محمد البساطي - جمال الغيطاني

مقال لجمال الغيطاني نشر في جريدة الأخبار، 28 يونيو 2011.

نني أتمني تصحيح الأوضاع التي لا تتسق مع الضمير الأدبي، وأبرزها ذلك التجاهل الذي لحق بعضا من كبار المبدعين لمواقفهم أو آرائهم.. جري ذلك في أحد أيام واحد وستين، أي منذ خمسين عاماً. بالتأكيد كان اليوم جمعة، لأن المكان مقهي الأوبرا، والمناسبة، الاجتماع الأسبوعي لنجيب محفوظ، في هذا اليوم رأيت محمد البساطي، كان قد أتم خدمته العسكرية منذ ساعات، أذكر ملامحه التي لم تختلف كثيراً عبر نصف قرن لم يتغير خلالها إلا لون شعره الذي ابيض بفعل الزمن، أما طريقته في الحديث والتعبير ولكنته المنتمية إلي منطقة البحيرات، إلي المنزلة فلم تتغير، رأيته مراراً في نادي القصة وكان قد حصل علي جائزة القصة القصيرة، كانت جائزة مرموقة من ناد هو الأهم وقتئذ في الحياة الثقافية، يرأسه العميد طه حسين، ثم يوسف السباعي، كان مقدار الجائزة ستين جنيهاً، وهذا مبلغ معقول جداً في ذلك الزمن، يمكن أن يؤسس لفتح بيت، أما الميدالية الذهبية فكانت مهداة من طه حسين، وكانا قيمتها وقتئذ حوالي عشرة جنيهات، والآن عشرة آلاف جنيه. توثقت علاقتي بالبساطي من خلال ترددي علي جريدة المساء التي فتح لنا عبدالفتاح الجمل صفحاتها لإنتاجنا الأدبي في وقت بداية سعينا، ولم يكن النشر سهلاً في ذلك الوقت خاصة أمام الإبداع الجديد لأدباء الستينيات الذين قدموا ما يمكن اعتباره غير مألوف، منذ بدأ النشر في الصفحة الأدبية للمساء بدأ يؤسس عالمه الفريد، المتميز، ومازال حتي الآن، البساطي يري العالم بعيني طفل ومازال، ذاكرته فريدة، يكتب عن أحداث عرفها وهو طفل أو في طور الفتوة، كأنها جرت بالأمس، أما وصفه الدقيق للأشياء وللواقع فكأنه يصف ما يعايشه الآن، عالمه غني بالبسطاء، الذين يقفون علي ناصية الواقع والحلم، وفي رواياته شخصيات وقصصه القصيرة شخصيات لا تنسي، تكون في مجموعها هذا العالم الفريد، الخاص به، الذي يجري كل شيء فيه بهدوء وصمت مؤثر وكأننا نعايشه من مسافة ما، مازال أدبه في مجمله بكراً بالنسبة للدراسات الأدبية، ولكنه يفيض بالرهافة والقدرة علي التعبير عن أدق الأمور بأسهل الأساليب أو هكذا يبدو، إنني أنتظر بشغف وفضول ظهور رواية جديدة أو مجموعة قصص جديدة للبساطي لأقدم علي قراءتها فوراً وعلي مهل مستكملاً معه بناء عالمه. علي المستوي الشخصي، يبدو محمد البساطي من أرق الذين عرفتهم وأصلبهم في الوقت نفسه، رقته تبدو في تعامله مع العالم، وزهده في الأضواء، والحضور اللميع الذي يعتمد علي الضجيج، ورغم أنه يقف بآرائه وانحيازاته في قلب اليسار إلا أنه لم يتخذ من انتمائه مواقف يثير بها ضجيجاً بهدف الترويج لأدبه أو اكتساب قيمة إضافية وهذه ظاهرة تزايدت في حياتنا الثقافية مع قوة تأثير وسائل الإعلام، القيمة المكتسبة من وسائل الإعلام والضجيج السياسي، أما البساطي فقيمته لها مرجعية واحدة وأساسية، قوة النص المكتوب وقد أثبتت التجربة أن هذا أبقي وأصدق، يتمتع بصرامة أخلاقية، ليس علي المستوي الشخصي ولكن علي المستوي العام، وكل انحيازاته صحيحة. اعتدنا في السنوات الأخيرة الاتصال الهاتفي صباح كل جمعة كبديل للقاءاتنا التي لم تعد ميسرة، نتحدث عن قراءاتنا، عن الموقف السياسي، عن ذكرياتنا، عن كل كبيرة وصغيرة، ورغم الحميمية العميقة في مهاتفاتنا تلك إلا أنه لم يبح لي بمعاناته مع المرض، لم أعرف إلا بعد عودتي من نيويورك أنه مريض، رغم أنه كان دائم الاتصال ليسأل عن السيدة زوجتي التي تصارع المرض الشرس، فوجئت بزميلي وصديقي محمد شعير يقول لي: »ابقي اسأل علي عم محمد..« استفسرت منه: »عم محمد مين..« قال: »البساطي« ثم حكي لي التفاصيل وعلاجه بالمركز الطبي العالمي علي نفقته الخاصة، منذ علمي بالخبر لا أكف عن الدعاء بالشفاء لهذا الكاتب العظيم والإنسان الرائع.. ولست بحاجة إلي لفت نظر الوزير عماد أبو غازي إلي التجاهل الذي لحق هذه القامة الشامخة، وسوف يكون من أبرز ما يقوم به تصحيح الأوضاع التي لا تتسق مع الضمير الأدبي. الأسطي سيد دائما اقول: لو تقلقل حجر من موضعه في اي جزء منه لاكتشفته، لا اظن ان بصري وقع علي جدران ونوافذ وابواب وزوايا ونواصي كما رأي هذا الطريق. احدده بالجزء الموازي للمسجد الحاوي الضريح الذي يضم الرأس الشريف. انه مدرجي إلي المدينة، إلي انحاء البلد، إلي الخارج، إلي الكون، لم يمر يوم في العقود الثلاثة الاولي من عمري إلا وعبرته علي الاقل مرتين، الاولي في الخروج من داخل الجمالية إلي ميدان الحسين، إلي الازهر الذي كان وصولي اليه بمفردي علامة علي تقدمي خطوات في اكتشاف العالم والسعي في دروبه وحيدا. معتمدا علي ذاتي. استحضره في سفري مقبلا أو مدبرا، الاقبال في اول النهار، أو ما قبل الغروب، الإدبار عند العودة، عبوره من الميدان قاصدا البيت. اولي الظهر إلي الميدان، يعني ذلك اتجاهي إلي البيت، في طفولتي وحتي السادسة. لم افارق ابي. كان يصحبني معه دائما، يدي تمسك يده، لذلك ترتبط جميع الاماكن به، فندق الكلوب العصري، الحاج الصاوي الترزي البلدي، بيومي صاحب دكان الموبيليا، الاصفهاني تاجر السجاد في خان الخليلي. الاسطي سيد الحلاق. كلما عبرت شارع المشهد الحسيني اول ما أتجه اليه بعيني طفلا دكان الحلاق، واذا استدعيته إلي ذاكرتي في البعد اول ما يمثل امامي هو، الاسطي سيد. في زمن صحبة ابي، كنت اتطلع اليه بخشية وفضول، الدكان ضيق المساحة مقعد كبير للحلاقة يعلو وينزل طبقا لوضع الزبون وطوله، له مسند متحرك ايضا، وسادة صغيرة مغطاة بالجلد الاخضر، تستند إلي قائم حديدي ينزلق صعودا أو نزولا، عندما تستند الدماغ اليه ويلقي صاحبها راحته يثبتها بواسطة مفتاح صغير، يقصده ابي لحلاقة شعر رأسه مرة في الشهر، ولحلاقه ذقنه ثلاث أو اربع مرات اسبوعيا. لابد ان يحدد موعدا مسبقا، الرجل منظم جدا، حريص علي نظافة المحل إلي درجة الوسواس، ثلاث أو اربع منشات للذباب مختلفة الاحجام، لها رف خاص. المرآة حادة البريق الارض يكنسها باستمرار، احيانا اثناء قيامه بالحلاقة، الفوطة البيضاء التي يضعها الزبون تلقي في سلة مغطاة، لا يتكرر استخدامها اما اغرب ما احتواه الدكان فعلبة من الصفيح، يزيح غطاءها ليبصق فيها، كان يلوك المدغة باستمرار، ورق الدخان المجفف، واحيانا يخرج علبة صغيرة مفضضة مستديرة يفتحها بحرص يتناول منها ذرات النشوق بنية اللون، يقربها من فتحتي انفه مع نفس عميق، يغمض عينيه بعد لحظات يعطس بقوة عطسات متتالية، بمجرد تواليها يتناول منديلا ابيض من جيبه ليحجب الذرات عن التناثر، يتدفق الدم الي وجهه، يعود ليمسك بالمقص، أو الموسي، يستأنف الحلاقة، علي الجدران الثلاثة مرايا مستطيلة كبيرة الحجم، ربما يرجع اليها الاحساس بخصوصية الضوء داخل الحيز، ثمة رد الاسطي سيد بعدوانية »يمكن ان يمزقها..« لزمت مكاني صامتا كاتما حنقي وضيقي، صحيح انني طفل لكنني لست كما يظن، تعلمت القراءة قبل دخولي المدرسة من ابي الذي اعتاد ان يشتري كل يوم جمعة الاهرام، وفي بعض الايام المصري، سيظل الاهرام بخطه ورسمه من علامات الذاكرة، كذلك العلم المصري الاخضر ذو الهلال الابيض والنجوم الثلاثة، يرفرف من خلال الصفحة الاولي، اذكر عناوين اخري كنت اراها في فندق الكلوب المصري مع بعض الزبائن، مثل »الزمان« ، »البلاغ«، »الجمهور المصري« لم تستمر بعد الثورة، كذلك المصري، لكن علامته بقيت عندي ، اما الاهرام فكان الوالد يقرأه متمهلا، عرفت شكل الحرف منه قبل ان ادخل المدرسة. تعجب الشيخ مصطفي والاستاذ نصر عاشق ام كلثوم، اساتذة اللغة العربية من ذلك واهتم الشيخ مصطفي بي وابدي العناية، قابلنا في الطريق يوما كان يسكن حارة درب المسمط كان مهيبا، له حضور ومنه جلوة، ابدي حنوا بعكس تجهمه في الفصل، لمس رأسي قائلا: »باسم الله ما شاء الله، باسم الله ما شاء الله..« كيف يرضي عني الشيخ مصطفي هكذا، ويدعو الله ان يحفظني لابي، ولا يسمح الاسطي سيد لي بقراءة الصحيفة خوفا من تمزيقي لها؟ كنت ميالا إلي الكتمان، امسك غضبي وبعد انتهاء اللحظة ألوم نفسي، كيف لم ارد؟ كيف لم استجب علي الفور؟ يتصاعد الامر كلما زادت المسافة وقتا ومكانا، مازال هذا من طبعي، وكم كلفني ذلك. ربما لصمته الدائم وتحركه المحسوب. ربما لأنه ختن اخي الاصغر، مازلت اذكر عودته منفرج الساقين، الاربطة المبللة بالدم والمطهرات. بعضها اصفر والاخر احمر قانٍ. لست موقنا انه هو الذي قام بختاني، لا اقدر الان وقت تدويني هذا علي اليقين، لكن ثمة دلالات تؤكد لي انه هو، لا يقوم بالختان إلا في ايام الاحتفال بمولد سيدنا الحسين، لا يتم ذلك في المحل، انما في كشك صغير من قماش اخضر، مغطي، يقف امامه النسوة والرجال بعد تمام العملية يحملون الطفل بينما تعلو الزغاريد، واحيانا يحضن الاب ابنه ممتطيا حصانه، متمخطرا في الطريق، بالنسبة لاخي لم يجد شيئا من ذلك، امي فقط كل الاقارب بمنأي. جدتي وخالي في البلد القصي، فقط تسعي إلي الجارات المجربات اذا طرأ مشكل. حتي الان لا يمكنني ان احدد سببا بعينه ينبئني أو يفسر خوفي من الاسطي سيد، كان رغم خشيته شديد العناية با لمحل، بادواته. بالزبائن، اما المدخل فمن النوادر التي ما زلت اراها، ستائر من الخرز الملون، مدلاة مع خيوط رقيقة. تحجب ما بداخل المكان وتكشف ايضا بقدر. تمنع الذباب خاصة في الصيف. الوراق الخميس لم ترتبط بموعد قط، اثناء عمله بالهيئة العامة للكتاب، كنت ألتقيه في مكتبة الهيئة بشارع عبدالخالق ثروت، خلال جولتي الاسبوعية علي المكتبات القاهرية، كان يتخذ مكانه وراء المكتب، لم أره ساكنا قط، وكان قوي الذاكرة، صنف منهم »يجيب التايهة« اي يمكنه ان يوفر أندر الكتب، تعاملت خلال حياتي ولمدة تقارب النصف قرن مع العديد منهم، أذكر منهم الشيخ خربوش رحمه الله، اعرف اسمه هكذا، كان لديه مكتبة في الجماميز، لكنه يمضي يومه متجولا، كنت ألتقيه صدفة في سور الازبكية، او في ميدان سيدنا الحسين، يمضي وقته كله بحثا عن نوادر الكتب والمخطوطات، احيانا كنت اطلب منه عنوانا معينا نادرا، ويمضي الزمن حتي يدركني اليأس، فجأة، بعد عامين او ثلاثة وربماخمسة يقابلني فافاجأ به يقول لي انه عثر علي الكتاب الذي طلبته قبل كذا شهر أو سنة ، لم يكن ينسي قط، كذلك حامد سعيد الذي عرفته مديرا لمكتبة الهيئة حتي احيل إلي المعاش الا انه ظل أحد أهم مصادري في العثور علي الكتب القديمة النادرة، كان حامد سعيد يوفرها لي اصلا أو صورة بالماكينات الحديثة، واحيانا كان يأتي لي بعدد من العناوين التي عثر عليها واستنسخها، يعرضها عليّ، فأقتني منها ما أحتاج إليه، كان موسوعة متحركة في العناوين، يعرف عدد طبعات الكتاب الواحد، تواريخها، لا ينافس ذاكرته الا ذاكرة الحاج محمد مدبولي، والحاج حبيب اللمسي صاحب دار الغرب الاسلامي أمد الله في عمرهما،في العصر العباسي كان يطلق علي امثالهم »الوراقين«، وكان الوراق ينسخ الكتب، لم تكن هناك مطبعة، معظم الأدباء عملوا في مهنة الوراقة، ومنهم أحد أعظم أدباء العربية أبو حيان التوحيدي، اضطرته ظروفه الصعبة إلي العمل في بلاط احد الوزراء المهمين وراقا، وفي احد الايام مر الوزيربه فقام أبو حيان واقفا يجيبه، سأل الوزير عن هذا الرجل الذي قام ليحييه فلما قيل له أنه أديب أسمه أبو حيان، غضب، فهل من المعقول ان يقف أديب مجهول يعمل وراقا عنده لتحيته؟ وصلت الاهانة إلي أبو حيان، شعر بالغضب وردها في هجاء اعتبره افظع ما قرأت، أعني كتاب »مثال الوزيرين« الذي طبع في مصر. رغم تقدم وسائل الطباعة وتسويق الكتب ونشر معظم مصادر التراث العربي علي الانترنت لم أغير طريقتي في اقتناء الكتب، الطواف بالمكتبات، ليس في القاهرة فقط، انما في كل بلدان الدنيا التي انزلها، الاستعانة بمن يأتون بالتايهة مثل حامد سعيد، شهور عديدة مضت منقطعا عني، كالعادة كنت اتوقع ظهوره المفاجئ حاملا معه النوادر، واخذتني الاحوال عن السؤال عنه، إلي ان فاجأني صديقي شعبان يوسف أحد أكبر الخبراء بالمكتبات والكتب يخبرني برحيله، ورغم انني اعتدت اخبار الراحلين خلال العام الاخير، الا انني دهشت وترحمت! تسارع المواقيت السبت تبدو بعض مراحل العمر بكل ما تحوي من علاقات وانشطة مستقرة كانها ستدوم ابدا، غير ان الزمن الذي يبني يتقدم ليهدم ايضا، ما يبدو بعيدا يصبح قريبا، ثم يفوتنا ليولي إلي الماضي، نظن ان طفولتنا باقية، لن تنقضي ابدا، غيرانها تولي، وعندما نصبح أباء تتخذ الدائرة اتجاها معاكسا، نظن ان ابناءنا سيبقون هكذا ابدا، صغارا يحتاجون الرعاية والنصح، يتقدم بنا الزمن، نتواري تدريجيا ويشب كل منهم، يبدأ سعيه فيما يخصه، حتي اذا حانت اللحظة الحاسمة التي يتخذ فيها كل مساره نفاجأ وكأننا بوغتنا، مازلت اذكر تطلع والدي إليّ فوق رصيف القطار المتجه إلي قبلي، عيناه تغدقان حنوا غامضا، كانت اول مرة اسافر فيها بمفردي، اصر علي توديعي، لاكثر من اربعين عاما تطل عليّ هذه النظرة، اتساءل عن سرها، وقد حان الوقت الذي يمكنني القول فيه، أنني أفهم ما جاء بها وما كانت تعنيه، انها نظرتي الآن، عين النظرة وقد اكتمل زمن وبدأ زمن أخر. الخميس عصرا هذا المكان يمنحني اقصي احساس بالزمن، بالمنقضي، اسعي اليه خاصة في ايام الاجازات عصرا، اخشي دخولي هذا الوقت، في هذا المكان. بالتحديد مع بدء الزوال. رغم وعيي الاثم فانني اسعي احيانا اليه، بالضبط ميدان القلعة، ما بين مسجدي السلطان حسن والرفاعي لتكامل البنيان رغم قدومه من عصور مختلفة ليحاصر الاوقات النقيضة العتاقة تكون احيانا مجلبة للشجوة، بمجرد خطوي، اسرع إلي مدخل السلطان حسن، كأنني ألوذ من البناء بالبناء، بالوقت من الوقت، رغم ان كافة العناصر ماثلة عندي بوضوح، بكثافة، مسجد محمد علي المهيمني، المتجهم، بمآذنه العثمانية الحادة، مسجد الجوكندار. مسجد المحمودية. القباب. وحدة المآذن السامقة، المداخل، الكتابة المتوحدة بالحجر المراقد الابدية، تلاقي الظلال بالظلال. اسارع بالانغماس في الظل بعبور المدخل الشاهق فاعتزل اعبر الدهليز، انتهي إلي الصحن فيبدأ سعيي. اتوحد مع ذاتي. اصير إلي تلاشي، إلي حضور شهاقة الجدران ترفعني وميل الوقت إلي انحسار يلاشيني، اما الاصوات الوافدة فتنأي بروحي بما لا يمكن ادراكه مني. سواء صدرت عن فرخ يمام أو عربة عابرة أو صياح مكلوم أؤ هزار عابث. اصداء حيوات عبرت. خطي راح اصحابها. يهتز داخلي لصوصوة عصفور مهاجر. في مثل هذا الوقت يقل القوم واحيانا يتلاشون. اصير مفردا تماما كأني اسيح في برية لا يجدحا حد ولا يحوشني عائق، تتماهي الحدود، بين اللحظة واللحظة. بين القادم والمولي، الاول والاخر،. يترقرق عندي دمع قديم اذرفه إلي داخلي، يكتمل معني العصر. اخشع، مرتلا، محولا تجاوز افقي الضام »والعصر، ان الانسان لفي خسر..« مكان اين؟ ينبثق التساؤل. نفرة مباغتة اين؟ اين انا الآن؟ في اي موضع الآن؟، لا اعني الحجرة المحددة التي تؤطر وجودي الآن. استيقظت فيها علي بقايا حلم لا يمكنني الامساك بها، تعيينها. اين من الكون؟ اعني ما يتجاوز الغرفة والبلد والقارة والكوكب، ما حولي يبدو ثابتا مع انه ليس كذلك، يدور حول مركزه، حول الشمس، الشمس حول المجرة، المجرة حول مجرات اخري، دائما يتغير المكان والوقت ومعه حضوري، اين انا اذن؟ اي نقطة بالضبط؟ إلي اي قياس يمكنني ان ارجع؟ من موضعي، من رقادي، لكن هذا غير مايبدو، الظاهر ثبات غير حقيقي في الوقت الذي ارحل فيه حيث لا أدري ولا أعرف. »من نثار المحو« حلم تدخل المحبوبة التي همت بها قدرا غير يسير من الزمان. الصالة لبيتي ولكنها في بيت اخر، تبدو منكسرة، حزينة، تحمل هدايا ملفوفة، توزعها هنا وهناك، تسلمها لاشخاص لا يبدون لي غير ظاهرين، تبتسم امام صورة احد معارفي، تسألني عن ابي، اقول لها ان ابي مفارق، تقعد في ركن بفناء قصر قديم زرته بالبرتغال، تبكي. خوف 5 مرة اخري يباغتني هذا الخوف الغامض، لا وقت محدد، لا مكان بعينه، ثمة شيء مجهول، كامن حيث لا يمكن التحديد أو التعيين، يدفعني إلي الوقوف ان كنت ماشيا، أو الجلوس ان كنت واقفا. اشحذ حواسي لو موشك علي اغفاءه، خوف متجدد، في كل مرة يتخذ مسارب مغايرة واوجه مختلفة، كأنه يدركني اول مرة، رهيفا، حادا كالنصل، غامضا كالنبوءة. » الاسبوع القادم« رد من الدكتور زاهي حواس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر