محلى ابن حزم - المجلد الأول2
137 - مَسْأَلَةٌ : وَالْبَوْلُ كُلُّهُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِ إنْسَانٍ , مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ , أَوْ مِنْ طَائِرٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ إلاَّ لِضَرُورَةِ تَدَاوٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَقَطْ وَفُرِضَ اجْتِنَابُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ إلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ إلاَّ بِحَرَجٍ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَنَجْوِ الْبَرَاغِيثِ. وقال أبو حنيفة : أَمَّا الْبَوْلُ فَكُلُّهُ نَجِسٌ , سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُ أَغْلَظُ نَجَاسَةً مِنْ بَعْضٍ , فَبَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ فَرَسٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَيُنَجِّسُ حِينَئِذٍ وَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ أَبَدًا. وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْكَثِيرِ حَدًّا. وَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِأَنْ يَكُونَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ : فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا. قَالُوا : وَأَمَّا بَوْلُ الإِنْسَانِ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ ، وَلاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ نَجَّسَ الثَّوْبَ وَأُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلاَةُ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْ الثَّوْبَ وَلَمْ تُعَدْ مِنْهُ الصَّلاَةُ , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبَعْدُ فَالْعَمْدُ عِنْدَهُمْ وَالنِّسْيَانُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ : وَأَمَّا الرَّوْثُ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ كُلَّهُ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَقَرٍ كَانَ أَوْ مِنْ فَرَسٍ أَوْ مِنْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , إنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الْخُفِّ أَوْ الْجَسَدِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ : بَطَلَتْ الصَّلاَةُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا. وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا , فَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بَعْرَتَانِ فَأَقَلُّ مِنْ أَبْعَارِ الإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا , فَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّوْثِ الْمَذْكُورِ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ , وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلاَّ الْغَسْلُ , فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّوْثِ بَوْلٌ لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلاَّ الْغَسْلُ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ. قَالَ فَإِنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مِنْ خُرْءِ الطَّيْرِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا ، وَلاَ أُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلاَةُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ خُرْءَ دَجَاجٍ , فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلاَةَ أَبَدًا , فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. وَقَالَ زُفَرُ : بَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَثُرَ أَمْ قَلَّ. وَأَمَّا بَوْلُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ وَنَجْوُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ نَجَسٌ. وقال مالك : بَوْلُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ نَجِسٌ , وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ طَاهِرَانِ إلاَّ أَنْ يَشْرَبَ مَاءً نَجِسًا فَبَوْلُهُ حِينَئِذٍ نَجِسٌ , وَكَذَلِكَ مَا يَأْكُلُ الدَّجَاجُ مِنْ نَجَاسَاتٍ فَخُرْؤُهَا نَجِسٌ. وَقَالَ دَاوُد : بَوْلُ كُلِّ حَيَوَانٍ وَنَجْوُهُ أُكِلَ لَحْمُهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ فَهُوَ طَاهِرٌ , حَاشَا بَوْلَ الإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ فَقَطْ فَهُمَا نَجَسَانِ. وقال الشافعي مِثْلَ قَوْلِنَا الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ التَّخْلِيطِ وَالتَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ , لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِسُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَسَّمَ النَّجَاسَاتِ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا التَّقْسِيمَ بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّرْتِيبِ فِيهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ , فَوَجَبَ إطْرَاحُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الأَشْيَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ أَوْ تَنْجِيسِهِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. قَالُوا : وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي تَنْجِيسِ بَوْلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَنَجْوِهِ , حَاشَا بَوْلَ الإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُقَالَ بِتَنْجِيسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ , وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ , فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r بِذَوْدٍ وَرَاعٍ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَدِينَةِ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَفِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَمَلاٌَ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا لَهُمْ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذَا الْفَرْثَ بِدَمِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَضَعَ وَجْهَهُ سَاجِدًا فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَأَخَذَ الْفَرْثَ , فَأَمْهَلَهُ , فَلَمَّا خَرَّ سَاجِدًا وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ , فَأُخْبِرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ r وَهِيَ جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ تَسْعَى فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r وَكُنْتُ شَابًّا عَزَبًا , وَكَانَتْ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ , كِلاَهُمَا ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ " صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَلَى مَكَان فِيهِ سِرْقِينٌ هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ , وَقَالَ شُعْبَةُ " رَوْثُ الدَّوَابِّ " وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِمَا " وَالصَّحْرَاءُ أَمَامَهُ , وَقَالَ : هُنَا وَهُنَاكَ سَوَاءٌ " وَعَنْ أَنَسٍ " لاَ بَأْسَ بِبَوْلِ كُلِّ ذَاتِ كِرْشٍ " وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. قَالَ مَنْصُورٌ : سَأَلْته ، عَنِ السِّرْقِينِ يُصِيبُ خُفَّ الإِنْسَانِ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَدَمَهُ قَالَ لاَ بَأْسَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً قَدْ تَنَحَّى ، عَنْ بَغْلٍ يَبُولُ , فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ : مَا عَلَيْك لَوْ أَصَابَك. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُجِيزُ أَكْلَ الْبَغْلِ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : لاَ بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْغَنَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَصَابَ عِمَامَتَهُ بَوْلُ بَعِيرٍ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ يَغْسِلُهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَعَلَى رِجْلَيْهِ أَثَرُ السِّرْقِينِ. وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : إنَّ لِي عُنَيْقًا تَبْعَرُ فِي مَسْجِدِي. قال أبو محمد : أَمَّا الآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَكُلُّهَا صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا : أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُسْنَدٍ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَرَفَ بِبَوْلِ الْكِلاَبِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقَرَّهُ , وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ , إذْ لاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي قَوْلِهِ عليه السلام أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عَرَفَهُ فَأَقَرَّهُ , فَسَقَطَ هَذَا الاِحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ , لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ ; لاَِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْهُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ عَمَلَ بَنِي خُدْرَةَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ , وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا , فَلاَ يَرَى أَبْوَالَ الْكِلاَبِ ، وَلاَ غَيْرَهَا نَجَسًا , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْفَرْثَ كَانَ مَعَهُ دَمٌ , وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلاً عِنْدَهُمْ , عَلَى طَهَارَةِ الدَّمِ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ الْفَرْثِ دُونَ طَهَارَةِ الدَّمِ , وَكِلاَهُمَا مَذْكُورَانِ مَعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَزَكَرِيَّا بْنَ أَبِي زَائِدَةَ رَوَوْا كُلُّهُمْ هَذَا الْخَبَرَ ، عَنِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , فَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَلَى جَزُورٍ , وَهُمْ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ , وَرِوَايَتُهُمْ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ , فَإِذَا كَانَ الْفَرْثُ وَالدَّمُ فِي السَّلَى فَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَيْنِ , فَلاَ حُكْمَ لَهُمَا , وَالْقَاطِعُ هَهُنَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُكْمِ بِتَحْرِيمِ النَّجْوِ وَالدَّمِ , فَصَارَ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ وَبَطَلَ الاِحْتِجَاجُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا ، وَلاَ مِنْ أَبْعَارِهَا. . فَقُلْنَا لَهُمْ : أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهَا لاَ تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا ، وَلاَ مِنْ أَبْعَارِهَا فَقَدْ يَبُولُ الرَّاعِي أَيْضًا بَيْنَهَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الإِنْسَانِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ. قَالَ عَلِيٌّ : الدُّورُ هِيَ دُورُ السُّكْنَى وَهِيَ أَيْضًا الْمَحَلاَّتِ. تَقُولُ : دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ , وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ , دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ , فَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا , وَهَذَا يُوجِبُ الْكَنْسَ لَهَا مِنْ كُلِّ بَوْلٍ وَبَعْرٍ وَغَيْرِهِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ , كِلاَهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا , فَرُبَّمَا رَأَيْته تَحْضُرُ الصَّلاَةُ فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللَّهِ r وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ r بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَضْحِهِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَنَعَ بَعْضُ عُمُومَتِي لِلنَّبِيِّ r طَعَامًا وَقَالَ : إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْكُلَ فِي بَيْتِي وَتُصَلِّيَ فِيهِ فَأَتَاهُ وَفِي الْبَيْتِ فَحْلٌ مِنْ تِلْكَ الْفُحُولِ يَعْنِي حَصِيرًا فَأَمَرَ عليه السلام بِجَانِبٍ مِنْهُ فَكُنِسَ وَرُشَّ فَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَرَشِّهِ بِالْمَاءِ , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَرَابِضُ الْغَنَمِ وَغَيْرُهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، عَنْ أَنَسٍ , وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وُرُودِ الأَخْبَارِ بِاجْتِنَابِ كُلِّ نَجْوٍ وَبَوْلٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا لَمْ تَجِدُوا إلاَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الإِبِلِ , فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , وَلاَ تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ : أَنُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ فَقَالَ لاَ , قَالَ : أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ عَلِيٌّ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ كُوفِيٌّ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا , وَإِذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَبَارِكِ الإِبِلِ فَلاَ تُصَلُّوا فِيهَا , فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ. قال أبو محمد : فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ عليه السلام بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , كَانَ نَهْيُهُ عليه السلام ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ دَلِيلاً عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , وَإِنْ كَانَ نَهْيُهُ عليه السلام ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا , فَلَيْسَ أَمْرُهُ عليه السلام بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُتَحَكِّمٌ بِالْبَاطِلِ , لاَ يَعْجَزُ مَنْ لاَ وَرَعَ لَهُ ، عَنْ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّرَفِ الثَّانِي بِدَعْوَى كَدَعْوَاهُ. فَإِنْ قَالَ : إنَّمَا نَهَى ، عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ , لاَِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قِيلَ لَهُ : وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ لاَِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ كَمَا قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ , فَخَرَجَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ مِنْ كِلاَ الْخَبَرَيْنِ , فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r إنَّمَا أَبَاحَ لِلْعُرَنِيِّينَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَانِ الإِبِلِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي مِنْ الْمَرَضِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلاَمِ , فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ , فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : أَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا , فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الإِبِلَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَاءِ مِنْ السَّقَمِ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ , وَأَنَّهُمْ صَحَّتْ أَجْسَامُهُمْ بِذَلِكَ , وَالتَّدَاوِي بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ فَمَا اُضْطُرَّ الْمَرْءُ إلَيْهِ فَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ , فإن قيل : قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ذَكَرَ طَارِقُ بْنُ سُوَيْد أَوْ سُوَيْد بْنُ طَارِقٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ , فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا دَوَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ r : لاَ , وَلَكِنَّهَا دَاءٌ وَحَدِيثَ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ الْمُخَارِقِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. فَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لإِنَّ حَدِيثَ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ , شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ دَوَاءً , وَإِذْ لَيْسَتْ دَوَاءً فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا فِي أَنَّ مَا لَيْسَ دَوَاءً فَلاَ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ إذَا كَانَ حَرَامًا , وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ فِي الدَّوَاءِ , وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , بَلْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَ لِلْمُخْتَنِقِ شُرْبَ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُ أَكْلَهُ بِهِ غَيْرَهَا , وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ يُبِيحُونَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ فَنَعَمْ وَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْحَالِ خَبِيثًا , بَلْ هُوَ حَلاَلٌ طَيِّبٌ ; لإِنَّ الْحَلاَلَ لَيْسَ خَبِيثًا.فَصَحَّ أَنَّ الدَّوَاءَ الْخَبِيثَ هُوَ الْقَتَّالُ الْمَخُوفُ , عَلَى أَنَّ يُونُسَ بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَبَاطِلٌ لإِنَّ رَاوِيَهُ سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَدْ جَاءَ الْيَقِينُ بِإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلاَكِ مِنْ الْجُوعِ فَقَدْ جَعَلَ تَعَالَى شِفَاءَنَا مِنْ الْجُوعِ الْمُهْلِكِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ وَنَقُولُ : نَعَمْ إنَّ الشَّيْءَ مَا دَامَ حَرَامًا عَلَيْنَا فَلاَ شِفَاءَ لَنَا فِيهِ , فَإِذَا اُضْطُرِرْنَا إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ حَلاَلٌ , فَهُوَ لَنَا حِينَئِذٍ شِفَاءٌ , وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا : فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ، وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلاَلٌ لاِِنَاثِهَا وَقَالَ r : إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ الطُّرُقِ الثَّابِتَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ. رَوَى تَحْرِيمَ الْحَرِيرِ عُمَرُ وَابْنُهُ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُمْ , ثُمَّ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام أَبَاحَ لِعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ لِبَاسَ الْحَرِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي مِنْ الْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَالْوَجَعِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الأَشْيَاءَ عَلَى الإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَصَحِيحٌ , وَهَكَذَا نَقُولُ : إنَّنَا إنْ لَمْ نَجِدْ نَصًّا عَلَى تَحْرِيمِ الأَبْوَالِ جُمْلَةً وَالأَنْجَاءِ جُمْلَةً , وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلاَّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ بَوْلِ ابْنِ آدَمَ وَنَجْوِهِ. كَمَا قَالُوا : فَإِنْ وَجَدْنَا نَصًّا فِي تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ وَوُجُوبِ اجْتِنَابِهِ , فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ وَاجِبٌ , فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا ابْنُ سَلاَّمٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ عليه السلام : يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ , كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ , وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد : كُلُّ كَبِيرٍ فَهُوَ صَغِيرٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنْ الشِّرْكِ أَوْ الْقَتْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ r بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ , أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ , وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ , وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ وَشُعْبَةَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ الْقَاصُّ , حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : لاَ يُصَلَّى بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ يَعْنِي الْبَوْلَ وَالنَّجْوَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ. قال أبو محمد : فَافْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى النَّاسِ اجْتِنَابَ الْبَوْلِ جُمْلَةً , وَتَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ , وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ بَوْلٌ دُونَ بَوْلٍ , فَيَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مُدَّعِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ r مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ بِالْبَاطِلِ إلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ جَلِيٍّ , وَوَجَدْنَاهُ r قَدْ سَمَّى الْبَوْلَ جُمْلَةً وَالنَّجْوَ جُمْلَةً " الأَخْبَثَيْنِ " وَالْخَبِيثُ مُحَرَّمٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ يُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَخْبَثَ وَخَبِيثٍ فَهُوَ حَرَامٌ. فإن قيل : إنَّمَا خَاطَبَ عليه السلام النَّاسَ فَإِنَّمَا أَرَادَ نَجْوَهُمْ وَبَوْلَهُمْ فَقَطْ. قلنا : نَعَمْ إنَّمَا خَاطَبَ عليه السلام النَّاسَ وَلَكِنْ أَتَى بِالاِسْمِ الأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ جِنْسُ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ : إنَّمَا أَرَادَ عليه السلام نَجْوَ النَّاسِ خَاصَّةً وَبَوْلَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ إنَّمَا أَرَادَ عليه السلام بَوْلَ كُلِّ إنْسَانٍ عَلَيْهِ خَاصَّةً لاَ بَوْلَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ , وَكَذَلِكَ فِي النَّجْوِ فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَحْتَ الاِسْمِ الْجَامِعِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ. فإن قيل : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ الْعَذَابُ فِي الْبَوْلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَرَّةً رَوَاهُ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمَرَّةً ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْعَلاَءِ وَيَحْيَى وَأَبَا سَعِيدٍ الأَشَجَّ رَوَوْهُ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ فَقَالُوا فِيهِ كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ. أَمَّا رِوَايَةُ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَإِنَّ الإِمَامَيْنِ شُعْبَةَ وَوَكِيعًا ذَكَرَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمَاعَ الأَعْمَشِ لَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ فَسَقَطَ هَذَا الاِعْتِرَاضُ , وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِّينَاهُ آنِفًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الأَعْمَشِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَسَقَطَ التَّعَلُّلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَذَا الْخَبَرِ مَرَّةً ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرَّةً ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ , وَلاَ يَتَعَلَّلُ بِهَذَا إلاَّ جَاهِلٌ مُكَابِرٌ لِلْحَقَائِقِ ; لإِنَّ كِلَيْهِمَا إمَامٌ , وَكِلاَهُمَا صَحِبَ ابْنَ عَبَّاسٍ الصُّحْبَةَ الطَّوِيلَةَ , فَسَمِعَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ كَذَلِكَ , وَإِلاَّ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ وَدِدْنَا أَنْ تُبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ إلاَّ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ لَهِجَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , وَهُمْ فِيهَا مُخْطِئُونَ عَيْنَ الْخَطَأِ , وَمَنْ قَلَّدَهُمْ أَسْوَأُ حَالاً مِنْهُمْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " مِنْ بَوْلِهِ " فَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ فَوْقَهُمْ , فَرَوَى هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ وَكِيعٍ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ ، وَابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالاَ : " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ , كِلاَهُمَا ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالاَ : " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ كُلُّهُمْ ، عَنِ الأَعْمَشِ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " فَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ , وَرِوَايَةُ هَؤُلاَءِ تَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ الآخَرِينَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّلُوا بِهِ , وَصَحَّ فَرْضًا وُجُوبُ اجْتِنَابِ كُلِّ بَوْلٍ وَنَجْوٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جُمْلَةٌ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ حَدَّثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ ، عَنْ بَوْلِ نَاقَتِي قَالَ اغْسِلْ مَا أَصَابَك مِنْهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ سَلْمِ بْنِ أَبِي الذَّيَّالِ ، عَنْ صَالِحٍ الدَّهَّانِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : الأَبْوَالُ كُلُّهَا أَنْجَاسٌ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ " الْبَوْلُ كُلُّهُ يُغْسَلُ " وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " الرَّشُّ بِالرَّشِّ وَالصَّبُّ بِالصَّبِّ مِنْ الأَبْوَالِ كُلِّهَا " وَعَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يُصِيبُ الرَّاعِيَ مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ قَالَ " يُنْضَحُ " وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى إسْرَائِيلَ قَالَ " كُنْت مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَسَقَطَ عَلَيْهِ بَوْلُ خُفَّاشٍ فَنَضَحَهُ , وَقَالَ مَا كُنْت أَرَى النَّضْحَ شَيْئًا حَتَّى بَلَغَنِي ، عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ " سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ بَوْلِ الشَّاةِ , فَقَالَ اغْسِلْهُ. وَعَنْ حَمَّادٍ أَيْضًا فِي بَوْلِ الْبَعِيرِ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد " وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ , لِمَا نَذْكُرُهُ فِي إفْسَادِ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ تَعَلُّقَ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلاَ بَأْسَ بِبَوْلِهِ. قال علي : هذا خَبَرٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ ; لإِنَّ سَوَّارَ بْنَ مُصْعَبٍ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّقْلِ , مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ , يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ. فَإِذَا سَقَطَ هَذَا فَإِنَّ زُفَرَ قَاسَ بَعْضَ الأَبْوَالِ عَلَى بَعْضٍ , وَلَمْ يَقِسْ النَّجْوَ عَلَى الْبَوْلِ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْنَا فِي تَفْرِيقِنَا بَيْنَ حُكْمِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَبَيْنَ الْمُتَغَوِّطِ فِيهِ , إلاَّ أَنَّنَا نَحْنُ قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ r وَقَالَ زُفَرُ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَإِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ إلاَّ أَبْوَالُ الإِبِلِ فَقَطْ , وَاسْتِدْلاَلٌ عَلَى بَوْلِ الْغَنَمِ وَبَعْرِهَا فَقَطْ , فَأَدْخَلَ هُوَ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ أَبْوَالَ الْبَقَرِ وَأَخْثَاءَهَا وَأَبْعَارَ الإِبِلِ وَبَعْرَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلُهُ. فَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا ذَلِكَ قِيَاسًا لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عَلَى مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , قلنا لَهُمْ فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ كُلَّ ذِي أَرْبَعٍ ; لاَِنَّهَا ذَوَاتُ أَرْبَعٍ وَذَوَاتُ أَرْبَعٍ أَوْ كُلَّ حَيَوَانٍ , لاَِنَّهُ حَيَوَانٌ وَحَيَوَانٌ أَوْ هَلاَّ قِسْتُمْ كُلَّ مَا عَدَا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخَبَرِ عَلَى بَوْلِ الإِنْسَانِ وَنَجْوِهِ الْمُحَرَّمَيْنِ فَهَذِهِ عِلَّةٌ أَعَمُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ بِالأَعَمِّ فِي الْعِلَلِ , فَإِنْ لَجَأْتُمْ هَهُنَا إلَى الْقَوْلِ بِالأَخَصِّ فِي الْعِلَلِ قلنا لَكُمْ , فَهَلاَّ قِسْتُمْ مِنْ الأَنْعَامِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , وَهِيَ مَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ , كَمَا الإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَكُونُ أُضْحِيَّةً , أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ , كَمَا يَكُونُ فِي الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , أَوْ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْبَقَرِ خَاصَّةً , كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ فَهَذَا أَخَصُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ , فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً يَقِينًا. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا أَبْوَالَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَنْجَاءَهَا عَلَى أَلْبَانِهَا. قلنا لَهُمْ : فَهَلاَّ قِسْتُمْ أَبْوَالَهَا عَلَى دِمَائِهَا فَأَوْجَبْتُمْ نَجَاسَةَ كُلِّ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَيْسَ لِلذُّكُورِ مِنْهَا ، وَلاَ لِلطَّيْرِ أَلْبَانٌ فَتُقَاسُ أَبْوَالُهَا وَأَنْجَاؤُهَا عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَإِبْطَالِ قِيَاسِكُمْ هَذَا , لِصِحَّةِ كُلِّ ذَلِكَ بِأَنْ لاَ تُقَاسَ أَبْوَالُ النِّسَاءِ وَنَجْوُهُنَّ عَلَى أَلْبَانِهِنَّ فِي الطَّهَارَةِ وَالاِسْتِحْلاَلِ. وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. وَهَلاَّ قَاسُوا كُلَّ ذِي رِجْلَيْنِ مِنْ الطَّيْرِ فِي نَجْوِهِ عَلَى نَجْوِ الإِنْسَانِ فَهُوَ ذُو رِجْلَيْنِ فَكُلُّ هَذِهِ قِيَاسَاتٌ كَقِيَاسِكُمْ أَوْ أَظْهَرُ , وَهَذَا يَرَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ إبْطَالَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً , وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ , لأَنَّهُمْ لاَ شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ اتَّبَعُوا ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْقِيَاسِ ضَبَطُوا , وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ تَعَلَّقُوا , لاَ سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً نَجِسًا فَقَالَ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ , وَبَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً طَاهِرًا فَقَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ , وَهُوَ يَرَى لَحْمَ الدَّجَاجِ حَلاَلاً طَيِّبًا , هَذَا وَهُوَ يَرَاهُ مُتَوَلِّدًا ، عَنِ الْمَيْتَاتِ وَالْعَذِرَةِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 138 - مَسْأَلَةٌ : وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ يُؤْخَذُ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ طَاهِرٌ ، وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ , وَالْحَيُّ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , وَبَعْضُ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ.
139 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ نَجِسٌ وَمِنْ الْمُؤْمِنِ طَاهِرٌ , وَالْقَيْحُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْقَلْسُ وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَكُلُّ مَا قُطِعَ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَبَنُ الْمُؤْمِنَةِ , كُلُّ ذَلِكَ طَاهِرٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ نَجِسٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ , وَبَعْضُ النَّجَسِ نَجَسٌ , وَبَعْضُ الطُّهْرِ طَاهِرٌ , لإِنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 140 - مَسْأَلَةٌ : وَأَلْبَانُ الْجَلاَّلَةِ حَرَامٌ , وَهِيَ الإِبِلُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ كَذَلِكَ , فَإِنْ مُنِعَتْ مِنْ أَكْلِهَا حَتَّى سَقَطَ عَنْهَا اسْمُ جَلاَّلَةٍ , فَأَلْبَانُهَا حَلاَلٌ طَاهِرَةٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. 141 - مَسْأَلَةٌ : وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ , وَسَوَاءٌ وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ , وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا , وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ بِهِ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ مَاءٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ , فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الْمَاءَ فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ الْوَاجِبِ وَهُوَ يَجِدُهُ إلاَّ مَا مَنَعَهُ مِنْهُ نَصٌّ ثَابِتٌ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ فَعَمَّ أَيْضًا عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ , فَلاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُ مَاءٍ بِالْمَنْعِ لَمْ يَخُصُّهُ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد وَهُوَ الْخُرَيْبِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ بِيَدِهِ. وَأَمَّا مِنْ الإِجْمَاعِ فَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِهِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَى مِرْفَقِهِ , وَهَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَبِالضَّرُورَةِ وَالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ مُشَاهِدٍ لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ قَدْ وُضِّئَتْ بِهِ الْكَفُّ وَغُسِلَتْ , ثُمَّ غُسِلَ بِهِ أَوَّلُ الذِّرَاعِ ثُمَّ آخِرُهُ , وَهَذَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِيَقِينٍ , ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّ يَدَهُ إلَى الإِنَاءِ وَهِيَ تَقْطُرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي طَهَّرَ بِهِ الْعُضْوَ , فَيَأْخُذُ مَاءً آخَرَ لِلْعُضْوِ الآخَرِ , فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَهِّرْ الْعُضْوَ الثَّانِي إلاَّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ قَدْ مَازَجَهُ مَاءٌ آخَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ آخَرَ وَهَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وقال مالك : يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَجُوزُ الْغُسْلُ ، وَلاَ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ , وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ , وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ , وَالأَظْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ , وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ نَصَّا , وَأَنَّهُ لاَ يَنْجَسُ الثَّوْبُ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَقَدْ نَجَّسَهُ , وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْهُ. وقال أبو حنيفة وَأَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ رَجُلٌ طَاهِرٌ قَدْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ لَهَا فَتَوَضَّأَ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا , وَلاَ يَجْزِيه ذَلِكَ الْوُضُوءُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ , فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهَا أَرْضًا أَنْجَسَهَا كُلَّهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَ وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ جُنُبٍ فِي سَبْعَةِ آبَارٍ نَجَّسَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُنَجِّسُهَا كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّهَا عِشْرُونَ بِئْرًا , وَقَالاَ جَمِيعًا : لاَ يَجْزِيه ذَلِكَ الْغُسْلُ , فَإِنْ طَهَّرَ فِيهَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ كُلُّهَا , فَإِنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يُجِزْهُ وَتَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ , فَلَوْ كَانَ عَلَى أَصَابِعِ يَدِهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُنَجِّسْ مَاؤُهَا الْيَدَ بِخِلاَفِ سَائِرِ الأَعْضَاءِ , فَلَوْ انْغَمَسَ فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ غُسْلاً ، وَلاَ وُضُوءًا ، وَلاَ تَدَلَّكَ فِيهَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْوِيَ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لاَ يَطْهُرُ بِذَلِكَ الاِنْغِمَاسُ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَطْهُرُ بِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَإِنْ غَمَسَ رَأْسه يَنْوِي الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ , وَإِنَّمَا يُنَجِّسُهُ نِيَّةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْغُسْلُ , قَالَ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ يَدِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَغْسِلَ الْعُضْوَ بِكَمَالِهِ , فَلَوْ غَمَسَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ , وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ نِيَّةُ الْغُسْلِ لاَ نِيَّةُ الْمَسْحِ. وَهَذِهِ أَقُولُ هِيَ إلَى الْهَوَسِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى مَا يُعْقَلُ. وقال الشافعي : لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ بِمَاءٍ قَدْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ , وَأَصْفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ لِيَتَوَضَّأَ فَأَخَذَ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَقَدْ حَرُمَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ ; لاَِنَّهُ قَدْ صَارَ مَاء مُسْتَعْمَلاً , وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَصُبَّ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ , فَإِذَا وَضَّأَهَا أَدْخَلَهَا حِينَئِذٍ فِي الإِنَاءِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ نَهْيِهِ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ. قال أبو محمد : وَقَالُوا : إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ ذَلِكَ , لإِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً , وَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ : بَلْ مَا نَهَى ، عَنْ ذَلِكَ عليه السلام إلاَّ خَوْفَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْلِيلِهِ شَيْءٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ. قال أبو محمد : وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ , وَمِنْ أَنْ نُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ r مَا لَمْ يَقُلْ , وَأَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ ، وَلاَ فَعَلَهُ , فَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ , وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ مِنْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمُتَوَضِّئِ ، وَلاَ لِلْمُغْتَسَلِ أَنْ يُرَدِّدَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَائِهِ , بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ , وَبِذَلِكَ جَاءَ عَمَلُ النَّبِيِّ r فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، عَنْ تَرْدِيدِ الْمَاءِ عَلَى الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ , وَلاَ نَهَى عَنْهُ عليه السلام قَطَّ. وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ : قَدْ أَجَزْتُمْ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ نَكَّسَ وُضُوءُهُ , وَلاَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ , فَأَخْذُهُ عليه السلام مَاءً جَدِيدًا لِكُلِّ عُضْوٍ إنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام , وَأَفْعَالُهُ عليه السلام لاَ تُلْزَمُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مَسَحُ رَأْسِهِ الْمُقَدَّسِ بِفَضْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ يُؤْخَذُ لِلرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ. قلنا : إنَّمَا رَوَاهُ دَهْثَمُ بْنُ قِرَانٍ وَهُوَ سَاقِطُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ ، عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْف وَقَدْ أَبَاحَ عليه السلام غُسْلَ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كُلُّهُمْ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حدثنا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ لِي جَابِرٌ سَأَلَنِي ابْنُ عَمِّكَ فَقَالَ : كَيْفَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقُلْت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. قال أبو محمد وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَنَجُّسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمَا صَحَّ طُهْرٌ ، وَلاَ وُضُوءٌ ، وَلاَ صَلاَةٌ لاَِحَدٍ أَبَدًا , لإِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُفِيضُهُ الْمُغْتَسِلُ عَلَى جَسَدِهِ يُطَهِّرُ مَنْكِبَيْهِ وَصَدْرَهُ , ثُمَّ يَنْحَدِرُ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ , فَكَانَ يَكُونُ كُلُّ أَحَدٍ مُغْتَسِلاً بِمَاءٍ نَجِسٍ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , وَهَكَذَا فِي غَسْلِهِ ذِرَاعَهُ وَوَجْهَهُ وَرِجْلَهُ فِي الْوُضُوءِ , لاَِنَّهُ لاَ يَغْسِلُ ذِرَاعَهُ إلاَّ بِالْمَاءِ الَّذِي غَسَلَ بِهِ كَفَّهُ , وَلاَ يَغْسِلُ أَسْفَلَ وَجْهِهِ إلاَّ بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ غَسَلَ بِهِ أَعْلاَهُ وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ عَرَقِ الْجِسْمِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ شَيْءٌ فَهُوَ مَاءٌ مُضَافٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا غَثٌّ جِدًّا , وَحَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَكَانَ مَاذَا وَمَتَى حَرُمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لاَ يَظْهَرُ لَهُ فِي الْمَاءِ رَسْمٌ فَكَيْفَ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِمَاءٍ قَدْ تَبَرَّدَ فِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَهَذَا أَكْثَرُ فِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعَرَقُ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. قلنا : نَعَمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَكَانَ مَاذَا وَإِنَّ هَذَا لَمِمَّا يَغِيطُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِرَارًا إنْ أَمْكَنَ لِفَضْلِهِ , وَمَا عَلِمْنَا لِلْخَطَايَا أَجْرَامًا تَحِلُّ فِي الْمَاءِ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَحَصَى الْجِمَارِ الَّذِي رَمَى بِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ ثَانِيَةً. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , بَلْ حَصَى الْجِمَارِ إذَا رَمَى بِهَا فَجَائِزٌ أَخْذُهَا وَالرَّمْيُ بِهَا ثَانِيَةٌ , وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَالثَّوْبُ الَّذِي سُتِرَتْ بِهِ الْعَوْرَةُ فِي الصَّلاَةِ جَائِزٌ أَنْ تُسْتَرَ بِهِ أَيْضًا الْعَوْرَةُ فِي صَلاَةٍ أُخْرَى , فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قِيَاسٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ. قال علي : وهذا هَوَسٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ , وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَاءٍ طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ أَوْ تُرْمُسٌ أَوْ لُوبْيَا , مَا دَامَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ. وقال بعضهم : لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْمَاءِ مُفْرَدًا دُونَ أَنْ يُتْبَعَ بِاسْمٍ آخَرَ وَجَبَ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ , بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ فَقَطْ , ثُمَّ لاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ , وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُطْلَقٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ , وَقَوْلِنَا مَاءٌ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ عَذْبٌ , أَوْ مَاءٌ مُرٌّ , أَوْ مَاءٌ سُخْنٌ أَوْ مَاءُ مَطَرٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ وَالْغُسْلِ. وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُتَوَضَّأِ بِهِ وَالْمُغْتَسَلِ بِهِ لَبَطَلَ أَكْثَرُ الدِّينِ ; لاَِنَّهُ كَانَ الإِنْسَانُ إذَا اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَهُ لاَ يُصَلِّي إلاَّ بِثَوْبٍ نَجِسٍ كُلِّهِ , وَلَلَزِمَهُ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ مِنْهُ بِمَاءٍ آخَرَ. وقال بعضهم : لاَ يَنْجَسُ إلاَّ إذَا فَارَقَ الأَعْضَاءَ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ بِالدَّعْوَى , وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ تَنَجَّسَ عِنْدَكُمْ إلاَّ بِالاِسْتِعْمَالِ فَلاَ بُدَّ مِنْ نَعَمْ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لاَ يَنْجَسَ فِي الْحَالِ الْمُنَجَّسَةِ لَهُ ثُمَّ يَنْجَسَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَلاَ جُرْأَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ : هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ تُؤَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ , فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ فِي أَفْضَلِ الأَعْمَالِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَنَجَّسَ أَوْ حَرُمَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ , وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْلِيطُ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ أَفْسَدَ مَاءَهُ , وَهَذَا لاَ يَصِحُّ , بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ , وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّونَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ مَنْ هُوَ قَبْلَ حَمَّادٍ , وَلاَ نَعْرِفُ لاِِبْرَاهِيمَ سَمَاعًا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ هَذَا. قال أبو محمد : وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ خِلاَفَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ : أَرْبَعٌ لاَ تَنْجَسُ الْمَاءُ وَالأَرْضُ وَالإِنْسَانُ , وَذَكَرَ رَابِعًا. وَذَكَرُوا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي تَحْرِيمِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ. وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ أَصْلاً , لإِنَّ اللاَّزِمَ لَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ لاَ يُحَرَّمَ ذَلِكَ إلاَّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً , فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ ، وَلاَ مَنَعَهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ , بَلْ أَبَاحَهُ لِسَائِرِ النَّاسِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ لأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي أَصْلِ أَقْوَالِهِمْ شُرْبَ ذَلِكَ الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ غَيْرُ وُضُوئِهِمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ عَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ إبَاحَتِهِمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَفِيهَا جَاءَ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَاهِرَةٌ , وَتَحْرِيمُهُمْ الْمَاءَ الَّذِي قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ نَهْيٌ عَنْهُ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَنَسْأَلُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ عَمَّنْ وَضَّأَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ فِي مَاءٍ دَائِمٍ أَوْ غَسَلَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ جُنُبٌ , أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ أَوْ بَعْضَ أُصْبُعٍ أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ مَسَحَ شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ أَوْ خُفِّهِ أَوْ بَعْضَ خُفِّهِ : حَتَّى نَعْرِفَ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ وَسَقَى إنْسَانًا ذَلِكَ الْوَضُوءَ , وَأَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا تَوَضَّأَ تَمَسَّحَ النَّاسُ بِوَضُوئِهِ , فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ الْمَلْعُونَةِ : إنَّ الْمُسْلِمَ الطَّاهِرَ النَّظِيفَ إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ صُبَّ فِيهَا فَأْرٌ مَيِّتٌ أَوْ نَجِسٌ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. 142 - مَسْأَلَةٌ : وَوَنِيمُ الذُّبَابِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالنَّحْلِ وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ إنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَكَانَ فِي غَسْلِهِ حَرَجٌ أَوْ عُسْرٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ غَسْلِهِ إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِيهِ ، وَلاَ عُسْرَ. قال أبو محمد : قَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقَوْلَهُ : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ فَالْحَرَجُ وَالْعُسْرُ مَرْفُوعَانِ عَنَّا , وَمَا كَانَ لاَ حَرَجَ فِي غَسْلِهِ ، وَلاَ عُسْرَ فَهُوَ لاَزِمٌ غَسْلُهُ , لاَِنَّهُ بَوْلٌ وَرَجِيعٌ. 143 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنَّمَا قَالَ عليه السلام ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ. 144 - مَسْأَلَةٌ : وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ , فَمَنْ صَلَّى حَامِلاً شَيْئًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ فَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ , وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ. 145 - مَسْأَلَةٌ : وَنَبِيذُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَالزَّبِيبِ إذَا جُمِعَ نَبِيذُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى نَبِيذِ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا أَبَانُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ , وَعَنْ خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ , وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ , وَقَالَ : انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَلاَلٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ إلاَّ عَمَّا ذَكَرْنَا. 146 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ , لاَ فِي بُنْيَانٍ ، وَلاَ فِي صَحْرَاءَ , وَلاَ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَقَطْ كَذَلِكَ فِي حَالِ الاِسْتِنْجَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قُلْت لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَذْكُرُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ ، وَلاَ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ سُفْيَانُ نَعَمْ. وَقَدْ رَوَى أَيْضًا النَّهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ حَدِيثَ سَلْمَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : أَلاَّ يَسْتَنْجِيَ أَحَدٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , فِي بَابِ الاِسْتِنْجَاءِ. وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُيُوتِ نَصَّا عَنْهُ , وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ أَلاَّ تَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِذَلِكَ , وَعَنِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، جُمْلَةً , وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَبِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ اسْتِقْبَالِهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ , وَكُلُّ هَؤُلاَءِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَتَانِ بِالْفُرُوجِ , وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قال أبو محمد : لاَ نَرَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ , لإِنَّ النَّهْيَ ، عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ : يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ , وَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا نُهِيَ ، عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلاَ بَأْسَ , وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. فأما مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ جُمْلَةً فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ رَقَيْتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَفِي بَعْضِهَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَبُولُ حِيَالَ الْقِبْلَةِ وَفِي بَعْضِهَا : اطَّلَعْتُ يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ r عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ فَرَأَيْتُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ , فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ النَّهْيِ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ r ، عَنْ ذَلِكَ , هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ , فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخٌ قَطْعًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ r ، عَنْ ذَلِكَ , هَذَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ , وَأَخْذُ الْمُتَيَقَّنِ نَسْخُهُ وَتَرْكُ الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ نَاسِخٌ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحُكْمٍ مَنْسُوخٍ فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ النَّاسِخَ مَنْسُوخًا وَالْمَنْسُوخَ نَاسِخًا ، وَلاَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ تِبْيَانًا لاَ إشْكَالَ فِيهِ , إذْ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ الدِّينُ مُشْكِلاً غَيْرَ بَيِّنٍ , نَاقِصًا غَيْرَ كَامِلٍ , وَهَذَا بَاطِلٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ذِكْرُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ , فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لَمَا كَانَ فِيهِ نَسْخُ تَحْرِيمِ اسْتِدْبَارِهَا , وَلَكَانَ مَنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةَ اسْتِدْبَارِهَا كَاذِبًا مُبْطِلاً لِشَرِيعَةٍ ثَابِتَةٍ , وَهَذَا حَرَامٌ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ سَاقِطٌ ; لاَِنَّهُ رِوَايَةُ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَهُوَ ثِقَةٌ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ , وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ ; لإِنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لإِنَّ نَصَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ; لإِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَاهُمْ ، عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِي ذَلِكَ , هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ ، وَلاَ ذُو عَقْلٍ , وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ إبَاحَةُ الاِسْتِقْبَالِ فَقَطْ , لاَ إبَاحَةُ الاِسْتِدْبَارِ أَصْلاً , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ رِوَايَةُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ الْقِبْلَةَ عليه السلام كَانَ بَعْدَ نَهْيِهِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ جَابِرٌ , ثُمَّ رَأَيْته , وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ النَّسْخُ لِلاِسْتِقْبَالِ فَقَطْ , وَأَمَّا الاِسْتِدْبَارُ فَلاَ أَصْلاً , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا , فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا , وَلَيْسَ إذَا نَهَى ، عَنْ شَيْئَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ نَسْخُ الآخَرِ , فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيه ، عَنِ الْبُرْهَانِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَوْلٌ لاَ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلاً , إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ فَرْقٌ بَيْنَ صَحْرَاءَ وَبُنْيَانٍ , فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ ظَنٌّ , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ , وَلاَ يُغْنِي ، عَنِ الْحَقِّ شَيْئًا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ , وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ بَلْ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ خَاصَّةً , وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ خَاصَّةً , وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ لاَ وَجْهَ لَهُ. وقال بعضهم : إنَّمَا كَانَ فِي الصَّحَارِي , لإِنَّ هُنَالِكَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فَيُؤْذَوْنَ بِذَلِكَ. قال أبو محمد : هَذَا بَاطِلٌ ; لإِنَّ وُقُوعَ الْغَائِطِ كَيْفَمَا وَقَعَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَوْضِعُهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً لِجِهَةٍ مَا , وَغَيْرَ قِبْلَةٍ لِجِهَةٍ أُخْرَى , فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ أَصْلاً , وَهُوَ قَوْلٌ خَالَفَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 147 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ مُبَاحٌ فَظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ , فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ وَالْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ جَائِزٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَهَذَا مَاءٌ , سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ مِسْكًا أَوْ عَسَلاً أَوْ زَعْفَرَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ r يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ , فَوَجَدْتُهُ قَدْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ كَانَ فِي صَحْفَةٍ , إنِّي لاََرَى فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ , فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي الضُّحَى. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ الْفَتْحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي جَفْنَةٍ إنِّي لاََرَى أَثَرَ الْعَجِينِ فِيهَا , فَسَتَرَهُ أَبُو ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ سَتَرَ عليه السلام أَبَا ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ , ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ فِي الضُّحَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ الْعُكْلِيِّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولَ اللَّهِ r اغْتَسَلاَ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ. قال علي : وهذا قَوْلُ ثَابِتٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إذَا غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَجْزَأَهُ , وَكَذَلِكَ نَصًّا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا هَذَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَثَبَتَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَعَنْ صَوَاحِبِ النَّبِيِّ r مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ وَالتَّابِعَاتِ مِنْهُنَّ : أَنَّ الْمَرْأَةَ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إذَا امْتَشَطَتْ بِحِنَّاءٍ رَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا مِنْ غَسْلِ رَأْسِهَا لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ ، وَلاَ تُعِيدُ غَسْلَهُ , وَثَبَتَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْجُنُبِ : يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ : إنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ لِلْجَنَابَةِ. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَرُوِيَ ، عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ هَذَا أَيْضًا. وَرَوَى سَحْنُونٌ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا ، عَنِ الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَوَاشِي فَتَبُولُ فِيهِ وَتُبْعِرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ : أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلاَةِ قَالَ مَالِكٌ : أَكْرَهُهُ ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ , كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إنِّي لاَُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنْ الْحَلاَلِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِخِلاَفِ هَذَا , وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَاءِ يُبَلُّ فِيهِ الْخُبْزُ أَوْ يَقَعُ فِيهِ الدُّهُنُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ يُنْقَعُ فِيهِ الْجِلْدُ , وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ , لاَِنَّهُ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , بَلْ خَالَفُوا فِيهِ ثَلاَثَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَخَالَفُوا فِيهِ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَمَا نَعْلَمُهُمْ احْتَجُّوا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا : لَيْسَ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقًا. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , بَلْ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الَّذِي فِيهِ وَبَيْنَ حَجَرٍ يَكُونُ فِيهِ , وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي تَغَيَّرَ مِنْ طِينِ مَوْضِعِهِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا حُكْمَ الْمَاءِ لِلْمَاءِ الَّذِي مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَمْ يُزِلْ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ , وَجَعَلُوا لِلْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالنُّحَاسِ خَلْطًا يُغَيِّرُهَا حُكْمَ الْفِضَّةِ الْمُحْصَنَةِ , وَكَذَلِكَ فِي الذَّهَبِ الْمَمْزُوجِ فَجَعَلُوهُ كَالذَّهَبِ الصِّرْفِ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّرْفِ , وَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ وَعَكْسُ الْحَقَائِقِ , لأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الصُّفْرِ الْمُمَازِجِ لِلْفِضَّةِ , وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَبَاحُوا صَرْفَ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ بِمِثْلِ وَزْنِ الْجَمِيعِ مِنْ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ , وَهَذَا هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ , وَلاَ يَضُرُّهُ مُرُورُ شَيْءٍ طَاهِرٍ عَلَى أَعْضَائِهِ مَعَ الْمَاءِ. وقال بعضهم : هُوَ كَمَاءِ الْوَرْدِ. قال أبو محمد وَهَذَا بَاطِلٌ , لإِنَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَيْسَ مَاءً أَصْلاً , وَهَذَا مَاءٌ وَشَيْءٌ آخَرُ مَعَهُ فَقَطْ. 148 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جُمْلَةً , كَالنَّبِيذِ وَغَيْرِهِ , لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ , وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ التَّيَمُّمُ , وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا , وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ. وَلَمَّا كَانَ اسْمُ الْمَاءِ لاَ يَقَعُ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَاءِ حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ جَمِيعُ صِفَاتِ الْمَاءِ الَّتِي مِنْهَا يُؤْخَذُ حَدُّهُ , صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَاءً , وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ , وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ , وَقَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِيَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيذَ وَضُوءٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : لاَ يَتَيَمَّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ مَا دَامَ يُوجَدُ نَبِيذٌ غَيْرُ مُسْكِرٍ , فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَلاَ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ : نَبِيذُ التَّمْرِ خَاصَّةً يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ الْمُفْتَرَضُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ , وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ , وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَبِيذِ التَّمْرِ , وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. وقال أبو حنيفة فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ : إنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ خَاصَّةً إذَا لَمْ يُسْكِرْ فَإِنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ فِيمَا كَانَ خَارِجَ الأَمْصَارِ وَالْقُرَى خَاصَّةً عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ , فَإِنْ أَسْكَرَ , فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ كَذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ نِيئًا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلاً فِي ذَلِكَ , وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , لاَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ ، وَلاَ فِي الأَمْصَارِ ، وَلاَ فِي الْقُرَى أَصْلاً وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ ، وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الأَنْبِذَةِ غَيْرَ نَبِيذِ التَّمْرِ لاَ فِي الْقُرَى ، وَلاَ فِي غَيْرِ الْقُرَى , وَلاَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ , وَالرِّوَايَةُ الآُخْرَى عَنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِذَةِ يُتَوَضَّأُ بِهَا وَيُغْتَسَلُ , كَمَا قَالَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُتَوَضَّأُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَيُتَيَمَّمُ مَعًا. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ : مَعَكَ مَاءٌ قَالَ لَيْسَ مَعِي مَاءٌ , وَلَكِنْ مَعِي إدَاوَةً فِيهَا نَبِيذٌ , فَقَالَ النَّبِيُّ r : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ , فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ. وقال بعضهم : إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، رَكِبُوا الْبَحْرَ فَلَمْ يَجِدُوا إلاَّ مَاءَ الْبَحْرِ وَنَبِيذًا , فَتَوَضَّئُوا بِالنَّبِيذِ وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا بِمَاءِ الْبَحْرِ. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ ، عَنْ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ : إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَوَضَّأْ بِالنَّبِيذِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى : وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنِ خَازِمٍ الضَّرِيرُ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ : لاَ بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ. قَالُوا : وَلاَ مُخَالِفَ لِمَنْ ذَكَرْنَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مُخَالِفِينَا. وَقَالُوا : النَّبِيذُ مَاءٌ بِلاَ شَكٍّ خَالَطَهُ غَيْرُهُ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْغَبُوا بِهِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَصِحَّ ; لإِنَّ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَنْ لاَ يُعْرَفُ أَوْ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ كَلاَمًا مُسْتَقْصًى فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لإِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الْوُضُوءِ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ أَثَرٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فَرْضًا بِمَكَّةَ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ كَلاَ وُضُوءٍ , فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ لَوْ صَحَّ. وَأَمَّا الَّذِي رَوَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لإِنَّ الأَوْزَاعِيَّ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا رُوِيَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ , مُجِيزُونَ لِلْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ , وَلاَ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ , مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ , وَكُلُّهُمْ حَاشَا حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنُ حَيٍّ لاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ أَلْبَتَّةَ بِالنَّبِيذِ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ , وَحُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ مَعَ وُجُودِ النَّبِيذِ , فَكُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي ذَلِكَ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَرَى الْمَرْءُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ مَا لاَ يَرَاهُ حُجَّةً عَلَيْهِ. وَأَمَّا الأَثَرُ ، عَنْ عَلِيٍّ t فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَأَيْضًا فَإِنَّ حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ , لاَِنَّهُ يَرَى الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ عَلِيٍّ , وَيَرَى أَنَّ سَائِرَ الأَنْبِذَةِ لاَ يَحِلُّ بِهَا الْوُضُوءُ أَصْلاً , وَهَذَا خِلاَفُ الرِّوَايَةِ ، عَنْ عَلِيٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ فِي النَّبِيذِ مَاءً خَالَطَهُ غَيْرُهُ , فَهُوَ لاَزِمٌ لَهُمْ فِي لَبَنٍ مُزِجَ بِمَاءٍ , وَفِي الْحِبْرِ ; لاَِنَّهُ مَاءٌ مَعَ عَفْصٍ وَزَاجٍ , وَفِي الأَمْرَاقِ ; لاَِنَّهَا مَاءٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ , أَوْ مَاءٌ وَزَيْتٌ وَمَرِيٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا , فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَبْعَدُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُجَّةٌ. أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ حِينَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ مَكَّةَ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُ بِتَخْصِيصِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ الأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ , لاَ سِيَّمَا وَهُوَ لاَ يَرَى التَّيَمُّمَ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْقَرْيَةِ , وَلاَ قَصْرَ الصَّلاَةِ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , أَحَدَ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا فَصَاعِدًا , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ وَدَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ جَارٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي الَّذِي قَاسَ فِيهِ جَمِيعَ الأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ , فَهَلاَّ قَاسَ أَيْضًا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ عَلَى خَارِجِهَا وَمَا الْمُجِيزُ لَهُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الآخَرِ لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَإِذْ هُوَ مَاءٌ طَهُورٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ غَيْرِهِ , وَكِلاَهُمَا مَاءٌ طَهُورٌ وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لاَ يُجِيزُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلْيُجِزْهُ لِلْمَرِيضِ فِي الْحَضَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَأَمَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ , لاَِنَّهُ لاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مَعَ وُجُودِ مَاءِ الْبَحْرِ , وَلاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْقُرَى , وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ , وَلَمْ يَخُصَّ عَلِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخُصُّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ , وَلاَ أَمْقُتُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَى مُخَالِفِهِ تَرْكَ قَوْلٍ هُوَ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ ، وَلاَ سِيَّمَا وَمُخَالِفُهُ لاَ يَرَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَ حُجَّةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ النَّبِيذَ مَاءٌ وَتَمْرٌ فَيَلْزَمُهُمْ هَذَا كَمَا قلنا فِي الأَمْرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَنْبِذَةِ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِ. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعًا. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفَاسِدٌ , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ جَائِزًا فَالتَّيَمُّمُ مَعَهُ فُضُولٌ. أَوْ لاَ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِهِ جَائِزًا فَاسْتِعْمَالُهُ فُضُولٌ. لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ : إنَّهُ إذَا كَانَ فِي ثَوْبِ الْمَرْءِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْمُجْتَمِعَ عَلَى جَسَدِ الْمُتَوَضِّئِ بِالنَّبِيذِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ بِهِ وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمَ بَغْلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ. فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ : إنَّا لاَ نَدْرِي أَيَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلاَ يُجْزِئُ تَرْكُهُ أَوْ لاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ فَلاَ يُجْزِئُ فِعْلُهُ. فَجَمَعَنَا الأَمْرَيْنِ. قِيلَ لَهُمْ : الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ وُجُودِهِ , فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ , وَالْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ , وَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ عِنْدَكُمْ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ , وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا فَاسْتِعْمَالُهُ لاَ يَلْزَمُ , وَمَا لاَ يَلْزَمُ فَلاَ مَعْنَى لِفِعْلِهِ , وَلَوْ جِئْتُمْ إلَى اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَشُكُّونَ فِي وُجُوبِهِ لَعَظُمَ الأَمْرُ عَلَيْكُمْ , لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ نَجِسٌ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ كَوْنُهُ فِي الثَّوْبِ , وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالنَّجِسِ الْمُتَيَقَّنِ لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ : إنَّ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لاَ يَحِلُّ. وَهَذَا مَكَانٌ نَقَضُوا فِيهِ هَذَا الأَصْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ , وَقَدْ نَقَضَ هَهُنَا أَصْلَهُ فِي الْقَوْلِ بِهِ , فَلَمْ يَقِسْ الأَمْرَاقَ ، وَلاَ سَائِرَ الأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ , وَخَالَفَ أَيْضًا أَقْوَالَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كَمَا ذَكَرْنَا دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , وَهَذَا أَيْضًا هَادِمٌ لاَِصْلِهِ , فَلْيَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ , وَهَدْمِ فُرُوعِهِمْ لاُِصُولِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 149 - مَسْأَلَةٌ : وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ , نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلاً , قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلاَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ , كَيْفَمَا نَامَ أَلاَ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وُضُوئِهِ فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجِزْهُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ تِلْكَ الصَّلاَةُ. نَاسِيًا تَرَكَ ذَلِكَ أَوْ عَامِدًا. وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَبْتَدِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ , وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ. فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوءُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلاَتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ فَلاَ يَغْمِسُ يَعْنِي يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا , فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. قال أبو محمد : زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ خَوْفُ نَجَاسَةٍ تَكُونُ فِي الْيَدِ , وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ شَكَّ فِيهِ , لاَِنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ ، عَنْ أَنْ يُبَيِّنَهُ , وَلَمَا كَتَمَهُ ، عَنْ أُمَّتِهِ , وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَوْفَ نَجَاسَةٍ لَكَانَتْ الرِّجْلُ كَالْيَدِ فِي ذَلِكَ , وَلَكَانَ بَاطِنُ الْفَخِذَيْنِ وَمَا بَيْنَ الأَلْيَتَيْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَمِنَ الْعَجَبِ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَكُونَ ظَنُّ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْيَدِ يُوجِبُ غَسْلَهَا ثَلاَثًا , فَإِذَا تَيَقَّنَ كَوْنَ النَّجَاسَةِ فِيهَا أَجْزَأَهُ إزَالَتُهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَإِنَّمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ غَسْلُ الْيَدِ هُوَ مَا نَصَّ عليه السلام مِنْ مَغِيبِ النَّائِمِ ، عَنْ دِرَايَتِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَطْ , وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ سَبَبًا لِمَا شَاءَ , كَمَا جَعَلَ تَعَالَى الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنْ أَسْفَلَ سَبَبًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَغَسْلَ الْوَجْهِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا فِي نَوْمِ اللَّيْلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَبِيتَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِاللَّيْلِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , بَلْ يُقَالُ : بَاتَ الْقَوْمُ يُدَبِّرُونَ أَمْرَ كَذَا , وَإِنْ كَانَ نَهَارًا. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَتْحٍ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. قال أبو محمد : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى الْفَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ , لاَ سِيَّمَا طَرْدُ الشَّيْطَانِ ، عَنْ خَيْشُومِ الْمَرْءِ , فَمَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا يَسْتَسْهِلُ الآُنْسَ بِكَوْنِ الشَّيْطَانِ هُنَاكَ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ مُتَابَعَةَ الْوُضُوءِ فَرْضًا لاَ يَتِمُّ الْوُضُوءُ وَالصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ , وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَرْضًا لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ , وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الاِسْتِنْشَاقَ وَالْمَضْمَضَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَرْضًا لاَ يَتِمُّ الْغُسْلُ وَالصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ. وَكُلُّ هَذَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، وَلاَ رَسُولُهُ r . فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْكَرَ لاَ فِعْلَ مَنْ أَوْجَبَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r . وَلَمْ يَقُلْ فِيمَا قَالَ لَهُ نَبِيُّهُ عليه السلام : افْعَلْ كَذَا , فَقَالَ هُوَ : لاَ أَفْعَلُ إلاَّ أَنْ أَشَاءَ , وَدَعْوَى الإِجْمَاعِ بِغَيْرِ يَقِينٍ كَذِبٌ عَلَى الآُمَّةِ كُلِّهَا. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَنْشِقَ قَالَ نَعَمْ , قُلْت كَمْ قَالَ ثَلاَثًا , قُلْت عَمَّنْ قَالَ ، عَنْ عُثْمَانَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ : إنْ كَانَ جُنُبًا فَثَلاَثًا , وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَاثْنَتَيْنِ , وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْبَوْلِ فَوَاحِدَةً. وَرُوِيَ ، عَنِ الْحَسَنِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْوَضُوءِ ,. وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا. 150 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ , فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ , وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ , وَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الْغُسْلَ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ لاَ يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِفَرْضٍ غَيْرِ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَكَادٍ , فَإِنْ كَانَ غَيْرَ جُنُبٍ أَجْزَأَهُ الاِغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ , وَالْوُضُوءُ جَائِزٌ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ , فَمَنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي جَوْنٍ مِنْ أَجْوَانِ النَّهْرِ وَالنَّهْرُ رَاكِدٌ لَمْ يُجْزِهِ , وَأَمَّا الْبَحْرُ فَهُوَ جَارٍ أَبَدًا مُضْطَرِبٌ مُتَحَرِّكٌ غَيْرُ رَاكِدٍ , هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ عِيَانًا , وَكَذَلِكَ مَنْ بَالَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ثُمَّ سَرَحَ لِذَلِكَ الْمَاءِ فَجَرَى فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ ، وَلاَ الاِغْتِسَالُ , لاَِنَّهُ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الاِغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالنَّصِّ , وَلَوْ بَالَ فِي مَاءٍ جَارٍ ثُمَّ أُغْلِقَ صَبَبُهُ فَرَكَدَ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالاِغْتِسَالُ مِنْهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَبُلْ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ , وَالاِغْتِسَالُ لِلْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي مُبَاحٌ , وَإِنْ بَالَ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَفِيهِ وَالْغُسْلُ مِنْهُ وَفِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيْلِيُّ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ , فَقَالَ : كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً ". فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ لاَ يَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إنْ فَعَلَ تَنَجَّسَ الْمَاءُ , وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ , وَكَرِهَهُ مَالِكٌ , وَأَجَازَ غُسْلَهُ إنْ اغْتَسَلَ كَذَلِكَ , وَهَذَا خَطَأٌ , لِخِلاَفِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ الرَّاكِدُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا , وَلَوْ أَنَّهُ فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ , لاَ يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ , وَلَمْ يَنْهَ ، عَنِ الْوُضُوءِ فِيهِ ، وَلاَ عَنِ الْغُسْلِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ فِيهِ , فَهُوَ مُبَاحٌ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. 151 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَاء تَوَضَّأَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ أَوْ غَيْرُ حَائِضٍ أَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْهُ فَأَفْضَلَتْ مِنْهُ فَضْلاً , لَمْ يَحِلَّ لِرَجُلٍ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ ، وَلاَ الْغُسْلُ مِنْهُ , سَوَاءٌ وَجَدُوا مَاءً آخَرَ أَوْ لَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ , وَفَرْضُهُمْ التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ , وَحَلاَلٌ شُرْبُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , وَجَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ لِلنِّسَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلاَ يَكُونُ فَضْلاً إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا اسْتَعْمَلَتْهُ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ فَضْلاً , وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَأَمَّا فَضْلُ الرِّجَالِ فَالْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , إلاَّ أَنْ يَصِحَّ خَبَرٌ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْهُ فَنَقِفَ عِنْدَهُ , وَلَمْ نَجِدْهُ صَحِيحًا فَإِنْ تَوَضَّأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ اغْتَسَلاَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَغْتَرِفَانِ مَعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَلاَ نُبَالِي أَيُّهُمَا بَدَأَ قَبْلُ , أَوْ أَيُّهُمَا أَتَمَّ قَبْلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي حَاجِبٍ هُوَ سَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ أَخْبَرَنِي أَصْبَغُ قَالَ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْعُقَيْلِيِّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا مَعْلِيُّ بْنُ أَسَدٍ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ. وَلَمْ يُخْبِرْ عليه السلام بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ , وَلاَ أَمَرَ غَيْرَ الرِّجَالِ بِاجْتِنَابِهِ , وَبِهَذَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ وَالْحَكَمُ بْنِ عَمْرٍو , وَهُمَا صَاحِبَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَبِهِ تَقُولُ جُوَيْرِيَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بِالدِّرَّةِ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيِّ ، عَنِ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ , فَكِلاَهُمَا نَهَانِي عَنْهُ. وَرَوَى مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا. وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مَعَ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مَعًا حَتَّى يَقُولَ أَبْقِي لِي وَتَقُولَ لَهُ أَبْقِ لِي وَهَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَضْلاً حَتَّى يَتْرُكَهُ. هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ بِلاَ خِلاَفٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ r اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ r فَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِهَا فَقَالَتْ لَهُ : إنِّي اغْتَسَلْت فَقَالَ : إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّهْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ , مُخْتَصَرٌ قال أبو محمد : هَكَذَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مُخْتَصَرٌ. قال أبو محمد : وَهَذَانِ حَدِيثَانِ لاَ يَصِحَّانِ , فأما الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فَرِوَايَةُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ , وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ , شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ , وَهَذِهِ جُرْحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَالثَّانِي أَخْطَأَ فِيهِ الطَّهْرَانِيُّ بِيَقِينٍ ; لإِنَّ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَهُوَ الْبُرْسَانِيُّ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : أَكْبَرُ عِلْمِي وَاَلَّذِي يَخْطُرُ عَلَى بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ. قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْطَعْ بِإِسْنَادِهِ , وَهَؤُلاَءِ أَوْثَقُ مِنْ الطَّهْرَانِيِّ وَأَحْفَظُ بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَغْمَزٌ لَمَا كَانَتْ فِيهِمَا حُجَّةٌ , لإِنَّ حُكْمَهُمَا هُوَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ أَوْ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ , بِلاَ شَكٍّ فِي هَذَا , فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَنْسُوخٌ قَطْعًا , حِينَ نَطَقَ عليه السلام بِالنَّهْيِ عَمَّا فِيهِمَا , لاَ مِرْيَةَ فِي هَذَا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ وَتَرْكُ النَّاسِخِ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ , وَالنَّاسِخُ قَدْ بَطَلَ رَسْمُهُ , فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى غَيْرَ الْحَقِّ , وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ، وَلاَ يُبَيِّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْمُحْتَجَّيْنِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مُخَالِفَانِ لِمَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام الْمَاءُ لاَ يَنْجُسُ وَمِنْ الْقَبِيحِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِمَا يُقِرُّونَ أَنَّهُ حُجَّةٌ ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ وَيُنْكِرُونَ خِلاَفَهُ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا إبَاحَةَ وُضُوءِ الرَّجُلِ مِنْ فَضْلِ الْمَرْأَةِ ، عَنْ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ فأما الطَّرِيقُ ، عَنْ عَائِشَةَ فَفِيهَا الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ ، عَنْ عَلِيٍّ فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ , وَهِيَ صَحِيفَةٌ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لاَ يَحْتَجُّ بِهَا إلاَّ جَاهِلٌ , فَبَقِيَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ سَرْجِسَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ , يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 152 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَلاَ مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَلاَ الْغُسْلُ , إلاَّ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ , وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدُ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا بِشْرٌ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَعَدَ النَّبِيُّ r عَلَى بَعِيرٍ فَقَالَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ , كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا , فِي شَهْرِكُمْ هَذَا , فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا صَحِيحًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ. فَكَانَ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ مِنْ إنَاءٍ كَذَلِكَ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ ذَلِكَ الْمَاءَ وَذَلِكَ الإِنَاءَ فِي غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ حَرَامٌ , وَبِضَرُورَةٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الْحَرَامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ غَيْرُ الْوَاجِبِ الْمُفْتَرَضِ عَمَلُهُ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَاَلَّذِي لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ , بَلْ هُوَ وُضُوءٌ مُحَرَّمٌ , هُوَ فِيهِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى , وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ , وَالصَّلاَةُ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِغَيْرِ الْغُسْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لاَ تُجْزِئُ , وَهَذَا أَمْرٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ. وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا عَمَّنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ إطْعَامِ مَسَاكِينَ , فَأَطْعَمَهُمْ مَالَ غَيْرِهِ , أَوْ مَنْ عَلَيْهِ صِيَامُ أَيَّامٍ , فَصَامَ أَيَّامَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ , وَمَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ أَمَةَ غَيْرِهِ : أَيُجْزِيهِ ذَلِكَ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَمَنْ قَوْلُهُمْ : لاَ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَمِنْ أَيْنَ مَنَعْتُمْ هَذَا وَأَجَزْتُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِنَاءٍ مَغْصُوبٍ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَوْصُوفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ , مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِإِقْرَارِكُمْ سَوَاءً سَوَاءٌ. وَهَذَا لاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى الاِنْفِكَاكِ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ وَاحِدٌ دَاخِلٌ تَحْتَ تَحْرِيمِ الأَمْوَالِ , وَتَحْتَ الْعَمَلِ بِخِلاَفِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ r فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحُكْمِ النَّبِيِّ r وَهُمْ فِي هَذَا وَمَنْ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الأَمْوَالِ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ , وَأَمَّا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ فَلاَ , وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ , وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّونَ ، وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ , دُونَ نَصٍّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ , وَلاَ حُجَّةَ بِأَيْدِيهِمْ إلاَّ تَشْغِيبٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ ثُمَّ يُجِيزُونَ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ وَإِنَاءٍ , يُقِرُّونَ كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ , وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ وَتَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَيْهِ , وَهَذَا عَجَبٌ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَانِعِينَ مِنْهُ فِي الأَصْلِ , وَخَالَفُوا أَيْضًا الْقِيَاسَ وَمَا تَعَلَّقُوا فِي جَوَازِهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 153 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ، وَلاَ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ لاَ لِرَجُلٍ ، وَلاَ لاِمْرَأَةٍ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَقَالَ : هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r النَّهْيَ ، عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ. فإن قيل : إنَّمَا نَهَى ، عَنِ الأَكْلِ فِيهَا وَالشُّرْبِ. قلنا : هَذَانِ الْخَبَرَانِ نَهْيٌ عَامٌّ عَنْهُمَا جُمْلَةً , فَهُمَا زَائِدَانِ حُكْمًا وَشَرْعًا عَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ ، عَنِ الشُّرْبِ فَقَطْ أَوْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ , وَالزِّيَادَةُ فِي الْحُكْمِ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا. فإن قيل : فَقَدْ جَاءَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاِِنَاثِهَا قلنا : نَعَمْ , وَحَدِيثُ النَّهْيِ ، عَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُسْتَثْنًى مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ , لاَِنَّهُ أَقَلُّ مِنْهُ , وَلاَ بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الأَخْبَارِ , وَلاَ يُوصَلُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا إلاَّ هَكَذَا , وَهُمْ قَدْ فَعَلُوا هَذَا فِي الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَوْهُ مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لَهُنَّ. فإن قيل : فَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيّ r أَنَّ ظَرْفًا لاَ يَحِلُّ شَيْئًا ، وَلاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا قلنا نَعَمْ , هَذَا حَقٌّ وَبِهِ نَقُولُ , وَالْمَاءُ الَّذِي فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شُرْبُهُ حَلاَلٌ , وَالتَّطَهُّرُ بِهِ حَلاَلٌ , وَإِنَّمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الإِنَاءِ , فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ وَفِي التَّطَهُّرِ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ اسْتِعْمَالُ الإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ صَارَ فَاعِلُ ذَلِكَ مُجَرْجِرًا فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ بِالنَّصِّ , وَكَانَ فِي حَالِ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ التَّطَهُّرِ نَفْسِهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ ، عَنِ الطَّاعَةِ , وَأَنْ يُجْزِئَ تَطْهِيرٌ مُحَرَّمٌ ، عَنْ تَطْهِيرٍ مُفْتَرَضٍ. ثم نقول لَهُمْ : إنَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجَكُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَيْنَا , وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ , فَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُونَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ كَانَ فِيهِ خَمْرٌ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا فِي الْمَاءِ أَثَرٌ , فَقَدْ جَعَلُوا هَذَا الإِنَاءَ يُحَرِّمُ هَذَا الْمَاءَ , خِلاَفًا لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ النَّبِيذَ الَّذِي فِي الدَّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ , وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ وَرَدَ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، إبَاحَةُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ , وَتَحْرِيمُ الإِنَاءِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عَلَيْهِنَّ. وَهُوَ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 154 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَاءِ بِئَارِ الْحِجْرِ وَهِيَ أَرْضُ ثَمُودَ ، وَلاَ الشُّرْبُ , حَاشَا بِئْرَ النَّاقَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ ، حدثنا سُلَيْمَانُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ r الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا ، وَلاَ يَسْتَقُوا مِنْهَا , قَالُوا : قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ r أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ وَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا , فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا , وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ قال أبو محمد : هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِتَبُوكَ. 155 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَاءٍ اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ , كَمَاءِ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ , فَلاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ لِلصَّلاَةِ , وَلاَ الْغُسْلُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ مَاءً , وَلاَ طَهَارَةَ إلاَّ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ الصَّعِيدِ عِنْدَ عَدَمِهِ. 156 - مَسْأَلَةٌ : وَالْوُضُوءُ لِلصَّلاَةِ وَالْغُسْلُ لِلْفُرُوضِ جَائِزٌ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَبِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَالْمُشَمَّسِ وَبِمَاءٍ أُذِيبَ مِنْ الثَّلْجِ أَوْ الْبَرَدِ أَوْ الْجَلِيدِ أَوْ مِنْ الْمِلْحِ الَّذِي كَانَ أَصْلُهُ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مَعْدِنًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وَالْمِلْحُ كَانَ مَاءً ثُمَّ جَمَدَ كَمَا يَجْمُدُ الثَّلْجُ , فَسَقَطَ ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ اسْمُ الْمَاءِ , فَحَرُمَ الْوُضُوءُ لِلصَّلاَةِ بِهِ وَالْغُسْلُ لِلْفُرُوضِ , فَإِذَا صَارَ مَاءً عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ , فَعَادَ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِهِ كَمَا كَانَ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمِلْحُ الْمَعْدِنِيُّ , لاَِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَاءً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَفِي بَعْضِ هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ : رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ وَالْغُسْلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ لاَ يَجُوزُ ، وَلاَ يُجْزِئُ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِتَقْلِيدِ الصَّاحِبِ وَيَقُولُ إذَا وَافَقَهُ قَوْلُهُ : " مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ " أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِمْ هَهُنَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْعُمُومِ , لإِنَّ الْخَبَرَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ لاَ يَصِحُّ. وَلِذَلِكَ لَمْ نَحْتَجَّ بِهِ. وَرُوِيَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ الْكَرَاهَةُ لِلْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ لِلْمَاءِ الْمُشَمَّسِ , وَكُلُّ هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ , وَلاَ حُجَّةَ لاَ فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
157 - مَسْأَلَةٌ : الأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ ، وَلاَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ غَيْرُهَا. قَالَ قَوْمٌ : ذَهَابُ الْعَقْلِ بِأَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ , مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ سَكِرَ. وَقَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ سَقَطَ عَنْهُ الْخِطَابُ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ حَالُ طَهَارَتِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا , وَلَوْلاَ صِحَّةُ الإِجْمَاعِ أَنَّ حُكْمَ جَنَابَتِهِ لاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد : وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا , أَمَّا دَعْوَى الإِجْمَاعِ فَبَاطِلٌ , وَمَا وَجَدْنَا فِي هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلِمَةً ، وَلاَ عَنْ أَحَدِ التَّابِعِينَ , إلاَّ عَنْ ثَلاَثَةِ نَفَرٍ : إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ إلَيْهِ وَاهِيَةٌ وَحَمَّادٌ وَالْحَسَنُ فَقَطْ , عَنْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ الْوُضُوءُ وَعَنِ الثَّالِثِ إيجَابُ الْغُسْلِ , رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدِ الْحَدَثَانِيِّ وَهُشَيْمٍ , قَالَ سُوَيْد أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ : يَتَوَضَّأُ , وَقَالَ هُشَيْمٌ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ تَوَضَّأَ وَضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : إذْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ اغْتَسَلَ. فَأَيْنَ الإِجْمَاعُ لَيْتَ شِعْرِي فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهُ عَلَى النَّوْمِ , قلنا : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , لَكِنْ قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُوجِبُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَهِيَ الْغُسْلُ , فَقِيسُوا عَلَى سُقُوطِهَا سُقُوطَ الآُخْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ , فَهَذَا قِيَاسٌ , يُعَارِضُ قِيَاسَكُمْ , وَالنَّوْمُ لاَ يُشْبِهُ الإِغْمَاءَ ، وَلاَ الْجُنُونَ ، وَلاَ السُّكْرَ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ , وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَبْطُلُ إحْرَامُهُ ، وَلاَ صِيَامُهُ ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ عُقُودِهِ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إبْطَالُ وُضُوئِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , أَنَّهُ عليه السلام فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلصَّلاَةِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ , فَلَمَّا أَفَاقَ اغْتَسَلَ , وَلَمْ تَذْكُرْ وُضُوءًا وَإِنَّمَا كَانَ غُسْلُهُ لِيَقْوَى عَلَى الْخُرُوجِ فَقَطْ. 158 - مَسْأَلَةٌ : وَالنَّوْمُ فِي ذَاتِهِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ , قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا , فِي صَلاَةٍ أَوْ غَيْرِهَا , أَوْ رَاكِعًا كَذَلِكَ أَوْ سَاجِدًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا , أَيْقَنَ مَنْ حَوَالَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَوْ لَمْ يُوقِنُوا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالاَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ ، حدثنا شُعْبَةُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى , ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَزُهَيْرٌ ، وَابْنُ مِغْوَلٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : سَأَلْت صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا ، وَلاَ نَنْزِعَهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. وَلَفْظُ شُعْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَلاَ نَنْزِعَهُ ثَلاَثًا إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ , لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ نَوْمٍ , وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلَهُ مِنْ كَثِيرِهِ , وَلاَ حَالاً مِنْ حَالٍ , وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ. وَذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّ النَّوْمَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَيْف كَانَ. وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ نَذْكُرُ بَعْضَ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ ; لإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا لاَ يَعْرِفُونَهُ , وَلَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى خِلاَفِهِ جَهْلاً وَجُرْأَةً. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُونَ إلَى الصَّلاَةِ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ، حدثنا خَالِدٌ ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ ، وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ " فَقُلْت لِقَتَادَةَ : سَمِعْته مِنْ أَنَسٍ قَالَ إي وَاَللَّهِ. قال أبو محمد : لَوْ جَازَ الْقَطْعُ بِالإِجْمَاعِ فِيمَا لاَ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَشِذَّ عَنْهُ أَحَدٌ لَكَانَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ , لاَ لِتِلْكَ الأَكَاذِيبِ الَّتِي لاَ يُبَالِي مَنْ لاَ دِينَ لَهُ بِإِطْلاَقِ دَعْوَى الإِجْمَاعِ فِيهَا. وَذَهَبَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ إلَى أَنَّ النَّوْمَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلاَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فَقَطْ , وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحَّ عَنْهُ , وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَنْ عَطَاءٍ وَاللَّيْثِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ النَّوْمُ الْوُضُوءَ إلاَّ أَنْ يَضْطَجِعَ أَوْ يَتَّكِئَ أَوْ مُتَوَكِّئًا عَلَى إحْدَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ إحْدَى وَرِكَيْهِ فَقَطْ , وَلاَ يَنْقُضُهُ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا , طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ نَامَ سَاجِدًا غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَوُضُوءُهُ بَاقٍ , وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَ وُضُوءُهُ , وَهُوَ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْغَلَبَةِ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا , وَهُوَ قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَكَمِ , وَلاَ نَعْلَمُ كَيْفَ قَالاَ. وقال مالك وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَنْ نَامَ نَوْمًا يَسِيرًا وَهُوَ قَاعِدٌ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ النَّوْمُ الْقَلِيلُ لِلرَّاكِبِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ أَيْضًا , وَرَأْيِ أَيْضًا فِيمَا عَدَا هَذِهِ الأَحْوَالِ أَنَّ قَلِيلَ النَّوْمِ وَكَثِيرَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ , وَذُكِرَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ. وقال الشافعي : جَمِيعُ النَّوْمِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إلاَّ مِنْ نَامَ جَالِسًا غَيْرَ زَائِلٍ ، عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ , فَهَذَا لاَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ , طَالَ نَوْمُهُ أَوْ قَصُرَ , وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّقْسِيمَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَكَرَ ذَلِكَ ، عَنْ طَاوُوس وَابْنِ سِيرِينَ ، وَلاَ نُحَقِّقُهُ. قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ النَّوْمَ حَدَثًا بِالثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ ، وَلاَ يُعِيدُ وُضُوءًا ثُمَّ يُصَلِّي. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ , لإِنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، ذَكَرَتْ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ قَالَ : إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام بِخِلاَفِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ , وَصَحَّ أَنَّ نَوْمَ الْقَلْبِ الْمَوْجُودِ مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُ هُوَ النَّوْمُ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ النَّوْمِ إلاَّ مِنْ الاِضْطِجَاعِ حَدِيثًا رُوِيَ فِيهِ إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ وَحَدِيثًا آخَرَ فِيهِ أَعَلَيَّ فِي هَذَا وُضُوءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لاَ إلاَّ أَنْ تَضَعَ جَنْبَك وَحَدِيثًا آخَرَ فِيهِ مَنْ وَضَعَ جَنْبَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ. قال أبو محمد : وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. أَمَّا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالاَنِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَبْدُ السَّلاَمِ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ , ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ , وَالدَّالاَنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , رُوِّينَا ، عَنْ شُعْبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ , لَيْسَ هَذَا مِنْهَا , فَسَقَطَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالثَّانِي لاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلاَّ عَلَى بَيَانِ سُقُوطِهِ ; لاَِنَّهُ رِوَايَةُ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ , وَهُوَ لاَ خَيْرَ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِهِ , فَسَقَطَ جُمْلَةً. وَالثَّالِثُ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ يُحَدِّثُ بِالْمَنَاكِيرِ فَسَقَطَ هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثًا فِيهِ إذَا نَامَ الْعَبْدُ سَاجِدًا بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلاَئِكَةَ وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ لَمْ يُخْبِرْ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إسْقَاطُ الْوُضُوءِ عَنْهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِمَا : أَنَّ النَّبِيَّ r أَخَّرَ الصَّلاَةَ حَتَّى نَامَ النَّاسُ ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا ثُمَّ نَامُوا , ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا , فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ : الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّوْا , وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ تَوَضَّئُوا. قال أبو محمد : وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسٍ : أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ r يُنَاجِي رَجُلاً , فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيه حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ , ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ وَحَدِيثًا ثَابِتًا مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَعْتَمَ النَّبِيُّ r بِالْعِشَاءِ , حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ : نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ , فَخَرَجَ عليه السلام. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّائِمِ ، وَلاَ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّوْمِ , لاَِنَّهَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ حَالِ مَنْ نَامَ كَيْف نَامَ , مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ أَوْ اتِّكَاءٍ أَوْ تَوَرُّكٍ أَوْ اسْتِنَادٍ , وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَا مَنْ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ النَّوْمِ أَصْلاً , وَمَعَ ذَلِكَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلِمَ بِنَوْمِ مَنْ نَامَ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ إلاَّ فِيمَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ r فَأَقَرَّهُ , أَوْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ , أَوْ فِيمَا فَعَلَهُ , فَكَيْفَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إسْلاَمٌ يَوْمئِذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ , فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَكَانَ حَدِيثُ صَفْوَانَ نَاسِخًا لَهُ ; لإِنَّ إسْلاَمَ صَفْوَانَ مُتَأَخِّرٌ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ جُمْلَةً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِعَمَلِ صَحَابَةٍ ، وَلاَ بِقَوْلٍ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِاحْتِيَاطٍ , وَهِيَ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَرَى لَيْسَ لاَِحَدٍ مِنْ مُقَلِّدِيهِمْ أَنْ يَدَّعِيَ عَمَلاً إلاَّ كَانَ لِخُصُومِهِ أَنْ يَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ لاَحَ أَنَّ كُلَّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَإِنَّمَا هُوَ إيهَامٌ مُفْتَضَحٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ نَامُوا عَلَى الْحَالِ الَّتِي يُسْقِطُونَ الْوُضُوءَ عَمَّنْ نَامَ كَذَلِكَ , فَسَقَطَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا مِنْ طَرِيقِ السُّنَنِ إلاَّ قَوْلَنَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد : وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو النَّوْمُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا وَأَمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ حَدَثًا , فَإِنْ كَانَ لَيْسَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , كَيْفَ كَانَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , وَإِنْ كَانَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَيْف كَانَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهَذَا قَوْلُنَا فَصَحَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّوْمِ خَطَأٌ وَتَحَكُّمٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهَا. فإن قال قائل : إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا , وَإِنَّمَا يُخَافُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ الْمَرْءُ , قلنا لَهُمْ : هَذَا لاَ مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ , لإِنَّ الْحَدَثَ مُمْكِنٌ كَوْنُهُ مِنْ الْمَرْءِ فِي أَخَفِّ مَا يَكُونُ مِنْ النَّوْمِ , كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِي النَّوْمِ الثَّقِيلِ وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجَالِسِ كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُضْطَجِعِ , وَقَدْ يَكُونُ الْحَدَثُ مِنْ الْيَقْظَانِ , وَلَيْسَ الْحَدَثُ عَمَلاً يَطُولُ , بَلْ هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُضْطَجِعِ لاَ حَدَثَ فِيهِ , وَيَكُونُ الْحَدَثُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَوْمِ الْجَالِسِ , فَهَذَا لاَ فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً , وَأَيْضًا فَإِنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا ، وَلاَ يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ , وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَقِينُ الْحَدَثِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذْ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ إلاَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفَ كَوْنِ الْحَدَثِ حَدَثًا , فَقَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ يُوجِبُ نَقْضَ الْوُضُوءِ , لإِنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ جَارٍ فِيهِ , وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفَ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا , فَالنَّوْمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبَطَلَتْ أَقْوَالُ هَؤُلاَءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ وَمِنْهَا مَا لاَ يَصِحُّ , يَجِبُ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ; لإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ , وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ لاَ يَدْرِي وَحَدِيثُ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقْرَأُ. قال أبو محمد : هَذَانِ صَحِيحَانِ , وَهُمَا حُجَّةٌ لَنَا , لإِنَّ فِيهِمَا أَنَّ النَّاعِسَ لاَ يَدْرِي مَا يَقْرَأُ ، وَلاَ مَا يَقُولُ , وَالنَّهْيُ ، عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ جُمْلَةً , فَإِذْ النَّاعِسُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ فَهُوَ فِي حَالِ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِلاَ شَكٍّ , وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ كَذَلِكَ. وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيّ r الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ : لَوْ صَحَّا لَكَانَا أَعْظَمَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا , لإِنَّ فِيهِمَا إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ جُمْلَةً , دُونَ تَخْصِيصِ حَالٍ مِنْ حَالٍ , وَلاَ كَثِيرَ نَوْمٍ مِنْ قَلِيلِهِ , بَلْ مِنْ كُلِّ نَوْمٍ نَصًّا , وَلَكِنَّا لَسْنَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا لاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ نَصْرًا لِقَوْلِهِ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَانِ أَثَرَانِ سَاقِطَانِ لاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِمَا. أَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَمِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَاوِيهِ أَيْضًا بَقِيَّةُ ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ , وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 159 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَذْيُ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ مِنْ أَيْ مَوْضِعٍ خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ وَالإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ جُرْحٍ فِي الْمَثَانَةِ أَوْ الْبَطْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ. فأما الْمَذْيُ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ تَطْهِيرِ الْمَذْيِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَنْ وَجَدَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ وَأَمَّا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَأَمَّا قَوْلُنَا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجَ فَلِعُمُومِ أَمْرِهِ عليه السلام بِالْوُضُوءِ مِنْهُمَا , وَلَمْ يَخُصَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا , وَهَذَانِ الاِسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَيْهِمَا فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا عليه السلام مِنْ حَيْثُ مَا خَرَجَا , وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَهُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ , وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ أَسْقَطَ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا إذَا خَرَجَا مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , بَلْ الْقُرْآنُ جَاءَ بِمَا قُلْنَاهُ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً وَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ , فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى بِالأَمْرِ بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ مِنْ ذَلِكَ حَالاً دُونَ حَالٍ , وَلاَ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 160 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ خَاصَّةً لاَ مِنْ غَيْرِهِ بِصَوْتٍ خَرَجَتْ أَمْ بِغَيْرِ صَوْتٍ. وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْفَسْوِ وَالضُّرَاطِ , وَهَذَانِ الاِسْمَانِ لاَ يَقَعَانِ عَلَى الرِّيحِ أَلْبَتَّةَ إلاَّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ , وَإِلاَّ فَإِنَّمَا يُسَمَّى جُشَاءً أَوْ عُطَاسًا فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 161 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا تَوَضَّأَ ، وَلاَ بُدَّ لِكُلِّ صَلاَةٍ فَرْضًا أَوْ نَافِلَةً , ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ أَوْ فِيمَا بَيْنَ وُضُوئِهِ وَصَلاَتِهِ , وَلاَ يُجْزِيه الْوُضُوءُ إلاَّ فِي أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ مِنْ صَلاَتِهِ , وَلاَ بُدَّ لِلْمُسْتَنْكِحِ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ حَسْبَ طَاقَتِهِ , مِمَّا لاَ حَرَج عَلَيْهِ فِيهِ , وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ عَلَيْهِ الْحَرَجُ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ إبْطَالِ الْقِيَاسِ مِنْ صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا , مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ فَصَحَّ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلاَةِ وَالْوُضُوءِ مِنْ الْحَدَثِ , وَهَذَا كُلُّهُ حَدَثٌ , فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَطِيعُ , وَمَا لاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَلاَ عُسْرَ , وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى الصَّلاَةِ وَعَلَى الْوُضُوءِ لَهَا , وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا , وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلاِمْتِنَاعِ مِمَّا يَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ , وَفِيمَا بَيْنَ وُضُوئِهِ وَصَلاَتِهِ , فَسَقَطَ عَنْهُ , وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي غَسْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الظَّاهِرِ. وقال أبو حنيفة : يَتَوَضَّأُ هَؤُلاَءِ لِكُلِّ وَقْتِ صَلاَةٍ , وَيُبْقُونَ عَلَى وُضُوئِهِمْ إلَى دُخُولِ وَقْتِ صَلاَةٍ آخَرَ فَيَتَوَضَّئُونَ. وقال مالك : لاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وقال الشافعي : يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ خَاصَّةً. قَالَ عَلِيٌّ : إنَّمَا قَالُوا كُلَّ هَذَا قِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ , عَلَى حَسْبِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لإِنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ هُوَ غَيْرُ مَا قَالُوهُ لَكِنَّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ , وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ , أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ. ثُمَّ لِلصُّبْحِ. وَدُخُولُ وَقْتِ صَلاَةٍ مَا لَيْسَ حَدَثًا بِلاَ شَكٍّ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَلاَ يَنْقُضُ طَهَارَةً قَدْ صَحَّتْ بِلاَ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ , وَإِسْقَاطُ مَالِكٍ الْوُضُوءَ مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَرَسُولُهُ r مِنْهُ بِالإِجْمَاعِ وَبِالنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ خَطَأٌ لاَ يَحِلُّ. وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِ مَا رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ t وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَذْيِ. قَالَ عُمَرُ : إنِّي لاََجِدُهُ يَنْحَدِرُ عَلَى فَخِذِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَمَا أُبَالِيه وَقَالَ سَعِيدٌ مِثْلُ ذَلِكَ ، عَنْ نَفْسِهِ فِي الصَّلاَةِ : فَأَوْهَمُوا أَنَّهُمَا رضي الله عنهما كَانَا مُسْتَنْكِحَيْنِ بِذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ , لاَ نَدْرِي كَيْفَ اسْتَحَلَّهُ مَنْ أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الأَثَرِ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ بِذَلِكَ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ , لإِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغْ عُمَرَ ثُمَّ بَلَغَتْهُ فَرَجَعَ إلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي حَبِيبِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَيَا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا أُبَيّ وَقَالَ : إنِّي وَجَدْت مَذْيًا فَغَسَلْت ذَكَرِي وَتَوَضَّأْت , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ عُمَرُ : أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّحٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : إنَّهُ لَيَخْرُجُ مِنْ أَحَدِنَا مِثْلُ الْجُمَانَةِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ , وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَذْيِ : يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , فَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ ، عَنْ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا خَطَأٌ ظَاهِرٌ ; لإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ مُتَوَضِّئًا طَاهِرًا لِنَافِلَةٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ ، وَلاَ طَاهِرٍ لِفَرِيضَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا , فَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ وَجَدُوا لَهُ فِي الآُصُولِ نَظِيرًا , وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ وَقِيَاسٍ , وَهَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ , وَبَقِيَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَارِيًّا مِنْ أَنْ تَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ سَقِيمَةٍ أَوْ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ مِنْ قِيَاسٍ أَصْلاً 162 - مَسْأَلَةٌ : فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَمْدًا كَانَ أَوْ نِسْيَانًا أَوْ بِغَلَبَةٍ , وَهَذَا إجْمَاعٌ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا فِيهِ الْخِلاَفُ , وَقَامَ الْبُرْهَانُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 163 - مَسْأَلَةٌ : وَمَسُّ الرَّجُلِ ذَكَرَ نَفْسِهِ خَاصَّةً عَمْدًا بِأَيِّ شَيْءٍ مَسَّهُ مِنْ بَاطِنِ يَدِهِ أَوْ مِنْ ظَاهِرِهَا أَوْ بِذِرَاعِهِ حَاشَا مَسِّهِ بِالْفَخِذِ أَوْ السَّاقِ أَوْ الرِّجْلِ مِنْ نَفْسِهِ فَلاَ يُوجِبُ وُضُوءًا وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا عَمْدًا كَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً , وَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ , وَمَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ بِأَيِّ عُضْوٍ مَسَّهُ عَمْدًا مِنْ جَمِيعِ جَسَدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ , وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَ غَيْرِهَا عَمْدًا أَيْضًا كَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً , لاَ مَعْنَى لِلَّذَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى ثَوْبٍ رَقِيقٍ أَوْ كَثِيفٍ , لِلَذَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ , بِالْيَدِ أَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ , عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ , لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ , وَكَذَلِكَ إنْ مَسَّهُ بِغَلَبَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : تَذَاكَرَ هُوَ وَمَرْوَانُ الْوُضُوءَ , فَقَالَ مَرْوَانُ حَدَّثَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ r يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ. قال أبو محمد : فإن قيل : إنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عُرْوَةَ. قلنا : مَرْحَبًا بِهَذَا , وَعَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ , وَالزُّهْرِيُّ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُرْوَةَ وَجَالَسَهُ , فَرَوَاهُ ، عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عُرْوَةَ , فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ : مَرْوَانُ مَا نَعْلَمُ لَهُ جُرْحَةً قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما , وَلَمْ يَلْقَهُ عُرْوَةُ قَطُّ إلاَّ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَى أَخِيهِ لاَ بَعْدَ خُرُوجِهِ هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ , وَبُسْرَةُ مَشْهُورَةٌ مِنْ صَوَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُبَايِعَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ هِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بِنْتُ أَخِي وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَأَبُوهَا ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَحًّا. وَلَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ عَامٌّ يَقْتَضِي كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ , وَأَمَّا مَسُّ الرَّجُلِ فَرْجَ نَفْسِهِ بِسَاقِهِ وَرِجْلِهِ وَفَخِذِهِ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمَرْءَ مَأْمُورٌ بِالصَّلاَةِ فِي قَمِيصٍ كَثِيفٍ وَفِي مِئْزَرٍ وَقَمِيصٍ , وَلاَ بُدَّ لَهُ ضَرُورَةً فِي صَلاَتِهِ كَذَلِكَ مِنْ وُقُوعِ فَرْجِهِ عَلَى سَاقِهِ وَرِجْلِهِ وَفَخِذِهِ , فَخَرَجَ هَذَا بِهَذَا الإِجْمَاعُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ ، عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُمْ. إلاَّ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ وَالشَّافِعِيَّ لَمْ يَرَيَا الْوُضُوءَ يَنْقُضُ ذَلِكَ إلاَّ بِمَسِّهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَقَطْ لاَ بِظَاهِرِهَا. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الْفَرْجِ بِالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَيَنْقُضُ مَسُّهُ بِالذِّرَاعِ. وقال مالك : مَسُّ الْفَرْجِ مِنَ الرَّجُلِ فَرْجِ نَفْسِهِ الذَّكَرِ فَقَطْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لاَ بِظَاهِرِهَا ، وَلاَ بِالذِّرَاعِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ , فَإِنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لَمْ يُعِدْ الصَّلاَةَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الذَّكَرِ كَيْفَ كَانَ. وقال الشافعي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الدُّبُرِ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا. وقال مالك لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الدُّبُرِ ، وَلاَ مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا إلاَّ أَنْ تَقْبِضَ وَتُلَطِّفَ , أَيْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا , وَنَحَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ نَحْوَ اللَّذَّةِ. فأما قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ بَاطِنِ الْكَفِّ دُونَ ظَاهِرِهَا فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَشَغِبَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ : فِي بَعْضِ الآثَارِ مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَصْلاً , وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقُولُونَ ; لإِنَّ الإِفْضَاءَ بِالْيَدِ يَكُونُ بِظَاهِرِ الْيَدِ كَمَا يَكُونُ بِبَاطِنِهَا , وَحَتَّى لَوْ كَانَ الإِفْضَاءُ بِبَاطِنِ الْيَدِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يُسْقِطُ الْوُضُوءَ ، عَنْ غَيْرِ الإِفْضَاءِ , إذَا جَاءَ أَثَرٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى لَفْظِ الإِفْضَاءِ , فَكَيْفَ وَالإِفْضَاءُ يَكُونُ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ ثُمَّ لَمْ يَرَ الإِعَادَةَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ , فَقَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ لَمْ يَنْتَقِضْ , فَإِنْ كَانَ انْتَقَضَ فَعَلَى أَصْلِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِضْ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ , وَكَذَلِكَ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَهُ وَبَيْنَ مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فَهُوَ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَاقِطٌ. وَأَمَّا إيجَابُ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ فَهُوَ خَطَأٌ لإِنَّ الدُّبُرَ لاَ يُسَمَّى فَرْجًا , فَإِنْ قَالَ : قِسْته عَلَى الذَّكَرِ قِيلَ لَهُ : الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ , وَلاَ عِلَّةَ جَامِعَةَ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ الدُّبُرِ , فَإِنْ قَالَ : كِلاَهُمَا مَخْرَجٌ لِلنَّجَاسَةِ , قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَوْنُ الذَّكَرِ مَخْرَجًا لِلنَّجَاسَةِ هُوَ عِلَّةُ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ , وَمِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَسَّ النَّجَاسَةِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , فَكَيْفَ مَسُّ مَخْرَجِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هَلْ هُوَ إلاَّ بِضْعَةٌ مِنْك. قال علي : وهذا خَبَرٌ صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ , هَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَنْسُوخٌ يَقِينًا حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ وَالأَخْذُ بِمَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ , وَثَانِيهَا أَنَّ كَلاَمَهُ عليه السلام هَلْ هُوَ إلاَّ بِضْعَةٌ مِنْك دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لاَِنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَقُلْ عليه السلام هَذَا الْكَلاَمَ بَلْ كَانَ يُبَيِّنُ أَنَّ الأَمْرَ بِذَلِكَ قَدْ نُسِخَ , وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَفَ فِيهِ حُكْمٌ أَصْلاً وَأَنَّهُ كَسَائِرِ الأَعْضَاءِ. قال أبو محمد : وقال بعضهم : يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْيَدِ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ غُسْلَ الْيَدِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ , لاَ الْمُتَأَوِّلُونَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ ، وَلاَ غَيْرُهُمْ , وَيُقَالُ لَهُمْ : إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَأَنْتُمْ مِنْ أَوَّلِ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r بِمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ , وَهَذَا اسْتِخْفَافٌ ظَاهِرٌ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يُطْلَقُ الْوُضُوءُ فِي الشَّرِيعَةِ إلاَّ لِوُضُوءِ الصَّلاَةِ فَقَطْ , وَقَدْ أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ r إيقَاعَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ , كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ : أَلاَ تَتَوَضَّأُ فَقَالَ عليه السلام : لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأَ فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : إنَّ مَرْوَانَ قَالَ لَهُ : أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءُهُ لِلصَّلاَةِ وَرَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُ مَالِكٍ ، عَنِ الثِّقَاتِ كَذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبُو صَالِحٍ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ ، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَكَانَتْ قَدْ صَحِبَتْ رَسُولَ اللَّهِ r أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلاَ يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُرْوَةُ , وَسَأَلَ بُسْرَةَ فَصَدَّقَتْهُ بِمَا قَالَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَبُو صَالِحٍ وَشُعَيْبٌ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ , فَبَطَلَ التَّعَلُّلُ بِمَرْوَانَ , وَصَحَّ أَنَّ بُسْرَةَ مَشْهُورَةٌ صَاحِبَةٌ , وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُنْكِرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَرْعَ الدَّيْنِ وَإِبْطَالَ السُّنَنِ بِرِوَايَةِ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ وَعُمَيْرٍ وَالْعَالِيَةِ زَوْجَةِ أَبِي إِسْحَاقَ وَشَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ , وَكُلُّ هَؤُلاَءِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُمْ وقال بعضهم : هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , فَلَوْ كَانَ لَمَا جَهِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَلاَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. قال أبو محمد وَهَذَا حَمَاقَةٌ , وَقَدْ غَابَ ، عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، الْغُسْلُ مِنْ الإِيلاَجِ الَّذِي لاَ إنْزَالَ مَعَهُ , وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرَأَى الْوُضُوءَ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَهَذَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ , وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا , وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لاَ يُعَارِضُ بِهِ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ r إلاَّ مَخْذُولٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : وَالْمَاسُّ عَلَى الثَّوْبِ لَيْسَ مَاسًّا , وَلاَ مَعْنَى لِلَّذَّةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ , وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى بِظَنٍّ كَاذِبٍ , وَأَمَّا النِّسْيَانُ فِي هَذَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : مَسُّ الذَّكَرِ عَمْدًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، وَلاَ يَنْقُضُهُ بِالنِّسْيَانِ. . 164 - مَسْأَلَةٌ : وَأَكْلُ لُحُومِ الإِبِلِ نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً أَوْ مَشْوِيَّةً عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَحْمُ جَمَلٍ أَوْ نَاقَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَكْلُ شُحُومِهَا مَحْضَةً ، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ لَحْمِهَا , فَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى بُطُونِهَا أَوْ رُءُوسِهَا أَوْ أَرْجُلِهَا اسْمُ لَحْمٍ عِنْدَ الْعَرَبِ نَقَضَ أَكْلُهَا الْوُضُوءَ وَإِلاَّ فَلاَ , وَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كُلُّ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ غَيْرَ ذَلِكَ , وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ , وَمِنْ الْفُقَهَاءِ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْفُضَيْلِ بْنِ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا , قَالَ الْفُضَيْلُ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقَالَ الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ شَيْبَانَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ كِلاَهُمَا ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ r أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ : إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ , وَإِنْ شِئْت فَلاَ تَتَوَضَّأْ , قَالَ : أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ قَالَ : نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ. وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ , قَالَ : نَعَمْ. قال أبو محمد : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَرٍ قَاضِي الرَّيِّ ثِقَةٌ. قال أبو محمد : وَقَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ تَعَلَّلَ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ : لَعَلَّ هَذَا الْوُضُوءَ غَسْلُ الْيَدِ , فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ , وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ الْقَوْلَ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ ، وَلاَ يَرَى فِيهَا الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ : لَكَانَ أَوْلَى بِهِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّتْ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، رضي الله عنهم ، , وَقَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو مَيْسَرَةَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالزُّهْرِيُّ وَسِتَّةٌ مِنْ أَبْنَاءِ النُّقَبَاءِ مِنْ الأَنْصَارِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْمَرٌ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَغَيْرُهُمْ , وَلَوْلاَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَصَحَّ نَسْخُ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ ، حدثنا حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قُرِّبَ لِرَسُولِ اللَّهِ r خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَ ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قال أبو محمد : الْقَطْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ هَذَا قَوْلٌ بِالظَّنِّ , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ بَلْ هُمَا حَدِيثَانِ كَمَا وَرَدَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا كُلُّ حَدِيثٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَنَحْوُ ذَلِكَ : فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لإِنَّ أَحَادِيثَ إيجَابِ الْوُضُوءِ هِيَ الْوَارِدَةُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ الَّتِي هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , وَلَوْلاَ حَدِيثُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمَا حَلَّ لاَِحَدٍ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ. قال أبو محمد : فإن قيل : لِمَ خَصَّصْتُمْ لُحُومَ الإِبِلِ خَاصَّةً مِنْ جُمْلَةِ مَا نُسِخَ مِنْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قلنا : لإِنَّ الأَمْرَ الْوَارِدَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ فِيهَا خَاصَّةً , سَوَاءٌ مَسَّتْهَا النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهَا النَّارُ , فَلَيْسَ مَسُّ النَّارِ إيَّاهَا إنْ طُبِخَتْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْهَا , بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ مِنْهَا كَمَا هِيَ , فَحُكْمُهَا خَارِجٌ ، عَنِ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , وَبِنَسْخِ الْوُضُوءِ مِنْهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَكْلُهَا بِنِسْيَانٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِ أَنَّهُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا ، عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ فِي إيجَابِ حُكْمِ النِّسْيَانِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 165 - مَسْأَلَةٌ : وَمَسُّ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَ بِأَيِّ عُضْوٍ مَسَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ , إذَا كَانَ عَمْدًا , دُونَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ , سَوَاءٌ أُمُّهُ كَانَتْ أَوْ ابْنَتُهُ , أَوْ مَسَّتْ ابْنَهَا أَوْ أَبَاهَا , الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ سَوَاءٌ , لاَ مَعْنَى لِلَّذَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَّهَا عَلَى ثَوْبٍ لِلَّذَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ , وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا. قال أبو محمد : وَالْمُلاَمَسَةُ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ , وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ , لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي هَذَا لإِنَّ أَوَّلَ الآيَةِ وَآخِرَهَا عُمُومٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا.فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لاَزِمٌ لِلرِّجَالِ إذَا لاَمَسُوا النِّسَاءَ , وَالنِّسَاءِ إذَا لاَمَسْنَ الرِّجَالَ , وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ , وَلاَ لَذَّةً مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ , فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ. قال أبو محمد : وَهَذَا تَخْصِيصٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَيْهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَاسًا مِنْ لِمَاسٍ فَلاَ يُبَيِّنُهُ. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى اللِّمَاسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُقَبِّلُ ، وَلاَ يَتَوَضَّأُ وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ ; لإِنَّ رَاوِيَهُ أَبُو رَوْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَمِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ اسْمُهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ , وَهُوَ مَجْهُولٌ , رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَصْحَابٍ لَهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ ، عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ , وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لإِنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ لاَِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ , وَوَرَدَتْ الآيَةُ بِشَرْعٍ زَائِدٍ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ ، وَلاَ تَخْصِيصُهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ : أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْتَمَسْتُ رَسُولَ اللَّهِ r فِي اللَّيْلِ فَلَمْ أَجِدْهُ , فَوَقَعَتْ يَدَيْ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لإِنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَاصِدِ إلَى اللَّمْسِ , لاَ عَلَى الْمَلْمُوسِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ هُوَ إلَى فِعْلِ الْمُلاَمَسَةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يُلاَمِسْ , وَدَلِيلٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ , وَقَدْ يَسْجُدُ الْمُسْلِمُ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ , لإِنَّ السُّجُودَ فِعْلُ خَيْرٍ , وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ وَهَذَا مَا لاَ يَصِحُّ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ , وَلاَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً مُسْتَأْنَفَةً دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ , فَإِذًا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي صَلاَةٍ , وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام تَمَادَى عَلَيْهَا أَوْ صَلَّى غَيْرَهَا دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ أَبَدًا فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِلاَ شَكٍّ , وَهِيَ حَالٌ لاَ مِرْيَةَ فِي نَسْخِهَا وَارْتِفَاعِ حُكْمِهِ بِنُزُولِ الآيَةِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ الأَخْذُ بِمَا قَدْ تُيُقِّنَ نَسْخُهُ وَتَرْكُ النَّاسِخِ , فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْخَبَرُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ وَأُمَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ r عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا , إذَا سَجَدَ , وَيَرْفَعُهَا إذَا قَامَ قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَنَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا لَمَسَتْ شَيْئًا مِنْ بَشَرَتِهِ عليه السلام , إذْ قَدْ تَكُونُ مُوَشَّحَةً بِرِدَاءٍ أَوْ بِقُفَّازَيْنِ وَجَوْرَبَيْنِ , أَوْ يَكُونُ ثَوْبُهَا سَابِغًا يُوَارِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا , وَهَذَا الأَوْلَى أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ , فَيَكُونَ كَاذِبًا , وَإِذَا كَانَ مَا ظَنُّوا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ وَمَا قلنا مُمْكِنًا , وَاَلَّذِي لاَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ , فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ , وَلَمْ يَحِلَّ تَرْكُ الآيَةِ الْمُتَيَقَّنِ وُجُوبُ حُكْمِهَا لِظَنٍّ كَاذِبٍ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ , وَالآيَةُ مُتَأَخِّرَةُ النُّزُولِ , فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام مَسَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا فِي الصَّلاَةِ لَكَانَ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ يَحِلُّ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَتَرْكُ النَّاسِخِ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ يُوهَمُونَ بِأَخْبَارٍ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا , يَرُومُونَ بِهَا تَرْكَ الْيَقِينِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قُبْلَةٌ ، وَلاَ مُلاَمَسَةٌ لِلَذَّةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ , وَلاَ أَنْ يَقْبِضَ بِيَدِهِ عَلَى فَرْجِهَا كَذَلِكَ , إلاَّ أَنْ يُبَاشِرَهَا بِجَسَدِهِ دُونَ حَائِلٍ وَيَنْعَظُ فَهَذَا وَحْدَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وقال مالك : لاَ وُضُوءَ مِنْ مُلاَمَسَةِ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ , وَلاَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ , إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ , تَحْتَ الثِّيَابِ أَوْ فَوْقَهَا , فَإِنْ كَانَتْ الْمُلاَمَسَةُ لِلَّذَّةِ فَعَلَى الْمُلْتَذِّ مِنْهُمَا الْوُضُوءُ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ الثِّيَابِ أَوْ تَحْتَهَا , أَنْعَظَ أَوْ لَمْ يُنْعِظْ , وَالْقُبْلَةُ كَالْمُلاَمَسَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وقال الشافعي كَقَوْلِنَا , إلاَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. قال أبو محمد أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ , وَلاَ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّقُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ فِي الآيَةِ : إنَّ الْمُلاَمَسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا هُوَ الْجِمَاعُ فَقَطْ لاَِنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا إنْعَاظٌ , وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْقُبْلَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَبَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ , بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ , وَمِنْ مُنَاقَضَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ , وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ فِي الطَّلاَقِ , بِخِلاَفِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ , وَهَذَا كَمَا تَرَى لاَ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ , وَلاَ التَّعَلُّقَ بِالسُّنَّةِ ، وَلاَ طَرْدَ قِيَاسٍ ، وَلاَ سَدَادَ رَأْيٍ ، وَلاَ تَقْلِيدَ صَاحِبٍ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ , فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ ضَبْطِ قِيَاسٍ ، وَلاَ احْتِيَاطٍ , وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ , فَقَوْلٌ لاَ يُعَضِّدُهُ أَيْضًا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ , بَلْ هُوَ خِلاَفُ ذَلِكَ كُلِّهِ , وَهَذِهِ الأَقْوَالُ الثَّلاَثَةُ كَمَا أَوْرَدْنَاهَا لَمْ نَعْرِفْ ، أَنَّهُ قَالَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ : إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ حَمَّادٍ : أَيُّ الزَّوْجَيْنِ قَبَّلَ صَاحِبَهُ وَالآخَرُ لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ , فَلاَ وُضُوءَ عَلَى الَّذِي لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ , إلاَّ أَنْ يَجِدَ لَذَّةً , وَعَلَى الْقَاصِدِ لِذَلِكَ الْوُضُوءُ. قلنا : قَدْ صَحَّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ عَلَى الْقَاصِدِ بِكُلِّ حَالٍ , وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَاللَّذَّةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ , وَبِهِ نَقُولُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا لاَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ إلاَّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا شَهْوَةٌ , ثُمَّ لاَ يَرَى الْوُضُوءَ يَجِبُ مِنْ الشَّهْوَةِ دُونَ مُلاَمَسَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لاَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ إيجَابُ الْوُضُوءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا 166 - مَسْأَلَةٌ : وَإِيلاَجُ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ , كَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، حدثنا هِشَامٌ ، هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَكْسَلُ , قَالَ : يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ ذَكْوَانَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فَالْوُضُوءُ لاَ بُدَّ مِنْهُ مَعَ الْغُسْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 167 - مَسْأَلَةٌ : وَحَمْلُ الْمَيِّتِ فِي نَعْشٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ قال أبو محمد : يَعْنِي الْجِنَازَةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ ثِقَةٌ مَدَنِيٌّ وَتَابِعِيٌّ , وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ وَغَيْرُهُ , وَرَوَى ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي جِنَازَةٍ , فَلَمَّا جِئْنَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْتَهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي : أَمَا تَوَضَّأْتَ قُلْت : لاَ , فَقَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إذَا صَلَّى أَحَدُهُمْ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ تَوَضَّأَ , حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَدْعُو بِالطَّشْتِ فَيَتَوَضَّأُ فِيهَا. قال أبو محمد : لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُمْ ، رضي الله عنهم ، , لإِنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الْجِنَازَةِ حَدَثٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ إلاَّ إتْبَاعُ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَالسُّنَّةُ تَكْفِي. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الَّتِي لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ كَثِيرًا , كَالأَبْوَابِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِبَابَيْنِ , وَكَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ دُونَ مَا لاَ يَمْلَؤُهُ مِنْهُ , وَسَائِرُ الأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ , لَمْ يَتَعَلَّقُوا فِيهَا بِقُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ قَائِلٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 168 - مَسْأَلَةٌ : وَظُهُورُ دَمِ الاِسْتِحَاضَةِ أَوْ الْعِرْقِ السَّائِلِ مِنْ الْفَرْجِ إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَلاَ بُدَّ لِكُلِّ صَلاَةٍ تَلِي ظُهُورَ ذَلِكَ الدَّمِ سَوَاءٌ تَمَيَّزَ دَمُهَا أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ , عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : اُسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ r : قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ , فَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا كَانَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ , فَأَمْسِكِي ، عَنِ الصَّلاَةِ , وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّهُ عِرْقٌ. قَالَ عَلِيٌّ : فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ دَمٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ دَمِ الْحَيْضَةِ وَلَمْ يَخُصَّ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ , لاَِنَّهُ عِرْقٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَلَى الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ مِنْ فَرْجِهَا مُتَّصِلاً بِدَمِ الْمَحِيضِ : عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَمِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ , وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ , وَعَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ , وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة فِي الْمُتَّصِلَةِ الدَّمِ كَمَا ذَكَرْنَا إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِدُخُولِ كُلِّ وَقْتِ صَلاَةٍ , فَتَكُونُ طَاهِرًا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ , حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلاَةٍ أُخْرَى فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لَهَا. وَرَوَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ : إذَا تَوَضَّأَتْ إثْرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصَّلاَةِ أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ , وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ , وَحَكَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلاَّ أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَغَلَّبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ. قال أبو محمد : وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. بَلْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ. وقال مالك : لاَ وُضُوءَ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الدَّمِ إلاَّ اسْتِحْبَابًا لاَ إيجَابًا , وَهِيَ طَاهِرٌ مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ. وقال الشافعي وَأَحْمَدُ : عَلَيْهَا فَرْضًا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَتُصَلِّيَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا أَحَبَّتْ , قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ , لاَِنَّهُ خِلاَفٌ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ , وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُنْقَطِعِ مِنْ الْخَبَرِ إذَا وَافَقَهُمْ , وَهَهُنَا مُنْقَطِعٌ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذُوا بِهِ , وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَتْ : إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ لاَ , إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ , فَاجْتَنِبِي الصَّلاَةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ وَصَلِّي , وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ. قَالَ : قَالُوا هَذَا عَلَى النَّدْبِ , قِيلَ لَهُمْ : وَكُلُّ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَّا لاِسْتِطْهَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَّهُ نَدْبٌ , وَلاَ فَرْقَ , وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا مَعَ خِلاَفِهِ لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا فِي قَوْلِهِمْ هَذَا , لاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِسُنَّةٍ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا لاَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ , وَمُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَلِلْقِيَاسِ , وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ طَهَارَةً تَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ وَقْتٍ وَتَصِحُّ بِكَوْنِ الْوَقْتِ قَائِمًا , وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا : قَدْ وَجَدْنَا الْمَاسِحَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ لَهُمَا فَنَقِيسُ عَلَيْهِمَا الْمُسْتَحَاضَةَ. قال أبو محمد : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّهُ قِيَاسٌ خَطَأٌ وَعَلَى خَطَإٍ , وَمَا انْتَقَضَتْ قَطُّ طَهَارَةُ الْمَاسِحِ بِانْقِضَاءِ الأَمَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ , وَيُصَلِّي مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ بِحَدَثٍ مِنْ الأَحْدَاثِ , وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ مِنْ الاِبْتِدَاءِ لِلْمَسْحِ فَقَطْ , لاَ بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ذَكَرُوا فِي الْمَاسِحِ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لَكَانَ قِيَاسُهُمْ هَذَا بَاطِلاً لأَنَّهُمْ قَاسُوا خُرُوجَ وَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ عَلَى انْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ , وَعَلَى انْقِضَاءِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ فِي السَّفَرِ. وَهَذَا قِيَاسٌ سَخِيفٌ جِدًّا , وَإِنَّمَا كَانُوا يَكُونُونَ قَائِسِينَ عَلَى مَا ذَكَرُوا لَوْ جَعَلُوا الْمُسْتَحَاضَةَ تَبْقَى بِوُضُوئِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ , وَثَلاَثَةً فِي السَّفَرِ , وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا لَوَجَدُوا فِيمَا يُشْبِهُ بَعْضَ ذَلِكَ سَلَفًا , وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ , وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هَذَا فَعَارٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ سَلَفٌ , وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ حُجَّةً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمْ ; لإِنَّ أَثَرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ هُوَ وَقْتُ صَلاَةِ فَرْضٍ مَارًّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ , وَهُوَ وَقْتُ تَطَوُّعٍ , فَالْمُتَوَضِّئَةُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ كَالْمُتَوَضِّئَةِ لِصَلاَةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ , وَلاَ يُجْزِيهَا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَخَطَأٌ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ فِي الدِّينِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ طَاهِرًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ تَطَوُّعًا وَمُحْدِثًا غَيْرَ طَاهِرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً , هَذَا مَا لاَ خَفَاءَ بِهِ وَلَيْسَ إلاَّ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا , فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ , وَإِنْ كَانَتْ مُحْدِثَةً فَمَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ لاَ فَرْضًا ، وَلاَ نَافِلَةً. وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ : مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً قَبْلَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ , وَلاَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلاَتَيْ فَرْضٍ , فَهَذَا هُوَ نَظَرُهُمْ وَقِيَاسُهُمْ وَأَمَّا تَعَلُّقٌ بِأَثَرٍ , فَالآثَارُ حَاضِرَةٌ وَأَقْوَالُهُ حَاضِرَةٌ. قال أبو محمد , وَهُمْ كُلُّهُمْ يَشْغَبُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ وَجَمِيعُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَائِشَةَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ فِي ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا , فَصَارَتْ أَقْوَالُهُمْ مُبْتَدَأَةً مِمَّنْ قَالَهَا بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 169 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , لاَ رُعَافٌ ، وَلاَ دَمٌ سَائِلٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ مِنْ الأَسْنَانِ أَوْ مِنْ الإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ , وَلاَ حِجَامَةٌ ، وَلاَ فَصْدٌ , وَلاَ قَيْءٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ , وَلاَ قَلْسٌ ، وَلاَ قَيْحٌ ، وَلاَ مَاءٌ ، وَلاَ دَمٌ تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنْ فَرْجِهَا , وَلاَ أَذَى الْمُسْلِمِ ، وَلاَ ظُلْمُهُ , وَلاَ مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ ، وَلاَ الرِّدَّةُ ، وَلاَ الإِنْعَاظُ لِلَذَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ , وَلاَ الْمَعَاصِي مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا , وَلاَ شَيْءَ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ لاَ عُذْرَةَ عَلَيْهِ , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّودُ وَالْحَجَرُ وَالْحَيَّاتُ , وَلاَ حُقْنَةٌ ، وَلاَ تَقْطِيرُ دَوَاءٍ فِي الْمَخْرَجَيْنِ ، وَلاَ مَسُّ حَيَا بَهِيمَةٍ ، وَلاَ قُبُلَهَا , وَلاَ حَلْقُ الشَّعْرَ بَعْدَ الْوُضُوءِ , وَلاَ قَصُّ الظُّفْرِ ، وَلاَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَصَّةٍ بَيْضَاءَ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ دَمٍ أَحْمَرَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَيْضٌ , وَلاَ الضَّحِكُ فِي الصَّلاَةِ , وَلاَ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : بُرْهَانُ إسْقَاطِنَا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ وُضُوءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ شَرَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الإِنْسِ وَالْجِنِّ إلاَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ , وَمَا عَدَاهَا فَبَاطِلٌ , وَلاَ شَرْعَ إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتَانَا بِهِ رَسُولُهُ r وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا كَانَ الْمُخَالِفُونَ فِيهِ حَاضِرِينَ , وَنَضْرِبُ عَمَّا قَدْ دَرَسَ الْقَوْلَ بِهِ إلاَّ ذِكْرًا خَفِيفًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : كُلُّ دَمٍ سَائِلٍ أَوْ قَيْحٍ سَائِلٍ أَوْ مَاءٍ سَائِلٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ سَالَ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , فَإِنْ لَمْ يَسِلْ لَمْ يُنْقَضْ الْوُضُوءُ مِنْهُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الأَنْفِ أَوْ الآُذُنِ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الأَنْفِ أَوْ الآُذُنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَمًا أَوْ قَيْحًا فَبَلَغَ إلَى مَوْضِعِ الاِسْتِنْشَاقِ مِنْ الأَنْفِ أَوْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ الْغُسْلُ مِنْ دَاخِلِ الآُذُنِ فَالْوُضُوءُ مُنْتَقِضٌ , وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الأَنْفِ مُخَاطٌ أَوْ مَاءٌ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ , وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الآُذُنِ مَاءٌ فَلاَ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ. قَالَ : فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ أَوْ مِنْ اللِّثَاتِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ غَالِبًا عَلَى الْبُزَاقِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ , وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْبُزَاقِ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ , فَإِنْ تَسَاوَيَا فَيُسْتَحْسَنُ فَيَأْمُرُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دَمٌ فَظَهَرَ وَلَمْ يَسِلْ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ , فَإِنْ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ , فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دُودٌ أَوْ لَحْمٌ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ , فَإِنْ خَرَجَ الدُّودُ مِنْ الدُّبُرِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ , فَإِنْ عَصَبَ الْجُرْحَ نَظَرَ , فَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ , وَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَسِلْ فَلاَ وُضُوءَ. قَالَ وَأَمَّا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَكُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ , فَإِنْ مَلاََ الْفَمَ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَمْلاَْ الْفَمَ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ , وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ بِمِقْدَارِ اللُّقْمَةِ عَلَى أَنَّ اللُّقْمَةَ تَخْتَلِفُ وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ فِي الْفَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَاشَا الْبَلْغَمَ فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ وَإِنْ مَلاََ الْفَمَ وَكَثُرَ جِدًّا , قَالَ أَبُو يُوسُفَ : بَلْ فِيهِ الْوُضُوءُ إذَا مَلاََ الْفَمَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ الدَّمَ , فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ : إنْ خَرَجَ مِنْ اللَّثَاةِ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ إلاَّ أَنْ يَمْلاََ الْفَمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ , وَقَالَ زُفَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلاَّ الْقَلْسُ , فَإِنَّهُ قَالَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقْبَلُ ، وَلاَ كَرَامَةَ إلاَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُبَلِّغِ ، عَنْ خَالِقِنَا وَرَازِقِنَا تَعَالَى أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ , وَأَمَّا مِنْ أَحَدٍ دُونَهُ فَهُوَ هَذَيَانٌ وَتَخْلِيطٌ كَتَخْلِيطِ الْمُبَرْسَمِ وَأَقْوَالٍ مَقْطُوعٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَلَمْ يُؤَيِّدُهَا مَعْقُولٌ ، وَلاَ نَصٌّ ، وَلاَ قِيَاسٌ , أَفَيَسُوغُ لِمَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ. قال أبو محمد : وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r : (( الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا رَعَفَ أَحَدٌ فِي الصَّلاَةِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ , وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ , أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعْ فَيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ ، وَلاَ يَسْتَقْبِلُهَا جَدِيدًا وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ. قال أبو محمد : وَهَذَانِ الأَثَرَانِ سَاقِطَانِ ; لإِنَّ وَالِدَ ابْنِ جُرَيْجٍ لاَ صُحْبَةَ لَهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ , وَالآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ سَاقِطٌ , لاَ سِيَّمَا فِيمَا رُوِيَ ، عَنِ الْحِجَازِيِّينَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ لاَِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ وَمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ , وَلاَ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَفَّاطَةٍ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمَا يَسِيلُ مِنْ الأَنْفِ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، وَلاَ فِيهِ ذِكْرُ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْجَوْفِ ، وَلاَ مِنْ الْجَسَدِ ، وَلاَ مِنْ اللَّثَاةِ ، وَلاَ مِنْ الْجُرْحِ , وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَالرُّعَافُ فَقَطْ فَلاَ عَلَى الْخَبَرَيْنِ اقْتَصَرُوا , كَمَا فَعَلُوا بِزَعْمِهِمْ فِي خَبَرِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ , وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِمَا فَطَرَدُوا قِيَاسَهُمْ , لَكِنْ خَلَّطُوا تَخْلِيطًا خَرَجُوا بِهِ إلَى الْهَوَسِ الْمَحْضِ فَقَطْ , فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ وَقَدْ خَالَفُوهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَاءَ فَتَوَضَّأَ , فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : صَدَقْتَ , أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ r وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَفْطَرَ وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ. قال أبو محمد : هَذَا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِيهِ يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَا مَشْهُورَيْنِ وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى مِنْ يَعِيشَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ مَنْ تَقَيَّأَ فَلْيَتَوَضَّأْ , وَلاَ أَنَّ وُضُوءَهُ عليه السلام كَانَ مِنْ أَجْلِ الْقَيْءِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام التَّيَمُّمُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ , وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْ الْقَيْءِ وَبَيْنَ مَا لاَ يَمْلَؤُهُ , وَلاَ فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرَ الْقَيْءِ , فَلاَ عَلَى مَا فِيهِمَا اقْتَصَرُوا , وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِمَا قِيَاسًا مُطَّرِدًا. وَذَكَرُوا أَيْضًا الْحَدِيثَ الثَّابِتَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ وَأَوْجَبَ عليه السلام فِيهِ الْوُضُوءَ , قَالُوا : فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِرْقٍ سَائِلٍ. قال علي : وهذا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لاَِنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ أَنْ يَقِيسُوا دَمَ الْعِرْقِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ , وَكِلاَهُمَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ , وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ عَلَى دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ , وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْقَيْحُ عَلَى الدَّمِ , وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ادِّعَاءِ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ , فَقَدْ صَحَّ ، عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي مِجْلَزٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ , وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ النَّفَّاطَةِ عَلَى الدَّمِ وَالْقَيْحِ , وَلاَ يُقَاسُ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الأَنْفِ وَالآُذُنِ عَلَى الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ النَّفَّاطَةِ , وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَمُ الْعِرْقِ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ , قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , وَيَكُونَ الْقَيْءُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلاَّ حَتَّى يَمْلاََ الْفَمَ , ثُمَّ لَمْ يَقِيسُوا الدُّودَ الْخَارِجَ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى الدُّودِ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ , وَهَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ فِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِطِ لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ قلنا لَهُمْ : قَدْ وَجَدْنَا الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَيْسَتْ نَجَاسَةً , فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَيْهَا الْجَشْوَةَ وَالْعَطْسَةَ , لاَِنَّهَا رِيحٌ خَارِجَةٌ مِنْ الْجَوْفِ كَذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَذَا فَنَقَضْتُمْ الْوُضُوءَ بِقَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكَثِيرِهِ , وَلَمْ تَنْقُضُوا الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْمَاءِ إلاَّ بِمِقْدَارِ مِلْءِ الْفَمِ أَوْ بِمَا سَالَ أَوْ بِمَا غَلَبَ , وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَرْكٌ لِلْقِيَاسِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ رُوِيَ الْوُضُوءُ مِنْ الرُّعَافِ وَمِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ ، عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَفِي الرُّعَافِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , نَعَمْ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، وَعَنْ عَطَاءٍ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَلْسِ وَالْقَيْءِ وَالْقَيْحِ , وَعَنْ قَتَادَةَ فِي الْقَيْحِ , وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الْقَلْسِ , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقَيْءِ , قلنا : نَعَمْ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِمِلْءِ الْفَمِ , وَلَوْ كَانَ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ نُظَرَاؤُهُمْ. فَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَ فِيهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَصَرَ بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ وَقَامَ فَصَلَّى , وَعَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا , وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا , وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ لاَ يَرَوْنَ الْغُسْلَ مِنْ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الذَّكَرِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ , وَهُوَ الْمَنِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام فِيهِ الْغُسْلَ ثُمَّ يُوجِبُونَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَجْهِ قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي نَهْيِهِ ، عَنِ الذَّكِيَّةِ بِالسِّنِّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ , فَرَأَوْا الذَّكَاةَ غَيْرَ جَائِزَةٍ بِكُلِّ عَظْمٍ , ثُمَّ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ عليه السلام فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهُ عِرْقٌ فَقَاسُوا عَلَى دَمِ الرُّعَافِ وَاللَّثَاةِ وَالْقَيْحِ فَهَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ بِالْقِيَاسِ , وَمِقْدَارُ اتِّبَاعِهِمْ لِلآثَارِ , وَمِقْدَارُ تَقْلِيدِهِمْ مَنْ سَلَفَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ لِلْمَخْرَجِ وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخَارِجِ وَعَظُمَ تَنَاقُضُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا , وَتَعْلِيلُ كِلاَ الرَّجُلَيْنِ مُضَادٌّ لِتَعْلِيلِ الآخَرِ وَمُعَارِضٌ لَهُ , وَكِلاَهُمَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَدَعْوَى لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قال أبو محمد : وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيَّيْنِ وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا : قَدْ وَجَدْنَا الْخَارِجَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مُخْتَلِفَ الْحُكْمِ , فَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَدَمِ النِّفَاسِ , وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ , وَمِنْهُ مَا لاَ يُوجِبُ شَيْئًا كَالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ , فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَأَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ , دُونَ أَنْ تُوجِبُوا فِيهِ الْغُسْلَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ ذَلِكَ , أَوْ دُونَ أَنْ لاَ تُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ هَذَا إلاَّ التَّحَكُّمُ بِالْهَوَى الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُكْمَ بِهِ وَبِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا , وَمَعَ فَسَادِ الْقِيَاسِ وَمُعَارَضَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَمْ يَقِيسُوا هَهُنَا فَوُفِّقُوا , وَلاَ عَلَّلُوا هَهُنَا بِخَارِجٍ ، وَلاَ بِمَخْرَجٍ ، وَلاَ بِنَجَاسَةٍ فَأَصَابُوا , وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِهِمْ الْمُلاَمَسَةَ بِالشَّهْوَةِ , وَفِي تَعْلِيلِهِمْ النَّهْيَ ، عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ , وَالْفَأْرَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ , لَوُفِّقُوا وَلَكِنْ لَمْ يُطَرِّدُوا أَقْوَالَهُمْ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ , وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مُرْسَلاَتٍ لَمْ يَأْخُذُوا بِهَا , وَهَذَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، قَالَتْ : يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ , وَلاَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا لاَِخِيهِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t : لاََنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْحَدَثُ حَدَثَانِ , حَدَثُ الْفَرْجِ وَحَدَثُ اللِّسَانِ وَأَشَدُّهُمَا حَدَثُ اللِّسَانِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : إنِّي لاَُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ , إلاَّ أَنْ أُحْدِثَ أَوْ أَقُولَ مُنْكَرًا , الْوُضُوءُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ : الْوُضُوءُ يَجِبُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. قَالَ عَلِيٌّ : دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ كَذَّابٌ , مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ , وَلَكِنْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ وَالْقَلْسِ , وَالأَخْذِ بِذَلِكَ الأَثَرِ السَّاقِطِ , وَبَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا هَهُنَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ , وَالأَخْذِ بِهَذَا الأَثَرِ السَّاقِطِ , بَلْ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ أَوْكَدُ لإِنَّ الْخِلاَفَ هُنَالِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مَوْجُودٌ , وَلاَ مُخَالِفَ يُعْرَفُ هَهُنَا لِعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، , وَهُمْ يُشَنِّعُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ. وَأَمَّا مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ t اسْتَتَابَ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ , وَأَنَّ عَلِيًّا مَسَّ بِيَدِهِ صَلِيبًا كَانَتْ فِي عُنُقِ الْمُسْتَوْرِدِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ فِي الصَّلاَةِ قَدَّمَ رَجُلاً وَذَهَبَ , ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ , وَلَكِنَّهُ مَسَّ هَذِهِ الأَنْجَاسَ فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ مِنْهَا وُضُوءًا " وَرُوِّينَا أَثَرًا مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ بُرَيْدَةَ وَقَدْ مَسَّ صَنَمًا فَتَوَضَّأَ. قَالَ عَلِيٌّ : صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ , وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ يُعَظِّمُ خِلاَفَ الصَّاحِبِ وَيَرَى الأَخْذَ بِالآثَارِ الْوَاهِيَةِ مِثْلَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الأَثَرِ , فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَأْخُذُونَ بِهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ , وَلاَ يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا إلاَّ فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَوْ الْقُرْآنِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ سِيَّمَا وَعَلِيٌّ t قَدْ قَطَعَ صَلاَةَ الْفَرْضِ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ , وَمَا كَانَ t لِيَقْطَعَهَا فِيمَا لاَ يَرَاهُ وَاجِبًا. فَإِنْ قَالُوا : لَعَلَّ هَذَا اسْتِحْبَابٌ قلنا : وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ سَلَفَ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَكَذَلِكَ الْمَذْيُ , وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوٍ مُخَالِفَةٌ لِلْحَقَائِقِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَاغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ ارْتَدَّا ثُمَّ رَاجَعَا الإِسْلاَمَ دُونَ حَدَثٍ يَكُونُ مِنْهُمَا , فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ بِأَنَّ الرِّدَّةَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ , وَهُمْ يُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لاَ تَنْقُضُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، وَلاَ غُسْلَ الْحَيْضِ ، وَلاَ أَحْبَاسَهُ السَّالِفَةَ ، وَلاَ عِتْقَهُ السَّالِفَ ، وَلاَ حُرْمَةَ الرَّجُلِ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ , فَهَلاَّ قَاسُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْغُسْلِ فِي ذَلِكَ , فَكَانَ يَكُونُ أَصَحَّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا , فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ قلنا هَذَا عَلَى مَنْ مَاتَ كَافِرًا لاَ عَلَى مَنْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وقوله تعالى وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ لِقَوْلِنَا , لاَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ , بَلْ مِنْ الرَّابِحِينَ الْمُفْلِحِينَ , وَإِنَّمَا الْخَاسِرُ مَنْ مَاتَ كَافِرًا , وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَأَمَّا الدَّمُ الظَّاهِرُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ , فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ , وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ , وَرُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ لاَ حَائِضٌ وَرُوِيَ ، عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا لاَ تُصَلِّي إلاَّ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي , وَلَمْ يَحِدَّ فِي الطُّولِ حَدًّا , وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ , وَيَجْتَهِدُ لَهَا ، وَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ الْحَامِلَ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي , وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ : قال أبو محمد : صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى ، عَنْ طَلاَقِ الْحَائِضِ وَأَمَرَ بِالطَّلاَقِ فِي حَالِ الْحَمْلِ , وَإِذَا كَانَتْ حَائِلاً فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْحَائِضِ وَالْحَائِلِ غَيْرُ حَالِ الْحَامِلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ ظُهُورَ الْحَيْضِ اسْتِبْرَاءٌ وَبَرَاءَةٌ مِنْ الْحَمْلِ , فَلَوْ جَازَ أَنْ تَحِيضَ الْحَامِلُ لَمَا كَانَ الْحَيْضُ بَرَاءَةً مِنْ الْحَمْلِ , وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ , وَإِذَا كَانَ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقَ اسْتِحَاضَةٍ فَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ ، وَلاَ لِلْوُضُوءِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَكَذَلِكَ دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ , لاَِنَّهُ دَمُ حَيْضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَعْدَ هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً , فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ , لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ , لاَِنَّهُ إنَّمَا لاَمَسَ الثَّوْبَ لاَ الْمَرْأَةَ , وَكَذَلِكَ مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَبِغَيْرِ الْفَرْجِ وَالإِنْعَاظُ وَالتَّذَكُّرُ وَقَرْقَرَةُ الْبَطْنِ فِي الصَّلاَةِ وَمَسُّ الإِبْطِ وَنَتْفُهُ وَمَسُّ الآُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ وَقَصُّ الشَّعْرِ وَالأَظْفَارِ لإِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ فِي أَكْثَرِهِ بَلْ فِي كُلِّهِ , طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ , فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ قَرْقَرَةِ الْبَطْنِ فِي الصَّلاَةِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي الإِنْعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ وَالْمَسِّ عَلَى الثَّوْبِ لِشَهْوَةٍ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ , وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ فِي مَسِّ الإِبْطِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٍ , وَإِيجَابَ الْغُسْلِ مِنْ نَتْفِهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَنْ مُجَاهِدٍ الْوُضُوءُ مِنْ تَنْقِيَةِ الأَنْفِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُجَاهِدٍ وَذَرٍّ وَالِدِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ قَصِّ الأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّعْرِ , وَأَمَّا الدُّودُ وَالْحَجَرُ يَخْرُجَانِ مِنْ الدُّبُرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ ، وَلاَ أَصْحَابُنَا , وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ لاَ يُسْنَدُ. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالدَّمُ الأَحْمَرُ فَسَيُذْكَرُ فِي الْكَلاَمِ فِي الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ حُكْمُهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقًا , فَإِذًا لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ عِرْقًا فَلاَ وُضُوءَ فِيهِ. إذْ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. وَأَمَّا الضَّحِكُ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّا رُوِّينَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَثَرًا وَاهِيًا لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ إمَّا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ صُبَيْحٍ وَمَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ , وَأَمَّا مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي الْمَلِيحِ , وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْهُ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. فأما حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادَةَ التَّتَرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي حَيْلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ , وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَفِيهِ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ فَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي الْقُرْآنِ أَوْ أَثَرٍ صَحِيحٍ مُسْنَدٍ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الأَخْبَارِ حَتَّى ادَّعَوْا التَّوَاتُرَ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَالْقَائِلِينَ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ وطَاوُوس أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الآثَارِ , فَإِنَّهَا أَشَدُّ تَوَاتُرًا مِمَّا ادَّعَوْا لَهُ التَّوَاتُرَ , وَأَكْثَرُ ظُهُورًا فِي عَدَدِ مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ النَّهْيِ ، عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ , وَسَائِرُ مَا قَالُوا بِهِ مِنْ الْمَرَاسِيلِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ الْمُخَالِفِينَ الْخَبَرُ الصَّحِيحَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَفِي حَجِّ الْمَرْأَةِ ، عَنِ الْهَرِمِ الْحَيِّ وَفِي سَائِرِ مَا تَرَكُوا فِيهِ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ لِلْقِيَاسِ أَنْ يَرْفُضُوا هَذَا الْخَبَرَ الْفَاسِدَ قِيَاسًا عَلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الضَّحِكَ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ , فَكَذَلِكَ لاَ يَجِبُ أَنْ يَنْقُضَهُ فِي الصَّلاَةِ , وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَطَّرِدُونَ الْقِيَاسَ ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ ، وَلاَ يَلْتَزِمُونَ مَا أَحَلُّوا مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَالْمُتَوَاتِرِ , إلاَّ رَيْثَمَا يَأْتِي مُوَافِقًا لاِرَائِهِمْ أَوْ تَقْلِيدِهِمْ , ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ رَافِضِينَ لَهُ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَآرَاءَهُمْ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيُقَالُ لَهُمْ : فِي أَيِّ قُرْآنٍ أَوْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ أَوْ فِي أَيِّ قِيَاسٍ وَجَدْتُمْ تَغْلِيظَ بَعْضِ الأَحْدَاثِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا , وَتَخْفِيفُ بَعْضِهَا قَدْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلاَّ مِقْدَارًا حَدَّدْتُمُوهُ مِنْهَا وَالنَّصُّ فِيهَا كُلِّهَا جَاءَ مَجِيئًا وَاحِدًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ، وَلاَ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ أَنَّ بَعْضَ الْحَدَثِ حَدَثٌ , فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ , وَمَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَكَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ لاَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. . بسم الله الرحمن الرحيم
الأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ غَسْلَ الْجَسَدِ كُلِّهِ.
170 - مَسْأَلَةٌ : إيلاَجُ الْحَشَفَةِ أَوْ إيلاَجُ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ الذَّاهِبِ الْحَشَفَةِ وَالذَّاهِبِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ مِنْهَا بِحَرَامٍ أَوْ حَلاَلٍ , إذَا كَانَ بِعَمْدٍ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ , فَإِنْ عَمَدَتْ هِيَ أَيْضًا لِذَلِكَ , فَكَذَلِكَ أَنْزَلَتْ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ , فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُكْرَهًا , فَلَيْسَ عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْهُمَا إلاَّ الْوُضُوءُ فَقَطْ إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ إلاَّ أَنْ يُنْزِلَ , فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ بَالِغٍ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ وُضُوءَ , فَإِذَا بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فِيمَا يَحْدُثُ لاَ فِيمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْوُضُوءُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ. وَ حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا مُسْلَمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ كِلاَهُمَا ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ : وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ قَالاَ جَمِيعًا ، حدثنا قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. قال أبو محمد : هَذَا فِيهِ زِيَادَةٌ ثَابِتَةٌ ، عَنِ الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا إسْقَاطُ الْغُسْلِ , وَالزِّيَادَةُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَإِنَّمَا قلنا فِي مَخْرَجِ الْوَلَدِ , لاَِنَّهُ لاَ خِتَانَ إلاَّ هُنَالِكَ , فَسَوَاءٌ كَانَ مَخْتُونًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ لإِنَّ لَفْظَةَ أَجْهَدَ نَفْسَهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام حَرَامًا مِنْ حَلاَلٍ. وَإِنَّمَا قلنا بِذَلِكَ فِي الْعَمْدِ دُونَ الأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا لإِنَّ قَوْلَهُ عليه السلام إذَا قَعَدَ ثُمَّ أَجْهَدَ وَهَذَا الإِطْلاَقُ لَيْسَ إلاَّ لِلْمُخْتَارِ الْقَاصِدِ , وَلاَ يُسَمَّى الْمَغْلُوبُ أَنَّهُ قَعَدَ ، وَلاَ النَّائِمُ ، وَلاَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ عليه السلام الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الأَحْوَالُ كُلُّهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ وَالصِّبَا فَالْوُضُوءُ لاَزِمٌ لَهُمْ فَقَطْ لأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُخَاطَبِينَ بِالصَّلاَةِ وَبِالْوُضُوءِ لَهَا جُمْلَةً , وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانُوا مُجْنِبِينَ , وَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا بِمُجْنِبِينَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل : فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ الْغُسْلَ بِقَوْلِهِ عليه السلام : إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ قلنا : هَذَا الْخَبَرُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام : إذَا أَقَحَطْتَ أَوْ أَكْسَلْتَ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْكَ. فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَعَمِّ ، وَلاَ بُدَّ , لَيُؤْخَذَ بِهِمَا مَعًا , ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ الإِكْسَالِ فَوَجَبَ إعْمَالُهُ أَيْضًا. وَأَمَّا كُلُّ مَوْضِعٍ لاَ خِتَانَ فِيهِ ، وَلاَ يُمْكِنُ فِيهِ الْخِتَانُ فَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الإِيلاَجِ فِيهِ , وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ لاَ غُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ فِي الْفَرْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ : عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُمْهُورُ الأَنْصَارِ ، رضي الله عنهم ، , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالأَعْمَشُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَرُوِيَ الْغُسْلُ فِي ذَلِكَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ ، رضي الله عنهم ، ,. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ. 171 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ أَجْنَبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْجَسَدِ إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَانْتَبَهَ النَّائِمُ وَصَحَا السَّكْرَانُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ , وَبِالإِجْنَابِ يَجِبُ الْغُسْلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا فَلَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَالْمَجْنُونُ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ أَوْ غَسَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ وَالسَّكْرَانُ لَمْ يُجْزِهِمْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْغُسْلِ , لأَنَّهُمْ بِخُرُوجِ الْجَنَابَةِ مِنْهُمْ صَارُوا جُنُبًا وَوَجَبَ الْغُسْلُ بِهِ , وَلاَ يَجْزِي الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ قَصْدًا إلَى تَأْدِيَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّئُوا فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ لِلْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِمْ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِمَا ذَكَرْنَا. 172 - مَسْأَلَةٌ : وَالْجَنَابَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ نَوْعِهِ الْوَلَدُ , وَهُوَ مِنْ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الطَّلْعُ , وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ , وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ , وَمَاءُ الْخَصِيِّ لاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ , وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ الذَّكَرِ السَّالِمُ الآُنْثَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاؤُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا سَعِيدُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ r ، عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ , قِيلَ : وَهَلْ يَكُونُ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : نَعَمْ , فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ , فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ. قال أبو محمد : فَهَذَا هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ وَالسَّالِمِ الْخُصْيَةِ , وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا , فَهَذِهِ صِفَتُهُ وَقَدْ يُولَدُ لِهَذَا , وَأَمَّا مَاءُ الْخَصِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ أَصْفَرُ , فَلَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ فِيهِ فَلاَ غُسْلَ فِيهِ , وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شُفِرَتْ وَهِيَ بَالِغٌ أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ , فَدَخَلَ الْمَنِيُّ فَرْجَهَا فَحَمَلَتْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهَا ، وَلاَ بُدَّ لاَِنَّهَا قَدْ أَنْزَلَتْ الْمَاءَ يَقِينًا.
173 - مَسْأَلَةٌ : وَكَيْفَمَا خَرَجَتْ الْجَنَابَةُ الْمَذْكُورَةُ بِضَرْبَةٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى وَجَدَهُ أَوْ بِاسْتِنْكَاحٍ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَأَمْرُهُ عليه السلام إذَا فَضَخَ الْمَاءَ أَنْ يَغْتَسِلَ , وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام حَالاً مِنْ حَالٍ , فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّ النَّصَّ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ , وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ لِعِلَّةٍ , قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَوْ ضُرِبَ عَلَى اسْتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ , وَهَذَا قَوْلٌ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ وَلِلْقِيَاسِ , وَمَا نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إلاَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ لاَ غُسْلَ إلاَّ مِنْ شَهْوَةٍ. قال أبو محمد : أَمَّا خِلاَفُهُمْ لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ وَالرِّيحَ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ كَيْفَمَا خَرَجَ ذَلِكَ فَالْوُضُوءُ فِيهِ , وَكَذَلِكَ الْحَيْضُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ , وَكَيْفَمَا خَرَجَ فَالْغُسْلُ فِيهِ , فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ كَذَلِكَ , فَلاَ بِالْقُرْآنِ أَخَذُوا ، وَلاَ بِالسُّنَّةِ عَمِلُوا ، وَلاَ الْقِيَاسُ طَرَدُوا. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ لَيْسَ فِي خُرُوجِهِمَا حَالٌ تُحِيلُ الْجَسَدَ. قَالَ : وَالْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ لِشَهْوَةٍ أَذْهَبَ الشَّهْوَةَ وَأَحْدَثَ فِي الْجَسَدِ أَثَرًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِخِلاَفِهِمَا. قال علي : وهذا تَخْلِيطٌ , بَلْ اللَّذَّةُ فِي خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ أَشَدُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا مِنْهَا فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ , وَضَرَرُ أَلَمِ امْتِنَاعِ خُرُوجِهَا أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ امْتِنَاعِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَقَدْ اسْتَوَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , فَإِنْ تَأَذَّى الْمُسْتَنْكِحُ بِالْغُسْلِ فَلْيَتَيَمَّمْ ; لاَِنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْغُسْلِ بِهِ , فَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 174 - مَسْأَلَةٌ : وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مَاءُ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا , لاَ غُسْلَ ، وَلاَ وُضُوءَ , لإِنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ إنْزَالِهَا لاَ مِنْ إنْزَالِ غَيْرِهَا , وَالْوُضُوءُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حَدَثِهَا لاَ مِنْ حَدَثِ غَيْرِهَا وَخُرُوجُ مَاءِ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا لَيْسَ إنْزَالاً مِنْهَا ، وَلاَ حَدَثًا مِنْهَا , فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهَا ، وَلاَ وُضُوءَ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا تَغْسِلُ , وَعَنْ قَتَادَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ تَتَوَضَّأُ. قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r .
175 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شَفَرَهَا رَجُلٌ فَدَخَلَ مَاؤُهُ فَرْجَهَا فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تُنْزِلْ هِيَ. وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ : عَلَيْهَا الْغُسْلُ.
قَالَ عَلِيٌّ : إيجَابُ الْغُسْلِ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r .
176 - مَسْأَلَةٌ : وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبَا وَكَانَ مِنْهُمَا وَطْءٌ دُونَ إنْزَالٍ فَاغْتَسَلاَ وَبَالاَ أَوْ لَمْ يَبُولاَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ أَوْ كُلُّهُ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ , فَلَوْ صَلَّيَا قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُمَا صَلاَتُهُمَا , ثُمَّ لاَ بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ , فَلَوْ خَرَجَ فِي نَفْسِ الْغُسْلِ وَقَدْ بَقِيَ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ لَزِمَهُمَا أَوْ الَّذِي خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ الْغُسْلِ ، وَلاَ بُدَّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَالْجُنُبُ هُوَ مَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ. وَقَوْلُهُ عليه السلام : إذَا فَضَخَ الْمَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ ، وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِالرَّأْيِ. وقال أبو حنيفة : إنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَدْ بَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبُلْ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ. وقال مالك : لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ. وقال الشافعي كَقَوْلِنَا. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ وَالْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ لِنُزُولِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ. قال علي : وهذا لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ مَا الْغُسْلُ إلاَّ مِنْ ظُهُورِ الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام : إذَا رَأَتْ الْمَاءَ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً الْتَذَّ بِالتَّذَكُّرِ حَتَّى أَيْقَنَ أَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ صَارَ فِي الْمَثَانَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ جُنُبًا بَعْدُ , وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ. قلنا : لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاَةٍ , فَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ مَالِكٌ ، وَلاَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حُجَّةً فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي أُخْرَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 177 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَوْلَجَ فِي الْفَرْجِ وَأَجْنَبَ فَعَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي غُسْلِهِ ذَلِكَ لَهُمَا مَعًا , وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُضُوءُ ، وَلاَ بُدَّ , وَيُجْزِيهِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلٌ وَاحِدٌ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ , فَإِنْ نَوَى بَعْضَ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ وَلَمْ يَنْوِ سَائِرَهَا أَجْزَأَهُ لِمَا نَوَى , وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ لِمَا لَمْ يَنْوِ , فَإِنْ كَانَ مُجْنِبًا بِاحْتِلاَمٍ أَوْ يَقِظَةٍ مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ وَمِنْ الإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيلاَجٌ , وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الإِيلاَجِ , فَهِيَ أَعْمَالٌ مُتَغَايِرَةٌ وَقَدْ قَالَ عليه السلام : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَتِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَيُجْزِئُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَمَلٌ وَاحِدٌ ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ r أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ غُسْلاً وَاحِدًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ , فَأَجْزَأَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ , وَوَجَبَتْ النِّيَّاتُ بِالنَّصِّ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّ نِيَّةً لِبَعْضِ ذَلِكَ تُجْزِئُ ، عَنْ نِيَّةِ الْجَمِيعِ , فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 178 - مَسْأَلَةٌ : وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ لاَزِمٌ لِكُلِّ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ وَالسِّوَاكُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَلِيٌّ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حدثنا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ : أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ , وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لاَ , وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَرُوِّينَا إيجَابَ الْغُسْلِ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , فَصَارَ خَبَرًا مُتَوَاتِرًا يُوجِبُ الْعِلْمَ , وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٌ وَكَعْبٌ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ. أَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ : مَا هُوَ إلاَّ أَنْ سَمِعْت الأَذَانَ الأَوَّلَ فَتَوَضَّأْت وَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ , وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ. وَرُوِّينَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا فَيَغْسِلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ كَانَ لاَِهْلِهِ , وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. فأما اللَّفْظُ الأَوَّلُ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّفْظُ الثَّانِي ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَدْعُ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ : لاََنَا أَحْمَقُ مِنْ الَّذِي لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قال أبو محمد : لاَ يُحَمَّقُ مَنْ تَرَكَ مَا لَيْسَ فَرْضًا لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ فِيهِ : أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ , دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ وَالْمُفْلِحُ الْمَضْمُونُ لَهُ الْجَنَّةُ لَيْسَ أَحْمَقَ. وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ : أَنَا إذَنْ كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ r الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسُئِلَ ، عَنِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r . وَعَنْ كَعْبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ , وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَأَنَا أَرَى أَنْ يَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ إنْ كَانَ لَهُمْ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : اغْتَسِلْ. وَرُوِّينَا أَمْرَهُ بِالطِّيبِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمْرَهُ بِالْغُسْلِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَاوُوس قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُوجِبُ الطِّيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ : ثَلاَثٌ هُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : الْغُسْلُ وَالسِّوَاكُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إنْ وَجَدَهُ. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إسْقَاطُ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ r إنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا وَعَنْهَا أَيْضًا كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ , فَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَبِحَدِيثٍ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنْبَأَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَلَكِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَغْتَسِلُونَ. وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r رُبَّمَا اغْتَسَلَ وَرُبَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ , وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ , كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ , وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعِرَقَ النَّاسُ فِي الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ r الرِّيحَ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ طِيبًا , أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ , وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ , وَكُفُوا الْعَمَلَ , وَوَسَّعُوا مَسْجِدَهُمْ , وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ ". وَبِحَدِيثٍ ، عَنْ سَمُرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ. وَمَثَلُهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ عَنْهُ عليه السلام نَصًّا. وَكَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ , وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنْهُ عليه السلام , وَمَثَلُهُ نَصًّا ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَمَثَلُهُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْعَلاَءِ. وَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لإِنَّ كُلَّ هَذِهِ الآثَارِ لاَ خَيْرَ فِيهَا , حَاشَا حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعُمَرَ فَهُمَا صَحِيحَانِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَمُرْسَلاَنِ , وَكَمْ مِنْ مُرْسَلٍ لِلْحَسَنِ لاَ يَأْخُذُونَ بِهِ , كَمُرْسَلِهِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلاَةِ , لاَ يَأْخُذُ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ , وَكَمُرْسَلِهِ إنَّ الأَرْضَ لاَ تَنْجُسُ لاَ يَأْخُذُ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ , وَكَذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَمِمَّا يُوجِبُ الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلُوا الْمُرْسَلَ حُجَّةً , ثُمَّ لاَ يَأْخُذُونَ بِهِ , أَوْ أَنْ لاَ يَرَوْهُ حُجَّةً ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ , فَيَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ. وَأَمَّا حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيِّ , وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَالْكَذِبِ وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو هَذِهِ نَفْسَهَا ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَمْرٍو حُجَّةً فَلْيَأْخُذُوا بِهَذَا , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ الاِحْتِجَاجُ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ , وَأَمَّا عَمْرٌو فَضَعِيفٌ لاَ نَحْتَجُّ بِهِ لَنَا , وَلاَ نَقْبَلُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , وَلَوْ احْتَجَجْنَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لاََخَذْنَا بِخَبَرِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي قَتْلِ الْبَهِيمَةِ وَمَنْ أَتَاهَا , قلنا لَهُمْ : وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي إسْقَاطِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عَمْرٍو هَذَا لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , بَلْ لَكَانَ لَنَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ r إلاَّ الأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَإِيجَابَهُ , وَأَمَّا كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ إسْقَاطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنْ كَلاَمِهِ عليه السلام , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَظَنِّهِ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ عليه السلام. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ , وَلاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إلاَّ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ , فَإِنْ أَبَوْا إلاَّ الاِحْتِجَاجَ بِهِ , قلنا لَهُمْ : قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَأْخُذُونَ بِهَذَا , وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهُ ، عَنْ سَمُرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعٌ وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ بِهَذَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْعَارِ احْتِجَاجُهُمْ فِي الدِّينِ بِرِوَايَةِ مَا إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ , وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهَا بِعَيْنِهَا إذَا خَالَفَتْ تَقْلِيدَهُمْ , مَا نَرَى دِينًا يَبْقَى مَعَ هَذَا لاَِنَّهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الدِّينِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ , صَحَّ عَنْ شُعْبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاََنْ أَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَأَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْوِيَ ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ , وَرُبَّ حَدِيثٍ لِيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ تَرَكُوهُ لَمْ يَحْتَجُّوا فِيهِ إلاَّ بِضَعْفِهِ فَقَطْ , وَمِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ , وَهُوَ هَالِكٌ , عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ , وَهُوَ سَاقِطٌ , عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ سَاقِطًا لاَِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلاَّ مِنْ طُرُقٍ فِي أَحَدِهَا رَجُلٌ مَسْكُوتٌ ، عَنْ اسْمِهِ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ , وَفِي ثَانِيهمَا أَبُو سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَفِي الثَّالِثِ مِنْهَا الْحَسَنُ ، عَنْ جَابِرٍ ، وَلاَ يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ جَابِرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سُمْرَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ سَلَمِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي هِشَامٍ الْبَصْرِيِّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ , وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَسَقَطَتْ هَذِهِ الآثَارُ كُلُّهَا , ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ نِعْمَ الْعَمَلُ , وَأَنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فَهَلْ دَلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الإِيمَانَ وَالتَّقْوَى لَيْسَ فَرْضًا حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا , ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ فَرْضًا لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ , لإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ الأَمْرُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ عليه السلام غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عليه السلام شَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلْحَالَةِ الآُولَى بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ بِيَقِينٍ , وَالأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَالْغُبَارِ مِنْ الْعَوَالِي فَتَثُورُ لَهُمْ رَوَائِحُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا أَوْ أَوَلاَ تَغْتَسِلُونَ. فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام بِأَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُحْتَلِمٍ , وَالطِّيبَ وَالسِّوَاكَ , وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , أَوْ يَكُونَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ , فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ قَبْلَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ , فَلاَ يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمُتَأَخِّرِ , وَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ وَأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ , وَلاَ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصِ عَلَى إثْبَاتِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ تَبْكِيتٌ لِمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمُوجِبَ فَقَطْ , وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلأَمْرِ الْمُتَيَقَّنِ لاَ إسْقَاطٌ لَهُ , فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْوِصَالِ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَوَاصَلَ بِهِمْ تَنْكِيلاً لَهُمْ , أَفَيَسُوغُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ ، عَنِ الْوِصَالِ وَكُلُّ مَا أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ ، وَلاَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّهُ نَدْبٌ , إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِذَلِكَ , مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَهُ , مُبَيِّنٌ أَنَّهُ نَدْبٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ , لاَ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمَتْرُوكِ لَهَا الْيَقِينُ. هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ كَانَ بَعْدَ الإِيجَابِ لِلْغُسْلِ. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَبَدًا , بَلْ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الإِيجَابِ لاَِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَالنَّاسُ عُمَّالُ أَنْفُسِهِمْ , وَفِي ضِيقٍ مِنْ الْحَالِ وَقِلَّةٍ مِنْ الْمَالِ , وَهَذِهِ صِفَةُ أَوَّلِ الْهِجْرَةِ بِلاَ شَكٍّ , وَالرَّاوِي لاِِيجَابِ الْغُسْلِ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَكِلاَهُمَا مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ وَالصُّحْبَةِ. أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِسْلاَمُهُ إثْرَ فَتْحِ خَيْبَرَ , حَيْثُ اتَّسَعَتْ أَحْوَالُ الْمُسْلِمِينَ , وَارْتَفَعَ الْجَهْدُ وَالضِّيقُ عَنْهُمْ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ r بِعَامَيْنِ وَنِصْفٍ فَقَطْ , فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا عِنْدَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ ، وَلاَ أَقَرَّ عُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَالُوا : فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ فَرْضٍ. قال أبو محمد : هَذَا قَوْلٌ لاَ نَدْرِي كَيْفَ اُسْتُطْلِقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ لاَِنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ شَيْءٌ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ , بَلْ نَصُّهُ وَدَلِيلُهُ بِخِلاَفِ مَا قَالُوهُ. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ فَإِنْ قَالُوا : وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْغُسْلِ قلنا : هَبْكُمْ أَنَّهُ لاَ دَلِيلَ عِنْدَنَا بِهَذَا , وَلاَ دَلِيلَ عِنْدَكُمْ بِخِلاَفِهِ. فَمَنْ جَعَلَ دَعْوَاكُمْ فِي الْخَبَرِ , وَتَكَهُّنَكُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ , وَقَفْوُكُمْ مَا لاَ عِلْمَ لَكُمْ بِهِ , أَوْلَى مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِكُمْ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي هَذَا إذْ دَعَوَاكُمْ وَدَعَوَانَا مُمْكِنَةٌ أَنْ يَبْقَى الْخَبَرُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لَكُمْ ، وَلاَ عَلَيْكُمْ , وَلاَ لَنَا ، وَلاَ عَلَيْنَا , هَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ , فَكَيْفَ وَمَعَنَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ t فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كِلاَهُمَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ : سَمِعْت حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ قَالَ : كُنْت أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إلاَّ وَهُوَ يَفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً. فَقَدْ ثَبَتَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ , فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ مِنْ الأَيَّامِ بِلاَ شَكٍّ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا , لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُظَنَّ بِمِثْلِهِ t خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بَلْ لاَ يُقْطَعُ عَلَيْهِ إلاَّ بِطَاعَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ , كَمَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَائِرِ اللَّوَازِمِ لَهُ بِلاَ شَكٍّ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ لَنَا ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمَرُ t وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَهَذَا الْخَبَرُ عَنْهُمْ حُجَّةٌ لَنَا ظَاهِرَةٌ بِلاَ شَكٍّ لإِنَّ عُمَرَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ مُنْكِرًا عَلَى عُثْمَانَ أَنْ لَمْ يَصِلْ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَرْضًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَمَا قَطَعَ لَهُ الْخُطْبَةَ , وَعُمَرُ قَدْ حَلَفَ " وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ عِنْدَهُ فَرْضًا لَمَا كَانَتْ يَمِينُهُ صَادِقَةً وَاَلَّذِي حَصَلَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ إنْكَارُ تَرْكِ الْغُسْلِ , وَالإِعْلاَنُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَظُنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنْ يَسْتَجِيزَ خِلاَفَ أَمْرِهِ عليه السلام , مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَصَحَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً لَنَا وَإِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ آخَرُ يَقُولُ لِعُمَرَ : لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا. قال أبو محمد : وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَجَابَ عُمَرَ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَمْرَ الْغُسْلِ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ كُنْت اغْتَسَلْت قَبْلَ خُرُوجِي إلَى السُّوقِ , وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ : بِي عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْغُسْلِ , أَوْ يَقُولَ لَهُ : أُنْسِيتُ وَهَا أَنَا ذَا رَاجِعٌ فَأَغْتَسِلُ , فَدَارُهُ كَانَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَشْهُورَةٌ إلَى الآنِ أَوْ يَقُولُ لَهُ : سَأَغْتَسِلُ , فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. أَوْ يَقُولُ لَهُ : هَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ فَرْضًا , وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خُصُومِنَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ التَّعَلُّقَ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُمْكِنٌ , وَكُلُّهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلاً دُونَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالأَجْوِبَةِ الآُخَرِ الَّتِي هِيَ أَدْخَلُ فِي الإِمْكَانِ مِنْ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ , لاَِنَّهَا كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَلِمَا خَاطَبَهُ بِهِ عُمَرُ t بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. وَاَلَّذِي تَعَلَّقُوا هُمْ بِهِ تَكَهُّنٌ مُخَالِفٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r وَلِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ رَأَوْا الأَمْرَ بِالْغُسْلِ نَدْبًا , وَهَذَا لاَ يَصِحُّ , بَلْ الصَّحِيحُ خِلاَفُهُ بِنَصِّ الْخَبَرِ , فَقَدْ أَوْرَدْنَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَطْعَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِدَهْرٍ فَصَحَّ وُجُودُ خِلاَفِ مَا يَدَّعُونَهُ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ إجْمَاعًا , وَإِذَا وُجِدَ التَّنَازُعُ فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ بَلْ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَسُنَّتُهُ عليه السلام قَدْ جَاءَتْ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ , إلاَّ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدًا وَأَبَا سَعِيدٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ , فَحَسْبُهُمْ بِهَذَا ضَلاَلاً. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالاَ بِأَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَدْبٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْهُمَا فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ تَعْظِيمُ خِلاَفِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَاطِلِ الْمُتَكَهَّنِ وَلَمْ يُعَظِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلاَفَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ , فِي تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ , وَأَخْذِهِ فِي الْكَلاَمِ مَعَ عُثْمَانَ , وَمُجَاوَبَةِ عُثْمَانَ لَهُ بَعْدَ شُرُوعِ عُمَرَ فِي الْخُطْبَةِ , وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ هَذَا. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ , ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الآُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ , فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ عَلَى رِسْلِكُمْ , إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَشَاءَ. فَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا , وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : السُّجُودُ وَاجِبٌ. قال أبو محمد : أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَوْ أَدْخَلُ فِي الْبَاطِلِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كَلاَمُ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ بِمَا لاَ يَجِدُونَهُ فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُجَّةً عِنْدَهُمْ , ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ مُخَالَفَةَ عُمَرَ فِي عَمَلِهِ وَقَوْلِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ , وَفِي نُزُولِهِ ، عَنِ الْمِنْبَرِ لِلسُّجُودِ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ أَفَيَكُونُ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَإِنْ هَذَا إلاَّ تَلاَعُبٌ أَقْرَبُ إلَى الْجَدِّ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَقْلِيدًا لاِرَاءِ مَنْ لاَ يُضْمَنُ لَهُ الصَّوَابُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ , كَقَوْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ : أَنْ لاَ غُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إمْنَاءٌ , وَكَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ أَجْنَبَ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ، وَلاَ الصَّلاَةُ , وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ شَهْرًا , وَكَمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْقَضَاءِ بِأَوْلاَدِ الْغَارَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وقال بعضهم : هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , فَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا خَفِيَ عَلَى الْعُلَمَاءِ. قلنا نَعَمْ مَا خَفِيَ , قَدْ عَرَفَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَالُوا بِهِ. وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ قَدْ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ اللِّثَاتِ أَوْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْقَلْسِ , وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلاَ يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ , فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُوجِبُونَ التَّدَلُّكَ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا , وَالْفَوْرُ فِي الْوُضُوءِ فَرْضًا , تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ , وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ , فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَالشَّافِعِيُّونَ يَرَوْنَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ , وَمِنْ مَسِّ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَأُمَّهُ , وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ , فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ , ثُمَّ يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَمِنْ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي شَيْءٍ : إنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ , وَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُحْتَلِمٍ. ثم نقول نَحْنُ : لَيْسَ هُوَ وَاجِبًا ، وَلاَ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا أَمْرٌ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ. 179 - مَسْأَلَةٌ : وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ , فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , وَأَوَّلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ , إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ مِقْدَارُ مَا يُتِمُّ غُسْلَهُ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِهِ , وَأَفْضَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ , وَهُوَ لاَزِمٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَلُزُومِهِ لِغَيْرِهِمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنِ نَافِعٍ ، حدثنا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ طَاوُوس : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ : أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ , وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا بَهْزٌ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : (( حَقُّ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ , يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلٌ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ مُسْنَدًا. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ وَرُوِّينَا ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْتَزِئُ بِهِ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ , وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : إذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ. وَعَنِ الْحَسَنِ : إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ لِلْجُمُعَةِ , فَإِذَنْ هُوَ لِلْيَوْمِ , فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَذَلِكَ. فإن قال قائل : فَإِنَّكُمْ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ. وَرَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَعَنِ اللَّيْثِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ. قلنا نَعَمْ , وَهَذِهِ آثَارٌ صِحَاحٌ , وَكُلُّهَا لاَ خِلاَفَ فِيهَا لِمَا قلنا. أَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ فَهُوَ نَصُّ قَوْلِنَا , وَإِنَّمَا فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ بِالْغُسْلِ , وَلَيْسَ فِيهِ أَيُّ وَقْتٍ يَغْتَسِلُ , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ , وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الأَحَادِيثِ الآُخَرِ لإِنَّ فِي هَذَا إيجَابَ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ , فَلَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْغُسْلِ عَمَّنْ لاَ يَأْتِي الْجُمُعَةَ , وَفِي الأَحَادِيثِ الآُخَرِ الَّتِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ , فَهِيَ زَائِدَةٌ حُكْمًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ , فَالأَخْذُ بِهَا وَاجِبٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً , وَقَدْ يُرِيدُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ إتْيَانُهُ الْجُمُعَةَ لاَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ أَتَى مُتَّصِلاً بِإِرَادَتِهِ لاِِتْيَانِهَا , بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا سَاعَاتٌ , فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الرَّوَاحِ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَمَعَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَوْ قَبْلَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجَوَاكُمْ صَدَقَةً فَلَمَّا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنًا , وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ الْغُسْلِ بِالرَّوَاحِ أَصْلاً صَحَّ قَوْلُنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَيْضًا فَإِنَّنَا إذَا حَقَّقْنَا مُقْتَضَى أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى قَوْلِنَا لاَِنَّهُ إنَّمَا فِيهَا إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ. مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهَا إلاَّ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ , وَمِمَّنْ يَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ , وَمِنْ أَهْلِ الإِرَادَةِ لِلإِتْيَانِ إلَى الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ , وَلاَ مَزِيدَ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَقْتُ الْغُسْلِ , فَصَارَتْ أَلْفَاظُ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَعَهْدُنَا بِخُصُومِنَا يَقُولُونَ : إنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ , وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِهَا. وقال مالك وَالأَوْزَاعِيُّ : لاَ يُجْزِئُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلاَّ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ , إلاَّ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ : إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَهَضَ إلَى الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ. وقال مالك : إنْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ فَقَطْ , فَإِنْ أَكَلَ أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد كَقَوْلِنَا , وَقَالَ طَاوُوس وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ : مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ , وَلاَ لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَكَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا بِتَشْنِيعٍ خِلاَفَ قَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ , وَمَا يُعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ. فَإِنْ قَالُوا : مَنْ قَالَ قَبْلَكُمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ قلنا : كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلاً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ نَصًّا وَغَيْرِهِ , وأعجب شَيْءٍ أَنْ يَكُونُوا مُبِيحِينَ لِلْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ , وَمُبِيحِينَ لِتَرْكِهِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ , ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْغُسْلِ فِي وَقْتٍ هُمْ يُبِيحُونَهُ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
180 - مَسْأَلَةٌ : وَغُسْلُ كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ ، وَلاَ بُدَّ , مَا دَامَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُغَسَّلُ إلاَّ الشَّهِيدَ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَمَاتَ فِيهَا , فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ غُسْلُهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهِنَّ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ فَأَمَرَ عليه السلام بِالْغُسْلِ ثَلاَثًا , وَأَمْرُهُ فَرْضٌ وَخَيْرٌ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْوِتْرِ , وَأَمَّا الشَّهِيدُ فَمَذْكُورٌ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. 181 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا مُتَوَلِّيًا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِصَبٍّ أَوْ عَرْكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فَرْضًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ , وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ أَبُو دَاوُد : وَحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمَعْنَاهُ. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ قال أبو محمد : يَعْنِي مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ , رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَاتَ أَبُوهُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : اغْسِلْهُ فَإِذَا فَرَغْت فَاغْتَسِلْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ , وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَغْتَسِلُونَ مِنْهُ. يَعْنِي مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ عَلِيٌّ : وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد : لاَ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالأَثَرِ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ. قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لإِنَّ الأَمْرَ بِالْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ الإِيلاَجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ هُمَا شَرْعَانِ زَائِدَانِ عَلَى خَبَرِ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَالزِّيَادَةُ وَارِدَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r فَرْضٌ الأَخْذُ بِهَا. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تَتَنَجَّسُوا مِنْ مَوْتَاكُمْ وَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ. وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنْ سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ غُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ , فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ لِمَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبُرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ قَالُوا : لاَ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ لاَ يَغْتَسِلُونَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ : سُئِلَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، أَيُغْتَسَلُ مِنْ غُسْلِ الْمُتَوَفَّيْنَ قَالَتْ لاَ. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , أَمَّا الْخَبَرُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لإِنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ , وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ r بَعِيدَةٌ جِدًّا , ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ أَنْ لاَ نَتَنَجَّسَ مِنْ مَوْتَانَا فَقَطْ , وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَكُونَ نَتَنَجَّسُ مِنْ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ , أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ نَجِسًا , بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا , وَلَيْسَ الْغُسْلُ الْوَاجِبُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لِنَجَاسَتِهِ أَصْلاً , لَكِنْ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ , كَمَا غُسِّلَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ أَطْهَرُ وَلَدِ آدَمَ حَيًّا وَمَيِّتًا , وَغُسِّلَ أَصْحَابُهُ ، رضي الله عنهم ، إذْ مَاتُوا , وَهُمْ الطَّاهِرُونَ الطَّيِّبُونَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا , وَكَغُسْلِ الْجُمُعَةِ , وَلاَ نَجَاسَةَ هُنَالِكَ , فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ نَعَمْ ، وَلاَ أَبُوهُ أَيْضًا , ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرُوا ، عَنِ الصَّحَابَةِ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ خِلاَفِ ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ , مِنْ كَلاَمِهِ وَكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r وَالسُّنَّةُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالإِسْنَادِ الثَّابِتِ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الْجُمْهُورَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابًا ضَخْمًا , وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ , وَعَائِشَةَ فِي قَوْلِهَا : تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ , وَلاَ مُخَالِفَ يُعْرَفُ لِهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا 182 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ صَبَّ عَلَى مُغْتَسِلٍ وَنَوَى ذَلِكَ الْمُغْتَسِلُ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْسَاسُ الْمَاءِ الْبَشَرَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَةِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ , فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ لِمَرْءٍ فَقَدْ فَعَلَ الْغُسْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ بِيَدِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 183 - مَسْأَلَةٌ : وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ دَمُ النِّفَاسِ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , مَنْ خَالَفَهُ كَفَرَ ، عَنْ نُصُوصٍ ثَابِتَةٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَامِلَ لاَ تَحِيضُ , وَدَمُ النِّفَاسِ هُوَ الْخَارِجُ إثْرَ وَضْعِ الْمَرْأَةِ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا ; لاَِنَّهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ , وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ نُفَسَاءَ , وَلَيْسَ دَمَ نِفَاسٍ , وَلاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ , وَسَنَذْكُرُ فِي الْكَلاَمِ فِي الْحَيْضِ مُدَّةَ الْحَيْضِ وَمُدَّةَ النِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 184 - مَسْأَلَةٌ : وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ شَيْءٌ وَاحِدٌ , فَأَيَّتُهُمَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالشَّجَرَةِ , فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّرِيحِ : نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِالشَّجَرَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ r وَحَاضَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمَّا الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا : أَنُفِسْتِ قَالَتْ نَعَمْ. فَصَحَّ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى نِفَاسًا. فَصَحَّ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَرَ عليه السلام الَّتِي تَرَى الدَّمَ الأَسْوَدَ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ , وَحَكَمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَأَنَّهَا حَائِضٌ , وَأَنَّ الدَّمَ الآخَرَ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ هِيَ بِهِ حَائِضٌ , وَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيْضَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ , فَكُلُّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَكَانِ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَهُوَ حَيْضٌ , إلاَّ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَامِلُ وَاَلَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا ، وَلاَ يَنْقَطِعُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَرْأَةُ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ تَحِيضُ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تَعْمَلَ فِي حَجِّهَا , مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مُهَلِّينَ بِحَجٍّ مُفْرَدًا وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ : قَدْ حِضْتُ وَحَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ , وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ هَذَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ. 186 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمُتَّصِلَةُ الدَّمُ الأَسْوَدُ الَّذِي لاَ يَتَمَيَّزُ ، وَلاَ تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إنْ شَاءَتْ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ , وَإِنْ شَاءَتْ إذَا كَانَ قُرْبَ آخَرِ وَقْتَ الظُّهْرِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الظُّهْرَ بِقَدْرِ مَا تَسْلَمُ مِنْهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَصْرَ , ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِقَدْرِ مَا تَفْرُغُ مِنْهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَتَمَةَ , ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ , وَإِنْ شَاءَتْ حِينَئِذٍ أَنْ تَتَنَفَّلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَتَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَلَهَا ذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلاَمِنَا فِي الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 187 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَثَرٌ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ , وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ فِي الْغُسْلِ مِنْ مُوَارَةِ الْكَافِرِ , فِيهِ نَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ كَلاَمِ اللَّهِ أَوْ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِهِ r . وَمِمَّنْ لاَ يَرَى الْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ فِي حَيَاءِ الْبَهِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ : لاَ غُسْلَ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ , فَمَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ قِيلَ لَهُ : بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ , فَقِيَاسُهَا عَلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي مِنْ الْقَتْلِ وَتَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْلَى , وَلاَ غُسْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ , فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. صِفَةُ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا 188 - مَسْأَلَةٌ : أَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ فَيَخْتَارُ دُونَ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فَرْضًا أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ فَرْجِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ , وَأَنْ يَمْسَحَ بِيَدِهِ الْجِدَارَ أَوْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِهِ ثُمَّ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَرْضًا ، وَلاَ بُدَّ , إنْ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلاَّ فَلاَ , فَيُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّ الْجِلْدَ , ثُمَّ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا بِيَدِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ , وَأَمَّا الْفَرْضُ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ فَأَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلاَّ فَلاَ , وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ , ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ جَسَدِهِ بَعْدَ رَأْسِهِ ، وَلاَ بُدَّ إفَاضَةً يُوقِنُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ رَأْسِهِ وَجَمِيعِ شَعْرِهِ وَجَمِيعَ جَسَدِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا فَكَيْفَمَا أَتَى بِالطُّهُورِ فَقَدْ أَدَّى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ , حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ , حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ ، عَنْ عِمْرَانَ ، هُوَ ابْنُ حُصَيْنٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي سَفَرٍ , فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ وَقَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ. وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ : أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ r غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ , ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ , ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى ، عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ , ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ عليه السلام لاُِمِّ سَلَمَةَ : إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ فَإِذَا بِكِ قَدْ طَهُرْتِ. فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ فَرْجِهِ وَأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قَبْلَ رَأْسِهِ فَقَطْ إنْ شَاءَ , فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ رَأْسِهِ عَلَى جَسَدِهِ , وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ , إلاَّ أَنْ يَصِحَّ أَنَّ هَكَذَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّه r فِي الْحَيْضِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَإِلاَّ فَلاَ , وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُهَاجِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَلَيْسَ ذِكْرُ الْحَيْضِ مَحْفُوظًا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَصْلاً فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ قلنا بِهِ , وَلَمْ نَسْتَجِزْ مُخَالَفَتَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. 189 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَلَّكَ : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , وقال مالك بِوُجُوبِ التَّدَلُّكِ. قال أبو محمد : بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي , أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ : لاَ إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ فَتَطْهُرِينَ. وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ كُلُّهَا فِي صِفَةِ غُسْلِهِ عليه السلام , لاَ ذِكْرَ لِلتَّدَلُّكِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ : فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اغْسِلْ رَأْسَكَ ثَلاَثًا ثُمَّ أَفْضِ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِكَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ إنَّهُ يَجْزِيهِ مِنْ الْغُسْلِ. وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا بِأَنْ قَالَ : قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إذَا تَدَلَّكَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ , وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ , فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ يُجْزِئَ زَوَالُ الْجَنَابَةِ إلاَّ بِالإِجْمَاعِ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَّمَ عَائِشَةَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا عليه السلام : يَا عَائِشَةُ اغْسِلِي يَدَيْكِ ثُمَّ قَالَ لَهَا تَمَضْمَضِي ثُمَّ اسْتَنْشِقِي وَانْتَثِرِي ثُمَّ اغْسِلِي وَجْهَكِ ثُمَّ قَالَ : اغْسِلِي يَدَيْكِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ قَالَ : أَفْرِغِي عَلَى رَأْسَكِ ثُمَّ قَالَ : أَفْرِغِي عَلَى جِلْدِكِ ثُمَّ أَمَرَهَا تَدْلُكُ وَتَتَّبِعُ بِيَدِهَا كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ مِنْ جَسَدِهَا ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَفْرِغِي عَلَى رَأْسِكِ الَّذِي بَقِيَ ثُمَّ اُدْلُكِي جِلْدَكِ وَتَتَّبِعِي. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ : خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ : أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ عليه السلام ، عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ عليه السلام : تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ أَوْ تَبْلُغُ فِي الطَّهُورِ ثُمَّ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُ حَتَّى يَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا وقال بعضهم : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِعَرْكٍ وقال بعضهم : قوله تعالى : فَاطَّهَّرُوا دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَكُلُّهُ إيهَامٌ وَبَاطِلٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْغُسْلَ إذَا كَانَ بِتَدَلُّكٍ فَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَمَامِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَمَامِهِ دُونَ تَدَلُّكٍ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ , أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الدِّينِ لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الإِجْمَاعِ فِيمَا صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ , فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ : وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي ذَكَرُوا فَإِنَّمَا هُوَ إيجَابُ اتِّبَاعِ الاِخْتِلاَفِ لاَ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الإِجْمَاعِ. وَهَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ التَّدَلُّكَ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَلاَ جَاءَ بِهِ نَصٌّ. وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرُوا إيجَابُ الْقَوْلِ بِمَا لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ , وَهَذَا بَاطِلٌ , ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الأَصْلَ , وَإِنْ اتَّبَعُوهُ بَطَلَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَعْشَارِ مَذَاهِبِهِمْ , أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُمَضْمِضْ ، وَلاَ اسْتَنْشَقَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لاَ غُسْلَ لَهُ ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّلاَةُ بِهَذَا الاِغْتِسَالِ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَيَلْزَمُكُمْ إيجَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا لاَِنَّهُمَا إنْ أَتَى بِهِمَا الْمُغْتَسِلُ فَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ , وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ , فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ يَزُولَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ إلاَّ بِالإِجْمَاعِ. وَهَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مِنْ بِئْرٍ قَدْ بَالَتْ فِيهِ شَاةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهَا لِلْبَوْلِ أَثَرٌ , وَهَكَذَا فِيمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ , وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ , بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِمْ , وَمَا يَكَادُ يَخْلُصُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ - مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الإِلْزَامِ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلاَّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ , وَحُكْمُ التَّدَلُّكِ مَكَانُ تَنَازُعٍ فَلاَ يُرَاعَى فِيهِ الإِجْمَاعُ أَصْلاً. وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَسَاقِطٌ لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ , وَعِكْرِمَةُ سَاقِطٌ , وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ r أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ , ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ ; لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ , وَأَبْعَدَ ذِكْرَهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لاَِنَّهُ جَاءَ فِيهِ الأَمْرُ بِالتَّدَلُّكِ , كَمَا جَاءَ فِيهِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْثَارِ وَالاِسْتِنْشَاقِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَرْضًا , وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا , وَلاَ يَرَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا , فَكُلُّهُمْ إنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّتَهُمْ وَأَسْقَطُوهَا , وَعَصَوْا مَا أَقَرُّوا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ عِصْيَانُهُ , وَلَيْسَ لاِِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ مَا وَافَقَهَا عَلَى الْفَرْضِ وَمَا خَالَفَهَا عَلَى النَّدْبِ , إلاَّ مِثْلَ مَا لِلآُخْرَى مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِكُلِّ مَا فِيهِ , فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَكُلُّهُ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا الْخَبَرُ إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِسِ بْنِ وَجِيهٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ غَسْلُ الشَّعْرِ وَإِنْقَاءُ الْبَشَرِ , وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالتَّدَلُّكِ , بَلْ هُوَ تَامٌّ دُونَ تَدَلُّكٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ , وَيَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ مَشْهُورٌ بِرِوَايَةِ الْكَذِبِ , فَسَقَطَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ إيجَابُ التَّخْلِيلِ فَقَطْ لاَ التَّدَلُّكِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , لأَنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَكَ بِيَدَيْهِ دُونَ أَنْ يُخَلِّلَهُ أَنْ يُجْزِيَهُ , فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ صَفِيَّةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلاَّ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ دَلْكُ شُئُونِ رَأْسِهَا فَقَطْ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الأَخْبَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ , فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ , فَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ دُونَ مَاءٍ. وَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ دُونَ عَرْكٍ. وَمِنْهَا مَا لاَ بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِزَالَةِ عَيْنِهِ فَمَا الَّذِي جَعَلَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ فَكَيْفَ وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ , لإِنَّ النَّجَاسَةَ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا , وَلَيْسَ فِي جِلْدِ الْجُنُبِ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ إذَا زَالَ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى عَرْكٍ ، وَلاَ دَلْكٍ , بَلْ يُجْزِئُ الصَّبُّ , فَهَلاَّ قَاسُوا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ إذْ كِلاَهُمَا لاَ عَيْنَ هُنَاكَ تُزَالُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ قوله تعالى : فَاطَّهَّرُوا دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ , فَتَخْلِيطٌ لاَ يُعْقَلُ , وَلاَ نَدْرِي فِي أَيِّ شَرِيعَةٍ وَجَدُوا هَذَا , أَوْ فِي أَيِّ لُغَةٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَهُوَ مَسْحٌ خَفِيفٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ , وَوَضَحَ أَنَّ التَّدَلُّكَ لاَ مَعْنَى لَهُ فِي الْغُسْلِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ. 190 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ ، وَلاَ فِي الْوُضُوءِ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ r فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً. قَالَ عَلِيٌّ : وَغَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً لاَ يُمْكِنُ مَعَهُ بُلُوغُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ , وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إلاَّ بِتَرْدَادِ الْغُسْلِ وَالْعَرْكِ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَالْوَجْهُ هُوَ مَا وَاجَهَ مَا قَابَلَهُ بِظَاهِرِهِ , وَلَيْسَ الْبَاطِنُ وَجْهًا وَذَهَبَ إلَى إيجَابِ التَّخْلِيلِ قَوْمٌ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ خَلِّلُوا وَعَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ , وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : اغْسِلْ أُصُولَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَحِقُّ عَلَيَّ أَنْ أَبُلَّ أَصْلَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي الْوَجْهِ قَالَ نَعَمْ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَنْ أَزِيدَ مَعَ اللِّحْيَةِ الشَّارِبَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ قَالَ : نَعَمْ , وَعَنِ ابْنِ سَابِطٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إيجَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ , وَرُوِّينَا ، عَنْ غَيْرِ هَؤُلاَءِ فِعْلَ التَّخْلِيلِ دُونَ أَنْ يَأْمُرُوا بِذَلِكَ , فَرُوِّينَا ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ , وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَأَبِي مَيْسَرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى إيجَابَ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ : بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرَكَ بِغَسْلِ الْفَنِيكِ وَالْفَنِيكُ الذَّقَنُ خَلِّلْ لِحْيَتَكَ عِنْدَ الطُّهُورِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَتَطَهَّرُ وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ , وَيَقُولُ : هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَمِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ : أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ زَوَرَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الآخَرُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مَغْمُوزٌ بِالْكَذِبِ , وَالطَّرِيقُ الرَّابِعَةُ فِيهَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ لاَ شَيْءَ , فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مَوْلَى يُوسُفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَالآُخْرَى فِيهَا مَجْهُولُونَ لاَ يُعْرَفُونَ , وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ مِمَّنْ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَرَسُولِ اللَّهِ r أَحَدٌ , فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ اسْتَحَبَّ التَّخْلِيلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ , وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ : أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ , وَلَيْسَ مَشْهُورًا بِقُوَّةِ النَّقْلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمِنْ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ بِلاَلٍ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَأَيْضًا فَلاَ يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءٌ لِعَمَّارٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ شُعْبَةُ يُسَمِّيهِ عَمْرَو بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ يُسَمِّيهِ عِمْرَانَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَرْقَاءِ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْعَطَّارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَسْقَطَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَمِنْ طَرِيقِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَأَبُو أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ فِيهِ لَيْسَ هُوَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ النَّبِيِّ r قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسِ الْمَدِينِيِّ , مِنْ وَلَدِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَلَيْسَ هُوَ خَالِدُ بْنُ إلْيَاسِ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ شُعْبَةُ , ذَا بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَصْرَمَ بْنِ غِيَاثٍ , وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَمُرْسَلاَنِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ " أَجْتَهِدُ رَأْيِي " وَيَجْعَلُهُ أَصْلاً فِي الدِّينِ وَبِأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَبِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ , وَبِحَدِيثِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ , وَيَدَّعِي فِيهَا الظُّهُورَ وَالتَّوَاتُرَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فَهِيَ أَشَدُّ ظُهُورًا وَأَكْثَرُ تَوَاتُرًا مِنْ تِلْكَ , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا هَمَّهُمْ نَصْرُ مَا هُمْ فِيهِ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا مِنْ رَأَى التَّخْلِيلَ بِأَنْ قَالُوا : وَجَدْنَا الْوَجْهَ يَلْزَمُ غَسْلُهُ بِلاَ خِلاَفٍ قَبْلَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ , فَلِمَا نَبَتَتْ ادَّعَى قَوْمٌ سُقُوطَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ آخَرُونَ , فَوَاجِبٌ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ أَوْ إجْمَاعٍ قال أبو محمد : وَهَذَا حَقٌّ , وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ ; لاَِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ غَسْلَهُ مَا دَامَ يُسَمَّى وَجْهًا , فَلَمَّا خَفِيَ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْوَجْهِ , وَانْتَقَلَ هَذَا الاِسْمُ إلَى مَا ظَهَرَ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الشَّعْرِ , وَإِذْ سَقَطَ اسْمُهُ سَقَطَ حُكْمُهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 191 - مَسْأَلَةٌ : وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُخَلِّلَ شَعْرَ نَاصِيَتِهَا أَوْ ضَفَائِرِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ , لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِبَابَيْنِ فِي بَابِ التَّدَلُّكِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا. 192 - مَسْأَلَةٌ : وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ حَلُّ ضَفَائِرِهَا وَنَاصِيَتِهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ النِّفَاسِ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَغِيثٍ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لَهَا فِي الْحَيْضِ اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَاغْتَسِلِي. قَالَ عَلِيٌّ : وَالأَصْلُ فِي الْغُسْلِ الاِسْتِيعَابُ لِجَمِيعِ الشَّعْرِ , وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ بِيَقِينٍ , بِخِلاَفِ الْمَسْحِ , فَلاَ يَسْقُطُ ذَلِكَ إلاَّ حَيْثُ أَسْقَطَهُ النَّصُّ , وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْجَنَابَةِ فَقَطْ , وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ بِأَنَّ غُسْلَ النِّفَاسِ كَغُسْلِ الْحَيْضِ. فإن قيل : فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَكُمْ قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ قَالَ : لاَ. قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُهُ هَهُنَا رَاجِعٌ إلَى الْجَنَابَةِ لاَ غَيْرُ , وَأَمَّا النَّقْضُ فِي الْحَيْضِ فَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِهِ , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ إلاَّ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ r لَهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَاغْتَسِلِي فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ : قلنا نَعَمْ , إلاَّ أَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ الْوَارِدَ بِنَقْضِ ضَفْرِهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضَةِ هُوَ زَائِدٌ حُكْمًا وَمُثْبَتٌ شَرْعًا عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ , وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا. قال أبو محمد : وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثًا سَاقِطًا ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْمَرْأَةِ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضَةٍ أَوْ جَنَابَةٍ لاَ تَنْقُضُ شَعْرَهَا وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلاَّ ابْنُ لَهِيعَةَ لَكَفَى سُقُوطًا , فَكَيْفَ وَفِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَحَسْبُكَ بِهِ , ثُمَّ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ " حَدَّثَنَا " وَهُوَ مُدَلِّسٌ فِي جَابِرٍ مَا لَمْ يَقُلْهُ. فإن قيل : قِسْنَا غُسْلَ الْحَيْضِ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ , قلنا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لإِنَّ الأَصْلَ يَقِينُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ , وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ مَا خَرَجَ ، عَنْ أَصْلِهِ لَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ , وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ : لاَ يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا فَعَلُوا فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ , وَخَبَرِ جُعْلِ الآبِقِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ. فإن قيل : فَإِنَّ عَائِشَةَ قَدْ أَنْكَرَتْ نَقْضَ الضَّفَائِرِ , كَمَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ : يَا عَجَبًا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ. أَوَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ r مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ , وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ إفْرَاغَاتٍ. قال أبو محمد : هَذَا لاَ حُجَّةَ عَلَيْنَا فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، لَمْ تَعْنِ بِهَذَا إلاَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَقَطْ وَهَكَذَا نَقُولُ , وَبَيَانُ ذَلِكَ إحَالَتُهَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عَلَى غُسْلِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِلاَ شَكٍّ لِلْجَنَابَةِ لاَ لِلْحَيْضِ , وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الْحَيْضَ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِيهِ حُجَّةٌ لاَِنَّنَا لَمْ نُؤْمَرْ بِقَبُولِ رَأْيِهَا , إنَّمَا أُمِرْنَا بِقَبُولِ رِوَايَتِهَا , فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ اللاَّزِمُ , وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , وَهُوَ صَاحِبٌ , وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ , وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ دُونَ الآخَرِ , وَفِي السُّنَّةِ مَا ذَكَرْنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 193 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ أَيُّ غُسْلٍ كَانَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَجْزَأَهُ إذَا نَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ , وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ , إذَا عَمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ , لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّدَلُّكَ لاَ مَعْنًى لَهُ , وَهُوَ قَدْ تَطَهَّرَ وَاغْتَسَلَ كَمَا أُمِرَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ. 194 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ , وَنَوَى الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْحَيْضِ وَمِنْ النِّفَاسِ وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُجْزِهِ لِلْجَنَابَةِ , فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَنَوَى بِانْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ غُسْلاً مِنْ هَذِهِ الأَغْسَالِ وَلَمْ يَنْوِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَوْ نَوَاهُ , لَمْ يُجْزِهِ أَصْلاً لاَ لِلْجَنَابَةِ ، وَلاَ لِسَائِرِ الأَغْسَالِ , وَالْمَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ , قَلَّ أَوْ كَثُرَ , مُطَهِّرٌ لَهُ إذَا تَنَاوَلَهُ , وَلِغَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا كَانَ مَاءً قَلِيلاً فِي مَطْهَرَةٍ أَوْ جُبٍّ أَوْ بِئْرٍ , أَوْ كَانَ غَدِيرًا رَاكِدًا فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ , كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيْلِيُّ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقِيلَ : كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً ". حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيُّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، وَلاَ يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا نَسْتَحِبُّ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ مَاءِ الْغَدِيرِ وَنَغْتَسِلَ بِهِ فِي نَاحِيَةٍ ". قال أبو محمد , فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ r الْجُنُبَ ، عَنْ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جُمْلَةُ فَوَجَبَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ دَائِمٍ , فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى إنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ , وَلاَ يُجْزِيهِ لاَِيِّ غُسْلٍ نَوَاهُ , لاَِنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r جُمْلَةً. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِيهِ , لاَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ حَدِيثُ ابْنِ عَجْلاَنَ لاََجْزَأَ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِغَيْرِ الْجَنَابَةِ , لَكِنَّ الْعُمُومَ وَزِيَادَةَ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ خِلاَفَهَا. وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ اغْتِسَالَ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لاَ يُجْزِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ , إلاَّ أَنَّهُ عَمَّ بِذَلِكَ كُلَّ غُسْلٍ وَكُلَّ وُضُوءٍ , وَخَصَّ بِذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ الْغَدِيرِ الَّذِي إذَا حُرِّكَ طَرْفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الآخَرُ , وَرَأَى الْمَاءَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ , فَكَانَ مَا زَادَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ عُمُومِ كُلِّ غُسْلٍ خَطَأً , وَمِنْ تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَكَانَ مَا نَقَصَ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام مِنْ تَخْصِيصِهِ بَعْضَ الْمِيَاهِ الرَّوَاكِدِ دُونَ بَعْضٍ خَطَأٌ وَكَانَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَمْرَهُ عليه السلام صَوَابًا , وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , إلاَّ أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ الْكُرِّ مِنْ الْمَاءِ , فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً. وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الشَّافِعِيِّ , إلاَّ أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ , فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً , وَعَمَّ بِهِ كُلَّ غُسْلٍ , فَكَانَ هَذَا الَّذِي زَادَهُ خَطَأٌ , وَرَأَى الْمَاءَ لاَ يَفْسُدُ , فَأَصَابَ , وَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ. وَأَجَازَهُ إذَا وَقَعَ , فَكَانَ هَذَا مِنْهُ خَطَأٌ , لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ غُسْلٌ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ غُسْلٍ أَمَرَ بِهِ , أَبَى اللَّهُ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ ، عَنِ الطَّاعَةِ وَأَنْ يُجْزِئَ الْحَرَامُ مَكَانَ الْفَرْضِ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. قَالَ عَلِيٌّ : فَلَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَمْ يَجْزِهِ , وَلَوْ أَنَّهُ شَعْرَةً وَاحِدَةً , لإِنَّ بَعْضَ الْغُسْلِ غُسْلٌ , وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام ، عَنْ أَنْ يَغْتَسِلَ غَيْرُ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحَيٌّ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا فَصَحَّ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ يُجْزِيهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 195 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَجْنَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَلاَ يُجْزِيهِ إلاَّ غُسْلاَنِ غُسْلٌ يَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ ، وَلاَ بُدَّ , وَغُسْلٌ آخَرُ يَنْوِي بِهِ الْجُمُعَةَ ، وَلاَ بُدَّ , فَلَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَيْضًا لَمْ يُجْزِهِ إلاَّ غُسْلٌ ثَالِثٌ يَنْوِي بِهِ ، وَلاَ بُدَّ , فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ أَنْ وُطِئَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَّلَتْ الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَّرَتْهُ حَتَّى تَطْهُرَ , فَإِذَا طَهُرَتْ لَمْ يُجْزِهَا إلاَّ غُسْلاَنِ , غُسْلٌ تَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَغُسْلٌ آخَرُ تَنْوِي بِهِ الْحَيْضَ , فَلَوْ صَادَفَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَغَسَّلَتْ مَيِّتًا لَمْ يُجْزِهَا إلاَّ أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ نَوَى بِغُسْلٍ وَاحِدٍ غُسْلَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَأَكْثَرَ , لَمْ يُجْزِهِ ، وَلاَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا , وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ غُسْلَيْنِ , وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَغْسِلُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَرَّتَيْنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلاَنِ أَوْ ثَلاَثًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَغْسَالٍ أَوْ أَرْبَعًا إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ وَنَوَى فِي كُلِّ غَسْلَةٍ الْوَجْهَ الَّذِي غَسَلَهُ لَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِلاَّ فَلاَ , فَلَوْ أَرَادَ مَنْ ذَكَرْنَا الْوُضُوءَ لَمْ يُجْزِهِ إلاَّ الْمَجِيءُ بِالْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ مُفْرَدًا ، عَنْ كُلِّ غُسْلٍ ذَكَرْنَا , حَاشَا غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَحْدَهُ فَقَطْ فَإِنَّهُ إنْ نَوَى بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ مَعًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلاَّ الْغُسْلَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْوُضُوءِ وَلَوْ نَوَاهُ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْغُسْلِ , وَلاَ يُجْزِئُ لِلْوُضُوءِ مَا ذَكَرْنَا إلاَّ مُرَتَّبًا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِكُلٍّ غُسْلٍ مِنْ هَذِهِ الأَغْسَالِ , فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُجْزِئَ عَمَلُ وَاحِدٍ ، عَنْ عَمَلَيْنِ أَوْ ، عَنْ أَكْثَرَ , وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنْ نَوَى أَحَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ r الصَّادِقَةِ الَّذِي نَوَاهُ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ , فَإِنْ نَوَى بِعَمَلِهِ ذَلِكَ غُسْلَيْنِ فَصَاعِدًا فَقَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ , لاَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلٍ تَامٍّ لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا , فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , وَالْغُسْلُ لاَ يَنْقَسِمُ , فَبَطَلَ عَمَلُهُ كُلُّهُ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَأَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَجْزَأَ فِيهِمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا جَمِيعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ , كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ بِيَدِهِ , ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ r غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ , ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ , ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ , ثُمَّ تَنَحَّى ، عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ , ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ r لَمْ يَعُدَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي غُسْلِهِ لِلْجَنَابَةِ , وَنَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَا ضَيَّعَ نِيَّةَ كُلِّ عَمَلٍ افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ , فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ خَاصَّةً وَبَقِيَتْ سَائِرُ الأَغْسَالِ عَلَى حُكْمِهَا قال أبو محمد : وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ : يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ , وقال بعضهم : إنْ نَوَى الْجَنَابَةَ يُجْزِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ , وَإِنْ نَوَى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ , مِنْ الْجَنَابَةِ قال علي : وهذا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ عِنْدَهُمْ تَطَوُّعٌ , فَكَيْفَ يُجْزِئُ تَطَوُّعٌ ، عَنْ فَرْضٍ أَمْ كَيْفَ تُجْزِئُ نِيَّةٌ فِي فَرْضٍ لَمْ تَخْلُصْ وَأُضِيفَ إلَيْهَا نِيَّةُ تَطَوُّعٍ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ قَالَ عَلِيٌّ : وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : وَجَدْنَا وُضُوءًا وَاحِدًا وَتَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ ، عَنْ جَمِيعِ الأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ , وَغُسْلاً وَاحِدًا يُجْزِئُ ، عَنْ جَنَابَاتٍ كَثِيرَةٍ , وَغُسْلاً وَاحِدًا يُجْزِئُ ، عَنْ حَيْضِ أَيَّامٍ , وَطَوَافًا وَاحِدًا يُجْزِئُ ، عَنْ عُمْرَةٍ وَحَجٍّ فِي الْقُرْآنِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لاَِنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ لاََنْ يُجْزِئَ غُسْلٌ وَاحِدٌ ، عَنْ غُسْلَيْنِ مَأْمُورٍ بِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي الْوُضُوءِ : بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلاَنِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ , أَوْ رَقَبَتَانِ ، عَنْ ظِهَارَيْنِ , أَوْ كَفَّارَتَانِ ، عَنْ يَمِينَيْنِ , أَوْ هَدْيَانِ ، عَنْ مُتْعَتَيْنِ , أَوْ صَلاَتَا ظُهْرٍ مِنْ يَوْمَيْنِ , أَوْ دِرْهَمَانِ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، عَنْ مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجْزِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ , وَرَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ , وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ , وَهَدْيٌ وَاحِدٌ , وَصَلاَةٌ وَاحِدَةٌ وَدِرْهَمٌ وَاحِدٌ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ. ثم نقول لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا الْوُضُوءُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلاَةِ. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ جُمْلَةً , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ حَدَثٍ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ جَنَابَةٍ. وَصَحَّ أَيْضًا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وُضُوءٌ وَاحِدٌ لِلصَّلاَةِ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ سَلَفَ , مِنْ نَوْمٍ وَبَوْلٍ وَحَاجَةِ الْمَرْءِ وَمُلاَمَسَةٍ , وَإِنَّهُ عليه السلام كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ ، عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : طَوَافٌ وَاحِدٌ يَكْفِيكَ لِحَجِّكَ وَعُمْرَتِكَ وَقَوْلُهُ عليه السلام : دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يُجْزِئُ عِنْدَهُ غُسْلٌ وَاحِدٌ ، عَنِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالتَّبَرُّدِ , وَلاَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ إلاَّ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ. وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ وَإِبْطَالُ السُّنَنِ. قال أبو محمد " وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ : حدثنا حَبِيبٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الأَعْلَى وَبِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ حَبِيبٌ عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ قَالَ : سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ ، عَنِ الْمَرْأَة تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ قَالَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ يَعْنِي لِلْجَنَابَةِ وَقَالَ سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ مَقْسَمٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. قَالَ لَيْثٌ : عَنْ طَاوُوس , وَقَالَ الْمُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَالَ هِشَامٌ ، عَنِ الْحَسَنِ. قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْمَرْأَةِ تُجْنِبُ ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ يَعْنُونَ لِلْجَنَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكُ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ جُنُبًا ثُمَّ تَحِيضُ , قَالاَ جَمِيعًا : تَغْتَسِلُ , يَعْنِيَانِ لِلْجَنَابَةِ , قَالَ وَسَأَلْتُ عَنْهَا الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ قَالَ : تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ , غَسْلَةً دُونَ غَسْلَةٍ وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى ، حدثنا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرَوَيْهِ , قَالَ مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَالَ يُونُسُ ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْمَرْأَةِ تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ , أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِجَنَابَتِهَا , وَقَالَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الْمَرْأَةِ تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ , فَإِنْ أَخَّرَتْ فَغُسْلاَنِ عِنْدَ طُهْرِهَا. فَهَؤُلاَءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وطَاوُوس وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَالزُّهْرِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ , وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِنَا. 196 - مَسْأَلَةٌ : وَيُكْرَهُ لِلْمُغْتَسِلِ أَنَّ يَتَنَشَّفَ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُ , فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ حَرَجَ , وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ السَّكَنِ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ r غُسْلاً وَسَتَرْتُهُ فَذَكَرْتُ صِفَةَ غُسْلِهِ عليه السلام قَالَتْ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ , ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ , فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً , فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَلَمْ يَرُدَّهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا هِشَامٌ ، حدثنا أَبُو مَرْوَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فِي مَنْزِلِنَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ فَاغْتَسَلَ , ثُمَّ نَاوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r . قال أبو محمد : هَذَا لاَ يُضَادُّ الأَوَّلَ , لاَِنَّهُ عليه السلام اشْتَمَلَ فِيهَا فَصَارَتْ لِبَاسُهُ حِينَئِذٍ , وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْمِنْدِيلِ الْمُهَذَّبِ أَيَمْسَحُ بِهِ الرَّجُلُ الْمَاءَ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ فِيهِ , وَقَالَ هُوَ شَيْءٌ أُحْدِثَ. قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إنْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي الْمِنْدِيلُ بَرْدَ الْمَاءِ قَالَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إذَنْ , وَلَمْ يَنْهَ عليه السلام ، عَنْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِيهِ. 197 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ غُسْلٍ ذَكَرْنَا فَلِلْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ مِنْ رِجْلَيْهِ أَوْ مِنْ أَيِّ أَعْضَائِهِ شَاءَ , حَاشَا غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ , فَلاَ يُجْزِئُ فِيهِمَا إلاَّ الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الرَّأْسِ أَوَّلاً ثُمَّ الْجَسَدِ , فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْبُدَاءَةَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِجَسَدِهِ ، وَلاَ بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا , يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ بَدَأَ عليه السلام بِالرَّأْسِ قَبْلَ الْجَسَدِ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى فَصَحَّ أَنَّ مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فِي نُطْقِهِ فَعَنْ وَحْيٍ أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى , فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِاَلَّذِي بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r . 198 - مَسْأَلَةٌ : وَصِفَةُ الْوُضُوءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ , وَأَنْ يَسْتَنْشِقَ وَأَنْ يَسْتَنْثِرَ ثَلاَثًا لِيَطْرُدَ الشَّيْطَانَ ، عَنْ خَيْشُومِهِ كَمَا قَدْ وَصَفْنَا , وَسَوَاءٌ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ نَوْمِهِ وَوُضُوئِهِ أَوْ لَمْ يَتَبَاعَدْ , فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ حَدَثِ غَيْرِ النَّوْمِ , فَلَوْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَاءٍ دُونَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهِ لَزِمَهُ غُسْلُ يَدِهِ أَيْضًا ثَلاَثًا إنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ , ثُمَّ نَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلاَثًا , وَلَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ فَرْضًا , وَإِنْ تَرَكَهَا فَوُضُوءُهُ تَامٌّ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ , عَمْدًا تَرَكَهَا أَوْ نِسْيَانًا , ثُمَّ يَنْوِي وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ كَمَا قَدَّمْنَا , ثُمَّ يَضَعُ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَيَجْبِذُهُ بِنَفْسِهِ ، وَلاَ بُدَّ , ثُمَّ يَنْثُرُهُ بِأَصَابِعِهِ ، وَلاَ بُدَّ مَرَّةً فَإِنْ فَعَلَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَحَسَنٌ , وَهُمَا فَرْضَانِ لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الصَّلاَةُ دُونَهُمَا , لاَ عَمْدًا ، وَلاَ نِسْيَانًا , ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنْ حَدِّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ فِي أَعْلَى الْجَبْهَةِ إلَى أُصُولِ الآُذُنَيْنِ مَعًا إلَى مُنْقَطِعِ الذَّقَنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَتُجْزِئُ مَرَّةً , لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءَ مَا انْحَدَرَ مِنْ لِحْيَتِهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ , وَلاَ أَنْ يُخَلِّلَ لِحْيَتَهُ , ثُمَّ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ مُنْقَطَعِ الأَظْفَارِ إلَى أَوَّلِ الْمَرَافِقِ مِمَّا يَلِي الذِّرَاعَيْنِ , فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا فَحَسَنٌ , وَمَرَّتَيْنِ حَسَنٌ , وَتُجْزِئُ مَرَّةً , وَلاَ بُدَّ ضَرُورَةٌ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ بِيَقِينٍ إلَى مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ بِتَحْرِيكِهِ ، عَنْ مَكَانِهِ , ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَيْفَمَا مَسَحَهُ أَجْزَأَهُ , وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَعُمَّ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ , فَكَيْفَمَا مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. فَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَلَّ , وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ وَوَاحِدَةٌ تُجْزِئُ , وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مَسُّ مَا انْحَدَرَ مِنْ الشَّعْرِ ، عَنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ عَلَى الْقَفَا وَالْجَبْهَةِ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ أُذُنَيْهِ , إنْ شَاءَ بِمَا مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَإِنْ شَاءَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ , وَيُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْمَاءَ لِكُلِّ عُضْوٍ , ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ مُبْتَدَإِ مُنْقَطَعِ الأَظْفَارِ إلَى آخِرِ الْكَعْبَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّاقَ , فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا فَحَسَنٌ , وَمَرَّتَيْنِ حَسَنٌ وَمَرَّةٌ تُجْزِئُ , وَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوُضُوءِ , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَوُضُوءُهُ تَامٌّ. أَمَّا قَوْلُنَا فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بِهَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَمْرٌ , وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ فَعَلَهُ عليه السلام , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَفْعَالَهُ r لَيْسَتْ فَرْضًا , وَإِنَّمَا فِيهَا الإِيتَارُ بِهِ عليه السلام , لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِطَاعَةِ أَمْرِ نَبِيِّهِ عليه السلام وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَنْ نَفْعَلَ أَفْعَالَهُ. قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَأَمَّا الاِسْتِنْشَاقُ وَالاِسْتِنْثَارُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَسْتَنْثِرْ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا , وَمِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَيْسَ الاِسْتِنْشَاقُ وَالاِسْتِنْثَارُ فَرْضًا فِي الْوُضُوءِ ، وَلاَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ , وقال أبو حنيفة : هُمَا فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَيْسَا فَرْضًا فِي الْوُضُوءِ , وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد : الاِسْتِنْشَاقُ وَالاِسْتِنْثَارُ فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَلَيْسَا فَرْضَيْنِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ , وَلَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ فَرْضًا لاَ فِي الْوُضُوءِ ، وَلاَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ الأَمْرُ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إذَا تَوَضَّأْتَ فَانْثُرْ فَأَذْهِبْ مَا فِي الْمَنْخَرَيْنِ مِنْ الْخُبْثِ , وَعَنْ شُعْبَةَ : قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ نَسِيَ أَنْ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ قَالَ : يَسْتَقْبِلُ. وَعَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ صَلَّى وَقَدْ نَسِيَ أَنْ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ يَعْنِي الصَّلاَةَ. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : الاِسْتِنْشَاقُ شَطْرُ الْوُضُوءِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالاَ جَمِيعًا " إذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ فِي الْوُضُوءِ أَعَادَ " يَعْنُونَ الصَّلاَةَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ فِي الْوُضُوءِ أَعَادَ يَعْنِي الصَّلاَةَ وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ وَالاِسْتِنْثَارِ وَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ : ثِنْتَانِ تَجْزِيَانِ وَثَلاَثٌ أَفْضَلُ. قَالَ عَلِيٌّ وَشَغَبَ قَوْمٌ بِأَنَّ الاِسْتِنْشَاقَ وَالاِسْتِنْثَارَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾. فَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَجْهِ , فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الَّذِي قلنا فَرْضُ غَسْلِهِ قَبْلَ خُرُوجِ اللِّحْيَةِ , فَإِذَا خَرَجَتْ اللِّحْيَةُ فَهِيَ مَكَانُ مَا سَتَرَتْ , وَلاَ يَسْقُطُ غَسْلُ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَجْهِ بِالدَّعْوَى , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالرَّأْيِ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَغْسِلُ الأَمْرَدُ مِنْ وَجْهِهِ وَالْكَوْسَجُ وَالأَلْحَى. وَأَمَّا مَا انْحَدَرَ ، عَنِ الذَّقَنِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَمَا انْحَدَرَ ، عَنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الْقَفَا وَالْجَبْهَةِ , فَإِنَّمَا أَمَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ رَأْسَ الإِنْسَانِ لَيْسَ فِي قَفَاهُ , وَأَنَّ الْجَبْهَةَ مِنْ الْوَجْهِ الْمَغْسُولِ , لاَ حَظَّ فِيهَا لِلرَّأْسِ الْمَمْسُوحِ , وَأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ فِي الْعُنُقِ ، وَلاَ فِي الصَّدْرِ فَلاَ يَلْزَمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ شَيْءٌ , إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَمَا تَحْتَ الْخَاتَمِ وَالْمِرْفَقَيْنِ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا وَلَوْ قَدْرَ شَعْرَةٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغُسْلِهِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَصْلاً , وَلاَ صَلاَةَ لَهُ فَوَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ بِيَقِينٍ إلَى مَا سَتَرَ الْخَاتَمَ مِنْ الآُصْبُعِ , وَأَمَّا الْمَرَافِقُ فَإِنَّ " إلَى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ تَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ , تَكُونُ بِمَعْنَى الْغَايَةِ , وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ بِمَعْنَى مَعَ أَمْوَالِكُمْ , فَلَمَّا كَانَتْ تَقَعُ " إلَى " عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وُقُوعًا صَحِيحًا مُسْتَوِيًا , لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهَا عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِمَا تَقَعُ عَلَيْهِ بِلاَ بُرْهَانٍ , فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ إلَى أَوَّلِ الْمِرْفَقَيْنِ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ , فَيُجْزِئُ , فَإِنْ غَسَلَ الْمَرَافِقَ فَلاَ بَأْسَ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ مَالِكٌ بِعُمُومِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ. وقال أبو حنيفة يَمْسَحُ مِنْ الرَّأْسِ فَرْضًا مِقْدَارَ ثَلاَثِ أَصَابِعَ , وَذُكِرَ عَنْهُ تَحْدِيدُ الْفَرْضِ مِمَّا يُمْسَحُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنَّهُ رُبْعُ الرَّأْسِ , وَإِنَّهُ إنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ بِأُصْبُعٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ , فَإِنْ مَسَحَ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يُجْزِئُ مِنْ الرَّأْسِ مَسْحُ بَعْضِهِ وَلَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً , وَيُجْزِئُ مَسْحُهُ بِأُصْبُعٍ وَبِبَعْضِ أُصْبُعٍ. وَحَدَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ بِشَعْرَتَيْنِ , وَيُجْزِئُ بِأُصْبُعٍ وَبِبَعْضِ أُصْبُعٍ , وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ الْعُمُومُ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ. وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ : يُجْزِئُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَمْسَحَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ : يُجْزِئُ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ فَقَطْ وَمَسْحُ بَعْضِهِ كَذَلِكَ. وَقَالَ دَاوُد : يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ ، وَكَذَلِكَ بِمَا مَسَحَ مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَأَحَبُّ إلَيْهِ الْعُمُومُ ثَلاَثًا , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الاِقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾. وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ هُوَ غَيْرُ الْغُسْلِ بِلاَ خِلاَفٍ , وَالْغُسْلُ يَقْتَضِي الاِسْتِيعَابَ وَالْمَسْحُ لاَ يَقْتَضِيهِ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانُ ، حدثنا التَّيْمِيُّ هُوَ سُلَيْمَانُ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ هُوَ الْبَصْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ هُوَ حَمْزَةُ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ قَالَ بَكْرٌ : وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْوُضُوءِ فَيَمْسَحُ بِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً الْيَافُوخَ فَقَطْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ : إنَّهَا كَانَتْ تَمْسَحُ عَارِضَهَا الأَيْمَنَ بِيَدِهَا الْيُمْنَى , وَعَارِضَهَا الأَيْسَرَ بِيَدِهَا الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ الْخِمَارِ وَفَاطِمَةُ هَذِهِ أَدْرَكَتْ جَدَّتَهَا أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ، رضي الله عنها ، وَرَوَتْ عَنْهَا. وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ : إنْ أَصَابَ هَذَا يَعْنِي مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ أَجْزَأَهُ يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ الأَزْرَقِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : إنْ مَسَحَ جَانِبَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ عَطَاءٍ وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد : وَلاَ يُعْرَفُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفٌ لِمَا رُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ , وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَنَا فِيمَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَسْحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ ; لاَِنَّنَا لاَ نُنْكِرُ ذَلِكَ بَلْ نَسْتَحِبُّهُ , وَإِنَّمَا نُطَالِبُهُمْ بِمَنْ أَنْكَرَ الاِقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فَلاَ يَجِدُونَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ , فَيَقُولُونَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ : إنَّهُ خُطُوطٌ لاَ يَعُمُّ الْخُفَّيْنِ , فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَأُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : إنْ كَانَ الْمَسْحُ عِنْدَكُمْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَهُوَ وَالْغُسْلُ سَوَاءٌ , وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ تُنْكِرُونَ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَتَأْبَوْنَ إلاَّ غُسْلَهُمَا إنْ كَانَ كِلاَهُمَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَأَيْضًا فَإِنَّكُمْ لاَ تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ يَلْزَمُ تَقَصِّي الرَّأْسِ بِالْمَاءِ , وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ , فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ خِلاَفُ الْغُسْلِ , وَلَيْسَ هُنَا فَرْقٌ إلاَّ أَنَّ الْمَسْحَ لاَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَقَطْ , وَهَذَا تَرْكٌ لِقَوْلِكُمْ. وَأَيْضًا فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ تَرَكَ بَعْضَ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْوُضُوءِ فَلَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهَا فَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ يُجْزِيهِ , وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا نَقُولُ بِالأَغْلَبِ , قِيلَ لَهُمْ : فَتَرْكُ شَعْرَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَهَكَذَا أَبَدًا , فَإِنْ حَدُّوا حَدًّا قَالُوا بِبَاطِلٍ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وَإِنْ تَمَادَوْا صَارُوا إلَى قَوْلِنَا , وَهُوَ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا : مَنْ عَمَّ رَأْسَهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ , وَمَنْ لَمْ يَعُمَّهُ فَلَمْ يُتَّفَقْ عَلَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ قلنا لَهُمْ فَأَوْجِبُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ الاِسْتِنْشَاقَ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبَ فَرْضًا , وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَرْكٌ لِجُمْهُورِ مَذْهَبِهِمْ. إنْ قَالُوا : مَسْحُهُ عليه السلام مَعَ نَاصِيَتِهِ عَلَى عِمَامَتِهِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ , قلنا : هَذَا أَعْجَبُ شَيْءٍ لاَِنَّكُمْ لاَ تُجِيزُونَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ فَعَلَهُ , فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِمَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ وَأَيْضًا فَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ بَلْ هُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ عَلَى ظَاهِرِ الأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ لِمِقْدَارِ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ فَفَاسِدٌ ; لاَِنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , فَإِنْ قَالُوا : هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ , قلنا لَهُمْ : وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَالأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ , وَتَحْدِيدُ رُبْعِ الرَّأْسِ يَحْتَاجُ إلَى تَكْسِيرٍ وَمِسَاحَةٍ وَهَذَا بَاطِلٌ , وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا أَرَدْنَا أَكْثَرَ الْيَدِ , قلنا لَهُمْ : أَنْتُمْ لاَ تُوجِبُونَ الْمَسْحَ بِالْيَدِ فَرْضًا , بَلْ تَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ فَمَسَّ الْمَاءُ مِنْهُ مِقْدَارَ رُبْعِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا ، عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَكْثَرِ الْيَدِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ دَلِيلاً عَلَى تَصْحِيحِهِ , وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ ، عَنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ النَّاصِيَةِ فَإِنْ قَالُوا : اتِّبَاعًا لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ , قِيلَ لَهُمْ : فَلِمَ تَعَدَّيْتُمْ النَّاصِيَةَ إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعَدِّيكُمْ النَّاصِيَةَ إلَى غَيْرِهَا وَبَيْنَ تَعَدِّي مِقْدَارِهَا إلَى غَيْرِ مِقْدَارِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَسْحِ الشَّعْرِ فَيَكُونُ مَا قَالَ مِنْ مُرَاعَاةِ عَدَدِ الشَّعْرِ , وَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُرَاعَى إلاَّ مَا يُسَمَّى مَسْحَ الرَّأْسِ فَقَطْ , وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا ، عَنِ النَّبِيِّ r فِي ذَلِكَ هُوَ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَالآيَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ , وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الآيَةِ , وَلاَ دَلِيلَ عَلَى الاِقْتِصَارِ عَلَى النَّاصِيَةِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 199 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا مَسْحُ الآُذُنَيْنِ فَلَيْسَا فَرْضًا , وَلاَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لإِنَّ الآثَارَ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا , قَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ , وَلاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ الآُذُنَيْنِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ الْوُضُوءِ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَاءِ رَأْسِ الْحَيِّ عُضْوٌ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ , وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ رَأْسِ الْحَيِّ مُبَايِنًا لِسَائِرِ رَأْسِهِ , وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الآُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَوَجَبَ حَلْقُ شَعْرِهِمَا فِي الْحَجِّ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ الاِقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ , فَلَوْ كَانَ الآُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لاََجْزَأَ أَنْ يُمْسَحَا ، عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , وَيُقَالُ لَهُمْ : إنْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَمَا بَالُكُمْ تَأْخُذُونَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَهُمَا بَعْضُ الرَّأْسِ وَأَيْنَ رَأَيْتُمْ عُضْوًا يُجَدِّدُ لِبَعْضِهِ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ سَائِرَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الأَثَرُ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 200 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِالْمَسْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَسَوَاءٌ قُرِئَ بِخَفْضِ اللاَّمِ أَوْ بِفَتْحِهَا هِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَطْفٌ عَلَى الرُّءُوسِ إمَّا عَلَى اللَّفْظِ وَأَمَّا عَلَى الْمَوْضِعِ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ. وَهَكَذَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ يَعْنِي فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ , مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ , وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ , وَرُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ. مِنْهَا أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلاَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمِّهِ هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّهَا لاَ تَجُوزُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، عَنْ عَلِيٍّ " كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا ". قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ : وَإِنَّمَا قلنا بِالْغُسْلِ فِيهِمَا لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : تَخَلَّفَ النَّبِيُّ r فِي سَفَرٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ , فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا , فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ , مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ إسَافٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى هُوَ مُصَدِّعُ الأَعْرَجُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ , فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ , فَانْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ , أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَأَمَرَ عليه السلام بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الرِّجْلَيْنِ , وَتَوَعَّدَ بِالنَّارِ عَلَى تَرْكِ الأَعْقَابِ. فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الآيَةِ , وَعَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَنَاسِخًا لِمَا فِيهَا , وَلِمَا فِي الآيَةِ وَالأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِتَرْكِ الأَخْبَارِ لِلْقُرْآنِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ لِلآيَةِ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَتْرُكُ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ لِلْقِيَاسِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ : لاَِنَّنَا وَجَدْنَا الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ حُكْمُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ , كَمَا يَسْقُطُ الرَّأْسُ فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا يَسْقُطَانِ بِسُقُوطِهِ وَيُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لاَ يُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ. وَأَيْضًا فَالرِّجْلاَنِ مَذْكُورَانِ مَعَ الرَّأْسِ , فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَا مَعَهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرَا مَعَهُ. وَأَيْضًا فَالرَّأْسُ طَرَفٌ وَالرِّجْلاَنِ طَرَفٌ , فَكَانَ قِيَاسُ الطَّرَفِ عَلَى الطَّرَفِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الطَّرَفِ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , فَكَانَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ أَوْلَى مِنْ تَعْوِيضِ الْمَسْحِ مِنْ الْغُسْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى سَاتِرٍ لِلرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى سَاتِرٍ دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ دَلَّ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ أَمْرَ الرِّجْلَيْنِ أَخَفُّ مِنْ أَمْرِ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ إلاَّ الْمَسْحُ ، وَلاَ بُدَّ. فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْمَسْحُ. قال أبو محمد : فَنَقُولُ صَدَقْتَ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَكُمْ بِالْقِيَاسِ , وَيُرِيكُمْ تَفَاسُدَهُ كُلَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا رُمْتُمْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ , لاِجْتِمَاعِهِمَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ , فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهِمَا مِنْ صِفَةٍ يَفْتَرِقَانِ فِيهَا. قَالَ عَلِيٌّ : وقال بعضهم : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرِّجْلَيْنِ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الأَيْدِي إلَى الْمَرَافِقِ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ حُكْمُ الذِّرَاعَيْنِ , قِيلَ لَهُ : لَيْسَ ذِكْرُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ دَلِيلاً عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ ; لاَِنَّهُ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَ وَلَمْ يَذْكُرَ فِي مَبْلَغِهِ حَدًّا وَكَانَ حُكْمُهُ الْغَسْلَ , لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّرَاعَيْنِ بِالْغُسْلِ كَانَ حُكْمُهُمَا الْغُسْلَ , وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الرِّجْلَيْنِ وَجَبَ أَنْ لاَ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا إلاَّ أَنْ يُوجِبَهُ نَصٌّ آخَرُ قَالَ عَلِيٌّ : وَالْحُكْمُ لِلنُّصُوصِ لاَ لِلدَّعَاوَى وَالظُّنُونِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 201 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ أَوْ مِغْفَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا , الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ , لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا بِشْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، عَنْ عَبْدَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ. وَهَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ لإِنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ سَمَاعًا , وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ جَعْفَرٍ ابْنُهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ الَّذِي سَمِعَ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مِنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ الْحَسَنِ ، عَنْ حَمْزَةَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ : حدثنا مُعَاوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ , حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى كِلاَهُمَا ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، عَنْ بِلاَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ ، عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْمُوقَيْنِ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ سَلْمَانَ وَمِنْ طَرِيقِ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ. فَهَؤُلاَءِ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَبِلاَلٌ وَسَلْمَانُ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ وَأَبُو ذَرٍّ , كُلُّهُمْ يَرْوِي ذَلِكَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r بِأَسَانِيدَ لاَ مُعَارِضَ لَهَا ، وَلاَ مَطْعَنَ فِيهَا. وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ , يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنَ مُسْلِمٍ ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : سَأَلَ نُبَاتَةُ الْجُعْفِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إنْ شِئْتَ فَامْسَحْ عَلَى الْعِمَامَةِ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلاَ طَهَّرَهُ اللَّهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ , وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ أُمِّهِ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ : امْسَحْ عَلَى خُفَّيْكَ وَعَلَى خِمَارِكَ , وَامْسَحْ بِنَاصِيَتِكَ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَدَثٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَقَلَنْسُوَتِهِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ نَعَمْ , وَعَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْخِمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , رُوِّينَاهُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ : الْقَلَنْسُوَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِمَامَةِ يَعْنِي فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ. وقال الشافعي : إنْ صَحَّ الْخَبَرُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَبِهِ أَقُولُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْخَبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَدْ صَحَّ فَهُوَ قَوْلُهُ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : لاَ يُمْسَحُ عَلَى عِمَامَةٍ ، وَلاَ خِمَارٍ ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , قَالَ : إلاَّ أَنْ يَصِحَّ الْخَبَرُ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ لِلْمَانِعِينَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلاً , فَإِنْ قَالُوا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرُّءُوسِ , قلنا نَعَمْ , وَبِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ , فَأَجَزْتُمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَلَيْسَ بِأَثْبَتَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , وَالْمَانِعُونَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَكْثَرُ مِنْ الْمَانِعِينَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , فَمَا رُوِيَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ إلاَّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ , وَقَدْ جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبْطَلْتُمْ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ يَدَّعِي مُخَالِفُنَا وَمُخَالِفُكُمْ أَنَّنَا سَامَحْنَا أَنْفُسَنَا وَسَامَحْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِيهِ , وَأَنَّهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسْحِهَا , وَقَدْ قَالَ بِمَسْحِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ , وَقُلْتُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَثَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَهَذَا تَخْلِيطٌ. وقال بعضهم : حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِيهِ إنَّهُ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ فأما مَنْ لاَ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ يُجْزِئُ فَقَدْ جَاهَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالنَّاسَ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَهُوَ عَاصٍ لِكُلِّ مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ الَّذِي أَجْزَأَهُ عليه السلام فَهُوَ مَسْحُ النَّاصِيَةِ فَقَطْ وَكَانَ مَسْحُ الْعِمَامَةِ فَضْلاً. قال أبو محمد : رَامَ هَؤُلاَءِ أَنْ يَجْعَلُوا كُلَّ مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ حِكَايَةً ، عَنْ وُضُوءِ وَاحِدٍ وَهَذَا كَذِبٌ وَجَرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ , بَلْ هُوَ خَبَرٌ ، عَنْ عَمَلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ , هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ , وَكَيْفَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ الْمُغِيرَةِ : وقال بعضهم أَخْطَأَ الأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ , لإِنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَبَكْرُ بْنُ نَضْرٍ وَأَبَانُ الْعَطَّارُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ , فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ :. . فَقُلْنَا لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا قَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ , وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَيْهِ , وَالأَوْزَاعِيُّ ثِقَةٌ , وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ لاَ يَحِلُّ رَدُّهَا , وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ فِي كُلِّ خَبَرٍ احْتَجَجْتُمْ بِهِ : إنَّ رَاوِيَهُ أَخْطَأَ فِيهِ , لإِنَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا لَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ وقال بعضهم : لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لأَنَّهُمْ يُعَارَضُونَ فِيهِ , فَيُقَالُ لَهُمْ إنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَكُمْ صَحِيحًا فَأَبْطِلُوا بِهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لإِنَّ الرِّجْلَيْنِ بِالْيَدَيْنِ أَشْبَهُ مِنْهُمَا بِالرَّأْسِ , فَقُولُوا : كَمَا لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ كَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r , قِيلَ لَهُمْ : وَقَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَيُعَارَضُونَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الرُّءُوسَ بِالأَرْجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ , لاَِنَّهُمَا جَمِيعًا عُضْوَانِ يَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ , وَلاَِنَّهُ لَمَّا جَازَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عِنْدَكُمْ مِنْ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ أَوْلَى , وَلاَِنَّ الرَّأْسَ طَرَفٌ , وَالرِّجْلاَنِ طَرَفٌ , وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَعُوِّضَ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ مِنْ غَسْلِ كُلِّ ذَلِكَ , وَعُوِّضَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ , فَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ , لِتَتَّفِقَ أَحْكَامُ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ هَذَا إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ مُعَارَضَةً لِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ مِنْ الأَحْكَامِ قَالُوا فِيهِ بِالْقِيَاسِ إلاَّ وَلِمَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْقِيَاسِ كَاَلَّذِي لَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ بُطْلاَنُ الْقِيَاسِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وقال بعضهم : إنَّمَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّه r عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ لِمَرَضٍ كَانَ فِي رَأْسِهِ. قال علي : هذا كَلاَمُ مَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْكَذِبِ , وَمَنْ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مُكَالَمَةِ مِثْلِهِ ; لاَِنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ وَالإِفْكِ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ , وَقَدْ عَجَّلَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ , بِأَنْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ , لِكَذِبِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : قُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , إنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ بِقَدَمَيْهِ ، وَلاَ فَرْقَ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَالَ هَذَا لَكَانَ أَعْذَرَ مِنْهُمْ ; لاَِنَّنَا قَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ : لَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ أَوْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ , وَلَمْ يُرْوَ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَصَحَّ خِلاَفُهُ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ , وَلاَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَأَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ , وَلِلْقِيَاسِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ. فإن قال قائل : إنَّهُ لَمْ يَأْتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ لِغَيْرِ مَا صَحَّ النَّصُّ بِهِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَلَيْسَ فِعْلُهُ عليه السلام عُمُومَ لَفْظٍ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ. قلنا : هَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ إنَّهُ لاَ يَمْسَحْ إلاَّ عَلَى عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ , لَكِنْ عَلِمْنَا بِمَسْحِهِ عَلَيْهَا أَنَّ مُبَاشَرَةَ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ لَيْسَ فَرْضًا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَيُّ شَيْءٍ لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. ثم نقول لَهُمْ : قُولُوا لَنَا لَوْ أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى عِمَامَةٍ صَفْرَاءَ مِنْ كَتَّانٍ مَطْوِيَّةٍ ثَلاَثَ طَيَّاتٍ , أَكَانَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ الْمَسْحُ عَلَى حَمْرَاءَ مِنْ قُطْنٍ مَلْوِيَّةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَمْ لاَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَسَحَ عليه السلام عَلَى خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ , أَكَانَ يَجُوزُ عَلَى أَبْيَضَيْنِ أَمْ لاَ فَإِنْ لَزِمُوا قَوْلَ الرَّاوِي أَحْدَثُوا دِينًا جَدِيدًا , وَإِنْ لَمْ يُرَاعُوهُ رَجَعُوا إلَى قَوْلِنَا. 202 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَسَوَاءٌ لُبِسَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ : لاَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ إلاَّ مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ , قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قلنا قَالَ عَلِيٌّ : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَلَيْسَ هُنَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَإِنَّمَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ r فِي اللِّبَاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ , عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَلَمْ يَنُصَّ ذَلِكَ فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَلَوْ وَجَبَ هَذَا فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ لَبَيَّنَهُ عليه السلام , كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْخُفَّيْنِ , وَمُدَّعِي الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَبَيْنَ الْخُفَّيْنِ , مُدَّعٍ بِلاَ دَلِيلٍ , وَيُكَلَّفُ الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ , فَيُقَالُ لَهُ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ , إذْ نَصَّ عليه السلام فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ , أَنْ يَجِبَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ أَصْلاً بِأَكْثَرَ مِنْ قَضِيَّةٍ مِنْ رَأْيِهِ , وَهَذَا لاَ مَعْنًى لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. 203 - مَسْأَلَةٌ : وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ أَبَدًا بِلاَ تَوْقِيتٍ ، وَلاَ تَحْدِيدَ , وَقَدْ جَاءَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t التَّوْقِيتُ فِي ذَلِكَ ثَابِتًا عَنْهُ , كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قلنا. وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَمَّا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فِي السَّفَرِ وَوَقْتٍ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَذَلِكَ , دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ , وَيُقَالُ لَهُ مَا دَلِيلُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا تَذْكُرُ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ بِمِثْلِ الْوَقْتَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهَذَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّعْوَى , وَقَدْ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ وَقْتًا وَوَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَا قَالَ عليه السلام وَأَنْ لاَ نَقُولَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا. 204 - مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ كَانَ تَحْتَ مَا لَبِسَ عَلَى الرَّأْسِ خِضَابٌ أَوْ دَوَاءٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَمَا قلنا ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ ذَلِكَ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا , وَإِنَّمَا الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً , وَأَمَّا فِي كُلِّ غِسْلٍ وَاجِبٍ فَلاَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ خَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ وَغَسْلُ الرَّأْسِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخِمَارِ , وَلَمْ يَخُصَّ لَنَا حَالاً مِنْ حَالٍ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ بِالْمَسْحِ حَالٌ دُونَ حَالٍ , وَإِذَا كَانَ الْمَسْحُ جَائِزًا فَالْقَصْدُ إلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ , وَإِنَّمَا مَسَحَ عليه السلام فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ عليه السلام , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِي السُّنَنِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهَا , وَلاَ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُ الْخَبَرِ بِهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا يَقُولُ خُصُومُنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. 205 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ تَرَكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَلَوْ قَدْرَ شَعْرَةٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا , لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ حَتَّى يُوعِبَهُ كُلَّهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا , وَقَالَ عليه السلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. 206 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ أَوْ قَدَّمَ عُضْوًا عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ أَصْلاً , وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ , وَلاَ بُدَّ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ الاِبْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ قَبْلَ الْيَسَارِ كَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ , فَإِنْ جَعَلَ الاِسْتِنْشَاقَ وَالاِسْتِنْثَارَ فِي آخِرِ وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ عُضْوٍ مِنْ الأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُجْزِ ذَلِكَ , فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الَّذِي بَدَأَ بِهِ قَبْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهُ فَيَعْمَلُهُ إلَى أَنْ يُتِمَّ وُضُوءَهُ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْوُضُوءِ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ , فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَنَوَى الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ مَعًا لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَلاَ مِنْ الْغُسْلِ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا , وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي ، عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ جَابِرٌ خَرَجْنَا مَعَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا , فَلَمَّا دَنَا إلَى الصَّفَا قَالَ : إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ. قال علي : وهذا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ , وَإِنَّمَا قلنا : لاَ يُجْزِئُ فِي الأَعْضَاءِ الْمَغْمُوسَةِ مَعًا لاَ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْغَمْسِ كِلاَ الأَمْرَيْنِ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ كَمَا أُمِرَ , وَلَمْ يَخْلُصْ الْغُسْلُ فَيُجْزِيهِ , لَكِنْ خَلَطَهُ بِعَمَلٍ فَاسِدٍ فَبَطَلَ أَيْضًا الْغُسْلُ فِي تِلْكَ الأَعْضَاءِ ; لاَِنَّهُ أَتَى بِهِ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَأَمَّا الاِسْتِنْشَاقُ وَالاِسْتِنْثَارُ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِمَا فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ بِتَقْدِيمٍ ، وَلاَ تَأْخِيرٍ , فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِمَا فِي وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ وُضُوئِهِ , وَقَبْلَ صَلاَتِهِ أَوْ قَبْلَ وُضُوئِهِ : أَجْزَأَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وقال أبو حنيفة : جَائِزٌ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَالأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالإِقَامَةِ. وقال مالك : يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ ، وَلاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ الطَّوَافِ ، وَلاَ السَّعْيِ ، وَلاَ الأَذَانِ ، وَلاَ الإِقَامَةِ. قال أبو محمد : لاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , وَلاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْهُ مُنَكَّسًا فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ; لاَِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ , وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَطَرْدُ قَوْلاً , وَأَكْثَرُ خَطَأً , وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَنْكِيسِ الصَّلاَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ عَلَى تَنْكِيسِ الصَّلاَةِ , وَهِيَ حَالُ مَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا , فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ الصَّلاَةِ , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي قِيَاسِهِمْ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَ تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ , وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ الْقُرْآنِ إلاَّ فِي الَّذِي أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ r , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ فَتَرَكُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ أَجَازُوا تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ r فِيهِ , ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْكِيسَهُ فَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالنَّحْرُ وَالذَّبْحُ وَالطَّوَافُ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَجَازَ تَقْدِيمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ , كَمَا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ , فَقَالُوا : لاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ , وَلاَ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ , وَهَذَا كَمَا تَرَى. حدثنا أحمد بن قاسم ، حدثنا أَبِي حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا تَوَضَّأْتُمْ وَلَبِسْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ. وَأَمَّا وُجُوبُ تَقْدِيمِ الاِسْتِنْشَاقِ وَالاِسْتِنْثَارِ ، وَلاَ بُدَّ , فَلِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَصَحَّ أَنَّ هَهُنَا إسْبَاغًا عُطِفَ عَلَيْهِ غَسْلُ الْوَجْهِ , وَلَيْسَ إلاَّ الاِسْتِنْشَاقَ وَالاِسْتِنْثَارَ. 207 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَتْ , مَا لَمْ يَحْدُثْ فِي خِلاَلِ وُضُوئِهِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَمَا لَمْ يَحْدُثْ فِي خِلاَلِ غُسْلِهِ مَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالتَّطَهُّرِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ , وَبِالْوُضُوءِ مِنْ الأَحْدَاثِ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مُتَابَعَةً , فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِ الْمَرْءُ أَجْزَأَهُ ; لاَِنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الأَخْبَارِ بِأَنَّهُ تَطَهَّرَ , وَبِأَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا , ثُمَّ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ فَيَصُبُّ عَلَى يَسَارِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ حَتَّى يُنَقِّيَهُ , ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ غَسْلاً حَسَنًا , ثُمَّ يُمَضْمِضُ ثَلاَثًا , ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلاَثًا وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاَثًا , وَيَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا , ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا ثُمَّ يَغْسِلُ جَسَدَهُ غَسْلاً , فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مُغْتَسَلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ : إذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَبَيْنَ تَمَامِهِمَا بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ مُهْلَةَ خُرُوجِهِ مِنْ مُغْتَسَلِهِ , فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُدَدِ لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ بُرْهَانَ , وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَالَ بِالسُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. وَرُوِّينَا ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانَ أَحَدُهُمْ يَغْسِلُ رَأْسَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يَمْكُثُ سَاعَةً ثُمَّ يَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ ، وَإِبْرَاهِيمُ تَابِعٌ أَدْرَكَ أَكَابِرَ التَّابِعِينَ وَصِغَارَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , قَالَ إبْرَاهِيمُ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَالْجَارِيَةُ فَيُرَافِثُ امْرَأَتَهُ بِالْغُسْلِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَمْكُثُ ثُمَّ يَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ بَعْدُ ، وَلاَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إنْ غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْخِطْمِيِّ ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى يَجِفَّ رَأْسَهُ فَحَسْبُهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وطَاوُوس. وقال مالك : إنْ طَالَ الأَمَدُ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ , وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى عَلَى وُضُوئِهِ , وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ نَحْوُ هَذَا. وَحَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْجُفُوفِ , وَحَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَيَبْنِيَ أَوْ يَتْرُكَ وُضُوءَهُ وَيَبْتَدِئَ. قال أبو محمد : أَمَّا تَحْدِيدُ مَالِكٍ بِالطُّولِ فَإِنَّهُ يُكَلِّفُ الْمُنْتَصَرَ لَهُ بَيَانَ مَا ذَلِكَ الطُّولُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ شَرِيعَةٌ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءَ , وَالْقَصْرُ الَّذِي لاَ تَجِبُ بِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ , فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى ذَلِكَ إلاَّ بِالدَّعْوَى الَّتِي لاَ يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ , وَمَا كَانَ مِنْ الأَقْوَالِ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ , إذْ الشَّرَائِعُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُوجِبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r . وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِجُفُوفِ الْمَاءِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ , لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الصَّيْفِ فِي الْبِلاَدِ الْحَارَّةِ لاَ يُتِمُّ أَحَدٌ وُضُوءَهُ حَتَّى يَجِفَّ وَجْهُهُ , وَلاَ يَصِحُّ وُضُوءٌ عَلَى هَذَا. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ بِمَا دَامَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ , فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , وَالدَّعْوَى لاَ يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ , وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا يُجِيزُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَرْءُ إذَا رَعَفَ بَيْنَ أَجْزَاءِ صَلاَتِهِ مُدَّةً وَعَمَلاً لَيْسَ مِنْ الصَّلاَةِ , ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ ، عَنْ بَحِيرٍ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَفِي قَدِمَهُ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ , فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ لإِنَّ رَاوِيَهُ بَقِيَّةُ , وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَفِي السَّنَدِ مَنْ لاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ , وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَقَدْ تَرَكَ مِنْ رِجْلِهِ مَوْضِعَ ظُفْرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا فَلاَ تَصِحُّ ; لإِنَّ أَبَا قِلاَبَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ , وَأَبُو سُفْيَانَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا , رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حدثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَتَاهُ وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ مَوْضِعَ الظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عُمَرَ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُ فِعْلِ عُمَرَ هَذَا , فَقَدْ خَالَفُوا هَهُنَا صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عِلْمٍ أَنَّ مُرُورَ الأَوْقَاتِ لَيْسَ مِنْ الأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ , وَقَدْ تَنَاقَضَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَرَأَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنْ غَسَلَهُ أَجْزَأَهُ , وَرَأَى فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ نَهَارَهُ ثُمَّ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَإِنَّ وُضُوءَ رِجْلَيْهِ عِنْدَهُ قَدْ انْتَقَضَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ , وَهَذَا تَبْعِيضُ الْوُضُوءِ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 208 - مَسْأَلَةٌ : وَيُكْرَهُ الإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ , وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلاَثِ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا تَوَضَّأَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا , وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ ثَلاَثًا , يُسْنِدُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَخُصَّ فِي هَذِهِ الآثَارِ رَأْسًا مِنْ غَيْرِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ أَنَسٍ مَسْحَ رَأْسَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلاَثًا وَاثْنَتَيْنِ , وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : أَكْثَرُ مَا أَمْسَحُ بِرَأْسِي ثَلاَثُ مَرَّاتٍ لاَ أَزِيدُ بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ لاَ أَزِيدُ ، وَلاَ أَنْقُصُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ : رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِبَلَلِ يَدَيْهِ وَالآُخْرَى بِمَاءٍ جَدِيدٍ , وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، حدثنا الْعَوَّامُ : أَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثَلاَثًا , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ , وَأَمَّا الإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ فَمَذْمُومٌ مِنْ الْجَمِيعِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ ، حدثنا شَبَابَةُ ، حدثنا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ تَحْتَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ r فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلاَثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيُّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ ، عَنْ جَدَّتِي وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثَيْ الْمُدِّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r قَامَ مِنْ النَّوْمِ فَعَمَدَ إلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُهْرِقْ مِنْ الْمَاءِ إلاَّ قَلِيلاً وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ جَاءَتْ آثَار أَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ بِالْمُدِّ وَاغْتَسَلَ بِالصَّاعِ , وَأَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ بِمَكُّوكٍ وَاغْتَسَلَ بِخَمْسِ مَكَاكِيَّ , وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مُدٌّ وَرُبْعٌ , وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ لاَ يَخْتَلِفُ , وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَجْزَأَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 209 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَوْ أَصَابِعِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ دَوَاءٌ مُلْصَقٌ لِضَرُورَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ , فَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إمْسَاسُ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِالْمَاءِ , وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَسَقَطَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ , وَكَانَ التَّعْوِيضُ مِنْهُ شَرْعًا , وَالشَّرْعُ لاَ يُلْزَمْ إلاَّ بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ , وَلَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِتَعْوِيضِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالدَّوَاءِ مِنْ غَسْلِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِهِ , فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فإن قيل فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيٍّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ قَالَ نَعَمْ امْسَحْ عَلَيْهَا قلنا : هَذَا خَبَرٌ لاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلاَّ عَلَى بَيَانِ سُقُوطِهِ ; لاَِنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. فإن قيل : فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ قلنا : هَذَا لاَ يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الإِسْنَادِ , وَلَوْ كَانَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ , لإِنَّ الْعَصَائِبَ هِيَ الْعَمَائِمُ , قَالَ الْفَرَزْدَقُ : وَرَكْبٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تُطْلَبُ عِنْدَهُمْ لَهَا تِرَةٌ مِنْ جَذْبِهَا بِالْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينُ هِيَ الْخِفَافُ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً , لإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِيهِ تَوْقِيتٌ , وَلاَ تَوْقِيتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ , مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ , دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ , وَقَضِيَّةُ مَنْ عِنْدَهُ , ثُمَّ هِيَ أَيْضًا مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا فَاسِدًا لاَِنَّهُ إيجَابُ فَرْضٍ قِيسَ عَلَى إبَاحَةٍ وَتَخْيِيرٍ , وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلُ قَوْلِنَا ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْجِرَاحَةِ : اغْسِلْ مَا حَوْلَهَا , فإن قيل : قَدْ رَوَيْتُمْ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَلْقَمَ أُصْبُعَ رِجْلِهِ مَرَارَةً فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا. قلنا : هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ , وَلَيْسَ إيجَابًا لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ t أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي بَاطِنِ عَيْنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ , وَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ ذَلِكَ , فَضْلاً ، عَنْ أَنْ تُوجِبُوهُ فَرْضًا , وَصَحَّ أَنْ كَانَ يُجِيزُ بَيْعَ الْحَامِلِ وَاسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا , وَهَذَا عِنْدَكُمْ حَرَامٌ , وَمِنْ الْمَقْتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ وَتُسْقِطُوا الْحُجَّةَ بِهِ حَيْثُ لَمْ تَشْتَهُوا , وَهَذَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ جِدًّا. وَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا فَالْوُضُوءُ إذَا تَمَّ وَجَازَتْ بِهِ الصَّلاَةُ فَلاَ يَنْقُضُهُ إلاَّ حَدَثٌ أَوْ نَصٌّ جَلِيٌّ وَارِدٌ بِانْتِقَاضِهِ , وَلَيْسَ سُقُوطُ اللَّصْقَةِ أَوْ الْجَبِيرَةِ أَوْ الرِّبَاطِ حَدَثًا , وَلاَ جَاءَ نَصٌّ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ إلاَّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ r وَمِمَّنْ رَأَى الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 210 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ مَسُّ ذَكَرِهِ بِيَمِينِهِ جُمْلَةً إلاَّ عِنْدَ ضَرُورَةٍ لاَ يُمْكِنُهُ غَيْرُ ذَلِكَ , وَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ بِيَمِينِهِ ثَوْبًا عَلَى ذَكَرِهِ , وَمَسُّ الذَّكَرِ بِالشِّمَالِ مُبَاحٌ , وَمَسْحُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ بِيَمِينِهِ وَبِشِمَالِهِ مُبَاحٌ , وَمَسُّ الرَّجُلِ ذَكَرَ صَغِيرٍ لِمُدَاوَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ كَالْخِتَانِ وَنَحْوِهِ , جَائِزٌ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ , وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا بِيَمِينِهَا وَشِمَالِهَا جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ مَسُّهَا ذَكَرَ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا بِيَمِينِهَا أَوْ بِشِمَالِهَا جَائِزٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَلاَ نَصَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ , وَكُلُّ مَا لاَ نَصَّ فِي تَحْرِيمِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جُرْمًا فِي الإِسْلاَمِ مَنْ سَأَلَ ، عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ. وَقَوْلِهِ عليه السلام : دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام , فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ قَدْ فُصِّلَ لَنَا بِاسْمِهِ.فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ فَلَمْ يُحَرَّمْ , وَكَذَلِكَ بِالْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ , كَمَا حَدَّثَنَا حمام وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حدثنا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَقَالَ حَمَامٌ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَعْمَرٍ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَعْمَرٌ كِلاَهُمَا ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ هَذَا لَفْظُ مَعْمَرٍ. وَلَفْظُ أَيُّوبَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ وَأَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَأَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ. وَبِهَذَا الْخَبَرِ حَرُمَ أَنْ يُزِيلَ أَحَدٌ أَثَرَ الْبَوْلِ بِيَمِينِهِ بِغَسْلٍ أَوْ مَسْحٍ , لاَِنَّهُ اسْتِطَابَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ : رِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَأَيُّوبَ زَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمَا ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ الاِقْتِصَارُ بِالنَّهْيِ ، عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ فِي حَالِ الْبَوْلِ , وَعِنْدَ دُخُولِ الْخَلاَءِ , وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ لاَ يَجُوزُ رَدُّهَا , لاَ سِيَّمَا وَأَيُّوبُ وَمَعْمَرٌ أَحْفَظُ مِمَّنْ رَوَى بَعْضَ مَا رَوَيَاهُ , وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ , وَأَخْذُ كُلِّ ذَلِكَ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ رَدُّ شَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ الثِّقَاتُ , فَمَنْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ أَيُّوبَ وَمَعْمَرٍ فَقَدْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ هَمَّامٍ وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي إسْمَاعِيلَ , وَمَنْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ هَؤُلاَءِ وَخَالَفَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ وَمَعْمَرٍ فَقَدْ عَصَى. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا هَذَا ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ : سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ t يَقُولُ : مَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُذْ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ r . وبه إلى وَكِيعٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ : مَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُذْ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً. وَرُوِّينَا ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ أَمَسُّ ذَكَرِي بِيَمِينِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ آخُذَ بِهَا كِتَابِي. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 211 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ كَانَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَمْ لاَ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ غُسْلاً ، وَلاَ وُضُوءًا , فَلَوْ اغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُجْنِبًا , أَوْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ ، وَلاَ الْوُضُوءُ اللَّذَانِ أَحْدَثَا بِالشَّكِّ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلٍ آخَرَ وَوُضُوءٍ آخَرَ , وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا شَكَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى بِشَكِّهِ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا ، وَلاَ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لَمْ تُجْزِهِ صَلاَتُهُ تِلْكَ أَصْلاً. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادٌ ، حدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ , فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد , وقال مالك : يَتَوَضَّأُ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ , وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r أَمَرَ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى بِأَنْ يُلْغِيَ الشَّكَّ وَيَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ , أَحَدُهُمَا تَرْكُهُمْ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ , وَأَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الأَمْرَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ، وَلاَ يُوجِبُهُ فِي الصَّلاَةِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَدْ أَنْكَرُوا مِثْلَهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَأَخْذُهُمْ بِخَبَرٍ جَاءَ فِي حُكْمٍ آخَرَ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْعَلْ لِلشَّكِّ حُكْمًا , وَأَبْقَاهُ عَلَى الْيَقِينِ عِنْدَهُ بِلاَ شَكٍّ , وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ هَذَا إلَى تَنَاقُضِهِمْ , فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : مَنْ شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لَمْ يُطَلِّقْ , وَأَيْقَنَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَلاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ , وَمَنْ أَيْقَنَ بِصِحَّةِ الْمِلْكِ فَشَكَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَمْ لَمْ يُعْتِقْ فَلاَ يَلْزَمُهُ عِتْقٌ , وَمَنْ تُيُقِّنَتْ حَيَاتُهُ وَشُكَّ فِي مَوْتِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذَا هُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ تَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ ثُمَّ أَيْقَنَ بِأَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ الْوُضُوءُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ , وَلاَ يَنُوبُ وُضُوءٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، عَنْ وُضُوءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ