محلى ابن حزم - المجلد الثالث8
بسم الله الرحمن الرحيم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كِتَابُ الصُّلْحِ
1270 - مَسْأَلَةٌ :
لاَ يَحِلُّ الصُّلْحُ أَلْبَتَّةَ عَلَى الإِنْكَارِ , وَلاَ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لاَ إنْكَارَ مَعَهُ , وَلاَ إقْرَارَ , وَلاَ عَلَى إسْقَاطِ يَمِينٍ قَدْ وَجَبَتْ , وَلاَ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مُنْكِرٌ , وَإِنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الإِقْرَارِ بِالْحَقِّ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إِلاَّ أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لاَ إقْرَارَ مَعَهُ ، وَلاَ إنْكَارَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ , وَأَنْ يُقِرَّ إنْسَانٌ ، عَنْ غَيْرِهِ وَيُصَالِحَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهَذَا نَقْضٌ لأََصْلِهِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , إِلاَّ أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ وَهَذَا نَقْضٌ لأََصْلِهِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَصَالَحَهُ عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ , فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ : شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَلَوْ شَاءَ أَدَّيْتَهُ إلَيْهِ. فَهَذَا شُرَيْحٌ لَمْ يُجِزْ الصُّلْحَ إِلاَّ مَعَ قُدْرَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ بِأَدَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَيْهِ حَقَّهُ , وَفَسْخِهِ إنْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٌ قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ صُولِحَتْ ، عَنْ ثَمَنِهَا وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهَا مَا تَرَكَ زَوْجُهَا , فَتِلْكَ الرِّيبَةُ كُلُّهَا. وَهَذَا أَيْضًا بَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إِلاَّ عَلَى إقْرَارٍ بِمَعْلُومٍ.
وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : الصُّلْحُ عَلَى الإِنْكَارِ , وَعَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لاَ إقْرَارَ مَعَهُ ، وَلاَ إنْكَارَ جَائِزٌ.
قال أبو محمد : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَالٍ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ إِلاَّ حَيْثُ أَبَاحَ الْقُرْآنُ , وَالسُّنَّةُ إخْرَاجَهُ , أَوْ أَوْجَبَا إخْرَاجَهُ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِجَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ , قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ : إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ , فَقَالُوا لِي عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ , ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا : إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ , أَمَّا الْوَلِيدَةُ , وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ r الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ وَفَسَخَهُ.
قال أبو محمد : احْتَجَّ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُجِيزُونَ لِلصُّلْحِ عَلَى الإِنْكَارِ وَعَلَى سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ , وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , كِلاَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَوَكِيعٍ , وَهُشَيْمٍ , وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي شَيْءٍ فَقَالَ : إنَّهُ لَجَوْرٌ , وَلَوْ لاَ أَنَّهُ صُلْحٌ لَرَدَدْته. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قَالُوا : وَالصُّلْحُ عَلَى الإِنْكَارِ تِجَارَةٌ ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا.
قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَلْ كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا قوله تعالى : وَالصُّلْحُ خَيْرٌ , أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فَالْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ كِلْتَا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ لَيْسَتَا عَلَى عُمُومِهِمَا , وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ كُلَّ صُلْحٍ , وَلاَ كُلَّ عَقْدٍ , وَأَنَّ امْرَأً لَوْ صَالَحَ عَلَى إبَاحَةِ فَرْجِهِ , أَوْ فَرْجِ امْرَأَتِهِ , أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ , أَوْ عَلَى خَمْرٍ , أَوْ عَلَى تَرْكِ صَلاَةٍ , أَوْ عَلَى إرْقَاقِ حُرٍّ , أَوْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ هَذَا لَكَانَ هَذَا صُلْحًا بَاطِلاً لاَ يَحِلُّ , وَعَقْدًا فَاسِدًا مَرْدُودًا , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَلاَ يَكُونُ صُلْحٌ , وَلاَ عَقْدٌ يَجُوزُ إمْضَاؤُهُمَا , إِلاَّ صُلْحٌ , أَوْ عَقْدٌ : شَهِدَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِجَوَازِهِمَا. فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , لَكِنْ كُلُّ صُلْحٍ وَكُلُّ عَقْدٍ فَلاَزِمَانِ إِلاَّ صُلْحًا أَوْ عَقْدًا جَاءَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ بِإِبْطَالِهِمَا
قلنا : نَعَمْ , وَهُوَ قَوْلُنَا , وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالطَّاعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ r . وَقَالَ عليه السلام : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فَحُكْمُهُ الإِبْطَالُ , إِلاَّ شَرْطًا جَاءَ بِإِبَاحَتِهِ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ , وَكُلُّ عَقْدٍ , وَكُلُّ صُلْحٍ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ شَرْطٌ , فَحُكْمُهُمَا الإِبْطَالُ أَبَدًا حَتَّى يُصَحِّحَهُمَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ , وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ , وَلاَ فِي السُّنَّةِ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ عَلَى الإِنْكَارِ , وَلاَ عَلَى السُّكُوتِ ، وَلاَ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ , وَلاَ صُلْحِ إنْسَانٍ ، عَنْ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ , وَلاَ إقْرَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ , فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ بِيَقِينٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الصُّلْحِ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , وَكَلاَمُ عُمَرَ t فَكِلاَهُمَا لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَسَاقِطَةٌ ; لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِهَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ سَاقِطٌ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ , وَأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لاَ تَحِلُّ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ فَانْفَرَدَ بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِيهِ وَكِلاَهُمَا لاَ شَيْءَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا ; لأََنَّ الصُّلْحَ عَلَى الإِنْكَارِ وَعَلَى السُّكُوتِ , لاَ يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ حَقٍّ , وَالْمَطْلُوبُ مَانِعُ حَقٍّ أَوْ مُمَاطِلاً لِحَقٍّ أَوْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ بَاطِلٍ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُحِقًّا , فَحَرَامٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ , أَوْ أَنْ يَمْطُلَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إنْصَافِهِ حَتَّى يَضْطَرَّهُ إلَى إسْقَاطِهِ بَعْضَ حَقِّهِ , أَوْ أَخْذِ غَيْرِ حَقِّهِ , فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أَكَلَ مَالَ الطَّالِبِ بِالْبَاطِلِ وَبِالظُّلْمِ , وَالْمَطْلِ , وَالْكَذِبِ , وَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُبْطِلاً فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْبَاطِلِ , وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ حَقٍّ , بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , فَالطَّالِبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ : أَكَلَ مَالَ الْمَطْلُوبِ بِالْبَاطِلِ , وَالظُّلْمِ , وَالْكَذِبِ , وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَلَعَمْرِي , إنَّنَا لَيَطُولُ عَجَبُنَا كَيْفَ خَفِيَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَشْهُرُ مِنْ الشَّمْسِ عَلَى مَنْ أَجَازَ الصُّلْحَ بِغَيْرِ الإِقْرَارِ إذْ لاَ بُدَّ فِيهِ ضَرُورَةً مِنْ أَكْلِ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ لأََحَدِ الْمُتَصَالِحَيْنِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْيَمِينِ فَلاَ تَخْلُو تِلْكَ الْيَمِينُ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا الْمُنْكِرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً إنْ حَلَفَ بِهَا , أَوْ تَكُونَ كَاذِبَةً إنْ حَلَفَ بِهَا ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ كَاذِبًا إنْ حَلَفَ : فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ آكِلٌ مَالَ خَصْمِهِ بِالْبَاطِلِ , وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ صَادِقًا إنْ حَلَفَ فَحَرَامٌ عَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ بِالْبَاطِلِ , وَهَذَا لاَ خَفَاءَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ يَتَأَمَّلُهُ وَيَسْمَعُهُ.
وَأَمَّا مُصَالَحَةُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَهَذَا أَبْطَلُ الْبَاطِلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ , فَهُوَ بَاطِلٌ , وَمُصَالَحَتُهُ ، عَنْ غَيْرِهِ لاَ تَخْلُو أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ , أَوْ مَطْلُوبًا بِحَقٍّ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ فَحَرَامٌ عَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ أَوْ شَيْئًا أَصْلاً بِطَلَبِ بَاطِلٍ فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِحَقٍّ , فَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ ضَامِنًا لِمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَذَا جَائِزٌ , وَالْحَقُّ قَدْ تَحَوَّلَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقِرِّ , فَإِنَّمَا صَالَحَ حِينَئِذٍ ، عَنْ نَفْسِهِ لاَ ، عَنْ غَيْرِهِ , وَعَنْ حَقٍّ يَأْخُذُهُ بِهِ الطَّالِبُ كُلُّهُ إنْ شَاءَ , وَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ لاَ نَمْنَعُ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُصَالِحَ ، عَنْ غَيْرِهِ دُونَ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ صُلْحٍ عَلَى غَيْرِ الإِقْرَارِ فَهُوَ مُحِلٌّ حَرَامًا وَمُحَرِّمٌ حَلاَلاً , ذَانِكَ الأَثَرَانِ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ قَاطِعَةً. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ , فَإِنْ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي جَاءَ الْقُرْآنُ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِإِيجَابِهَا وَإِبَاحَتِهَا , وَأَمَّا كُلُّ شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ أَوْ إيجَابِهِ فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ , بَلْ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْكَافِرِينَ أَوْ الْفَاسِقِينَ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ الْبَاطِلُ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ شَكٍّ.
وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ فَهُوَ خَبَرُ سُوءٍ , يُعِيذُ اللَّهُ عَلِيًّا فِي سَابِقَتِهِ , وَفَضْلِهِ , وَإِمَامَتِهِ مِنْ أَنْ يُنْفِذَ الْجَوْرَ وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ جَوْرٌ. وَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ هَلْ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُنْفِذَ جَوْرًا لَئِنْ صَحَّ هَذَا لَيُنْفِذَنَّ الرِّبَا , وَالزِّنَى وَالْغَارَةُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ ; لأََنَّهُ كُلُّهُ جَوْرٌ. وَالآفَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْبَلِيَّةُ مِنْ قِبَلِ الإِرْسَالِ ; لأََنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً وَإِنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْخَبَرَ بِلاَ شَكٍّ , مِنْ قِبَلِ الْحَارِثِ وَأَشْبَاهِهِ , وَهَذَا عَيْبُ الْمُرْسَلِ. ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْبَلِيَّةِ , وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا فَلاَ يَرَوْنَ إنْفَاذَ الْجَوْرِ , لاَ فِي صُلْحٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ , وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّيَانَةِ , وَضَلاَلٌ , وَإِضْلاَلٌ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ.
قلنا : هَذَا لاَ يَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ أَصْلاً ; لأََنَّنَا إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ عُمَرَ , وَعُمَرُ لَمْ يُدْرِكْهُ مُحَارِبٌ , وَمُحَارِبٌ ثِقَةٌ , فَهُوَ مُرْسَلٌ. وَيُعِيذُ اللَّهُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَأْمُرُ بِتَرْدِيدِ ذِي الْحَقِّ ، وَلاَ يَقْضِي لَهُ بِحَقِّهِ , هَذَا الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ اللَّذَانِ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ فِي إمَامَتِهِ وَدِينِهِ وَصَرَامَتِهِ فِي الْحَقِّ مِنْ أَنْ يَفُوهَ بِهِ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي أَيُّهَا الْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَرِّفُونَا مَا حَدُّ هَذَا التَّرْدِيدِ الَّذِي تُضِيفُونَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ t وَتَحْتَجُّونَ بِهِ وَتَأْمُرُونَ بِهِ أَتَرْدِيدُ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ تَرْدِيدٌ فِي اللُّغَةِ بِلاَ شَكٍّ , أَمْ تَرْدِيدُ يَوْمٍ , أَمْ تَرْدِيدُ جُمُعَةٍ , أَمْ تَرْدِيدُ شَهْرٍ , أَوْ تَرْدِيدُ سَنَةٍ , أَمْ تَرْدِيدُ بَاقِي الْعُمْرِ فَكُلُّ ذَلِكَ تَرْدِيدٌ , وَلَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ بِاسْمِ التَّرْدِيدِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , وَكُلُّ مَنْ حَدَّ فِي هَذَا التَّرْدِيدِ حَدًّا فَهُوَ كَذَّابٌ , قَائِلٌ بِالْبَاطِلِ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ تَرْكَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَنْزِلَ الْمُحِقُّ عَلَى حُكْمِ الْبَاطِلِ , أَوْ يَتْرُكَ الطَّلَبَ , أَوْ يَمَلَّ مِنْ طَلَبِ الْمُبْطِلِ فَيُعْطِيَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ أَشَدُّ تَوْرِيثًا لِلضَّغَائِنِ بَيْنَ الْقَوْمِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِلاَ شَكٍّ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الإِسْنَادَ فِي دِينِنَا فَصْلاً بَيْنَ الْحَقِّ وَالْكَذِبِ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأََخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ ، وَلاَ دِرْهَمٌ , وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ. فَإِنْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةٍ فِي هَذَا الْبَابِ , فَإِنَّ فِيهِ إيجَابَ التَّحَلُّلِ مِنْ كُلِّ مَظْلَمَةٌ , وَالتَّحَلُّلُ ضَرُورَةً لاَ يَكُونُ بِإِنْكَارِ الْحَقِّ أَصْلاً , بَلْ هَذَا إصْرَارٌ عَلَى الظُّلْمِ , وَإِنَّمَا التَّحَلُّلُ بِالأَعْتِرَافِ , وَالتَّوْبَةِ , وَالنَّدَمِ , وَطَلَبِ أَنْ يُجْعَلَ فِي حِلٍّ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُنَا , وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ صُلْحٍ أَصْلاً , وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ , وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْخُرُوجِ ، عَنِ الظُّلْمِ , فَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ , وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ سَبُّ عِرْضٍ طَلَبَ التَّحَلُّلَ , وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ قِصَاصٌ اقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْعَفْوِ ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1271 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا صَحَّ الإِقْرَارُ بِالصُّلْحِ , فأما أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ مَا لَهُ عَلَيْهِ وَيُبْرِئَهُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ بَاقِيهِ بِاخْتِيَارِهِ , وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَفَعَلَ : فَهَذَا حَسَنٌ جَائِزٌ بِلاَ خِلاَفٍ , وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ.
وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ عَيْنًا مُعَيَّنَةً حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ , فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ , وَيَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الْبَيْعِ ، وَلاَ مَزِيدَ , أَوْ بِالإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الإِجَارَةُ , لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْمُؤَاجَرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ الأَعْرَجِ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مَالٌ فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : أَيَا كَعْبُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ : النِّصْفَ , فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفَهُ.
1272- مَسْأَلَةٌ :
وَلا يَجُوزُ فِي الصُّلْحِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إبْرَاءٌ مِنْ الْبَعْضِ شَرْطُ تَأْجِيلٍ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ , فَهُوَ بَاطِلٌ , لَكِنَّهُ يَكُونُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ يُنْظِرُهُ بِهِ مَا شَاءَ بِلَا شَرْطٍ ; لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ .
1273 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَالرِّضَا لاَ يَكُونُ فِي مَجْهُولٍ أَصْلاً , إذْ قَدْ يَظُنُّ الْمَرْءُ أَنَّ حَقَّهُ قَلِيلٌ فَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِهِ , فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَثِيرٌ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ وَلَكِنْ مَا عُرِفَ قَدْرُهُ جَازَ الصُّلْحُ فِيهِ , وَمَا جُهِلَ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ إلَى يَوْمِ الْحِسَابِ. وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ عَلِيًّا إلَى بَنِي جَذِيمَةَ إذَا أَوْقَعَ بِهِمْ خَالِدٌ فَبَعَثَهُ عليه السلام بِمَالٍ فَوَدَى لَهُمْ الدِّمَاءَ وَالأَمْوَالَ حَتَّى إنَّهُ لَيَدِيَ لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ , حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ مَالٍ ، وَلاَ دَمٍ حَتَّى أَدَّاهُ وَبَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ : هَلْ بَقِيَ لَكُمْ دَمٌ أَوْ مَالٌ قَالُوا : لاَ , قَالَ : فَإِنِّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ مِنْ الْمَالِ احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللَّهِ r مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ ، وَلاَ تَعْلَمُونَ , فَفَعَلَ , فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ , ثُمَّ هُوَ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صُلْحٌ مُشْتَرَطٌ عَلَى طَلَبِ حَقٍّ مَجْهُولٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرْنَا , وَإِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ لِقَوْمٍ لاَ يَدَّعُونَ حَقًّا أَصْلاً , بَلْ هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَلَبٌ أَصْلاً , وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ التَّطَوُّعَ مِمَّنْ لاَ يُطْلَبُ بِحَقٍّ , بَلْ هُوَ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1274 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الأَمْوَالِ الْوَاجِبَةِ الْمَعْلُومَةِ بِالإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ , إِلاَّ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَقَطْ : فِي الْخُلْعِ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي : ( كِتَابِ النِّكَاحِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. أَوْ فِي كَسْرِ سِنٍّ عَمْدًا , فَيُصَالِحُ الْكَاسِرُ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ أَوْ فِي جِرَاحَةٍ عَمْدًا عِوَضًا مِنْ الْقَوَدِ أَوْ فِي قَتْلِ نَفْسٍ عِوَضًا مِنْ الْقَوَدِ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ , أَوْ بِأَكْثَرَ , وَبِغَيْرِ مَا يَجِبُ فِي الدِّيَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ إعْطَاءُ مَالٍ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ أَوْ إيجَابِهِ. وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ شَرْطٌ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ حَيْثُ أَبَاحَهُ نَصٌّ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَلَمْ يُبِحْ النَّصُّ إِلاَّ حَيْثُ ذَكَرْنَا فَقَطْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ أُخْتُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَتَوْا النَّبِيَّ r فَقَضَى بِكِتَابِ اللَّهِ الْقِصَاصَ فَقَالَ ابْنُ النَّضْرِ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا الْيَوْمَ , قَالَ : يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ , فَرَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ.
فإن قيل : فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ جِرَاحَةٌ , وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا الدِّيَةَ. وَرَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ , وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ , وَكِلاَهُمَا ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسٍ , فَذَكَرَ أَنَّهُمْ عَفَوْا وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً ، وَلاَ أَرْشًا. وَرَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ , كِلاَهُمَا ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ أَمَرَ النَّبِيِّ r بِالْقِصَاصِ فَقَطْ.
قلنا : نَعَمْ , وَكُلُّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخَالِفًا لِسَائِرِ ذَلِكَ ; لأََنَّ سُلَيْمَانَ , وَثَابِتًا , وَبِشْرًا , وَخَالِدًا , زَادُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَبِي خَالِدٍ , وَالأَنْصَارِيِّ : الْعَفْوَ ، عَنِ الْقِصَاصِ , وَلَمْ يَذْكُرْ الأَنْصَارِيُّ ، وَلاَ أَبُو خَالِدٍ عَفْوًا , وَلاَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْفُوا , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ , وَزَادَ سُلَيْمَانُ , وَثَابِتٌ عَلَى الأَنْصَارِيِّ , وَأَبِي خَالِدٍ , وَبِشْرٍ , ذِكْرَ قَبُولِ الأَرْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلاَءِ خِلاَفَ ذَلِكَ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ , وَقَالَ ثَابِتٌ : دِيَةٌ , وَقَالَ سُلَيْمَانُ : أَرْشٌ. وَهَذَا لَيْسَ اخْتِلاَفًا ; لأََنَّ كُلَّ دِيَةٍ أَرْشٌ وَكُلَّ أَرْشٍ دِيَةٌ , إِلاَّ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا , وَمِنْهُ مَا يَكُونُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ ، وَلاَ مَحْدُودٍ , وَالتَّوْقِيتُ لاَ يُؤْخَذُ إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ بِهِ , فَوَجَبَ حَمْلُ مَا رُوِّينَاهُ عَلَى عُمُومِهِ , وَجَوَازُ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا اخْتِلاَفُ ثَابِتٍ , وَسُلَيْمَانَ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ ثَابِتٌ : جِرَاحَةٌ ، وَأَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ الَّتِي أَقْسَمَتْ أَنْ لاَ يُقْتَصَّ مِنْهَا , وَقَالَ سُلَيْمَانُ : كَسْرُ سِنٍّ , وَأَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ أَقْسَمَ أَنْ لاَ يُقْتَصَّ مِنْهَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ فِي قَضِيَّتَيْنِ , وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ; لأََنَّ كَسْرَ السِّنِّ جِرَاحَةٌ ; لأََنَّهُ يُدْمِي وَيُؤَثِّرُ فِي اللِّثَةِ فَهِيَ جِرَاحَةٌ , فَزَادَ سُلَيْمَانُ بَيَانًا إذْ بَيَّنَ أَنَّهُ كَسْرُ سِنٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْجِرَاحَةُ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلاَجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ , فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالُوا : الْقَوَدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا , فَقَالَ : لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا , فَقَالَ : لَكُمْ كَذَا وَكَذَا , فَرَضُوا. فَهَذَا الصُّلْحُ عَلَى الشَّجَّةِ بِمَا يَتَرَاضَى بِهِ الْفَرِيقَانِ.
فإن قيل : فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِيهِ , وَفِيهِ : فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شَجَّهُ قلنا : هَذِهِ بِلاَ شَكٍّ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ , وَخَبَرٌ وَاحِدٌ , وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بَيَانَ ذِكْرِ شَجِّهِ , وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ.
وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي النَّفْسِ : فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ : ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ : وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَفْدِيَ , وَأَمَّا أَنْ يَقْتُلَ. فإن قيل : فَهَذَا خَبَرٌ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ : بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ , وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. قلنا : نَعَمْ , كِلاَهُمَا صَحِيحٌ وَحَقٌّ وَجَائِزٌ أَنْ يُلْزِمَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَاتِلَ الدِّيَةَ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَالِحَهُ حِينَئِذٍ الْقَاتِلُ بِمَا يُرْضِيه بِهِ , فَكِلاَ الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1275 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ صَالَحَ ، عَنْ دَمٍ , أَوْ كَسْرِ سِنٍّ , أَوْ جِرَاحَةٍ , أَوْ ، عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ , فَذَلِكَ جَائِزٌ , فَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ , أَوْ كُلَّهُ بَطَلَتْ الْمُصَالَحَةُ وَعَادَ عَلَى حَقِّهِ فِي الْقَوَدِ وَغَيْرِهِ ; لأََنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ حَقَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ , فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَلَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مِنْ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِسُكْنَى دَارٍ , أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ , وَانْهَدَمَتْ الدَّارُ , أَوْ اسْتَحَقَّا بَطَلَ الصُّلْحُ وَعَادَ عَلَى حَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(تَمَّ كِتَابُ الصُّلْحِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ)
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْمُدَايِنَاتِ وَالتَّفْلِيسِ
1276 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ثَبَتَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ مَالٍ أَوْ مِمَّا يُوجِبُ غُرْمَ مَالٍ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ , أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ صَحِيحٍ : بِيعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ , وَأُنْصِفَ الْغُرَمَاءَ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُسْجَنَ أَصْلاً , إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ لَهُ مِنْ نَوْعٍ مَا عَلَيْهِ فَيُنْصَفُ النَّاسُ مِنْهُ بِغَيْرِ بَيْعٍ , كَمَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَوُجِدَتْ لَهُ دَرَاهِمُ , أَوْ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَوُجِدَ لَهُ طَعَامٌ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ. وَلِتَصْوِيبِ رَسُولِ اللَّهِ r قَوْلَ سَلْمَانَ : أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ; وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. فَسِجْنُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إنْصَافِ غُرَمَائِهِ ظُلْمٌ لَهُ وَلَهُمْ مَعًا , وَحُكْمٌ بِمَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ , وَلاَ رَسُولُهُ r وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ r سِجْنٌ قَطُّ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلاَمٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : حَبْسُ الرَّجُلِ فِي السِّجْنِ بَعْدَ مَا يَعْرِفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ظُلْمٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : لاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ , لَكِنْ يُسْجَنُ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ. ثُمَّ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا : إِلاَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ فَتُوجَدُ لَهُ دَنَانِيرُ , أَوْ يَكُونَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ فَتُوجَدُ لَهُ دَرَاهِمُ , فَإِنَّ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ يُبَاعُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الدَّنَانِيرِ وَابْتِيَاعِ دَرَاهِمَ , وَبَيْنَ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَابْتِيَاعِ مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا , وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْصَافَ ذِي الْحَقِّ مِنْ أَنْفُسِنَا , وَمِنْ غَيْرِنَا. وَمَنَعَ تَعَالَى مِنْ السِّجْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَافْتَرَضَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ. فَمَنَعُوا الْمَدِينَ مِنْ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ , وَمِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ , وَمِنْ الْمَشْيِ فِي مَنَاكِبِ الأَرْضِ وَمَنَعُوا صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ تَعْجِيلِ إنْصَافِهِ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ فَظَلَمُوا الْفَرِيقَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ : مِنْهَا : رِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ : أَنَّ غُلاَمَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ بَيْنَهُمَا غُلاَمٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَحَبَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى بَاعَ غَنِيمَتَهُ وَعَنِ الْحَسَنِ : أَنَّ قَوْمًا اقْتَتَلُوا فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r فَحَبَسَهُمْ.
قال أبو محمد : كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ , أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَفِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَانْفَرَدَ عَنْهُ أَيْضًا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , وَحَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ضَعِيفٌ. وَمِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا فِيمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ : إنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا فَإِنْ احْتَجُّوا بِهِ فِي الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ فَلْيَأْخُذُوا بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ وَإِلَّا فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ بِالدَّيْنِ. فَإِنْ قَالُوا : هَذَا مَنْسُوخٌ قِيلَ لَهُمْ : أَتَرَوْنَ خَصْمَكُمْ يَعْجِزُ ، عَنْ أَنْ يَقُولَ لَكُمْ : وَالْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ , وَالْجَمَاعَاتِ وَحَدِيثُ الْحَبْسِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَتَهُ مُرْسَلٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّهُ قَدْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْهَرَبُ بِغَنِيمَتِهِ فَحُبِسَ لِيَبِيعَهَا , وَهَذَا حَقٌّ لاَ نُنْكِرُهُ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَبْسُ الَّذِي يَرَوْنَ هُمْ , وَلاَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا. وَقَدْ يَكُونُ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي بَاعَهَا رَاجِعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r . وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ إمْسَاكًا فِي الْمَدِينَةِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَصْلاً أَنَّهُ حُبِسَ فِي سِجْنٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً , وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّمَا هُوَ حَبْسٌ فِي قَتِيلٍ , وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَحْبِسُ مَنْ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِسِجْنٍ فَيَسْجُنُ الْبَرِيءَ مَعَ النُّطَفِ , هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعَدُوَّانِ , لاَ فِعْلُهُ عليه السلام , وَاَللَّهِ لَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِيمَا بَيْنَ أَظْهُرِ شَرِّ الأُُمَّةِ وَهُمْ الْيَهُودُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَمَا اسْتَجَازَ عليه السلام سِجْنَهُمْ , فَكَيْفَ أَنْ يَسْجُنَ فِي تُهْمَةٍ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي إلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ بِالدَّمِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ حَدُّوا حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ.
وَإِنْ قَالُوا : إلَى الأَبَدِ , تَرَكُوا قَوْلَهُمْ , فَهُمْ أَبَدًا يَتَكَسَّعُونَ فِي ظُلْمَةِ الْخَطَأِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسَكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً هَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْسُوخَةٌ. فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَسْتَشْهِدُ بِآيَةٍ قَدْ نُسِخَتْ , وَبَطَلَ حُكْمُهَا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ أَيْضًا , وَفِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ لاَ نَصَّ ، وَلاَ دَلِيلَ ، وَلاَ أَثَرَ. وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُنَا :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أُصِيبَ رَجُلٌ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَثُرَ دَيْنُهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ. فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ غَيْرَ مَا وَجَدُوا لَهُ , وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَبْسُهُ , وَأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ سِوَاهُ ; فإن قيل : رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام بَاعَ لَهُمْ مَالَ مُعَاذٍ.
قلنا : هَكَذَا نَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْ طَرِيقِ السَّنَدِ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ , لَكِنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي لَهُمْ بِعَيْنِ مَالِهِ , ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ وَيُقَسِّمُ عَلَيْهِمْ الْحِصَصُ ; لأََنَّهُ لاَ سَبِيلَ إلَى إنْصَافِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَشُرَيْحٍ , وَالشَّعْبِيِّ , فَإِنَّ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ حَبَسَ عَصَبَةَ مَنْفُوسٍ يُنْفِقُونَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ ، وَأَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ اشْتَرَى دَارًا لِلسِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا ; لأََنَّ حَبْسَ عُمَرَ لِلْعَصَبَةِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ إمْسَاكٌ وَحُكْمٌ وَقَصْرٌ , لاَ سِجْنٌ ; لأََنَّ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْجُنَهُمْ أَبَدًا وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ امْتِنَاعٌ. ثُمَّ هُمْ لاَ يَقُولُونَ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ , فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ , فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي شَيْءٍ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي : فَكُلُّهُمْ لاَ يَرَاهُ بَيْعًا صَحِيحًا , بَلْ فَاسِدًا مَفْسُوخًا , فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ مُسْلِمٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِحُكْمٍ يَرَاهُ بَاطِلاً وَالْمَحْفُوظُ ، عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَبَسَ فِي دَيْنٍ : هِيَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ خِلاَفَ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ.
وَأَمَّا شُرَيْحٌ , وَالشَّعْبِيُّ , فَمَا عَلِمْنَا حُكْمَهُمَا حُجَّةً , وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمَا أَنَّ الأَجِيرَ , وَالْمُسْتَأْجِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَفْسَخُ الإِجَارَةَ إذَا شَاءَ , وَإِنْ كَرِهَ الآخَرُ , وَهُمْ كُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحُكْمِ , فَالشَّعْبِيُّ , وَشُرَيْحٌ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا , وَلَيْسَا حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا , أُفٍّ لِهَذِهِ الْعُقُولِ , وَالأَدْيَانِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ ، عَنْ عَلِيٍّ إنْكَارَ السِّجْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ دِلاَفٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ إلَى أَجَلٍ فَيُغَالِي بِهَا فَأَفْلَسَ , فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ , فَإِنَّ الأَسْفَعَ أَسَفْعَ بَنِي جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ : سَبَقَ الْحَاجُّ , وَأَنَّهُ ادَّانَ مُعْرِضًا , فَأَصْبَحَ قَدْ دِينَ بِهِ , فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَفْدِ بِالْغَدَاةِ فَإِنَّا قَاسِمُونَ مَالَهُ بِالْحِصَصِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِك بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِرَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ : أَحْبِسْهُ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَلَهُ مَالٌ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ , قَدْ لَجَأَهُ مَالٌ قَالَ : أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَجَأَهُ وَإِلَّا أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ مَا لَجَأَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ بِآخَرَ فَقَالَ لَهُ إنَّ لِي عَلَى هَذَا دَيْنًا فَقَالَ لِلآخَرِ : مَا تَقُولُ قَالَ : صَدَقَ قَالَ : فَاقْضِهِ قَالَ : إنِّي مُعْسِرٌ , فَقَالَ لِلآخَرِ : مَا تُرِيدُ قَالَ : أَحْبِسُهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لاَ , وَلَكِنْ يَطْلُبُ لَك وَلِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ قَالَ غَالِبٌ الْقَطَّانُ : وَشَهِدْت الْحَسَنَ وَهُوَ عَلَى الْقَضَاءِ قَضَى بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ عَيْنُ مَالٍ فَآخُذُهُ بِهِ قَالَ : لاَ , قَالَ : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ عَقَارًا أَكْسِرُهُ قَالَ : لاَ , ثُمَّ ذَكَرَ امْتِنَاعَهُ مِنْ أَنْ يَحْبِسَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَرْزُقَهُ اللَّهُ.
وَحَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُؤَاجِرُ الْمُفْلِسَ فِي شَرِّ صَنْعَةٍ. قال أبو محمد : أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ , وَنَهَى ، عَنِ الْمَطْلِ وَالسِّجْنِ , فَالسِّجْنُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ , وَمَنْعُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ تَعْجِيلِ حَقِّهِ مَطْلٌ وَظُلْمٌ , ثُمَّ تَرْكُ مَنْ صَحَّ إفْلاَسُهُ لاَ يُؤَاجِرُ لِغُرَمَائِهِ مَطْلٌ وَظُلْمٌ فَلاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ إنْصَافُ غُرَمَائِهِ وَإِعْطَاؤُهُمْ حَقَّهُمْ , فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالإِجَارَةِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ فِي الْمُفْلِسِ قَالَ : لاَ يَحْبِسُهُ , وَلَكِنْ يُرْسِلُهُ يَسْعَى فِي دَيْنِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1277 - مَسْأَلَةٌ :
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ , فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أُلْزِمَ الْغُرْمَ وَسُجِنَ حَتَّى يُثْبِتَ الْعَدَمَ , وَلاَ يُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ شُهُودٍ لَهُ بِذَلِكَ , وَلاَ يُمْنَعُ خَصْمُهُ مِنْ لُزُومِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ حَيْثُ مَشَى , أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَهُ , فَإِنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ سُرِّحَ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ : مَا لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ , وَمُنِعَ خَصْمُهُ مِنْ لَزَوْمه , وَأُوجِرَ لِخُصُومِهِ , وَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ نَفَقَاتٍ , أَوْ صَدَاقٍ , أَوْ ضَمَانٍ , أَوْ جِنَايَةٍ , فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَنَّهُ عَدِيمٌ , وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ , حَتَّى يُثْبِتَ خَصْمُهُ أَنَّ لَهُ مَالاً , لَكِنْ يُؤَاجَرُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِنْ صَحَّ أَنَّ لَهُ مَالاً غَيَّبَهُ أُدِّبَ وَضُرِبَ حَتَّى يُحْضِرَهُ أَوْ يَمُوتَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ. وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ , وَمِنْ الْمُنْكَرِ مَطْلُ الْغَنِيِّ , فَمَنْ صَحَّ غِنَاهُ وَمَنَعَ خَصْمَهُ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا وَظُلْمًا , وَكُلُّ ظُلْمٍ مُنْكَرٌ , فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ , وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ; فَوَاجِبٌ أَنْ يُضْرَبَ عَشَرَةً ; فَإِنْ أَنْصَفَ فَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ , وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْمَطْلِ فَقَدْ أَحْدَثَ مُنْكَرًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ أَيْضًا عَشَرَةً , وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يُنْصِفَ , وَيَتْرُكَ الظُّلْمَ , أَوْ يَقْتُلَهُ الْحَقُّ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ وُجُوهِ الْحُقُوقِ : فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالاً , وَمَنْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالاً فَوَاجِبٌ أَنْ يُنْصَفَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ وَهُوَ فِي تَلَفِهِ مُدَّعِي وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَمَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانٍ , أَوْ جِنَايَةٍ , أَوْ صَدَاقٍ , أَوْ نَفَقَةٍ , فَالْيَقِينُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ : هُوَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ وُلِدَ عُرْيَانَ لاَ شَيْءَ لَهُ , فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ قَدْ صَحَّ لَهُمْ الْفَقْرُ , فَهُمْ عَلَى مَا صَحَّ مِنْهُمْ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُمْ كَسَبُوا مَالاً وَهُوَ فِي أَنَّهُ قَدْ كَسَبَ مَالاً مُدَّعًى عَلَيْهِ , وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ , وَغَيْرِهِمَا. وَخَالَفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَزَقَ الْجَمِيعَ.
قال أبو محمد : لَمْ نُخَالِفْهُ فِي الرِّزْقِ , بَلْ الرِّزْقُ مُتَيَقَّنٌ , وَأَوَّلُهُ لَبَنُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ , فَلَوْلاَ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا عَاشَ أَحَدٌ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ , وَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الرِّزْقِ يُنْصَفُ الْغُرَمَاءُ , وَإِنَّمَا يُنْصَفُونَ مِنْ فُضُولِ الرِّزْقِ وَهِيَ الَّتِي لاَ يَصِحُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَاهَا الإِنْسَانَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
وَأَمَّا الْمُؤَاجَرَةُ : فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1278 - مَسْأَلَةٌ : فإن قيل : إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِئْجَارِهِ
قلنا : بَلْ يُوجِبُ اسْتِئْجَارَهُ ; لأََنَّ الْمَيْسَرَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِسَعْيٍ ,
وَأَمَّا بِلاَ سَعْيٍ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فَنَحْنُ نُجْبِرُهُ عَلَى ابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَمَرَهُ تَعَالَى بِابْتِغَائِهِ , فَنَأْمُرُهُ وَنُلْزِمُهُ التَّكَسُّبَ لِيُنْصِفَ غُرَمَاءَهُ وَيَقُومَ بِعِيَالِهِ وَنَفْسِهِ , وَلاَ نَدَعُهُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ وَالْحَقَّ اللَّازِمَ لَهُ.
1279 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَخْلُو الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ لَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَيَفْضُلُ لَهُ , فَهَذَا يُبَاعُ مِنْ مَالِهِ مَا يَفْضُلُ ، عَنْ حَاجَتِهِ فَيُنْصَفُ مِنْهُ غُرَمَاؤُهُ , وَمَا تَلِفَ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ فَمِنْ مُصِيبَتِهِ لاَ مِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ ; لأََنَّ حُقُوقَهُمْ فِي ذِمَّتِهِ لاَ فِي , شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ , أَوْ يَكُونَ كُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ ، وَلاَ يَفْضُلُ لَهُ شَيْءٌ , أَوْ لاَ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ : فَهَذَانِ يَقْضِي بِمَا وُجِدَ لَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ , فَمَا تَلِفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُمْ بِمَالِهِ فَمِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ ; لأََنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَدْ صَارَ لَهُمْ إنْ شَاءُوا اقْتَسَمُوهُ بِالْقِيمَةِ , وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى , بَيْعِهِ بِيعَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَفَّى بَعْضَ مَالِهِ بِمَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَوْلَى بِأَنْ يُبَاعَ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ , فَيُنْظَرُ : أَيُّ مَالِهِ هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيُبَاعُ , وَمَا لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ فَلاَ يُبَاعُ ; لأََنَّ هَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَتَرْكُ الْمُضَارَّةِ , فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ أُقْرِعَ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَالِ , فَأَيُّهَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِيعَ فِيمَا أُلْزِمَهُ.
1280- مَسْأَلَةٌ : وَيُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ الَّذِي يُوجَدُ لَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ بِالْقِيمَةِ كَمَا يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ عَلَى الْحَاضِرِينَ الطَّالِبِينَ الَّذِينَ حَلَّتْ آجَالُ حُقُوقِهِمْ فَقَطْ , وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِمْ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُ , وَلاَ غَائِبٌ لَمْ يُوَكِّلْ , وَلاَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ ; لأََنَّ مَنْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ فَلاَ حَقَّ لَهُ بَعْدُ , وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى مَا لَمْ يَطْلُبْ , وَقَدْ وَجَبَ فَرْضًا إنْصَافُ الْحَاضِرِ الطَّالِبِ فَلاَ يَحِلُّ مَطْلُهُ بِفَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلْغُرَمَاءِ الْحَاضِرِينَ : خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ فَإِذَا أَخَذُوهُ فَقَدْ مَلَكُوهُ فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا مَلَكُوهُ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا الْمَيِّتُ بِفَلَسْ : فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ مِنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ طَلَبَا أَوْ لَمْ يَطْلُبَا وَلِكُلِّ ذِي دَيْنٍ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ حَالًّا ; لأََنَّ الآجَالَ تَحِلُّ كُلُّهَا بِمَوْتِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ , أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَاتِ الْقَرْضِ ". وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَلاَ مِيرَاثَ إِلاَّ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ , فَوَاجِبٌ إخْرَاجُ الدُّيُونِ إلَى أَرْبَابِهَا وَالْوَصَايَا إلَى أَصْحَابِهَا , ثُمَّ يُعْطَى الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ فِيمَا أَبْقَى , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1281 - مَسْأَلَةٌ : وَإِقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ لاَزِمٌ مَقْبُولٌ وَيَدْخُلُ مَعَ الْغُرَمَاءِ ; لأََنَّ الإِقْرَارَ وَاجِبٌ قَبُولُهُ وَلَيْسَ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ , فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ بِمَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ , وَلاَ يَدْخُلْ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالٍ قَدْ قُضِيَ لَهُمْ بِهِ وَمَلَكُوهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1282 - مَسْأَلَةٌ :
وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ فَيَبْدَأُ بِمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فِي الْحَيِّ , وَالْمَيِّتِ , وَبِالْحَجِّ فِي الْمَيِّتِ , فَإِنْ لَمْ يَعُمَّ : قَسَّمَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْحُقُوقِ بِالْحِصَصِ لاَ يُبَدَّى مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ.
وَكَذَلِكَ دُيُونُ النَّاسِ إنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِجَمِيعِهَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ مِمَّا وُجِدَ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى , وَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ , كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ.
1283 - مَسْأَلَةٌ :
وَمَنْ فَلَّسَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ , وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا , فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ رَدَّهُ , وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهَا لاَ كُلَّهَا فَسَوَاءٌ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَلاَ يَكُونُ مُفْلِسًا مَنْ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ جَمِيعَ الْغُرَمَاءِ وَيَبْقَى لَهُ فَضْلٌ , إنَّمَا الْمُفْلِسُ مَنْ لاَ يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ.
وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ , أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ , أَوْ مَا بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا , أَوْ أُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ لَهُ ضَرُورَةً ، وَلاَ خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِهِ ; لأََنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ قَطُّ ، عَنْ هَذَا. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ أَقْرَضَهَا , فَمُخَيَّرٌ كَمَا ذَكَرْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَمَالِكٍ , وَهُشَيْمٍ , وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ , وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ : أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ اللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ , وَلَفْظُ سَائِرِهِمْ نَحْوُهُ لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعْنَى.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَتَاعِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدَمُ : إذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كُلِّهِمْ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r . وَمِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ وَكَافَّةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ , وَهَذَا عُمُومٌ لِمَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ حَيًّا , وَبَيَانٌ جَلِيٌّ أَنَّهُ إنْ فُرِّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ , وَعُمُومٌ لِمَنْ تَقَاضَى مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتَقَاضَى مِنْهُ شَيْئًا. وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : أَفْلَسَ مَوْلًى لأَُمِّ حَبِيبَةَ فَاخْتُصِمَ فِيهِ إلَى عُثْمَانَ t فَقَضَى أَنَّ مَنْ كَانَ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ إفْلاَسُهُ فَهُوَ لَهُ , وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ لَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ قَالَ : أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَفْلَسَ فَقَالَ : لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ : إذَا أَدْرَكْت مَالَك بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَك وَإِنْ فُرِّقَ بَعْضُهُ فَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالسَّوِيَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ إنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا وَافِرَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَهْلَكَ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَقَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : الْمُبْتَاعُ لَوْ أَفْلَسَ لَكَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَتَاعِهِ. وَعَنِ الْحَسَنِ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ; وَالْحَسَنِ.
قال أبو محمد :
وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَدَاوُد. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا خِلاَفٌ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ سِلْعَةٌ قَائِمَةٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ : إنَّ مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِيمَنْ أَعْطَى إنْسَانًا مَالاً مُضَارَبَةً فَمَاتَ فَوَجَدَ كِيسَهُ بِعَيْنِهِ : فَهُوَ وَالْغُرَمَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَوَكِيعٍ كَقَوْلِ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّ مَنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ , وَقَالَ قَتَادَةَ : مَنْ وَجَدَ بَعْضَ سِلْعَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ : هُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِمَا وَجَدَ مِنْهَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الْحَيَاةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا. وقال الشافعي : إنْ وَجَدَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِاَلَّذِي وَجَدَ مِنْهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ حَيَاةً مِنْ مَوْتٍ , قَالَ : فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا قَابَلَ مَا بَقِيَ لَهُ فَقَطْ. وقال أحمد : هُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْحَيَاةِ , وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.
قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ جَاهَرُوا بِالْبَاطِلِ , وَقَالُوا : إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r فِيمَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ.
قال علي : وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r لأََنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ كَمَا أَوْرَدْنَا ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي تَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِمَا يَشْهَدُ بِرِقَّةِ دَيْنِهِ وَصَفَاقَةِ وَجْهِهِ فَقَالَ : إنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنَّهُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ مِنْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَا بَاعَ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يُبَاعَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ. وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي مَرَضِهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمُقَرِّ لَهُمْ فَيُقَالُ لَهُ : لَعَلَّهُ أَرَادَ " بَنِي تَمِيمٍ " خَاصَّةً أَوْ " أَهْلَ جُرْجَانَ " خَاصَّةً. وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لاَ يَأْتِي بِهِ ذُو دِينٍ , وَلاَ ذُو عَقْلٍ , وَلاَ يَنْسِبُ هَذَا الْهَوَسَ وَهَذَا الْبَاطِلَ الَّذِي أَتَى بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ إلَى النَّبِيِّ r إلَّا مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وقال بعضهم : لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي .
فَقُلْنَا : مِنْ اسْتَجَازَ خِلاَفَ النَّبِيِّ r لَمْ يَعْجِزْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَأْتِي أَنْ يَقُولَ : لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي , فَيُبْطِلُ الإِسْلاَمَ بِذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِحُكْمِ النَّبِيِّ r بِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ. فَهَذَا الأَحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ r فَهُوَ الْحَقُّ , وَهُوَ الَّذِي تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ , وَإِنَّمَا الْبَاطِلُ وَالضَّلاَلُ قَضَاؤُهُمْ بِمَالِ الْمُسْلِمِ لِلْغَاصِبِ الْفَاسِقِ وَلِلْكَافِرِ الْجَاحِدِ , إذْ يَقُولُونَ : إنَّ كِرَاءَ الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلاَلٌ لَهُمْ , فَلَوْ اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَاضِي مَرْوَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ فَهُوَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَأَبُو عِصْمَةَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . وَالآخَرُ : مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ سَنْدَلٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَالُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ جِدًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّا وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ الثَّابِتُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا وَكَانَ هَذَانِ مُوَافِقَيْنِ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ , وَالأَخْذُ بِالزَّائِدِ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْلِهِمْ الْخَبِيثِ أَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى رِوَايَةً ثُمَّ خَالَفَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلاَنِهَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلاَفُ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ الْمَكْذُوبَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ : فَهَلاَّ جَعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةً فِيهِمَا , وَلَكِنَّ أُمُورَهُمْ مَعْكُوسَةٌ ; لأََنَّهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِثْلُ : غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ الْمَكْذُوبَةِ فِي أَنَّ الرَّاوِيَ لَهَا تَرَكَهَا , ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ رَدَّ الرِّوَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ بِأَنَّ مَنْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا , فَتَعَسًا لِهَذِهِ الْعُقُولِ , وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَقَالُوا : لاَ يَخْلُو الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ , فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَشِرَاؤُهُ بَاطِلٌ , وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا , وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ فِيهِ رُجُوعٌ , وَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ كَسَائِرِ مَالِهِ.
قال أبو محمد : اعْتَرَضُوا بِهَذَا فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا : فَالأَمْرُ سَوَاءٌ , لَكِنَّ يَا هَؤُلاَءِ مِثْلُ هَذَا لاَ يُعَارَضُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَاَلَّذِي يَقُولُ فِيهِ رَبُّهُ تَعَالَى النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ إنَّمَا يُعَارَضُ بِهِ مَنْ قَالَ الْبَاطِلَ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ فَجَعَلَ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَا غَنِمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شِرَاءً صَحِيحًا يَمْلِكُهُ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ الأَوَّلُ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَرْبِيِّ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ وَمَلَكَهُ , فَلِمَ يَكُونُ الَّذِي غَنِمَ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُكُمْ. وَمَنْ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ مَلَكَ الْمَوْهُوبُ مَا وُهِبَ لَهُ , أَمْ لَمْ يَمْلِكْ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلِمَ يُحِلُّونَ لَهُ الأَنْتِفَاعَ ; وَالْوَطْءَ , وَالْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ فِيهِ مَنْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَهَذَا كَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الأَعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِآرَائِهِمْ الْمُنْتِنَةِ الَّتِي لاَ تُسَاوِي رَجِيعَ كَلْبٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ نَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ : هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ عَلِيٌّ : نَعَمْ , هُوَ وَاَللَّهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْبَرِّ الصَّادِقِ لاَ مِنْ حَدِيثِ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الَّذِي قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : مَنْ أَفْقَهُ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ : قُلْ : أَيُّهُمَا أَكْذَبُ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى فَلَّسَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَبَضَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ , وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ , وَالْحَيَاةِ , وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لاَ يَدْفَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِآثَارٍ مُرْسَلَةٍ : مِنْهَا : مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ , وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَإِسْرَائِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَمُسْنَدٍ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ , وَبَقِيَّةَ , كِلاَهُمَا ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r , بَقِيَّةُ , وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفَانِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ رَجُلاً مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَإِنْ وَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا , وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى مَجْهُولٌ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَخَبَرٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَتْنَهُ ، وَلاَ لَفْظَهُ. ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ , والدستوائي , كُلُّهُمْ ، عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ لَكَانَتْ كُلُّهَا مُخَالِفَةً لِقَوْلِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ ; لأََنَّ فِي جَمِيعِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ , وَالْحَيَاةِ , وَالشَّافِعِيُّ , لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا , وَفِي جَمِيعِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُبِضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَكُونَ قُبِضَ , وَمَالِكٌ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا , فَحَصَلَ قَوْلُهُمَا مُخَالِفًا لِكُلِّ الآثَارِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا : ذِمَّةُ الْمَيِّتِ قَدْ انْقَطَعَتْ , وَذِمَّةُ الْحَيِّ قَائِمَةٌ قلنا : فَكَانَ مَاذَا وَرَسُولُ اللَّهِ r لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا , بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا , كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ إِلاَّ بَعْضَ سِلْعَتِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْهَا الْمُشْتَرِي كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1284 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَصَبَ آخَرَ مَالاً , أَوْ خَانَهُ فِيهِ , أَوْ أَقْرَضَهُ فَمَاتَ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهِ , وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ , أَوْلَهُ بَيِّنَةٌ فَظَفَرَ لِلَّذِي حَقُّهُ قَبْلَهُ بِمَالٍ , أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَالِهِ عِنْدَهُ , أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ , وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ ثَمَنِهِ , فَإِذَا عَرَفَ أَقْصَاهُ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ , فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ : فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَلاَلاً. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ظَفَرَ لَهُ بِهِ جَارِيَةً , أَوْ عَبْدًا , أَوْ عَقَارًا , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ , فَإِنْ وَفَّى بِمَالِهِ قَبْلَهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَفِ بَقِيَ حَقُّهُ فِيمَا لَمْ يَنْتَصِفْ مِنْهُ , وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَيُبْرِيَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ خَاصَمَهُ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْهُ , اسْتَحْلَفَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ فَإِنْ طُولِبَ بِذَلِكَ وَخَافَ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَغْرَمَ فَلْيُنْكِرْ وَلْيَحْلِفْ , وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا.
وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ ظَفَرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَقَوْله تَعَالَى وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَقَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
وَقَوْله تَعَالَى وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ. وَقَوْله تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ.
وَقَوْله تَعَالَى إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا. وَمِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَتْ : إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ , وَإِنَّهُ لاَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَبَنِي , فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ جُنَاحٍ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا : خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ وَهَذَا إطْلاَقٌ مِنْهُ r لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مَا وَجَدَ لِلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ هُوَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ ] : قلنا لِرَسُولِ اللَّهِ r إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلَ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُونَا , فَمَا تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَنَا عليه السلام : إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَابْنِ سِيرِينَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لاَ تَخُنْ مَنْ خَانَك , فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْك فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ حَيْثُ وَجَدْت مَتَاعَك فَخُذْهُ. قال أبو محمد : وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى , فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَمَنْ ظَفَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ فِيهِ هُوَ , أَوْ مُسْلِمٌ , أَوْ ذِمِّيٌّ , فَلَمْ يُزِلْهُ ، عَنْ يَدِ الظَّالِمِ وَيَرُدَّ إلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَهُوَ أَحَدُ الظَّالِمِينَ , لَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ أَعَانَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ ضَرُورَةً.
وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى كَفِّ الظُّلْمِ وَقَطْعِهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ بِلاَ خِلاَفٍ , وَالدَّلاَئِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَخَالَفَنَا فِي هَذَا قَوْمٌ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ ظَفَرَ بِعَيْنِ مَالِهِ فَلْيَأْخُذْهُ وَإِلَّا فَلاَ يَأْخُذْ غَيْرَهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْ وَإِلَّا فَلاَ يَأْخُذْ غَيْرَ نَوْعِهِ. وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّوَائِفُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ : كُنْت أَكْتُبُ لِفُلاَنٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إلَيْهِمْ , فَأَدْرَكَتْ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلُهَا , قُلْت : اقْبِضْ الأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهَا مِنْك ; قَالَ : لاَ , حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : أَدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ وَنَحْوُهُ : عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ ، عَنْ شَرِيكٍ , وَقَيْسٍ ، هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ r كَانَ لِي حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَنِي فَدَانَ لَهُ عِنْدِي حَقٌّ أَفَأَجْحَدُهُ قَالَ : لاَ , أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ يُقَالُ لَهُ : دَيْسَمٌ قلنا لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ : لَنَا جِيرَانٌ مَا تَشِذُّ لَنَا قَاصِيَةٌ إِلاَّ ذَهَبُوا بِهَا وَإِنَّهُ يَمْضِي لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِ أَشْيَاءُ فَنَذْهَبُ بِهَا قَالَ : لاَ.
قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَكُلُّ هَذَا لاَ شَيْءَ : أَمَّا حَدِيثُ فُلاَنٍ ، عَنْ أَبِيهِ نَاهِيَك بِهَذَا السَّنَدِ , لَيْتَ شِعْرِي مِنْ فُلاَنٍ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ دِينٍ أُخِذَ ، عَنْ فُلاَنٍ الَّذِي لاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ , وَلاَ مَا اسْمُهُ , وَلاَ مَنْ أَبُوهُ ، وَلاَ اسْمُهُ. وَالآخَرُ طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ ، عَنْ شَرِيكٍ , وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ , وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ , وَفِيهِ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَحَدِيثُ بَشِيرٍ ، عَنْ رَجُلٍ يُسَمَّى دَيْسَمًا مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ ; لأََنَّ نَصَّهَا لاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ , وَأَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَيْسَ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً , بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ , وَإِنْكَارُ مُنْكِرٍ , وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنَّ تَخُونَ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مَنْ لاَ حَقَّ لَك عِنْدَهُ , وَلاَ مِنْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ إلَيْك مِنْ حَقِّك , أَوْ مِنْ مِثْلِهِ إنْ عَدَمَ حَقَّك , وَلَيْسَ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَدَاءَ أَمَانَةٍ , بَلْ هُوَ عَوْنٌ عَلَى الْخِيَانَةِ. ثُمَّ لاَ حُجَّةَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ إِلاَّ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ الأَنْتِصَافِ جُمْلَةً , وَأَمَّا مَنْ قَسَّمَ فَأَبَاحَ أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَالِهِ فَقَطْ فَمُخَالِفٌ لِهَذِهِ الآثَارِ وَلِغَيْرِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
تَمَّ " كِتَابُ التَّفْلِيسِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الإِجَارَاتِ وَالأُُجَرَاءِ
1285 - مَسْأَلَةٌ : الإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ مَنْفَعَةٌ فَيُؤَاجِرُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ، وَلاَ يَسْتَهْلِكَ عَيْنَهُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ يَقُولُ : زَعَمَ ثَابِتٌ ، هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا.
قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ مِنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ , وَقَدْ جَاءَتْ فِي الإِجَارَاتِ آثَارٌ , وَبِإِبَاحَتِهَا يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلاَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُلَيَّةَ قَالَ : لاَ تَجُوزُ لأََنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. قال علي : هذا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r ابْنَ أُرَيْقِطٍ دَلِيلاً إلَى مَكَّةَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الإِجَارَاتِ وَالأُُجَرَاءِ
1286 - مَسْأَلَةٌ : وَالإِجَارَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا , وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ كَالْحُرِّ , وَالْكَلْبِ , وَالسِّنَّوْرِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَتْ إجَارَةُ الْحُرِّ , وَالْقَائِلُونَ إنَّهَا بَيْعٌ يُجِيزُونَ إجَارَةَ الْحُرِّ , فَتَنَاقَضُوا. ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ الأَنْتِفَاعُ بِمَنَافِعِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ , فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ.
1287 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ إجَارَةُ مَا تُتْلَفُ عَيْنُهُ أَصْلاً , مِثْلَ الشَّمْعِ لِلْوَقِيدِ , وَالطَّعَامِ لِلأَكْلِ , وَالْمَاءِ لِلسَّقْيِ بِهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , لأََنَّ هَذَا بَيْعٌ لاَ إجَارَةٌ , وَالْبَيْعُ هُوَ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ , وَالإِجَارَةُ لاَ تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ.
1288 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ الإِجَارَاتِ مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ فَقَطْ ، وَلاَ يُذْكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ كَالْخِيَاطَةِ وَالنَّسْجِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان مُسَمًّى , وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَمِنْهَا مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَمِنْهُ مَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ الأَمْرَيْنِ مَعًا كَالْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ , لأََنَّ الإِجَارَةَ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرْنَا مَجْهُولَةٌ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً فَهِيَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَالإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ جَائِزَةٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ r بِالْمُؤَاجَرَةِ.
1289 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ سَيِّدِهِ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وليستعملهما فِيمَا يُحْسِنَانِهِ وَيُطِيقَانِهِ بِلاَ إضْرَارٍ بِهِمَا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عَقِيلٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ : اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ.
1290 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الأُُجْرَةِ ، وَلاَ تَعْجِيلِ شَيْءٍ مِنْهَا , وَلاَ اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِهَا إلَى أَجَلٍ ، وَلاَ تَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا كَذَلِكَ. وَلاَ يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ ، وَلاَ تَأْخِيرِ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمِنْ هَذَا اسْتِئْجَارُ دَارٍ مُكْتَرَاةٍ , أَوْ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ , أَوْ دَابَّةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ , أَوْ عَمَلٍ مُسْتَأْجَرٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الإِجَارَةِ الَّتِي هُوَ مَشْغُولٌ فِيهَا , لأََنَّ فِي الْعَقْدِ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ قَبْضَةِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ , أَوْ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ. وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ النَّاسِ إجَارَةَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِالْيَوْمَيْنِ , وَمَنَعَ مِنْهُ أَكْثَرُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَدَعْوَى بَاطِلٍ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَلَيْسَ إِلاَّ حَرَامٌ فَيَحْرُمُ جُمْلَةً أَوْ حَلاَلٌ فَيَحِلُّ جُمْلَةً. وَقَالُوا : هُوَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ غَرَرٌ. .
فَقُلْنَا : وَهُوَ أَيْضًا فِي السَّاعَةِ غَرَرٌ ، وَلاَ فَرْقَ , إذْ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ طَرْفَةِ عَيْنٍ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَيْضًا : فَيُكَلَّفُونَ إلَى تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ الَّتِي لاَ غَرَرَ فِيهَا وَالْمُدَّةِ الَّتِي فِيهَا غَرَرٌ , وَأَنْ يَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ , وَإِلَّا فَهُمْ قَائِلُونَ فِي الدِّينِ مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ , فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بِلاَ شَرْطٍ فَلاَ بَأْسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1291 - مَسْأَلَةٌ :
وَمَوْتُ الأَجِيرِ , أَوْ مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ , أَوْ هَلاَكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ , أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ , أَوْ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الدَّارِ , أَوْ الْعَبْدِ , أَوْ الدَّابَّةِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , أَوْ خُرُوجُهُ ، عَنْ مِلْكِ مُؤَاجِرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَقْدَ الإِجَارَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ خَاصَّةً قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ , وَالْبَيْعُ , وَالإِخْرَاجُ ، عَنِ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ , وَالإِصْدَاقِ , وَالصَّدَقَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَاجِرُ فَقَدْ صَارَ مِلْكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ , وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَالْمَنَافِعُ إنَّمَا تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الأَنْتِفَاعُ بِمَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ مَنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ , وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ جِهَارًا. ، وَلاَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَقْدُ مَيِّتٍ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ ، عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَلَوْ أَنَّهُ آجَرَ مَنَافِعَ حَادِثَةً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلاً بِلاَ خِلاَفٍ وَهَذَا هُوَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ : فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ صَاحِبِ الشَّيْءِ مَعَهُ لاَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَلاَ حَقَّ لَهُ عِنْدَ الْوَرَثَةِ , وَلاَ عَقْدَ لَهُ مَعَهُمْ , وَلاَ تَرِثُ الْوَرَثَةُ مَنَافِعَ لَهُمْ تُخْلَقُ بَعْدُ , وَلاَ مَلَكَهَا مُوَرِّثُهُمْ قَطُّ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ : تُنْتَقَضُ الإِجَارَةِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ : قَالَ ابْنُ سِيرِينَ , وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ : لاَ تُنْتَقَضُ , وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُهُمَا : لاَ تُنْتَقَضُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِهِمَا , وَلاَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. وَأَقْصَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَنْ قَالُوا : عَقْدُ الإِجَارَةِ قَدْ صَحَّ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَضَ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ.
قلنا : صَدَقْتُمْ , وَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْبُرْهَانِ. وَقَالُوا : فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الأَحْبَاسِ قلنا : رَقَبَةُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ لاَ مَالَك لَهَا إِلاَّ اللَّهُ , وَإِنَّمَا لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمَنَافِعُ فَقَطْ , فَلاَ تُنْتَقَضُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ , وَلاَ بِوِلاَدَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ , لَكِنْ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ اُنْتُقِضَتْ الإِجَارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَهُ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ ، وَلاَ يَلْزَمُ غَيْرُهُ , إذْ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ r خَيْبَرَ الْيَهُودَ , وَمَلَّكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ , بِلاَ شَكٍّ فَقَدْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْمٌ وَمِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ وَالْمُسَاقَاةُ بَاقِيَةٌ.
قلنا : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ حَقٌّ ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , بَلْ وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ :
- أَوَّلُهَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ , بَلْ كَانَ مُجْمَلاً يُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا , وَيُقِرُّونَهُمْ مَا شَاءُوا , كَمَا نَذْكُرُهُ فِي " الْمُسَاقَاةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَتْ الإِجَارَةُ هَكَذَا.
- وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا تَجْدِيدُ عَقْدِهِ r أَوْ عَامِلِهِ النَّاظِرِ عَلَى تِلْكَ الأَمْوَالِ مَعَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْيَهُودِ , وَوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَلَمْ يَأْتِ أَيْضًا , وَلاَ نُقِلَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْعَقْدِ الأَوَّلِ ، عَنْ تَجْدِيدِ آخَرَ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , وَلاَ لَنَا , بَلْ لاَ شَكَّ فِي صِحَّةِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ.
- وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرٍ لاَ يَقُولُونَ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ , وَهَذَا مَعْكُوسٌ.
- وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي " الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ " وَكَلاَمُنَا هَهُنَا فِي الإِجَارَةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ , وَأَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ بَيْنَهُمَا , فَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ , فَلاَ يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ أَصْلاً , قِيَاسًا عَلَى الإِجَارَةِ , وَلاَ يَرَيَانِ لِلْمُسَاقَاةِ حُكْمَ الإِجَارَةِ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لاَ يَقِيسُوا الإِجَارَةَ عَلَيْهِمَا وَهُمْ أَهْلُ الْقِيَاسِ ثُمَّ يُلْزَمُونَنَا أَنْ نَقِيسَهَا عَلَيْهِمَا وَنَحْنُ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ , وَالْهِبَةُ , وَالْعِتْقُ , وَالإِصْدَاقُ , وَغَيْرُ ذَلِكَ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَيَقُولُ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ. وَيَقُولُ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً. وَحَضَّ عَلَى الْعِتْقِ , فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ , فَكُلُّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ , فَإِذَا نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ ، عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ , فَإِذَا خَرَجَ ، عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ , إذْ لاَ حُكْمَ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنَافِعُ حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِ مُؤَاجِرِهِ , وَخِدْمَةُ حُرٍّ لَمْ يُعَاقِدْهُ قَطُّ , لأََنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ , لأََنَّهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ مَالِكِهَا , وَبِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ الْحُرِّ , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَهَذَا عَقْدٌ لاَزِمٌ حَقٌّ. قلنا : نَعَمْ , هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ فِي مَالِهِ لاَ فِي مَالِ غَيْرِهِ , بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قَالُوا : إخْرَاجُهُ لِلشَّيْءِ الَّذِي آجَرَ مِنْ مِلْكِهِ إبْطَالٌ لِلْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِهِ. قلنا : وَقَوْلُكُمْ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا أَصْلاً إمَّا أَنْ تَمْنَعُوهُ مِنْ إخْرَاجِهِ ، عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا ، عَنْ مِلْكِهِ بِسَبَبِ عَقْدِ الإِجَارَةِ.
وَأَمَّا أَنْ تُبِيحُوا لَهُ إخْرَاجَهُ ، عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا ، عَنْ مِلْكِهِ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ إخْرَاجَهُ ، عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا ، عَنْ مِلْكِهِ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَحَرَّمْتُمْ مَا أَحَلَّ , وَهَذَا بَاطِلٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ , كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرْطَهُمَا فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ لاَ يَمْنَعُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالإِصْدَاقِ , وَأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ أَحَقُّ مِنْ شَرْطِهِمَا فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ وَأَوْثَقُ , وَمُتَقَدِّمٌ لَهُ , فَإِنَّمَا يَكُونُ عَقْدُهُمَا الإِجَارَةَ عَلَى جَوَازِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , لاَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ : بَلْ نُجِيزُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَيَبْقَى عَقْدُ الإِجَارَةِ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ.
قلنا : خَالَفْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا فَأَوْجَبْتُمْ أَنْ تَكْسِبَ عَلَى غَيْرِهِ , وَأَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَخَالَفْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَأَبَحْتُمْ لِلْمُسْتَأْجَرِ مَالَ غَيْرِهِ , وَأَبَحْتُمْ لَهُ مَالَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ قَطُّ فِيهِ عَقْدًا , وَمَنَعْتُمْ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ وَهَذَا حَرَامٌ , وَأَوْجَبْتُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ إجَارَةً عَلَى مَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مَالٍ غَيْرِهِ , وَعَنْ خِدْمَةِ حُرٍّ لاَ مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ ; وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَكْلُ إجَارَةِ مَالٍ حَرَامٍ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ دَفَعَ غُلاَمَهُ إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَرْطِهِ , قَالَ : يَرُدُّ عَلَى مُعَلِّمِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَجَّرَ غُلاَمَهُ سَنَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ , قَالَ : لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ حَمَّادٌ : لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ إِلاَّ مِنْ مَضَرَّةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : الْبَيْعُ يَقْطَعُ الإِجَارَةَ. قَالَ أَيُّوبُ لاَ يَقْطَعُهَا , قَالَ مَعْمَرٌ : وَسَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ ، عَنِ الْبَيْعِ أَيَقْطَعُ الإِجَارَةَ قَالَ نَعَمْ , قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : الْمَوْتُ وَالْبَيْعُ يَقْطَعَانِ الإِجَارَةَ.
قال أبو محمد :
وقال مالك وَأَبُو يُوسُفَ , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالإِجَارَةِ فَالْبَيْع صَحِيحٌ , وَلاَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ نَافِذٌ وَالْهِبَةُ , وَعَلَى الْمُعْتِقِ إبْقَاءُ الْخِدْمَةِ , وَتَكُونُ الأُُجْرَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ , وَالْمُعْتِقِ وَالْوَاهِبِ قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ , فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَتَكُونُ الإِجَارَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ رَدُّهُ , لأََنَّهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ الأَنْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَى وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وقال أبو حنيفة قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ نَقْضَ الْبَيْعِ. وَالآخَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَرْضَى بِهِ , فَإِنْ رَضِيَ بِهِ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَالصَّبْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الإِجَارَةِ , وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ. قال أبو محمد : هَذَانِ قَوْلاَنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ , لاَ يَعْضُدُهُمَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا جَعَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ , أَتَرَوْنَهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا فِي رَدِّ الْمُعْتَقِ أَوْ إمْضَائِهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ أَوَ يَتَنَاقَضُونَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجِرِ ، عَنْ مِلْكِ الْمُؤَاجِرِ بِبَيْعٍ , أَوْ عِتْقٍ , أَوْ هِبَةٍ , أَوْ صَدَقَةٍ , أَوْ إصْدَاقٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُعْتَقِ , وَعَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْمِلْكُ : بَقَاءَ الإِجَارَةِ , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ.
1292 - مَسْأَلَةٌ :
وَكَذَلِكَ إنْ اضْطَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى الرَّحِيلِ ، عَنِ الْبَلَدِ , أَوْ اضْطَرَّ الْمُؤَاجِرُ إلَى ذَلِكَ , فَإِنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ فِي بَقَائِهَا ضَرَرٌ عَلَى أَحَدِهِمَا , كَمَرَضٍ مَانِعٍ , أَوْ خَوْفٍ مَانِعٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : سُئِلَ الشَّعْبِيُّ ، عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَقَضَى حَاجَتَهُ دُونَ ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَ : لَهُ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ. قَالَ قَتَادَةَ : إذَا حَدَثَ نَازِلَةٌ يُعْذَرُ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْكِرَاءُ.
1293 - مَسْأَلَةٌ:
وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ فَإِنَّ الإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَوَافَقَنَا عَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : لاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِهَذَا أَيْضًا , بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ إلَى أَجَلِهَا , الأُُجْرَةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لِلْمُؤَاجِرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , وَقَاسَ أَبُو ثَوْرٍ ذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَقَدْ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إبْقَاءِ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , الإِجَارَةَ بِمَوْتِ الْمُؤَاجِرِ , وَالْمُسْتَأْجِرِ , وَبَيْنَ إبْقَاءِ أَبِي ثَوْرٍ إيَّاهَا بِهَلاَكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ : مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ دَابَّتُهُ إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْفَلاَةِ : أَنَّ الإِجَارَةَ بَاقِيَةٌ فِي مَالِهِ , وَأَنَّ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْتَى الْمُؤَاجِرُ ثَمَنَ نَقْلِهِ , كَنَقْلِ الْمَيِّتِ يَنْقُلُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ , وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ لاَ سِيَّمَا مَعَ إبْطَالِهِ بَعْضَ الإِجَارَةِ بِجَائِحَةٍ تَنْزِلُ كَاسْتِعْذَارٍ , أَوْ قَحْطٍ , فَاحْتَاطَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُحْتَطْ فِي الآخَرِ ، وَلاَ تَبْطُلُ إجَارَةٌ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَصَحَّ عَنْهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَاجِرِ يَنْقُضُ الإِجَارَةَ إذَا شَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَرِهَ الآخَرُ وَكَانَا يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا ; لأََنَّهُ عَقْدٌ عَقَدَاهُ فِي مَالٍ يَمْلِكُهُ الْمُؤَاجِرُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاذِهِ , وَكَذَلِكَ مُعَاقِدُهُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ , وَمَا دَامَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي مِلْكِ مَنْ أَجَّرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1294 - مَسْأَلَةٌ :
وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , إلَى مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ , إذَا كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَيْهَا , فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ بَقَاءُ أَحَدِهِمْ إلَيْهَا , لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْعَقْدُ , وَكَانَ مَفْسُوخًا أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ وَاجِبٌ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لاَ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ مَا وَبَيْنَ مَا أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا ; وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ بِلاَ شَكٍّ , لأََنَّهُ فَرَّقَ بِلاَ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلاً , وَلاَ قَوْلِ تَابِعٍ نَعْلَمُهُ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ , وَالْمَخَاوِفُ لاَ تُؤْمَنُ فِي قَصِيرِ الْمُدَدِ كَمَا لاَ تُؤْمَنُ فِي طَوِيلِهَا.
وَأَمَّا إنْ عُقِدَتْ الإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُخْتَرَمَ أَحَدُهُمَا دُونَهَا , أَوْ لاَ بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ دُونَهَا , فَهُوَ شَرْطٌ مُتَيَقَّنُ الْفَسَادِ بِلاَ شَكٍّ , لأََنَّهُ إمَّا عَقْدٌ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا , وَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَأَمَّا عَقْدٌ فِي مَعْدُومٍ , وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى الإِجَارَةَ لاَ تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ , أَوْ لاَ تُنْتَقَضُ بِهَلاَكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي ثَوْرٍ , أَنْ يُجِيزَ عَقْدَ الإِجَارَةِ فِي الأَرْضِ وَغَيْرِهَا إلَى أَلْفِ عَامٍ , وَإِلَى عَشَرَةِ آلاَفِ عَامٍ , وَأَكْثَرَ , وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالإِجَارَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ : مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمِثْلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ , ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى , ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
1295 - مَسْأَلَةٌ :
وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لأَِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.
1296 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لاَ وَاحِدَةٍ ، وَلاَ أَكْثَرَ لِلْحَلْبِ أَصْلاً ; لأََنَّ الإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً , لاَ فِي تَمَلُّكِ الأَعْيَانِ , وَهَذَا تَمَلُّكُ اللَّبَنِ , وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ , فَهُوَ بَيْعٌ لاَ إجَارَةٌ , وَبَيْعُ مَا لَمْ يُرَ قَطُّ , وَلاَ تُعْرَفُ صِفَتُهُ بَاطِلٌ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ إجَارَةَ الشَّاةِ ، وَلاَ الشَّاتَيْنِ لِلْحَلْبِ , وَأَجَازَ إجَارَةَ الْقَطِيعِ مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ لِلْحَلْبِ وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرَةِ لِلْحَرْثِ , وَاشْتِرَاطَ لَبَنِهَا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ وَتَنَاقُضٌ ; لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِحَدٍّ بَيْنَ مَا حُرِّمَ وَمَا حُلِّلَ , فَمَزَجَ الْحَرَامَ بِالْحَلاَلِ بِغَيْرِ بَيَانٍ , وَهَذَا كَمَا تَرَى وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَّلَ وَحَرَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ إنْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَالسُّكُوتُ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ غَيْرُهُ. ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْبَقَرِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ.
وَكَذَلِكَ أَجَازَ كِرَاءً تَكُونُ فِيهَا الشَّجَرَةُ أَوْ النَّخْلَةُ وَاسْتِثْنَاءَ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا حِينَ الإِجَارَةِ ثَمَرَةٌ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا فَلاَ يَجُوزُ ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهُ , وَلَئِنْ كَانَ الْكَثِيرُ مِمَّا ذَكَرْنَا حَلاَلاً فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَلاَلِ حَلاَلٌ , وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى الْحَنِيفِيِّينَ إذَا أَبَاحُوا الْقَلِيلَ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ كِرَاءُ الطَّعَامِ لِيُؤْكَلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا أَبَاحُوهُ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ فِيهَا لِتُؤْكَلَ , وَبَيْنَ كِرَاءِ الْغَنَمِ لِتَحْلُبَ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ. قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلاً لأََنَّ أَصَحَّ الْقِيَاسِ هَهُنَا : أَنْ يُقَاسَ اسْتِئْجَارُ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْحَلْبِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ الْوَاحِدَةِ لِلرَّضَاعِ فَحَرَّمْتُمْ ذَلِكَ , ثُمَّ قِسْتُمْ حَيْثُ لاَ تَشَابُهَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَقَرَةِ لِلْحَدَثِ وَمِنْ الْقَطِيعِ الْكَثِيرِ عَدَدُهُ , وَالْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ إجَارَةِ الرَّأْسِ الْوَاحِدِ لِلْحَلْبِ مَوْجُودَةٌ فِي الظِّئْرِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَمَا رَأَيْنَا أَجْهَلَ بِالْقِيَاسِ مِمَّنْ هَذَا قِيَاسُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1297 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ إجَارَةُ الأَرْضِ أَصْلاً , لاَ لِلْحَرْثِ فِيهَا , وَلاَ لَلْغَرْسِ فِيهَا , وَلاَ لِلْبِنَاءِ فِيهَا , وَلاَ لِشَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ أَصْلاً , لاَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ قَصِيرَةٍ ، وَلاَ طَوِيلَةٍ , وَلاَ لِغَيْرٍ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ , لاَ بِدَنَانِيرَ ، وَلاَ بِدَرَاهِمَ , وَلاَ بِشَيْءٍ أَصْلاً فَمَتَى وَقَعَ فَسْخٌ أَبَدًا. وَلاَ يَجُوزُ فِي الأَرْضِ إِلاَّ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا , أَوْ الْمُغَارَسَةُ كَذَلِكَ فَقَطْ , فَإِنْ كَانَ فِيهَا بِنَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَازَ اسْتِئْجَارُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَتَكُونُ الأَرْضُ تَبَعًا لِذَلِكَ الْبِنَاءِ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِي الإِجَارَةِ أَصْلاً. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ثَنِيّ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : لَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ : سَمِعْت عَمِّي وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ أَهْلَ الدَّارِ ] : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ ".
قال أبو محمد : أَهْلُ بَدْرٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِيكُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : خِيَارُنَا قَالَ : كَذَلِكَ هُمْ عِنْدَنَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ الْمَنْعَ مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ , وَالْحَسَنُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَعِنْدَ ذِكْرِنَا " لِلْمُزَارَعَةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَتَقَصَّى مَا شَغَبَ بِهِ مَنْ أَبَاحَ كِرَاءَ الأَرْضِ وَنَقَضَ كُلَّ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.
1298 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ دَارٍ ، وَلاَ عَبْدٍ ، وَلاَ دَابَّةٍ ، وَلاَ شَيْءٍ أَصْلاً لِيَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ , وَلاَ لِشَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ , وَغَلاَ لِعَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ; لأََنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَقَّهُ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1299 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا عَمِلَ الأَجِيرُ شَيْئًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ فَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ حَتَّى يُتِمَّ عَمَلَهُ أَوْ يُتِمَّ مِنْهُ جُمْلَةً مَا ; لأََنَّ الأُُجْرَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْعَمَلِ فَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ جُزْءٌ مِنْ الأُُجْرَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَغَلَّ الْمُسْتَأْجِرُ الشَّيْءَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ فَعَلَيْهِ مِنْ الإِجَارَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَيْضًا , وَكَمَا ذَكَرْنَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1300 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ الأَسْتِئْجَارُ بِكُلِّ مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ كَالْكَلْبِ , وَالْهِرِّ , وَالْمَاءِ , وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا , وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَيْبَسْ فَيَسْتَأْجِرُ الدَّارَ بِكَلْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ كَلْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ , وَبِثَمَرَةٍ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا , وَبِمَاءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنٍ مُحَرَّزٍ , أَوْ بِهِرٍّ كَذَلِكَ ; لأََنَّ الإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا , وَإِنَّمَا نُهِيَ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ ، عَنِ الْبَيْعِ وَقِيَاسُ الإِجَارَةِ عَلَى الْبَيْعِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , فَكَيْفَ وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لأََنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ , وَتَحْرِيمِهِمْ لِبَيْعِهِ , وَلأََنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لِلأَعْيَانِ بِالنَّقْلِ لَهَا ، عَنْ مِلْكٍ آخَرَ , وَالإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
1301 - مَسْأَلَةٌ : وَالإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إنْ أُدْرِكَتْ فُسِخَتْ , أَوْ مَا أُدْرِكَ مِنْهَا , فَإِنْ فَاتَتْ أَوْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهَا قُضِيَ فِيهَا أَوْ فِيمَا فَاتَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اسْتَغَلَّ مَالَ غَيْرٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ حُرْمَةٌ انْتَهَكَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاصَّ بِمِثْلِهِ مِنْ مَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1302 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الصَّلاَةِ , وَلاَ عَلَى الأَذَانِ , لَكِنْ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُمَا الإِمَامُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ , وَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُمْ عِنْد حُلُولِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ فَقَطْ مُدَّةً مُسَمَّاةً , فَإِذَا حَضَرَ تَعَيَّنَ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهِمَا. وَكَذَلِكَ لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ وَاجِبٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ صَوْمٍ , أَوْ صَلاَةٍ , أَوْ حَجٍّ , أَوْ فَتِيًّا , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَلاَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَصْلاً ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ ; لأََنَّ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهَا , وَالْمَعْصِيَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا فَأَخْذُ الأُُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لاَ وَجْهَ لَهُ , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ تَطَوُّعُ الْمَرْءِ ، عَنْ نَفْسِهِ لاَ يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ أَخْذِ مَالٍ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ : كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ r أَنْ لاَ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا. 1303 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ الأُُجْرَةَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ ، عَنْ غَيْرِهِ , مِثْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ التَّطَوُّعَ , أَوْ يُصَلِّي عَنْهُ التَّطَوُّعَ , أَوْ يُؤَذِّنَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ أَوْ يَصُومَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَلاَ عَلَيْهِمَا , فَالْعَامِلُ يَعْمَلُهُ ، عَنْ غَيْرِهِ لاَ ، عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُطِعْ ، وَلاَ عَصَى , وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ تَطَوُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى , فَلَهُ أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ بِمَالِهِ. 1304 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ فِي أَدَاءِ فَرْضٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ ، عَنْ عَاجِزٍ , أَوْ مَيِّتٍ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " " وَكِتَابِ الصِّيَامِ " مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ وَجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ ، عَنْ غَيْرِهِ فَالأَسْتِئْجَارُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ , فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ r بِالْمُؤَاجَرَةِ. وَأَمَّا الصَّلاَةُ الْمَنْسِيَّةُ , وَالْمَنُومُ عَنْهَا ; وَالْمَنْذُورَةُ فَهِيَ لاَزِمَةٌ لِلْمَرْءِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ فَهَذِهِ تُؤَدَّى ، عَنِ الْمَيِّتِ , فَالإِجَارَةُ فِي أَدَائِهَا عَنْهُ جَائِزَةٌ ; وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ تَرْكَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا , إذْ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهَا , إذْ قَدْ فَاتَتْ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مَا لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِأَدَائِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1306 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الْحِجَامَةِ , وَلَكِنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ طِيبِ النَّفْسِ وَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ , فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا قُدِّرَ عَمَلُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأُعْطِي مَا يُسَاوِي.
وَكَذَلِكَ لاَ تَحِلُّ الإِجَارَةُ عَلَى إنْزَاءِ الْفَحْلِ أَصْلاً , لاَ نَزْوَةً ، وَلاَ نَزَوَاتٍ مَعْلُومَةً , فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ إلَى أَنْ تَحْمِلَ الأُُنْثَى كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ وَأَكْلِ السُّحْتِ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ أَبِي نُعْمٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ.
وَرُوِّينَا النَّهْيَ ، عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ , وَكَسْبِ الْحَجَّامِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ثَابِتَةٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ شَوْذَبٍ أَبِي مُعَاذٍ قَالَ : قَالَ لِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ : لاَ يَحِلُّ عَسْبُ الْفَحْلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْبَعٌ مِنْ السُّحْتِ , ضِرَابُ الْفَحْلِ , وَثَمَنُ الْكَلْبِ , وَمَهْرُ الْبَغْيِ , وَكَسْبُ الْحَجَّامِ. وَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ تُعْطِهِ عَلَى طِرَاقِ الْفَحْلِ أَجْرًا إِلاَّ أَنْ لاَ تَجِدَ مَنْ يَطْرُقُك وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.
قال أبو محمد وَأَبَاحَ مَالِكٌ الأُُجْرَةَ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ كُرَاتٍ مُسَمَّاةً وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , لاَ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ مِنْ نَظَرٍ. وَرَوَوْا رِوَايَةً فَاسِدَةً مَوْضُوعَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ هَالِكٌ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ السَّمْحِ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ : أَنَّ رَبِيعَةَ أَبَاحَ ذَلِكَ وَذَكَرَهُ ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ تَيْسٌ يُنْزِيه بِالأُُجْرَةِ. قال أبو محمد : قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ قَدْرَ عَقِيلٌ فِي نَسَبِهِ وَعُلُوِّ قَدْرِهِ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ تَيَّاسًا يَأْخُذُ الأُُجْرَةَ عَلَى قَضِيبِ تَيْسِهِ. وَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَجَّامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَحْرِيمَهَا وَرُوِيَ ، عَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ كَسْبِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِ مَا رُوِّينَا ، عَنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : دَعَا النَّبِيُّ r غُلاَمًا فَحَجَمَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ , وَكَلَّمَ فِيهِ فَخَفَّفَ مِنْ خَرَاجِهِ. قال أبو محمد : فَاسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ وَاجِبٌ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ r أَعْطَاهُ ، عَنْ غَيْرِ مُشَارَطَةٍ فَكَانَتْ مُشَارَطَتُهُ لاَ تَجُوزُ , وَلأََنَّهُ أَيْضًا عَمَلٌ مَجْهُولٌ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لأََنَّ فِيهِ النَّهْيَ ، عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ جُمْلَةً وَقَدْ يَكْسِبُ مِنْ مِيرَاثٍ , أَوْ مِنْ سَهْمٍ مِنْ الْمَغْنَمِ , وَمِنْ ضَيْعَةٍ , وَمِنْ تِجَارَةٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَلَمْ تَحْرُمُ الْحِجَامَةُ قَطُّ بِلاَ خِلاَفٍ ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ كَسْبٍ يَعِيشُ مِنْهُ , وَإِلَّا مَاتَ ضَيَاعًا.فَصَحَّ أَنَّ كَسْبَهُ بِالْحِجَامَةِ خَاصَّةً هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ r فَيَكُونُ حَلاَلاً حَسَنًا وَيَكُونُ مَا عَدَاهُ حَرَامًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَحْتَجِمَ الرَّجُلُ ، وَلاَ يُشَارِطَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا.
1307 - مَسْأَلَةٌ :
وَالإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ , وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً , وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَعَلَى الرَّقْيِ , وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ , وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي النَّهْيِ ، عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ , بَلْ قَدْ جَاءَتْ الإِبَاحَةُ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ الْبَاهِلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ هُوَ صَدُوقٌ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r زَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَيْ لِيُعَلِّمَهَا إيَّاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لاَ تَجُوزُ الأُُجْرَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ , وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، هُوَ ابْنُ وَرْقَاءَ ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ الشَّامِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ : كَانَ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَاسٌ يُقْرِئُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدُهُمْ قَوْسًا يَتَسَلَّحُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : أَتُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا فِي عُنُقِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ , وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الرُّؤَاسِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ قَاضِي الأُُرْدُنِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قِصَّةُ الْقَوْسِ وَأَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ زَيْتُونٍ ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْقَوْسِ مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ زِيَادَةٌ : ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ. قَالَ : أَمَّا طَعَامٌ صُنِعَ لِغَيْرِكَ فَحَضَرْتَهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَهُ وَأَمَّا مَا صُنِعَ لَكَ فَإِنْ أَكَلْتَهُ فَإِنَّمَا تَأْكُلُهُ بِخِلاَفِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرٍ أَبُو سَعْدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ غَدَّاهُ رَجُلٌ كَانَ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : إنْ كَانَ شَيْءٌ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ , وَإِنْ كَانَ مِنْ طَعَامِهِ وَطَعَامِ أَهْلِهِ فَلاَ بَأْسَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَّامٍ ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِبْلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ ، وَلاَ تَعْلُوا عَنْهُ ، وَلاَ تَجْفُوا فِيهِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا بِهِ ، وَلاَ تَسْتَكْبِرُوا بِهِ ، وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ هَذَا ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْسٍ أَهْدَاهَا إنْسَانٌ إلَى مَنْ كَانَ يُقْرِئُهُ أَتُرِيدُ أَنْ تُعَلِّقَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ ". وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُ الأَمِيرُ مَالاً لِقِيَامِهِ بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ فَأَبَى وَقَالَ : إنَّا لاَ نَأْخُذُ لِلْقُرْآنِ أَجْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَتَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ بِالأَرْشِ وَيُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعَلِّمُ وَأَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَسُفْيَانَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ : إنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَعْطَى قَوْمًا قَرَءُوا الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَرِهَهُ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ : إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَلْحَقْته عَلَى أَلْفَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ أَوَ يُعْطَى عَلَى كِتَابِ اللَّه ثَمَنًا. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ , وَشُرَيْحٍ : لاَ تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ بِلاَلِ بْنِ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنٍ مُعَلِّمٍ كِتَابَ اللَّهِ : إنِّي لاََبْغَضُك فِي اللَّهِ لأََنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك وَتَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا. وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ الأُُجْرَةَ عَلَى كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ سَعْدٍ , وَعَمَّارٍ الآنَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ : كَانَ بِالْمَدِينَةِ ثَلاَثَةُ مُعَلِّمِينَ يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ , فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ كُلَّ شَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانَ بِالْمَدِينَةِ مُعَلِّمٌ عِنْدَهُ مِنْ أَبْنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْفِخَامِ فَكَانُوا يَعْرِفُونَ حَقَّهُ فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ. قال أبو محمد : مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ , وَأَخَذَ عَنْهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو قَتَادَةَ فَمَنْ دُونَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : مَا عَلِمْت أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ , وَأَبِي قِلاَبَةَ إبَاحَةَ أَجْرِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَأَجَازَ الْحَسَنُ , وَعَلْقَمَةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الأُُجْرَةَ عَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ قال أبو محمد : أَمَّا الأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي إدْرِيسَ الْفُلاَنِيِّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَمُنْقَطِعٌ , لاَ يُعْرَفُ لأََبِي إدْرِيسَ سَمَاعٌ مَعَ أُبَيٍّ. وَالآخَرُ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَحَدُ طُرُقِهِ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , وَغَيْرُهُ : وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ أَبُو رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ كُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ; لأََنَّهَا كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِيمَا أُعْطِيَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ ، وَلاَ مُشَارَطَةٍ , وَهُمْ يُجِيزُونَ هَذَا الْوَجْهَ فَمَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا مَنَعُوا وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهَا فَبَطَلَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم قَدْ اخْتَلَفُوا , فَبَقِيَ الأَثَرَانِ الصَّحِيحَانِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اللَّذَانِ أَوْرَدْنَا لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1308- مَسْأَلَةٌ : وَالإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى التِّجَارَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً فِي مَالٍ مُسَمًّى , أَوْ هَكَذَا جُمْلَةً : كَالْخِدْمَةِ , وَالْوَكَالَةِ. وَعَلَى نَقْلِ جَوَابِ الْمُخَاصِمِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا , وَعَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ وَحَمْلِهِمْ إلَى الْحَاكِمِ , وَعَلَى تَقَاضِي الْيَمِينِ , وَعَلَى طَلَبِ الْحُقُوقِ , وَعَلَى الْمَجِيءِ بِمَنْ وَجَبَ إحْضَارُهُ , لأََنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَعْمَالٌ مَحْدُودَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْمُؤَاجَرَةِ.
1309 - مَسْأَلَةٌ : وَإِجَارَةُ الأَمِيرِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ مُشَاهَرَةً جَائِزَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا. 1310 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ أَصْلاً لأََنَّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ بِيَدِ أَحَدٍ , وَإِنَّمَا الطَّبِيبُ مُعَالِجٌ وَمُقَوٍّ لِلطَّبِيعَةِ بِمَا يُقَابِلُ الدَّاءَ , وَلاَ يَعْرِفُ كَمِّيَّةَ قُوَّةِ الدَّوَاءِ مِنْ كَمِّيَّةِ قُوَّةِ الدَّاءِ , فَالْبُرْءُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.
1311 - مَسْأَلَةٌ :
وَجَائِزٌ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الطَّبِيبُ لِخِدْمَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ , لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا عِنْدَ الْبُرْءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَحَلاَلٌ , لأََمْرِ النَّبِيِّ r بِأَخْذِ مَا أُعْطِي الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ.
1312 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَلْبَتَّةَ , سَوَاءٌ كَانَتْ الأَرْضُ مَعْرُوفَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ ; لأََنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ فِيهَا الصَّفَاةُ الصَّلْدَةُ , وَالأَرْضُ الْمُنْحَلَّةُ الرَّخْوَةُ وَالصَّلِيبَةُ , وَهَذَا عَمَلٌ مَجْهُولٌ , وَقَدْ يَبْعُدُ الْمَاءُ فِي مَوْضِعٍ وَيَقْرُبُ فِيمَا هُوَ إلَى جَانِبِهِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ مُيَاوَمَةٍ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ ; لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ مَعْلُومٌ يَتَوَلَّى مِنْهُ حَسَبَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1313 - مَسْأَلَةٌ :
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِيَاطَةِ إحْضَارَ الْخُيُوطِ , وَلاَ عَلَى الْوَرَّاقِ الْقِيَامَ بِالْحِبْرِ , وَلاَ عَلَى الْبَنَّاءِ الْقِيَامَ بِالطِّينِ أَوْ الصَّخْرِ , أَوْ الْجَيَّارِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ ; لأََنَّهُ إجَارَةٌ وَبَيْعٌ مَعًا قَدْ اُشْتُرِطَ أَحَدُهُمَا مَعَ الآخَرِ فَحُرِّمَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ , وَإِجَارَةُ مَجْهُولٍ لاَ يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ ، وَلاَ مَا يَقَعُ مِنْهُ لِلإِجَارَةِ , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , فَإِنْ تَطَوَّعَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا بِإِحْضَارِ مَا ذَكَرْنَا ، عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ. وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْبَنَّاءِ وَآلاَتِهِ , وَالنَّجَّارِ وَآلاَتِهِ , وَالْوَرَّاقِ وَأَقْلاَمِهِ , وَجَلَمِهِ وَسِكِّينِهِ , وَمَلْزَمَتِهِ , وَمِحْبَرَتِهِ , وَالْخَيَّاطِ وَإِبْرَتِهِ وَجَلَمِهِ , فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ ; لأََنَّهَا إجَارَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّهَا. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِتِلْكَ الآلَةِ , وَلاَ مَا يَقَعُ لِلْعَامِلِ , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الصَّبَّاغُ : فَإِنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ لأَِدْخَالِ الثَّوْبِ فِي قِدْرِهِ فَقَطْ.
1314 - مَسْأَلَةٌ :
وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ , فَهُوَ حَلاَلٌ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الصَّائِغُ الْمُسْتَأْجَرُ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَيَسْتَأْجِرُ هُوَ غَيْرَهُ لِيَعْمَلَهُ لَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ , وَالْفَضْلُ جَائِزٌ لَهُمَا , إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمُعَاقَدَةُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ , أَوْ يَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ , أَوْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ , فَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الإِجَارَةُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنِ النَّبِيِّ r عَنْ ذَلِكَ , وَهِيَ مُؤَاجَرَةٌ وَقَدْ أَمَرَ عليه السلام بِالْمُؤَاجَرَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1315 - مَسْأَلَةٌ :
وَالإِجَارَةُ بِالإِجَارَةِ جَائِزَةٌ : كَمَنْ أَجَّرَ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ , أَوْ سُكْنَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ بِخِيَاطَةٍ , كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالنَّهْيِ ، عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة : لاَ يَجُوزُ كِرَاءُ دَارٍ بِكِرَاءِ دَارٍ وَيَجُوزُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ. بَقِيَّةُ الْكَلاَمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ قَالَ عَلِيٌّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ , قَالَ ابْنُ عُمَرَ : الْفَضْلُ لِلأَوَّلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ : ، أَنَّهُ قَالَ : يُرَدُّ الْفَضْلُ , هُوَ رِبًا , وَلَمْ يُجِزْهُ مُجَاهِدٌ , وَلاَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , وَلاَ عِكْرِمَةُ , وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُبِيحُهُ. وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ , وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَشُرَيْحٌ , وَمَسْرُوقٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ. وَأَبَاحَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَالْحَسَنُ , وَعَطَاءٌ.
وَقَالَ أبو محمد : احْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَالرِّبَا وَهَذَا بَاطِلٌ , بَلْ هِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ابْتَاعَ بِثَمَنٍ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ , وَبَيْنَ مَنْ اكْتَرَى بِشَيْءٍ وَأَكْرَى بِأَكْثَرَ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ ; لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُجِزْهُ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ. قال علي : هذا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَالتَّقْلِيدُ لاَ يَجُوزُ , وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا : يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ إنْ كَانَ حَلاَلاً فَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ , وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا لاَ يَمْلِكُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1316 - مَسْأَلَةٌ : وَتَنْقِيَةُ الْمِرْحَاضِ عَلَى الَّذِي مَلاََهُ لاَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ , وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ ; لأََنَّ عَلَى مَنْ وَضَعَ كُنَاسَةً أَوْ زِبْلاً أَوْ مَتَاعًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ الَّتِي هِيَ مَالُ غَيْرِهِ , لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَهُ ، عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ , وَاشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1317 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ خَانًا يَبِيتُونَ فِيهِ لَيْلَةً ثُمَّ يَرْحَلُونَ , فَعَلَى صَاحِبِ الْخَانِ إحْضَارُ مَكَان فَارِغٍ لِلْخَلاَءِ إنْ شَاءَ , وَإِلَّا يَتَبَرَّزُوا فِي الصُّعُدَاتِ إنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ. 1318 - مَسْأَلَةٌ : وَالأُُجْرَةُ عَلَى كَنْسِ الْكُنُفِ جَائِزَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , لِعُمُومِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْمُؤَاجَرَةِ. عَلَى أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ كَنَّاسٍ لِلْعَذِرَةِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْهُ تَزَوَّجَ وَمِنْهُ كَسَبَ وَمِنْهُ حَجَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : أَنْتَ خَبِيثٌ , وَمَا كَسَبْت خَبِيثٌ ; وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ , حَتَّى تَخْرُجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلْت فِيهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : إنِّي كُنْت رَجُلاً كَنَّاسًا أَكْسَحُ هَذِهِ الْحُشُوشَ فَأَصَبْت مَالاً فَتَزَوَّجْت مِنْهُ , وَوُلِدَ لِي فِيهِ , وَحَجَجْت فِيهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنْتَ وَمَالُك خَبِيثٌ وَوَلَدُك خَبِيثٌ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَأَيْنَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ ، عَنْ هَذَا إنْ طَرَدُوا أَقْوَالَهُمْ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . 1319 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ إعْطَاءُ الْغَزْلِ لِلنَّسْجِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ كَرُبُعٍ , أَوْ ثُلُثٍ ; أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ النَّسَّاجُ مَعًا وَيَكُونَا مَعًا شَرِيكَيْنِ فِيهِ : جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ , وَكَانَ لِلنَّسَّاجِ مِنْ الْغَزْلِ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا يَنْسِجُ مِنْ الأَجْرِ حَتَّى يُتِمَّ نَسْجَهُ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا سُمِّيَ لَهُ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّوْبِ لِلْخَيَّاطِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ , وَإِعْطَاءُ الطَّعَامِ لِلطَّحِينِ بِجُزْءٍ مِنْهُ كَذَلِكَ , وَإِعْطَاءُ الزَّيْتُونِ لِلْعَصِيرِ كَذَلِكَ , وَكَذَلِكَ الأَسْتِئْجَارُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الزُّيُوتِ الْمَحْدُودَةِ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَذَلِكَ , كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الرَّاعِي لِحِرَاسَةِ هَذِهِ الْغَنَمِ بِجُزْءٍ مِنْهَا مُسَمًّى كَذَلِكَ أَيْضًا , وَلاَ يَجُوزُ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ النَّسْلِ الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ , لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَهِيَ إجَارَةٌ مَحْدُودَةٌ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ قَائِمٍ. وَلاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ بِمَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ ; لأََنَّهُ غَرَرٌ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ، عَنْ دَفْعِ الثَّوْبِ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ , أَوْ بِالرُّبُعِ ; أَوْ بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَالَ : لاَ أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا : وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : أَجَازَ الْحَكَمُ إجَارَةَ الرَّاعِي لِلْغَنَمِ بِثُلُثِهَا أَوْ رُبُعِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَرُوِيَ ، عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : سَأَلْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ , وَيَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ ، عَنِ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الثَّوْبَ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يُدْفَعَ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ , وَالرُّبُعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَ الرَّجُلُ النَّخْلَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ , مَا لَمْ يُنْفِقْ هُوَ مِنْهُ شَيْئًا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ : النَّخْلُ يُعْطَى مَنْ عَمِلَ فِيهِ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ. وَكَرِهَ كُلَّ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ , وَالْحَسَنُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَلاَ مَالِكٌ , وَلاَ الشَّافِعِيُّ.
1320 - مَسْأَلَةٌ :
وَجَائِزٌ كِرَاءُ السُّفُنِ كِبَارِهَا وَصِغَارِهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يُحْمَلُ فِيهَا مُشَاعٌ فِي الْجَمِيعِ أَوْ مُتَمَيِّزٌ.
وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ , وَالْعِجْلُ , وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُ السَّفِينَةِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ عَطِبَ أَوْ سَلِمَ ; لأََنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ. وقال مالك : لاَ كِرَاءَ لَهُ إِلاَّ إنْ بَلَغَ. قال علي : وهذا خَطَأٌ وَاسْتِحْلاَلُ تَسْخِيرِ السَّفِينَةِ بِلاَ أُجْرَةٍ , وَبِلاَ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهَا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا قَوْلٌ لاَ يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ.
وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ خِدْمَةِ الْمَرْكَبِ جَائِزٌ , وَلَهُمْ مِنْ الأُُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلُوا عَطِبَ الْمَرْكَبُ أَوْ سَلِمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1321- مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ هَالَ الْبَحْرُ وَخَافُوا الْعَطَبَ فَلْيُخَفِّفُوا الأَثْقَلَ فَالأَثْقَلَ , وَلاَ ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْمَرْكَبِ لأََنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِتَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ. فَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. وقال مالك : يَضْمَنُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ , وَلاَ يَضْمَنُ مَا سِيقَ لِلأَكْلِ , وَالْقُنْيَةِ , وَلاَ يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ فِي الْمَرْكَبِ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لاَ يَعْضُدُهُ دَلِيلٌ أَصْلاً , وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ كَانَ دُونَ الأَثْقَلِ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ فِي رَمْيِ الأَثْقَلِ كُلْفَةٌ يَطُولُ أَمْرُهَا , وَيُخَافُ غَرَقُ السَّفِينَةِ فِيهَا , وَيُرْجَى الْخَلاَصُ , بِرَمْيِ الأَخَفِّ رُمِيَ الأَخَفُّ حِينَئِذٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ رَمَى الأَخَفَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَمْيِ الأَثْقَلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا رَمَى مِنْ ذَلِكَ لاَ يَضْمَنُهُ مَعَهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَلاَ يُرْمَى حَيَوَانٌ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ يُوقِنُ مَعَهَا بِالنَّجَاةِ بِرَمْيِهِ , وَلاَ يُلْقَى إنْسَانٌ أَصْلاً لاَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ كَافِرٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ دَفْعُ ظُلْمٍ ، عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْهُ , وَالْمَانِعُ مِنْ إلْقَاءِ مَالِهِ الْمُثْقِلِ لِلسَّفِينَةِ ظَالِمٌ لِمَنْ فِيهَا , فَدَفْعُ الْهَلاَكِ ، عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَنْعِهِ مِنْ ظُلْمِهِمْ فَرْضٌ.
1322 - مَسْأَلَةٌ :
وَاسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ جَائِزٌ , وَيَكُونُ الْبِئْرُ , وَالسَّاقِيَةُ تَبَعًا , وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ إجَارَةٍ مَعَ الدَّاخِلِ فِيهِ , لَكِنْ يُعْطَى مُكَارَمَةً , فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ بِمَا أُعْطِي أُلْزِمَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مَا يُسَاوِي بَقَاؤُهُ فِيهِ فَقَطْ لأََنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مَجْهُولَةٌ , وَلاَ يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى مَجْهُولٍ ; لأََنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لِجَهْلِهِمَا , بِمَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1323 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا دَالِيَةٌ , أَوْ شَجَرَةٌ , لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا فِي الْكِرَاءِ أَصْلاً قَلَّ خَطَرُهَا أَمْ كَثُرَ , ظَهَرَ حَمْلُهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ طَابَ أَوْ لَمْ يَطِبْ : لأََنَّهَا قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الثَّمَرَةُ , وَقَبْلَ أَنْ تَطِيبَ لاَ يَحِلُّ فِيهَا عَقْدٌ أَصْلاً إِلاَّ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ وَبَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِلاَّ الْبَيْعُ , لاَ الإِجَارَةُ ; لأََنَّ الإِجَارَةَ لاَ تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ ، وَلاَ تُسْتَهْلَكُ أَصْلاً , وَالْبَيْعُ تُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ وَالرَّقَبَةُ , فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ , وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ , فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
1324 - مَسْأَلَةٌ :
وَإِجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ , وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ , وَمَعَ الشَّرِيكِ وَدُونَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ. وقال أبو حنيفة : لاَ تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ لاَ مَا يَنْقَسِمُ ، وَلاَ مَا لاَ يَنْقَسِمُ إِلاَّ مِنْ الشَّرِيكِ وَحْدَهُ , وَقَالَ : لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ لاَ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ ، وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِ. فَإِنْ ارْتَهَنَ اثْنَانِ مَعًا رَهْنًا مِنْ وَاحِدٍ جَازَ ذَلِكَ , وَقَالَ : لاَ تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ كَالدُّورِ وَالأَرَضِينَ , وَيَجُوزُ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ كَالسَّيْفِ , وَاللُّؤْلُؤَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ بَيْعَ الْمُشَاعِ مَا انْقَسَمَ وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجِزْ زُفَرُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ لاَ مِنْ الشَّرِيكِ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ. وَهَذِهِ تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالدَّعْوَى بِالْبَاطِلِ وَالتَّنَاقُضِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً , وَلاَ نَعْلَمُهَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ قَالُوا : الأَنْتِفَاعُ بِالْمُشَاعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إِلاَّ بِالْمُهَايَأَةِ , وَفِي ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ.
قال أبو محمد : وَهَذَا دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ وَفِي التَّمَلُّكِ , وَلاَ فَرْقَ , وَأَمَرَ النَّبِيُّ r بِالْمُؤَاجَرَةِ , وَلَمْ يَخُصَّ مُشَاعًا مِنْ غَيْرِ مُشَاعٍ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. وَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَقَدْ تَمَّ الدِّينُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ , وَنَحْنُ فِي غِنًى ، عَنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.