محلى ابن حزم - المجلد الأول3

212 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ , سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ أَوْ مَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ هَرَاكِسَ. وَكَذَلِكَ إنْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَرِيرِ , فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا إذَا لُبِسَ عَلَى وُضُوءٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ , ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ , فَإِذَا انْقَضَى هَذَانِ الأَمَدَانِ يَعْنِي أَحَدُهُمَا لِمَنْ وُقِّتَ لَهُ صَلَّى بِذَلِكَ الْمَسْحِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ , فَإِنْ انْتَقَضَتْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحُ , لَكِنْ يَخْلَعُ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ أَصَابَهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ خَلَعَهُمَا ، وَلاَ بُدَّ , ثُمَّ مَسَحَ كَمَا ذَكَرْنَا إنْ شَاءَ , وَهَكَذَا أَبَدًا كَمَا وَصَفْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ ، حدثنا عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ وُضُوءَهُ عليه السلام , قَالَ الْمُغِيرَةُ ثُمَّ أَهْوَيْتُ لاَِنْزِعَ الْخُفَّيْنِ فَقَالَ عليه السلام : دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ , وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِالْمَدِينَةِ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ نَاسٍ فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ الْهِشَامِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي , ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاللَّفْظُ لاَِحْمَدَ قَالاَ : حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ ثَرْوَانَ ، عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ : ائْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي , فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَسَأَلْتُهُ ، عَنِ الْمَسْحِ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلاَثًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَزَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ , قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلاَئِيِّ وَكَانَ سُفْيَانُ إذَا ذَكَرَهُ أَثْنَى عَلَيْهِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ , ثُمَّ اتَّفَقَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ ، عَنِ الْحَكَمِ وَإِسْنَادُهُ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ ، حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَصْبَهَانِيُّ ، حدثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ كُلُّهُمْ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقُلْتُ : إنَّهُ حَكَّ فِي نَفْسِي مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ , فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرٍّ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r بِمِثْلِهِ. وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ , فَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ الرِّجْلَيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الْمَسْحُ فِي الْحَضَرِ , وَفِي حَدِيثِ هُزَيْلٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عُمُومُ الْمَسْحِ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلاَثًا لِلْمُسَافِرِ , وَأَنْ لاَ يَخْلَعَ إلاَّ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إنَّهُ إذَا انْقَضَى أَحَدُ الأَمَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ صَلَّى الْمَاسِحُ بِذَلِكَ الْمَسْحِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ , وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إلاَّ حَتَّى يَنْزِعَهُمَا وَيَتَوَضَّأَ , فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ إنْ كَانَ مُسَافِرًا ثَلاَثًا فَقَطْ , وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَطْ , وَأَمَرَ عليه السلام بِالصَّلاَةِ بِذَلِكَ الْمَسْحِ , وَلَمْ يَنْهَهُ ، عَنِ الصَّلاَةِ بِهِ بَعْدَ أَمَدِهِ الْمُؤَقَّتِ لَهُ , وَإِنَّمَا نَهَاهُ ، عَنِ الْمَسْحِ فَقَطْ , وَهَذَا نَصُّ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ وَالأَعْمَشِ , قَالَ الزِّبْرِقَانُ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ t بَالَ فَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ , وَقَالَ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي الْجُلاَسِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَقَالَ الأَعْمَشُ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضِرَارٍ قَالَ إسْمَاعِيلُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى الْخَلاَءَ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ بَيْضَاءُ مَزْرُورَةٌ فَمَسَحَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ وَعَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ خَزٍّ عَرَبِيٍّ أَسْوَدَ ثُمَّ صَلَّى. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ : رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالاَ جَمِيعًا : كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : بَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ جُمُعَةٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الْجَوْرَبَانِ بِمَنْزِلَةِ الْخُفَّيْنِ فِي الْمَسْحِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , قُلْتُ لِعَطَاءٍ : نَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ قَالَ نَعَمْ امْسَحُوا عَلَيْهِمَا مِثْلَ الْخُفَّيْنِ. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بَأْسًا. وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ قَالَ : سَمِعْتُ الأَعْمَشَ سُئِلَ ، عَنِ الْجَوْرَبَيْنِ أَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَنْ بَاتَ فِيهِمَا قَالَ نَعَمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ وَخِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْجَوْرَبَيْنِ فِي الْمَسْحِ بِمَنْزِلَةِ الْخُفَّيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أُمَامَةَ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعْدٌ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ , لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخَالِفٌ. وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالأَعْمَشُ وَخِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ , وقال مالك : لاَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَهُمَا قَدْ خُرِزَ عَلَيْهِ جِلْدٌ , ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لاَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا , وقال الشافعي لاَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إلاَّ أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ : اشْتِرَاطُ التَّجْلِيدِ خَطَأٌ لاَ مَعْنَى لَهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ صَاحِبٌ , وَالْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ خَطَأٌ لاَِنَّهُ خِلاَفُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r , وَخِلاَفُ الآثَارِ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام فِي الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا خُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ يُشَنِّعُونَ وَيُعَظِّمُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا أَحَدَ عَشَرَ صَاحِبًا , لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ , فِيهِمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَخَالَفُوا أَيْضًا مَنْ لاَ يُجِيزُ الْمَسْحَ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَحَصَلُوا عَلَى خِلاَفِ كُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَخَالَفُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَالْقِيَاسَ بِلاَ مَعْنًى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اخْتَلَفَا فِي الْمَسْحِ , فَمَسَحَ سَعْدٌ وَلَمْ يَمْسَحْ ابْنُ عُمَرَ , فَسَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ عُمَرُ : امْسَحْ يَوْمَكَ وَلَيْلَتَكَ إلَى الْغَدِ سَاعَتَكَ. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ قَالَ بَعَثَنَا نُبَاتَةُ الْجُعْفِيُّ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , قَالَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ : لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ , وَهَذَانِ إسْنَادَانِ لاَ نَظِيرَ لَهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْجَلاَلَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ كِلاَهُمَا ، عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ لِمُسَافِرٍ وَيَوْمٌ لِلْمُقِيمِ يَعْنِي فِي الْمَسْحِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَهَذَا أَيْضًا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ الْحَارِثِيِّ : سَأَلْتُ عَلِيًّا ، عَنِ الْمَسْحِ فَقَالَ : لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثًا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ : ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ , وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ , وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : صَارَتْ سُنَّةً لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْمَسْحِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ وَيَحْيَى بْنِ رَبِيعَةَ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ شُرَيْحٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ شَرِيكًا الْقَاضِيَ كَانَ يَقُولُ : لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ إلَى اللَّيْلِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلاَثٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رَاشِدٍ : أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَهْلِ الْمِصِّيصَةِ : أَنْ اخْلَعُوا الْخِفَافَ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ رَبِيعَةَ : سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ : ثَلاَثٌ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ لِلْمُقِيمِ , وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ , وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا أَشْهَبُ ، عَنْ مَالِكٍ وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ مَالِكٍ مُخْتَلِفَةٌ , فَالأَظْهَرُ عَنْهُ كَرَاهَةُ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إجَازَةُ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ , وَأَنَّهُ لاَ يَرَى التَّوْقِيتَ لاَ لِلْمُقِيمِ ، وَلاَ لِلْمُسَافِرِ وَأَنَّهُمَا يَمْسَحَانِ أَبَدًا مَا لَمْ يَجْنُبَا. وَتَعَلَّقَ مُقَلِّدُوهُ فِي ذَلِكَ بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , أَرْفَعُهَا مِنْ طَرِيقِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ , رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ صَاحِبُ رَايَةِ الْكَافِرِ الْمُخْتَارِ , وَلاَ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَبَاحَ الْمَسْحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ , وَلَكِنْ فِي آخِرِ الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي : وَلَوْ تَمَادَى السَّائِلُ لَزَادَنَا. وَهَذَا ظَنٌّ وَغَيْبٌ لاَ يَحِلُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ , فَكَيْفَ فِي الدِّينِ إلاَّ أَنَّهُ صَحَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَتَمَادَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ شَيْئًا , فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ , وَمُبْطِلاً لِقَوْلِهِمْ , وَمُبَيِّنًا لِتَوْقِيتِ الثَّلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي الْحَضَرِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ , رَوَاهُ أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَأَسَدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ أَحَدٌ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ مُنْقَطِعٌ , لَيْسَ فِيهِ إلاَّ إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ التَّوْقِيتِ زَائِدَةً عَلَيْهِ , وَالزِّيَادَةُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ , فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْكُوفِيُّ وَأُخَرُ مَجْهُولُونَ. وَآخَرُ فِيهِ : قَالَ عُمَرُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ : قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ لِعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَعَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ : سَأَلْتُ مَيْمُونَةَ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكُلَّ سَاعَةٍ يَمْسَحُ الإِنْسَانُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَلاَ يَنْزِعُهُمَا قَالَ : نَعَمْ. قال علي : هذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لإِنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَذْكُرْ لِعُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ مَيْمُونَةَ , وَلَعَلَّ السَّائِلَ غَيْرُهُ , وَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ فِي الدِّينِ بِالشَّكِّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ إبَاحَةُ الْمَسْحِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ , وَهَكَذَا نَقُولُ : إذَا أَتَى بِشُرُوطِ الْمَسْحِ مِنْ إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَلِبَاسِهِمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِتْمَامِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ وَخَلْعِهِمَا لِلْجَنَابَةِ , وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا مِنْهُ شَيْءٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَذَكَرُوا آثَارًا ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ تَصِحُّ. مِنْهَا أَثَرٌ ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ , سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ حَمَّادٍ , وَأَسَدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ , وَقَدْ أَحَالَهُ , وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ زُبَيْدَ بْنَ الصَّلْتِ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَأَدْخَلَ خُفَّيْهِ فِي رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ ، وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ , وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ " مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا " كَمَا رَوَى أَسَدٌ , وَالثَّابِتُ ، عَنْ عُمَرَ فِي التَّوْقِيتِ بِرِوَايَةِ نَبَاتَةَ الْجُعْفِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ , وَهُمَا مِنْ أَوْثَقِ التَّابِعِينَ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لاَ يَجْعَلُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا , وَهَذَا مُنْقَطِعٌ ; لإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا أَدْرَكَ عُمَرَ , فَكَيْفَ عُمَرُ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : سَافَرْنَا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَانُوا يَمْسَحُونَ عَلَى خِفَافِهِمْ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ ، وَلاَ عُذْرٍ , وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ بَعَثَاهُ بَرِيدًا إلَى أَبِي بَكْرٍ بِرَأْسِ سَانٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُقْبَةَ وَقَالَ : مُذْ كَمْ لَمْ تَنْزِعْ خُفَّيْكَ قَالَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ , قَالَ أَصَبْتَ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ مَرَّةً ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عُقْبَةَ. قال علي : هذا أَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ فِيهِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ , وَهَذَا خَبَرٌ مَعْلُولٌ ; لإِنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، وَلاَ مِنْ أَبِي الْخَيْرِ , وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَلَوِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ مَجْهُولٌ , هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يُخْبِرُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ الشَّامِ وَعَلَيَّ خُفَّانِ لِي جُرْمُوقَانِ غَلِيظَانِ , فَقَالَ لِي عُمَرُ : كَمْ لَكَ مُذْ لَمْ تَنْزِعْهُمَا قُلْتُ لَبِسْتُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْيَوْمُ الْجُمُعَةُ , قَالَ أَصَبْتَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَسَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ يَذْكُرُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ لَبِسْتُ الْخُفَّيْنِ وَرِجْلاَيَ طَاهِرَتَانِ وَأَنَا عَلَى وُضُوءٍ لَمْ أُبَالِ أَنْ لاَ أَنْزِعَهُمَا حَتَّى أَبْلُغَ الْعِرَاقَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَهَكَذَا هُوَ الْحَدِيثُ , فَسَقَطَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا رَأَى عُمَرُ فَكَيْفَ عُمَرُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عِيَاضٍ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُقْبَةَ وَهَذَا أَسْقَطُ وَأَخْبَثُ ; لإِنَّ يَزِيدَ لَمْ يُدْرِكْ عُقْبَةَ وَفِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , فَبَطَلَ كُلُّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَلاَ يَصِحُّ خِلاَفُ التَّوْقِيتِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلاَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَطْ , فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْئًا. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْمَسْحُ ، وَلاَ عَرَفَهُ , بَلْ أَنْكَرَهُ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِهِ سَعْدٌ بِالْكُوفَةِ , ثُمَّ أَبُوهُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلاَفَتِهِ , فَلَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَسْحِ كَغَيْرِهِ , وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ التَّوْقِيتُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُونَ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثًا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُقْبَةَ ، رضي الله عنهم ، مَا ذَكَرْنَا , وَكَانَ قَدْ خَالَفَ ذَلِكَ عَلِيٌّ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا , لَوَجَبَ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ r وَبَيَانُهُ عليه السلام قَدْ صَحَّ بِالتَّوْقِيتِ , وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَصْلاً , فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ ، عَنْ عُمَرَ إلاَّ التَّوْقِيتُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا انْقَضَى الأَمَدَانِ الْمَذْكُورَانِ , فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ وَبَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالُوا : يَخْلَعُهُمَا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ , وقال أبو حنيفة : إذَا قَعَدَ الإِنْسَانُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا بِبَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ , وَلَيْسَ السَّلاَمُ مِنْ الصَّلاَةِ فَرْضًا. قَالَ : فَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ وَانْقَضَى وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ , وَفِي هَذَا مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْخَطَأِ مَا لاَ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلاَّ تَكْلِيفِ رَدٍّ عَلَيْهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً : يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد : يُصَلِّي مَا لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِحَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ ، عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، وَلاَ عَنْ بَعْضِهَا بِانْقِضَاءِ وَقْتِ الْمَسْحِ , وَإِنَّمَا نُهِيَ عليه السلام ، عَنْ أَنْ يَمْسَحَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ لِلْمُسَافِرِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ. فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ , وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ r مَا لَمْ يَقُلْ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَاهِمًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ , وَالطَّهَارَةُ لاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ الْحَدَثُ , وَهَذَا قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ طَاهِرٌ , وَالطَّاهِرُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ جَلِيٌّ فِي أَنَّ طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ , وَهَذَا الَّذِي انْقَضَى وَقْتُ مَسْحِهِ لَمْ يُحْدِثْ ، وَلاَ جَاءَ نَصٌّ فِي أَنَّ طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ لاَ ، عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ ، وَلاَ عَنْ جَمِيعِهَا , فَهُوَ طَاهِرٌ يُصَلِّي حَتَّى يُحْدِثَ , فَيَخْلَعُ خُفَّيْهِ حِينَئِذٍ وَمَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمَسْحَ تَوْقِيتًا آخَرَ , وَهَكَذَا أَبَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ ، عَنْ قَدَمَيْهِ خَاصَّةً , فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ خَبَرٍ وَاهٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ أَصْلاً , وَمَا عُلِمَ فِي الدِّينِ قَطُّ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا وَبَعْدَ جَوَازِ الصَّلاَةِ بِهَا ، عَنْ بَعْضِ الأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا رُوِيَ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَبْلَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 213 - مَسْأَلَةٌ : وَيَبْدَأُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُقِيمُ وَبَعْدَ الثَّلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا الْمُسَافِرُ مِنْ حِينِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إثْرَ حَدَثِهِ , سَوَاءٌ مَسَحَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ ، وَلاَ تَوَضَّأَ , عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا , فَإِنْ أَحْدَثَ يَوْمَهُ بَعْدَ مَا مَضَى أَكْثَرُ هَذَيْنِ الأَمَدَيْنِ أَوْ أَقَلُّهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَاقِيَ الأَمَدَيْنِ فَقَطْ , وَلَوْ مَسَحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَحَدِ الأَمَدَيْنِ بِدَقِيقَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ : يَبْتَدِئُ بَعْدَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ. وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : يَبْدَأُ بَعْدَهُمَا مِنْ حِينِ يَمْسَحُ , وَرُوِيَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ يَمْسَحُ لِخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقِيمًا , وَلاَ يَمْسَحُ لاَِكْثَرَ , وَيَمْسَحُ لِخَمْسَ عَشْرَةَ صَلاَةً فَقَطْ , إنْ كَانَ مُسَافِرًا , وَلاَ يَمْسَحُ لاَِكْثَرَ. وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ وَنَرُدَّهَا إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَفَعَلْنَا , فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بَعْدَ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ , فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ ; لإِنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي بِهِ تَعَلَّقُوا كُلُّهُمْ وَبِهِ أَخَذُوا أَوْ وَقَفُوا فِي أَخْذِهِمْ بِهِ إنَّمَا جَاءَنَا بِالْمَسْحِ مُدَّةَ أَحَدِ الأَمَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ , وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا , وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَالِ الْحَدَثِ , هَذَا مَا لاَ يَقُولُونَ بِهِ هُمْ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ , وَوَجَدْنَا بَعْضَ الأَحْدَاثِ قَدْ تَطُولُ جِدًّا السَّاعَةَ وَالسَّاعَتَيْنِ وَالأَكْثَرُ كَالْغَائِطِ. وَمِنْهَا مَا يَدُومُ أَقَلَّ كَالْبَوْلِ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْخَبَرِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ الْخَمْسَ عَشْرَةَ , فَوَجَدْنَاهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إلاَّ مُرَاعَاةُ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ بِلَيَالِيِهِنَّ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ , لاَِنَّهُ إذَا مَسَحَ الْمَرْءُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الضُّحَى بِالْمَسْحِ , وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَهَا إلَى الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَحَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ , ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوتِرَ ، وَلاَ أَنْ يَتَهَجَّدَ ، وَلاَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِمَسْحٍ , وَهَذَا خِلاَفٌ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَِنَّهُ عليه السلام فَسَّحَ لِلْمُقِيمِ فِي مَسْحِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , وَهُمْ مَنَعُوهُ مِنْ الْمَسْحِ إلاَّ يَوْمًا وَبَعْضَ لَيْلَةٍ , أَوْ لَيْلَةً وَأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ , وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ نَامَ عَنْهُنَّ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَكَانَ قَدْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَامَ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا , فَإِذَا أَتَمَّهُنَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَهُنَّ بَاقِيَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ , وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْخَبَرِ وَتَعَرِّيه مِنْ أَنْ يَكُونَ لِصِحَّتِهِ بُرْهَانٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَحْمَدَ فَوَجَدْنَاهُ يُلْزِمُهُ إنْ كَانَ إنْسَانٌ فَاسِقٌ قَدْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ بَقِيَ شَهْرًا لاَ يُصَلِّي عَامِدًا ثُمَّ تَابَ : أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مِنْ حِينِ تَوْبَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلاَثًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا. وَكَذَلِكَ إنْ مَسَحَ يَوْمًا ثُمَّ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ أَيَّامًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ لَيْلَةً , وَهَكَذَا فِي الْمُسَافِرِ , فَعَلَى هَذَا يَتَمَادَى مَاسِحًا عَامًا وَأَكْثَرَ , وَهَذَا خِلاَفُ نَصِّ الْخَبَرِ , فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُنَا. فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَاهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t الَّذِي صَحَّ عَنْهُ وَمُوَافِقًا لِنَصِّ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ بِأَنْ يَمْسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً , فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ إنْ شَاءَ , وَأَنْ يَخْلَعَ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ , لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا , وَلاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُمَا , وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَاسِقٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَحَدِهِمَا , فَإِنْ مَسَحَ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْسَنَ , وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ , أَوْ أَخْطَأَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا ، وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ , وَقَدْ مَضَى مِنْ الأَمَدِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ r مُدَّةٌ , وَبَقِيَ بَاقِيهَا فَقَطْ , وَهَكَذَا إنْ تَعَمَّدَ أَوْ نَسِيَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ لِلْمُقِيمِ وَالثَّلاَثَةُ الأَيَّامُ بِلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ , فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَسْحِ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَتَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ , فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ , لإِنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ : وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَمَنْ جَازَتْ لَهُ الصَّلاَةُ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلاَ شَكٍّ , وَإِذَا كَانَ طَاهِرًا كُلَّهُ فَقَدَمَاهُ طَاهِرَتَانِ بِلاَ شَكٍّ , فَقَدْ أَدْخَلَ خُفَّيْهِ الْقَدَمَيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ , فَجَائِزٌ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا الأَمَدَ الْمَذْكُورَ لِلْمُسَافِرِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الثَّلاَثِ بِأَيَّامِهَا مِنْ حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لِبَاسِ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ , لإِنَّ الأَمَدَ قَدْ تَمَّ , وَقَدْ كَانَ مُمْكِنًا لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بِنُزُولِ مَطَرٍ أَوْ وُجُودِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلاَّ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الأَمَدِ الْمَذْكُورِ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إلاَّ بَاقِيَ الأَمَدِ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا تَمَّ حَدَثُهُ فَحِينَئِذٍ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ وَالْمَسْحُ ، وَلاَ يُبَالِي بِالاِسْتِنْجَاءِ لإِنَّ الاِسْتِنْجَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ جَائِزٌ , وَلَيْسَ فَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُضُوءِ ، وَلاَ بُدَّ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَإِنَّمَا هِيَ عَيْنٌ أُمِرْنَا بِإِزَالَتِهَا بِصِفَةٍ مَا لِلصَّلاَةِ فَقَطْ , فَمَتَى أُزِيلَتْ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَبَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ قَبْلَ الْوُضُوءِ , فَقَدْ أَدَّى مُزِيلُهَا مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْبَوْلِ فِي ظَاهِرِ الْخُرْتِ وَبَقَاءُ النَّجْوِ فِي ظَاهِرِ الْمَخْرَجِ حَدَثًا , إنَّمَا الْحَدَثُ خُرُوجُهُمَا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ فَقَطْ , فَإِذَا ظَهَرَا فَإِنَّمَا خَبَثَانِ فِي الْجِلْدِ تَجِبُ إزَالَتُهُمَا لِلصَّلاَةِ فَقَطْ , فَمِنْ حِينَئِذٍ يُعَدُّ , سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ صَلاَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لإِنَّ التَّطَهُّرَ لِلصَّلاَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا جَائِزٌ , وَقَدْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلاَةً فَائِتَةً , أَوْ رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ , فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْغَدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا , وَإِلَى مِثْلِهِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلاً , فَإِنْ انْقَضَى لَهُ الأَمَدُ الْمَذْكُورُ وَقَدْ مَسَحَ أَحَدَ خُفَّيْهِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنْ الآخَرِ بَطَلَ الْمَسْحُ , وَلَزِمَهُ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُهُمَا , لاَِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ مَسْحُهُ إلاَّ فِي وَقْتٍ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَسْحُ , وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ حَدَثُهُ نَهَارًا أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلاً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 214 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ , وَسَفَرُ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ طَاعَةً ، وَلاَ مَعْصِيَةً , وَقَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَحُكْمِهِ , وَلَوْ أَرَادَ عليه السلام تَخْصِيصَ سَفَرٍ مِنْ سَفَرٍ , وَمَعْصِيَةٍ مِنْ طَاعَةٍ , لَمَا عَجَزَ ، عَنْ ذَلِكَ , وَوَاهِبُ الرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَعُلُوُّ الْيَدِ لِلْعَاصِي وَالْمَرْجُوُّ لِلْمَغْفِرَةِ لَهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مَنْ فُسَحِ الدِّينِ بِمَا شَاءَ , وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلاَ مَعْنَى لِتَفْرِيقِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لاَ مِنْ طَرِيقِ الْخَبَرِ ، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ. أَمَّا الْخَبَرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ فَلَوْ كَانَ هَهُنَا فَرْقٌ لَمَا أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r , وَلاَ كَلَّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا بِهِ , وَلاَ أَلْزَمَنَا الْعَمَلَ بِمَا لَمْ يُعَرِّفْنَا بِهِ , هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْمُقِيمَ قَدْ تَكُونُ إقَامَتُهُ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ وَظُلْمٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَعُدْوَانًا عَلَى الإِسْلاَمِ أَشَدَّ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ , وَقَدْ يُطِيعُ الْمُسَافِرُ فِي الْمَعْصِيَةِ فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِ , وَأَوَّلُهَا الْوُضُوءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ الَّذِي مَنَعُوهُ مِنْهُ , فَمَنَعُوهُ مِنْ الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ , وَأَمَرُوهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ أَيْضًا , وَهَذَا فَسَادٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا , وَأَطْلَقُوا الْمَسْحَ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي فِي إقَامَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا الْمَسْحُ رُخْصَةٌ وَرَحْمَةٌ , قلنا مَا حَجَرَ عَلَى اللَّهِ التَّرْخِيصَ لِلْعَاصِي فِي بَعْضِ أَعْمَالِ طَاعَتِهِ , وَلاَ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إلاَّ جَاهِلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى , قَائِلٌ بِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَكُلُّ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَيَمْسَحُ فِيهِ مَسْحَ سَفَرٍ , وَمَا لاَ قَصْرَ فِيهِ فَهُوَ حَضَرٌ وَإِقَامَةٌ , لاَ يَمْسَحُ فِيهِ إلاَّ مَسْحَ الْمُقِيمِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 215 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَوَضَّأَ فَلَبِسَ أَحَدَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ تِلْكَ الرِّجْلَ ثُمَّ إنَّهُ غَسَلَ الآُخْرَى بَعْدَ لِبَاسِهِ الْخُفَّ عَلَى الْمَغْسُولَةِ , ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ الآخَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَالْمَسْحُ لَهُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لِبَاسَهُمَا بَعْدَ غَسْلِ كِلْتَيْ رِجْلَيْهِ ,. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ , وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : لاَ يَمْسَحُ لَكِنْ إنْ خَلَعَ الَّتِي لَبِسَ أَوَّلاً ثُمَّ أَعَادَهَا مِنْ حِينِهِ فَإِنَّ لَهُ الْمَسْحَ. قَالَ عَلِيٌّ : كِلاَ الْقَوْلَيْنِ عُمْدَةُ أَهْلِهِ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ , فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الْقَوْلَيْنِ هُوَ أَسْعَدُ بِهَذَا الْقَوْلِ , فَوَجَدْنَا مَنْ طَهَّرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَلْبَسَهَا الْخُفَّ فَلَمْ يَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَإِنَّمَا لَبِسَ الْوَاحِدَ ، وَلاَ أَدْخَلَ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ , إنَّمَا أَدْخَلَ الْقَدَمَ الْوَاحِدَةَ , فَلَمَّا طَهَّرَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ أَلْبَسَهَا الْخُفَّ الثَّانِيَ صَارَ حِينَئِذٍ مُسْتَحِقًّا لاََنْ يُخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ ذَلِكَ.فَصَحَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ , وَلَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَمَا قَالَ هَذَا اللَّفْظَ , وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ : دَعْهُمَا فَإِنِّي ابْتَدَأْتُ إدْخَالَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ بَعْدَ تَمَامِ طَهَارَتِهِمَا جَمِيعًا , فَإِذْ لَمْ يَقُلْ عليه السلام هَذَا الْقَوْلَ فَكُلُّ مَنْ صَدَقَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الإِدْخَالِ , وَمَا عَلِمْنَا خَلْعَ خُفٍّ وَإِعَادَتَهُ فِي الْوَقْتِ يُحْدِثُ طَهَارَةً لَمْ تَكُنْ , وَلاَ حُكْمًا فِي الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ , فَالْمُوجِبُ لَهُ مُدَّعٍ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 216 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ فِي الْخُفَّيْنِ أَوْ فِيمَا لَبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ خَرْقٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ , طُولاً أَوْ عَرْضًا , فَظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ , أَقَلُّ الْقَدَمِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَوْ كِلاَهُمَا فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ , مَا دَامَ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلَيْنِ مِنْهُمَا شَيْءٌ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ خَرْقٌ عَرْضًا يَبْرُزُ مِنْ كُلِّ خَرْقٍ أُصْبُعَانِ فَأَقَلُّ أَوْ مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ فَأَقَلُّ : جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا , فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ ثَلاَثَةُ أَصَابِعَ أَوْ مِقْدَارُهَا فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ طَوِيلاً مِمَّا لَوْ فُتِحَ ظَهَرَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ جَازَ الْمَسْحُ. وقال مالك : إنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ الْقَدَمُ جَازَ الْمَسْحُ , وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا , فِيهِمَا كَانَ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : إنْ ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ شَيْءٌ مِنْ الْخَرْقِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا , فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْخَرْقِ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : فَإِنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ الْخَرْقِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَوْرَبٌ يَسْتُرُ الْقَدَمَ جَازَ الْمَسْحُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ انْكَشَفَ مِنْ الْخَرْقِ فِي الْخُفِّ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَسَلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ وَصَلَّى , فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا ظَهَرَ أَعَادَ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا , فَوَجَدْنَا قَوْلَ مَالِكٍ لاَ مَعْنَى لَهُ , لاَِنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْمَسْحِ فِي حَالٍ مَا وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى , وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمُقَلَّدِيهِ ، وَلاَ لِمُرِيدِي مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ ، وَلاَ لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ , مَا هِيَ الْحَالُ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا الْمَسْحُ , وَلاَ مَا الْحَالُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهَا الْمَسْحُ فَهَذَا إنْشَابٌ لِلْمُسْتَفْتِي فِيمَا لاَ يَعْرِفُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهَا , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ تَحَكُّمًا بِلاَ دَلِيلٍ , وَفَرْقًا بِلاَ بُرْهَانٍ , لاَ يَعْجِزُ ، عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ , وَلاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا , وَأَيْضًا فَالأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَفَاوُتًا شَدِيدًا , فَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الأَصَابِعِ أَرَادَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ فَسَادِهِ , فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ الْغُسْلُ إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ أَوْ الْمَسْحُ إنْ كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ , فَإِذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ , قَالُوا : وَلاَ يَجْتَمِعُ غُسْلٌ وَمَسْحٌ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ , مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ مَا قَالُوهُ صَحِيحٌ , إلاَّ قَوْلَهُمْ إذَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ شَيْءٌ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ , فَإِنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ , وَلاَ يُوَافَقُونَ عَلَيْهِ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ يُمْسَحُ عَلَيْهِ أَنْ يُغْسَلاَ , وَحُكْمُهُمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ أَنْ يُمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ , بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ r إذْ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ أَنَّ مِنْ الْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ الْمُخَرَّقَ خَرْقًا فَاحِشًا أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ , وَغَيْرَ الْمُخَرَّقِ , وَالأَحْمَرَ وَالأَسْوَدَ وَالأَبْيَضَ , وَالْجَدِيدَ وَالْبَالِيَ , فَمَا خَصَّ عليه السلام بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ , وَلَوْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الدِّينِ يَخْتَلِفُ لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوحِيَ بِهِ , وَلاَ أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ r الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ , حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَالْمَسْحُ لاَ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا , وَهَكَذَا رُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : امْسَحْ مَا دَامَ يُسَمَّى خُفًّا , وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ إلاَّ مُشَقَّقَةً مُخَرَّقَةً مُمَزَّقَةً وَأَمَّا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 217 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الْخُفَّانِ مَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا , وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , رُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : يَمْسَحُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ , وَقَالَ غَيْرُهُ لاَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلاَّ أَنْ يَكُونَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r الأَمْرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ , وَلَوْ كَانَ هَهُنَا حَدٌّ مَحْدُودٌ لَمَا أَهْمَلَهُ عليه السلام ، وَلاَ أَغْفَلَهُ فَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُفٍّ أَوْ جَوْرَبٍ أَوْ لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ جَائِزٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمَسْحَ لاَ يَجُوزُ إلاَّ عَلَى مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ. وَبِذَلِكَ الدَّلِيلِ يَبْطُلُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , لاَ سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُمَا مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ خُفٍّ , فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ ظَهَرَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ قَدَمٍ فَوْقَ الْخُفِّ مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ وَإِلاَّ فَلاَ. وَكَذَلِكَ يُلْزِمُ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا : إنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَوْقَ الْخُفِّ يَسِيرًا جَازَ الْمَسْحُ , وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ , وَمَا نَدْرِي عَلاَمَ بَنَوْا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُمَا لاَ نَصَّ ، وَلاَ قِيَاسَ ، وَلاَ اتِّبَاعَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , لاَ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَحُكْمُ الرِّجْلَيْنِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ الْمَسْحُ فَقَطْ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ , فَلاَ مَعْنَى لِزِيَادَةِ الْغُسْلِ عَلَى ذَلِكَ. 218 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الآخَرِ , فَإِنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَخْلَعَ الآخَرَ إنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ ، وَلاَ بُدَّ , وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ. وَقَدْ رَوَى الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَغْسِلُ الرِّجْلَ الْمَكْشُوفَةَ وَيَمْسَحُ عَلَى الآُخْرَى الْمَسْتُورَةِ. وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْهُ , أَنَّهُ يَنْزِعُ مَا عَلَى الرِّجْلِ الآُخْرَى وَيَغْسِلُهُمَا , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا نَصَّ حُكْمِهِ عليه السلام أَنَّهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا لاَِنَّهُ أَدْخَلَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. وَأَمَرَ عليه السلام بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ الْمَكْشُوفَتَيْنِ فَكَانَ هَذَانِ النَّصَّانِ لاَ يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهُمَا. وَوَجَدْنَا مَنْ غَسَلَ رِجْلاً وَمَسَحَ عَلَى الآُخْرَى قَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ دَلِيلَ مِنْ لَفْظَيْهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ فِي الدِّينِ إلاَّ مَا وُجِدَ فِي كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَلاَمِ نَبِيِّهِ عليه السلام. فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ غَسْلُ رِجْلٍ وَمَسْحٌ عَلَى الآُخْرَى. وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ غُسْلِهِمَا أَوْ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا. سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فِي الاِبْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا. وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ قَالَ : حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ هُوَ الأَوْدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا لَبِسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى وَإِذَا خَلَعَهُ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى , وَلاَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ ، وَلاَ خُفٍّ وَاحِدَةٍ , لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَمْشِ فِيهِمَا جَمِيعًا. فَأَوْجَبَ عليه السلام خَلْعَهُمَا ، وَلاَ بُدَّ أَوْ تَرْكَهُمَا جَمِيعًا , فَإِنْ خَلَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الآُخْرَى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِي إبْقَائِهِ الَّذِي أَبْقَى , وَإِذَا كَانَ بِإِبْقَائِهِ عَاصِيًا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فَرْضُهُ نَزْعُهُ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ بِرِجْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي تِلْكَ الرِّجْلِ شَيْءٌ أَصْلاً , لاَ مَسْحٌ ، وَلاَ غَسْلٌ , لإِنَّ فَرْضَهُ قَدْ سَقَطَ. وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُوَافِقِينَ لَنَا قَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِغَسْلِ رِجْلٍ وَمَسْحٍ عَلَى خُفٍّ عَلَى أُخْرَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ. قال أبو محمد : وَهَذَا كَلاَمٌ فَاسِدٌ ; لإِنَّ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ يَرِدُ عَلَى رِجْلَيْنِ غَيْرِ طَاهِرَتَيْنِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الأَمْرُ بَعْدَ صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ إدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَبَيْنَ الأَمْرَيْنِ أَعْظَمُ فَرْقٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 219 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَسَحَ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا فِي رِجْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا , وَلاَ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ وُضُوءٍ ، وَلاَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ , بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ ثُمَّ نَزَعَهُمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ وُضُوءٍ ، وَلاَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ , وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ عَلَى خُفٍّ ثُمَّ نَزَعَ الأَعْلَى فَلاَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا , وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ دُونَ أَنْ يُعِيدَ مَسْحًا. وَكَذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ تَقَصَّصَ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ , فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى وُضُوئِهِ وَطَهَارَتِهِ وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ دُونَ أَنْ يَمْسَحَ مَوَاضِعَ الْقَصِّ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحْدِثُ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى جُرْمُوقَيْنِ لَهُ مِنْ لُبُودٍ ثُمَّ يَنْزِعُهُمَا , فَإِذَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ لَبِسَهُمَا وَصَلَّى. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَخْرَجَ قَدَمَهُ الْوَاحِدَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ , أَوْ أَخْرَجَ كِلْتَيْهِمَا كَذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَ مَسْحُهُ , وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا وَيَغْسِلَهُمَا , وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ لَوْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكُلِّ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ. قَالَ فَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقَيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي كَانَ تَحْتَ الْجُرْمُوقِ وَيَمْسَحَ أَيْضًا عَلَى الْجُرْمُوقِ الثَّانِي ، وَلاَ بُدَّ , لإِنَّ بَعْضَ الْمَسْحِ إذَا انْتَقَضَ انْتَقَضَ كُلُّهُ. قَالَ : فَلَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ وَقَصَّ شَارِبَهُ وَأَظْفَارَهُ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ : مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْلَعَ الثَّانِيَ وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَعَهُمَا جَمِيعًا. وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَإِنَّهُ يَخْلَعُهُمَا جَمِيعًا ، وَلاَ بُدَّ وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ قَدَمَيْهِ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ , فَلَوْ تَوَضَّأَ وَجَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ , قَالَ فَلَوْ أَخْرَجَ عَقِبَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ إلاَّ أَنَّ سَائِرَ قَدَمَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ لِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ. وقال الشافعي : مَنْ خَلَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ لَزِمَهُ خَلْعُ الثَّانِي وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ , فَإِنْ خَلَعَهُمَا جَمِيعًا فَكَذَلِكَ , فَلَوْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ كِلَيْهِمَا ، عَنْ مَوْضِعِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُمَا ، عَنْ مَوْضِعِ سَاقِ الْخُفِّ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ ، عَنْ جَمِيعِ الْخُفِّ , فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْلَعَهُمَا حِينَئِذٍ وَيَغْسِلَهُمَا , فَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ فِي خَلْعِ الْخُفَّيْنِ وَأَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُمِسَّ الْمَاءَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنْ أَظْفَارِهِ فِي الْجَزِّ وَالْقَصِّ , وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي مُرَاعَاةِ إخْرَاجِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ ، عَنْ مَوْضِعِهَا فَيَلْزَمُهُ الْغَسْلُ فِي رِجْلَيْهِ مَعًا أَوْ إخْرَاجُ نِصْفِهَا فَأَقَلَّ فَلاَ يَلْزَمُهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ , فَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ ظَاهِرٌ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ رَأْيٌ مُطَّرِدٌ , لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَرَّةً الْكَثِيرَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ , وَمَرَّةً الثُّلُثَ , وَمَرَّةً الرُّبُعَ , وَمَرَّةً شِبْرًا فِي شِبْرٍ , وَمَرَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ. وَأَمَّا فَرْقُ مَالِكٍ بَيْنَ إخْرَاجِ الْعَقِبِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ , وَبَيْنَ إخْرَاجِ الْقَدَمِ كُلِّهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَيَنْتَقِضُ الْمَسْحُ , فَتَحَكُّمٌ أَيْضًا لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ ، وَلاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ مُطَّرِدٌ ; لاَِنَّهُ يَرَى أَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي الْوُضُوءِ لاَ يَطْهُرُ , إنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لاَ وُضُوءَ لَهُ , فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ قَدْ انْتَقَضَ ، عَنِ الرِّجْلِ بِخُرُوجِهَا ، عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ , فَلاَ بُدَّ مِنْ انْتِقَاضِ الْمَسْحِ ، عَنِ الْعَقِبِ بِخُرُوجِهَا ، عَنْ مَوْضِعِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ لاَ يَنْتَقِضُ ، عَنِ الْعَقِبِ بِخُرُوجِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ , فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا تَفْرِيقُهُمْ جَمِيعُهُمْ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يُخْلَعَانِ فَيَنْتَقِضُ الْمَسْحُ وَيَلْزَمُ إتْمَامُ الْوُضُوءِ , وَبَيْنَ الْوُضُوءِ ثُمَّ يُجَزُّ الشَّعْرُ وَتُقَصُّ الأَظْفَارُ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْغَسْلُ ، عَنْ مِقَصِّ الأَظْفَارِ ، وَلاَ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ فَفَرْقٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَلَوْ عَكَسَ إنْسَانٌ هَذَا الْقَوْلَ فَأَوْجَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ عَلَى مَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ وَمَسَّ مِجَزَّ الأَظْفَارِ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى مَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ , لَمَا كَانَ بَيْنَهَا فَرْقٌ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَعَلَّقًا أَصْلاً إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : وَجَدْنَا مَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الرَّأْسُ لاَ الشَّعْرُ , وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الأَصَابِعُ لاَ الأَظَافِرُ , فَلَمَّا جُزَّ الشَّعْرُ وَقُطِعَتْ الأَظْفَارُ بَقِيَ الْوُضُوءُ بِحَسَبِهِ , وَأَمَّا الْمَسْحُ فَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْخُفَّانِ لاَ الرِّجْلاَنِ , فَلَمَّا نُزِعَا بَقِيَتْ الرِّجْلاَنِ لَمْ تُوَضَّآ , فَهُوَ يُصَلِّي بِرِجْلَيْنِ لاَ مَغْسُولَتَيْنِ ، وَلاَ مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا فَهُوَ نَاقِصُ الْوُضُوءِ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ شَيْءَ لاَِنَّهُ بَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ , فَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ : بَلْ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ وَغَسْلُ الأَظْفَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الشَّعْرُ وَالأَظْفَارُ فَقَطْ , بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الشَّعْرِ حِنَّاءٌ وَعَلَى الأَظْفَارِ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ , وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَالْمَقْصُودُ بِالْمَسْحِ الْقَدَمَانِ لاَ الْخُفَّانِ , لإِنَّ الْخُفَّيْنِ لَوْلاَ الْقَدَمَانِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ الْغَسْلُ , إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ , وَالْمَسْحُ إنْ كَانَتَا فِي خُفَّيْنِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : هَبْكُمْ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَسْحِ الْخُفَّانِ , وَبِالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ الرَّأْسُ , وَبِغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلأَصَابِعِ لاَ لِلأَظْفَارِ. فَكَانَ مَاذَا أَوْ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يُعَادَ الْمَسْحُ بِخَلْعِ الْخُفَّيْنِ ، وَلاَ يُعَادَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ قَالَ عَلِيٌّ : فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ يُصَلِّي بِقَدَمَيْنِ لاَ مَغْسُولَتَيْنِ ، وَلاَ مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا فَبَاطِلٌ , بَلْ مَا يُصَلِّي إلاَّ عَلَى قَدَمَيْنِ مَمْسُوحٍ عَلَى خُفَّيْنِ عَلَيْهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ : فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا بَيَّنَّا , وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ , فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ , لاَِنَّهُ قَدْ كَانَ بِإِقْرَارِهِمْ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلاَةُ بِهِ ثُمَّ أَمَرْتُمُوهُ بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ فَقَطْ , وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ الَّذِي قَدْ كَانَ تَمَّ قَدْ بَطَلَ أَوْ يَكُونَ لَمْ يَبْطُلْ , فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْطُلْ فَهَذَا قَوْلُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ بَطَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ , وَإِلاَّ فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ الَّذِي لاَ يُخَيَّلُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءٌ قَدْ تَمَّ ثُمَّ يُنْقَضُ بَعْضُهُ ، وَلاَ يُنْقَضُ بَعْضُهُ , هَذَا أَمْرٌ لاَ يُوجِبُهُ نَصٌّ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ يَصِحُّ. فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ قَدْ صَحَّ بِنَصِّ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلاَةُ. وَأَجْمَعَ هَؤُلاَءِ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ وَخُفَّيْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا خَلَعَ خُفَّيْهِ وَعِمَامَتَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ تَقَصَّصَ وَقَطَعَ أَظْفَارَهُ : قَالَ قَوْمٌ : قَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ , وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَلْقَ وَقَصَّ الشَّعْرِ وَقَصَّ الأَظْفَارِ وَخَلْعَ الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَدَثًا , وَالطَّهَارَةُ لاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ الأَحْدَاثُ , أَوْ نَصٌّ وَارِدٌ بِانْتِقَاضِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثٌ ، وَلاَ نَصٌّ هَهُنَا عَلَى انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ ، وَلاَ عَلَى انْتِقَاضِ بَعْضِهَا فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ , وَصَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَأَنَّهُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ , وَلاَ يَلْزَمُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ ، وَلاَ أَظْفَارِهِ ، وَلاَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ، وَلاَ إعَادَةُ وُضُوئِهِ , وَكَانَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ أَوْجَبَهُ مِنْ الْمَشْيِ أَوْ مِنْ الْكَلاَمِ أَوْ مِنْ خَلْعِ قَمِيصِهِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 220 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا أَوْ خَضَبَ رِجْلَيْهِ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمَا دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَهُمَا لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ. أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَ الْعِمَامَةَ أَوْ الْخِمَارَ لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ , فَقَدْ أَحْسَنَ. وَذَلِكَ لاَِنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ الْمَسْحِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ نَصٌّ : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَبَلَغَنَا ، عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ لِيَبِيتَ فِيهَا لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ. وَهَذَا خَطَأٌ لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَتَخْصِيصٌ لِلسُّنَّةِ بِلاَ دَلِيلٍ. وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَحِّحْهُ النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 221 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا مَسَحَ أَيْضًا حَتَّى يَتِمَّ لِمَسْحِهِ فِي كُلِّ مَا مَسَحَ فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ مَعًا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ , فَإِنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ أَوْ دَخَلَ مَوْضِعَهُ ابْتَدَأَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ كَانَ قَدْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ فَأَقَلَّ , ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ , فَإِنْ كَانَ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ مَسَحَ بَاقِيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَلَيْلَتِهِ فَقَطْ , ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ , فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ مَسَحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا خَلَعَ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يُبِحْ الْمَسْحَ إلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ بِلَيَالِيِهَا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لاَِحَدٍ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا , لاَ مُقِيمًا ، وَلاَ مُسَافِرًا , وَإِنَّمَا نَهَى ، عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ لاَ ، عَنِ الصَّلاَةِ بِالْمَسْحِ الْمُتَقَدِّمِ فَوَجَبَ مَا قلنا , فَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي السَّفَرِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ أَصْلاً , لاَِنَّهُ لَوْ مَسَحَ لَكَانَ قَدْ مَسَحَ وَهُوَ فِي الْحَضَرِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ. وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ : مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَتَّى سَافَرَ مَسَحَ حَتَّى يُتِمَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا مِنْ حِينِ أَحْدَثَ وَهُوَ مُقِيمٌ , فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَضَرِهِ ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ , وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ. قَالَ : فَإِنْ سَافَرَ فَمَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ أَوْ أَقَامَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ فَلَوْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ قَدِمَ أَوْ أَقَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ تَمَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَطْ , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وقال الشافعي : مَنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ , فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ خَلَعَ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسَحَ بَاقِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ ثُمَّ يَخْلَعُ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ قَدِمَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , إنْ كَانَ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَقَدِمَ أَوْ أَقَامَ فَإِنَّهُ يَخْلَعُ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِنْ كَانَ مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَفَرِهِ أَتَمَّ بَاقِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِالْمَسْحِ فَقَطْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا قلنا , وقال بعضهم : إذَا مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا , أَوْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لاَ أَكْثَرَ وَقَدِمَ اسْتَأْنَفَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سَافَرَ اسْتَأْنَفَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا , وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَظَاهِرُ لَفْظِهِ يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِنَا , لإِنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ : مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ , وَلَمْ يُبِحْ عليه السلام لِلْمُسَافِرِ إلاَّ ثَلاَثًا , وَلاَ أَبَاحَ لِلْمُقِيمِ إلاَّ بَعْضَ الثَّلاَثِ فَلَمْ يُبِحْ لاَِحَدٍ لاَ مُقِيمٍ ، وَلاَ مُسَافِرٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ , وَمَنْ خَرَجَ إلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلاَةُ مَسَحَ مَسْحَ مُسَافِرٌ , ثَلاَثًا بِلَيَالِيِهِنَّ , وَمَنْ خَرَجَ دُونَ ذَلِكَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمٍ ; لإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْبُرُوزِ حُكْمُ الْحَضَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 222 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ , وَلاَ يَصِحُّ مَعْنًى لِمَسْحِ بَاطِنِهِمَا الأَسْفَلِ تَحْتَ الْقَدَمِ , وَلاَ لاِسْتِيعَابِ ظَاهِرِهِمَا , وَمَا مُسِحَ مِنْ ظَاهِرِهِمَا بِأُصْبُعٍ أَوْ أَكْثَرَ أَجْزَأَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ , وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد , وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الْعَلاَءِ قَالَ : رَأَيْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ بَالَ ثُمَّ أَتَى رَحْلَهُ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى أَعْلاَهُمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ : رَأَيْتُ الْحَسَنَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً , فَرَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ : أَمْسَحُ عَلَى بُطُونِ الْخُفَّيْنِ قَالَ لاَ إلاَّ بِظُهُورِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْمَسْحُ لاَ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ , فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لاَ يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلاَّ بِثَلاَثَةِ أَصَابِعَ لاَ بِأَقَلَّ , وَقَالَ سُفْيَانُ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد : إنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ , قَالَ زُفَرُ : إذَا مَسَحَ عَلَى أَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ. قال أبو محمد : تَحْدِيدُ الثَّلاَثِ أَصَابِعَ وَأَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ كَلاَمٌ فَاسِدٌ وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ بَارِدٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَسَحَ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ أَجْزَأَهُ , وَإِنْ مَسَحَ بِأَقَلَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا. قال علي : وهذا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ , وَيُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي فَوْرِ الْوُضُوءِ وَفِي الاِسْتِنْشَاقِ وَالاِسْتِنْثَارِ وَفِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَكَيْفَ ، وَلاَ تَحِلُّ مُرَاعَاةُ إجْمَاعٍ إذَا وُجِدَ النَّصُّ يَشْهَدُ لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ , وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْمَسْحِ دُونَ تَحْدِيدِ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا بَلْ هَذَا الَّذِي قَالُوا هُوَ إيجَابُ الْفَرَائِضِ بِالدَّعْوَى الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِلاَ نَصٍّ , وَهَذَا الْبَاطِلُ الْمُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَيُعَارِضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : قَدْ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ بِمَا زَادَ , فَلاَ يَجِبُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ , وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ , وَهَذَا أَصَحُّ فِي الاِسْتِدْلاَلِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مَرْوِيٌّ. وقال الشافعي : يُسْتَحَبُّ مَسْحُ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا , فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا دُونَ الْبَاطِنِ أَجْزَأَهُ , وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ لَمْ يُجْزِهِ. قال علي : وهذا لاَ مَعْنَى لَهُ , لاَِنَّهُ إذَا كَانَ مَسْحُ الأَسْفَلِ لَيْسَ فَرْضًا ، وَلاَ جَاءَ نَدْبٌ إلَيْهِ : فَلاَ مَعْنَى لَهُ. وقال مالك : يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ : إنْ مَسَحَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ , وَإِنْ مَسَحَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَدْ رُوِّينَا مَسْحَ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ : الإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عَلَى أُصُولِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ مَعْنَى لَهَا , لاَِنَّهُ إنْ كَانَ أَدَّى فَرْضَ طَهَارَتِهِ وَصَلاَتِهِ فَلاَ مَعْنَى لِلإِعَادَةِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِمَا فَيَلْزَمُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ أَبَدًا. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأْي مَسْحَ بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ مَعَ ظَاهِرِهِمَا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ ، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَسَحَ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا وَحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ ، عَنْ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْكَعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بْنِ وَهْبٍ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَعَيْنَ ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا. قال علي : هذا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ , أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَعُبَادَةَ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ ; لاَِنَّهُ عَمَّنْ لاَ يُسَمَّى عَمَّنْ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَمَّنْ لاَ يُعْرَفُ , وَهَذَا فَضِيحَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثَا الْمُغِيرَةِ فَأَحَدُهُمَا ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ , وَلَمْ يُولَدْ ابْنُ شِهَابٍ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُغِيرَةِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ , وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ أَخْطَأَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي مَوْضِعَيْنِ , وَهَذَا خَبَرٌ حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : حُدِّثْتُ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ ، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَسَحَ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا فَصَحَّ أَنَّ ثَوْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ , وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمُغِيرَةُ , وَعِلَّةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ كَاتِبَ الْمُغِيرَةِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 223 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَبِسَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ , فَلَمَّا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُ رِجْلَيْهِ فَجَاءَهُ خَوْفٌ شَدِيدٌ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ نَزْعِ خُفَّيْهِ , فَإِنَّهُ يَنْهَضُ ، وَلاَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا , وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ , وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , فَإِذَا أَمْكَنَهُ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَوَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ تَمَامِ صَلاَتِهِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : يَلْزَمُهُ نَزْعُهُمَا وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ فَرْضًا ، وَلاَ يُعِيدُ مَا صَلَّى , فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَنَزَعَ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ وَغَسَلَهُمَا وَابْتَدَأَ الصَّلاَةَ , وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ بِحَدَثٍ لاَ بِوُجُودِ الْمَاءِ , وَهَذَا أَصَحُّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَلَمَّا عَجَزَ هَذَا ، عَنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ سَقَطَ حُكْمُهُمَا , وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوءِ سَائِرِ أَعْضَائِهِ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَزِمَهُ إتْمَامُ وُضُوئِهِ فَرْضًا وَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ , فَلَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي صَلاَتِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ لاَ يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ إلاَّ بِوُضُوءٍ تَامٍّ , وَالصَّلاَةُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا , فَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , بَلْ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ مِنْ النَّصِّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ , وَقَدْ تَمَّتْ طَهَارَتُهُ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ , إلاَّ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , وَلاَ نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةَ الْوُضُوءِ , فَلاَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ ، وَلاَ غَسْلُ رِجْلَيْهِ , لاَِنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ , لَكِنْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فإن قيل : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ. قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ , وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إذَا وَجَبَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَجِبَ فِي الْعَاجِزِ ، عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ غَيْرُ دَعْوَاكُمْ أَنَّ هَذَا وَجَبَ فِي الْعَاجِزِ كَمَا وَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ , وَهَذِهِ دَعْوَى مُفْتَقِرَةٌ إلَى بُرْهَانٍ , وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ بِدَعْوَاهُ فَقَدْ أَرَادَ الْبَاطِلَ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ ، عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَمَنْ ذَهَبَتْ رِجْلاَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ , وَأَنَّ حُكْمَهُ إنَّمَا هُوَ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسْحُ رَأْسِهِ فَقَطْ , وَأَنَّ وُضُوءَهُ بِذَلِكَ تَامٌّ وَصَلاَتَهُ جَائِزَةٌ , فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ حُكْمُ التَّيَمُّمِ , وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. – كِتَابُ التَّيَمُّمِ

224 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَتَيَمَّمُ مِنْ الْمَرْضَى إلاَّ مَنْ لاَ يَجِدُ الْمَاءَ , أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ أَوْ فِي الْغُسْلِ بِهِ أَوْ الْمُسَافِرُ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ أَوْ الْغُسْلِ بِهِ 

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا , فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ , مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ , وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَاهُ وَإِسْقَاطُ الْحَرَجِ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ فَالْحَرَجُ وَالْعُسْرُ سَاقِطَانِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ سَوَاءٌ زَادَتْ عِلَّتُهُ أَوْ لَمْ تَزِدْ , وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ زِيَادَةَ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَيْضًا عُسْرٌ وَحَرَجٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ : الْمَرِيضُ لاَ يَتَيَمَّمُ أَصْلاً مَا دَامَ يَجِدُ الْمَاءَ , وَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ , الْمَجْدُورُ وَغَيْرُ الْمَجْدُورِ سَوَاءٌ.

225 - مَسْأَلَةٌ : وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا , سَفَرَ طَاعَةٍ كَانَ أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ مُبَاحًا , هَذَا مِمَّا لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ قَوْلاً لَمْ يَنْسِبْهُ إلَى أَحَدٍ , وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَجُوزُ إلاَّ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ. 

قَالَ عَلِيٌّ : وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ حَدَّ فِي قَصْرِ الصَّلاَةِ وَالْفِطْرِ سَفَرًا دُونَ سَفَرٍ , فِي بَعْضِ الْمَسَافَاتِ دُونَ بَعْضٍ , وَفِي بَعْضِ الأَسْفَارِ دُونَ بَعْضٍ , وَفَرَّقَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ : أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ , فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا لَزِمَهُمْ , إذْ هُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي التَّيَمُّمِ , وَإِلاَّ فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ , وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَبِاَللَّهِ تعالى التَّوْفِيقُ.

226 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَرَضُ هُوَ كُلُّ مَا أَحَالَ الإِنْسَانَ ، عَنِ الْقُوَّةِ وَالتَّصَرُّفِ , هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

227 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : وَيَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ إلاَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَالدَّلْوُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى شَفِيرِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ وَالْعَيْنِ , إلاَّ أَنَّهُ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ يُتِمُّ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ حَتَّى يَطْلُعَ أَوَّلُ قَرْنِ الشَّمْسِ , وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ وَالْخَائِفُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ , فَذَكَرَ فِيهَا : وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا , وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ , وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا , وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً , وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ. فَهَذَا عُمُومٌ دَخَلَ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْبَادِي. فإن قيل : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ، وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَلَمْ يُبِحْ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ إلاَّ مُسَافِرًا. قلنا : نَعَمْ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا ذَكَرْتُمْ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ زَائِدَةً حُكْمًا وَوَارِدَةً بِشَرْعٍ لَيْسَ فِي الآيَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ بَلْ فِيهَا إبَاحَةٌ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلاَةَ الْجُنُبُ دُونَ أَنْ يَغْتَسِلَ , وَهُوَ غَيْرُ عَابِرِ سَبِيلٍ , لَكِنْ إذَا كَانَ مَرِيضًا لاَ يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ عَلَيْهِ حَرَجٌ , وَكَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَيْضًا زَائِدَةً حُكْمًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَفْظُهُ لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا بِزِيَادَةٍ وَعُمُومٍ عَلَى الآيَتَيْنِ وَالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ , فَدَخَلَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , وَكَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُ رَسُولِهِ r فَرْضٌ جَمْعُ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَكُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَاللَّيْثِ : وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ , لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ إلاَّ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ أَعَادَ ، وَلاَ بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ , وَقَالَ زُفَرُ : لاَ يَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ , لَكِنْ يَصْبِرُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَيَجِدَ الْمَاءَ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَمْرُهُمَا لَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ هِيَ فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِصَلاَةٍ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ , فَإِنْ قَالَ مُقَلِّدُهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ : هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ , قلنا فَلِمَ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَإِنْ قَالُوا : بَلْ أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ , أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ , وَهَذَا خَطَأٌ , وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ , لاَِنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلاَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَائِهَا فِيهِ , وَأَلْزَمَهُ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ. قال أبو محمد : وَالصَّلاَةُ فَرْضٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ , وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مُسْلِمٌ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَوَجَدْنَا هَذَا الَّذِي حَضَرَتْهُ الصَّلاَةُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَبِالصَّلاَةِ , فَإِذَا عَجَزَ ، عَنِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ سَقَطَا عَنْهُ , وَقَدْ نَصَّ عليه السلام عَلَى أَنَّ الأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ , فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلاَةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا بَيِّنٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 228 - مَسْأَلَةٌ : وَالسَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ سَفَرًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أَوْ مِمَّا لاَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ , وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِنْ الْبُرُوزِ ، عَنِ الْمَنَازِلِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ , فأما الْمُسَافِرُ سَفَرًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ التَّيَمُّمُ فَالأَفْضَلُ لَهُمَا أَنْ يَتَيَمَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ , سَوَاءٌ رَجَوْا الْمَاءَ أَوْ أَيْقَنَا بِوُجُودِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ , أَوْ أَيْقَنَا أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ , وَكَذَلِكَ رَجَاءُ الصِّحَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ وَمَنْ لَهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ إلاَّ حَتَّى يُوقِنَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ إمْكَانِ الْمَاءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ , وَفِي الْمَرِيضِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَرِيضِ ذِي الْحَرَجِ , وَكَانَ الْبِدَارُ إلَى الصَّلاَةِ أَفْضَلَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلاَ خِلاَفَ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ , وَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَيَقُّنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلاَّ بِاخْتِلاَفٍ , وَلَوْلاَ النَّصُّ مَا حُلَّ لَهُ. وقال أبو حنيفة فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ إلاَّ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , إلاَّ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ يَطْمَعُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِهِ فَلْيَتَيَمَّمْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ سُفْيَانُ : يُؤَخِّرُ الْمُسَافِرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ , وقال مالك مَرَّةً : لاَ يُعَجِّلُ ، وَلاَ يُؤَخِّرُ , وَلَكِنْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ. وَقَالَ مَرَّةً : إنْ أَيْقَنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ , فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلاَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , وَإِنْ كَانَ طَامِعًا فِي وُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَخَّرَ التَّيَمُّمَ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ , فَيَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِهِ وَيُصَلِّي , وَإِنْ كَانَ مُوقِنًا أَنَّهُ لاَ يَجِدُ الْمَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ : التَّعَلُّقُ بِتَأْخِيرِ التَّيَمُّمِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ لاَ مَعْنَى لَهُ ; لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ عَمَلَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْمُتَيَمِّمِ , وَلاَ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ ، وَلاَ أَتَمُّ مِنْ صَلاَةِ الْمُتَيَمِّمِ , وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ وَصَلاَةٌ تَامَّةٌ , وَفَرْضٌ فِي حَالَةٍ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْخِيرُ الصَّلاَةِ رَجَاءَ وُجُودِ الْمَاءِ تَرْكٌ لِلْفَضْلِ فِي الْبِدَارِ إلَى أَفْضَلِ الأَعْمَالِ بِلاَ مَعْنَى , وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ : أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ r حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام. وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ أَوْ مِيلاَنِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ. وَعَنْ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ , فَلَمَّا أَتَى الْمِرْبَدَ لَمْ يَجِدْ مَاءً , فَنَزَلَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَصَلَّى ثُمَّ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : أَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ طَلَبَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ , فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبُهُ وَتَيَمَّمَ. قَالَ : وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ , فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ حِسَّ النَّاسِ وَأَصْوَاتَهُمْ تَيَمَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا وَمِنْ مِثْلِهَا 229 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا إلاَّ أَنَّهُ يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ أَوْ فَوْتَ الرُّفْقَةِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ ظَالِمٌ أَوْ نَارٌ أَوْ أَيُّ خَوْفٍ كَانَ فِي الْقَصْدِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وَكُلُّ هَؤُلاَءِ لاَ يَجِدُونَ مَاءً يَقْدِرُونَ عَلَى الطَّهَارَةِ بِهِ. 230 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ طَلَبَ بِحَقٍّ فَلاَ عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ , لإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْتَنِعَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ قَبِلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِعِبَادِهِ , فَإِنْ امْتَنَعَ فَهُوَ عَاصٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 231 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ كَانَ عَلَى بِئْرٍ يَرَاهَا وَيَعْرِفُهَا فِي سَفَرٍ وَخَافَ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ أَوْ فَوْتَ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ : تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ , لَكِنْ يَتَوَضَّأُ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لإِنَّ كُلَّ هَذَا عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ , فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ بِلاَ حَرَجٍ. 232 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ أَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ لاَ يَدْرِي بِهَا فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ , لإِنَّ هَذَيْنِ غَيْرُ وَاجِدَيْنِ لِلْمَاءِ , وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد. وقال مالك : يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ ، وَلاَ يُعِيدُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ : يُعِيدُ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مِنْهُ عَلَى رَمْيَةِ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ بِهَا أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ , فَإِنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهَا أَوْ بِقُرْبِهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ التَّيَمُّمُ. 233 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ , هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. 234 - مَسْأَلَةٌ : وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ , سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي صَلاَةٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ , فَإِنَّ صَلاَتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا تُنْتَقَضُ لاِنْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ , ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلاَةَ , وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا قَدْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ إثْرَ سَلاَمِهِ مِنْهَا , الْخِلاَفُ فِي هَذَا فِي ثَلاَثِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا وُجِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ مَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : إذَا كُنْتَ جُنُبًا فِي سَفَرٍ فَتَمْسَحُ ثُمَّ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَلاَ تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ إنْ شِئْتَ , قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ : مَا يُدْرِيهِ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ. وَبِإِحْدَاثِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لاَ يَرَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ قَالَ : التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَاتِ , وَلَيْسَ وُجُودُ الْمَاءِ حَدَثًا , فَوُجُودُ الْمَاءِ لاَ يَنْقُضُ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ هَذَا قَوْلاً صَحِيحًا لَوْلاَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى بِالنَّاسِ , فَلَمَّا انْفَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ صَلاَتِهِ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ , فَقَالَ : مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ : أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلاَ مَاءَ , قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ أَمْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً لِنَبِيِّهِ عليه السلام قَالَ : " وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ , وَقَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ بِبَغْدَادَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَفِي الْقَوْمِ جُنُبٌ , فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَاءَ بَعْدُ , فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَغْتَسِلَ ، وَلاَ يُعِيدَ الصَّلاَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ. فَصَحَّ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّهُورَ بِالتُّرَابِ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ , وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي أَنْ لاَ يَجُوزَ التَّطَهُّرُ بِالتُّرَابِ إلاَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ , وَيَقْتَضِي أَنْ لاَ يَصِحَّ طَهُورٌ بِالتُّرَابِ إلاَّ أَنْ لاَ نَجِدَ الْمَاءَ إلاَّ لِمَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ نَصٌّ آخَرُ , وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالْقَبُولِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الآخَرِ , بَلْ فَرَضَ الْعَمَلَ بِهِمَا مَعًا , وَصَحَّحَ هَذَا أَيْضًا أَمْرُهُ عليه السلام الْمُجْنِبَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ وَالصَّلاَةِ , ثُمَّ أَمْرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْغُسْلِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي : إنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَيُعِيدُهَا أَمْ لاَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وطَاوُوس وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ : إنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْجُمَحِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَعَنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ طَاوُوس. وقال مالك : الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ يَتَيَمَّمُونَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ , فَإِنْ تَيَمَّمُوا وَصَلَّوْا ثُمَّ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لاَ يُعِيدُ , وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ فَيُعِيدَانِ الصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ , لإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ يَجِدُ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ , كَمَا أُمِرَ بِهِ الْمُسَافِرُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ الْمُبَاحُ لَهُمَا التَّيَمُّمُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا , فَلَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ , نَعَمْ , وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُعِيدُ الْكُلَّ , وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لاَ يُعِيدُ فَنَظَرْنَا , فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورًا بِالتَّيَمُّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , فَلَمَّا صَلَّوْا كَانُوا لاَ يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا أَوْ لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا. فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا قلنا لَهُمْ : فَهُمْ إذًا مَنْهِيُّونَ ، عَنِ التَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ ابْتِدَاءً لاَ بُدَّ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , وَلَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالإِجْمَاعِ , فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقِسْمُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْقِسْمُ الثَّانِي , وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا , فَإِذْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا فَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ إعَادَةُ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ , لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ ، حدثنا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ : أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاَطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَسَقَطَ الأَمْرُ بِالإِعَادَةِ جُمْلَةً. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالثَّالِثُ مَنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ , فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُد. قَالُوا : إنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَتَمَادَ عَلَى صَلاَتِهِ ، وَلاَ يُعِيدُهَا ، وَلاَ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِذَلِكَ , وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْتَسِلْ ، وَلاَ بُدَّ , لاَ تُجْزِيهِ صَلاَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ إلاَّ بِذَلِكَ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ : سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَ الصَّلاَةِ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ ، وَلاَ بُدَّ , وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِيهَا , وَأَمَّا إنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ تِلْكَ , وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لاَ تُجْزِيهِ صَلاَةٌ يَسْتَأْنِفُهَا إلاَّ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلاَةِ وَوُجُودِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ إنْ قَالُوا قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ , فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. قال أبو محمد : لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذِهِ , وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا , لاَِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَخْلُو وُجُودُ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْمُجْنِبِ , أَوْ يَكُونَ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَلاَ يُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُجْنِبِ أَوْ الْمُحْدِثِ. فَإِنْ قَالُوا لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ ، وَلاَ يُعِيدُهُ مُجْنِبًا ، وَلاَ مُحْدِثًا , فَهَذَا جَوَابُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا , قلنا فَلاَ عَلَيْكُمْ , أَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ مَتَى وَجَدَ الْمَاءَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْكُمْ , فَمِنْ قَوْلِهِمْ نَعَمْ ,. . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي حِينِ وُجُودِهِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ الصَّلاَةِ بِنَصِّ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ فِي الْبِدَارِ إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ فَإِنْ قَالُوا : لَيْسَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ لِشُغْلِهِ بِهَا , قلنا : هَذَا فَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , فَإِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ الصَّلاَةِ فَقَدْ صَحَّ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ أَنَّ أَمْرَكُمْ بِالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لاَ تُنْتَقَضُ بِذَلِكَ صَلاَتُهُ , فَكَانَ اللاَّزِمُ عَلَى أُصُولِكُمْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ كَمَا تَقُولُونَ فِي الْمُحْدِثِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ مُجْنِبًا وَمُحْدِثًا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ , وَلاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَكَانَ هَذَا قَوْلاً ظَاهِرَ الْفَسَادِ وَدَعْوَى عَارِيَّةً ، عَنِ الدَّلِيلِ , وَمَا جَاءَ قَطُّ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ فِي قِيَاسٍ ، وَلاَ فِي رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ أَنَّ شَيْئًا يَكُونُ حَدَثًا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ، وَلاَ يَكُونُ حَدَثًا فِي الصَّلاَةِ وَالدَّعْوَى لاَ يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ , وَهِيَ بَاطِلٌ مَا لَمْ يُصَحِّحْهَا بُرْهَانٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ , لاَ سِيَّمَا قَوْلُهُمْ : إنَّ وُجُودَ الْمُصَلِّي الْمَاءَ فِي حَالِ صَلاَتِهِ لاَ يَنْقُضُ صَلاَتَهُ , فَإِذَا سَلَّمَ اُنْتُقِضَتْ طَهَارَتُهُ بِالْوُجُودِ الَّذِي كَانَ فِي الصَّلاَةِ , وَإِنْ لَمْ يَتَمَادَ ذَلِكَ الْوُجُودُ إلَى بَعْدِ الصَّلاَةِ , فَهَذَا أَطْرَفُ مَا يَكُونُ شَيْءٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ إذَا عُدِمَ ، وَلاَ يَنْقُضُهَا إذَا وُجِدَ وَهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا هَذَا بِعَيْنِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلاَةِ ، وَلاَ تَنْقُضُهَا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ فَصَحَّ أَنْ لاَ طَهَارَةَ تَصِحُّ بِتُرَابٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلاَّ لِمَنْ أَجَازَهُ لَهُ النَّصُّ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَرَجٌ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ بُطْلاَنُ طَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلاَةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَصَحَّ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ. إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَنَاقَضَ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ , أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرَى لِمَنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ , وَهَذَا أَحْدَثَ مَغْلُوبًا , فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ , وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرَى السَّلاَمَ مِنْ الصَّلاَةِ لَيْسَ فَرْضًا : وَأَنَّ مَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ , وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ صَحَّتْ صَلاَتُهُ ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ , ثُمَّ رَأَى هَهُنَا أَنَّهُ وَإِنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّ صَلاَتَهُ تِلْكَ قَدْ بَطَلَتْ وَكَذَلِكَ طَهَارَتُهُ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُعِيدَهَا أَبَدًا , وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ وَالْبُعْدِ ، عَنِ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ , وَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ التَّفَارِيقَ لاَِحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. 235 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرْنَا , فَإِنَّ صِحَّتَهُ لاَ تَنْقُضُ طَهَارَتَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَتْبَعْنَا إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , فَهُوَ الَّذِي تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ , وَأَمَّا مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ قَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ , بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ , فَإِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ حَدَثًا أَصْلاً , إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّهَا حَدَثٌ لاَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ , قلنا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ , وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قِيَاسُ وَاجِدِ الْمَاءِ عَلَى عَادِمِهِ , وَقِيَاسُ مَرِيضٍ عَلَى صَحِيحٍ , وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ أَحْكَامَهُمَا فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا تَخْتَلِفُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 236 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَرْضَ وَالنَّوَافِلَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ بِحَدَثٍ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ , وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلاَ يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ إلاَّ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ الأَحْدَاثِ فَقَطْ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد. وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِثْلِ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ. يَقُولُ يُصَلِّي بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : صَلِّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا مَا لَمْ تُحْدِثْ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وقال مالك : لاَ يُصَلَّى صَلاَتَا فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلاَةٍ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَتَطَوَّعَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمًا آخَرَ لِلْفَرِيضَةِ فَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرِيضَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وقال الشافعي : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ ، وَلاَ بُدَّ , وَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ شَرِيكٌ : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ شَرِيكٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَقْتِ صَلاَةِ فَرْضٍ إلاَّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْفَوَائِتَ مِنْ الْفُرُوضِ كُلِّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُ بِحُجَّةٍ أَصْلاً , لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ يَخْلُو التَّيَمُّمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهَارَةً أَوْ لاَ طَهَارَةَ , فَإِنْ كَانَ طَهَارَةً فَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ نَقْضَهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ طَهَارَةً فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وقال بعضهم : لَيْسَ طَهَارَةً تَامَّةً وَلَكِنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ لِلصَّلاَةِ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَوْلٌ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ طَهَارَةً تَامَّةً وَلَكِنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ لِلصَّلاَةِ , وَهَذَا كَلاَمٌ يَنْقُضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ ; لإِنَّ الاِسْتِبَاحَةَ لِلصَّلاَةِ لاَ تَكُونُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ , فَهُوَ إذَنْ طَهَارَةٌ لاَ طَهَارَةٌ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا اسْتِبَاحَةً لِلصَّلاَةِ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَسْتَبِيحُوا بِهَذِهِ الاِسْتِبَاحَةِ الصَّلاَةَ الثَّانِيَةَ كَمَا اسْتَبَاحُوا بِهِ الصَّلاَةَ الآُولَى وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْتِبَاحَةً لِلصَّلاَةِ الآُولَى دُونَ أَنْ يَكُونَ اسْتِبَاحَةً لِلثَّانِيَةِ وَقَالُوا : إنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَنْقُضُ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلاَةٍ. قلنا لَهُمْ : هَذَا بَاطِلٌ , أَوَّلُ ذَلِكَ إنَّ قَوْلَكُمْ , إنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَنْقُضُ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَثَانِيهِ أَنَّ قَوْلَكُمْ : أَنَّ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ بَاطِلٌ وَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُ وَهُوَ قَدْ طَلَبَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لاَ يَجِدُهُ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ , فَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُهُ الْمَرِيضُ الْوَاجِدُ الْمَاءَ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً , لاَ سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلنَّوَافِلِ وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ , وَبَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلْفَرِيضَةِ , وَطَلَبُ الْمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ لِلنَّافِلَةِ ، وَلاَ بُدَّ , كَمَا يَلْزَمُ لِلْفَرِيضَةِ , إذْ لاَ فَرْقَ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلنَّافِلَةِ كَمَا تَجِبُ لِلْفَرِيضَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , بِلاَ خِلاَفٍ بِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ , لاَ سِيَّمَا وَشَيْخُهُمْ الَّذِي قَلَّدُوهُ مَالِكٌ يَقُولُ فِي الْمُوَطَّأِ : لَيْسَ الْمُتَوَضِّئُ بِأَطْهَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ , وَمَنْ تَيَمَّمَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا , لاَِنَّهُ أَوْجَبَ تَجْدِيدَ التَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ وَلَمْ يُوجِبْهُ لِلنَّافِلَةِ , وَهَذَا خَطَأٌ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا , لاَِنَّهُ جَعَلَ الطَّهَارَةَ بِالتَّيَمُّمِ تَصِحُّ بِبَقَاءِ وَقْتِ الصَّلاَةِ وَتُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَمَا عَلِمْنَا فِي الأَحْدَاثِ خُرُوجَ وَقْتٍ أَصْلاً , لاَ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَإِنَّمَا جَاءَ الأَمْرُ بِالْغُسْلِ فِي كُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لإِنَّ قِيَاسَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لَمْ يُوجِبْهُ شَبَهٌ بَيْنَهُمَا ، وَلاَ عِلَّةٌ جَامِعَةٌ , فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ , فَحَصَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ دَعْوَى كُلَّهَا بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا إنَّ قَوْلَنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قلنا أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقِطَةٌ لاَِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّمَا هِيَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَقَتَادَةُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا لاَ تَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ , إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَيْضًا فَإِنَّ تَقْسِيمَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لَمْ يُرْوَ ، عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا , فَهُمْ مُخَالِفُونَ الصَّحَابَةَ الْمَذْكُورِينَ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى قَوْلِهِ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا قَالَ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلاَةِ , فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ r الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ خَرَجَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ ، عَنْ حُكْمِ الآيَةِ , وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ لِلصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ t : وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا , لاَ سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُبِيحِينَ لِلْقِيَامِ إلَى صَلاَةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ إحْدَاثِ تَيَمُّمٍ ، وَلاَ إحْدَاثِ طَلَبٍ لِلْمَاءِ , فَلاَ مُتَعَلَّقَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَإِنَّمَا الْكَلاَمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ شَرِيكٍ , فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الآيَةَ لاَ تُوجِبُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُمْ , وَلَوْ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ لاََوْجَبَتْ غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلاَةِ أَبَدًا , وَإِنَّمَا حُكْمُ الآيَةِ فِي إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجْنِبِينَ وَالْمُحْدِثِينَ فَقَطْ , بِنَصِّ آخِرِ الآيَةِ الْمُبَيِّنِ لاَِوَّلِهَا , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ، وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ هَهُنَا حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَإِنَّ مَعْنَى الآيَةِ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَأَحْدَثْتُمْ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ , فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ. بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ حُكْمَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلاَةِ إنَّمَا هُوَ بِنَصِّ الآيَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ حُكْمُهُ الْوُضُوءُ لاَ عَلَى مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ , لَكَانَ أَحَقَّ بِظَاهِرِ الآيَةِ مِنْهُمْ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِالتَّيَمُّمِ فِي الآيَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ , لاَ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلاَةِ أَصْلاً , وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ فِي إيجَابِ تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلاَةٍ بِالآيَةِ وَصَارَتْ الآيَةُ مُوجِبَةً لِقَوْلِنَا , وَمُسْقِطَةً لِلتَّيَمُّمِ إلاَّ عَمَّنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ , وَأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ بِنَصِّ الآيَةِ , فَإِذْ الآيَةُ مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ النَّافِلَةِ , مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجْنُبْ أَوْ يَجِدْ الْمَاءَ بِنَصِّ الآيَةِ نَفْسِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 237 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَافِلَةً أَوْ فَرْضًا كَالْوُضُوءِ ، وَلاَ فَرْقَ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلاَةِ , وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إلَى صَلاَةِ فَرْضٍ دُونَ النَّافِلَةِ , فَكُلُّ مُرِيدٍ صَلاَةً فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا , وَبِالْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّم إنْ كَانَ مُحْدِثًا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ لِمُرِيدِ الصَّلاَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تَطَهُّرِهِ وَبَيْنَ صَلاَتِهِ مُهْلَةٌ مِنْ الزَّمَانِ , فَإِذْ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ حَدَّ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُهْلَةِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ , لاَِنَّهُ يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , فَإِذْ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالْوُضُوءِ ، وَلاَ بِالتَّيَمُّمِ طُولُ تِلْكَ الْمُهْلَةِ ، وَلاَ قِصَرُهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 238 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , لإِنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 239 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ ذَلِكَ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ. رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءَ بِهِ , وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ التَّيَمُّمُ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ t الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ مُطْلَقٌ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ الْمَاءِ مِنْهُ فَهُوَ لاَ يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ , فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. 240 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ فَلَمْ يَجِدْ إلاَّ مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ الْمَوْتَ أَوْ الْمَرَضَ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْخِينِهِ إلاَّ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ , فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي , لاَِنَّهُ لاَ يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ. 241 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لاَ مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ ، وَلاَ لِلْغُسْلِ , لاَ بِمَا قَلَّ ، وَلاَ بِمَا كَثُرَ , فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ , وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلشُّرْبِ إنْ لَمْ يُعْطَهُ بِلاَ ثَمَنٍ , وَأَنْ يَطْلُبَهُ لِلْوُضُوءِ فَذَلِكَ لَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ وُهِبَ لَهُ تَوَضَّأَ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي هِلاَلُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلاَُ. حدثنا حمام ، حدثنا عِيسَى بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ أَنَّ إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ قَالَ لِرَجُلٍ : لاَ تَبِعْ الْمَاءَ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ وَرَأَى نَاسًا يَبِيعُونَ الْمَاءَ فَقَالَ لاَ تَبِيعُوا الْمَاءَ , فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى أَنْ يُبَاعَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ يَعْنِي فَضْلَ الْمَاءِ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ , فَهَؤُلاَءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ تَقَصَّيْتُ الْكَلاَمَ فِي هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قال أبو محمد : فَإِذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ حَرَامٌ , وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ أَخْذٌ بِالْبَاطِلِ , وَإِذْ هُوَ مَأْخُوذٌ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكَ لَهُ , وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكٍ لَهُ فَلاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ إلاَّ بِوَجْهٍ حَرَامٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ مُحَرَّمٍ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ , وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا ابْتِيَاعُهُ لِلشُّرْبِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ , وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ , لاَِنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَمَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا اسْتِيهَابُهُ الْمَاءَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ إيجَابٌ ، وَلاَ جَاءَ عَنْهُ مَنْعٌ فَهُوَ مُبَاحٌ , قَالَ عليه السلام : دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام , فَإِذَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ فَقَدْ مَلَكَهُ بِحَقٍّ , فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ : عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ بِثَمَنِهِ , فَإِنْ طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ , تَيَمَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِهِ. وقال أبو حنيفة لاَ يَشْتَرِيهِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ. وقال مالك : إنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلاَّ بِثَمَنٍ غَالٍ تَيَمَّمَ , وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَشِطُّوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَشْتَرِيهِ وَلَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ. قال أبو محمد : إنْ كَانَ وَاجِدُهُ بِالثَّمَنِ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُنَا , وَأَمَّا التَّقْسِيمُ فِي ابْتِيَاعِهِ مَا لَمْ يَغْلِ عَلَيْهِ فِيهِ , وَتَرَكَهُ إنْ غُولِي بِهِ , فَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ , وَكُلُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَيْسَ غَالِيًا بِشَيْءٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 242 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. 243 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ , لاَ يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ , لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ , لاَِنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَغَايِرَانِ , وَإِذْ هُمَا كَذَلِكَ فَلاَ يَنُوبُ أَحَدٌ ، عَنِ الآخَرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَحَدَهُمَا بِكَمَالِهِ بِالْمَاءِ , فَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ ذَلِكَ , وَيُؤَدِّي الآخَرَ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أُمِرَ. 244 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ذَهَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ أَعْضَائِهِ , فَفَرْضُهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ وَالتَّيَمُّمُ , وقال الشافعي يَغْسِلُ بِهِ أَيَّ أَعْضَائِهِ شَاءَ وَيَتَيَمَّمُ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَهَذَا خَطَأٌ , لاَِنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ ، عَنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ. بِمَنْعٍ مِنْهَا فَيُجْزِيهِ تَطْهِيرُ بَعْضِهَا : وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ ، عَنْ تَطْهِيرِ مَا أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ بِالْمَاءِ , وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ ، وَلاَ بُدَّ , بِتَعْوِيضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّعِيدَ مِنْ الْمَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لاََنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ وُضُوئِهِ أَوْ بِبَعْضِ غُسْلِهِ , غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى بَاقِيهِ , فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْغُسْلِ بِمَا يَسْتَطِيعُ فِي الأَوَّلِ , فَالأَوَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَعْضَاءِ الْغُسْلِ حَيْثُ بَلَغَ , فَإِذَا نَفِدَ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِبَاقِي أَعْضَائِهِ ، وَلاَ بُدَّ , لاَِنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فِي تَطْهِيرِهَا , فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَعْوِيضُ التُّرَابِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , فَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ذَاهِبًا أَوْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ الْمَاءَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ سَقَطَ حُكْمُهُ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ , وَأَجْزَأَهُ غَسْلُ مَا بَقِيَ , لاَِنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَاجِزٌ ، عَنْ تَطْهِيرِ الأَعْضَاءِ , وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِوُجُودِهِ الْمَاءَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 245 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ أَجْنَبَ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهُ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ , يَنْوِي بِأَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْجَنَابَةِ وَبِالآخِرِ الْوُضُوءَ , وَلاَ يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ كَمَا قَدَّمْنَا , فَلاَ يُجْزِئُ عَمَلٌ وَاحِدٌ ، عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلاَّ بِأَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا , وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ ، عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَسْلِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِأَنَّ تَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ ، عَنِ الْجَنَابَةِ وَعَنِ الْوُضُوءِ : وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهَا فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَرْبَعِ تَيَمُّمَاتٍ : تَيَمُّمٌ لِلْحَيْضِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجَنَابَةِ وَتَيَمُّمٌ لِلْوُضُوءِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , فَإِنْ كَانَتْ قَدْ غَسَّلَتْ مَيِّتًا فَتَيَمُّمٌ خَامِسٌ , وَالْبُرْهَانُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْغُسْلِ وَاجْتِمَاعِ وُجُوهِهِ الْمُوجِبَةِ لَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 246 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِحَيْثُ لاَ يَجِدُ تُرَابًا ، وَلاَ مَاءً أَوْ كَانَ مَصْلُوبًا وَجَاءَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ كَمَا هُوَ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ ، وَلاَ يُعِيدُهَا , سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله تعالى : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُنَا مِنْ الشَّرَائِعِ إلاَّ مَا اسْتَطَعْنَا , وَأَنَّ مَا لَمْ نَسْتَطِعْهُ فَسَاقِطٌ عَنَّا , وَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا تَرْكَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ لِلصَّلاَةِ إلاَّ أَنْ نُضْطَرَّ إلَيْهِ , وَالْمَمْنُوعُ مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ مُضْطَرٌّ إلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ , فَسَقَطَ عَنَّا تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلاَةِ بِتَوْفِيَتِهَا أَحْكَامَهَا وَبِالإِيمَانِ , فَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ , فَإِذَا صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَمَنْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الصَّلاَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ : لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ مَتَى وَجَدَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , ثُمَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ ، وَلاَ بُدَّ مَتَى وَجَدَهُ , وَإِنْ خَشِيَ الْمَوْتَ مِنْ الْبَرْدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ : يُصَلِّي كَمَا هُوَ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ مَتَى وَجَدَهُ , فَإِنْ قَدَرَ فِي الْمِصْرِ عَلَى التُّرَابِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى , وَأَعَادَ أَيْضًا ، وَلاَ بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ. وَقَالَ زُفَرُ فِي الْمَحْبُوسِ فِي الْمِصْرِ بِحَيْثُ لاَ يَجِدُ مَاءً ، وَلاَ تُرَابًا أَوْ بِحَيْثُ يَجِدُ التُّرَابَ : إنَّهُ لاَ يُصَلِّي أَصْلاً حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ , لاَ بِتَيَمُّمٍ ، وَلاَ بِلاَ تَيَمُّمٍ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَوَاتِ , وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لاَ يُصَلِّي ، وَلاَ يُعِيدُ , وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يُصَلِّي كَمَا هُوَ ، وَلاَ يُعِيدُ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ , لاَِنَّهُ لاَ يُجِيزُ الصَّلاَةَ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ وَخَائِفِ الْمَوْتِ , كَمَا لاَ يُجِيزُ لَهُ الصَّلاَةَ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ ، وَلاَ فَرْقَ , ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكِلاَهُمَا عِنْدَهُ لاَ تُجْزِيهِ صَلاَتُهُ فَأَمَرَ أَحَدَهُمَا بِأَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةً لاَ تُجْزِيهِ , وَأَمَرَ الآخَرَ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَهَا , وَهَذَا خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ سُقُوطًا لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَمَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلاً يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَخَطَأٌ , لاَِنَّهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلاَةٍ لاَ تُجْزِيهِ ، وَلاَ لَهَا مَعْنَى , فَهِيَ بَاطِلٌ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ أَيْضًا , لاَِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ فِيهِ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ، عَنْ تَأْخِيرِهِ الصَّلاَةَ إلَيْهِ , وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ فِي وَقْتِهَا أَوْكَدَ أَمْرٍ وَأَشَدَّهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْكَافِرِ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ الْكُفْرِ وَيُقِيمَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ ، عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يُفْسِحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ زُفَرَ وَكُلِّ مَنْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلاَةِ ، عَنْ وَقْتِهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لاَ يُصَلِّي أَصْلاً فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r " لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَقَالَ عليه السلام لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ قَالُوا : فَلاَ نَأْمُرُهُ بِمَا لَمْ يَقْبَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ , لاَِنَّهُ فِي وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ ، وَلاَ مُتَطَهِّرٍ , وَهُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ ، عَنْ وَقْتِهَا. قال علي : هذا كَانَ أَصَحَّ الأَقْوَالِ , لَوْلاَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ r أَسْقَطَ عَنَّا مَا لاَ نَسْتَطِيعُ مِمَّا أَمَرَنَا بِهِ , وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَسْتَطِيعُ , وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنَّا مَا لاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ , وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً إلاَّ بِطَهُورِ إنَّمَا كَلَّفَ ذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ الطَّهُورِ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ , لاَ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى وُضُوءٍ ، وَلاَ تَيَمُّمٍ , هَذَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ , فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ سَقَطَ عَنَّا تَكْلِيفُ مَا لاَ نُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ , وَبَقِيَ عَلَيْنَا تَكْلِيفُ مَا نُطِيقُهُ , وَهُوَ الصَّلاَةُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُصَلِّي كَذَلِكَ مُؤَدٍّ مَا أُمِرَ بِهِ , وَمَنْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا النُّفَيْلِيُّ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلاَدَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ , فَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ , فَأَتَوْا النَّبِيَّ r فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ , فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ , فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r رَجُلاً فَوَجَدَهَا , فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا , فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَهَذَا أُسَيْدٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءِ نَبِيِّهِ r . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 247 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ ، وَلاَ مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ وَأَنْ يَطَأَهَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد , وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلاَثُ لَيَالٍ فَأَقَلَّ فَلاَ يَطَؤُهَا , وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلاَ يَطَؤُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مَغْرِبًا رَحَّالاً فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا , وَإِنْ كَانَ لاَ مَاءَ مَعَهُ. وقال مالك : إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلاَ يَطَؤُهَا ، وَلاَ يُقَبِّلُهَا إنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ , فَإِنْ كَانَ بِهِ جِرَاحٌ يَكُونُ حُكْمُهُ مَعَهَا التَّيَمُّمَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَبِّلَهَا , لإِنَّ أَمْرَ هَذَا يَطُولُ. قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَطَهُرَتْ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ : وَكَذَلِكَ لاَ يَطَؤُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُتَيَمِّمَةً. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا تَقْسِيمُ عَطَاءٍ فَلاَ وَجْهَ لَهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ الْحَدَّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الزُّهْرِيِّ , وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا , لاَِنَّهُ تَفْرِيقٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُخَالَفْ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ احْتِيَاطٌ , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّيَمُّمَ طُهْرًا , وَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ , وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُبَاضَعَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ , وَصَحَّ أَنَّهُ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ , وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِمَّنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْوُضُوءِ وَلِلْحَيْضِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ , ثُمَّ يَمْنَعُ الْمُحْدِثَةَ وَالْمُتَطَهِّرَةَ مِنْ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمُحْدِثَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ , فَكَيْفَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ لِلْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نِسَاءَنَا حَرْثًا لَنَا وَلِبَاسًا لَنَا , وَأَمَرَنَا بِالْوَطْءِ فِي الزَّوْجَاتِ وَذَوَاتِ الأَيْمَانِ , حَتَّى أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الْحَالِفِ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَجَلاً مَحْدُودًا إمَّا أَنْ يَطَأَ وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ , وَجَعَلَ حُكْمَ الْوَاطِئِ وَالْمُحْدِثِ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ , وَالتَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , لاَ فَضْلَ لاَِحَدِ الْعَمَلَيْنِ عَلَى الآخَرِ , وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الآخَرِ ، وَلاَ بِأَتَمَّ صَلاَةً.فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ , فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِنْ الْوَطْءِ , كَمَا لاَ مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ مِنْ الْوَطْءِ , وَكُلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ سَوَاءٌ , لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلاً وَالثَّانِي فَرْعًا , بَلْ هُمَا فِي الْقُرْآنِ سَوَاءٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 248 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ , وَالْمُتَوَضِّئُ الْمُتَيَمِّمِينَ , وَالْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ وَالْغَاسِلُ الْمَاسِحِينَ , لإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ , وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الآخَرِ , وَلاَ أَحَدُهُمَا أَتَمَّ صَلاَةً مِنْ الآخَرِ , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام غَيْرَ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ هَهُنَا وَاجِبٌ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ عليه السلام لَبَيَّنَهُ ، وَلاَ أَهْمَلَهُ , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَسُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ , وَرُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ : لاَ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ ، وَلاَ الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ , وَقَالَ رَبِيعَةُ : لاَ يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ جَنَابَةٍ إلاَّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ,. وَبِهِ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لاَ يَؤُمُّهُمْ. وَكَرِهَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ , فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : لاَ يَؤُمُّهُمْ إلاَّ إنْ كَانَ أَمِيرًا. قَالَ عَلِيٌّ : النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَرَاهَتُهُ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ مَنْ قَسَّمَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 249 - مَسْأَلَةٌ : وَيَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ ، وَلاَ فَرْقَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما : أَنَّ الْجُنُبَ لاَ يَتَيَمَّمُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ , وَعَنِ الأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُ ذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , قَالَ وَاصِلٌ : سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُمَا خَيْرٌ مِنِّي يَقُولاَنِ : إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَمْ يُصَلِّ يَعْنِي الْجُنُبَ قَالَ : وَأَنَا لَوْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ لَتَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ. وَقَالَ الْحَكَمُ : سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ وَأَنْتَ جُنُبٌ قَالَ لاَ أُصَلِّي قَالَ شُعْبَةُ : وَقُلْتُ لاَِبِي إِسْحَاقَ : أَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إنْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَمْ أُصَلِّ يَعْنِي الْجُنُبَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : قَالَ نَعَمْ وَالأَسْوَدُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ ، حدثنا أَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ عليه السلام مِنْ صَلاَتِهِ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلاَ مَاءَ , قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا قَالَ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجُنُبِ إلاَّ الْغُسْلَ , قلنا لَهُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r هُوَ الْمُبَيِّنُ ، عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَهُوَ عليه السلام قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْجُنُبَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصَلِّ , فَقَالَ أَحْسَنْتَ. وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ : إنِّي أَجْنَبْتُ فَتَيَمَّمْتُ فَصَلَّيْتُ , قَالَ أَحْسَنْتَ قلنا : هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , وَالْمُخَارِقُ ثِقَةٌ , تَابِعٌ , وَطَارِقٌ صَاحِبٌ , صَحِيحُ الصُّحْبَةِ مَشْهُورٌ وَالْخَبَرُ بِهِ نَقُولُ , وَهَذَا الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ , فَأَصَابَ إذْ لَمْ يُصَلِّ بِمَا لاَ يَدْرِي , وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الشَّرَائِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وَاَلَّذِي تَيَمَّمَ عَلِمَ فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَفَعَلَهُ , لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا , فأما أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمُجْنِبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ , فَيُخْطِئُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ فَرْضَ الْمُجْنِبِ الْمَذْكُورِ فَيُخْطِئُ مَنْ فَعَلَهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ فَرْضُهُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالآخَرَ عَلِمَهُ , فَأَتَى بِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ , فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِالطَّهُورِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَالتُّرَابُ بِنَصِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 250 - مَسْأَلَةٌ : وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ , إنَّمَا يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْوَجْهَ الَّذِي تَيَمَّمَ لَهُ , مِنْ طَهَارَةٍ لِلصَّلاَةِ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ إيلاَجٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ طَهَارَةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ , ثُمَّ يَضْرِبُ الأَرْضَ بِكَفَّيْهِ مُتَّصِلاً بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمَا وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ ، وَلاَ الْكَفَّيْنِ ، وَلاَ يَمْسَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّيَمُّمِ ذِرَاعَيْهِ ، وَلاَ رَأْسَهُ ، وَلاَ رِجْلَيْهِ ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ. أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَهَا قَبْلُ , وقال أبو حنيفة يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِلاَ نِيَّةٍ , وَلاَ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا إلاَّ بِنِيَّةٍ , وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : كُلُّ ذَلِكَ يُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَأَمَّا كَوْنُ عَمَلِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِلنِّفَاسِ وَلِسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا كَصِفَتِهِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَغْسَالِ وَبِالتَّيَمُّمِ لَهَا. وَأَمَّا سُقُوطُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , إلاَّ شَيْئًا فَعَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ t فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ r نَهَاهُ عَنْهُ عليه السلام , وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ , وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ، وَلاَ بُدَّ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ ذِرَاعَيْهِ إلَى الآبَاطِ , وَقَالَ آخَرُونَ إلَى الْمَرَافِقِ. فأما الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالآُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمَرَافِقِ , فَإِنَّهُ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلذِّرَاعَيْنِ وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : " إلَى الْمِرْفَقَيْنِ " وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عليه السلام عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ , وَقَالَ عليه السلام : إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إلاَّ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ. ثُمَّ بِحَدِيثِ الأَسْلَعِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الأَعْرَجِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَسَكَتَ عليه السلام حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالصَّعِيدِ , فَقَالَ : قُمْ يَا أَسْلَعُ فَارْحَلْ , قَالَ : ثُمَّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ r التَّيَمُّمَ , فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ حَتَّى أَمَرَّ عَلَى لِحْيَتِهِ , ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الأَرْضِ فَمَسَحَ كَفَّيْهِ الأَرْضَ فَدَلَّكَ إحْدَاهُمَا بِالآُخْرَى ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا. وَبِحَدِيثٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا , ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِحَدِيثٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَبِحَدِيثٍ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَقَالُوا : قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ , مِنْ فُتْيَاهُمْ وَفِعْلِهِمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ , ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ وَالْيَدَيْنِ , قَالُوا وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ , فَلَمَّا كَانَ يُجَدِّدُ الْمَاءَ لِلْوَجْهِ وَمَاءً آخَرَ لِلذِّرَاعَيْنِ وَجَبَ كَذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ كَذَلِكَ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الأَخْبَارُ فَكُلُّهَا سَاقِطَةٌ , لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْيَافِعِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , فَفِيهِ عِلَّتَانِ : إحْدَاهُمَا الْقَاسِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ دَلَّسَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُدْرِكْ جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ عَمَّارٍ , فَلَمْ يُسَمِّ قَتَادَةَ مَنْ حَدَّثَهُ. وَالأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ كُلُّهَا ، عَنْ عَمَّارٍ بِخِلاَفِ هَذَا , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَمُحَمَّدُ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لإِنَّ فِيهِ التَّيَمُّمَ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ , وَالتَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلاَمِ , وَتَرْكَ رَدِّ السَّلاَمِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ , وَمِنْ الْمَقْتِ احْتِجَاجُ امْرِئٍ بِمَا لاَ يَرَاهُ لاَ هُوَ ، وَلاَ خَصْمُهُ حُجَّةً وَاحْتِجَاجُهُ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , فَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ رَدِّ السَّلاَمِ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ , وَفِي التَّيَمُّمِ بَيْنَ الْحِيطَانِ فِي الْمَدِينَةِ لِرَدِّ السَّلاَمِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي هَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا : هُوَ عَلَى النَّدْبِ , قلنا : وَكَذَلِكَ قُولُوا فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ فِيهِ مَرَّتَيْنِ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الأَسْلَعِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ ، عَنْ عَلِيلَةَ هُوَ الرَّبِيعُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ الأَسْلَعِ , وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَيْسُوا بِشَيْءٍ ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ , وَهَذَا كَمَا تَرَى , لاَ نَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَسُلَيْمَانُ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيُّ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْوَاقِدِيِّ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ , لاَِنَّهُ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِهِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ , فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ : لاَ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا , وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ , فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ , فَمَا الَّذِي جَعَلَهُمْ حُجَّةً حَيْثُ يَشْتَهِي هَؤُلاَءِ , وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ حُجَّةً حَيْثُ لاَ يَشْتَهُونَ هَذَا مُوجِبٌ لِلنَّارِ فِي الآخِرَةِ وَلِلْعَارِ فِي الدُّنْيَا , فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُمَرَ وَابْنَهُ وَجَابِرًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ , عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ الَّذِي قَضَيْتُمْ أَنَّهُ حَقٌّ , فَأَسْقَطْتُمْ فِي التَّيَمُّمِ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ , وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَأَسْقَطْتُمْ جَمِيعَ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ , وَأَوْجَبْتُمْ أَنْ يُحْمَلَ الْمَاءُ إلَى الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ , وَلَمْ تُوجِبُوا حَمْلَ شَيْءٍ مِنْ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ , وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُمْ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَأَوْجَبَهَا فِي التَّيَمُّمِ , ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الإِجْمَاعِ أَنَّ الْبَدَلَ لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهَلْ هَذَا إلاَّ دَعْوَى فَاسِدَةٌ كَاذِبَةٌ وَقَدْ وَجَدْنَا الرَّقَبَةَ وَاجِبَةً فِي الظِّهَارِ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَكَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ عَمْدًا نَهَارًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ , ثُمَّ عَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْدَلَ مِنْ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَمِنْ رِقَابِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَالظِّهَارِ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ إطْعَامًا فِي الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ , وَلَمْ يُعَوِّضْهُ فِي الْقَتْلِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ , قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , وَهَلاَّ قِسْتُمْ مَا يُتَيَمَّمُ مِنْ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُقْطَعُ مِنْ الْيَدَيْنِ فِي السَّرِقَةِ كَمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الأَمَةِ فِي الْبَيْعِ , وَقِسْتُمُوهُ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ فَرَّقْتُمْ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ بَيْنَ حُكْمِ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فِي سُقُوطِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ , وَسُقُوطِ الْجَسَدِ كُلِّهِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْغُسْلِ. وَيُقَالُ لَهُمْ كَمَا جَعَلْتُمْ سُكُوتَ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ ذِكْرِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ , فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ سُكُوتَهُ تَعَالَى ، عَنْ ذِكْرِ التَّحْدِيدِ إلَى الْمَرَافِقِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ , وَلاَ تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي سُكُوتِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَنْ دَيْنِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ , وَلَمْ يَقِيسُوهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ , وَإِذَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ لِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ فَقِيسُوا التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ عَلَى الْجَنَابَةِ , فَعُمُّوا بِهِ الْجَسَدَ وَهَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ , ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ فَقَطْ , وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ ، حدثنا الْحَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ r ضَرْبَةً وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى الأَرْضِ أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا كَفَّيْهِ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ. قال علي : وهذا لاَ شَيْءَ ; لإِنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَرِيشِ بْنِ الْخِرِّيتِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالآُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ : الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالاَ : إلاَّ أَنْ يَصِحَّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r غَيْرُ ذَلِكَ فَنَقُولَ بِهِ , وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ , وَلَمْ يُرَ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ , وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ : تَيَمَّمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَمَسَحْنَا بِوُجُوهِنَا وَأَيْدِينَا إلَى الْمَنَاكِبِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ : حدثنا أَبِي ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَذَكَرَ نُزُولَ آيَةِ التَّيَمُّمِ قَالَ : فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ إلَى الأَرْضِ ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا , فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ , وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إلَى الآبَاطِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمَّارٍ , وَبِهِ كَانَ يَقُولُ عَمَّارٌ وَالزُّهْرِيُّ , رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ الْوَاشِحِيِّ , حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ. قال علي : هذا أَثَرٌ صَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِبَيَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَفَرْضَهُ , وَلاَ نَصُّ بَيَانٍ بِأَنَّهُ عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ , فَيَكُونُ ذَلِكَ نَدْبًا مُسْتَحَبًّا , وَلاَ حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ يَرَى إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ إنْ لَمْ يُصَلِّ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، حُجَّةً فِي إبْطَالِ وُجُوبِ الْغُسْلِ , وهذا الخبر مُؤَكِّدٌ لِوُجُوبِهِ مُنْكِرٌ لِتَرْكِهِ , ثُمَّ لاَ يَرَى عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمَنَاكِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حُجَّةً فِي وُجُوبِ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ كَمَا ذَكَرْنَا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ , فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ الْيَدَيْنِ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إلَى الْمَرَافِقِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ لَبَيَّنَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوُضُوءِ , وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعَ الْجَسَدِ لَبَيَّنَهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْغُسْلِ , فَإِذْ لَمْ يُرِدْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذِكْرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ , فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى. مِنْ الذِّرَاعَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ , وَلَمْ يَلْزَمْ فِي التَّيَمُّمِ إلاَّ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ , وَهُمَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدَيْنِ , وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ لاَ الأَكَاذِيبُ الْمُلَفَّقَةُ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ ذَرٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبْزَى هُوَ سَعِيدٌ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ : يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لاِبْنِ مَسْعُودٍ " أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ , فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ , ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا , ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً , ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ شُعْبَةَ ، حدثنا الْحَكَمُ ، عَنْ ذَرٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً , قَالَ عُمَرُ لاَ تُصَلِّ , فَقَالَ عَمَّارٌ : أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً , فأما أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ , وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ الأَرْضَ بِيَدَيْكَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ ; لإِنَّ عَمَّارًا قَدَّرَ أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ , إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ , فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ r ذَلِكَ , وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمَهُ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَقَطْ , وَفِيهِ أَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى , وَفِيهِ نَصُّ حُكْمِ التَّيَمُّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ , فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ , حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ السَّلاَمَ. قال أبو محمد : هَذَا هُوَ الثَّابِتُ لاَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَهَذَا فِعْلٌ مُسْتَحَبٌّ يَعْنِي التَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلاَمِ فِي الْحَضَرِ. وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ , وَرُوِّينَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قال أبو محمد : هَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ , فَلَمْ يُخَالِفْهُ مِمَّنْ حَضَرَ أَحَدٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولاَنِ : التَّيَمُّمُ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ , وَهُوَ الثَّابِتُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ حُجَّةً إلاَّ قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ. قال أبو محمد : وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً ; لإِنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلُ , فَلَمَّا عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَقَطَ الاِسْتِيعَابُ عِنْدَهُمْ , فَيَلْزَمُهُمْ إنْ كَانُوا يَدْرُونَ مَا الْقِيَاسُ أَنَّ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلَ , ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ فِي التَّيَمُّمِ , أَنْ يَسْقُطَ الاِسْتِيعَابُ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , لاَ سِيَّمَا وَمِنْ أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لاَ يَقْوَى قُوَّةَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ , وَإِنَّمَا نُورِدُهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ وَفَسَادَ أُصُولِهِمْ , وَهَدْمَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ , كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى كُلِّ مِلَّةٍ وَكُلِّ نِحْلَةٍ وَكُلِّ قَوْلَةٍ بِأَقْوَالِهَا الْهَادِمِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ , لأَنَّهُمْ يُصَحِّحُونَهَا كُلَّهَا , لاَ عَلَى أَنَّنَا نُصَحِّحُ مِنْهَا شَيْئًا , وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا هَهُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ لاَ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ , فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْتِ بِالاِسْتِيعَابِ فِي التَّيَمُّمِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , نَعَمْ ، وَلاَ قِيَاسٌ , فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ , وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا , وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَطْ : أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَغَيْرُهُ. قال أبو محمد : وَالْعَجَبُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمَسْحِ لَمْ تَأْتِ فِي الشَّرِيعَةِ إلاَّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ ، وَلاَ مَزِيدَ : مَسْحُ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَمَسْحُ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ خُصُومِنَا الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ لاَ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ , وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , ثُمَّ نَقَضُوا ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ , فَأَوْجَبُوا فِيهِ الاِسْتِيعَابَ تَحَكُّمًا بِلاَ بُرْهَانٍ , وَاضْطَرَبُوا فِي الرَّأْسِ , فَلَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَلاَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الاِسْتِيعَابَ , وَهَمَّ مَالِكٌ بِأَنْ يُوجِبَهُ , وَكَادَ فَلَمْ يَفْعَلْ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ الْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ بِالاِسْتِيعَابِ بِلاَ حُجَّةٍ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ لُغَةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 251 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ يُمِّمَ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْحَيُّ ; لإِنَّ غُسْلَهُ فَرْضٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ , فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ طَهُورٍ وَاجِبٍ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ طَهُورٌ. 252 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بِالأَرْضِ , ثُمَّ تَنْقَسِمُ الأَرْضُ إلَى قِسْمَيْنِ : تُرَابٌ وَغَيْرُ تُرَابٍ , فأما التُّرَابُ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ , كَانَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الأَرْضِ أَوْ مَنْزُوعًا مَجْعُولاً فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ أَوْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ , أَوْ نُفِضَ غُبَارٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ , فَاجْتُمِعَ مِنْهُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْكَفُّ , أَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ لَبِنٍ أَوْ طَابِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا عَدَا التُّرَابَ مِنْ الْحَصَى أَوْ الْحَصْبَاءِ أَوْ الصَّحْرَاءِ أَوْ الرَّضْرَاضِ أَوْ الْهِضَابِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الرُّخَامِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ مَعْدِنِ كُحْلٍ أَوْ مَعْدِنِ زِرْنِيخٍ أَوْ جَيَّار أَوْ جِصٍّ أَوْ مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ تُوتِيَاءَ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ لاَزَوَرْدَ أَوْ مَعْدِنِ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ غَيْرَ مُزَالٍ عَنْهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُزَالٌ إلَى إنَاءٍ أَوْ إلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالآجُرِّ , فَإِنْ رُضَّ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَكَذَلِكَ الطِّينُ لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ , فَإِنْ جَفَّ حَتَّى يُسَمَّى تُرَابًا جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمِلْحٍ انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ , وَلاَ بِثَلْجٍ ، وَلاَ بِوَرَقٍ ، وَلاَ بِحَشِيشٍ ، وَلاَ بِخَشَبٍ ، وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحُولُ بَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ وَبَيْنَ الأَرْضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ عليه السلام : جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ r وَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلاَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّعِيدِ , وَهُوَ وَجْهُ الأَرْضِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِالأَرْضِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَبِالتُّرَابِ فَقَطْ فَوَجَدْنَا التُّرَابَ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزُوعًا ، عَنِ الأَرْضِ , مَحْمُولاً فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ إنْسَانٍ أَوْ عَرَقِ فَرَسٍ أَوْ لَبَدٍ أَوْ كَانَ لَبِنًا أَوْ طَابِيَةً أَوْ رُضَاضَ آجُرٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تُرَابٌ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الاِسْمُ , فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزًا , وَوَجَدْنَا الآجُرَّ وَالطِّينَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا اسْمُ تُرَابٍ وَاسْمُ أَرْضٍ وَاسْمُ صَعِيدٍ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ , فَإِذَا رُضَّ أَوْ جُفِّفَ عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَوَجَدْنَا سَائِرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّخْرِ وَمِنْ الرَّمْلِ , وَمِنْ الْمَعَادِنِ مَا دَامَتْ فِي الأَرْضِ , فَإِنَّ اسْمَ الصَّعِيدِ وَاسْمَ الأَرْضِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ , فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزًا , وَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ إذَا أُزِيلَ ، عَنِ الأَرْضِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الأَرْضِ وَاسْمُ الصَّعِيدِ وَلَمْ يُسَمَّ تُرَابًا , فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ الْمُنْعَقِدَ مِنْ الْمَاءِ , وَالثَّلْجَ وَالْحَشِيشَ وَالْوَرَقَ لاَ يُسَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ صَعِيدًا ، وَلاَ أَرْضًا ، وَلاَ تُرَابًا , فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , وَفِي هَذَا خِلاَفٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ : إنْ وُضِعَ التُّرَابُ فِي ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ , وَهَذَا تَفْرِيقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وقال مالك : يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ , وَرُوِيَ أَيْضًا ذَلِكَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَهَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. فإن قيل : مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ. قِيلَ لَهُمْ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ قَتْلَى أَوْ غَنَمٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ خَشَبٌ أَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الأَرْضِ فَيُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ : إنَّ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ أَوْ مِنْ الأَرْضِ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ لُغَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ". قَالَ عَلِيٌّ : وَالثَّلْجُ وَالطِّينُ وَالْمِلْحُ لاَ يُتَوَضَّأُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَلاَ يُتَيَمَّمُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُسَمَّى مَاءً ، وَلاَ تُرَابًا ، وَلاَ أَرْضًا ، وَلاَ صَعِيدًا , فَإِذَا ذَابَ الْمِلْحُ وَالثَّلْجُ فَصَارَا مَاءً جَازَ الْوُضُوءُ بِهِمَا , لاَِنَّهُمَا مَاءٌ , وَإِذَا جَفَّ الطِّينُ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لاَِنَّهُ تُرَابٌ. وقال الشافعي وَأَبُو يُوسُفَ : لاَ يَتَيَمَّمُ إلاَّ بِالتُّرَابِ خَاصَّةً , لاَ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ , فَادَّعَوْا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا بَيَانٌ لِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّعِيدِ , وَلِمُرَادِهِ عليه السلام بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كُلُّ مَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عليه السلام فَهُوَ حَقٌّ , فَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَعِيدًا طَيِّبًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الأَرْضُ مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ وَقَالَ عليه السلام : الأَرْضُ مَسْجِدٌ وَتُرْبَتُهَا طَهُورٌ فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ , وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ بِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ آخَرَ فَالتُّرَابُ كُلُّهُ طَهُورٌ وَالأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورٌ وَالصَّعِيدُ كُلُّهُ طَهُورٌ , وَالآيَةُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي عُمُومِ الأَرْضِ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي الاِقْتِصَارِ عَلَى التُّرْبَةِ , فَالأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ , وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الأَخْذِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ , وَفِي الاِقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مُخَالَفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة : الصَّعِيدُ كُلُّهُ يُتَيَمَّمُ بِهِ , كَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْجِيرِ وَالْكُحْلِ والمرادسنج وَكُلُّ تُرَابٍ نُفِّضَ مِنْ وِسَادَةٍ أَوْ فِرَاشٍ أَوْ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ : فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : إنْ كَانَ فِي ثَوْبِكَ أَوْ سَرْجِكَ أَوْ بَرْدَعَتِكَ تُرَابٌ أَوْ عَلَى شَجَرٍ فَتَيَمَّمْ بِهِ , وَهَذَا قَوْلُنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 253 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ الأَعْمَشُ : يُقَدَّمُ فِي التَّيَمُّمِ الْيَدَانِ قَبْلَ الْوَجْهِ , وقال الشافعي يُقَدَّمُ الْوَجْهُ عَلَى الْكَفَّيْنِ ، وَلاَ بُدَّ , وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَبِهَذَا نَقُولُ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمٍ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَّمَهُ التَّيَمُّمَ فَضَرَبَ ضَرْبَةً بِكَفَّيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ فَكَانَ هَذَا حُكْمًا زَائِدًا , وَبَيَانًا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ , بِخِلاَفِ الْوُضُوءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ فَحَسَنٌ , وَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ فَبَدَأَ بِالْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ فَحَسَنٌ , ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا قَوْلَهُ عليه السلام ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ إلاَّ الاِبْتِدَاءُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ.

  • * *

كِتَابُ الْحَيْضِ وَالاِسْتِحَاضَةِ

254 - مَسْأَلَةٌ : الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الأَسْوَدُ الْخَاثِرُ الْكَرِيهُ الرَّائِحَةِ خَاصَّةً , فَمَتَى ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ ، وَلاَ أَنْ تَصُومَ ، وَلاَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَلاَ أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا ، وَلاَ سَيِّدُهَا فِي الْفَرْجِ , إلاَّ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ , فَإِذَا رَأَتْ أَحْمَرَ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ بَيَاضًا أَوْ جُفُوفًا فَقَدْ طَهُرَتْ وَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ , فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَيَمَّمْ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ قَبْلَ الْحَيْضِ وَبَعْدَهُ طُهْرٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا أَصْلاً. أَمَّا امْتِنَاعُ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ , لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِيهِ , وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الأَزَارِقَةِ حَقُّهُمْ أَلاَّ يُعَدُّوا فِي أَهْلِ الإِسْلاَمِ. 

وَأَمَّا مَا هُوَ الْحَيْضُ فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ حَدَّثَنَا قَالَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَتْ : إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ , أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ , إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ كُلُّهُمْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْجُمَحِيِّ كُلُّهُمْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , وَإِذَا ذَهَبَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي وَفِي بَعْضِهَا فَتَوَضَّئِي. وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : اُسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ عليه السلام : إنَّهَا لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الأَذْفُونِيُّ الْمُقِرُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَشَكَتْ إلَيْهِ الدَّمَ , فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ , فَانْظُرِي إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلاَ تُصَلِّي , فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ. فَأَمَرَ عليه السلام بِاجْتِنَابِ الصَّلاَةِ لاِِقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَبِالْغُسْلِ لاِِدْبَارِهَا , وَخَاطَبَ بِذَلِكَ نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبَ الْعَارِفَاتِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَيْضَةِ , فَوَجَبَ أَنْ يُطْلَبَ بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا هِيَ الْحَيْضَةُ فِي الشَّرِيعَةِ وَاللُّغَةِ , فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، هُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ " كَانَتْ اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي ، عَنِ الصَّلاَةِ , وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ , فَكَانَتْ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالدَّمَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r أَنَّ أَمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ حُبَيْشٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ , فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ , وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي. قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ. فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا هُوَ الدَّمُ الأَسْوَدُ وَحْدَهُ وَإِنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ عِرْقٌ وَلَيْسَ حَيْضًا , وَلاَ يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الصَّلاَةَ. فإن قيل : إنَّمَا هَذَا لِلَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ أَبَدًا , قلنا فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ بَعْضَ دَهْرِهَا وَانْقَطَعَ بَعْضُهُ فَمَا قَوْلُكُمْ أَلَهَا هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لاَ فَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَهَا. . فَقُلْنَا لَهُمْ : حُدُّوا لَنَا الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ كَانَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r وَالْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا هَذَا كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ , فَكَانَ الَّذِي وَقَفُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ : تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَيَّامُهَا الْمُعْتَادَةُ لَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : بَلْ تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَيَّامِهَا الْمُعْتَادَةِ لَهَا , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَاعَوْا فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا تَكَوُّنَ الدَّمِ وَإِلاَّ فَلاَ , فَقُلْتُ لَهُمْ : هَاتَانِ دَعْوَيَانِ قَدْ سَمِعْنَاهُمَا , وَالدَّعْوَةُ مَرْدُودَةٌ سَاقِطَةٌ إلاَّ بِبُرْهَانٍ , فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : اُقْعُدِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ وَدَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا. قلنا نَعَمْ هَذَا صَحِيحٌ , وَإِنَّمَا أَمَرَ عليه السلام بِهَذَا الَّتِي لاَ تُمَيِّزُ دَمَهَا وَاَلَّذِي هُوَ كُلُّهُ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِلَّتِي تُمَيِّزُ دَمَهَا إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ , فَإِذَا جَاءَ الآخَرُ فَصَلِّي , وَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ , فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ , مِثْلُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ ، عَنْ أُمِّهِ : كُنْتُ أَرَى النِّسَاءَ يُرْسِلْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهَا الصُّفْرَةُ يَسْأَلْنَهَا ، عَنِ الصَّلاَةِ , فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ : لاَ تُصَلِّينَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُتَعَلَّقًا إلاَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَحْدَهَا , وَقَدْ خُولِفَتْ أُمُّ عَلْقَمَةَ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَخَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ غَيْرُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ. فأما الرِّوَايَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ قَالَ : حدثنا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ أَبُو ذَرٍّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ بِنَيْسَابُورَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ هُوَ جَامِعُ الصَّحِيحِ قَالَ : قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الشِّمَالِ الْعُطَارِدِيُّ الْبَصْرِيُّ , حَدَّثَتْنِي أُمُّ طَلْحَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ : دَمُ الْحَيْضِ بَحْرَانِيٌّ أَسْوَدُ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حدثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : اُسْتُحِيضَتْ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ أَنَسٍ فَأَمَرُونِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلاَ تُصَلِّي , فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي. فَلَمْ يَلْتَفِتْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى اتِّصَالِ الدَّمِ , بَلْ رَأَى وَأَفْتَى أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَهُوَ طُهْرٌ , تُصَلِّي مَعَ وُجُودِهِ وَلَوْ لَمْ تَرَ إلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ , وَأَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الصَّلاَةَ إلاَّ الدَّمُ الْبَحْرَانِيُّ , وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الْجَلاَلَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا " وَأُمُّ عَطِيَّةَ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ قَدِيمَةُ الصُّحْبَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ r وَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ هَذَا نَفْسَهُ , وَكُلُّ هَذَا هُوَ الثَّابِتُ بِالأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ الصَّحِيحَةِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : إذَا رَأَتْ بَعْدَ الظُّهْرِ مِثْلَ غُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ مِثْلَ قَطْرَةِ الدَّمِ مِنْ الرُّعَافِ , فَإِنَّمَا تِلْكَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَلْتَنْضَحْ بِالْمَاءِ وَلْتَتَوَضَّأْ وَلْتُصَلِّ , فَإِنْ كَانَ عَبِيطًا لاَ خَفَاءَ بِهِ فَلْتَدَعْ الصَّلاَةَ. وَعَنْ ثَوْبَانَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْبَرِيَّةَ قَالَ : تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي. قِيلَ : أَشَيْءٌ تَقُولُهُ أَمْ سَمِعْتَهُ قَالَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ : بَلْ سَمِعْتُهُ. قال أبو محمد : فَهَذَا أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَأَوْلَى , وَقَدْ رَوَى مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أُمِّ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَمْرَةَ مِنْ رَأْيِهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ , وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ , كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي , وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْقَعْقَاعِ : سَأَلْنَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ قَالَ : تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي , وَعَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ قلنا : هَذَا حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوا مَا فِيهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ حَجَّةً , فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ رَاوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ , جَرَّحَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ اضْطَرَبَ فِيهِ , فَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مَنْ حِفْظِهِ فَقَالَ : عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ : عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ , وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلاَمَ أَحَدٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ. قلنا : هَذَا كُلُّهُ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ , وَلَيْسَ هَذَا اضْطِرَابًا ; لإِنَّ عُرْوَةَ رَوَاهُ ، عَنْ فَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ مَعًا وَأَدْرَكَهُمَا مَعًا , فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ أُخْتُ أُمِّهِ , وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ابْنَةُ عَمِّهِ , وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْمَأْمُونُ , وَلاَ يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلاَّ الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ لاَ يَقُولُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ , تَعَلُّلاً عَلَى إبْطَالِ السُّنَنِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ : الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ , وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا , وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا , وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ. وقال مالك وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ : الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ , سَوَاءٌ كَانَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الصُّفْرَةُ وَالدَّمُ فَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَهِيَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْحَيْضِ لَيْسَتْ حَيْضًا , وَأَمَّا بَعْدَ الْحَيْضِ فَهِيَ حَيْضٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا , عَلَى عَظِيمِ اضْطِرَابِهِمْ فِي الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ , فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ وَانْقَطَعَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ اتَّصَلَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْهَا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا ، وَلاَ تَمْتَنِعُ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ , إلاَّ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ , وَيَتَّصِلَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ مُتَّصِلٌ. قَالَ : فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ وَاتَّصَلَ بِهَا فِي أَيَّامِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ كُلُّهُ حَيْضٌ , مَا لَمْ تُجَاوِزْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ , قَالَ : فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مُتَّصِلاً بِذَلِكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا , فَمَرَّةً قَالَ : كُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ , وَمَرَّةً قَالَ : أَمَّا مَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا فَلَيْسَ حَيْضًا , وَأَمَّا مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا فَهُوَ حَيْضٌ , وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيكَ بِهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَتَا حَيْضًا , وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الدَّمِ لَيْسَتَا حَيْضًا , وَأَمَّا بَعْدَ الدَّمِ مُتَّصِلاً بِهِ فَهُمَا حَيْضٌ. قَالَ عَلِيٌّ : وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِأَنْ قَالُوا : مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْحَيْضُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ الْمُتَيَقَّنَ وُجُوبُهُمَا , وَلاَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُتَيَقَّنِ تَحْلِيلُهُ حَتَّى إذَا تُيُقِّنَ الْحَيْضُ وَحَرُمَتْ الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالْوَطْءُ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إلاَّ بِيَقِينٍ آخَرَ. قَالَ عَلِيٌّ وَهَذَا عَمَلٌ غَيْرُ صَحِيحِ الْبَيَانِ , بَلْ هُوَ مُمَوَّهٌ , وَذَلِكَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ حَقٌّ , إلاَّ أَنَّ الْيَقِينَ الَّذِي ذَكَرُوا هُوَ النَّصُّ , وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ , بِأَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الأَسْوَدَ لَيْسَ حَيْضًا , وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ صَلاَةٍ ، وَلاَ مِنْ صَوْمٍ ، وَلاَ مِنْ وَطْءٍ , فَصَارَتْ حُجَّتُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا هَذَا النَّصُّ لَمَا وَجَبَ مَا قَالُوهُ , لإِنَّ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ فَرْضَانِ قَدْ تُيُقِّنَ وُجُوبُهُمَا , وَالْوَطْءُ حَقٌّ قَدْ تُيُقِّنَتْ إبَاحَتُهُ فِي الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ الْمُبَاحَةِ , وَالْحَيْضُ قَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى شَيْءٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مُحَرِّمٌ لِلصَّلاَةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْوَطْءِ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ , وَأَمَّا بِدَعْوَى مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلاَ , فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ , وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ ، وَلاَ لُغَةَ فِي أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الأَسْوَدَ حَيْضٌ أَصْلاً. وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ وَاللُّغَةُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الأَسْوَدَ حَيْضٌ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى حَيْضًا إلاَّ مَا صَحَّ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ , لاَ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الآُولَى بِأَنْ قَالَ : لَمَّا كَانَ السَّوَادُ حَيْضًا وَكَانَتْ الْحُمْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ السَّوَادِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا , وَلَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْحُمْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا , وَلَمَّا كَانَتْ الْكُدْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الصُّفْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا , وَلَمَّا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ حَيْضًا. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ : لَمَّا كَانَتْ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ طُهْرًا وَلَيْسَتْ حَيْضًا بِإِجْمَاعٍ , ثُمَّ كَانَتْ الْكُدْرَةُ بَيَاضًا غَيْرَ نَاصِعٍ , وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا , ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ كُدْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا , ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ صُفْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا , وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ وَهُوَ مَا كَانَ بَعْدَ أَكْثَرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ لَيْسَ حَيْضًا , فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ ; لاَِنَّنَا لَمْ نُسَاعِدْهُمْ قَطُّ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ فِي حَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ ، وَلاَ فِي وَقْتٍ مِنْ الأَوْقَاتِ , وَلاَ جَاءَ بِذَلِكَ قَطُّ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ غَيْرُ مُعَارَضٍ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُعَارَضْ وَهُمْ كُلُّهُمْ قَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَيْضًا إذَا رُئِيَ فِيمَا زَادَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ , فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ , وَكَانَ مَا جِئْنَاهُمْ بِهِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ لاَ يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ جُزْءٌ مِنْ السَّوَادِ , وَلاَ أَنَّ الصُّفْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْحُمْرَةِ , وَلاَ أَنَّ الْكُدْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الصُّفْرَةِ , بَلْ هِيَ دَعْوَى عَارَضْنَاهُمْ بِدَعْوَى مِثْلِهَا فَسَقَطَ كُلُّ مَا قَالُوهُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَثَبَتَ قَوْلُنَا بِشَهَادَةِ النَّصِّ وَالإِجْمَاعِ لَهُ. 255 - مَسْأَلَةٌ : فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ ، وَلاَ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ , أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً عَلَيْهَا فِي الْغُسْلِ حَرَجٌ , وَإِنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَاغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ بِمِقْدَارِ مَا تَدْخُلُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ صَحَّ صِيَامُهَا , وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَتَطَهَّرِي وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ وَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ , فَوَجَبَ التَّيَمُّمُ لِلْحَائِضِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَفِي تَأْخِيرِهَا الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ ، عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ خِلاَفٌ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. 256 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا وَطْءُ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا لَهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَلاَ يَحِلُّ إلاَّ بِأَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدَهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِأَنْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلاَةِ أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا بِالْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ , أَيَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ فَعَلَتْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ، عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ، وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ فَقَوْلُهُ : حَتَّى يَطْهُرْنَ مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُنَّ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيْضِ وقوله تعالى : فَإِذَا تَطَهَّرْنَ هُوَ صِفَةُ فِعْلِهِنَّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ تَطَهُّرًا وَطَهُورًا وَطُهْرًا , فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَقَدْ تَطَهَّرَتْ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فَجَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ بِالْمَاءِ , وَقَالَ عليه السلام : جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَصَحَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَدَثِ طَهُورٌ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَقَالَ عليه السلام لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ يَعْنِي الْوُضُوءَ. وَمَنْ اقْتَصَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ كُلِّهِ دُونَ الْوُضُوءِ وَدُونَ التَّيَمُّمِ وَدُونَ غَسْلِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ , فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَلاَمُهُ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلاَّ فَعَلْتُمْ هَذَا فِي الشَّفَقِ إذْ قُلْتُمْ أَيُّ شَيْءٍ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّفَقِ فَبِغُرُوبِهِ تَدْخُلُ صَلاَةُ الْعَتَمَةِ , فَمَرَّةً تَحْمِلُونَ اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ , وَمَرَّةً عَلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ بِالدَّعْوَى وَالْهَوَسِ. فَإِنْ قَالَ : إذَا حَاضَتْ حَرُمَتْ بِإِجْمَاعٍ فَلاَ تَحِلُّ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ آخَرَ , قلنا هَذَا بَاطِلٌ , وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ , لَمْ يُوجِبْهَا لاَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , بَلْ إذَا حَرُمَ الشَّيْءُ بِإِجْمَاعٍ ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ يُبِيحُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ , مَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَى إبَاحَتِهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهَا , وَلَوْ كَانَتْ قَضِيَّتُكُمْ هَذِهِ صَحِيحَةً لَبَطَلَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ أَقْوَالِكُمْ , فَيُقَالُ لَكُمْ : قَدْ حَرَّمْتُمْ الصَّلاَةَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْمُجْنِبِ بِإِجْمَاعٍ , فَلاَ تَحِلُّ لَهُمَا إلاَّ بِإِجْمَاعٍ ، وَلاَ تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ شَهْرًا فَلاَ إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ , بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالأَسْوَدُ لاَ يُجِيزُونَ لَهُ الصَّلاَةَ بِالتَّيَمُّمِ , وَأَبْطَلُوا صَلاَةَ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ , لاَِنَّهُ لاَ إجْمَاعَ فِي صِحَّتِهَا , وَأَبْطَلُوا صَلاَةَ مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ امْرَأَةٍ وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا , وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَجَمِيعِ الشَّرَائِعِ.فَصَحَّ أَنَّ قَضِيَّتَهُمْ هَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فِي ذَاتِهَا , وَفِي غَايَةِ الإِفْسَادِ لِقَوْلِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَطَاءٌ وطَاوُوس وَمُجَاهِدٌ , وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ : إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِطَاعِ الْعَشَرَةِ الأَيَّامِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا , اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ , مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلاَةٍ أَوْ لَمْ يَمْضِ , تَوَضَّأَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ , تَيَمَّمَتْ أَوْ لَمْ تَتَيَمَّمْ , غَسَلَتْ فَرْجَهَا أَوْ لَمْ تَغْسِلْهُ , فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلاَّ بِأَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ أَدْنَى صَلاَةٍ مِنْ طُهْرِهَا , فَإِنْ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فِيهِ فَلَهُ وَطْؤُهَا , وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ ، وَلاَ تَيَمَّمَتْ ، وَلاَ تَوَضَّأَتْ ، وَلاَ غَسَلَتْ فَرْجَهَا , فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا , وَلَمْ يُرْوَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ , وَلاَ نَعْلَمُ أَيْضًا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ انْفَرَدُوا , فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ هَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا قَبْلُ , وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ : لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِي مَقْبَرَةٍ ، وَلاَ إلَى قَبْرٍ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَخَالَفُوهُمْ بِآرَائِهِمْ , وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَأَنَسٍ : الْفَخِذُ لَيْسَتْ عَوْرَةً ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , فَخَالَفُوهُمْ , وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ : تَطَهَّرْنَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيَانَ ذَلِكَ , فَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ عليه السلام ذَلِكَ وَأَحَالَنَا عَلَى الْقُرْآنِ أَيْقَنَّا قَطْعًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُرِدْ بَعْضَ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ , فَإِنْ قَالُوا قَوْلُنَا أَحْوَطُ , قلنا حَاشَا لِلَّهِ , بَلْ الأَحْوَطُ أَنْ لاَ يُحَرِّمَ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْوَطْءِ بِغَيْرِ يَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا : لاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلاَّ بِمَا يَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ , قلنا هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ مُنْتَقِضَةٌ , أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهَا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَيْثُ لاَ تَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ , وَهُوَ كَوْنُهَا مُجْنِبَةً وَمُحْدِثَةً. وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : هَلاَّ قُلْتُمْ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلاَّ بِمَا يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ يَحِلُّ لَهَا عِنْدَهُمْ بِرُؤْيَةِ الطُّهْرِ فَقَطْ فَهَذِهِ دَعْوَى بِدَعْوَى فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَجَدْنَا التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الأَشْيَاءِ , وَلاَ يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلاَّ بِأَغْلَظِ الأَشْيَاءِ , كَنِكَاحِ مَا نَكَحَ الآبَاءُ , يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ , وَتَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لاَ يَحِلُّ لَهَا إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ. قلنا لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ , بَلْ قَدْ خَالَفْتُمْ قَضِيَّتَكُمْ هَذِهِ عَلَى فَسَادِهَا وَبُطْلاَنِهَا , فَتَرَكْتُمْ أَغْلَظَ الأَشْيَاءِ مِمَّا قَالَهُ غَيْرُكُمْ وَهُوَ الإِجْنَابُ , فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لاَ يَرَى الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا تَحِلُّ إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَالإِنْزَالِ ، وَلاَ بُدَّ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرَى أَنَّهَا تَحِلُّ بِالْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ ، وَلاَ دُخُولٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : قَدْ وَجَدْنَا التَّحْلِيلَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الأَشْيَاءِ وَهُوَ فَرْجُ الأَجْنَبِيَّةِ الَّذِي فِي وَطْئِهِ دُخُولُ النَّارِ وَإِبَاحَةُ الدَّمِ بِالرَّجْمِ وَالشُّهْرَةِ بِالسِّيَاطِ , فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِثَلاَثِ كَلِمَاتٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ : أَنْكِحْنِي ابْنَتَكَ. قَالَ قَدْ أَنْكَحْتُهَا. أَوْ تَلْفِظُ هِيَ بِالرِّضَا وَالْوَلِيُّ بِالإِذْنِ. وَبِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الأَمَةِ : هِيَ لَكَ هِبَةً. وَوَجَدْنَا التَّحْرِيمَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِأَغْلَظِ الأَشْيَاءِ وَهُوَ طَلاَقُ الثَّلاَثِ أَوْ انْقِضَاءُ أَمَدِ الْعِدَّةِ , وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَإِلاَّ فَلاَ , فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ تَخْلِيطٌ وَقَوْلٌ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ , وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِمَا يَدْخُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ , وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 257 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَقْضِي الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ الَّتِي مَرَّتْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا. وَتَقْضِي صَوْمَ الأَيَّامِ الَّتِي مَرَّتْ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا. وَهَذَا نَصٌّ مُجْمَعٌ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ. 258 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلاَةِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلاَةَ سَقَطَتْ عَنْهَا , وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهَا فِيهَا , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ : عَلَيْهَا الْقَضَاءُ. وقال الشافعي : إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. قَالَ عَلِيٌّ : بُرْهَانُ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلصَّلاَةِ وَقْتًا مَحْدُودًا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى الصَّلاَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِي آخِرِ وَقْتِهَا.فَصَحَّ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَيْسَ عَاصِيًا. لاَِنَّهُ عليه السلام لاَ يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ عَاصِيَةً فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا بِعُدُولِهَا تَأْخِيرَهَا , فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهَا حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا , وَلَوْ كَانَتْ الصَّلاَةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ مَنْ صَلاَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ تَأْدِيَتِهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَاضِيًا لَهَا لاَ مُصَلِّيًا , وَفَاسِقًا بِتَأْخِيرِهَا ، عَنْ وَقْتِهَا , وَمُؤَخِّرًا لَهَا ، عَنْ وَقْتِهَا , وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 259 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ بِمِقْدَارِ مَا لاَ يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ , فَلاَ تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلاَةُ ، وَلاَ قَضَاؤُهَا , وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. وقال الشافعي وَأَحْمَدُ : عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ. قال أبو محمد : بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الصَّلاَةَ إلاَّ بِطَهُورٍ , وَقَدْ حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّلَوَاتِ أَوْقَاتَهَا , فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّهُورُ وَفِي الْوَقْتِ بَقِيَّةٌ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُكَلَّفْ تِلْكَ الصَّلاَةَ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتِهَا. 260 - مَسْأَلَةٌ : وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ بِكُلِّ شَيْءٍ , حَاشَا الإِيلاَجَ فِي الْفَرْجِ , وَلَهُ أَنْ يُشَفِّرَ ، وَلاَ يُولِجَ , وَأَمَّا الدُّبُرُ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فِرَاشَ امْرَأَتِهِ إذَا حَاضَتْ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَهُ مَا فَوْقَ الإِزَارِ مِنْ السُّرَّةِ فَصَاعِدًا إلَى أَعْلاَهَا , وَلَيْسَ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ. فأما مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ، عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ، وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كُنْتُ إذَا حِضْتُ نَزَلْتُ ، عَنِ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ r وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ. قال أبو محمد : وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ كَثِيرِ بْنِ الْيَمَانِ الرَّحَّالِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَسَقَطَ , وَأَمَّا الآيَةُ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بَيَانٌ صَحِيحٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r , فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , فَأَرْجَأْنَا أَمْرَ الآيَةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ ، عَنْ نُدْبَةَ مَوْلاَةِ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إذَا كَانَ عَلَيْهَا إزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلِيفَةَ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r وَهِيَ حَائِضٌ وَبَيْنَهُمَا ثَوْبٌ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الْعِجْلِيِّ أَنَّ نَفَرًا سَأَلُوا عُمَرَ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r : مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ حَائِضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ , لاَ تَطَّلِعَنَّ إلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى تَطْهُرَ. وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ مِثْلُهُ , وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو : عَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ ، حدثنا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r : مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيِّ ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَغْطَشِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَائِذِ الأَزْدِيِّ ، هُوَ ابْنُ قُرْطٍ أَمِيرُ حِمْصَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : مَا فَوْقَ الإِزَارِ , وَالتَّعَفُّفُ ، عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ حَائِضٌ لِزَوْجِهَا قَالَ : سَمِعْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ كَانَ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَهُوَ كَذَلِكَ : يَحِلُّ مَا فَوْقَ الإِزَارِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ النَّضْرِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ قَالَ : مَا فَوْقَ الإِزَارِ. فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَوَجَدْنَاهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , أَمَّا حَدِيثَا مَيْمُونَةَ فَأَحَدُهُمَا ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ , وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ : مَخْرَمَةُ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ , وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ نَدَبَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لاَ تُعْرَفُ , وَأَبُو دَاوُد يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ ، عَنِ اللَّيْثِ فَقَالَ : قَالَ نَدَبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ وَمَعْمَرٌ يَرْوِيهِ وَيَقُولُ : نُدْبَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ , وَيُونُسُ يَقُولُ بُدَيَّةَ , بِالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَالدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ , كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ , فَسَقَطَ خَبَرَا مَيْمُونَةَ ". وَأَمَّا حَدِيثَا عَائِشَةَ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ فَسَقَطَ , وَأَمَّا الثَّانِي : فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ , وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ , إنَّمَا الثِّقَةُ أَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ , فَسَقَطَ حَدِيثَا عَائِشَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ , هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَزَرِيُّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَصًّا , فَسَقَطَ إسْنَادُهُ لإِنَّ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ بَلْ رَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا مُنْقَطِعًا ، عَنْ عُمَيْرٍ , وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الشَّامِيِّ ، عَنْ أَحَدِ النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا عُمَرَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِنَصِّهِ , وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِيَّ يُحَدِّثُ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِمٌ ، عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ ، عَنْ مَجْهُولِينَ , فَسَقَطَ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ يَصِحُّ ; لإِنَّ حَرَامَ بْنَ حَكِيمٍ ضَعِيفٌ , وَهُوَ الَّذِي رَوَى غَسْلَ الآُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ ، عَنْ حَرَامٍ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَوَجَدْنَاهُ لاَ يَصِحُّ ; لاَِنَّهُ ، عَنْ بَقِيَّةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , عَنْ سَعِيدٍ الأَغْطَشِ وَهُوَ مَجْهُولٌ , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ التَّعَفُّفَ ، عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ لَمْ يُحَقَّقْ إسْنَادُهُ , فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَمْ يَجُزْ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا قُلْنَاهُ فَوَجَدْنَا الصَّحِيحَ ، عَنْ مَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا , وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَمْلِكُ إرْبَهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ قَالَ : سَمِعْتُ خِلاَسَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ r فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ وَأَنَا حَائِضٌ , فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَهُ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ يَعُودُ مَعِي. حدثنا عبد الله بن ربيع حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ , فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r ، عَنْ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ، عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إلَى آخِرِ الآيَةِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ النِّكَاحَ. فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ بِصِحَّتِهِ , وَبَيَانُ أَنَّهُ كَانَ إثْرَ نُزُولِ الآيَةِ هُوَ الْبَيَانُ ، عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ , وَهُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ , وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَحِيضُ فِي اللُّغَةِ مَوْضِعَ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ , وَهَذَا فَصِيحٌ مَعْرُوفٌ , فَتَكُونُ الآيَةُ حِينَئِذٍ مُوَافِقَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ , وَيَكُونُ مَعْنَاهَا : فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي مَوْضِعِ الْحَيْضِ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ : مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ قَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْفَرْجَ , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ قَالَ : اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ , وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. قال أبو محمد : وَقَالَ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ : إنَّ حَدِيثَ عُمَرَ الَّذِي لاَ يَصِحُّ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ : لإِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ كَانَ مُتَّصِلاً بِنُزُولِ الآيَةِ. قال علي : وهذا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُمَرَ فَمَنْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا , فَإِذْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ هَكَذَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ بِأَحَدِهِمَا , وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ يَقِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إثْرَ نُزُولِ الآيَةِ لِظَنٍّ كَاذِبٍ فِي حَدِيثٍ لاَ يَصِحُّ , مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ الثَّابِتَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا : أَحَدُهُمَا ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا : نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَقُلْتُ : إنَّنِي حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ. وَرُوِّينَا الآخَرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ وَأَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ , فَقَالَتْ إنِّي حَائِضٌ , فَقَالَ : إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَهُمَا دَلِيلُ أَنْ لاَ يُجْتَنَبَ إلاَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْحَيْضَةُ وَحْدَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 261 - مَسْأَلَةٌ : وَدَمُ النِّفَاسِ يَمْنَعُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ دَمُ الْحَيْضِ. هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ , حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ , فَإِنَّ النُّفَسَاءَ تَطُوفُ بِهِ , لإِنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْحَائِضِ وَلَمْ يَرِدْ فِي النُّفَسَاءِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ النِّفَاسَ حَيْضٌ صَحِيحٌ , وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r لِعَائِشَةَ أَنُفِسْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَسَمَّى الْحَيْضَ نِفَاسًا. وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ مِنْهُ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ. 262 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَا وَأَنْ يَدْخُلاَ الْمَسْجِدَ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ فِيهِمْ مِنْ يَحْتَلِمُ , فَمَا نُهُوا قَطُّ ، عَنْ ذَلِكَ. . وَقَالَ قَوْمٌ : لاَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ إلاَّ مُجْتَازِينَ , هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ، وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا فَادَّعُوا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ مَعْنَاهُ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ زَيْدٍ , وَلَوْ صَحَّ ، أَنَّهُ قَالَهُ لَكَانَ خَطَأً مِنْهُ , لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ فَيَلْبِسُ عَلَيْنَا فَيَقُولُ : لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَرُوِيَ أَنَّ الآيَةَ فِي الصَّلاَةِ نَفْسِهَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ. وقال مالك : لاَ يَمُرَّا فِيهِ أَصْلاً , وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ لاَ يَمُرَّا فِيهِ , فَإِنْ اُضْطُرَّا إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَا ثُمَّ مَرَّا فِيهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لاَِصْحَابِهِ : وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ ، عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ ، وَلاَ جُنُبٍ , وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ ، عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ الْهَجَرِيِّ ، عَنْ مَحْدُوجٍ الْهُذَلِيِّ ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَلاَ إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لاَ يَحِلُّ لِجُنُبٍ ، وَلاَ حَائِضٍ إلاَّ لِلنَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ. وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هَذَا الْمَسْجِدُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ جُنُبٍ مِنْ الرِّجَالِ وَحَائِضٍ مِنْ النِّسَاءِ إلاَّ مُحَمَّدًا وَأَزْوَاجَهُ وَعَلِيًّا وَفَاطِمَةَ. وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لاَِحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلاَ يَمُرَّ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ إلاَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. قال علي : وهذا كُلُّهُ بَاطِلٌ : أَمَّا أَفْلَتُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ ، وَلاَ مَعْرُوفٍ بِالثِّقَةِ , وَأَمَّا مَحْدُوجٌ فَسَاقِطٌ يَرْوِي الْمُعْضِلاَتِ ، عَنْ جَسْرَةَ , وَأَبُو الْخَطَّابِ الْهَجَرِيُّ مَجْهُولٌ , وَأَمَّا عَطَاءٌ الْخَفَّافُ فَهُوَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَإِسْمَاعِيلُ مَجْهُولٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلُهُ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَسْلَمَتْ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ. قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ r وَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا عليه السلام مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ نَهَى عَنْهُ , وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ عليه السلام عَنْهُ فَمُبَاحٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَوْلَهُ : جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الأَرْضِ , وَهِيَ مَسْجِدٌ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ , وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لاََخْبَرَ بِذَلِكَ عليه السلام عَائِشَةَ , إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلاَّ عَنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ , وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لاَ يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلاَ يَنْهَاهَا عليه السلام ، عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 263 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى , وَفَرْضٌ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالاِسْتِغْفَارُ , وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنْ أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ , وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ : مَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ , وَرُوِّينَا ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ. وَرُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ : إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ , وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ , وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يُعْتِقُ رَقَبَةً , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. فأما مَنْ قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُ يَعْنِي الَّذِي يَعْمِدُ وَطْءَ حَائِضٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسَيْ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، حدثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ ، عَنِ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِذَا بِهَا حَائِضٌ , فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ r فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنِ الْمَكْفُوفِ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ رَجُلاً أَصَابَ حَائِضًا بِعِتْقِ نَسَمَةٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِهِ نَصًّا , وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الإِطْعَامَ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَطْءِ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ. قال أبو محمد : كُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ مِقْسَمٍ فَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَسَقَطَ الاِحْتِجَاجُ بِهِ , وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ , فَرَوَاهُ شَرِيكٌ ، عَنْ خُصَيْفٍ , وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الأَوْزَاعِيِّ فَمُرْسَلٌ , وَأَمَّا حَدِيثَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ لَكَفَى بِهِ سُقُوطًا , فَكَيْفَ وَأَحَدُهُمَا ، عَنِ السَّبِيعِيِّ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ , وَالآخَرُ مَعَ الْمَكْفُوفِ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَأَمَّا حَدِيثَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ , فَسَقَطَ جَمِيعُ الآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا قِيَاسُ الْوَاطِئِ حَائِضًا عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الآخِذِينَ بِالآثَارِ الْوَاهِيَةِ كَحَدِيثِ حِزَامٍ فِي الاِسْتِظْهَارِ وَأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ , وَأَحَادِيثِ الْجُعْلِ فِي الأَنْفِ , وَحَدِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ , وَأَحَادِيثِ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ لاَ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ ، وَلاَ جُنُبٌ , وَبِالأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي أَنْ لاَ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ الْجُنُبُ , أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الآثَارِ فَهِيَ أَحْسَنُ عَلَى عِلاَّتِهَا مِنْ تِلْكَ الصُّلْعِ الدَّبِرَةِ الَّتِي أَخَذُوا بِهَا هَهُنَا , وَلَكِنْ هَذَا يُلِيحُ اضْطِرَابَهُمْ , وَأَنَّهُمْ لاَ يَتَعَلَّقُونَ بِمُرْسَلٍ ، وَلاَ مُسْنَدٍ ، وَلاَ قَوِيٍّ ، وَلاَ ضَعِيفٍ إلاَّ مَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الأَكْلَ فِي رَمَضَانَ , عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَقِيسَ وَاطِئَ الْحَائِضِ عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ , لإِنَّ كِلَيْهِمَا وَطِئَ فَرْجًا حَلاَلاً فِي الأَصْلِ حَرَامًا بِصِفَةٍ تَدُورُ , وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ , فَإِنَّ الْوَاطِئَ أَشْبَهُ بِالْوَاطِئِ مِنْ الآكِلِ بِالْوَاطِئِ. نَعَمْ وَمِنْ الزَّيْتِ بِالسَّمْنِ وَمِنْ الْمُتَغَوِّطِ بِالْبَائِلِ , وَمِنْ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ وَمِنْ فَرْجِ الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ بِيَدِ السَّارِقِ الْمَلْعُونِ , وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ , وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ , وَلاَ الْقِيَاسَ يَتَّبِعُونَ , وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ أَوْ مُسْتَحْسِنُونَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ لاََخَذْنَا بِهِ , فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فِي إيجَابِ شَيْءٍ عَلَى وَاطِئِ الْحَائِضِ فَمَالُهُ حَرَامٌ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا أَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي عَمِلَ , وَالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّعْزِيرِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ , وَسَنَذْكُرُ مِقْدَارَ التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. 264 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ دَمٍ رَأَتْهُ الْحَامِلُ مَا لَمْ تَضَعْ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا , فَلَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ نِفَاسًا , وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ شَيْءٍ , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا قَبْلُ وَبُرْهَانُهُ , وَلَيْسَ أَيْضًا نِفَاسًا لاَِنَّهَا لَمْ تُنْفِسْ ، وَلاَ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدُ ، وَلاَ حَائِضٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهَا مَا قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَإِبَاحَةِ الْجِمَاعِ إلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ لاَ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ. 265 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ رَأَتْ الْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ دَمًا أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ مَانِعٌ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْوَطْءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا رَأَتْهُ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَهَذَا دَمٌ أَسْوَدُ وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا , كَمَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فِي الْحَامِلِ , فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ قلنا : إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ بِيَأْسِهِنَّ , وَلَمْ يُخْبِرْ تَعَالَى أَنْ يَأْسَهُنَّ حَقٌّ قَاطِعٌ لِحَيْضِهِنَّ , وَلَمْ نُنْكِرْ يَأْسَهُنَّ مِنْ الْحَيْضِ , لَكِنْ قلنا : إنَّ يَأْسَهُنَّ مِنْ الْحَيْضِ , لَيْسَ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ حَيْضًا , وَلاَ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ , وَلاَ رَسُولُهُ r وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُنَّ يَائِسَاتٌ مِنْ النِّكَاحِ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُنْكَحْنَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الْكَلاَمَيْنِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَاَللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا , وَكِلاَهُمَا حُكْمٌ وَارِدٌ فِي اللَّوَاتِي يَظْنُنَّ هَذَيْنِ الظَّنَّيْنِ , وَكِلاَهُمَا لاَ يَمْنَعُ مِمَّا يَئِسْنَ مِنْهُ , مِنْ الْمَحِيضِ وَالنِّكَاحِ , وَبِقَوْلِنَا فِي الْعَجُوزِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 266 - مَسْأَلَةٌ : وَأَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةً , فَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ الأَسْوَدَ مِنْ فَرْجِهَا أَمْسَكَتْ ، عَنِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَحَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَى بَعْلِهَا وَسَيِّدِهَا , فَإِنْ رَأَتْ أَثَرَ الدَّمِ الأَحْمَرِ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ الصُّفْرَةَ أَوْ الْكُدْرَةَ أَوْ الْبَيَاضَ أَوْ الْجُفُوفَ التَّامَّ فَقَدْ طَهُرَتْ وَتَغْتَسِلُ أَوْ تَتَيَمَّمُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ , وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا بَعْلُهَا أَوْ سَيِّدُهَا , وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى رَأَتْ الدَّمَ الأَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ , وَمَتَى رَأَتْ غَيْرَهُ فَهُوَ طُهْرٌ , وَتَعْتَدُّ بِذَلِكَ مِنْ الطَّلاَقِ , فَإِنْ تَمَادَى الأَسْوَدُ فَهُوَ حَيْضٌ إلَى تَمَامِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , فَإِنْ زَادَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَيْضًا , وَنَذْكُرُ حُكْمَ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُرُودِ النَّصِّ بِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ , وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ حَيْضًا , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام لِذَلِكَ عَدَدَ أَوْقَاتٍ مِنْ عَدَدٍ , بَلْ أَوْجَبَ بِرُؤْيَتِهِ أَنْ لاَ تُصَلِّيَ ، وَلاَ تَصُومَ , وَحَرَّمَ تَعَالَى نِكَاحَهُنَّ فِيهِ , وَأَمَرَ عليه السلام بِالصَّلاَةِ عِنْدَ إدْبَارِهِ وَالصَّوْمَ , وَأَبَاحَ تَعَالَى الْوَطْءَ عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْهُ , فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِذَلِكَ , وَمَا دَامَ يُوجَدُ الْحَيْضُ فَلَهُ حُكْمُهُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ , حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا , وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي أَقَلِّ مِنْ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا , فَمَا صَحَّ الإِجْمَاعُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا وُقِفَ عِنْدَهُ , وَانْتَقَلَتْ ، عَنْ حُكْمِ الْحَائِضِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَمَرْدُودٌ إلَى النَّبِيِّ r وَهُوَ عليه السلام جَعَلَ لِلدَّمِ الأَسْوَدِ حُكْمَ الْحَيْضِ , فَهُوَ حَيْضٌ مَانِعٌ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ الْمُبِيحِ لِلصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ لاَ يَكُونُ قُرْءًا فِي الْعِدَّةِ , فَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ مُتَيَقِّنٌ الْخَطَأِ , قَائِلٌ مَا لاَ قُرْآنَ جَاءَ بِهِ ، وَلاَ سُنَّةَ , لاَ صَحِيحَةً ، وَلاَ سَقِيمَةً , وَلاَ قِيَاسَ ، وَلاَ إجْمَاعَ , بَلْ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ كِلاَهُمَا يُوجِبُ مَا قلنا : مِنْ امْتِنَاعِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ بِالْحَيْضِ , وَوُجُودِهِمَا بِعَدَمِ الْحَيْضِ , وَوُجُودِ الطُّهْرِ وَكَوْنِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ قُرْءًا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ فَمَنْ حَدَّ فِي أَيَّامِ الْقُرْءِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ , وَقَافٍ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ , وَالثَّانِي أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ , وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ , فأما أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ : أَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةٌ تُتْرَكُ لَهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ فَأَقَلُّهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ مَالِكٍ : أَقَلُّهُ فِي الْعِدَّةِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ , وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ , وَهُوَ الأَشْهَرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ , فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ تُتْرَكُ لَهُ صَلاَةٌ ، وَلاَ صَوْمٌ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : حَيْضُ النِّسَاءِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ , وَهُوَ قَوْلٌ لاَِحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَبَيْنَ الْعِدَّةِ , فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ , وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ احْتِيَاطٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , فَوَجَبَ تَرْكُهُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : حَيْضُ النِّسَاءِ يَدُورُ عَلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ , فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنْ قَالُوا : هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي النِّسَاءِ , وَذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا اُسْتُحِيضَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r أَجَلَ حَيْضَتِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا : تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اغْتَسِلِي , فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلاَثًا وَعِشْرِينَ وَأَيَّامَهَا وَصُومِي كَذَلِكَ , وَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ. وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عُبَيْدٍ فَجَعَلَ هَذَا حُكْمَ الْمُبْتَدَأَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَلاَ يَصِحَّانِ , أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ. كَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ أَصْبَغَ ، عَنِ ابْنِ أَيْمَنَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : حَدَّثْتُ ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ , وَلَمْ يَسْمَعْهُ , قَالَ أَحْمَدُ : وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ أَحْمَدُ : وَالنُّعْمَانُ يُعْرَفُ فِيهِ الضَّعْفُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا شَرِيكٌ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَيْضًا فَعُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ , لاَ يُعْرَفُ لِطَلْحَةَ ابْنٌ اسْمُهُ عُمَرُ. وَأَمَّا الآخَرُ فَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ , وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ فَسَقَطَ الْخَبَرُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَيْضِ النِّسَاءِ فَلاَ حُجَّةَ فِي هَذَا , لاَِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَقَدْ يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ مَنْ لاَ تَحِيضُ أَصْلاً فَلاَ يُجْعَلُ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ , فَبَطَلَ حَمْلُهُنَّ عَلَى الْمَعْهُودِ , وَقَدْ يُوجَدُ مَنْ تَحِيضُ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسٌ , فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلاَثَةً أَيَّامٍ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ ذَلِكَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ , وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ , أَوْ أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ ثُمَّ تَغْتَسِلَ. قال أبو محمد : وَقَالُوا : أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَيَّامٍ فَثَلاَثَةٌ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَيْقٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَافِعٍ درخت ، حدثنا أَسَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ غَنْمٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r لاَ حَيْضَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ ، وَلاَ فَوْقَ عَشْرٍ قَالُوا : وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنْ عَائِشَةَ أَفْتَتْ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ نَهْيِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ , هَذَا نَصُّ ذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَنْ يُحَالَ عَنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام بِذَلِكَ مَنْ لاَ أَيَّامَ لَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ والدّرَاوَرْدِيُّ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ , كُلَّهُمْ رَوَوْا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , فَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ رَوَوْا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَالْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عُرْوَةَ كُلُّهُمْ إذَا جَاءَتْ الْحَيْضَةُ وَإِذَا جَاءَ قُرْؤُكِ وَ إذَا جَاءَ الدَّمُ الأَسْوَدُ دُونَ ذِكْرِ أَيَّامٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ , كِلاَهُمَا ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الدَّمِ. قَالَتْ عَائِشَةُ : رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلآنُ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي فَهَذَا أَمْرٌ لِمَنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , وَمِنْ يَوْمٍ وَأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا. وَهَذِهِ كُلُّهَا فَتَاوَى حَقٍّ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا , وَلاَ إحَالَةُ شَيْءٍ مِنْهَا ، عَنْ ظَاهِرِهَا , وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مُرَادَهُ عليه السلام بِقَوْلِهِ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا أَرَادَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ , فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ مَقْدِمٌ كَانَ كَاذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا خَبَرُ مُعَاذٍ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , فَهُوَ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ , وَالْعَجَبُ مِنْ انْتِصَارِهِمْ هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقَعُ اسْمُ الأَيَّامِ إلاَّ عَلَى ثَلاَثٍ لاَ أَقَلَّ , وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ أَنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَى أَخَوَيْنِ فَقَطْ فَهَلاَّ جَعَلُوا لَفْظَةَ الأَيَّامِ تَقَعُ هَهُنَا عَلَى يَوْمَيْنِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا , لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَفْتَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ مَنْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ , فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ , فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا خَطَأٌ لإِنَّ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : إنَّهُ يَعْرِفُ امْرَأَةً تَطْهُرُ عَشِيَّةً وَتَحِيضُ غُدْوَةً , وَأَيْضًا فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَا بِرُؤْيَةِ دَفْعَةٍ مِنْ الدَّمِ تَرْكَ الصَّلاَةِ وَفِطْرَ الصَّائِمَةِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ , وَهَذِهِ أَحْكَامٌ الْحَيْضِ , فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا : بِمَاذَا تُفْتُونَهَا فَلاَ يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ ، وَلاَ تُصَلِّي ، وَلاَ تَصُومُ , فَنَسْأَلُهُمْ : إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ إثْرَهَا فَكُلُّهُمْ يَقُولُ : تَغْتَسِلِي وَتُصَلِّي , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ , وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا أَلاَّ تُفْطِرَ ، وَلاَ تَدَعَ الصَّلاَةَ وَأَلاَّ يَحْرُمَ وَطْؤُهَا إلاَّ حَتَّى تُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ , أَوْ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ , فَإِذْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا ، وَلاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ , وَصَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الآثَارَ الصِّحَاحَ كَمَا ذَكَرْنَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا جَاءَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي دُونَ تَحْدِيدِ وَقْتٍ , وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ أَنْ تَدَعَ الصَّلاَةَ , فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي. وَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ : أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لاَ يَكُونُ أَكْثَرَ , وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَكْثَرُ الْحَيْضِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ : أَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ. فَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَقَالَ : لاَ يَقَعُ اسْمُ أَيَّامٍ إلاَّ عَلَى عَشَرَةٍ , وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَيْضَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اسْمَ أَيَّامٍ لاَ يَقَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَكَذِبٌ لاَ تُوجِبُهُ لُغَةٌ ، وَلاَ شَرِيعَةٌ , وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَهَذَا يَقَعُ عَلَى ثَلاَثِينَ يَوْمًا بِلاَ خِلاَفٍ , وَحَدِيثُ مُعَاذٍ قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَهُ , وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ , وَقَوْلُ مَالِكٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ , فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا , وَأَمَّا مَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ حَيْضٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ , قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ : أَنَّ الثِّقَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحِيضُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , وَرُوِّينَاهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , وَعَنْ نِسَاءِ آلِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ فَإِذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ , فَوَجَبَ الاِنْقِيَادُ لِذَلِكَ , وَصَحَّ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَرَاهُ فَهِيَ حَائِضٌ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي دَمٍ أَسْوَدَ أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا. وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ دَمٌ أَسْوَدُ وَلَيْسَ حَيْضًا , وَلَمْ يُوَقِّتْ لَنَا فِي أَكْثَرِ عِدَّةِ الْحَيْضِ مِنْ شَيْءٍ , فَوَجَبَ أَنْ نُرَاعِيَ أَكْثَرَ مَا قِيلَ , فَلَمْ نَجِدْ إلاَّ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , . فَقُلْنَا بِذَلِكَ , وَأَوْجَبْنَا تَرْكَ الصَّلاَةِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ الأَسْوَدِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لاَ مَزِيدَ فَأَقَلَّ , وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا. وَقَالُوا : إنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا , فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ الطُّهْرِ وَهَذَا مُحَالٌ ,. . فَقُلْنَا لَهُمْ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ مُحَالٌ وَمَا الْمَانِعُ إنْ وَجَدْنَا ذَلِكَ أَلاَ يُوقَفُ عِنْدَهُ فَمَا نَعْلَمُ مَنَعَ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ أَصْلاً ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 267 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ حَدَّ لاَِقَلِّ الطُّهْرِ ، وَلاَ لاَِكْثَرِهِ , فَقَدْ يَتَّصِلُ الطُّهْرُ بَاقِي عُمُرِ الْمَرْأَةِ فَلاَ تَحِيضُ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ لِذَلِكَ , وَقَدْ تَرَى الطُّهْرَ سَاعَةً وَأَكْثَرَ بِالْمُشَاهَدَةِ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : لاَ يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وقال مالك : الأَيَّامُ الثَّلاَثَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لَيْسَ طُهْرًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ وَاحِدٌ , وقال الشافعي فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ حَدَّ لاَِقَلِّ الطُّهْرِ , وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. فأما مَنْ قَالَ لاَ يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً يَشْتَغِلُ بِهَا أَصْلاً , وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لاَ يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فَقَالُوا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعِدَّةَ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ لِلَّتِي تَحِيضُ وَجَعَلَ لِلَّتِي لاَ تَحِيضُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ , قَالُوا : فَصَحَّ أَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ حَيْضٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا , فَلاَ يَكُونُ حَيْضٌ وَطُهْرٌ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لاَِنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ اللَّهُ تَعَالَى فَنَاسِبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَاذِبٌ , نَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ قَطُّ إنِّي جَعَلْتُ بِإِزَاءِ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا , بَلْ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ , لاَِنَّنَا وَهُمْ لاَ نَخْتَلِفُ فِي امْرَأَةٍ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي كُلِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ مَرَّةً , فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ حَتَّى تَتِمَّ لَهَا ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ , وَلاَ بُدَّ , فَظَهَرَ كَذِبُ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا , بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي سَاعَةٍ بِوَضْعِ الْحَمْلِ , فَبَطَلَ كُلُّ هَذَرٍ أَتَوْا بِهِ وَكُلُّ ظَنٍّ كَاذِبٍ شَرَعُوا بِهِ الدِّينَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا , لاَِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ طُهْرًا وَهُوَ يَأْمُرُهَا فِيهِ بِالصَّلاَةِ وَبِالصَّوْمِ وَيُبِيحُ وَطْأَهَا لِزَوْجِهَا , فَكَيْفَ لاَ يَكُونُ طُهْرًا مَا هَذِهِ صِفَتُهُ وَكَيْفَ لاَ يَعُدُّ الْيَوْمُ وَأَقَلُّ مِنْهُ حَيْضًا وَهُوَ يَأْمُرُهَا فِيهِ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَبِتَرْكِ الصَّلاَةِ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يُغْنِي ذِكْرُهَا ، عَنْ تَكَلُّفِ فَسَادِهَا , وَلاَ يُعْرَفُ لِشَيْءٍ مِنْهَا قَائِلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي يَوْمٍ أَوْ فِي يَوْمَيْنِ عَلَى قَوْلِكُمْ قلنا نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَأَيْنَ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ r مِنْ هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِكُمْ وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي أَقَلِّ مِنْ سَاعَةٍ فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا : إنَّ هَذَا لاَ يُؤْمَنُ مَعَهُ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً , قلنا لَهُمْ : لَيْسَتْ الْعِدَّةُ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ , لِبَرَاهِينَ : أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْكُمْ دَعْوَى كَاذِبَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَالثَّانِي : أَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ تَلْزَمُ الْعَجُوزَ ابْنَةَ الْمِائَةِ عَامٍ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لاَ حَمَلَ بِهَا , وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ تَحْمِلُ , وَالرَّابِعُ : أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ الْعَقِيمِ , وَالْخَامِسُ : أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ الْخَصِيِّ مَا بَقِيَ لَهُ مَا يُولِجُهُ , وَالسَّادِسُ : أَنَّهَا تَلْزَمُ الْعَاقِرَ , وَالسَّابِعُ : أَنَّهَا تَلْزَمُ مَنْ وَطِئَ مَرَّةً ثُمَّ غَابَ إلَى الْهِنْدِ وَأَقَامَ هُنَالِكَ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا , وَكُلُّ هَؤُلاَءِ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا , وَالثَّامِنُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ لَكَانَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً تُبْرِئُ مِنْ ذَلِكَ , وَالتَّاسِعُ : أَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُطَلَّقَةَ إثْرَ نِفَاسِهَا ، وَلاَ حَمْلَ بِهَا , وَالْعَاشِرُ : أَنَّ الْمَكِّيِّينَ بِالضِّدِّ مِنْهُمْ , قَالُوا : لاَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ , وَتُصَدَّق فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ , وقال أبو حنيفة : لاَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا , وَتُصَدَّقُ فِي السِّتِّينَ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا لاَ فِي أَقَلَّ , وقال مالك : تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا لاَ فِي أَقَلَّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تُصَدَّقُ فِي تِسْعَةٍ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا لاَ أَقَلَّ , وقال الشافعي : تُصَدَّقُ فِي ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا لاَ أَقَلَّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكُلُّ هَذِهِ الْمُدَدِ الَّتِي بَنَوْهَا عَلَى أُصُولِهِمْ لاَ يُؤْمَنُ مَعَ انْقِضَاءِ وُجُودِ الْحَمْلِ , فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ عِلَّتَهُمْ , وَكَذَّبَ دَلِيلَهُمْ , وَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُؤْمَنَ الْحَمْلُ إلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ , فَكَيْفَ وَهُمْ الْمُحْتَاطُونَ بِزَعْمِهِمْ لِلْحَمْلِ وَهُمْ يُصَدِّقُونَ قَوْلَهَا , وَلَوْ أَنَّهَا أَفْسَقُ الْبَرِيَّةِ وَأَكْذَبَهُمْ فِي هَذِهِ الْمُدَدِ , أَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُصَدِّقُهَا إلاَّ بِبَيِّنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ قَوَابِلَ عُدُولٍ عَالِمَاتٍ , فَظَهَرَ مِنْ الْمُحْتَاطِ لِلْحَمْلِ , لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ : أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ , فَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إنَّ الْعِدَّةَ وُضِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ , وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ أَوْ خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ لَيْلَةً , فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ اقْضِ فِيهَا قَالَ إنْ جَاءَتْ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلاَةَ مِنْ الطَّمْثِ الَّذِي هُوَ الطَّمْثُ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِلاَّ فَهِيَ كَاذِبَةٌ , قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " قالون " مَعْنَاهَا أَصَبْتُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ : وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ : أَيَكُونُ طُهْرًا خَمْسَةُ أَيَّامٍ قَالَ : النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفُ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالنِّفَاسُ وَالْحَيْضُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 268 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ حَدَّ لاَِقَلِّ النِّفَاسِ , وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَسَبْعَةُ أَيَّامٍ لاَ مَزِيدَ. قال أبو محمد : وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ إنْ كَانَ دَفْعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ عَاوَدَهَا دَمٌ فِي الأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ دَمُ نِفَاسٍ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. إنْ عَاوَدَهَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَيْسَ دَمَ نِفَاسٍ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ حُدُودٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ، وَلاَ رَسُولُهُ r فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا أَكْثَرُ النِّفَاسِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ مَرَّةً : سِتُّونَ يَوْمًا , ثُمَّ رَجَعَ ، عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وقال مالك : النِّسَاءُ أَعْلَمُ , وقال أبو حنيفة : أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. فأما مَنْ حَدَّ سِتِّينَ يَوْمًا فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً , وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا رِوَايَاتٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ طَرِيقِ مَسَّةَ الأَزْدِيَّةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ , وَرِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ , وَهُوَ كَذَّابٌ , وَرِوَايَةً ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَتَهُ رَأَتْ الطُّهْرَ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا , فَاغْتَسَلَتْ وَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي لِحَافِهِ , فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ : لاَ تَغُضِّي مِنْ دِينِي حَتَّى تَمْضِيَ الأَرْبَعُونَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , وَلاَ أَسْوَأَ حَالاً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا لاَ يَرَاهُ حُجَّةً , وَهُوَ أَيْضًا ، عَنِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَعَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ مِثْلُهُ , وَعَنْ جَابِرٍ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قال أبو محمد : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ مَا خَالَفُوا فِيهِ الصَّاحِبَ , وَالصَّحَابَةُ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفُونَ , وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَذِهِ مِنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ , فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً وَلَقَدْ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , أَنْ يَقُولُوا بِمَا رُوِيَ هَهُنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهَا الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ بِيَقِينٍ وَأَبَاحَ وَطْأَهَا لِزَوْجِهَا , لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ حَيْثُ تَمْتَنِعُ بِدَمِ الْحَيْضِ لاَِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ. وَقَدْ حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ : تَنْتَظِرُ إذَا وَلَدَتْ سَبْعَ لَيَالٍ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. قَالَهُ جَابِرٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : تَنْتَظِرُ أَقْصَى مَا تَنْتَظِرُ امْرَأَةٌ وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ : تَنْتَظِرُ الْبِكْرُ إذَا وَلَدَتْ كَامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا , قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ : تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ مِنْ الْغُلاَمِ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَمِنْ الْجَارِيَةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. قَالَ عَلِيٌّ : إنْ كَانَ خِلاَفَ الطَّائِفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ , فَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي خِلاَفِ الإِجْمَاعِ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ , إلاَّ أَنَّهُمْ حَدُّوا حُدُودًا لاَ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَقُولُ إلاَّ بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ , مِنْ أَنَّهُ دَمٌ يَمْنَعُ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ , فَهُوَ حَيْضٌ. وَقَدْ حدثنا حمام ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ ، حدثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ، حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيِّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. قال أبو محمد : سَلاَّمُ بْنُ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وقال أبو حنيفة : أَقَلُّ أَمَدِ النِّفَاسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلُّ أَمَدِ النِّفَاسِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ أبو محمد : هَذَانِ حَدَّانِ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا , وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحُدُّ مِثْلَ هَذَا بِرَأْيِهِ ، وَلاَ يُنْكِرُهُ عَلَى نَفْسِهِ , ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ وَقَفَ عِنْدَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَرَسُولُهُ r وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد : ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ حَيْضٌ صَحِيحٌ , وَأَمَدُهُ أَمَدُ الْحَيْضِ وَحُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حُكْمُ الْحَيْضِ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ r لِعَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أَنُفِسْتِ بِمَعْنَى حِضْتِ فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ , وَلِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الدَّمِ الأَسْوَدِ مَا قَالَ مِنْ اجْتِنَابِ الصَّلاَةِ إذَا جَاءَ , وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ , وَقَدْ حَكَمُوا لَهُمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَمَدَهُمَا وَاحِدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 269 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ رَأَتْ الْجَارِيَةُ الدَّمَ أَوَّلَ مَا تَرَاهُ أَسْوَدَ فَهُوَ دَمُ حَيْضٍ كَمَا قَدَّمْنَا تَدَعُ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ ، وَلاَ يَطَؤُهَا بَعْلُهَا أَوْ سَيِّدُهَا , فَإِنْ تَلَوَّنَّ أَوْ انْقَطَعَ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَهُوَ طُهْرٌ صَحِيحٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَإِنْ تَمَادَى أَسْوَدَ تَمَادَتْ عَلَى أَنَّهَا حَائِضٌ إلَى سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً , فَإِنْ تَمَادَى بَعْدَ ذَلِكَ أَسْوَدَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا , وَهِيَ طَاهِرٌ أَبَدًا لاَ تَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْحَائِضَةِ إلاَّ أَنْ يَنْقَطِعَ أَوْ يَتَلَوَّنَ كَمَا ذَكَرْنَا , فَيَكُونُ حُكْمُهَا إذَا كَانَ أَسْوَدَ حُكْمَ الْحَيْضِ وَإِذَا تَلَوَّنَ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعَ عَشْرَةَ حُكْمَ الطُّهْرِ. فأما الَّتِي قَدْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ فَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ شَيْءٍ , إلاَّ فِي تَمَادِي الدَّمِ الأَسْوَدِ مُتَّصِلاً فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهَا أَوْ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُهُ إمَّا مِرَارًا فِي الشَّهْرِ أَوْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ أَوْ مَرَّةً فِي أَشْهُرٍ أَوْ فِي عَامٍ , فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الأَمَدُ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ بِهِ الْحَائِضُ , فَإِذَا انْقَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ اغْتَسَلَتْ وَصَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَهَكَذَا أَبَدًا مَا لَمْ يَتَلَوَّنْ الدَّمُ أَوْ يَنْقَطِعُ , فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الأَيَّامِ بَنَتْ عَلَى آخِرِ أَيَّامِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ , فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ حَيْضِهَا لَزِمَهَا فَرْضًا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاَةٍ , أَوْ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَتَمَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ , وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَذَلِكَ لَهَا , وَفِي أَوَّلِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ , فَذَلِكَ لَهَا , وَتُصَلِّي كُلَّ صَلاَةٍ لِوَقْتِهَا ، وَلاَ بُدَّ , وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا , فَإِنْ عَجَزَتْ ، عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهَا فِيهِ حَرَجٌ تَيَمَّمَتْ كَمَا ذَكَرْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي ، عَنِ الصَّلاَةِ وَإِنْ كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي وَقَوْلِهِ r إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَفِي بَعْضِهَا فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي وَفِي بَعْضِهَا فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَفِي هَذِهِ الأَخْبَارِ إيجَابُ مُرَاعَاةِ تَلَوُّنِ الدَّمِ. وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ r قَالَتْ : إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ : لاَ , إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ , وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَمَدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ , كِلاَهُمَا ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الدَّمِ , قَالَتْ عَائِشَةُ : رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلآنُ دَمًا , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي. قال أبو محمد : فَفِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيجَابُ مُرَاعَاةِ الْقَدْرِ. الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُهُ قَبْلَ أَنْ يَمْتَدَّ بِهَا الدَّمُ. وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ الَّتِي لاَ يَتَلَوَّنُ دَمُهَا ، عَنِ السَّوَادِ ، وَلاَ مِقْدَارَ عِنْدَهَا لِحَيْضٍ مُتَقَدِّمٍ , فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ عَلَيْهَا , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الدَّمَ الأَسْوَدَ مِنْهُ حَيْضٌ وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِحَيْضٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ بِرَأْيِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الدَّمِ حَيْضًا وَبَعْضَهُ غَيْرَ حَيْضٍ , لاَِنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ , أَوْ قَائِلاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَدَيْهِ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لَهَا تَرْكُ يَقِينِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ لِظَنٍّ فِي بَعْضِ دَمِهَا أَنَّهُ حَيْضٌ , وَلَعَلَّهُ لَيْسَ حَيْضًا , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَدَاوُد , وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : تَجْعَلُ لِنَفْسِهَا مِقْدَارَ حَيْضِ أُمِّهَا وَخَالَتِهَا وَعَمَّتِهَا وَتَكُونُ فِيمَا زَادَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ , فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ جَعَلَتْ حَيْضَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَتَكُونُ فِي بَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةً تَصُومُ , وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ : تَجْعَلُ لِنَفْسِهَا قَدْرَ حَيْضِ نِسَائِهَا. وقال الشافعي : تَقْعُدُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَكُونُ فِيهِ حَائِضًا , وَبَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةً تُصَلِّي وَتَصُومُ , وَإِلَى هَذَا مَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وقال أبو حنيفة : تَقْعُدُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَائِضًا وَبَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةٌ تُصَلِّي وَتَصُومُ. قَالَ عَلِيٌّ : يُقَالُ لِجَمِيعِهِمْ : مِنْ أَيْنَ قَطَعْتُمْ بِأَنَّهَا تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ ، وَلاَ بُدَّ وَفِي الْمُمَكَّنِ أَنْ تَكُونَ ضَهْيَاءَ لاَ تَحِيضُ فَتَرَكْتُمْ بِالظَّنِّ فَرْضَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مِنْ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ , ثُمَّ لَيْسَ لاَِحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ : اُقْتُصِرَ بِهَا عَلَى أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَيْضِ لِئَلاَّ تَتْرُكَ الصَّلاَةَ إلاَّ بِيَقِينٍ : إلاَّ كَانَ لِلآخَرِ أَنْ يَقُولَ. بَلْ اُقْتُصِرَ بِهَا عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ لِئَلاَّ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَيَطَأَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ , وَكُلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُفْسِدُ صَاحِبَهُ , وَهُمَا جَمِيعًا فَاسِدَانِ لاَِنَّهُمَا قَوْلٌ بِالظَّنِّ , وَالْحُكْمُ بِالظَّنِّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَجُوزُ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةَ لَمْ تَحِضْ قَطُّ , وَأَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ فَرْضَانِ عَلَيْهَا , وَأَنَّ زَوْجَهَا مَأْمُورٌ وَمَنْدُوبٌ إلَى وَطْئِهَا , ثُمَّ لاَ نَدْرِي ، وَلاَ نَقْطَعُ إنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا الدَّمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهَا دَمُ حَيْضٍ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ وَالْفَرَائِضِ اللاَّزِمَةِ بِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا وُضُوءُهَا لِكُلِّ صَلاَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي الْوُضُوءِ وَمَا يُوجِبُهُ. وَأَمَّا غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلاَتَيْنِ أَوْ لِكُلِّ صَلاَةٍ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَلاَّنُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حدثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ وَأَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاَةٍ. وبه إلى ابْنِ أَيْمَنَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيِّ الْقَاضِي ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ , وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَتُصَلِّيَ. قَالَ عَلِيٌّ : زَيْنَبُ هَذِهِ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ r نَشَأَتْ فِي حِجْرِهِ عليه السلام , وَلَهَا صُحْبَةٌ بِهِ عليه السلام. وبه إلى ابْنِ أَيْمَنَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ r بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اُسْتُحِضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاَةٍ. حدثنا عبد الله بن ربيع حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : لِتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلاً وَاحِدًا , وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِدًا , وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ. فَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ رَوَاهَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَرْبَعُ صَوَاحِبَ : عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ. وَرَوَاهَا ، عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ عُرْوَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ , وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ , فَهَذِهِ أُمُّ حَبِيبَةَ تَرَى ذَلِكَ وَعَائِشَةُ تَذْكُرُ ذَلِكَ لاَ تُنْكِرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَاهُ كِتَابُ امْرَأَةٍ. قَالَ سَعِيدٌ : فَدَفَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَيَّ , فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ : إنِّي امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ أَصَابَنِي بَلاَءٌ وَضُرٌّ , وَإِنِّي أَدَعُ الصَّلاَةَ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ , وَإِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ ، عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي أَنْ أَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : اللَّهُمَّ لاَ أَجِدُ لَهَا إلاَّ مَا قَالَ عَلِيٌّ , غَيْرَ أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَاحِدًا , فَقِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنَّ الْكُوفَةَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ وَأَنَّهَا يَشُقُّ عَلَيْهَا , قَالَ : لَوْ شَاءَ اللَّهُ لاَبْتَلاَهَا بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَذْكُرُ هَذَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ : أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ : إنِّي أُفْتِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاَةٍ , فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : مَا أَجِدُ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ , ثُمَّ أَرْسَلَتْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فَقَالاَ جَمِيعًا : مَا نَجِدُ إلاَّ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ : تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ , وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ مُجَاهِدٌ عَنْهُ : تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلاً وَاحِدًا , وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلاً وَاحِدًا , وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلاً. وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : تَنْتَظِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلاً وَاحِدًا لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ قَلِيلاً وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ قَلِيلاً , وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلاً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَتُصَلِّي. فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ أُمُّ حَبِيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , إلاَّ رِوَايَةٌ ، عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّهَا تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ. وَرُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ هَكَذَا مُبَيِّنًا , كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ , كُلُّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُونَ بِمُخَالَفَةِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ ، عَنْ هَذَا وَمَنْعُهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ عَلِيٌّ : فَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي الَّتِي تُمَيِّزُ دَمَهَا أَنَّ الأَسْوَدَ حَيْضٌ , وَأَنَّ مَا عَدَاهُ طُهْرٌ , فَوَضَحَ أَمْرُ هَذِهِ , وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي الَّتِي لاَ تُمَيِّزُ دَمَهَا وَهُوَ كُلُّهُ أَسْوَدُ لإِنَّ مَا عَدَاهُ طُهْرٌ لاَ حَيْضٌ وَلَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ مُمَيَّزٌ كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ : أَنْ تُرَاعِيَ أَمَدَ حَيْضِهَا فَتَكُونُ فِيهِ حَائِضًا , وَيَكُونُ مَا عَدَاهُ طُهْرًا , فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ , وَكَانَ حُكْمُ الَّتِي كَانَتْ أَيَّامُهَا مُخْتَلِفَةً مُنْتَقِلَةً أَنْ تَبْنِيَ عَلَى آخِرِ حَيْضٍ حَاضَتْهُ قَبْلَ اتِّصَالِ دَمِهَا , لاَِنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِالْيَقِينِ وَالْمُشَاهَدَةِ , فَخَرَجَتْ هَاتَانِ بِحُكْمِهِمَا , وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الَّتِي لاَ تُمَيِّزُ دَمَهَا ، وَلاَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ , وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْمَأْمُورَةُ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَوْ لِكُلِّ صَلاَتَيْنِ , فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ تَكُونَ هِيَ , إذْ لَيْسَتْ إلاَّ ثَلاَثَ صِفَاتٍ وَثَلاَثَةَ أَحْكَامٍ فَلِلصِّفَتَيْنِ حُكْمَانِ مَنْصُوصَانِ عَلَيْهِمَا , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ لِلصِّفَةِ الثَّالِثَةِ ضَرُورَةً ، وَلاَ بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ غَلَّبَ حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ وَلَمْ يُرَاعِ الأَيَّامَ , وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَغَلَّبَ الأَيَّامَ وَلَمْ يُرَاعِ حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ , وَكِلاَ الْعَمَلَيْنِ خَطَأٌ , لاَِنَّهُ تَرْكٌ لِسُنَّةٍ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا , وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد فَأَخَذُوا بِالْحُكْمَيْنِ مَعًا , إلاَّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا عُبَيْدٍ غَلَّبَا الأَيَّامَ وَلَمْ يَجْعَلاَ لِتَلَوُّنِ الدَّمِ حُكْمًا إلاَّ فِي الَّتِي لاَ تَعْرِفُ أَيَّامَهَا , وَجَعَلاَ لِلَّتِي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا حُكْمَ الأَيَّامِ وَإِنْ تَلَوَّنَ دَمُهَا , وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد فَغَلَّبَا حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ , سَوَاءٌ عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْهَا , وَلَمْ يَجْعَلاَ حُكْمَ مُرَاعَاةِ وَقْتِ الْحَيْضِ إلاَّ لِلَّتِي لاَ يَتَلَوَّنُ دَمُهَا. قَالَ عَلِيٌّ : فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الْحَقُّ فَفَعَلْنَا , فَوَجَدْنَا النَّصَّ قَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ بِأَنَّهُ لاَ حَيْضَ إلاَّ الدَّمُ الأَسْوَدُ , وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ حَيْضًا , لِقَوْلِهِ عليه السلام إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَصَحَّ أَنَّ الْمُتَلَوِّنَةَ الدَّمِ طَاهِرَةٌ تَامَّةُ الطَّهَارَةِ لاَ مَدْخَلَ لَهَا فِي حُكْمِ الاِسْتِحَاضَةِ , وَأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الدَّمِ الأَحْمَرِ وَبَيْنَ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ , وَوَجَبَ أَنَّ الدَّمَ إذَا تَلَوَّنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا الْمَعْهُودَةِ أَنَّهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ , فَبَقِيَ الإِشْكَالُ فِي الدَّمِ الأَسْوَدِ الْمُتَّصِلِ فَقَطْ , فَجَاءَ النَّصُّ بِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ لِمَنْ تَعْرِفُ وَقْتَهَا , وَبِالْغُسْلِ الْمُرَدَّدِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَوْ لِصَلاَتَيْنِ فِي الَّتِي نَسِيَتْ وَقْتَهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ , لاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. وقال مالك فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ : إنَّ الَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ , أَوْ بِيَوْمَيْنِ إنْ كَانَتْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا , أَوْ بِيَوْمٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا , وَلاَ تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , لاَ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ ، وَلاَ احْتِيَاطٌ , بَلْ فِيهِ إيجَابُ تَرْكِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالصَّوْمِ اللاَّزِمِ بِلاَ مَعْنًى. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِحَدِيثِ سُوءٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِيهِمَا قَالَ : جَاءَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُرْشِدٍ الْحَارِثِيَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَأَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ , فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَتْ لِي حَيْضَةٌ أُنْكِرُهَا , أَمْكُثُ بَعْدَ الطُّهْرِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا , ثُمَّ تُرَاجِعُنِي فَتُحَرِّمُ عَلَيَّ الصَّلاَةَ , فَقَالَ : إذَا رَأَيْتِ ذَلِكَ فَامْكُثِي ثَلاَثًا ثُمَّ تَطَهَّرِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ فَصَلِّي إلاَّ أَنْ تَرَيْ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ قَاتِمَةً. قال أبو محمد : فَكَانَ هَذَا الاِحْتِجَاجُ أَقْبَحَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ بِهِ , لإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ بَاطِلٌ إذْ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ , وَمَالِكٌ نَفْسُهُ يَقُولُ : هُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ. فَالْعَجَبُ لِهَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَلِلْحَنَفِيِّينَ , وَقَدْ جَرَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ وَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ , وَمَالِكٌ جَرَّحَ حَرَامَ بْنَ عُثْمَانَ وَصَالِحًا مَوْلَى التَّوْأَمَةِ , ثُمَّ لاَ مُؤْنَةَ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ إذَا جَاءَ هَؤُلاَءِ خَبَرٌ مِنْ رِوَايَةِ حَرَامٍ وَصَالِحٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوهِمُوا بِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِتَقْلِيدِهِمْ إلاَّ احْتَجُّوا بِهِ وَأَكْذَبُوا تَجْرِيحَ مَالِكٍ لَهُمْ ، وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ إذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُوهِمُوا بِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِتَقْلِيدِهِمْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إلاَّ احْتَجُّوا بِهِ , وَيُكَذِّبُوا تَجْرِيحَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ , وَنَحْنُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَحْسَنُ مُجَامَلَةً لِشُيُوخِهِمْ مِنْهُمْ , فَلاَ نَرُدُّ تَجْرِيحَ مَالِكٍ فِيمَنْ لَمْ تُشْتَهَرْ إمَامَتُهُ. قال أبو محمد , ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٌ , وَلاَ مِنْ تِلْكَ التَّقَاسِيمِ , بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ , وَمُوجِبٌ لِلصَّلاَةِ إلاَّ أَنْ تَرَى دَمًا , فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ. وقال بعضهم : قِسْنَاهُ عَلَى حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ , وَعَلَى أَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِثَمُودَ , فَكَانَ هَذَا إلَى الْهَزْلِ وَالاِسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْعِلْمِ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَصُومُ وَتُصَلِّي ، وَلاَ يَطَؤُهَا زَوْجُهَا. قَالَ عَلِيٌّ , وَهَذَا خَطَأٌ لاَِنَّهَا إمَّا حَائِضٌ وَأَمَّا طَاهِرٌ غَيْرُ حَائِضٍ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فِي غَيْرِ النُّفَسَاءِ , فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلاَ تَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ ، وَلاَ الصَّوْمُ , وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نُفَسَاءَ ، وَلاَ حَائِضٍ فَوَطْءُ زَوْجِهَا لَهَا حَلاَلٌ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَكِفًا أَوْ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا , فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

  • * *

الفِطرة 270 - مَسْأَلَةٌ : السِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ , وَلَوْ أَمْكَنَ لِكُلِّ صَلاَةٍ لَكَانَ أَفْضَلَ , وَنَتْفُ الإِبْطِ وَالْخِتَانُ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ , وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَفَرْضٌ ، وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ وَجْهِهَا , وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إنْ أَرَادَ الأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ أَوْ الشُّرْبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ , وَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ , وَإِنْ أَرَادَ الْمُعَاوَدَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَيْضًا , وَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَيْنِ لَهُ أَوْ زَوْجَاتٍ أَوْ إمَاءً وَزَوْجَاتٍ فَيَغْتَسِلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ فَحَسَنٌ , وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلاَّ فِي آخِرِ ذَلِكَ فَحَسَنٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ : الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لاََمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ فَلَيْسَ فَرْضًا. وبه إلى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ. حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ كِلاَهُمَا ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلاَّ تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمَّا فَرْضُ قَصِّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ ، حدثنا قَالَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حدثنا نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ , أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ قَالَ : قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ r يُبَيِّضُونَ شَوَارِبَهُمْ شِبْهَ الْحَلْقِ , قُلْتُ : مَنْ قَالَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَا أُسَيْدَ وَسَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أرنا عَبْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يُونُسَ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ , وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ. فإن قيل : فَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ. قلنا فَحَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ كَهَيْئَتِهِ ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً. وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلاَّمُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا رَجَعَ مِنْ الْمَسْجِدِ صَلَّى مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ , ثُمَّ مَال إلَى فِرَاشِهِ أَوْ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ قَضَاهَا ثُمَّ نَامَ كَهَيْئَتِهِ لاَ يَمَسُّ مَاءً , فَإِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَثَبَ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ. فَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ مَعًا وَغَيْرُ ذَلِكَ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ سُفْيَانَ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ الْمُخْطِئُ , بِدَعْوَاهُ مَا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ. فإن قيل : قَدْ خَالَفَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. قلنا : سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَا كَانَ فِي خِلاَفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِبَعْضٍ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ أَحَدِهِمْ , بَلْ الثِّقَةُ مُصَدَّقٌ فِي كُلِّ مَا يَرْوِي. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ هَذَا إخْبَارٌ ، عَنْ مُدَاوَمَتِهِ عليه السلام عَلَى ذَلِكَ , وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إبَاحَةَ النَّوْمِ لِلْمُجَامِعِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْرٍ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَهُشَيْمٍ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ يَزِيدُ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ عَمَّته سَلْمَى ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلاً. وَقَالَ هُشَيْمٌ : حدثنا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَطُوفُ عَلَى جَمِيعِ نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا.

  • * *الآنية

271 - مَسْأَلَةٌ : لاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ ، وَلاَ الشُّرْبُ ، وَلاَ الأَكْلُ لاَ لِرَجُلٍ ، وَلاَ لاِمْرَأَةٍ فِي إنَاءٍ عُمِلَ مِنْ عَظْمِ ابْنِ آدَمَ , لِمَا ذَكَرْنَا في كِتَابِنَا هَذَا فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِنْ وُجُوبِ دَفْنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ , وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ , وَلاَ فِي إنَاءٍ عُمِلَ مِنْ عَظْمِ خِنْزِيرٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ كُلَّهُ رِجْسٌ , وَلاَ فِي إنَاءٍ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ. وَلاَ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءِ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالاَ : حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَعَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَقَالَ : هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَنَا فِي الآخِرَةِ. وَلاَ فِي إنَاءٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. 272 - مَسْأَلَةٌ : ثُمَّ كُلُّ إنَاءٍ بَعْدَ هَذَا مِنْ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ قَزْدِيرٍ أَوْ بَلُّورٍ أَوْ زُمُرُّدٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ الأَكْلُ فِيهِ وَالشُّرْبُ وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِيهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وقوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَسْكُوتٍ ، عَنْ ذِكْرِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ أَمْرٍ فَمُبَاحٌ. وَالْمُذَهَّبُ وَالْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ حَلاَلٌ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ لاَِنَّهُ لَيْسَ إنَاءً , وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَلاَلٌ لاِِنَاثِ أُمَّتِي حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِهَا أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام : " وَلَيْسَ الْمُذَهَّبُ إنَاءَ ذَهَبٍ , وَالْمُفَضَّضُ وَالْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ حَلاَلٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ إنَاءً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ , وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". 273 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ عَجَزَ ، عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فِي الطَّهَارَةِ : مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلاَهُ أَوْ بَعْضُ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُهُ , وَبَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَقِيَ لِقَوْلِهِ r : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ جُرْحٌ سَقَطَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ فَرْضُ غَسْلِ سَائِرِ الْجَسَدِ أَوْ الأَعْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , فَإِنْ عَمَّتْ الْقُرُوحُ يَدَيْهِ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ , فَإِنْ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إلَى اسْمِ الْمَرَضِ وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ إمْسَاسِهِ الْمَاءَ حَرَجٌ تَيَمَّمَ فَقَطْ , لإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ , وَإِنْ كَانَ لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ غَمَسَهُ فَقَطْ وَأَجْزَأَهُ , أَوْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَأَجْزَأَهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى اسْمِ الْمَرَضِ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ فَقَطْ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي وُضُوءٍ تَيَمُّمٌ وَغُسْلٌ , وَلاَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَيْضًا إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , إلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهُوَ : مَنْ مَعَهُ مَاءٌ لاَ يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ جَمِيعَ جَسَدِهِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ شَكَّ فِي الْمَاءِ 274 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ وَشَكَّ أَوَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَمْ لاَ أَمْ هُوَ فَضْلُ امْرَأَةٍ أَمْ لاَ , فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ كَذَلِكَ لاَِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِهِ فِي أَصْلِهِ , وَجَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ , ثُمَّ شَكَّ هَلْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِيهِ أَمْ لاَ , وَالْحَقُّ الْيَقِينُ لاَ يُسْقِطُهُ الظَّنُّ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا فَإِنْ شَكَّ أَهُوَ مَاءٌ أَمْ هُوَ مُعْتَصَرٌ مِنْ بَعْضِ النَّبَاتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ لاَِنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ جَازَ بِهِ التَّطَهُّرُ يَوْمًا مَا , وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَرْضَانِ , فَلاَ يُرْفَعُ الْفَرْضُ بِالشَّكِّ , فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ إنَاءَانِ فَصَاعِدًا فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَسَائِرُهَا مِمَّا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , أَوْ فِيهَا وَاحِدٌ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَسَائِرُهَا طَاهِرٌ , وَلاَ يُمَيِّزُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَيِّهَا شَاءَ , مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ عَدَدَ الطَّاهِرَاتِ وَتَوَضَّأَ بِمَا لاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ , لإِنَّ كُلَّ مَاءٍ مِنْهَا فَعَلَى أَصْلِ طَهَارَتِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ , فَإِذَا حَصَلَ عَلَى يَقِينِ التَّطَهُّرِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ التَّطَهُّرُ بِهِ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى يَقِينِ الْحَرَامِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ حَرَامًا اسْتِعْمَالُهُ جُمْلَةً , فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مُعْتَصَرٌ لاَ يَدْرِي , لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا , لاَِنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ , وَالْيَقِينُ لاَ يَرْتَفِعُ بِالظَّنِّ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.