معلقة الأعشى

من معرفة المصادر
ودع هريرة إن الركب مرتحل
 
و هل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها
 
تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها
 
مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت
 
كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها
 
و لا تراها لسر الجار تختتل
يكاد يصرعها لولا تشددها
 
إذا تقوم إلى جاراتها الكسل
إذا تلاعب قرناً ساعةً فترت
 
و ارتج منها ذنوب المتن و الكفل
صفر الوشاح و ملء الدرع بهكنةٌ
 
إذا تأتى يكاد الخصر ينخزل
نعم الضجيع غداة الدجن يصرعها
 
للذة المرء لا جافٍ و لا تفل
هركولةٌ ، فنقٌ ، درمٌ مرافقها
 
كأن أخمصها بالشوك ينتعل
إذا تقوم يضوع المسك أصورةً
 
و الزنبق الورد من أردانها شمل
ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ
 
خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ
 
مؤزرٌ بعميم النبت مكتهل
يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ
 
و لا بأحسن منها إذ دنا الأصل
علقتها عرضاً و علقت رجلاً
 
غيري و علق أخرى غيرها الرجل
و علقته فتاة ما يحاولها
 
و من بني عمها ميت بها وهل
و علقتني أخيرى ما تلائمني
 
فاجتمع الحب ، حبٌ كله تبل
فكلنا مغرمٌ يهذي بصاحبه
 
ناءٍ و دانٍ و مخبولٌ و مختبل
صدت هريرة عنا ما تكلمنا
 
جهلاً بأم خليدٍ حبل من تصل
أ أن رأت رجلاً أعشى أضر به
 
ريب المنون و دهرٌ مفندٌ خبل
قالت هريرة لما جئت طالبها
 
ويلي عليك و ويلي منك يا رجل
إما ترينا حفاةً لانعال لنا
 
إنا كذلك ما نحفى و ننتعل
و قد أخالس رب البيت غفلته
 
و قد يحاذر مني ثم ما يئل
وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني
 
وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني
 
شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا
 
أن هالكٌ كل من يحفى و ينتعل
نازعتهم قضب الريحان متكئاً
 
و قهوةً مزةً راووقها خضل
لا يستفيقون منها و هي راهنةٌ
 
إلا بهات و إن علوا و إن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ
 
مقلصٌ أسفل السربال معتمل
و مستجيبٍ تخال الصنج يسمعه
 
إذا ترجع فيه القينة الفضل
الساحبات ذيول الريط آونةً
 
و الرافعات على أعجازها العجل
من كل ذلك يومٌ قد لهوت به
 
و في التجارب طول اللهو و الغزل
و بلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ
 
للجن بالليل في حافاتها زجل
لا يتنمى لها بالقيظ يركبها
 
إلا الذين لهم فيها أتوا مهل
جاوزتها بطليحٍ جسرةٍ سرحٍ
 
في مرفقيها ـ إذا استعرضتها ـ فتل
بل هل ترى عارضاً قد بت أرمقه
 
كأنما البرق في حافاته شعل
له ردافٌ و جوزٌ مفأمٌ عملٌ
 
منطقٌ بسجال الماء متصل
لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه
 
و لا اللذاذة في كأس و لا شغل
فقلت للشرب في درنا و قد ثملوا
 
شيموا و كيف يشيم الشارب الثمل
قالوا نمارٌ ، فبطن الخال جادهما
 
فالعسجديةٌ فالأبلاء فالرجل
فالسفح يجري فخنزيرٌ فبرقته
 
حتى تدافع منه الربو فالحبل
حتى تحمل منه الماء تكلفةً
 
روض القطا فكثيب الغينة السهل
يسقي دياراً لها قد أصبحت غرضاً
 
زوراً تجانف عنها القود و الرسل
أبلغ يزيد بني شيبان مألكةً
 
أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا
 
و لست ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرةً يوماً ليوهنها
 
فلم يضرها و أوهن قرنه الوعل
تغري بنا رهط مسعودٍ و إخوته
 
يوم للقاء فتردي ثم تعتزل
تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا
 
أرماحنا ثم تلقاهم و تعتزل
لا تقعدن وقد أكلتها خطباً
 
تعوذ من شرها يوماً و تبتهل
سائل بني أسدٍ عنا فقد علموا
 
أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل
و اسأل قشيراً و عبد الله كلهم
 
و اسأل ربيعة عنا كيف نفتعل
إنا نقاتلهم حتى نقتلهم
 
عند اللقاء و إن جاروا و إن جهلوا
قد كان في آل كهفٍ إن هم احتربوا
 
و الجاشرية من يسعى و ينتضل
لئن قتلتم عميداً لم يكن صدداً
 
لنقتلن مثله منكم فنمتثل
لئن منيت بنا عن غب معركةٍ
 
لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل
لا تنتهون و لن ينهى ذوي شططٍ
 
كالطعن يذهب فيه الزيت و الفتل
حتى يظل عميد القوم مرتفقاً
 
يدفع بالراح عنه نسوةٌ عجل
أصابه هندوانٌي فأقصده
 
أو ذابلٌ من رماح الخط معتدل
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم
 
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
نحن الفوارس يوم الحنو ضاحيةً
 
جنبي فطيمة لا ميلٌ و لا عزل
قالوا الطعان فقلنا تلك عادتنا
 
أو تنزلون فإنا معشرٌ نزل
قد نخضب العير في مكنون فائله
 
و قد يشيط على أرماحنا البطل