكل من الاتصالات أو العلاقات ، و يجب اعتبار إنهاء أى اتصال ايجابى (سلمى/ نفعى)، والناتج دائما بسبب من عدم قدرة الأطراف المشاركة أو أحدهم على قبول مطالب الأطراف الأخرى وغاياتها، يجب اعتباره أقصى درجات الخسارة الممكنة لكل الأطراف المشاركة فى الاتصال، ذلك أنه يمنع عنهم إمكانية للكسب والنفع والتى تتوفر (فقط ) باستمرار الاتصال القائم. أما التصادم بين الأطراف القائمة بفعل الاتصال – أو العلاقة – وتحويلهم الاتصال الايجابى لاتصال سلبى، فحواه منازعات، حرب أو تهديد أو جبر أو أى سلوك يمثل ممارسة للقوة الجبرية أو يهدف للإضرار بالغير، فهو سلوك مرفوض حضاريا، ويستوجب درجة من درجات العقاب المباشر أو غير المباشر ( مضمر، تحتى،....إلى آخره) وموجه ضد الطرف الجالب للتصادم . وحيث تتحقق للاتصال واستمراريته الأفضلية المرجوة، يتوجب على كل قائم به الاستمرار فى البحث عن غايات جديدة لاتصاله تتيح له تحقيق مكاسب تناسبه، حتى وإن كانت غير مستهدفة ولا مكتشفة عند بداية اتصاله..! وكذلك البحث عن غايات جديدة للأطراف المشاركة بالاتصال القائم معه، هذا حيث أنه كلما اكتشف القائم بالاتصال إمكانات جديدة لكسب الأطراف الأخرى المشاركة، كلما حاز لأفضلية فى الاتصال القائم، مع الأخذ فى الاعتبار أن الطرف الذى يحقق منافع لطرف آخر، هو بالضرورة يمتلك قوة يمارسها على الطرف المستفيد، بسبب من قدرته على ممارسة الحرمان ضد الآخر المستفيد، وهذا النوع من القوة يكسب حائزه حصانة، لا تستمر، بالضرورة، باستمرار التلويح بفعل الحرمان، وإن كانت تتحقق بالتأكيد بسبب من إدراك الطرف الآخر لحجم القوة التى يمتلكها عليه القائم بتوفير الفائدة له. لذا تزداد قوة القائم بالاتصال بزيادة }ما يحققه من عمله: فى توفير منافع للأطراف التى تشاركه اتصاله، وسعيه لدعم عملية اتصاله بقدرات ابتكاريه، مبدعة، تمكنه من توفير منافع جديدة، متجددة وغير منتهية لمشاركيه الاتصال، منافع تتغلب على العوائق المهددة بنهاية غرض الآخرين من الاتصال معه، وتبصرهم بمكاسب متوفرة فى الاتصال القائم، مكاسب لم تعَّرف أو تكتشف لهم فيما سبق.{
وقد يدهشنا كيف يمكن لنظرية ما، مجرد نظرية تصف إمكانية يمكن أن يتم بها الاتصال، أن تتعمق فى تشكيل حياتنا. وحتى يمكننا فهم كيف لنظرية للاتصال أو نموذج له أن يؤثر فى كل فعل ورد فعل قد نقدم عليه فى حياتنا علينا أن ندرك أن تأثير الاتصال علينا لا يفرضه علينا فقط أن حضارتنا البشرية تقوم على الاتصال، ولكن أيضا لأننا كبشر لا يمكن لنا إنتاج فكرة ما، أو القيام بفعل أى فعل إلا من خلال عدد معقد من عمليات الاتصال، والتى تضم فيما تضم عدد من عمليات فك وصياغة الشفرات، وكم من عمليات إعادة خلق الروابط والصلات بين معلومات تردنا منفصلة وتخزن فى ذاكرتنا كذلك، وكذلك عدد من عمليات تفكيك البنى، وإعادة البناء من جديد حيث نقوم فى كل ذلك بعملية من الاتصال مع ذواتنا من ذاكرة وقدرات تحليلية وغير ذلك، هذا بالإضافة لحقيقة أن كل ما هو مخزن فى ذاكرتنا من معلومات قد ورد إلينا عبر عدد من عمليات الاتصال، ونحن نقوم بكل تلك العمليات الاتصالية السريعة مئات المرات إن لم يكن آلاف المرات يوميا لكى نحصل على فكرة ما أو نصل لنتيجة أو قرار ما، أو حتى لتكوين جملة بسيطة كجملة : من فضلك ، إعطنى هذا الكوب من الشاى. فجملة كهذه تحتاج لاستدعاء معلومات مخزنة لدينا، هذا الاستدعاء هو اتصال داخلى يتأثر من حيث الجودة والنوعية بقدرتنا وبيئتنا فى اللحظة التى نقوم به فيها، وفيه يلزمنا معلومات عن اللغة التى ننطق بها الجملة وهى معلومات حصلنا عليها من خلال عمليات اتصال ( تأثرت بالبيئة التى تربينا فيها وفترة تعلمنا للغة المستخدمة ) وقرارات تمت بصلة لمستوى ثقافتنا وتقديرنا للشخص الذى نخاطبه وطبيعة المكان الذى نتكلم فيه، وهذه القرارات يتم بنائها على أساس معلومات كنا قد حصلنا عليها طوال فترات حياتنا فى عمليات اتصال تأثرت بالبيئة وطبيعة شخصيتنا ودرجة ذكائنا. إذن فكل المعلومات التى نحتاجها لصياغة جملة واحدة هى معلومات تم الحصول عليها من خلال عمليات اتصال تأثرت بعوامل خارجية تحيط بنا وبصفات نتصف بها ، ثم إن عملية صياغة هذه الجملة ( وكل ما نتفوه به من كلام) تتم من خلال عملية اتصال ذاتى تتأثر بعدد من القرارات كما تتأثر بمؤثرات تؤدى لتشويش اتصالنا كالشعور بالصداع أو الضوضاء أو الغثيان أو الدوخة أو غير ذلك ومؤثرات أخرى قد تؤدى لمزيد من التنقيح –التحسين - للجملة المستخدمة كدرجة ذكائنا وانتباهنا ومستوانا الثقافى وسماتنا الشخصية وموهبتنا فى التعبير عن ذواتنا وفى النهاية قد تتم كل هذه العمليات الاتصالية بنجاح وتسفر عن صياغة جملة ناجحة حيث نتمكن من التلفظ بدقة بما نرغب فى قوله أوقد لا تنجح حيث ينتج عنها جملة غير دقيقة فى التعبير عما نرغب فى قوله أو غير مناسبة لما يجب أن يقال فى هذه اللحظة لنتمكن من التواصل، ليصل ما نرغب فى قوله لمن نتكلم معه ويفهمه كما نرجو. فإذا كان مجرد صياغة جملة واحدة مما نتكلم به يوميا يستلزم ( أى يتم مصحوبا وتاليا) لكل هذه العمليات، ويتأثر بكل ما تأثرت به عمليات الاتصال التى احتاجها ذهننا ليتمم باستخدامها صياغة وإنشاء جملته. فلاشك إذن أن حياتنا كلها والتى تقوم على عمليات اتصال عديدة ، ستتأثر بعمق بأى تصور أو نموذج يتم طرحه لوصف أو تناول الاتصال.
اعتبارات واجب توفرها شريطة شيوع استخدام النظرية
وبسبب من أن أى عملية اتصال هى عملية تتأثر فى الوقت نفسه بكل ما فى البيئة التى يتم صياغتها فيها، وبالشخص الذى يقوم بهذه الصياغة وبكل سماته الذهنية والثقافية لذا وجب تحقق عدة اعتبارات، ضرورية لفكر كل من المتصل والمجتمع الذى يعيش فيه لكى يمكن لاتصال يتسم بما نصفه فى النظرية أن يمثل الخيار المرغوب منهما، فلكى يدفع المجتمع أفراده ويحثهم لنبذ القوة الجبرية واختيار تعاملات تقوم على القوة المقبولة لابد أن يتحلى بتقدير للإنسان ووضع المصالح البشرية من حيث الحياة والسلامة والسعادة كأولوية مطلقة، ولابد أن تشيع فيه ثقافة تدفع لتحديد الأخلاق، تحديد حقيقى بشكل حاد، وبعيدا عن الإدعاء والرياء لعرف أو لثقافة (كانت أو مازالت سائدة)، أو الرياء لطبيعة أو سمة بشرية ما، ولكن يتم تحديد الأخلاق بنزاهة مجردة، طبقا للحرص الشديد للحفاظ على مصالح الجميع ورعايتها، كذلك أن يسود المجتمع حرص حقيقى على عملية المشاركة، والإعلاء من قيمة التشارك وقيم المرونة والقبول بها بدلا من قيم التنافس والتكريس لفكرة الزعامة الواحدة أو النجم الواحد أو الموقف الواحد والصح الوحيد والنهائى، مع الإدراك التام لنسبية النجاح ونسبية الإيمان ونسبية كل صحيح ونسبية القدرة على التحكم أو السيطرة، بمعنى آخر انتشار ثقافة الإعلاء لقدرة الجماعات والأفراد داخل المجتمع على تغيير زوايا الوقوف التى تتخذها، وكل ذلك يستلزم أول ما يستلزم تطبيق الديمقراطية حيث لا يمكن لمجتمع غير ديمقراطى أن يجد فى استخدام القوة غير الجبرية (المقبولة) الاختيار الأنسب له، أو أن يقبل بالتنافس الحر، والتعدد، ولابد أن يتسم المجتمع أيضا بدرجة من العملية والبرجماتية تدفعه لتفضيل الطرق المباشرة القصيرة فى أى وكل موقف أو وضع، مع رغبة فى النهوض والتنمية والدفع لحسن استخدام الوقت والفرص وهو ما يعنى ضرورة الإعلاء من قيم الصدق والسعى للتعامل الصادق ذلك حيث كما نعلم الصدق، طريق ممتد وآمن ومستمر، مع ما يتبع هذا الحس البرجماتى العملى من كراهية للفهلوة، وإدانة الحصول على أى مكاسب بلا جهد، مجتمع يعلى من قيمة الوقت والجهد ويكره الطرق الملتوية ويحث على التوجه مباشرة للنقاط الرئيسية فى أى موضوع أو قضية، ثقافة ترفض عدم الرضوخ للتصورات المسبقة وتنبذ فرض القوة والسيطرة. ولكن لأن مجتمعاتنا حتى الآن تبقى فى درجة حضارية أقل من تلك الدرجة التى تدفع فيها بالأفراد لممارسة قوة غير جبرية، لذلك فأن تفضيل القوة المقبولة سيأتى غالبا لدى الأفراد كاختيار شخصى، لا كاختيار يحثهم عليه المجتمع، لذا فإن الساعين لاستخدام هذه القوة سيتسمون بطبيعة فكرية معينة، حيث يعلو لديهم الاهتمام بالجانب الأخلاقى والرغبة فى التزام الممارسات الأخلاقية، مع انفتاح يحدد الجانب الأخلاقى بكل ما هو خير ويجردهم من التمسك الغبى بممارسات لا هدف لها سوى رياء المجتمع وأعرافه، ويتميز كل منهم بقدرة على وضع نفسه فى موضع الطرف الذى يتعامل معه (المستقبل لاتصاله) مع تميزهم بطبيعة تدفعهم للحرص على المشاركة والرغبة فى الانخراط فى الأداء الجماعى، وقدر من الذكاء يضفى على أشخاصهم نوعا من المرونة تمكنهم من تغيير زوايا وقوفهم بحثا عن الصالح المشترك فى كل موقف، ولديهم من الجدية ما يحثهم على البحث عن رؤى وتصورات كل من يتعاملون معه حيث يفيدهم ذلك على المستوى المعرفى ويمنحهم القدرة على التواصل العادل، وتدفعهم هذه الجدية لتفضيل الطرق الصادقة المختصرة فى التعامل وكره إتباع الطرق الملتوية. هذه كلها سمات لابد من وجودها فى أى شخص لتدفعه لاختيار إتباع هذه النوعية من الاتصالات، التى تقوم على ممارسة قوة غير جبرية مقبولة من الطرف الآخر الذى تمارس عليه، ذلك حيث تبقى طبيعة الفرد هى الفيصل فى تبنيه لهذا الاتصال، هذا فيما يخص الأفراد أما الدول فسيأتى تقبلها وتبنيها لهذه النظرية من عدمه مبنيا بلا شك، وفقط على مصالحها وما قد يحققه.
مثال تخيلى يوضح النظرية
إذا تخيلنا أننا فى مواقفنا التى نتخذها خلال حياتنا، أى خلال ما نقرره مسبقا عن كيفية سير علاقتنا مع الآخرين، أو خلال تسييرنا لهذه العلاقات، نمثل مجموعة من الأشخاص الواقفين على الكرة الأرضية. ثم تصورنا بعد ذلك، أن القناعات والمبادئ والمعتقدات التى يؤمن بها كل منا، والتى تمثل الحالة الاتصالية التى نتواجد عليها، ممثلة فى هذا الشكل بمكان وقوف كل منا فوق الكرة الأرضية، أما الزاوية التى نقف بها فهى تمثل فى هذا المثال طريقتنا فى إظهار مواقفنا والسلوك الذى نسلكه تجاه الآخرين فى عمليات تواصلنا معهم، سواء هؤلاء الموافقين لنا أو المخالفين، ولأن زاوية وقوفنا فى هذا المثال تمثل السلوك الذى نسلكه فى حياتنا عامة وحيث أن حياتنا هى مجموعة من عمليات الاتصال، فلابد أن ما نملكه من مرونة فى التعبير عن أرائنا سيظهر فى قدرتنا على تغيير زوايا الوقوف التى نتخذها مع بقائنا فى موضعنا نفسه - أى مع استمرارنا فى الحفاظ على ما نؤمن به من معتقدات - فكل شخص يمكنه أن يحافظ على موضع وقوفه الذى يمثل هنا الرؤية الفلسفية والعقائدية له وكذلك قناعاته ومعتقداته، ولكن تبنيه لما تطرحه النظرية من نموذج اتصال يطالبه لكى يحافظ على حريات الآخرين المختلفين معه، وينجح فى التواصل معهم ومدهم بمزيد من الخيارات، ألا يكتفى بالوقوف فى موضعه محتفظا بشكل دائم بالزاوية التى يقف بها، ولكن عليه بالتحرك. والتحرك هنا يأتى بتغيير زوايا الوقوف والحرص على عدم اتخاذ زاوية تدفعنا لمواجهة الآخرين (زاويا تقدر بـ 180 درجة) والتى تمثل زاوية تعنى كما نعلم أن كلا الواقفان بها سيتواجهان دائما – وسيتصادمان أو على أفضل الفروض يتحاشان الاتصال - ولن يمكنهما التلاقى على مصالح مشتركة أبدا، والشخص المتبنى لنظرية الاتصال التى نحن بصددها هنا، لابد سيجد نفسه عند وجوده فى هذا الحال يقوم تلقائيا بتغيير زاوية وقوفه ولو بنسبة قليلة، ليتمكن بذلك من العثور على نقطة للتلاقى - أى للتعامل - مع المتصل معه، دون أن يعنى ذلك التخلى عن موقفه الفكرى – أى عن موضع وقوفه. فى المثال التوضيحى السابق سنرى الاتصال القائم بين البشر جميعا يتحدد بزاوية ميل كل منهم على الآخر وكذلك يمكننا أن نرى مجمل هذا الاتصال محدد على الكرة الأرضية بمجمل الخطوط المائلة التى تملأ الفراغات عليها، ونرى نقاط انقطاع هذا الاتصال فى الفارغات التى على شكل خطوط مستقيمة والتى توجد بين أى اثنين من الواقفين على الكرة. وعلى ذلك فيمكننا أن نوجز نظريتنا ونصفها بأنها تطالبنا باتخاذ أوضاع مواربة لا مواجهة من كل من يحيطون بنا، فى طرقنا معهم فى التعبير عن أنفسنا وتطالبنا من خلال هذه الأوضاع غير المتحدية أن نبحث عن المساحات الممكنة التشارك بيننا لنملأها باهتمامات جديدة قد تخلق بيننا وبين الآخرين، خط من خطوط الاتصال.
الفصل الثانى
(نظرية نفعية وليست مثالية أو غير قابلة للتنفيذ)
للأسف ..
لا يمكن أن ننكر ما له القبول بقوة الآخر، وما قد يؤدى له من أثار ايجابية فى المجتمعات، خاصة مجتمعاتنا الفقيرة سواء فى علاقتها الدولية مع غيرها من الدول أو داخليا بسبب تحسن توجهات الأفراد فى الاتصال وما ينتج عنه من أثر حسن فى علاقتهم ببعضهم بعضا، فرفض تصور امتلاك كل منا للصح الوحيد، والسلوك الايجابى فى البحث عن جوانب للاتفاق مع الآخرين، ومنحهم موافقتنا للاختلاف معنا، يعنى تقبل الديانات والثقافات المغايرة، بل وتقبل الجنس الآخر، وطبيعته ومنحه من الحقوق ما لنا وهذا التقبل الذى يبدو بديهيا لكل مثقف متحضر، يواجه الكثير من التعثر فى المجتمعات ذات الثقافات والحضارات المغرقة فى القدم والتى تعانى حاليا مشكلات حضارية نتيجة الفقر و سوء وتخلف التعليم، و نتيجة أخطاء التربية. هذه المجتمعات المتدنية حضاريا، كمجتمعاتنا فى الشرق الأوسط، لدي معظم سكانها رفض قوى لثقافة المساواة، ومواطنيها فى كثير من اتصالاتهم يسعون للتصادم لا للتناسق ولا للبحث عن أرضيات مشتركة، وهم وهذه شهادة بحكم الانتماء، لا يتقبول لأول وهلة التسليم بفرضية التساوى فى الحقوق فلماذا قد يقبلون وهم المضغوطون بظروف حياة صعبة، حقيقة التساوى مع غيرهم ويتخلون بذلك عن مسلمة تفوقهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس لماذا يرفضون ما يملكونه من أمان نفسى بسبب تسليمهم بتفوقهم ؟!! خاصة وأن غالبيتهم لا يملكون من الثقافة ما يعرفهم بحقيقة أن هذا التسليم هو ما يؤدى بهم لخسران قضايا تنمية بلادهم وتنمية وذواتهم حيث، يركنون لهذا الأمان دون القيام بفعل ايجابى من شأنه حل مشكلاتهم. وليقبل هؤلاء بالتساوى يحتاجون لخوض نقاش طويل متعب، والسبب فى طول نقاشاتهم يعود لـ أولا انتفاء المنطقية كأساس لطريقتهم فى التفكير، وثانيا حاجتهم النفسية للشعور بالتميز والتفوق على من يخوضون معه الحوار حتى يمكنهم تعويض مشاعر خيبة الأمل بسبب أوضاعهم الحضارية المتدنية – حيث يدركون فى قرارة أنفسهم درجة التخلف التى يعانون منها - وسيادة نمط النقاش السفسطائى والذى يدور ويمتد بلا هدف سوى الانتصار على الآخر والذى لا يتم الالتزام فيه بموضوع النقاش حيث يقفز فيه المناقش من موضوع لموضوع آخر غير مرتبطة به وبشكل عشوائى تاركا الموضوع الأول مفتوحا لا بهدف توسيع الحوار أو ضرب أمثلة مرتبطة به ولكن فقط ليجد ا لموضوع المناسب الذى يتيح له احتجاز مناقشه فى قفص عدم درايته بما يناقشه وبالتالى يمكن لهم هزيمته. هذا النوع من المناقشات لا يبنى على هدف معرفى إذن ولكن فقط بسبب حافز نفسى للانتصار وتعويض الشعور بالنقص نتيجة الافتقار للمعلومات والثقافة ولخطة النقاش الناجحة وللقدرة العقلية على التناقش والتحليل والفرز والخروج بالنتائج لذا فإننى أتصور أن قبول هذا النموذج من الاتصال فى الدول الفقيرة سيواجه عدم تفهم هذا على الرغم من كونها أكثر احتياجا ومصلحة لتطبيق هذا النموذج من الاتصال والقبول بهذه النظرية ( القوة المقبولة). وبسبب حاجة المجتمعات الأفقر لاتصال عادل، يبقى من الضرورى تنمية مواطنيها فكريا والأهم تنمية جيل أبنائهم بتعليم مختلف يخلصهم من أزمة التفوق، فالتنمية الفكرية لمواطنى الدول المتخلفة هو الضمانة التى تراهن عليها هذه الدول لتتمكن يوم ما من اكتساب تحضرها ونموها الاقتصادى. وبعيدا عن عدم تفاؤلى فيما يخص تبنى هذا النموذج للاتصال فى منطقة الشرق الأوسط فإننى فى الصفحات التالية سأحاول تقديم تبريرات لتصورى عن صلاحية نموذج اتصال القوة المقبولة للتطبيق على مستويات عدة ونفى تهمة المثالية عنه وتوضيح نقطة هامة وهى أن القبول بهذا النوع من القوة الممارس ضدك يؤدى فى النهاية لزيادة مجال حريتك وإضافة العديد من الخيارات لمجال اختيارك؟ كشخص وكجماعة كبيرة أو صغيرة، وكما هو بديهى فإننى غالبا ما سأستخدم مصر وأوضاعها على أكثر من مستوى، كمثال افتراضى.
فى العلاقات الدولية..
تقوم العلاقات الدولية على أساس سيادة الغنى على الفقير فدول كدول الاتحاد الأوربى أو الولايات المتحدة مثلا، تملك إمكانية الاستيراد من الدول الفقيرة بأسعار رخيصة وتملك إمكانية التصدير لهذه الدول بأسعار مرتفعة، كما تملك إمكانية شن حرب عليها وإمكانية إبقاء أنظمة فى السلطة ببعض دولها وإمكانية اعتماد سياسة لرفض أو عقاب لأنظمة مستقرة بدول أخرى منها، هذه الصورة القديمة أثبتت الأحداث والعقود الماضية عدم صحتها!! فواقع الحال يؤكد أن قدرة هذه الدول الأغنى على فرض إرادتها ليس مطلق وأنها فى مقابل ما تتبعه من نماذج اتصال مبنية على أحادية القوة – هذا فى حال إتباعها لتلك النماذج – تخسر كثيرا، فهى فى المقابل تضع سقف لنموها الاقتصادى لا يمكنها تعديه، سقف يقل كثيرا عن السقف الحقيقى الذى يمكنها الوصول إليه، كما أنها تغلق أسواق مهمة وهى فى طريقها للحد من قدرات دول أفقر على النمو، هذا فضلا على تهديد مصالحها الاقتصادية والأمنية أثناء محاولتها فرض قوتها السياسية. وكلنا نعرف سلوك ورد فعل المسلمين المتشدد مثلا على النظرة الثقافية المتعالية التى مورست ضدهم من جانب الغرب الغنى والتى ربطت بين المعتقد الدينى وبين الأوضاع الحضارية المتدنية فى كثير من الدول الإسلامية، كما نعرف أن مصالح الولايات المتحدة تهددت كثيرا بإصرارها على فرض إرادتها بالقوة فى منطقة الشرق الأوسط وهو السلوك الذى مازال للأسف مستمرا من جانبها حتى فيما بعد عهد بوش الابن، ربما ليس بالشدة التى كان بها فى عهد بوش تجاه العرب، ولكنه مازال مستمرا، فتقبل الولايات المتحدة لبلد كإيران مثلا، وحيث هذا التقبل يعنى منحها فرصة للنمو، لم يزد..؟ ورفض الأنظمة غير الديمقراطية الأخرى التى تحكم فى الشرق الأوسط، والتى قد يؤدى زحزحة سيطرتها على السلطة فى بلدانها منح فرصة أكبر للنمو فى هذه البلدان، لم يزد..؟!! هذا ناتج ربما عن تمسك مؤسسات الرئاسة العتيدة فى الولايات المتحدة بنماذج قائمة على ممارسة "القوة الجبرية" فى علاقتها الدولية وهو سلوك قد أدى لإضرارها كثيرا - خاصة اقتصاديا - حيث تسبب فى ركود أسواقها وتوقف تنميتها الاقتصادية، وهو ما يزداد مستقبلا مع محاولات دول أفريقيا لتحرير موادها الخام من عبء الاحتكارات الأمريكية. وربما كان من صالح الولايات المتحدة تغيير الفكر الحاكم فى مؤسستها الرئاسية والتوجه لخيار منح الفرصة للدول الآخذة فى النمو ( الدول الفقيرة التى تملك أسس تمكنها من النمو الاقتصادى إذا تم تطبيق سياسات تنموية بها) لتحقيق مستويات أعلى فى النمو وتحقيق مستوى أعلى لدخل أفرادها و اعتماد الشراكة الاقتصادية كحل لتنمية سقف تصنيعها ونموها الاقتصادى بدلا من التحكم فى المواد الخام المستخرجة من دول أخرى كطريقة لتحقيق المزيد من النمو والدخل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ما يمكن أن تكون عليه المعاملات الدولية الاقتصادية؟
مع الحد من استغلال دول الغرب للمواد الخام بالدول الأفقر، ومع الحال الدولية الحالية حيث معظم مستهلكى العالم يقطنون دول فقيرة، ويحصلون على متوسط دخل محدود، لا يمكنهم من شراء سلع غربية، ستجد الدول الكبرى أنها مضطرة للقبول والمساهمة فى إعطاء الفرصة للدول الفقيرة فى النمو حيث قد تمنح الدول الآخذة فى النمو نوعا من الشراكة، فى صورة عقود لصناعة أجزاء من صناعتها، أو نوعا من التسهيلات يجعلها المقصد السياحى لمواطنيها حيث يلزم مواطنى الدول الأغنى على السفر لقضاء أجازتهم لعدد معين من الأيام فى دول بعينها - كلها من الدول الأفقر- أو أن تدفع برؤوس الأموال الوطنية للاستثمار فى دول بعينها ولكن مع حث تلك الدول التى تملك وفرة من مواد خام بعينها ووفرة مماثلة من السكان ( أيدى عاملة قابلة للتدريب، ومستهلكين مفترضين) للتخصص فى صناعات بعينها، حيث وهو ما قد يحدث مستقبلا حيث ستتجه حركة التنمية تجاه البلدان التى تملك إمكانات للتنمية ولديها عدد كاف من السكان يجعل منها سوق ممكنة فحيث ينتشر المستهلكين ويتوفر العمال، ستذهب المصانع وتذهب رؤوس المال والدول التى ستمثل أسواق وليدة للمنتج الغربى المرتفع السعر تحتاج للكثير من التنمية ليتم تأسيس أسواق حقيقية بها، ذلك لتمكن رؤوس الأموال القادمة إليها فى صورة شركات عابرة للقارات من القدرة على العمل ومن الاستقرار، ذلك أنه سيصبح الانخفاض النسبى القليل فى ما تكلفة الأيدى العاملة والانخفاض القليل فى سعر المادة الخام بسبب توافرها فى منطقة التصنيع، عاملى جذب كافيين لرؤوس الأموال، ذلك أنه بالتدريج سيختفى ما دأب عليه السوق الدولية من تحديد أسعار مرتفعة للمنتجات الصناعية الجيدة، وأسعار منخفضة للمادة الخام المستخدمة فى التصنيع، وستزيد أسعار المواد الخام – والتى سيكون من المناسب عدم إهدارها فى صناعات رديئة أو بيعها بأسعار بخسة حفاظا عليها للأجيال القادمة، فلا شك أن ثقافة ترشيد التصنيع ستنتشر فى العقود القادمة للحد من التلوث بكافة أشكاله ولترشيد استخدام المادة الخام حفاظا عليها للأجيال البشرية القادمة، وسوف تزيد أسعار المواد الفكرية المتمثلة فى الاختراعات والأيدى العاملة البشرية وتقل نسب الكسب عن التجارة. وهذا التطور الثقافى حول ضرورة الحفاظ على المادة الخام سيحل محل ما تم من نهب مستمر لثروات بعض البلدان الطبيعية لمصلحة دول متقدمة اقتصاديا والذى أدى فى النهاية لما نراه من عجز عن الاستمرار فى الثروة التصنيعية فالأعداد الكبيرة من المنتجات الصناعية المختلفة لم يعد يتوفر لها مشتر، حيث تم تصنيع ما يكفى حاجة مواطنى الدول الغنية وبقى المطروح من منتجاتهم الثقيلة ( وهو النوع الذى يكلف البيئة ويستهلك خام أكثر) كبيرا حيث أن الكثير من المستهلكين المفترضين لهذه السلع أكثر فقرا من شرائها وهو ما أدى لضرورة توسيع سوق منتجات الدول الغنية بمد هذا السوق للدول الأفقر وبالتالى صار من الضرورى تحقيق قدر من الثراء والرفاهية لمواطنى هذه الدول ليتمكنوا من شراء منتجات صناعية مرتفعة السعر وهو ما لن يحدث إلا بدرجة من التنمية فى هذه البلاد، تنمية تتطلب تحقيق ثلاث شروط ضرورية: • أولا إنهاء تكديس ثروات الدول الأفقر فى يد قلة من السياسيين بها. • ثانيا تكوين أنظمة سياسية – فى الدول الآخذة ف النمو - تسعى لزيادة دخل الفرد ( وبالضرورة تملك خطة تنموية) • ثالثا زيادة دخل الأفراد فى الدول الأفقر، وهذا لن يحدث إلا بتحقيق احتمال من الثلاث التى طرحتها قبلا (اتجاه هذه الدول لنوع من التصنيع الجزئى، وبنفس جودة الصناعات الغربية ونفس أسعارها ف شراكة مع الدول الأغنى، أو تركيز السياحة العالمية فى الدول الأفقر، أو رفع أسعار المواد الخام ليزداد دخل الدول ذات البيئات الغنية ويقترب من دخل الدول الصناعية) والحقيقة أن تطبيق هذه الشروط الثلاث سوف يساعد كثيرا على استقرار السوق العالمى والقضاء على الهزات التى تؤدى لانهياره كل فترة، حيث سيخلق سوق نشطة مستقرة بالعالم الثالث، وهذا يعنى ببساطة أن تجد فى مصر مثلا 40% على الأقل من السكان فى إمكانهم شراء عربات بى ام دبليو أى أن إنتاج هذه العربات سيزداد ليغطى أسواق بهذه السعة. أما السيطرة على سوق المواد الخام وما أدى له فى فترة سابقة من تحقيق ثروات طائلة لعدد من الدول الغنية فهو الاستعمال الثانى والذى أتصور انه فى طريقه للانهيار حيث ستنشط دول العالم الثالث فى تأميم شركات التعدين الاحتكارية الأمريكية والبحث عن شركات بديلة – تمنح لتلك الدول مزايا أكثر وهو ما ستجده ربما فى شركات الدول الأسيوية كالصين والهند وباكستان وغيرها. إذن قد يجبر المستقبل الكثير من الدول الأغنى للدفاع عن تنمية الدول الأفقر ليتوفر لها بذلك سوق أوسع تستطيع فيه بيع منتجاتها حيث يبقى عدد سكان الدول الغنية اقل كمشترين مفترضين من إمكانية الحفاظ على مستوى المعيشة الحالى لسكان هذه الدول فيما بعد نهاية احتكارات المواد الخام. هذه النبؤات حول مستقبل العالم اقتصاديا تبقى مجرد رؤية شخصية، رغم كونها مبنية على ما يدعمها من تحولات عالمية حالية، لكنها لو كانت رؤية دقيقة كما أرجو فإنها تحقق اتصال يتبنى نظرية القوة المقبولة: " حيث يتم فيها اتصال عادل، أى علاقات اقتصادية قائمة على مصالح مشتركة، يسعى فيها الطرف الأقوى لاستمرار العلاقة بتوفيره لمزيد من الوسائل، حرصا على بقائها وبهدف تحقيق مصالح للطرف الأضعف، إلى جوار ما سيحققه من مصالح".
فى المعاملات الدولية السياسية:
علينا أن نلاحظ انه فى المعاملات الدولية فإن الطرف الذى يملك أكبر قدر من المرونة هو الذى يتمتع بميزة تغيير موقعه وتجديد قوته واكتساب زوايا تمنحه نقاط تشكل قوة جديدة له باستمرار القوة المقبولة لابد أن تتميز بكونها قوة غير جبرية وبكونها تمثل للطرف الذى تمارس عليه مصلحة وهو ما يعنى منح الطرف الممارس عليه فعل القوة القدرة على القيام بردة فعل، ليس من الضرورى هنا أن تساوى فعل القوة الممارس ضده، فحجمها يتحدد بحجم مصدرها، ولابد أن ندرك أن فكرة النصر النهائية أو الاستحواذ على كل المكاسب هى فكرة مستحيلة فى هذا التصور وكذلك فان هذه النظرية تدرك حقيقة أن كل الأطراف المشاركة فى أى تعامل لن تصل أبدا لمرحلة الرضا التام عن نتائج التعاملات بينها وبين الطرف الآخر. من هنا يظهر أن امتلاك قدر من المرونة، للسعى لتغيير الأهداف النفعية من وراء القيام بالاتصال، وامتلاك القدرة على المواربة أى عدم المواجهة واتخاذ موقف يكون الطرف القائم بالاتصال فيه غير مواجها لغيره من الأطراف بشكل مباشر ( حاكما على أطروحاته بالرفض أو القبول ) ولكن متخذ زاوية أكثر مرونة تتيح له تأجيل أو ترك النقاط الحادة جانبا والبحث عن نقاط تبادلية بحيث يمنح الطرف الآخر مصالح غير متوقعة فى مقابل حصوله على مصالح تهمه وسوف أطرح نموذجا واحدا فى العلاقات السياسية يوضح رؤيتى، ففى المشكلة الفلسطينية مثلا، واسميها المشكلة لأن كلمة قضية كثيرا ما تكون مناسبة جدا لرغبات الطرف الإسرائيلى، حيث يرتكن إليها مشيرا لأن العرب فى تناولهم لمسألة فلسطين يميلون لمغالاة عاطفية واستخدم مصطلح مشكلة يؤكد أيضا، على وصفها كمشكلة دولية كبرى، تهم الدول كلها لأسباب يعود معظمها للأوضاع الإنسانية السيئة لسكان فلسطين والتى تعتبر مسئولية دولية، وتهم كل الأطراف فى الشرق الأوسط حيث تؤثر فى مصالحهم كل طبقا لنوعية مصالحه المتصلة بها. إذن دعنا نتصور أننا كمجتمع دولى من النزاهة بحيث نتبنى نموذج لاتصال عادل وأن هذا المجتمع راغب فى حل هذه المشكلة، كيف إذن قد يمكنه إنهاء الوضع المتفجر فى فلسطين؟ فى إجابتنا على هذا التساؤل لابد أولا أنه سيتم رؤية فلسطين كجزء من العالم العربى ( وكلمة عالم هنا استخدمها للدلالة على المنطقة العربية لأن المصالح الفلسطينية يمكن أن يتم ضمانها برؤيتها ككل ضمن مصالح الدول العربية كلها، وهى فرضية ممكنة فقط فيما يخص فلسطين، حيث أن شحنة عاطفية لدى كل الجماهير العربية تجاه أزمة فلسطين المعقدة، تحميها من تيار تضارب المصالح بين مختلف الدول العربية والذى يحول فى كثير من الأوقات من استفادة الدول العربية كأجزاء من استخدام "مجموع الصالح الكلى للدول العربية" لحماية مصالح كل دولة. ثم علينا ثانيا أن نفهم المجتمع الإسرائيلى "مواطنين ودولة"، فهو مجتمع يسعى للثراء ولتحقيق مستوى دخل مرتفع وهذا المجتمع سيستجيب إلى حد كبير لحافز مده بمصدر لزيادة دخله، ولا أقصد هنا فتح الأسواق العربية للمنتجات الإسرائيلية وهو المتحقق حاليا فى كل الدول العربية تقريبا، حيث تدخل منتجات إسرائيل لأسواق هذه الدول على أنها منتجات أسيوية، واستخدام الاستيراد من إسرائيل كحافز اقتصادى لها للوصول لتسوية سياسية تحقق صالح الجانب الفلسطينى كان ليكون ميزة يمكن استخدامها لصالح حل المشكلة الفلسطينية ولكن للأسف هذا ما لم يحدث، حيث تم فتح الأسواق العربية لمنتجات إسرائيل مجانا، ونتيجة لعمالة تجار لا يهمهم الصالح الوطنى،لا يهمهم سوى تحقيق قدر كبير من المكاسب تجاريا وهو ما يحققه لهم المنتج الإسرائيلى المنخفض الجودة، والسعر والذى يتم عند تسعيره تحديد مكسب مرتفع لتاجر الجملة. أما ما يمكن استخدامه كحافز معقول فهو (السياحة العربية) فهى حافز يمكن استخدامها لصالح التزام الطرف الإسرائيلى للقيام بالخطوات الدقيقة المطلوبة من الجانب العربى للحل. وهذه الخطوات لن تخرج عن الاتفاق على فصل تأشيرات دخول فلسطين عن تأشيرات دخول إسرائيل، منح أى عربى يرغب فى الذهاب لفلسطين تأشيرة تلقائية أى قبول دخوله لإسرائيل بلا تأشيره دخول لزيارة المناطق المقدسة المسيحية والإسلامية الواقعة داخل حدود إسرائيل ولمدة يومين. حيث أن السماح بدخول العرب من مختلف الدول العربية الأراضى الإسرائيلية بلا تأشيرة إضافية لتأشيرة فلسطين، ولمدة 48 ساعة سيمنح إسرائيل حافز قوى للاستيلاء على حصة دول شرق أوسطية أخرى من السياحة العربية، خاصة الحصة التركية، بهذه الخطوة يمكن ضمان فتح تدريجى ولكن فى تزايد للحدود الإسرائيلية الفلسطينية، ودخل قومى مناسب لدولة فلسطين ناتج عن تنشيط السياحة العربية لها، وما قد يصاحبها من بناء منتجع أو أكثر للسياحة الرخيصة على شواطئ غزة، والذى يمكن مستقبلا الإقبال عليه كمصيف من جانب المواطنين الإسرائيليين. ثم أن الثبات على تسهيل الانتقال ما بين فلسطين وإسرائيل سيؤدى لنفع الجانبين حيث يتقاسما شراكة اقتصادية قائمة على تبادل استخدام الجانب الإسرائيلى للأيدى العاملة الفلسطينية الرخيصة فى مقابل انتشار المنتج الإسرائيلى فى أسواق فلسطين الأكثر ازدهارا بسبب ازدهار السياحة العربية بها، واستخدام الخبرة الإسرائيلية فى مشاريع تعمير فى فلسطين. يجب كخطوة هامة تقنين قبول الدول العربية لتواجد المنتج الإسرائيلى فى أسواقها والذى يتم تداوله وتمتلئ به الأسواق العربية باعتباره منتج أسيوى أو بلا بيان يوضح جهة الإنتاج بحيث يتم بشروط تحدد درجة عالية من الجودة فى المنتجات المستوردة منها، وتشدد الرقابة على الواردات من إسرائيل ولبنان وغيرها من الدول التى قد يتم تزوير شهادات أصول للمنتجات الإسرائيلية بها حيث يتم عن طريقها نسب هذه السلع لدول أخرى بإدعاء أن التوريد من دولة المنشأ قد تم على أكثر من مرحلة فى النقل. إن هذه الخطوات فى تصورى يمكن أن تؤدى بالحكومات والمواطنين فى إسرائيل لتعديل توجهاتهم فيما يخص فلسطين حيث ستتدخل مصالحهم المتمثلة فى مصدر جديد للدخل كعنصر فى نزاع سياسى تم استخدامه كثيرا لإلهاب المشاعر الوطنية والدينية لتحقيق أغراض متباينة للساسة الإسرائيليين ولجماعات الضغط داخل إسرائيل، ولإسرائيل دوليا من خلال جماعات الضغط اليهودية المنتمية لدول غربية والتى كثيرا ما تستخدمها إسرائيل للوصول لأهداف سياسية ولتحقيق مصالح اقتصادية. ولاشك أن تدخل لقمة العيش كعنصر فى نزاع يساعد على سرعة حسمه وعلى لئم الجراح العاطفية الناشئة عنه، وهو ما قد يؤدى فى النهاية لانتهاج سياسة عادلة من جانب إسرائيل مع السكان والمواطنين الفلسطينيين ومع عرب الداخل المواطنين التابعين لدولة إسرائيل، ثم أن ربط دخل السياحة فى إسرائيل بمجمل السياحة العربية التى تستقبلها، وربط دخلها من التصدير بمجمل ما تستورده الأسواق العربية منها، والقوة التى ستملكها الدول العربية الغنية على اقتصاد إسرائيل والتى تعنى إغلاق السوق العربى أمام المنتج الإسرائيلى بمجرد نهج الجانب الإسرائيلى لسياسة غير عادلة تجاه الجانب الفلسطينى أو منع السياحة لها بمجرد انتهاجها لأى نهج يضر بمصالح فلسطين. وإلى جوار ذلك فإن هذه الخطوات فضلا على قدرتها على ربط مصالح إسرائيل بعناصر يمكن للعرب كمجموع التحكم فيها فإنها من جهة أخرى ستفيد فلسطين اقتصاديا بدرجة كبيرة، حيث ستفتح للعمالة الفلسطينية سوق فى إسرائيل، وتفتح للسياحة لفلسطين سوق فى إسرائيل، وتؤدى لمزيد من التنمية العمرانية فيها ومزيد من تدفق الأموال العربية لها وحيث يمكن استخدام أموال المعونات المقدمة لها فى التنمية بدلا من التسليح وتسربها بسبب موجات الغلاء التى تنتج عقب كل إغلاق للمنافذ، ومشكلة فى هذا الطرح تكمن أولا انه لا توجد جهة بما فى ذلك حكومات الجهتين فلسطين وإسرائيل تجد فى دافعها الانسانى من القوة ما يدفعها لتحريك مثل هذه الخطة تجاه التنفيذ، ثم ثانيا أنه لا يمكن لكثير من الدول العربية، حيث توجد عشرات من العوامل التى تتداخل لتمنع ذلك، تقديم هذا الطرح كخطة للحل، ولا يمكنها متابعته وحمايته ومتابعة نقاء استخدامه ليهدف تنفيذه فقط ويؤدى لنفع الجانب الفلسطينى ولحل تدريجى لمشكلته.
القبول بمساهمة الجميع ..
لاشك أننا لاحظنا أن نظرية القوة المقبولة تدور حول اتصال حر يتوفر فيه تكافؤ للفرص، قائم على تنمية الجوانب المشتركة وعدم نفى أو التصارع نتيجة وجود جوانب للخلاف، لا أن يتم ذلك بإهمال هذه الاختلافات ولكن بالاعتراف بها والاعتراف بحق المختلف فى الاختلاف وعدم السعى لتعديل تصوراته لتتوافق وتصورات الجانب الأقوى فى الاتصال. وقد تبدو هذه النظرية قالب مثالى للتواصل، وغير واقعى ولا نفعى، وهو ما أحاول نفيه عبر هذه الفرضية. لنتصور وجود جماعة سياسية تتبنى هذا النموذج للاتصال ( حزب سياسى مثلا ).. لاشك أن حزب كهذا سيكون مجبرا عقائديا على تبنى تشجيع قيام الكثير من الأحزاب السياسية كطريقة من طرق التعبير السياسى عن توجهات الجماعات المختلفة فى المجتمع، حتى وإن كانت هذه الجماعات جماعات ذات وجود محدود بسبب قلة المنتسبين لها – 5% من عدد السكان كحد أدنى مثلا - بالطبع ندرك أن خياره هذا بتشجيع قيام أحزاب صغيرة، هو خيار فى غير صالحه، حيث كلما قلت عدد الأحزاب كلما استطاع الحزب – كل حزب - اجتذاب أعضاء من توجهات متعددة قد يتفقون معه فى كثير من رؤاه، لكنهم لا يتفقون معه فى رؤاه كلها، مجموعات قد تفضل الانتماء لأحزاب أخرى فى حالة إنشاؤها، حيث ستكون الأحزاب الجديدة ذات قدرة أكبر على تمثيل قناعاتهم. وعلى الرغم من تلك الحقيقة فإن حزب القوة المقبولة سيسعى بسبب قناعاته وقيمه المبدئية لمناصرة تكوين الكثير من الأحزاب حتى ولو كانت صغيرة، ذلك لتتمكن كل الجماعات ذات الانتماءات السياسية المختلفة فى التعبير عن أرائها، وهذا النموذج يوحى بأن حزب كهذا يبدو كأنه مضطر طوال الوقت لاتخاذ مواقف مثالية تشبه هذا الموقف، مواقف لا تدعم الجانب النفعى له، ولا تؤدى لتحقيق مصالحه..!! الحقيقة أن هذا غير صحيح، فحتى فى الموقف السابق والذى يبدو شديد المثالية فإن الحزب المشار إليه يحقق الكثير من المصالح، حيث:
- سيمكنه توجهه الديمقراطى من خوض غمار ومعترك الحياة السياسية والنيابية بضراوة مدافعا عن وجوده ومستخدما الوسيلة وراء الأخرى لتأكيد أحقيته فى مواجهة أحزاب كان مع إنشاء الكثير منها.
- سيقوم ببحث شامل لمشكلات دولته واحتياجات مواطنيها وكيفية تحقيقها ليقدم جدول انتخابى قائم على حاجات الناخبين، لا على نفى غيره من الأحزاب. وهو ما سيقوى وضعه فى مواجهة بعض الأحزاب التى لا تملك دراسات ولا تتقدم بحلول.
- جهده التنموى ومناقشاته المفتوحة لرؤاه قد يؤدى للتقليل البطىء ولكن المستمر من قدر الجماعات المنافسة.
- الأحزاب المنافسة القريبة فى التوجه منه لن تجد طريقها السياسى ممهد، ولن تستطيع أمام الاتصالات المفتوحة لهذا الحزب أن تستعير من أجندته حلول جاهزة دون التعرض للسخرية والفضح.
- يملك هذا الحزب القدرة على الانضمام لوزارات وتكتلات عديدة دون أن يخالف ذلك أجندته الأساسية.
على الجانب الآخر..
دعونا ننظر لنتائج عدم وجود حزب سياسى يمثل الإخوان المسلمين؟
وماذا لو تم القبول بقيام أحزاب دينية تمثل المسلمين وأخرى تمثل غيرهم من المسيحيين؟. فى تصورى كان هذا ليفيد الواقع السياسى المصرى وكذلك كان ليفيد الحزب الوطنى الحاكم نفسه كما يلى:
- كان ليظهر ذلك محدودية جماهيرية الإخوان المسلمين والتى لا تزيد فى حقيقتها على 15% من مجموع المتفاعلين مع الأحزاب والاتجاهات السياسية داخل مصر – وهذا بالطبع مجرد تقدير قائم على حسابات متصورة وليس على إحصاء دقيق – والتى كثيرا ما يتم تضخيمها فى ظل محاولات نفيها وما يمارس ضدها من قهر، فتقدم على أنها المعارضة الوحيدة فى مصر أو على الأقل التيار الساحق ضمن تيارات المعارضة السياسية مما يعطى انطباع للجميع مصريين وغيرهم بأن حجم أنصار هذا التيار فى الشارع المصرى لا يقل عن الـ 60% .
- كان ليمنح للحزب الوطنى المزيد من المصداقية عند توجيهه لانتقادات كثير منها حقيقى لبرنامج الإخوان الانتخابى.
- الاعتراف من جانب النظام الحاكم المصرى بالإخوان سيؤدى لتقوية خطاب تيارات اليسار المصرى حيث ستجتهد فى تدعيمها لخطابها السياسى مما سيؤدى للتقليل من حجم اليمين الدينى السياسى.
- الانفتاح فى تكوين أحزاب دينية أخرى غير الإخوان سيفتت الإجماع على هذا التيار كتيار دينى إسلامى سياسى وحيد.
- الانفتاح فى تكوين أحزاب دينية مسيحية مع الأخذ فى الاعتبار حجم وعدد السكان ذوى الديانة المسيحية فى مصر سيؤدى لتكون أحزاب لا هم لها إلا مناهضة الخطاب الإخوانى الذى يقوم بنفى الكثير من حقوق المواطنة للمسيحيين وعلى رأسها حق تولى رئاسة الجمهورية.
- مع الأوضاع الاقتصادية الضاغطة وإذا تم استخدام هذا الجانب بشكل ذكى من الحزب الوطنى خاصة ( حيث أنه وريث النظام الذى ناصر عمل المرأة فى الخمسينات) سوف يجذب أصوات المرأة التى ليس من صالحها مناصرة الإخوان حيث أن خطابهم قائم على سيادة الرجل ومنع المرأة من الكثير من حقوق مواطنتها كحق الرئاسة والانتخاب وتحديد حقها فى العمل وغلقه عن كثير من المجالات وإلزام الرجل والمجتمع بوصاية عليها.
- يعانى تنظيم الإخوان المسلمين من فلسفة تجمع متناقضات شتى فهو مثلا ينادى بالديمقراطية ليتمكن من اكتساب حق الوجود ويعترض عليها كنتاج لثقافة غربية ويرفضها لما ستعطيه من حقوق لفئات يرفض منحها هذه الحقوق كالنساء وغير المسلمين وهذه المتناقضات عند طرحها فى العلن فى جو سياسى مفتوح كان قد منحهم حق الوجود سيضطر الجماعة للعكوف من جديد للعمل على إعادة صياغة قناعاتها حتى لا تتعرض للكثير من الخسائر السياسية وإعادة النظر هذه هى ما لا يضطر الجماعة شيئا للقيام بها حاليا مع وجودها السياسى النصف شرعى.
المصادر
المؤلفة غادة عبد المنعم
وصلات خارجية
- مدونة غادة عبد المنعم http://ghadaamoneim.blogspot.com
- الجزء الأول منشور فى موقع الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232992
- الجزء الأول من الكتاب منشور فى موقع عربتايمز http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?Action=&Preview=No&ArticleID=18259