محلى ابن حزم - المجلد الأول1

من معرفة المصادر

<محلى ابن حزم - المجلد الأول

بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ t : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ , وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْحِبَنَا الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ خَطَإٍ وَزَلَلٍ , وَيُوَفِّقَنَا لِلصَّوَابِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. آمِينَ آمِينَ. أَما بَعْدُ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ , فَإِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ أَنْ نَعْمَلَ لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْمُحَلَّى " شَرْحًا مُخْتَصَرًا أَيْضًا , نَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْبَرَاهِينِ بِغَيْرِ إكْثَارٍ , لِيَكُونَ مَأْخَذُهُ سَهْلاً عَلَى الطَّالِبِ وَالْمُبْتَدِئِ , وَدَرَجًا لَهُ إلَى التَّبَحُّرِ فِي الْحِجَاجِ وَمَعْرِفَةِ الاِخْتِلاَفِ وَتَصْحِيحِ الدَّلاَئِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِمَّا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ وَالإِشْرَافِ عَلَى أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْوُقُوفِ عَلَى جَمْهَرَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ , وَالْوُقُوفِ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ رُوَاةِ الأَخْبَارِ وَتَمْيِيزِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَنَاقُضِ الْقَائِلِينَ بِهِ , فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ , وَاسْتَعَنْته تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ إلَى نَصْرِ الْحَقِّ , وَسَأَلْته التَّأْيِيدَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَقْرِيبِهِ , وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَفِيهِ مَحْضًا آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّنَا لَمْ نَحْتَجَّ إلاَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مُسْنَدٍ ، وَلاَ خَالَفْنَا إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا فَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ , أَوْ مَنْسُوخًا فَأَوْضَحْنَا نَسْخَهُ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إلاَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

  • * *

التَّوْحِيدِ 1 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد t : أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ ، وَلاَ يَصِحُّ الإِسْلاَمُ إلاَّ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلاَصٍ لاَ يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ ، وَلاَ بُدَّ بِأَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا رَوْحٌ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا مُعَاذٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُم.ْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾. وَالإِخْلاَصُ فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ , فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ تَكُونُ إلاَّ بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً. 2 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ : هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ , وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذُو زَمَانٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ قَطُّ , وَلاَ يُتَوَهَّمُ ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَالَمُ ، عَنْ زَمَانٍ. وَمَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ مُدَّةُ بَقَاءِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا وَمُدَّةُ وُجُودِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ , وَإِذْ الزَّمَانُ مُدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَدَدٌ مَعْدُودٌ , وَيَزِيدُ بِمُرُورِهِ وَدَوَامِهِ , وَالزِّيَادَةُ لاَ تَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ فِي ذِي مَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا زَادَ فِيهِ. وَالْعَدَدُ أَيْضًا ذُو مَبْدَأٍ ، وَلاَ بُدَّ , وَالزَّمَانُ مُرَكَّبٌ بِلاَ شَكٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ , وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَهُوَ بِيَقِينٍ ذُو نِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَاهُ وَالْكُلُّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَجْزَائِهِ , وَأَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا ذَاتُ مَبْدَأٍ , فَهُوَ كُلُّهُ ذُو مَبْدَأٍ ضَرُورَةً , فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ ضَرُورَةً , وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لاَ يَنْفَكُّ ، عَنْ زَمَانٍ وَالزَّمَانُ ذُو مَبْدَأٍ , فَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَا الْمَبْدَأِ فَهُوَ ذُو مَبْدَأٍ ، وَلاَ بُدَّ , فَالْعَالَمُ كُلُّهُ جَوْهَرُهُ وَعَرَضُهُ ذُو مَبْدَأٍ وَإِذْ هُوَ ذُو مَبْدَأٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ , وَالْمُحْدَثُ يَقْتَضِي مُحْدِثًا ضَرُورَةً إذْ لاَ يُتَوَهَّمُ أَصْلاً ، وَلاَ يُمْكِنُ مُحْدَثٌ إلاَّ وَلَهُ مُحْدِثٌ , فَالْعَالَمُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ وَلَهُ خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ , وَهُوَ مَلِكُ كُلِّ مَا خَلَقَ , فَهُوَ إلَهُ كُلِّ مَا خَلَقَ وَمُخْتَرِعُهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ. 3 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : هُوَ اللَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ , وَأَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ ، وَلاَ يَزَالُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَجَبَ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَالِقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَرَهُمَا الْعَدَدُ , وَكُلُّ مَعْدُودٍ فَذُو نِهَايَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا , وَكُلُّ ذِي نِهَايَةٍ فَمُحْدَثٌ. وَأَيْضًا فَكُلُّ اثْنَيْنِ فَهُمَا غَيْرَانِ , وَكُلُّ غِيَرَيْنِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى مَا صَارَ بِهِ غَيْرَ الآخَرِ , فَعَلَى هَذَا كَانَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا ، وَلاَ بُدَّ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتِهِ وَمِمَّا غَايَرَ بِهِ الآخَرَ , وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ وَعَادَ الأَمْرُ إلَى وُجُوبِ أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَلاَ بُدَّ , وَأَنَّهُ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ , وَالْخَلْقُ كَثِيرٌ مُحْدَثٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ ذَلِكَ , وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ , إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ تَعَالَى اللَّهُ ، عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾. 4 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَ لِعِلَّةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إمَّا لَمْ تَزَلْ مَعَهُ. وَأَمَّا مَخْلُوقَةً مُحْدَثَةً ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ , فَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ لَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ مُمْتَنِعَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ لَمْ يَزَلْ , فَكَانَ يُبْطِلُ التَّوْحِيدَ الَّذِي قَدْ أَبَنَّا بُرْهَانَهُ آنِفًا. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ إذْ كَانَتْ عِلَّةُ الْخَلْقِ لَمْ تَزَلْ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَمْ يَزَلْ , لإِنَّ الْعِلَّةَ لاَ تُفَارِقُ الْمَعْلُولَ , وَلَوْ فَارَقَتْهُ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لَهُ , وَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا بُرْهَانَ وُجُوبِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كُلِّهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَهُنَا عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَكَانَ مُضْطَرًّا مَطْبُوعًا أَوْ مُدَبِّرًا مَقْهُورًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ , وَهَذَا خُرُوجٌ ، عَنِ الإِلَهِيَّةِ , وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُحْدَثَةً لَكَانَتْ ، وَلاَ بُدَّ إمَّا مَخْلُوقَةً لَهُ تَعَالَى. وَأَمَّا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ , فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ فَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا وُجُوبَ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ مَخْلُوقًا , فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ. وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً وَجَبَ ، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ , فَإِنْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا , وَهَذَا يُوجِبُ وُجُوبَ مُحْدِثِينَ لاَ نِهَايَةَ لِعَدَدِهِمْ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ حَصَرَهُ الْعَدَدُ ضَرُورَةً بِمِسَاحَتِهِ أَوْ بِزَمَانِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَكُلُّ مَا حَصَرَهُ الْعَدَدُ فَهُوَ مُتَنَاهٍ. فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَإِنْ قَالُوا : بَلْ خُلِقَتْ الْعِلَّةُ لاَ لِعِلَّةٍ. سَأَلُوا : مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَخْلُقَ الأَشْيَاءَ لِعِلَّةٍ وَيَخْلُقَ الْعِلَّةَ لاَ لِعِلَّةٍ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ. 5 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ. بُرْهَانُ هَذَا : أَنَّنَا نَجِدُ الْجِسْمَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ لاَ يَحُسُّ شَيْئًا ، وَأَنَّ الْمَرْءَ إذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَخَلَّى ، عَنِ الْجَسَدِ كَانَ أَصَحَّ لِفَهْمِهِ وَأَقْوَى لاِِدْرَاكِهِ , فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَسَّاسَ الْعَالِمَ الذَّاكِرَ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الْجَسَدِ وَنَجِدُ الْجَسَدَ إذَا تَخَلَّى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا بِكُلِّ أَعْضَائِهِ ، وَلاَ حِسَّ لَهُ ، وَلاَ فَهْمَ إمَّا بِمَوْتٍ ، وَإِمَّا بِإِغْمَاءٍ ، وَإِمَّا بِنَوْمٍ.فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَّاسَ الذَّاكِرَ هُوَ غَيْرُ الْجَسَدِ , وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ نَفْسًا وَرُوحًا , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الآُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَكَانَتْ النُّفُوسُ كَمَا نَصَّ تَعَالَى كَثِيرَةً , وَكَذَلِكَ وَجَدْنَاهَا نَفْسًا خَبِيثَةً وَأُخْرَى طَيِّبَةً , وَنَفْسًا ذَاتَ شَجَاعَةٍ وَأُخْرَى ذَاتَ جُبْنٍ , وَأُخْرَى عَالِمَةً وَأُخْرَى جَاهِلَةً. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ حَيٍّ نَفْسًا غَيْرَ نَفْسِ غَيْرِهِ , فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَانَتْ النُّفُوسُ كَثِيرَةً مُرَكَّبَةً مِنْ جَوْهَرِهَا وَصِفَاتِهَا , فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ , وَهِيَ مَا لَمْ يَنْفَكَّ قَطُّ مِنْ زَمَانٍ وَعَدَدٍ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ مُرَكَّبَةٌ , وَكُلُّ مُحْدَثٍ مُرَكَّبٍ مَخْلُوقٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِمَّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا قَامَ بِهِ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ. 6 - مَسْأَلَةٌ : وَهِيَ الرُّوحُ نَفْسُهُ , بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنَّ هَهُنَا شَيْئًا مُدَبِّرًا لِلْجَسَدِ هِيَ الْحَيُّ الْحَسَّاسُ الْمُخَاطَبُ , وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ قَطُّ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ , فَكَانَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ النَّفْسِ قَدْ زَعَمَ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ وَقَالَ مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِصِحَّتِهِ , وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَلَيْسَ صَادِقًا.فَصَحَّ أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لِبِلاَلٍ : اكْلأْ لَنَا اللَّيْلَ فَغَلَبَتْ بِلاَلاً عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ النَّبِيُّ r ، وَلاَ بِلاَلٌ ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ , فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا فَقَالَ : يَا بِلاَلُ فَقَالَ : أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ إلَى قَوْلِهِ : ﴿ أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾. وحدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ اللَّهِ r حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أَلاَ إنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا ، عَنْ صَلاَتِنَا , وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ فَعَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالأَنْفُسِ وَبِالأَرْوَاحِ ، عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ , وَلاَ يَثْبُتُ عَنْهُ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِهَذَا أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 7 - مَسْأَلَةٌ : وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ ; بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ وَكُلُّ مَا كَانَ مَرْبُوبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ. 8 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ. قَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي هَذَا , وَلَوْ تَمَثَّلَ تَعَالَى فِي صُورَةِ شَيْءٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِثْلاً لَهُ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. 9 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ النُّبُوَّةَ حَقٌّ ; بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلاَ يُعْرَفُ إلاَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ. وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ، وَلاَ بُدَّ , وَلَوْ دَخَلَتْ فِي نَقْلِ التَّوَاتُرِ دَاخِلَةٌ أَوْ شَكٌّ لَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ هَلْ كَانَ قَبْلَنَا خَلْقٌ أَمْ لاَ ; إذْ لَمْ نَعْرِفْ كَوْنَ الْخَلْقِ مَوْجُودًا قَبْلَنَا إلاَّ بِالْخَبَرِ , وَمَنْ بَلَغَ هَهُنَا فَقَدْ فَارَقَ الْمَعْقُولَ وَبِنَقْلِ التَّوَاتُرِ الْمَذْكُورِ صَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ أَتَوْا أَهْلَ زَمَانِهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْخَلْقِ أَوْحَى إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْذَارِ قَوْمِهِمْ بِأَوَامِرَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا , فَسَأَلُوا بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوا : فَأَتَوْا بِأَعْمَالٍ هِيَ خِلاَفٌ لِطَبَائِعِ مَا فِي الْعَالَمِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ , حَاشَا خَالِقَهَا الَّذِي ابْتَدَعَهَا كَمَا شَاءَ , كَقَلْبِ عَصًا حَيَّةً تَسْعَى , وَشَقِّ الْبَحْرِ لِعَسْكَرٍ جَازُوا فِيهِ وَغَرِقَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ ; وَكَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ قَدْ صَحَّ مَوْتُهُ , وَكَإِبْرَاءِ أَكْمَهٍ وُلِدَ أَعْمَى , وَكَنَاقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ صَخْرَةٍ , وَكَإِنْسَانٍ رُمِيَ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ , وَكَإِشْبَاعِ عَشَرَاتٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ , وَكَنَبَعَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ إنْسَانٍ حَتَّى رُوِيَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُ. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَصِحْ مَا أَتَوْا بِهِ عَنْهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى صَدَّقَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ. 10 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ , كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ , بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَنْقُولِ إلَيْنَا بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَقْلِ التَّوَاتُرِ , وَأَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ ، عَنْ ذَلِكَ , وَأَنَّهُ شُقَّ لَهُ الْقَمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾. وَحَنَّ الْجِذْعُ إذْ فَقَدَهُ حَنِينًا سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ , وَهُمْ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ ; وَدَعَا الْيَهُودَ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ; وَأَخْبَر هُمْ أَنَّهُمْ لاَ يَتَمَنَّوْنَهُ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ ، عَنْ تَمَنِّيهِ جِهَارًا. وَدَعَا النَّصَارَى إلَى مُبَاهَلَتِهِ فَأَبَوَا كُلُّهُمْ. وَهَذَانِ الْبُرْهَانَانِ مَذْكُورَانِ جَمِيعًا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ , كَمَا ذُكِرَ فِيهِ تَعْجِيزَهُ جَمِيعَ الْعَرَبِ ، عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوَّلَهُمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ ; وَنَبَعَ لَهُمْ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ , وَأَطْعَمَ مِئِينَ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ وَجَدْيٍ , وَأَذْعَنَ مُلُوكُ الْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ لاَِمْرِهِ لِلآيَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ , فَنَزَلُوا ، عَنْ مُلْكِهِمْ كُلِّهِمْ طَوْعًا دُونَ رَهْبَةٍ أَصْلاً , وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ ، وَلاَ بِرَغْبَةٍ رَغَّبَهُمْ بِهَا , بَلْ كَانَ يَتِيمًا فَقِيرًا. وَهُنَاكَ قَوْمٌ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ كَصَاحِبِ صَنْعَاءَ وَكَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ , كِلاَهُمَا أَقْوَى جَيْشًا وَأَوْسَعُ مِنْهُ بِلاَدًا , فَمَا الْتَفَتَ لَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ قَوْمِهِمَا , وَكَانَ هُوَ أَضْعَفَهُمْ جُنْدًا وَأَضْعَفَهُمْ بَلَدًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ بِلاَدِ الْمُلُوكِ دَارًا , فَدَعَا الْمُلُوكَ وَالْفُرْسَانَ الَّذِينَ قَدْ مَلَئُوا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَهِيَ نَحْوُ شَهْرَيْنِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الصَّلاَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَإِسْقَاطِ الْفَخْرِ وَالتَّجَبُّرِ , وَالْتِزَامِ التَّوَاضُعِ وَالصَّبْرِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ أَوْ رَفِيعٍ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ ، وَلاَ عَشِيرَةٌ تَنْصُرُهُ , بَلْ اتَّبَعَهُ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ مُذْعِنًا لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ ; وَلَمْ يَأْخُذْ قَطُّ بَلْدَةً عَنْوَةً وَغَلَبَةً إلاَّ خَيْبَرَ وَمَكَّةَ فَقَطْ وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ إلَى قَوْلِهِ : ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾. 11 - مَسْأَلَةٌ : نَسَخَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِلَّتِهِ كُلَّ مِلَّةٍ وَأَلْزَمَ أَهْلَ الأَرْضِ جِنَّهُمْ وَإِنْسَهُمْ اتِّبَاعَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَهُ بِهَا ، وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهَا ; وَأَنَّهُ عليه السلام خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ ; بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ , فَجَزَعَ النَّاسُ فَقَالَ : قَدْ بَقِيَتْ مُبَشِّرَاتٌ وَهُنَّ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ. 12 - مَسْأَلَةٌ : إلاَّ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام سَيَنْزِلُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ عليه السلام أَنْبِيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ لَمْ يُسَمِّ ; وَالإِيمَانُ بِجَمِيعِهِمْ فَرْضٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ ؛ مَاحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ; قَالُوا : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْت النَّبِيَّ r يَقُولُ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ : فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ : تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ : لاَ , إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ , تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الآُمَّةِ. وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ آدَمَ وَنُوحًا وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَاَلْيَسَع وَإِلْيَاسَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَأَيُّوبَ وَعِيسَى وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا وَلُوطًا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾. 13 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عليهم السلام عَبِيدًا لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقُونَ ; نَاسٌ كَسَائِرِ النَّاسِ ; مَوْلُودُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ; إلاَّ آدَمَ وَعِيسَى ; فَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ بِيَدِهِ ; لاَ مِنْ ذَكَرٍ ، وَلاَ مِنْ أُنْثَى ; وَعِيسَى خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، عَنِ الرُّسُلِ عليهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا : ﴿ إنْ نَحْنُ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.﴾ وَقَالَ تَعَالَى ، عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ عليها السلام : ﴿ إنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغْيًا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ.﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾. 14 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ يَدْخُلُهَا كَافِرٌ أَبَدًا ; قَالَ تَعَالَى ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. 15 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لاَ يَخْلُدُ فِيهَا مُؤْمِنٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يَصْلاَهَا إلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾. 16 - مَسْأَلَةٌ : يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو غَسَّانِ الْمِسْمَعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ ، حدثنا مُعَاذٌ ، هُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r : (( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَه إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً. 17 - مَسْأَلَةٌ : لاَ تَفْنَى الْجَنَّةُ ، وَلاَ النَّارُ ، وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ فِيهِمَا أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا ، عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ وَمَنْ فِيهِمَا : ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾. وَ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ نَامِي ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ , وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ , فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ r : وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ : ﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلاَّ الْمَوْتَةَ الآُولَى ﴾ وَقَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 18 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَطَئُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ ، وَلاَ يَرَوْنَ بُؤْسًا أَبَدًا ; وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا فِي الدُّنْيَا ; لَكِنْ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ; وَحُورُ الْعِينِ حَقٌّ نِسَاءٌ مُطَهَّرَاتٌ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ، وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ , وَلَكِنَّ طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ , يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ خِلاَفُ مَا فِي الدُّنْيَا. 19 - مَسْأَلَةٌ : وَأَهْلُ النَّارِ يُعَذَّبُونَ بِالسَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ وَالْقَطِرَانِ وَأَطْبَاقِ النِّيرَانِ ; أَكْلُهُمْ الزَّقُّومُ وَشُرْبُهُمْ مَاءٌ كَالْمُهْلِ وَالْحَمِيمِ ; نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾. 20 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمَا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ ، عَنِ النَّبِيِّ r أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام فَهُوَ كَافِرٌ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾. 21 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَلاَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَحْيُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ r مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾. وَكُلُّ مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لاَ يَصِحُّ ; وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ 22 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ خَبَرٍ ، عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ أَوْ مَسْخٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَعِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ لاَ رَمْزَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , قَالَ تَعَالَى قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوا هَذَا فَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾. 23 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ سِرَّ فِي الدِّينِ عِنْدَ أَحَدٍ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ﴾. 24 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ حَقٌّ ; وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُكْرَمُونَ كُلُّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ. 25 - مَسْأَلَةٌ : خُلِقُوا كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ آدَم مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَخُلِقَ الْجِنُّ مِنْ نَارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ. 26 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَلاَئِكَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ; لاَ يَعْصِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي صَغِيرَةٍ ، وَلاَ كَبِيرَةٍ وَهُمْ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ فَهَذَا تَفْضِيلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ عليه السلام. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مَنْ خَلَقْنَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ سِوَى الْمَلاَئِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ , وَإِسْجَادُهُ تَعَالَى الْمَلاَئِكَةَ لاِدَمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلاَمُ سُجُودُ تَحِيَّةٍ ; فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي أَنْ يُكَرَّمَ بِأَنْ يُحَيُّوهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْفِصَلِ غَايَةَ التَّقَصِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ. 27 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْجِنَّ حَقٌّ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; فِيهِمْ الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ ; يَرَوْنَنَا ، وَلاَ نَرَاهُمْ ; يَأْكُلُونَ وَيَنْسِلُونَ وَيَمُوتُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَقَالَ تَعَالَى ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ; قَالَ أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ; ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ قَالاَ : حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ ، وَلاَ بِالرَّوْثِ فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ. 28 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ ; وَهُوَ وَقْتٌ يَنْقَضِي فِيهِ بَقَاءُ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا فَيَمُوتُ كُلُّ مَنْ فِيهَا ; ثُمَّ يُحْيِي الْمَوْتَى ; يُحْيِي عِظَامَهُمْ الَّتِي فِي الْقُبُورِ وَهِيَ رَمِيمٌ وَيُعِيدُ الأَجْسَامَ كَمَا كَانَتْ وَيَرُدُّ إلَيْهَا الأَرْوَاحَ كَمَا كَانَتْ ; وَيَجْمَعُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُحَاسَبُ فِيهِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ فَيُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ إنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. 29 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنَّ الْوُحُوشَ تُحْشَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ. 30 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ وَهُوَ طَرِيقٌ يُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَيَنْجُو مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَهْلِكُ مَنْ شَاءَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ فِي حَدِيثٍ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَقَالَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا : وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ , هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ , يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ , وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. 31 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْمَوَازِينَ حَقٌّ تُوزَنُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ ; نُؤْمِنُ بِهَا ، وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾. 32 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا. حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ ; آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ , عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إلَى أَيْلَةَ ; مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ. 33 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ حَقٌّ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ، حدثنا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ r قَالَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لاُِمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لاُِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وبه إلى مُسْلِمٍ : حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَحْيَوْنَ , وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ , أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ , فَأَمَاتَهُمْ اللَّهُ إمَاتَةً حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ , ثُمَّ قِيلَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. 34 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الصُّحُفَ تَكْتُبُ فِيهَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمَلاَئِكَةُ حَقٌّ نُؤْمِنُ بِهَا ، وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ. 35 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; فَالْمُؤْمِنُونَ الْفَائِزُونَ الَّذِينَ لاَ يُعَذَّبُونَ يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ ; وَالْكُفَّارُ بِأَشْمَلِهِمْ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. 36 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ حَافِظَيْنِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ يُحْصِيَانِ أَقْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. 37 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ; فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ; فَإِنْ تَرَكَهَا بِغَلَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ , فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ , فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا , وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا , فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ : رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلاَمَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ , وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ،. 38 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ عَمَلاً سَيِّئًا ثُمَّ أَسْلَمَ ; فَإِنْ تَمَادَى عَلَى تِلْكَ الإِسَاءَةِ حُوسِبَ وَجُوزِيَ فِي الآخِرَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ; وَإِنْ تَابَ ، عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَمِلَ فِي شِرْكِهِ. وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ أَعْمَالاً صَالِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ جُوزِيَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ; فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ جُوزِيَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ فِي الآخِرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالاَ ، حدثنا حَجَّاجٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا , ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا r فَقَالُوا : إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ , وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ : وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ، وَلاَ يَزْنُونَ وَمِنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَلَمْ يُسْقِطْ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تِلْكَ الأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ إلاَّ بِالإِيمَانِ مَعَ التَّوْبَةِ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ r : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَلاَ يُؤَاخَذُ بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قلنا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، حدثنا يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا عَنْ صَالِحٍ ، هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ r : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ. وَقَوْلَهُ عليه السلام لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ , وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ. قلنا : إنَّ كَلاَمَهُ عليه السلام لاَ يُعَارِضُ كَلاَمَهُ ، وَلاَ كَلاَمَ رَبِّهِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مِنْ هَذَا لَمَا كَانَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَبَطَلَتْ حُجَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لاَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ ، وَلاَ السُّنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فأما قوله تعالى : إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ فَنَعَمْ هَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا : إنَّ مَنْ انْتَهَى غُفِرَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُهُ لَهُ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ فَحَقٌّ وَهُوَ قَوْلُنَا ; لإِنَّ الإِسْلاَمَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ , وَالتَّوْبَةُ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنْ الطَّاعَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْهِجْرَةِ إنَّمَا هِيَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ , كَمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَر وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ دَاوُد ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ , فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ قَالَ : لاَ يَنْفَعُهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمٌ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ , وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحِسَابِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا. 39 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ الأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ ، وَلاَ يَحْيَا أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ. قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ , يُقَالُ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا بُدَيْلٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : إذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا , وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ , فَيَنْطَلِقُوا بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَقُولُ : انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ يَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ : رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ r رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَصَحَّ أَنَّهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَانِ فَقَطْ , وَلاَ تُرَدُّ الرُّوحُ إلاَّ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ آيَةً , كَمَنْ أَحْيَاهُ عِيسَى عليه السلام , وَكُلُّ مَنْ جَاءَ فِيهِ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَهُوَ قَوْلُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ " دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ فَأَبْصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَطْرُوحًا قَبْلَ أَنْ يُصْلَبَ , فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ أَسْمَاءُ , فَمَالَ إلَيْهَا وَعَزَّاهَا وَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَإِنَّ الأَرْوَاحَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ : وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ رَدَّ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ إلاَّ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو , وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. 40 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ , وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ السَّيِّئَاتِ وَالْقِصَاصُ مِنْ الْحَسَنَاتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ ، وَلاَ مَتَاعَ , فَقَالَ : إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا , فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ , فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ. 41 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَكِنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَالْوَفَاةُ قِسْمَانِ : نَوْمٌ وَمَوْتٌ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ عِيسَى عليه السلام بِقَوْلِهِ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي وَفَاةَ النَّوْمِ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى وَفَاةَ الْمَوْتِ , وَمَنْ قَالَ إنَّهُ عليه السلام قُتِلَ أَوْ صُلِبَ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ حَلاَلٌ دَمُهُ وَمَالُهُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَخِلاَفِهِ الإِجْمَاعَ. 42 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ r ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، رضي الله عنهم ، إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَجَّعَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُتَّقِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الرَّوَافِضِ الْمُخَالِفِينَ لاِِجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُبَدِّلِينَ لِلْقُرْآنِ الْمُكَذِّبِينَ بِصَحِيحِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ r الْمُجَاهِرِينَ بِتَوْلِيدِ الْكَذِبِ الْمُتَنَاقِضِينَ فِي كَذِبِهِمْ أَيْضًا , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَادَّعَوْا مِنْ رُجُوعِ عَلِيٍّ t مَا لاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ ، عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهُ لِعُمَرَ أَوْ لِعُثْمَانَ أَوْ لِمُعَاوِيَةَ ، رضي الله عنهم ، أَوْ لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ : إذَا لَمْ يُبَالِ بِالْكَذِبِ وَالدَّعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 43 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الأَنْفُسَ حَيْثُ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ r لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، عَنْ يَمِينِ آدَمَ عليه السلام , وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاءِ ، عَنْ شِمَالِهِ عِنْدَ سَمَاءِ الدُّنْيَا , لاَ تَفْنَى ، وَلاَ تَنْتَقِلُ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ , لَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَيَّةٌ حَسَّاسَةٌ عَاقِلَةٌ فِي نَعِيمٍ أَوْ نَكَدٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَتُرَدُّ إلَى أَجْسَادِهَا لِلْحِسَابِ وَلِلْجَزَاءِ بِالْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ , حَاشَا أَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام وَأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهَا الآنَ تُرْزَقُ وَتُنَعَّمُ. وَمَنْ قَالَ بِانْتِقَالِ الأَنْفُسِ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا هَذِهِ الأَجْسَادَ فَقَدْ كَفَرَ. بُرْهَانُ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا. قَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ , قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ , قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ : نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ r قَالَ فَأُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ ، عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ , فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ , وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى , قَالَ : فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ , فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَم r وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ الَّتِي ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ , فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي ، عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ , فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى , قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ عليه السلام حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ. قَالَ أَنَسٌ : فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صلوات الله عليهم وَلَمْ يَثْبُتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَكَانُ الأَرْوَاحِ , وَأَنَّ أَرْوَاحَ الأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ . وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فِي أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عليهم السلام أَرْفَعُ قَدْرًا وَدَرَجَةً وَأَتَمُّ فَضِيلَةً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْلَى كَرَامَةً مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُمْ , وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا فَلَيْسَ مُسْلِمًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r : إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ , إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ , وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ , ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الأَرْوَاحَ حَسَّاسَةٌ عَالِمَةٌ مُمَيِّزَةٌ بَعْدَ فِرَاقِهَا الأَجْسَادَ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الأَرْوَاحَ تُنْقَلُ إلَى أَجْسَادٍ أُخَرَ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ التَّنَاسُخِ , وَهُوَ كُفْرٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 44 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مُذْ مَاتَ النَّبِيُّ r ؛ بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَحْيَ لاَ يَكُونُ إلاَّ إلَى نَبِيٍّ. وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ. 45 - مَسْأَلَةٌ : وَالدِّينُ قَدْ تَمَّ فَلاَ يُزَادُ فِيهِ ، وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ ، وَلاَ يُبَدَّلُ ، قَالَ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ تَبْدِيلٌ. 46 - مَسْأَلَةٌ : قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ r الدِّينَ كُلَّهُ وَبَيَّنَ جَمِيعَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. 47 - مَسْأَلَةٌ : وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ قَامَتْ وَاسْتَبَانَتْ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ ، عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مِنْ حَيَّ ، عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾. 48 - مَسْأَلَةٌ : وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ ، عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ بِالْيَدِ , فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ , فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ ، عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الآُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ , ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ , كِلاَهُمَا ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، هُوَ ابْنُ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ هُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ r ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ , ثُمَّ إنَّهَا تَخَلَّفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ , وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ , فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ , فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ : لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ غَيْرُ مَنْسُوخَتَيْنِ.فَصَحَّ أَنَّ مَا عَارَضَهُمَا أَوْ عَارَضَ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِي مَعْنَاهُمَا هُوَ الْمَنْسُوخُ بِلاَ شَكٍّ. 49 - مَسْأَلَةٌ : فَمَنْ عَجَزَ لِجَهْلِهِ أَوْ عَتَمَتِهِ ، عَنْ مَعْرِفَةِ كُلِّ هَذَا فَلاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ بَعْدَ أَنْ يُفَسَّرَ لَهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ وَكُلُّ دِينٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا رَوْحٌ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾. 50 - مَسْأَلَةٌ : وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ أَفْضَلَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ الرُّسُلُ ثُمَّ الأَنْبِيَاءُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مِنَّا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ثُمَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ الصَّالِحُونَ. قَالَ تَعَالَى ﴿ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَقَالَ تَعَالَى ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ، وَلاَ نَصِيفَهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ : حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ ، وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ , وَيَنْذِرُونَ ، وَلاَ يُوفُونَ , وَيَحْرُبُونَ ، وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ وَيَفْشُو فِيهِمْ السِّمَنُ هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ " يَحْرُبُونَ " بِحَاءٍ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ وَرَاءٍ مَرْفُوعَةٍ وَبَاءٍ مَنْقُوطَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْ أَسْفَلُ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ " يَخُونُونَ " بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقُ وَوَاوٍ بَعْدَهَا نُونٌ , وَمَنْ خَانَ فَقَدْ حَرَبَ. 51 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ لاَ خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. 52 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُشْبِهُهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. 53 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ فِي مَكَان ، وَلاَ فِي زَمَانٍ , بَلْ هُوَ تَعَالَى خَالِقُ الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ. قَالَ تَعَالَى ﴿ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَقَالَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَهُمَا مَخْلُوقَانِ , قَدْ كَانَ تَعَالَى دُونَهُمَا , وَالْمَكَانُ إنَّمَا هُوَ لِلأَجْسَامِ , وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ مُدَّةُ كُلِّ سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مَحْمُولٍ فِي سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ , وَكُلُّ هَذَا مُبْعَدٌ ، عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. 54 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ ، وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ تَعَالَى ، عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ فَمَنَعَ تَعَالَى أَنْ يُسَمَّى إلاَّ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِهَا فَقَدْ أَلْحَدَ. وَالأَسْمَاءُ الْحُسْنَى بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ لاَ تَكُونُ إلاَّ مَعْهُودَةً ، وَلاَ مَعْرُوفٌ فِي ذَلِكَ إلاَّ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ , وَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا ادَّعَى ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ , وَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. 55 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ , وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى , مَنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ , وَهِيَ الأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ , قَالَ أَيُّوبُ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَقَالَ هَمَّامٌ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا , مِائَةً إلاَّ وَاحِدًا , مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ زَادَ هَمَّامٌ فِي حَدِيثِهِ إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَقَطْ , وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ لاَِنَّهُ عليه السلام قَالَ : مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى اسْمٌ زَائِدٌ لَكَانَتْ مِائَةَ اسْمٍ , وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ كَذِبًا وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بِالأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي كِتَابِ " الإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 56 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَقَالَ : وَأَكِيدُ كَيْدًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ ، ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْبَنَّاءَ ، وَلاَ الْكَيَّادَ ، وَلاَ الْمَاكِرَ ، وَلاَ الْمُتَجَبِّرَ ، وَلاَ الْمُسْتَكْبِرَ , لاَ عَلَى أَنَّهُ الْمُجَازِي بِذَلِكَ ، وَلاَ عَلَى وَجْهٍ أَصْلاً , وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ وَمَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 57 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا , وَهُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ حَرَكَةً ، وَلاَ نَقْلَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يَتَنَزَّلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ قَالَ مُسْلِمٌ : وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْقَارِيّ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r : (( يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ : فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ , مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ , مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ , فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ قَالَ مُسْلِمٌ : وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى , هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ , هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ , حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَالرِّوَايَةُ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ " وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ " إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ إلَى أَنْ يُضِيءَ الْفَجْرُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الأَغَرِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَأَوْقَاتُ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلاَفِ تَقَدُّمِ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ. فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ , لاَ حَرَكَةَ , وَالْحَرَكَةُ وَالنَّقْلَةُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ , حَاشَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا. 58 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقُرْآنُ كَلاَمُ اللَّهِ وَعِلْمُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَلاَمَهُ هُوَ عِلْمُهُ , وَعِلْمُهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ. 59 - مَسْأَلَةٌ : وَهُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْمَسْمُوعُ مِنْ الْقَارِئِ وَالْمَحْفُوظُ فِي الصُّدُورِ , وَاَلَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ r : كُلُّ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُهُ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لاَ مَجَازًا , مَنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ ، وَلاَ هُوَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ , لِخِلاَفِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ r وَإِجْمَاعَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ﴾. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَصْرِفَ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى الْمَجَازِ ، عَنِ الْحَقِيقَةِ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 60 - مَسْأَلَةٌ : وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَمْ يَزَلْ عَزَّ وَجَلَّ عَلِيمًا بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَالأَخْفَى مِنْ السِّرِّ هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ. 61 - مَسْأَلَةٌ : وَقُدْرَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُوَّتُهُ حَقٌّ لاَ يَعْجِزُ ، عَنْ شَيْءٍ , وَلاَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ مُحَالٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حدثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَقَدْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا لاَ يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى كَذَلِكَ لَكَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ , وَلَوْ كَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ لَكَانَ مُحْدَثًا , تَعَالَى اللَّهُ ، عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ تَعَالَى مُرَتِّبُ كُلَّ مَا خَلَقَ , وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْوَاجِبَ وَأَمْكَنَ الْمُمْكِنَ وَأَحَالَ الْمُحَالَ , وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ مَا فَعَلَهُ , لَمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ , وَلَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مُضْطَرًّا لاَ مُخْتَارًا. وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. 62 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِزًّا وَعِزَّةً , وَجَلاَلاً وَإِكْرَامًا , وَيَدًا وَيَدَيْنِ وَأَيْدٍ , وَوَجْهًا وَعَيْنًا وَأَعْيُنًا وَكِبْرِيَاءَ , وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لاَ يُرْجَعُ مِنْهُ ، وَلاَ مِنْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ وَقُوَّتِهِ إلاَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلاً , مُقِرٌّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ , وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r . وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا. وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ عَيْنَيْنِ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ أَنْ يُقَالَ " سَمْعٌ وَبَصَرٌ ، وَلاَ حَيَاةٌ " لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ , لَكِنَّهُ تَعَالَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَيٌّ قَيُّومٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ , حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثَ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا الأَعْمَشُ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( الْعِزُّ إزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي حَدِيثِ : خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ إمَّا لَمْ يَزَلْ وَأَمَّا مُحْدَثًا , فَلَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ لَكَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءُ غَيْرُهُ لَمْ تَزَلْ , وَهَذَا شِرْكٌ مُجَرَّدٌ , وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَكَانَ تَعَالَى بِلاَ عِلْمٍ ، وَلاَ قُوَّةٍ , وَلاَ قُدْرَةٍ ، وَلاَ عِزٍّ ، وَلاَ كِبْرِيَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ ذَلِكَ وَهَذَا كُفْرٌ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ , وَلاَ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ , وَلاَ أَنْ يُسَمَّى بِشَيْءٍ إلاَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ. وَنَقُولُ : إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَكْرًا وَكَيْدًا. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا وَكُلُّ ذَلِكَ خَلْقٌ لَهُ تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 63 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُوَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْقُوَّةِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وُجُوهٌ يَوْمُئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ ، حدثنا جَرِيرٌ ، وَوَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ وَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ لَكَانَتْ لاَ تَقَعُ إلاَّ عَلَى الأَلْوَانِ , تَعَالَى اللَّهُ ، عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : إنَّهُمْ ، عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. 64 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى عليه السلام وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ. قَالَ تَعَالَى ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ. 65 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا r خَلِيلَيْنِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ , حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارَ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً , وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي , وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً. 66 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ مُحَمَّدًا r أَسْرَى بِهِ رَبُّهُ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ , وَطَافَ فِي السَّمَاوَاتِ سَمَاءٍ سَمَاءٍ , وَرَأَى أَرْوَاحَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام هُنَالِكَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَامٍ مَا كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ , كَمَا لاَ نُكَذِّبُ نَحْنُ كَافِرًا فِي رُؤْيَا يَذْكُرُهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا رُؤْيَتَهُ عليه السلام لِلأَنْبِيَاءِ عليهم السلام قَبْلُ فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ. 67 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ لاَ يَأْتِي بِهَا أَحَدٌ إلاَّ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا ، عَنْ مُوسَى عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾. فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا يُحِيلُ طَبِيعَةً أَوْ يَقْلِبُ نَوْعًا , لَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْتِي بِهِ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بُرْهَانًا لَهُمْ ، وَلاَ آيَةً لَهُمْ , وَلاَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَمَّى ذَلِكَ سِحْرًا ، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ آيَةً لَهُمْ عليهم السلام. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ إحَالَةَ الطَّبِيعَةِ لاَ تَكُونُ آيَةً إلاَّ حَتَّى يَتَحَدَّى فِيهَا النَّبِيُّ r النَّاسَ فَقَدْ كَذَبَ وَادَّعَى مَا لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً , لاَ مِنْ عَقْلٍ ، وَلاَ مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ , وَيَجِبُ مِنْ هَذَا أَنَّ حُنَيْنَ الْجِذْعِ وَإِطْعَامَ النَّفَرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ حَتَّى شَبِعُوا وَهُمْ مِئُونَ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ. وَنَبَعَانَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ r وَإِرْوَاءَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ قَدَحٍ صَغِيرٍ تَضِيقُ سِعَتُهُ ، عَنْ شِبْرٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ آيَةً لَهُ عليه السلام لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَتَّحِدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا. 68 - مَسْأَلَةٌ : وَالسِّحْرُ حِيَلٌ وَتَخْيِيلٌ لاَ يُحِيلُ طَبِيعَةً أَصْلاً. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَصَحَّ أَنَّهَا تَخْيِيلاَتٌ لاَ حَقِيقَةَ لَهَا , وَلَوْ أَحَالَ السَّاحِرُ طَبِيعَةً لَكَانَ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ r وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ. 69 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ , مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا , وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا. 70 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَمُوتُ أَحَدٌ قَبْلَ أَجَلِهِ , مَقْتُولاً أَوْ غَيْرَ مَقْتُولٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ، وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ. 71 - مَسْأَلَةٌ : وَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يُسِّرَ لَهُ , السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى , وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حدثنا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ قَالُوا : حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ , وَأَجَلِهِ , وَعَمَلِهِ , وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ , فَوَاَلَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا , وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا. 72 - مَسْأَلَةٌ : وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ تَعَالَى خَالِقُ الاِخْتِيَارِ وَالإِرَادَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي نُفُوسِ عِبَادِهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. 73 - مَسْأَلَةٌ : لاَ حُجَّةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ. قَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. 74 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ عُذْرَ لاَِحَدٍ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ , لاَ فِي الدُّنْيَا ، وَلاَ فِي الآخِرَةِ , وَكُلُّ أَفْعَالِهِ تَعَالَى عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاضِعُ كُلِّ مَوْجُودٍ فِي مَوْضِعِهِ , وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لاَ حَاكِمَ عَلَيْهِ ، وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. قَالَ تَعَالَى ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. 75 - مَسْأَلَةٌ : الإِيمَانُ وَالإِسْلاَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هُدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. 76 - مَسْأَلَةٌ : كُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ , يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فأما الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا ﴾. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا كَهْمَسٌ التَّمِيمِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ : قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي ، عَنِ الإِسْلاَمِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ , وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ , وَتَصُومَ رَمَضَانَ , وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ : صَدَقْتَ , فَأَخْبِرْنِي ، عَنِ الإِيمَانِ , قَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ , وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ , خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْت : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عليه السلام أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً , وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ. وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ , وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ لِلنِّسَاءِ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ دِينٍ وَعَقْلٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ , قَالَتْ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ. وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ , فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ ﴾. فَصَحَّ أَنَّ الدِّينَ هُوَ الإِسْلاَمُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الإِسْلاَمَ هُوَ الإِيمَانُ , فَالدِّينُ هُوَ الإِيمَانُ , وَالدِّينُ يَنْقُصُ بِنَقْصِ الإِيمَانِ وَيَزِيدُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 77 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ تَقِيَّةٍ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ , وَمَنْ نَطَقَ بِهِ دُونَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : إنَّهُمْ يَعْلَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ r كَمَا يَعْلَمُونَ أَبْنَاءَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا وَقَالَ تَعَالَى إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 78 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ اعْتَقَدَ الإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ بِلِسَانِهِ فَقَدْ وُفِّقَ , سَوَاءٌ اسْتَدَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ , فَهُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ , فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اسْتِدْلاَلاً وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ r مُذْ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنْ قَبَضَهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُقِرُّوا بِالإِسْلاَمِ وَيَلْتَزِمُوهُ , وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ قَطُّ اسْتِدْلاَلاً , وَلاَ سَأَلَهُمْ هَلْ اسْتَدَلُّوا أَمْ لاَ , وَعَلَى هَذَا جَرَى جَمِيعُ الإِسْلاَمِ إلَى الْيَوْمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 79 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ ضَيَّعَ الأَعْمَالَ كُلَّهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ عَاصٍ نَاقِصُ الإِيمَانِ لاَ يَكْفُرُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَضَائِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا , مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يَرْحَمَهُ , مِمَّنْ يَقُولُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ. 80 - مَسْأَلَةٌ : وَالْيَقِينُ لاَ يَتَفَاضَلُ , لَكِنْ إنْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَكٍّ أَوْ جَحْدٍ بَطَلَ كُلُّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ إثْبَاتُ الشَّيْءِ , وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتٌ أَكْثَرَ مِنْ إثْبَاتٍ , فَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الإِثْبَاتَ صَارَ شَكًّا. 81 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَعَاصِي كَبَائِرُ فَوَاحِشُ , وَسَيِّئَاتٌ صَغَائِرُ وَلَمَمٌ , وَاللَّمَمُ مَغْفُورٌ جُمْلَةً , فَالْكَبَائِرُ الْفَوَاحِشُ هِيَ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r فَمَنْ اجْتَنَبَهَا غُفِرَتْ لَهُ جَمِيعُ سَيِّئَاتِهِ الصَّغَائِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَاللَّمَمُ هُوَ الْهَمُّ بِالشَّيْءِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا الأَثَرَ فِي أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَبِالضَّرُورَةِ نَعْرِفُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ كَبِيرًا إلاَّ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ , لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً , فَإِذَا كَانَ الْعِقَابُ بَالِغًا أَشَدَّ مَا يُتَخَوَّفُ فَالْمُوجِبُ لَهُ هُوَ كَبِيرٌ بِلاَ شَكٍّ , وَمَا لاَ تَوَعُّدَ فِيهِ بِالنَّارِ فَلاَ يَلْحَقُ فِي الْعِظَمِ مَا تُوُعِّدَ فِيهِ بِالنَّارِ , فَهُوَ الصَّغِيرُ بِلاَ شَكٍّ , إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ. 82 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ حُوسِبَ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلَ , وَوَازَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَعْمَالِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَبَيْنَ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ الَّتِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا ، وَلاَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا , فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ , وَكَذَلِكَ مَنْ سَاوَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَمَنْ تَسَاوَتْ فَهُمْ أَهْلُ الأَعْرَافِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الذُّنُوبَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ , حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ , أَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ ، حدثنا خَالِدٌ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ : أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ نَسْرِقَ ، وَلاَ نَزْنِيَ ، وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا ، وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا , فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ , وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ. 83 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ فَهُمْ الْخَارِجُونَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ : وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ , فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ , وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلاَّ الرُّسُلُ , وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ , غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ ، حدثنا مُعَاذٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r : (( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً , ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ اللَّه لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ r فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِمُعَارِضٍ لِمَا ذَكَرْنَا ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ إلاَّ أَنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾. وَهَذَا صَحِيحٌ لاَ شَكَّ فِيهِ , كَمَا أَنَّ قوله تعالى : إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وقوله تعالى فِي النَّصَارَى حَاكِيًا ، عَنْ عِيسَى عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ : هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَغْفِرُ ، وَلاَ يُعَذِّبُ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ , وَالْمُبَيِّنُ لاَِحْكَامِ هَؤُلاَءِ مِمَّا ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى سَائِرِ النُّصُوصِ الْمُجْمَلَةِ. وَكَذَلِكَ تَقْضِي هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى كُلِّ نَصٍّ فِيهِ : مَنْ فَعَلَ كَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ , وَمَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُخْلِصًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ , وَعَلَى قوله تعالى : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَمَعْنَى كُلِّ هَذَا أَنَّ اللَّهَ يُحَرِّمُ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ , وَيُحَرِّمُ النَّارَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُدَ فِيهَا أَبَدًا , وَخَالِدًا فِيهَا مُدَّةً حَتَّى تُخْرِجَهُ الشَّفَاعَةُ , إذْ لاَ بُدَّ مِنْ جَمْعِ النُّصُوصِ كُلِّهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 84 - مَسْأَلَةٌ : وَالنَّاسُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , فَأَفْضَلُ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً , بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الأَفْضَلُ أَنْقَصَ دَرَجَةً لَبَطَلَ الْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى ، وَلاَ رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ , وَلَيْسَ لِلْفَضْلِ مَعْنًى إلاَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ الأَرْفَعِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْفِيعِ مَنْزِلَتِهِ فِي الْجَنَّةِ.

85 - مَسْأَلَةٌ : وَهُمْ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ أَزْوَاجُهُمْ ثُمَّ سَائِرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَجَمِيعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ. 

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ لَوْ كَانَ لاَِحَدِنَا مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ، وَلاَ نَصِيفَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ أَعْلاَهُمْ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ , وَلاَ مَنْزِلَةَ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام , فَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ دُونَهُمْ , وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ لِنِسَائِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ فَجَاءَ النَّصُّ أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ r فَقَدْ وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحُسْنَى. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَصَحَّ بِالنَّصِّ كُلُّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى , فَإِنَّهُ مُبْعَدٌ ، عَنِ النَّارِ لاَ يَسْمَعُ حَسِيسَهَا , وَهُوَ فِيمَا اشْتَهَى خَالِدٌ لاَ يَحْزُنُهُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ. وَهَذَا نَصُّ مَا قلنا , وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ ، وَلاَ سَائِرُ الْكُفَّارِ , مِنْ أَصْحَابِهِ عليه السلام , وَلاَ مِنْ الْمُضَافِينَ إلَيْهِ عليه السلام 86 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَجُوزُ الْخِلاَفَةُ إلاَّ فِي قُرَيْشٍ , وَهُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ , الَّذِينَ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حدثنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَفْظَةُ الْخَبَرِ , فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الأَمْرَ فَحَرَامٌ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ فِي غَيْرِهِمْ أَبَدًا , وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ كَلَفْظِهِ , فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فَلاَ أَمْرَ لَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ , فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا خَبَرٌ يُوجِبُ مَنْعَ الأَمْرِ عَمَّنْ سِوَاهُمْ. 87 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ الأَمْرُ لِغَيْرِ بَالِغٍ ، وَلاَ لِمَجْنُونٍ ، وَلاَ امْرَأَةٍ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلاَّ إمَامٌ وَاحِدٌ فَقَطْ , وَمَنْ بَاتَ لَيْلَةً وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً , وَلاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ , وَلاَ يَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَعْدَ مَوْتِ الإِمَامِ فِي اخْتِيَارِ الإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ , وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ. قَالَ عَلِيٌّ : الإِمَامُ إنَّمَا جُعِلَ لِيُقِيمَ النَّاسُ الصَّلاَةَ وَيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ وَيُقِيمَ حُدُودَهُمْ وَيُمْضِيَ أَحْكَامَهُمْ وَيُجَاهِدَ عَدُوَّهُمْ , وَهَذِهِ كُلُّهَا عُقُودٌ , وَلاَ يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ مَنْ لاَ يَعْقِلُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ , فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ ، وَلاَ طَاعَةَ. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَاصِمٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ , وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِيُّ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَائِلٌ بِالْحَقِّ , فَإِذَا صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِذَلِكَ , إذَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ لاَ مُخَالِفَ فِي ذَلِكَ وَقُطِعَ بِهِ وَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ رَضُوا بَقَاءَ السِّتَّةِ إذْ مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ ، عَنْ جَمِيعِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَرْتَئُونَ فِي إمَامٍ. فَصَحَّ هَذَا وَبَطَلَ مَا زَادَ عَلَيْهِ , إذْ لَمْ تُبِحْهُ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ فَوَجَدْنَا عُمَرَ t قَدْ وَلَّى الأَمْرَ أَحَدَ السِّتَّةِ الْمُعَيَّنِينَ أَيَّهُمْ اخْتَارُوا لاَِنْفُسِهِمْ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ الإِمَامَ سَاعَةَ مَوْتِ عُمَرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى , بِإِسْنَادِ عُمَرَ الأَمْرَ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِهِمْ إيَّاهُ , فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَصَحَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْقُوا سَاعَةً , فَكَيْفَ لَيْلَةً دُونَ إمَامٍ بَلْ كَانَ لَهُمْ إمَامٌ مُعَيَّنٌ مَحْدُودٌ مَوْصُوفٌ مَعْهُودٌ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ , وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ النَّاسُ بِعَيْنِهِ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. 88 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالزِّنَى وَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْخَمْرِ وَأَكْلِ الأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : تَكُونُ بِالنَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ وَالْعَزِيمَةِ , عَلَى أَنْ لاَ عَوْدَةَ أَبَدًا , وَاسْتِغْفَارِ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِي أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لاَ تَكُونُ إلاَّ بِرَدِّ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ , وَرَدِّ كُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مَعَهَا أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ إنْ فَاتَ , فَإِنْ جَهِلُوا فَفِي الْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ مَعَ النَّدَمِ وَالإِقْلاَعِ وَالاِسْتِغْفَارِ , وَتَحَلُّلِهِمْ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالأَمْرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ بُدَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الاِنْتِصَافِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , يَوْمَ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ , وَلاَ تَكُونُ إلاَّ بِالْقِصَاصِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لِيُرَجِّحَ مِيزَانَ الْحَسَنَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيِّ ، حدثنا مَرْوَانُ يَعْنِي بْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r فِيمَا رَوَى ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَنَّهُ قَالَ : يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا , فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ , وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ , وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ ، وَلاَ مَتَاعَ , فَقَالَ عليه السلام : إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ , وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا , فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ , فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ , لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ. قال علي : هذا كُلُّهُ خَبَرٌ مُفَسَّرٌ مُخَصَّصٌ لاَ يَجُوزُ نَسْخُهُ ، وَلاَ تَخْصِيصُهُ بِعُمُومِ خَبَرٍ آخَرَ. 89 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ الدَّجَّالَ سَيَأْتِي وَهُوَ كَافِرٌ أَعْوَرُ مُمَخْرَقٌ ذُو حِيَلٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ , أَلاَ إنَّهُ أَعْوَرُ. وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ , مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كُفْر. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ r ، عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْته عَنْهُ , قَالَ وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهُ قَالَ : قُلْت : إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ : هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا جَرِيرٌ ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَ : سَمِعْت عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ , فَوَاَللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ , قَالَ هَكَذَا , قَالَ نَعَمْ 90 - مَسْأَلَةٌ : وَالنُّبُوَّةُ هِيَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُوحَى إلَيْهِ بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلُ. وَالرِّسَالَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ وَزِيَادَةٌ , وَهِيَ بَعْثَتُهُ إلَى خَلْقٍ مَا بِأَمْرٍ مَا هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَالْخَضِرُ عليه السلام نَبِيٌّ قَدْ مَاتَ , وَمُحَمَّدٌ r لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا ، عَنِ الْخَضِرِ وَمَا فَعَلْتُهُ ، عَنْ أَمْرِي فَصَحَّتْ نُبُوَّتُهُ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ. 91 - مَسْأَلَةٌ : وَأَنَّ إبْلِيسَ بَاقٍ حَيٌّ قَدْ خَاطَبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ مُصِرًّا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ , وَأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ , وَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لاِدَمَ فَامْتَنَعَ وَاسْتَخَفَّ بِآدَمَ فَكَفَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وَ، أَنَّهُ قَالَ : أَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَ، أَنَّهُ قَالَ : فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لاََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ. 92 - مَسْأَلَةٌ : دِينُ الإِسْلاَمِ اللاَّزِمُ لِكُلِّ أَحَدٍ لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r إمَّا بِرِوَايَةِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الآُمَّةِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الإِجْمَاعُ , وَأَمَّا بِنَقْلِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ نَقْلُ الْكَافَّةِ. وَأَمَّا بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَاحِدًا ، عَنْ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام ، وَلاَ مَزِيدَ. قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَقَالَ تَعَالَى ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فَإِنْ تَعَارَضَ فِيمَا يَرَى الْمَرْءُ آيَتَانِ أَوْ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ , أَوْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَآيَةٌ , فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا , لإِنَّ طَاعَتَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْوُجُوبِ , فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ مَا دُمْنَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ , وَلَيْسَ هَذَا إلاَّ بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ الأَقَلُّ مَعَانِيَ مِنْ الأَكْثَرِ , فَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الأَخْذُ بِالزَّائِدِ حُكْمًا لاَِنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وُجُوبُهُ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ , وَلاَ إشْكَالَ فِي الدِّينِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ. قَالَ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ. 93 - مَسْأَلَةٌ : الْمَوْقُوفُ وَالْمُرْسَلُ لاَ تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ , وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَبِحِفْظِهِ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ غَيْرِهِ , سَوَاءٌ كَانَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ , وَالْمُرْسَلُ هُوَ مَا كَانَ بَيْنَ أَحَدِ رُوَاتِهِ أَوْ بَيْنَ الرَّاوِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ r مَنْ لاَ يُعْرَفُ , وَالْمَوْقُوفُ هُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ إلَى النَّبِيِّ r . بُرْهَانُ بُطْلاَنِ الْمَوْقُوفِ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r , وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ r لاَِنَّهُ ظَنٌّ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ وَمَنْ فِي رُوَاتِهِ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَحِفْظِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ قَبُولَ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ , وَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَلَيْسَ فِي الْعَالِمِ إلاَّ عَدْلٌ أَوْ فَاسِقٌ , فَحَرَّمَ تَعَالَى عَلَيْنَا قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْعَدْلُ , وَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ. وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَسْنَا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ , وَهِيَ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ , فَلاَ يَحِلُّ لَنَا قَبُولُ نِذَارَتِهِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَنَا فِقْهُهُ فِي الدِّينِ وَحِفْظُهُ لِمَا ضَبَطَ ، عَنْ ذَلِكَ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْفِسْقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الآُمَمِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رَسُولاً رَسُولاً وَاحِدًا إلَى كُلِّ مَمْلَكَةٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ وَاحِدًا وَاحِدًا , إلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَإِلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ كَصَنْعَاءَ وَالْجُنْدِ وَحَضْرَمَوْتَ وَتَيْمَاءَ وَنَجْرَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ وَغَيْرِهَا , يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ الدِّينِ كُلَّهَا , وَافْتَرَضَ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ قَبُولَ رِوَايَةِ أَمِيرِهِمْ وَمُعَلِّمِهِمْ. فَصَحَّ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ ، عَنْ مِثْلِهِ مُبَلِّغًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ r . وَمَنْ تَرَكَ الْقُرْآنَ أَوْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ غَيْرِهِ , سَوَاءٌ كَانَ رَاوِيَ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَوْ غَيْرَهُ , فَقَدْ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ لِقَوْلِ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِطَاعَتِهِ ، وَلاَ بِاتِّبَاعِهِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فَضْلُ الصَّاحِبِ عِنْدَ اللَّهِ بِمُوجِبِ تَقْلِيدِ قَوْلِهِ وَتَأْوِيلِهِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ , لَكِنْ مُوجِبُ تَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ فَقَطْ , لإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى.

94 - مَسْأَلَةٌ : وَالْقُرْآنُ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ , وَالسُّنَّةُ تَنْسَخُ السُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ 

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا قَالَ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ : إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَعَنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ , وَالنَّسْخُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَيَانِ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

95 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي آيَةٍ أَوْ فِي خَبَرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ثَابِتٍ : هَذَا مَنْسُوخٌ وَهَذَا مَخْصُوصٌ فِي بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ , وَلاَ أَنَّ لِهَذَا النَّصِّ تَأْوِيلاً غَيْرَ مُقْتَضٍ ظَاهِرَ لَفْظِهِ , وَلاَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا مِنْ حِينِ وُرُودِهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ كَمَا ذُكِرَ , أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ بِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ , أَوْ بِضَرُورَةِ حِسٍّ مُوجِبَةٍ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ وَإِلاَّ فَهُوَ كَاذِبٌ. 

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ مُوجِبٌ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ , وقوله تعالى : أَطِيعُوا اللَّهَ مُوجِبٌ طَاعَةَ الْقُرْآنِ , وَمَنْ ادَّعَى فِي آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ نَسْخًا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَتِهِمَا , فَهُوَ مُخَالِفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ مُوجِبٌ أَخْذَ كُلِّ نَصٍّ فِي الْقُرْآنِ وَالأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمُقْتَضَاهُ. وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمَهُ , وَقَالَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاطِلَ وَخِلاَفَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لاَ كُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيَانَ النَّصِّ وَأَسْقَطَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لَهُ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ , وَلَيْسَ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ بِأَوْلَى بِالاِقْتِصَارِ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ مَا يَقْتَضِيهِ. قوله تعالى : فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ، عَنْ أَمْرِهِ مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ عَلَى مَنْ قَالَ : لاَ تَجِبُ عَلَيَّ مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ , وَمُوجِبٌ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ عَلَى الْوُجُوبِ , وَمَنْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الْوُجُوبِ مُدَّةً مَا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَةِ اللَّهِ وَوُجُوبَ مَا أَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ r فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَهَذَا خِلاَفٌ لاَِمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِذَا شَهِدَ لِدَعْوَى مَنْ ادَّعَى بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ , إمَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ نَقْلٍ صَحِيحٍ , فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ وَوَجَبَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ ضَرُورَةُ الْحِسِّ ; لاَِنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي النُّفُوسِ , وَإِلاَّ فَهِيَ أَقْوَالٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى إبْطَالِ الإِسْلاَمِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُلُومِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا , وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

96 - مَسْأَلَةٌ : وَالإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r عَرَفُوهُ وَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ , كَتَيَقُّنِنَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ ، رضي الله عنهم ، صَلَّوْا مَعَهُ عليه السلام الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَمَا هِيَ فِي عَدَدِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا , أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلاَّهَا مَعَ النَّاسِ كَذَلِكَ , وَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ صَامُوا مَعَهُ , أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ. 

وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي تَيَقَّنَتْ مِثْلَ هَذَا الْيَقِينِ. وَاَلَّتِي مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ مُؤْمِنَ فِي الأَرْضِ غَيْرُهُمْ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا هُوَ إجْمَاعٌ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ.

97 - مَسْأَلَةٌ : وَمَا صَحَّ فِيهِ خِلاَفٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، رضي الله عنهم ، عَرَفَهُ وَدَانَ بِهِ فَلَيْسَ إجْمَاعًا , لإِنَّ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ هَهُنَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ.
98 - مَسْأَلَةٌ ولو جاز أن يتيقن إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ 

وَلَوْ جَازَ أَنْ يُتَيَقَّنَ إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ وَلَيْسَ كَانَ يَكُونُ إجْمَاعًا. أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ عَصْرٍ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَلَى خَطَإٍ , وَلاَ بُدَّ مِنْ قَائِلٍ بِالْحَقِّ فِيهِمْ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا , فَلاَِنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَيْسَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا هُمْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَالإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لاَ إجْمَاعُ بَعْضِهِمْ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا خَرَجَ ، عَنِ الْجُمْلَةِ وَاحِدٌ لاَ يُعْرَفُ أَيُوَافِقُ سَائِرَهُمْ أَمْ يُخَالِفُهُمْ لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا خَرَجَ عَنْهُمْ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ. وَهَكَذَا أَبَدًا إلَى أَنْ يَرْجِعَ الأَمْرُ إلَى أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا قَالَهُ وَاحِدٌ. وَهَذَا بَاطِلٌ. وَلَكِنْ لاَ سَبِيلَ إلَى تَيَقُّنِ إجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كَذَلِكَ. بَلْ كَانُوا عَدَدًا مُمْكِنًا حَصْرُهُ وَضَبْطُهُ وَضَبْطُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ يُعْلَمُ رِضَا أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَالِ هَؤُلاَءِ. قال علي : وهذا خَطَأٌ لاَِنَّهُ لاَ سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ مَسْأَلَةً قَالَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ إلاَّ وَفِي أَصْحَابِهِ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَهُ فِيهَا وَإِنْ وَافَقَهُ فِي سَائِرِ أَقْوَالِهِ.

99 - مَسْأَلَةٌ : وَالْوَاجِبُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَوْ نَازَعَ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ مَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَلاَ غَيْرِهِمْ. 

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ r وَفِي هَذَا تَحْرِيمُ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r , لإِنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إنْسَانٍ دُونَهُ عليه السلام فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , لاَ سِيَّمَا مَعَ تَعْلِيقِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ ، رضي الله عنهم ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَعُمَّالُهُمْ بِالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَسَائِرِ الْبِلاَدِ وَعُمَّالُ عُمَرَ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا ، رضي الله عنهم ، طَوَوْا عِلْمَ الْوَاجِبِ وَالْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ ، عَنْ سَائِرِ الأَمْصَارِ وَاخْتَصُّوا بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ , فَهَذِهِ صِفَةُ سُوءٍ قَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , وَقَدْ عَمِلَ مُلُوكُ بَنِي أُمَيَّةَ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ التَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلاَةِ وَبِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْعِيدَيْنِ , حَتَّى فَشَا ذَلِكَ فِي الأَرْضِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي عَمَلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r . 100 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ ، وَلاَ بِالرَّأْيِ لإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى كِتَابِهِ وَإِلَى رَسُولِهِ r قَدْ صَحَّ , فَمَنْ رَدَّ إلَى قِيَاسٍ وَإِلَى تَعْلِيلٍ يَدَّعِيه أَوْ إلَى رَأْيٍ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَلَّقَ بِالإِيمَانِ وَرَدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ , وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وقوله تعالى : تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وقوله تعالى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ قوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ إبْطَالٌ لِلْقِيَاسِ وَلِلرَّأْيِ ; لاَِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا مَا دَامَ يُوجَدُ نَصٌّ , وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ شَيْئًا , وَأَنَّ رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام قَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ كُلَّ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ , وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ فَصَحَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ الدِّينِ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ ، وَلاَ إلَى رَأْيِهِ ، وَلاَ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ. وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ : هَلْ كُلُّ قِيَاسٍ قَاسَهُ قَائِسٌ حَقٌّ , أَمْ مِنْهُ حَقٌّ وَمِنْهُ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ كُلُّ قِيَاسٍ حَقٌّ أَحَالَ , لإِنَّ الْمَقَايِيسَ تَتَعَارَضُ وَيُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ حَقًّا مَعًا , وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ ، وَلاَ تَخْصِيصٍ , كَالأَخْبَارِ الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِنْ قَالَ مِنْهَا حَقٌّ وَمِنْهَا بَاطِلٌ , قِيلَ لَهُ فَعَرِّفْنَا بِمَاذَا تَعْرِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ , وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا , وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى تَصْحِيحِ الصَّحِيحِ مِنْ الْقِيَاسِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْهُ , فَقَدْ بَطَلَ كُلُّهُ وَصَارَ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ , فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَأَلُوا أَيْنَ وَجَدُوا ذَلِكَ , فَإِنْ قَالُوا : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ قِيلَ لَهُمْ : إنَّ الاِعْتِبَارَ لَيْسَ هُوَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ إلاَّ التَّعَجُّبَ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً أَيْ لَعَجَبًا. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ أَيْ عَجَبٌ , وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الاِعْتِبَارِ الْقِيَاسَ , وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا قِيسُوا , ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ ، وَلاَ كَيْفَ نَقِيسُ ، وَلاَ عَلَى مَاذَا نَقِيسُ. هَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ إلاَّ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ r , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا فَإِنْ ذَكَرُوا أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ , وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا , قلنا لَهُمْ : كُلُّ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ r مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهُ , وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ : وَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ تُشَبِّهُوهُ فِي الدِّينِ وَأَنْ تُعَلِّلُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلاَ بُدَّ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَهْوِيلَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ وَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَكُلُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ هُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ الإِحْكَامِ لاُِصُولِ الأَحْكَامِ وَفِي كِتَابِ النُّكَتِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَّةِ وَفِي كِتَابِ النُّبْذَةِ قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ وَأَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً , فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ بِأَنْ قَالُوا : أَنْتُمْ دَأَبًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ , وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ , وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ عَلَى غَيْرِهِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ وَبِدَلِيلٍ مِنْ النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ قَالَ عَلِيٌّ : . فَقُلْنَا هَذَا شَغَبٌ سَهْلٌ إفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ , وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , لَكِنْ أَرَيْنَاكُمْ أَنَّ أَصْلَكُمْ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ يَشْهَدُ بِفَسَادِ جَمِيعِ قِيَاسَاتِكُمْ. وَلاَ قَوْلَ أَظْهَرُ بَاطِلاً مِنْ قَوْلٍ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذَا. فَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَلَيْسَ هَذَا تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَلَكِنْ إلْزَامٌ لَهُمْ مَا يَفْسُدُ بِهِ قَوْلُهُمْ وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ كَمَنْ ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي إبْطَالِ حُجَّةِ الْعَقْلِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ. لَكِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِقَضِيَّتِهِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَلاَ حُجَّةَ لَهُ غَيْرُهَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَحْتَجَّ قَطُّ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ نُصَحِّحُهُ. لَكِنْ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ بِالنُّصُوصِ وَبِبَرَاهِينِ الْعَقْلِ. ثُمَّ نَزِيدُ بَيَانًا فِي فَسَادِهِ مِنْهُ نَفْسِهِ بِأَنْ نُرِيَ تَنَاقُضَهُ جُمْلَةً فَقَطْ وَالْقِيَاسَ الَّذِي نُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَكُمْ. نَحْنُ نُقِرُّ بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ قِيَاسِكُمْ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَضْعَفُ مِنْهُ. كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْ مُعْتَزِلَةٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ وَخَوَارِج وَيَهُودٍ وَنَصَارَى وَدَهْرِيَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَشْهَدُونَ بِصِحَّتِهَا. فَنُرِيهِمْ تَفَاسُدَهَا وَتَنَاقُضَهَا. وَأَنْتُمْ تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ مَعَنَا بِذَلِكَ. وَلَسْنَا نَحْنُ ، وَلاَ أَنْتُمْ مِمَّنْ يُقِرُّ بِتِلْكَ الأَقْوَالِ الَّتِي نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهَا , بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فِي غَايَةِ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَاد. وَكَاحْتِجَاجِنَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ كُتُبِهِمْ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. وَنَحْنُ لاَ نُصَحِّحُهَا. بَلْ نَقُولُ إنَّهَا لَمُحَرَّفَةٌ مُبَدَّلَةٌ. لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَ أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ. لاَ سِيَّمَا وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ مُخْتَلِفُونَ فِي قِيَاسَاتِهِمْ. لاَ تَكَادُ تُوجَدُ - مَسْأَلَةٌ إلاَّ وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَأْتِي بِقِيَاسٍ تَدَّعِي صِحَّتَهُ تُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَ الآُخْرَى. وَهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قِيَاسٍ صَحِيحًا ، وَلاَ كُلُّ رَأْيٍ حَقًّا. . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَهَاتُوا حَدَّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وَالرَّأْيَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَتَمَيَّزَانِ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَالرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَهَاتُوا حَدَّ الْعِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لاَ تَقِيسُونَ إلاَّ عَلَيْهَا مِنْ الْعِلَّةِ الْفَاسِدَةِ فَلَجْلَجُوا. قال علي : وهذا مَكَانٌ إنْ زُمَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يُفْهَمُ سَبِيلٌ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِنَصٍّ قلنا النَّصُّ حَقٌّ وَاَلَّذِي تُرِيدُونَ أَنْتُمْ إضَافَتَهُ إلَى النَّصِّ بِآرَائِكُمْ بَاطِلٌ وَفِي هَذَا خُولِفْتُمْ. وَهَكَذَا أَبَدًا. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الصَّحَابَةَ ، رضي الله عنهم ، أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ قِيلَ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِهِ. بُرْهَانُ كَذِبِهِمْ أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ حَدِيثٍ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّهُ أَطْلَقَ الأَمْرَ بِالْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا إلاَّ فِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى عُمَرَ t فَإِنَّ فِيهَا : وَاعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ وَقِسْ الآُمُورَ وَهَذِهِ رِسَالَةٌ لَمْ يَرْوِهَا إلاَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَاقِطٌ بِلاَ خِلاَفٍ وَأَبُوهُ أَسَقْطُ مِنْهُ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ فِي السُّقُوطِ , فَكَيْفَ وَفِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ نَفْسِهَا أَشْيَاءُ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ t وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهَا : وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ أَوْ نَسَبٍ. وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا يَعْنِي جَمِيعَ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ حَنَفِيَّهُمْ وَشَافِعِيَّهُمْ وَمَالِكِيَّهُمْ , وَإِنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ لَوْ صَحَّ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً , فَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ كُلُّهُمْ إلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ حُجَّةٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةً , فَلَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً , لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ. وَأَمَّا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَفِيهِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَفِيهِ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، يَعْلَمُونَ هَذَا وَيُؤْمِنُونَ بِهِ , ثُمَّ يَرُدُّونَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ. هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ بِهِمْ ذُو عَقْلٍ , فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ ، عَنِ الصِّدِّيقِ t ، أَنَّهُ قَالَ : أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي أَوْ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إنْ قُلْتَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي أَوْ بِمَا لاَ أَعْلَمُ , وَصَحَّ ، عَنِ الْفَارُوقِ t ، أَنَّهُ قَالَ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ وَإِنَّ الرَّأْيَ مِنَّا هُوَ الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ , وَعَنْ عُثْمَانَ t فِي فُتْيَا أَفْتَى بِهَا إنَّمَا كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ t : لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ t : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t : سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي , فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ , وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي حَدِيثِ : يُبْتَدَعُ كَلاَمًا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ. وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ كُلُّ رَأْيٍ رُوِيَ ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ عَلَى أَنَّهُ إلْزَامٌ ، وَلاَ أَنَّهُ حَقٌّ , لَكِنَّهُ إشَارَةٌ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ تَوَرُّعٍ فَقَطْ لاَ عَلَى سَبِيلِ الإِيجَابِ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الَّذِي فِيهِ أَجْتَهِدُ رَأْيِي ، وَلاَ آلُو , لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلاَّ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ نَدْرِي مَنْ هُوَ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمِّهِمْ ، عَنْ مُعَاذٍ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلَّهَا فِي كِتَابِنَا الْمَذْكُورِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. حدثنا أحمد بن قاسم حَدَّثَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ ، عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الآُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلاَلَ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا إمَّا فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا حَرَامٌ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ وَأَمَّا مُبَاحٌ لاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ ، وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ. وَهَذَا الْمُبَاحُ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ إمَّا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ ، وَلاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمَّا مَكْرُوهٌ يُؤْجَرُ مَنْ تَرَكَهُ ، وَلاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ. وَأَمَّا مُطْلَقٌ لاَ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ ، وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ ، وَلاَ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ ، وَلاَ مَنْ تَرَكَهُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَلاَلٌ إلاَّ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ. حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَطَبَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا , فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى أَعَادَهَا ثَلاَثًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ , ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ قَالَ عَلِيٌّ : فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الدِّينِ , أَوَّلِهَا ، عَنْ آخِرِهَا , فَفِيهِ أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ r فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ ، وَلاَ نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ حَرَامًا ، وَلاَ فَرْضًا , وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ , وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ , وَأَنَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا مِنْهُ مَا نَسْتَطِيعُ فَقَطْ , وَأَنْ نَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً تُؤَدِّي مَا أَلْزَمَنَا , وَلاَ يَلْزَمُنَا تَكْرَارُهُ , فَأَيُّ حَاجَةٍ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ , وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ. فإن قال قائل : لاَ يَجُوزُ إبْطَالُ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ إلاَّ حَتَّى تُوجِدُونَا تَحْرِيمَ الْقَوْلِ بِهِ نَصًّا فِي الْقُرْآنِ. قلنا لَهُمْ : قَدْ أَوْجَدْنَا لَكُمْ الْبُرْهَانَ نَصًّا بِذَلِكَ وَبِأَنْ لاَ يَرِدَ التَّنَازُعُ إلاَّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَالْقِيَاسُ ضَرْبُ أَمْثَالٍ فِي الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : إنْ عَارَضَكُمْ الرَّوَافِضُ بِمِثْلِ هَذَا فَقَالُوا لَكُمْ : لاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الإِلْهَامِ ، وَلاَ بِإِبْطَالِ اتِّبَاعِ الإِمَامِ إلاَّ حَتَّى تُوجِدُوا لَنَا تَحْرِيمَ ذَلِكَ نَصًّا , أَوْ قَالَ لَكُمْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ مَقَالَةٍ فِي تَقْلِيدِ كُلِّ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ. بِمَاذَا تَنْفَصِلُونَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ أَوْ حَلَّلَ أَوْ أَوْجَبَ إلاَّ بِنَصٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

101 - مَسْأَلَةٌ : وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ r لَيْسَتْ فَرْضًا إلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا بَيَانًا لاَِمْرٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَمْرٌ , لَكِنَّ الاِئْتِسَاءَ بِهِ عليه السلام فِيهَا حَسَنٌ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُنَا شَيْءٌ إلاَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ أَوْ نَهَانَا عَنْهُ , وَأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَعَفْوٌ سَاقِطٌ عَنَّا , 

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

102 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لَنَا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا r 

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ r : (( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ , وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا , فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ , وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي , وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ , وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عليهم السلام لَمْ يُبْعَثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاَّ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً , فَقَدْ صَحَّ أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لَمْ تَلْزَمْ إلاَّ مَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ , وَإِذَا لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَمْ يُخَاطِبُونَا قَطُّ بِشَيْءٍ ، وَلاَ أَمَرُونَا ، وَلاَ نَهَوْنَا وَلَوْ أَمَرُونَا وَنَهَوْنَا وَخَاطَبُونَا لَمَا كَانَ لِنَبِيِّنَا r فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَبْطَلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا , فَإِذَا قَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ عليهم السلام لَمْ يُخَاطِبُونَا بِشَيْءٍ , فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لاَ تَلْزَمُنَا أَصْلاً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 103 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا , لاَ حَيًّا ، وَلاَ مَيِّتًا , وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الاِجْتِهَادِ حَسَبَ طَاقَتِهِ , فَمَنْ سَأَلَ ، عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الدِّينِ , فَفُرِضَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَجْهَلَ الْبَرِيَّةِ أَنْ يَسْأَلَ ، عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ مَوْضِعِهِ بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r , فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهِ سَأَلَهُ , فَإِذَا أَفْتَاهُ قَالَ لَهُ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ نَعَمْ أَخَذَ بِذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَبَدًا , وَإِنْ قَالَ لَهُ هَذَا رَأْيِي , أَوْ هَذَا قِيَاسٌ , أَوْ هَذَا قَوْلُ فُلاَنٍ , وَذَكَرَ لَهُ صَاحِبًا أَوْ تَابِعًا أَوْ فَقِيهًا قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا , أَوْ سَكَتَ أَوْ انْتَهَرَهُ أَوْ قَالَ لَهُ لاَ أَدْرِي , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ , وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَلَمْ يَأْمُرْنَا عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ , فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا أَوْ جَمَاعَةَ عُلَمَاءَ فَلَمْ يُطِعْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولَهُ r ، وَلاَ أُولِي الأَمْرِ , وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ إلَى مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ. فإن قيل : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ قلنا : نَعَمْ , وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ رَأْيُهُ , وَلاَ أَنْ يُطَاعَ أَهْلُ الذِّكْرِ فِي رَأْيِهِمْ ، وَلاَ فِي دِينٍ يَشْرَعُونَهُ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِنَّمَا أَمَرَ تَعَالَى بِأَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّكْرِ عَمَّا يَعْلَمُونَهُ فِي الذِّكْرِ الْوَارِدِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , لاَ عَمَّنْ قَالَهُ مَنْ لاَ سَمْعَ لَهُ ، وَلاَ طَاعَةَ , وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ فِيمَا تَفَقَّهَ فِيهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ فِي دِينٍ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِلْمُفْتِي فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ وَقَالَ قَوْلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ لاَِنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ , بَلْ الْبُرْهَانُ قَدْ جَاءَ بِإِبْطَالِهِ , قَالَ تَعَالَى ذَامًّا لِقَوْمٍ قَالُوا : إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ وَالاِجْتِهَادُ إنَّمَا مَعْنَاهُ بُلُوغُ الْجَهْدِ فِي طَلَبِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَكُونُ مُسْلِمًا إلاَّ حَتَّى يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُهُ لاَ إلَهَ غَيْرُهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ r بِهَذَا الدِّينِ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَكُلُّ سَائِلٍ فِي الأَرْضِ ، عَنْ نَازِلَةٍ فِي دِينِهِ , فَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ , فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ إذَا سَمِعَ فُتْيَا : أَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ r وَهَذَا لاَ يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْ يَدْرِي مَا الإِسْلاَمُ , وَلَوْ أَنَّهُ كَمَا جُلِبَ مِنْ قوقوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 104 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا قِيلَ لَهُ إذَا سَأَلَ ، عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ : هَذَا صَاحِبُ حَدِيثٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r : وَهَذَا صَاحِبُ رَأْيٍ وَقِيَاسٍ : فَلْيَسْأَلْ صَاحِبَ الْحَدِيثِ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّأْيِ أَصْلاً. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وقوله تعالى : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ فَهَذَا هُوَ الدِّينُ , لاَ دِينَ سِوَى ذَلِكَ , وَالرَّأْيُ وَالْقِيَاسُ ظَنٌّ وَالظَّنُّ بَاطِلٌ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمَةَ الطَّحَاوِيَّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : السُّنَّةُ لَمْ تُوضَعْ بِالْمَقَايِيسِ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَيْوَنٍ الْحِجَازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرَّأْيِ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبِي ، عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لاَ يَجِدُ فِيهِ إلاَّ صَاحِبَ حَدِيثٍ لاَ يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ , فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ مَنْ يَسْأَلُ فَقَالَ أَبِي : يَسْأَلُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ ، وَلاَ يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ , ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ. 105 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ حُكْمَ لِلْخَطَإِ ، وَلاَ النِّسْيَانِ إلاَّ حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ لَهُمَا حُكْمٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. 106 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ فَرْضٍ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ , فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ , وَإِنْ عَجَزَ ، عَنْ جَمِيعِهِ سَقَطَ عَنْهُ , وَإِنْ قَوِيَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ ، عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , سَوَاءٌ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 107 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ مِنْ وَقْتِهِ وَالآخَرُ مِنْ وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَلاَ بَعْدَ وَقْتِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَالأَوْقَاتُ حُدُودٌ , فَمَنْ تَعَدَّى بِالْعَمَلِ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ , فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ. حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ قَالَ عَلِيٌّ : وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلَ عَمَلاً فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ لَهُ فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ إمَّا قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ أَمْرُ رَسُولِهِ r فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ , وَهُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ , فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَهُوَ وَقْتُهُ أَيْضًا حِينَئِذٍ , وَإِنَّمَا الَّذِي لاَ يَكُونُ وَقْتًا لِلْعَمَلِ فَهُوَ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 108 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقَلِّدِ الْمُصِيبِ. هَذَا فِي أَهْلِ الإِسْلاَمِ خَاصَّةً , وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَلاَ عُذْرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَدِلِّ ، وَلاَ لِلْمُقَلِّدِ , وَكِلاَهُمَا هَالِكٌ. بُرْهَانُ هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ جُمْلَةً , فَالْمُقَلِّدُ عَاصٍ وَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ , وَلَيْسَ مَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ r مُقَلِّدًا لاَِنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَإِنَّمَا الْمُقَلِّدُ مَنْ اتَّبَعَ مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r لاَِنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ. 109 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَقُّ مِنْ الأَقْوَالِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَسَائِرُهَا خَطَأٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلاَلُ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَذَمَّ اللَّهُ الاِخْتِلاَفَ فَقَالَ : ، وَلاَ تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا وَقَالَ : وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَقَالَ : تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ فِي الأَقْوَالِ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ , وَهُوَ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ , وَأَنَّ الْخَطَأَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الأَقْوَالَ كُلَّهَا حَقٌّ ، وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ , فَقَدْ قَالَ قَوْلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ مَعْقُولٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ , وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ r إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ فَنَصَّ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ. وَمَنْ قَالَ : إنَّ النَّاسَ لَمْ يُكَلَّفُوا إلاَّ اجْتِهَادَهُمْ فَقَدْ أَخْطَأَ , بَلْ مَا كُلِّفُوا إلاَّ إصَابَةَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأَنْ لاَ نَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَأَنْ لاَ نَتَعَدَّى حُدُودَهُ , وَإِنَّمَا أُجِرَ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى نِيَّتِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَقَطْ , وَلَمْ يَأْثَمْ إذَا حُرِمَ الإِصَابَةَ , فَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ أُجِرَ أَجْرًا آخَرَ كَمَا قَالَ عليه السلام أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أُجِرَ أَجْرًا ثَانِيًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ , أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالظَّنِّ أَصْلاً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

  • * *

كِتَابُ الطَّهَارَةِ 110 - مَسْأَلَةٌ : الْوُضُوءُ لِلصَّلاَةِ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ , وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ. 111 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلاَّ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لاَ يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ ، وَلاَ صَلاَةٌ دُونَ صَلاَةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ الآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلاَّ لِلصَّلاَةِ عَلَى عُمُومِهَا , لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلاَةً مِنْ صَلاَةٍ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا , وَلاَ يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وقال أبو حنيفة : يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلاَ نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا : إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ , وَقَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ يُجْزِئُ كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ نِيَّةٍ , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي بِئْرٍ لِيُخْرِجَ دَلْوًا مِنْهَا لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ , فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلاَّ بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَنَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلاَّ بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيٌّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ , سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لاَِنَّهُ قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لِوُجُوهٍ : مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ أَيْضًا , وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلاَّ بِنِيَّةٍ , لإِنَّ كِلَيْهِمَا طُهْرٌ لِلصَّلاَةِ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ قلنا نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ ذَلِكَ الْغُسْلُ إلاَّ لِلصَّلاَةِ بِنَصِّ الآيَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا قَالُوا , بَلْ كُلُّ تَطْهِيرٍ لِنَجَاسَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى صِفَةٍ مَا فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ , وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ ، وَلاَ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَلاَ فِي مَوْضِعِ صَلاَتِهِمْ , فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ , فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ وَعِظَمُ تَنَاقُضِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَعْمَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَاخْتِلاَفُهُمْ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْبِئْرِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ دَلِيلٍ. وقال بعضهم : لَوْ احْتَاجَ الْوُضُوءُ إلَى نِيَّةٍ لاَحْتَاجَتْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا , قلنا لَهُمْ : هَذَا لاَزِمٌ لَكُمْ فِيمَا أَوْجَبْتُمْ مِنْ النِّيَّةِ لِلتَّيَمُّمِ وَلِلصَّلاَةِ وَهَذَا مُحَالٌ , لإِنَّ النِّيَّةَ الْمَأْمُورَ بِهَا هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا لِنَفْسِهَا , لاَِنَّهَا الْقَصْدُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَقَطْ , وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِالآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ , وقولنا في هذا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 112 - مَسْأَلَةٌ : وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ , لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَقَالَ آخَرُونَ : يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ ، وَلاَ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ , وَقَالَ آخَرُونَ : الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلاَةِ فَرْضٍ , وَلاَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا , بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ , وَالصَّلاَةُ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ تَطَوُّعًا بِلاَ خِلاَفٍ , وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الأَرْضِ قَاطِبَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ التَّطَوُّعِ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ غُسْلٍ ، وَلاَ بُدَّ , فَوَجَبَ بِنَصِّ الآيَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا أَرَادَ صَلاَةَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَامَ إلَيْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ إنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ يَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ لِيُصَلِّ , فَإِنَّ ذَلِكَ نَصُّ الآيَةِ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ غُسْلَهُ أَوْ وُضُوءَهُ أَوْ تَيَمُّمَهُ فَقَدْ طَهُرَ بِلاَ شَكٍّ. وَإِذْ قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا مُهْلَةً مِنْ مَشْيٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ. لإِنَّ الآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلاَةِ بِالطَّهَارَةِ لاَ بِنَصِّهَا ، وَلاَ بِدَلِيلٍ فِيهَا. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ صَلاَتِهِ مُهْلَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُهْلَةُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَمَادِيهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ الْفَرْضِ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَمَا شَاءَ. فَصَحَّ بِنَصِّ الآيَةِ جَوَازُ التَّطَهُّرِ بِالْغُسْلِ وَبِالْوُضُوءِ وَبِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ وَقْتِ صَلاَةِ الْفَرْضِ , وَإِنَّمَا وَجَبَ بِنَصِّ الآيَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِنِيَّةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَدَلِيلٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الصَّلاَةَ جَائِزَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , فَإِذَا ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلاَّ وَقَدْ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ , وَهَذَا يُنْتِجُ ، وَلاَ بُدَّ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. بُرْهَانٌ آخَرُ , وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r : (( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَدَّمَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً , فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا , لإِنَّ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ , وَأَيُّ الأَمْرَيْنِ كَانَ فَتَطَهُّرُ هَذَا الرَّائِحِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ بِلاَ شَكٍّ , وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ فِي الرَّائِحِينَ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمَ فِي السَّفَرِ وَالْمُتَوَضِّئَ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَ مِنْهُ , فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ حُكْمَ الآيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْتِ , وَادَّعَوْا أَنَّ الْوُضُوءَ خَرَجَ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَلَعَلَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَقِيَ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ , فَإِذَا هَذَا مُمْكِنٌ فَلاَ دَلِيلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 113 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ خَلَطَ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ نِيَّةً لِتَبَرُّدٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ فَمَنْ مَزَجَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا نِيَّةً لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا , فَلَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ بِدِينِهِ ذَلِكَ , وَإِذَا لَمْ يُخْلِصْ فَلَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , فَلَوْ نَوَى مَعَ وُضُوئِهِ لِلصَّلاَةِ أَنْ يُعَلِّمَ الْوُضُوءَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلاَةُ بِهِ , لإِنَّ تَعْلِيمَ النَّاسِ الدِّينَ مَأْمُورٌ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 114 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الأَعْمَالِ إلاَّ قَبْلَ الاِبْتِدَاءِ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ مُتَّصِلَةً بِالاِبْتِدَاءِ بِهِ لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا صَحَّ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لاَ يَخْلُو مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَمَلِ , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فَهِيَ إمَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمَلِ زَمَانٌ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الْعَمَلِ دَقِيقَةٌ لَجَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا دَقِيقَتَانِ وَثَلاَثٌ وَأَرْبَعٌ , وَمَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الأَمْرُ إلَى عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ , وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْعَمَلِ خَالِيًا مِنْ نِيَّةٍ دَخَلَ فِيهِ بِهَا , لإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِالْعَمَلِ وَالإِرَادَةُ بِهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ , وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ مُعْتَقَدًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَمَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 115 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ غَمَسَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ وَنَوَى بِهِ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ , أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ حَتَّى عَمَّهَا الْمَاءُ وَنَوَى بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ , أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ , أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرُهُ وَنَوَى هُوَ بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ " غُسْلٌ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى التَّدَلُّكِ بِالْيَدِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ وَقَوْلُنَا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 116 - مَسْأَلَةٌ : وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ , كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا , فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. فأما قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي هَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ , وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ ، وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ , وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وقال بعضهم : لاَ يُتِمُّ الآيَةَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فأما مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ , فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ ، عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ ، عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ , وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام لاَ يُلْزِمُ , وَلاَ بَيَّنَ عليه السلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ عليه السلام تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ , وَهُوَ عليه السلام لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ , وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , وَلاَ أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ , وَلاَ أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ , أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا هَذَا لاَ يَقُولُونَهُ , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ ، عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ , وَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الآيَةِ ; لاَِنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ ، عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا , أَوْ قَالَ لاَ يُتِمُّ الآيَةَ , أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ; لاَِنَّهَا دَعَاوَى لاَ يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ. وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ , لإِنَّ بَعْضَ الآيَةِ وَالآيَةَ قُرْآنٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى , أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى , وَأَهْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ يُشَنِّعُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. رضي الله عنهم . وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الآيَاتِ مَا هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ وَالضُّحَى وَ مُدْهَامَّتَانِ وَ وَالْعَصْرِ وَ وَالْفَجْرِ وَمِنْهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا. فَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِمْ لَهُ قِرَاءَةَ آيَةِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَهَا ، وَلاَ يُتِمُّهَا , وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قِرَاءَةِ وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ أَوْ مَنْعِهِمْ لَهُ مِنْ إتْمَامِ مُدْهَامَّتَانِ لَعَجَبًا. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ أَمَدَ الْحَائِضِ يَطُولُ , فَهُوَ مُحَالٌ , لاَِنَّهُ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا لِلْقُرْآنِ حَرَامًا فَلاَ يُبِيحُهُ لَهَا طُولُ أَمَدِهَا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا حَلاَلاً فَلاَ مَعْنَى لِلاِحْتِجَاجِ بِطُولِ أَمَدِهَا. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وبه إلى مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ، حدثنا إدْرِيسُ ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، عَنِ الْجُنُبِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ : وَكَيْفَ لاَ يَقْرَؤُهُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ وبه إلى يُوسُفَ السَّمْتِيِّ ، عَنْ نَصْرٍ الْبَاهِلِيِّ. قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَهُوَ جُنُبٌ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، عَنِ الْجُنُبِ يَقْرَأُ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ : أَلَيْسَ فِي جَوْفِهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا سُجُودُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَلاَةً أَصْلاً , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالاَ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ثِقَةٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، أَنَّهُ قَالَ : صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ صَلاَةً. وَالسُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً ، وَلاَ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلاَةً , وَإِذْ لَيْسَ هُوَ صَلاَةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلاَ وُضُوءٍ , وَلِلْجُنُبِ وَلِلْحَائِضِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الذِّكْرِ ، وَلاَ فَرْقَ , إذْ لاَ يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلاَّ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلاَةِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ. فإن قيل : إنَّ السُّجُودَ مِنْ الصَّلاَةِ , وَبَعْضَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : هَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَكُونُ بَعْضُ الصَّلاَةِ صَلاَةً إلاَّ إذَا تَمَّتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْمُصَلِّي , وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ عَمْدًا لَمَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ إنَّهُ صَلَّى شَيْئًا , بَلْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ , فَلَوْ أَتَمَّهَا رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالسَّفَرِ وَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ قَدْ صَلَّى بِلاَ خِلاَفٍ. ثم نقول لَهُمْ : إنَّ الْقِيَامَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالتَّكْبِيرَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالْجُلُوسَ بَعْضُ الصَّلاَةِ , وَالسَّلاَمَ بَعْضُ الصَّلاَةِ , فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لاَ تُجِيزُوا لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ ، وَلاَ أَنْ يُكَبِّرَ ، وَلاَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ ، وَلاَ يَجْلِسَ ، وَلاَ يُسَلِّمَ إلاَّ عَلَى وُضُوءٍ , فَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ , فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ , قلنا لَهُمْ : قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلاَنِ حُجَّتِكُمْ وَإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الآثَارَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ لِلْجُنُبِ مَسَّهُ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ; لاَِنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ وَأَمَّا صَحِيفَةٌ لاَ تُسْنَدُ وَأَمَّا ، عَنْ مَجْهُولٍ وَأَمَّا ، عَنْ ضَعِيفٍ , وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حدثنا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ هِرَقْلَ فَدَعَا هِرَقْلُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى , فَدَفَعَهُ إلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ , فَإِذَا فِيهِ " بسم الله الرحمن الرحيم , مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ , أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ، وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ r قَدْ بَعَثَ كِتَابًا وَفِيهِ هَذِهِ الآيَةُ إلَى النَّصَارَى وَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ يَمَسُّونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ يَنْهَى النَّبِيُّ r أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ فَهَذَا حَقٌّ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جُنُبٌ ، وَلاَ كَافِرٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لاَ يَنَالَ أَهْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ الْقُرْآنَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ : وَلَمْ يَمْنَعْ r مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلاَ تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقًّا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَفْظُ الْخَبَرِ إلَى مَعْنَى الأَمْرِ إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. فَلَمَّا رَأَيْنَا الْمُصْحَفَ يَمَسُّهُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْمُصْحَفَ وَإِنَّمَا عَنَى كِتَابًا آخَرَ. كَمَا أَخْبَرَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ قَالَ : الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الْعَلاَءِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : أَتَيْنَا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ كَنِيفٍ لَهُ . فَقُلْنَا لَهُ : لَوْ تَوَضَّأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةَ كَذَا فَقَالَ سَلْمَانُ : إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ : إنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مُصْحَفًا أَمَرَ نَصْرَانِيًّا فَنَسَخَهُ لَهُ. وقال أبو حنيفة : لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجُنُبُ الْمُصْحَفَ بِعِلاَقَتِهِ ، وَلاَ يَحْمِلُهُ بِغَيْرِ عِلاَقَةٍ. وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. وقال مالك : لاَ يَحْمِلُ الْجُنُبُ ، وَلاَ غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ الْمُصْحَفَ لاَ بِعِلاَقَةٍ ، وَلاَ عَلَى وِسَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي خُرْجٍ أَوْ تَابُوتٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَلَئِنْ كَانَ الْخُرْجُ حَاجِزًا بَيْنَ الْحَامِلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّوْحَ وَظَهْرَ الْوَرَقَةِ حَاجِزٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 117 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ يُجْزِئَانِ أَيْضًا بِلاَ طَهَارَةٍ وَفِي حَالِ الْجَنَابَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال الشافعي : يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِئُ إنْ وَقَعَ. وَقَالَ عَطَاءُ : لاَ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إلاَّ مُتَوَضِّئًا. وقال مالك : يُؤَذِّنُ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ ، وَلاَ يُقِيمُ إلاَّ مُتَوَضِّئٌ. قال علي : هذا فَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , فَإِنْ قَالُوا إنَّ الإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلاَةِ , قِيلَ لَهُمْ : وَقَدْ لاَ تَتَّصِلُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ مِنْ حَدِيثٍ بَدَأَ فِيهِ الإِمَامُ مَعَ إنْسَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ , وَقَدْ يَكُونُ الآذَانُ مُتَّصِلاً بِالإِقَامَةِ وَالصَّلاَةِ , كَصَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا ، وَلاَ فَرْقَ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابٍ أَنْ لاَ يَكُونَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا , فَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ خَطَأٌ , لاَِنَّهُ إحْدَاثُ شَرْعٍ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. فإن قيل : قَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ قَالَ : كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ قِيلَ لَهُمْ : هَذِهِ كَرَاهَةٌ لاَ مَنْعٌ , وَهُوَ عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ لاَِنَّكُمْ تُجِيزُونَ الآذَانَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَنْتُمْ لاَ تَكْرَهُونَهُ أَصْلاً , فَهَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ , وَأَمَّا نَحْنُ فَهُوَ قَوْلُنَا , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَفْضَلُ ، وَلاَ نَكْرَهُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ , لإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 118 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ وَلِرَدِّ السَّلاَمِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ. فإن قيل : فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ وَلِقَوْلِهِ r لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا صَدَقَةٌ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، حدثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الاِنْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا , وَهِيَ فَضِيلَةٌ , وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ لاَِنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فَهَذَا عُمُومُ ضَمَانٍ لاَ يَخِيسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَقَدْ أَيْقَنَّا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إخْبَارِهِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ أَنَّ جَمِيعَ الآُمَّةِ لاَ تُغَيِّرُ أَصْلاً. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الآُمَّةَ كُلَّهَا لاَ تُغَيِّرُ أَبَدًا , فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُغَيِّرُ نِعَمَهُ عِنْدَ الآُمَّةِ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَمْرُهُ عليه السلام بِالْوُضُوءِ فَهُوَ نَدْبٌ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ مُفَرِّجٍ قَالَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ قَالَ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنَامُ جُنُبًا ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً وَهَذَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ r لِذَلِكَ وَهِيَ ، رضي الله عنها ، أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِمَبِيتِهِ وَنَوْمِهِ جُنُبًا وَطَاهِرًا. فإن قيل : إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ ; لإِنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَالَفَهُ فِيهِ قلنا : بَلْ أَخْطَأَ بِلاَ شَكٍّ مِنْ خَطَأِ سُفْيَانَ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ , وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ بِلاَ شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ اللاَّزِمُ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا : لَمَّا كَانَتْ الصَّلاَةُ وَهِيَ ذِكْرٌ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِوُضُوءٍ , أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الذِّكْرِ كَذَلِكَ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ , وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَلاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَلاَ يَذْكُرُ اللَّهَ إلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ. إلاَّ مُعَاوَدَةَ الْجُنُبِ لِلْجِمَاعِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا. لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ r إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا هَذَا لَفْظُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلاَ يَعُودَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا يُخَصِّصُهُ ، وَلاَ مَا يُخْرِجُهُ إلَى النَّدْبِ إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ , وَبِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ. 119 - مَسْأَلَةٌ : وَالشَّرَائِعُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِالاِحْتِلاَمِ أَوْ بِالإِنْبَاتِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتِلاَمٌ , أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ عَامًا , كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِالْحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَوَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ ; ، عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ , وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالصَّبِيُّ لَفْظٌ يَعُمُّ الصِّنْفَ كُلَّهُ الذَّكَرَ وَالآُنْثَى فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ أَنْبَتَ ضُرِبَ عُنُقُهُ , فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَعُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَخَلَّى عَنِّي. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ مَعْنَى لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ الإِنْبَاتِ , فَأَبَاحَ سَفْكَ الدَّمِ بِهِ فِي الآُسَارَى خَاصَّةً , جَعَلَهُ هُنَالِكَ بُلُوغًا , وَلَمْ يَجْعَلْهُ بُلُوغًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ ; لإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْتَحِلُّ دَمَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ , وَيَخْرُجُ ، عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ r ، عَنْ قَتْلِهِمْ. وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ رَجُلاً بَالِغًا غَيْرَ رَجُلٍ ، وَلاَ بَالِغٍ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا ظُهُورُ الْمَاءِ فِي الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ فَيَصِيرُ بِهِ الذَّكَرُ أَبًا وَالآُنْثَى أُمًّا فَبُلُوغٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا اسْتِكْمَالُ التِّسْعَةَ عَشَرَ عَامًا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَأَصْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَرَدَ الْمَدِينَةَ وَفِيهَا صِبْيَانٌ وَشُبَّانٌ وَكُهُولٌ , فَأَلْزَمَ الأَحْكَامَ مَنْ خَرَجَ ، عَنِ الصِّبَا إلَى الرُّجُولَةِ , وَلَمْ يُلْزِمْهَا الصِّبْيَانَ , وَلَمْ يَكْشِفْ أَحَدًا مِنْ كُلِّ مَنْ حَوَالَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ : هَلْ احْتَلَمْتَ يَا فُلاَنُ وَهَلْ أَشْعَرْت وَهَلْ أَنْزَلْت وَهَلْ حِضْتِ يَا فُلاَنَةُ هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ هَهُنَا سِنًّا إذَا بَلَغَهَا الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَهُمَا مِمَّنْ يُنْزِلُ أَوْ يُنْبِتُ أَوْ يَحِيضُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا بِالأَطْلَسِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ اللِّحْيَةِ , لَوْلاَهَا لَكَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّحَى بِلاَ شَكٍّ , هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَقُّفِ وَبِضَرُورَةِ الطَّبِيعَةِ الْجَارِيَةِ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ أَكْمَلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ فَارَقَ الصِّبَا وَلَحِقَ بِالرِّجَالِ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَبَلْدَةٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِهِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ , وَمِنْ إنْبَاتِ الشَّعْرِ وَمِنْ الْحَيْضِ. وَأَمَّا الْحَيْضُ فَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا قَتَادَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إلاَّ بِخِمَارٍ فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الْحَائِضَ تَلْزَمُهَا الأَحْكَامُ ، وَأَنَّ صَلاَتَهَا تُقْبَلُ عَلَى صِفَةٍ مَا ، وَلاَ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهَا. وقال الشافعي : مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ بَالِغٌ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r عُرِضَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَ، هُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُوَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمَا قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَقُلْ إنِّي أَجَزْتهمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عليه السلام مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيزَهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ , لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ حِصَارٍ فِي الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا , يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالصِّبْيَانِ فِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَمْ يُجِزْهُ يَوْمَ أُحُدٍ لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ قِتَالٍ بَعُدُوا فِيهِ ، عَنِ الْمَدِينَةِ فَلاَ يَحْضُرُهُ إلاَّ أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْمَلاَ مَعًا خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ عَامًا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ : هَذَا ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا , فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 120 - مَسْأَلَةٌ : وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِزَالَتِهِ فَهُوَ فَرْضٌ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً , يَجْمَعُهَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r بِاجْتِنَابِهِ أَوْ جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ , أَوْ أَمَرَ كَذَلِكَ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ , فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ طَاعَتَهُ تَعَالَى وَطَاعَةَ رَسُولِهِ r فَرْضٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 121 - مَسْأَلَةٌ : فَمَا كَانَ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ مِنْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَتَطْهِيرُهُمَا بِأَنْ يُمْسَحَا بِالتُّرَابِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ ثُمَّ يُصَلَّى فِيهِمَا , فَإِنْ غَسَلَهُمَا أَجْزَأَهُ إذَا مَسَّهُمَا بِالتُّرَابِ قَبْلَ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ , وَالْحَرَامُ فَرْضٌ اجْتِنَابُهُ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ r يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا ، عَنْ يَسَارِهِ , فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ , فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا : رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا , فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا قَالَ عليه السلام : إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَعْلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا أَبُو نَعَامَةَ هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ السَّعْدِيُّ , وَأَبُو نَضْرَةَ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدِيُّ , كِلاَهُمَا ثِقَةٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : فَمَنْ وَطِئَ الأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ قَالَ عَلِيٌّ : وَرُوِّينَا ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِيمَنْ أَصَابَ نَعْلَيْهِ الرَّوْثُ , قَالَ يَمْسَحُهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ نَعْلَيْهِ مَسْحًا شَدِيدًا وَيُصَلِّي فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ : الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ , تَقُولُ : مَسَحْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ وَبِالدُّهْنِ , فَكُلُّ غُسْلٍ مَسْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَسْحٍ غُسْلاً , وَلَكِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الأَذَى بِخُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ فَلْيُمِسَّهُمَا التُّرَابَ وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْمَسْحِ بَيَانًا وَحُكْمًا , فَوَاجِبٌ أَنْ يُضَافَ الزَّائِدُ إلَى الأَنْقَصِ حُكْمًا , فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالاً لِجَمِيعِ الآثَارِ ; لإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يُخَالِفْ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ , وَمَنْ اسْتَعْمَلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ خَالَفَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ : لاَ تُجْزِئُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ كَانَتْ إلاَّ بِالْمَاءِ حَاشَا الْعَذِرَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ خَاصَّةً , وَالْبَوْلِ فِي الإِحْلِيلِ خَاصَّةً فَيُزَالاَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِي أَكْثَرِهِ النُّصُوصَ , كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ , وَلَمْ يَقِيسُوا سَائِرَ النَّجَاسَاتِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ وَالإِحْلِيلِ وَهُمَا أَصْلُ النَّجَاسَاتِ. قال علي : وهذا خِلاَفٌ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْقِيَاسِ. وقال أبو حنيفة : إذَا أَصَابَ الْخُفَّ أَوْ النَّعْلَ رَوْثُ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ أَيُّ رَوْثٍ كَانَ , فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى بِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةُ إنْسَانٍ أَوْ دَمٌ أَوْ مَنِيٌّ , فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ بِهِ , فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا يَابِسًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُكَّهُ فَقَطْ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَطْبًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِهِ إلاَّ أَنْ يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ , فَإِنْ أَصَابَ الْخُفَّ بَوْلُ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيهِ مَسْحٌ أَصْلاً , وَلاَ بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَانَ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا , فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ ، وَلاَ مَسَحَهُ. قَالَ : وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَكَذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مِنْ ذَلِكَ حَدًّا , فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خُرْءُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ , أَوْ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا , فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَسَدِ لَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَتُجْزِئُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ عِنْدَ سَمَاعِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأعجب مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ , وَلاَ قَاسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الْجَسَدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْجَسَدِ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْبَوْلُ فِي الإِحْلِيلِ , وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الثِّيَابِ عَلَى الْجَسَدِ ، وَلاَ تَعَلَّقُوا فِي أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ قَبْلَهُمْ وَيُسْأَلُونَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْنَ وَجَدُوا تَغْلِيظَ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ وَتَخْفِيفَ بَعْضِهَا أَفِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ اللَّهُمَّ إلاَّ إنَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ فِي إزَالَتِهِ التَّغْلِيظُ قَدْ خَالَفُوهُ , كَالإِنَاءِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ , وَكَالْعَذِرَةِ فِيمَا يُسْتَنْجَى فِيهِ فَقَطْ. 122 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ أَوْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ مُتَغَايِرَةٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا يَزِيدُ كَذَلِكَ حَتَّى يُنَقَّى , لاَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَائِطٌ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ بِلاَ عَدَدٍ , وَلَكِنْ مَا أَزَالَ الأَثَرَ فَقَطْ عَلَى الْوِتْرِ ، وَلاَ بُدَّ ، وَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ ، وَلاَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ , فَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الأَحْجَارُ بِأَعْيَانِهَا لِمَخْرَجِ الْغَائِطِ , وَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْغَائِطِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ تِلْكَ الأَحْجَارِ لِمَخْرَجِ الْبَوْلِ إلاَّ مَا كَانَ لاَ رَجِيعَ عَلَيْهِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ : إنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يُعَلِّمَكُمْ الْخِرَاءَةَ , فَقَالَ سَلْمَانُ : أَجَلْ , إنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ , وَنَهَانَا ، عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ , وَقَالَ : لاَ يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُ : إنِّي لاََرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ : أَجَلْ , أُمِرْنَا أَنْ لاَ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ، وَلاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا , وَلاَ نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ ، وَلاَ عَظْمٌ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حدثنا الأَعْمَشُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا أَوْ نَكْتَفِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، حدثنا أَبِي ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةٍ يَسْتَنْجِي ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مُسْنَدًا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَنْجَى دُونَ عَدَدٍ فَأَنْقَى أَجْزَأَهُ , وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r لاَِنَّهُ نَهَى أَنْ يَكْتَفِيَ أَحَدٌ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَأَمَرَ بِالْوِتْرِ فِي الاِسْتِجْمَارِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلاَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا فِيهِ : أَنَّ عُمَرَ t كَانَ لَهُ عَظْمٌ أَوْ حَجَرٌ يَسْتَنْجِي بِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي , وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لاَِنَّهُ شَكٌّ. إمَّا حَجَرٌ وَأَمَّا عَظْمٌ , وَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ سَلْمَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَأَخْبَرُوا أَنَّ حُكْمَ الاِسْتِنْجَاءِ هُوَ مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ أَلاَّ يُكْتَفَى بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ " فإن قيل : أَمْرُهُ عليه السلام بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ هُوَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مَعًا , فَوَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. قلنا : هَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِأَنْ لاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ , وَمَسْحُ الْبَوْلِ لاَ يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً , فَحَصَلَ النَّصُّ فِي الاِسْتِنْجَاءِ وَالْخِرَاءَةِ أَنْ لاَ يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ , وَحَصَلَ النَّصُّ مُجْمَلاً فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ عَلَى الْبَوْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى النَّجْوِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَمَسْحُ الْبَوْلِ بِالْيَمِينِ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ ، عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ وَإِنَّمَا نَهَى فِي الاِسْتِنْجَاءِ فَقَطْ. وقال الشافعي : ثَلاَثُ مَسَحَاتٍ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ , وَأَجَازَ الاِسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالْحُمَمَةِ وَالْقَصَبِ وَالْجُلُودِ الَّتِي لَمْ تُدْبَغْ , وَهَذَا أَيْضًا خِلاَفٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r بِأَلاَّ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا عَلَى الأَحْجَارِ , قلنا لَهُمْ : فَقِيسُوا عَلَى التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قِيلَ : ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ضَعِيفٌ , وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسَحَاتِ تَكُونُ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ , فَزِيَادَةُ هَذَا لاَ تَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ الثَّلاَثَةِ الأَحْجَارِ قلنا هَذَا خَطَأٌ , بَلْ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ , فَلاَ يُجْزِئُ مِنْ الأَحْجَارِ إلاَّ ثَلاَثَةٌ لاَ رَجِيعَ فِيهَا , وَيُجْزِئُ مِنْ التُّرَابِ الْوِتْرُ , وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لاَ يُسَمَّى أَرْضًا إلاَّ الْمَاءُ. فَإِنْ كَانَ عَلَى حَجَرٍ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الرَّجِيعِ أَجْزَأَ مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ. وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَلاَّ يُجْزِئَ إلاَّ ثَلاَثَةُ أَحْجَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ فَإِنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ مَجْهُولٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَوْ أَبُو سَعْدٍ الْخَيْرُ كَذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لَهُ : ابْغِنِي أَحْجَارًا , فَأَتَيْته بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ , فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ : إنَّهَا رِكْسٌ فَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام اكْتَفَى بِالْحَجَرَيْنِ , وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام لَهُ بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِأَحْجَارٍ , فَالأَمْرُ بَاقٍ لاَزِمٌ لاَ بُدَّ مِنْ إبْقَائِهِ , وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ قِيلَ فِيهِ : إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ دَلَّسَهُ , وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَفِيهِ " أَبْغِنِي ثَالِثًا " فإن قيل : إنَّمَا نَهَى ، عَنِ الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ لاَِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ. قلنا : نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا بَلْ هَذَا مُوجِبٌ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِأَحَدِهِمَا عَاصٍ مَرَّتَيْنِ : إحْدَاهُمَا خِلاَفُهُ نَصَّ الْخَبَرِ , وَالثَّانِي تَقْذِيرُهُ زَادَ مَنْ نُهِيَ ، عَنْ تَقْذِيرِ زَادِهِ , وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تُجْزِئُ بَدَلَ الطَّاعَةِ , وَمِمَّنْ قَالَ لاَ يُجْزِئُ بِالْعَظْمِ ، وَلاَ بِالْيَمِينِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا. 123 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ بَوْلِ الذَّكَرِ أَيِّ ذَكَرٍ كَانَ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَبِأَنْ يَرُشَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَشًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ , وَبَوْلُ الآُنْثَى يُغْسَلُ , فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ فِي الأَرْضِ أَيُّ بَوْلٍ كَانَ فَبِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ فَقَطْ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ ، حدثنا أَبُو السَّمْحِ قَالَ : كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ r فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام : هَكَذَا يُصْنَعُ , يُرَشُّ مِنْ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ الآُنْثَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى حِجْرِهِ , فَبَالَ عَلَى ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ r فَدَعَا عليه السلام بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، حدثنا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ , فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِأَكْلِ الصَّبِيِّ الطَّعَامَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ,. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ : مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ ، وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمْ , إلاَّ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ، عَنِ الْحَسَنِ وَسُفْيَانَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ فِي الرَّشِّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : يُغْسَلُ بَوْلُ الصَّبِيِّ كَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. نَعَمْ ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الرَّشُّ مِنْ الرَّشِّ وَالصَّبُّ مِنْ الصَّبِّ مِنْ الأَبْوَالِ كُلِّهَا , وَهَذَا نَصٌّ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 124 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ أَيِّ دَمٍ كَانَ , سَوَاءٌ دَمَ سَمَكٍ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , حَاشَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَدَمَ الْجَسَدِ فَلاَ يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُمَا إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِي غُسْلِهِ عَلَى الإِنْسَانِ , فَيُطَهِّرُ الْمَرْءُ ذَلِكَ حَسَبَ مَا لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ r فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ لاَ , إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ r لِنَوْعِ الدَّمِ ، وَلاَ نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ عليه السلام قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ هِيَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ r فَقَالَتْ : أَرَأَيْت إحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ : تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِي غُسْلِ الْمَحِيضِ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى ، حدثنا بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ r ، عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ. قَالَ : خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا , قَالَتْ : كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ , تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ : تَتَّبِعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِيُّ ، حدثنا حِبَّانُ ، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، حدثنا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ صَفِيَّةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ r كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ فَقَالَ : خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْفِرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ وَأَنْ تَتَوَضَّأَ بِهَا , وَإِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَمُعَلِّمًا , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَعَلَّمَهَا عليه السلام كَيْفَ تَتَوَضَّأُ بِهَا أَوْ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ , فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَاجِبٍ مَعَ صِحَّةِ الإِجْمَاعِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا , فَلَمْ تَزَلْ النِّسَاءُ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَدَارٍ عَلَى عَهْدِهِ r إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْحَيْضِ , فَمَا قَالَ أَحَدٌ إنَّ هَذَا فَرْضٌ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ تُسْنَدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ وَقَدْ ضُعِّفَ , وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ , فَسَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ جُمْلَةً , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ r فِيهِ بِالتَّطْهِيرِ أَوْ الْغُسْلِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , أَوْ بِالتُّرَابِ إنْ عُدِمَ الْمَاءُ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ , وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ فَذَكَرَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا , وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطَهُّرٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَطَهُّرٍ غُسْلاً. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ طُهْرَ إلاَّ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وقال أبو حنيفة : دَمُ السَّمَكِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ الْجَسَدَ ، وَلاَ الْمَاءَ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ كَذَلِكَ , وَأَمَّا سَائِرُ الدِّمَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا يُفْسِدُ الْمَاءَ , وَأَمَّا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ : فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مِنْهُ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ فَلاَ يُنَجِّسُ وَيُصَلَّى بِهِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ , فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَإِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُزَالُ بِالْمَاءِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ , فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ فَقَطْ , وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِئْ إلاَّ الْغَسْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ غُسِلَ. وقال مالك : إزَالَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ فَرْضًا , وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وقال الشافعي إزَالَتُهُ فَرْضٌ ، وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِنْفِكَاكُ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ ، وَلاَ مِنْ دَمِ الْجَسَدِ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ غُسْلِهِ إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِيهِ ، وَلاَ عُسْرَ مِمَّا هُوَ فِي الْوُسْعِ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ دَمِ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَدَمِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ , وَهَذَا خَطَأٌ لاَِنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَغَيْرِ الْمَسْفُوحِ , وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ دَمٍ وَكُلَّ مَيْتَةٍ , فَكَانَ هَذَا شَرْعًا زَائِدًا عَلَى الآيَةِ الآُخْرَى , وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ مَا لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا لاَ نَفْسَ لَهَا. وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ فِي الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بِحَدِيثٍ سَاقِطٍ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ ; لإِنَّ فِيهِ الإِعَادَةَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ , وقال بعضهم : قِيسَ عَلَى الدُّبُرِ , فَقِيلَ لَهُمْ فَهَلاَّ قِسْتُمُوهُ عَلَى حَرْفِ الإِحْلِيلِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ , وَحُكْمُهُمَا فِي الاِسْتِنْجَاءِ سَوَاءٌ , وَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ هَذَا إذْ لَمْ يَرَوْا إزَالَةَ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ بِمَا يُزَالُ بِهِ مِنْ الدُّبُرِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ غُسْلَ ذَلِكَ فَرْضًا , فَالسُّنَنُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 125 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَذْيُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ , يُغْسَلُ مَخْرَجُهُ مِنْ الذَّكَرِ وَيُنْضَحُ بِالْمَاءِ مَا مَسَّ مِنْهُ الثَّوْبَ. قَالَ مَالِكٌ يُغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ , قَالَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ السَّكَنِ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا زَائِدَةُ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ النَّبِيَّ r لِمَكَانِ ابْنَتِهِ , فَسَأَلَ فَقَالَ : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ بَكْرٌ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , ثُمَّ اتَّفَقَ حَمَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَزِيدُ كُلُّهُمْ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً فَكُنْتُ أُكْثِرُ الْغُسْلَ مِنْهُ ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ : يَكْفِيكَ مِنْهُ الْوُضُوءُ , قُلْتُ : أَرَأَيْتَ مَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ قَالَ : تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحُ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ قَالَ عَلِيٌّ : غَسْلُ مَخْرَجِ الْمَذْيِ مِنْ الذَّكَرِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُسْلِ الذَّكَرِ , كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا غَسَلَهُ : غَسَلْتُ ذَكَرِي مِنْ الْبَوْلِ , فَزِيَادَةُ إيجَابِ غُسْلٍ كُلُّهُ شَرْعٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وقال بعضهم فِي ذَلِكَ تَقْلِيصٌ فَيُقَالُ لَهُ : فَعَانُوا ذَلِكَ بِالْقَوَابِضِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ إذَنْ فَهُوَ أَبْلَغُ. وهذا الخبر يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ : إنَّ النَّجَاسَاتِ لاَ تُزَالُ مِنْ الْجَسَدِ إلاَّ بِالْمَاءِ وَتُزَالُ مِنْ الثِّيَابِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَتْ تُجِيزُ إزَالَةَ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ بِالرِّيقِ , قِيلَ لَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجِيزُ مَسْحَ الدَّمِ مِنْ الْمَحَاجِمِ بِالْحَصَاةِ دُونَ غُسْلٍ , وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ r . 126 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ الإِنَاءِ إذَا كَانَ لِكِتَابِيٍّ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ بِالْمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ عَلِمْنَا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ لَمْ نَعْلَمْ بِالْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ إنَاءَ مُسْلِمٍ فَهُوَ طَاهِرٌ , فَإِنْ تَيَقَّنَ فِيهِ مَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَحْمَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ وَدَكَهُ أَوْ شَحْمَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَهَّرَ إلاَّ بِالْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ فِيهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ , فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : لاَ تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ بُدًّا , فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ ، حدثنا حَاتِمٌ ، هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إلَى خَيْبَرَ , ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا هَذِهِ النِّيرَانُ , عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ , قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا , فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ : أَوْ ذَاكَ قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ أُمِرَ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطْهِيرٌ , وَكُلُّ تَطْهِيرٍ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ تَطْهِيرُ الإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَلَى تَطْهِيرِهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ; لإِنَّ النُّصُوصَ اخْتَلَفَتْ فِي تَطْهِيرِ الآنِيَةِ مِنْ الْكَلْبِ وَمِنْ لَحْمِ الْحِمَارِ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَعْضٍ , لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى مَا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r مَا لَمْ يَحْكُمْ ; لاَِنَّهُ يَكُونُ قَوْلاً عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ , أَوْ شَرْعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ عليه السلام أَوْلَى مِنْ الْوُقُوفِ عِنْدَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , وَتِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 127 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ كَلْبٌ , أَيَّ إنَاءٍ كَانَ وَأَيَّ كَلْبٍ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ , صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَالْفَرْضُ إهْرَاقُ مَا فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ ثُمَّ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ , وَلاَ بُدَّ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ , وَذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ , فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أَوْ وَقَعَ بِكُلِّهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ الإِنَاءِ ، وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ حَلاَلٌ طَاهِرٌ كُلُّهُ كَمَا كَانَ , وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي بُقْعَةٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَوْ فِي مَا لاَ يُسَمَّى إنَاءً فَلاَ يَلْزَمُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ. وَالْوُلُوغُ هُوَ الشُّرْبُ فَقَطْ , فَلَوْ مَسَّ لُعَابُ الْكَلْبِ أَوْ عَرَقُهُ الْجَسَدَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الإِنَاءَ أَوْ مَتَاعًا مَا أَوْ الصَّيْدَ , فَفُرِضَ إزَالَةُ ذَلِكَ بِمَا أَزَالَهُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ , وَلاَ بُدَّ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إلاَّ مِنْ الثَّوْبِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيُّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ قَالَ : مَا لَهُمْ وَلَهَا فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ. وَقَالَ عليه السلام : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَأَمَرَ عليه السلام بِهَرْقِ مَا فِي الإِنَاءِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ , وَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام بِاجْتِنَابِ مَا وَلَغَ فِيهِ فِي غَيْرِ الإِنَاءِ , بَلْ نَهَى ، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِرِوَايَاتٍ شَتَّى , فِي بَعْضِهَا وَالسَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ وَفِي بَعْضِهَا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ , لإِنَّ الآُولَى هِيَ بِلاَ شَكٍّ إحْدَى الْغَسَلاَتِ. وَفِي لَفْظَةِ " الآُولَى " بَيَانُ أَيَّتِهِنَّ هِيَ , فَمَنْ جَعَلَ التُّرَابَ فِي أُولاَهُنَّ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي إحْدَاهُنَّ بِلاَ شَكٍّ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا , وَمَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ أُولاَهُنَّ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُولاَهُنَّ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَلاَ شَكَّ نَدْرِي أَنَّ تَعْفِيرَهُ بِالتُّرَابِ فِي أُولاَهُنَّ تَطْهِيرٌ ثَامِنٌ إلَى السَّبْعِ غَسَلاَتٍ , وَأَنَّ تِلْكَ الْغَسْلَةَ سَابِقَةٌ لِسَائِرِهِنَّ إذَا جُمِعْنَ , وَبِهَذَا تَصِحُّ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ عليه السلام الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَلاَ يُجْزِئُ بَدَلَ التُّرَابِ غَيْرُهُ , لاَِنَّهُ تَعَدٍّ لَحَدِّ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِاجْتِنَابِهِ , وَلاَ شَرِيعَةَ إلاَّ مَا أَخْبَرَنَا بِهَا عليه السلام , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَالْمَاءُ حَلاَلٌ شُرْبُهُ طَاهِرٌ , فَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ بِأَمْرٍ مِنْهُ عليه السلام. وَأَمَّا مَا أَكَلَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَعْضَائِهِ فَلاَ غَسْلَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ هَرْقَ ; لاَِنَّهُ حَلاَلٌ طَاهِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ إنْ كَانَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنْجِيسِ إلاَّ بِنَصٍّ لاَ بِدَعْوَى. وَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ لُعَابِ الْكَلْبِ وَعَرَقِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , فَهُوَ حَرَامٌ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ بَعْضُهُ فَهُمَا حَرَامٌ , وَالْحَرَامُ فُرِضَ إزَالَتُهُ وَاجْتِنَابُهُ , وَلَمْ يُجْزِ أَنْ يُزَالَ مِنْ الثَّوْبِ إلاَّ بِالْمَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَقَدْ قلنا إنَّ التَّطْهِيرَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَبِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ , كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ , أُولاَهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ , وَالْهِرُّ مَرَّةً. وَرُوِّينَا ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ,. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وطَاوُوس وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ " إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْسَاطِ لَبَنٍ يُهْرَقُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ , فَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ طَاهِرٌ , وَيُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُغْسَلُ لُعَابُ الْكَلْبِ مِنْ الثَّوْبِ وَمِنْ الصَّيْدِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا , وَبِهَذَا يَقُولُ يَعْنِي غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وقال الشافعي كَذَلِكَ إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ " إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الإِنَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُهْرَقْ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ , وَرَأَى هَرْقَ مَا عَدَا الْمَاءَ وَإِنْ كَثُرَ , وَرَأَى أَنْ يُغْسَلَ مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ فِي الإِنَاءِ سَبْعًا كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ , وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي وُلُوغِ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَلاَ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ أَصْلاً. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لإِنَّ عُمُومَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الأَمْرِ بِهَرْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَأَمَّا قِيَاسُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لإِنَّ الْكَلْبَ بَعْضَ السِّبَاعِ لَمْ يُحَرَّمْ إلاَّ بِعُمُومِ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ فَقَطْ , فَكَانَ قِيَاسُ السِّبَاعِ وَمَا وَلَغَتْ فِيهِ عَلَى الْكَلْبِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهَا وَاَلَّتِي يَجُوزُ أَكْلُ صَيْدِهَا إذَا عُلِمَتْ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ , وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ وَأَكْلِ صَيْدِهِ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي عَدَدِ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ , فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وقال مالك فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ : يُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَمَرَّةً لَمْ يَرَهُ وَمَرَّةً رَآهُ , وَقَالَ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ : يُهْرَقُ الْمَاءُ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كَانَ لَبَنًا لَمْ يُهْرَقْ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيُؤْكَلُ مَا فِيهِ , وَمَرَّةً قَالَ : يُهْرَقُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ تَفَارِيقُ ظَاهِرَةُ الْخَطَإِ ; لاَ النَّصُّ اُتُّبِعَ فِي بَعْضِهَا , وَلاَ الْقِيَاسُ اطَّرَدَ فِيهَا , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، قُلِّدَ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إنِّي لاَِرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لِمَنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْقَوْلِ : أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرَ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r بِهَرْقِهِ. وَأَعْظَمُ مِمَّا اسْتَعْظَمْتُمُوهُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ عُصْفُورٍ مَاتَ فِيهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ بِهَرْقِهِ. فَإِنْ قَالُوا : الْعُصْفُورُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ , قلنا : نَعَمْ لَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا , وَلَكِنَّ الْمَائِعَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ حَلاَلٌ , فَتَحْرِيمُكُمْ الْحَلاَلَ مِنْ أَجْلِ مُمَاسَّتِهِ الْحَرَامَ هُوَ الْبَاطِلُ , إلاَّ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فَيُطَاعُ أَمْرُهُ , وَلاَ يُتَعَدَّى حَدُّهُ , وَلاَ يُضَافُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وقال أبو حنيفة : يُهْرَقُ كُلُّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ , وَمَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَوَاتِ أَبَدًا , وَلاَ يَغْسِلُ الإِنَاءَ مِنْهُ إلاَّ مَرَّةً. قال علي : وهذا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ أَنَّنَا رُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ " اغْسِلْهُ " وَقَالَ مَرَّةً " اغْسِلْهُ حَتَّى تُنْقِيَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْدِيدًا. وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّتِي أَوْرَدْنَا. وَكَفَى بِهَذَا خَطَأً. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ " إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ السَّاقِطَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَلاَ مُجَاهَرَةَ أَقْبَحُ مِنْ الاِعْتِرَاضِ عَلَى مَا رَوَاهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ النُّجُوم الثَّوَاقِب بِمِثْلِ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ. وَثَانِيهَا أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ السَّلاَمِ عَلَى تَحْسِينِهَا إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الإِنَاءُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ , فَلَمْ يَحْصُلُوا إلاَّ عَلَى خِلاَفِ السُّنَّةِ وَخِلاَفِ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , فَلاَ النَّبِيَّ r اتَّبَعُوا ، وَلاَ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ قَلَّدُوا. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَا حَلَّ أَنْ يُعْتَرَضَ بِذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ ، عَنِ النَّبِيِّ r ; لإِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r لاَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ , لإِنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَنْسَى مَا رَوَى وَقَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ , وَالْوَاجِبُ إذَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُضَعَّفَ مَا رُوِيَ ، عَنِ الصَّاحِبِ مِنْ قَوْلِهِ , وَأَنْ يُغَلَّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ r لاَ أَنْ نُضَعِّفَ مَا رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ r وَنُغَلِّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ ، عَنِ الصَّاحِبِ , فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ. وَرَابِعُهَا أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلاَفُ مَا رَوَى وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُغَفَّلٍ , وَلَمْ يُخَالِفْ مَا رَوَى. وقال بعضهم : إنَّمَا كَانَ هَذَا إذْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ , فَلَمَّا نَهَى ، عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ ذَلِكَ. قال علي : وهذا كَذِبٌ بَحْتٌ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا ; لاَِنَّهُ دَعْوَى فَاضِحَةٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَقَفْو مَا لاَ عِلْمَ لِقَائِلِهِ بِهِ , هَذَا حَرَامٌ. وَالثَّانِي أَنَّ ابْنَ مُغَفَّلٍ رَوَى النَّهْيَ ، عَنْ قَتْلِ الْكِلاَبِ وَالأَمْرَ بِغَسْلِ الإِنَاء مِنْهَا سَبْعًا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ مَعًا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ , وَإِنَّمَا رَوَى غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْهَا سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ مُغَفَّلٍ , وَإِسْلاَمُهُمَا مُتَأَخِّرٌ. وقال بعضهم : كَانَ الأَمْرُ بِغَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ. قَالَ عَلِيٌّ : يُقَالُ لَهُمْ أَبِحَقٍّ أَمَرَ النَّبِيُّ r فِي ذَلِكَ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ أَمْ أَمَرَ بِبَاطِلٍ وَبِمَا لاَ مَئُونَةَ فِي مَعْصِيَتِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا بِحَقٍّ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ , فَقَدْ أَسْقَطُوا شَغَبَهُمْ بِذِكْرِ التَّغْلِيظِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الآخَرُ فَالْقَوْلُ بِهِ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا , لاَِنَّهَا كَانَتْ تُرَوِّعُ الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ لَهُ : لَسْنَا فِي قَتْلِهَا , إنَّمَا نَحْنُ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهَا , مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الأَثَرَ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ ذِكْرُ قَتْلِهَا فَقَطْ , وَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ ; لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ الْمَغْفِرَةُ لِلْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ بِخُفِّهَا. قال علي : وهذا عَجَبٌ جِدًّا ; لإِنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ كَانَ فِي غَيْرِنَا , وَلاَ تَلْزَمُنَا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا. وَأَيْضًا فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْخُفَّ شُرِبَ فِيهِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَأَنَّهُ لَمْ يُغْسَلْ , وَأَنَّ تِلْكَ الْبَغِيَّ عَرَفَتْ سُنَّةَ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْبَغِيُّ نَبِيَّةً فَيُحْتَجُّ بِفِعْلِهَا , وَهَذَا كُلُّهُ دَفْعٌ بِالرَّاحِ وَخَبْطٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ. وَيُجْزِئُ غَسْلُ مَنْ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَاحِبِهِ , لِقَوْلِهِ عليه السلام فَاغْسِلُوهُ فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ مَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا أَكَلَ فِيهِ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ غَيْرَ لِسَانِهِ. قلنا لَهُمْ : لاَ نَكَرَةَ عَلَى مَنْ قَالَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلَمْ يَقُلْ مَا لَمْ يَقُلْ عليه السلام , وَلَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَبِيُّهُ عليه السلام , وَلاَ شَرْعَ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ عليه السلام فِي الدِّينِ , وَإِنَّمَا النَّكَرَةُ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ الصَّلاَةَ بِمَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ دَمِ الدَّجَاجِ فَأَبْطَلَ بِهِ الصَّلاَةَ , وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّلاَةَ بِثَوْبٍ غُمِسَ فِي دَمِ السَّمَكِ , وَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلاَةَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ خُرْءِ الدَّجَاجِ وَرَوْثِ الْخَيْلِ , وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الْخَيْلِ وَخُرْءِ الْغُرَابِ. وَعَلَى مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ , وَلَمْ يُرِقْ اللَّبَنَ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , وَعَلَى مَنْ أَمَرَ بِهَرْقِ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ مِنْ مَاءٍ وَقَعَ فِيهِ دِرْهَمٌ مِنْ لُعَابِ كَلْبٍ , فَإِنْ كَانَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ وَوَقَعَ فِيهِ رَطْلٌ مِنْ لُعَابِ الْكَلْبِ كَانَ طَاهِرًا لاَ يُرَاقُ مِنْهُ شَيْءٌ , فَهَذِهِ هِيَ النَّكَرَاتُ حَقًّا لاَ مَا قلنا. وَبِاَللَّهِ نَتَأَيَّدُ. 128 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ الْهِرُّ لَمْ يُهْرَقْ مَا فِيهِ , لَكِنْ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ يُسْتَعْمَلُ , ثُمَّ يُغْسَلُ الإِنَاءُ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ , وَلاَ يَلْزَمُ إزَالَةُ لُعَابِهِ مِمَّا عَدَا الإِنَاءَ وَالثَّوْبَ بِالْمَاءِ لَكِنْ بِمَا أَزَالَهُ وَمِنْ الثَّوْبِ بِالْمَاءِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْهِرُّ مَرَّةً. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حدثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهَا صَبَّتْ لاَِبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ , فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ , فَقَالَ : أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ , إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَوَجَبَ غَسْلُ الإِنَاءِ وَلَمْ يَجِبْ إهْرَاقُ مَا فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ , وَوَجَبَ غَسْلُ لُعَابِهِ مِنْ الثَّوْبِ , لإِنَّ الْهِرَّ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ , وَلَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا , وَلاَ نَجِسَ إلاَّ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ نَجِسًا , وَالْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَيْسَا بِنَجِسَيْنِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وقال أبو حنيفة : يُهْرَقُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ ، وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ , وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ مَرَّةً. وَهَذَا خِلاَفُ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ : يَتَوَضَّأُ بِمَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ ، وَلاَ يَغْسِلُ مِنْهُ الإِنَاءَ , وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِمَّنْ أَمَرَ بِغَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وطَاوُوس وَعَطَاءٌ. إلاَّ أَنَّ طَاوُوسًا وَعَطَاءً جَعَلاَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ أَبُو قَتَادَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عُمَرَ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُ فَصَحَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَقَوْلِنَا نَصًّا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. . 129 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ , أَيَّ مَيْتَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَنَّهَا جِلْدُ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالدِّبَاغِ بِأَيِّ شَيْءٍ دُبِغَ طَاهِرٌ , فَإِذَا دُبِغَ حَلَّ بَيْعُهُ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ , وَكَانَ كَجِلْدِ مَا ذُكِّيَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ , إِلاَّ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ بِحَالٍ , حَاشَا جِلْدَ الإِنْسَانِ , فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُدْبَغَ ، وَلاَ أَنْ يُسْلَخَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ دَفْنِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَصُوفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا وَوَبَرُهَا حَرَامٌ قَبْلَ الدِّبَاغِ حَلاَلٌ بَعْدَهُ , وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا مُبَاحٌ كُلُّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَيْتَةِ ، وَلاَ الأَنْتِفَاعُ بِعَصَبِهَا ، وَلاَ شَحْمِهَا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ وَعْلَةَ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ". حدثنا حمام ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى شَاةٍ لِمَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ مَيْتَةٍ فَقَالَ : أَفَلاَ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا قَالُوا : وَكَيْفَ وَهِيَ مَيْتَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَرَّ عَلَى شَاةٍ مُلْقَاةٍ , فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ , قَالُوا لِمَيْمُونَةَ , قَالَ : مَا عَلَيْهَا لَوْ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ : إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ , كُلُّهُمْ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ : فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا : إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ : إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا. حدثنا حمام ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ شَاةً مَاتَتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَلاَ دَبَغْتُمْ إهَابَهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الْجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ فَقَالَتْ : مَا عِنْدِي إِلاَّ فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ. قَالَ : أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا قَالَتْ : بَلَى. قَالَ : فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ثنا جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ التَّمِيمِيُّ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فَإِنَّ دِبَاغَ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا قَالَ عَلِيٌّ : جَوْنٌ وَسَلَمَةُ لَهُمَا صُحْبَةٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ , فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ لاَ. هُوَ حَرَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r عِنْدَ ذَلِكَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ , إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَ , وَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ ثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ : كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r : أَلَّا تَسْتَنْفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلاَ عَصَبٍ. قال علي : هذا خَبَرٌ صَحِيحٌ ، وَلاَ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ. بَلْ هُوَ حَقٌّ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ إِلاَّ حَتَّى يُدْبَغَ , كَمَا جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ الأُُخَرِ , إذْ ضَمُّ أَقْوَالِهِ عليه السلام بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَرْضٌ , وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ , لأََنَّهَا كُلَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَرُوِيَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ أَدِيمٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ : أَنَّهَا دَبَغَتْ جِلْدَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَلَمْ تَزَلْ تَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى بَلِيَ , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي جُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَمُوتُ فَتُدْبَغُ : إنَّهَا تُبَاعُ وَتُلْبَسُ. وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إبَاحَةُ الصَّلاَةِ فِيهَا. وَعَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمَيْتَةِ : دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا , وَأَبَاحَ الزُّهْرِيُّ جُلُودَ النُّمُورِ , وَاحْتَجَّ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ r فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة : جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ وَعِظَامُهَا وَعَصَبُهَا وَعَقِبُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا وَقَرْنُهَا لاَ بَأْسَ بِالأَنْتِفَاعِ بِكُلِّ ذَلِكَ , وَبَيْعُهُ جَائِزٌ , وَالصَّلاَةُ فِي جِلْدِهَا إذَا دُبِغَ جَائِزٌ , أَيَّ جِلْدٍ كَانَ حَاشَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وقال مالك : لاَ خَيْرَ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ , وَلاَ يُصَلَّى فِي شَيْءٍ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَتْ , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا , أَيَّ جِلْدٍ كَانَ , وَلاَ يُسْتَقَى فِيهَا , لَكِنَّ جُلُودَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا دُبِغَتْ جَازَ الْقُعُودُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا , وَكَرِهَ الأَسْتِقَاءَ فِيهَا بِآخِرَةٍ لِنَفْسِهِ , وَلَمْ يَمْنَعْ ، عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ. وَرَأَى جُلُودَ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ مُبَاحَةً لِلْجُلُوسِ وَالْغَرْبَلَةِ. وَلَمْ يَرَ جِلْدَ الْحِمَارِ وَإِنْ دُبِغَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ , وَلَمْ يَرَ اسْتِعْمَالَ قَرْنِ الْمَيْتَةِ ، وَلاَ سِنَّهَا ، وَلاَ ظِلْفِهَا ، وَلاَ رِيشِهَا. وَأَبَاحَ صُوفَ الْمَيْتَةِ وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيٍّ. وقال الشافعي : يُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ أَيَّ جِلْدٍ كَانَ. إِلاَّ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. وَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لاَ صُوفٌ ، وَلاَ شَعْرٌ ، وَلاَ وَبَرٌ ، وَلاَ عَظْمٌ ، وَلاَ قَرْنٌ ، وَلاَ سِنٌّ ، وَلاَ رِيشٌ. إِلاَّ الْجِلْدَ وَحْدَهُ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا إبَاحَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَظْمَ وَالْعَقِبَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَخَطَأٌ , لأََنَّهُ خِلاَفُ الأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا أَلَّا نَنْتَفِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلاَ عَصَبٍ وَجَاءَ الْخَبَرُ بِإِبَاحَةِ الإِهَابِ إذَا دُبِغَ , فَبَقِيَ الْعَصَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ , وَالْعَقِبُ عَصَبٌ بِلاَ شَكٍّ , وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْمَيْتَاتِ وَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ خَطَأٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذِهِ التَّفَارِيقَ ، وَلاَ هَذَا الْقَوْلَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَيْنَ جِلْدِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَخَطَأٌ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ ، وَلاَ فَرْقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ كَبْشٍ مَيِّتٍ وَبَيْنَ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ عِنْدَهُ ، وَلاَ عِنْدَنَا ، وَلاَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ فَرْقُهُ بَيْنَ جِلْدِ الْحِمَارِ وَجِلْدِ السِّبَاعِ خَطَأٌ , لأََنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ فِي السِّبَاعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَمِيرِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصْحَابَهُ لاَ يُجِيزُونَ الأَنْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْفَرَسِ إذَا دُبِغَ , وَلَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ , وَيُجِيزُونَ الأَنْتِفَاعَ بِجِلْدِ السَّبُعِ إذَا دُبِغَ , وَهُوَ حَرَامٌ لاَ تُعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِالنَّصِّ , وَكَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا إذَا دُبِغَتْ خَطَأٌ ; لأََنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ وُجُوهِ الأَنْتِفَاعِ بِلاَ نَصِّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَخَطَأٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ سَوَاءٌ , وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام : إذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ أَنَّ مَعْنَاهُ عَادَ إلَى طَهَارَتِهِ خَطَأٌ , وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ طَهُرَ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ فَهُوَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ كُلُّهُ لاَ قَبْلَ الدِّبَاغِ ; لأََنَّ النَّبِيَّ r قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ , فَلَمْ يَأْمُرْ بِإِزَالَةِ ذَلِكَ ، وَلاَ أَبَاحَ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ , وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ بَعْضُ الْمَيْتَةِ حَرَامٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ لَيْسَ مَيْتَةً , فَهُوَ حَلاَلٌ حَاشَا أَكْلَهُ , وَإِذْ هُوَ حَلاَلٌ فَلِبَاسُهُ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الأَنْتِفَاعِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ r فَإِنْ أُزِيلَ ذَلِكَ ، عَنِ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَمْ يَجُزْ الأَنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَهُوَ حَرَامٌ , إذْ لاَ يَدْخُلُ الدِّبَاغُ فِيهِ , وَإِنْ أُزِيلَ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَقَدْ طَهُرَ , فَهُوَ حَلاَلٌ بَعْدُ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ حَاشَا أَكْلَهُ فَقَطْ. وَأَمَّا الْعَظْمُ وَالرِّيشُ وَالْقَرْنُ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ بَعْضُ الْحَيِّ , وَالْحَيُّ مُبَاحٌ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ إِلاَّ مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ , وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ r بَيْعَ الْمَيْتَةِ , وَبَعْضُ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ , فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَالأَنْتِفَاعُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ , لِقَوْلِهِ عليه السلام : إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا فَأَبَاحَ مَا عَدَا ذَلِكَ إِلاَّ مَا حُرِّمَ بِاسْمِهِ مِنْ بَيْعِهَا وَالأَدِّهَانِ بِشُحُومِهَا , وَمِنْ عَصَبِهَا وَلَحْمِهَا. وَأَمَّا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ وَعَظْمُهُ فَحَرَامٌ كُلُّهُ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُتَمَلَّكَ ، وَلاَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ , فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ , وَالرِّجْسُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ حَاشَا الْجِلْدَ فَإِنَّهُ بِالدِّبَاغِ طَاهِرٌ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام وَأَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا جِلْدُ الإِنْسَانِ فَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ r عَنِ الْمُثْلَةِ , وَالسَّلْخُ أَعْظَمُ الْمُثْلَةِ , فَلاَ يَحِلُّ التَّمْثِيلُ بِكَافِرٍ ، وَلاَ مُؤْمِنٍ , وَصَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام بِإِلْقَاءِ قَتْلَى كُفَّارِ بَدْرٍ فِي الْقَلِيبِ , فَوَجَبَ دَفْنُ كُلِّ مَيِّتٍ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 130 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنَاءُ الْخَمْرِ إنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ فِيهِ فَقَدْ صَارَ طَاهِرًا يُتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُشْرَبُ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ , فَإِنْ أُهْرِقَتْ أُزِيلَ أَثَرُ الْخَمْرِ ، وَلاَ بُدَّ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الطَّاهِرَاتِ أُزِيلَ , وَيَطْهُرُ الإِنَاءُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ فَخَّارًا أَوْ عُودًا أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَمُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ , فَوَاجِبٌ اجْتِنَابُهَا. قَالَ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ فَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ أَوْ خُلِّلَتْ فَالْخَلُّ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ طَاهِرٌ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ , وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا , لإِنَّ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ غَيْرُ الْحَرَامِ الرِّجْسِ بِلاَ شَكٍّ , فَإِذَنْ لاَ خَمْرَ هُنَالِكَ أَصْلاً , وَلاَ أَثَرَ لَهَا فِي الإِنَاءِ , فَلَيْسَ هُنَالِكَ شَيْءٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَإِزَالَتُهُ. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْخَمْرِ فِي الإِنَاءِ فَهِيَ هُنَالِكَ بِلاَ شَكٍّ. وَإِزَالَتُهَا وَاجْتِنَابُهَا فَرْضٌ. وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي شَيْءٍ مَا بِعَيْنِهِ تُزَالُ بِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُزِيلَتْ بِهِ فَقَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا مِنْ وَاجِبِ إزَالَتِهَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَإِذَا أُزِيلَتْ فَالإِنَاءُ طَاهِرٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ شَيْءٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ أَجْلِهِ. 131 - مَسْأَلَةٌ : وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ فِي الْمَاءِ كَانَ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ فِي الثَّوْبِ ، وَلاَ تَجِبُ إزَالَتُهُ , وَالْبُصَاقُ مِثْلُهُ ، وَلاَ فَرْقَ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى ضَيْفٍ لَهَا تَدْعُوهُ فَقَالُوا : هُوَ يَغْسِلُ جَنَابَةً فِي ثَوْبِهِ , قَالَتْ وَلِمَ يَغْسِلُهُ لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَنْكَرَتْ ، رضي الله عنها ، غَسْلَ الْمَنِيِّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ أَبُو عَاصِمٍ ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ : كُنْتُ نَازِلاً عَلَى عَائِشَةَ فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ , فَرَأَتْنِي جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا , فَبَعَثَتْ إلَيَّ عَائِشَةُ : مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ قُلْتُ : رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ : قَالَتْ : هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا قُلْتُ لاَ , قَالَتْ : فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لاََحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ r يَابِسًا بِظُفُرِي فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ كَذِبَ مَنْ تَخَرَّصَ بِلاَ عِلْمٍ وَقَالَ : كَانَتْ تَفْرُكُهُ بِالْمَاءِ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ r فَيُصَلِّي فِيهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَالْحَارِثُ بْنُ نَوْفَلٍ ، عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا , وَهَذَا تَوَاتُرٌ , وَصَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ , وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامِ وَالْبُزَاقِ امْسَحْهُ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ بِخِرْقَةٍ ، وَلاَ تَغْسِلْهُ إنْ شِئْت إلاَّ أَنْ تُقَذِّرَهُ أَوْ تَكْرَهَ أَنْ يُرَى فِي ثَوْبِك , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وقال مالك : هُوَ نَجِسٌ ، وَلاَ يُجْزِئُ إلاَّ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ. وَرُوِّينَا غَسْلَهُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وقال أبو حنيفة : هُوَ نَجِسٌ , فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يُجْزِئْ فِي إزَالَتِهِ غَيْرُ الْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ إزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الْخُفِّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , فَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يَجُزْ إلاَّ غَسْلُهُ بِأَيِّ مَائِعٍ كَانَ , فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَوْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا أَجْزَأَ مَسْحُهُ فَقَطْ , وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَحُتَّهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نَجَاسَةَ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ وَكُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ r . وَقَالُوا : هُوَ خَارِجٌ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ فَيَنْجَسُ لِذَلِكَ وَذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَرَّةً قَالَ : عَنِ الأَعْمَشِ , وَمَرَّةً قَالَ : عَنْ مَنْصُورٍ , ثُمَّ اسْتَمَرَّ , عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُ بِحَتِّهِ. قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، فَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا , وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، فَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ , بَلْ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r بِغَسْلِهِ ، وَلاَ بِإِزَالَتِهِ ، وَلاَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ r كَانَ يَغْسِلُهُ. وَأَنَّ عَائِشَةَ تَغْسِلُهُ , وَأَفْعَالُهُ r لَيْسَتْ عَلَى الْوُجُوبِ , وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا زُهَيْرٌ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا حُمَيْدٌ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ وَرُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلاً عِنْدَ خُصُومِنَا عَلَى نَجَاسَةِ النُّخَامَةِ , وَقَدْ يَغْسِلُ الْمَرْءُ ثَوْبَهُ مِمَّا لَيْسَ نَجِسًا. وَأَمَّا حَدِيثُ سُفْيَانَ فَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النَّهْدِيُّ , بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ مُصَحِّفٌ كَثِيرُ الْخَطَإِ , رَوَى ، عَنْ سُفْيَانَ الْبَوَاطِلَ , قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيهِ : هُوَ شِبْهُ لاَ شَيْءَ , كَأَنَّ سُفْيَانَ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ أَبُو حُذَيْفَةَ لَيْسَ سُفْيَانَ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ , فَلاَ حُجَّةَ فِي هَذَا , لاَِنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلْبَوْلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا فَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُ اللَّبَنِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ مُنَجِّسًا لَهُ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال بعضهم : يَغْسِلُهُ رَطْبًا عَلَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَيَحُكُّهُ يَابِسًا عَلَى سَائِرِ الأَحَادِيثِ. قال علي : وهذا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ رَطْبًا , وَلاَ فِي سَائِرِ الأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا , إلاَّ فِي حَدِيثِ الْخَوْلاَنِيِّ وَحْدَهُ , فَحَصَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّحَكُّمِ , إذْ زَادَ فِي الأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى كُنْتُ أَفْرُكُهُ أَيْ بِالْمَاءِ. قال علي : وهذا كَذِبٌ آخَرُ وَزِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ , فَكَيْفَ وَفِي بَعْضِ الأَخْبَارِ كَمَا أَوْرَدْنَا يَابِسًا بِظُفُرِي. قَالَ عَلِيٌّ : وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ r يُصَلِّي بِهِ , وَلاََخْبَرَهُ كَمَا أَخْبَرَهُ إذْ صَلَّى بِنَعْلَيْهِ وَفِيهِمَا قَذَرٌ فَخَلَعَهُمَا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 132 - مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الْمَيْتَةُ أَوْ تَغَيَّرَتْ فَصَارَتْ رَمَادًا أَوْ تُرَابًا , فَكُلُّ ذَلِكَ طَاهِرٌ , وَيُتَيَمَّمُ بِذَلِكَ التُّرَابِ , بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الأَحْكَامَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِيهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الاِسْمُ الَّذِي بِهِ خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِذَا سَقَطَ ذَلِكَ الاِسْمُ فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ الْحُكْمُ , وَأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. وَالْعَذِرَةُ غَيْرُ التُّرَابِ وَغَيْرُ الرَّمَادِ , وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ غَيْرُ الْخَلِّ , وَالإِنْسَانُ غَيْرُ الدَّمِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ , وَالْمَيْتَةُ غَيْرُ التُّرَابِ. 133 - مَسْأَلَةٌ : وَلُعَابُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْجُنُبِ مِنْهُمْ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَلُعَابُ الْخَيْلِ وَكُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , وَعَرَقُ كُلِّ ذَلِكَ وَدَمْعُهُ , وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ الصَّلاَةُ بِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا حُمَيْدٌ ، حدثنا بَكْرٌ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جُنُبٌ , قَالَ : فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ , فَقَالَ : أَيْنَ كُنْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنْت جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ طَاهِرٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ فَكُلُّ حَلاَلٍ هُوَ طَيِّبٌ , وَالطَّيِّبُ لاَ يَكُونُ نَجِسًا بَلْ هُوَ طَاهِرٌ , وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ بِلاَ شَكٍّ , لإِنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الطَّاهِرِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ , وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ الطَّاهِرِ , وَيَبْقَى سَائِرُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 134 - مَسْأَلَةٌ : وَلُعَابُ الْكُفَّارِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْكِتَابِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ نَجِسٌ كُلُّهُ , وَكَذَلِكَ الْعَرَقُ مِنْهُمْ وَالدَّمْعُ , وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُمْ , وَلُعَابُ كُلِّ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ طَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ , مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ فَأْرٍ , حَاشَا الضَّبُعَ فَقَطْ , وَعَرَقُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَدَمْعُهُ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ وَبِيَقِينٍ يَجِبُ أَنَّ بَعْضَ النَّجَسِ نَجَسٌ ; لإِنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ , فإن قيل : إنَّ مَعْنَاهُ نَجَسُ الدِّينِ , قِيلَ : هَبْكُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. أَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَمَا فُهِمَ قَطُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ مَعَ قَوْلِ نَبِيِّهِ r : إنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ , وَلاَ عَجَبَ فِي الدُّنْيَا أَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ فِيمَنْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ نَجَسٌ إنَّهُمْ طَاهِرُونَ , ثُمَّ يَقُولُ فِي الْمَنِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْتِ قَطُّ بِنَجَاسَتِهِ نَصٌّ إنَّهُ نَجِسٌ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ سَمَاعُهُ. وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ. فإن قيل : قَدْ أُبِيحَ لَنَا نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَوَطْؤُهُنَّ , قلنا نَعَمْ , فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ لُعَابَهَا وَعَرَقَهَا وَدَمْعَهَا طَاهِرٌ فإن قيل : إنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْ ذَلِكَ. قلنا : هَذَا خَطَأٌ , بَلْ يَفْعَلُ فِيمَا مَسَّهُ مِنْ لُعَابِهَا وَعَرَقِهَا مِثْلَ الَّذِي يَفْعَلُ إذَا مَسَّهُ بَوْلُهَا أَوْ دَمُهَا أَوْ مَائِيَّةُ فَرْجِهَا ، وَلاَ فَرْقَ , وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ , ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ , مِنْ أَيْنَ لَهُمْ طَهَارَةُ رِجَالِهِمْ أَوْ طَهَارَةُ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ قَالُوا : قلنا ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ. قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لإِنَّ أَوَّلَ بُطْلاَنِهِ أَنَّ عِلَّتَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْكِتَابِيَّاتِ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ , وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَعْدُومَةٌ بِإِقْرَارِهِمْ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ. وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ , وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُفَرِّقَةٌ لاَ جَامِعَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ , وَالْحَرَامُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَبَعْضُ الْوَاجِبِ اجْتِنَابُهُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سَمِعْت حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ يَقُولُ ، عَنِ الدَّجَّالِ " ، وَلاَ يُسَخَّرُ لَهُ مِنْ الْمَطَايَا إلاَّ الْحِمَارُ فَهُوَ رِجْسٌ عَلَى رِجْسٍ " وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : عَرَقُ الْحِمَارِ نَجِسٌ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الضَّبُعِ فَلِمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ. وبه إلى أَبِي دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ r ، عَنِ الضَّبُعِ , فَقَالَ : هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ. 135 - مَسْأَلَةٌ : وَسُؤْرُ كُلِّ كَافِرٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ دَجَاجٍ مُخَلًّى أَوْ غَيْرِ مُخَلًّى إذَا لَمْ يَظْهَرْ هُنَالِكَ لِلُّعَابِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَثَرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ حَلاَلٌ , حَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَقَطْ , وَلاَ يَجِبُ غَسْلُ الإِنَاءِ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ , حَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْهِرُّ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِطَهَارَةِ الطَّاهِرِ وَتَنَجُّسِ النَّجِسِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلاَلِ , وَذَمَّ أَنْ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ , فَكُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَجَّسَ بِمُلاَقَاةِ النَّجِسِ لَهُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ r وَكُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ لاَ يَطْهُرُ بِمُلاَقَاةِ الطَّاهِرِ لَهُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُهُ r . وَكُلُّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لاَ يَحْرُمُ بِمُلاَقَاةِ الْحَرَامِ لَهُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ , وَلاَ رَسُولُهُ r . وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ بِمُلاَقَاةِ الْحَلاَلِ لَهُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُهُ r . وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجِسِ. وَأَنَّ الْحَلاَلَ يَحْرُمُ بِمُلاَقَاةِ الْحَرَامِ , وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ الأَمْرَ فَقَالَ : بَلْ النَّجِسُ يَطْهُرُ بِمُلاَقَاةِ الطَّاهِرِ , وَالْحَرَامُ يَحِلُّ بِمُلاَقَاةِ الْحَلاَلِ , كِلاَ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ , بَلْ كُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا فِي شَيْءٍ مَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ ، وَلاَ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ. فَإِذَا شَرِبَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي إنَاءٍ أَوْ أَكَلَ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْهُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ فَسُؤْرُهُ حَلاَلٌ طَاهِرٌ ، وَلاَ يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ مِمَّا مَاسَّهُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ النَّجَسِ , إلاَّ أَنْ يَظْهَرَ بَعْضُ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا قَدَّمْنَا. حَاشَا الْكَلْبَ وَالْهِرَّ , فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ r . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وقال أبو حنيفة : إنْ شَرِبَ فِي الإِنَاءِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ , وَالْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ : الْفَرَسُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَكَذَلِكَ أَسْآرُ جَمِيعِ الطَّيْرِ , وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ مِنْهَا , وَالدَّجَاجِ الْمُخَلَّى وَغَيْرِهِ , فَإِنَّ الْوُضُوءَ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ وَأَكْرَهُهُ , وَأَكْلُ أَسْآرِهَا حَلاَلٌ , قَالَ فَإِنْ شَرِبَ فِي الإِنَاءِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ : وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ , وَمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ , قَالَ : وَهَذَا وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ , وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ. قال علي : هذا فَرْقٌ فَاسِدٌ. وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ هَذَا الْفَرْقَ : وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ الْحَقَّ , وَفِي اسْتِحْسَانِ خِلاَفِ الْحَقِّ , وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلاً , فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي اسْتِعْمَالِ الْبَاطِلِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَهُ وَدَانَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ : حُكْمُ الْمَائِعِ حُكْمُ اللَّحْمِ الْمُمَاسِّ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ , وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ لَهُمَا وَاحِدٌ فِي التَّحْرِيمِ فَقَدْ كَذَبَ , لإِنَّ لَحْمَ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ , وَهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ مَا شَرِبَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ لِسَانَهُ , وَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ , فَمَنْ لَهُ بِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا دَامَ حَيًّا ، وَلاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَلاَ يَكُونُ نَجِسًا إلاَّ مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ نَجِسٌ , وَإِلاَّ فَلَوْ كَانَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا لَكَانَ ابْنُ آدَمَ نَجِسًا. وقال مالك : سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَكُلِّ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَسُؤْرِ غَيْرِهِ ، وَلاَ فَرْقَ. قَالَ : وَأَمَّا مَا أَكَلَ الْجِيَفَ مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ الَّتِي تَأْكُلُ النَّتِنَ , فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ إلاَّ فِي الْوَقْتِ , فَإِنْ شَرِبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي لَبَنٍ , فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي مِنْقَارِهِ قَذَرٌ لَمْ يُؤْكَلْ , وَأَمَّا مَا لَمْ يُرَ فِي مِنْقَارِهِ فَلاَ بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ : يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَتَيَمَّمُ , إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ. وقال مالك : لاَ بَأْسَ بِلُعَابِ الْكَلْبِ. قَالَ عَلِيٌّ : إيجَابُهُ الإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ خَطَأٌ عَلَى أَصْلِهِ , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَّى الطَّهَارَةَ وَالصَّلاَةَ كَمَا أُمِرَ , أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ , فَإِنْ كَانَ أَدَّى الصَّلاَةَ وَالطَّهَارَةَ كَمَا أُمِرَ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ , وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ فَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ أَبَدًا , وَهِيَ تُؤَدَّى عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ إذْ سُئِلَ بِهَذَا السُّؤَالِ فَقَالَ : صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ , فَلَمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا ذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى قال أبو محمد عَلِيٌّ : وَهَذَا الاِحْتِجَاجُ بِالآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَقْبَحُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُمَوَّهِ لَهُ بِذَلِكَ ; لإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَهُ r لَمْ يَرْمِ إذْ رَمَى , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى هُوَ رَمَاهَا. فَهَذَا الْبَائِسُ الَّذِي صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ , مَنْ صَلاَّهَا عَنْهُ فَلاَ بُدَّ لِلصَّلاَةِ إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ , كَمَا كَانَ لِلرَّمْيَةِ رَامٍ , وَهُوَ الْخَلاَّقُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ وُجُودُ فِعْلٍ لاَ فَاعِلَ لَهُ مُحَالٌ وَضَلاَلٌ , وَلَيْسَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ , وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي أُمِرَ بِهَا غَيْرَ مَوْجُودَةٍ مِنْهُ فَلْيُصَلِّهَا عَلَى أَصْلِهِمْ أَبَدًا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ : إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ فَمُتَنَاقِضٌ , لاَِنَّهُ إمَّا مَاءٌ وَأَمَّا لَيْسَ مَاءً , فَإِنْ كَانَ مَاءً فَإِنَّهُ لَئِنْ كَانَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ , فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ , لاَِنَّهُ مَاءٌ , وَإِنْ كَانَ لاَ يُجْزِئُ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ , فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ إنْ كَانَ لَيْسَ مَاءً ; لاَِنَّهُ لاَ يُعَوِّضُ مِنْ الْمَاءِ إلاَّ التُّرَابُ , وَإِدْخَالُ التَّيَمُّمِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ ; لإِنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَحِلُّ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءٌ يُجْزِئُ بِهِ الْوُضُوءُ. وقال الشافعي : سُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ الْحَلاَلِ أَكْلُهُ وَالْحَرَامِ أَكْلُهُ طَاهِرٌ , وَكَذَلِكَ لُعَابُهُ حَاشَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ , وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ أَحْكَامِهِ بِأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى أَسْآرِ بَنِي آدَمَ وَلُعَابِهِمْ , فَإِنَّ لُحُومَهُمْ حَرَامٌ , وَلُعَابَهُمْ وَأَسْآرَهُمْ كُلَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ. قَالَ عَلِيٌّ : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لإِنَّ قِيَاسَ سَائِرِ السِّبَاعِ عَلَى الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ إلاَّ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا , وَبِعُمُومِ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ r لَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَقَطْ , فَدَخَلَ الْكَلْبُ فِي جُمْلَتِهَا بِهَذَا النَّصِّ , وَلَوْلاَهُ لَكَانَ حَلاَلاً أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى ابْنِ آدَمَ الَّذِي لاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ; لإِنَّ بَنِي آدَمَ مُتَعَبِّدُونَ , وَالسِّبَاعُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُتَعَبِّدَةٍ , وَإِنَاثُ بَنِي آدَمَ حَلاَلٌ لِذُكُورِهِمْ بِالتَّزْوِيجِ الْمُبَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَاثُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ , وَأَلْبَانُ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ حَلاَلٌ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلْبَانُ إنَاثِ السِّبَاعِ وَالآُتُنِ , فَظَهَرَ خَطَأُ هَذَا الْقِيَاسِ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهَا عَلَى الْهِرِّ , قِيلَ لَهُمْ : وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْهِرِّ دُونَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْكَلْبِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ قِسْتُمْ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْهِرِّ , كَمَا قِسْتُمْ السِّبَاعَ عَلَى الْهِرِّ , هَذَا لَوْ سُلِّمَ لَكُمْ أَمْرُ الْهِرِّ , فَكَيْفَ وَالنَّصُّ الثَّابِتُ الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدَةَ ، عَنْ كَبْشَةَ وَقَدْ وَرَدَ مُبَيِّنًا لِوُجُوبِ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ , فَهَذِهِ مَقَايِيسُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَرَى. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ. 136 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَرَقٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , أَيَّ شَيْءٍ كَانَ , إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ شَيْءٌ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ أَوْ مَيْتَةٌ , فَإِنْ غَيَّرَ ذَلِكَ لَوْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَقَدْ فَسَدَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ أَكْلُهُ , وَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ، وَلاَ بَيْعُهُ , فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ ، وَلاَ مِنْ طَعْمِهِ ، وَلاَ مِنْ رِيحِهِ , فَذَلِكَ الْمَائِعُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَالْوُضُوءُ حَلاَلٌ بِذَلِكَ الْمَاءِ , وَالتَّطَهُّرُ بِهِ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا كَذَلِكَ , وَبَيْعُ مَا كَانَ جَائِزًا بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَلاَلٌ , وَلاَ مَعْنَى لِتَبَيُّنِ أَمْرِهِ , وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ مُخَاطٌ أَوْ بُصَاقٌ إلاَّ أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لاَ يَجْرِي حَرَامٌ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَالاِغْتِسَالُ بِهِ لِفَرْضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ , وَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ شُرْبُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ , إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْبَوْلُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ. وَحَلاَلٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ بِهِ لِغَيْرِهِ. فَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ جَرَى الْبَوْلُ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ , يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالْغُسْلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ , إلاَّ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ الْبَوْلُ أَوْ الْحَدَثُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ الْمَاءِ , فَلاَ يُجْزِئُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلاً لَهُ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ. وَحَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ يُهْرَقُ ، وَلاَ بُدَّ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِهِ , وَحَاشَا السَّمْنَ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَيِّتًا أَوْ يَمُوتُ فِيهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْهُ حَيًّا ذَكَرًا كَانَ الْفَأْرُ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَائِبًا حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ , أَوْ حِينَ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا أَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَيًّا أُهْرِقَ كُلُّهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفِ قِنْطَارٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَمْ يَحِلَّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجْمُدْ وَإِنْ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا جَامِدًا وَاتَّصَلَ جُمُودُهُ , فَإِنَّ الْفَأْرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَمَا حَوْلَهُ وَيُرْمَى , وَالْبَاقِي حَلاَلٌ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَالاِدِّهَانُ بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ , وَحَاشَا الْمَاءَ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ r ، عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بُرْهَانُ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ. وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَجَّسَهُ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِبَاحَتِهِ أَوْ تَطْهِيرِهِ , وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى , وَقَالَ تَعَالَى ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ، وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا أَنَّ الطَّاهِرَ لاَ يَنْجَسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجِسِ , وَأَنَّ النَّجِسَ لاَ يَطْهُرُ بِمُلاَقَاةِ الطَّاهِرِ. وَأَنَّ الْحَلاَلَ لاَ يُحَرَّمُ بِمُلاَقَاةِ الْحَرَامِ وَالْحَرَامَ لاَ يَحِلُّ بِمُلاَقَاةِ الْحَلاَلِ بَلْ الْحَلاَلُ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ وَالْحَرَامُ حَرَامٌ كَمَا كَانَ , وَالطَّاهِرُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَالنَّجِسُ نَجِسٌ كَمَا كَانَ , إلاَّ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ بِإِحَالَةِ حُكْمٍ مِنْ ذَلِكَ فَسَمْعًا وَطَاعَةً. وَإِلاَّ فَلاَ. وَلَوْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمَا يُلاَقِيهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ مَا طَهُرَ شَيْءٌ أَبَدًا , لاَِنَّهُ كَانَ إذَا صُبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ لِغَسْلِهَا يَنْجَسُ عَلَى قَوْلِهِمْ ، وَلاَ بُدَّ , وَإِذَا تَنَجَّسَ وَجَبَ تَطْهِيرُهُ , وَهَكَذَا أَبَدًا , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَنَجَّسَ الْبَحْرُ وَالأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا ; لاَِنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي يُمَاسُّهُ أَيْضًا , ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مَا مَسَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ أَبَدًا , وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ : لاَ يَتَنَجَّسُ. تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ وَتَنَاقَضُوا , وَفِي إجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى بُطْلاَنِ ذَلِكَ وَعَلَى تَطْهِيرِ الْمَخْرَجِ وَالدَّمِ فِي الْفَمِ وَالثَّوْبِ وَالْجِسْمِ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لاَ نَجَاسَةَ إلاَّ مَا ظَهَرَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ , وَلاَ يُحَرَّمُ إلاَّ مَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَطْ , وَسَائِرُ قَوْلِهِمْ فَاسِدٌ. فَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ وَبَيْنَ الَّذِي تَرِدُهُ النَّجَاسَةُ. زَادُوا فِي التَّخْلِيطِ بِلاَ دَلِيلٍ. وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ بِمَا مَازَجَهُ مِنْ نَجِسٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِذَلِكَ , أَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ بِذَلِكَ , فَإِنَّنَا حِينَئِذٍ لاَ نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَلاَلِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ , وَاسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي الصَّلاَةِ حَرَامٌ كَمَا قلنا , وَلِذَلِكَ وَجَبَ الاِمْتِنَاعُ مِنْهُ , لاَ لإِنَّ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ حُرِّمَ ، وَلاَ تَنَجَّسَتْ عَيْنُهُ , وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَخْلِيصِ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ مِنْ الْحَرَامِ وَالنَّجَسِ , لَكَانَ حَلاَلاً بِحَسَبِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ عَلَى جِرْمٍ طَاهِرٍ فَأَزَلْنَاهَا , فَإِنَّ النَّجِسَ لَمْ يَطْهُرْ وَالْحَرَامُ لَمْ يَحِلَّ , لَكِنَّهُ زَايَلَ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ , فَقَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَسْتَعْمِلَهُ حِينَئِذٍ حَلاَلاً طَاهِرًا كَمَا كَانَ. وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ , فَبَطَلَ عَنْهُ الاِسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ , وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَلاَلٍ طَاهِرٍ , فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجِسَ ، وَلاَ الْحَرَامَ , بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ. وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ الْحَلاَلِ الطَّاهِرِ , فَبَطَلَ عَنْهُ الاِسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ , وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ , فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْحَلاَلَ الطَّاهِرَ , بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ كَالْعَصِيرِ يَصِيرُ خَمْرًا , أَوْ الْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا , أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَأْكُلُهُ دَجَاجَةٌ يَسْتَحِيلُ فِيهَا لَحْمَ دَجَاجٍ حَلاَلاً وَكَالْمَاءِ يَصِيرُ بَوْلاً , وَالطَّعَامِ يَصِيرُ عَذِرَةً , وَالْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ تُدْهَنُ بِهِمَا الأَرْضُ فَيَعُودَانِ ثَمَرَةً حَلاَلاً , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ , وَكَنُقْطَةِ مَاءٍ تَقَعُ فِي خَمْرٍ أَوْ نُقْطَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي مَاءٍ , فَلاَ يَظْهَرُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَثَرٌ , وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ , وَالأَحْكَامُ لِلأَسْمَاءِ وَالأَسْمَاءُ تَابِعَةٌ لِلصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ حَدُّ مَا هِيَ فِيهِ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ. وَأَمَّا إبَاحَةُ بَيْعِهِ وَالاِسْتِصْبَاحِ بِهِ , فَإِنَّمَا بَيْعُ الْجِرْمِ الْحَلاَلِ لاَ مَا مَازَجَهُ مِنْ الْحَرَامِ , وَبَيْعُ الْحَلاَلِ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ قَبْلُ. وَمَنْ ادَّعَى خِلاَفَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَمِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمَائِعَاتِ تَقَعُ فِيهَا النَّجَاسَةُ وَالاِنْتِفَاعَ بِهَا : عَلِيٌّ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ. فإن قيل : فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ ، وَلاَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلاَ ثَمَنٍ , فَكِتْمَانُهُ ذَلِكَ غِشٌّ , وَالْغِشُّ حَرَامٌ , وَالدِّينُ النَّصِيحَةُ. قلنا نَعَمْ , كَمَا أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَسْتَسْهِلُ أَنْ يَأْخُذَ مَائِعًا وَقَعَتْ فِيهِ مَخْطَةُ مَجْذُومٍ , أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ , وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلاَ ثَمَنٍ , وَهَذَا عِنْدَ الْجَامِدِينَ مِنْ خُصُومِنَا لاَ مَعْنَى لَهُ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا غِشًّا , إنَّمَا الْغِشُّ مَا كَانَ فِي الدِّينِ , وَالنَّصِيحَةُ كَذَلِكَ , لاَ فِي الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُخَالِفَةِ لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. عَلَى أَنَّ فِي الْقَائِلِينَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبُصَاقَ نَجِسٌ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الأَرْضِ مَمْلُوءَةً مِنْ مِثْلِ مَنْ قَلَّدَهُ هَؤُلاَءِ الْمُتَأَخِّرُونَ , كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ سَلْمَانَ هُوَ الْفَارِسِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : " إذَا بَصَقْتَ عَلَى جِلْدِك وَأَنْتَ مُتَوَضِّئٌ فَإِنَّ الْبُصَاقَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَلاَ تُصَلِّ حَتَّى تَغْسِلَهُ ". قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ ، عَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : الْبُصَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ , وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r . فأما حُكْمُ الْبَائِلِ فَلِمَا حَدَّثَنَا أحمد بن القاسم حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حدثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ. فَلَوْ أَرَادَ عليه السلام أَنْ يَنْهَى ، عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ الْبَائِلِ لَمَا سَكَتَ ، عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا ، وَلاَ نِسْيَانًا ، وَلاَ تَعْنِيتًا لَنَا بِأَنْ يُكَلِّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُبْدِهِ لَنَا مِنْ الْغَيْبِ , فأما أَمْرُ الْكَلْبِ فَقَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِيهِ. وَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ : حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r ، عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ قَالَ : إذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَقَدْ كَانَ مَعْمَرٌ يَذْكُرُهُ أَيْضًا ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ : وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : الْفَأْرَةُ وَالْحَيَّةُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْحَمَامَةُ وَالْعِرْسُ أَسْمَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وُقُوعَهُ عَلَى الآُنْثَى , وَفِي قَوْلِهِ r : أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا. بُرْهَانٌ بِأَنَّهَا لاَ تَكُونُ إلاَّ مَيِّتَةً , إذْ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَّةِ. فإن قيل : فَإِنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ رَوَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ : وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا أَوْ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أَوْ قَالَ : انْتَفِعُوا بِهِ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : عَبْدُ الْوَاحِدِ قَدْ شَكَّ فِي لَفْظَةِ الْحَدِيثِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْهُ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَأَيْضًا فَلَمْ يُخْتَلَفْ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مَيْمُونَةَ. وَمَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِالضَّبْطِ مِمَّنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا فَهُوَ أَنَّ كِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ , فأما رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَمُوَافِقَةٌ لِمَا كُنَّا نَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ; لإِنَّ الأَصْلَ إبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِالسَّمْنِ وَغَيْرِهِ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَشَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ , وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَعَادَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَأَبْطَلَ حُكْمَ النَّاسِخِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ بَيَانًا يَرْفَعُ بِهِ الإِشْكَالَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ فَبَطَلَ حُكْمُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ فِيهِ قَالَ : إنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحْهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلْ بَقِيَّتَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَهْرِقْهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْمَأْخُوذُ مِمَّا حَوْلَهَا هُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ وَأَرَقُّهُ غِلَظًا , لإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا حَوْلَهَا , وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهِ وَالْمَنْهِيِّ ، عَنْ تَضْيِيعِهِ. فإن قيل : فَقَدْ رُوِيَ : خُذُوا مِمَّا حَوْلَهَا قَدْرَ الْكَفِّ. قِيلَ : هَذَا إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلاً مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ وَهُوَ كَذَّابٌ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَطْ , وَمِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , وَشَرِيكٌ ضَعِيفٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَلَوْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ , فَكَيْفَ مِنْ رِوَايَةِ الضُّعَفَاءِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ , وَلاَ لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ، وَلاَ لِغَيْرِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ بِحُكْمِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ , لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ , وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ r حُكْمًا فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ثُمَّ يَسْكُتَ عَنْهُ ، وَلاَ يُخْبِرَنَا بِهِ , وَيَكِلَنَا إلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْقَوْلِ بِمَا لاَ نَعْلَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَمَا يَعْجَزُ عليه السلام قَطُّ ، عَنْ أَنْ يَقُولَ لَوْ أَرَادَ : إذَا وَقَعَ النَّجِسُ أَوْ الْحَرَامُ فِي الْمَائِعِ فَافْعَلُوا كَذَا , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَ عليه السلام بَيَانَ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِهِ. هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الْمَقْطُوعُ عَلَى بُطْلاَنِهِ بِلاَ شَكٍّ. فإن قيل : فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ ، عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي وَدَكٍ فَقَالَ عليه السلام : اطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا إنْ كَانَ جَامِدًا , قِيلَ : وَإِنْ كَانَ مَائِعًا قَالَ : فَانْتَفِعُوا بِهِ ، وَلاَ تَأْكُلُوهُ. قلنا : هَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلاَّ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ , وَهُوَ لاَ شَيْءَ , ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ , وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ الْفَأْرُ فِي الْوَدَكِ فَقَطْ , وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْوَدَكَ فِي اللُّغَةِ لِلسَّمْنِ وَالْمَرَقِ خَاصَّةً وَالدَّسَمَ لِلشَّحْمِ. وقال أبو حنيفة : إنْ وَقَعَتْ خَمْرٌ أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ نُجِّسَ كُلُّهُ قَلَّتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ , وَوَجَبَ هَرْقُهُ كُلِّهِ وَلَمْ تَجُزْ صَلاَةُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ , وَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ كَثُرَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ قَلَّ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ إذَا حَرَّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الآخَرُ , فَإِنَّهُ طَاهِرٌ حِينَئِذٍ , وَجَائِزٌ التَّطَهُّرُ بِهِ وَشُرْبُهُ , فَإِنْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ حُرِّمَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَجَازَ الاِسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالاِنْتِفَاعُ بِهِ وَبَيْعُهُ , فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ فِي بِئْرٍ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُصْفُورًا فَمَاتَ , أَوْ فَأْرَةً فَمَاتَتْ , فَأُخْرِجَا , فَإِنَّ الْبِئْرَ قَدْ تَنَجَّسَتْ , وَطَهُورُهَا أَنْ يُسْتَقَى مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ. فَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً أَوْ سِنَّوْرًا فَأُخْرِجَا حِينَ مَاتَا فَطَهُورُهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ , فَإِنْ كَانَتْ شَاةً فَأُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ أَوْ بَعْدَمَا انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ , أَوْ لَمْ تُخْرَجْ الْفَأْرَةُ ، وَلاَ الْعُصْفُورُ ، وَلاَ الدَّجَاجَةُ أَوْ السِّنَّوْرُ إلاَّ بَعْدَ الاِنْتِفَاخِ أَوْ الاِنْفِسَاخِ , فَطَهُورُ الْبِئْرِ أَنْ تُنْزَحَ , وَحَدُّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَغْلِبَهُ الْمَاءُ , وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِائَتَا دَلْوٍ , فَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ سِنَّوْرٌ أَوْ فَأْرٌ أَوْ حَنَشٌ فَأُخْرِجَ ذَلِكَ وَهِيَ أَحْيَاءٌ , فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا , فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ فَأُخْرِجَا حَيَّيْنِ فَلاَ بُدَّ مِنْ نَزْحِ الْبِئْرِ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ , فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي الْبِئْرِ وَجَبَ نَزْحُهَا حَتَّى يَغْلِبَهُمْ , قَلَّ الْبَوْلُ أَوْ كَثُرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهَا بَعِيرٌ عِنْدَهُمْ , فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الإِبِلِ أَوْ بَعْرِ الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ خُرْءُ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهَا مَيْتَةً : فَأْرَةً أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادَ صَلاَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْفَسَخَتْ أَعَادَ صَلاَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا , فَإِنْ كَانَ طَائِرًا رَأَوْهُ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ , فَإِنْ أُخْرِجَ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ لَمْ يُعِيدُوا شَيْئًا وَإِنْ أُخْرِجَ مُتَفَسِّخًا أَعَادُوا صَلاَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. فَإِنْ رُمِيَ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ فِي بِئْرٍ نُزِحَتْ كُلُّهَا , فَلَوْ رُمِيَ فِي بِئْرٍ عَظْمُ مَيْتَةٍ , فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَحْمٌ أَوْ دَمٌ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا وَوَجَبَ نَزْحُهَا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَحْمٌ لَمْ تَتَنَجَّسْ الْبِئْرُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَظْمُ خِنْزِيرٍ أَوْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِنْزِيرٍ , فَإِنَّ الْبِئْرَ كُلَّهَا تَتَنَجَّسُ وَيَجِبُ نَزْحُهَا , كَانَ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ أَوْ دَسَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي مَاءٍ فِي طَسْتٍ وَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ , فَلَوْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ فِي طَسْتٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَصَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ , قَالَ أَبُو يُوسُفَ : قَدْ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا كَمَا يُنْزَحُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ , فَلَوْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةِ مَاءٍ فَمَاتَتْ , فَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ , فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ : يُنْزَحُ مِنْهَا مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُنْزَحُ الأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ مِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فَرُمِيَتْ الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ وَرُمِيَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ أُخْرَى , فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تُخْرَجُ وَيُخْرَجُ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ وَيُخْرَجُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ الآُخْرَى مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا وَعِشْرُونَ دَلْوًا زِيَادَةً فَقَطْ , فَلَوْ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَتْ وَأُخْرِجَ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا , ثُمَّ رُمِيَتْ الْفَأْرَةُ وَتِلْكَ الْعِشْرُونَ دَلْوًا مَعَهَا فِي بِئْرٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُخْرَجُ الْفَأْرَةُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ. قَالُوا : فَلَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ ضُفْدَعٌ أَوْ ذُبَابٌ أَوْ زُنْبُورٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ جَرَادٌ أَوْ نَمْلٌ أَوْ صَرَّارٌ أَوْ سَمَكٌ فَطَفَا أَوْ كُلُّ مَا لاَ دَمَ لَهُ , فَإِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ جَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ , وَالسَّمَكُ الطَّافِي عِنْدَهُمْ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ فَهُوَ طَاهِرٌ حَلاَلٌ أَكْلُهُ , قَالُوا : فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَائِعٍ غَيْرِهِ حَيَّةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْمَاءُ وَذَلِكَ الْمَائِعُ , لإِنَّ لَهَا دَمًا , فَإِنْ ذُبِحَ كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ أَوْ سَبُعٌ ثُمَّ رُمِيَ كُلُّ ذَلِكَ فِي رَاكِدٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ ذَلِكَ الْمَاءُ , وَإِنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْخِنْزِيرَ وَابْنَ آدَمَ , فَإِنَّهُمَا وَإِنْ ذُبِحَا يُنَجِّسَانِ الْمَاءَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَمَنْ يَقُولُ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِي كَثِيرٌ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْمُبَرْسَمُ أَشْبَهُ مِنْهَا أَلاَ يَسْتَحِي مِنْ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ r وَمُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فِي فَهْمِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ r وَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَكِنْ مَا رَأَيْنَا سُنَّةً مُضَاعَةً , إلاَّ وَمَعَهَا بِدْعَةٌ مُذَاعَةٌ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَوْ تُتُبِّعَ مَا فِيهَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَقَامَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ سِفْرٌ ضَخْمٌ , إذْ كُلُّ فَصْلٍ مِنْهَا مُصِيبَةٌ فِي التَّحَكُّمِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ , وَإِنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ يَقُلْهَا قَطُّ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ , وَلاَ لَهَا حَظٌّ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ يُعْقَلُ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ , وَلاَ مِنْ بَاطِلٍ مُطَّرِدٍ , وَلَكِنْ مِنْ بَاطِلٍ مُتَخَاذِلٍ فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا بِرِوَايَةٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا نَزَحَا زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ : وَكُلُّ مَا رُوِيَ ، عَنْ هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ وَهَؤُلاَءِ التَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، فَمُخَالِفٌ لاَِقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ : إنَّهُ يُنْزَحُ مَاؤُهَا ، أَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَقُطِّعَتْ : يُخْرَجُ مِنْهَا سَبْعُ دِلاَءٍ , فَإِنْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ كَهَيْئَتِهَا لَمْ تَتَقَطَّعْ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ أَوْ دَلْوَانِ , فَإِنْ كَانَتْ مُنْتِنَةً يُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ مَا يُذْهِبُ الرِّيحَ , وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلاً. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما , فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنِ النَّبِيِّ r لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَرْضُ نَزْحِ الْبِئْرِ مِمَّا يَقَعُ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ , فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ عليه السلام , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمَا أَوْجَبَا نَزْحَهَا ، وَلاَ أَمَرَا بِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُمَا قَدْ يَفْعَلاَنِهِ ، عَنْ طِيبِ النَّفْسِ , لاَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : قَدْ غَلَبَتْنَا عَيْنٌ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ , فَأَعْطَاهُمْ كِسَاءَ خَزٍّ فَحَشَوْهُ فِيهَا حَتَّى نَزَحُوهَا , وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ , لإِنَّ حَدَّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ فَقَطْ , وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِائَتَا دَلْوٍ فَقَطْ , وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ يَقْضِي بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً ثُمَّ يَكُونُ الْمُحْتَجُّ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا رضي الله عنهما أَمَرَا بِنَزْحِهَا لَمَا كَانَ لِلْحَنَفِيِّينَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ , إلاَّ أَنَّ زَمْزَمَ تَغَيَّرَتْ بِمَوْتِ الزِّنْجِيِّ. وَهَذَا قَوْلُنَا , وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ الْخَبَرِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَرْبَعٌ لاَ تُنَجَّسُ , الْمَاءُ وَالثَّوْبُ وَالإِنْسَانُ وَالأَرْضُ. وَقَدْ رُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا. وَأَمَّا التَّابِعُونَ الْمَذْكُورُونَ , فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ : فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَفِي السِّنَّوْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا , وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الدَّجَاجَةِ سَبْعُونَ دَلْوًا , وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي السِّنَّوْرِ ثَلاَثُونَ دَلْوًا , وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلاَثُونَ دَلْوًا. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا , وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا , وَقَالَ عَطَاءٌ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا , وَفِي الشَّاةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا , فَإِنْ تَفَسَّخَتْ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ , وَفِي الْكَلْبِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ , إنْ أُخْرِجَ مِنْهَا حَيًّا عِشْرُونَ دَلْوًا , فَإِنْ مَاتَ فَأُخْرِجَ حِينَ مَوْتِهِ فَسِتُّونَ دَلْوًا , فَإِنْ تَفَسَّخَ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ , فَهَلْ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ قَوْلٌ يُوَافِقُ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلاَّ قَوْلَ عَطَاءٍ فِي الْفَأْرَةِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ فِي السِّنَّوْرِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ أَيْضًا تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ , فَلَمْ يَحْصُلُوا إلاَّ عَلَى خِلاَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَلاَ تَعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ أَوْ الْمَقَايِيسِ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا أَوْرَدْنَا عَنْهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ : إنَّ مَاءَ وُضُوءِ الْمُسْلِمِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ أَنْجَسُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ وَلَوْ أَوْرَدْنَا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ لاََلْزَمْنَاهُمْ ذَلِكَ فِي وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ r فأما أَنْ يَتْرُكُوا قَوْلَهُمْ , وَأَمَّا أَنْ يَخْرُجُوا ، عَنِ الإِسْلاَمِ أَوْ فِي وُضُوءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، رضي الله عنهم. وَقَوْلُهُمْ : إنْ حُرِّكَ طَرَفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الآخَرُ , فَلَيْتَ شِعْرِي هَذِهِ الْحَرَكَةُ بِمَاذَا تَكُونُ أَبِإِصْبَعِ طِفْلٍ , أَمْ بِتَبِنَةٍ , أَوْ بِعُودِ مِغْزَلٍ , أَوْ بِعَوْمِ عَائِمٍ , أَوْ بِوُقُوعِ فِيلٍ , أَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرِ مَنْجَنِيقٍ , أَوْ بِانْهِدَامِ جُرْفٍ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْ هَذِهِ التَّخَالِيطِ , لاَ سِيَّمَا فَرْقُهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ , فَإِنْ ادَّعَوْا فِيهِ إجْمَاعًا , قلنا لَهُمْ : كَذَبْتُمْ , هَذَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ : إنَّ كُلَّ مَاءٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ غَدِيرًا إذَا حُرِّكَ وَسَطُهُ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَطْرَافُهُ. وقال مالك فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الدَّجَاجَةُ فَتَمُوتُ فِيهَا : إنَّهُ يُنْزَفُ إلاَّ أَنْ تَغْلِبَهُمْ كَثْرَةُ الْمَاءِ , وَلاَ يُؤْكَلُ طَعَامٌ عُجِنَ بِهِ , وَيُغْسَلُ مِنْ الثِّيَابِ مَا غُسِلَ بِهِ , وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ صَلاَةً صَلاَّهَا مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ. قَالَ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ الْوَزَغَةُ أَوْ الْفَأْرَةُ فَمَاتَتَا إنَّهُ يُسْتَقَى مِنْهَا حَتَّى تَطِيبَ , يَنْزِفُونَ مِنْهَا مَا اسْتَطَاعُوا , فَلَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ فَإِنَّ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ , فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ , تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ , فَإِنْ بُلَّ فِي الْمَاءِ خُبْزٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ , وَأَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَبَدًا , فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ طَاهِرٍ , أَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَبَدًا , فَلَوْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ فِي مَاءٍ أَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ , وَيُؤْكَلُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُشْرَبُ , وَذَلِكَ نَحْوُ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَّارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالسَّرَطَانِ وَالضُّفْدَعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ : قَلِيلُ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ , وَيَتَيَمَّمُ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ لَمْ يُعِدْ إلاَّ فِي الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ : إنْ كَانَ فَرَّقَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الْوَزَغَةُ وَالْفَأْرَةُ وَبَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الدَّجَاجَةُ فَهُوَ خَطَأٌ , لاَِنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَإِنْ كَانَ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ , إذْ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَعْمُولِ بِذَلِكَ الْمَاءِ , وَإِذْ أَمَرَ بِغَسْلِ مَا مَسَّهُ مِنْ الثِّيَابِ , ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ إلاَّ فِي الْوَقْتِ , وَهَذَا عِنْدَهُ اخْتِيَارٌ لاَ إيجَابٌ , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ , فَأَيُّ مَعْنًى لِلتَّطَوُّعِ فِي إصْلاَحِ مَا فَسَدَ مِنْ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ قَالَ إنَّ لِذَلِكَ مَعْنًى , قِيلَ لَهُ : فَمَا الَّذِي يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَمَا الْوَجْهُ الَّذِي رَغَّبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِهِ فِي أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي الْوَقْتِ , وَلَمْ تُرَغِّبُوهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ فَرْضًا , فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا الَّذِي أَسْقَطَهَا عَنْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلاَةَ الْفَرْضَ يُؤَدِّيهَا التَّارِكُ لَهَا فَرْضًا ، وَلاَ بُدَّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ تَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بَيْنَ مَا لاَ دَمَ لَهُ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ وَفِي. الْمَائِعَاتِ وَبَيْنَ مَا لَهُ دَمٌ يَمُوتُ فِيهَا وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٌ ، وَلاَ مَعْقُولٌ , وَالْعَجَبُ مِنْ تَحْدِيدِهِمْ ذَلِكَ بِمَا لَهُ دَمٌ وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْبُرْغُوثَ لَهُ دَمٌ وَالذُّبَابَ لَهُ دَمٌ. فَإِنْ قَالُوا : أَرَدْنَا مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ , قِيلَ : وَهَذَا زَائِدٌ فِي الْعَجَبِ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا التَّقْسِيمُ بَيْنَ الدِّمَاءِ فِي الْمَيْتَاتِ وَأَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا وَمَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَيْتَةٍ فَهِيَ حَرَامٌ , وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ , وَالْبُرْغُوثُ الْمَيِّتُ وَالذُّبَابُ الْمَيِّتُ وَالْعَقْرَبُ الْمَيِّتُ وَالْخُنْفُسَاءُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ هَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَصْنَافِ الْمَيْتَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَكْلِ الْبَاقِلاَءِ الْمَطْبُوخِ وَفِيهِ الدَّقْشُ الْمَيِّتُ , وَعَلَى أَكْلِ الْعَسَلِ وَفِيهِ النَّحْلُ الْمَيِّتُ وَعَلَى أَكْلِ الْخَلِّ وَفِيهِ الدُّودُ الْمَيِّتُ , وَعَلَى أَكْلِ الْجُبْنِ وَالتِّينِ كَذَلِكَ , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِمَقْلِ الذُّبَابِ فِي الطَّعَامِ. قِيلَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنْ كَانَ الإِجْمَاعُ صَحَّ بِذَلِكَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ , وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ يَمُوتُ فِيهِ الذُّبَابُ كَمَا زَعَمْتُمْ , فَإِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَى مَا صَحَّ بِهِ الإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَ بِهِ الْخَبَرُ خَاصَّةً. وَيَكُونُ مَا عَدَا ذَلِكَ بِخِلاَفِهِ , إذْ أَصْلُكُمْ أَنَّ مَا لاَقَى الطَّاهِرَاتِ مِنْ الأَنْجَاسِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهَا , وَمَا خَرَجَ ، عَنْ أَصْلِهِ عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ سَائِغًا أَوْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ طَائِرٍ , وَعَلَى الدَّقْشِ كُلَّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْجُلٍ , وَعَلَى الدُّودِ كُلَّ مُنْسَابٍ. وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ مَا لاَ دَمَ لَهُ فَأَخْطَأْتُمْ مَرَّتَيْنِ : إحْدَاهُمَا أَنَّ الذُّبَابَ لَهُ دَمٌ , وَالثَّانِيَةُ اقْتِصَارُكُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لاَ دَمَ لَهُ , دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ ذِي جَنَاحَيْنِ أَوْ كُلَّ ذِي رُوحٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ. قِيلَ لَهُمْ : وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عُمُومُ الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَى الْفَأْرِ كُلَّ ذِي ذَنَبٍ طَوِيلٍ , أَوْ كُلَّ حَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ السِّبَاعِ وَهَذَا مَا لاَ انْفِصَالَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ حُكْمِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَهُوَ النَّجَسُ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَبَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّمَ فَمِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ النَّجَاسَةَ لِلدَّمِ دُونَ الْمَيْتَةِ وَأَغْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيْتَةَ لاَ دَمَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ , لاَِنَّهُ رَأَى التَّيَمُّمَ أَوْلَى مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ. فَوَجَبَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَهُ لَيْسَ مُتَوَضِّئًا , ثُمَّ لَمْ يَرَ الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ , وَهُوَ عِنْدَهُ مُصَلٍّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ. وقال الشافعي : إذَا كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ جَارٍ , فَسَوَاءٌ الْبِئْرُ وَالإِنَاءُ وَالْبُقْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ , بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ , فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ كُلُّ نَجَسٍ وَقَعَ فِيهِ وَكُلُّ مَيْتَةٍ , سَوَاءٌ مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ , كُلُّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ نَجِسٌ يُفْسِدُ مَا وَقَعَ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ إلاَّ مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ نُجِّسَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ , كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلاً. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ صَاحِبُهُ : جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ , إذَا كَانَ الْمَائِعُ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ , إلاَّ أَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ , فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ يُنَجَّسُ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْوَاجِبُ ، وَلاَ بُدَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إنَاءً فِيهِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ فَوَقَعَ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّهُ نَجِسٌ حَرَامٌ ، وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ فِيهِ أَثَرٌ , فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ رَطْلُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ , فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ وَيَجُوزُ شُرْبُهُ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِالْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَهَرْقِهِ , وَبِأَمْرِهِ r مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ بِغَسْلِ يَدِهِ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ , وَبِأَمْرِهِ r الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ أَلاَّ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ ، وَلاَ يَغْتَسِلَ , وَبِقَوْلِهِ r : إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ. قَالُوا : فَدَلَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا مَا. قَالُوا فَكَانَتْ الْقُلَّتَانِ حَدًّا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيمَا لاَ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مِنْهُ , وَاحْتَجَّ بِهَذَا أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ , فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : الْقُلَّةُ أَعْلَى الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْقُلَّتَيْنِ هَهُنَا الْقَامَتَانِ , وقال الشافعي بِمَا رَوَى ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : إنَّ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ قِلاَلِ هَجَرَ , وَإِنَّ قِلاَلَ هَجَرَ الْقُلَّةُ الْوَاحِدَةُ قِرْبَتَانِ أَوْ قِرْبَتَانِ وَشَيْءٌ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقِرْبَةُ مِائَةُ رَطْلٍ , وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا أَكْثَرَ مِنْ ، أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً : الْقُلَّتَانِ أَرْبَعُ قِرَبٍ , وَمَرَّةً قَالَ : خَمْسُ قِرَبٍ , وَلَمْ يَحُدَّهَا بِأَرْطَالٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ : الْقُلَّتَانِ سِتُّ قِرَبٍ , وَقَالَ وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ : الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ فَهِيَ قُلَّةٌ , وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ , قَالَ مُجَاهِدٌ الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ , وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْقُلَّةِ حَدًّا. وَأَظْرَفُ شَيْءٍ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مَضَى وَخَلْفَهُ طَاهِرٌ : فَقَدْ عَلِمُوا يَقِينًا أَنَّ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ إذَا انْحَدَرَ فَإِنَّمَا يَنْحَدِرُ كَمَا هُوَ , وَهُمْ يُبِيحُونَ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ فِي انْحِدَارِهِ فَتَطَهَّرَ بِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَيَشْرَبَ , وَالنَّجَاسَةُ قَدْ خَالَطَتْهُ بِلاَ شَكٍّ , فَوَقَعُوا فِي نَفْسِ مَا شَنَّعُوا وَأَنْكَرُوا. فَإِنْ قَالُوا : لَمْ نَحْتَجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي إلاَّ بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ ، عَنِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ. قلنا : صَدَقْتُمْ , وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَبِذَلِكَ الأَمْرِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَرَّقْنَا نَحْنُ بَيْنَ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْبَائِلُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ غَيْرُ الْبَائِلِ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ قَبُولِ مَا عَدَا الْمَاءَ لِلنَّجَاسَةِ قال علي : هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , مَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا , وَكُلُّ هَذِهِ الأَحَادِيثِ صِحَاحٌ ثَابِتَةُ لاَ مَغْمَزَ فِيهَا. وَكُلُّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا , عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ , وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا كُلِّهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا حَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الإِنَاءِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ خَالَفُوهُ جِهَارًا , فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِغَسْلِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ , فَقَالُوا هُمْ : لاَ بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلٍ هُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ فَتَرَكُوا مَا فِيهِ وَادَّعَوْا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْطَئُوا مَرَّتَيْنِ. أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ : لاَ يُهْرَقُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَاءً فَخَالَفَ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَلاَنِيَةً وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لاَ يُتَعَدَّى بِهِ إلَى سِوَاهُ وَأَنَّهُ لاَ يُقَاسُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ , وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ إذْ مَنْ ادَّعَى خِلاَفَ هَذَا فَقَدْ زَادَ فِي كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ r مَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام قَطُّ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ مَا فِي الإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ فَلاَ يُهْرَقُ ، وَلاَ يُغْسَلُ الإِنَاءُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ الْمَاءِ أُهْرِقَ بَالِغًا مَا بَلَغَ. هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ , فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ وَزَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أُهْرِقَ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ , وَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي كَلاَمِهِ عليه السلام أَصْلاً , وَقَالَ : إنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ خِنْزِيرٌ كَانَ فِي حُكْمِهِ حُكْمَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ : يُغْسَلُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. قَالَ فَإِنْ وَلَغَ فِيهِ سَبُعٌ لَمْ يُغْسَلْ أَصْلاً ، وَلاَ أُهْرِقَ. فَقَاسَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ , وَلَمْ يَقِسْ السِّبَاعَ عَلَى الْكَلْبِ وَهُوَ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْكَلْبُ بِعُمُومِ النَّهْيِ ، عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. فَقَدْ ظَهَرَ خِلاَفُ أَقْوَالِهِمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَمُوَافَقَتُنَا نَحْنُ لِمَا فِيهِ , فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا , وَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبُطْلاَنُهُ , وَأَنَّهُ دَعَاوَى لاَ دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا. وَأَمَّا الْخَبَرُ فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ , فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ , وَقَائِلُونَ إنَّ هَذَا لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ. وَقُلْنَا نَحْنُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ إنَّ النَّجَاسَاتِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فِي قَبُولِ الْمَاءِ لَهَا وَفَرَّقُوا بِهَا بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ وَبَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُزَالُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جِهَارًا , لإِنَّ فِي أَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الإِنَاءِ بِسَبْعِ غَسَلاَتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي الآخَرِ تَطْهِيرَ الْيَدِ بِثَلاَثِ غَسَلاَتٍ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فِي النَّجَاسَاتِ , وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ دَلِيلَيْنِ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُسْتَعْمَلاً فِي إزَالَةِ النَّجَاسَاتِ , فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ مَا ظُنَّتْ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ لاَ يَطْهُرُ إلاَّ بِثَلاَثِ غَسَلاَتٍ , وَإِذَا تُيُقِّنَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا اُكْتُفِيَ فِي إزَالَتِهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ , فَهَذَا قَوْلُهُمْ الَّذِي لاَ شُنْعَةَ أَشْنَعُ مِنْهُ , وَهُمْ يَدَّعُونَ إنْفَاذَ حُكْمِ الْعُقُولِ فِي قِيَاسَاتِهِمْ , وَلاَ حُكْمَ أَشَدُّ مُنَافَرَةً لِلْعَقْلِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ , وَلَوْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ r لَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقُلْنَا : هُوَ الْحَقُّ , لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَجَبَ إطْرَاحُهُ وَالرَّغْبَةُ عَنْهُ , وَأَنْ نُوقِنَ بِأَنَّهُ الْبَاطِلُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لِلْمُتَنَبِّهِ بِغَسْلِ الْيَدِ ثَلاَثًا خَوْفَ أَنْ تَقَعَ عَلَى نَجَاسَةٍ , إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ رِجْلُهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِهِ وَلَكَانَ بَاطِنُ فَخْذَيْهِ وَبَاطِنُ أَلْيَتَيْهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ يَدِهِ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَمُوَافِقٌ لَنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ أَيْضًا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً , وَصَحَّ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَصَحَّ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لاَ يُجْعَلاَنِ أَصْلاً لِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ , وَأَلاَّ يُقَاسَ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ عَلَى حُكْمِهِمَا , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِمَا. وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ، عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلَ , فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ الْمَاءُ بِرْكَةً إذَا حُرِّكَ طَرَفُهَا الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ طَرَفُهَا الآخَرُ. فَإِنَّهُ لَوْ بَالَ فِيهَا مَا شَاءَ أَنْ يَبُولَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَيَغْتَسِلَ , فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا ، وَلاَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ , وَخَالَفَ الْحَدِيثَ فِيمَا فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ لِلْبَائِلِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ فَخَالَفَ الْحَدِيثَ كَمَا خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَزَادَ فِيهِ كَمَا زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَمَّا مَالِكٌ فَخَالَفَهُ كُلَّهُ. قَالَ : إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِبَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ , وَقَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لِمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَخَذْنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ خَالَفُوهُ ; لإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَبَاحُوا الاِسْتِصْبَاحَ بِهِ , وَفِي الْحَدِيثِ لاَ تَقْرَبُوهُ وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ وَصَحَّ خِلاَفُهُمْ لَهَا , وَأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ. فإن قيل : فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الآثَارِ إنْ كَانَتْ لاَ تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ وَمَا فَائِدَتُهَا قلنا : مَعْنَاهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهَا , لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ كَلاَمُهُ , فَكَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ r الَّذِي جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَهِيَ أَعْظَمُ فَائِدَةٍ , وَهِيَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ لَهَا , وَلِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً. أُوِّلَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا حَدًّا بَيْنَ مَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ وَبَيْنَ مَا لاَ يَقْبَلُهَا لَمَا أَهْمَلَ أَنْ يَحُدَّهَا لَنَا بِحَدٍّ ظَاهِرٍ لاَ يُحِيلُ , وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُوجَبُ عَلَى الْمَرْءِ وَيُوَكَّلُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَتْ كُلُّ قُلَّتَيْنِ صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا حَدًّا فِي ذَلِكَ. فأما أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا : الْقُلَّةُ الْقَامَةُ , وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ تَأْوِيلَهُمْ الْفَاسِدَ لإِنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَامَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ تُنَجَّسُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ حَدُّهُ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ حَدِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ فَسَّرَ الْقُلَّتَيْنِ بِغَيْرِ تَفْسِيرِهِ وَكُلُّ قَوْلٍ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ حَقًّا وَنَقُولُ : إنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ وَالْقُلَّتَانِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ قُلَّتَيْنِ , صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقُلَّةَ الَّتِي تَسَعُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ مَاءٍ تُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قُلَّةً. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِقِلاَلِ هَجَرَ أَصْلاً , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ بِهَجَرَ قِلاَلاً صِغَارًا وَكِبَارًا. فإن قيل إنَّهُ r قَدْ ذَكَرَ قِلاَلَ هَجَرَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ. قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ r مَتَى مَا ذَكَرَ قُلَّةً فَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ قِلاَلِ هَجَرَ , وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ابْنِ جُرَيْجٍ لِلْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ الَّذِي قَالَ : هُمَا جَرَّتَانِ , وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ : إنَّهَا أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ r هَذَا دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُنَجَّسُ وَيَحْمِلُ الْخَبَثَ وَمَنْ زَادَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَقَدْ قَوَّلَهُ r مَا لَمْ يَقُلْ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ , فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَا حمام قَالَ : حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ أَبُو تَمَّامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ : قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَفِيهَا مَا يُنْجِي النَّاسُ وَالْحَائِضُ وَالْجِيَفُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ وَذَكَرَ r فِيهَا وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ فَعَمَّ عليه السلام كُلَّ مَاءٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ. فَقَالُوا : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ الْمَاءَ إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَغَيَّرَتْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ , فَقَدْ خَالَفْتُمْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. قلنا : مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَهُ , بَلْ الْمَاءُ لاَ يُنَجَّسُ أَصْلاً , وَلَكِنَّهُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ , لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا لاَسْتَعْمَلْنَاهُ , وَلَكِنَّا لَمَّا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا أُمِرْنَا سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ , وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ كَثَوْبٍ طَاهِرٍ صُبَّ عَلَيْهِ خَمْرٌ أَوْ دَمٌ أَوْ بَوْلٌ , فَالثَّوْبُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ , إنْ أَمْكَنَنَا إزَالَةُ النَّجَسِ عَنْهُ صَلَّيْنَا فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يُمْكِنَّا الصَّلاَةُ فِيهِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَسِ الْمُحَرَّمِ سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ , وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلاَةُ لِلِبَاسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ , لَكِنْ لاِسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ , وَكَذَلِكَ خُبْزٌ دُهِنَ بِوَدَكِ خِنْزِيرٍ , وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ حَاشَا مَا جَاءَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ فَتَجِبُ الطَّاعَةُ لَهُ , كَالْمَائِعِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ , وَكَالْمَاءِ الرَّاكِدِ لِلْبَائِلِ , وَكَالسَّمْنِ الذَّائِبِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ , وَلاَ مَزِيدَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : لَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ بِالدَّمِ لَكَانَ الْمَاءُ طَهُورًا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْجَسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ لَلَزِمَ إذَا بَالَ إنْسَانٌ فِي سَاقِيَةٍ مَا أَلاَّ يَحِلَّ لاَِحَدٍ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ مَوْضِعِ الْبَائِلِ , لإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِلاَ شَكٍّ , وَلَمَا تَطَهَّرَ فَمُ أَحَدٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْءٍ فِيهِ , لإِنَّ الْمَاءَ إذَا دَخَلَ فِي الْفَمِ النَّجِسِ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا أَبَدًا , وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ذَلِكَ مُبْطِلٌ مُتَحَكِّمٌ قَائِلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَهَذَا بَاطِلٌ. قال أبو محمد عَلِيٌّ : وَأَمَّا تَشْنِيعُهُمْ عَلَيْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ , وَبَيْنَ الْفَأْرِ يَقَعُ فِي السَّمْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الزَّيْتِ أَوْ وُقُوعِ حَرَامٍ مَا فِي السَّمْنِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ فَتَشَنُّعٌ فَاسِدٌ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ , وَلَوْ تَدَبَّرُوا كَلاَمَهُمْ لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَائِلِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لاَ نَصَّ فِيهِ , وَهَلْ فَرْقُنَا بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ إلاَّ كَفَرْقِهِمْ مَعَنَا بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَإِلاَّ فَلْيَقُولُوا لَنَا مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ إلاَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لاَ يَتَعَدَّى بِحُكْمِهِ إلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ , وَكَفَرْقِهِمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ لِلْمَاءِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ , وَهُوَ حَلاَلٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَهُ , وَهَلْ الْبَائِلُ وَغَيْرُ الْبَائِلِ إلاَّ كَالزَّانِي وَغَيْرِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَغَيْرِ السَّارِقِ وَالْمُصَلِّي وَغَيْرِ الْمُصَلِّي لِكُلِّ ذِي اسْمٍ مِنْهَا حُكْمُهُ , وَهَلْ الشُّنْعَةُ وَالْخَطَأُ الظَّاهِرُ إلاَّ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ فِي الْبَائِلِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ وَهَلْ هَذَا إلاَّ كَمَنْ حَمَلَ حُكْمَ السَّارِقِ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ , وَحُكْمَ الزَّانِي عَلَى غَيْرِ الزَّانِي , وَحُكْمَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي , وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ لاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَبَيْنَ مَسٍّ بِظَاهِرِ الْكَفِّ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَلاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ الشَّرِيفَةِ وَحُكْمِ الدَّنِيَّةِ فِي النِّكَاحِ , وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ فَرْجَيْهِمَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالصَّدَاقِ وَالْحَدِّ , وَلاََنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ التَّمْرِ وَحُكْمِ الْبُسْرِ فِي الْعَرَايَا. وَهَؤُلاَءِ الْمَالِكِيُّونَ يُفَرِّقُونَ مَعَنَا بَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ الْكَلْبُ لِسَانَهُ وَبَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ ذَنَبَهُ الْمَبْلُولَ مِنْ الْمَاءِ , وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَوْلِ الْبَقَرَةِ وَبَوْلِ الْفَرَسِ , وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ , بَلْ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ خُرْءِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلاَّةِ وَخُرْئِهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُورَةً وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ إذَا شَرِبَتْ مَاءً نَجِسًا وَبَيْنَ بَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا , وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفُولِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ , فَجَعَلُوهُ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْجُلُبَّانِ صِنْفًا وَاحِدًا , وَجَعَلُوهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفَيْنِ , وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَدْرِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ بِنَصٍّ جَاءَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفُولِ أَمْسِ وَالْفُولِ الْيَوْمَ , وَبَيْنَ الْفُولِ وَنَفْسِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ ، وَلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً. وَهَؤُلاَءِ الشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ الإِحْلِيلِ , فَجَعَلُوهُ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ , وَبَيْنَ ذَلِكَ الْبَوْلِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الإِنْسَانِ نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ أَعْلَى الْحَشَفَةَ فَجَعَلُوهُ لاَ يَطْهُرُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ غَائِطِهِ فِي الصَّبِّ وَالْغَسْلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا هَهُنَا بِعَيْنِهِ. وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهَا , وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ نَفْسِهِ مِنْ بَوْلِهَا بِعَيْنِهَا فِي الثَّوْبِ فَلاَ يُفْسِدُهُ , وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الْبَعِيرِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهُ وَلَوْ أَنَّهُ نُقْطَةً , فَإِنْ وَقَعَتْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ ذَلِكَ الْجَمَلِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ , وَهَذَا نَفْسُ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْنَا , وَفَرَّقُوا بَيْنَ رَوْثِ الْفَرَسِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَيُفْسِدُ الصَّلاَةَ , وَبَيْنَ بَوْلِ ذَلِكَ الْفَرَسِ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ فَلاَ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ رُبُعَ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ , وَشِبْرًا فِي شِبْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُفْسِدُهَا حِينَئِذٍ , وَزُفَرُ مِنْهُمْ يَقُولُ : بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَرَجِيعُهُ نَجَسٌ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا. وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْ الْقَلْسِ وَبَيْنَ مَا لاَ يَمْلاَُ الْفَمَ مِنْهُ , وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْجَسَدِ فَلاَ يُزِيلُهُ إلاَّ الْمَاءُ , وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ فَيُزِيلُهُ غَيْرُ الْمَاءِ. وَلَوْ تَتَبَّعْنَا سَقَطَاتِهِمْ لَقَامَ مِنْهَا دِيوَانٌ. فَإِنْ قَالُوا : مَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَبْلَكُمْ قلنا : قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ r الَّذِي لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ إذْ بَيَّنَ لَنَا حُكْمَ الْبَائِلِ وَسَكَتَ ، عَنِ الْمُتَغَوِّطِ وَالْمُتَنَخِّمِ وَالْمُتَمَخِّطِ , وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا : مَنْ قَالَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِفُرُوقِكُمْ هَذِهِ قَبْلَكُمْ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ , وَبَيْنَ بَوْلِهَا فِي الْجَسَدِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا وَبَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي رَأْسِ الْحَشَفَةِ وَبَيْنَهُ فَوْقَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُمْ وَلَيْتَهُمْ إذْ قَالُوهُ مُبْتَدِئِينَ قَالُوهُ بِوَجْهٍ يُفْهَمُ أَوْ يُعْقَلُ , وَكَذَلِكَ سَائِرُ فُرُوقِهِمْ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ الْقَوْلَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ , وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ قَائِلاً مُسَمًّى بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ , فَاللَّوَائِمُ لَهُمْ لاَزِمَةٌ لاَ لَنَا , وَإِنَّمَا نُنْكِرُ غَايَةَ الإِنْكَارِ الْقَوْلَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ تَعَالَى قَطُّ ، وَلاَ رَسُولُهُ r فَهَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْمُنْكَرُ حَقًّا , وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الأَرْضِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالُوا لَنَا : مَنْ فَرَّقَ قَبْلَكُمْ بَيْنَ السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ وَبَيْنَ غَيْرِ السَّمْنِ فَجَوَابُنَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ , فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَبَانَ ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى قُرَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ : إنْ كَانَ مَائِعًا فَأَلْقِهِ كُلَّهُ , وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقِ الْفَأْرَةَ وَمَا حَوْلَهَا وَكُلَّ مَا بَقِيَ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي عِشْرِينَ فَرْقًا مِنْ زَيْتٍ , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : اسْتَسْرِجُوا بِهِ وَادْهُنُوا بِهِ الآُدْمَ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : الْفَأْرَةُ تَقَعُ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فَتَمُوتُ فِيهِ أَوْ فِي الدُّهْنِ , فَتُؤْخَذُ قَدْ تَسَلَّخَتْ أَوْ قَدْ مَاتَتْ وَهِيَ شَدِيدَةٌ لَمْ تَتَسَلَّخْ فَقَالَ سَوَاءٌ إذَا مَاتَتْ فِيهِ , فأما الدُّهْنُ فَيُنَشُّ فَيُدْهَنُ بِهِ إنْ لَمْ تُقَذِّرْهُ , قُلْت : فَالسَّمْنُ أَيُنَشُّ فَيُؤْكَلُ قَالَ لاَ , لَيْسَ مَا يُؤْكَلُ , كَهَيْئَةِ شَيْءٍ فِي الرَّأْسِ يُدْهَنُ بِهِ. قال أبو محمد : وَالزَّيْتُ دُهْنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ : قَالَ تَعَالَى ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ غَسْلَ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ , ثُمَّ يُؤْكَلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ فِي النُّقْطَةِ مِنْ الْخَمْرِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ أَنَّهُ لاَ يَفْسُدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يُشْرَبُ وَذَلِكَ الطَّعَامَ يُؤْكَلُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ : أَنْتُمْ تُخَالِفُونَ بَيْنَ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ فِي الشِّدَّةِ وَالْخِفَّةِ بِآرَائِكُمْ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ r ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , فَبَعْضُهَا عِنْدَكُمْ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْهُ إلاَّ مِقْدَارٌ أَكْبَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ وَرُبَّمَا قَلَّ , وَبَعْضُهَا لاَ يُنَجِّسُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ إلاَّ مَا كَانَ رُبُعَ الثَّوْبِ , وَلاَ نَدْرِي مَا قَوْلُكُمْ فِي الْجَسَدِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالأَرْضِ , وَبَعْضُهَا تُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَبَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الْبِئْرِ , فَتَقُولُونَ : إنَّ قَطْرَةَ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ ، وَلاَ تُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ الْجَسَدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , فَأَخْبِرُونَا ، عَنْ غَدِيرٍ إذَا حُرِّكَ طَرَفُهُ الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الآخَرُ وَقَعَتْ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلِ كَلْبٍ أَوْ نُقْطَةُ بَوْلِ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ فِيلٌ مَيِّتٌ مُتَفَسِّخٌ , هَلْ كُلُّ هَذَا سَوَاءٌ أَمْ لاَ فَإِنْ سَاوَوْا بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي تَغْلِيظِ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ دُونَ بَعْضٍ , وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ إنَّ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الإِبِلِ أَوْ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ لاَ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ , وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُمْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي السُّخْرِيَةِ وَالتَّخْلِيطِ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَالُوا لَنَا : مَا قَوْلُكُمْ فِي خَمْرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ بَوْلٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ طَعْمٌ ، وَلاَ لَوْنٌ ، وَلاَ رِيحٌ , هَلْ صَارَ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ مَاءً أَمْ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَإِنْ كَانَ صَارَ كُلُّ ذَلِكَ مَاءً فَكَيْفَ هَذَا وَإِنْ كَانَ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَقَدْ أَبَحْتُمْ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ وَالدَّمَ , وَهَذَا عَظِيمٌ وَخِلاَفٌ لِلإِسْلاَمِ قال أبو محمد : جَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ الْعَالَمِ كُلَّهُ جَوْهَرَةٌ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ أَبْعَاضُهَا بِأَعْرَاضِهَا وَبِصِفَاتِهَا فَقَطْ. وَبِحَسَبِ اخْتِلاَفِ صِفَاتِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَالَمَ تَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ تِلْكَ الأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا تَقَعُ أَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدِّيَانَةِ. وَعَلَيْهَا يَقَعُ التَّخَاطُبُ وَالتَّفَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ , فَالْعِنَبُ عِنَبٌ وَلَيْسَ زَبِيبًا , وَالزَّبِيبُ لَيْسَ عِنَبًا , وَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَيْسَ عِنَبًا ، وَلاَ خَمْرًا , وَالْخَمْرُ لَيْسَ عَصِيرًا , وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا , وَأَحْكَامُ كُلِّ ذَلِكَ فِي الدِّيَانَةِ تَخْتَلِفُ وَالْعَيْنُ الْحَامِلَةُ وَاحِدَةٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ صِفَاتٌ , مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ , فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَهِيَ مَاءٌ وَلَهُ حُكْمُ الْمَاءِ. فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ ، عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَكُنْ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ صِفَاتٌ مَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ خَمْرٌ لَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ , أَوْ دَمٌ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ , أَوْ بَوْلٌ لَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ , فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعَيْنُ خَمْرًا ، وَلاَ مَاءً ، وَلاَ دَمًا ، وَلاَ بَوْلاً ، وَلاَ الشَّيْءَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الاِسْمُ وَاقِعًا مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ , فَإِذَا سَقَطَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْخَلِّ أَوْ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنْ بَطَلَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ الدَّمُ دَمًا وَالْخَمْرُ خَمْرًا وَالْبَوْلُ بَوْلاً , وَبَقِيَتْ صِفَاتُ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا بِحَسَبِهَا , فَلَيْسَ ذَلِكَ الْجِرْمُ الْوَاقِعُ يُعَدُّ خَمْرًا ، وَلاَ دَمًا ، وَلاَ بَوْلاً , بَلْ هُوَ مَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ لَبَنٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ غَلَبَ الْوَاقِعُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَقِيَتْ صِفَاتُهُ بِحَسَبِهَا وَبَطَلَتْ صِفَاتُ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْخَلِّ , فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَعْدُ ، وَلاَ خَلًّا ، وَلاَ لَبَنًا , بَلْ هُوَ بَوْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ خَمْرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ دَمٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ , فَإِنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْوَاقِعِ وَلَمْ تَبْطُلْ صِفَاتُ مَا وَقَعَ فَهُوَ فِيهِ مَاءٌ وَخَمْرٌ , أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ , أَوْ مَاءٌ وَدَمٌ , أَوْ لَبَنٌ وَبَوْلٌ , أَوْ دَمٌ وَخَلٌّ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا اسْتِعْمَالُ الْحَلاَلِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ الْحَرَامِ , لَكِنَّا لاَ نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلاَّ بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ فَعَجَزْنَا عَنْهُ فَقَطْ , وَإِلاَّ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ حَلاَلٌ بِحَسَبِهِ كَمَا كَانَ. وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ فَالدَّمُ يَسْتَحِيلُ لَحْمًا , فَهُوَ حِينَئِذٍ لَحْمٌ وَلَيْسَ دَمًا , وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ , وَاللَّحْمُ يَسْتَحِيلُ شَحْمًا فَلَيْسَ لَحْمًا بَعْدُ بَلْ هُوَ شَحْمٌ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ. وَالزِّبْلُ وَالْبِرَازُ وَالْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ يَسْتَحِيلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي النَّخْلَةِ وَرَقًا وَرُطَبًا , فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِبْلاً ، وَلاَ تُرَابًا ، وَلاَ مَاءً , بَلْ هُوَ رُطَبٌ حَلاَلٌ طَيِّبٌ , وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ , وَهَكَذَا فِي سَائِرِ النَّبَاتِ كُلِّهِ , وَالْمَاءُ يَسْتَحِيلُ هَوَاءً مُتَصَعِّدًا وَمِلْحًا جَامِدًا , فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَلْ ، وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ , ثُمَّ يَعُودُ ذَلِكَ الْهَوَاءُ وَذَلِكَ الْمِلْحُ مَاءً. فَلَيْسَ حِينَئِذٍ هَوَاءً ، وَلاَ مِلْحًا , بَلْ هُوَ مَاءٌ حَلاَلٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا وَقُلْتُمْ : إنَّهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ صِفَاتُهُ فَهُوَ الَّذِي كَانَ نَفْسَهُ لَزِمَكُمْ ، وَلاَ بُدَّ إبَاحَةُ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ , لاَِنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ , بِلاَ شَكٍّ , وَبِالْعَرَقِ , لاَِنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ. وَلَزِمَكُمْ تَحْرِيمُ الثِّمَارِ الْمُغَذَّاةِ بِالزِّبْلِ وَبِالْعَذِرَةِ , وَتَحْرِيمُ لُحُومِ الدَّجَاجِ , لاَِنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ ، عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ. فَإِنْ قَالُوا : فَنَحْنُ نَجِدُ الدَّمَ يُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ فَلاَ يَظْهَرُ لَهُ لَوْنٌ ، وَلاَ رِيحٌ ، وَلاَ طَعْمٌ فَيُوَاتَرُ طَرْحُهُ فَتَظْهَرُ صِفَاتُهُ فِيهِ. فَهَلاَّ صَارَ الثَّانِي مَاءً كَمَا صَارَ الأَوَّلُ قلنا لَهُمْ : هَذَا السُّؤَالُ لَسْنَا نَحْنُ الْمَسْئُولِينَ بِهِ لَكِنْ جَرَيْتُمْ فِيهِ عَلَى عَادَتِكُمْ الذَّمِيمَةِ فِي التَّعَقُّبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ , وَإِيَّاهُ تَعَالَى تَسْأَلُونَ ، عَنْ هَذَا لاَ نَحْنُ , لاَِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ الأَوَّلَ وَلَمْ يُحِلَّ الثَّانِيَ كَمَا شَاءَ لاَ نَحْنُ وَجَوَابُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ يَأْتِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا تَطُولُ عَلَيْهِ نَدَامَةُ السَّائِلِ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ هَذَا السُّؤَالَ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ثُمَّ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ قَائِمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ : كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ فَنَقُولُ لَكُمْ : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا خَلَقَ كُلَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا شَاءَ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. وَنَحْنُ نَجِدُ الْمَاءَ يُصَعِّدُهُ الْهَوَاءُ بِالتَّجْفِيفِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ هَوَاءً مُصَعَّدًا وَلَيْسَ مَاءً أَصْلاً. حَتَّى إذَا كَثُرَ الْمَاءُ الْمُسْتَحِيلُ هَوَاءً فِي الْجَوِّ عَادَ مَاءً كَمَا كَانَ وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ السَّحَابِ مَاءً. وَهَذَا نَفْسُ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّ الدَّمَ يَخْفَى فِي الْمَاءِ وَالْفِضَّةَ تَخْفَى فِي النُّحَاسِ. فَإِذَا تُوبِعَ بِهِمَا ظَهَرَا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا السُّؤَالِ الأَحْمَقِ وَبَيْنَ مَنْ سَأَلَ : لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَاءَ الْوَرْدِ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلِمَ جَعَلَ الصَّلاَةَ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْحَجَّ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا إلَى كَسْكَرَ أَوْ إلَى الْفَرَمَا أَوْ الطُّورِ وَلِمَ جَعَلَ الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ. وَالظُّهْرَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَلِمَ جَعَلَ الْحِمَارَ طَوِيلَ الآُذُنَيْنِ وَالْجَمَلَ صَغِيرَهُمَا وَالْفَأْرَ طَوِيلَ الذَّنَبَ وَالثَّعْلَبَ كَذَلِكَ وَالْمِعْزَى قَصِيرَةَ الذَّنَبِ وَالأَرْنَبَ كَذَلِكَ وَلِمَ صَارَ الإِنْسَانُ يُحْدِثُ مِنْ أَسْفَلُ رِيحًا فَيَلْزَمُهُ غَسْلُ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ , وَلاَ يَغْسِلُ مَخْرَجَ تِلْكَ الرِّيحِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ سُؤَالِ الْعُقَلاَءِ الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ يُشْبِهُ اعْتِرَاضَاتِ الْعُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ , بَلْ هُوَ سُؤَالُ نَوْكَى الْمُلْحِدِينَ وَحَمْقَى الدَّهْرِيِّينَ الْمُتَحَيِّرِينَ الْجُهَّالِ. وَإِذَا أَحَلْنَاكُمْ وَسَائِرَ خُصُومِنَا عَلَى الْعِيَانِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ فِي انْتِقَالِ الأَسْمَاءِ بِانْتِقَالِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا تَقُومُ الْحُدُودُ , ثُمَّ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلاَنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لاَ تَجِبُ تِلْكَ الأَسْمَاءُ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ كُلِّ مَنْ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تِلْكَ الأَعْيَانِ إلاَّ بِوُجُودِهَا , ثُمَّ أَحَلْنَاكُمْ عَلَى الْبَرَاهِينِ الضَّرُورِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ , فَاعْتِرَاضُكُمْ كُلُّهُ هَوَسٌ وَبَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى الإِلْحَادِ. فَقَالُوا : فَمَا تَقُولُونَ فِي فِضَّةٍ خَالَطَهَا نُحَاسٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا أَثَرٌ ، وَلاَ غَيْرِهَا , أَتُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا فِضَّةً مَحْضَةً أَمْ لاَ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : الْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ، وَلاَ فَرْقَ , إنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْفِضَّةِ بِحَسَبِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنُّحَاسِ فِيهَا أَثَرٌ , فَإِنَّهَا تُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ , لاَ بِأَقَلَّ ، وَلاَ بِأَكْثَرَ ، وَلاَ نَسِيئَةً , وَإِنْ غَلَبَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ حَتَّى لاَ يَبْقَى لِلْفِضَّةِ أَثَرٌ , فَهُوَ كُلُّهُ نُحَاسٌ مَحْضٌ لاَ زَكَاةَ فِيهِ أَصْلاً سَوَاءٌ كَثُرَتْ تِلْكَ الْفِضَّةُ الَّتِي اسْتَحَالَتْ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكْثُرْ , وَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً بِأَقَلَّ مِمَّا خَالَطَهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ , وَإِنْ ظَهَرَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ وَصِفَاتُ الْفِضَّةِ مَعًا فَهُوَ نُحَاسٌ وَفِضَّةٌ , تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ , خَاصَّةً إنْ بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ وَإِلاَّ فَلاَ , كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ بِفِضَّةٍ مَحْضَةٍ أَصْلاً لاَ بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ ، وَلاَ بِأَقَلَّ ، وَلاَ بِأَكْثَرَ , لاَ نَقْدًا ، وَلاَ نَسِيئَةً , لاَِنَّنَا لاَ نَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالْوَزْنِ , وَتُبَاعُ تِلْكَ الْجُمْلَةُ بِالذَّهَبِ نَقْدًا لاَ نَسِيئَةً. فَسَأَلُوا ، عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ بِالْخَمْرِ أَوْ طُرِحَ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ أَوْ عَذِرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُنَالِكَ أَثَرٌ أَصْلاً , . فَقُلْنَا : مَنْ طَرَحَ فِي الْقِدْرِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , لاَِنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْحَرَامَ الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهُ , وَأَمَّا إذَا بَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ فَمَا فِي الْقِدْرِ حَلاَلٌ أَكْلُهُ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلاً , وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَحَالَهَا إلَى الْحَلاَلِ. ثُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي دَنِّ خَلٍّ رُمِيَ فِيهِ خَمْرٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لِلْخَمْرِ أَثَرٌ , فَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي فِي الدَّنِّ كُلَّهُ حَلاَلٌ فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ وَقَوْلٌ مِنْهُمْ بِاَلَّذِي شَنَّعُوا بِهِ فَلَزِمَهُمْ التَّشْنِيعُ , لأَنَّهُمْ عَظَّمُوهُ وَرَأَوْهُ حُجَّةً , وَلَمْ يَلْزَمْنَا , لاَِنَّنَا لَمْ نُعَظِّمْهُ ، وَلاَ رَأَيْنَاهُ حُجَّةً. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا مُتَأَخِّرُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ضَبْطِ هَذَا الْمَذْهَبِ لِفَسَادِهِ وَسَخَافَتِهِ فَرُّوا إلَى أَنْ قَالُوا : إنَّنَا لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ غَدِيرٍ كَبِيرٍ ، وَلاَ بَحْرٍ ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ , لَكِنَّ الْحُكْمَ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَالرَّأْيِ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُغْتَسَلُ مِنْهُ , فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَوْ غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ أَنَّهُ مَاءُ الْبَحْرِ , وَإِنْ لَمْ نَتَيَقَّنْ ، وَلاَ غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ تَوَضَّأْنَا بِهِ. قال علي : وهذا الْمَذْهَبُ أَشَدُّ فَسَادًا مِنْ الَّذِي رَغِبُوا عَنْهُ لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إنْ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ يَحْكُمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لاَ يُحَقِّقُهُ. وَالثَّانِي : أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : كَمَا تَظُنُّونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تُخَالِطْهُ فَظُنُّوا أَنَّهَا خَالَطَتْهُ فَاجْتَنِبُوهُ , لإِنَّ الْحُكْمَ بِالظَّنِّ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِكُمْ , فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى جَنْبَتَيْ الظَّنِّ أَوْلَى مِنْ الآُخْرَى وَالثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَكُمْ هَذَا تَحَكُّمٌ مِنْكُمْ بِلاَ دَلِيلٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالرَّابِعُ : أَنْ نَقُولَ لَهُمْ : عَرِّفُونَا مَا مَعْنَى هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ فَلَسْنَا نَفْهَمُهَا ، وَلاَ أَنْتُمْ ، وَلاَ أَحَدٌ فِي الْعَالَمِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ , فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ قَدْ جَاوَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ لاَ مُخَالَطَةٌ , وَهَذَا لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ النَّجَاسَةِ كَمِقْدَارِ الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَإِلاَّ فَقَدْ فُضِّلَتْ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُجَاوِرْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ. فَإِنْ قَالُوا : فَقَدْ تَنَجَّسَ كُلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِرْهُ مِنْ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ , قلنا لَهُمْ : هَذَا لاَزِمٌ لَكُمْ فِي الْبَحْرِ بِنُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِيهِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَإِنْ أَبَوْا مِنْ هَذَا قلنا لَهُمْ : فَعَرِّفُونَا بِالْمِقْدَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّذِي إذَا جَاوَزَ مِقْدَارًا مَحْدُودًا أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ نَجَّسَهُ , فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ زَادُوا فِي الضَّلاَلِ وَالْهَوَسِ , وَإِنْ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى ذَلِكَ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ , كَالْمَيْتَةِ فَسَادًا وَمَجْهُولاً لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي الدِّينِ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَكُمْ لِغَالِبِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا فِي قَدَحٍ فِيهِ أُوقِيَّتَانِ مِنْ مَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مِقْدَارُ الصُّآبَةِ مِنْ بَوْلِ كَلْبٍ , إنَّهُ لَمْ يَنْجَسْ مِنْ الْمَاءِ إلاَّ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُخَالِطَهُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ لِمِقْدَارِهَا مِنْ الْمَاءِ فَقَطْ وَيَبْقَى سَائِرُ مَاءِ الْقَدَحِ طَاهِرًا حَلاَلاً شُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ. وَهَكَذَا فِي جُبٍّ فِيهِ كَرُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ أُوقِيَّةُ بَوْلٍ , فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لاَ يَنْجَسُ إلاَّ مِقْدَارُ مَا مَازَجَتْهُ تِلْكَ الآُوقِيَّةُ , وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا حَلاَلاً , نَحْنُ مُوقِنُونَ وَأَنْتُمْ أَنَّهَا لَمْ تُمَازِجْ عُشْرَ الْكَرِّ ، وَلاَ عُشْرَ عُشْرِهِ , فَإِنْ الْتَزَمْتُمْ هَذَا فَارَقْتُمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِكُمْ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ الَّتِي هِيَ أَفْكَارُ سُوءٍ مُفْسِدَةٌ لِلدِّمَاغِ , فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ النَّجَاسَةِ يَنْجَسُ , لَزِمَكُمْ ذَلِكَ كَمَا قَدْ أَلْزَمْنَاكُمْ فِي النِّيلِ وَالْجَيْحُونِ , وَفِي كُلِّ مَاءٍ جَارٍ , لاَِنَّهُ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَيَنْجَسُ جَمِيعُهُ لِمُلاَقَاتِهِ الَّذِي قَدْ تَنَجَّسَ ، وَلاَ بُدَّ نَعَمْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ نُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ , فَاخْتَارُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنْ قَالُوا : لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ النَّهْرَ الْكَبِيرَ أَوْ الْبَحْرَ تَنَجَّسَ , وَلاَ مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ بِهِ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْهُ. قلنا لَهُمْ : هَذَا نَفْسُهُ مَوْجُودٌ فِي الْجُبِّ وَالْبِئْرِ وَفِي الْقُلَّةِ وَفِي قَدَحٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَرْطَالِ مَاءٍ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ , وَلاَ يَقِينَ فِي أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِيمَا ذَكَرْنَا تَنَجَّسَ , وَلاَ فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّارِبَ تَوَضَّأَ بِنَجِسٍ أَوْ شَرِبَ نَجِسًا , ثُمَّ حَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوا لَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْحَلاَلُ أَوْ الْمَائِعُ لِذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ لَهُ , مَا لَمْ يَحْمِلْ صِفَاتِ الْحَرَامِ أَوْ النَّجِسِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : رَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ وَيَمِيلُ إلَى النَّظَرِ يَقُولُ : إنَّ كُلَّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ فَسَوَاءٌ كَانَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا , الْحُكْمُ وَاحِدٌ , وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ كُلِّهِ أَوْ شَرِبَهُ حَاشَا مِقْدَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ , فَوُضُوءُهُ جَائِزٌ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ وَشُرْبُهُ حَلاَلٌ , وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ مِنْهُ , إذْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً ، وَلاَ أَنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا , فَإِنْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ طُهْرَ وَهُوَ عَاصٍ فِي شُرْبِهِ ; لاَِنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَشَرِبَ حَرَامًا قَالَ : وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَحْرِ فَمَا دُونَهُ ، وَلاَ فَرْقَ , قَالَ : فَإِنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَاسْتَوْعَبَاهُ أَوْ اسْتَوْعَبُوهُ كُلَّهُ بِالْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الشُّرْبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وُضُوءُهُ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ , وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ , إلاَّ أَنَّ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ ، وَلاَ غُسْلَ , وَلاَ أَعْرِفُ بِعَيْنِهِ , فَلاَ أُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إعَادَةَ وُضُوءٍ ، وَلاَ إعَادَةَ صَلاَةٍ بِالظَّنِّ. قَالَ عَلِيٌّ : وَقَدْ نَاظَرْت صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَأَلْزَمْتُهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ , أَنْ يَكُونَ يَأْمُرُ جَمِيعَهُمْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ , لإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ , بَلْ عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْحَدَثِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ , فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ , وَأَرَيْته أَيْضًا بُطْلاَنَ الْقَوْلِ الأَوَّلِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِحَالَةِ الأَحْكَامِ بِاسْتِحَالَةِ الأَسْمَاءِ , وَإِنَّ اسْتِحَالَةَ الأَسْمَاءِ بِاسْتِحَالَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي مِنْهَا تَقُومُ الْحُدُودُ , وَقُلْت لَهُ : فَرِّقْ بَيْنَ مَا أَجَزْت مِنْ هَذَا وَبَيْنَ إنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَفِي الآخَرِ عَصِيرُ بَعْضِ الشَّجَرِ , وَبَيْنَ بِضْعَتَيْ لَحْمٍ إحْدَاهُمَا مِنْ خِنْزِيرٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ كَبْشٍ , وَبَيْنَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُذَكَّاةٌ وَالآُخْرَى عَقِيرَةُ سَبُعٍ مَيْتَةٌ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً. قَالَ عَلِيٌّ : وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَيْمُونَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ ، عَنْ جَمِيعِهِمْ , وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ أَخُوهُ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَغَيْرُهُمْ , فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ جَائِزًا , فَتَقْلِيدُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.