محلى ابن حزم - المجلد الثالث1
مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ 836 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ ، وَلاَ صَوْمَ ; لإِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَنْ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَتَمَتَّعَ , فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهَا إلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ. وَقَدْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r أَهْلُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، رضي الله عنهم ، بِأَهْلِهِمْ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ.فَصَحَّ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَإِنَّمَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام بِمَكَّةَ أَرْبَعًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , ثُمَّ رَجَعْنَا ، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّهُ إنْ أَقَامَ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَلَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُذْ يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَى أَنْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يُقْصِرُ الصَّلاَةَ. وَإِنْ كَانَ مَكِّيٌّ لاَ أَهْلَ لَهُ أَصْلاً , أَوْ لَهُ أَهْلٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَتَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالأَهْلُ : هُمْ الْعِيَالُ خَاصَّةً هَاهُنَا ; لإِنَّ كُلَّ مَنْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قُرَيْشٍ فَإِنَّ أَهْلَهُمْ كَانُوا بِمَكَّةَ يَعْنِي أَقَارِبَهُمْ فَلَمْ يُسْقِطْ هَذَا عَنْهُمْ حُكْمَ الْهَدْيِ أَوْ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رَأْسٌ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ مِنْ الإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ , أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ بَيْنَ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ , أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لَحْمًا لِلأَكْلِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ لِنَذْرٍ أَوْ لِتَطَوُّعٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَاسْمُ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ , وَالْبَقَرَةِ , وَالْبَدَنَةِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ فِي ذَلِكَ الشَّاةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَرُوِيَ عَنْهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا فِي ذَلِكَ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ. كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ : صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت إلَى أَهْلِك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ ، عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ الشَّاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : شَاةٌ شَاةٌ , وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ ; لاَ ; بَلْ بَقَرَةٌ , أَوْ نَاقَةٌ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس التَّرْتِيبَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُوس يَزْعُمُ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : بِقَدْرِ يَسَارِ الرَّجُلِ إنْ اسْتَيْسَرَ جَزُورٌ فَجَزُورٌ , وَإِنْ اسْتَيْسَرَ بَقَرَةٌ فَبَقَرَةٌ , وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْسِرْ إلاَّ شَاةً فَشَاةً. قَالَ : وَكَانَ أَبِي يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا اسْتَيْسَرَ وَتَيَسَّرَ. قَالَ : فَإِنْ اسْتَيْسَرَ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِ , وَتَيَسَّرَ مَا شَاءَ. قال أبو محمد : وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ ، حدثنا أَبُو جَمْرَةَ هُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْته ، عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ : فِيهَا جَزُورٌ , أَوْ بَقَرَةٌ , أَوْ شَاةٌ , أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ ; وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَبِهَذَا نَأْخُذُ. فأما إجَازَةُ الشَّاةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ : وَأَمَّا الشِّرْكُ فِي الدَّمِ فَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ ; إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لاَ يَجُوزُ الشِّرْكُ فِي الدَّمِ إلاَّ بِأَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَهُ لِلْهَدْيِ , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُمْ. وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ : لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِأَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً , مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ , أَوْ كُلُّهُمْ مُفْتَدِينَ , وَنَحْوُ هَذَا. وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : كَمَا قلنا , إلاَّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَالُوا : لاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ : فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَابْنِ سِيرِينَ , كُلُّهُمْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : يَقُولُونَ : الْبَدَنَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , مَا أَعْلَمُ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنِ النَّفْسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا كُنْت أَشْعُرُ أَنَّ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنِ النَّفْسِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ أَعْلَمُ وَمَا يُرَاقُ ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ ; وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَكَمُ , وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ , مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ ، عَنْ هَذَا إلَى إجَازَةِ الاِشْتِرَاكِ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ هَاهُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ ، وَلاَ شَعَرَ بِهِ , وَلَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُوسَى الْعُقَيْلِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، حدثنا عَرِيفُ بْنُ دِرْهَمٍ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : الْجَزُورُ , وَالْبَقَرَةُ , عَنْ سَبْعَةٍ. قال أبو محمد : إجَازَتُهُ ، عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا , وَقَدْ جَاءَ هَذَا نَصًّا عَنْهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حدثنا مُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ : الْبَقَرَةُ , وَالْبَعِيرُ تُجْزِئُ ، عَنْ سَبْعَةٍ فَقَالَ : وَكَيْفَ أَلَهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ فَقُلْتُ لَهُ : إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ r الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي ; فَقَالَ الْقَوْمُ : نَعَمْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا شَعَرْتُ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عُمَرَ , وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ حَمَّادٌ , وَالْحَكَمُ , لَكِنْ كَرِهَاهُ فَقَطْ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُجِيزَانِ لِذَلِكَ , وَإِنَّمَا ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ رَأْيٌ لاَ ، عَنْ أَثَرٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ آنِفًا أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يُجِزْ الشَّاةَ فِي ذَلِكَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ عَمَّنْ يُهْدِي جَمَلاً فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاحِشِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ , أَوْ غَيْرُهُ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي مَكَان آخَرَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ r يَقُولُونَ : الْبَدَنَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ r يُشْرِكُونَ السَّبْعَةَ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الإِبِلِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الْبَدَنَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زَافِرٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ : أَنَا وَأُمِّي أَخَذْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مِنْ بَقَرَةٍ ، عَنْ سَبْعَةٍ فِي الأَضْحَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ : تُنْحَرُ الْبَدَنَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : الْبَقَرَةُ , وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ مُسْلِمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : الْبَقَرَةُ , وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : الْجَزُورُ , وَالْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَصَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ أَيْضًا ، عَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَغَيْرِهِمْ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ قَالَ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أُبَيٌّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، حدثنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ النَّبِيِّ r وَفِيهَا فَنَحَرَ عليه السلام ثَلاَثًا وَسِتِّينَ , فَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ , وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَحَرَ الْبَدَنَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ قال أبو محمد : فَصَحَّ هَذَا ، عَنِ النَّبِيِّ r وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ إلاَّ عَنْ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. فأما الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ ، عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَحَضَرَ النَّحْرُ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ ، عَنْ عَشَرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، حدثنا قَتَادَةُ قَالَ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : الْبَدَنَةُ ، عَنْ عَشَرَةٍ : فَهَذَا اخْتِلاَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , عَلَى أَنَّنَا إذَا تَأَمَّلْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْبَقَرَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَدَنَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ , وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. وَكَذَلِكَ الأَثَرُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَيْضًا إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام : نَحَرَ الْبَدَنَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْبَقَرَةَ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَهَذَا حَقٌّ وَدَيْنٌ , وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ مَنْ نَحَرَهُمَا ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ , أَوْ ، عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ". وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ. فَنَعَمْ , قَالَ : الْحَقُّ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ , وَلَيْسَ فِي هَذَا مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِذَلِكَ , وَإِلاَّ فَلاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّعْوَى. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيّ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذَبَحَ عَمَّنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا عُثْمَانُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَلاَ نَرَى إلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ r مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قال أبو محمد : كُنَّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ تِسْعًا خَرَجَتْ مِنْهُنَّ عَائِشَةُ لاَِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَكِنَّهَا أَرْدَفَتْ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا كَمَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ فَبَقِيَ ثَمَانٍ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ كَمَا تَسْمَعُ وَنَحَرَ عليه السلام عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ بَقَرَةً وَاحِدَةً فَهَذَا ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى ، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا : هَذَا لَفْظٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا , وَفِيهِ : فَأَتَيْنَا بِلَحْمٍ , فَقُلْتُ : مَا هَذَا قَالُوا : أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ عَمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيَّنَ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " وَفِيهِ قَالَتْ : فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ , فَقُلْتُ : مَا هَذَا قَالُوا : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ. فَبَيَّنَ سُفْيَانُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ نَفْسُهُ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَ كَانَتْ أَضَاحِيَ , وَالأَضَاحِيُّ غَيْرُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ ، عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ r فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَنَجْمَعَ النَّفَرَ مِنَّا فِي الْفِدْيَةِ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي هَدْيِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. قال أبو محمد : هَذَا سَنَدٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ , وَبَيَانٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ , وَالْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ ; فَنَظَرْنَا فِي الآيَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا يَقُولُ : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَجَازَ الاِشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ بِظَاهِرِ الآيَةِ. فإن قيل : فَمِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَطْ قلنا : لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هَدْيِ فَرْضٍ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ وَالثَّانِي : مَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ حُنَيْنٍ " وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مَعَ ظَاهِرِ الآيَةِ بِأَنَّ شَاةً تُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ , وَالإِحْصَارِ , وَالتَّطَوُّعِ , وَقَدْ عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَشْرَ شِيَاهٍ بِبَعِيرٍ. فَصَحَّ أَنَّ الشَّاةَ بِإِزَاءِ عُشْرِ الْبَعِيرِ جُمْلَةً ; ، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ كَالْبَعِيرِ فِي جَوَازِ الاِشْتِرَاكِ فِيهَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا. فَصَحَّ أَنَّ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ يُجْزِئَانِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ , وَعَشْرُ شِيَاهٍ تُجْزِئُ ، عَنْ عَشْرَةٍ , فَالْبَعِيرُ , وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، عَنْ عَشَرَةٍ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَبِهِ نَقُولُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ اخْتِلاَفِ أَغْرَاضِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْهَدْيِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لِلْبَيْعِ , أَوْ لِلأَكْلِ لاَ لِلْهَدْيِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْبَدَنَةُ , وَلاَ الْبَقَرَةُ مُذَكَّاةً لِلْهَدْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ إلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. وَحُجَّةُ زُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُحْصِرُ , وَالْمُتَمَتِّعُ , وَالْمُتَطَوِّعُ , وَالْقَارِنُ , فَلَمْ يَحْصُلْ مُذَكًّى لِمَا قَصَدَهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , وَالذَّكَاةُ لاَ تَتَبَعَّضُ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنْهُمْ فِي الْهَدْيِ وَ، أَنَّهُ قَالَ عليه السلام : الْبَقَرَةُ ، عَنْ سَبْعَةٍ , وَالْجَزُورُ ، عَنْ سَبْعَةٍ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ اتَّفَقَتْ أَغْرَاضُهُمْ مِمَّنْ اخْتَلَفَتْ ; وَإِنَّمَا أُمِرْنَا فِي الْهَدْيِ بِالتَّذْكِيَةِ وَبِالنِّيَّةِ عَمَّا يَقْصِدُهُ الْمَرْءُ , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَحَصَلَتْ الْبَدَنَةُ , وَالْبَقَرَةُ مُذَكَّاةٌ إذْ ذُكِّيَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرِ مَالِكِهَا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا ; ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا نِيَّةٌ , قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا فَأَحْكَامُ جُمْلَتِهَا أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ ; وَحُكْمُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا مَا نَوَاهُ فِيهِ مَالِكُهُ , وَلاَ فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ سَبْعَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ , أَوْ الْبَعِيرِ وَبَيْنَ سَبْعِ شِيَاهٍ ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ , وَإِنْ كَانَتْ أَغْرَاضُهُمْ مُتَّفِقَةً وَكَانَ سَبَبُهُمْ كُلُّهُمْ وَاحِدًا , فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْضِهِمْ , وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ بَعْضِهِمْ ; ، وَلاَ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْمُتَقَبَّلِ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ , وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَنْحَرَهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ , وَيَنْحَرَهُ إلاَّ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ ; فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , لاَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , وَإِذْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَالْهَدْيُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ , وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ وَاجِبٍ ، عَنْ وَاجِبٍ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ ; . وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ بَعْدُ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلاَ يُجْزِئُهُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ; وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَِنَّ هَذَا الْهَدْيَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ , وَلَمْ يَحُدَّ آخِرَ وَقْتَ وُجُوبِهِ بِحَدٍّ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَيْنٌ بَاقٍ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى ; وَالأَمْرُ بِهِ ثَابِتٌ حَتَّى يُؤَدَّى ; وَمَنْ خَصَّهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : لاَ يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ , وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ بَلْ هُوَ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ ; وَالْعَجَبُ مِنْ تَجْوِيزِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ وَإِجَازَةِ أَصْحَابِهِ لِمَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا : يُجْزِئُ فِي كُلِّ بَلَدٍ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ مَوْضِعَ أَدَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ , وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَصْرَهُ عَلَى مَكَان دُونَ مَكَان لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ , وَلاَ فِي هَدْيِ الْمُحْصِرِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فإن قيل : نَقِيسُ الْهَدْيَ عَلَى الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ إنْ صَحَّحْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيضِ الإِطْعَامِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا ; فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِكُمْ وَتَنَاقُضُهُ قال أبو محمد : لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ تَعَالَى وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ. فَجَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، وَأَنَّ الْبُدْنَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ . وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ كُلِّهِ كَحُكْمِ الْبُدْنِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : قَدْ نَحَرْتُ هُنَا , وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ : هَذَا الْمَنْحَرُ , وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَقَالَ عليه السلام فِي مِنًى : هَذَا الْمَنْحَرُ , وَفِجَاجُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَصَحَّ أَنَّهُ حَيْثُمَا نُحِرَتْ الْبُدْنُ , وَالإِهْدَاءُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَدْ أَصَابَ النَّاحِرُ , وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلاَّ مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصِرِ , وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ طَاوُوس , وَعَطَاءٍ قَالاَ : كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَهُوَ بِمَكَّةَ , وَالصِّيَامُ وَالإِطْعَامُ حَيْثُ شِئْتَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ : انْحَرْ حَيْثُ شِئْت. وَأَمَّا قَوْلُنَا : وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ سَاكِنِينَ فِي الْحَرَمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ فِي تَمَتُّعِهِ هَدْيٌ ، وَلاَ صَوْمٌ , وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي تَمَتُّعِهِ . وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ مُسِيءٌ فِي تَمَتُّعِهِ : قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَقَالَ الْمُخَالِفُونَ : لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; فَصَحَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. قال أبو محمد : لَيْسَ كَمَا قَالُوا ; لإِنَّ الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لاَ يُحَقِّقُ ; فَهُوَ لَهُمْ لاَ عَلَيْهِمْ. بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ , وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً , وَلاََحْلَلْتُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام ; فَأَخْبَرَ عليه السلام بِفَضْلِ الْمُتْعَةِ , وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ , وَأَسْقَطَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الْهَدْيَ ، عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالصَّوْمَ فِيهَا لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ , وَظَاهِرُهُ الرِّفْقُ بِهِمْ , لاَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ لِسُهُولَةِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلاِِمْكَانِهَا لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلاَفِ أَهْلِ الآفَاقِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ. وَيُبْطِلُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ : أَنَّ الآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ لَحُرِّمَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ ; وَهَذَا خِلاَفُ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْعُمْرَةِ , وَأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ. رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا الْحَجَّاجُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، وَوَكِيعٌ , قَالَ هُشَيْمٌ : حدثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ , وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ , قَالَ الْمُغِيرَةُ : عَنِ النَّخَعِيِّ , وَقَالَ يُونُسُ : عَنِ الْحَسَنِ , وَقَالَ وَكِيعٌ : عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ ; ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ , وَالْحَسَنُ , وَالنَّخَعِيُّ , قَالُوا كُلُّهُمْ : لَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَمَعْمَرٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : عَنْ عَطَاءٍ , وَقَالَ مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ ; ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ , وَعَطَاءٌ قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَكِّيِّ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ فَيَعْتَمِرُ مِنْهُ : إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَبِهَذَا نَقُولُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَتَمَتَّعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قال أبو محمد : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لإِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَزَعَمَ الْمَالِكِيُّونَ : أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لاِِسْقَاطِهِ سَفَرَ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ بَحْتٌ , وَالْعَجَبُ مِنْ تَسْهِيلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَفْتَضِحُونَ بِهِ مِنْ قُرْبٍ , وَيُقَالُ لَهُمْ : هَذِهِ الْعِلَّةُ نَفْسُهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ فَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ , وَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ عَلَيْهِ هَدْيًا ، وَلاَ صَوْمًا , ثُمَّ تَقُولُونَ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَا وَرَاءَ أَبْعَدِ الْمَوَاقِيتِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْهُ , وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ , أَوْ الشَّامِ , أَوْ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ ، وَلاَ صَوْمَ , وَلَمْ يَسْقُطْ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ , وَيَقُولُونَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ لاَ يُرِيدُ حَجًّا , وَكَانَتْ حَاجَتُهُ بِعُسْفَانَ , أَوَبِبَطْنٍ ; فَلَمَّا صَارَ بِهَا بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَحَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ : فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ إلَى الْحَجِّ , وَإِلَى الْعُمْرَةِ أَيْضًا ; وَلَعَمْرِي مَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ , أَوْ عَقْلٌ أَنْ يُطْلِقَ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ الْهَدْيُ هُوَ مَنْ ابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ لَهَا فِي أَحَدِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً , وَيُتِمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ إلَى أُفُقٍ أَبْعَدَ مِنْ مَنْزِلِهِ , أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ , أَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ , اعْتَمَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عُمَرًا كَثِيرَةً أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ , وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ , وَلاَ صَوْمَ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ , أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ عَمِلَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلاَّ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا : فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد قَالَ : سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ بِاَلَّذِي تَصْنَعُونَ يَتَمَتَّعُ أَحَدُكُمْ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ , وَلَكِنَّ الْحَاجَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ أَوْ كُسِرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً , وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ , وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : الْمُتْعَةُ لِمَنْ أُحْصِرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَيِّ أَشْهُرِ السَّنَةِ كَانَتْ عُمْرَتُهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ , فَهَذَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ ; وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يَحُجَّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ طَاوُوس قَالَ : إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ , وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا الْعُمَرِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ , وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ , وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ حَفْصٌ : عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَقَالَ وَكِيعٌ : عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا : مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ , ذَاكَ مَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَالَ يَحْيَى : عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا : مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَهَا , ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ , فَإِنْ خَرَجَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ حَتَّى يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ عَطَاءٌ عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ فَإِذَا سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ قَالَ : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ طَافَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ , رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ : أَحْرَمْنَا بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ فَسَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فَكُلُّهُمْ قَالَ : هِيَ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ ، عَنْ مَطَرٍ بِصَلاَتِهِ ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ فِي رَمَضَانَ وَطَافَ فِي شَوَّالٍ قَالاَ جَمِيعًا : عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي طَافَ فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَبَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا ; فَإِنْ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ , وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا , وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مَعْمَرٌ : عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إذَا دَخَلَ الْمُحْرِمُ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا , وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا مَكَثَ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَدْ اسْتَمْتَعَ , وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ , أَوْ الصِّيَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا : وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَنَّ قَوْمًا اعْتَمَرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : عَلَيْهِمْ الْهَدْيُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُعْتَمِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ : لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , قُلْت لَهُ : أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ قَالَ : بَلْ عِلْمٌ. قال أبو محمد : إنَّمَا وَافَقْنَا عَطَاءً فِي أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مَنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ فِي قَوْلِهِ : إنَّ مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا ثُمَّ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَلَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا , بَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ , وَأَبُو عَوَانَةَ , قَالَ أَبُو عَوَانَةَ : عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَقَالَ هُشَيْمٌ : أَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ قَالاَ : فِي الْمُتَمَتِّعِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ , وَإِنْ رَجَعَ إلَى بِلاَدِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : إنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ كَذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ , فَمَا دُونِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ , فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ , وَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ , ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا رَجَعَ إلَى مَا وَرَاءَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا , وَقَالُوا : مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّ عُمْرَتَهُ , فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ , فَإِنْ حَلَّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لاِِحْلاَلِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إلَى أُفُقٍ دُونَ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ , فَإِنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَلِكَ الَّذِي يَعْتَمِرُ فِي شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ , ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أُفُقِهِ أَوْ أُفُقٍ مِثْلِ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا , وَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَنْ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , ثُمَّ أَقَامَ أَوْ خَرَجَ إلَى مَا دُونَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ; فَإِنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْسِيمِهِ بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ وَالأَقَلِّ فِيمَا يَكُونُ بِهِ مُتَمَتِّعًا , فَقَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ ; ، وَلاَ قِيَاسٍ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ : قال أبو محمد : وَهَذِهِ 837 - مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُتْعَةِ , وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْحَائِضَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلاَِنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ الْمُعْتَمِرَ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ الْمُرِيدَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى الآثَارِ الْوَارِدَةِ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِأَمْرِهِ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ , وَمَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالإِحْلاَلِ ; وَالاِحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الآثَارِ لِقَوْلٍ أَبِي حَنِيفَةَ جَهْلٌ مُظْلِمٌ وَقَوْلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ , أَوْ تَعَمُّدٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَكِلاَهُمَا بَلِيَّةٌ ; لإِنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الآثَارِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ مِنْ الْمُفْرِدِينَ لِلْحَجِّ وَالْقَارِنِينَ بِالإِحْلاَلِ , وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ; وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مُعْتَمِرًا لَمْ يُقْرِنْ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذِكْرِنَا عَمَلَ الْحَجِّ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ السَّعْيِ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَهُلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلاَ لَهُ أَيْضًا مُتَعَلَّقٌ فِي ذَلِكَ لاَ بِقُرْآنٍ , وَلاَ بِسُنَّةٍ , وَلاَ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا : لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ أَصْلاً , وَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي سَائِرِ الأَقْوَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ : أَحَدُهَا : مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ , وَالثَّانِي : مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ; وَالثَّالِثُ : مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ; وَالرَّابِعُ : هَلْ الْمُتَمَتِّعُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْ لَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا : فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا فَوَجَدْنَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قَدْ خَالَفُوهُ ; وَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ ; بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خَطَئِهِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إدْرَاكِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ : مُحْصَرًا , وَلَمْ يُسَمِّهِ : مُتَمَتِّعًا وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ , قَالَ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَقَالَ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَفَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَ اسْمَيْهِمَا وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا ; فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ طَاوُوس : إنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ , وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ , فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا إلاَّ مَنْ حَجَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ , أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ , أَوْ اعْتَمَرَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا , وَبَعْضَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا , وَفِيمَنْ أَقَامَ مِنْ هَؤُلاَءِ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْ لَكِنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاَةُ أَوْ لاَ تُقْصَرُ , أَوْ إلَى مِيقَاتٍ أَوْ وَرَاءَ مِيقَاتٍ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ , ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَكَانَ كُلُّ هَؤُلاَءِ مُمْكِنًا فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ : مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , وَمُمْكِنًا أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمُ : مُتَمَتِّعٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِعَ عَلَى أَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةِ هَدْيٍ أَوْ إيجَابُ صَوْمٍ بِالظَّنِّ إلاَّ بِبَيَانٍ جَلِيٍّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ ذَلِكَ , فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ r بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى , فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ ; فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ r إنَّمَا أَمَرَ بِهَذَا أَصْحَابَهُ الْمُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , وَهُمْ قَوْمٌ ابْتَدَءُوا الإِحْرَامَ لِعُمْرَتِهِمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجُّوا فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَخَرَجَ بِهَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ كُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ أَقَلِّهَا ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُخَاطِبْ بِهَذَا الْحُكْمِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِلاَ شَكٍّ وَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ فِي أَمْرِ هَؤُلاَءِ بِيَقِينٍ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ : إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا دُونَ أَنْ يَقُولَ : إنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ; ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ هُوَ الأَكْثَرُ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَقَلِّ ; لإِنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَك وَعِنْدَنَا إحْرَامُ مُدَّةٍ ثُمَّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ , ثُمَّ سَبْعَةِ أَطَوَافً بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; فَالْبَاقِي بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا مَضَى لَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ : إنْ عَمِلَ مِنْ عُمْرَتِهِ شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ : مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا دُونَ أَنْ تَقُولَ : إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ; ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً ; وَكِلْتَا الدَّعْوَتَيْنِ تُعَارِضُ الآُخْرَى , وَكِلْتَاهُمَا لاَ شَيْءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ أَمْرُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى بَلَدِهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ , أَوْ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ , أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ , أَوْ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ : فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُبَيِّنِ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ إقَامَةً بِمَكَّةَ وَتَرْكَ خُرُوجٍ مِنْهَا أَصْلاً وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيَانَهُ حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيَانٍ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ , وَظَنٍّ كَاذِبٍ , وَتَدَافُعٍ مِنْ الأَقْوَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَوْلُهُ r فِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ : وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ بَيَانٌ بِإِبَاحَةِ الْمُهْلَةِ بَيْنَ الإِحْلاَلِ وَالإِهْلاَلِ ; ، وَلاَ مَانِعَ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْهُمْ ، رضي الله عنهم ، حَاجَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ ، عَنْ مَكَّةَ لَهَا فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الإِقَامَةُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ : إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ : إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَهَكَذَا يُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ : إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا وَهَلاَّ خَصَّصَتْ بِسُقُوطِ التَّمَتُّعِ مَنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَقَطْ ; وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا : هَلاَّ قُلْتُمَا مَنْ خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ : قال أبو محمد : لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلاً إلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَنَقُولُ لِمَنْ قَالَ هَذَا : قُلْت الْبَاطِلَ , وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ ، وَلاَ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ ، وَلاَ مِنْ مِيقَاتٍ ، وَلاَ بُدَّ ; بَلْ أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الاِسْتِطَاعَةِ لِلْحَجِّ لَوْ خَرَجَ تَاجِرًا أَوْ مُسَافِرًا لِبَعْضِ الأَمْرِ قَبْلَ مِقْدَارٍ مَا إنْ أَرَادَ الْحَجَّ كَانَتْ لَهُ مُهْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا أَهَلَّ فِيهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ عَلَى سَعَةٍ وَمَهْلٍ , فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ أَصْلاً , وَأَنَّهُ إنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَتِهِ فَقَرُبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ بِمُسْتَطِيعٍ لَهُ فَحَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَتَمِّ مَا يَلْزَمُهُ , وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَأْتِ لِلْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لاَ خِلاَفَ فِيمَنْ جَازَ عَلَى مِيقَاتٍ لاَ يُرِيدُ حَجًّا , وَلاَ عُمْرَةً , وَلاَ دُخُولَ مَكَّةَ لَكِنْ لِحَاجَةٍ لَهُ فِي رِهَاطٍ أَوْ فِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِهْلاَلُ مِنْ هُنَالِكَ , وَأَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , وَقَدْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَإِنَّهُ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ , وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ , وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ بَلَدِ الإِنْسَانِ , أَوْ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ , أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِ , وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ , وَلاَ الْعُمْرَةِ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ الْفَاسِدَةُ جِدًّا , وَكَانَ تَعَارُضُهَا وَتَوَافُقُهَا بُرْهَانًا فِي فَسَادِ جَمِيعِهَا , فَإِنْ قَالَ مَنْ قَالَ : إنَّهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ ; لإِنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَتُّعُ قلنا لَهُ : قَدْ قُلْتَ الْبَاطِلَ , وَاحْتَجَجْت لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ , وَلِدَعْوَى كَاذِبَةٍ , وَكَفَى بِهَذَا مَقْتًا. فَإِنْ قَالَ : إنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ قلنا : قُلْت الْبَاطِلَ وَادَّعَيْت مَا لاَ يَصِحُّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَك لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْك ; لإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ , وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ كَذَلِكَ , بَلْ الْهَدْيُ عَلَيْهِ , أَوْ الصَّوْمُ ; فَهَلاَّ إذْ كَانَ عِنْدَك مَنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَمَا دُونَهُ إلَى مَكَّةَ يَصِيرُ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ , جَعَلْت أَيْضًا الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَنْهُمَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَيْضًا. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ : إنْ خَرَجَ إلَى مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ : مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَصْلاً. فَإِنْ قَالَ : لاَِنَّهُ قَدْ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ قلنا : نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمَا الَّذِي جَعَلَ سَفَرَهُ مُسْقِطًا لِلْهَدْيِ , وَالصَّوْمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ هَاتُوا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ فِي إيجَابِهِمْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ : أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ : قال أبو محمد : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ t وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي أَوَّلِهِ : تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ إثْرَ هَذَا الْكَلاَمِ صِفَةَ عَمَلِ النَّبِيِّ r فَذَكَرَ أَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَذَكَرَ صِفَةَ الْقِرَانِ. وَهَكَذَا صَحَّ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ , وَعَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَسٍ , وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ عليه السلام إذْ أَهْدَوْا بِأَنْ لاَ يَحِلُّوا إنَّمَا كَانُوا قَارِنِينَ وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهِ فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قال قائل : قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ; ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ , أَوْ الصَّوْمُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ , وَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ عُمْرَتِهِ , وَحَجِّهِ مِنْ مَكَّةَ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ أَمْ لاَ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ قلنا : هَذَا خَطَأٌ , وَمَا أَجْمَعَ النَّاسُ قَطُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ ; وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْمُحْصَرُ لاَ مَنْ حَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ , وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الإِجْمَاعِ مَعَ وُرُودِ بَيَانِ النَّبِيِّ r ; لإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا إيجَابَ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ عليه السلام مَا لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَيْهَا ; وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ بَلْ إذَا تَنَازَعَ النَّاسُ رَدَدْنَا ذَلِكَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ لاَ نُرَاعِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ بَيَانِ السُّنَّةِ فِي أَحَدِ أَقْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : لاَ يَجِبُ الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا فَحَسَنٌ , وَإِلاَّ فَحَسَنٌ ; فَإِنَّ مَالِكًا وَمَنْ قَلَّدَهُ قَالَ : لاَ يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يُبْتَاعُ فِي الْحَرَمِ إلاَّ أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ ، وَلاَ بُدَّ ; وَإِلاَّ فَلاَ يُجْزِئُ إنْ كَانَ وَاجِبًا ; فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْحَرَ بِمِنًى , فَإِنْ اُبْتِيعَ الْهَدْيُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ أَجْزَأَ , وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ وَالإِبِلُ , وَالْبَقَرُ , وَالْغَنَمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ : لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ : وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ , وَسُفْيَانُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : لاَ مَعْنَى لِلتَّعْرِيفِ بِالْهَدْيِ سَوَاءٌ اُبْتِيعَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ , إنْ عَرَّفَ فَجَائِزٌ , وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَجَائِزٌ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لاَ قَبْلَهُ ، وَلاَ مَعَهُ , وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا أَصْلاً لاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ سَلَفٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ مَعْنَى. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ , وَإِسْرَائِيلَ , وَيُونُسَ بْنِ يُونُسَ , قَالَ حَجَّاجٌ : عَنْ عَطَاءٍ ; وَقَالَ إسْرَائِيلُ : عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، عَنْ طَاوُوس " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَرَّفَ بِالْبُدْنِ. قال علي : وهذانِ مُرْسَلاَنِ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ , ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ , وَإِسْرَائِيلَ , وَثُوَيْرًا كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ , لإِنَّ هَذَا فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِمَالِكٍ لاَِنَّهُ شَرَطَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا , وَهَدْيُ النَّبِيِّ r إنَّمَا سِيقَ مِنْ الْمَدِينَةِ بِلاَ خِلاَفٍ ; وَمَالِكٌ لاَ يُوجِبُ التَّوْقِيفَ بِعَرَفَةَ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الْحِلِّ. وَيُحْتَجُّ لِقَوْلِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قُلِّدَ , وَسِيقَ , وَوُقِفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُلُّ هَدْيٍ لَمْ يُشْعَرْ وَيُقَلَّدْ وَيُفَضْ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ إنَّمَا هِيَ ضَحَايَا. قَالَ عَلِيٌّ : مَالِكٌ لاَ يُحْتَجُّ لَهُ بِهَذَا ; لاَِنَّهُ لاَ يَرَى التَّرْكَ لِلتَّقْلِيدِ وَلِلإِشْعَارِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنْ شِئْت فَعَرِّفْ الْهَدْيَ , وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُعَرِّفْ بِهِ إنَّمَا أَحْدَثَ النَّاسُ السِّيَاقَ مَخَافَةَ السُّرَّاقِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : دَعَا الأَسْوَدُ مَوْلًى لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِمَا قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ , فَقَالَ : نَعَمْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت : أُعَرِّفُ بِالْهَدْيِ فَقَالَتْ : لاَ عَلَيْك أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس : لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْرِيفِ بَدَنَةٍ أُدْخِلَتْ مِنْ الْحِلِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ هَدْيًا إلاَّ مَا عُرِّفَ بِهِ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً. قال أبو محمد : لَمْ يَأْتِ أَمْرٌ بِتَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ يَجِبُ إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا , وَلاَ قِيَاسَ يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا ; لإِنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّاسَ لاَ الإِبِلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : وَلاَ هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ غَيْرُ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ , وَهُوَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ سَوَاءٌ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ فَإِنَّ مَالِكًا , وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي تَعْوِيضِ الصَّوْمِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا , وَلَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ عِنْدَهُمَا هَدْيٌ , وَلاَ صَوْمٌ إنْ قَرَنَ , كَمَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّمَتُّعِ. وقال مالك : لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ مَكِّيًّا قَرَنَ. وقال أبو حنيفة : إنْ تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ هَدْيَ , وَلاَ صَوْمَ وَإِنْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ ، وَلاَ بُدَّ ; ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهُ صَوْمٌ وَجَدَ هَدْيًا أَوْ لَمْ يَجِدْ ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ : وَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ قَالَ : فَإِنْ تَمَتَّعَ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ قَرَنَ ; فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ وُجُوهٌ جَمَّةٌ مِنْ الْخَطَأِ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ تَقْسِيمٌ لاَ يُعْرَفُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ , وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ قِرَانِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ. الثَّالِثُ تَعْوِيضُهُ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ , وَمَنْعُهُ مِنْ تَعْوِيضِهِ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ الْمَكِّيِّ ; كُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ لاَ سَلَفَ لَهُ فِيهِ , وَلاَ دَلِيلَ أَصْلاً. فَقَالُوا : إنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَرَنَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي إسَاءَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْ هَدْيهِ دَمٌ وَهَذَا قَاتِلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا دَاخِلٌ فِي أَعْظَمِ الإِسَاءَةِ وَأَشَدِّ الإِثْمِ , وَقَدْ عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا وَإِطْعَامًا وَخَيَّرَهُ فِي أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ وَهَذَا الْمُحْصَرُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ بَلْ مَأْجُورٌ مَعْذُورٌ وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا ، وَلاَ إطْعَامًا ; فَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِشَرْعِ الشَّرَائِعِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ وَأَيْضًا : فَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُمْ إذَا تَمَتَّعَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ أَوْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا , فَإِنْ كَانَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ هَدْيًا كَاَلَّذِي جَعَلُوا فِي الْقِرَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ إذَا قَرَنَ فِي إسَاءَةٍ فَهَلْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُونَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ الْمَكِّيُّ ، وَلاَ غَيْرُهُ مُسِيئًا فِي قِرَانِهِ ، وَلاَ فِي تَمَتُّعِهِ بَلْ هُمَا مُحْسِنَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ ، وَلاَ فَرْقَ ; فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَظِيمِ تَنَاقُضِهِ وَفَسَادِهِ , وَأَمَّا مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , فَإِنَّهُمَا قَاسَا الْقِرَانَ عَلَى الْمُتْعَةِ فِي الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد : الْقِيَاسُ كُلُّهُ خَطَأٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْخَطَأِ ; لاَِنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ ; لإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْعَلُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً ، وَلاَ يَجْعَلُ الْقَارِنُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَنَا لاَ يَطُوفُ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا ، وَلاَ يَسْعَى إلاَّ سَعْيًا وَاحِدًا وَالْمُتَمَتِّعُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْقَارِنَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ وَالْمُتَمَتِّعُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ , وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ ، وَلاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ. فَإِنْ قَالُوا : الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ هِيَ إسْقَاطُ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قلنا : هَذِهِ عِلَّةٌ مَوْضُوعَةٌ لاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلاَنَهَا مِرَارًا , وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَعَمِلَ عُمْرَتَهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ إثْرَ إحْلاَلِهِ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ، وَلاَ صَوْمَ ; وَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ إلَى مَا دُونَ التَّنْعِيمِ دَاخِلَ الْعَامِ لِحَاجَةٍ فَلَمَّا صَارَ هُنَالِكَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا ، وَلاَ عُمْرَةً بَدَا لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ; ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ ، وَلاَ صَوْمَ عِنْدَهُمَا ; وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ جَمِيعًا سَفَرَ الْحَجِّ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ. ثُمَّ يَقُولاَنِ فِيمَنْ حَجَّ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ إثْرَ ظُهُورِ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ , ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ , أَوْ إلَى مَدِينَةِ الْفُسْطَاطِ , وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّة عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ : فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ , وَهُوَ لَمْ يُسْقِطْ سَفَرًا أَصْلاً ; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لاَ عِلَّةَ أَفْسَدَ مِنْهَا , وَلاَ أَبْطَلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِمَّنْ يَرَى الْهَدْيَ فِي الْقِرَانِ بِأَنْ قَالَ : قَدْ صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْقِرَانَ : تَمَتُّعًا , وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ ; فَإِذْ الْقِرَانُ تَمَتُّعٌ فَالْهَدْيُ فِيهِ , أَوْ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ. قال أبو محمد : لاَ يَخْتَلِفُ هَؤُلاَءِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ غَيْرُهُمْ فِي أَنَّ عَمَلَ الْمُهِلِّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا هُوَ عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلِ الْمُهِلِّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ , ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ بِإِهْلاَلٍ آخَرَ مُبْتَدَأً ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَبْكَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إلاَّ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ عليه السلام بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ ; ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْعَلَ مَعَ عُمْرَتِهِ حَجًّا. فَصَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ r مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِالْهَدْيِ , أَوْ الصَّوْمِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَارِنَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ : دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ قَالَتْ : فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي , وَخَرَجَ بِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ , وَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ , وَلاَ صَدَقَةٌ , وَلاَ صَوْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا : طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَصَحَّ أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً , وَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام فِي ذَلِكَ هَدْيًا ، وَلاَ صَوْمًا. فإن قيل : إنَّهَا ، رضي الله عنها ، رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا. قلنا : إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا حَلَّتْ مِنْهَا فَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَخْبَرَهَا أَنَّ طَوَافَهَا وَسَعْيَهَا يَكْفِيهَا لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكْفِيَهَا ، عَنْ عُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا ; وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا رَفَضَتْهَا وَتَرَكَتْهَا بِمَعْنَى أَخَّرَتْ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَتْ وَسَعَتْ لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا مَعًا فَنَعَمْ , وَهَذَا قَوْلُنَا. فإن قيل : فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ فَجَعَلَ قَوْلَهَا , وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ ، وَلاَ صَوْمٌ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ قلنا : فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُمَيْرٍ , وَعَبْدَةَ جَعَلاَهُ مِنْ كَلاَمِ عَائِشَةَ , وَمَا ابْنُ نُمَيْرٍ دُونَ وَكِيعٍ فِي الْحِفْظِ , وَالثِّقَةِ , وَكَذَلِكَ عَبْدَةٌ ; وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ قَالَتْهُ هِيَ , وَقَالَهُ هِشَامٌ , وَنَحْنُ أَيْضًا نَقُولُهُ. فإن قيل : قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى ، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا : نَعَمْ , وَقَدْ بَيَّنَ مَعْنَى ذَلِكَ الإِهْدَاءِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ أَضَاحِيَ , لاَ هَدْيَ مُتْعَةٍ , وَلاَ هَدْيًا ، عَنْ قِرَانٍ. قال أبو محمد : وَقَالُوا : قَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَجَابِرٍ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى الْقَارِنِ قلنا : أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ , فَعَبْدُ السَّلاَمِ ضَعِيفٌ , وَأَبُو مَعْشَرٍ مِثْلُهُ ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ t. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ جَابِرٍ فَرُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِغَيْرِ هَدْيٍ فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَّا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ , فَمُوسَى ضَعِيفٌ , وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ عَجِبَ أَلْبَتَّةَ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا ; لإِنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنْ الْقِرَانِ دُونَ أَنْ يَسُوقَ مَعَ نَفْسِهِ هَدْيًا , وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَلَكَانَ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ مَعَ قَوْمٍ ، عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مَا كَفَّارَتُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : كَفَّارَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرَيْنِ , وَيَرْجِعُونَ بِأَجْرٍ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لاََفْتَاهُمْ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَرَنَ بَيْنَ حَجٍّ , وَعُمْرَةٍ , وَلَمْ يُهْدِ قَالَ الْحَكَمُ : وَقَرَنَ أَيْضًا شُرَيْحٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , وَلَمْ يُهْدِ. فإن قيل : فَقَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَقِيلَ لَهُ : إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : شَاةٌ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : الصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ قلنا : نَعَمْ , وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ابْنَ عُمَرَ فِي هَذَا ; وَمِنْ التَّلاَعُبِ فِي الدِّينِ أَنْ تُوجِبُوا قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , أَوْ مَالِكٍ , أَوْ الشَّافِعِيِّ , وَغَيْرَ حُجَّةٍ إذَا خَالَفَهُمْ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ , مِنْ مُعْتَمِرٍ , أَوْ قَارِنٍ , أَوْ مُتَمَتِّعٍ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ ; فَفَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ , فَإِنْ تَرَدَّدَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ الطَّوَافَ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ , وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِأَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ , فَإِنْ خَرَجَ ، عَنْ مَنَازِلِ مَكَّةَ فَتَرَدَّدَ خَارِجًا مَاشِيًا , فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ إلاَّ الَّتِي تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَظِرَ طُهْرَهَا لِتَطُوفَ لَكِنْ تَخْرُجُ كَمَا هِيَ ; فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ فَلاَ بُدَّ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى تَطْهُرَ , وَتَطُوفَ , وَتُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكِرَى وَالرُّفْقَةُ : فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ : حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ فَذَكَرَتْ حَيْضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ عليه السلام : أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فَلْتَنْفِرْ. قال أبو محمد : فَمَنْ خَرَجَ وَلَمْ يُوَدِّعْ مِنْ غَيْرِ الْحَائِضِ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضًا لاَزِمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا نَفَرُوا وَلَمْ يُوَدِّعُوا فَرَدَّهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَدَّعُوا. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ. وقال مالك : بِتَحْدِيدِ مَكَان إذَا بَلَغَهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : رَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِسَاءً مِنْ ثَنِيَّةَ هَرْشَى كُنَّ أَفَضْنَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ حِضْنَ فَنَفَرْنَ فَرَدَّهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطُفْنَ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ بَلَغَ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَا صَنَعَ فَتَرَكَ صُنْعَهُ الأَوَّلَ. قال أبو محمد : هَرْشَى هِيَ نِصْفُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بَيْنَ الأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الأَبْوَاءِ وَبِهَا عَلَمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلاَمَةً ; لاَِنَّهُ نِصْفُ الطَّرِيقِ. وَقَدْ رُوِيَ أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْتَيَاهُ فِي الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ , ثُمَّ تَحِيضُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ ". قال أبو محمد : الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ دَاخِلاً فِي جُمْلَةِ أَمْرِهِ عليه السلام أَنْ لاَ يَنْفِرَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَعُمُومُهُ , وَكَأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عليه السلام الْحَائِضَ الَّتِي أَفَاضَتْ بِأَنْ تَنْفِرَ حُكْمًا زَائِدًا مَبْنِيًّا عَلَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ لِيُسْتَعْمَلَ الْخَبَرَانِ مَعًا ، وَلاَ يُخَالَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : مَنْ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ بِنِسْيَانٍ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ مِنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلْيَرْجِعْ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا مُمْتَنِعًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ , فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ فَلاَِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَرْضٌ. وَقَالَ تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ , وَذُو الْقَعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَيْسَ هُوَ فِي حَجٍّ , وَلاَ فِي عُمْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ , وَلاَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ , وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ , وَلاَ إحْرَامَ إلاَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ لِطَوَافٍ مُجَرَّدٍ فَلاَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ , أَوْ حَتَّى وَطِئَ عَمْدًا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ , فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : إنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ فَأَمَرَ عليه السلام بِالرَّمْيِ الْمَذْكُورِ , وَأَمْرُهُ فَرْضٌ , وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ حَرَجَ فِي تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاقٍ مَا دَامَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَيْءٌ , وَلاَ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ; لاَِنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إنْ ذَكَرَ , وَهُوَ بِمِنًى رَمَى , وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفِرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُبْطِلُ حَجَّ الْمُسْلِمِ بِأَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَمْنَى مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ , وَلاَ نَهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ أَصْلاً لاَ فِي قُرْآنٍ , وَلاَ فِي سُنَّةٍ , وَلاَ جَاءَ بِإِبْطَالِ حَجَّةٍ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ حَجَّهُ بِتَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , وَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ , وَقَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافٌ وَاحِدٌ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا , وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا , كَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ : فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُمْ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي , ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحْلِقْ , وَلاَ قَصَّرَ , وَلاَ أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ , وَقَالَ : هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ , وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا , وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ النَّفَرِ : يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَأَبَتْ , فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : يُجْزِي عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ; وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهَا , وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ : مَا شَأْنُكِ قَالَتْ شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ , وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ , وَلَمْ أَحْلِلْ , وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي , ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا أَشْهَبُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَاهُ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , ثُمَّ حَلُّوا , ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ ; وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ ، حدثنا أَبُو الْمُصْعَبِ , وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَكَانِيُّ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : لِلْقَارِنِ سَعْيٌ وَاحِدٌ , وَلِلْمُتَمَتِّعِ سَعْيَانِ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : يَكْفِيك لَهُمَا طَوَافُك الأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَعْنِي الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ : حَلَفَ لِي طَاوُوس مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِلْقَارِنِ طَوَافًا وَاحِدًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ خِلاَفَ مَا يَحْفَظُ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : لَوْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا تُخِصُّ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَكُنْتُ مُهْدِيًا يَعْنِي سُوقَ الْهَدْيِ قَبْلَ الإِحْرَامِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَالزُّهْرِيِّ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَدَاوُد , وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ , وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصُّبَيّ بْنَ مَعْبَدٍ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ , وَلَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمَا وَأَهْدَى , وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , فَقَالَ عُمَرُ : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ , ويَاسِين الزَّيَّاتِ قَالَ يَاسِين : عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ وَقَالَ عَبَّادٌ : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ , ثُمَّ قَعَدَ فِي الْحِجْرِ سَاعَةً , ثُمَّ قَامَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لِحَجِّهِ , ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ. وَرُوِيَ ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ; وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أُذَيْنَةَ ; وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ , وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَزِيَادِ بْنِ مَالِكٍ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو نَصْرِ بْنُ عَمْرٍو , وَالرَّجُلُ السُّلَمِيُّ , وَالرَّجُلُ الْعُذْرِيُّ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُذَيْنَةَ , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ كُلُّهُمْ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَطُوفُ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ , ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادُ بْنُ مَالِكٍ , وَأَبُو إِسْحَاقَ كِلاَهُمَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ , وَسَعْيَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : إذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي , وَالشَّعْبِيِّ , وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَرُوِيَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ; وَأَشَارَ نَحْوَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَهَا هُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ : حدثنا جَهْمُ بْنُ وَاقِدٍ الأَنْصَارِيُّ سَأَلَتْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ : قَرَنْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَالَ : تَطُوفُ طَوَافَيْنِ بِالْبَيْتِ وَيُجْزِئُك سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ ; فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا ; لاَِنَّهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ. قال أبو محمد : أَمَّا مَا شَغَبَ بِهِ , مَنْ يَرَى أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَسَاقِطٌ كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يَصِحُّ مِنْهُ , وَلاَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ , وَلَكِنَّهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ صَحِيحٌ إلاَّ عَنِ الأَسْوَدِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. أَمَّا حَدِيثُ الضَّبِّيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ الضَّبِّيَّ , وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ , وَلاَ أَدْرَكَ عُمَرَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ , وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ : مُجَاهِدٌ , وَمَنْصُورٌ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الضَّبِّيِّ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ طَوَافًا , وَلاَ طَوَافَيْنِ , وَلاَ سَعْيًا , وَلاَ سَعْيَيْنِ أَصْلاً ; وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَطْ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ ; ثُمَّ هُوَ أَيْضًا ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ; ، وَلاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ , فَعَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ , ويَاسِين , وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ , فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ , وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَوَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَعُرْوَةَ , عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَرِوَايَةُ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ , كِلاَهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُفُونَاتِ الذَّفِرَةِ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَلِيٍّ فَأَبُو نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُذَيْنَةَ , وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ , وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ , وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ هُمْ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ عَلِيًّا ، وَلاَ وَلَدًا إلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ , وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِهِ , فَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَلَمْ يُولَدْ إلاَّ سَنَةَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ بَعْدَهَا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَرِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرِوَايَةَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً , وَرِوَايَةَ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ , وَرِوَايَةَ مَالِكٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ كُلِّ مَنْ قَرَنَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِهَذِهِ النَّطَائِحِ الْمُتَرَدِّيَاتِ , وَهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ يَكْدَحُ فِيهِ مَا جَاءَ بَعْدَهُ لَوْ جَاءَ فَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ مُطْرَحٌ قال أبو محمد : وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي رَوَاهُ طَاوُوس , وَمُجَاهِدٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرَوَاهُ عَطَاءٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ جَابِرٍ , وَرَوَاهُ طَاوُوس ، عَنْ سُرَاقَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنِ النَّبِيِّ r دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَحْتَاجَ الْعُمْرَةُ إلَى عَمَلٍ غَيْرِ عَمَلِ الْحَجِّ , وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ ; وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ السُّقَّاطِ الَّذِينَ يُؤْنَسُ بِالْخَيْرِ فَقْدُهُمْ مِنْهُ , وَيُوحَشُ مِنْهُ وُجُودُهُمْ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي الثَّابِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِنْ أَمْرِهِ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ يَطُوفَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا : هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ , نَعَمْ , إنَّهُ لَمِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ الثِّقَةِ الْمَأْمُونِ , لاَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ , وَعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ , ويَاسِين الزَّيَّاتِ , الْمُطْرَحَيْنِ الْمَتْرُوكَيْنِ. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ : أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْمَذْكُورِ ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ عُمْرَةً فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ أُذَيْنَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ حُجَّةً خَالَفَ لَهَا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ , وَلَمْ يَجْعَلْ مَا رَوَاهُ ابْنُ أُذَيْنَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ : مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عُمْرَةً : حُجَّةً , فَمَا هَذَا التَّلاَعُبُ وَلَئِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةً : إنَّهَا لَحُجَّةٌ فِي الْوَجْهِ الآخَرِ , وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي الآخَرِ. ثُمَّ اعْتَرَضُوا فِي الآثَارِ الْوَارِدَةِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ مُتَمَتِّعًا , وَلَوْ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا يَسْتَحْيِي مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ , ثُمَّ مِنْ الَّذِي إلَيْهِ مَعَادُهُ عَزَّ وَجَلَّ : لَرَدَعَهُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ. وَهَذَا الْخَبَرُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفِيهِ مِنْ تَمَتُّعِ رَسُولِ اللَّهِ r بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَوَصَفَ عَمَلَ الْقِرَانِ وَسَمَّاهُ : تَمَتُّعًا. وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِرَ بِهَذِهِ الْعَظِيمَةِ يُنَاظِرُ الدَّهْرَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ قَارِنًا , ثُمَّ أَضْرَبَ ، عَنْ ذَلِكَ الآنَ وَجَعَلَ يُوهِمُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا , وَهَذَا مِنْ الْغَايَةِ فِي السَّمَاجَةِ وَالصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ , وَاعْتَرَضَ فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ r اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ , وَدَعِي الْعُمْرَةَ , وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ , وَامْتَشِطِي , وَانْقُضِي رَأْسَكِ , وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَأَوْهَمَ هَذَا الْمُكَابِرُ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ : أَنَّهَا أَحَلَّتْ مِنْ الْعُمْرَةِ ; وَهَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ مَعْنَى اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ , وَدَعِي الْعُمْرَةَ , وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ , وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ أَنْ تَدَعَ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَتَتْرُكَهُ , وَتَرْفُضَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ حَيْضِهَا , وَتُدْخِلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا , فَتَكُونَ قَارِنَةً , فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ حِينَئِذٍ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْحَجِّ. وَأَمَّا نَقْضُ الرَّأْسِ وَالاِمْتِشَاطُ فَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الإِحْرَامِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ : بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r لَهَا حِينَئِذٍ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكْفِيَهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِعُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا لَوْلاَ الْهَوَى الْمُعْمِي الْمُصِمُّ الْمُقْحِمُ فِي بِحَارِ الضَّلاَلَةِ بِالْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا كَفَاهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا اللَّذَيْنِ كَانَتْ قَارِنَةً بَيْنَهُمَا ; هَذَا مَا لاَ يَحِيلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ , وَلَمْ يَجِدْ مَا يُمَوِّهُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ , وَلاَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الصَّحَابَةِ طَافُوا لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. فَرَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ : إنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي حَجِّهِ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ , فَلَمْ يَقُلْ مَا قَالَ إلاَّ عَنْ عِلْمٍ فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ : إنَّك تَنْسِبُ إلَى عَلِيٍّ الْبَاطِلَ , وَقَوْلاً لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ قَطُّ , ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ أَبْطَنَ بِالنَّبِيِّ r وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ عَلِيٍّ ; وَإِذْ صَارَ عَلِيٌّ هَاهُنَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَإِطْرَاحُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ ; وَأَقْوَالِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لِقَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ , فَهَلاَّ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ , وَمِنْ قَوْلِهِ : إنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسَ شِيَاهٍ ; وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ لِمَا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا تَرَكُوا هَاهُنَا وَلَكِنَّ الْهَوَى إلَهٌ مَعْبُودٌ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا رُوِيَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ قَالَتْ لاُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي بَيْعِهَا غُلاَمًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ , ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا : أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إنْ لَمْ يَتُبْ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ , وَجَابِرٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ , وَلَكِنْ حَسْبُهُمْ وَنَصْرُ الْمَسْأَلَةِ الْحَاصِلَةِ الْحَاضِرَةِ بِمَا يُمْكِنُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى – التَّوْفِيقُ 837 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ : الْمَعِيبُ , وَالسَّالِمُ أَحَبُّ إلَيْنَا ، وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ مِنْ الإِبِلِ , وَلاَ مِنْ الْبَقَرِ , وَلاَ مِنْ الْغَنَمِ , إلاَّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ r ، عَنِ الْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ عَرَجُهَا , وَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا , وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا , وَالْعَجْفَاءِ الَّتِي لاَ تُنَقَّى , وَأَنْ لاَ يُضَحَّى بِشَرْقَاءَ , وَلاَ خَرْقَاءَ , وَلاَ مُقَابِلَةٍ , وَلاَ مُدَابِرَةٍ , إنَّمَا جَاءَ فِي الأَضَاحِيّ نَصًّا , وَالآُضْحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ وَافَقْنَا الْمُخَالِفَ عَلَى اخْتِلاَفِ حُكْمِ الْهَدْيِ وَالآُضْحِيَّةِ فِي الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ , وَحُكْمُهُ إذَا عَطِبَ قِبَلَ مَحِلِّهِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ الْهَدْيِ عَلَى الأَضَاحِيّ فِي مَكَان , وَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي مَكَان آخَرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مُفَرِّقٍ بَيْنَ ذَلِكَ , وَالْهَدْيُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ , وَلاَ تَجُوزُ الآُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ; فَبَطَلَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْجَذَعَةُ : فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ , وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لاُِطْعِمَ أَهْلِي , وَجِيرَانِي , وَأَهْلَ دَارِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَعِدْ نُسُكًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عِنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَقَالَ عليه السلام : هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ , وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ عليه السلام وَابْتِدَاءُ قَضِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الآُضْحِيَّةَ لَوْ قَالَ عليه السلام : وَلاَ تُجْزِئُ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك , فَكَانَ يَكُونُ الضَّمِيرُ مَرْدُودًا إلَى الآُضْحِيَّةَ ; لَكِنْ ابْتَدَأَ عليه السلام فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ جَذَعَةٌ ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهَا ; فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا جَزَاءَ الصَّيْدِ بِنَصِّ قوله تعالى : فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ فَعَمَّ تَعَالَى أَيْضًا , وَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْجَذَعُ بِمِثْلِهِ , وَالصَّغِيرُ بِمِثْلِهِ , وَالْمَعِيبُ بِمِثْلِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 838 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَ , فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ , فَإِنْ غَطَّى قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ , فَلاَ يُسَمَّى : عُرْيَانَ , فَإِنْ انْكَشَفَ سَاهِيًا لَمْ يَضُرَّهُ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْمُحَرِّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى مَكَّةَ بِبَرَاءَةَ كُنَّا نُنَادِي أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ , وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ. وَقَالَ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ. 839 - مَسْأَلَةٌ : وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ , وَلِلنُّفَسَاءِ , وَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ عَلَى الْحَائِضِ فَقَطْ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَنَعَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ حَاضَتْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا عليه السلام بِأَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ , وَلَمْ يَنْهَهَا ، عَنِ الطَّوَافِ ; فَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ r كَمَا بَيَّنَ أَمْرَ الْحَائِضِ , وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إجَازَتِهِمْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ , وَالْمُزْدَلِفَةِ , وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ , وَبَيْنَ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ إلاَّ حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ فَقَطْ. رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَرَ الطَّهَارَةَ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا فِي الْحَيْضِ خَاصَّةً لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. 840 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ إلاَّ شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ , أَوْ أَشْوَاطٌ , فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَتَقْطَعُ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ طَافَتْهُ , وَلَهَا أَنْ تَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; لاَِنَّهَا لَمْ تُنْهَ إلاَّ عَنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ. وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى إجَازَةِ كُلِّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ , لإِنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَنْهَهَا ، عَنْ ذَلِكَ , فَكَذَلِكَ لَمْ يَنْهَ الْجُنُبَ , وَلاَ النُّفَسَاءَ , عَنِ الطَّوَافِ , وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 841 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِكَلَلٍ بَنَى عَلَى مَا طَافَ , وَكَذَلِكَ السَّعْيُ ; لاَِنَّهُ قَدْ طَافَ مَا طَافَ كَمَا أُمِرَ فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ , فَلَوْ قَطَعَهُ عَابِثًا فَقَدْ بَطَلَ طَوَافُهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَطُفْ كَمَا أُمِرَ. 842 - مَسْأَلَةٌ : وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رَاكِبًا جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ : لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ثَنِيّ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : طَافَ النَّبِيُّ r فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَبِلاَلاً أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ , وَعُرْوَةَ : الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r . 843 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ التَّبَاعُدُ ، عَنِ الْبَيْتِ عِنْدَ الطَّوَافِ إلاَّ فِي الزِّحَامِ ; لإِنَّ التَّبَاعُدَ عَنْهُ عَمَلٌ بِخِلاَفِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَبَثٌ لاَ مَعْنَى لَهُ فَلاَ يَجُوزُ. 844 - مَسْأَلَةٌ : وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ جَائِزٌ , وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ , وَعِنْدَ غُرُوبِهَا , وَيَرْكَعُ عِنْدَ ذَلِكَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الزُّهْرِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ بِإِسْنَادِهِ : وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ , وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : الطَّوَافُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّلاَةُ حِينَئِذٍ إثْرَ الطَّوَافِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ : وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ قال أبو محمد : إنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ ، عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً فَمَنْ أَجَازَ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَقَدْ تَحَكَّمَ بِلاَ دَلِيلٍ. 845 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ فِي رَمْيِ الْجَمْرَةِ , وَالْحَلْقِ , وَالنَّحْرِ , وَالذَّبْحِ , وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ , وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , أَنْ تُقَدِّمَ أَيَّهَا شِئْت عَلَى أَيُّهَا شِئْت لاَ حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَادَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ , وَلاَ حَرَجَ , وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ , وَأَتَاهُ آخَرُ وَقَالَ : إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ ، عَنْ شَيْءٍ إلاَّ قَالَ : افْعَلُوا ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَفَ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ , وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ قَالَ : فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلاَّ قَالَ : اصْنَعْ ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْمُصْعَبِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ : اذْبَحْ ، وَلاَ حَرَجَ , فَقَالَ آخَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ : ارْمِ ، وَلاَ حَرَجَ , فَمَا سُئِلَ ، عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ , وَلاَ أُخِّرَ إلاَّ قَالَ : افْعَلْ ، وَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ r قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ , وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ , وَالتَّقْدِيمِ , وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ : لاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَمِنْ قَائِلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ : لاَ حَرَجَ لاَ حَرَجَ , ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قال أبو محمد : فَأَخَذَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً مِنْ أَهْلِهِ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ. وَرُوِّينَا عَنْهُ غَيْرَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ أَيْضًا : حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُمَرَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَصِّرَ , ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَفِيضَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ ، حدثنا رَوْحٌ ، حدثنا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ : رَجُلٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ : خَالَفَ السُّنَّةَ , قُلْت : مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ : إنَّك لَضَخْمُ اللِّحْيَةِ , وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا الصَّاغَانِيُّ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، عَنْ قَوْمٍ حَلَقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْبَحُوا قَالَ : أَخْطَأْتُمْ السُّنَّةَ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا أَخْطَئُوا السُّنَّةَ ، وَلاَ خَالَفُوهَا ; لإِنَّ مَا أَبَاحَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَمْ يَرَ فِيهِ حَرَجًا فَهُوَ سُنَّةٌ لَكِنْ تَرَكُوا الأَفْضَلَ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى قَبْلَ الآُولَى قَالَ : يَرْمِي الَّتِي تَرَكَ وَأَجْزَأَهُ. وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ بَدَأَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الْبَيْتِ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ , وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ أَتَى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ بِمَكَّةَ ثَانِيَ يَوْمِ النَّحْرِ قَدْ بَدَأَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ , ثُمَّ الْوُسْطَى , ثُمَّ الآُخْرَى قَالَ : فَسَأَلْت فُقَهَاءَ مَكَّةَ ، عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ صَدَقَةَ قَالَ : سَأَلْت طَاوُوسًا , وَمُجَاهِدًا عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ قَالاَ : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَدَاوُد , وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ غَيْرُ هَذَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا سَلاَّمُ بْنُ مُطِيعٍ وَهُوَ أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَهْرَقَ دَمًا , وَقَرَأَ ، وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ صَدَقَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قال أبو محمد : أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَاهِيَةٌ ; لاَِنَّهَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ , وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ : فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ الْفِدْيَةُ , وَاحْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَغَفْلَةٌ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهَذَا ; لإِنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ , أَوْ لَمْ يَذْبَحْ ، وَلاَ نَحْرَ إذَا دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْهَدْيُ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَحَلَّ الْحَلْقُ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى حَتَّى تَنْحَرُوا أَوْ تَذْبَحُوا , وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ عليه السلام. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَذْبَحَ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ , وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُهُ : إنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ ثَلاَثَةُ دِمَاءَ ; فَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ ; فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ , فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وقال مالك : إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِي فَعَلَيْهِ دَمٌ. وقال الشافعي : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَّرَ أَوْ قَدَّمَ إلاَّ مَنْ طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قال أبو محمد : كُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لاَِنَّهَا كُلَّهَا دَعَاوَى بِلاَ دَلِيلٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ فأما تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ , وَإِيجَابُ زُفَرَ ثَلاَثَةَ دِمَاءَ عَلَى الْقَارِنِ , وَدَمًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ , وَتَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ , وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّحْرِ , وَالذَّبْحِ , وَتَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ , وَبَيْنَ سَائِرِ مَا قُدِّمَ وَأُخِّرَ : فَأَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْقَائِلِ بِهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 846 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يَبِتْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى فَقَدْ أَسَاءَ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلاَ نَكْرَهُ لَهُمْ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ مِنًى ; بَلْ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , وَمُحَمَّدِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِمَا ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا يَوْمًا. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى لَيْسَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ r مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَأَذِنَ لَهُ. قال أبو محمد : فَأَهْلُ السِّقَايَةِ مَأْذُونٌ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ , وَبَاتَ عليه السلام بِمِنًى وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَبِيتِ بِهَا , فَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ , وَلَيْسَ فَرْضًا , لإِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ أَمْرُهُ r فَقَطْ. فإن قيل : إنَّ إذْنَهُ لِلرِّعَاءِ وَتَرْخِيصَهُ لَهُمْ وَإِذْنَهُ لِلْعَبَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ بِخِلاَفِهِمْ قلنا : لاَ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ مِنْهُ عليه السلام أَمْرٌ بِالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ , فَكَانَ يَكُون هَؤُلاَءِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ سَائِرِ مَنْ أُمِرُوا , وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ أَمْرٌ عليه السلام فَنَحْنُ نَدْرِي أَنَّ هَؤُلاَءِ مَأْذُونٌ لَهُمْ , وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ ، وَلاَ مَنْهِيًّا فَهُمْ عَلَى الإِبَاحَةِ : رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " لاَ يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ أَيَّامَ مِنًى " وَصَحَّ هَذَا عَنْهُ t وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا ; وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَبِيتَ بِغَيْرِ مِنًى أَيَّامَ مِنًى , وَلَمْ يَجْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ بَأْسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتَ بِهَا لَيَالِي مِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إذَا رَمَيْت الْجِمَارَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْت. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فِي ضَيْعَتِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ وَآخِرَهُ بِمِنًى أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمِنًى وَآخِرَهُ بِمَكَّةَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مَنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا يَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَبِتْ بِمِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : إذَا بَاتَ دُونَ الْعَقَبَةِ أَهْرَقَ دَمًا. وقال أبو حنيفة : بِمِثْلِ قَوْلِنَا , وَقَالَ سُفْيَانُ : يُطْعِمُ شَيْئًا , وقال مالك : مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِغَيْرِ مِنًى أَوْ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ , فَإِنْ بَاتَ الأَقَلَّ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وقال الشافعي : مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فِي غَيْرِ مِنًى فَلْيَتَصَدَّقْ بِمُدٍّ فَإِنْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ , فَمُدَّانِ فَإِنْ بَاتَ ثَلاَثًا فَدَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثُ دَمٍ , وَفِي لَيْلَتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ وَفِي ثَلاَثِ لَيَالٍ دَمٌ قال أبو محمد : هَذِهِ الأَقْوَالُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا يَعْنِي الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ أَوْ بِإِيجَابِ دَمٍ , أَوْ بِمُدٍّ , أَوْ مُدَّيْنِ , أَوْ ثُلُثِ دَمٍ , أَوْ ثُلُثَيْ دَمٍ , أَوْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَبِيتِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ , أَوْ أَقَلَّهُ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوْلُ بِهِ لاَ يَجُوزُ , وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ , وَلاَ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ سَلَفًا أَصْلاً , لاَ مِنْ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ تَابِعٍ. 847 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ رَمَى يَوْمَيْنِ , ثُمَّ نَفَرَ , وَلَمْ يَرْمِ الثَّالِثَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ , وَمَنْ رَمَى الثَّالِثَ فَهُوَ أَحْسَنُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وقال أبو حنيفة : إنْ نَفَرَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ إلَى اللَّيْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْمِي الثَّالِثَ : قال علي : وهذا خَطَأٌ , وَحُكْمٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ. 848 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَرْأَةُ الْمُتَمَتِّعَةُ بِعُمْرَةٍ إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَفَرْضُهَا أَنْ تُضِيفَ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا إنْ كَانَتْ تُرِيدُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهَا وَتَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ , فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ , وَهَذَا لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r عَائِشَةَ بِذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. 849 - مَسْأَلَةٌ ، وَلاَ يَلْزَمُ الْغُسْلُ فِي الْحَجِّ فَرْضًا إلاَّ الْمَرْأَةَ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ تُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَتَحِيضُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَهَذِهِ تَغْتَسِلُ ، وَلاَ بُدَّ وَتُقْرِنُ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا ; وَالْمَرْأَةُ تَلِدُ قَبْلَ أَنْ تُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ , أَوْ بِالْقِرَانِ : فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ , وَلْتُهِلَّ بِالْحَجِّ : لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ r قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : r إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. وَلاَِمْرِهِ عليه السلام , أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ إذْ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ ; وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِائْتِمَارِهَا لَهُ عليه السلام , وَأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَغْتَسِلاَ لَكَانَتَا عَاصِيَتَيْنِ , وَقَدْ أَعَاذَهُمَا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ ذَلِكَ. 850 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ تَعَمَّدَ مَعْصِيَةً أَيَّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِحَجِّهِ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ لِلإِفَاضَةِ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ ; فَإِنْ أَتَاهَا نَاسِيًا لَهَا , أَوْ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ : فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نِسْيَانِهَا , وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي نِسْيَانِهِ كَوْنَهُ فِيهِمَا , وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ بَرَاءَتُهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ , فَمَنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْهُمَا فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ , وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلاَ حَجَّ لَهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إبْطَالُهُمْ الْحَجَّ بِتَقْبِيلِهِ امْرَأَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فَيُمْنِي وَلَمْ يَنْهَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ، عَنْ هَذَا ; ثُمَّ لاَ يُبْطِلُونَهُ بِالْفُسُوقِ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ , وَتَرْكِ الصَّلاَةِ , وَسَائِرِ الْفُسُوقِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وأعجب مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَجَّ بِوَطْءِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُ بِالنِّسْيَانِ , قَالَ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ الْحَجَّ بِتَعَمُّدِ الْقَصْدِ إلَى أَنْ يَلُوطَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ يُلاَطَ بِهِ , فَهَلْ فِي الْفَضَائِحِ وَالْقَبَائِحِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ وأعجب شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي أَنَّ تَعَمُّدَ الْفُسُوقِ لاَ يُبْطِلُ بَلْ الرِّوَايَاتُ ، عَنِ السَّلَفِ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا. وَرُوِيَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّا لَنُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَخْشَى أَنْ لاَ أَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى أُخْرِجَ إحْرَامِي , أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ وَإِنَّ شُرَيْحًا كَانَ إذَا أَحْرَمَ فَكَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ 851 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَجْدِيدُ الإِحْرَامِ فَلْيَفْعَلْ وَيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ وَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ لإِنَّ إحْرَامَهُ الأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ وَأَفْسَدَهُ , وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ لاَ يَجُوزُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : فِي سِبَابِ الْمُحْرِمِ دَمٌ ; وَهُمْ يَجْعَلُونَ الدَّمَ فِيمَا لاَ يُكْرَهُ فِيهِ مِنْ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ يَجْعَلُونَهُ فِي السِّبَابِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ. 852 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ مَغْصُوبٍ , أَوْ جَلاَّلٍ بَطَلَ حَجُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ , وَأَمَّا مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَأَنْفَقَهُ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَتَوَلَّ هُوَ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ. أَمَّا الْمَغْصُوبُ , فَلاَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ وَأَمَّا وُقُوفُهُ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلِمَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ ، حدثنا عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ أَبِي قَيْسٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْجَلاَّلَةِ فِي الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ التَّنُّورِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ رُكُوبِ الْجَلاَّلَةِ. قال أبو محمد : وَالْجَلاَّلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَفُهَا الْجُلَّةُ وَهِيَ الْعَذِرَةُ ; فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ ; لاَِنَّهُ عَاصٍ فِي وُقُوفِهِ عَلَيْهِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ طَاعَةٌ وَفَرْضٌ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ ، عَنِ الطَّاعَةِ وَقَالَ عليه السلام : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَمَنْ وَقَفَ بِهَا حَامِلاً لِمَالٍ حَرَامٍ , فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ بَلْ وَقَفَ عَاصِيًا , فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ , وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَمَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِلْحَرَامِ عَالِمًا بِهِ فَلَيْسَ عَاصِيًا , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ تَعَالَى مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَقَدْ وَقَفَ كَمَا أُمِرَ , وَعَفَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَالِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَطَرِيقُهُ : فَهُوَ إنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ فَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَعْصِيَةَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ فَلَمْ يَخْلِطْ فِي عَمَلِهِ الْوَاجِبِ عَمَلاً مُحَرَّمًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ الْجَلاَّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ عَمَلِ حَجِّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَالْمَعْصِيَةُ : فُسُوقٌ ; وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى بُطْلاَنِ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى الْفَرْضَ رَاكِبًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ ; لإِنَّ كِلَيْهِمَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ. 853 - مَسْأَلَةٌ : وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ , وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ ; لإِنَّ عَرَفَةَ مِنْ الْحِلِّ , وَبَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ ; وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ ; وَبَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ غَيْرُ مُزْدَلِفَةَ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا جَعْفَرُ الصَّائِغُ ، حدثنا أَبُو نَصْرٍ النِّمَارُ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا ، عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ , وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا ، عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ. 854 - مَسْأَلَةٌ : وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ رَمْيُهَا رَاكِبًا حَسَنٌ ; أَمَّا رَمْيُهَا بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ ، عَنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ : فإن قيل : قَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَصَى الْجِمَارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ , وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا تَسُدُّ الطَّرِيقَ قلنا : نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَإِنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ رَمْيُ هَذِهِ الْحَصَى مِنْ عَمْرٍو فَيُسْتَقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ , وَقَدْ يَتَصَدَّقُ الْمَرْءُ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَقْبَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ; ثُمَّ يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنَ آخَرُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَتُقْبَلُ مِنْهُ. وَأَمَّا رَمْيُهَا رَاكِبًا : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ , لاَ ضَرْبَ , وَلاَ طَرْدَ , وَلاَ إلَيْكَ إلَيْكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ : رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الآخِرَتَيْنِ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاجِلاً أَفْضَلُ ; وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ بَلْ رَمْيُهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ r . 855 - مَسْأَلَةٌ : وَيُبْطِلُ الْحَجَّ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلاَلِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا ; لاَِنَّهُ فِي عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ أَيْضًا حَجُّ الْمَوْطُوءَةِ وَعُمْرَتُهَا قَالَ تَعَالَى فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ ; فَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَحُجَّ , وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أُمِرَ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا النَّاسِي , وَالْمُكْرَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. 856 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ كَمَا قلنا , قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ رَفَثَ وَلَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ عَرَفَةَ ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وقال مالك : إنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بَطَلَ حَجُّهُ , وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ , وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْحَجُّ عَرَفَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لإِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِ، أَنَّهُ قَالَ : وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَبِ، أَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً فَكَانَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ هُوَ الْحَجُّ كَعَرَفَةَ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَوْلُهُ عليه السلام : الْحَجُّ عَرَفَةَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ غَيْرَ عَرَفَةَ أَيْضًا ; وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَصَدَ عَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا فَلَمْ يُحْرِمْ ، وَلاَ لَبَّى , وَلاَ طَافَ , وَلاَ سَعَى فَلاَ حَجَّ لَهُ ; فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ عليه السلام : الْحَجُّ عَرَفَةَ. 857 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ وَطِئَ عَامِدًا كَمَا قلنا فَبَطَلَ حَجُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلٍ فَاسِدٍ بَاطِلٍ لاَ يُجْزِئُ عَنْهُ لَكِنْ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ , فَإِنْ أَدْرَكَ تَمَامَ الْحَجِّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لاَ يُدْرِكُ تَمَامَ الْحَجِّ فَقَدْ عَصَى , وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ هَدْيَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ شَيْءَ ; إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ , فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا : فَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ t أَنْ يَتَمَادَيَا فِي حَجِّهِمَا , ثُمَّ يَحُجَّانِ مِنْ قَابِلٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَعَلَيْهَا , وَهَذَا مُرْسَلٌ ، عَنْ عُمَرَ ; لاَِنَّهُ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدُ عُمَرَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَيَتَفَرَّقَانِ إذَا حَجَّا مِنْ قَابِلٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ ، عَنْ عَلِيٍّ , لاَِنَّهُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَالْحَكَمُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَالاً مِنْهَا : أَنْ يَتَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ , وَقَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ مِنْ الدَّمِ صِيَامًا. وَعَنِ ابْنِ عَمْرٍو , وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ , وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيقًا. وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ , وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ قَابِلٍ قَبْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ. وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِلْمُجَامِعِ : أُفٍّ لاَ أُفْتِيكَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ عَرَفَةَ : فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَبَدَنَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزُورٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لاَ هَدْيَ إلاَّ عَلَى الْمُحْصَرِ. وقال أبو حنيفة : إنْ وَطِئَ قَبْلَ عَرَفَةَ تَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا حَجٌّ ; قَابِلٌ وَهَدْيٌ وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ ، وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ , فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ عَرَفَةَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. قال أبو محمد : فَكَانَ مِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ حَجُّهُ أَجْزَأَهُ هَدْيُ شَاةٍ وَإِذَا تَمَّ حَجُّهُ لَمْ يُجِزْهُ إلاَّ بَدَنَةٌ , وَهَذَا تَقْسِيمٌ مَا رُوِيَ ، عَنْ أَحَدٍ ; فَإِنْ تَعَلَّقَ بِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , وَهَذَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ هَدْيًا أَصْلاً ، وَلاَ أَمَرَ بِالتَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ فَمِنْ الْخَطَأِ تَمَادِيهِ عَلَى عَمَلٍ لاَ يُصْلِحُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ; لاَِنَّهُ مُفْسِدٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ , فَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُصْلِحُ عَمَلَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً ; وَمَنْ أَلْزَمهُ التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ , ثُمَّ أَلْزَمَهُ حَجًّا آخَرَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ حَجَّتَيْنِ , وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَبْطَلَ صَلاَتَهُ أَنَّهُ لاَ يَتَمَادَى عَلَيْهَا فَلِمَ أَلْزَمُوهُ التَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ ابْنَ عَبَّاسٍ , وَعُمَرَ , وَعَلِيًّا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ التَّفَرُّقِ فَلاَ نَكِرَةَ فِيمَنْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي قَوْلٍ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهُ , وَإِنَّمَا هُمْ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا , فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوجَبُ هَدْيٌ بِغَيْرِ قُرْآنٍ , وَلاَ عَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ , وطَاوُوس فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ : أَنَّ حَجَّهُ يَصِيرُ عُمْرَةً وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَبَدَنَةٌ فَلَمْ يَرَيَا عَلَيْهِ التَّمَادِي فِي عَمَلِ الْحَجِّ. وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى حَدِّهِمَا يَعْنِي الْمِيقَاتَ وَيُهِلاَّنِ بِعُمْرَةٍ , وَيَتَفَرَّقَانِ , وَيُهْدِيَانِ هَدْيًا هَدْيًا. وَعَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ قَالَ : عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا أَصْلاً. وقال مالك : إنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ جَامَعَهَا ; فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَهَدْيُ بَدَنَةٍ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ , فَكَانَ إيجَابُ الْعُمْرَةِ , هَاهُنَا عَجَبًا لاَ يُدْرَى مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُهُ الْهَدْيَ وَتَقْسِيمُهُ وَقْتَ الْوَطْءِ ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وقال الشافعي : إنْ وَطِئَ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ , ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ، عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا , فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا قَوْلاً لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ يُوجَدُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 858 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ , وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ : فَحَجُّهُ تَامٌّ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ : إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا ; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عليه السلام الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَقِفْ فِي وَقْتٍ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِيهِ فِيهِ. وَقَدْ تَيَقَّنَ الإِجْمَاعُ مِنْ الصَّغِيرِ , وَالْكَبِيرِ , وَالْخَالِفِ , وَالسَّالِفِ : أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ حَجَّ لَهُ , وَكَذَلِكَ إنْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا الْعَاشِرَةُ , وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. 859 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِعِلْمٍ أَوْ بِخَبَرٍ صَادِقٍ : أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ إلاَّ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةً تُوجِبُ أَنَّهَا الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ , وَإِلاَّ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : شَهِدَ نَفَرٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ فَذَهَبَ بِهِمْ سَالِمٌ إلَى ابْنِ هِشَامٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَوَقَفَ سَالِمٌ بِعَرَفَةَ لِوَقْتِ شَهَادَتِهِمْ , ثُمَّ دَفَعَ , فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَفَ مَعَ النَّاسِ. 860 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ , أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ فِي عَقْلِهِ فَإِحْرَامُهُ صَحِيحٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ , أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَحَجُّهُ تَامٌّ ; لإِنَّ الإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لاَ يُبْطِلاَنِ عَمَلاً تَقَدَّمَ أَصْلاً , وَلاَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ أَصْلاً ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ : فَذَكَرَ النَّائِمَ حَتَّى يَنْتَبِهَ وَالْمُبْتَلَى حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ بِمُوجِبِ بُطْلاَنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فَقَطْ , فَإِذَا أَفَاقُوا صَارُوا عَلَى حُكْمِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 861 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ , أَوْ جُنَّ , أَوْ نَامَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يُفِقْ , وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ , فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ , سَوَاءٌ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَقِفْ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ , أَوْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَلَمْ يُفِقْ ، وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ ; فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَامَتْ , أَوْ جُنَّتْ , أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ تُفِقْ ، وَلاَ انْتَبَهَتْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ , فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا , وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِهَا بِمُزْدَلِفَةَ , أَوْ لَمْ يَقِفْ , لإِنَّ الأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجْزِي عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَيْهِ مُؤَدًّى بِإِخْلاَصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ ; وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ فِي الأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ بِهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا , وَلاَ حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا , وَلاَ يُجْزِي أَنْ يَقِفَ بِهِ غَيْرُهُ هُنَالِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً مَرَّ بِعَرَفَةَ مُجْتَازًا لَيْلَةَ النَّحْرِ نَزَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْزِلْ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهَا عَرَفَةُ فَلاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ ، وَلاَ حَجَّ لَهُ حَتَّى يَقِفَ بِهَا قَاصِدًا إلَى الْوُقُوفِ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا , فَقَالَ مَالِكٌ : لاَ يُجْزِئُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ ، عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ أَجْزَأَ كُلُّ عَمَلٍ فِي الْحَجِّ بِلاَ نِيَّةٍ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : أَعْمَالُ الْحَجِّ كُلُّهَا تَجْزِي بِلاَ نِيَّةٍ , وَلَوْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّ ، وَلاَ يَنْوِي إلاَّ التَّطَوُّعُ أَجْزَأَهُ ، عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ , وَقَدْ أَجْمَعُوا لَوْ أَنَّ امْرَأً عَلَيْهِ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا , أَوْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَصَلَّى أَرْبَعًا تَطَوُّعًا أَنَّ ذَلِكَ لاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ , وَأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ تَطَوُّعًا أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَأَجْمَعُوا إلاَّ زُفَرَ : أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ فَقَطْ , أَوْ لاَ يَنْوِي بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ مِنْ صَوْمِ الْفَرْضِ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّوْمِ , وَالصَّلاَةِ , وَالزَّكَاةِ , وَالْحَجِّ لَوْ نَصَحُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَخْبَرَ أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا , وَسَمِعَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ حَجَّ يُلَبِّي ، عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ اجْعَلْ حَجَّكَ هَذَا ، عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ ، عَنْ شُبْرُمَةَ. قلنا : أَمَّا إخْبَارُهُ عليه السلام أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا فَخَبَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِهِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عليه السلام ذَلِكَ الْحَجَّ جَازِيًا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ , فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْكُمْ , وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا كَمَا قَالَ عليه السلام وَهُوَ تَطَوُّعٌ لاَ يُجْزِئُ ، عَنِ الْفَرْضِ , وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ لِلصَّبِيِّ صَلاَةً وَصَوْمًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ مِنْهُ وَلَهُ , وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r كَمَا حَجَّ بِهِمْ مَعَهُ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا خَبَرُ شُبْرُمَةَ فَلاَ يَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَجَّهُ ، عَنْ شُبْرُمَةَ يُجْزِي ، عَنِ الَّذِي حَجَّ عَنْهُ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّةَ عَلَى نَفْسِهِ , وَفِي هَذَا إيجَابٌ لِلنِّيَّةِ بِهَا ، عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ , أَوْ نَذْرٍ , وَعَلَيْهِ حَجٌّ نَذَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَحَجَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ , وَعَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ , وَتِلْكَ الْحَجَّةُ تُجْزِئُهُ ، عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِ الإِسْلاَمِ , وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ مَالِكِيٌّ : الْحَجُّ كَصَوْمِ الْيَوْمِ إذَا دَخَلَ فِيهِ بِنِيَّةٍ , ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَهُ قلنا : لَيْسَ كَذَلِكَ ; لإِنَّ الْحَجَّ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَغَايِرَةٌ يَحُولُ بَيْنَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالتَّلْبِيَةِ , وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ , وَمُزْدَلِفَةَ , وَرَمْيِ الْجِمَارِ , وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ نِيَّةٍ لَهُ. وَأَمَّا الإِحْرَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ لاَ يَنْفَصِلُ فَيُجْزِئُهُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إحَالَةَ نِيَّتِهِ أَوْ إبْطَالَ إحْرَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 862 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ ذَكَرَ هَذَا الإِنْسَانُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ مَعَ الإِمَامِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 863 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَصَيِّدًا لَهُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ أَوْ عُمْرَتُهُ لِبُطْلاَنِ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ الآيَةَ , فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا فِي إحْرَامِهِ فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ يُحْرِمْ كَمَا أُمِرَ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِحْرَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ صَيْدٍ , وَهَذَا الإِحْرَامُ هُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ الإِحْرَامِ الَّذِي فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَمْ يَأْتِ بِالإِحْرَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ تَعَمُّدَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الإِحْرَامِ فُسُوقٌ , وَمَنْ فَسَقَ فِي حَجِّهِ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ , وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَحُجَّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : مَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فَسَمَّاهُمْ : حُرُمًا قال أبو محمد : وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُمْ عَظِيمٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ , وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى حُرُمًا , قَبْلَ قَتْلِ الصَّيْدِ , وَنَهَاهُمْ إذَا كَانُوا حُرُمًا ، عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ , وَمَا سَمَّاهُمْ تَعَالَى قَطُّ بَعْدَ قَتْلِ الصَّيْدِ : حُرُمًا فَأُفٍّ لِكُلِّ عَصَبِيَّةٍ لِمَذْهَبٍ تَحْدُو إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فَأَثْبَتَ الْحَجَّ وَنَهَى فِيهِ ، عَنِ الرَّفَثِ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لاَ يُبْطِلُوا الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ الرَّفَثُ , وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَلاَ فَرْقَ : وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مَا لَمْ يَرْفُثُوا ، وَلاَ فَسَقُوا. وقال بعضهم : قَدْ أَوْجَبَ عليه السلام فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ إحْرَامَهُ بَطَلَ قلنا لَهُمْ : قُلْتُمْ الْبَاطِلَ , بَلْ قَدْ أَخْبَرَ عليه السلام بِأَنَّ إحْرَامَهُ قَدْ بَطَلَ بِقَوْلِهِ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَأَيْضًا : فَلَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ : إنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَبْطُلْ ; ، وَلاَ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَكُلُّ فُسُوقٍ تَعَمَّدَهُ الْمُحْرِمُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَقَدْ بَطَلَ إحْرَامُهُ , وَحَجُّهُ , وَعُمْرَتُهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْفُسُوقَ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ , أَوْ عُمْرَتِهِ , فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ , وَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام : أَنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا : أَنَّ الآيَةَ وَرَدَتْ كَمَا تَلَوْنَا فَأَبْطَلُوا الْحَجَّ بِالرَّفَثِ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ ; وأعجب مِنْ هَذَا : أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : مَنْ وَطِئَ فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا غَيْرَ عَامِدٍ ، وَلاَ ذَاكِرٍ لاَِنَّهُ مُحْرِمٌ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَطْأَهَا قَبْلَ الإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ ; فَلَوْ تَعَمَّدَ اللِّيَاطَةَ بِذَكَرٍ , أَوْ أَنْ يُلاَطَ بِهِ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَإِحْرَامُهُ مَبْرُورٌ فَأُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ عَدَدَ الرَّمْلِ , وَالْحَصَى , وَالتُّرَابِ فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ مَا حُرِّمَ فِي حَالِ الإِحْرَامِ فَقَطْ , لاَ بِمَا هُوَ حَرَامٌ قَبْلَ الإِحْرَامِ , وَفِي الإِحْرَامِ وَبَعْدَ الإِحْرَامِ قلنا : وَعَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ سَأَلْنَاكُمْ ، وَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ , وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلاَةَ بِكُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ , قَبْلَهَا , وَفِيهَا , وَبَعْدَهَا , كَمَا تُبْطِلُونَهَا بِمَا حُرِّمَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الأَصْلَ الْفَاسِدَ فَلَمْ تُبْطِلُوا الإِحْرَامَ بِتَعَمُّدِ لِبَاسِ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِمَّا هُوَ حَلاَلٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ , فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ الْفَاسِدَ فَأَيْنَ الْقِيَاسَ الَّذِي تَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِزَعْمِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكَّدَ الْحَجَّ وَخَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الْفُسُوقِ فِيهِ , كَمَا خَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الرَّفَثِ فِيهِ ، وَلاَ فَرْقَ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ الرَّازِيّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ بِمِصْرَ ، حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا فِي امْرَأَةٍ حَجَّتْ مَعَهَا مُصْمِتَةً : قُولِي لَهَا : تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ لاَ حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r . أَمَرَ الَّذِي أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا. قال أبو محمد : وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُوا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ الْفُسُوقَ لاَ يُبْطِلُ الإِحْرَامَ ; وَأَمَّا مَنْ فَسَقَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لاِِحْرَامِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ إحْرَامُهُ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهُ ، وَلاَ أَتَى بِإِحْرَامِهِ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ عَامِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 865 - مَسْأَلَةٌ : وَالْجِدَالُ قِسْمَانِ : قِسْمٌ فِي وَاجِبٍ وَحَقٍّ , وَقِسْمٌ فِي بَاطِلٍ ; فَاَلَّذِي فِي الْحَقِّ وَاجِبٌ فِي الإِحْرَامِ وَغَيْرِ الإِحْرَامِ قَالَ تَعَالَى ﴿ اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَمَنْ جَادَلَ فِي طَلَبِ حَقٍّ لَهُ فَقَدْ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى , وَسَعَى فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَاطِلِ , وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ جَادَلَ فِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ مُبْطِلٌ لِلإِحْرَامِ وَلِلْحَجِّ لقوله تعالى : فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 866 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ لَبَّى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ , وَالاِسْتِكْثَارُ أَفْضَلُ ; فَلَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ فَلاَ حَجَّ لَهُ ، وَلاَ عُمْرَةَ لاَِمْرِ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ , فَمَنْ لَمْ يُلَبِّ أَصْلاً أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَحُجَّ ، وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُمْ ، رضي الله عنهم ، إذْ أَمَرَهُمْ عليه السلام بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَبَوْا لَكَانُوا عُصَاةً بِلاَ شَكٍّ , وَالْمَعْصِيَةُ فُسُوقٌ بِلاَ خِلاَفٍ , وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلاَ رَفَثَ ، وَلاَ فُسُوقَ ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الْحَجَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ لَبَّى مَرَّةً وَاحِدَةً رَافِعًا صَوْتَهُ فَقَدْ لَبَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ : مُلَبٍّ وَعَلَى فِعْلِهِ اسْمُ : التَّلْبِيَةِ , فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ , وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ , وَالْفَرَائِضُ لاَ تَكُونُ إلاَّ مَحْدُودَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهَا , وَمَا لاَ حَدَّ لَهُ فَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ; لإِنَّ فِي إلْزَامِهِ تَكْلِيفَ مَا لاَ يُطَاقُ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَظَلَّلُوا فِي الْمَحَامِلِ وَإِذَا نَزَلُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك : يَتَظَلَّلُونَ إذَا نَزَلُوا ، وَلاَ يَتَظَلَّلُونَ فِي الْمَحَامِلِ ، وَلاَ رِكَابًا , وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ خَطَأٌ. فإن قيل : قَدْ نَهَى ، عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ قلنا : نَعَمْ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى فَلاَ حَجَّ لَهُ , فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ ، عَنِ التَّظَلُّلِ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ أَبِيهِ فِي النَّهْيِ ، عَنْ تَقَدُّمِ الثِّقَلِ مِنْ مِنًى وَتَشَدُّدِهِ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا أَنَّ صِيَامَهُ تَامٌّ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْهُ إبَاحَةُ تَقْرِيدِ الْبَعِيرِ لِلْمُحْرِمِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ بَطَلَ حَجُّهُ ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلاَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رَأَى حَجَّ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَامًّا فَخَالَفُوهُ ; فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُجَّةً , وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَ حُجَّةً رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ ، حدثنا مَعْقِلٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : سَمِعْت جَدَّتِي أُمِّ الْحُصَيْنِ تَقُولُ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْته حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ , وَمَعَهُ بِلاَلٌ , وَأُسَامَةُ , أَحَدُهُمَا يَقُودُ رَاحِلَتَهُ , وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ الشَّمْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ جَدَّتِهِ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولُ اللَّهِ r حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ , وَبِلاَلاً وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. فَهَذَا هُوَ الْحُجَّةُ لاَ مَا سِوَاهُ , وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِلاَلاً وَأُسَامَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَالأَسْوَدِ , وَغَيْرِهِمَا. 868 - مَسْأَلَةٌ : وَالْكَلاَمُ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّوَافِ جَائِزٌ , وَذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ ; لإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَنْعٍ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَمَا لَمْ يُفَصِّلْ تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 869 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ , وَلاَ لاِمْرَأَةٍ , أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ تَتَزَوَّجَ , وَلاَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ مِنْ وَلِيَّتِهِ , وَلاَ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةَ نِكَاحٍ مُذْ يُحْرِمَانِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَدْخُلَ وَقْتُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ , وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ , كَانَ فِيهِ دُخُولٌ وَطُولُ مُدَّةٍ وَوِلاَدَةٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ ; فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ حَلَّ لَهُمَا النِّكَاحُ وَالإِنْكَاحُ ; وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ , وَلَهَا أَنْ يُرَاجِعَهَا زَوْجُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ; وَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ الْجَوَارِيَ لِلْوَطْءِ ، وَلاَ يَطَأُ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ : أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلاَ يُنْكَحُ ، وَلاَ يَخْطُبُ وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَاهُ. وَالْمُحْرِمُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ وَيَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ , وَمُرَاجَعَةُ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي عِدَّتِهَا لاَ يُسَمَّى نِكَاحًا ; لاَِنَّهَا امْرَأَتُهُ , كَمَا كَانَتْ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَإِسْكَانُهَا , وَلاَ صَدَاقَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ يُرَاعَى إذْنُهَا , وَلاَ حُكْمَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ , وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ نِكَاحٌ لاَ مُرَاجَعَةٌ , وَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِرِضَاهُمَا وَبِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ. وَابْتِيَاعُ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ لاَ يُسَمَّى نِكَاحًا , وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّكَاحِ وَالإِنْكَاحِ وَالْخِطْبَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَالْمُحْرِمُ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ , وَالْعَمَائِمِ , وَالْبَرَانِسِ , وَحَلْقُ رَأْسِهِ إلاَّ لِضَرُورَةٍ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ ; فَإِذَا صَارَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُحْرِمًا بِلاَ شَكٍّ , فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا حَلَّ لَهُ النِّكَاحُ وَالإِنْكَاحُ وَالْخُطْبَةُ. وَبِدُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا , رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ , عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ r تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ. فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ أَوْ الْمُحْرِمَةُ فُسِخَ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكَذَلِكَ إنْ أَنْكَحَ مَنْ لاَ نِكَاحَ لَهَا إلاَّ بِإِنْكَاحِهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ لِمَا ذَكَرْنَا ; وَلِفَسَادِ الإِنْكَاحِ الَّذِي لاَ يَصِحُّ النِّكَاحُ إلاَّ بِهِ , وَلاَ صِحَّةَ لِمَا لاَ يَصِحُّ إلاَّ بِمَا يَصِحُّ. وَأَمَّا الْخِطْبَةُ فَإِنْ خَطَبَ فَهُوَ عَاصٍ ، وَلاَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ ; لإِنَّ الْخِطْبَةَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ , وَقَدْ يَخْطُبُ ، وَلاَ يُتِمُّ النِّكَاحَ إذَا رُدَّ الْخَاطِبُ , وَقَدْ يَتِمُّ نِكَاحٌ بِلاَ خِطْبَةٍ أَصْلاً , لَكِنْ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا : انْكِحِينِي نَفْسَك فَتَقُولُ : نَعَمْ قَدْ فَعَلْت , وَيَقُولُ هُوَ : قَدْ رَضِيت وَيَأْذَنُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ طَائِفَةٌ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَمُعَاذٍ وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ , وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَعِكْرِمَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانُ , وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسْخُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ إذَا نَكَحَ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ قَالَ : الْمُحْرِمُ لاَ يَنْكِحُ ، وَلاَ يُنْكَحُ لاَ يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلاَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ إنْ نَكَحَ نَزَعْنَا مِنْهُ امْرَأَتَهُ ; وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ . وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نِكَاحَهُ جَائِزًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَعِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عَلِيٌّ : فَعَارَضَهُمْ الآخَرُونَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الأَصَمِّ ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ r وَنَحْنُ حَلاَلاَنِ بِسَرِفَ. قال أبو محمد : فَقَالَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ : لاَ يَعْدِلُ يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا : قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ كَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ r مُحْرِمًا , فَالْمُخْبِرُ ، عَنْ كَوْنِهِ عليه السلام مُحْرِمًا زَائِدٌ عِلْمًا ; وَقَالُوا : خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَهُوَ أَوْلَى ; وَقَالُوا فِي خَبَرِ عُثْمَانَ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلاَ يُنْكَحُ : إنَّمَا مَعْنَاهُ لاَ يُوطِئُ غَيْرَهُ ، وَلاَ يَطَأُ ; ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِوَسَاوِسَ مِنْ الْقِيَاسِ عُورِضُوا بِمِثْلِهَا لاَ فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ; لاَِنَّهَا حَمَاقَاتٌ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ; أَمَّا تَأْوِيلُهُمْ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ t أَنَّ مَعْنَاهُ لاَ يَطَأُ ، وَلاَ يُوطِئُ : فَبَاطِلٌ وَتَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r إذْ صَرَفُوا كَلاَمَهُ عليه السلام إلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ , قَالَ تَعَالَى ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَيُبَيِّنُ ضَلاَلَ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ عليه السلام ، وَلاَ يَخْطُبُ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ النِّكَاحَ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ ; ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا اللَّفْظَ بِلاَ نَصٍّ بَيِّنٍ. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُمْ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى خَبَرِ مَيْمُونَةَ بِقَوْلِهِمْ : لاَ يُقْرَنُ يَزِيدُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَعَمْ وَاَللَّهِ لاَ نَقْرِنُهُ إلَيْهِ ، وَلاَ كَرَامَةَ , وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ إنَّمَا رَوَى يَزِيدُ ، عَنْ مَيْمُونَةَ , وَرَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَلْيَسْمَعُوا الآنَ إلَى الْحَقِّ : نَحْنُ نَقُولُ : لاَ نَقْرِنُ ابْنَ عَبَّاسٍ صَبِيًّا مِنْ صِبْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى مَيْمُونَةَ الْمُتَّكِئَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى , الْقَدِيمَةِ الإِسْلاَمِ وَالصُّحْبَةِ , وَلَكِنْ نَقْرِنُ يَزِيدَ بْنَ الأَصَمِّ إلَى أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ يُقْطَعُ بِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ إحْرَامُ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ تَزَوَّجَهَا فَكَلاَمٌ سَخِيفٌ , وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : قَدْ يَخْفَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إحْلاَلُ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ إحْرَامِهِ , فَالْمُخْبِرَةُ ، عَنْ كَوْنِهِ قَدْ أَحَلَّ زَائِدَةٌ عِلْمًا ; فَحَصَلْنَا عَلَى : قَدْ يَخْفَى وَقَدْ لاَ يَخْفَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الْوَارِدُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , فَبَقِيَ أَنْ نُرَجِّحَ خَبَرَ عُثْمَانَ , وَخَبَرَ مَيْمُونَةَ عَلَى خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ tمْ جَمِيعِهِمْ. فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : خَبَرُ يَزِيدَ ، عَنْ مَيْمُونَةَ هُوَ الْحَقُّ , وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهْمٌ مِنْهُ بِلاَ شَكٍّ لِوُجُوهٍ بَيِّنَةٍ : أَوَّلِهَا : أَنَّهَا ، رضي الله عنها ، أَعْلَمُ بِنَفْسِهَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لاِخْتِصَاصِهَا بِتِلْكَ الْقِصَّةِ دُونَهُ ; هَذَا مَا لاَ يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ. وَثَانِيهَا : أَنَّهَا ، رضي الله عنها ، كَانَتْ حِينَئِذٍ امْرَأَةٌ كَامِلَةٌ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ t يَوْمئِذٍ ابْنَ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ وَأَشْهُرٍ فَبَيْنَ الضَّبْطَيْنِ فَرْقٌ لاَ يَخْفَى. وَالثَّالِثِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ , هَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ وَمَكَّةُ يَوْمئِذٍ دَارُ حَرْبٍ , وَإِنَّمَا هَادَنَهُمْ عليه السلام عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مُعْتَمِرًا وَيَبْقَى بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يَخْرُجَ , فَأَتَى مِنْ الْمَدِينَةِ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُقَدِّمْ شَيْئًا , إذْ دَخَلَ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَّ إحْرَامَهُ فِي الْوَقْتِ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ حَاضِرًا بِهَا لاَ بِالْمَدِينَةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ إحْرَامِهِ لاَ فِي حَالِ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً , وَبَقِيَ خَبَرُ مَيْمُونَةَ , وَخَبَرُ عُثْمَانَ , لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَصِحَّ خَبَرُ مَيْمُونَةَ لَكَانَ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الزَّائِدُ الْوَارِدُ بِحُكْمٍ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , لإِنَّ النِّكَاحَ مُذْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَلاَلٌ فِي كُلِّ حَالٍ لِلصَّائِمِ , وَالْمُحْرِمِ , وَالْمُجَاهِدِ , وَالْمُعْتَكِفِ , وَغَيْرِهِمْ , هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ. ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ عليه السلام بِأَنْ لاَ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ , وَلاَ يُنْكَحَ , وَلاَ يَخْطُبَ كَانَ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الإِبَاحَةِ , لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً , وَكَانَ يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْحَالَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِيَقِينٍ. وَمَنْ ادَّعَى فِي حُكْمٍ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ وَبُطْلاَنُهُ أَنَّهُ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ وَبَطَلَ نَسْخُهُ فَقَدْ كَذَبَ أَوْ قَطَعَ بِالظَّنِّ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ ذَلِكَ , وَكِلاَهُمَا لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ , وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ. قال أبو محمد : وَقَالُوا : لَمَّا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ ، وَلاَ يَطَأُ : حَلَّ لَهُ نِكَاحُ زَوْجَةٍ لِلْوَطْءِ ، وَلاَ يَطَأُ . . فَقُلْنَا لَهُمْ : لَوْ اسْتَعْمَلْتُمْ هَذَا فِي قَوْلِكُمْ : لاَ يَكُونُ صَدَاقٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْفَرْجُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , فَهَلاَّ قُلْتُمْ : كَمَا حَلَّ لَهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجِ جَارِيَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَبْتَاعَهَا بِدِرْهَمٍ حَلَّ لَهُ فَرْجُ زَوْجَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَصْدُقَهَا دِرْهَمًا وَالْقِيَاسَاتُ لاَ يُعَارَضُ بِهَا الْحَقُّ ; لإِنَّ الْقِيَاسَ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَقَالُوا : كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُطَلَّقَةَ فِي عِدَّتِهَا جَازَ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ . فَقُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ حَقًّا لَوَجَبَ أَنْ يَقُولُوا : كَمَا جَازَتْ الْمُرَاجَعَةُ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، وَلاَ إذْنِ وَلِيِّهَا , وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ : وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، وَلاَ إذْنِ وَلِيِّهَا وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَهُ , وَهَذِهِ صِفَةُ قِيَاسَاتِهِمْ السَّخِيفَةِ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا نِكَاحَ الْمَوْهُوبَةِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ , وَمَنَعُوا مِنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ , وَهُمْ لاَ يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي الأَوَامِرِ : هَذَا نَدْبٌ. كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ عليه السلام لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ , ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ. فَهَلاَّ قَالُوا : هَاهُنَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام : لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلاَ يُنْكَحُ : هَذَا نَدْبٌ وَلَكِنَّهُمْ إنَّمَا يَجْرُونَ عَلَى مَا سَنَحَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
870 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يَسْتَقِيَ بِيَدِهِ مِنْهَا , وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ : لِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ r قَالَ : ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ : انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : قَدِمَ النَّبِيُّ r عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ : أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَنَحْنُ لاَ نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ أَمْرَ شُرْبِ النَّبِيِّ r مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ شَرَابِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ طَاوُوس : هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ. قال أبو محمد : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. 871 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ صَلاَّهُمَا مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ. فَلَوْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الْعَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَتَمَّ صَلاَتَهُ إنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ , ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ إنْ أَمْكَنَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلاَّ فَوَحْدَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الإِمَامَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَنْوِ بِهَا الْمَغْرِبَ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ هُنَالِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ , وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ بِالنَّصِّ , وَالإِجْمَاعِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَلاَِنَّهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ ، وَلاَ يَحِلُّ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرَةٍ مِنْهُمَا ، وَلاَ تَأْخِيرُ مُقَدَّمَةٍ , وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ جَوَازَ اخْتِلاَفِ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. فَإِنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا فَلْيَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ ، وَلاَ يَقُمْ حَتَّى يَقَعَ الإِمَامُ , فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ سَلَّمَ مَعَهُ , وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ فَلْيَقُمْ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيَامِ الإِمَامِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلْيَقْعُدْ فِي الآُولَى بِقُعُودِهِ وَلْيُسَلِّمْ بِسَلاَمِهِ. أَمَّا قُعُودُهُ فِي الثَّالِثَةِ , فَلاَِنَّهُ لَوْ قَامَ لَصَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا عَامِدًا , وَهَذَا حَرَامٌ وَفَسَادٌ لِلصَّلاَةِ وَكُفْرٌ مِمَّنْ دَانَ بِهِ. وَأَمَّا إنْ أَدْرَكَ ثَلاَثًا فَقَطْ فَقُعُودُهُ فِي الآُولَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ r إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ . وَلاَ خِلاَفَ فِي نَصٍّ ، وَلاَ بَيْنَ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا جَلَسَ مَعَهُ , وَكَذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ أَيِّ الصَّلَوَاتِ كَانَتْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا لَقَامَ. وَأَمَّا قِيَامُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ , فَلِلنَّصِّ الْوَارِدِ وَالإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الإِمَامَ إنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ. هَذَا كُلُّهُ إنْ أَتَمَّ الإِمَامُ أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مِمَّنْ يُتِمَّ وَإِلاَّ فَلاَ. فَإِذَا أَتَمَّ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ صَلَّى الْعَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ جَمَاعَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 872 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فِي طَوَافِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ صَلاَةُ جِنَازَةٍ , أَوْ عَرَضَ لَهُ بَوْلٌ , أَوْ حَاجَةٌ , فَلْيُصَلِّ وَلْيَخْرُجْ لِحَاجَتِهِ , ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى طَوَافِهِ وَيُتِمَّهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك : أَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَيَبْتَدِئُ ، وَلاَ بُدَّ إلاَّ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ , فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَبْنِي ; وَأَمَّا فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ فَيَبْنِي فِي كُلِّ ذَلِكَ. قال أبو محمد : هَذَا تَقْسِيمٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ قَطَعَ لِحَاجَةٍ , وَلاَ بِإِبْطَالِ مَا طَافَ مِنْ أَشْوَاطِهِ وَسَعَى , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ سَبْعًا , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِوُجُوبِ اتِّصَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ النَّبِيِّ r فَقَطْ , وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا فَلاَ عَمَلَ لِعَابِثٍ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، حدثنا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ طَافَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ , ثُمَّ أَصَابَهُ حَرٌّ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَجَلَسَ , ثُمَّ خَرَجَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ. وَعَنْ عَطَاءٍ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ فِي الطَّوَافِ لِيَسْتَرِيحَ وَفِيمَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي طَوَافِهِ لِيَذْهَبَ وَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ , ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 873 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الإِحْصَارُ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ , قَارِنًا كَانَ , أَوْ مُتَمَتِّعًا , مِنْ عَدُوٍّ , أَوْ مَرَضٍ , أَوْ كَسْرٍ , أَوْ خَطَأِ طَرِيقٍ , أَوْ خَطَأٍ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ , أَوْ سِجْنٍ , أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ : فَهُوَ مُحْصِرٌ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , سَوَاءٌ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ , أَوْ الْعُمْرَةِ , أَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ , قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا , مَضَى لَهُ أَكْثَرُ فَرْضِهِمَا أَوْ أَقَلُّهُ , كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلاَ هَدْيَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ غَيْرِهِ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ ، وَلاَ اعْتَمَرَ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ ، وَلاَ فَرْقَ , وَعَلَيْهِ هَدْيٌ ، وَلاَ بُدَّ , كَمَا قلنا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَوَّضُ مِنْ هَذَا الْهَدْيِ صَوْمٌ ، وَلاَ غَيْرُهُ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يَجِدَهُ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ ، وَلاَ اعْتَمَرَ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الإِحْصَارِ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ : حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ : لاَ إحْصَارَ إلاَّ مِنْ عَدُوٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , قَالَ : لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ r عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَبْقَى بِهَا ثَلاَثًا ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إلاَّ بِجُلْبَانِ السِّلاَحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ , وَلاَ يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا , وَلاَ يَمْنَعُ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فَسَمَّى الْبَرَاءُ مَنْعَ الْعَدُوِّ : إحْصَارًا. وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : الإِحْصَارُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ , وَالْكَسْرِ ; وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ. وَأَمَّا الْحَصْرُ : فَرُوِّينَا ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الْحَصْرُ , وَالْمَرَضُ , وَالْكَسْرُ , وَشِبْهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ حَصْرَ إلاَّ مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ. وَعَنْ طَاوُوس قَالَ : لاَ حَصْرَ الآنَ , قَدْ ذَهَبَ الْحَصْرُ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ : الْحَصْرُ الْخَوْفُ وَالْمَرَضُ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : الْحَصْرُ مَا حَبَسَهُ مِنْ حَابِسٍ مِنْ وَجَعٍ , أَوْ خَوْفٍ , أَوْ ابْتِغَاءِ ضَالَّةٍ. وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : الْحَصْرُ مَا مَنَعَهُ مِنْ وَجَعٍ , أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ. وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الإِحْصَارِ , وَالْحَصْرِ : فَرُوِّينَا ، عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ : مَا كَانَ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ : أَحُصِرَ , فَهُوَ مُحْصِرٌ , وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ : حَصْرٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ , أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ , قِيلَ فِيهِ : أُحْصِرَ , فَهُوَ مُحْصِرٌ ; وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ : حَصْرٌ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ , قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ قَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ مَنَعَ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللَّهِ r مِنْ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ , وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْعَ الْعَدُوِّ إحْصَارًا. وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ , وَابْنُ عُمَرَ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَهُمْ فِي اللُّغَةِ فَوْقَ أَبِي عُبَيْدَةَ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَالْكَسَائِيّ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا. فَهَذَا هُوَ مَنْعُ الْعَدُوِّ بِلاَ شَكٍّ ; لإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ إنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ الْكُفَّارُ بِلاَ شَكٍّ ; وَبَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَصَحَّ أَنَّ الإِحْصَارَ , وَالْحَصْرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ , وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى كُلِّ مَانِعٍ مِنْ عَدُوٍّ , أَوْ مَرَضٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمُحْصِرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ , أَوْ عُمْرَتِهِ. فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِحَجٍّ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ , فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ ; فَإِنْ اعْتَمَرَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إذَا بَرَأَ , ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ , فَإِنْ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى يَحُجَّ وَيَجْعَلَهُمَا سَفَرًا وَاحِدًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ : سَفَرَانِ وَهَدْيٌ أَوْ هَدَيَانِ وَسَفَرٌ وَهَذَا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ لاَ يَصِحُّ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ لُدِغَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ , فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيَ أَحَلَّ. وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ أَفْتَى فِي مَرِيضٍ مُحْرِمٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النُّفُوذِ : بِأَنْ يَنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً ; ثُمَّ لِيُهِلَّ عَامًا قَابِلاً بِمِثْلِ إهْلاَلِهِ الَّذِي أَهَلَّ بِهِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ مَرِضَ بِوَقْعَةٍ مِنْ رَاحِلَتِهِ , قَالاَ جَمِيعًا : لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ , يَكُونُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُصَلِّ إلَى الْبَيْتِ وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أُحْصِرَ : يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَحُجَّ الْعَامَ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْت كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَنَا مَعَهُ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً ; ثُمَّ قَالَ : مَا أَمْرُهُمَا إلاَّ وَاحِدٌ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. قال أبو محمد : وَلَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r إذْ حَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ وَكَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، رضي الله عنهم ، نَحَرَ وَحَلَّ وَانْصَرَفَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَخْزُومِيِّ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ , " أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضُ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوَاتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ , وَأَنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَأْسِهِ فَحُلِقَ , ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا كَانَ بِالْعَرَجِ مَرِضَ , فَلَمَّا أَتَى السُّقْيَا بِرَسْمٍ فَكَانَ أَوَّلُ إفَاقَتِهِ أَنْ أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَحُلِقَ عَلَى رَأْسِهِ وَنَحَرَ عَنْهُ بِهَا جَزُورًا. قال أبو محمد : إنَّمَا أَتَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا فَهَذَا عَلِيٌّ , وَالْحُسَيْنُ , وَأَسْمَاءُ رَأَوْا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَيُهْدِيَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ , وَهُوَ قَوْلُنَا. وَعَنْ عَلْقَمَةَ فِي الْمُحْصِرِ قَالَ : يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا ذُبِحَ حَلَّ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَيْضًا : لاَ يُحِلُّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا إنْ حَلَّ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَعَطَاءٍ , وَالْحَسَنِ , وَالشَّعْبِيِّ : لاَ يُحِلُّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَيْضًا : حَاشَا الشَّعْبِيَّ : إنْ حَلَّ دُونَ الْبَيْتِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ سِوَى الَّذِي لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ , وَلاَ يَحِلُّ إلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ لِبُلُوغِهِ مَكَّةَ وَنَحْرِهِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَ : عَلَيْهِ هَدْيَانِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا : وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالاَ جَمِيعًا : عَلَيْهِ عُمْرَتَانِ وَحَجَّةٌ وَعَنْ عَطَاءٍ , وطَاوُوس لَيْسَ عَلَى الْقَارِنِ إلاَّ هَدْيٌ وَاحِدٌ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا : إنْ أَحَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الأَذَى إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ , أَوْ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , أَوْ شَاةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَ : يَبْعَثُ بِهَدْيٍ يَحِلُّ بِهِ , ثُمَّ يُهِلُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَا كَانَ أَهَلَّ بِهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ : عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَثَلاَثُ عُمَرَ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمُحْصِرِ إذَا رَجَعَ لاَ يَحِلُّ مِنْهُ إلاَّ رَأْسُهُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ مَنْ أُحْصِرَ بِالْحَرْبِ نَحَرَ حَيْثُ حُبِسَ وَحَلَّ مِنْ النِّسَاءِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَسَالِمٍ , وَابْنُ سِيرِينَ : يَبْعَثُ هَدْيَهُ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا إذَا حَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ. وقال أبو حنيفة فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ : عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ , وَيَحِلُّ , وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا أَقَامَ مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَ هَدْيًا وَلَهُ أَنْ يُوَاعِدَهُمْ بِنَحْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ : وَالْمُعْتَمِرُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ مَتَى شَاءَ , وَالإِحْصَارُ عِنْدَهُ بِالْعَدُوِّ , وَالْمَرَضِ , وَبِكُلِّ مَانِعٍ سِوَاهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ , فَإِنْ تَمَادَى مَرَضُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَكَمَا قلنا وَإِنْ هُوَ أَفَاقَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ كَمَا كَانَ ; فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَأَفَاقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ الَّذِي بَعَثَ مَضَى وَقَضَى عُمْرَتَهُ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَلَّ إذَا نَحَرَ عَنْهُ الْهَدْيَ. وقال مالك : إنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَإِنَّهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَيُحِلُّ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ , فَإِنْ لَمْ يُهْدِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , لاَ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ , فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ لَكِنْ بِحَبْسٍ , أَوْ مَرَضٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنَّهُ لاَ يُحِلُّ إلاَّ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ. وقال الشافعي : إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ , أَوْ بِسِجْنٍ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَيُحِلُّ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ , أَوْ حَرَمٍ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ ، وَلاَ اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ ; فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا : لاَ يَحِلُّ إلاَّ حَتَّى يُهْدِيَ ; وَالآخَرُ يُحِلُّ , وَالْهَدْيُ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ : عَلَيْهِ إطْعَامٌ , أَوْ صِيَامٌ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ أَوْ حَبْسٍ لَمْ يُحِلَّهُ إلاَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ , فَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ طَافَ , وَسَعَى , وَحَلَّ , وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قال أبو محمد : أَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ , وَبِغَيْرِ عَدُوٍّ فَفَاسِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الْهَدْيِ ، عَنِ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ , أَوْ غَيْرِهِ فَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَأَمَّا إيجَابُ الْقَضَاءِ فَخَطَأٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ. فإن قيل : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ اعْتَمَرَ بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ قلنا : نَعَمْ , وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ الْقَضَاءِ عَامًا آخَرَ لِمَنْ أَحَبَّ , وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إيجَابِهِ فَرْضًا ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ , وَلاَ رَسُولُهُ r . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِ إلاَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَعُمْرَةً فِي الدَّهْرِ , فَلاَ يَجُوزُ إيجَابُ أُخْرَى , إلاَّ بِقُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْمُحْصِرِ بِمَرَضٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ , فَقَوْلٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَلاَ أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ بَلْ هُوَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يُرْوَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَصْلاً. فإن قيل : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ قلنا نَعَمْ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إنَّ الْمُحْصِرَ لاَ يُحِلُّ إلاَّ بِالطَّوَافِ. وَاَلَّذِي قَالَ : وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ هُوَ الَّذِي قَالَ : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ r أَنْ يُحِلَّ وَيَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا ، عَنِ الْبَيْتِ , وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ أَوَامِرِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَأَمَّا الْقَوْلُ : بِبَعْثِهِ هَدْيًا يَحِلُّ بِهِ , فَقَوْلٌ لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا. فإن قيل : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ هَذَا فِي الْمُحْصَرِ وَحْدَهُ , بَلْ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمُومِ الآيَةِ : فَالْحَاجُّ , وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى , فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ. وَالْمُعْتَمِرُ إذَا أَتَمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ. وَالْمُحْصَرُ إذَا صُدَّ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ مَعَ هَؤُلاَءِ هَدْيٌ , وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ : إنَّ الْمُحْصَرَ لاَ يُحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ هَدْيُهُ مَكَّةَ , بَلْ هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ ; فَظَهَرَ خَطَأُ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , فِي الإِحْصَارِ , فَلاَ يُحْفَظُ قَوْلٌ مِنْهَا بِتَمَامِهِ وَتَقْسِيمِهِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَصْلاً. قال أبو محمد : فَوَجَبَ الرُّجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. فَوَجَدْنَا حُكْمَ الإِحْصَارِ يَرْجِعُ : إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَكَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عُمُومُ إيجَابِ الْهَدْيِ عَلَى كُلِّ مَنْ أُحْصِرَ بِأَيِّ وَجْهٍ أُحْصِرَ. وَإِلَى فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إذْ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ ، عَنِ الْبَيْتِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَحَلُّوا بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَإِلَى أَمْرِهِ عليه السلام مَنْ حَجَّ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَإِلَى مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ , وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالاَ : صَدَقَ ". فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قلنا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فإن قيل : فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى , وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَدْيٍ قلنا : إنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِإِيجَابِ الْهَدْيِ , فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لاِِسْقَاطِ الْهَدْيِ ، وَلاَ لاِِيجَابِهِ , فَوَجَبَ إضَافَةُ مَا زَادَهُ الْقُرْآنُ إلَيْهِ , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ r أَخْبَرَ بِأَنَّ اللاَّزِمَ لِلنَّاسِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولاً عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ , وَبِهَذَا تَتَأَلَّفُ الأَخْبَارُ. فإن قيل : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا قلنا : الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رَوَى لاَ فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَنْسَى , أَوْ يَتَأَوَّلُ ; وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْهِينَ بِمَا رَوَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَا رَوَى أَوْلَى مِنْ تَوْهِينِ مَا رَوَى بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ خِلاَفِهِ لِمَا رَوَى , لإِنَّ الطَّاعَةَ عَلَيْنَا إنَّمَا هِيَ لِمَا رَوَى لاَ لِمَا رَأَى بِرَأْيِهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رُوِيَ لَكَانَ الْحَجَّاجُ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , قَدْ رَوَيَاهُ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَنْحَرُ هَدْيَ الإِحْصَارِ إلاَّ فِي الْحَرَمِ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ نَهَضَ بِالْهَدْيِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شِعَابٍ وَأَوْدِيَةٍ حَتَّى نَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ. قال أبو محمد : لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ عليه السلام ، وَلاَ أَوْجَبَهُ , وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَمَلاً عَمِلَهُ , وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لاَِمْرِهِ عليه السلام. وَرُوِّينَا خَبَرًا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْبُدْنِ لِلْهَدْيِ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ , لإِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو حَاضِرٍ الأَزْدِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.