محلى ابن حزم - المجلد الثالث3

من معرفة المصادر

951 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَضَرَ بِخَيْلٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَقَطْ , وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ فَقَطْ. وَقَالَ آخَرُونَ : يُسْهَمُ لِكُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا وَهَذَا لاَ يَقُومُ بِهِ بُرْهَانٌ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ : أَنَّ النَّبِيَّ r أَسْهَمَ لِلزُّبَيْرِ لِفَرَسَيْنِ قلنا : هَذَا مُرْسَلٌ لاَ يَصِحُّ , وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِيهِ هُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ r عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ : سَهْمٍ لِلزُّبَيْرِ , وَسَهْمِ الْقُرْبَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَسَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ. 952 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْهَمُ لِلأَجِيرِ , وَلِلتَّاجِرِ , وَلِلْعَبْدِ , وَلِلْحُرِّ , وَالْمَرِيضِ , وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ كُلُّهُمْ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلِلأَثَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام حُرًّا مِنْ عَبْدٍ , وَلاَ أَجِيرًا مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ تَاجِرًا مِنْ سِوَاهُ , فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِهِ إلَى نَجْدَةَ تَسْأَلُنِي ، عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ , هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَحْذِيَا فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عُمَرَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَقَوْلٍ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ , وَالصَّرْفِ , وَسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى , وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي فَكَلَّمُوا فِي رَسُولَ اللَّهِ r فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ , فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ , فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ. فَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ السَّيْفَ , وَهَذَا صِفَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَهَكَذَا نَقُولُ : إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لاَ يُسْهَمُ لَهُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ فَضَالَةِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ r فِي غَزْوَةٍ وَفِينَا مَمْلُوكُونَ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ , وَهَذَا مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّهُ إنْ كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يُدْرِكْ فَضَالَةَ ; ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ ; وَإِنْ كَانَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ فَالثَّوْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْهُ ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِنِينَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيّ أَخْبَرَنَا عِيسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسِ اللِّهْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ أَبِي يَقْسِمُ لِلْحُرِّ وَلِلْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ : قَسَمَ لِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا قَسَمَ لِسَيِّدِي. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , قَالُوا : مَنْ شَهِدَ الْبَأْسَ مِنْ حُرٍّ , أَوْ عَبْدٍ , أَوْ أَجِيرٍ , فَلَهُ سَهْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْغَنَائِمِ يَسْبِيهَا الْجَيْشُ قَالَ : إنْ أَعَانَهُمْ التَّاجِرُ , وَالْعَبْدُ : ضُرِبَ لَهُ بِسِهَامِهِمْ مَعَ الْجَيْشِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : إذَا شَهِدَ التَّاجِرُ , وَالْعَبْدُ , قُسِمَ لَهُ , وَقُسِمَ لِلْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا غُنْدَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. قال أبو محمد : وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنْ يُسْهَمَ لِلْفَرَسِ , وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ أَسْهَمُوا لِلْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرُوا فِي الأَجِيرِ خَبَرَيْنِ فِيهِمَا أَنَّ أَجِيرًا اُسْتُؤْجِرَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ r فِي غَزْوَةٍ بِثَلاَثَةِ دَنَانِيرَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عليه السلام سَهْمًا غَيْرَهَا فَلاَ يَصِحَّانِ. لأََنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحِمْصِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r " وَأَبُو سَلَمٍ مَجْهُولٌ , وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنَيَّةَ وَعَاصِمَ بْنَ حَكِيمٍ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الدَّيْلَمِيِّ مَجْهُولاَنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ , وَابْنُ سِيرِينَ وَالأَوْزَاعِيُّ , وَاللَّيْثُ : لاَ يُسْهَمُ لِلأَجِيرِ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يُسْهَمُ لَهُمَا إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلاَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يُسْهَمُ لِلتَّاجِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ : يُسْهَمُ لِلأَجِيرِ. 953 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُسْهَمُ لأَمْرَأَةٍ , وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ قَاتَلاَ , أَوْ لَمْ يُقَاتِلاَ وَيُنْفَلاَنِ دُونَ سَهْمِ رَاجِلٍ ; ، وَلاَ يَحْضُرُ مَغَازِي الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ فَإِنْ حَضَرَ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ أَصْلاً , وَلاَ يُنْفَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ قَعْنَبٍ نَا سُلَيْمَانُ ، هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ. قال أبو محمد : لَوْ بَلَغَ بِالنَّفْلِ لَهَا سَهْمَ رَاجِلٍ لَكَانَ قَدْ أَسْهَمَ لَهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَاللَّيْثِ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : لاَ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَهَذَا خَطَأٌ , وَخِلاَفُ الأَثَرِ الْمَذْكُورِ. قال أبو محمد : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نَا رُفَيْعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ ] حَدَّثَنِي حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا غَزَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سِتِّ نِسْوَةٍ قَالَتْ : فَأَسْهَمَ لَنَا عليه السلام كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ. وَهَذَا إسْنَادٌ مُظْلِمٌ , رَافِعٌ , وَحَشْرَجٌ : مَجْهُولاَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ : أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلنِّسَاءِ وَلِلصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ ، عَنْ مَجْهُولٍ قَالَ : أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدِ الأَحْمَرُ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ : قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ النَّاسِ غَنَائِمَهُمْ فَأَعْطَى كُلَّ إنْسَانٍ دِينَارًا وَجَعَلَ سَهْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ مُزَاحِمٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَيْحَانَ قَالَ : شَهِدَ مَعَ أَبِي مُوسَى أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ فَأَسْهَمَ لَهُنَّ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ أَهْلَ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا لأََنَّهُ إذَا أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَهُوَ بَهِيمَةٌ فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالسَّهْمِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. قال أبو محمد : فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ r هُوَ الْقَاضِي عَلَى مَا سِوَاهُ , وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ , وَأَمَّا النَّفَلُ لِلصِّبْيَانِ أَيْضًا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَلاَ بَأْسَ , لأََنَّهُ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ , وَأَمَّا الْكَافِرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْزُو بِالْيَهُودِ فَيُسْهِمُ لَهُمْ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِّينَاهُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا صِحَاحٍ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ غَزَا بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَرَضَخَ لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَأَلَتْ الشَّعْبِيَّ ، عَنِ الْمُسْلِمِينَ يَغْزُونَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : أَدْرَكْت الأَئِمَّةَ الْفَقِيهَ مِنْهُمْ وَغَيْرَ الْفَقِيهِ يَغْزُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَقْسِمُونَ لَهُمْ , وَيَضَعُونَ عَنْهُمْ مِنْ جِزْيَتِهِمْ ; فَذَلِكَ لَهُمْ نَفْلٌ حَسَنٌ وَالشَّعْبِيُّ وُلِدَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ عَلِيٍّ وَأَدْرَكَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ لِلْمُشْرِكِ إذَا حَضَرَ كَسَهْمِ الْمُسْلِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ : سَمِعْتُ قَتَادَةَ سُئِلَ ، عَنْ أَهْلِ الْعَهْدِ يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : لَهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مَا جُعِلَ لَهُمْ فَهُوَ لَهُمْ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ يُسْهَمُ لَهُمْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : وَلاَ يُرْضَخُ لَهُمْ , وَلاَ يُسْتَعَانُ بِهِمْ. قال أبو محمد : حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا , لأََنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَى هَذَا , وَلاَ نَعْلَمُ لِسَعْدٍ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ يَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ , لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّا لاَ نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي حَدِيثٍ ، أَنَّهُ قَالَ : فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأََحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حَقَّ فِي الْغَنَائِمِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. 954 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْمُشْرِكِ فِي الدَّلاَلَةِ فِي الطَّرِيقِ اُسْتُؤْجِرَ لِذَلِكَ بِمَالٍ مُسَمًّى مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ. لَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا هِشَامُ ، هُوَ ابْنُ يُوسُفَ نَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، ] قَالَتْ وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ r وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ هَادِيًا يَعْنِي بِالطَّرِيقِ ". 955 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ ذَلِكَ الإِمَامُ , أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَيْفَمَا قَتَلَهُ صَبْرًا , أَوْ فِي الْقِتَالِ ، وَلاَ يُخَمَّسُ السَّلَبُ قَلَّ , أَوْ كَثُرَ , وَلاَ يُصَدَّقُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ فِي الْحُكْمِ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ , أَوْ خَشِيَ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ , أَوْ أَنْ يُخَمَّسَ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّبَهُ , وَيُخْفِيَ أَمْرَهُ. وَالسَّلَبُ : فَرَسُ الْمَقْتُولِ , وَسَرْجُهُ , وَلِجَامُهُ , وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ , وَحِلْيَةٍ , وَمَهَامِيزَ وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ سِلاَحٍ , وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ فِي نِطَاقِهِ أَوْ فِي يَدِهِ , أَوْ كَيْفَمَا كَانَ مَعَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ هُوَ عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ يَوْمَ حُنَيْنٍ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فِي حَدِيثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ نَا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ r عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ r : اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ قَالَ سَلَمَةُ : فَقَتَلْتُهُ , فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r سَلَبَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ : مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ. فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تُوجِبُ مَا قُلْنَاهُ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ كَمَا تَرَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ : أَنَّ بِشْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَتَلَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَظِيمًا مِنْ الْفُرْسِ مُبَارَزَةً وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَأَتَى بِهِ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَوَّمَهُ اثْنَيْ عَشْر أَلْفًا , فَنَفَلَهُ إيَّاهُ سَعْدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّهُ رَكِبَ وَحْدَهُ حَتَّى أَتَى بَابَ دِمَشْقَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ خَيْلٌ مِنْهَا فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً وَأَخَذَ خَيْلَهُمْ فَأَتَى بِهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعِنْدَهُ عَظِيمُ الرُّومِ فَابْتَاعَ مِنْهُ سَرْجَ أَحَدِهَا بِعَشَرَةِ آلاَفٍ وَنَفَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ , فَهَذَا وَاثِلَةُ , وَخَالِدٌ وَسَعِيدٌ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ السَّلَبُ لاَ يُخَمَّسُ وَكَانَ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الإِسْلاَمِ سَلَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ , وَكَانَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةَ وَقَطَعَ مِنْطَقَتَهُ وَسِوَارَيْهِ , فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ صَلَّى عُمَرُ الصُّبْحَ , ثُمَّ أَتَانَا فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَثَمَّ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالُوا : نَعَمْ , فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ : إنَّا كُنَّا لاَ نُخَمِّسُ السَّلَبَ وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ مَالٌ وَإِنِّي خَامِسُهُ , فَدَعَا الْمُقَوِّمِينَ فَقَوَّمُوا ثَلاَثِينَ أَلْفًا , فَأَخَذَ مِنْهَا سِتَّةَ آلاَفٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت نَافِعًا يَقُولُ : لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مُنْذُ قَطُّ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لاَ يُدْرَى أَحَدٌ قَتَلَ أَحَدًا فَهَذَا يُخْبِرُ عَمَّا سَلَفَ. فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ وَجَمِيعِ أُمَرَائِهِمْ. وَهَذَا نَافِعٌ يُخْبِرُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ. فَصَحَّ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِهِمْ بِالْمَدِينَةِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ تَعَمُّدُ خِلاَفِ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَحَّ أَنَّهُ اسْتَطَابَ نَفْسَ الْبَرَاءِ. وَهَذَا صَحِيحٌ حَسَنٌ لاَ نُنْكِرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ , وَأَحْمَدَ قَالاَ : إنْ قَتْلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرنَا فَإِنَّهُ قَتَلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ , وَفِي غَيْرِ قِتَالٍ , وَأَخَذَ سَلَبَهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r . فإن قيل : فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِعُمُومِ حَدِيثِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ فَأَعْطُوا مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ , أَوْ رَجْمٍ , أَوْ مُحَارَبَةٍ , أَوْ بَغْيٍ , سَلَبَهُ. قلنا : لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r وَفِي الْقُرْآنِ مَالَ الْمُسْلِمِ لَفَعَلْنَا مَا قُلْتُمْ ; فَخَرَجَ سَلَبُ الْمُسْلِمِ بِهَذَا ، عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ , وَبَقِيَ سَلَبُ الْكَافِرِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنِ السَّلَبِ فَقَالَ : لاَ سَلَبَ إِلاَّ مِنْ النَّفْلِ وَفِي النَّفْلِ الْخُمُسُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ إِلاَّ نَفْلاً , فَقَوْلٌ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرنَا , إِلاَّ أَنَّهُ رَأَى فِيهِ الْخُمُسَ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانُ , وَمَالِكٌ : إلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ الأَمِيرُ قَبْلَ الْقِتَالِ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ , فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ , وَلاَ يُخَمَّسُ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْعَلُوا , بَلْ خَالَفُوهُ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ r إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِتَالِ ; فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ صُرَاحًا. وقال بعضهم : لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ. قال أبو محمد : فَكَانَ هَذَا عَجَبًا نَعَمْ , فَهَبْكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ , أَوْ قَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ , أَتَرَى يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَى بِهِ مَرَّةً , أَوْ يَرَوْنَهُ بَاطِلاً حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَضَاءَ بِهِ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلاَلِ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا قَالَ مَرَّةً , أَوْ أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ , كُلُّهُ دِينٌ , وَكُلُّهُ حَقٌّ , وَكُلُّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى , وَكُلُّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهُ. وَمَوَّهُوا بِفِعْلِ عُمَرَ , وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ , لأََنَّ عُمَرَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ دُونَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ , إِلاَّ أَنَّهُ خَمَّسَهُ وَلَمْ يُمَانِعْهُ الْبَرَاءُ. فَصَحَّ أَنَّهُ طَابَتْ بِهِ نَفْسِهِ , وَهَذَا حَسَنٌ لاَ نُنْكِرُهُ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; فَمَوَّهَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِأَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ , ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : فَأَبْطِلُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ قَوْلَكُمْ : إنَّ الإِمَامَ إذَا قَالَ : السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ كَانَ لَهُ. فَقَدْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ إمَامٍ لَعَلَّهُ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ حُجَّةً عَلَى الآيَةِ , وَلَمْ تَجْعَلُوا قَوْلَ الإِمَامِ الَّذِي لاَ إمَامَةَ لأََحَدٍ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ بَيَانًا لِلآيَةِ , وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ لاَ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ : إنَّ الأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لاَ خُمُسَ فِيهَا , وَهَذَا مَوْضِعُ الأَحْتِجَاجِ بِالآيَةِ حَقًّا وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ فِي أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ فَارِسًا مِنْ الرُّومِ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَخَذَ سِلاَحَهُ وَفَرَسَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْ السَّلَبِ قَالَ عَوْفٌ : فَأَتَيْتُ خَالِدًا فَقُلْتُ لَهُ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ : بَلَى , وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ , قُلْتُ : لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لاَُعَرِّفَنَّكَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ , قَالَ عَوْفٌ : فَاجْتَمَعْنَا عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ r : يَا خَالِدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْتُهُ فَقَالَ عليه السلام : يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ , قَالَ عَوْفٌ : فَقُلْتُ لَهُ : دُونَكَ يَا خَالِدُ , أَلَمْ أَفِ لَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ r وَمَا ذَلِكَ قَالَ : فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ r وَقَالَ : يَا خَالِدُ لاَ تَرُدَّ عَلَيْهِ , هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ. قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا : أَنَّ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا أَنَّ النَّبِيَّ r قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا قَوْلُنَا. وَثَانِيهَا أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ خَالِدًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ. وَثَالِثُهَا : أَنَّ فِي نَصِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ r إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ لاَ يَرُدَّ عَلَيْهِ , لأََنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْقَاتِلَ صَاحِبَ السَّلَبِ أَعْطَاهُ بِطَيِّبِ نَفْسٍ وَلَمْ يَطْلُبْ خَالِدًا بِهِ , وَأَنَّ عَوْفًا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ. وَرَابِعُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يُوهِمُونَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ عليه السلام : مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ كَانَ بَعْدَ يَوْمِ مُؤْتَةَ , بِلاَ خِلاَفٍ , وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ , وَقَدْ كَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ , وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ , وَابْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ يَوْمَ مُؤْتَةَ , فَيَوْمُ حُنَيْنٍ حُكْمُهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَوْ كَانَ خِلاَفَهُ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرِ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَهُوَ أَحَدُ قَاتِلِيهِ , وَالثَّانِي : مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ , وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ أَيْضًا فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r سَيْفَهُ. قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ , وَأَيْنَ يَوْمُ بَدْرٍ مِنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَبَيْنَهُمَا أَعْوَامٌ وَمَا نَزَلَ حُكْمُ الْغَنَائِمِ إِلاَّ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَكَيْفَ يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ قَالَ : لاَ , حَتَّى السَّهْمُ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ أَحَقَّ مِنْ أَخِيهِ بِهِ. قال أبو محمد : هَذَا ، عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى أَصَدَقَ فِي ادِّعَائِهِ الصُّحْبَةَ أَمْ لاَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّ الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْغَنِيمَةَ بِلاَ خِلاَفٍ , فَالسَّلَبُ مَضْمُومٌ إلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : هَلَّا احْتَجَجْتُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي قَوْلِكُمْ : إنَّ الْقَاتِلَ أَحَقُّ بِالسَّلَبِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَالَ الإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَكُمْ مَخْصُوصًا بِقَوْلِ مَنْ لاَ وَزْنَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَخُصُّوهُ بِقَوْلِ مَنْ لاَ إيمَانَ لَكُمْ إنْ لَمْ تُسَلِّمُوا لأََمْرِهِ وَقَضَائِهِ , تَبًّا لِهَذِهِ الْعُقُولِ الْمَكِيدَةِ. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَتَلَ قَتِيلاً فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ , فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ , فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ : مَهْلاً يَا حَبِيبُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ مَكْذُوبٌ بِلاَ شَكٍّ , لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ , وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ , وَقَدْ تَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ مُوسَى هَذَا ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ r أَعْرَابًا حُفَاةً فَجِئْنَا نَحْنُ أَبْنَاءَ فَارِسٍ فَلَخَّصْنَا هَذَا الدِّينَ فَانْظُرُوا بِمَنْ يَحْتَجُّونَ عَلَى السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. ثُمَّ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ جُنَادَةَ وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ جُنَادَةَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لأََنَّهُ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ : إنَّ الَّذِي وَجَدَ الرِّكَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَمِيعِهِ دُونَ طِيبِ نَفْسِ إمَامِهِ. ثم نقول لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا الْخَبَرِ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الإِمَامِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ بِسَهْمِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَيَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقَّهُمْ إنَّ هَذَا لَعَجِيبٌ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا ; فَصَارُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا حَقَّقُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ , وَهَذَا فِعْلُ مِنْ لاَ وَرَعَ لَهُ. وَقَالُوا : قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ غَالِبِ بْنِ حَجْرَةَ ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ ، عَنْ أَبِيهَا ، عَنْ أَبِيهِ ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ قَالُوا : فَقُولُوا بِهَذَا أَيْضًا ". قال أبو محمد : . فَقُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيِّ لاَ صَدَاقَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , وَمَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ , وَتِلْكَ النَّطَائِحُ وَالْمُتَرَدِّيَاتُ. فَهَذَا الْخَبَرُ مُضَافٌ إلَى تِلْكَ. وَأَمَّا مَنْ لاَ يَأْخُذُ إِلاَّ بِمَا رَوَى الثِّقَةُ ، عَنِ الثِّقَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا رَوَاهُ غَالِبُ بْنُ حَجْرَةَ الْمَجْهُولُ ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ الَّتِي لاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ ، عَنْ أَبِيهَا الَّذِي لاَ يُعْرَفُ , وَالْقَوْمُ فِي عَمًى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا ابْتَلاَهُمْ بِهِ , وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِنْهُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ قِيلَ : إنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ رَوَاهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الأَنْفَالِ " أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُنْفِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَلَبَ الْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , قَالَ : اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أَيْ لِيَرُدَّنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ شَيْءَ لأََنَّهَا صَحِيفَةٌ وَمُرْسَلٌ , وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي أَمْرِ بَدْرٍ وَقَدْ قلنا : إنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَانَ فِي حُنَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا. ثُمَّ مَوَّهُوا بِقِيَاسَاتٍ سَخِيفَةٍ كُلُّهَا لاَزِمٌ لَهُمْ وَغَيْرُ لاَزِمٍ لَنَا. مِنْهَا : أَنْ قَالُوا : لَمَّا كَانَ الْغَانِمُ لَيْسَ أَحَقَّ بِمَا غَنِمَ كَانَ الْقَاتِلُ فِي السَّلَبِ كَذَلِكَ ; وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ حَقًّا لِلْقَاتِلِ لَكَانَتْ الأَسْلاَبُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُو أَهْلِهَا مُوقَفَةً كَاللُّقَطَةِ. قال أبو محمد : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقِيَاسُ مَنْ صَحَّحَهُ , وَهُمْ يُصَحِّحُونَهُ فَهُوَ لَهُمْ لاَزِمٌ فَلْيُبْطِلُوا بِهَاتَيْنِ الأُُحْمُوقَتَيْنِ قَوْلَهُمْ : إنَّ السَّلَبَ ] لِلْقَاتِلِ إذَا قَالَ الإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ ] : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهَذَا يَلْزَمُهُمْ إذْ عَدَلُوا هَذَا الإِلْزَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ : إنَّ كُلَّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ , وَكُلُّ سَلَبٍ لاَ تَقُومُ لَقَاتَلَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ r وَنَصِّ قَوْلِهِ لاَ نَتَعَدَّاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد : وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إذَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ , فَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ عليه السلام وَاجِبَةً فَالسَّلَبُ حَقٌّ لِلْقَاتِلِ مَتَى قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ ، وَلاَ خِيرَةَ لأََحَدٍ لاَ إمَامٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ فِي خِلاَفِ ذَلِكَ , لِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ عليه السلام لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَبُ مِنْ حَقِّ الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : إنَّهُ لَهُ إذَا قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ , فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ وَأَيْنَ وَجَدُوا مَا يُوجِبُ قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ : فِي أَنَّ الإِمَامَ إذَا قَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ. كَانَ السَّلَبُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ , وَلاَ نُعْمَى عَيْنٍ لِلإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَحْرِيمًا أَوْ إيجَابًا. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً وَتَعَرِّيه مِنْ الدَّلِيلِ , وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ قَبْلَهُمْ لاَ ، عَنْ صَاحِبٍ , وَلاَ عَنْ تَابِعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 956 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ نَفَّلَ الإِمَامُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ مَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُ مِمَّنْ أَغْنَى ، عَنِ الْمُسْلِمِينَ , وَمِمَّنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَنْتَفِعُ بِهِنَّ أَهْلُ الْجَيْشِ , وَمَنْ قَاتَلَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ : فَحَسَنٌ. وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ مَنْ أَتَى بِمَغْنَمٍ فِي الدُّخُولِ رُبْعَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ , أَوْ ثُلُثَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ , لاَ أَكْثَرَ أَصْلاً : فَحَسَنٌ , لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لأََنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الْجَيْشِ , وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلُّهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ : سَمِعْت : أَبَا وَهْبٍ يَقُولُ ] : سَمِعْت مَكْحُولاً قَالَ : سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جَارِيَةَ سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ r نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ مَمْطُورٍ الْحَبَشِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَنْفُلُ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ لِي مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ نَفْلَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ الْخُمُسِ وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشُّعَبِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ الشَّامَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَأُنْفِلُكَ الثُّلُثَ مِنْ بَعْدِ الْخُمْسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : كَانَ النَّاسُ يُنَفِّلُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى إذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَفَّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قال أبو محمد : الْخُمُسُ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأََهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى , فَالنَّفَلُ مِنْهُ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ r خَاصَّةً , وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ , وَسَائِرُ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ , فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى إخْرَاجَهُ , أَوْ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r وَلَيْسَ إِلاَّ السَّلَبُ جُمْلَةً لِلْقَاتِلِ , وَتَنْفِيلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرُّبْعِ فَأَقَلَّ , أَوْ الثُّلُثِ فِي الْقُفُولِ فَأَقَلَّ. وَكَذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ أَنَسٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , لاَ نَفْلَ إِلاَّ بَعْدَ الْخُمْسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 957 - مَسْأَلَةٌ : وَتُقْسَمُ الْغَنَائِمُ كَمَا هِيَ بِالْقِيمَةِ ، وَلاَ تُبَاعُ , لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبَيْعِهَا , وَتُعَجَّلُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَتُقْسَمُ الأَرْضُ وَتُخَمَّسُ , كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ , وَلاَ فَرْقَ , فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ عَلَى تَرْكِهَا أَوْقَفَهَا الإِمَامُ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلاَ , وَمَنْ أَسْلَمَ نَصِيبَهُ كَانَ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى حَقِّهِ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك : تُبَاعُ الْغَنِيمَةُ وَتُقْسَمُ أَثْمَانُهَا وَتُوقَفُ الأَرْضُ ، وَلاَ تُقْسَمُ ، وَلاَ تَكُونُ مِلْكًا لأََحَدٍ. وقال أبو حنيفة : الإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ أَوْقَفَهَا , فَإِنْ أَوْقَفَهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ , وَلاَ تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. قال أبو محمد : يُبَيِّنُ مَا قلنا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَثْمَانِ مَا غَنِمْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقِ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ أَصَابُوا غَنَائِمَ فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ r بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَسَّمَ أَعْيَانَ الْغَنِيمَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا غَنِمُوا , فَبَيْعُ حُقُوقِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوَّلِهِمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ لاَ يَحِلُّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَإِنْ رَضِيَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ بِالْبَيْعِ إِلاَّ وَاحِدًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَى حَقَّهُ مِنْ عَيْنِ الْغَنِيمَةِ , وَيُبَاعُ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ قَالَ تَعَالَى لاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ فِي حُنَيْنٍ , وَبَدْرٍ , وَغَيْرِهِمَا , كَقَوْلِ عَلِيٍّ : إنَّهُ وَقَعَ لِي شَارِفٌ مِنْ الْمَغْنَمِ , وَكَوُقُوعِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ , وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ , وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ r كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ , وَقَعَتْ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولاَءَ جَارِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : أَكْرَهُ بَيْعَ الْخُمْسِ حَتَّى يُقْسَمَ , وَلاَ نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ مَطْلَ ذِي الْحَقِّ لِحَقِّهِ ظُلْمٌ , وَتَعْجِيلَ إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَرْضٌ , وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ : مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ , أَوْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ فَلاَ سَهْمَ لَهُ. قَالَ : فَلَوْ خَرَجُوا ، عَنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَحِقَ بِهِمْ مَدَدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ فَحَقُّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا ظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ ; بَلْ كُلُّ مَنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ الْغَنِيمَةِ , أَوْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا يُورَثُ عَنْهُ , وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهَلْ سُمِعَ بِظُلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ مَنْعِ مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ، وَلاَ غَنِمَ وَأَمَّا الأَرْضُ , فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا. فَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ , وَبِلاَلاً , وَغَيْرَهُمْ دَعَوْا إلَى قِسْمَةِ الأَرْضِ , وَأَنَّ عُمَرَ , وَعَلِيًّا , وَمُعَاذًا , وَأَبَا عُبَيْدَةَ , رَأَوْا إبْقَاءَهَا رَأْيًا مِنْهُمْ , وَإِذْ تَنَازَعُوا فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَوَجَدْنَا مَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا افْتَتَحْت قَرْيَةَ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْبَرَ. قال أبو محمد : وَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا : إقْرَارُ عُمَرَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَسَّمَ خَيْبَرَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ t أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لأَخِرِ الْمُسْلِمِينَ , وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ أَنْظَرَ لأََوَّلِ الْمُسْلِمِينَ وَلأَخِرِهِمْ مِنْ عُمَرَ , فَمَا رَأَى هَذَا الرَّأْيَ ; بَلْ أَبْقَى لأَخِرِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَبْقَى لأََوَّلِهِمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , فأما الْغَنِيمَةُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ , وَأَبْقَى لَهُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاهُمْ , وَالتِّجَارَةَ , وَالْمَاشِيَةَ , وَالْحَرْثَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرَ الزُّبَيْرُ , وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقُّ بِالأَتِّبَاعِ مِنْ بَعْضٍ ; فَحَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ t مَا ظَنُّوهُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , وَلَكَانَ رَأْيًا مِنْهُ غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ , وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَكَيْفَ وَعُمَرُ قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وهذا الخبر مِنْ عُمَرَ يُكَذِّبُ كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُقَسِّمْ خَيْبَرَ كُلَّهَا , فَهُمْ دَأَبًا يَسْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِ قَوْلِ عُمَرَ نَصْرًا لِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ وَظَنِّهِمْ الْكَاذِبِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لاَ تُفْتَحُ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْبَرَ , فَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ عُمَرَ إلَى الْقِسْمَةِ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا , وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّهَا وَدِينَارَهَا , وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ. قَالُوا : فَهَذَا هُوَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى الأَرْضِ , وَهُوَ يُوجِبُ إيقَافَهَا. قال أبو محمد : وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْخَبَرِ بِالْبَاطِلِ وَادِّعَاءٌ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ بِلاَ نَصٍّ ، وَلاَ دَلِيلٍ , وَلاَ يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَطْ , أَوْ قَدْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَ r عَنِ الْجِزْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ إذَا فُتِحَتْ وَهُوَ قَوْلُنَا لأََنَّ الْجِزْيَةَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَلاَ نَصَّ يُوجِبُ الْخَرَاجَ الَّذِي يَدَّعُونَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْذَارٌ مِنْهُ عليه السلام بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي آخِرِ الأَمْرِ , وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَمْنَعُونَ حُقُوقَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ وَيَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا , وَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ قَدْ ظَهَرَ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ قال أبو محمد : فَإِذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فَلْنَذْكُرْ الآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا صَارَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ مَالٍ , أَوْ أَرْضٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَقَالَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ ، عَنْ سَالِمِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ " أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا , وَلاَ فِضَّةً إنَّمَا غَنِمْنَا الإِبِلَ , وَالْبَقَرَ , وَالْمَتَاعَ , وَالْحَوَائِطَ ". فَصَحَّ أَنَّ الْحَوَائِطَ , وَهِيَ : الضِّيَاعُ , وَالْبَسَاتِينُ : مَغْنُومَةٌ كَسَائِرِ الْمَتَاعِ فَهِيَ مُخَمَّسَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَالْمُخَمَّسُ مَقْسُومٌ بِلاَ خِلاَفٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا , وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا , وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ , ثُمَّ هِيَ لَكُمْ وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ مَحِيصَ عَنْهُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ r قَسَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ , وَخَيْبَرَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ : أَنَّ مَالِكًا قَلَّدَ هَاهُنَا عُمَرَ , ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَقْفٌ , فَلَمْ يُخْبِرْ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي خَرَاجِهَا , وَأَقَرَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي فِعْلَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ , فَهَلْ فِي الأَرْضِ أَعْجَبُ مِنْ جَهَالَةٍ تُجْعَلُ حُجَّةً وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ جَاءَتْ ، عَنْ عُمَرَ , وَتَرَكَ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ , وَتَحَكَّمُوا فِي الْخَطَأِ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَقَدْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الإِيصَالِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ ] فَكَيْفَ وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ الصَّحِيحَةُ هِيَ قَوْلُنَا كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ فَأَخَذُوا سَنَتَيْنِ , أَوْ ثَلاَثًا , فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , فَقَالَ عُمَرُ : يَا جَرِيرُ لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ , وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ , فَقَالَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْبَجَلِيَّةُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ أَبِي هَلَكَ وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ وَإِنِّي لَمْ أُسْلِمْ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ : يَا أُمَّ كُرْزٍ إنَّ قَوْمَك قَدْ صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْت , فَقَالَتْ : إنْ كَانُوا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَإِنِّي لَسْت أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلاَُ كَفَّيَّ ذَهَبًا. فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ , فَكَانَتْ الذَّهَبُ نَحْوَ ثَمَانِينَ دِينَارًا , فَهَذَا أَصَحُّ مَا جَاءَ ، عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا , فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى اسْتَطَابَ نُفُوسَ الْغَانِمِينَ وَوَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ; وَهَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ , وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ تَخْمِيسِهِ السَّلَبَ وَإِمْضَائِهِ سَائِرَهُ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ ، عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالاَ : إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذْنَا مِنْهُ خَرَاجَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ أُلَّيْسٍ أَسْلَمَا فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنْ يَرْفَعَ الْجِزْيَةَ ، عَنْ رُءُوسِهِمَا وَأَنْ يَأْخُذَ الطَّسْقَ مِنْ أَرْضَيْهِمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دُهْقَانَةَ مِنْ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ فَقَالَ عُمَرُ : ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ. نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الرَّفَيْلَ دُهْقَانَ النَّهْرَيْنِ أَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي أَلْفَيْنِ , وَوَضَعَ ، عَنْ رَأْسِهِ الْجِزْيَةَ , وَأَلْزَمَهُ خَرَاجَ أَرْضِهِ. فإن قيل : حَدِيثُ ابْنِ عَوْنٍ مُرْسَلٌ قلنا : سُبْحَانَ اللَّهِ وَإِذْ رُوِيَ الْمُرْسَلُ ، عَنْ مُعَاذٍ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ كَانَ حُجَّةً وَالآنَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. 958 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إِلاَّ الإِسْلاَمُ , أَوْ السَّيْفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَاشَا أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً , وَهُمْ الْيَهُودُ , وَالنَّصَارَى , وَالْمَجُوسُ فَقَطْ , فَإِنَّهُمْ إنْ أَعْطُوا الْجِزْيَةَ أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الصَّغَارِ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا مِنْ الْعَرَبِ خَاصَّةً فَالإِسْلاَمُ أَوْ السَّيْفُ. وَأَمَّا الأَعَاجِمُ فَالْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ , وَيُقَرُّ جَمِيعَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ. قال أبو محمد : هَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ , وَقَالَ تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى عَرَبِيًّا مِنْ عَجَمِيٍّ فِي كِلاَ الْحُكْمَيْنِ. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ ; فَصَحَّ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا خَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ r كِتَابَ رَبِّهِ تَعَالَى. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِنْ قَوْلِهِ : إنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ثُمَّ تُؤَدِّي إلَيْهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا ; لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ , وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَمِ لاَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ , وَأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا عَنَى بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ بَعْضَ الْعَجَمِ لاَ كُلَّهُمْ , وَبَيَّنَ تَعَالَى مَنْ هُمْ , وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ عليه السلام : تُؤَدِّي إلَيْكُمْ الْجِزْيَةَ وَلَوْ قَلَبُوا لاََصَابُوا وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ. وَقَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ . فَقُلْنَا : أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الْعَرَبَ الْوَثَنِيِّينَ يُكْرَهُونَ عَلَى الإِسْلاَمِ , وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يُكْرَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ r أَكْرَهَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى الإِسْلاَمِ.فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُكْرِهَهُ , وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 959 - مَسْأَلَةٌ : وَالصَّغَارُ هُوَ أَنْ يَجْرِيَ حُكْمُ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِمْ , وَأَنْ لاَ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ , وَلاَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ r لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ , وَيَجْمَعُ الصَّغَارَ شُرُوطُ عُمَرَ t عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ نَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبِيعُ بْنُ تَغْلِبَ نَا يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَيْزَارِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ : كَتَبْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ : أَنْ لاَ يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ ، وَلاَ مَا حَوْلَهَا دَيْرًا , وَلاَ كَنِيسَةً , وَلاَ قَلِيَّةً ، وَلاَ صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ , وَلاَ يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا , وَلاَ يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُطْعِمُونَهُمْ , وَلاَ يُؤْوُوا جَاسُوسًا , وَلاَ يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يُعَلِّمُوا أَوْلاَدَهُمْ الْقُرْآنَ , وَلاَ يُظْهِرُوا شِرْكًا , وَلاَ يَمْنَعُوا ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنْ الإِسْلاَمِ إنْ أَرَادُوهُ , وَأَنْ يُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ , وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ , وَلاَ يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ : فِي قَلَنْسُوَةٍ , وَلاَ عِمَامَةٍ , وَلاَ نَعْلَيْنِ , وَلاَ فَرْقِ شَعْرٍ , وَلاَ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ , لاَ يَرْكَبُوا سُرُجًا , وَلاَ يَتَقَلَّدُوا سَيْفًا , وَلاَ يَتَّخِذُوا شَيْئًا مِنْ السِّلاَحِ , وَلاَ يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ , وَلاَ يَبِيعُوا الْخُمُورَ , وَأَنْ يَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ , وَأَنْ يَلْزَمُوا زِيَّهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا , وَأَنْ يَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ , وَلاَ يُظْهِرُوا صَلِيبًا ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ , وَلاَ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا إِلاَّ ضَرْبًا خَفِيفًا , وَلاَ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ يُخْرِجُوا سَعَانِينَ ، وَلاَ يَرْفَعُوا مَعَ مَوْتَاهُمْ أَصْوَاتَهُمْ , وَلاَ يُظْهِرُوا النِّيرَانَ مَعَهُمْ , وَلاَ يَشْتَرُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شَرَطُوهُ فَلاَ ذِمَّةَ لَهُمْ , وَقَدْ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا : أَنْ لاَ يُجَاوِرُونَا بِخِنْزِيرٍ. قال أبو محمد : وَمِنْ الصَّغَارِ أَنْ لاَ يُؤْذُوا مُسْلِمًا , وَلاَ يَسْتَخْدِمُوهُ , وَلاَ يَتَوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ يَجْرِي لَهُمْ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى مُسْلِمٍ . 960 - مَسْأَلَةٌ وَالْجِزْيَةُ لاَزِمَةٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْعَبْدِ , وَالذَّكَرِ , وَالأُُنْثَى , وَالْفَقِيرِ الْبَاتِّ , وَالْغَنِيِّ الرَّاهِبِ سَوَاءٌ مِنْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الدِّينَ لاَزِمٌ لِلنِّسَاءِ كَلُزُومِهِ لِلرِّجَالِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ , عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ عُتَقَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وقال مالك : لاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ , أَوْ كَافِرٌ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ مَالِكٍ حُجَّةً أَصْلاً. فإن قيل : قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ t أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي إِلاَّ النِّسَاءَ قلنا : أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ فَأَسْقَطْتُمُوهَا ، عَنِ الْمُعْتَقِينَ , وَالرُّهْبَانِ , وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ مُرْسَلَةٌ وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ قال أبو محمد عَلَى هَذَا الإِسْنَادِ عَوَّلُوا فِي أَخْذِ التَّبِيعِ مِنْ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْمُسِنَّةِ مِنْ الأَرْبَعِينَ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرٌ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي غَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ : مَنْ كَرِهَ الإِسْلاَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ , أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ لاَ يُحَوَّلُ ، عَنْ دِينِهِ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ , أَوْ أُنْثَى , حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ : دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عَرَضِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ : فِي الْحَالِمِ , أَوْ الْحَالِمَةِ دِينَارٌ , أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ قال أبو محمد : الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ : إنَّ الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ إذَا وَافَقَهُمْ , فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا هَاهُنَا بِهَا فَلاَ مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ , وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا مُعَوَّلُنَا عَلَى عُمُومِ الآيَةِ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ قلنا : فَلاَ تَأْخُذُوهَا مِنْ الْمَرْضَى , وَلاَ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ بِلاَدِ الْكُفْرِ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَأَسْوَاقَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا. فَإِنْ قَالُوا : أَوَّلُ الآيَةِ قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قلنا : نَعَمْ , أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ إنْ قَاتَلُونَا حَتَّى يُعْطِيَ جَمِيعُهُمْ الْجِزْيَةَ ، عَنْ يَدٍ كَمَا فِي نَصِّ الآيَةِ ; لأََنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُقِيمُونَ أَضْعَافَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ مَقَامَ الْجِزْيَةِ , ثُمَّ يَضَعُونَهَا عَلَى النِّسَاءِ , ثُمَّ يَأْبَوْنَ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ نَهَى عُمَرُ ، عَنْ أَخْذِهَا مِنْ النِّسَاءِ قلنا : قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ الأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ , وَفِي أَلْفِ قَضِيَّةٍ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا , فَلاَ نَدْرِي مَتَى هُوَ عُمَرُ حُجَّةٌ , وَلاَ مَتَى هُوَ لَيْسَ حُجَّةً فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كُذِّبُوا , وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَجِدُوا نَهْيًا ، عَنْ ذَلِكَ ، عَنْ غَيْرِ عُمَرَ وَمَسْرُوقٌ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَاهَدَ حُكْمَهُ بِالْيَمَنِ , وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ r خَاطَبَهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخَالِفَ مُعَاذٌ مَا كَتَبَ إلَيْهِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : يُقَاتَلُ أَهْلُ الأَوْثَانِ عَلَى الإِسْلاَمِ , وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْجِزْيَةِ , وَهَذَا عُمُومٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا. وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِيٍّ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ : فَالإِسْلاَمُ , أَوْ الْقَتْلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ] ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ , وَلاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَبْقَى مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ لاَ يُسْلِمُ , وَلاَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ , وَلاَ يُقْتَلُ ; لأََنَّهُ خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الأُُمَّةِ فِي النِّسَاءِ مُكَلَّفَاتٍ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ وَمُفَارَقَةِ الْكُفْرِ مَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , فَلاَ يَحِلُّ إبْقَاؤُهُنَّ عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ قَتْلٍ ، وَلاَ جِزْيَةٍ. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَا قَدْ ] ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ , وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ , وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ , وَيُؤْمِنُوا بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ , إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمَ كُلَّهَا هِيَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هِيَ عَلَى الرِّجَالِ , وَأَنَّ أَمْوَالَهُنَّ فِي الْكُفْرِ مَغْنُومَةٌ كَأَمْوَالِ الرِّجَالِ ; فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُنَّ لاَ يَعْصِمْنَ دِمَاءَهُنَّ وَأَمْوَالَهُنَّ إِلاَّ بِمَا يَعْصِمُ الرِّجَالُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ , أَوْ الْجِزْيَةِ إنْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 961 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لاَ فِي عَسْكَرٍ ، وَلاَ فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ. وقال مالك : إنْ كَانَ عَسْكَرٌ مَأْمُونٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , وَقَدْ يُهْزَمُ الْعَسْكَرُ الْمَأْمُونُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r فَيُخَصُّ بِلاَ نَصٍّ. 962 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَحِلُّ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ أَحْكَامُهُمْ تَجْرِي عَلَى التُّجَّارِ , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ إلَيْهِمْ سِلاَحٌ , وَلاَ خَيْلٌ , وَلاَ شَيْءٌ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَعَطَاءٍ , وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَغَيْرِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قال أبو محمد : مَنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ لِغَيْرِ جِهَادٍ , أَوْ رِسَالَةٍ مِنْ الأَمِيرِ فَإِقَامَةُ سَاعَةٍ إقَامَةٌ , قَالَ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَقَالَ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ فَفَرَضَ عَلَيْنَا إرْهَابَهُمْ , وَمَنْ أَعَانَهُمْ بِمَا يَحْمِلُ إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْهِبْهُمْ ; بَلْ أَعَانَهُمْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. 963 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا غَنِمَ جَيْشٌ , أَوْ سَرِيَّةٌ شَيْئًا خَيْطًا فَمَا فَوْقَهُ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا اُضْطُرُّوا إلَى أَكْلِهِ وَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا غَيْرَهُ. وَأَمَّا مَا يُقْدَرُ عَلَى حَمْلِهِ فَجَائِزٌ إفْسَادُهُ وَأَكْلُهُ , وَإِنْ لَمْ يُضْطَرُّوا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا مَلَكُوهُ , وَأَمَّا مَا لَمْ يَمْلِكُوهُ مِنْ صَيْدٍ , أَوْ حَجَرٍ , أَوْ عَوْدِ شَعْرٍ , أَوْ ثِمَارٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَهُوَ كُلُّهُ مُبَاحٌ كَمَا هُوَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ ، وَلاَ فَرْقَ , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ : مِدْعَمٌ , حَتَّى إذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ ; فَقَالَ النَّاسُ : هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا ; فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ , أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ لَهُ عليه السلام : شِرَاكٌ , أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ وَالطَّعَامُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ ذَكَر ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ غَنِمَ جَيْشٌ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ r طَعَامًا وَعَسَلاً فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ فَهَذَا عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنْ كَثُرَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ خُمِّسَ ، وَلاَ بُدَّ , وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الآيَةَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَهِيَ قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى. وَحَدِيثُ الْغُلُولِ زَائِدٌ عَلَيْهِ , فَيَخْرُجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمْسِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ هَذَا ; لأََنَّ الأَخْذَ بِالزَّائِدِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الآيَةَ , وَحَدِيثَ الْغُلُولِ غَيْرُ مَنْسُوخَيْنِ مُذْ نَزَلاَ. فَإِنْ ذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعِنَبَ وَالْعَسَلَ فَنَأْكُلُهُ ، وَلاَ نَرْفَعُهُ " فَهَذَا بَيِّنٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ ; إذْ لَمْ يَرْفَعُوهُ فَأَكْلُهُ خَيْرٌ مِنْ إفْسَادِهِ , أَوْ تَرْكِهِ , وَهَكَذَا نَقُولُ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مُغَفَّلٍ فِي جِرَابِ الشَّحْمِ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَقُولُونَ : لاَ يَحِلُّ أَخْذُ الْجِرَابِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الشَّحْمُ فَقَطْ. وَهَذَا خَبَرٌ قَدْ رُوِّينَاهُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ , وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ : نَا شُعْبَةُ ، عَنْ حَمِيدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَدُلِّيَ إلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَنَوَيْنَا أَنْ لاَ نُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ r خَلْفِي يَبْتَسِمُ , فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ آخُذَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ نَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَمًا وَالنَّبِيُّ r فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجَّلُوا فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ r بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ , ثُمَّ قَسَّمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ أَكْلَ شَيْءٍ إذْ قَدْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قَدْ حَضَرَتْ فَيَصِلُ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

964 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِإِذْنِ الإِمَامِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَالْخُمْسُ فِيمَا أُصِيبَ , وَالْبَاقِي لِمَنْ غَنِمَهُ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ , 

وَقَوْله تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ. وقال أبو حنيفة : لاَ خُمُسَ إِلاَّ فِيمَا أَصَابَتْهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ : تِسْعَةٌ فَأَكْثَرُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَتِهَا الْقُرْآنَ , وَالسُّنَنَ , وَالْمَعْقُولَ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فَلَمْ يَخُصَّ بِأَمْرِ الإِمَامِ ، وَلاَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا نَهَى ، عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوَجَبَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي ذَلِكَ , لأََنَّهُ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ ، وَلاَ طَاعَةَ لَهُ. وَقَالَ تَعَالَى فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَهَذَا خِطَابٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , فَكُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِالْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ , وَقَالَ تَعَالَى انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً , وَقَالَ تَعَالَى فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا. 965 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. 966 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ لَيْلاً , وَمَنْ قَدِمَ لَيْلاً فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ نَهَارًا إِلاَّ لِعُذْرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ يَسَارٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلاَ يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ، عَنْ يَسَارٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ فَذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ عليه السلام : أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ 967 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُقَلَّدَ الإِبِلُ فِي أَعْنَاقِهَا شَيْئًا , وَلاَ أَنْ يُسْتَعْمَلُ الْجَرَسُ فِي الرِّفَاقِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ عليه السلام رَسُولاً : لاَ تُبْقِيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةً مِنْ وَتَرٍ , أَوْ قِلاَدَةً إِلاَّ قَطَعْتَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ , أَوْ جَرَسٌ. وَصَحَّ النَّهْيُ ، عَنِ الْجَرَسِ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْي ، عَنْ تَقْلِيدِ أَعْنَاقِ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا أَثَرٌ0 968- مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ تَحْلِيَةُ السُّيُوفِ , وَالدَّوَاةِ , وَالرُّمْحِ , وَالْمَهَامِيزِ , وَالسُّرُجِ , وَاللِّجَامِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ الذَّهَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا فَأَبَاحَ لَنَا لِبَاسَ اللُّؤْلُؤِ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾.

وَقَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ , فَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ حَلاَلٌ إِلاَّ مَا فُصِّلَ لَنَا تَحْرِيمُهُ وَلَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُ الْفِضَّةِ أَصْلاً إِلاَّ فِي الآنِيَةِ فَقَطْ. 

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ نَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ r فِضَّةً قال أبو محمد : فَقَاسَ قَوْمٌ عَلَى السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ الْمُصْحَفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَمَنَعُوا مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ ; فَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا ، وَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعُوا. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي السُّرُجِ وَاللِّجَامِ ، وَلاَ نَهْيَ فِي ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِمْ لِبَاسَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ , وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ جُمْلَة. 969 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ حَسَنٌ , وَلاَ يَحِلُّ الرِّبَاطُ إلَى مَا لَيْسَ ثَغْرًا كَانَ فِيمَا مَضَى ثَغْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِدْعَةٌ عَظِيمَةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بَهْرَامُ الدَّارِمِيُّ نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ سَمِعْتُ : رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ , وَإِنَّ مَنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ , وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ , وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ. قال أبو محمد : وَكُلُّ مَوْضِعٍ سِوَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَدْ كَانَ ثَغْرًا وَدَارَ حَرْبٍ , وَمَغْزَى جِهَادٍ ; فَتَخْصِيصُ مَكَان مِنْ الأَرْضِ كُلِّهَا بِالْقَصْدِ لأََنَّ الْعَدُوَّ ضَرَبَ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الأَرْضِ كُلِّهَا ضَلاَلٌ , وَحُمْقٌ , وَإِثْمٌ , وَفِتْنَةٌ , وَبِدْعَةٌ. فَإِنْ كَانَ لِمَسْجِدٍ فِيهِ فَهَذَا أَشَدُّ فِي الضَّلاَلِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ r عَنِ السَّفَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ حَاشَا مَسْجِدَ مَكَّةَ , وَمَسْجِدَهُ بِالْمَدِينَةِ , وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَإِنْ كَانَ سَاحِلَ بَحْرٍ فَسَاحِلُ الْبَحْرِ كُلِّهِ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا سَوَاءٌ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ سَاحِلِ بَحْرٍ وَسَاحِلِ نَهْرٍ فِي الدِّينِ , وَلاَ فَضْلَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَثَرُ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَالْقَصْدُ إلَيْهِ حَسَنٌ , قَدْ تَبَرَّكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r بِمَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَاسْتَدْعُوهُ لِيُصَلِّيَ فِي بُيُوتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَّخِذُونَهُ مُصَلًّى فَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ عليه السلام . 970 - مَسْأَلَةٌ : وَتَعْلِيمُ الرَّمْي عَلَى الْقَوْسِ وَالإِكْثَارُ مِنْهُ فَضْلٌ حَسَنٌ سَوَاءٌ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ فَلاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِسَهْمِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ , ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى 971 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ , وَعَلَى الأَقْدَامِ : حَسَنٌ , وَالْمُنَاضَلَةُ بِالرِّمَاحِ , وَالنَّبَلِ , وَالسُّيُوفِ : حَسَنٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ r فِي سَفَرٍ قَالَتْ سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِي فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي , فَقَالَ : هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي حَافِرٍ , أَوْ خُفٍّ , أَوْ نَصْلٍ. قال أبو محمد : الْخُفُّ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الإِبِلِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالْحَافِرُ فِي اللُّغَةِ لاَ يَقَعُ إِلاَّ عَلَى الْخَيْلِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ. وَالنَّصْلُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ عَلَى السَّيْفِ , وَالرُّمْحِ , وَالنَّبْلِ. وَالسَّبَقُ هُوَ مَا يُعْطَاهُ السَّابِقُ. 972 - مَسْأَلَةٌ : وَالسَّبَقُ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ الأَمِيرُ , أَوْ غَيْرُهُ مَالاً يَجْعَلُهُ لِمَنْ سَبَقَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ , فَهَذَا حَسَنٌ. وَيُخْرِجُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مَالاً فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ : إنْ سَبَقْتنِي فَهُوَ لَك , وَإِنْ سَبَقْتُك فَلاَ شَيْءَ لَك عَلَيَّ , وَلاَ شَيْءَ لِي عَلَيْك , فَهَذَا حَسَنٌ. فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَجُوزَانِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ، وَلاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ فِي سَبَقٍ غَيْرِ هَذَا أَصْلاً لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالاً يَكُونُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ أَصْلاً إِلاَّ فِي الْخَيْلِ فَقَطْ. ثُمَّ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا إِلاَّ بِأَنْ يُدْخِلاَ مَعَهَا فَارِسًا عَلَى فَرَسٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا , وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ يَسْبِقَهُمَا , وَلاَ يُخْرِجُ هَذَا الْفَارِسُ مَالاً أَصْلاً فَأَيُّ الْمُخْرِجَيْنِ لِلْمَالِ سَبَقَ أَمْسَكَ مَالَهُ نَفْسَهُ وَأَخَذَ مَا أَخْرَجَ صَاحِبُهُ حَلاَلاً , وَإِنْ سَبَقَهُمَا الْفَارِسُ الَّذِي أَدْخَلاَ وَهُوَ يُسَمَّى الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ سُبِقَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَا عَدَا هَذَا فَحَرَامٌ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى السَّابِقِ إطْعَامُ مَنْ حَضَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ يَعْنِي وَهُوَ لاَ يُؤْمِنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ , وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ. قال أبو محمد : مَا عَدَا هَذَا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. كِتَابُ الأَضَاحِيِّ. 973 - مَسْأَلَةٌ : الأُُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ , وَلَيْسَتْ فَرْضًا , وَمَنْ تَرَكَهَا غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهَا فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ ضَحَّى ، عَنْ امْرَأَتِهِ , أَوْ وَلَدِهِ , أَوْ أَمَتِهِ فَحَسَنٌ , وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ , لاَ بِحَلْقٍ , وَلاَ بِقَصٍّ ، وَلاَ بِنُورَةٍ ، وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ , وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو نَا عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ : سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَأَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ , وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ الْبَلْخِيّ ثِقَةٌ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ ابْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ رَأَى هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ. فَقَوْلُهُ عليه السلام : " فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بُرْهَانٌ بِأَنَّ الأُُضْحِيَّةَ مَرْدُودَةٌ إلَى إرَادَةِ الْمُسْلِمِ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ فَرْضًا. وقال أبو حنيفة : الأُُضْحِيَّةُ فَرْضٌ , وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُضَحِّيَ ، عَنْ زَوْجَتِهِ فَجَمَعَ وُجُوهًا مِنْ الْخَطَأِ , أَوَّلُهَا : إيجَابُهَا عَلَيْهِ , ثُمَّ إيجَابُهَا عَلَى امْرَأَتِهِ ; وَإِذْ هِيَ فَرْضٌ فَهِيَ كَالزَّكَاةِ , وَمَا يَلْزَمُ أَحَدٌ أَنْ يُزَكِّيَ ، عَنْ امْرَأَتِهِ , وَلاَ أَنْ يُهْدِيَ عَنْهَا هَدْيَ مُتْعَةٍ , وَلاَ جَزَاءَ صَيْدٍ , وَلاَ فِدْيَةَ حَلْقِ الرَّأْسِ مِنْ الأَذَى. ثُمَّ خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ r مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ , وَلاَ مِنْ ظُفْرِهِ شَيْئًا كَمَا ذَكَرْنَا. فإن قيل : كَيْفَ لاَ تَكُونُ فَرْضًا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ : أَنْ لاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ , وَلاَ مِنْ ظُفْرِهِ إذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ قلنا : نَعَمْ , لأََنَّهُ r أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ , وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالأُُضْحِيَّةِ , فَلَمْ نَتَعَدَّ مَا حَدَّ , وَكُلُّ سُنَّةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا , فَإِنَّ لَهَا حُدُودًا مَفْرُوضَةً لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِهَا كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَلاَةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَلَّا يُصَلِّيَهَا إِلاَّ بِوُضُوءٍ , وَإِلَى الْقِبْلَةِ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا , وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا وَيَرْكَعَ , وَيَسْجُدَ , وَيَجْلِسَ ، وَلاَ بُدَّ , وَكَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَيْسَ صَوْمًا. وَهَكَذَا كُلُّ تَطَوُّعٍ فِي الدِّيَانَةِ , وَالأُُضْحِيَّةُ كَذَلِكَ إنْ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ وَإِلَّا فَهِيَ شَاةُ لَحْمٍ وَلَيْسَتْ أُضْحِيَّةً. فإن قيل : فَقَدْ جَاءَ مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ , وَلَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ عليه السلام دَلِيلاً عِنْدَكُمْ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ فَرْضًا , بَلْ هِيَ عِنْدَكُمْ فَرْضٌ قلنا : نَعَمْ , لأََنَّهُ قَدْ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِإِيجَابِ الْوَصِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ الآيَةَ فَأَخَذْنَا بِهَذَا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ الأُُضْحِيَّةِ , وَلَوْ جَاءَ لاََخَذْنَا بِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ أَبِي رَمْلَةَ ، عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ بِعَرَفَةَ : إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَى وَعَتِيرَةً , أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ بِعَرَفَةَ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أَنْ يَذْبَحُوا فِي كُلِّ رَجَبٍ شَاةً وَفِي كُلِّ أَضْحَى شَاةً. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ نَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ نَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ كَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَنْ شَاءَ فَرَّعَ , وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ وَمَنْ شَاءَ عَتَرَ , وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ , وَفِي الْغَنَمِ أُضْحِيَّتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الطَّبَرِيِّ أَيْضًا : حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى حَدَّثَتْنِي أُمِّي ، عَنْ أُمِّ بِلاَلٍ الأَسْلَمِيَّةِ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : أُمِرْتُ بِالأَضْحَى وَلَمْ تُكْتَبْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنِ ابْنِ أَنْعُمٍ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الضَّبِّيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُ أَنْ نُضَحِّيَ وَيَأْمُرُ أَنْ نُطْعِمَ مِنْهَا الْجَارَ وَالسَّائِلَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الرَّبِيعُ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِالأَضْحَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلْيُضَحِّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ هُرْمُزٍ الأَعْرَجُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبْ مُصَلَّانَا وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَمَّا حَدِيثُ مِخْنَفٍ فَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ الْغَامِدِيِّ , وَحَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ فَهُوَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِيهِ وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ بِلاَلٍ فَفِيهِ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى هِيَ مَجْهُولَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ فَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ , وَابْنُ أَنْعُمٍ وَكِلاَهُمَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ فَمُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكِلاَ طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالثِّقَةِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فَقَالُوا : هُوَ الأُُضْحِيَّةُ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَقَالَ تَعَالَى وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ وَضَعَ الْيَدَ عِنْدَ النَّحْرِ فِي الصَّلاَةِ , وَلَعَلَّهُ نَحْرُ الْبُدْنِ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ. كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ : إنَّهَا الأَضَاحِيُّ. وَذَكَرُوا أَيْضًا قوله تعالى : وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا وَهَذَا لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْفَرْضِ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النُّسُكَ لَنَا فَهُوَ فَضْلٌ لاَ فَرْضٌ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ ذَبْحًا , وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا أَمْرُهُ عليه السلام بِإِعَادَةِ الذَّبْحِ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ لأََنَّهُ أَمْرٌ مِنْهُ عليه السلام , وَلاَ نَكِرَةَ فِي وُجُودِ أَمْرٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ فَرْضًا وَيَكُونُ الْعِوَضُ مِنْهُ فَرْضًا فَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِيَوْمٍ لَيْسَ فَرْضًا فَأَفْطَرَ عَمْدًا أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَرْضٌ. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ حَجَّ تَطَوُّعًا فَأَفْسَدَهُ : أَنَّ قَضَاءَهُ فَرْضٌ , وَإِنَّمَا يُرَاعِي أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرَ رَسُولِهِ r فَمَا وُجِدَ فِيهِ فَهُوَ فَرْضٌ , وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَلَيْسَ فَرْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرَ فَرْضٍ صِحَّةُ الإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ ضَحَّى بِبَعِيرٍ فَنَحَرَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضًا أَنْ يَذْبَحَ فَصَحَّ أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إيجَابَ الأُُضْحِيَّةِ : مُجَاهِدٌ , وَمَكْحُولٌ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ : لَمْ يَكُونُوا يُرَخِّصُونَ فِي تَرْكِ الأُُضْحِيَّةِ إِلاَّ لِحَاجٍّ , أَوْ مُسَافِرٍ. وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلاَ يَصِحُّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ الْغِفَارِيِّ قَالَ : لَقَدْ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَدْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَدَعَ الأُُضْحِيَّةَ وَإِنِّي لَمِنْ أَيْسَرِكُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَحْسِبَ النَّاسُ أَنَّهَا حَتْمٌ وَاجِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو الأَحْوَصِ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : قَالَ لِي بِلاَلٌ : مَا كُنْت أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ , وَلاََنْ آخُذَ ثَمَنَ الأُُضْحِيَّةِ فَأَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ مُقْتِرٍ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الأُُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ حُوَيْصٍ الأَزْدِيُّ قَالَ : ضَلَّتْ أُضْحِيَّتِي قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَهَا فَسَأَلْت ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لاَ يَضُرُّك هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ : وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدِينِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ : اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَمَنْ لَقِيَك فَقُلْ : هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. قال أبو محمد : لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الأُُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ. وَصَحَّ أَنَّ الأُُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَ، أَنَّهُ قَالَ : لاََنْ أَتَصَدَّقَ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَعَنْ عَطَاءٍ , وَعَنِ الْحَسَنِ , وَعَنْ طَاوُوس , وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَلْقَمَةَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. 974 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجْزِي فِي الأُُضْحِيَّةِ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا , بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ , مَشَتْ أَوْ لَمْ تَمْشِ. وَلاَ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْجَرَبُ مَرَضٌ فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا لاَ يَبِينُ أَجْزَأَ. وَلاَ تَجْزِي الْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي ، وَلاَ تَجْزِي الَّتِي فِي أُذُنِهَا شَيْءٌ مِنْ النَّقْصِ أَوْ الْقَطْعِ , أَوْ الثَّقْبِ النَّافِذِ , وَلاَ الَّتِي فِي عَيْنِهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَيْبِ , أَوْ فِي عَيْنَيْهَا كَذَلِكَ , وَلاَ الْبَتْرَاءُ فِي ذَنَبِهَا. ثُمَّ كُلُّ عَيْبٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهَا تَجْزِي بِهِ الأُُضْحِيَّةُ كَالْخَصْيِ , وَكَسْرِ الْقَرْنِ دَمِيَ , أَوْ لَمْ يَدْمَ وَالْهَتْمَاءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الأَلْيَةِ , وَغَيْرُ ذَلِكَ لاَ تَحَاشَّ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ , وَيَحْيَى الْقَطَّانِ , وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ كُلِّهِمْ : نَا شُعْبَةُ سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِي فِي الأَضَاحِيِّ : الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا , وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا , وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا , وَالْكَسِيرُ الَّتِي لاَ تُنْقِي. قَالَ الْبَرَاءُ : فَمَا كَرِهْت مِنْهُ فَدَعْهُ , وَلاَ تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ عَلِيٌّ : الَّتِي لاَ تُنْقِي هِيَ الَّتِي لاَ شَيْءَ مِنْ الشَّحْمِ لَهَا , فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَجْفَاءَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُُذُنَ وَأَنْ لاَ نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ , وَلاَ بِمُدَابَرَةٍ , وَلاَ بَتْرَاءَ , وَلاَ خَرْقَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ , وَالأُُذُنَ , وَلاَ نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ , وَلاَ مُقَابَلَةٍ , وَلاَ مُدَابَرَةٍ , وَلاَ خَرْقَاءَ , وَلاَ شَرْقَاءَ. قَالَ زُهَيْرٌ : قُلْت لأََبِي إِسْحَاقَ : مَا الْمُقَابَلَةُ قَالَ : تَقْطَعُ طَرَفَ الأُُذُنِ , قُلْت : فَمَا الْمُدَابَرَةُ قَالَ تَقْطَعُ مُؤَخِّرَ الأُُذُنِ , قُلْت فَمَا الشَّرْقَاءُ قَالَ : تَشُقُّ الأُُذُنَ , قُلْت : فَمَا الْخَرْقَاءُ قَالَ : تَخْرِقُ أُذُنَهَا السِّمَةُ. نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيّ نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ نَا أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ نَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الأَضَاحِيِّ قَالَ قَيْسٌ : قُلْت لأََبِي إِسْحَاقَ : سَمِعْته مِنْ شُرَيْحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : نَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ فَارِسٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيل الْبُخَارِيِّ مُؤَلِّفِ الصَّحِيحِ قَالَ شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ الصَّايِدِيُّ : سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ، وَوَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَشْوَعَ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ : سَلِيمَةُ الْعَيْنِ وَالأُُذُنِ وَسَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ. فَصَحَّ هَذَا الْخَبَرُ ,. وَبِهِ يَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَذَا وَقَالَ فِي الأُُضْحِيَّةِ : لاَ مُقَابَلَةَ , وَلاَ مُدَابَرَةَ , وَلاَ شَرْقَاءَ , سَلِيمَةُ الْعَيْنِ وَالأُُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَلِيمُ الْعَيْنِ وَالأُُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الأُُضْحِيَّةِ أَنَّهُ كَرِهَ نَاقِصَ الْخَلْقِ وَالسِّنِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالأَبْتَرِ. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالأَبْتَرِ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالأَبْتَرِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يُضَحَّى بِالأَبْتَرِ , وَاحْتَجُّوا بِأَثَرَيْنِ رَدِيئَيْنِ أَحَدُهُمَا : مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَرَظَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : اشْتَرَيْتُ كَبْشًا لأَُضَحِّيَ بِهِ فَعَدَا الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ فَقَطَعَهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ r فَقَالَ : ضَحِّ بِهِ , وَالآخَرُ : مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ النَّبِيَّ r سُئِلَ أَيُضَحَّى بِالْبَتْرَاءِ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا. جَابِرٌ كَذَّابٌ , وَحَجَّاجٌ سَاقِطٌ , وَعَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ رِيحٌ. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٍ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَالْحَسَنِ , وَالْحَكَمِ : إجَازَةُ الْبَتْرَاءِ فِي الأُُضْحِيَّةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّ الْقَطْعَ فِي الأُُذُنِ بِالنِّصْفِ فَأَكْثَرَ. وَلأََبِي حَنِيفَةَ قَوْلاَنِ : أَحَدُهُمَا : إنْ ذَهَبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الأُُذُنِ , أَوْ الذَّنَبِ , أَوْ الأَلْيَةِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ : أَجْزَأَتْ فِي الأُُضْحِيَّةِ , فَإِنْ ذَهَبَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا لَمْ تُجْزِ. وَالآخَرُ أَنَّهُ حَدَّ ذَلِكَ بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ. قَالَ : فَإِنْ خُلِقَتْ بِلاَ أُذُنٍ أَجْزَأَتْ وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ تُجْزِي. وقال مالك : إنْ كَانَ الْقَرْنُ ذَاهِبًا لاَ يَدْمَى أَجْزَأَتْ , فَإِنْ كَانَ يَدْمَى لَمْ تُجْزِ , وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ فِي الْعَرْجَاءِ : إذَا بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ : أَجْزَأَتْ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا , وَلاَ يُعْرَفُ التَّحْدِيدُ الْمَذْكُورُ بِالثُّلُثِ , أَوْ النِّصْفِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ لاَ تَصِحُّ فِي الْعَرْجَاءِ إذَا بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ. وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ الْمَنْعُ مِنْ الْعَرْجَاءِ جُمْلَةً. وَيُقَالُ لِمَنْ صَحَّحَ هَذَا : إنَّ الْمَنْسَكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى ذِرَاعٍ وَأَقَلَّ وَيَكُونُ عَلَى فَرْسَخٍ فَأَيَّ ذَلِكَ تُرَاعُونَ وَرُوِيَ فِي الأَعْضَبِ أَثَرٌ أَنَّهُ لاَ يُجْزِي ، وَلاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيِّ بْنِ كُلَيْبٍ , وَلَيْسَ مَشْهُورًا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ ، عَنْ عَلِيٍّ. وَجَاءَ خَبَرٌ فِي أَنَّهُ لاَ تُجْزِي الْمُسْتَأْصَلَةُ قَرْنُهَا ، وَلاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُمَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ ، عَنْ أَبِي مُضَرَ وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. وَحَدِيثٌ آخَرُ فِي أَنَّهُ لاَ تُجْزِي الْجَدْعَاءُ ، وَلاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. 975 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تُجْزِي فِي الأَضَاحِيِّ جَذَعَةٌ ، وَلاَ جَذَعٌ أَصْلاً لاَ مِنْ الضَّأْنِ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ وَيُجْزِي مَا فَوْقَ الْجَذَعِ , وَمَا دُونَ الْجَذَعِ , وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ , وَالْمَاعِزِ , وَالظِّبَاءِ , وَالْبَقَرِ : هُوَ مَا أَتَمَّ عَامًا كَامِلاً وَدَخَلَ فِي الثَّانِي مِنْ أَعْوَامِهِ , فَلاَ يَزَالُ جَذَعًا حَتَّى يُتِمَّ عَامَيْنِ وَيَدْخُلَ فِي الثَّالِثِ فَيَكُونُ ثَنِيًّا حِينَئِذٍ. هَكَذَا قَالَ فِي الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ الْكِسَائِيُّ , وَالأَصْمَعِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ , وَهَؤُلاَءِ عُدُولُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اللُّغَةِ , وَقَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ. وَقَالَهُ الْعَدَبَّسُ الْكِلاَبِيُّ , وَأَبُو فَقْعَسٍ الأَسَدِيُّ , وَهُمَا ثِقَتَانِ فِي اللُّغَةِ. وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرِ وَالظِّبَاءِ أَبُو فَقْعَسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ. وَالْجَذَعُ مِنْ الإِبِلِ مَا أَكْمَلَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ , فَهُوَ جَذَعٌ إلَى أَنْ يَدْخُلَ السَّادِسَةَ فَيَكُونُ ثَنِيًّا هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا اشْتَرَيْت أُضْحِيَّةً فَاسْتَسْمِنْ فَإِنْ أَكَلْت أَكَلْت طَيِّبًا , وَإِنْ أَطْعَمْت أَطْعَمْت طَيِّبًا , وَاشْتَرِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ نَا هُبَيْرَةُ بْنُ يَرِيمَ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : ضَحُّوا بِثَنِيٍّ فَصَاعِدًا , وَسَلِيمِ الْعَيْنِ وَالأُُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : ضَحُّوا بِثَنِيٍّ فَصَاعِدًا , وَلاَ تُضَحُّوا بِأَعْوَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ تُجْزِي إِلاَّ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : رَأَيْت هِلاَلَ بْنَ يَسَافٍ يُضَحِّي بِجَذَعٍ مِنْ الضَّأْنِ فَقُلْت : أَتَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ : رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُضَحِّي بِجَذَعٍ مِنْ الضَّأْنِ. فَهَذَا حُصَيْنٌ قَدْ أَنْكَرَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ فِي الأُُضْحِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : يُجْزِي مَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الإِبِلِ ، عَنْ وَاحِدٍ فِي الأُُضْحِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : يُجْزِي الْحُوَارُ ، عَنْ وَاحِدٍ يَعْنِي الأُُضْحِيَّةَ وَالْحُوَارُ هُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ سَاعَةَ تَلِدُهُ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هَذَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ , وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ قَالَ : هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ ، وَلاَ تُجْزِي جَذَعَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْيَامِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ : أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ قَالَ : اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِيَ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْبَرَاءَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ فِرَاسٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَقَطَعَ عليه السلام أَنْ لاَ تُجْزِيَ جَذَعَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ , فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ تَخْصِيصُ نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِذَلِكَ ; وَلَوْ أَنَّ مَا دُونَ الْجَذَعَةِ لاَ يُجْزِي لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ : إنَّ حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ هَذَا قَدْ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ فَقَالَ فِيهِ إنَّ عِنْدِي عَنَاقًا جَذَعَةً فَهَلْ تُجْزِي عَنِّي قَالَ : نَعَمْ , وَلَنْ تُجْزِيَ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. قلنا : نَعَمْ , وَالْعَنَاقُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الضَّانِيَةِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمَاعِزَةِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالَ الْعَدَبَّسُ الْكِلاَبِيُّ , وَأَبُو فَقْعَسٍ الأَسَدِيُّ , وَكِلاَهُمَا مِمَّا نَقَلَ الأَئِمَّةُ عَنْهُمَا اللُّغَةَ : الْجَفْرُ , وَالْعَنَاقُ , وَالْجَدْيُ , مِنْ أَوْلاَدِ الْمَاعِزِ إذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , وَكَذَلِكَ مِنْ أَوْلاَدِ الضَّأْنِ. فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ مُطَرِّفَ بْنَ طَرِيفٍ رَوَاهُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ فَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ , قَالَ : اذْبَحْهَا ، وَلاَ تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ. قلنا : نَعَمْ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ ، عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ , فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى ، عَنِ الْبَرَاءِ قَوْلَ النَّبِيِّ r : لاَ تُجْزِي جَذَعَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ هِيَ الزَّائِدَةُ مَا لَمْ يَرْوِهِ مَنْ لَمْ يَرْوِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ , وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ خَبَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَحُكْمٌ وَارِدٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا تَرْكُهُ. وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ هَذَا مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْجَذَعِ إِلاَّ مِنْ الْمَاعِزِ فَقَطْ , وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْجِذَاعِ كُلِّهَا مِمَّا عَدَا الضَّأْنِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. كَمَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّا ، عَنْ فِرَاسٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ : أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ عِنْدِي شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ قَالَ : ضَحِّ بِهَا فَإِنَّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا لاَ تُجْزِي ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. وَكَذَلِكَ رِوَايَتُنَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي جَذَعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ أَفَأَذْبَحُهَا فَرَخَّصَ لَهُ. قَالَ أَنَسٌ : فَلاَ أَدْرِي أَبْلَغَتْ رُخْصَةٌ مِنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ فَلَمْ يَجْعَلْ الْمُخَالِفُونَ سُكُوتَ زَكَرِيَّا عَمَّا زَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ خُصُوصٌ , وَلاَ سُكُوتَ أَنَسٍ ، عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَمَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُمَا فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَاجِبًا أَخْذُهَا , وَزِيَادَةُ مَنْ زَادَ لَفْظَةَ " الْجَذَعَةِ " لاَ يَجِبُ أَخْذُهَا إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قال أبو محمد : وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ بِهِ , وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ قَعَدَ النَّبِيُّ r عَلَى بَعِيرِهِ وَقَالَ : أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ قَالُوا : بَلَى ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ انْكَفَأَ إلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جَذِيعَةٍ مِنْ الْغَنَمِ فَقَسَّمَهَا بَيْنَنَا. قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا لِيُضَحُّوا بِهَا , وَلاَ أَنَّهُمْ ضَحَّوْا بِهَا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ , وَالْكَذِبُ لاَ يَحِلُّ. 976- مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا هَهُنَا فِي الأَضَاحِيِّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا , وَلَمْ نَذْكُرْ اعْتِرَاضَ الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ فَاسْتَدْرَكْنَا هَهُنَا مَا رُوِيَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَفْتَتْ بِذَلِكَ. وَحَدَّثَنَا حَمَامٌ نَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ نَا ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ يَحْيَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ كَانَ يُفْتِي بِخُرَاسَانَ : أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّةً , وَدَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَكُفَّ ، عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ. قَالَ سَعِيدٌ : قَالَ قَتَادَةُ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ : نَعَمْ , فَقُلْت : عَمَّنْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ : عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r . قَالَ مُسَدَّدٌ : وَحَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَكْرَهَ أَنْ يَحْلِقَ الصِّبْيَانُ فِي الْعَشْرِ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَخَالَفَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلاً , إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالأَطِّلاَءِ فِي الْعَشْرِ , قَالُوا : وَهُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ. وَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ : فَهَلاَّ اجْتَنَبَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً , وَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ : أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالأَطِّلاَءِ فِي الْعَشْرِ ; فَالأَحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَعِيدٍ , وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ الَّتِي أَلْزَمَنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَهِيَ رِوَايَتُهُ وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ سَعِيدٍ خِلاَفُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ أَوْلَى بِسَعِيدٍ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَدْ يَتَأَوَّلُ سَعِيدٌ فِي الأَطِّلاَءِ أَنَّهُ بِخِلاَفِ حُكْمِ سَائِرِ الشَّعْرِ , وَأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَطْ. وَرَابِعُهَا : أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : كَمَا قُلْتُمْ لِمَا رُوِيَ ، عَنْ سَعِيدٍ خِلاَفُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ ; لأََنَّهُ لاَ يَدَعُ مَا رُوِيَ إِلاَّ لِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْهُ ; فَالأَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَعَنْ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم خِلاَفَ مَا رُوِيَ ، عَنْ سَعِيدٍ : دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ ، عَنْ سَعِيدٍ , إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلاَفِ مَا رَوَى فَهَذَا اعْتِرَاضٌ أَوْلَى مِنْ اعْتِرَاضِكُمْ. وَخَامِسُهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي الأَطِّلاَءِ فِي الْعَشْرِ إنَّمَا أَرَادَ عَشْرَ الْمُحَرَّمِ لاَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ ; وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ أَرَادَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ وَاسْمُ الْعَشْرِ يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَسَادِسُهَا : أَنْ نَقُولَ : لَعَلَّ سَعِيدًا رَأَى ذَلِكَ لِمَنْ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ , فَهَذَا صَحِيحٌ , وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ فَفَاسِدٌ , لأََنَّ الدِّينَ لاَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ عِكْرِمَةَ وَرَأْيِهِ , إنَّمَا هَذَا مِنْهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لأََنَّهُ لَيْسَ إذَا وَجَبَ أَنْ لاَ يَمَسَّ الشَّعْرَ , وَالظُّفْرَ , بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ , كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ , لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ اجْتِنَابُ مَسِّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ. فَهَذَا الصَّائِمُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ النِّسَاءِ , وَلاَ يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُ الطِّيبِ , وَلاَ مَسُّ الشَّعْرِ , وَالظُّفْرِ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَكِفُ , وَهَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْجِمَاعُ وَالطِّيبُ , وَلاَ يَلْزَمُهَا اجْتِنَابُ قَصِّ الشَّعْرِ وَالأَظْفَارِ. فَظَهَرَ حَمَاقَةُ قِيَاسِهِمْ وَقَوْلِهِمْ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ , وَهَذِهِ فُتْيَا صَحَّتْ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ، وَلاَ يُعْرَفُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَهُمْ , فَخَالَفُوا ذَلِكَ بِرَأْيِهِمْ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلاً , فَخَالَفُوا الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 977 - مَسْأَلَةٌ : وَالأُُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ , أَوْ طَائِرٍ , كَالْفَرَسِ , وَالإِبِلِ , وَبَقَرِ الْوَحْشِ , وَالدِّيكِ , وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْحَلاَلِ أَكْلُهُ , وَالأَفْضَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا طَابَ لَحْمُهُ وَكَثُرَ وَغَلاَ ثَمَنُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي الأَضَاحِيِّ قَوْلَ بِلاَلٍ : مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ابْتِيَاعِهِ لَحْمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ : هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِالأَثَرِ الَّذِي لاَ يَصِحُّ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَثَّقُوهُ هُنَالِكَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ. وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُجِيزُ الأُُضْحِيَّةَ بِبَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَبِالظَّبْيِ أَوْ الْغَزَالِ ، عَنْ وَاحِدٍ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ التَّضْحِيَةَ بِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْبَقَرَةُ الإِنْسِيَّةُ مِنْ الثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ , وَبِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْعَنْزُ مِنْ الْوَعْلِ. وقال مالك : لاَ تُجْزِي إِلاَّ مِنْ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ. وَرَأَى مَالِكٌ : النَّعْجَةَ , وَالْعَنْزَ , وَالتَّيْسَ أَفْضَلَ مِنْ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ : فِي الأُُضْحِيَّةِ. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ فَرَأَيَا الإِبِلَ أَفْضَلَ , ثُمَّ الْبَقَرَ , ثُمَّ الضَّأْنَ , ثُمَّ الْمَاعِزَ وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً فَنُورِدُهَا أَصْلاً , إِلاَّ أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعًا فِي جَوَازِهَا مِنْ هَذِهِ الأَنْعَامِ , وَالْخِلاَفَ فِي غَيْرِهَا. فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَيُعَارِضُونَ بِمَا صَحَّ فِي ذَلِكَ ، عَنْ بِلاَلٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , وَهَذَا عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ إذَا وَافَقَهُمْ. وَأَمَّا مُرَاعَاةُ الإِجْمَاعِ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ , فَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِهِمْ إِلاَّ يَسِيرًا جِدًّا مِنْهَا , وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لاَ يُوجِبُوا فِي الصَّلاَةِ , أَوْ الصَّوْمِ , وَالْحَجِّ , وَالزَّكَاةِ وَالْبُيُوعِ , إِلاَّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ , وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذْهَبِهِمْ كُلِّهِ. قال أبو محمد : وَأَمَّا الْمَرْدُودُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَهُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ فَوَجَدْنَا النُّصُوصَ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا , وَذَلِكَ أَنَّ الأُُضْحِيَّةَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , فَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ نَصُّ سُنَّةٍ حَسَنٌ , وَقَالَ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِهِ فِعْلُ خَيْرٍ. نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى نَا ابْنُ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً , ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً , ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَيْضَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً. فَفِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ هَدْيُ دَجَاجَةٍ , وَعُصْفُورٍ , وَتَقْرِيبُهُمَا , وَتَقْرِيبُ بَيْضَةٍ ; وَالأُُضْحِيَّةُ تَقْرِيبٌ بِلاَ شَكٍّ , وَفِيهِمَا أَيْضًا فَضْلُ الأَكْبَرِ فَالأَكْبَرِ جِسْمًا فِيهِ وَمَنْفَعَةً لِلْمَسَاكِينِ , وَلاَ مُعْتَرِضَ عَلَى هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَصْلاً. قال أبو محمد : وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الإِبِلَ وَالْبَقَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنَمِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ , وَالْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ فَفِيهَا أَمْرُهُ عليه السلام فِي الأَضَاحِيِّ بِالنَّحْرِ. وَلاَ يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عليه السلام أَمَرَ بِالنَّحْرِ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ , أَوْ فِي الْغَنَمِ , فَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْغَنَمِ , فَهَذَا مُبْطِلٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ : إنَّ النَّحْرَ فِي الْغَنَمِ لاَ يَحِلُّ , وَلاَ يَكُونُ ذَكَاةً فِيهَا , وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ عليه السلام فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَحَسُنَ الْمُحَالُ الْبَاطِلُ الْمُمْتَنِعُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَحُضُّ أُمَّتَهُ وَأَصْحَابَهُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بِالإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَعَ عَظِيمِ الْكُلْفَةِ فِيهَا وَغُلُوِّ أَثْمَانِهَا وَيَتْرُكُونَ الأَرْخَصَ وَالأَقَلَّ ثَمَنًا وَهُوَ أَفْضَلُ , وَهَذِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَإِنَّمَا التَّضْحِيَةُ بِالْغَنَمِ ضَأْنِهَا وَمَاعِزِهَا رِفْقٌ بِالنَّاسِ لِقِلَّةِ أَثْمَانِهَا وَتَفَاهَةِ أَمْرِهَا وَتَخْفِيفٌ لَهُمْ بِذَلِكَ ، عَنِ الأَفْضَلِ الَّذِي هُوَ أَشَقُّ فِي النَّفَقَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهَذَا مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ r يَوْمَ الأَضْحَى : يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْمَعْزِ , وَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْبَقَرِ , وَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الإِبِلِ , وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ ذَبْحًا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَفَدَى بِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ : مَرَّ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي فَطِيمَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِكَبْشٍ أَقَرْنَ أَعْيَنَ فَقَالَ عليه السلام : مَا أَشْبَهَ هَذَا الْكَبْشَ بِالْكَبْشِ الَّذِي ذَبَحَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام. وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَنَسٍ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : خَيْرُ الأُُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ. قال أبو محمد : هَذِهِ أَخْبَارٌ مَكْذُوبَةٌ : أَمَّا خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَعُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ فَعَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا , ضَعَّفَهُ جِدًّا وَاطَّرَحَهُ أَحْمَدُ , وَأَسَاءَ الْقَوْلَ فِيهِ جِدًّا وَلَمْ يُجِزْ الرِّوَايَةَ بِهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَزِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَخَبَرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَوْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَفِي الْخَبَرِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ : إنَّهُ فَدَى اللَّهُ بِهِ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَفْدِ إبْرَاهِيمَ بِلاَ شَكٍّ وَإِنَّمَا فَدَى ابْنَهُ. وَأَمَّا الأَحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ فَدَى الذَّبِيحَ بِكَبْشٍ فَبَاطِلٌ , مَا صَحَّ ذَلِكَ قَطُّ , وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ كَانَ أُرْوِيَّةً , وَهَبْكَ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ فَضْلُ سَائِرِ الْكِبَاشِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ , وَلاَ كَانَ أَمْرُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام أُضْحِيَّةً فَلاَ مَدْخَلَ لِلأَضَاحِيِّ فِيهِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إلَى قوله تعالى : . فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ أَفْضَلَ مِنْ الضَّأْنِ بِهَذِهِ الآيَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ لاَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي كَبْشِ الذَّبِيحِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فِي نَاقَةِ صَالِحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإِبِلُ أَفْضَلَ مِنْ الضَّأْنِ بِهَذِهِ الآيَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ لاَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي كَبْشِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِذِكْرِ الأَثَرِ الَّذِي فِيهِ الصَّلاَةُ فِي مَبَارِكِ الْغَنَمِ وَالنَّهْيُ ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ , لأََنَّهُ جِنٌّ خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ . فَقُلْنَا : فَلْيَكُنْ هَذَا عِنْدَكُمْ دَلِيلاً فِي فَضْلِ الْغَنَمِ عَلَيْهَا فِي الْهَدْيِ , وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُكْتَبَ عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا : فَقَدْ أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً كَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ الْغَنَمَ أَفْضَلُ فِي الْهَدْيِ مِنْ الْبَقَرِ ; فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ هَذَا الأَسْتِدْلاَل فِي الأَضَاحِيِّ وَأَيْضًا : فَقَدْ ضَحَّى عليه السلام بِالْبَقَرِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي حَدِيثٍ لَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَقُلْتُ : مَا هَذَا قَالُوا : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ وَهَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ آخِرُ عَمَلِهِ عليه السلام وَلَمْ يُضَحِّ بَعْدَهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نَا شُعْبَةُ ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى. وَالنَّحْرُ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ فِي الْغَنَمِ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُ فِي الإِبِلِ وَعَلَى تَكَرُّهٍ فِي الْبَقَرِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُضَحِّي بِالإِبِلِ وَالْبَقَرِ , أَوْ يَتْرُكُ قَوْلَهُ فَيُجِيزُ النَّحْرَ فِي الْغَنَمِ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِفِعْلٍ فَعَلَهُ عليه السلام مُبَاحُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرُهُ بِإِقْرَارِ الْمُحْتَجِّ عَلَى نَصِّ قَوْلِهِ عليه السلام فِي تَفْضِيلِ الإِبِلِ , ثُمَّ الْبَقَرِ , ثُمَّ الضَّأْنِ. رُوِّينَا ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِجَزُورٍ مِنْ الإِبِلِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي مَرَّةً بِنَاقَةٍ , وَمَرَّةً بِبَقَرَةٍ , وَمَرَّةً بِشَاةٍ , وَمَرَّةً لاَ يُضَحِّي. فأما قَوْلُ مَالِكٍ فِي فَضْلِ الْمَاعِزِ عَلَى الْبَقَرِ , وَالإِبِلِ , وَفَضْلِ الْبَقَرِ عَلَى الإِبِلِ : فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلَّقًا أَصْلاً ، وَلاَ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.- 978- مَسْأَلَةٌ : وَوَقْتُ ذَبْحِ الأُُضْحِيَّةِ أَوْ نَحْرِهَا هُوَ أَنْ يُمْهِلَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ , ثُمَّ تَبْيَضَّ وَتَرْتَفِعَ , وَيُمْهِلَ حَتَّى يَمْضِيَ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الأُُولَى بَعْدَ ثَمَانِ تَكْبِيرَاتٍ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةَ " ق " وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ سِتِّ تَكْبِيرَاتٍ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةَ : " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " بِتَرْتِيلٍ وَيُتِمُّ فِيهِمَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ , وَيَجْلِسُ , وَيَتَشَهَّدُ , وَيُسَلِّمُ. ثُمَّ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ يَنْحَرُهَا الْبَادِي , وَالْحَاضِرُ , وَأَهْلُ الْقُرَى , وَالصَّحَارِي , وَالْمُدُنِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ ; فَمَنْ ذَبَحَ , أَوْ نَحَرَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ , وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ صَلاَةِ الإِمَامِ , وَلاَ لِمُرَاعَاةِ تَضْحِيَتِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : " أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ , ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r : أَبْدِلْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى , ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : سَمِعْت جُنْدُبًا يَقُولُ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى قَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا وَذَبَحُوا فَقَالَ : مَنْ نَحَرَ وَذَبَحَ قَبْلَ صَلاَتِنَا فَلْيُعِدْ , وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ أَوْ يَنْحَرْ فَلْيَذْبَحْ وَلْيَنْحَرْ بِاسْمِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ ، وَلاَ يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ r . فَالْوَقْتُ الَّذِي حَدَّدْنَا هُوَ وَقْتُ صَلاَةِ النَّبِيِّ r وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُجِزْ التَّضْحِيَةَ قَبْلَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ ، وَلاَ مَعْنَى لِهَذَا لأََنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَحُدَّ وَقْتَ الأُُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ : إنْ ضَحَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَجْزَأَهُ. وقال أبو حنيفة : أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ فَمَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ قَبْلَ تَمَامِ صَلاَةِ الإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ يُضَحِّ , وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي فَإِنْ ضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى أَجْزَأَهُمْ. وقال مالك : مَنْ ضَحَّى قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ الإِمَامُ فَلَمْ يُضَحِّ ; ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ : الإِمَامُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ; وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : بَلْ هُوَ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ , وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : بَلْ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِيدِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَخِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ r كَمَا أَوْرَدْنَا بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُ أَصْلاً , وَخِلاَفٌ لِلْخَبَرِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ r قَطُّ بِمُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ غَيْرِهِ. وَنَقُولُ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا : أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَيَّعَ الإِمَامُ صَلاَةَ الأَضْحَى وَلَمْ يُضَحِّ أَتَبْطُلُ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الأَضَاحِيِّ عَلَى النَّاسِ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , بَلْ هُوَ الْحَقُّ أَنَّ الإِمَامَ إنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَدْ أَحْسَنَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِ تَضْحِيَتِهِ , وَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِكَادِحٍ فِي عَدَالَتِهِ , لأََنَّهُ لَمْ يُعَطِّلْ فَرْضًا , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحِيلٍ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ النَّاسِ فِي أَضَاحِيهِمْ. وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ أَيْضًا : أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَحَّى الإِمَامُ قَبْلَ وَقْتِ صَلاَةِ الأَضْحَى أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَمًا لأََضَاحِيِّ النَّاسِ فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , أَتَوْا بِعَظِيمَةٍ وَإِنْ قَالُوا : لاَ , صَدَقُوا , وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي مُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ الإِمَامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْمُدُنِ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَمَا نَعْرِفُ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ الإِمَامِ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 979 - مَسْأَلَةٌ : وَالأُُضْحِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَاجِّ بِمَكَّةَ وَلِلْمُسَافِرِ كَمَا هِيَ لِلْمُقِيمِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَالأُُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ , وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي التَّضْحِيَةِ وَالتَّقْرِيبِ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام بَادِيًا مِنْ حَاضِرٍ , وَلاَ مُسَافِرًا مِنْ مُقِيمٍ , وَلاَ ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى , وَلاَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ , وَلاَ حَاجًّا مِنْ غَيْرِهِ , فَتَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النَّبِيَّ r ضَحَّى بِالْبَقَرِ ، عَنْ نِسَائِهِ بِمَكَّةَ وَهُنَّ حَوَاجُّ مَعَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَحُجُّ فَلاَ يُضَحِّي وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ. وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ. وَعَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يُضَحُّونَ فِي الْحَجِّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَنْعٌ لِلْحَاجِّ ، وَلاَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ التَّضْحِيَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُهَا فَقَطْ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ أَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ : آكُلُهَا وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانَ عُمَرُ يَحُجُّ ، وَلاَ يُضَحِّي وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَحُجُّونَ مَعَهُمْ الْوَرِقُ وَالذَّهَبُ فَلاَ يُضَحُّونَ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ لِيَتَفَرَّغُوا لِنُسُكِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : حَجَجْت فَهَلَكَتْ نَفَقَتِي فَقَالَ أَصْحَابِي : أَلاَ نُقْرِضُك فَتُضَحِّيَ فَقُلْت : لاَ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِنَصٍّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ خَيْرًا.

980- مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَلْزَمُ مَنْ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِحَيَوَانٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ , بَلْ لَهُ أَنْ لاَ يُضَحِّيَ بِهِ إنْ شَاء إِلاَّ أَنْ يَنْذُرَ ذَلِكَ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الأُُضْحِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَإِذْ لَيْسَتْ فَرْضًا فَلاَ يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ ، وَلاَ نَصَّ إِلاَّ فِيمَنْ ضَحَّى قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فِي أَنْ يُعِيدَ ; وَفِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَفِيَ بِالنَّذْرِ. 

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ أُضْحِيَّتَهُ مِمَّنْ يُضَحِّي بِهَا وَيَشْتَرِي خَيْرًا مِنْهَا وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً , ثُمَّ بَدَا لَهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ , كَرَاهَةَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حُجَّةً. 981 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَكُونُ الأُُضْحِيَّةُ أُضْحِيَّةً إِلاَّ بِذَبْحِهَا , أَوْ نَحْرِهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً وَلَهُ مَا لَمْ يَذْبَحْهَا , أَوْ يَنْحَرْهَا كَذَلِكَ أَنْ لاَ يُضَحِّيَ بِهَا وَأَنْ يَبِيعَهَا وَأَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ وَيَأْكُلَ لَبَنَهَا وَيَبِيعَهُ , وَإِنْ وَلَدَتْ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَلَدَهَا أَوْ يَمْسِكَهُ أَوْ يَذْبَحَهُ , فَإِنْ ضَلَّتْ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا , ثُمَّ وَجَدَ الَّتِي ضَلَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا ، وَلاَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا , فَإِنْ ضَحَّى بِهِمَا , أَوْ بِأَحَدِهِمَا , أَوْ بِغَيْرِهِمَا فَقَدْ أَحْسَنَ , وَإِنْ لَمْ يُضَحِّ أَصْلاً فَلاَ حَرَجَ , وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَبِهَا عَيْبٌ لاَ تُجْزِي بِهِ فِي الأَضَاحِيِّ كَعَوَرٍ , أَوْ عَجَفٍ : أَوْ عَرَجٍ , أَوْ مَرَضٍ , ثُمَّ ذَهَبَ الْعَيْبُ وَصَحَّتْ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا , وَلَوْ أَنَّهُ مَلَكَهَا سَلِيمَةً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ , ثُمَّ أَصَابَهَا عَيْبٌ لاَ تُجْزِي بِهِ فِي الأُُضْحِيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ ذَكَاتِهَا , وَلَوْ فِي حَالِ التَّذْكِيَةِ لَمْ تُجْزِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَلاَ تَكُونُ أُضْحِيَّةً إِلاَّ حَتَّى يُضَحِّيَ بِهَا ، وَلاَ يُضَحِّيَ بِهَا إِلاَّ حَتَّى تَتِمَّ ذَكَاتُهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ فَهِيَ مَا لَمْ يُضَحِّ بِهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ كَسَائِرِ مَالِهِ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَأَجَازَ أَنْ يُضَحِّيَ بِاَلَّتِي يُصِيبُهَا عِنْدَهُ الْعَيْبُ فَقَدْ خَالَفَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ r جَهَارًا وَلَزِمَهُ إنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً مَعِيبَةً فَصَحَّتْ عِنْدَهُ أَنْ لاَ تُجْزِئَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا : رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : إذَا اشْتَرَيْت الأُُضْحِيَّةَ سَلِيمَةً فَأَصَابَهَا عِنْدَك عَوَارٌ , أَوْ عَرَجٌ فَبَلَغَتْ الْمَنْسَكَ فَضَحِّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً فَاعْوَرَّتْ عِنْدَهُ قَالَ : يُضَحِّي بِهَا وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ , وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ : وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ قَالَ : لاَ يَضُرُّك وَعَنِ الْحَسَنِ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ ضَلَّتْ أُضْحِيَّتُهُ فَاشْتَرَى أُخْرَى فَوَجَدَ الأُُولَى أَنَّهُ يَذْبَحُهُمَا جَمِيعًا , قَالَ حَمَّادٌ : يَذْبَحُ الأُُولَى. وقال أبو حنيفة : إنْ اشْتَرَاهَا صَحِيحَةً , ثُمَّ عَجِفَتْ عِنْدَهُ حَتَّى لاَ تُنْقِي أَجْزَأَتْهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا , فَلَوْ اعْوَرَّتْ عِنْدَهُ لَمْ تُجْزِهِ , فَلَوْ أَنَّهُ إذْ ذَبَحَهَا أَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا , أَوْ انْكَسَرَ رِجْلُهَا أَجْزَأَتْهُ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : لاَ يَجُزُّ صُوفَهَا ، وَلاَ يَشْرَبُ لَبَنَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِلاَّ مَا فَضَلَ ، عَنْ وَلَدِهَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً أَنَّ لَهُ أَنْ يَجِزَّ صُوفَهَا وَأَمَرَهُ الْحَسَنُ إنْ فَعَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ , وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : إنْ وَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا وقال مالك : لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَعَهُ بَقَرَةٌ قَدْ وَلَدَتْ فَقَالَ : كُنْت اشْتَرَيْتهَا لأَُضَحِّيَ بِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : لاَ تَحْلِبْهَا إِلاَّ فَضْلاً ، عَنْ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الأَضْحَى فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا ، عَنْ سَبْعَةٍ. 982 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّضْحِيَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا يَوْمَ النَّحْرِ إِلاَّ أَنْ يُهِلَّ هِلاَلُ الْمُحَرَّمِ , وَالتَّضْحِيَةُ لَيْلاً وَنَهَارًا جَائِزٌ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : النَّحْرُ يَوْمٌ وَاحِدٌ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ. وَعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الذَّبْحَ إِلاَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَوْلٌ آخَرُ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : النَّحْرُ فِي الأَمْصَارِ يَوْمٌ , وَبِمِنًى ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : أَنَّ التَّضْحِيَةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : النَّحْرُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مَاعِزٍ , أَوْ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيِّ : أَنَّ أَبَاهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ : إنَّمَا النَّحْرُ فِي هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ حَرْبِ بْنِ نَاجِيَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ النَّحْرُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَا ذَبَحْت يَوْمَ النَّحْرِ , وَالثَّانِيَ , وَالثَّالِثَ فَهِيَ الضَّحَايَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : الأَضْحَى ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : الأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ ، وَلاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إِلاَّ ، عَنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ لأََنَّهُ ، عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مَجْهُولٍ ، عَنْ أَبِيهِ مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَعَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ; وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَأَبِي حَمْزَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ , وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ التَّضْحِيَةَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ : يَوْمُ النَّحْرِ , وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ : هَكَذَا فِي كِتَابِي ، وَلاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ وَهْمٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : النَّحْرُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ : النَّحْرُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ وَكِيعٍ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ : النَّحْرُ مَا دَامَتْ الْفَسَاطِيطُ بِمِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : النَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ أَنْ يُضَحِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يُضَحِّيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : الأَضْحَى أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , قَالاَ جَمِيعًا : الأَضْحَى إلَى هِلاَلِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ اسْتَأْنَى بِذَلِكَ. قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ قَالَ النَّحْرُ يَوْمُ الأَضْحَى وَحْدَهُ فَقَالَ : إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ; فَلاَ تُوجَدُ شَرِيعَةٌ بِاخْتِلاَفٍ لاَ نَصَّ فِيهِ قَالَ عَلِيٌّ : صَدَقُوا , وَالنَّصُّ يُجِيزُ قَوْلَنَا عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَنَسٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ , وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ ذَكَرْنَا قَضَايَا عَظِيمَةً خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , فَكَيْفَ ، وَلاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ ، عَنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَإِنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ عَطَاءٌ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَالْحَسَنُ , وَالزُّهْرِيُّ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ : الإِجْمَاعَ , وَأُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يَخْرُجُ عَنْهُ هَؤُلاَءِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ : أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حُجَّةً أَيْضًا , إِلاَّ أَنَّ أَيَّامَ مِنًى ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ وَلَيْسَ هَذَا حُجَّةً. قال أبو محمد : الأُُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلُ الْخَيْرِ حَسَنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام , فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ بِغَيْرِ نَصٍّ , فَالتَّقْرِيبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّضْحِيَةِ حَسَنٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ , وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ إجْمَاعَ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ. وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا يَلْزَمُهُمْ الأَخْذُ بِهِ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَحْتَجُّ بِهِ وَيُعِيذُنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمُرْسَلٍ , وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نَا مُسْلِمٌ نَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , قَالاَ جَمِيعًا " بَلَغَنَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الأَضْحَى إلَى هِلاَلِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ وَأَصَحِّهَا فَيَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ : أَنْ يُضَحَّى بِاللَّيْلِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وقال مالك : لاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى لَيْلاً وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالَ قَائِلُهُمْ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ قَالُوا : فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّيْلَ. قال علي : وهذا مِنْهُمْ إيهَامٌ يُمَقِّتُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الآيَةِ ذَبْحًا , وَلاَ تَضْحِيَةً , وَلاَ نَحْرًا لاَ فِي نَهَارٍ , وَلاَ فِي لَيْلٍ , وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ أَفَتَرَى يَحْرُمُ ذِكْرُهُ فِي لَيَالِيِهِنَّ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ بِمَانِعٍ مِنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَحَمْدِهِ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي الْعَامِ كُلِّهِ. وَهَذَا مِمَّا حَرَّفُوا فِيهِ الْكَلِمَ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ , وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ زَيْدًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ النَّهَارِ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا لاَ يَصِحُّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ مُبَشَّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنِ الذَّبْحِ بِاللَّيْلِ. قال أبو محمد : هَذِهِ فَضِيحَةُ الأَبَدِ , وَبَقِيَّةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَمُبَشَّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَمْدًا , ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ الذَّبْحَ بِاللَّيْلِ فَيُخَالِفُونَهُ فِيمَا فِيهِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّحْرِ لاَ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُهُ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهِ كَانَتْ لَيَالِي سَائِرِ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ كَذَلِكَ. قال علي : وهذا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لأََنَّ يَوْمَ النَّحْرِ هُوَ مَبْدَأُ دُخُولِ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَمَا قَبْلَهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلتَّضْحِيَةِ , وَلاَ يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ ابْيِضَاضِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَقْتٌ وَاسِعٌ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لاَ تَجُوزُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ فَلاَ يُجِيزُوا التَّضْحِيَةَ فِيهَا إِلاَّ بَعْدَ مُضِيِّ مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ قَبْلَ مَالِكٍ مَنَعَ مِنْ التَّضْحِيَةِ لَيْلاً. 983 - مَسْأَلَةٌ : وَنَسْتَحِبُّ لِلْمُضَحِّي رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ يَنْحَرَهَا بِيَدِهِ , فَإِنْ ذَبَحَهَا أَوْ نَحَرَهَا لَهُ بِأَمْرِهِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ أَوْ كِتَابِيٌّ أَجْزَأَهُ ، وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَسَمَّى اللَّهَ وَكَبَّرَ قَالَ مُسْلِمٌ نَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نَا شُعْبَةُ أَنَا قَتَادَةُ قَالَ : سَمِعْت أَنَسًا فَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ , فَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ الأَقْتِدَاءَ بِهِ عليه السلام فِي هَذَا قَالَ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَالَ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَإِنَّمَا عَنَى عَزَّ وَجَلَّ بِيَقِينٍ مَا يُذَكُّونَهُ لاَ مَا يَأْكُلُونَهُ , لأََنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ , وَالدَّمَ , وَالْخِنْزِيرَ , وَمَا عُمِلَ بِالْخَمْرِ وَظَهَرَتْ فِيهِ ; فَإِذْ ذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ حَلاَلٌ , فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الأُُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لاَ وَجْهَ لَهُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ قُلْت لأَِبْرَاهِيمَ : صَبِيٌّ لَهُ ظِئْرٌ يَهُودِيٌّ أَيَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ قَالَ : نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ , وَمَعْمَرٌ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ , وَقَالَ مَعْمَرٌ : قَالَ الزُّهْرِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ , وَالزُّهْرِيُّ قَالاَ جَمِيعًا : يَذْبَحُ نُسُكَك الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إنْ شِئْت , قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَالْمَرْأَةُ إنْ شِئْت. وقال مالك : لاَ يَذْبَحُهَا إِلاَّ مُسْلِمٌ , فَإِنْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يَضْمَنُهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لاَ يَذْبَحُ أَضَاحِيَّكُمْ الْيَهُودُ , وَلاَ النَّصَارَى , لاَ يَذْبَحُهَا إِلاَّ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَك إِلاَّ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ : لاَ يَذْبَحُ النُّسُكَ إِلاَّ مُسْلِمٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَيْضًا : لاَ يَذْبَحُ النُّسُكَ إِلاَّ مُسْلِمٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَقُولُوا : لاَ يَذْبَحُ النُّسُكَ إِلاَّ مُسْلِمٌ , وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا ذَكَرْنَا لأََنَّهُ ، عَنْ عَلِيٍّ مُنْقَطِعٌ وَقَابُوسُ , وَأَبُو سُفْيَانَ ضَعِيفَانِ إِلاَّ أَنَّهُ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : صَحِيحٌ ، وَلاَ يَصِحُّ ، عَنْ غَيْرِهِمْ , وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ أَثَرٍ سَقِيمٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ. 984 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الأُُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ , وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنْ الأَضَاحِيِّ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَمْ يَنْهَ ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , وَالأُُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ , فَالأَسْتِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ حَسَنٌ. وقال أبو حنيفة , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ , أَوْ النَّاقَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ أَجْنَبِيِّينَ وَغَيْرَ أَجْنَبِيِّينَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا , وَلاَ تُجْزِئُ ، عَنْ أَكْثَرَ , وَلاَ تُجْزِئُ الشَّاةُ إِلاَّ ، عَنْ وَاحِدٍ. وقال مالك : يُجْزِئُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الإِبِلِ , أَوْ الْبَقَرِ , أَوْ الْغَنَمِ ، عَنْ وَاحِدٍ , وَعَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إذَا أَشْرَكَهُمْ فِيهَا تَطَوُّعًا ، وَلاَ تُجْزِئُ إذَا اشْتَرَوْهَا بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ ، وَلاَ عَنْ أَجْنَبِيَّيْنِ فَصَاعِدًا. قال أبو محمد : الأُُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَطَوُّعٌ بِالْبِرِّ فَالأَشْتِرَاكُ فِي التَّطَوُّعِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ قَالَ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ فَالْمُشْتَرِكُونَ فِيهَا فَاعِلُونَ لِلْخَيْرِ ; فَلاَ مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الأَجْنَبِيِّينَ بِالْمَنْعِ , وَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ ; لأََنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ. وَقَدْ أَبَاحَ اللَّيْثُ الأَشْتِرَاكَ فِي الأُُضْحِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لاَ مَعْنَى لَهُ أَيْضًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ , سَمِينَيْنِ , أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ , مَوْجُوءَيْنِ , فَيَذْبَحُ أَحَدَهُمَا ، عَنْ أُمَّتِهِ مَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَلَهُ بِالْبَلاَغِ , وَيَذْبَحُ الآخَرَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ. فَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ , وَعَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَوَّلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي خَبَرِ الصَّلاَةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : الْبَدَنَةُ ، عَنْ وَاحِدٍ , وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ وَاحِدٍ , وَالشَّاةُ ، عَنْ وَاحِدٍ , لاَ أَعْلَمُ شِرْكًا. وَصَحَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : لاَ أَعْلَمُ دَمًا وَاحِدًا يُرَاقُ ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ : لاَ تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ ، عَنْ نَفْسَيْنِ وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الْجَزُورُ , وَالْبَقَرَةُ , عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ : كُلُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُجِزْ الرَّأْسَ الْوَاحِدَ إِلاَّ ، عَنْ وَاحِدٍ , وَكَذَلِكَ ابْنُ سِيرِينَ , وَحَمَّادٌ , وَعَلِيٌّ أَجَازَ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لاَ أَكْثَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ : الْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : أَدْرَكْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ r يَقُولُونَ : الْبَقَرَةُ , وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. قال علي : هذا حَمَّادٌ قَدْ رَوَى مَا ذَكَرْنَا ، عَنِ الصَّحَابَةِ , ثُمَّ خَالَفَ مَا رُوِيَ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ إجْمَاعًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاَءِ : وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ مُسْلِمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ : وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : الْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ حُذَيْفَةَ , وَجَابِرٍ , وَعَلِيٍّ , وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْبَدَنَةُ ، عَنْ عَشَرَةٍ وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِمَّنْ أَجَازَ الأَشْتِرَاكَ فِي الأَضَاحِيّ بَيْنَ الأَجْنَبِيِّينَ الْبَقَرَةِ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالنَّاقَةِ ، عَنْ سَبْعَةٍ : طَاوُوس , وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ , وَعَطَاءٌ , وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ. فأما ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نَا مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنِ الْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ تُجْزِي ، عَنْ سَبْعَةٍ فَقَالَ : كَيْفَ , أَوَّلُهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ قُلْت : إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي فَقَالُوا : نَعَمْ قَالَهُ النَّبِيُّ r وَأَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا شَعُرْت فَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَرِيفِ بْنِ دِرْهَمٍ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ كُلَّ رِوَايَةٍ رُوِيَتْ فِيهِ عَنْ صَاحِبٍ إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَجَعَ عَنْهَا , وَخَالَفَ جُمْهُورَ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد : الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَمْ يَمْنَعْ عليه السلام مِنْ الأَشْتِرَاكِ فِي التَّطَوُّعِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ , وَسَبْعَةٍ , بَلْ قَدْ أَشْرَكَ عليه السلام فِي أُضْحِيَّتِهِ جَمِيعَ أُمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 985- مَسْأَلَةٌ : فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُضَحٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ ، وَلاَ بُدَّ لَوْ لُقْمَةً فَصَاعِدًا , وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ أَيْضًا مِنْهَا بِمَا شَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَلاَ بُدَّ , وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْغَنِيَّ , وَالْكَافِرَ , وَأَنْ يُهْدِيَ مِنْهَا إنْ شَاءَ ذَلِكَ. فَإِنْ نَزَلَ بِأَهْلِ بَلَدِ الْمُضَحِّي جَهْدٌ أَوْ نَزَلَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي جَهْدٍ جَازَ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مِنْ حِينِ يُضَحِّي بِهَا إلَى انْقِضَاءِ ثَلاَثِ لَيَالٍ كَامِلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ يَبْتَدِئُهَا بِالْعَدَدِ مِنْ بَعْدِ تَمَامِ التَّضْحِيَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصْبِحَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلاَثِ لَيَالٍ شَيْءٌ أَصْلاً لاَ مَا قَلَّ ، وَلاَ مَا كَثُرَ. فَإِنْ ضَحَّى لَيْلاً لَمْ يُعِدْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الثَّلاَثِ ; لأََنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا شَيْءٌ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلْيَدَّخِرْ مِنْهَا مَا شَاءَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r : مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ; فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ قَالَ : كُلُوا , وَأَطْعِمُوا , وَادَّخِرُوا , فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَتْ لَهُ سَمِعْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ : إنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَمَا ذَاكَ قَالُوا : نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ قَالَ عليه السلام : بَعْدُ كُلُوا , وَادَّخِرُوا , وَتَصَدَّقُوا. فَهَذِهِ أَوَامِرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا قَالَ تَعَالَى فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَدْبٌ فَقَدْ كَذَبَ , وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَيَكْفِيه أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَمْ يَحْمِلُوا نَهْيَهُ عليه السلام ، عَنْ أَنْ يُصْبِحَ فِي بُيُوتِهِمْ بَعْدَ ثَلاَثٍ مِنْهَا شَيْءٌ إِلاَّ عَلَى الْفَرْضِ وَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ إذْنِهِ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ , قَالَ عليه السلام : إذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَمَّ عليه السلام بِالإِطْعَامِ فَجَائِزٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ كُلَّ آكِلٍ , إذْ لَوْ حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ عليه السلام وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا , وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَادِّخَارُ سَاعَةٍ فَصَاعِدًا يُسَمَّى ادِّخَارًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَسْتَخْرِجُ بِعَقْلِهِ الْقَاصِرِ وَرَأْيِهِ الْفَاسِدِ عِلَلاً لأََوَامِر اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ عليه السلام لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهَا إِلاَّ دَعْوَاهُ الْكَاذِبَةُ , ثُمَّ يَأْتِي إلَى حُكْمٍ جَعَلَهُ عليه السلام مُوجِبًا لِحُكْمٍ آخَرَ فَلاَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ , وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ r الْجَهْدَ الْحَالَّ بِالنَّاسِ مُوجِبًا لِئَلَّا يَبْقَى عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ شَيْءٌ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى ، عَنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا ثُلُثًا وَنَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَنُطْعِمَ الْجِيرَانَ ثُلُثَهَا. فَطَلْحَةُ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ الْفَاضِحِ , وَعَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَيْهِ , لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عُمَرَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ : أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَضْعَةٌ وَيُتَصَدَّقَ بِسَائِرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءٍ. عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ فَأَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ : آكُلُهَا فَقُلْت لَهُ : وَمَا عَلَيْك أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا فَقَالَ تَمِيمٌ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَكُلُوا مِنْهَا فَتَقُولُ أَنْتَ : وَمَا عَلَيْك أَنْ لاَ تَأْكُلَ. قال أبو محمد : حَمَلَ هَذَا الأَمْرَ تَمِيمٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَسَعُ أَحَدًا سِوَاهُ , وَتَمِيمٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ مَوْلًى لأََبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ : إذَا ذَبَحْتُمْ أَضَاحِيكُمْ فَأَطْعِمُوا , وَكُلُوا , وَتَصَدَّقُوا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا نَحْوُ هَذَا وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ ; وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : لَيْسَ لِصَاحِبِ الأُُضْحِيَّةِ إِلاَّ رُبُعُهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الضَّحِيَّةِ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ r بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ : لاَ تَأْكُلُوا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لأََنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ " لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ " لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r إنَّمَا هُوَ مِنْ ظَنِّ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ , يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْخَبَرِ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ مَذْكُورٌ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ , وَقَدْ حَمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ عليه السلام عَلَى الْوُجُوبِ , وَابْنُ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَلاَ تَأْكُلُوا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلاَثٍ. قَالَ عَلِيٌّ : حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ كَانَ عَامَ حَصْرِ عُثْمَانَ t وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ فَأَمَرَ لِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ جَهِدَ النَّاسُ وَدَفَّتْ الدَّافَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 986 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَبِيعَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا شَيْئًا : لاَ جِلْدًا , وَلاَ صُوفًا , وَلاَ شَعْرًا , وَلاَ وَبَرًا , وَلاَ رِيشًا , وَلاَ شَحْمًا , وَلاَ لَحْمًا , وَلاَ عَظْمًا , وَلاَ غُضْرُوفًا , وَلاَ رَأْسًا , وَلاَ طَرَفًا , وَلاَ حَشْوَةً , وَلاَ أَنْ يُصْدِقَهُ , وَلاَ أَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ , وَلاَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ شَيْئًا أَصْلاً , لاَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ , وَلاَ غِرْبَالاً , وَلاَ مُنْخُلاً , وَلاَ تَابِلاً ، وَلاَ شَيْئًا أَصْلاً. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ ذَلِكَ , وَيَتَوَطَّأَهُ , وَيَنْسَخَ فِي الْجِلْدِ , وَيَلْبَسَهُ , وَيَهَبَهُ وَيُهْدِيَهُ , فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِهِبَةٍ , أَوْ صَدَقَةٍ , أَوْ مِيرَاثٍ , فَلَهُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ عَلَى ذَبْحِهَا , أَوْ سَلْخِهَا شَيْئًا مِنْهَا , وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا , وَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا فُسِخَ أَبَدًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ قُلْت لأَبْنِ عُمَرَ : أَبِيعُ جِلْدَ بَقَرٍ ضَحَّيْت بِهَا فَرَخَّصَ لِي. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا يَتَصَدَّقُ بِإِهَابِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَاعَهُ إنْ شَاءَ. وَقَالَ أَيْضًا : لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ الأُُضْحِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ. وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ ، عَنْ جُلُودِ الأَضَاحِيِّ فَقَالَ : لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا ، وَلاَ دِمَاؤُهَا إنْ شِئْت فَبِعْ , وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ جُلُودِ الأَضَاحِيِّ , نِعْمَ الْغَنِيمَةُ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتَقْضِي النُّسُكَ , وَيُرْجَعُ إلَيْك بَعْضُ الثَّمَنِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى مِثْلِ هَذَا إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوا أَنْ يُبَاعَ بِهِ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ : صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ جِلْدِ الأُُضْحِيَّةِ وَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبَدِّلَ بِجِلْدِ الأُُضْحِيَّةِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَ، أَنَّهُ قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُشْتَرَى بِهِ الْغِرْبَالُ وَالْمُنْخُلُ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ , وَلَكِنْ يَبْتَاعُ بِهِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْغِرْبَالِ , وَالْمُنْخُلِ , وَالتَّابِلِ. قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ : أَيَبْتَاعُ بِهِ الْخَلُّ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَقُلْت لَهُ : فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْغِرْبَالِ قَالَ : فَقَالَ : لاَ تَشْتَرِ بِهِ الْخَلَّ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ. قال أبو محمد : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَطَرِيفٌ جِدًّا , وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَابِلِ , الْكَمُّونِ , وَالْفُلْفُلِ , وَالْكُسْبُرَةِ , وَالْكَرَاوْيَا , وَالْغِرْبَالِ , وَالْمُنْخُلِ. وَبَيْنَ الْخَلِّ , وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ , وَالْفَأْسِ , وَالْمِسْحَاةِ , وَالثَّوْبِ , وَالْبُرِّ , وَالنَّبِيذِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ وَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فِي ابْتِيَاعِ : التَّوَابِلِ , وَالْغِرْبَالِ , وَالْمَنَاخِلِ , مِنْ الرِّبَا وَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا لاَ يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ خِلاَفُ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ فَقُلْت لأَبْنِ عَبَّاسٍ : كَيْفَ نَصْنَعُ بِإِهَابِ الْبُدْنِ قَالَ : يُتَصَدَّقُ بِهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جِلْدِ الأُُضْحِيَّةِ سِقَاءً يُنْبَذُ فِيهِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مِنْ جِلْدِ أُضْحِيَّتِهِ مُصَلًّى يُصَلِّي فِيهِ. وَصَحَّ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : انْتَفِعُوا بِمُسُوكِ الأَضَاحِيِّ ، وَلاَ تَبِيعُوهَا. وَعَنْ طَاوُوس أَنَّهُ عَمِلَ مِنْ جِلْدِ عُنُقِ بَدَنَتِهِ نَعْلَيْنِ لِغُلاَمِهِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ لاَ يُعْطَى الْجَزَّارُ جِلْدَ الْبَدَنَةِ ، وَلاَ يُبَاعُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ مُجَاهِدًا , وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَرِهَا أَنْ يُبَاعَ جِلْدُ الْبَدَنَةِ تَطَوُّعًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً. قال أبو محمد : لَيْسَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ جُمْلَةً أَوْ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. قال علي : هذا حَقٌّ إذْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الأَضَاحِيِّ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : كُلُوا , وَأَطْعِمُوا , وَتَصَدَّقُوا , وَادَّخِرُوا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالأَدِّخَارُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْحَبْسِ , فَأُبِيحَ لَنَا احْتِبَاسُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا , فَلَيْسَ لَنَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الأُُضْحِيَّةَ إذَا قُرِّبَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَخْرَجَهَا الْمُضَحِّي مِنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ لَهُ النَّصُّ , فَلَوْلاَ الأَمْرُ الْوَارِدُ بِالأَكْلِ وَالأَدِّخَارِ مَا حُلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , فَخَرَجَ هَذَانِ ، عَنِ الْحَظْرِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَظْرِ. وَهُمْ يَقُولُونَ وَنَحْنُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا وَوَطْأَهَا وَعِتْقَهَا ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا , وَلاَ إصْدَاقُهَا , وَلاَ الإِجَارَةُ بِهَا , وَلاَ تَمْلِيكُهَا غَيْرَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا وَقَعَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فَيُفْسَخُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَأَمَّا مَنْ تَمَلَّكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ ، عَنْ يَدِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدُ فَلَهُ فِيهِ مَا لَهُ فِي سَائِرِ مَالِهِ ، وَلاَ فَرْقَ. 987 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَجَدَ بِالأُُضْحِيَّةِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى بِهَا وَلَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ السَّلاَمَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً صَحِيحَةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً , وَذَلِكَ لأََنَّهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الإِمْسَاكُ , فَلَمَّا بَطَلَ الرَّدُّ بِخُرُوجِهَا بِالتَّضْحِيَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَكْلُ مَالِ أَخِيهِ بِالْخَدِيعَةِ وَالْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَزَادَ عَلَى حَقِّهَا الَّذِي يُسَاوِيهِ , لأََنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ , إِلاَّ أَنْ يُحَلَّ لَهُ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَهُ ذَلِكَ , لأََنَّهُ حَقُّهُ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مُتَقَصًّى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. وَقَالَ تَعَالَى يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ فَالْخَدِيعَةِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. 988 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطَ السَّلاَمَةَ فَهِيَ مَيْتَةٌ وَيَضْمَنُ مِثْلَهَا لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ ، وَلاَ تُؤْكَلُ لأََنَّ السَّالِمَةَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ هِيَ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ. فَمَنْ اشْتَرَى سَالِمَةً وَأَعْطَى مَعِيبَةً فَإِنَّمَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى , وَإِذَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى فَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ , وَمَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. وَالتَّرَاضِي لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لاَ بِالْجَهْلِ بِهِ , فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ , وَالرِّضَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي عَقْدِ الصَّفْقَةِ لاَ بَعْدَهُ. وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَقَدْ تَعَدَّى , وَالتَّعَدِّي مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَظُلْمٌ , وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّكَاةِ فَهِيَ طَاعَةٌ لَهُ تَعَالَى , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْصِيَةٍ , فَالذَّبْحُ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَذَكَاةٌ , هُوَ غَيْرُ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ وَعُدْوَانٌ , وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلاَّ بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا , لاَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْعُدْوَانِ ; فَلَيْسَتْ ذَكِيَّةً فَهِيَ مَيْتَةٌ , وَمَنْ تَعَدَّى بِإِتْلاَفِ مَالِ أَخِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ , وَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ فَالثَّمَنُ مَرْدُودٌ. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ تَنَاقَضَ , إذْ حَرَّمَ أَكْلَ مَا ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ , وَقَدْ أَبَاحَ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الصَّيْدِ الَّذِي يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ بِالْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا أَبَاحَ هَؤُلاَءِ أَكْلَ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ حَقٍّ. 989 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَخْطَأَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لاَ تُؤْكَلُ , وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَلِلْغَائِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَهُوَ حَسَنٌ , لأََنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ , فَإِنْ ضُحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا , فَلَوْ ضَحَّى ، عَنِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا فَهُوَ حَسَنٌ , وَلَيْسَتْ مَيْتَةً , لأََنَّهُ النَّاظِرُ لَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.