محلى ابن حزم - المجلد الثالث9
1325 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ , وَلاَ عَلَى صَانِعٍ أَصْلاً , وَلاَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ أَوْ أَضَاعَهُ وَالْقَوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ , فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالتَّعَدِّي , أَوْ الإِضَاعَةِ ضَمِنَ , وَلَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الأُُجْرَةُ فِيمَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَهُ , فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمِلَ مَا يَدَّعِي أَنَّهُ عَمِلَهُ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ فَمَالُ الصَّانِعِ وَالأَجِيرِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ , فَإِنْ اعْتَدَى أَوْ أَضَاعَ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى , وَالإِضَاعَةُ لِمَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ تَعَدٍّ وَهُوَ مُلْزَمٌ حِفْظَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ , لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَحُكْمِهِ عليه السلام بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا أَنْكَرَ , وَمَنْ طُلِبَ بِغَرَامَةِ مَالٍ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ غَرَامَةً فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقًّا فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : لاَ يَضْمَنُ الصَّائِغُ , وَلاَ الْقَصَّارُ , أَوْ قَالَ الْخَيَّاطُ , وَأَشْبَاهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ فِي حَمَّالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ قُلَّةِ عَسَلٍ فَانْكَسَرَتْ قَالَ : لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَضْمَنُ الأَجِيرُ إِلاَّ مِنْ تَضْيِيعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لَيْسَ عَلَى أَجِيرِ الْمُشَاهَرَةِ ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لاَ يَضْمَنُ الْقَصَّارُ إِلاَّ مَا جَنَتْ يَدُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ , وَلاَ يَضْمَنُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَضْمَنُ الْمَلَّاحُ غَرَقًا ، وَلاَ حَرَقًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : إذَا أَفْسَدَ الْقَصَّارُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَانَ لاَ يُضَمِّنُهُ غَرَقًا ، وَلاَ حَرَقًا ، وَلاَ عَدُوًّا مُكَابِرًا. قال أبو محمد : وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا : وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْ الْقَصَّارَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : لاَ يَضْمَنُ الصَّانِعُ إِلاَّ مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ : يَضْمَنُ إذَا ضَيَّعَ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ كَانَ لاَ يُضَمِّنُ أَحَدًا مِنْ الصُّنَّاعِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَزُفَرَ , وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَالْمُزَنِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الصُّنَّاعُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ مَا جَنَوْا وَمَا لَمْ يَجْنُوا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ يَعْنِي : مَنْ عَمِلَ بِيَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُضَمِّنُ الأَجِيرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ , وَالصَّوَّاغَ , وَقَالَ : لاَ يُصْلِحُ النَّاسَ إِلاَّ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَمَّنَ نَجَّارًا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ تَضْمِينُ الأَجِيرِ وَالْقَصَّارِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا تَضْمِينُ الصُّنَّاعِ وَكَذَلِكَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ كُلَّ أَجِيرٍ حَتَّى صَاحِبَ الْفُنْدُقِ الَّذِي يَحْبِسُ لِلنَّاسِ دَوَابَّهُمْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى إنَّهُ يُضَمِّنُ صَاحِبَ السَّفِينَةِ إذَا عَطِبَتْ الأَمْتِعَةُ الَّتِي تَلِفَتْ فِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَضْمَنُ كُلُّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا وَرُوِيَ ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ الْعَامُّ وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الأَعْمَالِ , وَلاَ يَضْمَنُ الْخَاصُّ , وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَّةٍ مَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رُوِيَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ يَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ , وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ لاَ يَضْمَنُ الْخَاصُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا غَابَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَلِفَ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلاَ يَضْمَنُ , وَلاَ يَضْمَنُ مَا ظَهَرَ أَصْلاً , إِلاَّ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَعَدَّى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ وَجْهَ لَهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ. . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَضَمَّنُوا الْوَدَائِعَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ , فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَمَّنَهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَأَيْضًا فَمَنْ جَعَلَ الْمُسْتَصْنِعِينَ أَوْلَى بِالأَحْتِيَاطِ لَهُمْ مِنْ الصُّنَّاعِ وَالْكُلُّ مُسْلِمُونَ , وَلَوْ عَكَسَ عَاكِسٌ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ لَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَضْلٌ كَمَنْ قَالَ : بَلْ أَضْمَنُ مَا ظَهَرَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَتَعَدِّيهِ , وَلاَ أَضْمَنُ مَا بَطَنَ إِلاَّ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ بِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ تَعَدِّيهِ , بَلْ لَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحْوَطُ فِي النَّظَرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ رضي الله عنهم , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ : وَجَدْنَا مَا يَدْفَعُهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلاَثَةً لاَ رَابِعَ لَهَا : فَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَحْدَهُ لاَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْوَدِيعَةِ , فَوَجَبَ رَدُّ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا إلَيْهَا. وَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْقِرَاضِ , فَوَجَبَ رَدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرَّهْنُ , وَمَا دُفِعَ إلَى الصُّنَّاعِ. وَقِسْمٌ ثَالِثٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَحْدَهُ فَقَدْ اتَّفَقْنَا فِي بَعْضِهِ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَالْقَرْضِ , فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ مِثْلَهُ. قال أبو محمد : لَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا , وَلَكِنَّهُمْ لاَ الآثَارَ اتَّبَعُوا , وَلاَ الْقِيَاسَ عَرَفُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1326 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ إِلاَّ بِمَضْمُونٍ مُسَمًّى مَحْدُودٍ فِي الذِّمَّةِ , أَوْ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مَعْرُوفَةِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ t وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد : وقال مالك : يَجُوزُ كِرَاءُ الأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : كُنْت أَجِيرًا لأَبْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي , وَعُقْبَةِ رِجْلِي. قال أبو محمد : قَدْ يَكُونُ هَذَا تَكَارُمًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ لاَزِمٍ وَأَمَّا الْعُقُودُ الْمَقْضِيُّ بِهَا فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بِمَعْلُومٍ , وَالطَّعَامُ يَخْتَلِفُ : فَمِنْهُ اللَّيِّنُ , وَمِنْهُ الْخَشِنُ وَمِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ وَيَخْتَلِفُ الأُُدْمُ , وَتَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الأَكْلِ اخْتِلاَفًا مُتَفَاوِتًا فَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّتْ " الإِجَارَةُ " بِحَمْدِ اللَّهِ
- * *
بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الْجُعْلِ فِي الآبِقِ وَغَيْرِهِ
1327 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْجُعْلِ عَلَى أَحَدٍ , فَمَنْ قَالَ لأَخَرَ : إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الآبِقِ فَلَكَ عَلَيَّ دِينَارٌ , أَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلَكَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ , أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَجَاءَهُ بِذَلِكَ أَوْ هَتَفَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ : مَنْ جَاءَنِي بِكَذَا فَلَهُ كَذَا , فَجَاءَهُ بِهِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ , وَيُسْتَحَبُّ لَوْ وَفَّى بِوَعْدِهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَهُ بِآبِقٍ , فَلاَ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ عَرَفَ بِالْمَجِيءِ بِالإِبَاقِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلك , إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى طَلَبِهِ مُدَّةً مَعْرُوفَةً , أَوْ لِيَأْتِيَهُ بِهِ مِنْ مَكَان مَعْرُوفٍ , فَيَجِبُ لَهُ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ. وَأَوْجَبَ قَوْمٌ الْجُعْلَ وَأَلْزَمُوهُ الْجَاعِلَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. وَبِقَوْلِ يُوسُفَ r وَخَدَمَتُهُ عَنْهُ : قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ. وَبِحَدِيثِ الَّذِي رَقَى عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " الإِجَارَاتِ " فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ : أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ فِي دَمِهِ , وَلاَ فِي مَالِهِ , وَلاَ فِي عِرْضِهِ , وَلاَ فِي بَشَرَتِهِ عَقْدًا , وَلاَ أَنْ يَلْتَزِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا , إِلاَّ مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِهِ بِاسْمِهِ , أَوْ بِإِبَاحَتِهِ بِاسْمِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا إنَّمَا هِيَ الْعُقُودُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِأَسْمَائِهَا , وَأَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهَا فَحَرَامٌ عَقْدُهُ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا وَلَمْ يَقُلْ : إنْ شَاءَ اللَّهُ , فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِذَا خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمْهُ عَقْدٌ خَالَفَ فِيهِ أَمْرَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ , بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَإِنْ قَالَ : إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ , فَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا عِلْمَ ضَرُورَةٍ إذْ قَدْ عَقَدَ ذَلِكَ الْعَقْدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لَمْ يُنَفِّذْهُ ، وَلاَ فَعَلَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْهُ , إذْ لَوْ شَاءَهُ اللَّهُ لاََنْفَذَهُ وَأَتَمَّهُ , فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا الْتَزَمَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ إنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْفَذَهُ وَأَتَمَّهُ وَإِلَّا فَلاَ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لاَ يَرَوْنَ جَمِيعَ الْعُقُودِ لاَزِمَةً , وَلاَ يَأْخُذُونَ بِعُمُومِ الآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا , بَلْ يَقُولُونَ فِيمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَصْبُغَ ثَوْبَهُ أَصْفَرَ , أَوْ أَنْ يَمْشِيَ إلَى السُّوقِ , أَوْ نَحْوَ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ , فَقَدْ نَقَضُوا احْتِجَاجَهُمْ بِعُمُومِهَا , وَلَزِمَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْحَدِّ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ مَا يَلْزَمُونَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَبَيْنَ مَا لاَ يَلْزَمُونَهُ , وَبِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْحَدِّ , وَذَلِكَ الْفَرْقُ وَإِلَّا فَقَوْلُهُمْ مَرْدُودٌ , لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَالْعَجَبُ : أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ : إنْ وَكَّدَ كُلَّ عَقْدٍ عَقَدَهُ بِيَمِينٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ , وَإِنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَقَطْ , ثُمَّ يُلْزِمُونَهُ إيَّاهُ إذَا لَمْ يُؤَكِّدْهُ , فَتَرَاهُمْ كُلَّمَا أَكَّدَ الْعَاقِدُ عَقْدَهُ انْحَلَّ عَنْهُ , وَإِذَا يُؤَكِّدُهُ لَزِمَهُ , وَهَذَا مَعْكُوسٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ عليه السلام فَلاَ يَلْزَمُ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لاَ تَلْزَمُنَا , قَالَ تَعَالَى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ , فَذَكَرَ عليه السلام مِنْهَا : وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَقَالَ عليه السلام أَيْضًا : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي فَذَكَرَ عليه السلام مِنْهَا : وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ , وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَلَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا , وَإِذْ لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلاَ يَلْزَمُنَا شَرْعٌ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا الإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ تَعَالَى , وَأَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ لاَزِمٌ لِمَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذِهِ الآيَةِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا ; لأََنَّهُمْ لاَ يُلْزِمُونَ مَنْ قَالَ : لِمَنْ جَاءَنِي بِكَذَا حِمْلُ بَعِيرٍ الْوَفَاءَ بِمَا قَالَ لأََنَّ هَذَا الْحِمْلَ لاَ يُدْرَى مِمَّ هُوَ أَمِنْ اللُّؤْلُؤِ , أَوْ مِنْ ذَهَبٍ , أَوْ مِنْ رَمَادٍ , أَوْ مِنْ تُرَابٍ ، وَلاَ أَيُّ الْبُعْرَانِ هُوَ وَمِنْ الْبُعْرَانِ الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ يَسْتَقِلُّ بِعِشْرِينَ صَاعًا , وَمِنْهُمْ الْقَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِثَلاَثِمِائَةِ صَاعٍ , وَلاَ أَشَدَّ مُجَاهِرَةً بِالْبَاطِلِ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ قَطُّ ذَلِكَ الأَصْلَ. وَأَيْضًا : فَحَتَّى لَوْ كَانَ فِي شَرِيعَتِنَا لَمَا كَانَ حُجَّةً عَلَيْنَا ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إلْزَامُ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ جُعِلَ ذَلِكَ الْجُعْلُ فَقَطْ , وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا خَالَفْنَاهُمْ فِيهِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَتَيْنِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ r فِي حَدِيثِ الرَّاقِي فَصَحِيحٌ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ إبَاحَةُ أَخْذِ مَا أَعْطَى الْجَاعِلَ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ , وَهَكَذَا نَقُولُ , وَلَيْسَ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْجَاعِلِ بِمَا جَعَلَ إنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : إنَّهُ وَعْدٌ. قلنا : قَدْ تَكَلَّمْنَا فِي الْوَعْدِ وَالإِخْلاَفِ فِي آخِرِ " كِتَابِ النُّذُورِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَكَلاَمُنَا هَهُنَا فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَعْدٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ , وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ بِالْوَاجِبِ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ , وَلاَ يُلْزِمُ أَحَدًا مَا الْتَزَمَهُ , لَكِنْ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ سَوَاءٌ الْتَزَمَهُ الْمَرْءُ أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ الْمُلْزِمِينَ الْوَفَاءَ بِالْجُعْلِ يَقُولُونَ : إنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ ذَلِكَ الْجُعْلُ , وَهُمْ بِزَعْمِهِمْ أَصْحَابُ أُصُولٍ يَرُدُّونَ إلَيْهَا فُرُوعَهُمْ فَفِي أَيِّ الأُُصُولِ وَجَدُوا عَقْدًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ , أَوْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا ، وَلاَ يَلْزَمُ الآخَرُ. وقال مالك : مَا جَاءَ بِالآبِقِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِطَلَبِ الإِبَاقِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لَهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِ الْمَوْضِعِ وَبُعْدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُهُ ، وَلاَ عَمَلُهُ , فَلاَ جُعْلَ لَهُ , لَكِنْ يُعْطَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَقَطْ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَجِبُ الْجُعَلُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ فِي رَدِّ الآبِقِ فَقَطْ الْعَبْدُ وَالأَمَةُ سَوَاءٌ فَمَنْ رَدَّ آبِقًا , أَوْ آبِقَةً مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا , فَإِنْ رَدَّهُمَا مَنْ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ رُضِخَ لَهُ , وَلاَ يَبْلُغُ بِذَلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , فَإِنْ جَاءَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا , وَهُوَ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَقَلَّ نَقْصٍ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ , فَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ , قَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ إِلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً ; لأََنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مَا لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ بِلاَ بُرْهَانٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَانَ بَنَّاءً فَمَرَّ عَلَى حَائِطٍ مَائِلٍ فَأَصْلَحَهُ وَبَنَاهُ : أَنَّ لَهُ أُجْرَةً عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَّاءً وَبَنَاهُ فَلاَ أَجْرَ لَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَجَ غَزْلاً لأَخَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ , فَإِنْ كَانَ نَسَّاجًا فَلَهُ الأُُجْرَةُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسَّاجًا فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ وَالْبَابُ يَتَّسِعُ هَهُنَا جِدًّا , فأما أَنْ يَتَزَيَّدُوا مِنْ التَّحَكُّمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ , وَأَمَّا أَنْ يَتَنَاقَضُوا , لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ : فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ ; لأََنَّهُمْ حَدُّوا حَدًّا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ , وَلاَ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ يُعْقَلُ. ثُمَّ فِيهِ مِنْ التَّخَاذُلِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ , وَهُمْ قَدْ قَالُوا : مَنْ قَتَلَ جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا , أَوْ أَقَلَّ إلَى خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلاَّ خَمْسَةُ آلاَفٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا يُسَاوِي عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا , أَوْ أَقَلَّ إلَى عَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلاَّ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. ثُمَّ سَوَّوْا فِي جُعْلِ الآبِقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ , وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ دِرْهَمًا مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُسَاوِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , فَهَلاَّ أَسْقَطَ مِنْ ثَمَنِ الذَّكَرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ ثَمَنِ الأَمَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَمَا فَعَلَ فِي الْقَتْلِ أَوْ هَلَّا أَسْقَطَ هُنَالِكَ دِرْهَمًا كَمَا أَسْقَطَ هُنَا وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ قَصَدُوا إلَى الدِّرْهَمِ وَلَعَلَّهُ بَغْلِيٌّ أَيْضًا كَاَلَّذِي حَدَّ بِهِ النَّجَاسَاتِ , وَهَلَّا حَدَّ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِرُبُعِ دِرْهَمٍ أَوْ بِفَلْسٍ ثُمَّ إيجَابُ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي جُعْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إِلاَّ دِرْهَمًا فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ أَضَلُّ طَرِيقَةً , أَوْ أَبْعَدُ ، عَنِ الْحَقِيقَةِ , أَوْ أَقَلُّ مُرَاقَبَةً مِمَّنْ يُعَارِضُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْمُصَرَّاةِ فِي أَنْ تُرَدَّ وَصَاعِ تَمْرٍ لِحَمَاقَتِهِمْ وَآرَائِهِمْ الْمُنْتِنَةِ فَقَالُوا : أَرَأَيْت إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِنِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ ثُمَّ يُوجِبُ مِثْلَ هَذَا فِي الْجُعْلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ فِيهِ سُنَّةٌ قَطُّ. وَهَلَّا إذْ حَمَّقُوا هَهُنَا قَالُوا فِي الْمُصَرَّاةِ : يَرُدُّهَا وَقِيمَتَهَا مِنْ صَاعِ تَمْرٍ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ إِلاَّ تَمْرَتَيْنِ , أَوْ إِلاَّ نِصْفَ مُدٍّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ مَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ أَثَرًا مُرْسَلاً , وَرِوَايَاتٍ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ , بَلْ خَالَفُوا الأَثَرَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ , وَخَالَفُوا كُلَّ رِوَايَةٍ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ ، عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأعجب شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفُوهُ , وَمَنْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ كَفَرَ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأََصْحَابِ السَّعِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى الأُُمَّةِ كُلِّهَا , وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَوْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالاَ جَمِيعًا : مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ النَّبِيَّ r قَضَى فِي الْعَبْدِ الآبِقِ يُوجَدُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالاَ جَمِيعًا : جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الآبِقِ إذَا جِيءَ بِهِ خَارِجَ الْحَرَمِ دِينَارًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَضَى النَّبِيُّ r فِي الآبِقِ يُوجَدُ فِي الْحَرَمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الطَّائِفَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ , وَلاَ مُرْسَلَ أَصَحَّ مِنْ هَذَا ; لأََنَّ عَمْرًا , وَعَطَاءً , وَابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ ثِقَاتٌ أَئِمَّةٌ نُجُومٌ , وَكُلُّهُمْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ , فَعَطَاءٌ أَدْرَكَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَصَحِبَهَا فَمَنْ دُونَهَا ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنَ عُمَرَ , وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ , وَابْنَ الزُّبَيْرِ , وَسَمِعَ مِنْهُمْ وَجَالَسَهُمْ. وَعَمْرٌو أَدْرَكَ جَابِرًا , وَابْنَ عَبَّاسٍ وَصَحِبَهُمَا , لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا لاَ نُبَالِي أَيَّهُمَا كَانَا أَنَّهُمَا مَا زَالاَ يَسْمَعَانِ ذَلِكَ. فَهَانَ عِنْدَ هَؤُلاَءِ مُخَالَفَةُ كُلِّ ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِخَطَأِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَسَهُلَ عِنْدَهُمْ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِتَقْلِيدِ رِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ : الْبَيْعُ ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ وَسَائِرُ الْمُرْسَلاَتِ الْوَاهِيَةِ إذَا وَافَقَتْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ فِي دِينِهِ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَيُّوبَ أَبِي الْعَلاَءِ ، عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ , كِلاَهُمَا قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي جُعْلِ الآبِقِ إذَا أُصِيبَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , فَإِنْ أُصِيبَ فِي الْمِصْرِ فَعِشْرِينَ دِرْهَمًا , أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جُعْلِ الآبِقِ دِينَارٌ , أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي جُعْلِ الآبِقِ دِينَارٌ , أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ : إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : أُعْطِيت الْجُعَلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَضَى بِذَلِكَ , وَلاَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ ، وَلاَ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ , وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ , وَلاَ يُدْرَى فِي أَيِّ شَيْءٍ , فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا أَصْلاً وَلَعَلَّهُ أَعْطَاهُ فِي جُعْلٍ شَرْطِيٍّ وَكَّلَهُ عَلَيْهِ زِيَادٌ ظُلْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ رَبَاحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ : أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بِإِبَاقٍ , أَوْ بِآبِقٍ فَقَالَ : الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ قُلْت : هَذَا الأَجْرُ , فَمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ : مِنْ كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ : أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ آبِقًا بِعَيْنِ التَّمْرِ فَجَاءَ بِهِ فَجَعَلَ فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ ، عَنْ جُعْلِ الآبِقِ فَقَالَ : إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْكُوفَةِ فَأَرْبَعِينَ , وَإِذَا كَانَ بِالْكُوفَةِ فَعَشَرَةً هَذَا كُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لأََبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ , وَلَمْ يَحِدَّ ابْنُ مَسْعُودٍ , وَلاَ أَحَدٌ قَبْلَهُ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , ثُمَّ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ. أَمَّا ، عَنْ عُمَرَ فَأَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ مُنْقَطِعٌ , وَالأُُخْرَى , وَاَلَّتِي ، عَنْ عَلِيٍّ , فَكِلاَهُمَا ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ وَاَلَّتِي ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ شَيْخٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ : فَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ , وَزِيَادٍ : أَنَّ الآبِقَ إنْ وُجِدَ فِي الْمِصْرِ فَجُعْلُ وَاجِدِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ . وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي جُعْلِ الآبِقِ إذْ أُخِذَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الآبِقِ فِي يَوْمٍ دِينَارًا , وَفِي يَوْمَيْنِ دِينَارَيْنِ , وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ , فَمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : جُعْلُ الآبِقِ قَدْ كَانَ يُجْعَلُ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهَذَا عُمُومٌ , وَخِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ وَقَدْ جَاءَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ خِلاَفُ هَذَا , وَمِثْلُ قَوْلِنَا. وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : إنْ وُجِدَ فِي الْمِصْرِ فَلاَ شَيْءَ , وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قال أبو محمد : فَهُمْ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَصِحَّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ , وَهُمْ أَيْضًا مُخْتَلِفُونَ , وَهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفُونَ , فَلَمْ يَسْتَحِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ دَعْوَى الإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى جُعْلِ الآبِقِ , وَلَمْ يَصِحَّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطُّ ، وَلاَ جَاءَ إِلاَّ ، عَنْ ثَلاَثَةٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا , وَقَدْ خَالَفُوهُمْ مَعَ ذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إجْمَاعًا إجْمَاعُهُمْ بِيَقِينٍ عَلَى الْمُسَاقَاةِ " فِي خَيْبَرَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ , وَقَدْ اتَّفَقُوا بِلاَ شَكٍّ , عَلَى ذَلِكَ عَصْرُ النَّبِيِّ r وَعَصْرُ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ رضي الله عنهم , وَلاَ بَالَوْا بِمُخَالَفَةِ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم : صَحَّ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ مِنْ اللَّطْمَةِ , وَمِنْ ضَرْبَةٍ بِالسَّوْطِ , وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ , وَالْعِمَامَةِ , وَغَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَدْ رُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا كُلِّهِ ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الإِبَاقِ قَالَ : الْمُسْلِمُونَ يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْمُسْلِمُ يَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ : يَعْنِي فِي الآبِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ فِي الآبِقِ : الْمُسْلِمُ يَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ : لاَ جُعْلَ فِي الآبِقِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، هُوَ ابْنُ كَدَّامٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ : أَيُجْتَعَلُ فِي الآبِقِ قَالَ : نَعَمْ , قُلْت : الْحُرُّ قَالَ : لاَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : إنْ لَمْ يُعْطِهِ جُعْلاً فَلْيُرْسِلْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهُ. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ حِفْظَ مَالِ أَخِيهِ إذَا وَجَدَهُ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَلاَ شَيْءَ لِمَنْ أَتَى بِآبِقٍ ; لأََنَّهُ فَعَلَ فِعْلاً هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ , كَالصَّلاَةِ , وَالصِّيَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ لَكَانَ حَسَنًا , وَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ يُرَتِّبُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَطَاهُ لَكَانَ حَسَنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْجُعْلِ " بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ ].
- * *
كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُغَارَسَةِ 1328 - مَسْأَلَةٌ : الإِكْثَارُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ حَسَنٌ وَأَجْرٌ , مَا لَمْ يُشْغِلْ ذَلِكَ ، عَنِ الْجِهَادِ وَسَوَاءٌ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ , أَوْ الأَرْضِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا , أَوْ أَرْضِ الصُّلْحِ , أَوْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ الْمَقْسُومَةِ عَلَى أَهْلِهَا أَوْ الْمَوْقُوفَةِ بِطِيبِ الأَنْفُسِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَائِرٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِهِ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَكَرِهَ مَالِكٌ الزَّرْعَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَطَأٌ , وَتَفْرِيقٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَاحْتَجَّ لِهَذَا بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ رَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلاَّ دَخَلَهُ الذُّلُّ. قال أبو محمد : لَمْ تَزَلْ الأَنْصَارُ كُلُّهُمْ , وَكُلُّ مَنْ قَسَّمَ لَهُ النَّبِيُّ r أَرْضًا مِنْ فُتُوحِ بَنِي قُرَيْظَةَ , وَمَنْ أَقْطَعَهُ أَرْضًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَزْرَعُونَ وَيَغْرِسُونَ بِحَضْرَتِهِ r وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ , وَعُمَانَ , وَالْيَمَنِ , وَالطَّائِفِ , فَمَا حَضَّ عليه السلام قَطُّ عَلَى تَرْكِهِ. وهذا الخبر عُمُومٌ كَمَا تَرَى لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَ أَهْلِ بِلاَدِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ بِلاَدِ الْعَرَبِ , وَكَلاَمُهُ عليه السلام لاَ يَتَنَاقَضُ. فَصَحَّ أَنَّ الزَّرْعَ الْمَذْمُومَ الَّذِي يُدْخِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهِ الذُّلَّ هُوَ مَا تُشُوغِلَ بِهِ ، عَنِ الْجِهَادِ , وَهُوَ غَيْرُ الزَّرْعِ الَّذِي يُؤَجِّرُ صَاحِبَهُ , وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنُهُ وَمَذْمُومُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ إذْ السُّنَنُ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ زَرَعُوا بِالشَّامِ , فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , فَأَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَقَدْ ابْيَضَّ , فَأُحْرِقَ , وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَلَّى حَرْقَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْمُرَادِيِّ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الْمَرَادِيِّ : لاَ آذَنُ لَك بِالزَّرْعِ إِلاَّ أَنْ تُقِرَّ بِالذُّلِّ , وَأَمْحُو اسْمَك مِنْ الْعَطَاءِ ، وَأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنْ زَرَعَ وَاتَّبَعَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَعَلْت عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ. قال أبو محمد : هَذَا مُرْسَلٌ , وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ , وَيُعِيذُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ يُحْرِقَ زُرُوعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُفْسِدَ أَمْوَالَهُمْ , وَمِنْ أَنْ يَضْرِبَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا , وَهُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ 1329 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَجُوزُ كِرَاءُ الأَرْضِ بِشَيْءٍ أَصْلاً لاَ بِدَنَانِيرَ , وَلاَ بِدَرَاهِمَ , وَلاَ بِعَرْضٍ , وَلاَ بِطَعَامِ مُسَمًّى , وَلاَ بِشَيْءٍ أَصْلاً. ، وَلاَ يَحِلُّ فِي زَرْعِ الأَرْضِ إِلاَّ أَحَدُ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَرْءُ بِآلَتِهِ وَأَعْوَانِهِ وَبَذْرِهِ وَحَيَوَانِهِ. وَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ زَرْعَهَا ، وَلاَ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الآلَةِ وَالْحَيَوَانِ , وَالْبَذْرِ , وَالأَعْوَانِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِلأَرْضِ كِرَاءً فَحَسَنُ. وَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ لِمَنْ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَعْوَانِهِ وَآلَتِهِ بِجُزْءٍ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ مِمَّا يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا مُسَمًّى , إمَّا نِصْفٌ , وَأَمَّا ثُلُثٌ , أَوْ رُبُعٌ , أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ , وَلاَ يُشْتَرَطُ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ أَلْبَتَّةَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ , وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلزَّارِعِ قَلَّ مَا أَصَابَ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فَلاَ شَيْءَ لَهُ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , فَهَذِهِ الْوُجُوهُ جَائِزَةٌ , فَمَنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ رَافِعٍ ، عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ قَالَ : فَذَهَبَ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَافِعٌ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ الْحَذَّاءُ ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ، هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ , فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ قَالَ : وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. فَهَؤُلاَءِ شَيْخَانِ بَدْرِيَّانِ , وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ , وَجَابِرٌ , وَأَبُو سَعِيدٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ عُمَرَ كُلُّهُمْ يَرْوِي ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام النَّهْيَ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً , وَأَنَّهُ لَيْسَ إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا غَيْرَهُ أَوْ يَمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ , فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ الْمُتَيَقَّنِ فَأَخَذَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرًا ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : كُنَّا نُكْرِي أَرْضَنَا , ثُمَّ تَرَكْنَا ذَلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَرَأْت عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ قُلْت : أُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي شُجَاعٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ : إنِّي يَتِيمٌ فِي حِجْرِ جَدِّي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , وَحَجَجْت مَعَهُ , فَجَاءَهُ أَخِي عِمْرَانُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : أَكْرَيْنَا أَرْضَنَا فُلاَنَةَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ : دَعْهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ r نَهَى ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ وَعَنْ عَمِّي رَافِعٍ نَحْوُهُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : لاَ يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ إِلاَّ أَرْضٌ تُمَلَّكُ رَقَبَتُهَا , أَوْ أَرْضٌ يَمْنَحُكَهَا رَجُلٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَةَ الأَرْضِ. وبه إلى وَكِيعٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ , وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ يَصْلُحُ كِرَاءُ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قال أبو محمد : فَأَفْتَى مَنْ اسْتَفْتَاهُ بِالنَّهْيِ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وبه إلى إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ : كَانَ عَطَاءٌ , وَمَكْحُولٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُونَ : لاَ تَصْلُحُ الأَرْضُ الْبَيْضَاءُ بِالدَّرَاهِمِ ، وَلاَ بِالدَّنَانِيرِ ، وَلاَ مُعَامَلَةً إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ يَمْنَحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الزَّرْعَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي وَلَقَدْ كُنْت مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ السَّوَادِ ضَيْعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي ، وَلاَ بُدَّ ضَرُورَةً أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ إجَارَةَ الأَرْضِ جُمْلَةً. فَهَؤُلاَءِ : عَطَاءٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَمَسْرُوقٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنُ , وَابْنُ سِيرِينَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , كُلُّهُمْ , لاَ يَرَى كِرَاءَ الأَرْضِ أَصْلاً لاَ بِدَنَانِيرَ ، وَلاَ بِدَرَاهِمَ , وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً , ثُمَّ وَجَدْنَا قَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ ، هُوَ ابْنُ أَسْمَاءَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَعْطَى النَّبِيُّ r خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ r نِصْفُ ثَمَرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودِ عَنْهَا , فَسَأَلُوهُ عليه السلام أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r : نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجَلاَهُمْ عُمَرُ. فَفِي هَذَا أَنَّ آخِرَ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى أَنْ مَاتَ كَانَ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الزَّرْعِ وَمِنْ الثَّمَرِ وَمِنْ الشَّجَرِ , وَعَلَى هَذَا مَضَى أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ ج, وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَعَهُمْ , فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ أَنْ تُكْرَى الأَرْضُ أَوْ يُؤْخَذُ لَهَا أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ , وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ ، عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ; لأََنَّ النَّهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ , فَلَوْلاَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَقُلْنَا : لَيْسَ نَسْخًا , لَكِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ , وَلَوْلاَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَاتَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لَمَا قَطَعْنَا بِالنَّسْخِ , لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ عليه السلام. فَصَحَّ أَنَّهُ نَسْخٌ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ , وَبَقِيَ النَّهْيُ ، عَنِ الإِجَارَةِ جُمْلَةً بِحَسَبِهِ , إذْ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ ، وَلاَ يُخَصِّصُهُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ , أَوْ الظَّنِّ السَّاقِطِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الدِّينِ. فإن قيل : إنَّمَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ , وَعَنْ أَنْ تُكْرَى بِثُلُثٍ أَوْ بِرُبُعٍ , وَصَحَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ بِالنِّصْفِ فَأَجِيزُوا إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ خَاصَّةً وَامْنَعُوا مِنْ إعْطَائِهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قلنا : لاَ يَجُوزُ هَذَا ; لأََنَّهُ إذَا أَبَاحَ عليه السلام إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ لَهُمْ وَالنِّصْفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهُ عليه السلام , فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ , وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الثُّلُثَ , وَالرُّبُعَ , وَمَا دُونَ ذَلِكَ , وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الأَجْزَاءِ مِمَّا دُونَ النِّصْفِ دَاخِلٌ فِي النِّصْفِ , فَقَدْ أَعْطَاهَا عليه السلام بِالرُّبُعِ وَزِيَادَةٍ وَبِالثُّلُثِ وَزِيَادَةٍ.فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَمِمَّنْ أَجَازَ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَائِدَةَ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ r أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : عَامَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَى إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حُصَيْرَةَ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ صُلَيْعٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَخَذْت أَرْضًا بِالنِّصْفِ أَكْرِي أَنْهَارَهَا وَأُصْلِحُهَا وَأَعْمُرُهَا قَالَ عَلِيٌّ : لاَ بَأْسَ بِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : كِرَاءُ الأَنْهَارِ هُوَ حَفْرُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُوسًا يَقُولُ : قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَعْطَى الأَرْضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ , فَنَحْنُ نَعْمَلُهَا إلَى الْيَوْمِ. قال أبو محمد : مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَمُعَاذٌ بِالْيَمَنِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ , وَهَذَا عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ رُجُوعَهُ ، عَنْ إبَاحَةِ كِرَاءِ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ فَقُلْت : أَرْضٌ تَقَبَّلْتهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْرٌ جَارٍ ، وَلاَ نَبَاتٌ عَشْرَ سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ كَرَيْت أَنْهَارَهَا , وَعَمَّرْت فِيهَا قُرَاهَا , وَأَنْفَقْت فِيهَا نَفَقَةً كَثِيرَةً , وَزَرَعْتهَا لَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ رَأْسَ مَالِي زَرَعْتهَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأُضْعِفُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لاَ يَصْلُحُ لَك إِلاَّ رَأْسُ مَالِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , وَأَبُو الأَحْوَصِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قُلْت لأَبْنِ عُمَرَ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ , وَمَاءٌ , لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ , وَلاَ بَقَرٌ , فَأَعْطَانِي أَرْضَهُ بِالنِّصْفِ , فَزَرَعْتهَا بِبَذْرِي وَبَقَرِي , ثُمَّ قَاسَمْته قَالَ : حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ مِثْلُهُ أَيْضًا فَهَذَانِ إسْنَادَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يُجِزْهُ ، وَلاَ أَجَازَ مَا أَصَابَ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا أَنْفَقَ , وَسَأَلَهُ ، عَنْ أَخْذِهَا بِالنِّصْفِ مِمَّا يَخْرُجُ فِيهَا , لاَ يَجْعَلُ صَاحِبُهَا فِيهَا لاَ بَذْرًا ، وَلاَ عَمَلاً وَيَكُونُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَالْبَذْرُ فَأَجَازَهُ وَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ , وَأَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي الأَحْوَصِ وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ شَاهَدَ جَارَيْهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ : أَنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ , وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ , وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانُوا يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ الْبَيَاضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. فَهَؤُلاَءِ أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَسَعْدٌ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَخَبَّابٌ , وَحُذَيْفَةُ , وَمُعَاذٌ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنِ الأَرْضِ تُعْطَى بِالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ نَهْيَهُ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا لاَ يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثُّلُثَ , أَوْ الرُّبُعَ , وَالْعُشْرَ , وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : كَانَ طَاوُوس يَكْرَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَلاَ يَرَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَأْسًا وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ : أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ , وَابْنَ سِيرِينَ كَانَا لاَ يَرَيَانِ بَأْسًا بِالإِجَارَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ يَعْنِي فِي الأَرْضِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَهْيَ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَوْلُهُ هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ : أَنْ أَعْطُوا الأَرْضَ عَلَى الرُّبُعِ , وَالثُّلُثِ , وَالْخُمُسِ , إلَى الْعُشْرِ , وَلاَ تَدَعُوا الأَرْضَ خَرَابًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَفْصٌ : عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ : عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى , وَخَالِدٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ الأَرْضِ بِالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى قَالَ : كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى أَرْضٌ بِالْفَوَّارَةِ فَكَانَ يَدْفَعُهَا بِالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ فَيُرْسِلُنِي فَأُقَاسِمُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ ، عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلاَّ وَهُمْ يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : آلُ أَبِي بَكْرٍ , وَآلُ عُمَرَ , وَآلُ عَلِيٍّ يَدْفَعُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ , أَوْ الرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كُنْت أُزَارِعُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَحْمِلُهُ إلَى عَلْقَمَةَ , وَالأَسْوَدِ , فَلَوْ رَأَيَا بِهِ بَأْسًا لَنَهَيَانِي عَنْهُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ , وَمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا ، عَنِ اللَّيْثِ , وَأَجَازَهَا أَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ إِلاَّ أَنَّهُمَا قَالاَ : إنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الأَرْضِ وَإِنَّمَا عَلَى الْعَامِلِ الْبَقَرُ , وَالآلَةُ , وَالْعَمَلُ وَأَجَازَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , وَلَمْ يُبَالِ مَنْ جَعَلَ الْبَذْرَ مِنْهُمَا. قال أبو محمد : فِي اشْتِرَاطِ النَّبِيِّ r عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ : بَيَانٌ أَنَّ الْبَذْرَ وَالنَّفَقَةَ كُلُّهَا عَلَى الْعَامِلِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ , فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَرْضِ بِأَنْ يُقْرِضَ الْعَامِلَ الْبَذْرَ , أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَا يَبْتَاعُ بِهِ الْبَقَرَ , أَوْ الآلَةَ , أَوْ مَا يَتَّسِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ ; لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ , وَالْقَرْضُ أَجْرٌ وَبِرٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , وَزُفَرُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ عَلَى جَوَازِ كِرَاءِ الأَرْضِ , وَاخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا , وَفِي الْمُزَارَعَةِ فَأَجَازَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَا مَالِكًا وَحْدَهُ كِرَاءَ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَبِالطَّعَامِ الْمُسَمَّى كَيْلُهُ فِي الذِّمَّةِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْرُجُهُ تِلْكَ الأَرْضُ وَبِالْعُرُوضِ كُلِّهَا. وقال مالك بِمِثْلِ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا , وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ , وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا : كَالْعَسَلِ , وَالْمِلْحِ , وَالْمُرِّيِّ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَأَجَازَ كِرَاءَهَا بِالْخَشَبِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ نَعْرِفُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ هَذَا مُتَعَلَّقًا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يَعْنِي اسْتِثْنَاءَهُ الْعَسَلَ , وَالْمِلْحَ , وَإِجَازَتَهُ الْخَشَبَ , وَالْحَطَبَ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وقال مالك : لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ الأَرْضُ , إِلاَّ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ وَشَجَرٌ , فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْبَيَاضِ مِنْ الأَرْضِ ثُلُثَ مِقْدَارِ الْجَمِيعِ , وَيَكُونُ السَّوَادُ مِقْدَارَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْجَمِيعِ , فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعْطَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ عَلَى مَا يُعْطَى بِهِ ذَلِكَ السَّوَادُ. وقال الشافعي : لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي خِلاَلِ الشَّجَرِ لاَ يُمْكِنُ سَقْيُهَا ، وَلاَ عَمَلُهَا إِلاَّ بِعَمَلِ الشَّجَرِ وَحَفْرِهَا وَسَقْيِهَا , فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ إعْطَاؤُهَا بِثُلُثٍ , أَوْ رُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ عَلَى مَا تُعْطَى بِهِ الشَّجَرُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد : لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلاَّ أَنْ تُعْطَى هِيَ وَالشَّجَرُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ. قال أبو محمد : حُجَّةُ جَمِيعِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ r عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِالنِّصْفِ , وَالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ قَالَ عَلِيٌّ : وَلَسْنَا نُخَارِجُهُمْ الآنَ فِي أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بَلْ يَقُولُ : نَعَمْ , قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ , قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا , فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ وَهَذَا نَهْيٌ ، عَنْ إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا , لَكِنْ فِعْلُهُ عليه السلام فِي خَيْبَرَ هُوَ النَّاسِخُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ. فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَخَالَفَ النَّاسِخَ وَأَخَذَ بِالْمَنْسُوخِ. وَأَمَّا مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : فَحَيَّرَهُمْ فِعْلُ النَّبِيِّ r فِي أَرْضِ خَيْبَرَ فَأَخْرَجُوهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَكُلُّ تِلْكَ الْوُجُوهِ تَحَكُّمٌ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَحْدِيدُ الْبَيَاضِ بِالثُّلُثِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ تَحْدِيدُ ثُلُثٍ , وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وَمِثْلُ هَذَا فِي الدِّينِ لاَ يَجُوزُ. وَيُقَالُ لَهُمْ : مَاذَا تُرِيدُونَ بِالثُّلُثِ أَثُلُثَ الْمِسَاحَةِ أَوْ ثُلُثَ الْغَلَّةِ أَمْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَإِلَى أَيِّ وَجْهٍ مَالُوا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قِيلَ لَهُمْ : وَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ هَذَا الْوَجْهَ دُونَ غَيْرِهِ وَالْغَلَّةُ قَدْ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ , وَالْقِيمَةُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْمِسَاحَةُ فَقَدْ تَكُونُ مِسَاحَةً قَلِيلَةَ أَعْظَمَ غَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ أَضْعَافِهَا. وَأَيْضًا : فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ حَائِطًا وَاحِدًا , وَلاَ مَحْشَرًا وَاحِدًا , وَلاَ قَرْيَةً وَاحِدَةَ , وَلاَ حِصْنًا وَاحِدًا , بَلْ كَانَتْ حُصُونًا كَثِيرَةً بَاقِيَةً إلَى الْيَوْمِ لَمْ تَتَبَدَّلْ مِنْهَا الْوَطِيحُ , وَالسَّلاَلِمُ , وَنَاعِمٌ , وَالْقُمُوصُ , وَالْكَتِيبَةُ , وَالشَّقُّ , وَالنَّطَاةُ , وَغَيْرُهَا وَمَا الظَّنُّ بِبَلَدٍ أَخَذَ فِيهِ الْقِسْمَةَ مِائَتَا فَارِسٍ وَأَضْعَافُهُمْ مِنْ الرِّجَالِ فَتَمَوَّلُوا مِنْهَا وَصَارُوا أَصْحَابَ ضِيَاعٍ فَمِنْ أَيْنَ لِمَالِكٍ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ وَقَدْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ لاَ سَوَادَ فِيهِ , وَسَوَادٌ لاَ بَيَاضَ فِيهِ , وَبَيَاضُ سَوَادٍ , فَمَا جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ تَخْصِيصُ مَا خَصَّهُ. فَإِنْ قَالَ : قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ r الثُّلُثُ , وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. قلنا : نَعَمْ , وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَ قَلِيلاً بِخِلاَفِ الأَثَرِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ وَلِلشَّافِعِيِّ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r إنَّمَا أَعْطَى أَرْضَ خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ; لأََنَّهَا كَانَتْ تَبَعًا لِلسَّوَادِ وَهَلْ يَعْلَمُ هَذَا أَحَدٌ إِلاَّ مَنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِذَلِكَ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَإِلَّا فَهُوَ غَفْلَةٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَقَطْعٌ بِالظَّنِّ وَأَمَّا بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إِلاَّ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِ r . وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَهُوَ أَنَّهُ عليه السلام أَعْطَى أَرْضَهَا بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَأَعْطَى نَخْلَهَا وَثِمَارَهَا كَذَلِكَ , فَنَحْنُ نَقُولُ : هَذَا سُنَّةٌ , وَحَقٌّ أَبَدًا , وَلاَ نَزِيدُ , وَنَعْلَمُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد سَوَاءً بِسَوَاءٍ , وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : الْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ , فَدَلَّ أَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ. قال أبو محمد : وَلَوْ عَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ قَبِيحَ مَا أَتَى بِهِ لاَسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ , وَلَتَقَنَّعَ حَيَاءً مِنْهُ , أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ هَذَا اسْمَهَا قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَنَّ الْمُخَابَرَةَ كَانَتْ تُسَمَّى بِهَذَا الأَسْمِ كَذَلِكَ , وَأَنَّ إعْطَاءَ رَسُولِ اللَّهِ r خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ كَانَ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ عليه السلام , وَاتَّصَلَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام فَكَيْف يَسُوغُ لِذِي عَقْلٍ أَوْ دِينٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ نَهْيَهُ عليه السلام ، عَنِ الْمُخَابَرَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَرَى عَهْدَهُ عليه السلام أَتَانَا مِنْ الآخِرَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَمَّا هَذَا مِنْ السُّخْفِ , وَالتَّلَوُّثِ , وَالْعَارِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ , وَيَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْجُنُونِ فَصَحَّ يَقِينًا كَالشَّمْسِ أَنَّ النَّهْيَ ، عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَعَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِ خَيْبَرَ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلْكِرَاءِ بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا. وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ : سَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ , وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ , فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلاَّ هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فأما شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ , وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ. وَبِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ دِينَارٍ : قُلْت لِطَاوُسٍ : لَوْ تُرِكَتْ الْمُخَابَرَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ r نَهَى عَنْهَا فَمَا يَزْعُمُونَ فَقَالَ لِي طَاوُوس : إنَّ أَعْلَمَهُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَنْهَ عَنْهَا , وَلَكِنْ قَالَ : لاََنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , أَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ , إنَّمَا أَتَاهُ رَجُلاَنِ قَدْ اقْتَتَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلاَ تُكْرُوا الْمَزَارِعَ. قَالَ عَلِيٌّ :. . فَقُلْنَا لَهُمْ : أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَلاَ يَصِحُّ , وَلَكِنَّا نُسَامِحُكُمْ فِيهِ فَنَقُولُ : هَبْكُمْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ فَإِنَّ رَافِعًا لاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ بِمِثْلِ هَذَا , بَلْ نَقُولُ : صَدَقَ زَيْدٌ , وَصَدَقَ رَافِعٌ , وَكِلاَهُمَا أَهْلُ الصِّدْقِ وَالثِّقَةِ , وَإِذْ حَفِظَ زَيْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ رَافِعٌ فَقَدْ سَمِعَ رَافِعٌ أَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى مَا لَمْ يَسْمَعْهُ زَيْدٌ , وَلَيْسَ زَيْدٌ بِأَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِنْ رَافِعٍ , وَلاَ رَافِعٌ أَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِنْ زَيْدٍ , بَلْ كِلاَهُمَا صَادِقٌ. وَقَدْ رَوَى النَّهْيَ ، عَنِ الْكِرَاءِ جُمْلَةً لِلأَرْضِ : جَابِرٌ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَأَبُو سَعِيدٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ زَيْدٍ. ثم نقول لَهُمْ : إنْ غَلَّبْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ ، عَنِ الْكِرَاءِ فَغَلِّبُوهُ عَلَى النَّهْيِ ، عَنِ الْمُخَابَرَةِ , وَلاَ فَرْقَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; لأََنَّهُ يَقُولُ : لَمْ يَنْهَ عَنْهُ النَّبِيُّ r وَيَقُولُ جَابِرٌ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَأَبُو سَعِيدٍ , وَابْنُ عُمَرَ : نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَكُلٌّ صَادِقٌ , وَكُلٌّ إنَّمَا أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ. ، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْمَع النَّهْيَ , وَهَؤُلاَءِ سَمِعُوهُ , فَمَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى , وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ عَلِمَ أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ : لاَ أَعْلَمُ. وَأَمَّا خَبَرُ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ رَافِعٍ , فَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ رَافِعٍ يَعْنِي قَوْلَهُ : وَأَمَّا شَيْءٌ مَضْمُونٌ فَلاَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ ، عَنْ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ , وَرَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ النَّهْيَ ، عَنْ كِرَائِهَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى فَلِمَ أَجَزْتُمُوهُ وَرِوَايَةُ حَنْظَلَةَ ، عَنْ رَافِعٍ شَدِيدَةُ الأَضْطِرَابِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالزَّائِدُ عِلْمًا أَوْلَى. وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَنَافِعٌ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَأَبُو النَّجَاشِيِّ وَغَيْرُهُمْ : النَّهْيَ ، عَنْ كَرْيِ الأَرْضِ جُمْلَةً ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ خِلاَفَ مَا رَوَى عَنْهُ حَنْظَلَةُ , وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ فَالزَّائِدُ أَوْلَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ فَنَعَمْ , هُوَ صَحِيحٌ , وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ r وَخَبَرُ الإِبَاحَةِ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ , وَخَبَرُ النَّهْيِ زَائِدٌ , فَالزَّائِدُ أَوْلَى , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ r حِينَ نَهَى ، عَنِ الْكِرَاءِ فَقَدْ حَرَّمَ مَا كَانَ مُبَاحًا مِنْ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظَّنِّ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الإِبَاحَةَ الَّتِي قَدْ تَيَقَّنَّا بُطْلاَنَهَا قَدْ عَادَتْ فَهُوَ مُبْطِلٌ وَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ , وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ , وَلَيْسَ إِلاَّ تَغْلِيبُ النَّهْيِ , فَبَطَلَ الْكِرَاءُ جُمْلَةً , وَالْمُخَابَرَةُ جُمْلَةً , أَوْ تَغْلِيبُ الإِبَاحَةِ , فَيَثْبُتُ الْكِرَاءُ جُمْلَةً , وَالْمُخَابَرَةُ جُمْلَةً , كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا التَّحَكُّمُ فِي تَغْلِيبِ النَّهْيِ فِي جِهَةٍ , وَتَغْلِيبُ الإِبَاحَةِ فِي أُخْرَى بِلاَ بُرْهَانٍ فَتَحَكُّمُ الصِّبْيَانِ , وَقَوْلٌ لاَ يَحِلُّ فِي الدِّينِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ : فَإِنَّ مُقَلِّدِيهِ احْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ قلنا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إذًا نُكْرِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَبِّ قَالَ : لاَ , قَالَ : نُكْرِيهَا بِالتِّبْنِ فَقَالَ : لاَ : قَالَ : وَكُنَّا نُكْرِيهَا عَلَى الرَّبِيعِ السَّاقِي قَالَ : لاَ , ازْرَعْهَا , أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ. وَبِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ , قَالَ رَافِعٌ : نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَتَقَبَّلَ الأَرْضَ بِبَعْضِ خَرْجِهَا. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ : إنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُمْ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ ، وَلاَ يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ ، وَلاَ بِرُبُعٍ ، وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ : ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ لَبِيبَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ الْمَزَارِعِ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ r مِمَّا يَكُونُ عَلَى السَّوَاقِي مِنْ الزَّرْعِ فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ r يَخْتَصِمُونَ , فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ وَقَالَ : أَكْرُوا بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ , وَالْوَرِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ : كُنَّا نَقُولُ لِلَّذِي نُخَابِرُهُ : لَك هَذِهِ الْقِطْعَةُ وَلَنَا هَذِهِ الْقِطْعَةُ نَزْرَعُهَا فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ ذَلِكَ , فأما بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلاَثَةٌ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. قال أبو محمد : أَمَّا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فَسَنَدُهُ لَيْسَ بِالنَّيِّرِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ لاَ حُجَّةً لَهُمْ ; لأََنَّ الَّذِي فِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَهُوَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً , وَالْمَنْعُ مِنْ غَيْرِ زَرِيعَتِهَا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا , أَوْ مِنْ قِبَلِ مَنْ مَنَحَهَا , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَاهِدٍ ، عَنْ رَافِعٍ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَافِعٍ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا , وَهُوَ خِلاَفٌ لِقَوْلِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ كِرَائِهَا بِالْعَسَلِ , وَالْمِلْحِ , وَلَيْسَا مِمَّا يَخْرُجَانِ مِنْهَا , وَيُجِيزُونَ كِرَاءَهَا بِالْحَطَبِ , وَالْخَشَبِ , وَهُمَا مِنْ بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا , فَقَدْ خَالَفُوهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَزَادُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْرَجُوا مِنْهُ مَا فِيهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّهَبَ , وَالْفِضَّةَ مِنْ بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الأَرْضِ , وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكِرَاءَ بِهِمَا , وَبِالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا مَنَعَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ كِرَائِهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ بِعَيْنِهَا قلنا : هَاتُوا دَلِيلَكُمْ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ , وَإِلَّا فَلَفْظُ الْخَبَرِ عَلَى عُمُومِهِ , فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ جُمْلَةً فِي هَذَا الْخَبَرِ. ثُمَّ أَيْضًا فَنَحْنُ نَقُولُ بِمَا فِيهِ ثُمَّ نَسْتَثْنِي مِنْهُ مَا صَحَّ نَسْخُهُ بِيَقِينٍ مِنْ إعْطَائِنَا الأَرْضَ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُسَمًّى , وَنَمْنَعُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا لاَ لَهُمْ. وَأَمَّا خَبَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : فَعَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّ فِيهِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا فَقَطْ. وَهَكَذَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ عُمُومَتِهِ قَالَ لَهُمْ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نُحَاقِلَ بِالأَرْضِ أَوْ نُكْرِيَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامُ مُسَمًّى , وَأَمَرَ رَبَّ الأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا , أَوْ يُزْرِعَهَا , وَكَرِهَ كِرَاءَهَا , وَمَا سِوَى ذَلِكَ. وَأَمَّا خَبَرُ حَنْظَلَةَ ، عَنْ رَافِعٍ : فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ يَعْنِي قَوْلَهُ : فأما بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَافِعٍ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ قَبْلُ مِنْ نَهْيِهِ r عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَبْطَلَ كِرَاءَ أَرْضِ بَنِي أَبِيهِ بِالدَّرَاهِمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَتِلْكَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَافِعٍ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ غَيْرُ مُضْطَرَبٍ فِيهَا , وَتِلْكَ مُضْطَرَبٍ فِيهَا عَلَى رَافِعٍ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا عُمُومَ النَّهْيِ ، عَنْ رَافِعٍ : ابْنُ عُمَرَ , وَعُثْمَانُ , وَعِمْرَانُ , وَعِيسَى ابْنَا سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَأَبُو النَّجَاشِيِّ , وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَحَدُ طَرِيقَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالأُُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ لَبِيبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ فَسَقَطَ التَّعْلِيقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ طَارِقٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ رَافِعٍ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ فَوَهَمَ فِيهِ , لأََنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ , وَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ , وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ , وَقَالَ : إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلاَثَةٌ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا , أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ , أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَكَانَ هَذَا الْكَلاَمُ مَخْزُولاً ، عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r فَظَنَّ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلاَمِ رَسُولٍ اللَّهِ r فَخَزَلَهُ وَأَبْقَى السَّنَدَ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ ، عَنْ طَارِقٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي الأَحْوَصِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ طَارِقٍ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لاَ يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ غَيْرُ ثَلاَثٍ , أَرْضٌ تَمْلِكُ رَقَبَتُهَا , أَوْ مِنْحَةٌ , أَوْ أَرْضٌ بَيْضَاءُ تَسْتَأْجِرُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ r لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ لأََنَّ فِيهِ النَّهْيَ ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ إِلاَّ بِذَهَبٍ , أَوْ فِضَّةٍ , وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَهَا بِكُلِّ عَرْضٍ فِي الْعَالَمِ حَاشَا الطَّعَامَ , أَوْ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا. فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا مِنْ الْقَائِلِينَ بِكِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ التَّجَاسُرُ وَالْهُجُومُ عَلَى مِثْلِ هَذَا : أَكْذَبُهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ تُكْرَى الأَرْضُ الْبَيْضَاءُ إِلاَّ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ جَيِّدٌ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا عَدَاهُمَا قلنا : فَقِيسُوا إعْطَاءَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ قلنا : فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ , وَنَصَّ عليه السلام عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا أَوْ يُمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ. فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً , وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلاً , وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ كِرَاءُ الأَرْضِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إِلاَّ ، عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , وَابْنِ عُمَرَ , ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ , وَصَحَّ عَنْ رَافِعٍ الْمَنْعُ مِنْهُ أَيْضًا. قال أبو محمد : فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ تَغْلِيبُ الإِبَاحَةِ فِي كِرَائِهَا بِكُلِّ عَرْضٍ وَكُلِّ شَيْءٍ مَضْمُونٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ , وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو يُوسُفَ ; ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ , وَغَيْرُهُمْ. أَوْ تَغْلِيبُ الْمَنْعِ جُمْلَةً , كَمَا فَعَلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ , وَعَطَاءٌ , وَمَكْحُولٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَغَيْرُهُمْ. أَوْ أَنْ يُغَلَّبَ النَّهْيُ حَيْثُ لَمْ يُوقَنْ أَنَّهُ نُسِخَ وَيُؤْخَذُ بِالنَّاسِخِ إذَا تُيُقِّنَ , كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ , وطَاوُوس , وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ , وَغَيْرُهُمْ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ غَلَّبَ الإِبَاحَةَ قَدْ أَخْطَأَ , لأََنَّ مَعْهُودَ الأَصْلِ فِي ذَلِكَ هُوَ الإِبَاحَةُ عَلَى مَا رَوَى رَافِعٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ r قَدِمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ وَقَدْ كَانَتْ الْمَزَارِعُ بِلاَ شَكٍّ تُكْرَى قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ r وَبَعْدَ مَبْعَثِهِ , هَذَا أَمْرٌ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ , ثُمَّ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي سَعِيدٍ , وَرَافِعٍ , وَظُهَيْرٍ الْبَدْرِيُّ وَآخَرَ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ , وَابْنِ عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً فَبَطَلَتْ الإِبَاحَةُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ رَجَعَ , وَأَنَّ يَقِينَ النَّسْخِ قَدْ بَطَلَ , فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ , قَائِلٌ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا , إِلاَّ فِي إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى ] مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا , فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فَعَلَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ النَّهْيِ بِأَعْوَامٍ , وَأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام. فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ , وَأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ بَاقٍ بِيَقِينٍ , وَقَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُنْسَخَ حُكْمٌ قَدْ بَطَلَ وَنُسِخَ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ , وَأَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ , وَإِلَّا فَكَأَنَّ الدِّينَ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَهَذَا بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. 1330 - مَسْأَلَةٌ : وَالتِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ صَاحِبِ الأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ عَلَى مَا تَعَامَلاَ عَلَيْهِ , لأََنَّهُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. 1331 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَرْضِ بِأَنْ يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ يُعِينَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ; لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَعَاوُنٌ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوَى , فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ شَرْطٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَفُسِخَ ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ , وَعَقْدُ رَسُولِ اللَّهِ r مَعَ الَّذِينَ دَفَعَ إلَيْهِمْ خَيْبَرُ إنَّمَا كَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1332 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ يُزْرَعُ فِي الأَرْضِ فَحَسَنٌ , وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا فَحَسَنٌ , لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ نَهَى ، عَنْ ذِكْرِهِ , فَهُوَ مُبَاحٌ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ , إِلاَّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ , فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الأَرْضِ أَنْ لاَ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ فَهَذَا وَاجِبٌ ، وَلاَ بُدَّ , لأََنَّ خِلاَفَهُ فَسَادٌ وَإِهْلاَكٌ لِلْحَرْثِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. وَقَالَ تَعَالَى وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاَللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ. فَإِهْلاَكُ الْحَرْثِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لاَ يَحِلُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ , فَهَذَا شَرْطٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ صَحِيحٌ لاَزِمٌ. 1333 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , لَكِنْ هَكَذَا مُطْلَقًا , لأََنَّ هَكَذَا عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَعَلَى هَذَا مَضَى جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ عُمَرُ t إذْ شَاءَ فِي آخِرِ خِلاَفَتِهِ , فَكَانَ اشْتِرَاطُ مُدَّةٍ فِي ذَلِكَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَخِلاَفٌ لِعَمَلِهِ عليه السلام , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ; وَقَدْ قَالَ مُخَالِفُونَ بِذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ. 1334 - مَسْأَلَةٌ : وَأَيُّهُمَا شَاءَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا , وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَتْ الْمُعَامَلَةُ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. فَإِنْ أَقَرَّ وَارِثُ صَاحِبِ الأَرْضِ الْعَامِلَ وَرَضِيَ الْعَامِلُ , فَهُمَا عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الأَرْضِ وَرَثَةَ الْعَامِلِ بِرِضَاهُمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1335 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الأَرْضِ إخْرَاجَ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ أَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا , أَوْ فِي حَيَاتِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَعَلَى الْعَامِلِ خِدْمَةُ الزَّرْعِ كُلِّهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَعَلَى وَرَثَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغَ الأَنْتِفَاعِ بِهِ مِنْ كِلَيْهِمَا ; لأََنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ فَهُوَ لاَزِمٌ لأََنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ صَحِيحٌ لاَزِمٌ , وَعَقْدٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا عَدَاهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وَإِفْسَادٌ لِلْحَرْثِ , وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ. 1336 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَرْكَ الْعَمَلِ وَقَدْ حَرَثَ , وَقَلَبَ , وَزَبَلَ , وَلَمْ يَزْرَعْ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَيُكَلَّفُ صَاحِبُ الأَرْضِ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ , وَقِيمَةَ زِبْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ زِبْلاً مِثْلَهُ , إنْ أَرَادَ صَاحِبُ الأَرْضِ إخْرَاجَهُ , لأََنَّهُ لَمْ تَتِمَّ بَيْنَهُمَا الْمُزَارَعَةُ الَّتِي يَكُونُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مُلْغًى بِتَمَامِهَا , وَقَالَ تَعَالَى وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ , فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِهَا , وَالزِّبْلُ مَالُهُ فَلاَ يُحْمَلُ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1337 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمَرِيدُ لِلْخُرُوجِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ , وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ زِبْلِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ , وَإِلَّا فَلاَ شَيْءَ لَهُ ; لأََنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْخُرُوجِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الأَرْضِ فِي شَيْءٍ , وَلاَ مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إتْمَامِ عَمَلِهِ وَتَمَامِ شَرْطِهِ وَالْخُرُوجِ بِاخْتِيَارِهِ , وَلاَ شَيْءَ لَهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1338 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَصَابَ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ , وَمَنْ قَصُرَ نُصِيبُهُ ، عَنْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَلاَ يَحِلُّ اشْتِرَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَلِكُلِّ أَحَدٍ حُكْمُهُ. وَاشْتِرَاطُ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ ، عَنْ نَفْسِهِ وَوَضْعِهَا عَلَى غَيْرِهِ شَرْطٌ لِلشَّيْطَانِ وَمُخَالَفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا يُرِيدَانِ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ الْمَلْعُونِ , وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَا يَتَعَاقَدَانِ عَلَى أَنَّ لأََحَدِهِمَا أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الزَّرْعِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ , أَوْ نَحْوَ هَذَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ. 1339 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً , رَدَّ إلَى مُزَارِعِهِ مِثْلَ تِلْكَ الأَرْضِ فِيمَا زَرَعَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَعَاقَدَ أَوْ أَقَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ فِي الأَرْضِ أَخْذُ أَجْرٍ ، وَلاَ حَظٍّ إِلاَّ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُسَمًّى بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَقُّ الأَرْضِ فَلاَ تَجُوزُ إبَاحَةُ الأَرْضِ وَمَا أَخْرَجَتْ لِلْعَامِلِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِ الأَرْضِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ، وَلاَ يَجُوزُ إبَاحَةُ بَذْرِ الْعَامِلِ وَعَمَلِهِ لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا , فَيُرَدَّانِ إلَى مِثْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ. فَالأَرْضُ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا , وَبَشَرَتِهِ , فَلَهُ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ حَقِّ مِثْلِهَا مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَامَلَةِ فِيهَا وَبَذْرُ الزَّارِعِ وَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ مَالِهِ , وَبَشَرَتِهِ , فَلَهُ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ حَقِّ مِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَامَلَةِ , فَوَجَبَ مَا قلنا ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. المغارسة 1340 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ دَفَعَ أَرْضًا لَهُ بَيْضَاءَ إلَى إنْسَانٍ لِيَغْرِسَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إِلاَّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِأَنْ تَكُونَ النُّقُولُ أَوْ الأَوْتَادُ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقُضْبَانُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ فَقَطْ , فَيَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ لِغَرْسِهَا وَخِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً ، وَلاَ بُدَّ بِشَيْءٍ مُسَمًّى , أَوْ بِقِطْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ مُسَمَّاةً مَحُوزَةً , أَوْ مَنْسُوبَةَ الْقَدْرِ مُشَاعَةً فِي جَمِيعِهَا , فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ فِي كُلِّ مَا يَمْضِي مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَا يُقَابِلُهَا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ , فَهَذِهِ إجَارَةٌ كَسَائِرِ الإِجَارَاتِ. وَأَمَّا بِأَنْ يَقُومَ الْعَامِلُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَبِغَرْسِهِ وَبِخَدَمِهِ وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَعَامَلاَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ جُزْءٍ مُسَمًّى كَذَلِكَ , وَلاَ حَقَّ لَهُ فِي الأَرْضِ أَصْلاً فَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ مُطْلَقًا لاَ إلَى مُدَّةٍ أَصْلاً وَحُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لاَ تُحَشْ مِنْهَا شَيْئًا. 1341 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ فِيمَا غَرَسَ بِشَيْءٍ , وَقَبْلَ أَنْ تُنْمَى لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ , وَيَأْخُذُ كُلَّ مَا غَرَسَ. وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الأَرْضِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ , فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْتَفَعَ وَنَمَا مَا غَرَسَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِالأَرْضِ فَعَلَيْهِ حَقُّهَا , وَحَقُّهَا هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي " الْمُزَارَعَةِ " مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ r خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَنِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا , هَكَذَا مُطْلَقًا. وَكَذَلِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ r خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ. وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا خَرَجَ مِنْهَا بِعَمَلِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَمَلِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ غَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ عِمَارَةِ شَجَرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ أَنَّ خَيْبَرَ وَفِيهَا نَحْوُ أَلْفَيْ عَامِلٍ وَيُصَابُ فِيهَا نَحْوُ ثَمَانِينَ أَلْفَ وَسْقِ تَمْرٍ وَبَقِيَتْ بِأَيْدِيهِمْ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا : أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ r وَعَامَيْنِ وَنِصْفِ عَامٍ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ , وَعَشَرَةِ أَعْوَامٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما حَتَّى أَجَلاَهُمْ فِي آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلاَفَتِهِ , فَلاَ بُدَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ غَرَسَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الأَرْضِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الأُُصُولِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ شَكٍّ. وقال مالك : الْمُغَارَسَةُ : هُوَ أَنْ يُعْطَى الأَرْضَ الْبَيْضَاءَ لِيَغْرِسَهَا مِنْ مَالِهِ مَا رَأَى حَتَّى يَبْلُغَ شَبَابًا مَا , ثُمَّ لَهُ مَا تَعَاقَدَا مِنْ رَقَبَةِ الأَرْضِ , وَمِنْ رِقَابِ مَا غَرَسَ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ يَجُوزُ أَصْلاً ; لأََنَّهُ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى فِي كَمْ يَبْلُغُ ذَلِكَ الشَّبَابَ , وَلَعَلَّهَا لاَ تَبْلُغُهُ , وَلاَ يُدْرَى مَا غَرَسَ ، وَلاَ عَدَدُهُ , وأعجب شَيْءٍ قَوْلُهُ " حَتَّى يَبْلُغَ شَبَابًا مَا " وَالْغُرُوسُ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا شَدِيدًا مُتَبَايِنًا , لاَ يَنْضَبِطُ أَلْبَتَّةَ , فَقَدْ يَشِبُّ بَعْضُ مَا غَرَسَ وَيَبْطُلُ الْبَعْضُ , وَيَتَأَخَّرُ شَبَابُ الْبَعْضِ , فَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَنْحَصِرُ أَبَدًا فِيمَا يَغْرِسُ , وَلَعَلَّهُ لاَ يَغْرِسُ لَهُ إِلاَّ شَجَرَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ , فَيُكَلَّفُ لِذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ نِصْفِ أَرْضٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ , وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَعًا , وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ , وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ قَدْ جَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ كُلَّ بَلاَءٍ , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ , وَلاَ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ نَعْلَمُهُ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1342 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عَقَدَ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً فِي شَجَرٍ أَوْ مُغَارَسَةً , فَزَرَعَ الْعَامِلُ وَعَمِلَ فِي الشَّجَرِ وَغَرَسَ , ثُمَّ انْتَقَلَ مِلْكُ الأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ إلَى غَيْرِ الْمُعَاقِدِ بِمِيرَاثٍ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِإِصْدَاقٍ أَوْ بِبَيْعٍ : فأما الزَّرْعُ : ظَهَرَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ كُلُّهُ لِلزَّارِعِ وَاَلَّذِي كَانَتْ الأَرْضُ لَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا , وَلِلَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُ الأَرْضِ إلَيْهِ أَخْذُهُمَا بِقَطْعِهِ أَوْ قَلْعِهِ فِي أَوَّلِ إمْكَانِ الأَنْتِفَاعِ بِهِ , لاَ قَبْلَ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَزْرَعْ إِلاَّ بِحَقٍّ , وَالزَّرْعُ بِلاَ خِلاَفٍ هُوَ غَيْرُ الأَرْضِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا الأَوَّلِ. وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ فِي الشَّجَرِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا , فَهُوَ مَا لَمْ يَخْرُجْ غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ لأََحَدٍ , فَإِذَا خَرَجَ فَهُوَ لِمَنْ الشَّجَرُ لَهُ , فَإِنْ أَرَادَ إبْقَاءَ الْعَامِلِ عَلَى مُعَامَلَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ مُعَامَلَةٍ فَلَهُمَا ذَلِكَ , وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلِلْعَامِلِ عَلَى الَّذِي كَانَ الْمِلْكُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ ; لأََنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا الْغَرْسُ : فَلِلَّذِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إقْرَارُهُ عَلَى تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ , أَوْ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَجْدِيدِ أُخْرَى , فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ , وَلِلْغَارِسِ قَلْعُ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرَسَ , كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ الَّذِي كَانَ عَامِلُهُ أَوَّلاً , عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ , فَالثَّمَرَةُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ الَّذِي كَانَ الْمِلْكُ لَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا , لاَ شَيْءَ فِيهَا لِلَّذِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ , وَالْمُغَارَسَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]
- * *
بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ 1343 - مَسْأَلَةٌ : الْمُعَامَلَةُ فِيهَا سُنَّةٌ , وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَرْءُ أَشْجَارَهُ أَيَّ شَجَرٍ كَانَ مِنْ نَخْلٍ , أَوْ عِنَبٍ , أَوْ تِينٍ , أَوْ يَاسَمِينٍ , أَوْ مَوْزٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , لاَ تُحَاشِ شَيْئًا مِمَّا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ وَيُطْعَمُ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ لِمَنْ يَحْفِرُهَا وَيُزَبِّلُهَا وَيَسْقِيهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُسْقَى بِسَانِيَةٍ , أَوْ نَاعُورَةٍ , أَوْ سَاقِيَّةٍ , وَيُؤَبِّرُ النَّخْلَ , وَيُزْبِرُ الدَّوَالِيَ , وَيَحْرُثُ مَا احْتَاجَ إلَى حَرْثِهِ وَيَحْفَظُهُ حَتَّى يَتِمَّ وَيُجْمَعُ , أَوْ يَيْبَسُ إنْ كَانَ مِمَّا يَيْبَسُ , أَوْ يُخْرِجُ دُهْنَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُخْرَجُ دُهْنُهُ , أَوْ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَذَلِكَ , عَلَى سَهْمٍ مُسَمًّى مِنْ ذَلِكَ الثَّمَرِ , أَوْ مِمَّا تَحْمِلُهُ الأُُصُولُ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ , أَوْ رُبُعٍ , أَوْ أَكْثَرَ , أَوْ أَقَلَّ , كَمَا قلنا فِي " الْمُزَارَعَةِ " سَوَاءٌ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r بِخَيْبَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّنَا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا , فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ , فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ , فَأَخْرَجَهُمْ ". قال أبو محمد : وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ النَّاسِ , إِلاَّ أَنَّنَا رُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَلاَ زُفَرُ. وَأَجَازَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَأَحْمَدُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَغَيْرُهُمْ. وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي كُلِّ شَجَرٍ قَائِمِ الأَصْلِ إِلاَّ فِيمَا يُخْلَفُ وَيُجْنَى مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْمَوْزِ , وَالْقَصَبِ , وَالْبُقُولِ , فَلَمْ يُجِزْ فِيهَا , وَلاَ أَجَازَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبُقُولِ إِلاَّ فِي السَّقْيِ خَاصَّةً. وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ , إِلاَّ فِي النَّخْلِ , وَالْعِنَبِ فَقَطْ وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ , إِلاَّ فِي النَّخْلِ فَقَطْ. قال أبو محمد : مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ فِي النَّخْلِ وَحْدَهُ , أَوْ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ , أَوْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ , أَوْ فِي سَقْيٍ دُونَ بَعْلٍ , فَقَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَ ، عَنِ النَّبِيِّ r كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَدَخَلُوا فِي الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلاَ مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لأََبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالُوا : لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ. قال أبو محمد : لَيْسَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَلاَ إعْطَاءُ الشَّجَرِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا : إجَارَةٌ , وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ إنَّمَا هِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ r عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى إنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلَّا أَبْطَلْتُمْ بِهَذَا الدَّلِيلِ بِعَيْنِهِ الْمُضَارَبَةَ , وَقُلْتُمْ : إنَّهَا إجَارَةٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِنْ قَالُوا : إنَّ الْمُضَارَبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا قلنا : وَدَفْعُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا , وَدَفْعُ الشَّجَرِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَمَلِ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم , وَلاَ تُحَاشِ مِنْهُمْ أَحَدًا , فَمَا غَابَ مِنْهُمْ ، عَنْ خَيْبَرَ إِلاَّ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ وِلاَيَةٍ تَشْغَلُهُ , وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ غَابَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ عَرَفَ أَمْرَ خَيْبَرَ , وَاتَّصَلَ الأَمْرُ فِيهَا عَامًا بَعْدَ عَامٍ إلَى آخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ فَهَذَا هُوَ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ , لاَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي الإِجْمَاعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ الَّتِي لاَ تُرْوَى إِلاَّ ، عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , فَاعْتَرَضُوا فِي أَمْرِ خَيْبَرَ بِأَنْ قَالُوا : لاَ يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا , فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَمُعَامَلَةُ الْمَرْءِ لِعَبْدِهِ بِمِثْلِ هَذَا جَائِزٌ , وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَيَكُونُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَنَّهُ عليه السلام قَدْ أَخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةً ، وَلاَ زَكَاةً. قال أبو محمد : وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَهْتِ وَالتَّوَقُّحِ الْبَارِدِ : أَمَّا قَوْلُهُمْ : لاَ يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا , فَكَيْفَ انْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَذَا , وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ , وَأَنَّهُ إنْ رَأَى الإِمَامُ إرْقَاقَهُمْ فَلاَ بُدَّ فِيهِمْ مِنْ التَّخْمِيسِ , وَالْبَيْعِ لِقِسْمَةِ أَثْمَانِهِمْ. ثُمَّ كَيْفَ اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا : لَعَلَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَجْلاَهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ، عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ ، عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيزَ عُمَرُ تَفْوِيتَ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ , وَفِيهِمْ حَظٌّ لِلْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ إنَّ مَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى عُمَرَ لَضَالٌّ مُضِلٌّ , بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ إجْلاَءَهُمْ فَرَغِبُوا فِي إقْرَارِهِمْ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إذَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ , وَهُوَ عليه السلام لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ تَضْيِيعُ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَهُ عليه السلام خَاصَّةً ; لأََنَّهُ عليه السلام لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ إِلاَّ خُمُسُ الْخُمُسِ وَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : وَالصَّفِيُّ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ : إنَّ جَمِيعَ مَنْ مَلَكَ عَنْوَةً عَبِيدٌ لَهُ عليه السلام. ثُمَّ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا زَعَمُوا مِنْ الْبَاطِلِ وَكَانُوا لَهُ عَبِيدًا لَكَانَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ بِلاَ شَكٍّ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ ] وَأَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ : مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا ، وَلاَ دِرْهَمًا ، وَلاَ عَبْدًا ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ , وَسِلاَحَهُ , وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. وَقَدْ قَسَمَ عليه السلام مَنْ أُخِذَ عَنْوَةً بِخَيْبَرَ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r غَزَا خَيْبَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : قَالَ : فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً , وَجَمَعَ السَّبْيَ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ : اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً , فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد : وَكَانَتْ الأَرْضُ كُلُّهَا عَنْوَةً , وَصَالَحَ أَهْلَ بَعْضِ الْحُصُونِ عَلَى الأَمَانِ , فَنَزَلُوا ذِمَّةً أَحْرَارًا وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَوْلُهُ كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْبَرَ.فَصَحَّ أَنَّ الْبَاقِينَ بِهَا أَحْرَارٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ كَانَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ , فَكَلاَمُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى , وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النِّصْفُ مَكَانَ الْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا كَانَ حُقُوقَ أَرْبَابِ الضِّيَاعِ الْمَقْسُومَةِ عَلَيْهِمْ الَّذِي عُومِلَ الْيَهُودُ عَلَى كِفَايَتِهِمْ الْعَمَلَ , وَاَلَّذِينَ خَطَبَهُمْ عُمَرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَمْوَالِهِمْ فَلْيَنْظُرُوا فِيهَا إذَا أَرَادَ إجْلاَءَ الْيَهُودِ عَنْهَا. وَالآثَارُ بِهَذَا مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ كَالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ لِعُمَرَ بِهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَكَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَبَبِ إجْلاَءِ الْيَهُودِ : خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا وَكَانَ إعْطَاءُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَ الأَرْضِ وَالْمَاءِ , وَبَعْضِهِنَّ الأَوْسَاقَ , وَأَنَّ بَقَايَا أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ , فَظَهَرَ هَذَيَانُ هَؤُلاَءِ النَّوْكَى. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَكَفَرَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَزُفَرُ . فَقُلْنَا : عُذْرًا بِجَهْلِهِمَا كَمَا يُعْذَرُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَخْطَأَ فِيهِ وَبَدَّلَهُ وَزَادَ وَنَقَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ , وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَتَمَادَى مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ r فَهُوَ كَافِرٌ بِلاَ شَكٍّ. وَشَغَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ قَالُوا : لَمَّا صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي الْعِنَبِ ; لأََنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ , وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَهُمَا. قال أبو محمد : وَهَذَا فَاسِدٌ وَقِيَاسٌ بَارِدٌ , وَيُقَالُ لَهُمْ : لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ ذَا نَوًى وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ ذِي نَوًى , أَوْ لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ حُلْوًا وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ حُلْوٍ , وَإِلَّا فَمَا الَّذِي جَعَلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ حُجَّةً فِي إعْطَائِهَا بِسَهْمٍ مِنْ ثِمَارِهَا وَقَالَ أَيْضًا : إنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ ظَاهِرٌ يُحَاطُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَقَالَ عَلِيٌّ : وَكَذَلِكَ التِّينُ , وَالْفُسْتُقُ , وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَوْزِ وَالْبَقْلِ فَدَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا : لَفْظُ " الْمُسَاقَاةِ " يَدُلُّ عَلَى السَّقْيِ . فَقُلْنَا : وَمَنْ سَمَّى هَذَا الْعَمَلَ " مُسَاقَاةً " حَتَّى تَجْعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ حُجَّةً مَا عَلِمْنَاهَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , وَإِنَّمَا نَقُولُهَا مَعَكُمْ مُسَاعَدَةً فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ بِخَيْبَرَ بِلاَ شَكٍّ بَقْلٌ وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ مِنْ الرُّمَّانِ , وَالْمَوْزِ , وَالْقَصَبِ , وَالْبُقُولِ , فَعَامَلَهُمْ عليه السلام عَلَى نِصْفِ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1344 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ فِي " الْمُزَارَعَةِ " " وَالْمُغَارَسَةِ " " وَالْمُعَامَلَةِ فِي ثِمَارِ الشَّجَرِ " لاَ أَجِيرٌ , وَلاَ عَبْدٌ , وَلاَ سَانِيَةٌ , وَلاَ قَادُوسٌ , وَلاَ حَبْلٌ , وَلاَ دَلْوٌ , وَلاَ عَمَلٌ , وَلاَ زِبْلٌ , وَلاَ شَيْءٌ أَصْلاً وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِشَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَوَجَبَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ , فَلَوْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَصْلِ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ حَسَنٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. 1345 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي " الْمُزَارَعَةِ " فَهُوَ كَذَلِكَ هَهُنَا لاَ تُحَاشِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ , فَأَغْنَى ، عَنْ تَكْرَارِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1346 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي " الْمُزَارَعَةِ " وَإِعْطَاءِ الأُُصُولِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُشَاعٌ فِي جَمِيعِهَا عَلَى الْعَامِلِ : بِنَاءُ حَائِطٍ , وَلاَ سَدُّ ثُلْمَةٍ , وَلاَ حَفْرُ بِئْرٍ ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا , وَلاَ حَفْرُ عَيْنٍ ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا , وَلاَ حَفْرُ سَانِيَةٍ ، وَلاَ تَنْقِيَتُهَا , وَلاَ حَفْرُ نَهْرٍ ، وَلاَ تَنْقِيَتُهُ , وَلاَ عَمَلُ صِهْرِيجٍ ، وَلاَ إصْلاَحُهُ , وَلاَ بِنَاءُ دَارٍ ، وَلاَ إصْلاَحُهَا , وَلاَ بِنَاءُ بَيْتٍ ، وَلاَ إصْلاَحُهُ , وَلاَ آلَةٌ سَانِيَةٌ , وَلاَ خَطَّارَةٌ , وَلاَ نَاعُورَةٌ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ; لأََنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ يَعْتَمِلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ , وَبِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ : وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الأَرْضِ , وَلاَ مِنْ عَمَلِ الشَّجَرِ فِي شَيْءٍ. وَأَمَّا آلَةُ الْحَرْثِ , وَالْحَفْرِ كُلُّهَا وَآلَةُ السَّقْيِ كُلُّهَا , وَآلَةُ التَّقْلِيمِ , وَآلَةُ التَّزْبِيلِ , وَالدَّوَابِّ , وَالأُُجَرَاءِ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّهُ لاَ يَكُونُ الْعَمَلُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِذَلِكَ , فَهُوَ عَلَيْهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]. كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالإِقْطَاعِ , وَالْحِمَى , وَالصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ. وَمَنْ تَرَكَ مَالَهُ بِمَضْيَعَةٍ , أَوْ عَطِبَ مَالُهُ فِي الْبَحْرِ 1347 - مَسْأَلَةٌ : كُلُّ أَرْضٍ لاَ مَالِكَ لَهَا ، وَلاَ يُعْرَفُ أَنَّهَا عُمِّرَتْ فِي الإِسْلاَمِ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا وَأَحْيَاهَا سَوَاءٌ بِإِذْنِ الإِمَامِ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لاَ إذْنَ فِي ذَلِكَ لِلإِمَامِ ، وَلاَ لِلأَمِيرِ وَلَوْ أَنَّهُ بَيْنَ الدُّورِ فِي الأَمْصَارِ ، وَلاَ لأََحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا مِنْ الأَرْضِ عَمَّنْ سَبَقَ إلَيْهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r . فَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ أَقْطَعَ إنْسَانًا شَيْئًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ مِمَّنْ سَبَقَ إلَيْهِ ; فَإِنْ كَانَ إحْيَاؤُهُ لِذَلِكَ مُضِرًّا بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ ضَرَرًا ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ لأََحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ لاَ بِإِقْطَاعِ الإِمَامِ ، وَلاَ بِغَيْرِهِ , كَالْمِلْحِ الظَّاهِرِ , وَالْمَاءِ الظَّاهِرِ , وَالْمَرَاحِ وَرَحْبَةِ السُّوقِ وَالطَّرِيقِ , وَالْمُصَلَّى , وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا مُلِكَ يَوْمًا مَا بِإِحْيَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ دَثَرَ وَأُشْغِرَ حَتَّى عَادَ كَأَوَّلِ حَالِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ , لاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالإِحْيَاءِ أَبَدًا , فَإِنْ جُهِلَ أَصْحَابُهُ فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى الإِمَامِ , وَلاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لاَ تَكُونُ الأَرْضُ لِمَنْ أَحْيَاهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الإِمَامِ لَهُ فِي ذَلِكَ. وقال مالك : أَمَّا مَا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فِيهِ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ لأََحَدٍ إِلاَّ بِقَطِيعَةِ الإِمَامِ , وَأَمَّا حِمَى مَا كَانَ فِي الصَّحَارِي وَغَيْرِ الْعُمْرَانِ فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ فَإِنْ تَرَكَهُ يَوْمًا مَا حَتَّى عَادَ كَمَا كَانَ , فَقَدْ صَارَ أَيْضًا لِمَنْ أَحْيَاهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مِلْكُهُ وَهَكَذَا قَالَ فِي الصَّيْدِ يُتَمَلَّكُ ثُمَّ يَتَوَحَّشُ فَإِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ , فَإِنْ كَانَ فِي أُذُنِهِ شَنْفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالشَّنْفُ الَّذِي كَانَ لَهُ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لَيْسَ الْمَوَاتُ إِلاَّ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ فَهُوَ لَهُ , وَلاَ مَعْنَى لأَِذْنِ الإِمَامِ , إِلاَّ أَنَّ حَدَّ الْمَوَاتِ عِنْدَهُ مَا إذَا وَقَفَ الْمَرْءُ فِي أَدْنَى الْمِصْرِ إلَيْهِ ثُمَّ صَاحَ لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ , فَمَا سُمِعَ فِيهِ الصَّوْتُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِمَامِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ : كَقَوْلِنَا. فأما مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ : نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَتَلَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَتِيلاً مِنْ الرُّومِ فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r جَعَلَ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَهْ يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ وَقَالُوا : لَمَّا كَانَ الْمَوَاتُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ أَشْبَهَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ , مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الأَثَرُ فَمَوْضُوعٌ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالآثَارِ ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ فَأَبَاحُوا الصَّيْدَ لِمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الإِمَامِ , فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لأََنَّ فِي التَّابِعِينَ مَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّيْدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ ، وَلاَ يُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا الأَثَرِ الْكَاذِبِ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ r بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ , وَبِالأَرْضِ لِمَنْ أَحْيَاهَا. وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; لأََنَّ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمْوَالٌ مَمْلُوكَةٌ , أُخِذَتْ بِجِزْيَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ مَالٍ كَانَ لَهُ رَبٌّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشَبَّهَ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَكَانَ لَهُ رَبٌّ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَبٌّ بِمَا يُوقَنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ رَبٌّ. لَوْ كَانَ الأَمْرُ بِالْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا رَبٌّ بِالصَّيْدِ وَالْحَطَبُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ , وَلَكِنْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ , وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ الْمَوْضُوعُ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا ; لأََنَّ النَّبِيَّ r قَدْ قَضَى بِالْمَوَاتِ لِمَنْ أَحْيَاهُ , وَهُوَ عليه السلام الإِمَامُ الَّذِي لاَ إمَامَةَ لِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ , وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَهُوَ إمَامُنَا نُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَجَمِيعَ عِبَادِهِ , لاَ إمَامَ لَنَا دُونَهُ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لاَ يَدْعُونَا مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ فَمَنْ اتَّخَذَ إمَامًا دُونَهُ عليه السلام يُغَلِّبُ حُكْمَهُ عَلَى حُكْمِهِ عليه السلام فَسَيُرَدُّ وَيُعْلَمُ وَنَحْنُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ بُرَآءُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ ; لأََنَّهُ قَسَّمَ تَقْسِيمًا لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلاَ جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ , وَلاَ سَنَةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ. وأعجب شَيْءٍ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْمَوَاتَ الْقَرِيبَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ مَالِكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ , وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r ثُمَّ جَعَلَ الْمَالَ الْمُتَمَلَّكَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ , وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r إذْ يَقُولُ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَجَعَلَهَا مِلْكًا لِمَنْ أَخَذَهَا كَالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمَوَاتِ يُعَمَّرُ ثُمَّ يُتَشَغَّرُ , وَمِثْلُ الصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ , وَمَا وَجَبَ سُقُوطُ الْمِلْكِ بِالتَّوَعُّرِ وَالتَّوَحُّشِ لاَ بِقُرْآنٍ , وَلاَ بِسُنَّةٍ , وَلاَ بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَيْضًا فَلاَ يَخْلُو مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ أَوْ تَشَاحَّ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ , أَوْ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ , فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَمَا لِلإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَحَدًا , وَلاَ أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ ، عَنِ الْعُمْرَانِ فَصَحَّ أَنْ لاَ مَعْنَى لِلإِمَامِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً : وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَفَاسِدٌ أَيْضًا ; لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , فَهُوَ سَاقِطٌ. قال أبو محمد : وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ هُوَ أَبُو الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لأََحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأََحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ عُرْوَةُ : وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قال أبو محمد : هَذَا الْخَبَرُ هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا , وَهُوَ الْمُبْطِلُ لِقَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ غَيْرِ النَّبِيِّ r إمَّا عُمُومًا وَأَمَّا فِي مَكَان دُونَ مَكَان , وَلِقَوْلِ مَنْ قَالَ : مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا قَدْ عُمِّرَتْ ثُمَّ أُشْغِرَتْ فَهِيَ لِلَّذِي عَمَّرَهَا آخِرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَكُلَّ عَطِيَّةٍ أَعْطَاهَا عليه السلام فَلَيْسَ لأََحَدٍ يَأْتِي بَعْدَهُ لاَ إمَامٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ أَنْ يَعْتَرِضَ فِيهَا ، وَلاَ أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا حُكْمًا وَقَدْ اتَّصَلَ كَمَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ ; ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ : الْعِرْقُ الظَّالِمُ هُوَ الرَّجُلُ يَعْمُرُ الأَرْضَ الْخَرِبَةَ وَهِيَ لِلنَّاسِ قَدْ عَجَزُوا عَنْهَا فَتَرَكُوهَا حَتَّى خَرِبَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ : الْعِرْقُ الظَّالِمُ هُوَ الرَّجُلُ يَعْمُرُ الأَرْضَ الْخَرِبَةَ وَهِيَ لِلنَّاسِ قَدْ عَجَزُوا عَنْهَا فَتَرَكُوهَا حَتَّى خَرِبَتْ. قال أبو محمد : فَهَذَا عُرْوَةُ سَمَّى هَذِهِ الصِّفَةَ عِرْقَ ظَالِمٍ , وَصَدَقَ عُرْوَةُ وَهَذَا هُوَ ] الَّذِي أَبَاحَهُ الْمَالِكِيُّونَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ : ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ , وَعَبَّادٌ كِلاَهُمَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ , وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ مَعْنَى لأََخْذِ رَأْيِ الإِمَامِ فِي الصَّدَقَةِ , وَلاَ مَا فِيهِ أَجْرٌ , وَلَوْ أَرَادَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الآمِلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى أَنَّ الأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ , وَالْعِبَادَ عِبَادُ اللَّهِ , وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ جَاءَنَا بِهَذَا ، عَنِ النَّبِيِّ r الَّذِينَ جَاءُوا بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السَّرْحِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَصَحَّ أَنْ لَيْسَ لِلإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا مِنْ الأَرْضِ ، عَنْ أَنْ تَحْيَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً غَرَسَ نَخْلاً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ r لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا. قَالَ عُرْوَةُ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ , فَأَنَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَضْرِبُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ. قال أبو محمد : هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , وَعُرْوَةُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ صَحَّتْ صُحْبَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَصِحَّ , وَقَدْ اعْتَمَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَأَدْرَكَهُ فَمَنْ دُونَهُ , لاَ قَوْلَ مَالِكٍ : إنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالشَّجَرِ إنْ قُلِعَتْ كَانَ لِغَارِسِهَا قِيمَتُهَا مَقْلُوعَةً أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ , وَتُرِكَتْ لِصَاحِبِ الأَرْضِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ , وَمَا يَزَالُونَ يَقْضُونَ لِلنَّاسِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ , وَالْمُتَعَدِّي وَإِنْ ظَلَمَ فَظُلْمُهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَظْلِمَ فَيُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ r أَخْذَهُ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ , وَجَاءَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيٍّ فَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ عَلاَنِيَةً لاَ يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ زُرَيْقٍ قَالَ : قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِبُنْيَانٍ أَوْ حَرْثٍ مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَمْوَالِ قَوْمٍ ابْتَاعُوهَا أَوْ أَحْيَوْا بَعْضًا وَتَرَكُوا بَعْضًا فَأَجَازَ لِلْقَوْمِ إحْيَاءَهُمْ وَأَمَّا مَا كَانَ مَكْشُوفًا فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ الْمَاءَ أَوْ الْمِلْحَ , أَوْ يُرِيحُونَ فِيهِ دَوَابَّهُمْ , فَلأََنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَالٍ هُوَ الْمَازِنِيُّ قَالَ : اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r مَعْدِنَ الْمِلْحِ الَّذِي بِمَأْرِبَ فَأَقْطَعَنِيهِ , فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعِدِّ قَالَ : فَلاَ إذًا. قال أبو محمد : فإن قيل : فَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَمُعَاوِيَةُ فَمَا مَعْنَى إقْطَاعِهِمْ قلنا : أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ r فَهُوَ الَّذِي لَهُ الْحِمَى وَالإِقْطَاعُ , وَاَلَّذِي لَوْ مَلَّكَ إنْسَانًا رَقَبَةَ حُرٍّ لَكَانَ لَهُ عَبْدًا وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ عليه السلام فَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَطْعًا لِلتَّشَاحِّ وَالتَّنَازُعِ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ عليه السلام. قال أبو محمد : وَلَيْسَ الْمَرْعَى مُتَمَلَّكًا , بَلْ مَنْ أَحْيَا فِيهِ فَهُوَ لَهُ , وَيُقَالُ لأََهْلِ الْمَاشِيَةِ : أَعْزِبُوا وَأَبْعِدُوا فِي طَلَبِ الْمَرْعَى , وَإِنَّمَا التَّمَلُّكُ بِالإِحْيَاءِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالرَّعْيُ لَيْسَ إحْيَاءً , وَلَوْ كَانَ إحْيَاءً لَمَلَكَ الْمَكَانَ مَنْ رَعَاهُ , وَهَذَا بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ بِأَسْخَفِ مُعَارَضَةٍ سُمِعَتْ , وَهُوَ ، أَنَّهُ قَالَ : الصَّيْدُ إذَا تَوَحَّشَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ مَاءً مِنْ بِئْرٍ مُتَمَلَّكَةٍ فِي وِعَائِهِ فَانْهَرَقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ , أَيَكُونُ شَرِيكًا بِذَلِكَ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ قال أبو محمد : الْبِئْرُ وَأَخْذُ الْمَاءِ مِنْهَا لاَ يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً أَوْ مُتَمَلَّكَةً , فَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَضْعَافَ مَا انْهَرَقَ لَهُ إنْ شَاءَ , وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ إنْ شَاءَ , كَمَا يَتْرُكُ النَّاسُ مَا لاَ قِيمَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيُبِيحُونَهُ لِمَنْ أَخَذَهُ , كَالنَّوَى , وَالتِّبْنِ , وَالزِّبْلِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يُطْلِقْهُ , وَلاَ أَبَاحَ أَخْذَهُ لأََحَدٍ , لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ , وَلَمَا حَلَّ لأََحَدٍ أَخْذُهُ , فَلاَ يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إِلاَّ بِإِبَاحَتِهِ لَهُ , أَوْ حَيْثُ أَبَاحَتْهُ الدِّيَانَةُ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى أَنَّ مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ , فَأَيُّمَا أَكْثَرُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ قَضِيبُ أَرَاكٍ , أَوْ أُيَّلٌ , أَوْ حِمَارُ وَحْشٍ , يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدِ مِنْهَا مَالاً , أَوْ أَرْضٌ تُسَاوِي الأَمْوَالَ , وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مُتَمَلَّكَةً , فَلاَ يَخْلُو آخِذُ الْمَاءِ مِنْهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَا أَخَذَ أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ , فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مِثْلَ مَا انْهَرَقَ لَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَضْعَافَهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَائِهَا لاَ مَا قَلَّ ، وَلاَ مَا كَثُرَ فَظَهَرَ هَذَرُ هَذَا الْجَاهِلِ وَتَخْلِيطُهُ. 1348 - مَسْأَلَةٌ : وَالإِحْيَاءُ هُوَ قَلْعُ مَا فِيهَا مِنْ عُشْبٍ , أَوْ شَجَرٍ , أَوْ نَبَاتٍ , بِنِيَّةِ الإِحْيَاءِ , لاَ بِنِيَّةِ أَخْذِ الْعُشْبِ وَالأَحْتِطَابِ فَقَطْ , أَوْ جَلْبِ مَاءٍ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ , أَوْ مِنْ عَيْنٍ , أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا لِسَقْيِهَا مِنْهُ , أَوْ حَرْثِهَا , أَوْ غَرْسِهَا , أَوْ تَزْبِيلِهَا , أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّزْبِيلِ مِنْ نَقْلِ تُرَابٍ إلَيْهَا , أَوْ رَمَادٍ , أَوْ قَلْعِ حِجَارَةٍ , أَوْ جَرْدِ تُرَابِ مِلْحٍ ، عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى يُمْكِنَ بِذَلِكَ حَرْثُهَا , أَوْ غَرْسُهَا , أَوْ أَنْ يُخْتَطَّ عَلَيْهَا بِحَظِيرٍ لِلْبِنَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ إحْيَاءٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r فَيَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ مَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فِي فَوْرِهِ وَكَثْرَتِهِ فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْبِئْرِ , أَوْ الْعَيْنِ , أَوْ النَّهْرِ , أَوْ السَّاقِيَّةِ , قَدْ مَلَكَهُ وَاسْتَحَقَّهُ ; لأََنَّهُ أَحْيَاهُ . وَلاَ خِلاَفَ فِي ضَرُورَةِ الْحِسِّ وَاللُّغَةِ أَنَّ الأَحْتِطَابَ وَأَخْذَ الْعُشْبِ لِلرَّعْيِ لَيْسَ إحْيَاءً وَمَا تَوَلَّى الْمَرْءُ مِنْ ذَلِكَ بِأُجَرَائِهِ وَأَعْوَانِهِ , فَهُوَ لَهُ , لاَ لَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. 1349 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ خَرَجَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنُ فِضَّةٍ , أَوْ ذَهَبٍ , أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ , أَوْ رَصَاصٍ , أَوْ قَزْدِيرٍ , أَوْ زِئْبَقٍ , أَوْ مِلْحٍ , أَوْ شَبٍّ , أَوْ زِرْنِيخٍ , أَوْ كُحْلٍ , أَوْ يَاقُوتٍ , أَوْ زُمُرُّدٍ , أَوْ بَجَادِيٍّ , أَوْ رهوبي , أَوْ بِلَّوْرٍ , أَوْ كَذَّانٍ , أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَهُوَ لَهُ , وَيُورَثُ عَنْهُ , وَلَهُ بَيْعُهُ , وَلاَ حَقَّ لِلإِمَامِ مَعَهُ فِيهِ , وَلاَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : تَصِيرُ الأَرْضُ لِلسُّلْطَانِ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ. وَلِقَوْلِهِ عليه السلام مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الأَرْضِ طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَلَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ تَخْرُجُ أَرْضُهُ الَّتِي مَلَكَ بِإِرْثٍ , أَوْ الَّتِي أَحْيَا ، عَنْ يَدِهِ مِنْ أَجْلِ وُجُودِ الْمَعْدِنِ فِيهَا وَمَا عَلِمْنَا لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ , وَنَسْأَلُهُ ، عَنْ مَسْجِدٍ ظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ , أَوْ لَوْ ظَهَرَ مَعْدِنٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , أَوْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ r أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَيَكُونُ لِلإِمَامِ أَخْذُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَأَخْذُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَالْمَقْبَرَةِ فَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَيُقْطِعُهَا مَنْ أَرَادَ أُفٍّ أُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَادَ إلَيْهِ. 1350 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ سَاقَ سَاقِيَةً , أَوْ حَفَرَ بِئْرًا , أَوْ عَيْنًا فَلَهُ مَا سَقَى كَمَا قَدَّمْنَا. وَلاَ يَحْفِرُ أَحَدٌ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِتِلْكَ الْعَيْنِ , أَوْ بِتِلْكَ الْبِئْرِ , أَوْ بِتِلْكَ السَّاقِيَةِ , أَوْ ذَلِكَ النَّهْرِ , أَوْ بِحَيْثُ يَجْلِبُ شَيْئًا مِنْ مَائِهَا عَنْهَا فَقَطْ , لاَ حَرِيمَ لِذَلِكَ أَصْلاً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا ; لأََنَّهُ إذَا مَلَكَ تِلْكَ الأَرْضَ فَقَدْ مَلَكَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : حَرِيمُ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا , وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ : حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا لأََعْطَانِ الإِبِلِ , وَالْغَنَمِ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ : حَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ ثَلاَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ : حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ : حَرِيمُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ حَدٌّ. وقال أبو حنيفة : حَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا , وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَبْلُهُمَا أَطْوَلَ , وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَلاَ يُعْلَمُ لأََبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلٍ فِي بِئْرِ النَّاضِحِ , وَقَدْ خَالَفَ الْمُرْسَلَ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ : هُوَ السُّنَّةُ , وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ فِي أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : هِيَ السُّنَّةُ فَهَلاَّ احْتَجُّوا هَهُنَا بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : هِيَ السُّنَّةُ 1351 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ , فَالْحُكْمُ أَنَّ السَّقْيَ لِلأَعْلَى فَالأَعْلَى لاَحِقٌ لِلأَسْفَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الأَعْلَى حَاجَتَهُ , وَحَقُّ ذَلِكَ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَ الأَرْضِ حَتَّى لاَ تَشْرَبَهُ وَيَرْجِعُ لِلْجِدَارِ أَوْ السِّيَاجِ , ثُمَّ يُطْلِقُهُ ، وَلاَ يُمْسِكُهُ أَكْثَرَ , وَسَوَاءٌ كَانَ الأَعْلَى أَحْدَثَ مِلْكًا أَوْ إحْيَاءً مِنْ الأَسْفَلِ , أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ , أَوْ أَقْدَمَ مِنْهُ , وَلاَ يُتَمَلَّكُ شِرْبُ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ أَصْلاً , وَلاَ شِرْبُ سَيْلٍ , وَتَبْطُلُ الدُّوَلُ وَالْقِسْمَةُ فِيهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَفَرُوا سَاقِيَةً وَبَنَوْهَا , فَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا مَاءَهَا بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فِيهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ أَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا , فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلزُّبَيْرِ : سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلزُّبَيْرِ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ قَالَ : اسْقِ ثُمَّ احْتَبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ. 1352 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَرَسَ أَشْجَارًا فَلَهُ مَا أَظَلَّتْ أَغْصَانُهَا عِنْدَ تَمَامِهَا , فَإِنْ انْتَثَرَتْ عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَخَذَ بِقَطْعِ مَا انْتَثَرَ مِنْهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : اخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r رَجُلاَنِ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ فَأَمَرَ عليه السلام بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِهَا فَذُرِعَتْ فَقَضَى بِذَلِكَ يَعْنِي بِمَبْلَغِهَا. وَأَمَّا انْتِثَارُهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ الأَنْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إِلاَّ مَا دَامَتْ نَفْسُهُ لَهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1353 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلاَةٍ ضَائِعَةً فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَقَامَ عَلَيْهَا فَصَلَحَتْ , أَوْ عَطِبَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعَهُ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ أَوْ غَاصَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخَذَهُ , فَكُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ الأَوَّلِ ، وَلاَ حَقَّ فِيهِ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَابَّتُهُ فَتَرَكَهَا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا : فَقُلْت لَهُ : عَمَّنْ يَا أَبَا عَمْرٍو قَالَ : إنْ شِئْت عَدَّدَتْ لَك كَذَا وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ الْوَاسِطِيُّ أَنَا مُطَرِّفٌ ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَأَصْلَحَهَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : هَذَا قَدْ قَضَى فِيهِ إنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي كَلاٍَ , وَأَمْنٍ , وَمَاءٍ , فَصَاحِبُهَا أَحَقُّ بِهَا , وَإِنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي مَخَافَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ فَاَلَّذِي أَخَذَهَا أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : سُئِلَ الْحَسَنُ عَمَّنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِأَرْضِ قَفْرٍ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَحَتْ قَالَ : هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. قَالَ : وَسُئِلَ الْحَسَنُ ، عَنِ السَّفِينَةِ تَغْرَقُ فِي الْبَحْرِ فِيهَا مَتَاعٌ لِقَوْمٍ شَتَّى فَقَالَ : مَا أَلْقَى الْبَحْرُ عَلَى سَاحِلِهِ , وَمَنْ غَاصَ عَلَى شَيْءٍ فَاسْتَخْرَجَهُ فَهُوَ لَهُ. قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ ; لأََنَّهُ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. 1354 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَلْزَمُ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الَّذِي وَجَدَهُ عِنْدَهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ , فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِمَا أَنْفَقَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَضَلَّ بَعِيرًا لَهُ نِضْوًا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَحَ وَسَمُنَ , فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَرَدِّ الدَّابَّةِ إلَى صَاحِبِهَا قَالَ الشَّعْبِيُّ : أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ : يَأْخُذُ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ سَمِينًا أَوْ مَهْزُولاً , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. الْمَرْفِقُ 1355 - مَسْأَلَةٌ : وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ فِي حَائِطِهِ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَابٍ , أَوْ أَنْ يَهْدِمَهُ إنْ شَاءَ فِي دَارِ جَارِهِ , أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ نَافِذٍ , وَيُقَالُ لِجَارِهِ : ابْنِ فِي حَقِّك مَا تَسْتُرُ بِهِ عَلَى نَفْسِك إِلاَّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الأَطِّلاَعِ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ. وَلاَ يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِحَائِطِ جَارِهِ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِذَلِكَ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ فَلاَ يُكَلَّفُ بُنْيَانَهُ وَيَقُولُ لِجَارِهِ : اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت , وَبَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ هُوَ حَائِطُ نَفْسِهِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّقْفِ وَالأَطِّلاَعِ مِنْهُ وَبَيْنَ قَاعِ الدَّارِ وَالأَطِّلاَعِ مِنْهُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ فَتْحِ كُوَّةٍ لِلضَّوْءِ وَبَيْنَ فَتْحِهَا هَكَذَا وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ , يُمْكِنُ الأَطِّلاَعُ مِنْهُ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ يَمْنَعُ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَقِّهِ وَفِي حَائِطِهِ مَا شَاءَ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ لاَ ضَرَرَ ، وَلاَ ضِرَارَ هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلاً , أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا زُهَيْرُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلاَّ أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ. وَلاَ ضَرَرَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُمْنَعَ الْمَرْءُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مُرَاعَاةً لِنَفْعِ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الضَّرَرُ حَقًّا. وَأَمَّا الأَطِّلاَعُ فَمَنْعُهُ وَاجِبٌ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ r : لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِعَصًا فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِحَصَاةٍ هُوَ أَصَحُّ. 1356- مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُرْسِلَ مَاءَ سَقْفِهِ أَوْ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ أَصْلاً , فَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَإِطْلاَقُهُ مَاءَ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالإِذْنُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ إذْنًا ; لأََنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ الرَّقَبَةَ , وَالإِذْنُ فِي شَيْءٍ مَا الْيَوْمَ غَيْرُ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ غَدًا بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1357 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ أَنْ يُدَخِّنَ عَلَى جَارِهِ ; لأََنَّهُ أَذًى , وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَذَى الْمُسْلِمِ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُعَلِّيَ بُنْيَانَهُ مَا شَاءَ وَإِنْ مَنَعَ جَارَهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَهُ بِغَيْرِ مَا أُبِيحَ لَهُ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِي حَقِّهِ مَا شَاءَ مِنْ حَمَّامٍ , أَوْ فُرْنٍ , أَوْ رَحًى , أَوْ كَمَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. 1358 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ , فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ هَدْمَ حَائِطِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِجَارِهِ : دَعِّمْ خَشَبَك أَوْ انْزَعْهُ فَإِنِّي أَهْدِمُ حَائِطِي , وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْخَشَبِ عَلَى ذَلِكَ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لاََرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ فَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِلْخَبَرِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. قَالَ عَلِيٌّ : الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ , وَقَوْلُهُ كُلُّهُ حَقٌّ وَعَنِ اللَّهِ تَعَالَى , وَكُلُّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا السَّمْعُ لَهُ وَالطَّاعَةُ , وَلَيْسَ بَعْضُهُ مُعَارِضًا لِبَعْضٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَاَلَّذِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَإِسْقَاطِ الْمِلْكِ بَعْدَ تَمَامِهِ , وَإِبْطَالِ الشِّرَاءِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَقَضَى بِالْعَاقِلَةِ , وَأَنْ يَغْرَمُوا مَا لَمْ يَجْنُوا , وَأَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا هُوَ الَّذِي قَضَى بِأَنْ يَغْرِزَ الْجَارُ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ , وَنَهَى ، عَنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوا هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ أَبَاحُوا ثَمَرَ النَّخْلِ , وَكِرَاءِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ : كُلُّ ذَلِكَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ , وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِ السُّنَنِ. فَنَقُولُ : أَمْوَالُنَا حَرَامٌ عَلَى غَيْرِنَا , إِلاَّ حَيْثُ أَبَاحَهَا الَّذِي حَرَّمَهَا. وقال بعضهم : قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ خَشَبَةً بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ . فَقُلْنَا : فَأَنْتُمْ لاَ تُجِيزُونَ لَهُ لاَ وَاحِدَةً ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ , فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكُلُّ خَشَبَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ خَشَبَةٌ , وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ أَنْ يَضَعَهَا فِي جِدَارِهِ , فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1359 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ , أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا , أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا , أَوْ بِئْرٍ اسْتَنْبَطَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَنْعُ الْفَضْلِ , بَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِهِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ , لاَ بِبَيْعٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلاَُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْعَطَّارِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ. 1360 - مَسْأَلَةٌ : وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ نَهْرٍ , أَوْ نَشْعٍ , أَوْ سَيْلٍ , فَاسْتَغَارَ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ كَمَا كَانَ , فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْهُ يَوْمًا مَا وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ عَامٍ فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ , وَمَا رَمَى النَّهْرُ مِنْ أَحَدِ عَدْوَتَيْهِ إلَى أُخْرَى فَهُوَ بَاقٍ بِحَسْبِهِ كَمَا كَانَ لِمَنْ كَانَ لَهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ تَبَدُّلَ مَجْرَى الْمَاءِ لاَ يُسْقِطُ مِلْكًا ، عَنْ مَالِكِهِ , وَلاَ يُحِلُّ مَالاً مُحَرَّمًا لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , وَهَذَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ بِلاَ بُرْهَانٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. 1361 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَكُونُ الأَرْضُ بِالإِحْيَاءِ إِلاَّ لِمُسْلِمٍ , وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلاَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَقَوْله تَعَالَى أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ وَنَحْنُ أُولَئِكَ لاَ الْكُفَّارُ , فَنَحْنُ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا اللَّهُ تَعَالَى الأَرْضَ فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا.
- * *