محلى ابن حزم - المجلد الثالث7

من معرفة المصادر

1218 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَهْنًا ، عَنْ ثَمَنِهَا , فَإِنْ وَقَعَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ , وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُ سِلْعَتِهِ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ كَانَ حَالًّا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ مَا اشْتَرَى مُدَّةً مُسَمَّاةً وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى إِلاَّ بِتَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا , وَالْبَيْعُ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِمَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ , فَهُوَ مَا لَمْ يَتِمّ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ , فَإِنَّمَا اشْتَرَطَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ الْمُرْتَهِنِ رَهْنًا عِنْدَهُ نَفْسِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا. وَأَمَّا إمْسَاكُ الْبَائِعِ سِلْعَتَهُ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ مَطَلَهُ بِحَقِّ قَدْ وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ , فَهُوَ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , وَإِذْ هُوَ ظَالِمٌ فَكُلُّ ظَالِمٍ مُعْتَدٍ. وَقَالَ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَالسِّلْعَةُ الَّتِي ابْتَاعَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُطَوَّلِ بِحَقِّهِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ , فَلَهُ إمْسَاكُ السِّلْعَةِ حَتَّى يَنْتَصِفَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَنَقَدَهُ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ , فَقَالَ الْبَائِعُ : لاَ أُعْطِيك السِّلْعَةَ حَتَّى تَجِيءَ بِالْبَقِيَّةِ , فَجَعَلَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ هُشَيْمٌ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ جَعَلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ فَهَذَا عَمْرٌو صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. 1219 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَكُونُ حُكْمُ الرَّهْنِ إِلاَّ لِمَا ارْتَهَنَ فِي نَفْسِ عَقْدِ التَّدَايُنِ , وَأَمَّا مَا ارْتَهَنَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ , وَلِرَاهِنِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الرَّهْنَ إِلاَّ فِي الْعَقْدِ كَمَا تَلَوْنَا وَكُلُّ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. 1220 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَدَايَنَ فَرَهَنَ فِي الْعَقْدِ رَهْنًا صَحِيحًا , ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَدَايَنَا أَيْضًا وَجَعَلاَ ذَلِكَ الرَّهْنَ رَهْنًا ، عَنْ هَذَا الدَّيْنِ الثَّانِي , فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ مَرْدُودٌ , لأََنَّ ذَلِكَ الرَّهْنَ قَدْ صَحَّ فِي الْعَقْدِ الأَوَّلِ , فَلاَ يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى عَقْدٍ آخَر , إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , فَهُوَ شَرْعٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ , وَكُلُّ عَقْدٍ انْعَقَدَ عَلَى بَاطِلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ , لأََنَّهُ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ صِحَّةٌ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ , فَلاَ صِحَّةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1221 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا صَحِيحًا ثُمَّ أَنْصَفَ مِنْ بَعْضِ دَيْنِهِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجُ ، عَنِ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , لأََنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلاَ يَسْقُطُ ، عَنْ بَعْضِ الرَّهْنِ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ بَعْضِ الدَّيْنِ , إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ. هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَصْحَابِنَا. فإن قيل : كَيْفَ تَمْنَعُونَ مِنْ إخْرَاجِ الرَّهْنِ إِلاَّ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ , وَتُجِيزُونَ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ , وَهُوَ إخْرَاجٌ لَهُ ، عَنِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ قلنا : لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَخْرَجَهُ ، عَنْ مِلْكِهِ جُمْلَةً , فَلَمْ يَمْنَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ قَطُّ , لاَ فِي قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , فَإِذَا صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَعَقْدُ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَعَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ , فَلاَ يَجُوزُ لَهُ ارْتِهَانُ مَالِهِ ، عَنْ غَيْرِهِ. وَنَقُولُ لَهُمْ : إنَّ جَمِيعَكُمْ يَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ أَبِي أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ فِيهِ عَقْدًا لاَ يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا , وَأَنَّهُ حُرٌّ مَتَى قَدِمَ أَبُوهُ , ثُمَّ لاَ خِلاَفَ بَيْنَكُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُوهُ وَإِصْدَاقِهِ , وَهِبَتِهِ , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ إنْ أَنْصَفْتُمْ أَنَفْسَكُمْ 1222 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ غَيْرِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَلاَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ , إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ رَهْنَهَا , وَلاَ بِغَيْرِ إذْنِهِ , وَلاَ مَالَ يَتِيمِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ ، وَلاَ مَالَ زَوْجَتِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ : لَهُ أَنْ يَرْهَنَ ، عَنْ نَفْسِهِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمَالِكِيُّونَ : وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ يَتِيمِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالُوا : إذَا أَذِنَ الأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ ، عَنْ نَفْسِهِ جَازَ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلأَبِ الْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَ مَالَ الأَبْنِ وَالْيَتِيمِ , فَإِدْخَالُهُ فِي الذِّمَّةِ أَحَقُّ بِالْجِوَازِ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُمَا إيدَاعُهُ , وَلاَ قَرْضُهُ , إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ نَظَرًا وَحِيَاطَةً لِلصَّغِيرِ , وَلاَ نَظَرَ لَهُ أَصْلاً فِي أَنْ يَرْهَنَهُ الأَبُ وَالْوَصِيُّ ، عَنْ أَنْفُسِهِمَا , فَهُوَ ضَرَرٌ , فَهُوَ مَرْدُودٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ لِلإِنْسَانِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ أَذَا خَشِيَ هَلاَكَهَا عِنْدَهُ , وَرَأَى السَّلاَمَةَ فِي إيدَاعِهَا : فَيَلْزَمُهُمْ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَل الْبَدِيعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا ، عَنْ نَفْسِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا صَحَّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ , وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ. رُوِّينَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ قَالَ : ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ , قَالَ بَكْرٌ : ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ وقال أحمد : ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ. قال أبو محمد : وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الأَكْلِ , وَهَكَذَا نَقُولُ : يَأْكُلُ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْتِهِ وَغَيْر بَيْتِهِ , وَلَيْسَا فِي الْبَيْعِ , وَلاَ فِي الأَرْتِهَانِ , وَلاَ فِي الْهِبَةِ. وَلاَ فِي الأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الأَكْلِ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُنْتُمْ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ مِنْ وَجْهَيْنِ , أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ إلَى قوله تعالى : أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الأَكْلَ مِنْ بُيُوتِ الأَصْدِقَاءِ وَاَلَّتِي مَفَاتِحُهَا بِأَيْدِينَا وَبُيُوتِ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَات وَسَائِرِ مَنْ ذُكِرَ فِي الآيَةِ فَأَبِيحُوا الأَرْتِهَانَ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَضْتُمْ قِيَاسَكُمْ وَتَرَكْتُمُوهُ وَقَضَيْتُمْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْفَسَادِ جُمْلَةً , وَالثَّانِي أَنَّكُمْ لاَ تُجِيزُونَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إِلاَّ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ ، وَلاَ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ شَيْئًا أَصْلاً لِغَيْرِ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلاَّ الأَرْتِهَانَ خَاصَّةً , وَعِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُصَدِّقهُ ، عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الْمُضْطَرِبَةِ , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد هُوَ الْخُرَيْبِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ قال أبو محمد : فَأَبَاحُوا بِهِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِي وَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ , وَالصَّغِيرِ , وَقَضَوْا عَلَى الأَبِ بِضَمَانِهِ وَرَدِّهِ , وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ بِهِ أَنْ يُصَدِّق مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً وَيَضْمَنَ الْقِيمَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفُوهُ فَلَمْ يُبِيحُوا لِلأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لَمْ يَخُصَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُمْ تَخْصِيصُهَا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبِيحُوا الأَرْتِهَانَ وَالإِصْدَاقَ إِلاَّ مِنْ مَالِ الأَبْنِ الصَّغِيرِ لاَ مِنْ مَالِ الأَبْنِ الْكَبِيرِ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ وَتُحَكَّمُوا فِي الدَّيْنِ بِالتَّحْرِيمِ , وَالتَّحْلِيلِ بِالدَّعْوَى الْمُبْطِلَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لأََنَّهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً صَنَعَ شَيْئًا فِي مَالِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَبَاهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ r أَوْ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ فَقَالَ : اُرْدُدْ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِكَ , وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : يَأْخُذُ الأَبُ , وَالأُُمُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلاَ يَأْخُذُ الأَبْنُ وَالأَبْنَةُ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا , وَصَحَّ مِثْلُهُ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سُوَيْد ، هُوَ ابْنُ غَفَلَةَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا ; وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحُبَابُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ هُرْمُزَ الْحَنَفِيُّ قَالَ : قُلْت لأََنَسِ بْنِ مَالِكٍ : جَارِيَةٌ لِي غَلَبَنِي عَلَيْهَا أَبِي لَمْ يَخْلِطُهَا مَالٌ لأََبِي فَقَالَ لِي أَنَسٌ : هِيَ لَهُ , أَنْتَ وَمَالُك مِنْ كَسْبِهِ , أَنْتَ وَمَالُك لَهُ حَلاَلٌ , وَمَالُهُ عَلَيْك حَرَامٌ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلاَبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَوْلاَدُكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ لَكُمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَاهُ أَبٌ وَابْنٌ وَالأَبْنُ يَطْلُبُ أَبَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَقْرَضَهُ إيَّاهَا وَالأَبُ يَقُولُ : إنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِ الأَبْنِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ الأَبِ فَقَالَ : هَذَا وَمَالُهُ مَنْ هِبَةِ اللَّهِ لَك. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوُ هَذَا وَأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَجَوَّزَ مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : أَنْتَ مِنْ هِبَةِ اللَّهِ لأََبِيك , أَنْتَ وَمَالُك لأََبِيك. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ، هُوَ ابْنُ حَيٍّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَالْحَكَمِ , قَالاَ جَمِيعًا : يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ إِلاَّ الْفَرْجَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْوَالِد فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِلاَّ الْفَرْجَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى الشَّعْبِيِّ فِي مَالٍ لَهُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ , أَجْعَلُك وَمَالَك لَهُ يَعْنِي لِوَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : الرَّجُلُ فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُضَارّهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : الْوَالِدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَالْوَلَدُ لاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : يَأْخُذُ الْوَالِدَانِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا مَا شَاءَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت الْحَسَنَ وَسَأَلَهُ سَائِلٌ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ وَالِدِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : أَنْتَ وَمَالُك لأََبِيك , أَمَا عَلِمْت أَنَّك عَبْدُ أَبِيك وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً تَسُرَّاهَا , قَالَ قَتَادَةَ : لَمْ يُعْجِبْنِي مَا قَالَ فِي الْجَارِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِلاَّ الْفَرْجَ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا إِلاَّ الْفَرْجَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لاَ يَغْرَمُ الأَبُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ , وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَالِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ خِلاَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُمْ : عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَنَسٌ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , إِلاَّ رِوَايَةً صَحَّتْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَأُخْرَى ، عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ. وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ مُخَالِفًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلاَّ ابْنَ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيَّ , وَمُجَاهِدًا , بِاخْتِلاَفِ عَنْهُمْ وَالزُّهْرِيَّ , فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَقَوْلِنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَالِهِ يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ. وبه إلى عَبْدٍ : أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : لَيْسَ لِلأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إِلاَّ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ , أَوْ شَرَابٍ , أَوْ لِبَاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : لاَ يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ فَيُسْتَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ , يَعُولُهُ ابْنُهُ , كَمَا كَانَ الأَبُ يَعُولُهُ , فأما إذَا كَانَ الأَبُ مُوسِرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ فَيَبْقَى بِهِ مَالُهُ , أَوْ يَضَعُهُ فِي مَا لاَ يَحِلُّ قَالَ : فَإِذَا كَانَتْ أُمُّ الْيَتِيمِ مُحْتَاجَةً أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ , يَدُهَا مَعَ يَدِهِ , وَالْمُوسِرَةُ لاَ شَيْءَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : خُذْ مِنْ مَالِ وَلَدِك مَا أَعْطَيْته ، وَلاَ تَأْخُذْ مِنْهُ مَا لَمْ تُعْطِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : إنَّ أَبِي يَحْرِمْنِي مَالَهُ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ : كُلْ مَنْ مَالِ أَبِيك بِالْمَعْرُوفِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحَرَ جَزُورًا فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا هِيَ لِي فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ : يَا أَبَتَاهُ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ , أَطْعِمْ مِنْهَا مَا شِئْت. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبُرَ وَاحْتَازَ مَالَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ. قال أبو محمد : يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالزُّهْرِيُّ , وَمُجَاهِدٌ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ , نَقُولُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الأَكْلِ خَاصَّةً فَإِنَّ لِلأَبِ وَالأُُمِّ أَنْ يَأْكُلاَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ حَيْثُ وَجَدَاهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ غَيْرِ بَيْتٍ فَقَطْ ثُمَّ لاَ شَيْءَ لَهُمَا , وَلاَ حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ , لاَ بِعِتْقِ , وَلاَ بِإِصْدَاقِ , وَلاَ بِارْتِهَانِ , إِلاَّ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ , فَيَأْخُذُ الْفَقِيرُ مِنْهُمَا مَا احْتَاجَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ كِسْوَةٍ , وَأَكْلٍ , وَسُكْنَى , وَخِدْمَةٍ , وَمَا احْتَاجَا إلَيْهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ , وَبَيْتِ أُمِّهِ مَا شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا , وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ الْبَيْتِ شَيْئًا , كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ , لاَ يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ , فَإِنْ احْتَاجَ أَخَذَ أَيْضًا كَمَا قلنا فِي الْوَالِدَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ثُمَّ الْحُدُودُ , وَالأَحْكَامُ لاَزِمَةٌ لِلأَبِ فِي جَارِيَةِ وَلَدِهِ , وَفِي مَالِ وَلَدِهِ , وَلاَزِمَةٌ لِلأَبْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ , وَأُمِّهِ , وَمَالِهِمَا , كَمَا هِيَ فِيمَا بَيْنَ الأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ يُشَنِّعُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ شَهَوَاتهمْ , وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا وَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ. وَأَقْرَبُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَعْوَى الْحَنَفِيِّينَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ , وَلَيْسَ مِنْهُ إِلاَّ رِوَايَاتٌ لاَ تَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ , وَعَلِيٍّ فَقَطْ. وَقَدْ صَحَّتْ ، عَنْ عَلِيٍّ رِوَايَةٌ بِإِسْقَاطِ التَّضْمِينِ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ , ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ هَاهُنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حُجَّةٌ أَصْلاً , وَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ , إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ : أَنَّ رَجُلاً خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ لَهُ أَبُوهُ فَقَالَ عُمَرُ : أَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ , وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا , مَعَ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ , لأََنَّهَا عَمَّنْ لاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ وَمِمَّا يَنْبَغِي لِذِي الْحَيَاءِ أَنْ يَهَابَهُ , وَلِذِي الدِّينِ أَنْ يُفَرِّقَهُ. فإن قيل : فَأَنْتُمْ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ مَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَلِمَ اسْتَحْلَلْتُمْ تَرْكَ الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ قلنا : يُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنْ نَتْرُكَ خَبَرًا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام , وَلَوْ أُجْلِبُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ الْبَحْرَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ وهذا الخبر مَنْسُوخٌ لاَ شَكَّ فِيهِ لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ بِمِيرَاثِ الأَبَوَيْنِ , وَالزَّوْجِ , وَالزَّوْجَةِ , وَالْبَنِينَ , وَالْبَنَاتِ , مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ , وَأَبَاحَ فِي الْقُرْآنِ لِكُلِّ مَالِك أَمَةٍ وَطْأَهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ , وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ لاَ يَمْلِكُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَهُ وَالِدٌ , وَمَنْ لاَ وَالِدَ لَهُ. فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ بِيَقِينِ , لاَ لأََبَوَيْهِ , وَلاَ حَقَّ لَهُمَا فِيهِ إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الأَكْلِ , أَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَقَطْ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ لَمَا وَرِثَتْ زَوْجَةُ الْوَلَدِ , وَلاَ زَوْجُ الْبِنْتِ , وَلاَ أَوْلاَدُهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , لأََنَّهُ مَالٌ لأَِنْسَانِ حَيٍّ , وَلاَ كَانَ يَحِلُّ لِذِي وَالِدٍ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ أَصْلاً , لأََنَّهَا لأََبِيهِ كَانَتْ تَكُونُ. فَصَحَّ بِوُرُودِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَبَقَائِهِمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مَنْسُوخَيْنِ : أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ , وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَحَّ بِالنَّصِّ , وَالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ : أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً , أَوْ عَبْدًا لَهُمَا وَالِدٌ فَإِنَّ مِلْكَهُمَا لِمَالِكِهِمَا , لاَ لأََبِيهِمَا. فَصَحَّ أَيْضًا : أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام : إنَّهُ لأََبِيهِ مَنْسُوخٌ , وَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ بِالأَثَرِ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الأَثَرَ نَفْسَهُ. وَأَمَّا رَهْنُ الْمَرْءِ السِّلْعَةَ تَكُونُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ ، عَنِ الأَرْتِهَانِ إِلاَّ بِخُرُوجِهِ ، عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ , أَوْ بِهَلاَكِهِ , أَوْ بِاسْتِحَالَتِهِ , حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ الأَسْمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حِينَ رُهِنَ , أَوْ بِقَضَاءِ الْحَقِّ الَّذِي رُهِنَ عَنْهُ , فَالْتِزَامُ غَيْرِ الرَّاهِنِ لِلرَّاهِنِ هَذَا كُلُّهُ فِي سِلْعَتِهِ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ , وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ مَتَى شَاءَ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرُّهُونِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ رَهْنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1223 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ , أَوْ بَعْضُهُ : بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا , لأََنَّهُمَا تَعَاقَدَا صِحَّتَهَا بِصِحَّةِ الرَّهْنِ , وَلَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ تِلْكَ الْمُدَايَنَةَ إِلاَّ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ , وَذَلِكَ الرَّهْنُ لاَ صِحَّةَ لَهُ , تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1224 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا رَهَنَ جَمَاعَةٌ رَهْنًا هُوَ لَهُمْ عِنْدَ وَاحِدٍ , أَوْ رَهَنَ وَاحِدٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ , فَأَيُّ الْجَمَاعَةِ قَضَى مَا عَلَيْهِ خَرَجَ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّهْنِ ، عَنِ الأَرْتِهَانِ , وَبَقِيَ نَصِيبُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَضَى الْوَاحِدُ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ حَقَّهُ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ فِي الأَرْتِهَانِ , وَرَجَعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ , وَبَقِيَتْ حِصَصُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهَا , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1225 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الرَّهْنِ , فَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ , وَذَلِكَ الْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلرَّاهِنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فَالأَمَةُ بِلاَ خِلاَفٍ لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلْمُرْتَهِنِ , وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ لَهُ , فَهُوَ مُعْتَدٍ عَاهِرٌ " 1226 - مَسْأَلَةٌ : وَرَهْنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ طُبِعَتْ أَوْ لَمْ تُطْبَعْ. قَالَ مَالِكٌ : لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ تُطْبَعَ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ قَبْلَهُ , وَلَئِنْ كَانَ يُخَافُ انْتِفَاعٌ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمَخُوفٍ عَلَى كُلِّ مَا يُرْهَنُ , وَلاَ فَرْقَ ، وَلاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ : إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لاَ تَتَعَيَّنُ , وَإِنَّ امْرَأً لَوْ غَصَبَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِمَا بِعَيْنِهِمَا , وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فِي يَدِهِ , وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ قَوْلِهِ فِي طَبْعِهِمَا فِي الرَّهْنِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الرَّهْنِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. كتاب الحوالة 1227 - مَسْأَلَةٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ , وَمُسْلِمٍ , قَالَ الْبُخَارِيُّ : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَُعْرَجِ ; وَقَالَ مُسْلِمٌ : نا ابْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ الأَُعْرَجُ , وَهِشَامٌ , وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ : { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا اُتُّبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } . وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ r مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ } . فَوَجَبَ مِنْ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ : أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ عِنْدَ آخَر حَقٌّ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ لَكِنْ مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ بِوَجْهِ مَا , أَوْ مِنْ سَلَمٍ سَلَّمَ فِيهِ , أَوْ مِنْ قَرْضٍ , أَوْ مِنْ صُلْحٍ , أَوْ إجَارَةٍ , أَوْ صَدَاقٍ , أَوْ مِنْ كِتَابَةٍ , أَوْ مِنْ ضَمَانٍ , فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ حَقٌّ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ , لَكِنْ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ . وَلَا نُبَالِي مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحَقَّانِ , أَوْ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , وَكَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يُوفِيه حَقَّهُ مِنْ وَقْتِهِ وَلَا يَمْطُلُهُ : فَفَرْضٌ عَلَى الَّذِي أُحِيلَ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَيْهِ , وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ , وَيَبْرَأَ الْمُحِيلُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ . وَلَا رُجُوعَ لِلَّذِي أُحِيلَ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ - انْتَصَفَ , أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ - أَعْسَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ إثْرَ الإِحَالَةِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يُعْسَرْ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَلَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُ غَيْرِهِ , فَإِنْ غَرَّهُ وَأَحَالَهُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ - وَالْمُحِيلُ يَدْرِي أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ أَوْ لَا يَدْرِي - : فَهُوَ عَمَلٌ فَاسِدٌ , وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ , لِأَنَّهُ لَمْ يُحِلْهُ عَلَى مَلِيءٍ , وَلَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى مَلِيءٍ بِنَصِّ الْخَبَرِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَرْجِعُ الْمُحِيلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَمَالِكٌ كَقَوْلِنَا , فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ مِنْ بَيْعٍ وَالآخَرُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ , نُظِرَ : فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ , وَكَانَ حَقُّ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ بَيْعٍ : جَازَتْ الْحَوَالَةُ . فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِوَجْهِ التَّوْكِيلِ فَيُوَكِّلُهُ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ قَبْلَهُ , فَإِنْ قَبَضَهُ لِلْمُوَكَّلِ لَهُ , فَحِينَ مَصِيرِهِ بِيَدِهِ صَارَ قَابِضًا ذَلِكَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ , وَبَرِئَ الْمُحِيلُ . وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَبْضِهِ لِمَانِعِ مَا , أَيُّ مَانِعٍ كَانَ ؟ رَجَعَ الْمُحِيلُ بِحَقِّهِ , لِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنْ بَيْعِ مَا ابْتَعْت حَتَّى تَقْبِضَهُ . وَأَمَّا بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الْحَقَّ فَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَقْضِيَهُ لِنَفْسِهِ إذَا صَارَ بِيَدِهِ , فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ اعْتَدَى إذْ ضَيَّعَ مَالَ مُوَكِّلٍ , فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِالتَّضْيِيعِ , [ فَصَارَ ضَمَانُهُ بِالتَّضْيِيعِ ] فَصَارَ مِثْلُهُ عَلَيْهِ لِمُوَكَّلِهِ فِي ذِمَّتِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ جَحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ : رَجَعَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ , وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَلَا مَالَ لَهُ , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ : وَكَذَلِكَ إذَا أَفْلَسَ - الْقَاضِي الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ مِنْ السِّجْنِ أَيْضًا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا صَحَّ أَمْرُهَا فَقَدْ سَقَطَ الْحَقُّ عَنِ الْمُحِيلِ , وَإِذْ قَدْ أَقَرُّوا بِسُقُوطِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ رُجُوعُ حَقٍّ قَدْ سَقَطَ بِغَيْرِ نَصٍّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ , وَلَا إجْمَاعَ يُوجِبُ رُجُوعَهُ - فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَوْ قَالَ فِي الْحَوَالَات : لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًّا . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي أُحِيلَ : لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ , أَوْ يَمُوتَ . وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ , وَالْحَسَنِ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , كُلُّهُمْ يَقُولُ : إنْ لَمْ يُنْصِفْهُ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ . وَعَنِ الْحَكَمِ : لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَنْتَصِفَ , فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُحِيلِ ؟ قُلْنَا : لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ الْمُسَيِّبِ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ , وَلِرَجُلِ آخَر عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ , فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلْمُسَيِّبِ : أَنَا أُحِيلُك عَلَى عَلِيٍّ وَأَحِلْنِي أَنْتَ عَلَى فُلَانٍ , فَفَعَلَا فَانْتَصَفَ الْمُسَيِّبُ مِنْ عَلِيٍّ وَتَلِفَ مَالُ الَّذِي أَحَالَهُ الْمُسَيِّبُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ الْمُسَيِّبُ بِذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَبْعَدَهُ اللَّهُ - فَهَذَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ , وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ , وَهَذِهِ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا . وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَلَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ بِاتِّفَاقِكُمْ مَعَنَا فِي ذَلِكَ وَلَسْنَا نَرَى إحَالَةَ مَنْ لَا حَقَّ لِلْمُحَالِ عِنْدَهُ , لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ : وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مِثْلُ فِعْلِ عَلِيٌّ , وَالْمُسَيِّبِ رضي الله عنهما عَلَى الضَّمَانِ , فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ مَا عَلَى الآخَرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ , وَلَزِمَ , وَتَحَوَّلَ الْحَقُّ الَّذِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَمَالِكٌ : لَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَى قَبُولِ الْحَوَالَةِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : لَوْ وَجَبَ إجْبَارُهُ لَوَجَبَ أَيْضًا إذَا أَحَالَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ عَلَى اتِّبَاعِهِ , ثُمَّ إذَا أَحَالَهُ ذَلِكَ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ أَيْضًا عَلَى اتِّبَاعِهِ , وَهَذَا أَبَدًا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَفِي هَذَا مَا فِيهِ , فَكَيْفَ وَاَلَّذِي اعْتَرَضُوا بِهِ فَاسِدٌ ؟ لِأَنَّهُ مَطْلٌ مِنْ غَنِيٍّ , أَوْ حَوَالَةٌ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ , وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , وَالْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَقْبَلَهَا , وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ يُعَجِّلُ الإِنْصَافَ بِفِعْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ , وَإِلَّا فَلَيْسَتْ حَوَالَةً بِنَصِّ الْحَدِيثِ 1228 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ , وَإِنْ كَانَ جَاحِدًا فَهِيَ حَوَالَةٌ صَحِيحَةٌ. وقال مالك : لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ فَقَطْ وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّهُ قَدْ تُجْرَحُ الْبَيِّنَةُ فَيَبْطُلُ الْحَقُّ قلنا : وَقَدْ يَرْجِعُ ، عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ , وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدَّاهُ , فَيَبْطُلُ الْحَقُّ ، وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ مَا لَمْ يَخُصُّهُ رَسُولُ اللَّهِ r بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 1229 - مَسْأَلَةٌ : وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إلَى مِثْلِ أَجَلِهِ لاَ إلَى أَبْعَدِ , وَلاَ إلَى أَقْرَبَ وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالْحَالِ عَلَى الْحَالِ , وَلاَ تَجُوزُ بِحَالِ عَلَى مُؤَجَّلٍ ; ، وَلاَ بِمُؤَجَّلِ عَلَى حَالٍ , وَلاَ بِمُؤَجَّلِ عَلَى مُؤَجَّلٍ إلَى غَيْرِ أَجَلِهِ , لأََنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ إيجَابُ تَأْجِيلِ حَالٍ أَوْ إيجَابِ حُلُولِ. مُؤَجَّلٍ. وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ بِالْمُؤَجَّلِ إلَى أَجَلِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَمْرِهِ عليه السلام : مَنْ اُتُّبِعَ عَلَى مَلِيءٍ أَنْ يَتْبَعَهُ. تَمَّ " كِتَابُ الْحَوَالَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كِتَابُ الْكَفَالَةِ 1230 - مَسْأَلَةٌ : الْكَفَالَةُ هِيَ الضَّمَانُ , وَهِيَ الزَّعَامَةُ , وَهِيَ الْقَبَالَةُ , وَهِيَ الْحَمَالَةُ. فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقُّ مَالٍ مِنْ بَيْعٍ , أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ إنْسَانٌ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَطِيبِ نَفْسِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ : فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ الْحَقُّ ، عَنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَانْتَقَلَ إلَى الضَّامِنِ وَلَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ , وَلاَ عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ انْتَصَفَ أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ ، وَلاَ بِحَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ ، وَلاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ , وَلاَ عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِمَّا ضَمِنَ عَنْهُ أَصْلاً سَوَاءٌ رَغِبَ إلَيْهِ فِي أَنْ يَضْمَنَهُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ : أَنْ يَقُولَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ : اضْمَنْ عَنِّي مَا لِهَذَا عَلَيَّ فَإِذَا أَدَّيْت عَنِّي فَهُوَ دَيْنٌ لَك عَلَيَّ : فَهَاهُنَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ لأََنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ مَا أَدَّى عَنْهُ : فَهُوَ قَرْضٌ صَحِيحٌ. أَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ الْكَفَالَةَ هِيَ الضَّمَانُ , وَالْحَمَالَةُ , وَالزَّعَامَةُ , وَالْقِبَالَةُ وَالضَّامِنُ : هُوَ الْقَبِيلُ , وَالْكَفِيلُ , وَالزَّعِيمُ , وَالْحَمِيلُ , فَاللُّغَةُ , وَالدِّيَانَةُ لاَ خِلاَفَ فِيهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمُومُ جَوَازِ الضَّمَانِ فِي كُلِّ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ , فَلأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ أَصْلاً , وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلُ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَمَّا جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ رَغْبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ , فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرَ , فَضَمِنَ النَّبِيُّ r عَنْهُمْ الدِّيَةَ بِغَيْرِ رَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَجُوزُ الضَّمَانُ إِلاَّ بِمَحْضَرِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ , إِلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ الْمَرِيضُ يَقُولُ لِوَرَثَتِهِ : أَيُّكُمْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنَ فُلاَنٍ عَلَيَّ فَيَضْمَنُهُ أَحَدُهُمْ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ. وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُبْتَلَيْنَ بِتَقْلِيدِهِ أَنَّهُ عَقْدٌ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ , فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِمَحْضَرِهِمَا جَمِيعًا. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِضُونَ مِنْ قُرْبٍ فَيُجِيزُونَ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِهَا , وَيُجِيزُونَ الضَّمَانَ لِدَيْنِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ إنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ عَقْدًا عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّامِنِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ فَقَطْ , فَإِنْ أُنْصِفَ فِي مِثْلِ هَذَا , وَإِلَّا فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ , وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ كَمَا كَانَ وَرَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ قَالُوا : إنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَعَيَّنَ فِي مَالِ الْمَرِيضِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ كَذَبُوا مَا تَعَيَّنَ قَطُّ فِي مَالِهِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ , وَأَبُو حَنِيفَةَ لاَ يُجِيزُ ضَمَانَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ بِأَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ هَلَكَ وَأَجَازُوا الضَّمَانَ عَلَى الْحَقِّ الْمُفْلِسِ وَالدَّيْنُ قَدْ هَلَكَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ يَكْسِبُ الْمُفْلِسُ مَالاً قلنا : وَقَدْ يَطْرَأُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ حِينَ مَوْتِهِ وَهَذَا مِنْهُمْ خِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ r مُجَرَّدٌ. وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي الضَّمَانِ ، عَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لاَ يَتْرُكُ وَفَاءً : مَالِكٌ , وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ t ] قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ r إذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ , فَقَالُوا : صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ : هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا : لاَ , قَالَ : فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا : نَعَمْ , ثَلاَثَةٌ دَنَانِيرَ , قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ , فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. فَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِدَيْنِهِ , بِخِلاَفِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَفِيهِ : أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِالضَّمَانِ جُمْلَةً , لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ ، عَنِ الْمَيِّتِ وَيَنْتَقِلْ إلَى ذِمَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا كَانَتْ الْحَالُ إِلاَّ وَاحِدَةً , وَامْتِنَاعُهُ عليه السلام مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِدَيْنِهِ , ثُمَّ صَلاَتُهُ عليه السلام عَلَيْهِ بَعْدَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ : بُرْهَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الأُُولَى ، وَأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لاَ يُتْرَكُ بِهِ وَفَاءٌ قَدْ بَطَلَ وَسَقَطَ بِضَمَانِ الضَّامِنِ , وَلَزِمَ ذِمَّةَ الضَّامِنِ بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ r عَلَى دَيْنِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الضَّامِنِ بَعْدُ لاَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَفِيهِ أَيْضًا : جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ , وَإِذْ قَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَجُوزُ رُجُوعُهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَأَيْضًا : الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلاَلِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ : يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأََحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ فَعَمَّ عليه السلام إبَاحَةَ تَحَمُّلِ الْحَمَالَةِ عُمُومًا بِكُلِّ حَالٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالضَّمَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلاَّ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَيْضًا مِنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلاَّ أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ تَرْكُهُ جُمْلَةً , وَلاَ طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَعْدَهَا , فَلأََنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِلُزُومِ تَرْكِ طَلَبِ غَرِيمِهِ , بَلْ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مَطْلٌ لَهُ , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَأَمَرَ عليه السلام أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ , فَإِنْ أُنْصِفَ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ , وَمَنْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلاَ حَقَّ لَهُ سِوَاهُ. فإن قيل : فَأَنْتُمْ أَصْحَابُ اتِّبَاعٍ لِلآثَارِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الصَّلاَةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ بِهِ قلنا : سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام لَهُمْ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ بَيَانٌ فِي أَنَّهُ عليه السلام الْمَخْصُوصُ بِهَذَا الْحُكْمُ وَحْدَهُ , لاَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ , لاَ الإِمَامُ ، وَلاَ غَيْرُهُ فَكَيْف وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ r لاَ يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ , فَأُتِيَ بِمَيِّتِ , فَقَالَ : عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا : نَعَمْ , دِينَارَانِ , فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ : هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ r فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ : أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ , فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِمَّنْ أَجَازَ الضَّمَانُ ، عَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً : ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَمَالِكٌ ; وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَمَا نَعْلَمُ لأََبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ , وَإِسْحَاقُ ; وَأَحْمَدُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَمَالِكٌ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ : إنَّ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ الضَّامِنُ , وَإِنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ. وقال مالك فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ : إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مَلِيًّا بِالْحَقِّ فَلَيْسَ لِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ , وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَقَطْ , إِلاَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الضَّامِنِ حِينَئِذٍ , وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ غَائِبًا , أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ فَيَخَافُ الْمَضْمُونُ لَهُ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ أَيْضًا ] حِينَئِذٍ. قال أبو محمد : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَظَاهِرُ الْعَوَارِ , لأََنَّهُ دَعَاوَى كُلُّهُ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَتَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا , كَمَا قلنا مِنْ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ سَقَطَ جُمْلَةً ، عَنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ , وَلاَ سَبِيلَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إلَيْهِ أَبَدًا , وَإِنَّمَا حَقُّهُ عِنْدَ الضَّامِنِ أَنْصَفَهُ أَوْ لَمْ يُنْصِفْهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ , عَنِ الْحَسَنِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , قَالاَ جَمِيعًا : الْكَفَالَةُ , وَالْحَوَالَةُ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُ وَاحِدٍ مَعْدُودٍ مَحْدُودٍ هُوَ كُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ , وَهُوَ كُلُّهُ عَلَى عَمْرٍو , وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ لِلَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا بِجَمِيعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَدَدُ مُضَاعَفًا , وَلَمَا سَقَطَ ، عَنْ أَحَدِهِمَا حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ بِأَدَاءِ آخَرَ ، عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ أَيْضًا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَاخْتِلاَطُ قَوْلِهِمْ وَأَنَّهُ لاَ يُعْقَلُ , وَلاَ يَسْتَقِرُّ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا هُوَ لَهُ عَلَى أَيِّهِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ قلنا : فَهَذَا أَدْخَلَ فِي الْمُحَالِ , لأََنَّهُ عَلَى هَذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ حَقُّهُ عَلَى وَاحِدٍ. مِنْهُمَا بَعْدُ لاَ عَلَى الضَّامِنِ ، وَلاَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ حَقَّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدُ. فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ فِي وَارِثَيْنِ تَرَكَ مُوَرِّثُهُمَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ , فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ , ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا مُشَاعًا , ثُمَّ بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ آخَرَ , وَالثَّالِثُ مِنْ رَابِعٍ : أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ غَصَبَ مَالاً ثُمَّ وَهَبَهُ لأَخَرَ : فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَأْخُذُ بِمَالِهِ أَيَّهمَا شَاءَ قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِمَّا أَنْكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ مَالٍ وَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ هُوَ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَمَّا الْوَارِثَانِ فَإِنَّهُمَا اقْتَسَمَا مَا لاَ يَحِلُّ لَهُمَا اقْتِسَامَهُ , وَحَقُّ الْغَرِيمِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ , لاَ عِنْدَ الْوَارِثَيْنِ أَصْلاً , فَإِنَّمَا يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ وَجَدَهُ , ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ لِلْغَرِيمِ حِينَئِذٍ , وَالْقِسْمَةُ الأُُولَى فَاسِدَةٌ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَرَثَةِ إِلاَّ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ , وَالدَّيْنِ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ يَهَبُ مَا غَصَبَ فَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ , وَحَقُّ الْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ , فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنْ طَلَبَ الْغَاصِبَ طَلَبَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَهُ , وَإِنْ طَلَبَ الْمَوْهُوبَ لَهُ طَلَبَهُ بِحَقِّ الْغَاصِبِ عِنْدَهُ مِنْ رَدِّ مَا وَهَبَهُ بِالْبَاطِلِ , فَإِذَا فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ , وَهَكَذَا كُلُّ مَا انْتَقَلَ ذَلِكَ الْمَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَأَمَّا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ إمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ , فَهُوَ يُمْضِي بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَرُدُّ بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ فَظَهَرَ فَسَادُ تَنْظِيرِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَاحْتَجُّوا عَلَى خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قلنا : نَعَمْ , دِينَارَانِ , فَقَالَ عليه السلام : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ , فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ , وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ , فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ عليه السلام لأََبِي قَتَادَةَ : مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا دَفَنَّاهُ أَمْسِ , ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدُ فَقَالَ لَهُ : مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ قَالَ : قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ. وَبِخَبَرَيْنِ آخَرَيْنِ لاَ يَصِحَّانِ : أَحَدُهُمَا : نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ. وَالآخَرُ , فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِعَلِيٍّ إذْ ضَمِنَ دَيْنَ الْمَيِّتِ : فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَخْبَارٍ هِيَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. أَمَّا : فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ عَلَى مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّهُ قَدْ فَكَّ رِهَانَهُ بِضَمَانِهِ دَيْنَهُ فَقَطْ , فَإِنَّهُ حَوَّلَ دَيْنَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَيًّا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا. وَأَمَّا نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُكْمُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ , وَلاَ أَنَّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَمْطُلْ بِدَيْنِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ مِنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ الْمُطَالَبَ بِدَيْنِهِ فِي الآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَطْلٍ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ , فَصَارَ ظَالِمًا , فَعَلَيْهِ إثْمُ الْمَطْلِ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْسِرْ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَرِيمِ فِيمَا يَتَخَلَّفُ مِنْ مَالٍ أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ زَكَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَخْلُفْ مَالاً. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَنْبَ الْمَطْلِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ مِمَّا يَخْلُفُ أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ قَضَاهُ عَنْهُ الضَّامِنُ فَفِي هَذَا جَاءَتْ الأَحَادِيثُ فِي تَشْدِيدِ أَمْرِ الدَّيْنِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَمْطُلْ قَطُّ بِهِ , فَلَمْ يَظْلِمْ , وَإِذَا لَمْ يَظْلِمْ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ , وَلاَ تَبِعَةَ , وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا يَتَخَلَّفُ , أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ , وَالظَّالِمُ حِينَئِذٍ مَنْ مَطَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ سُلْطَانٍ ، وَلاَ إثْمَ عَلَى الْمَيِّتِ أَصْلاً , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَهُوَ لَمْ يَمْطُلْ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يَظْلِمْ , وَإِذْ لَمْ يَظْلِمْ فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الإِنْصَافُ بَعْدَ مَوْتِهِ , وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ ]. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مَسْكَةُ إنْصَافٍ لأََنَّ فِيهِ نَصًّا قَوْلُ النَّبِيِّ r لِلضَّامِنِ ، عَنِ الْمَيِّتِ : حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ , قَالَ الضَّامِنُ : نَعَمْ أَلَيْسَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ لَهُ مَسْكَةُ دِينٍ أَوْ أَقَلَّ تَمْيِيزٍ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ. فإن قيل : فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ r إذْ قَضَاهُمَا : الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ. قلنا : هَذَا لاَ مُتَعَلِّقَ فِيهِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ , وَلاَ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ لأََنَّ نَصَّ الْخَبَرِ قَدْ وَرَدَ فِيهِ بِعَيْنِهِ : أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَرِيءَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّعِيمِ فَلاَ مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ فِي هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ فَقَدْ أَصَابَ عليه السلام مَا أَرَادَ , وَقَوْلُهُ الْحَقُّ لاَ نَشُكُّ فِيهِ , لَكِنْ نَقُولُ : إنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَبْرِيدٌ زَائِدٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ الْقَضَاءِ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَرٍّ كَمَا تَقُولُ : لَقَدْ سَرَّنِي فِعْلُك , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ ، وَلاَ حُزْنٍ. وَكَمَا لَوْ تَصَدَّقَ ، عَنِ الْمَيِّتِ بِصَدَقَةٍ لَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَوْحٌ زَائِدٌ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي كَرْبٍ ، وَلاَ غَمٍّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ مَطَلَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَحَصَلَ لَهُ الظُّلْمُ ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ الظُّلْمَ بِالْقَضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا أَصْلاً , وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الآخِرَةِ , وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ سُوءٍ فِي الإِسْلاَمِ كَانَ لَهُ إثْمُ ذَلِكَ وَإِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا. وَنَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فِي الإِسْلاَمِ كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا , فَقَدْ يُؤْجَرُ الإِنْسَانُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ , وَيُعَاقَبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِمَا سَبَبٌ. وَقَدْ يَدْخُلُ الرَّوْحُ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ , لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يَرْجِعُ الضَّامِنُ بِمَا أَدَّى سَوَاءً بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ اسْتَقْرَضَهُ , فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْحَقِّ ، عَنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَاسْتِقْرَارِهِ عَلَى الضَّامِنِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ وَالظُّلْمِ الْوَاضِحِ أَنْ يُطَالِبَ الضَّامِنُ مِنْ أَجْلِ أَدَائِهِ حَقًّا لَزِمَهُ وَصَارَ عَلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَنْ لاَ حَقَّ قِبَلَهُ لَهُ , وَلاَ لِلَّذِي أَدَّاهُ عَنْهُ , وَهَذَا لاَ خَفَاءَ بِهِ وَمَا نَدْرِي لِمَنْ قَالَ : إنَّهُ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى حُجَّةً أَصْلاً. وقال مالك : يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ سَوَاءٌ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وقال أبو حنيفة , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ , وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً , وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا. قال أبو محمد : وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ وَاهٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، عَنِ الْقَعْنَبِيُّ ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً لَزِمَ غَرِيمًا لَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لاَ أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ فَتَحَمَّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ قَالَ : مِنْ مَعْدِنٍ , قَالَ : لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r . قَالَ عَلِيٌّ : فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَجَبٌ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ , وَقَدْ تَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِي غَيْرِ قِصَّةٍ : مِنْهَا رِوَايَتُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا ، عَنِ النَّبِيِّ r : مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّ فِيهِ : فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ وَعَدَهُ عليه السلام بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ , وَهَذَا أَمْرٌ لاَ نَأْبَاهُ , بَلْ بِهِ نَقُولُ إذَا قَالَ الْمَضْمُونُ لِلضَّامِنِ : أَنَا آتِيَك بِمَا تَتَحَمَّلُ بِهِ عَنِّي. ثُمَّ الْعَجَبُ الثَّالِثُ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , لأََنَّ فِيهِ " أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ " وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ فِيهِ , ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ مَا فِيهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. 1231 - مَسْأَلَةٌ : وَحُكْمُ الْعَبْدِ , وَالْحُرِّ , وَالْمَرْأَةِ , وَالرَّجُلِ , وَالْكَافِرِ , وَالْمُؤْمِنِ : سَوَاءٌ , لِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1232 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لاَ يَدْرِي مِقْدَارُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَنَا أَضْمَنُ عَنْك مَا لِفُلاَنٍ عَلَيْك , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَلأَِخْبَارِهِ عليه السلام أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَالتَّرَاضِي , وَطِيبُ النَّفْسِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَلَى مَعْلُومِ الْقَدْرِ هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ. 1233 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ ضَمَانُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ , كَمَنْ قَالَ لأَخَرَ : أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا تَسْتَقْرِضُهُ مِنْ فُلاَنٍ , أَوْ قَالَ لَهُ : اقْتَرِضْ مِنْ فُلاَنٍ دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ عَنْك , أَوْ قَالَ لَهُ : أَقْرِضْ فُلاَنًا دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ لَك وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَلأََنَّ الضَّمَانَ عَقْدٌ وَاجِبٌ , وَلاَ يَجُوزُ الْوَاجِبُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ , وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ , وَهَذَا مُحَالٌ وَقَوْلٌ مُتَفَاسِدٌ , وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ فِي ثَانٍ , وَفِي حِينٍ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ , وَقَدْ لاَ يُقْرِضُهُ مَا قَالَ لَهُ. وَقَدْ يَمُوتُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مَا أَمَرَهُ بِإِقْرَاضِهِ. فَصَحَّ بِكُلِّ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَوْلُ. فَإِنْ قَالَ لَهُ : أَقْرِضْنِي كَذَا وَكَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلاَنٍ , أَوْ زِنْ عَنِّي لِفُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا , أَوْ أَنْفِقْ , عَنِّي فِي أَمْرِ كَذَا فَمَا أَنْفَقْت فَهُوَ عَلَيَّ , أَوْ ابْتَعْ لِي أَمْرَ كَذَا فَهَذَا جَائِزٌ لاَزِمٌ , لأََنَّهَا وَكَالَةٌ وَكَّلَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ. وَأَجَازَ مَا ذَكَرْنَا بُطْلاَنَهُ : أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بَعْضُ الْمُمْتَحَنِينَ بِتَقْلِيدِهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَلَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ جَيْشَ الأُُمَرَاءِ , فَإِنْ مَاتَ , فَالأَمِيرُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , فَإِنْ مَاتَ , فَالأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. قَالَ : فَكَمَا تَجُوزُ الْمُخَاطَرَةُ فِي الْوِلاَيَاتِ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الضَّمَانِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ , لأََنَّهُ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَ الْوِلاَيَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ , وَلاَ نِسْبَةَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ , لأََنَّ الْوِلاَيَةَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَلَيْسَ الضَّمَانُ فَرْضًا وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَحُكْمٌ عَلَى حِيَالِهِ جَاءَ بِهِ النَّصُّ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ قَالَ : أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا أَقْرَضْته زَيْدًا ثُمَّ مَاتَ فَأَقْرَضَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ زَيْدًا مَا أَمَرَهُ بِهِ أَيُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَذَا عَجَبٌ أَمْ لاَ يُلْزِمُونَهُ فَقَدْ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ , وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ , وَلَئِنْ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ , فَهُوَ لاَزِمٌ لَهُ فِي مَالِهِ ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ ضَمِنَ كُلَّ مَا يَتَدَايَنُ بِهِ زَيْدٌ إلَى انْقِضَاءِ عُمْرِهِ فَإِنْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ كَانَ شُنْعَةً مِنْ الْقَوْلِ , وَإِنْ لَمْ يُلْزِمُوهُ تَنَاقَضُوا. وَنَقُولُ لَهُمْ : كَمَا لَمْ يَجُزْ الْغَرَرُ وَالْمُخَاطَرَةُ فِي الْبُيُوعِ , وَلاَ جَازَ إصْدَاقُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ , فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ. فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الإِمَارَةِ , وَالْوَكَالَةِ , وَالدَّلاَئِلُ هَاهُنَا عَلَى بُطْلاَنِ قَوْلِهِمْ تُكْثَرُ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. 1234- مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي ضَمَانِ اثْنَيْنِ ، عَنْ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ , وَلاَ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الضَّامِنُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْمَضْمُونِ عَنْهُ , وَلاَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَلِيءَ مِنْهُمَا ، عَنِ الْمُعْسِرِ , وَالْحَاضِرَ ، عَنِ الْغَائِبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَجَازَ هَذَا الشَّرْطَ شُرَيْحٌ , وَابْنُ سِيرِينَ , وَعَطَاءٌ , وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا : قَوْلُ النَّبِيِّ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ نَصٌّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ ضَمَانٌ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمَا , وَلاَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لاَ يَدْرِي عَلَى أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ فَهُوَ بَاطِلٌ , لأََنَّ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَرْءِ بِعَيْنِهِ حِينَ عَقْدِهِ إيَّاهُ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَصِحَّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِينِ لَمْ يَعْقِدْهُ ، وَلاَ الْتَزَمَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1235 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ ضَمِنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِمَا ذَكَرْنَا , فَلَوْ ابْتَاعَ اثْنَانِ بَيْعًا أَوْ تَدَايَنَا دَيْنًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ عَنِ الآخَرِ , فَإِنَّ مَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الآخَرِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ . وَلِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُ وَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَكُونُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , لِأَنَّهُ كَانَ يُصَيِّرُ الدِّرْهَمُ دِرْهَمَيْنِ وَلَا بُدَّ ; أَوْ يَكُونَ غَيْرَ لَازِمٍ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ , وَلَا لَهُمَا جَمِيعًا , وَهَذَا هَوَسٌ لَا يُعْقَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . 1236 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي بَيْعٍ ، وَلاَ فِي سَلَمٍ ، وَلاَ فِي مُدَايِنَةٍ أَصْلاً إعْطَاءُ ضَامِنٍ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ أَحَدٌ فِي خُصُومَةٍ إعْطَاءَ ضَامِنٍ بِهِ لِئَلَّا يَهْرُبَ. ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَامِنًا. وَكُلُّ ذَلِكَ جَوْرٌ وَبَاطِلٌ لأََنَّهُ كُلُّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَلأََنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ عليه السلام بِإِيجَابِهِ , فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ , فَذَكَرَ كَلاَمًا , وَفِيهِ فَقَالَ : ائْتِنِي بِالْكَفِيلِ فَقَالَ : كَفَى بِاَللَّهِ كَفِيلاً , فَقَالَ : صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إلَى صَاحِبِهِ , ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا , ثُمَّ أَتَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ فَذَكَرَ كَلاَمًا , وَفِيهِ : فَرَمَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ , وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْخَبَرَ مُنْقَطِعًا غَيْرَ مُتَّصِلٍ فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُ شَرِيعَةٌ غَيْرُ شَرِيعَتِنَا ، وَلاَ يَلْزَمُنَا غَيْرُ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا r قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , فَإِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ لأََحَدٍ أَنْ يَقْذِفَ مَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَعَلَّهُ يَبْلُغُ إلَى غَرِيمِهِ , بَلْ يَقْضُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا بِالسَّفَهِ وَيَحْجُرُونَ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّبُونَهُ فَكَيْفَ يَسْتَسْهِلُ ذُو حَيَاءٍ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. 1237 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ ضَمَانُ الْوَجْهِ أَصْلاً , لاَ فِي مَالٍ ، وَلاَ فِي حَدٍّ , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّنَا نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَكَفَّلَ بِالْوَجْهِ فَقَطْ فَغَابَ الْمَكْفُولُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِالضَّامِنِ لِوَجْهِهِ أَتُلْزِمُونَهُ غَرَامَةَ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ فَهَذَا جَوْرٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لأََنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ قَطُّ , أَمْ تَتْرُكُونَهُ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ الضَّمَانَ بِالْوَجْهِ الَّذِي جَاذَبْتُمْ فِيهِ الْخُصُومَ , وَحَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ , أَمْ تُكَلِّفُونَهُ طَلَبَهُ فَهَذَا تَكْلِيفُ الْحَرَجِ , وَمَا لاَ طَاقَةَ لَهُ بِهِ , وَمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ قَطُّ , وَلاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ , وَلَعَلَّهُ يَزُولُ ، عَنْ مَوْضِعِكُمْ ، وَلاَ يَطْلُبُهُ , وَلَكِنْ يَشْتَغِلُ بِمَا يَعْنِيه. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : يَجُوزُ ضَمَانُ الْوَجْهِ إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ : إنْ ضَمِنَ الْوَجْهَ غَرِمَ الْمَالَ , إِلاَّ أَنْ يَقُولَ الْوَجْهَ خَاصَّةً , فَكَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ طَرِيفًا جِدًّا , وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ : أَنَا أَضْمَنُ وَجْهَهُ , وَبَيْنَ قَوْلِهِ : أَنَا أَضْمَنُ وَجْهَهُ خَالِصَةً , وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ غَرَامَةَ مَالٍ ، وَلاَ ضَمَانَةً أَصْلاً , فَكَيْفُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِغَرَامَةِ مَالٍ لَمْ يَضْمَنْهُ قَطُّ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ سَلَفًا. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ ضَمَانَ الْوَجْهِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ الْهَمَذَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَلْخِيّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمَ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ خُثَيْمَ ، عَنْ عِرَاكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَفَلَ فِي تُهْمَةٍ. وَبِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا عَلَى بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ فَذَكَرَ الْخَبَرَ , وَفِيهِ " أَنَّهُ وَجَدَ فِيهِمْ رَجُلاً وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَخَذَ حَمْزَةُ بِالرَّجُلِ كَفِيلاً " لأََنَّهُمْ ذَكَرُوا لَهُ : أَنَّ عُمَرَ قَدْ عَرَفَ خَبَرَهُ , وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ رَجْمًا , لَكِنْ جَلَدَهُ مِائَةً , فَلَمَّا أَتَى عُمَرَ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ , فَصَدَّقَهُمْ عُمَرُ , قَالَ : وَإِنَّمَا دَرَأَ عَنْهُ الرَّجْمَ لأََنَّهُ عَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِقَوْمٍ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُسَيْلِمَةَ , وَفِيهِمْ ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَاسْتَتَابَهُ فَأَبَى فَضَرَبَ عُنُقَهُ , ثُمَّ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْبَاقِينَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ بِقَتْلِهِمْ , وَأَشَارَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ , وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِاسْتِتَابَتِهِمْ وَأَنْ يُكَفِّلَهُمْ عَشَائِرَهُمْ , فَاسْتَتَابَهُمْ , فَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرَهُمْ , وَنَفَاهُمْ إلَى الشَّامِ. وَذَكَرُوا : أَنَّ شُرَيْحًا كَفَلَ فِي دَمٍ وَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ ; ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَفَلَ فِي حَدٍّ , قَالُوا : وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا تَرَى. قال أبو محمد : فِي احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِ الْمُحْتَجِّ بِهِ ، وَلاَ مَزِيدَ وَعَلَى قِلَّةِ مُبَالاَتِهِ بِالْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْخِزْيِ الآجِلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا , وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. أَمَّا الْخَبَرُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمَ بْنِ عِرَاكٍ , وَهُوَ وَأَبُوهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ , لاَ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا , وَمَعَاذَ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ رَسُولُ اللَّهِ r أَحَدًا بِتُهْمَةٍ , وَهُوَ الْقَائِلُ : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكْفُلَ إنْسَانٌ بِتُهْمَةٍ لَوَجَبَ الْكَفِيلُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ , إذْ لَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ يُقْطَعُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ التُّهْمَةِ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ , وَالْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْخَبَرِ لاَ يَقُولُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْكَفَالَةِ فِي التُّهْمَةِ , فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ يُطْلِقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ , وَهُوَ يُخَالِفُ كُلَّ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ , وَيَرَى الْحُكْمَ بِمَا فِيهِ جَوْرًا وَظُلْمًا نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا خَبَرُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا فِيهِ , فَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْجَاهِلُ فِي وَطْءِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ مِائَةً , وَلاَ أَنْ يُدْرَأَ الرَّجْمُ ، عَنِ الْجَاهِلِ فَكَيْف يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَحْتَجُّوا ، عَنْ عُمَرَ t بِعَمَلٍ هُوَ عِنْدَهُمْ جَوْرٌ وَظُلْمٌ , أَمَا فِي هَذَا عَجَبٌ وَعِبْرَةٌ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ. وَأَيْضًا : فَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ الْكَفَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وهذا الخبر إنَّمَا فِيهِ الْكَفَالَةُ فِي حَدٍّ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعَجَائِبِ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , كِلاَهُمَا ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ , وَشُعْبَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَهَذِهِ الأَسَانِيدُ هِيَ أَنْوَارُ الْهُدَى لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِمْ , وَلاَ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَفَالَةً إِلاَّ إسْرَائِيلَ وَحْدَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَ ثِقَةً مَا ضَرَّ رِوَايَتَهُ مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الثِّقَاتِ , وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْمُحْتَجِّينَ بِهَا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهَا , لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ الْكَفَالَةَ فِي الرِّدَّةِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ , وَلاَ يَرَوْنَ التَّغْرِيبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ إذْ تَابَ , وَلَيْسَ هَذَا مَكَانًا يُمَكِّنُهُمْ فِيهِ دَعْوَى نَسْخٍ بَلْ هِيَ أَحْكَامٌ مَجْمُوعَةٌ إمَّا صَوَابٌ وَحُجَّةٌ , وَأَمَّا خَطَأٌ وَغَيْرُ حَجَّةٍ : الْكَفَالَةُ بِالْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَفِي الرِّدَّةِ , وَالتَّغْرِيبُ فِي الرِّدَّةِ وَجَلْدُ الْجَاهِلِ الْمَحْضِ فِي الزِّنَى مِائَةَ جَلْدَةٍ , وَلاَ يُرْجَمُ , فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ كَيْف يَسْتَحِلُّ مَنْ لَهُ مُسْكَةُ حَيَاء أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ ، عَنْ شُرَيْحٍ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ أَنَّهُمَا كَفَلاَ فِي حَدٍّ وَدَمٍ , وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْكَفَالَةَ فِيهِمَا أَصْلاً , وَهِيَ بَعْدُ ، عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَلاَ يُعْرَفَ هَذَا أَيْضًا يَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ التَّكَاذِيبِ إجْمَاعًا كَمَا زَعَمُوا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُخَالِفَةِ الإِجْمَاعِ , فَسُحْقًا وَبُعْدًا لِمَنْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ , نَقُولُ فِيهِمْ : كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالضَّلاَلِ : فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأََصْحَابِ السَّعِيرِ وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِلاَّ إنَّ أُولَئِكَ نَادِمُونَ , وَهَؤُلاَءِ مُصِرُّونَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ , لأََنَّهَا إنَّمَا هِيَ ، عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَقَطْ , وَأَيْنَ هَذِهِ مِنْ صَلاَةِ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ r ثُمَّ إمَامَتِهِ قَوْمَهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلِمَةَ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ وَخَلْفَهُ ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا مُسَمَّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ سِوَى سَائِرِ أَصْحَابِ الْمَشَاهِدِ مِنْهُمْ , فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا , بَلْ رَأَوْهَا صَلاَةً فَاسِدَةً , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , بَلْ هِيَ وَاَللَّهِ صَلاَةٌ مُقَدَّسَةٌ فَاضِلَةٌ , حَقٌّ , وَصَلاَةُ الْمُخَالِفِينَ لَهَا هِيَ الْفَاسِدَةُ حَقًّا. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ r وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَرْضَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى , لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ بِهَا ] كَمَا شَاءُوا , وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا , بَلْ رَأَوْهُ مُعَامَلَةً فَاسِدَةً مَرْدُودَةً , وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , بَلْ هُوَ وَاَللَّهِ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ , وَأَقْوَالُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ هِيَ الْفَاسِدَةُ الْمَرْدُودَةُ حَقًّا , وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ. ثُمَّ اعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ إبَاحَةُ كَفَالَةِ الْوَجْهِ ، عَنْ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ فَهِيَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ تَجُوزُ الْبَتَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْكَفَالَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كِتَابُ الشَّرِكَةِ 1238 - مَسْأَلَةٌ : لاَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالأَبْدَانِ أَصْلاً , لاَ فِي دَلاَلَةٍ , وَلاَ فِي تَعْلِيمٍ , وَلاَ فِي خِدْمَةٍ , وَلاَ فِي عَمَلِ يَدٍ , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ , فَإِنْ وَقَعَتْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لاَ تَلْزَمُ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْهُمَا مَا كَسَبَ , فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهِ ، وَلاَ بُدَّ لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ , وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَقَالَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , فَمَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ تَخْصِيصًا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ يَعْلَمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدْ قلنا : مَا نَعْلَمُ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ لِيُضِلَّنَا وَلَبَيَّنَهُ لَنَا رَسُولُهُ r الْمَأْمُورُ بِبَيَانِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ قَاطِعٍ بَاتٍّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ عُمُومَ مَا اقْتَضَاهُ كَلاَمُهُ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَقْضِيَ بِمَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ , وَإِلَّا فَهُوَ جَوْرٌ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ فَهَذِهِ لَيْسَتْ تِجَارَةٌ أَصْلاً فَهِيَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. 1239 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ لاَ يَنْقَسِمُ وَاسْتَأْجَرَهُمَا صَاحِبُهُ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَالأُُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ كَكَمْدِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ , أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ وَاحِدٍ , أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَكَذَلِكَ إنْ نَصَبَا حِبَالَةً مَعًا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا , أَوْ أَرْسَلاَ جَارِحَيْنِ فَأَخَذَا صَيْدًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا ; وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا صَادَ جَارِحُهُ. وقال أبو حنيفة : شَرِكَةُ الأَبَدَانِ جَائِزَةٌ فِي الصِّنَاعَاتِ اتَّفَقَتْ صِنَاعَتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ عَمَلاً فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعَيْنِ , فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ فَمَا أَصَابَ الصَّحِيحُ الْحَاضِرُ فَبَيْنَهُمَا ، وَلاَ تَجُوزُ فِي التَّصَيُّدِ , وَلاَ فِي الأَحْتِطَابِ. قال أبو محمد : هَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّ شَرِكَةَ الأَبَدَانِ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ أَيْضًا , لأََنَّ الْوَكَالَةَ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ فَتَجِبُ أَنْ تَجُوزَ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُمْ فِي النِّكَاحِ. وقال مالك شَرِكَةُ الأَبَدَانِ جَائِزَةٌ فِي الأَحْتِطَابِ وَطَلَبِ الْعَنْبَرِ , إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَيْدِ الْكِلاَبِ وَالْبُزَاةِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَازٍ وَكَلْبٌ , يَتَعَاوَنُ الْبَازَانِ أَوْ الْكَلْبَانِ عَلَى صَيْدٍ وَاحِدٍ وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُ عَلَى التَّعْلِيمِ فِي مَكَان وَاحِدٍ ; فَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ فَلاَ ضَيْرَ فِيهِ. وَأَجَازَ شَرِكَةَ الأَبَدَانِ فِي الصِّنَاعَاتِ إذَا كَانَا فِي دُكَّانٍ وَاحِدٍ , كَالْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ , فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَالأُُجْرَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا يَوْمًا وَالآخَرُ يَوْمَيْنِ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ اشْتَرَاك الْحَمَّالِينَ أَوْ النَّقَّالِينَ عَلَى الدَّوَابِّ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ الأَشْتِرَاكُ فِي صِنَاعَتَيْنِ أَصْلاً كَحَدَّادٍ وَقَصَّارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ شَرِكَةَ الأَبَدَانِ بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : اشْتَرَكْت أَنَا وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ , وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ , وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ , وَمَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمْرُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلاَمَةَ مِنْ التَّمْوِيهِ فِي دِينِهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. أَوَّلُ ذَلِكَ : أَنَّ هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ لأََنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لاَ يَذْكُرُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا : رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : قُلْت لأََبِي عُبَيْدَةَ : أَتَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ : لاَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حَجَّةً عَلَيْهِمْ , لأََنَّهُمْ أَوَّلُ قَائِلٍ مَعَنَا وَمَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لاَ تَجُوزُ , وَأَنَّهُ لاَ يَنْفَرِدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِمَا يُصِيبُ دُونَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ حَاشَا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ كَوْنِ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ , وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَ فَهُوَ غُلُولٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ. وَالثَّالِثُ : أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَمْ تَتِمَّ , وَلاَ حَصَلَ لِسَعْدٍ ، وَلاَ لِعَمَّارٍ , وَلاَ لأَبْنِ مَسْعُودٍ مِنْ ذَيْنِكَ الأَسِيرَيْنِ إِلاَّ مَا حَصَلَ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ , وَلِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الَّذِي كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ : قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَكَيْف يَسْتَحِلُّ مَنْ يَرَى الْعَارَ عَارًا أَنْ يَحْتَجَّ بِشَرِكَةٍ أَبْطَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَمْضِهَا. وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ لاَ يُجِيزُونَ الشَّرِكَةَ فِي الأَصْطِيَادِ , وَلاَ يُجِيزُهَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْعَمَلِ فِي مَكَانَيْنِ , فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ لاَ تَجُوزُ عِنْدَهُمْ , فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي تَصْحِيحِ قَوْلِهِ بِرِوَايَةٍ لاَ تَجُوزُ عِنْدَهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لَنَا. 1240 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إِلاَّ فِي أَعْيَانِ الأَمْوَالِ , فَتَجُوزُ فِي التِّجَارَةِ , بِأَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا مَالاً وَالآخَرُ مَالاً مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ , فَيَخْلِطَا الْمَالَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , حَتَّى لاَ يُمَيِّزَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ مِنْ الآخَرِ , ثُمَّ يَكُونُ مَا ابْتَاعَا بِذَلِكَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ , وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ابْتَاعَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ , بِهِ رِبْحُهُ كُلُّهُ لَهُ وَحْدُهُ , وَخَسَارَتُهُ كُلُّهَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا خَلَطَا الْمَالَيْنِ فَقَدْ صَارَتْ تِلْكَ الْجُمْلَةُ مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا , فَمَا ابْتَاعَا بِهَا فَمُشَاعٌ بَيْنَهُمَا , وَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَثَمَنُهُ أَصْلُهُ , وَرِبْحُهُ مُشَاعٌ بَيْنَهُمَا وَالْخَسَارَةُ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ بِمَالِ عَمْرٍو , أَوْ مَا رَبِحَ فِي مَالِ غَيْرِهِ , أَوْ مَا خَسِرَ فِي مَالِ غَيْرِهِ , لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. 1241 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ , أَوْ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ , وَالآخَرُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ , فَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ , وَالثَّمَنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا , فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَبَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا , لأََنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ السِّلْعَةِ. وَهَكَذَا لَوْ وَرِثَا سِلْعَةً , أَوْ وُهِبَتْ لَهُمَا , أَوْ مَلَكَاهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَاهَا بِهِ فَلَوْ تَعَاقَدَا أَنْ يَبْتَاعَا هَكَذَا لَمْ يَلْزَمْ , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ 1242 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِلشَّرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ لأََحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ زِيَادَةٌ عَلَى مِقْدَارِ مَالِهِ فِيمَا يَبِيعُ , وَلاَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ , وَلاَ أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ , فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ , وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ إِلاَّ مَا يُقَابِلُ مَالَهُ مِنْ الْمَالِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ , لأََنَّهُ كُلُّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الآخَرِ , أَوْ عَمِلَ وَحْدَهُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , فَإِنْ أَبَى مِنْ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ رَبِحَا أَوْ خَسِرَا , لأََنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ , فَاغْتِنَامُ عَمَلِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ اعْتِدَاءٌ , وَعَلَى الْمُعْتَدِي مِثْلُ مَا اعْتَدَى فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ. 1243 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالآخَرُ فِضَّةً أَوْ عَرَضًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَصْلاً , إِلاَّ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ أَوْ كِلاَهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَقَطْ , أَوْ فِضَّةً فَقَطْ , ثُمَّ يَخْلِطَا الثَّمَنَ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَلاَ بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. أَوْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الآخَرِ مِمَّا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُشَارِكَهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مَخْلُوطًا لاَ يَتَمَيَّزُ ، وَلاَ بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1244 - مَسْأَلَةٌ : وَمُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ , وَلاَ يَحِلُّ لِلذِّمِّيِّ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ إِلاَّ مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ r أَهْلَ خَيْبَرَ وَهُمْ يَهُودُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فِي الثَّمَنِ , وَالزَّرْعِ , وَالْغَرْسِ. وَقَدْ ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ r طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ فَمَاتَ عليه السلام وَهِيَ رَهْنٌ عِنْدَهُ وَذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الرَّهْنِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَهَذِهِ تِجَارَةُ الْيَهُودِ جَائِزَةٌ وَمُعَامَلَتُهُمْ جَائِزَةٌ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَلاَ بُرْهَانَ لَهُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ : لاَ بَأْسَ بِمُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَتَوَلَّى الْعَمَلَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ جُمْلَةً. قال أبو محمد : مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ : مُعَامَلَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنْ أَعْطَوْهُ دَرَاهِمَ الْخَمْرِ وَالرِّبَا ثُمَّ يَكْرَهُونَ مُشَارَكَتَهُ حَيْثُ لاَ يُوقِنُ بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا لاَ يَحِلُّ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَدْرِي أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرَامَ , كَمَا أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ لاَ يُبَالِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْمَالَ إِلاَّ أَنَّ مُعَامَلَةَ الْجَمِيعِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُوقِنْ حَرَامًا , فَإِذَا أَيْقَنَاهُ حَرُمَ أَخْذُهُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُضَارِبِ وَفِي الشَّرِيكَيْنِ : الرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ هِشَامٍ أَبِي كُلَيْبٍ , وَعَاصِمِ الأَحْوَلِ , وَإِسْمَاعِيلَ الأَسَدِيِّ قَالَ إسْمَاعِيلُ : عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَقَالَ عَاصِمٌ : عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ هِشَامٌ : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالُوا كُلُّهُمْ فِي شَرِيكَيْنِ أَخْرُج أَحَدُهُمَا مِائَةً , وَالآخَرُ مِائَتَيْنِ : إنَّ الرِّبْحَ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ , وَالْوَضِيعَةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. قال علي : هذا صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَخَالَفُوا مَعَهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ. 1245 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ حَسَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَنَقَصَ بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ إِلاَّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ. وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُنْفِقَ إِلاَّ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلاَ مَزِيدَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِهَا , فَإِنْ تَكَارَمَا فِي ذَلِكَ جَازَ مَا نَفِدَ بِطِيبِ نَفْسٍ , وَلَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ إنْ لَمْ تَطِبْ بِهِ النَّفْسُ. 1246 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يُعَاوِنُهُ فِي خِيَاطَةٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَا يَرِدُ أَوْ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ : فَهُوَ بَاطِلٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ , وَلَهُ بِقَدْرِ مَا يَعْمَلُ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ تَكَارَمَا بِذَلِكَ ، عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ جَائِزٌ مَا دَامَ بِطِيبِ نُفُوسِهِمَا بِذَلِكَ فَقَطْ. لقوله تعالى : وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. 1247 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَشَارَطَا اسْتِعْمَالَهَا بِالأَيَّامِ , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ , وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهَا أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهَا الآخَرُ , وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِهَا إِلاَّ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ , فَإِنْ تَكَارَمَا فِي ذَلِكَ جَازَ مَا دَامَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَهُ مِنْ مَالِهِ بِمَا شَاءَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ , وَالرَّحَى , وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ مَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَكِ , أَوْ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ أُجْرَتِهَا , فَإِنْ آجَرَهَا فَحَسَنٌ , وَالأُُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ. 1248- مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا سِلَعٌ مُشْتَرَكَةٌ ابْتَاعَاهَا لِلْبَيْعِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أَجْبَرَ شَرِيكَهُ عَلَى الْبَيْعِ , لأََنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا الشَّرِكَةَ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْبَيْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ لاَ يُرِيدُهُ , لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا دَابَّةٌ , أَوْ عَبْدٌ , أَوْ حَيَوَانٌ , أُجْبِرَا عَلَى النَّفَقَةِ , وَعَلَى مَا فِيهِ صَلاَحُ كُلِّ ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ لَمْ يُجْبَرْ مَنْ لاَ يُرِيدُ عِمَارَتَهَا عَلَى عِمَارَتِهَا , لَكِنْ يَقْتَسِمَانِهَا وَيَعْمُرُ مَنْ شَاءَ حِصَّتَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ أَوْ لِيُمْسِكْ أَرْضَهُ. وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا دَارٌ , أَوْ رَحَى , أَوْ مَا لاَ يَنْقَسِمُ , أُجْبِرَا عَلَى الإِصْلاَحِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ , وَلِكُلِّ أَوَامِرِهِ حَقُّهَا مِنْ الطَّاعَةِ لاَ يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَبَيْعُ الشَّرِيكِ فِيمَا اشْتَرَكَا فِيهِ لِلْبَيْعِ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ وَابْتِيَاعُهُ كَذَلِكَ , لأََنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِلآخَرِ , فَإِنْ تَعَدَّى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَبَاعَ بِوَضِيعَةٍ , أَوْ إلَى أَجَلٍ , أَوْ اشْتَرَى عَيْبًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ ذَلِكَ , لأََنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَلاَ يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ إِلاَّ مَا أَبَاحَهُ لَهُ. وَلاَ يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فِي غَيْرِ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَرَادَ الأَنْفِصَالَ فَلَهُ ذَلِكَ. وَلاَ تَحِلُّ الشَّرِكَةُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الشَّرِكَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " كِتَابُ الْقِسْمَةِ 1249 - مَسْأَلَةٌ : الْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ إذَا أَمْكَنَ , وَعَلَى حَسْبِ مَا يُمْكِنُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ ، وَلاَ أَمْلِكُ يَعْنِي الْقَلْبَ ]. فَهَذَانِ نَصَّانِ عُمُومٌ لِكُلِّ قِسْمَةٍ , وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُمَا فِي مِيرَاثٍ أَوْ بَيْنَ النِّسَاءِ بِرَأْيِهِ , وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ : بُرْهَانٌ قَاطِعٌ فِي وُجُوبِ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَ ذُو الْحَقِّ حَقَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 1250 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَيْهَا , وَيُوَكِّلُ الصَّغِيرُ , وَالْمَجْنُونُ , وَالْغَائِبُ مَنْ يَعْزِلُ لَهُ حَقَّهُ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْر رَسُولِ اللَّهِ r أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَيَقْضِيَ بِهِ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ حَقَّهُ , وَأَمَّا التَّقْدِيمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَهَذَا مِنْ الْقِسْطِ. 1251- مَسْأَلَةٌ : وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ آخِذٍ حَظَّهُ مِنْ الْمَقْسُومِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مِنْ حَضَرَ الْقِسْمَةَ مِنْ ذَوِي قُرْبَى أَوْ مِسْكَيْنِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ , وَيُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ ، عَنِ الصَّغِيرِ , وَالْمَجْنُونِ , وَالْغَائِبِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ. وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ ثَابِتٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا وَإِلَّا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ : لاَ يَلْزَمُ إنْفَاذُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِخُصُوصٍ ادَّعَاهُ , أَوْ نَسْخٍ زَعَمَهُ , أَوْ لِنَدْبٍ أَطْلَقَهُ بِظَنِّهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ فَاسِدٌ فَاحِشٌ , إِلاَّ أَنْ يُخْبِرَنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فَسَمْعًا وَطَاعَةً , لأََنَّهُ الْمُبَلِّغُ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَحْكَامَهُ , وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلاَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ يُونُسَ ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ , وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ يُونُسُ , وَمَنْصُورٌ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَقَالَ الْمُغِيرَةُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ , قَالاَ جَمِيعًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. وبه إلى هُشَيْمٍ ، عَنْ عَوْفٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : كَانُوا يَرْضَخُونَ لَهُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ , وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّحْوِيِّ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قَالَ : هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ : هِيَ مُحْكَمَةٌ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ , فإن قيل : قَدْ رُوِيَ ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ , . وَقَالَ قَوْمٌ : إنَّهَا نَدْبٌ قلنا : أَمَّا الأَحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالضَّحَّاكِ فَقَوْلٌ يُسْتَغْنَى ، عَنْ تُكَلِّفْ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُمَا : الْحَسَنُ , وَابْنُ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالزُّهْرِيُّ , وَمُجَاهِدٌ , وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّجَوِيِّ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قَالَ : أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ , وَقَدْ حَكَمَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي مِيرَاثِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِعِلْمِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تُنْكِرْ ذَلِكَ. وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْتِي إلَى مَا قَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَلاَ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ صَحَّ بُرْهَانُهُ بِإِنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَكُلُّ مَا خَالَفَ دِينَ الإِسْلاَمِ فَهُوَ حُكْمُ جَاهِلِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُفْتَرًى مِنْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَسَخَهُ بِغَيْرِهِ , كَالصَّلاَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , وَتَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَوْلاً , وَالْتِزَامِ السَّبْتِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , ثُمَّ يَأْتِي فَيَحْتَجُّ بِقَوْلٍ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلاَفُهُ , وَهَذَا هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالتَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخْتَلَفِ عَنْهُ فِيهِ هَاهُنَا حُجَّةً فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَوْلُهُ هُنَالِكَ حُجَّةً فَلَيْسَ هَاهُنَا حُجَّةً. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَوْلٌ لاَ يَحِلُّ اتِّبَاعُهُ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَنَهْيٌ ، عَنْ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ عليه السلام بِلاَ بُرْهَانٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا كَذَلِكَ , وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ مِنْ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1252 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ ، وَلاَ عَلَى تَقَاوُمِهِمَا الشَّيْءَ الَّذِي هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ أَصْلاً كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الْحَيَوَانِ , لَكِنْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْقِسْمَةِ إنْ دَعَا إلَيْهَا أَحَدُهُمَا , أَوْ أَحَدُهُمْ , أَوْ تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لاَ تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ : إنْ شِئْت فَبِعْ حِصَّتَك وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ , وَكَذَلِكَ شَرِيكُك إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ بِلاَ شَيْءٍ مِنْ النَّفْعِ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ لِوَاحِدٍ كَانَ أَوْ لِشَرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَكَا لِتِجَارَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ هَاهُنَا خَاصَّةً مَنْ أَبَاهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَ أَحَدٍ ، عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُ , وَالإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ إخْرَاجٌ لِلْمَالِ ، عَنْ صَاحِبِهِ إلَى مَنْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَهَذَا ظُلْمٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. فإن قيل : إنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا الْبَيْعَ ضَرَرًا بِانْتِقَاصِ قِيمَةِ حِصَّةِ الآخَرِ قلنا : لاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ , بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْمَرْءُ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ ، عَنْ يَدِهِ , فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ , لاَ ضَرَرُ إنْسَانٍ بِأَنْ لاَ يُنَفِّذَ لَهُ هَوَاهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ أَوْ دَارٌ صَغِيرَةٌ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِغَيْرِهِ لَوْ بِيعَتَا مَعًا لَتَضَاعَفَتْ الْقِيمَةُ لَهُمَا , وَإِنْ بِيعَتَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الأَمْوَالِ دُونَ الْمَقْسُومِ مِنْهَا وَقَوْلُهُمْ هَاهُنَا عَارٍ مِنْ الأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَأَمَّا مَا اُبْتِيعَ لِلتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ شَرْطٌ قَدْ أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ , فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ إِلاَّ بِرِضًا مِنْهُمَا جَمِيعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الأَقْوَالِ : أَنَّ الَّذِينَ يُجْبِرُونَ الشَّرِيكَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ عَلَى تَقَاوُمِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لأََحَدِهِمَا كُلَّهُ لاَ يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الأَرْضِ وَالْبِنَاءِ , فَأَوْجَبُوا الْبَيْعَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ رَسُولُهُ r وَأَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ r وَهُمَا بَيْعٌ وَبَيْعُ. 1253 - مَسْأَلَةٌ : وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَرْضًا كَانَ , أَوْ دَارًا صَغِيرَةً , أَوْ كَبِيرَةً , أَوْ حَمَّامًا , أَوْ ثَوْبًا , أَوْ سَيْفًا , أَوْ لُؤْلُؤَةً , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ , إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ سِوَاهُ حَاشَا الرَّأْسَ الْوَاحِدَ مِنْ الْحَيَوَانِ , وَالْمُصْحَفَ فَلاَ يُقْسَمُ أَصْلاً , لَكِنْ يَكُونُ بَيْنَهُمْ يُؤَاجِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ أُجْرَتَهُ , أَوْ يَخْدُمَهُمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ إلَى قوله تعالى : مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. . وَقَالَ قَوْمٌ : إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَانْتَفَعَ سَائِرُهُمْ : لَمْ يَقْسِمْ وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ انْتَفَعَ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الآخَرُونَ . وَقَالَ قَوْمٌ : إنْ اسْتَضَرَّ أَحَدُهُمْ بِالْقِسْمَةِ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَمْ يُقْسَمْ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ , لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ : أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ لاَ يَنْتَفِعُ بِمَا يَقَعُ لَهُ فَقَدْ عَجَّلَ الضَّرَرَ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ بِمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ , فَمَا الَّذِي جَعَلَ ضَرَرَ زَيْدٍ مُبَاحًا خَوْفَ أَنْ يَسْتَضِرَّ عَمْرٌو وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ رَاعَى انْحِطَاطَ قِيمَةِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ بِالْقِسْمَةِ. وَأَمَّا تَنَاقُضُهُمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي قِسْمَةِ الأَرْضِ الْوَاسِعَةِ وَإِنْ انْحَطَّتْ قِيمَةُ بَعْضِ الْحِصَصِ انْحِطَاطًا ظَاهِرًا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ فَسَادِ أَقْوَالِهِمْ غَنِينَا ، عَنْ تَكْرَارِهِمَا ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ السَّيْفِ , وَاللُّؤْلُؤَةِ , وَالثَّوْبِ , وَالسَّفِينَةِ , وَبَيْنَ قِسْمَةِ الدَّارِ , وَالْحَمَّامِ , وَالأَرْضِ , وَقَدْ يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِكُلِّ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ الأَرْضِ , وَالدَّارِ , مِنْ قِيمَتِهِ الْمِئِينَ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَضْعَافَ مَا يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ السَّيْفِ , وَالثَّوْبِ , وَاللُّؤْلُؤَةِ. وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : يُبِيحَانِ قِسْمَةَ الْحَمَّامِ إذَا دَعَا إلَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ شَرِيكُهُ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ : يَرَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَقَدْ يَسْقُطُ فِي هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ , وَيَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَا لاَ يَسْقُطُ مِنْ اللُّؤْلُؤَةِ إذَا قُسِمَتْ , وَالسَّيْفِ إذَا قُسِمَ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قَوْلِ صَاحِبٍ بِخِلاَفِ هَذَا , فَكَيْفَ دَعْوَى الإِجْمَاعِ بِالْبَاطِلِ فَظَهَرَ فَسَادُ نَظَرِهِمْ وَبَطَلَ احْتِيَاطُهُمْ بِإِبَاحَتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ مَا مَنَعُوا مِنْهُ فِي آخَرَ. وَأَمَّا الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيَوَانِ : فَإِنْ كَانَ إنْسَانًا فَتَفْصِيلُ أَعْضَائِهِ حَرَامٌ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْحِمَارِ , وَالْكَلْبِ , وَالسِّنَّوْرِ , فَقَتْلُهُ حَرَامٌ , وَذَبْحُهُ لاَ يَكُونُ ذَكَاةً , فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وَمَعْصِيَةٌ مُجَرَّدَةٌ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَمْ يَحِلَّ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ إذْنِ كُلِّ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ ذَبْحُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إِلاَّ أَنْ يُرَى بِهِ مَوْتٌ فَيُبَادِرَ بِذَبْحِهِ , لأََنَّ تَرْكَهُ مَيْتَةً إضَاعَةٌ لِلْمَالِ , وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا الْمُصْحَفُ : فَلاَ يَحِلُّ تَقْطِيعُهُ ، وَلاَ تَفْرِيقُ أَوْرَاقِهِ , لأََنَّ رُتْبَةَ كِتَابِ اللَّهِ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِهِ فَلاَ تُحَالُ وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ مُجَاهِدٍ : لاَ يُقْسَمُ الْمُصْحَفُ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ هَذَا بِخَبَرٍ فِيهِ لاَ تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إِلاَّ فِيمَا احْتَمَلَ الْقَسْمَ وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ صِدِّيقِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لأََنَّ " التَّعْضِيَةَ " مَأْخُوذَةٌ مِنْ قِسْمَةِ الأَعْضَاءِ وَإِنَّمَا الأَعْضَاءُ لِلْحَيَوَانِ فَقَطْ. 1254 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَقْسُومُ أَشْيَاءَ مُتَفَرِّقَةً فَدَعَا أَحَدُ الْمُقْتَسِمِينَ إلَى إخْرَاجِ نَصِيبِهِ كُلِّهِ بِالْقُرْعَةِ فِي شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ الْمَالِ , أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ : قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ , أَحَبَّ شُرَكَاؤُهُ أَمْ كَرِهُوا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ نَوْعٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ , وَلاَ كُلُّ دَارٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ , وَلاَ كُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ , إِلاَّ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. وَيُقْسَمُ الرَّقِيقُ , وَالْحَيَوَانُ , وَالْمَصَاحِفُ , وَغَيْرُ ذَلِكَ , فَمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ عَبْدٌ وَبَعْضُ آخَرَ بَقِيَ شَرِيكًا فِي الَّذِي وَقَعَ حَظُّهُ فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ قَوْلِنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ تَرْكِ قَوْلِهِ هَذَا وَالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا , أَوْ إبْطَالِ الْقِسْمَةِ جُمْلَةً , وَتَكْلِيفُ مَا لاَ يُطَاقُ , وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَك فِي قَوْلِك : تُقْسَمُ كُلُّ دَارٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ غَنَمٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ بَقَرٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ رَقِيقٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ ثِيَابٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ : بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ بَيْتٍ بَيْنَهُمْ , وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ كُلِّ فَدَّانٍ بَيْنَهُمْ , لأََنَّهُ إذَا جَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ لَزِمَك هَذَا الَّذِي أَلْزَمْنَاك ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. قلنا : نَعَمْ هَذَا الْحَقُّ , وَهَذِهِ الآيَةُ حُجَّتُنَا عَلَيْك لأََنَّك إذَا حَمَلْتهَا عَلَى مَا قُلْت لَزِمَك مَا قلنا ، وَلاَ بُدَّ , وَالآيَةُ مُوجِبَةٌ لِقَوْلِنَا , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ مِنَّا مَا قَدْ جَعَلَهُ فِي وُسْعِنَا , فَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى مِمَّا قَلَّ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ كَثُرَ فَقَطْ , وَلَمْ يُرِدْ تَعَالَى قَطُّ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَقْسُومِ , إذْ لَوْ أَرَادَ تَعَالَى ذَلِكَ لَكَانَ تَعَالَى قَدْ كَلَّفَنَا مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ مِنْ قِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى قَدْرِ الصُّؤَابَةِ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْخَبَرَ الثَّابِتَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فِي حَدِيثٍ فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا لأََنَّهُ عليه السلام أَعْطَى بَعْضَهُمْ غَنَمًا , وَبَعْضَهُمْ إبِلاً , فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ. 1255 - مَسْأَلَةٌ : وَيُقْسَمُ كُلُّ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ : كَالْكِلاَبِ , وَالسَّنَانِيرِ , وَالثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ , وَالْمَاءِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ , لأََنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ وَتَخْلِيصُهُ , وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَ أَنْ تَأْخُذَ الْبِنْتُ دِينَارًا وَالأَبْنُ دِينَارَيْنِ. وَكَذَلِكَ : تَقْسِيمُ الضِّيَاعِ الْمُتَبَاعِدَةِ فِي الْبِلاَدِ الْمُتَفَرِّقَةِ , فَيَخْرُجُ بَعْضُهُمْ إلَى بَلْدَةٍ , وَالآخَرُ إلَى أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا وَكُلُّ قَوْلٍ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ تَحَكُّمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ يَئُولُ إلَى التَّنَاقُضِ , وَإِلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا , وَتَرْكِ قَوْلِهِمْ , إذْ لاَ بُدَّ مِنْ تَرْكِ بَعْضٍ وَأَخْذِ بَعْضٍ وقال أبو حنيفة : لاَ يُقْسَمُ الْحَيَوَانُ إِلاَّ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ , وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1256 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْقِسْمَةِ لأََحَدِ الْمُقْتَسِمِينَ عُلْوُ بِنَاءٍ وَالآخَرِ سُفْلُهُ , وَهَذَا مَفْسُوخٌ أَبَدًا إنْ وَقَعَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْهَوَاءَ دُونَ الأَرْضِ لاَ يُتَمَلَّكُ , وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ أَصْلاً لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ لأََحَدٍ إلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي الْهَوَاءِ , وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَمَوِّجٌ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ، وَلاَ مَضْبُوطٍ , فَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعُلْوُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدُرَاتِ صَاحِبِهِ وَسَطْحِهِ , وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَهْدِمَ صَاحِبُ السُّفْلِ جُدُرَاتِهِ , وَلاَ سَطْحَهُ , وَلاَ أَنْ يُعْلِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ أَنْ يُقَصِّرَهُ : وَلاَ أَنْ يُقَبِّبَ سَطْحَهُ , وَلاَ أَنْ يُرَقِّقَ جُدُرَاتِهِ , وَلاَ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا أَقْوَاسًا. وَكُلُّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ , وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ , كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ , وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فَهُوَ مُمَلَّكٌ إيَّاهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ , مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ , أَوْ سُنَّةٌ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَصَحَّ أَنَّ ابْتِيَاعَ الْعُلُوِّ عَلَى إقْرَارِهِ حَيْثُ هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ أَنْقَاضِهِ فَقَطْ , فَإِذَا ابْتَاعَهَا فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهَا عَلَى جَدَرَاتِ غَيْرِهِ , إِلاَّ مَا دَامَ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ , ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِإِزَالَتِهَا ، عَنْ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ. وَقَدْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ اقْتِسَامِ سُفْلٍ لِوَاحِدٍ وَعُلُوٍّ لأَخَرَ 1257 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ , وَلاَ فِي كُلِّهِ سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوْ كَثُرَ لاَ بَيْعٌ , وَلاَ صَدَقَةٌ , وَلاَ هِبَةٌ , وَلاَ إصْدَاقٌ , وَلاَ إقْرَارٌ فِيهِ لأََحَدٍ , وَلاَ تَحْبِيسٌ , وَلاَ غَيْرُ ذَلِكَ , كَمَنْ بَاعَ رُبُعَ هَذَا الْبَيْتِ , أَوْ ثُلُثَ هَذِهِ الدَّارِ , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , أَوْ كَانَ شَرِيكُهُ حَاضِرًا , أَوْ مُقَاسَمَتَهُ لَهُ مُمْكِنَةٌ , لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ , لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيَقَعُ لَهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَمْ لاَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. 1258 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فُسِخَ أَبَدًا سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ : لاَ يَنْفُذُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَصْلاً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَقَعَ بِخِلاَفِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ عليه السلام فَهُوَ رَدٌّ. وَأَيْضًا : فَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ حِينَ عَقْدِهِ بَلْ وَجَبَ إبْطَالُهُ , فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ , وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَدَّقْ حِينَ النُّطْقِ بِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُصَدَّقَ حِينَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ , إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي مَكَان مِنْ الأَمْكِنَةِ : قُرْآنٌ , أَوْ سُنَّةٌ , فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَرْضٌ , أَوْ حَيَوَانٌ , أَوْ عَرَضٌ , فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ وَهَبَهُ , أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ , أَوْ أَصْدَقَهُ , فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ غَائِبًا , وَلَمْ يُجِبْ إلَى الْقِسْمَةِ , أَوْ حَاضِرًا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى الْقِسْمَةِ , أَوْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى الْقِسْمَةِ : فَلَهُ تَعْجِيلُ أَخْذِ حَقِّهِ , وَالْقِسْمَةِ وَالْعَدْلِ فِيهَا , لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ الْحَاكِمِ إذَا عَدَلَ , وَبَيْنَ قِسْمَةِ الشَّرِيكِ إذَا عَدَلَ , إذْ لَمْ يُوجِبْ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ مَعْقُولٌ , وَمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ جَوْرٌ , وَكُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ أَنْفَذَ مَا ذَكَرْنَا فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ بِالْعَدْلِ غَيْرَ مُتَزَيَّدٍ , وَلاَ مُحَابٍ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً : فَهِيَ قِسْمَةُ حَقٍّ , وَكُلُّ مَا أَنْفَذَ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ : أَحَبَّ شَرِيكُهُ أَمْ كَرِهَ. فَإِنْ كَانَ حَابَى نَفْسَهُ , فُسِخَ كُلُّ ذَلِكَ , لأََنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلاَلاً فَلَمْ تَنْعَقِدْ صَحِيحَةً. فَلَوْ غَرَسَ وَبَنَى وَعَمَّرَ : نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ وَقَضَى بِمَا زَادَ لِلَّذِي يُشْرِكُهُ , وَلاَ حَقَّ لَهُ فِي بِنَائِهِ وَعِمَارَتِهِ , وَغَرْسِهِ , إِلاَّ قَلْعَ عَيْنِ مَالٍ , كَالْغَصْبِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَلَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ : ضَمِنَ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ. فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَ : ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْقِسْمَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. كِتَابُ الأَسْتِحْقَاقِ وَالْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الأَمْوَالِ 1259 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مَالُ مُسْلِمٍ , وَلاَ مَالُ ذِمِّيٍّ , إِلاَّ بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r فِي الْقُرْآنِ , أَوْ السُّنَّةِ نَقْلُ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ , أَوْ بِالْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَيْضًا , وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْهِبَاتِ الْجَائِزَةِ , وَالتِّجَارَةِ الْجَائِزَةِ , أَوْ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ بِالدِّيَاتِ , وَالتَّقَاصِّ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , مِمَّا هُوَ مَنْصُوصٌ. فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا , فَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالَمًا بَالِغًا مُمَيِّزًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالَمٍ , أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ , أَوْ غَيْرَ مُخَاطَبٍ , فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ , إِلاَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ فِي وُجُوبِ رَدِّ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ , أَوْ فِي وُجُوبِ ضَمَانِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ قَدْ تَلِفَتْ عَيْنُهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. رُوِّينَا هَذَا مِنْ طُرُقٍ , مِنْهَا : عَنِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ عليه السلام عَالَمًا مِنْ غَيْرِ عَالَمٍ , وَلاَ مُكَلَّفًا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ , وَلاَ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عَامِدٍ. 1260 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا , أَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ , لَكِنْ بِبَيْعٍ مُحَرَّمٍ , أَوْ هِبَةٍ مُحَرَّمَةٍ , أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ , أَوْ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ : فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا , أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَمِثْلُ مَا تَلِفَ مِنْهُ , أَوْ يَرُدَّهُ وَمِثْلَ مَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِهِ , أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ وَأَنْ يَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْهُ , وَكُلَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ , كَمَا قلنا سَوَاءٌ سَوَاءٌ : الْحَيَوَانُ , وَالدُّورُ , وَالشَّجَرُ , وَالأَرْضُ , وَالرَّقِيقُ , وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا قلنا. فَيَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْ الشَّجَرِ , وَمِنْ الْمَاشِيَةِ : مِنْ لَبَنٍ , أَوْ صُوفٍ , أَوْ نِتَاجٍ , وَمِنْ الْعَقَارِ : الْكِرَاءِ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَأَوْلَدَهَا , فَإِنْ كَانَ عَالَمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ حَدُّ الزِّنَى وَبِرَدِّهَا وَأَوْلاَدِهَا وَمَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ , وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ , وَلاَ إثْمَ , لَكِنْ يَرُدُّهَا , وَيَرُدُّ أَوْلاَدَهُ مِنْهَا رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا , وَيَرُدُّ مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ ، وَلاَ شَيْءَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا أَنْفَقَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْقُرْآنِ , وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ خُصُومِنَا مَعَنَا , فَمَنْ خَالَفَ مَا قلنا : فَقَدْ أَبَاحَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ , وَأَبَاحَ الْمَالَ الْحَرَامَ , وَخَالَفَ الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ , بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ , وَاللَّيْثِ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ , وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَلاَ لاَ يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ , أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ , فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا , فَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : كُلُّ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِضَمَانِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ : مَا تَوَلَّدَ مِنْ لَبَنٍ , أَوْ صُوفٍ , أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ , وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ وَفَرَّقَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْغَاصِبِ : فَجَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْغَاصِبِ وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ قَائِمًا وَبَيْنَ مَا هَلَكَ مِنْهُ فَلَمْ يُضَمِّنُوهُ مَا هَلَكَ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ كُلُّهَا أَرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ , وَحُجَّةُ جَمِيعِهِمْ إنَّمَا هِيَ الْحَدِيثُ الَّذِي لاَ يَصِحُّ , الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ , وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ " أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ". ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ , ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ , فَكَانَ خَرَاجُهُ لَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ , لأََنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا فَاسْتَغَلَّ مَالَهُ لاَ مَالَ غَيْرِهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلاَلِ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ كُلُّهُ أَوْ أَنْ يَحْكُمَ لِلْبَاطِلِ بِحُكْمِ الْحَقِّ , وَلِلظَّالِمِ بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْ , فَهَذَا الْجَوْرُ وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ لَكَانَ تَقْسِيمُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ , وَبَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْغَلَّةِ , وَبَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالتَّأَلُّفِ بَاطِلاً مَقْطُوعًا بِهِ , لأََنَّهُ لاَ بِهَذَا الْخَبَرِ أَخَذَ , وَلاَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَخَذَ , بَلْ خَالَفَ كُلَّ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا بَقِيَ الْكَلاَمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ رَأَى الْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَقَطْ , فَالنُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْنَا تُوجِبُ مَا قلنا. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد قَالَ : ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ. فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ مَالُ أَحَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَعِرْقُ ظَالِمٍ هُوَ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا : لاَ , خَالَفُوا الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ , وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ , وَقَوْلَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ , وَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يَرُدُّوا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا , لأََنَّهُ لَيْسَ بِيَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ , وَلاَ بِيَدِ الْغَاصِبِ , وَالظَّالِمُ بِعِرْقِ ظَالِمٍ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِرْقُ ظَالِمٍ فَهُوَ عِرْقُ حَقٍّ , إذْ لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. قَالَ تَعَالَى فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا وَإِنْ قَالُوا : بَلْ بِعِرْقِ ظَالِمٍ هُوَ بِيَدِهِ , لَزِمَهُمْ أَنْ لاَ حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَرَى فِيهِ ذَلِكَ الْعِرْقُ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْغَلَّةِ : فَكَلاَمٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ وَالْفَسَادِ , وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا انْفَصَلُوا مِنْهُ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الأَوْلاَدِ الأَحْيَاءِ فَرَأَى رَدَّهُمْ , وَبَيْنَ الْمَوْتَى فَلَمْ يَرَ رَدَّهُمْ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ كُلِّ مَا نَتَجَتْ الأُُمَّهَاتُ حِينَ الْوِلاَدَةِ إلَى سَيِّدِهِمْ وَسَيِّدِ أُمِّهِمْ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا : لاَ , لَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يَقْضُوا بِرَدِّهِمْ أَصْلاً أَحْيَاءً وُجِدُوا أَمْ أَمْوَاتًا. وَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , قلنا : فَسُقُوطُ وُجُوبِ رَدِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ كَلاَمٌ بَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَلَهُمْ فِي أَوْلاَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ مِمَّنْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ : فَمَرَّةً قَالُوا : يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا , وَمَرَّةٌ قَالُوا : يَأْخُذُهَا فَقَطْ , وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ لاَ قِيمَةَ ، وَلاَ غَيْرِهَا وَمَرَّةً قَالُوا : يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا. قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَنَسْأَلُهُمْ ، عَنْ هَؤُلاَءِ الأَوْلاَدِ هَلْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ قَطُّ فِي أَوَّلِ خَلْقهمْ , أَوْ حِينَ وِلاَدَتِهِمْ : مَلَكَ سَيِّدُ أُمِّهِمْ أَمْ لَمْ يَقَعْ لَهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ مِلْكٌ ، وَلاَ ثَالِثَ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قَالُوا : بَلْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِلْكُهُ قلنا : فَفِي أَيِّ دِينِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ أَنْ تُجْبِرُوهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِلاَ ضَرَرٍ كَانَ مِنْهُ إلَيْهِمْ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَاسْتُرِقَّ وَلَدُهُ مِنْهَا فَهَلاَّ أَجْبَرْتُمْ سَيِّدَهَا عَلَى قَبُولِ فَدَائِهِمْ فَإِنْ قَالُوا عَلَى هَذَا دَخَلَ النَّاكِحُ لَمْ يَنْوِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ قلنا : فَكَانَ مَاذَا , وَمَا حُرِّمَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ بِنِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فِيهَا , أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ , وَإِذْ هُمْ فِي مِلْكِهِ فَهُمْ لَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَقَعْ مِلْكُهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ قلنا : فَبِأَيِّ وَجْهٍ تَقْضُونَ لَهُ بِقِيمَتِهِمْ وَهَذَا ظُلْمٌ لأََبِيهِمْ بَيِّنٌ , وَإِيكَالٌ لِمَا لَهُ بِالْبَاطِلِ , وَإِبَاحَةٌ لِثَمَنِ الْحُرِّ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ : يَأْخُذُ قِيمَةَ الأُُمِّ فَقَطْ , أَوْ يَأْخُذُهَا فَقَطْ : لأََيِّ شَيْءٍ يَأْخُذُهَا , أَوْ قِيمَتَهَا فَإِنْ قَالُوا : لأََنَّهَا أَمَتُهُ قلنا : فَأَوْلاَدُ أَمَتِهِ عَبِيدُهُ بِلاَ شَكٍّ , فَلِمَ أَعْطَيْتُمُوهُ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ وَتَمْنَعُونَهُ الْبَعْضَ أَوْ لِمَ تَجْبُرُونَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَهُوَ لاَ يُرِيدُ بَيْعَهَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ جَارِيَةً لأََبِيهِ فَتَسَرَّاهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَجَاءَ أَبُوهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا وَوَلَدَهَا إلَيْهِ , فَقَالَ الْمُشْتَرِي : دَعْ لِي وَلَدِي , فَقَالَ لَهُ : دَعْ لَهُ وَلَدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ شَفَاعَةٌ مِنْ عُمَرَ t وَرَغْبَةٌ وَلَيْسَ فَسْخًا لِقَضَائِهِ بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا : وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسٍ : أَنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ , فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا فَقَضَى بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ : أَنَّهَا وَأَوْلاَدَهَا لِسَيِّدِهَا , وَأَنَّ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ , وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمِلَّةَ وَالسُّنَّةَ كُلُّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً وَابْنًا لَهَا بَاعَا جَارِيَةً لِزَوْجِهَا وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي ابْتَاعَهَا ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَخَاصَمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : قَدْ بَاعَ ابْنُك وَبَاعَتْ امْرَأَتُك قَالَ : إنْ كُنْت تَرَى لِي حَقًّا فَأَعْطِنِي قَالَ : فَخُذْ جَارِيَتَك وَابْنَهَا , ثُمَّ سَجَنَ الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا حَتَّى تَخَلَّصَا لَهُ , فَلَمَّا رَأَى الزَّوْجُ ذَلِكَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ. فَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَأَى الْحَقَّ أَنَّهَا وَوَلَدَهَا لِسَيِّدِهَا وَقَضَى بِذَلِكَ , وَسَجَنَ الْمَرْأَةَ وَوَلَدَهَا وَهُمَا أَهْلٌ لِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِمَا , وَالأَخْذُ بِالْخَلاَصِ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ رَدَّ الثَّمَنِ وَهَذَا حَقٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا آخَرُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ عَلِيٌّ : تَرُدُّ عَلَيْهِ , وَيَقُومُ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُطَرِّفٌ ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَالْمُغِيرَةُ , قَالَ مُطَرِّفٌ : عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَقَالَ مُغِيرَةُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ , ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ فِي وَلَدِ الْغَارَّةِ أَنَّ عَلَى أَبِيهِمْ أَنْ يَفْدِيَهُمْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ. وَعَنِ الْحَسَنِ : يُفْدَوْنَ بِعَبْدٍ عَبْدٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قَضَى عُمَرُ فِي أَوْلاَدِ الْغَارَّة بِالْقِيمَةِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : غَرَّتْ أَمَةٌ قَوْمًا وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَتْ فِيهِمْ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا فَوَجَدُوهَا أَمَةٌ فَقَضَى عُمَرُ بِقِيمَةِ أَوْلاَدِهَا فِي كُلِّ مَغْرُورٍ غُرَّةٌ. وَقَضَى الشَّعْبِيُّ , وَابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِغُرَّةٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَيْسَرَةَ , وَالْحَسَنِ : مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ غُرَّةٌ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ وَيُهْضَمُ عَنْهُ مِنْ الْقِيمَةِ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُنَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا , وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ , إِلاَّ فِي وَلَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ مِنْهَا فَقَطْ , فَإِنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ , ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَاهُ فَخَاصَمَ إلَى إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيهِ فَاسْتَحَقَّهُ فَقَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَبِغَلَّتِهِ , وَقَضَى لِلرَّجُلِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْعَبْدِ , وَبِمِثْلِ غَلَّتِهِ , قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ : هُوَ فَهْمٌ فَهَذَانِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ , يَقُولاَنِ بِقَوْلِنَا فِي رَدِّ الْغَلَّةِ فِي الأَسْتِحْقَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ : إذَا اشْتَرَيْت غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ بِرَدِّ الْبَيْعِ فِيهِ قَالَ : يَرُدُّهَا وَنَمَاءَهَا , وَالْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا : فَلِمَ فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ فَأَلْحَقْتُمْ الْوَلَدَ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُلْحِقُوهُ بِالْغَاصِبِ قلنا : نَعَمْ , لأََنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بُعِثَ فَأَسْلَمَ النَّاسُ وَفِيهِمْ أَوْلاَدُ الْمَنْكُوحَاتِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ وَالْمُتَمَلِّكَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَالْمُتَمَلِّكُ , وَالنَّاكِحُ يَظُنَّانِ أَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ وَالْمِلْكَ حَقٌّ , فَأَلْحَقَهُمْ بِآبَائِهِمْ , وَلَمْ يُلْحِقْ قَطُّ وَلَدَ غَاصِبٍ , أَوْ زَانٍ بِمَنْ وَضَعَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ , بَلْ قَالَ عليه السلام : وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَالْغَاصِبُ وَالْعَالِمُ بِفَسَادِ عَقْدِهِ مِلْكًا كَانَ أَوْ زَوَاجًا عَاهِرَانِ فَلاَ حَقَّ لَهُمَا فِي الْوَلَدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيًّا , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ إِلاَّ رِوَايَةٌ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ , فَقَالَ عَلِيٌّ : تُرَدُّ إلَيْهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ , فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهَذِهِ , وَقَدْ كَذَبُوا لأََنَّهُمْ لاَ يُغَرِّمُونَ الْبَائِعَ مَا يَفْدِي بِهِ وَلَدَهُ , إِلاَّ الرِّوَايَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي أَوْلاَدِ الْغَارَّةِ بِقِيمَتِهِمْ وَالْقِيمَةُ قَدْ صَحَّتْ ، عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا عَبْدٌ مَكَانَ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَانِ مَكَانَ عَبْدٍ ; فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا. وَخَالَفُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا , وَالْحَسَنُ , وَقَتَادَةَ , وَالشَّعْبِيُّ , وَهُمْ جُمْهُورُ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِعَبْدٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا مَاتَ مِنْ الْوَلَدِ وَالنِّتَاجِ , وَمَا تَلِفَ مِنْ الْغَلَّةِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ فِي الْجِسْمِ وَالْقِيمَةَ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ كُلَّ ذَلِكَ فَهُوَ مُعْتَدٍ بِإِمْسَاكِهِ مَالَ غَيْرِهِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى. فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ مُعْتَدِيًا , لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ غَصْبَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِيحٍ أَلْقَتْ ثَوْبًا فِي مَنْزِلِ الإِنْسَانِ قلنا : هَذَا بَاطِلٌ , لأََنَّ الَّذِي رَمَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ مُتَمَلِّكًا لَهُ وَلَوْ تَمَلَّكَهُ لَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ , وَهَذَا الْمُشْتَرِي أَوْ الْغَاصِبُ مُتَمَلِّكٌ لِكُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ غَلَّةٍ , أَوْ زِيَادَةٍ , أَوْ نَتَاجٍ , أَوْ ثَمَرَةٍ , حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ إلَيْهِ , وَحَرَّمَ عَلَيْهِ إمْسَاكَهُ عَنْهُ , فَهُوَ مُعْتَدٍ بِذَلِكَ يَقِينًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ , فَإِنَّهُ حِينَ زَادَ ثَمَنُهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ , فَكَانَ لاَزِمًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَهُوَ يُسَاوِي تِلْكَ الْقِيمَةِ , فَإِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ رَدُّ مَا لَزِمَهُ رَدُّهُ. وَأَمَّا الْكِرَاءُ : فَإِنَّهُ إذْ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنَافِعِهِ فَضَمِنَهَا , وَلَزِمَهُ أَدَاءُ مَا مَنَعَهُ مِنْ حَقِّهِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ , وَكِرَاءُ مَتَاعِهِ مِنْ حَقِّهِ بِلاَ شَكٍّ , فَفَرْضٌ عَلَى مَانِعِهِ إعْطَاؤُهُ حَقُّهُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا : قَوْلُ الْحَنَفِيِّينَ إنَّ الْكِرَاءَ لِلْغَاصِبِ وَالْغَلَّةَ , وَلاَ يَضْمَنُ وَلَدَهَا الْمَوْتَى , ثُمَّ يَقُولُونَ فِيمَنْ صَادَ ظَبْيَةً فِي الْحَرَمِ فَأَمْسَكَهَا وَلَمْ يَقْتُلْهَا , حَتَّى إذَا وَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلاَدًا فَمَاتُوا وَلَمْ يَذْبَحْهُمْ أَنَّهُ يَجْزِيهَا وَيَجْزِي أَوْلاَدَهَا فَلَوْ عَكَسُوا لاََصَابُوا وَمَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى صَائِدَ الظَّبْيَةِ ضَمَانَهَا عَاشَتْ أَوْ مَاتَتْ إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَهَا عَامِدًا , وَإِلَّا فَلاَ , فَهُمْ أَبَدًا يُحَرِّفُونَ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ مَوَاضِعِهِ. وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِ مُتَصَدِّرِيهِمْ بِالْجَهْلِ بِأَنْ قَالَ : وَأَيُّ ذَنْبٍ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُسْتَرَقَّ . فَقُلْنَا : مَا عَلِمْنَا ذَنْبًا يُوجِبُ الأَسْتِرْقَاقَ , وَالرِّدَّةَ , وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا , وَتْرُكَ الصَّلاَةِ , وَزِنَى الْمُحْصَنِ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَ فَاعِلِهِ وَأَوْلاَدُ الْكُفَّارِ يُسْتَرَقُّونَ ، وَلاَ ذَنْبَ لَهُمْ فَلَيْسَ يَعْتَرِضُ بِمِثْلِ هَذَا الْهَوَسِ إِلاَّ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ. وَأَمَّا إسْقَاطُنَا الْمَهْرَ فِي وَطْءِ الْغَاصِبِ , وَالْمُسْتَحِقِّ , فَلأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَمَالُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ : حَرَامٌ , إِلاَّ مَا أَوْجَبَهُ النَّصُّ ، وَلاَ مَهْرَ إِلاَّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ , أَوْ لِلَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَقَطْ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَهُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِزِنَى الْغَاصِبِ أَوْ بِجَهْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فَقَطْ , لأََنَّهُ اسْتَهْلَكَ بِذَلِكَ بَعْضَ قِيمَةِ أَمَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ : فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ يُعْطَى إِلاَّ الْقِيمَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ حِنْطَةً أَنَّ لَهُ طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِهِ , قَالَ سُفْيَانُ , وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَائِنَا : لَهُ الْقِيمَةُ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : أَمَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ , وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ , وَالْحَيَوَانِ فَالْقِيمَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا : الْمِثْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ عُدِمَ الْمِثْلُ فَالْمَضْمُونُ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ , وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ. قال أبو محمد : وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَتَى بِطَامَّةٍ , فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ , قَالُوا : فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ. قال علي : وهذا مِنْ عَجَائِبِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَفْحَشُوا الْخَطَأَ فِي هَذَا الأَحْتِجَاجِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ , وَالْمُعْتِقُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَسْتَهْلِكْ شَيْئًا , وَلاَ غَصَبَ شَيْئًا , وَلاَ تَعَدَّى أَصْلاً , بَلْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عِتْقَهَا , وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَذَهُ لاَ لِتَعَدٍّ مِنْ الْمُعْتَقِ أَصْلاً. وَالثَّانِي عَظِيمٌ تَنَاقُضُهُمْ , لأََنَّهُ يَلْزَمُهُمْ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ الْمَذْكُورُ مُسْتَهْلِكًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ , وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا كَمَا يَفْعَلُونَ فِي كُلِّ مُسْتَهْلَكٍ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مَنْ يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلُهُ ، عَنْ كَلاَمِهِ فِي الدِّينِ , وَأَنَّ عِبَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَقَّبُونَ كَلاَمَهُ عَلَى هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ إحَالَةِ السُّنَنِ ، عَنْ مَوَاضِعِهَا وَسَعْيِهِمْ فِي إدْحَاضِ الْحَقِّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا هَاهُنَا إجْمَاعًا , لأََنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى , وَزُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ يُضَمِّنُونَهُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا , وَمَا نُبَالِي بِطَرْدِ هَذَيْنِ أَصْلُهُمَا فِي الْخَطَأِ , لأََنَّهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفَانِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُضَمِّنْ الْمُعْسِرَ شَيْئًا , وَإِنَّمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ بِالأَسْتِسْعَاءِ لِلْمُعْتَقِ فَقَطْ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَيَوْمِهَا : جَفْنَةً مِنْ حَيْسٍ , فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذَتْ الْقَصْعَةَ فَضَرَبَتْ بِهَا الأَرْضَ فَكَسَرَتْهَا , فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى قَصْعَةٍ لَهَا فَدَفَعَهَا إلَى رَسُولِ زَيْنَبَ , فَقَالَ : هَذِهِ مَكَانُ صَحْفَتِهَا وَقَالَ لِعَائِشَةَ : لَكِ الَّتِي كَسَرْتِ فَهَذَا قَضَاءٌ بِالْمِثْلِ لاَ بِالدَّرَاهِمِ بِالْقِيمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُثْمَانَ , وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَضَيَا عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ فُصْلاَنًا بِفُصْلاَنٍ مِثْلِهَا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالْمِثْلِ فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ , وَرَأْسَهُ , وَسَوَاقِطَهُ. وَعَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَالْحَسَنِ , وَالشَّعْبِيِّ , وَقَتَادَةَ , فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ بِعَبِيدٍ لاَ بِالْقِيمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَضَى فِي قَصَّارٍ شَقَّ ثَوْبًا أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ , وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فَقَالَ رَجُلٌ : أَوْ ثَمَنُهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ : إنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ , قَالَ : إنَّهُ لاَ يَجِدُ , قَالَ : لاَ وَجَدَ. وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَضَى فِي ثَوْبٍ اُسْتُهْلِكَ بِالْمِثْلِ. قال أبو محمد : لَمْ نُورِدْ قَوْلَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَوْرَدْنَا احْتِجَاجًا بِهِ , وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِئَلَّا يَهْجُمُوا بِدَعْوَى الإِجْمَاعِ جُرْأَةً عَلَى الْبَاطِلِ , فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّكُمْ لاَ تَقْضُونَ بِالْمَكْسُورِ لِلْكَاسِرِ , فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْحَدِيثَ قلنا : حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَعَلِمْنَا أَنَّهُ عليه السلام لاَ يُعْطِي أَحَدًا غَيْرَ حَقِّهِ , وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ , وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام : إنَّهَا لَك مِنْ أَجْلِ كَسْرِك إيَّاهَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَهُ عليه السلام. فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْكِسَارَةَ الَّتِي أَعْطَى لِعَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنَّهَا لَمْ تَصْلُحْ لِشَيْءٍ فَأَبْقَاهَا كَمَا يَحِلُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا مَا فَسَدَ جُمْلَةً مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَأَمَّا أَنَّ قَصْعَةَ عَائِشَةَ الَّتِي أَعْطَى كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الَّتِي كَانَتْ لِزَيْنَبِ ، رضي الله عنها ، فَجَبْرَ عليه السلام تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِتِلْكَ الْكِسَارَةِ , وَإِلَّا فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام لاَ يُعْطِي أَحَدًا مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَإِنَّمَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لاَ فِي غَيْرِهِ , فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا مَوْجُودَيْنِ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنْ عَدِمَ جُمْلَةً فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ بِالْمِثْلِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا عَدِمَ الْمِثْلَ مِنْ نَوْعِهِ فَكُلُّ مَا قَاوَمَهُ وَسَاوَاهُ فَهُوَ أَيْضًا مِثْلٌ لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ , إِلاَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِثْلَيْهِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نَوْعِهِ , فَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ الْمُطْلَقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1261 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَسَرَ لأَخَرَ شَيْئًا , أَوْ جَرَحَ لَهُ عَبْدًا , أَوْ حَيَوَانًا , أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا , قُوِّمَ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحًا مِمَّا جَنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قُوِّمَ كَمَا هُوَ السَّاعَةُ , وَكُلِّفَ الْجَانِي أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ الشَّيْءِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الشَّيْءَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى فَقَطْ , وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لاَ يَحِلُّ هَذَا. وَلِلْحَنَفِيِّينَ هَاهُنَا اضْطِرَابٌ وَتَخْلِيطٌ كَثِيرٌ , كَقَوْلِهِمْ : مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ وُجِدَ وَقَدْ قَطَعَهُ الْغَاصِبُ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ كَمَا هُوَ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِلْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ وَقَدْ خَاطَهُ قَمِيصًا : فَهُوَ لِلْغَاصِبِ بِلاَ تَخْيِيرٍ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ تُغْصَبُ فَتُطْحَنُ , وَالدَّقِيقُ يُغْصَبُ فَيُعْجَنُ , وَاللَّحْمُ يُغْصَبُ فَيُطْبَخُ , أَوْ يُشْوَى. قال أبو محمد : مَا فِي الْمُجَاهَرَةِ بِكَيْدِ الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا , وَلاَ فِي تَعْلِيمِ الظَّلَمَةِ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا , فَيُقَالُ لِكُلِّ فَاسِقٍ : إذَا أَرَدْت أَخْذَ قَمْحِ يَتِيمٍ , أَوْ جَارِك , وَأَكْلَ غَنَمِهِ , وَاسْتِحْلاَلَ ثِيَابِهِ , وَقَدْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَبِيعَك شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَاغْصِبْهَا , وَاقْطَعْهَا ثِيَابًا عَلَى رَغْمِهِ , وَاذْبَحْ غَنَمَهُ وَأَطْبُخْهَا , وَاغْصِبْهُ حِنْطَتَهُ وَاطْحَنْهَا , وَكُلْ كُلَّ ذَلِكَ حَلاَلاً طَيِّبًا , وَلَيْسَ عَلَيْك إِلاَّ قِيمَةُ مَا أَخَذْت , وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ فِي نَهْيِهِ تَعَالَى أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بِالْبَاطِلِ , وَخِلاَفُ رَسُولِ اللَّهِ r فِي قَوْلِهِ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ و مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ قُطِعَ مِنْ شُقَّةٍ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الشُّقَّةِ , وَكُلَّ دَقِيقٍ طُحِنَ مِنْ حِنْطَةِ إنْسَانٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ , وَكُلَّ لَحْمٍ شُوِيَ فَهُوَ لِصَاحِبِ اللَّحْمِ وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِأَنْ يَقُولُوا : الْغَصْبُ , وَالظُّلْمُ , وَالتَّعَدِّي يُحِلُّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِلْغُصَّابِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ فَخَالَفُوهُ فِيمَا فِيهِ , وَاحْتَجُّوا لَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ الَّتِي دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ r إلَى طَعَامٍ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ ابْتِيَاعَ شَاةٍ فَلَمْ تَجِدْهَا فَأَرْسَلَتْ إلَى جَارَةٍ لَهَا : ابْعَثِي إلَيَّ الشَّاةَ الَّتِي لِزَوْجِكِ فَبَعَثَتْ بِهَا إلَيْهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالشَّاةِ أَنْ تُطْعَمَ الأَسَارَى قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الشَّاةِ قَدْ سَقَطَ عَنْهَا إذْ شُوِيَتْ. قال أبو محمد : وهذا الخبر لاَ يَصِحُّ , لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ , لأََنَّهُ خِلاَفٌ لِقَوْلِهِمْ , إذْ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُبْقِ ذَلِكَ اللَّحْمُ فِي مِلْكِ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا , وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ لِلْغَاصِبِ حَلاَلٌ وهذا الخبر فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ رَأْيَهَا فِي ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا , فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْمَحْفُوظُ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم خِلاَفُ هَذَا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ r نَزَلُوا بِأَهْلِ مَاءٍ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ , فَانْطَلَقَ النُّعْمَانُ فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُمْ : يَكُونُ كَذَا وَكَذَا وَهُمْ يَأْتُونَهُ بِالطَّعَامِ وَاللَّبَنِ , وَيُرْسِلُ هُوَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ فَقَالَ : أَرَانِي آكِلُ كِهَانَةَ النُّعْمَانِ مُنْذُ الْيَوْمِ , ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فِي حَلْقِهِ فَاسْتَقَاءَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي مَغَازِيهِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : كُنْت فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَذَكَرَ قِسْمَتُهُ الْجَزُورَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ مِنْهَا , فَأَتَى بِهِ إلَى أَصْحَابِهِ فَطَبَخُوهُ فَأَكَلُوهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُمَا , فَقَالاَ لَهُ : وَاَللَّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ أَطْعَمْتنَا هَذَا ثُمَّ قَامَا يَتَقَيَّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ حُلِبَ لَهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ عُمَرُ أُصْبُعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَالُوا لَهُ : قَدْ شَرِبَ عَلِيٌّ نَبِيذَ الْجَرِّ قَالَ سُلَيْمَانُ : فَقُلْت لَهُمْ : هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَبِيذَ جَرِّ تَقَيَّأَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُوَيْهٍ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ : دَخَلَ مَعْمَرٌ عَلَى أَهْلِهِ فَإِذَا عِنْدَهَا فَاكِهَةٌ فَأَكَلَ مِنْهَا , ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ : أَهْدَتْهَا إلَيْنَا فُلاَنَةُ النَّائِحَةُ , فَقَامَ مَعْمَرٌ فَتَقَيَّأَ مَا أَكَلَ. قال أبو محمد : فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَعِلْمِهِمْ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ لاَ يَرَوْنَ الطَّعَامَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ مِلْكًا لأَخِذِهِ , وَإِنْ أَكَلَهُ , بَلْ يَرَوْنَ عَلَيْهِ إخْرَاجَهُ , وَأَنْ لاَ يُبْقِيَهُ فِي جِسْمِهِ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ , فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ فِي إبَاحَةِ الْحَرَامِ جِهَارًا قال أبو محمد : وَبِهَذَا نَقُولُ , فَمَا دَامَ الْمَرْءُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّأَهُ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُ الْحَرَامِ أَصْلاً فَإِنْ عَجَزَ ، عَنْ ذَلِكَ فَلاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا , وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ , وَتَقْلِيدًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ فِي خَطَأٍ أَخْطَأَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالُوا أَيْضًا : قِسْنَا هَذَا عَلَى الْعَبْدِ يَمُوتُ فَتُضْمَنَ قِيمَتُهُ. قال علي : وهذا عَلَيْهِمْ , لاَ لَهُمْ , لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ يَتَمَلَّكُهُ الْغَاصِبُ. 1262 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَصَبَ دَارًا فَتَهَدَّمَتْ كُلِّفَ رَدَّ بِنَائِهَا كَمَا كَانَ ، وَلاَ بُدَّ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَهُوَ قَدْ اعْتَدَى عَلَى الْبِنَاءِ الْمُؤَلَّفِ فَحَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مَأْمُورٌ بِرَدِّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى صَاحِبِهَا , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِهَدْمِهَا مَا لَزِمَهُ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ دَارٍ تَتَهَدَّمُ وَبَيْنَ عَبْدٍ يَمُوتُ فَكَانَ احْتِجَاجُ صَاحِبِهِمْ : أَنَّ الدُّورَ وَالأَرَضِينَ لاَ تُغْصَبُ , فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا. وَمَا نَعْلَمُ لأَِبْلِيسِ دَاعِيَةً فِي الإِسْلاَمِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطْلِقُ الظَّلَمَةَ عَلَى غَصْبِ دُورِ النَّاسِ وَأَرَاضِيهمْ ثُمَّ يُبِيحُ لَهُمْ كِرَاءَهَا وَغَلَّتَهَا , وَلاَ يَرَى عَلَيْهِمْ ضَمَانَ مَا تَلِفَ مِنْهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. 1263 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا , أَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهَا وَمَا نَقَصَ مِنْهَا , وَمُزَارَعَتُهُ مِثْلُهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهَا وَبَيْنَ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ , وَلاَ مَنْفَعَةَ لِلأَرْضِ إِلاَّ الزَّرْعُ وَالْمُزَارِعَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " الْمُزَارَعَةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : الأَرْضُ لاَ تُغْصَبُ , وَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُمْ , لأََنَّ الْغَصْبَ هُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ظُلْمًا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ أَخَذَ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ. فَصَحَّ أَنَّ الأَرْضَ تُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَصَحَّ أَنَّهَا تُغْصَبُ. 1264 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَصَبَ زُرَيْعَةً فَزَرَعَهَا , أَوْ نَوًى فَغَرَسَهُ , أَوْ مَلُوخًا فَغَرَسَهَا , فَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ الزَّرْعِ فَلِصَاحِبِ الزَّرِيعَةِ يَضْمَنُهُ لَهُ الزَّارِعُ وَكُلُّ مَا نَبَتَ مِنْ النَّوَى , وَالْمَلُوخِ فَلِصَاحِبِهَا وَكُلُّ مَا أَثْمَرَتْ تِلْكَ الشَّجَرُ فِي الأَبَدِ فَلَهُ , لاَ حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ. وَلأََنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَلَهُ , وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ خَطْبَ لَهُ بِهِ مِمَّا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْرَحُهُ مُبِيحًا لَهُ , مِنْ أَخْذِهِ مِنْ النَّوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَطْ , لاَ مَا لَمْ يُبِحْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1265 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ عَدَا عَلَيْهِ حَيَوَانٌ مُتَمَلَّكٌ مِنْ بَعِيرٍ , أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ , أَوْ فِيلٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ إِلاَّ بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : يَضْمَنُهُ , وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r : الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ. وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ " إنَّ إنْسَانًا عَدَا عَلَيْهِ فَحْلٌ لِيَقْتُلَهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَأَغْرَمَهُ أَبُو بَكْرٍ إيَّاهُ , وَقَالَ : بَهِيمَةٌ لاَ تَعْقِلُ ". وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " مَنْ أَصَابَ الْعَجْمَاءَ غُرِّمَ ". وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ : أَنَّ غُلاَمًا دَخَلَ دَارَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فَضَرَبَتْهُ نَاقَةٌ لِزَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ فَعَمَدَ أَوْلِيَاءُ الْغُلاَمِ فَعَقَرُوهَا فَأَبْطَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَمَ الْغُلاَمِ وَأَغْرَمَ وَالِدَ الْغُلاَمِ ثَمَنَ النَّاقَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مِثْلُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الْحَدِيثُ جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , وَبِهِ نَقُولُ ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لأََنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ مَا جَرَحَتْهُ الْعَجْمَاءُ لاَ يَغْرَمُ وَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ هَذَا بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي تَضْمِينِهِمْ الرَّاكِبَ , وَالسَّائِقَ , وَالْقَائِدَ , مَا أَصَابَ الْعَجْمَاءُ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهِ فَهُمْ الْمُخَالِفُونَ لِهَذَا الأَثَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَشُرَيْحٍ , فِيهِ نَقُولُ : مَنْ قَتَلَتْ بَهِيمَةٌ وَلِيَّهُ فَمَضَى بَعْدَ جِنَايَتِهَا فَقَتَلَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا , لأََنَّهَا لاَ ذَنْبَ لَهَا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَصَحِيحٌ , وَمَنْ أَصَابَ الْعَجْمَاءَ قَاصِدًا لَهَا غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَهُوَ غَارِمٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعَلِيٍّ , فَمُنْقَطِعَةٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ لَوْ كَانَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ , أَقْرَبُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدْنَا ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم مِنْ تَقَيُّئِهِمْ مَا أَكَلُوا أَوْ شَرِبُوا مِمَّا لاَ يَحِلُّ فَخَالَفُوا , فَإِنَّمَا هُمْ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ , حَيْثُ وَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ لاَ حَيْثُ خَالَفُوهُ , وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الأَسَدَ , وَالسَّبُعَ , حَرَامٌ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْجَزَاءُ , إِلاَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُحْرِمُ بِأَذًى فَلَهُ قَتْلُهُ ، وَلاَ يَجْزِيه فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ , وَالْهَدْمُ , وَالْبِنَاءُ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا , وَلَكِنَّهُ مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَخْلُو مَنْ عَدَتْ الْبَهِيمَةُ عَلَيْهِ فَخَشِيَ أَنْ تَقْتُلَهُ أَوْ أَنْ تَجْرَحَهُ , أَوْ أَنْ تَكْسِرَ لَهُ عُضْوًا أَوْ أَنْ تُفْسِدَ ثِيَابَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهَا , مَنْهِيًّا ، عَنِ الأَمْتِنَاعِ مِنْهَا وَدَفْعِهَا , وَهَذَا مِمَّا لاَ يَقُولُونَهُ , وَلَوْ قَالُوهُ لَكَانَ زَائِدًا فِي ضَلاَلِهِمْ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ , أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِدَفْعِهَا ، عَنْ نَفْسِهِ مَنْهِيًّا ، عَنْ إمْكَانِهَا مِنْ رُوحِهِ , أَوْ جِسْمِهِ , أَوْ مَالِهِ , أَوْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِذَا هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّجَاةِ مِنْهَا إِلاَّ بِقَتْلِهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا , لأََنَّ قَتْلَهَا هُوَ الدَّفْعُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ] فَهُوَ مُحْسِنٌ وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ ] فَقَدْ قَالَ تَعَالَى مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ 1266 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ , فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ , وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلاً ، وَلاَ يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ , وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ , وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ. قَالَ عَلِيٌّ : لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ , وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ ، عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ. فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لأََنَّ حَرَامًا لَيْسَ ، هُوَ ابْنُ مُحَيِّصَةُ لِصُلْبِهِ إنَّمَا ، هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ , وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْبَرَاءِ ، وَلاَ أَبُو أُمَامَةَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ : إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَغْرَبَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ : وَهُوَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ , وَالزُّهْرِيِّ , وَمَسْرُوقٍ , وَمُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ r قَضَى فِي ذَلِكَ فِي غَنَمٍ أَفْسَدَتْ حَرْثَ قَوْمٍ بِأَنْ دَفَعَ الْغَنَمَ إلَى أَهْلِ الْحَرْثِ , لَهُمْ صُوفُهَا وَأَلْبَانُهَا حَتَّى يَعُودَ الْعِنَبُ أَوْ الْحَرْثُ كَمَا كَانَ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَاَلَّذِي لاَ نَشُكُّ فِيهِ أَنَّ بَيْنَ هَؤُلاَءِ الْمَذْكُورِينَ وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ عليه السلام مَا فِي رِيَاحٍ وَمَهَامِهَ فَيْحَاءَ , وَلَوْ رَوَوْا لَنَا ذَلِكَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ , لأََنَّهُمْ لاَ يَحْكُمُونَ بِهَذَا الْحُكْمِ , فَيَا لِلَّهِ كَيْفَ يَنْطِقُ لِسَانُ مُسْلِمٍ بِأَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ فِي الدِّينِ بِحُكْمٍ لاَ يَحِلُّ عِنْدَهُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ. وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْ الشَّافِعِيِّ : وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ ثُمَّ أَبَاحَ هَاهُنَا الأَمْوَالَ بِمُرْسَلٍ لاَ يَصِحُّ أَصْلاً. وَأَمَّا بَيْعُ مَا تَعَدَّى مِنْ الْعَجْمَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى حِفْظُ الزُّرُوعِ , وَالثِّمَارِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالُ النَّاسِ فَلاَ يُعَانُ عَلَى فَسَادِهَا , فَإِبْعَادُ مَا يُفْسِدُهَا فَرْضٌ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِالْبَيْعِ الْمُبَاحِ , وَهَا هُنَا آثَارٌ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَدْ خَالَفُوهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ : بِرَدِّ الْبَعِيرِ , وَالْبَقَرَةِ , وَالْحِمَارِ , وَالضَّوَارِي , إلَى أَهْلِهِنَّ ثَلاَثًا إذَا حُظِرَ الْحَائِطُ ثُمَّ يُعْقَرْنَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَسَمِعْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَائِطِ أَنْ يُحْظَرَ وَيُسَدَّ الْحَظْرُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُعْقَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنِي مُكَاتَبٌ لِبَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ أَتَى بِنَقَدٍ مِنْ السَّوَادِ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى جِسْرِ الْكُوفَةِ جَاءَ مَوْلًى لِبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَتَخَلَّلَ النَّقَدَ عَلَى الْجِسْرِ فَنَفَرَتْ مِنْهَا نَقْدَةٌ فَقَطَرَتْ الرَّجُلَ فِي الْفُرَاتِ فَغَرِقَ فَأَخَذْت فَجَاءَ مَوَالِيهِ إلَى مَوَالِيَّ فَعَرَضَ مَوَالِيَّ عَلَيْهِمْ صُلْحًا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَلاَ يَرْفَعُونَ إلَى عَلِيٍّ فَأَبَوْا فَأَتَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُمْ : إنْ عَرَفْتُمْ النَّقْدَةَ بِعَيْنِهَا فَخُذُوهَا , وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْكُمْ فَشَرْوَاهَا. قال أبو محمد : إنَّ فِي الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , الْعَجَبَ إذْ يَحْتَجُّونَ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : الْبَيْعُ ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ ثُمَّ يَرُدُّونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهَذِهِ الأُُخْرَى ، عَنْ عَلِيٍّ فَهَلاَّ قَالُوا : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَلَكِنْ هَذَا حُكْمُ الْقَوْمِ فِي دِينِهِمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ أَهْلُ السُّنَنِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عِنْدَهُمْ. 1267 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءَ ذَهَبٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَقَدْ أَحْسَنَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r عَنْ ذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " الْوُضُوءِ " " وَالأَطْعِمَةِ " " وَالأَشْرِبَةِ " وَكَذَلِكَ مَنْ كَسَرَ صَلِيبًا أَوْ أَهْرَقَ خَمْرًا لِمُسْلِمٍ ; أَوْ لِذِمِّيٍّ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : إنْ أَهْرَقَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا , وَإِنْ أَهْرَقَهَا ذِمِّيٌّ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , وَلاَ قِيمَةَ لِلْخَمْرِ , وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْعَهَا وَأَمَرَ بِهَرْقِهَا , فَمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ ، وَلاَ مِلْكُهُ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ , فَإِنْ قَالُوا : هِيَ أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ قلنا : كَذَبْتُمْ وَمَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مُذْ حَرَّمَهَا مَالاً لأََحَدٍ , وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا : أَهِيَ حَلاَلٌ لأََهْلِ الذَّمَّةِ أَمْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قَالُوا : هِيَ لَهُمْ حَلاَلٌ كَفَرُوا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِيمَا نَعَاهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ. وَلاَ يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ دِينَ الإِسْلاَمِ لاَزِمٌ لِلْكُفَّارِ لُزُومَهُ لِلْمُسْلِمِينَ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَبْعُوثٌ إلَيْهِمْ كَمَا بُعِثَ إلَيْنَا , وَأَنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هِيَ عَلَيْنَا فَإِنْ قَالُوا : بَلْ هِيَ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ قلنا : صَدَقْتُمْ فَمَنْ أَتْلَفَ مَالاً لاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الْجُعْفِيُّ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قِيلَ لَهُ : عُمَّالُك يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ , وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ لَهُ بِلاَلٌ : إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ فَقَالَ عُمَرُ : لاَ تَفْعَلُوا وَلُّوهُمْ هُمْ بَيْعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ كِدَامٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلاَلاً قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ عُمَّالَك يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ : لاَ تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ , وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ أَنْتُمْ بَيْعهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَن. قال أبو محمد : هَذَا لاَ حُجَّة فِيهِ ; لأََنَّ حَدِيثَ سُفْيَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَيْسَ فِيهِ مَا زَادَ إسْرَائِيلُ وَإِنَّمَا فِيهِ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا ". وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَإِسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَإِنَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُخَالِفُوا عُمَرَ t فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْ الْمَجُوسِ وَنَهْيِهِ لَهُمْ ، عَنِ الزَّمْزَمَةِ ثُمَّ يُقَلِّدُونَ هَاهُنَا رِوَايَةً سَاقِطَةً مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ , وَالسُّنَنِ وَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّ الصَّلِيبَ وَالأَصْنَامَ عِنْدَهُمْ أَجَلُّ مِنْ الْخَمْرِ , فَيَجِبُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ أَنْ يُضَمِّنُوا مَنْ كَسَرَ لَهُمْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمًا حَتَّى يُعِيدَهُ سَالِمًا صَحِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ , وَالْمَيْتَةِ , وَالْخَنَازِيرِ , فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُبِيحَ ثَمَنَ بَيْعٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمْ كَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يَقُولَ : إنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تُضْمَنُ لَهُمْ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا 1268 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَسَرَ حِلْيَةَ فِضَّةٍ فِي سَرْجٍ , أَوْ لِجَامٍ , أَوْ مَهَامِيزَ , أَوْ سَيْفٍ , أَوْ تَاجٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , أَوْ حُلِيَّ ذَهَبٍ لأَمْرَأَةٍ , أَوْ لِرَجُلٍ يُعِدُّهُ لأََهْلِهِ , أَوْ لِلْبَيْعِ : كُلِّفَ إعَادَتَهُ صَحِيحًا كَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ , فَإِنْ تَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا : جَازَ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ مِثْلُ مَا اعْتَدَى بِهِ , وَجَائِزٌ أَنْ يَتَّفِقَا مِنْ ذَلِكَ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى ذَهَبٍ , وَفِي حُلِيِّ الْفِضَّةِ عَلَى فِضَّةٍ , وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهِ مَا شَاءَ ; لأََنَّهُ لَيْسَ هُوَ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِدَاءٌ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1269 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ , أَوْ أَمَةٍ , أَوْ بَعِيرٍ , أَوْ فَرَسٍ , أَوْ بَغْلٍ , أَوْ حِمَارٍ , أَوْ كَلْبٍ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ , أَوْ سِنَّوْرٍ , أَوْ شَاةٍ , أَوْ بَقَرَةٍ , أَوْ إبِلٍ , أَوْ ظَبْيٍ , أَوْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُتَمَلَّكٍ فَإِنَّ فِي الْخَطَأِ فِي الْعَبْدِ وَفِي الأَمَةِ خَاصَّةً ] وَفِي سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالأَمَةُ فَفِيمَا جَنَى عَلَيْهِمَا عَمْدًا الْقَوَدُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِمَا. أَمَّا الْقَوَدُ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِلسَّيِّدِ فِيمَا اُعْتُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً اسْتَكْرَهَ أَمَةً فَقَتَلَهَا لَكَانَ عَلَيْهِ الْغَرَامَةُ لِسَيِّدِهَا وَالْحَدُّ فِي زِنَائِهِ بِهَا ، وَلاَ يُبْطِلُ حَقٌّ حَقًّا , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَأَمَّا الْقَوَدُ بَيْنَ الْحُرِّ , وَالْعَبْدِ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الْقِصَاصِ ". وَأَمَّا مَا نَقَصَهُ فَلِلنَّاسِ هَاهُنَا اخْتِلاَفٌ , وَكَذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ وَقَوْلُنَا فِي الْحَيَوَانِ هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفة : كَذَلِكَ إِلاَّ فِي الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ , وَالْخَيْلِ خَاصَّةً فِي عُيُونِهَا خَاصَّةً , فَإِنَّهُ قَالَ فِي عَيْنِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا رُبْعُ ثَمَنِهِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَقْضِ فِي الرَّأْسِ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ : الْمُنَقِّلَةِ , وَالْمُوضِحَةِ , وَالآمَّةِ وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ. وَبِرِوَايَةٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَمَعْمَرٍ قَالَ سُفْيَانُ : عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، عَنْ عُمَرَ , وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ لَهُ : قَالَ لِي عُمَرُ , وَقَالَ مَعْمَرٌ : بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , ثُمَّ اتَّفَقُوا أَنَّهُ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بِأَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عُمَرَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا. قَالَ عَلِيٌّ : الرِّوَايَةُ ، عَنِ النَّبِيِّ r لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ , وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْفَرَسُ فَلاَ هُمْ خَصُّوهُ كَمَا جَاءَ مَخْصُوصًا , وَلاَ هُمْ قَاسُوا عَلَيْهِ جَمِيعَ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ. وَأَمَّا ، عَنْ عَلِيٍّ , وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَمَرَاسِيلُ كُلُّهَا , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي خِلاَفِ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ إذَا خَالَفَا أَبَا حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُمَا تَقَيَّآ مَا شَرِبَا إذْ عَلِمَا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ. ثُمَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ مَعَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ إلَى شُرَيْحٍ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا وَأَحَقُّ مَا صَدَقَ بِهِ الرَّجُلُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ يَدَّعِيَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي الْفَرَسِ تُصَابُ عَيْنُهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي عَيْنِ جَمَلٍ أُصِيبَ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ : مَا أَرَاهُ نَقَصَ مِنْ قُوتِهِ ، وَلاَ هِدَايَتِهِ فَقَضَى فِيهِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى قَضِيَّتَيْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , أَوْلَى مِنْ الأُُخْرَى وَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ : إنَّ فِي عَيْنِ الأَنِسَانِ نِصْفَ ثَمَنِهِ , وَقَدْ أَضْعَفَ عُمَرُ عَلَى حَاطِبٍ قِيمَةَ النَّاقَةِ الَّتِي انْتَحَرَهَا عَبِيدُهُ , وَجَاءَ بِذَلِكَ أَثَرٌ : كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ قَالَ : هِيَ وَمِثْلُهَا وَالنَّكَالُ. فَهَذَا خَبَرٌ أَصَحُّ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي عَيْنِ الْفَرَسِ رُبْعُ ثَمَنِهِ. وَأَصَحُّ مِنْ خَبَرِهِمْ ، عَنْ عُمَرَ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِتَقْلِيدِ الصَّاحِبِ , وَأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الآثَارِ , وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. وَأَمَّا مَا جُنِيَ عَلَى عَبْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ , أَوْ عَلَى أَمَةٍ كَذَلِكَ , فَقَالَ قَوْمٌ : كَمَا قلنا : إنَّمَا فِيهِ لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. . وَقَالَ قَوْمٌ : جِرَاحُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ , بَالِغًا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ مَا بَلَغَ , فَفِي عَيْنِ الْعَبْدِ نِصْفُ ثَمَنِهِ , وَلَوْ أَنَّ ثَمَنَهُ أَلْفَا دِينَارٍ وَفِي عَيْنِ الأَمَةِ نِصْفُ ثَمَنِهَا وَلَوْ بَلَغَ عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ , وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : جِرَاحَاتُ الْعَبِيدِ فِي أَثْمَانِهِمْ بِقَدْرِ جِرَاحَاتِ الأَحْرَارِ فِي دِيَاتِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالنَّخَعِيِّ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ إِلاَّ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ : إنْ بَلَغَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ , وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ , أَوْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : وَعَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَعَقْلِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إنَّ رِجَالاً مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيَقُولُونَ : الْعَبِيدُ وَالإِمَاءُ سِلَعٌ , فَيَنْظُرُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهِمْ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : فِيهِ مَا نَقَصَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ اسْتِهْلاَكًا كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ , أَوْ الرِّجْلَيْنِ , أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ , فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ , أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْجَانِي وَيَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ , فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى حُرٍّ لَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا أَسْلَمَهُ إلَى الْجَانِي ، وَلاَ بُدَّ , وَأَلْزَمَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : يُدْفَعُ إلَى الْجَانِي وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ صَحِيحًا وَهُوَ قَوْلُ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ , وَقَتَادَةَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ قَالَ : هُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ جَدَعَ أُذُنَ عَبْدٍ , أَوْ أَنْفَهُ , أَوْ أَشَلَّ يَدَهُ أَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إنْ شَجَّ عَبْدًا , أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ , فَقِيمَتُهُ كَمَا أَفْسَدَهُ : وَرَأَى فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ. قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ : مَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ , فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , وَفِي الأَمَةِ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا , فَإِنْ بَلَغَتْهَا فَلَيْسَ فِيهَا إِلاَّ خَمْسَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ : وَأَمَّا مَا دُونَ النَّفْسِ فَمِنْ قِيمَتِهَا مِثْلُ مَا فِي الْجِنَايَةِ , وَعَلَى الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ , فَإِذَا بَلَغَ أَرْشَ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ , أَنْقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ هَكَذَا جُمْلَةٌ. ثُمَّ رَجَعَ ، عَنِ الأُُذُنِ وَالْحَاجِبِ خَاصَّةً فَقَالَ : فِيهِمَا مَا نَقْصُهُمَا فَقَطْ , فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ إمْسَاكُهُ , كَمَا هُوَ , وَلاَ شَيْءَ لَهُ , أَوْ إسْلاَمُهُ وَأَخَذَ مَا كَانَ يَأْخُذُ لَوْ قُتِلَ خَطَأً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً وَالْجِنَايَةِ : عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ وَلَوْ تَجَاوَزَتْ دِيَاتٍ وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ فِي الْجِنَايَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهُ أَخَذَ قِيمَةَ مَا نَقَصْته الْجِنَايَةُ الْمُسْتَهْلَكَةُ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ خَاصَّةً مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجِبُ , وَالأُُذُنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ , وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ ، عَنْ زُفَرَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مَرَّةً مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الآخِرِ , وَمَرَّةً مِثْلُ قَوْلِهِ الأَوَّلِ , وَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ فِي النَّفْسِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ إِلاَّ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أَوْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الأَمَةِ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَلاَ تَبْلُغُ بِأَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ مِقْدَارَهَا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ , أَوْ الْحُرَّةِ , لَكِنْ يَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتَهَا مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الْعَبْدِ , وَحِصَّتَهَا مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي الأَمَةِ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَطْعَ أُذُنٍ فَبَرِئَ , أَوْ نَتْفَ حَاجِبٍ فَبَرِئَ , وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَا نَقَصَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنْ بَلَغَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى حُرٍّ لَوَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ إمْسَاكُهُ كَمَا هُوَ , وَلاَ شَيْءَ لَهُ أَوْ إسْلاَمُهُ إلَى الْجَانِي وَأَخْذُ جَمِيعِ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ عَشَرَةُ آلاَفٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , وَفِي الأَمَةِ نِصْفُ ذَلِكَ. وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ إنْ فَقَأَ عَيْنَ أَمَةٍ تُسَاوِي خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى مِائَةِ أَلْفِ فَأَكْثَرَ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ. وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ آلاَفٍ فَمَا زَادَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ خَمْسَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ , غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ , وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْجِرَاحَاتِ. فَلَوْ سَاوَتْ الأَمَةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , وَالْعَبْدُ مِائَةَ دِرْهَمٍ , لَمْ يَلْزَمْهُ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ إِلاَّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَقَطْ , وَفِي عَيْنِ الأَمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَطْ , وَهَكَذَا الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْقِيَمِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : إنَّ مُنَقِّلَةَ الْعَبْدِ , وَمَأْمُومَتَهُ , وَجَائِفَتَهُ , وَمُوضِحَتَهُ مِنْ ثَمَنِهِ , بَالِغًا مَا بَلَغَ فَهِيَ مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ : فَفِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ. وَفِي جَائِفَتِهِ , وَمَأْمُومَتِهِ ثُلْثُ ثَمَنِهِ بَالِغٌ مَا بَلَغَ. وَأَمَّا سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ , وَقَطْعُ الأَعْضَاءِ فَإِنَّمَا فِيهِ مَا نَقَصَهُ فَقَطْ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ كَامِلَةً لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : مِنْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كُلُّهَا لِسَيِّدِهِ , وَيَبْقَى الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ سَوَاءٌ زَادَ ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ أَوْ نَقَصَ. قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ قَالَ : جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ : فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , لَكِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْحُرِّ ; لأََنَّهُ إنْسَانٌ مِثْلُهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ كَثِيرًا مِنْ دِيَاتِ أَعْضَاءِ الْحُرِّ مُؤَقَّتٌ لاَ زِيَادَةَ فِيهَا ، وَلاَ نَقْصَ. وَقَدْ وَافَقْنَا مَنْ خَالَفْنَا هَاهُنَا عَلَى أَنَّ دِيَةَ أَعْضَاءِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ , إذْ قَدْ يُسَاوِي الْعَبْدُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَتَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهِ عِنْدَهُمْ عَشْرَ دَنَانِيرَ. وَتُسَاوِي الأَمَةُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ تَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ , فَقَدْ أَصْفَقُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَاتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَعَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ دِيَةِ عُضْوِ الْمَرْأَةِ عَلَى دِيَةِ عُضْوِ الرَّجُلِ , بِخِلاَفِ الأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً بِهَذِهِ الدَّلاَئِلِ وَبِغَيْرِهَا أَيْضًا فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : يُسَلِّمُهُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ , فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا غَيْرَ صَحِيحٍ ; لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ إخْرَاجُ مَالٍ ، عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا هَاهُنَا نَصٌّ أَصْلاً , فَسَقَطَ أَيْضًا جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , فَوَجَدْنَاهُمَا أَشَدَّ الأَقْوَالِ فَسَادًا ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ : قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلاً , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ , بَلْ مَا نَعْرِفُ هَذَيْنِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ قَبْلَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : فَظُلْمٌ بَيِّنٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ أَنْ يَكُونَ يَقْطَعُ يَدَ جَارِيَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ فَلاَ يَقْضِي لِصَاحِبِهَا إِلاَّ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا غَيْرَ مَا تُسَاوِي مِنْ الذَّهَبِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَيَكُونُ تُغْصَبُ لَهُ خَادِمٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَتَمُوتُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ كَامِلَةً , عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الدِّثَارُ وَالدَّمَارُ وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا , وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ : فَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا تَخَلَّصُوا مِنْهُ لَوْ قِيلَ لَهُمْ : بَلْ فِي الْمُنَقِّلَةِ , وَالْجَائِفَةِ , وَالْمَأْمُومَةِ : مَا نَقَصَهُ فَقَطْ , وَأَمَّا سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ فَمِنْ ثَمَنِهِ بِقَدْرِهَا مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ , وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ إِلاَّ مَحْرُومٌ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ : هَذِهِ جِرَاحَاتٌ يُشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا , فَيُمْكِنُ أَنْ يَتْلَفَ , وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْرَأَ , وَلاَ يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ ، وَلاَ ضَرَرٌ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , فَاجْعَلُوا هَذَا دَلِيلَكُمْ فِي أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا إِلاَّ مَا نَقَصَ فَقَطْ. قال أبو محمد : وَالْحُكْمُ عَلَى الْجَانِي بِمَا نَقَصَ فِيمَا جَنَاهُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ خِصَاءٍ , أَوْ مَأْمُومَةٍ , أَوْ جَائِفَةٍ , أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا , ثُمَّ يُقَوَّمَ فِي أَصْعَبِ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ حَالُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَأَشَدِّ مَا كَانَ مِنْهَا مَرَضًا وَضَعْفًا وَخَوْفًا عَلَيْهِ , وَيَغْرَمُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ , وَلاَ يُنْتَظَرُ بِهِ صِحَّةٌ , وَلاَ تَخَفُّفٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فِي تَأْثِيرِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ الْجَانِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ تِلْكَ الأَحْوَالِ , فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْهَا مَا نَقَصَ بِجِنَايَتِهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ بِلاَ شَكٍّ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدَوْا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ. فَإِنْ بَرِئَ الْعَبْدُ , أَوْ الأَمَةُ وَصَحَّا , وَزَادَتْ تِلْكَ الْجِنَايَاتُ فِي أَثْمَانِهِمَا , كَالْخِصَاءِ فِي الْعَبْدِ , أَوْ قَطْعِ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ ; أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَمِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّيِّدِ , وَلاَ رُجُوعَ لِلْجَانِي مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا حَتَّى صَحَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ مِثْلِ مَا اعْتَدَى فِيهِ , فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِبُرْءِ الْجِنَايَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَطَعَ شَجَرَةً لأَِنْسَانٍ , فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَوَاءٌ نَبَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَمَتْ أَوْ لَمْ تَنْبُتْ ، وَلاَ نَمَتْ , لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إنْ قَتَلَ الْمَرْءُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ , أَوْ أَمَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً , فَقِيمَتُهُمَا ، وَلاَ بُدَّ لِسَيِّدِهِمَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدًا قُتِلَ خَطَأً وَكَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَجَعَلَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ دِيَتَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , قَالاَ جَمِيعًا : لاَ يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عَطَاءٍ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , قَالَ : يَنْقُصُ مِنْهَا الدِّرْهَمُ وَنَحْوُهُ , وَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ يَتَجَاوَزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ ; وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة , وَزُفَرُ , وَمُحَمَّدٌ : إنْ كَانَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ , فَإِنْ بَلَغَهَا أَوْ تَجَاوَزَهَا بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهُ إِلاَّ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ , غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقِيمَتُهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ , فَإِنْ بَلَغَتْهَا أَوْ تَجَاوَزَتْهَا بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهَا إِلاَّ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَغْرَمُ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَشُرَيْحٍ , قَالُوا : ثَمَنُهُ , وَإِنْ خَالَفَ دِيَةَ الْحُرِّ وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ , وَابْنِ سِيرِينَ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَالزُّهْرِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ , وَعَطَاءٍ , وَمَكْحُولٍ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لأََنَّهُ حَدَّ مَا يَسْقُطُ مِنْ ذَلِكَ بِحَدٍّ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِهِ الْفَاسِدِ. وَقَالَ مُقَلِّدُوهُ : يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ قلنا : وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ فَأَسْقَطْتُمْ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ , وَلَيْسَ تُقْطَعُ فِيهَا الْيَدُ فِي قَوْلِكُمْ , فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ مَا أَصَّلْتُمْ مِنْ كَثَبٍ. ثم نقول لَهُمْ : وَهَلَّا نَقَصْتُمْ مِنْ الدِّيَةِ مَا نَقَصْتُمْ مِنْ الأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي جَعْلِ الآبِقِ إذَا كَانَ يُسَاوِيهَا وَهَلَّا نَقَصْتُمْ مِنْ الدِّيَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهَلْ هَذَا إِلاَّ رَأْيٌ زَائِفٌ مُجَرَّدٌ وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلاً , وَلاَ كَانَ لَهُ سَلَفٌ فَأَوْلَى قَوْلٍ بِالأَطِّرَاحِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : لاَ يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ : فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً فَاسِدًا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , ثُمَّ هُمْ يَتَنَاقَضُونَ , فَيَقُولُونَ : فِيمَنْ قَتَلَ كَلْبًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِينَارٍ أَنَّهُ يُعْطِي أَلْفَيْ دِينَارٍ , وَإِنْ عَقَرَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ أَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ , وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا يَجْعَلُ لِلَّهِ تَعَالَى الْوَلَدَ وَأُمَّ الْوَلَدِ أَنَّهُ يُعْطِي فِيهِ دِيَةَ الْمُسْلِمِ فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيَبْلُغُ كَلْبٌ , وَخِنْزِيرٌ , وَمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَلْبِ , وَالْخِنْزِيرِ : دِيَةَ الْمُسْلِمِ , وَلاَ يَبْلُغُ بِلاَلٌ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ دِيَةَ مُسْلِمٍ نَعَمْ , وَلاَ دِيَةَ كَافِرٍ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ , وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , وَعِنْدَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا : مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ عِنْدَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلاَفِ دِينَارٍ أَدَّى عَشَرَةَ آلاَفِ دِينَارٍ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ ثُمَّ قَدْ جَعَلُوا دِيَةَ الْعَبْدِ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَجَاوَزُوا بِهَا دِيَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَهَذِهِ وَسَاوِسُ يُغْنِي ذِكْرُهَا ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ مَا ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَلِيٍّ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ فَخَالَفُوهُمَا. وَقَدْ جَسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : قَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَاخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ . فَقُلْنَا : كَذَبْت وَأَفَكْت هَذَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ لِعُثْمَانَ t وَأَمِيرُ الْمَدِينَةِ , وَمَكَّةَ لِمُعَاوِيَةَ , لاَ يَتَجَاوَزُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ. قال أبو محمد : وَالْعَبْدُ , وَالأَمَةُ مَالٌ , فَعَلَى مُتْلِفِهِمَا مِثْلُ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَفِي مَالِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي رِقِّهِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ , وَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ , وَلاَ بِمَا قَلَّ ، وَلاَ بِمَا كَثُرَ ، وَلاَ إسْلاَمُهُ فِي جِنَايَتِهِ ، وَلاَ بَيْعُهُ فِيهَا. وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ , وَالْمُكَاتَبِ , وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونِ , وَغَيْرِ الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ , الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِجَرِيرَةِ أَحَدٍ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَقَالَ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ , وَكَذَلِكَ ثَمَنُهُ , وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَالِ السَّيِّدِ , فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا بِأَيِّ كِتَابِ اللَّهِ , أَمْ بِأَيِّ سَنَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ r اسْتَحْلَلْتُمْ إبَاحَةَ مَالِ السَّيِّدِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَجْنِ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ صَغِيرٌ , أَوْ مَجْنُونٌ , أَوْ غَائِبٌ فِي أَرْضٍ بَعِيدَةٍ , أَوْ نَائِمٌ , أَوْ فِي صَلاَةٍ , إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ دَهْثَمِ بْنِ قُرَّانَ الْيَمَامِيِّ ، عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَمْلُوكًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَشَجَّهُ فَاخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r الْعَبْدَ إلَى الْمَقْطُوعِ يَدُهُ , ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ فَدَفَعَهُ إلَى الْمَشْجُوجِ , فَصَارَ لَهُ وَرَجَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِلاَ شَيْءٍ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ دَهْثَمَ بْنَ قُرَّانَ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى ضَعْفِهِ وَنِمْرَانُ مَجْهُولٌ , فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ , وَلَوْ صَحَّ لَمَا سَبَقُونَا إلَى الأَخْذِ بِهِ , وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِالْكَذِبِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ , وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْجَاهِلُ وَأَفِكَ , مَا جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ] ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي عِلْمِنَا إِلاَّ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَمَا فَاتَنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ثَابِتٌ أَصْلاً , وَلَعَلَّهُ لَمْ يَفُتْنَا أَيْضًا مَعْلُولٌ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ، عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ هُوَ الأَعْوَرُ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : مَا جَنَى الْعَبْدُ فَفِي رَقَبَتِهِ , وَيَتَخَيَّرُ مَوْلاَهُ إنْ شَاءَ فَدَاهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ. وَهَذِهِ فَضِيحَةُ الْحَجَّاجِ , وَالْحَارِثِ الأَعْوَرِ , أَحَدُهُمَا كَانَ يَكْفِي. وَقَدْ خَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي إسْلاَمِهِ الشَّاةَ إلَى أَوْلِيَاءِ الَّتِي نُطِحَتْ فَغَرِقَتْ فِي الْفُرَاتِ , فَمَا الَّذِي جَعَلَ حُكْمَهُ هُنَالِكَ أَوْلَى مِنْ حُكْمِهِ هَاهُنَا لَوْ صَحَّ عَنْهُ فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ نَعَمْ , وَقَدْ خَالَفُوا عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : مَا جَنَى الْعَبْدُ مِنْ دَمٍ عَمْدًا فَلَيْسَ فِي رَقَبَتِهِ , وَلاَ يَفْدِيه سَيِّدُهُ , وَلاَ يَدْفَعُهُ , إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ , أَوْ الْعَفْوُ , أَوْ مَا تَصَالَحُوا عَلَيْهِ. وَمَالِكٌ يَقُولُ : جِنَايَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : لاَ يَلْزَمُ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ , وَلاَ أَنْ يُسَلِّمَهُ , لَكِنْ يُبَاعُ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ. وَحَدِيثُ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَنَحَرُوهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ , ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ : إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ لاَُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك , ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ : كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك قَالَ : أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ : فَأَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ حُكْمِهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَقًّا وَبَعْضُهُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا بَاطِلاً , إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ. وَرِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ السَّلُولِيِّ الأَعْوَرِ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ : جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلاَهُ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ السَّلُولِيَّ الأَعْوَرَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَمَالِكٌ يَقُولُ : لاَ يَغْرَمُ عَنْهُ سَيِّدُهُ مَا جَنَى , وَلاَ يَدْفَعُهُ , وَإِنَّمَا الْحُكْمُ أَنْ يُسْتَخْدَمَ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا فِيمَا جَنَى فِي الأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا , فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ , فَمَنْ أَقَلُّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا ثُمَّ لاَ يَرَى صَوَابًا فَكَيْفَ سُنَّةً فَكَيْفَ إجْمَاعًا دَفْعَهُمْ كُلَّهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِخَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ , لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ , وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا مُدَّةَ حَيَاةِ النَّبِيِّ r ثُمَّ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ مُدَّةَ عُمَرَ رضي الله عنهما لاَ أَحَدَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ , فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا ، وَلاَ يَرَى أَيْضًا آخِرَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ r بِجَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ بَدَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالصَّلاَةِ بِهِمْ صَوَابًا ، وَلاَ سُنَّةً ، وَلاَ إجْمَاعًا. قال أبو محمد : ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يُبَاعُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي دِيَتِهِ , وَلاَ يُسَلَّمُ , وَلاَ يَفْدِيه سَيِّدُهُ , وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَهُوَ الَّذِي يُبَاعُ , أَوْ يُسَلَّمُ , أَوْ يُفْدَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يُبَاعُ الْمَأْذُونُ , وَلاَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي دَيْنٍ , وَلاَ يُسَلَّمُ ، وَلاَ يُفْدَى , وَأَمَّا جِنَايَتُهُمَا فَيُبَاعَانِ فِيهِمَا , أَوْ يُسَلَّمَانِ أَوْ يُفْدَيَانِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْمَأْذُونُ وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ , وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ سَوَاءٌ , كِلاَهُمَا يُبَاعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ , أَوْ يُسَلِّمُهُ سَيِّدُهُ أَوْ يَفْدِيه. فَهَذِهِ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَوْنَهَا مَا نَحْتَاجُ فِي رَدِّهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهَا ; لأََنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُخَطِّئُ الأُُخْرَى , وَتُبْطِلُ قَوْلَهَا وَكُلُّهَا بَاطِلٌ. وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ : إنْ قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَيْسَ إِلاَّ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ , وَهُوَ لِسَيِّدِهِ كَمَا كَانَ , إنْ عَفَا عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. قَالُوا : فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا خَطَأً , أَوْ جَنَى عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً قَلَّتْ الْجِنَايَةُ أَوْ كَثُرَتْ كُلِّفَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ , أَوْ إلَى وَلِيِّهِ كَثُرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ أَمْ قَلُّوا أَوْ يَفْدِيه بِجَمِيعِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ. قَالُوا : فَإِنْ جَنَى فِي مَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ، وَلاَ عَلَى السَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يُبَاعَ فِي جِنَايَتِهِ فَإِنْ وَفَّى ثَمَنُهُ بِالْجِنَايَاتِ فَذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا فَلاَ شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ , وَلاَ عَلَى الْعَبْدِ , وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِلسَّيِّدِ. قَالُوا : فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ فَقَتَلَ خَطَأً , أَوْ جَنَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ , فَعَلَى سَيِّدِهِ الأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ , أَوْ الدِّيَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْجِنَايَةِ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا , فَلاَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِلاَّ عَشَرَةُ آلاَفٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , فَإِنْ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَلاَ شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ , لَكِنْ يَرْجِعُ كُلُّ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلاً فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ , وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فِي جِنَايَتِهَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ. وقال أبو حنيفة : فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ , وَأُمُّ الْوَلَدِ عَلَى مَالٍ فَعَلَيْهِمَا السَّعْيُ فِي قِيمَةِ مَا جَنَيَا ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى سَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ. قال أبو محمد : هَذَا الْفَصْلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا , وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ سَائِرُ جِنَايَاتِهِمَا , وَجِنَايَاتِ الْعَبِيدِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ تُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ فِي هَذِهِ التَّخَالِيطِ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ لَمَا بَعُدَ ، عَنِ الصِّدْقِ. وَقَالُوا : إنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَقَتَلَ خَطَأً , أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي الأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ جَنَى فِي مَالٍ : سَعَى فِي قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وقال مالك : جِنَايَةُ الْعَبْدِ فِي الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ سَوَاءٌ , فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَكُلُّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَسَيِّدُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ بِقَدْرِ الْمَالِ أَوْ يَدْفَعَهُ , فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ كَذَلِكَ فَفِي مَالِهِ , فَإِنْ لَمْ يَفِ اُسْتُخْدِمَ فِي الْبَاقِي , فَإِنْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْدِيَهَا بِالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَقَطْ , ثُمَّ كُلَّمَا جَنَتْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهَا كَذَلِكَ , فَإِنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ كُلِّفَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَرْشَ مَا جَنَى , فَإِنْ عَجَزَ أَوْ أَبَى رُقَّ وَعَادَ إلَى حُكْمِ الْعَبِيدِ. وَهَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ تُحْفَظُ أَيْضًا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَبْلَهُ , وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ خِلاَفَ الإِجْمَاعِ عَلَيْهَا لَمَا بَعُدَ ، عَنِ الصِّدْقِ إِلاَّ قَوْلُهُ : إنَّ الْجِنَايَاتِ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ , فَهُوَ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا ذَكَرْنَا. وقال الشافعي : كُلُّ مَا جَنَى الْمُدَبَّرُ , وَالْعَبْدُ مِنْ دَمٍ , أَوْ فِي مَالٍ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ فِيهَا فَقَطْ , فَإِنْ وَفَّى فَذَلِكَ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ فَلِلسَّيِّدِ , وَإِنْ لَمْ يَفِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلاَ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ ذَلِكَ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ ، وَلاَ أَنْ يَفْدِيَهُ. فَإِنْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فِدَاهَا سَيِّدُهَا بِالأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ جَنَتْ ثَانِيَةً فَقَوْلاَنِ : أَحَدُهُمَا : يَفْدِيهَا أَيْضًا , وَهَكَذَا أَبَدًا. وَالثَّانِي : يَرْجِعُ الآخَرُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ لَيْسَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ لاَ مَالَ لَهُ , وَلاَ يَمْلِكُ شَيْئًا قلنا : هَذَا بَاطِلٌ , بَلْ يَمْلِكُ كَمَا يَمْلِكُ الْحُرُّ , وَلَكِنْ هَبْكُمْ الآنَ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ كَمَا تَدَّعُونَ عُدُّوهُ فَقِيرًا , وَأَتْبِعُوهُ بِهِ إذَا مَلَكَ يَوْمًا مَا كَمَا يُتْبَعُ الْفَقِيرُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ , وَلاَ فَرْقَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِالْغِنَى , فَانْتَظَرُوا بِهِمْ ذَلِكَ الْغِنَى , فَكَيْفَ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْعَبْدِ ظَاهِرَةٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : وَيُقَادُ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ الْمَمْلُوكِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ , فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى الْعَقْلِ فَقِيمَةُ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ. قال أبو محمد : هَذَا قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ , وَبَيَانُ هَذَا ] أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرَى الْعَبْدَ مَالِكًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ أُخِذَ عَبْدٌ أَسْوَدُ آبِقٌ قَدْ عَدَا عَلَى رَجُلٍ فَشَجَّهُ لِيَذْهَبَ بِرَقَبَتِهِ , فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يَرَ لَهُ شَيْئًا. وَهَذَا قَوْلُنَا : وَقَدْ جَاءَ هَذَا ، عَنِ النَّبِيِّ r كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ غُلاَمًا لأَُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلاَمٍ لأَُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَى أَهْلُهُ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَيْهِ شَيْئًا. قال أبو محمد : لَمْ يُسَلِّمْهُ ، وَلاَ بَاعَهُ ، وَلاَ أَلْزَمَهُ مَالاً يَمْلِكُهُ ، وَلاَ أَلْزَمَ سَادَاتِهِ فِدَاءَهُ وَهَذَا قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. تَمَّ " كِتَابُ الْغَصْبِ وَالأَسْتِحْقَاقِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الأَمْوَالِ ".