مبسوط السرخسي - الجزء السادس و العشرون2
[ 93 ]
ولهذا لا يتقدر بمقدار شرعا حتى لو وقع الصلح باكثر من الدية قدرا جاز فكذلك إذا التزمه بمطلق العقد يكون ذلك حالا بمنزلة الاعواض في سائر العقود وان كان الوالد قتل ولده خطا فالدية على عاقلته وعليه الكفارة في الخطأ ولا كفارة عليه في العمد عندنا لان فعله محظور محض كفعل الاجنبي والمحظور المحض لا يصلح سببا لا يجاب الكفارة عندنا علي ما نبينه فان قيل فاين ذهب قولكم ان وجوب الكفارة بطريق السكر لما سلم الشرع له نفسه فاسقط القود عنه فقد وجد هذا المعنى هاهنا وقلتم بانه لا تجب الكفارة قلنا اسقاط القود عنه شرعا متى كان بطريق العذر له والتخفيف عليه كان موجبا للكفارة وهاهنا امتناع وجوب القود عليه لانعدام الاهلية فيمن يجب له لا بطريق التخفيف والعذر للاب فبقى فعله حراما محضا لا شبهة فيه فلا يكون موجبا للكفارة وكذلك ان كان المولي قتل مملوكه عمدا وكذلك ان كان الولد مملوكا لانسان فقتله أبوه عمدا فلا قصاص عليه لمولاه لان وجوب القصاص للمولى بطريق الخلافة عن المقتول فانه ينزل من المملوك منزلة وارث الحرمة فإذا اشترك الرجلان في قتل رجل أحدهما بعصا والآخر بحديدة فلا قصاص على واحد منهما هكذا نقل عن ابراهيم وهذا لان القتل بالعصا لا يصلح أن يكون موجبا للقصاص لان القصد به التأديب والآلة آلة التأديب فهو بمنزلة فعل الخاطئ والخاطئ والعامد إذا اشتركا في القتل لم يجب القصاص عليهما لانه اختلط الموجب بغير الموجب في المحل فقد انزهقت الروح عقيب فعلين أحدهما ليس بسبب لوجوب العقوبة ولا يدرى انه باى الفعلين أزهق الروح فيمكن الشبهة من هذا الوجه فالقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وبعد سقوط القصاص يجب المال فيتوزع عليهما نصفان وليس أحدهما باضافة القتل إليه باولي من الآخر ولا يقال ينبغى أن يضاف القتل إلى فعل من استعمل السلاح فيه لان السلاح آلة للقتل دون العصا وهذا لان الانسان قد يسلم من الجرح بالحديد ويتلف من الضرب بالعصا فهو بمنزلة مالو جرحه رجلان أحدهما جراحة واحدة والآخر عشرة جراحات فانه يجعل القتل مضافا اليهما على السواء لهذا المعنى ثم كل واحد منهما فيما لزمه من نصف الدية يجعل كالمنفرد به فنصف الدية على صاحب الحديدة في ماله ونصفها على صاحب العصا علي عاقلته وكذلك لو قتلاه بسلاح وأحدهما صبي أو معتوه فلا قصاص عليهما عندنا وهو أحد قولى الشافعي وفى قوله الآخر يجب القود قياسا علي العاقل البالغ بناء علي قولين في عمد الصبي على ما بينا فاما الاب مع الاجنبي
[ 94 ] أو المولى مع الاجنبي إذا اشتركا في قتل الولد والمملوك فلا قصاص على واحد منهما عندنا وقال الشافعي يجب القصاص على الاجنبي لانهما قاتلاه عمدا محضا مضمون فيجعل كل واحد منهما كالمنفرد به في حكم القصاص كالاجنبيين عفا عن أحدهما أو بسقوط القود عن أحدهما لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر كالاجنبيين إذا عفا عن أحدهما وتفسير العمد من وجهين أحدهما انه عبارة عن فعل يترتب على قصد صحيح إليه وبالابوة والملك لا ينعدم القصد الصحيح إلى الفعل وهذا لان ضد العمد الخطأ فإذا كان الخطأ ما يكون عن غير قصد من الفاعل إليه بعينه عرفنا ان العمد ما يكون عن قصد وعلى هذا نقول يجب القصاص على شريك الصبي والمجنون لان للصبي والجمنون قصدا صحيحا فكان فعلهما عمدا وللعمد تفسير آخر في القتل شرعا وهو أنه محظور محض ليس فيه شبهة الاباحة لان المتعلق به شرعا العقوبة قال عليه السلام العمد قود ولا تجب العقوبة الاجزاء على فعل هو محظور محض وفعل الاب والمولى محظور محض ليس فيه شبهة الاباحة لان في حق الاب قد انضم إلى ارتكاب الفعل المحرم معنى قطيعة الرحم وفي حق المولى انضم الي الفعل المحرم الاتيان بضدما أمر به من الاحسان إلى المماليك والقتل لا يحل بملك المالكية بحال فلا يتمكن بسببه شبهة فيه بمنزلة من شرب خمر نفسه يلزمه الحد لانه لا أثر للملك في اباحة شرب الخمر فلا يخرج الفعل باعتباره من أن يكون محظورا محضا وعلى هذا الطريق لا يجب القود علي شريك الصبي والمعتوه لان فعلهما لا يوصف بانه محظور محض وفي الحقيقة الكلام ينبنى على أن فعل الاب موجب للقود عنده ثم سقط عنه القود بعفو الشرع منه عن الاب فلا يسقط عن الاخر لان عند أوان السقوط أحد القاتلين متميز عن الآخر والدليل على ذلك ان سبب القود شرعا هو العمد وثبوت الحكم بثبوت السبب فإذا كانت الابوة لا توجب نقصانا في السبب لا يمنع ثبوت الحكم أيضا وانما لا يستوفى لكيلا يكون الولد سبب افناء الوالد بعد ان كان الوالد سبب ايجاده وهذا في حقيقة الاستيفاء دون الوجوب فيثبت الوجوب حكما للسبب ثم يتعذر الاستيفاء لهذا المعنى فيسقط شرعا والدليل عليه ان عندكم لا تجب الكفارة علي الوالد ولو لم يكن الفعل موجبا للقود لوجبت الكفارة به وان الاب لو قتل ابنه عمدا كان الولد شهيدا لا يغسل وانما لا يغسل إذا كان القتل غير موجب للمال بنفسه وهذا بخلاف الخاطئ مع العامد لان فعل الخاطئ غير موجب فاختلط الموجب بغير الموجب في المحل فيمكن الشبهة لا تحاد المحل
[ 95 ] يقرره ان الخطأ معنى في الفعل (ألا ترى) انه يوصف الفعل به فيقال قتل خطأ وقد اجتمع الفعلان في محل واحد فاما الابوة فمعنى في الفاعل (ألا ترى) ان الفاعل يوصف به فيقال أب قاتل فاجد الفاعلين متميز عن الآخر * وحجتنا في ذلك ان هذا القتل ثم موجب للدية فلا يكون موجبا للقصاص كالخاطئ مع العامد إذا اشتركا وبيان الوصف أن الواجب على الاب بهذا الفعل الدية لا غير فانه هو الذى يستوفى منه وانما يراد بالوجوب الاستيفاء فإذا كان لا يستوفى منه الا الدية عرفنا انه موجب للدية والدليل علي أن وجوب الدية هو الحكم الاصلى في قتل الاب دون القصاص ان السبب لا ينعقد موجبا لحكمه الا في محل صالح له وبعد صلاحية المحل لا يكون موجبا للحكم الاباعتبار الاهلية فيمن يجب له وفيمن يجب عليه (ألا ترى) ان الاتلاف كما لا يكون موجبا للضمان بدون محل صالح له وهو المال المتقوم لا يكون موجبا بدون الاهلية فيمن يجب له وفيمن يجب عليه حتى ان المسلم إذا أتلف مال مسلم لاأمان له أو الحربى إذا أتلف مال المسلم لا يجب الضمان والبيع كما لا ينعقد شرعا الا في محل صالح لا ينعقد الا بعد وجوب الاهلية فيمن يباشره إذا عرفنا هذا فنقول العمد موجب للقود بشرط الاهلية فيمن يجب له وعليه وذلك لا يوجد في قتل الصبي والمجنون لانعدام الاهلية فيمن تجب عليه العقوبة ولا في قتل الاب لانعدام الاهلية فيمن تجب له على ما بينا ان الولد لا يكون من أهل أن يجب له القتل على والده لان في الايجاب استحقاق نفسه شرعا وإذا لم يكن هو أهلا لمباشرة اتلافه حقيقة بصفة الاباحة لا يكون أهلا لا ستحقاق اتلافه شرعا فلا يكون فعله موجبا للقصاص لانعدام الاهلية ولهذا كان موجبا الدية المغلظة في ماله لانه خرج من أن يكون موجبا للقود لانعدام الاهلية فيمن يجب له وذلك لا يوجد في الدية ولهذا لم يكن موجبا للكفارة لان انعدام وجوب القصاص لانعدام الاهلية فيمن تجب له الشبهة في أصل الفعل فلا يخرج من أن يكون محظورا و في غسله روايتان في احدى الروايتين عن أبى يوسف يغسل لان الغسل موجب للمال و في الرواية الاخرى لا يغسل لان امتناع وجوب القصاص لانعدام الاهلية فيمن تجب له وذلك لا يتعدى إلى حكم الغسل فان قيل هذا ممنوع فان الولد يرث القصاص على أبيه حتى يسقط وبدون الاهلية لا يجب الحق للوارث قلنا هذا فاسد لانه انما لم يكن أهلا لايجاب القود على الاب لما فيه من اتلافه حكما وهذا لا يوجد في الوارثة لان الاتلاف الحكمى كان ثابتا قبل أن يرثه الولد بل في ثبوت الارث للولد احياء
[ 96 ] للاب حقيقة وحكما فانه يسقط القود إذا ورثه الابن ولا يسقط إذا لم يرثه وهو نظير الولد في أنه لا يسترق والده ثم يشترى والده المملوك فيعتق عليه والدليل عليه ان الابوة لو طرت على قصاص موجب أسقطته وإذا اقترنت بالسبب دفعت الوجوب بطريق الاولى لان تأثير الشئ في الحكم مقترنا بالسبب أقوى من تأثيره طارئا على السبب وإذا ثبت أن فعل الاب غير موجب عرفنا انه اختلط الموجب بغير الموجب في المحل فكان كالخاطئ مع العامد بخلاف ما إذا عفا عن أحد القاتلين وقوله الابوة معنى في الفاعل لا معتبر به فانه وان كان في الفاعل فقد تعدى إلى الفعل حتى أخرجه من أن يكون موجبا فهو نظير الخطأ في الفاعل بان رمى إلى انسان يظنه كافرا وهو مسلم فان الخطأ هاهنا باعتبار معنى في الفاعل ولكن لما تعدى إلى الفعل صار ذلك شبهة في حق شريكه في الفعل فكذلك هاهنا والدليل عليه أن مسلمين لو رميا إلى صيد أحدهما بسهم والآخر ببندقة لم يحل تناول الصيد وكذلك لو رمى مسلم ومجوسى إلى الصيد وفي أحد الموضعين الحرمة باعتبار معنى في الفعل وفي الموضع الآخر باعتبار معنى في الفاعل وهو كونه مجوسيا لكن لما تعدى إلى الفعل التحق بالمعنى الذى هو في الفعل في ايجاب الحرمة فهذا مثله ولو اشترك عشرة رهط في قتل رجل خطأ كانت الدية على عاقلتهم في ثلاث سنين لان وجوب الدية لصيانة المحل عن الهدر فالمحل واحد وبايجاب دية واحدة عليهم يتم معنى الصيانة ثم الواجب على كل واحد منهم جزء مما هو مؤجل في ثلاث سنين وهو بد النفس فهو بمنزلة مالو اشترى عشرة نفر شيأ بثمن مؤجل إلى ثلاث سنين فانه ثبت تمام الاجل في حق كل واحد منهم وهذا لان كل ثلث من بدل النفس مؤجل في سنة والواجب على كل واحد منهم عشر كل ثلث الا أن يكون الواجب علي بعضهم من الثلث الذى هو مؤجل إلى سنة أو من الثلث الثاني خاصة ولو أقر رجل بقتل خطا أو شبه عمد كانت الدية عليه في ماله في ثلاث سنين لان العاقلة لا تعقل ما يجب بالاعتراف لقوله عليه السلام ولا اعترافا وهذا لان الاقرار خبر متمثل بين الصدق والكذب فانما يحمل على الصدق في حق المقر خاصة لانتفاء التهمة فاما في حق عاقلته فهو محمول على الكذب وله ولاية على نفسه في الالتزام قولا دون عاقلته وكل جناية عمد فيما دون النفس لا يستطاع فيها القصاص أو شبه عمد فالارش في مال الجاني مغلظا أما في العمد فلا يشكل واما في شبه العمد فلان شبه العمد لا يتحقق فيما دون النفس وانما يتحقق في التفس خاصة فان ذلك حكم ثابت بالنص وانما ورد النص به في
[ 97 ] حنيفة رحمه الله لا يكفى لان ذكر الصناعة ليس بشئ فقد يتحول الانسان من صناعة إلى صناعة فان كان قد عرفهم بالصلاح كتب بذلك وان لم عرفهم وأخبر بذلك عنهم كتب به لان المقصود اعلام عدالتهم للقاضي المكتوب إليه ليتمكن من القضاء فالقضاء يقع بشهادتهم وان حلاهم فحسن وان ترك التحلية لم يضر لان المقصود وهو التعريف قد حصل بذكر الاسم والنسب الا أنه إذا كان من رأى الكاتب أن يذكر التحلية فينبغي أن يذكر من ذلك مالا يشينه ولا يعير به في الناس فيتحرز عن ذكر ما يشينه وفذلك نوع غيبة فان أراد الذي جاء به من المكتوب إليه أن يكتب به إلى قاض آخر فعله لان شهادة الشهود تثبت عنده بالكتاب فكأنه تثبت بسماعه منهم وكما جوزنا الكتاب من القاضى الاول للحاجة فكذلك نجوزه من الثاني لان الخصم قد يهرب الي بلدة أخري قبل قضاء المكتوب إليه بذلك عليه وإذا سمع القاضى شهادة الشهود وكتب بها الي قاض آخر فلم يخرج الكتاب من يده حتى حضر المدعى عليه لم يحكم بذلك عليه لان سماعه الاول كان للنقل فلا يستفيد به ولاية القضاء كشاهد الفرع إذا استقصى بعد ما شهد الاصليان عنده وأشهداه على شهادتهما لم يجز له أن يقضي بذلك وهذا لان جواز القضاء بالبينة والذى سمع شهادة لا بينة فالبينة ما يحصل البيان بها ولا يكون ذلك الا بمحضر من الخصم بعد انكاره أو سكوته القائم مقام انكاره فان أعاد المدعى تلك البينة بمحضر من الخصم فالآن يقضي له بها لان شرط قبول البينة للقضاء انكار الخصم وقد وجد ذلك حين أعادها وما تقدم من الاداء وجوده كعدمه وإذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه وقرأه بحضرة الخصم وشهد الشهود على الختم وما فيه وهو مما يختلف فيه الفقهاء لم ينفذه المكتوب إليه الا أن يكون من رأيه لان الاول لم يحكم به وانما نقل الشهادة بكتابه إلى مجلسه فلا يحكم به الا إذا كان ذلك من رأيه كما إذا شهد الفروع عنده علي شهادة الاصول وهذا بخلاف ما إذا كان الاول قد قضى به وأعطى الخصم سجلا فالثاني ينفذ ذلك وان لم يكن من رأيه لان قضاء القاضى في المجتهدات نافذ (ألا ترى) أنه ليس للاول أن يبطل قضاءه وان تحول رأيه فكذلك ليس للثاني أن يبطل ذلك فأما في الكتاب الاول ما قضي بشئ (ألا ترى) أن له أن يبطل كتابه قبل أن يبعث به إلى الثاني وان الخصم لو حضر مجلسه لم يلزمه من ذلك شيئا فكذلك الثاني لا ينفذ كتابه الا أن يكون ذلك من رأيه ولا يقبل كتاب القاضي في شئ من الحدود والقصاص لان ذلك مما يندرئ بالشبهات
[ 98 ] الشرع ما أمرنا بالانتظار اضرارا بالمضروب فلو لم يقبل قوله فيما يظهر في ذلك المحل انه حادث بتلك الضربة لرجع ذلك إلى الاضرار به ولو شج رجلا موضحة فصارت منقلة فقال المضروب صارت منقلة من ذلك وقال الضارب حدثت فيها من غير فعل أحد فالقول قول الضارب بخلاف السن على طريقة الاستحسان لان هاهنا فعل المضارب انما عمل في اللحم دون العظم والمنقلة ما يكون عاملا في العظم فالضارب ينكر فعله في هذا المحل والظاهر يشهد له لان الفعل في المحل لا يؤثر فعلا آخر الا نادرا فاما في الاول فانما اسودت السن التى حلت الضربة بها فالظاهر شاهد للمضروب هناك وإذا قلع الرجل سن رجل أو صبي ثم نبتت فلا شئ على القالع لانه لم يبق لفعله أثر وعن أبى يوسف رحمه الله قال يلزمه حكومة عدل باعتبار الالم الذى لحقه وكذلك الظفر إذا قلعه فنبت فليس فيه حكومة عدل و لاارش لانه لم يبق فيه أثر وان نبتت السن سوداء ففيها ارش كامل لان الثابتة قائمة مقام المقلوعة فكان الاولى باقية قد اسودت وان نبت الظفر أغور ومتغيرا ففيه حكومة عدل بمنزلة الاول لو اغور بالضربة أو تغير وهذا لانه ليس في الظفر منفعة مقصودة وانما يكون فيه مجرد الجمال فإذا اسود أو تغير ينتقص معنى الجمال ولا يكون السواد في الظفر دليل موت الظفر (ألا ترى) أن في أنواع بنى آدم من يكون ظفرهم أسود خلقة حتى قالوا إذا كان المضروب من ذلك النوع ينبغى أن لا يجب شئ لانه لا ينتقص في حقه معنى الجمال قال وإذا قلع الرجل سن رجل خطأ فأخد المقلوع سنه فأثبتها مكانها فثبتت فعلى القالع ارشها لانها وان ثبتت لا تصيرها كما كانت (ألا ترى) انها لا تتصل بعروقها ولهذا جعل محمد رحمه الله تلك السن كالميتة حتى قال إذا كانت أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته معها و فرق أبو يوسف رحمه الله بين ما إذا أثبت في موضعها سن نفسه أو سن غيره في حكم جواز الصلاة وقال بينهما فرق ولا يحضرني وكذلك الاذن إذا أعادها إلى مكانها لانها لا تعود إلى ما كانت عليه في الاصل وان التصقت فأما إذا ابيضت العين من ضربة رجل ثم ذهب البياض منها فأبصر فليس على الضارب شئ لانه عاد الي ما كان عليه في الاصل ولم يبق الا الالم الذى لحقه بالضربة وباعتبارها لا يجب شئ وانما يجب باعتبار الاثر في المحل ولم يبق ولو شجه موضحة خطأ فسقط منها شعر رأسه كله فلم ينبت فعلى عاقلته الدية تامة لافساد المنبت ويدخل ارش الشجة في ذلك عندنا وقال زفر رحمه الله لا يدخل لان الشجة موجبة للضمان بنفسها وكذلك افساد منبت الشعر جناية على حدة ولا
[ 99 ] تدخل في ارش الجنايات فيما دون النفس ولكنا نقول وجوب ارش الموضحة باعتبار ذهاب الشعر دليل انه لو نبت الشعر علي ذلك الموضع واستوى كما كان لا يجب شئ وإذا وجب كمال بدل النفس باعتبار ذهاب الشعر لا يجب ما دونه باعتباره أيضا فان كان ذهب من الشعر بعضه فعلى الجاني الاكثر من أرش الشعر ومن ارش الشجة ويدخل الاقل في ذلك لان ايجاب الاكثر يتحقق باعتبار السبب معنى كما بينا وكذلك ان كان في الحاجب فان الموضحة في الوجه والرأس سواء والآمة لا تكون الا في الرأس أو الموضع الذى يتصل بالدماغ من الوجه والجائفة لا تكون الا في الظهر والبطن والجنب أو في الموضع الذى يتصل بالجوف حتى لو جرحه بين ذكره ودبره جراحة واصلة إلى جوفه تكون جائفة فأما في الفخذ والعضد فلا تتحقق الجائفة وكذلك في العنق وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله قال إذا وصلت الجراحة إلى موضع يحصل الفطر للصائم بوصول المفطر إليه تكون جائفة وان كان لا يحصل له الفطر بوصول المفطر إليه لا تكون جائفة ولو شجه فذهب من ذلك عقله فانه يلزمه الدية باعتبار ذهاب العقل وبدخل فيه ارش الموضحة عندنا وعلي قول الحسن رضى الله عنه لا يدخل لاختلاف محل الجناية فان محل الموضحة غير محل العقل بخلاف الشعر مع الموضحة ولكنا نقول ذهاب العقل في معنى تبديل النفس والحاقه بالبهائم فيكون بمنزلة الموت ولو شجه موضحة فمات من ذلك لزمه كمال الدية ودخل فيه ارش الشجة فأما إذا ذهب من الشجة سمعه أو بصره أو كلامه يلزمه الدية باعتبار هذه الاشياء ولا يدخل ارش الشجة في ذلك الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله قال وفى السمع والكلام يدخل ارش الشجة في الدية وفي البصر لا يدخل لان البصر ظاهر كالموضحة فقد يباين المحل حقيقة وحكما فأما السمع والكلام فمعنى باطن بمنزلة العقل فكما يدخل ارش الموضحة في الدية الواجبة باذهاب العقل فكذلك فيما تجب باذهاب السمع والكلام ولكنا نقول محل السمع غير محل الشجة وكذلك محل الكلام وبتفويتهما لا تتبدل النفس وانما تجب الدية لتفويت منفعة مقصودة منهما فيكون بمنزلة ذهاب البصر بالشجة فان ذهب بالشجة العقل والسمع والكلام والبصر فانه يجب عليه أربع ديات وقد روينا عن عمر رضى الله عنه أنه قضى على رجل بأربع ديات والمجني عليه حي * فان قيل كيف يستقيم هذا ولو مات من الشجة لا يلزمه الا دية واحدة وبموته فاتت هذه المنافع ثم لم يلزمه الا دية واحدة فبفوات هذه
[ 100 ] قد ذكروا أكثر الحدود واقامة الاكثر مقام الكل أصل في الشرع ثم مقدار الطول بذكر الحدين صار معلوما ومقدار العرض بذكر أحد الحدين بعد اعلام الطول يصير معلوما أيضا وقد تكون الارض مثلثة لها ثلاثة حدود فإذا كانت بهذه الصفة فلا خلاف أنه يكتفى بذكر الحدود الثلاثة وهذا بخلاف ما إذا غلطوا في ذكر أحد الحدود لان المشهود به بما ذكروا صار شيئا آخر والفرق ظاهر بين المسكوت عنه وما إذا خالفوا في ذكره كما إذا ادعي شراء شئ بثمن منقود فان الشهادة على ذلك تقبل وان سكت الشهود عن ذكر جنس الثمن ولو ذكروا ذلك واختلفوا فيه لم تقبل الشهادة فهذا مثله وان لم يحدوها ونسبوها إلى اسم معروف لم يجز ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله وجاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان التعريف بالشهرة كالتعريف بذكر الحدود أو أبلغ وذكر الحدود في العقارات كذكر الاسم والنسب في الآدمى ثم هناك الشهرة تغنى عن ذكر الاسم والنسب فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول بالشهرة يصير موضع الاصل معلوما فاما مقدار المشهود به لا يصير معلوما الا بذكر الحدود وجهالة المقدار تمنع من القضاء ومعنى هذا ان الدار المشهودة قد يزاد فيها وينقص منها ولا تتغير الشهرة بذلك بخلاف الآدمى فانه لا يزاد فيها ولا ينقص منه والحاجة هناك إلى اعلام أصله وبالشهرة يصر معلوما ولو جاء بكتاب قاض أن لفلان على فلان السدى عبد فلان بن فلان الفلاني كذا كذا أجرته لان المملوك يعرف بالنسبة إلى مالكه فالنسبة إلى الاب والقبيلة تتعطل بالرق وانما ينسب إلى مالكه (ألا ترى) ان الولاية على المملوك لمالكه دون أبيه فإذا نسبه إلى مالك معروف بالشهرة أو بذكر الاسم والنسب فقد تم تعريفه بذلك وكذلك ان نسب العبد إلى عمل أو تجارة يعرف بها فالتعريف في الحر يحصل بذلك في ظاهر الرواية فكذلك في العبد وان جاء بالكتاب ان العبد له لم يجز ذلك وهما في القياس سواء وقد بينا هذه المسألة في كتاب الآبق ما يقبل فيه كتاب القاضى وما لا يقبل (قال) وقال محمد رحمه الله لا يجوز عندنا كتاب القضاة في شئ بعينه لا في العقار فانه لا يتحول عن موضعه فاما فيما سوى ذلك من الاعيان لا يقبل كتاب القاضى إلى القاضى لان الاشارة إلى عينه عند الدعوى والشهادة شرط ولهذا لابد من احضاره بمجلس القضاء وإذا أتى كتاب القاضى الي القاضى وليس عليه عنوان وهو مختوم بخاتمه فشهدت الشهود أنه كتابه إليه وخاتمه فانه يفتحه لانه لو كان علي ظهره عنوان فيه لا يصير معلوما محكوما أنه كتاب القاضي إليه وانما يصير معلوما
[ 101 ] المحلان من نفس واحدة في معنى نفسين فكما أنه إذا قطع يد انسان فأصاب السكين يد آخر فقطع يده يجب الارش للثاني والقصاص للاول فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول هذه جناية وسرايتها وقد تعذر ايجاب القصاص باعتبار سرايتها فلا يجب القصاص باعتبار أصلها كما لو قطع مفصلا فشلت الاصبع وهذا لان السراية أثر الجناية وهو مع أصل الجناية في حكم فعل واحد فالدليل على أنه سرايتان أن فعله أثر في نفس واحدة والسراية عبارة عن آلام تتعاقب من الجناية على البدن وذلك يتحقق في نفس واحدة في موضعين منها كما يتحقق في الطرف مع أصل النفس إذا مات من الجناية بخلاف النفسين فان الفعل في النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الجناية الاولى إذ لا تتصور السراية من نفس إلى نفس فلا بد من أن يجعل ذلك في حكم فعل على حدة وهو خطأ ثم يعتبر حكم كل فعل بنفسه والدليل عليه أن منفعة كل أصبع تتصل بمنفعة الاخرى كما ان منفعة الاصابع تتصل بمنفعة الكف وكذلك هذا في اليدين من نفس واحدة بخلاف النفسين فلا اتصال لمنفعة احداهما بالاخرى وذكر في الجامع الصغير أنه لو شجه موضحة عمدا فذهب من ذلك بصره فلا قصاص عليه في الموضحة عند أبى حنيفة رحمه الله ولكن عليه الارش فيهما ونقل عن أبى يوسف ومحمد أن عليه القصاص في الموضحة والدية في البصر وهو نظير ما بينا وقد روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله في هذا الفصل أنه يجب القصاص فيهما لان اذهاب البصر عمدا يوجب القصاص وقد بينا ان سراية الفعل لا تخالف أصل الفعل في الصفة بخلاف الشلل فان الشلل غير موجب للقصاص فعلى هذه الرواية عن محمد لو قطع أصبعا منه عمدا فقطعت أصبع أخرى يجب القصاص فيها أيضا بخلاف ما إذا شلت أخرى لان في تفويت أصل الاصبعين عمدا القصاص والسراية بصفة أصل الفعل وليس في تفويت المنفعة بالشلل قصاص فمن هذا الوجه يقع الفرق ولو شجه موضحة فصارت منقلة أو كسر بعض سنه فاسود ما بقى أو قطع الكف فشل الساعد فلا قصاص في شئ من ذلك لان محل السراية هاهنا متصل بمحل الجناية فكان الفعل واحدا حقيقة وحكما وباعتبار ماله يتعذر ايجاب القصاص إذ لا قصاص في كسر العظم وسواد السن والشلل وقبل يلزمه الارش في جميع ذلك وإذا شجه منقلة عمدا وهو من أهل الابل غلظ عليه في الاسنان فجعل عليه عشر من الابل ارباعا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف وكذلك على هذا القياس في الآمة وغيرها اعتبار للجزء بالكل فان صفة التغليظ
[ 102 ] ثابتة في جميع الدية باعتبار صفة العمدية فثبت في ابعاضها وان كان ذلك خطأ وجب الارش اخماسا اعتبارا للبعض بالكل الا ان في العمد تجب في ماله وفي الخطأ يجب على عاقلته إذا بلغ الواجب ارش الموضحة وكذلك ينبغى علي طريقة القياس منها دون ارش الموضحة ان يكون على العاقلة وبالقياس أخذ الشافعي رضى الله عنه لانه اعتبر الجزء بالكل واعتبر ضمان اتلاف النفس بضمان اتلاف المال فانه لا فرق فيه بين القليل والكثير في حق من يجب عليه ولكنا استحسنا فجعلنا ما دون ارش الموضحة عليه في ماله لما روينا من الاثر فيه وإذا كان القاتل خطأ من أهل الابل فصالح على أكثر من عشرة آلاف درهم أو أكثر من ألف دينار نقدا أو نسيئة لم يجز أن يعطى أكثر من الدية لان مقدار الواجب من الدية ثابت بالنص فلا تجوز الزيادة عليه لما في الصلح على الزيادة من معنى الربا وبان كان القاتل من أهل الابل لا تخرج الدراهم والدنانير من أن تكون أصلا في الدية في حقه وعند الصلح على الدراهم يجعل كأنهما عينا الدراهم أولا ثم صالحه علي أكثر من ذلك فيكون ربا وكذلك لو كان من أهل الورق فصالح على أكثر من ألف دينار أو أكثر من مائة من الابل فالصلح باطل لان عند الاتفاق على أحد الاصناف يتعين ذلك الصنف الواجب منه مقدر شرعا فالزيادة عليه تكون ربا فأما في العمد الموجب للقود إذا أوقع الصلح على أكثر من الدية يجوز عندنا وفى أحد قولى الشافعي لا يجوز بناء على ما تقدم أن في أحد قوليه الواجب في العمد أحد شيئين يتعين ذلك باختيار الولى وإذا اختار الدية وهى مقدرة شرعا لا تجوز الزيادة عليها بطريق الصلح وعندنا الواجب هو القود لا غير فالمال الذى يلتزمه يكون عوضا عن القود ولا ربا بين ما ليس بمال وبين ما هو مال والدليل على جواز هذا الصلح ما روى أن فارسا من فرسان المسلمين قتل رجلا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فلما خرج ليقتل رأت الصحابة الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجوا وصالحوا أولياء القتيل على ديتين دية يعطيها القاتل ودية يتبرع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم بادائها فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صالحه في الخطأ أو العمد علي خمسين من الابل جاز أما في العمد فلا يشكل وفى الخطأ لانه أسقط بعض الواجب ولو أسقط الكل بالعفو لجاز فكذلك إذا أسقط البعض وكذلك لو صالحه على خمسمائة دينار قبل أن يقضى عليه بالدراهم وقال انما صالحتك عن الدية علي ذلك فهو جائز بطريق الاسقاط كأنهما عينا الدنانير ثم أسقط عنه النصف ورضى بالنصف
[ 103 ] ويكون الباقي مؤجلا في ثلاث سنين سواء ذكر الاجل أولم يذكره أما إذا لم يذكر الاجل فلان هذا الصلح ابراء عن البعض وليس فيه تعرض لما بقى فيبقى ما بقى على الوجه الذى كان عليه الكل في الابتداء وهو أنه مؤجل في ثلاث سنين وكذلك ان شرط الاجل فيما بقي من ثلاث سنين لان هذا الشرط يقرر مقتضى مطلق العقد ولا يقال هذا في معنى نسيئة بنسيئة لان ذلك عند تمكن المبادلة ولا مبادلة هاهنا انما هو اسقاط نصف الواجب فقط فأما إذا كان من أهل الابل فقضى عليه بالابل فصالحه من ذلك على شئ من العروض أو الحيوان بعينه بعد أن لا يكون مما فرض عليه الدية كان جائزا وان كان أكثر من الدية أضعافا ويأخذه حالا لان هذا استبدال بدين لا يستحق قبضه في المجلس ولا هو في حكم المبيع فيكون ذلك صحيحا وبنفس الاستبدال يملكه عينا والاجل في العين لا يتحقق وكذلك لو كان من أهل الورق أو الذهب فقضى عليه بشئ من ذلك ثم صالحه على عين من جنس آخر جاز وان جعل لما وقع عليه الصلح أجلا بان صالحه على طعام موصوف في الذمة مؤجل لا يجوز لانه بدل عما قضي عليه به من الدراهم أو الدنانير فيكون هذا شراء دين بدين وذلك حرام وكذلك ان قضى عليه بدراهم ثم صالحه على دنانير بعينها أكثر من ألف دينار أو أقل من ألف دينار يجوز بعدأن يقبض ذلك في المجلس وان صالحه على دنانير مؤجلة لا يجوز لانه صرف ولانه دين بدين وإذا أقر الرجل أنه قتل رجلا خطأ وادعى وليه العمد فله الدية في ماله استحسانا وفي القياس لا شئ له وهو قول زفر رحمه الله وجه القياس أن الولى ادعى عليه القود وهو منكر وهو أقر له بالمال وقد كذبه الولي في ذلك فلا يجب شئ (ألا ترى) انه لو أقر بالعمد وادعى الولي الخطأ لم يجب شئ فكذلك هاهنا وجه الاستحسان أن الولي يتمكن من أخذ المال الذى أقر له به القاتل مع اصراره على دعواه بان يقول حقى في القصاص ولكنه طلب منى ان آخذ المال عوضا عن القصاص وذلك جائز فعرفنا أنه ما صار مكذبا له فيما أقر به فاما إذا ادعي الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فان الولى لا يمكنه أن يأخذ المال لان القاتل يجحد موجب ذلك ولا يمكنه ان يأخذ القصاص مع اصراره على الدعوى لان استيفاء القصاص عوض عن المال * يوضح الفرق ان الولى حين ادعى العمد فقد ادعى أصل القتل والصفة والمقر بالخطأ صدقه فيما ادعي من أصل القتل وجحد ما ادعى من صفة العمدية فلا يعتبر تصديقه في أصل القتل بعد ما كذبه في الصفة لان موجب الاصل الذى صدقه فيه يخالف موجب الاصل بالصفة التى
[ 104 ] كذبه فيها وكذلك هذا الحكم فيما دون النفس مما يجب في العمد منه القصاص وإذا قتل النائم انسانا بان سقط عليه أو كان بيده شئ فضربه وهو نائم فعلى عاقلته الدية وعليه الكفارة قال وهذا خطأ وقد بينا أنه في معنى الخطأ في الحكم دون الخطأ حقيقة فان النائم ليس من أهل القصد أصلا الا أنه أوجب عليه الكفارة وجعله محروما من الميراث لتوهم ان يكون تناوم ولم يكن نائما حقيقة وهذا معتبر في حرمان الارث واما الكفارة فلتركه التحرز في موضع يتوهم أن يصير قاتلا لانسان في نومه بهذه الطريق وقد بينا ان الكفارة في الخطأ انما وجبت لترك التحرز والله أعلم بالصواب (باب الشهادة في الديات) (قال رحمه الله) وإذا شهد شاهدان على رجل بالقتل خطأ وشهد الآخر على اقرار القاتل بذلك فهذا باطل لانهما اختلفا في المشهود به فان أحدهما شهد بفعل والآخر بقول والقول غير الفعل وواحد منهما لا يثبت عند القاضى الا باتفاق الشاهدين عليه وكذلك لو شهدا على القتل واختلفا في الوقت أو المكان فان الشهادة لا تقبل لان الفعل لا يحتمل التكرار خصوصا القتل في محل واحد فكل واحد منهما يشهد بفعل غير ما يشهد به صاحبه وذلك يمنع قبول الشهادة كشهود الغصب إذا اختلفوا في المكان والزمان ثم هاهنا القاضى يوقن بكذب أحدهما لانه بعد ما قبل في يوم وفي مكان لا يتصور أن يقبله في مكان آخر في يوم آخر وبعد ما تيقن القاضى بكذب الشاهد لا يجوز له أن يقضى بشهادته وكذلك لو اختلفا فيما قتله به فقال أحدهما كان بحجر وقال الآخر بعصا لانهما اختلفا في المشهود به فالقتل بالحجر غير القتل بالعصا حقيقة وان كان حكمهما واحدا وكذلك لو قال أحدهما قتله عمدا وقال الآخر قتله خطأ فقد اختلفا في المشهود به لان الخطأ غير العمد وحكمهما مختلف وكذلك لو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لا أحفظ الذى كان به القتل لان الذى قال لا أحفظ ضيع بعض شهادته ولانه شاهد بفعل غير الفعل الذى شهد به صاحبه (ألا ترى) أنه يتمكن من أن يبين أنه قتله بالسلاح ولا يكون هذا البيان منه مخالفا لاول كلامه ولو قال الآخر مثل ذلك كان مناقضا في كلامه فعرفنا أنه شاهد بفعل غير الفعل الذى شهد به صاحبه فلا تقبل الشهادة وان قالا جميعا لا ندرى بم قتله فهو مثل الاول في القياس لانهما أقرا أنهما ضيعا شهادتهما
[ 105 ] ولان شرط قبول الشهادة اتفاقهما على فعل واحد ولا يكون ذلك الا بان يتفقا على آلة واحدة لان الفعل بدون الآلة لا يتحقق واتفاقهما على آلة واحدة لا يثبت بدون التنصيص فأما إذا قالا لا ندري فبهذا اللفظ لا يثبت الاتفاق على آلة واحدة لجواز أنهما إذا بين كل واحد منهما ولم يكن بيانه ذلك مخالفا لاول كلامه والمحتمل لا يثبت الا بحجة ولكنا نستحسن أن نجيز شهادتهما ونوجب عليه الدية في ماله لان الشرط اتفاقهما فيما صرحا به في شهادتيهما وذلك أصل القتل وقد ثبت بنص لااحتمال فيه وأصل القتل موجب للدية فاتفاقهما عليه يكون اتفاقا على هذا الموجب فأما القصاص فانما يجب باعتبار صفة العمدية ولم يتعرض الشهود لذلك وباختلاف الآلة انما يختلف حكم القصاص فتوهم اختلاف الآلة انما يعتبر في المنع من الحكم بالقصاص لا في المنع من الحكم بالمال فانه لا أثر لاختلاف الآلة في ذلك ولكن الدية هنا في ماله لان في تحمل العاقلة عنه معنى الشك والاحتمال فانه إذا كان عمدا لاتتحملها العاقلة ومع الشك يتعذر ايجابها على العاقلة فكانت في ماله * يوضحه ان الظاهر ان الشاهدين عرفا الآلة وان الفعل كان عمدا بسلاح لانهما شهدا بقتل مطلق والفعل المطلق يكون بآلته وآلة القتل السلاح وكذلك الفعل المطلق يكون من العامد الا انهما سترا ذلك لدرء القود ويحمل الولى على أن يكتفى بالدية وقد ندبا إلى ذلك بالشرع فلا يكون مبطلا شهادتهما بل يقضى بالدية في مال القاتل كما هو موجب شهادتهما وشهادة امرأتين مع رجل جائزة في قتل الخطأ وفى كل ما ليس فيه قصاص ولا تجوز فيما فيه قصاص وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضى لان القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وفى شهادة النساء ضرب شبهة لان الضلالة والنسيان يغلب عليهن وكذلك في الشهادة على الشهادة وكتاب القضى الي القاضي لانهما بدل وفى البدل القائم مقام الاصل ضرب شبهة فلا يثبت به ما يندرئ بالشبهات ويثبت به مالا يندرئ بالشبهات وهو المال ثم بهذه الشهادة إذا تعذر القضاء بالقصاص لا يقضي بالمال بخلاف مسألة الاقرار فان القاتل إذا أقر بالخطأ بعد ما ادعي الولى العمد يقضى بالمال لان هاهنا تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة الولى وهو اشتغاله باقامة حجة فيها شبهة والولى لا ينفرد بأخذ المال بدون رضا القاتل وهناك تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة القاتل وهو اقراره بالخطأ فينزل ذلك منزلة الرضا منه بأخذ المال وللولي أن يأخذ المال مكان القصاص برضا القاتل * يوضحه ان الاقرار موجب للحق بنفسه من غير قضاء القاضى فيتمكن الولى من أخذ ما أقر به القاتل وهو
[ 106 ] المال فاما الشهادة فلا توجب شيأ بدون قضاء القاضى والقاضى انما يقضى بما شهد به الشهود وقد تعذر عليه القضاء بذلك هاهنا لمكان الشبهة فلا يقضى بشئ وان شهد عليه رجلان بالعمد حبس حتى يسأل عنهما لانه صار متهما بالدم والسبيل في المتهم أن يحبس لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في التهمة وروى أن عمر رضى الله عنه رأى رجلا يعدو عليه ويقول أجرني يا أمير المؤمنين فقال من ماذا فقال من الدم فقال احبسوه الحديث وقد بينا في أول كتاب الحدود ان أخذ الكفيل في العقوبات غير ممكن لما في ذلك من معنى التوثق والاحتياط وانه يصار فيه إلى الحبس فان شهد عليه رجل واحد عدل حبسه أيضا أياما لانه صارمتهما بالدم فان خبر الواحد وان كان لايتم بالحجة فتثبت به التهمة خصوصا إذا كان المخبر عدلا ولان للشهادة شرطين العدد والعدالة وقد وجد أحد الشرطين هاهنا وهو العدالة فهو بمنزلة مالو تم عدد الشهود ولم تظهر عدالتهم فكما يحبس هناك فكذلك يحبس هاهنا فان جاء شاهد آخر والاخلى سبيله والعمد في ذلك والخطأ وشبه العمد سواء وكان ينبغى في القياس أن لا يحبس في الخطأ وشبه العمد لان الواجب فيهما المال وفي الديون التى هي غير المؤجلة لا يحبس ما لم تتم الحجة لظهور عدالة الشهود ففيما يكون مؤجلا إلى العاقلة أولى ولكنه ترك القياس لما ذكرنا ان المتهم بالدم يحبس فان القتل أمر عظيم الي أن يتبين موجبه لظهور عذر القاتل أو انتفاء عذره فإذا ادعى ولي القتل بينة حاضرة في المصر والقتل خطأ أخذ به من المدعى عليه كفيلا إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا زعم ان بينته غيب لان الدعوى دعوى الدين فالخطأ موجب الدية دينا وأخذ الكفيل بالنفس في دعوى الديون صحيح إذا ادعى بينة حاضرة في المصر فاما في العمد فلا يصار إلى أخذ الكفيل قبل اقامة البينة ولا بعدها ولكن قبل اقامة البينة يلازمه المدعي وبعد اقامة البينة يحبسه علي سبيل التعزير فان ظهرت عدالة الشهود كان القتل موجبا للقود وقضى عليه بالقود والله أعلم بالصواب (باب القسامة) (قال رحمه الله) وإذا وجد الرجل قتيلا في محلة قوم فعليهم أن يقسم منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم يغرمون الدية بلغنا هذا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي هذا أحاديث مشهورة منها حديث سهل بن أبى حثمة أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن
[ 107 ] ابن سهل وحويصة ومحيصة خرجوا في التجارة إلى خيبر وتفرقوا بحوائجهم فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر يتشحط في دمه فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه فأراد عبد الرحمن وهو أخو القتيل ان يتكلم فقال عليه الصلاة والسلام الكبر الكبر فتكلم أحد عميه حويصة ومحيصة وهو الاكبر منهما وأخبره بذلك قال ومن قتله قالوا ومن يقتله سوى اليهود قال تبركم اليهود بايمانها فقالوا لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه قال عليه السلام أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد فكره رسول الله صلي الله عليه وسلم ان يبطل دمه فوداه بمائة من ابل الصدقة وذكر الزهري عن سعيد بن المسيب ان القسامة كانت من أحكام الجاهلية فقررها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتيل من الانصار وجد في حي ليهود وذكر الحديث إلى أن قال فالزم رسول الله صلي الله عليه وسلم اليهود الدية والقسامة وفي رواية فكتب إليهم اما أن يدوه أو يأذنوا بحرب من الله ورسوله وذكر الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كتب الي أهل خيبر ان هذا قتيل وجد بين أظهركم فما لذى يخرجه عنكم فكتبوا إليه ان مثل هذه الحادثة وقعت في بنى اسرائيل فأنزل الله على موسى عليه السلام أمرا فان كنت نبيا فاسأل الله مثل ذلك فكتب إليهم ان الله تعالى أرانى أن أختار منكم خمسين رجلا فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم يغرمون الدية قالوا لقد قضيت فينا بالناموس يعنى بالوحي وروى حنيف عن زياد بن أبى مريم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى وجدت أخي قتيلا في بنى فلان فقال اختر من شيوخهم خمسين رجلا فيحفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا قال وليس لى من أخى الا هذا قال نعم ومائة من الابل وفي الحديث ان رجلا وجد بين وادعة وأرحب وكان إلى وادعة أقرب فقضى عليهم عمر رضي الله عنه بالقسامة والدية فقال حارث بن الاصبع الوادعي يا أمير المؤمنين لا أيماننا تدفع عن أموالنا ولا أموالنا تدفع عن أيماننا فقال حقنتم دماء كم بايمانكم وأغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم فهذه الآثار تدل على ثبوت حكم القسامة والدية في القتيل الموجود في المحلة على أهلها ونوع من المعنى يدل عليه أيضا وهو ان الظاهر ان القاتل منهم لان الانسان قلما يأتي من محلة إلى محلة ليقتل مختارا فيها وانما تمكن القاتل منهم من هذا الفعل بقوتهم ونصرتهم فكانوا كالعاقلة فاوجب الشرع الدية عليهم صيانة لدم المقتول عن
[ 108 ] الهدر وأوجب القسامة عليهم لرجاء أن يظهر القاتل بهذا الطريق فيتخلص غير الجاني إذا ظهر الجاني ولهذا يستحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم على أهل كل محلة حفظ محلهم عن مثل هذه الفتنة لان التدبير في محلتهم إليهم فانما وقعت هذه الحادثة لتفريط كان منهم في الحفظ حين تغافلوا عن الاخذ على أيدى السفهاء منهم أو من غيرهم فاوجب الشرع القسامة والدية عليهم لذلك ووجوب القسامة والدية على أهل المحلة مذهب علمائنا وقال مالك رضي الله عنه إذا كان بين أهل القتيل وأهل المحلة عداوة ظاهرة ولوث وتأثيره وكان العهد قريبا بدخوله في محلتهم إلى أن وجد قتيلا يؤمر الولى بان يعين القاتل منهم باعتبار اللوث وتفسير اللوث أن يكون عليه علامة القاتلين أو يكون هو مشهورا بعداوته ثم يحلف الولى خمسين يمينا بالله انه قتله فإذا حلف اقتص له من القاتل وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد فإذا حلف قضى له بالدية في ماله وإذا انعدمت هذه المعاني أو أبى الولى ان يحلف فالحكم فيه ما هو الحكم في سائر الدعاوى واحتج مالك رضي الله عنه بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سهل بن أبى حثمة أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم وفى رواية تحلفون وتستحقون وهذا تنصيص على ان اليمين على الولي وانه يستحق القصاص وفي الحديث ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قضى بالقود في القسامة وقضى به أبو بكر وعمر رضى الله عنهم وعن بعض الصحابة قال قتلنا قاتل ولينا في القسامة بامر رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يكن لنا حجة سوى اللوث وفي الحديث المعروف ان النبي صلى الله عليه وسلم قال البينة على المدعى واليمين على من أنكر الا في القسامة ففى هذا الاستثناء تنصيص على ان في القسامة اليمين علي المدعى فإذا حلف ترجح معنى الصدق في جانبه فيستحق المدعى وهو القود ثم قال الشافعي رضى الله عنه نرجح جانبه ولكن بحجة فيها ضرب شبهة والقصاص عقوبة يندرئ بالشبهة فيجب المال وهذا لان اليمين حجة من يشهد له الظاهر كما في سائر الدعاوى فان الظاهر يشهد للمدعي عليه لان الاصل براءة ذمته فاما في القسامة فالظاهر يشهد للمدعى عند قيام اللوث وقرب العهد فيكون اليمين حجة له * وحجتنا ما روينا من الآثار المشهورة وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث وقد بينا في كتاب الدعوى ان اليمين ليست بحجة صالحة لا ستحقاق فلس بها فكيف تكون حجة لاستحقاق نفس خصوصا في موضع يتيقن بان الحالف مجازف يحلف على ما لم يعاينه بحال محتمل في نفسه وهو اللوث وانما اليمين مشروعة لا بقاء ما كان على ما كان فلا
[ 109 ] يستحق بها ما لم يكن مستحقا فأما قوله أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فلا تكاد تصح هذه الزيادة وقد قال جماعة من أهل الحديث أو هم سهل بن أبى حثمة ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ولو ثبت فانما قال ذلك على طريق الانكار عليهم لا على طريق الامر لهم بذلك فانه لو كان على سبيل الامر لكان يقول اتحلفون فتستحلون دم صاحبكم فأما قوله اتحلفون وتستحقون فعلي سبيل الانكار كقوله تعالى أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم الآية وكذلك قوله تحلفون معناه أتحلفون كقوله تريدون عرض الدنيا معناه أتريدون وكان عليه الصلاه والسلام رأى منهم الرغبة في حكم الجاهلية حين أبو أيمان اليهود وبقولهم لا نرضي بيمين قوم كفار فقال ذلك على سبيل الزجر فلما عرفوا كراهة رسول الله صلي الله عليه وسلم لذلك رغبوا عنه بقولهم كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم يشاهد ثم يحتمل أن يكون اليهود ادعوا عليهم بنقل القتيل من محلة أخرى إلى محلتهم فصاروا مدعى عليهم فلهذا عرض عليهم اليمين والحديث الآخر لا يكاد يصح لما روي عن أيوب مولي أبى قلابة قال قلت عند عمر بن عبد العزيز وعنده رؤساء الناس فخوصم إليه في قتيل وجد في محلة وأبو قلابة جالس عند السرير أو خلف السرير فقال الناس قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقود في القسامة وأبو بكر وعمر والخلفاء بعدهم فنظر إلى أبى قلابة وهو ساكت فقال ما تقول قال عندك رؤساء الناس وأشراف العرب أرأيتم لو شهدتم رجلان من أهل دمشق على رجل من أهل حمص انه سرق ولم يرياه أكنت تقطعه فقال لاقال أرأيتم لو شهد أربعة من أهل حمص على رجل جن أهل دمشق انه زنى ولم يروه أكنت ترجمه فقال لا فقال والله ما قتل رسول الله صلي الله عليه وسلم نفسا بغير نفس الا رجلا كفر بالله بعد ايمانه أو زنا بعد احصانه أو قتل نفسا بغير نفس وقد قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالقسامة والدية على أهل خيبر في قتيل وجد بين أظهرهم فانقاد عمر بن عبد العزيز لذلك وهذا لان امراء بنى أمية كانوا يقضون بالقود في القسامة على ماروى عن الزهري قال القود في القسامة من أمور الجاهلية أول من قضى به معاوية فلهذا بالغ أبو قلابة في انكار ذلك وقوله أو عليه الصلاة والسلام الا في القسامة يعنى الايمان مكررة في القسامة بخلاف سائر الدعاوى معناه لا تنقطع الخصومة باليمين في القسامة بل يقضى بالدية بعدها بخلاف سائر الدعاوى ثم انما يقضى بالدية على عاقلة أهل المحلة في ثلاث سنين لان حالهم هنا دون حال من باشر القتل خطأ
[ 110 ] وإذا كانت الدية هناك على عاقلته في ثلاث سنين فها هنا أولي فان لم يكمل العدد خمسون رجلا كررت عليهم الايمان حتى يكملوا خمسين يمينا لما روى ان الذين جاؤا إلى عمر رضى الله عنه من أهل وادعة كانوا تسعة وأربعين رجلا منهم فحلفهم ثم اختار منهم واحدا فكرر عليه اليمين وهذا لان عدد اليمين في القسامة منصوص عليه ولا يجوز الاخلال بالعدد المنصوص عليه ويجوز تكرار اليمين من واحد كما في كلمات اللعان ولاولياء القتيل ان يختاروا في القسامة صالحي العشيرة من الذين وجد بين أظهرهم القتيل فيحلفونهم لان النبي عليه الصلاة والسلام قال لاخ القتيل اختر منهم خمسين رجلا فدل أن الخيار إليه وهو حقه يستوفى بطلبه واليه تعيين من يستوفى منه حقه وله أن يختار الشبان والفسقة منهم لان تهمة القتيل عليهم أظهر وله أن يختار المشايخ والصلحاء منهم لانهم يتحرزون عن اليمين الكاذبة أكثر مما يتحرز الفسقة فإذا علموا القاتل منهم أظهروه ولم يحلفوا وفي ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية علي عواقلهم وذكر في اختلاف زفر ويعقوب ان علي قول زفر القسامة والدية على عاقلة أهل المحلة قياسا لاحد الموجبين علي الآخر وعلى قول أبى يوسف لا قسامة علي العاقلة لان التحمل يجري في الدية ولا يجرى التحمل في اليمين ولو اختاروا في القسامة أعمى أو محدودا في قذف كان ذلك لهم لانهم أسوة غيرهم في الاهلية لليمين والنكول والخيار فيه إليهم دون الامام لان الحق لهم وانما أراد بهذا الفرق بين هذا وبين اللعان فان اللعان شهادة والمحدود في القذف والاعمى ليس لهما شهادة الاداء فأما هذه فيمين محضة قال في الاصل وكل ما يلزم العاقلة يلزم أهل الديوان والمعاقلة من أهل الديوان ولا يلزم النساء والذرية من ذلك شئ ولا يؤخذ من الرجل في كل سنة الا ثلاثة دراهم أو أربعة لما روى أن عمر رضى الله عنه لما دون الدواوين وفرض الاعطيات جعل المعاقل عليهم في أعطياتهم على كل رجل في كل سنة ثلاثة دراهم أو أربعة وهذا عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه العاقلة هم العشيرة على ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا ترى) أنه قال في حديث الجنين لاولياء الضاربة قوموا فدوه ولكنا نقول ما كانت الدواوين في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وانما كانوا يتناصرون بالقرابة بعد الدين فلما دون عمر رضى الله عنه الدواوين جعل التعاقل بالديوان لانه باعتبار التناصر والتناصر بالديوان دون القبيلة فان أهل الديوان وان كانوا من قبائل شتى يقوم بعضهم بنصرة بعض وربما تظهر العداوة مع من هو من قبيلته من أهل ديوان آخر أكثر مما تظهر مع غيره على ما
[ 111 ] روى أنه في الجمل وصفين كان يقوم أهل كل قبيلة من أحد الصفين بمقاتلة تلك القبيلة من الصف الآخر ثم الاخذ من العاقلة على وجه لا يؤدى إلى الاجحاف بهم وذلك في أن يؤخذ منهم في كل سنة القدر الذى سمى فان لم يسع ديوان أولئك القوم ضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب حتى لا يقع على كل واحد منهم الا ثلاثة دراهم أو أربعة ولا يدخل في ذلك النساء والذراري لانهم أتباع لا تقوم النصرة بهم وتمام بيان هذا الكلام في هذا الفصل في كتاب المعاقل والقبائل والذى حلف في القسامة والذى لم يقبل ولم يشهد في ذلك كل سواء الدية عليهم على أهل الديوان لانها مأخوذة من أعطياتهم وقد استوى في الاعطيات من شهد منهم ومن غاب وكذلك في ظاهر الرواية من كان غائبا و من كان حاضرا من أهل المحلة في القسامة سواء وعن أبى يوسف رحمه الله قال من علمت أنه كان غائبا حين وقعت هذه الحادثة لا أدخله في القسامة لانه ليس عليه من تهمة القتل شئ ولم يكن قائما في حفظ المحلة والتدبير فيها حين وقعت هذه الحادثة ووجه ظاهر الرواية أن السبب كونه من أهل المحلة لاتهمة القتل فان الفقهاء والمشايخ وصالحي أهل المحلة يحلفون وليس عليهم من تهمة القتل شئ وهذا السبب لا ينعدم بكونه غائبا عن المحلة وإذا وجد القتيل بين قريتين أو سكتين فالى أيهما كان أقرب كان عليهم القسامة والدية لحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن قتيلا وجد بين قريتين على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فأمر أن يمسح بينهما فوجد إلى احدى القريتين أقرب بشبر فقضي عليهم بالقسامة والدية وعن عمر رضى الله عنه في القتيل الموجود بين وادعة وأرحب أمر بان يقاس بين القبيلتين وكان إلى وادعة أقرب فجعلها عليهم ولان من يقرب من موضع فهو أحق بحفظ ذلك الموضع والتدبير فيه ممن يكون أبعد من ذلك الموضع فان نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا لان الايمان في القسامة حق مقصود لتعظيم أمر الدم ومن لزمه حق مقصود لا تجرى النيابة في ايفائه فإذا امتنع منه فانه يحبس ليوفى كما كلمات اللعان وإذا وجد القتيل في قرية أصلها لقوم شتى فيهم المسلم والكافر فالقسامة على أهل القرية المسلم منهم والكافر فيه سواء لان رسول الله صلي الله عليه وسلم أوجب القسامة على أهل خيبر وكانوا من اليهود ثم يعرض عليهم الدية فما أصاب المسلمين من ذلك فعلى عواقلهم وما أصاب أهل الذمة فان كانت لهم معاقل فعليهم والا ففى أموالهم كما لو باشروا بأيديهم القتل خطأ وإذا وجد القتيل في قبيلة بالكوفة وفيها سكان وفيها من قد اشترى من دورهم
[ 112 ] فالقسامة والدية على أهل الخطة دون السكان والمشترين وهذه فصول أحدها أنه ما بقى في المحلة أحد من أصحاب الخطة فليس على المشترين من ذلك شئ في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف وهو قول ابن أبى ليلي المشترون في ذلك كاصحاب الخطة لانهم قاموا مقام البائع ولانهم ملاك لبعض المحلة كاصحاب الخطة وفيما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف سبب الملك كاستحقاق الشفعة (ألا ترى) أن في القتيل الموجود في دار رجل لا فرق بين أن يكون صاحب الدار مشتريا أو صاحب خطة فكذلك في القتيل الموجود في المحلة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا صاحب الخطة أخص بتدبير المحلة من المشترين (ألا ترى) أن المحلة تنسب إلى أصحاب الخطة دون المشتريين وان المشترين قل ما يزاحمون أهل الخطة في التدبير والقيام بحفظ المحلة فكان صاحب الخطة أخص بحكم القسامة والدية من المشتريين أيضا بمنزلة صاحب الدار في القتيل الموجود في داره مع أهل المحلة لما كان هو أخص بالتدبير في داره كان موجب ذلك عليه ثم المشترون اتباع لاصحاب الخطة وما بقى شئ من الاصل يكون الحكم له دون التبع وقيل انما أجاب أبو حنيفة رحمه الله بهذا بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في زمانه أن أصحاب الخطة في كل محلة هم الذين يقومون بتدبير المحلة ولا يشاركهم المشترون في ذلك فاما إذا لم يبق من أصحاب الخطة أحد وفيها سكان ومشترون فهى عليهم وهو قول ابن أبى ليلى لان رسول الله صلي الله عليه وسلم قضى بها على أهل خيبر وقد كانوا سكانا (ألا ترى) أن عمر رضى الله عنه أجلاهم منها إلى الشام وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله أن التدبير في أهل المحلة إلى أصحاب الملك دون السكان لان السكان يتنقلون في كل وقت من محلة إلى محلة دون أصحاب الملك والدليل عليه أن ما ينبنى من الغنم شرعا على القرب يختص به أصحاب الملك دون السكان وهو الشفعة فكذلك ما يكون من الغرم شرعا ولا حجة في حديث خيبر فانهم كانوا ملاكا قد أقرهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكنه استثنى بقوله أقركم ما أقركم الله فلهذا أجلاهم عمر رضى الله عنه وما وظف عليهم كان بطريق الخراج الا أن يقال يملك عليهم الاراضي وقد بينا هذا في المزارعة ومن فروع هذه المسألة إذا وجد قتيل في السجن فعند أبى حنيفة ومحمد على بيت المال وعند أبى يوسف رحمه الله على أهل السجن لانهم بمنزلة السكان في ذلك الموضع وهم الذين يقومون بتدبير ذلك الموضع ما داموا فيه ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا أهل السجن مقهورون في المقام في ذلك الموضع وهم قل
[ 113 ] ما يقومون بحفظه والتدبير فيه الا بقدر حاجتهم ثم ذلك الموضع معد لمنفعة المسلمين فدية القتيل الموجود فيه تكون على المسلمين في بيت مالهم ولو وجد القتيل في دار رجل قد اشتراها وهومن غير أهل الخطة فأهل الخطة برآء من ذلك والقسامة علي صاحب الدار وعلى قومه الدية لان التدبير في حفظ الملك الخاص الي المالك دون أصحاب الخطة من أهل المحلة والقتيل الموجود في ملك خاص يجعل كان صاحب الملك هو القاتل له في حكم القسامة والدية فلهذا كانت القسامة عليه والدية علي عاقلته وإذا كانت الدار بين رجلين فوجد فيها قتيل وأحدهما أكثر نصيبا من الآخر فالدية على عواقلهما نصفين لان القيام بحفظ المكان والتدبير فيه يكون باعتبار أصل الملك لا باعتبار قدر الملك وقد استويا في أصل الملك (ألا ترى) أنه في المغنم المستحق بسبب الملك يعتبر أصل الملك وهو الشفعة فكذلك في الغرم وإذا وجد الرجل قتيلا في دار نفسه فعلى عاقتله الدية في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد لا شئ عليهم لانه لو وجد غيره قتيلا في هذه الدار جعل هو كالمباشر لقتله في حكم الدية فإذا وجد هو قتيلا فيها يجعل كانه باشر قتل نفسه ومن قتل نفسه كان دمه هدرا والدليل عليه أن المكاتب إذا وجد قتيلا في دار من كسبه لا يجب فيه شئ لهذا المعنى وكذا لو ان عبده وجد قتيلا فيه كان موجبه عليه فإذا وجد هو فيها قتيلا لا يجب له علي نفسه شئ فكذلك في الحر ولا ينظر الي كون الدار في الحال لورثته لان الوجوب باعتبار أصل الجناية وعند الجناية كانت الدار مملوكة (ألا ترى) أنه لا تجب القسامة هاهنا ولو كان المعتبر هو الحال لكانت الدية على عاقلة ورثته وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله عليه الصلاة والسلام لا يترك في الاسلام مفرح أي مهدر الدم والمعنى فيه أنه وجد قتيلا في موضع لو وجد غيره قتيلا في ذلك الموضع كانت الدية عليه وعلى عواقله فإذا وجد هو قتيلا فيه كانت الدية على عواقله كما لو وجد واحد من أهل المحلة قتيلا في المحلة تجب الدية والقسامة على أهل المحلة بهذا المعنى ولهذا لا تجب القسامة هاهنا لانه لو وجد غيره فيه قتيلا لكانت القسامة عليه دون عاقلته فإذا وجد هو قتيلا فيه يتعذر ايجاب القسامة بخلاف الدية وحقيقة المعنى فيه ان السبب وجود القتيل في ذلك المكان كما نص عليه عمر رضي الله عنه وانما أغرمكم الدية بوجود القتيل بين أظهركم وحين وجد هو قتيلا الدار مملوكة لورثته لا له لانه ليس من أهل الملك فتكون الدية عليهم وانما قال الدية على عاقلته بناء على الظاهر وهو أن عاقلة الوارث والمورث تتحد فان كان في موضع تختلف العاقلة فينبغي
[ 114 ] على قياس هذه الطريقة أن تكون الدية على عاقلة الورثة وهو الاصح وعلي قياس الطريقة الاولي علي عاقلة القتيل ثم إذا وجد غيره قتيلا في داره انما يجعل الدية والقسامة عليه باعتبار الظاهر لان الظاهر أن غيره لا يتمكن من ذلك في ملكه وهذا لا يوجد فيما إذا وجد هو قتيلا فيها فالظاهر أن الانسان لا يقتل نفسه فلهذا يجعل كان غيره قتله وعند القتل كان التدبير في حفظ ذلك الموضع إليه فإذا فرط في ذلك وجبت الدية على عاقلته لورثته * فان قيل إذا قلتم تجب الدية علي عاقلة الورثة فكيف يستقيم أن تعقلوا عنهم * قلنا لان الدية تجب للمقتول حتى انه يقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه ثم يخلفه الوارث وهو نظير الصبي أو المعتوه إذا قتل أباه فانه تجب الدية على عاقلته ويكون ميراثا له وهذا بخلاف المكاتب يوجد قتيلا في دار نفسه لان هناك إذا وجد غيره قتيلا انما يجعل هو كالقاتل له باعتبار عقد الكتابة وعقد الكتابة باق بعدما وجد هو فيه قتيلا فلهذا جعل كانه قتل نفسه فأما هاهنا إذا وجد غيره قتيلا انما يجعل هو كالقاتل له لقيام ملكه في الدار حين وجد القتيل وذلك غير موجود فيما إذا وجد هو قتيلا فيه فان الملك منتقل إلى ورثته فلهذا افترقا والقتيل عندنا كل ميت به أثر فان لم يكن به أثر فلا قسامة فيه ولادية انما هذا مبت لان حكم القسامة ثبت شرعا في المقتول والمقتول انما مات حتف أنفه بالاثر فمن لا أثر به فهو ميت فلا حاجة بنا إلى صيانة دمه عن الهدر بخلاف من به أثر وهو نظير من وجد في المعركة وبه أثر يكون شهيدا لا يغسل فان لم يكن به أثر غسل وكذلك ان كان الدم يخرج من موضع يخرج الدم منه عادة من غير جرح في الباطن كالانف فلا قسامة فيه وان كان لا يخرج الدم منه عادة الا بجرح في الباطن كالاذن فهو قتل وقد بينا هذا في الشهيد وان ادعى أهل القتيل على بعض أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم فقالوا قتله فلان عمدا أو خطأ لم يبطل هذا حقه وفيه القسامة والدية لانهم ذكروا ما كان معلوما لنا بطريق الظاهر وهو أن القاتل واحد من أهل المحلة ولكنا لا نعلم ذلك حقيقة وكذلك بدعوى الاولياء على واحد منهم بعينه لا يصير معلوما لنا حقيقة انه هو القاتل فإذا لم يستفد بهذه الدعوى شيأ لا يتغير به الحكم فتبقى القسامة والدية على أهل المحلة كما كان وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمه الله انه أسقط القسامة عن أهل المحلة لان دعوى المولى على واحد منهم بعينه يكون ابراء لاهل المحلة عن القسامة في قتيل لا يعرف قاتله فإذا زعم الولى انه يعرف القاتل منهم بعينه صار مبرئا لهم عن القسامة
[ 115 ] وذلك صحيح منه فان أقام الولى شاهدين من غير أهل المحلة على ذلك الرجل فقد أثبت عليه القتل بالحجة فيقضى عليه بموجبه وان أقام شاهدين من أهل المحلة عليه بذلك لا تقبل شهادتهما لان أهل المحلة خصماء في هذه الحادثة ما بقيت القسامة والدية عليهم فكانوا متهمين في هذه الشهادة وكانوا بمعنى الشاهدين لانفسهم وإذا لم تقبل شهادتهما قال أبو يوسف رحمه الله ان اختار الولي الشاهدين من جملة من يستحلفهم يحلفهما بالله ما قتلنا لانهما زعما انهما يعلمان القاتل فلا معنى لا ستحلافهما علي العلم وانما يستحلفان على البتات بالله ما قتلنا وقال محمد رحمه الله يحلفان بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا سوى فلان لان ما هو المقصود يحصل بهذا الاستثناء فلا يجوز اسقاط اليمين على العلم في حقهما كما لا يجوز في حق غيرهما وان ادعى الاولياء على غير أهل المحلة فقد أبرؤا أهل المحلة من ذلك حتى لا تسمع دعواهم بعد ذلك على أهل المحلة للتناقض فان أقاموا شاهدين بذلك على المدعى عليه من أهل المحلة فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله لا تقبل شهادتهما وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تقبل شهادتهما على القاتل بذلك * وجه قولهما ان أهل المحلة حين وجد القتيل بين أظهرهم بعرض أن يكونوا خصماء لوادعى الولي عليهم فإذا ادعى على غيرهم فقد زالت هذه العرضية وتبين انهم لم يكونوا خصماء في هذه الحادثة أصلا فوجب قبول شهادتهم فيها كالشفيع إذا شهد بالبيع بعد ما سلم الشفعة فانه تقبل شهادته والوكيل بالخصومة إذا عزل قبل أن يخاصم ثم شهد في تلك الحادثة تقبل شهادته لهذا المعنى ولان البراءة قد وقعت لاهل المحلة بدعوى الولى على غيرهم على البتات بدليل انهم لا يطالبون بشئ بسبب هذه الحادثة بعد هذا الحال فكانوا بمنزلة غيرهم في الشهادة فيها ولانا انما كنا نحلفهم علي العلم ليظهروا القاتل ان علموا فيستحيل ان يظهروا ذلك حسبة بالشهادة ولا يكون مقبولا منهم بخلاف ما إذا كانت الدعوى على واحد منهم لان هناك لا يظهرونه حسبة بالشهادة بل يسقطون به القسامة والدية عن أنفسهم فكانوا متهمين فيها وأبو حنيفة رضى الله عنه يقول أهل المحلة صاروا خصماء في حادثة لا تقبل شهادتهم فيها وان خرج من الخصومة كالوكيل إذا خاصم في المجلس يعنى مجلس الحكم ثم عزل فشهد وانما قلنا ذلك لان السبب الموجب للدية والقسامة عليهم وجود القتيل بين أظهرهم كما قال عمر رضي الله عنه وانما أغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم وبدعوى الولي علي غير أهل المحلة لا يتبين ان هذا السبب لم يكن ولكن خرجوا من الخصومة بعد أن كانوا خصماء لكون الولي مناقضا في الدعوى
[ 116 ] عليهم بعد ذلك وتأثيره انه يحتمل انهم قصدوا بالشهادة تأكيد تلك البراءة وان الولى قصد بتلك البراءة تصحيح شهادتهم له وكذلك تتمكن تهمة المواضعة بينهم وبين الولي فتواضعهم على أن يدعى علي غيرهم ليشهدوا له فلتمكن التهمة من هذا الرجل امتنع قبول الشهادة لانها ترد بالتهمة وان ادعى أهل المحلة علي رجل من عندهم انه هو الذى قتله وأقاموا عليه بينة من غيرهم قبلت بينتهم لانهم يسقطون بهذه البينة الخصومة عن أنفسهم ومن ادعى نفى الخصومة عن نفسه وأثبته بالبينة كان مقبولا منه كما لو أقام ذو اليد البينة ان العين وديعة في يده لفلان ثم ادعاه الاولياء علي ذلك الرجل أخذوه بالدم وان لم يدعوا عليه ذلك لم يكن عليه ولا علي أهل المحلة شئ لان أهل المحلة خصماء في اسقاط القسامة والدية عن أنفسهم لا في اثبات موجب القتل علي غيرهم انما الخصم في ذلك الولي فلا بد من دعواه ليقضى بموجب القتل علي ذلك الرجل وإذا وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو نصف البدن ومعه الرأس في محلة فعلي أهلها القسامة والدية لان هذا قتيل وجد في محلتهم وللاكثر حكم الكمال وان وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف ومعه الرأس أو وجدت رجله أو يده أو رأسه فلا شئ عليهم فيه لان الموجود ليس بقتيل إذ الاقل لا يجعل بمنزلة الكل ثم هذا يؤدى إلى تكرار القسامة والدية في قتيل واحد فانا لو أوجبنا بوجود النصف في هذه المحلة القسامة والدية علي أهلها لم نجد بدا من أن نوجب إذا وجدنا النصف الآخر في محلة أخرى القسامة والدية على أهلها وتكرار القسامة والدية في قتيل واحد غير مشروع وهذا نظير ما تقدم في حكم الصلاة عليه وإذا وجد العبد أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد قتيلا في محلة وجبت القسامة والقيمة على عاقلتهم في ثلاث سنين لان القيمة في المماليك بمنزلة الدية في الاحرار ولنفس المملوك من الحرمة ووجوب الصيانة عن الهدر ما لنفس الحر بدليل مباشرة القتل وأما الدواب والبهائم والعروض فلا قسامة فيها ولا قيمة لانه مال مبتذل ليس له من الحرمة ما للنفس ولا تجب صيانته عن الاهدار لا محالة وفى الحكم الثابت شرعا بخلاف القياس انما يلحق بالمنصوص ما يكون في معناه من كل وجه فاما ما ليس في معناه من كل وجه فلا يلحق به وان وجد فيهم جنين أو سقط فليس عليهم شئ لان هذا بمنزلة الجزء من وجه كاليد والرجل وان كان تاما وبه أثر فهو قتيل وفيه القسامة والدية لان لنفس الصغير من الحرمة ما لنفس الكبير فكان هذا في معنى المنصوص عليه من كل وجه ولو وجد الحر قتيلا في دار أبيه أو أمه أو المرأة في دار زوجها
[ 117 ] ففيه القسامة والدية على العاقلة ولا يحرم الميراث لان حرمان الميراث جزاء مباشرة القتل بصفة الخطر وذلك لم يثبت على صاحب الدار لوجود القتيل في داره وانما جعل وجود القتيل في داره بمنزلة مباشرته في حكم القسامة والدية خاصة للصيانة عن الهدر فهو نظير التسبب الذى قام مقام المباشرة في حكم الدية خاصة دون حرمان الميراث وان وجد العبد قتيلا في دار مولاه فلا شئ فيه لانه ماله فهو بمنزلة مالو باشر قتله بيده الا أن يكون عليه دين فحينئذ يجب على المولى قيمته حالة في ماله لغرمائه كما لو قتله بيده لان ماليته حق الغرماء و إذا وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه فالقيمة علي مولاه في ماله كما لو باشر قتله بيده وهذا لان المكاتب مملوك له فبد له من وجه مملوك له والعاقلة لاتتحمل عنه له فيكون في ماله ولكن تجب القيمة بالقتل فيكون مؤجلا في ثلاث سنين ثم يستوفى منه ما بقى ما من مكاتبه ويحكم بحريته وما بقى يكون ميراثا وإذا وجد الرجل قتيلا على دابة يسوقها رجل أو يقودها أو هو راكبها فهو على الذى معه لانه هو المختص بتدبير هذه الدابة وباليد عليها (ألا ترى) انها لو وطأت انسانا كان ذلك عليه وكذلك إذا وجد عليها قتيلا فان لم يكن مع الدابة أحد فهو على أهل المحلة الذين وجد فيهم القتيل على الدابة لان وجوده على الدابة كوجوده في الموضع الذى فيه الدابة موقوفة فانهم أحق الناس بتدبير تلك البقعة وتدبير ما فيها ممالا يعرف في غيرهم وكذلك الرجل يحمل قتيلا فهو عليه لان يده على نفسه أقوى من يده على داره وإذا وجد في داره قتيلا كانت القسامة والدية عليه فإذا وجد القتيل على ظهره أو على رأسه أولى وإذا وجد القتيل في سفينة فالقسامة على من في السفينة من الركاب وغيرهم من أهلها من الذين هم فيها والدية عليهم أما عند أبى يوسف رحمه الله فلا يشكل لانه يجعل السكان والملاك في القتيل الموجود في المحلة سواء فكذلك في القتيل الموجود في السفينة واما عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ففى المحلة السكان لا يشاركون الملاك لان التدبير في المحلة إلى الملاك دون السكان وفى السفينة الظاهر انهم في تدبيرها سواء إذا حزبهم أمر يوضحه ان السفينة تنقل فيكون المعتبر فيها اليد دون الملك فانها مركب كالدابة فكما ان المعتبر في القتيل الموجود علي الدابة هو اليد دون الملك فكذلك في القتيل الموجود في السفينة وهم في اليد عليها سواء واذ وجد القتيل في نهر عظيم يجرى الماء به فلا شئ فيه لان مثل هذا النهر لايد لاحد عليه فقهر الماء يمنع قهر غيره عليه فهو كالقتيل الموجود في المغارة في موضع لاحق لاحد فيه الا أن
[ 118 ] يكون نهرا صغيرا لقوم معروفين فهو عليهم لانه منسوب إليهم (ألا ترى) ان التدبير في كريه واجراء الماء فيه إليهم وهم أحق الناس بالانتفاع بمائه سقيا لاراضيهم فكان بمنزلة المحلة والفرق بين النهر العظيم والصغير ما بينا في الشفعة فهو نهر عظيم مثل الفرات وجيحون فان كان إلى جانب الشاطئ محبسا فهو علي أقرب القرى إليه والارضين فعليهم القسامة والدية لان الحبس إلى جانب الشاطئ كالملقي على الشاطئ والذين هم بقرب ذلك الموضع أخص بالدبير فيه لانهم يسقون الماء منه ويسوقون دوابهم إلى ذلك الموضع للسقي وإذا كانوا بالقرب من ذلك الموضع بحيث يسمعون صوت من وقف على ذلك الموضع فان كانوا لا يسمعون ذلك فلا شئ عليهم فيه هكذا فسره الكرخي وان وجد قتيلا في فلاة فليس فيه شئ قال الكرخي رحمه الله وهذا إذا لم يكن ذلك الموضع قريبا من العمران فان كان قريبا من العمران بحيث يبلغ أعلي صوته أهل العمران في ذلك الموضع فهو عليهم لانه الموضع الذى ينتهى إليه صوته من العمران وهم أحق بالتدبير فيه لرعى مواشيهم (ألا ترى) أنه ليس لاحد ان يبنى في ذلك الموضع بغير رضاهم فاما ما وراء ذلك فهو من جملة الموات لاحق لاحد فيه فلا يجب فيه شئ وان وجد في سوق المسلمين أو مسجد جماعتهم فهو على بيت المال والمراد سوق العامة والمسجد الجامع لان ذلك لجماعة المسلمين وهم في التدبير في ذلك الموضع والقيام بحفظه سواء وما يجب على جماعة المسلمين يؤدي من بيت مالهم لان مال بيت المال معد لذلك وليس فيه قسامة لان المقصود بالقسامة نفى تهمة القتل وذلك لا يتحقق في جماعة من المسلمين فأما إذا كان في سوق خاص لاهل صنعة ينسب ذلك السوق إليهم فهو بمنزلة المحلة المنسوبة إلى قوم مخصوصين وكذلك ان كان في مسجد محلة فهو على أهل تلك المحلة لانهم أحق الناس بالتدبير فيها من حيث فتح الباب واغلاقه ونصب المؤذن والامام فيه بمنزلة الموجود في محلتهم وان كان في دار رجل خاص يملكها في السوق فعلى عاقلته القسامة والدية لان المالك هو المختص بتدبير ملكه وبالامر بحفظ ملكه لكيلا يقع فيه مثل هذه الحادثة وفي هذا المعنى لا فرق بين أن يكون ملكه في السوق أو في المحلة وإذا جرح الرجل في محلة أو أصابه حجر لا يدرى من رماه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعلى أهل تلك القبيلة القسامة والدية فان كان صحيحا يجئ ويذهب فلا شئ فيه وعلي قول ابن أبى ليلي لا شئ عليهم في الوجهين وهو قول أبى يوسف
[ 119 ] الآخر لان القسامة والدية في القتيل الموجود في المحلة والجريح غير القتيل ولو جعل موته محالا على تلك الجراحة لما افترق الحال بين ما إذا كان صاحب فراش أو كان يذهب ويجئ بعد تلك الجراحة كما لو كان الجارح معلوما وجه قولنا انه إذا كان صاحب فراش فهو مريض والمرض إذا اتصل به الموت يجعل كالميت من أول سببه (ألا ترى) أن في حكم التصرفات جعلت هذه الحال كالحال بعد موته فكذلك في حكم القسامة والدية يجعل كانه مات حين جرح في ذلك الموضع فأما إذا كان صحيحا يذهب ويجئ فهو في حكم التصرفات لم يجعل كالميت من حين جرح فكذلك في حكم القسامة والدية وعلى هذا الجريح إذا وجد على ظهر انسان يحمله إلى بيته فمات بعد يوم أو يومين فان كان صاحب فراش حتى مات فهو على الذى كان يحمله كما لو مات على ظهره وان كان يذهب ويجئ فلا شئ علي من حمله وفي قول ابن أبى ليلى لا شئ في الوجهين وإذا وجد القتيل في العسكر والعسكر في أرض فلاة فهو على القبيلة التي وجد في رحالهم لانهم سكان في ذلك الموضع ماداموا نازلين وأهل كل قبيلة ينزلون في موضع لا ينازعهم غيرهم في تدبير ذلك الموضع فكانوا كاهل المحلة والموضع الذى لا ملك لا حد فيه المعتبر هو اليد وأهل القبيلة الذين وجد القيل في رحالهم هم المختصون باليد في ذلك الموضع فان كان العسكر في ملك رجل فعلى عاقلة صاحب الارض القسامة والدية لان المالك هو المختص بالتدبير في ملكه وولاية حفظ ملكه إليه وقد بينا أن لا معتبر بالسكان مع الملاك وقيل في قياس قول أبى يوسف رحمه الله ينبغى أن يكون على النازلين في ذلك الموضع لان عنده السكان كالملاك وان كان العسكر بفلاة من الارض فوجد القتيل في فسطاط رجل فعليه القسامة وتكون عليه الايمان وعلى عاقلته الدية لانه مختص بحفظ الفسطاط والتدبير فيه بمنزلة صاحب الدار في داره ولم يذكر في الكتاب في القتيل الموجود في المحلة إذا كان فيها خمسون رجلا أو أكثر وأراد أن يعين واحدا منهم ليكون عليه اليمين خمسين مرة هل له ذلك أم لا وقد روى عن محمد رحمه الله انه ليس له ذلك لان تكرار اليمين على واحد ليس فيه فائدة وانما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة هاهنا وانما الضرورة في القتيل الموجود في دار رجل أو فسطاطه وان وجد القتيل بين قبيلين من العسكر فعليهما جميعا القسامة والدية إذا كان القتيل اليهما سواء بمنزلة الموجود بين المحلتين إذا كان اليهما سواء وان كان أهل العسكر قد لقوا عدوهم فلا قسامة في
[ 120 ] القتيل ولادية لان الظاهر انه قتيل الاعداء عندما التقي الصفان للقتال الظاهر أن الانسان بعد اللقاء انما يقتل من يعاديه لامن يوازره وانما كنا نوجب القسامة والدية على أهل المحلة باعتبار نوع من الظاهر وقد انعدام ها هنا فان كان العسكر مختلطا فوجد في طائفة منهم قتيل فهو على أقرب أهل الاخبية إليه على من في الخباء جميعا لان تدبير ذلك الموضع إليهم وقد بينا أن القرب معتبر في حكم القسامة والدية وإذا وجد القتيل في قبيلة فانه لا يقبل في القسامة النساء والصبيان والمماليك من المكاتبين وغيرهم ومعتق البعض في قول أبى حنيفة رحمه الله كالمكاتب لان هؤلاء اتباع في السكنى والظاهر انهم لا يزاحمون أهل القبيلة في التدبير في قتيلهم ولانهم لا يقومون بحفظها دون الرجال البالغين ثم المعتبر في القسامة والدية النصرة والنصرة لا تقوم بالنساء والصبيان وإذا وجد القتيل في دار امرأة في مصر ليس فيه من عشيرتها أحد فان الايمان تتكرر على المرأة حتى تحلف خمسين يمينا ثم تفرض الدية على أقرب القبائل منها وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله وهو قول أبى حنيفة رحمه الله وهو قول أبى يوسف ومحمد الاول ثم رجع أبو يوسف وقال يضم إليها أقرب القبائل منها فيقسمون ويعقلون وجه قوله الآخر ان المرأة في حكم القسامة كالصبي بدليل ان في القتيل الموجود في المحلة لا يدخل النساء والصبيان ثم إذا وجد القتيل في دار الصبي فالقسامة والدية على عاقلته فكذلك في دار المرأة وعاقلتها هم أقرب القابئل إليها لانها ليست من أهل النصرة والديوان ووجه قوله الاول ان وجوب القسامة في القتيل الموجود في الملك باعتبار الملك والمرأة في الملك كالرجل (ألا ترى) انها تختص بالتدبير في ملكها وان الولاية في حفظ ملكها إليها فكانت كالرجل في حكم القسامة بخلاف الصبي لانه لا تدبير له في ملك نفسه ولا يقوم بحفظ ملكه بنفسه ثم للمرأة قول ملزم في الجناية كالرجل حتى يصح منها الاقرار بالقتل وليس للصبي قول ملزم في الجناية والقسامة في معنى قول ملزم فيثبت ذلك في حق المرأة دون الصبي بخلاف القتيل الموجود في المحلة فالمرأة في المحلة مثل الصبي من حيث انها لا نقوم بحفظ المحلة والدفع عنها والتدبير فيها ثم ظاهر ما يقول في الكتاب يدل على انه ليس عليها شئ من الدية وانما الدية علي أقرب القبائل منها وهو اختيار الطحاوي في مباشرة القتل أيضا فانه يقول إذا كان القاتل من جملة العاقلة فعليه جز من الدية فان كان القاتل غيره فلا شئ عليه من الدية والمرأة تدخل في جملة العاقلة إذا كان القاتل غيرها ومن أصحابنا من يقول هي لا تدخل في
[ 121 ] جملة العاقلة لان النصرة لا تقوم بها فأما إذا كانت هي المباشرة للقتل فعليها جزء من الدية لان القاتل أحق من العواقل باعتبار مباشرته فانه لما وجب علي غير المباشر فعلى المباشر أولى أن يجب جزء منها فكذلك هاهنا وجوب جزء علي المالك باعتبار ان التدبير في ملكه إليه وفى هذا الرجل والمرأة سواء وكذلك ان كانت القرية لرجل من أهل الذمة فانه تكرر عليه الايمان وعليه الدية لانه في تدبير ملكه كالمسلم ولو كان الذمي نازلا في قبيلة من القبائل فوجد فيها قتيلا لم يدخل الذمي في القسامة ولا في الغرامة لان أهل الذمة لا يزاحمون المسلمين في التدبير في القبيلة والمحلة ولكنهم أتباع بمنزلة السكان مع الملاك أو بمنزلة النساء مع الرجال وإذا كانت مدينة ليس فيها قبائل معروفة وجد في بعضها قتيل فعلى أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم القسامة والدية لانهم مختصون بتدبير المحلة والظاهر أن تناصر هم بالمجاورة هاهنا لما لم تجمعهم قبيلة معروفة ولا ديوان والمعتبر هو معنى النصرة فلهذا ألزمناهم الدية والقسامة وإذا أبى الذين وجد فيهم القتيل أن يقسموا حبسوا حتى يقسموا لان القسامة عليهم باعتبار تهمة القتيل وقد ازدادت بنكولهم والايمان مقصودة هاهنا فيحبسون لا يفائها وإذا وجد القتيل في دار عبد مأذون له في التجارة فالقسامة والدية على عاقلة المولى أما إذا لم يكن على العبد دين فالدار مملوكة للمولى وان كان عليه دين فالعبد انما يقوم بالتدبير في هذه الدار باستدامة المولى الاذن له في التجارة والمولى أخص بهذه الدار من الغرماء فان له أن يقضى دينهم من مواضع أخر ويستخلص الدار منهم لنفسه وهذا مستحسن قد بيناه في المأذون ولو وجد في دار المكاتب فعليه الاقل من قيمته ومن دية القتيل بمنزلة مالو باشر القتيل بيده وهذا لان المكاتب في حكم الجناية كالحر من حيث ان له فيه قولا ملزما بخلاف المأذون فانه ليس له قول ملزم في الجناية حتى لو أقر على نفسه بالجناية خطأ لم يعتبر اقراره وللمولى عليه قول ملزم في ذلك فيجعل القتيل الموجود في داره كالموجود في كالموجود في دار المولى ولو وجد القتيل في قرية ليتامى صغار وليس في تلك البلاد من عشيرتهم أحد فليس على اليتامى قسامة ولا دية ولكن على عاقلتهم الدية والقسامة بمنزلة مالو باشروا القتل بايديهم فان كان أحدهم مدر كافعليه القسامة تكرر عليه اليمين لان له قولا ملزما في الجناية ثم علي أقرب القبائل منهم الدية في الوجهين جميعا لانهم عاقلة اليتامى فان اليتامى ليسوا من أهل الديوان والتناصر بالديوان فحالهم في ذلك كحال النساء والله الموفق للصواب
[ 122 ] (باب القصاص) (قال رحمه الله) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا قود الا بالسيف وهذا تنصيص على نفى وجوب القود واستيفاء القود بغير السيف والمراد بالسيف السلاح هكذا فهمت الصحابة رضي الله عنهم من هذا اللفظ حتى قال علي رضى الله عنه العمد السلاح وقال أصحاب ابن مسعود رضى الله عنه لا قود الا بالسلاح وانما كني بالسيف عن السلاح لان المعد للقتال على الخصوص بين الاسلحة هو السيف فانه لا يراد به شى ء آخر سوى القتال وقد يراد بسائر الاسلحة منفعة أخرى سوى القتال وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام بعثت بالسيف بين يدى الساعة يعني السلاح الذى هو آلة القتال فيكون دليلا لابي حنيفة رحمه الله ان القود لا يجب الا بالسلاح حتى إذا قتل انسانا بحجر كبير أو خشبة عظيمة لم يلزمه القصاص في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم يلزمه القصاص لقوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل والمراد بالسلطان استيفاء القود بدليل انه عقبه بالنهي عن الاسراف في القتل فالتقييد بكون الآلة جارحة زيادة على النص وفي الحديث ان يهوديا رضخ رأس جارية على أوضاح فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يرضخ رأسه بين حجرين والمعنى فيه انه عمد محض لانه قصد قتله بمالا يقصد به الا القتل ولا يعرف محض العمد الا بهذا والآلة الجارحة إذا حصل القتل بها كان عمدا لان ذلك فعل مزهق للروح وما لا تلبث ولا تطيق النفس واحتماله في كونه مرهقا للروح أبلغ من الفعل الجارح لان هذا مزهق للروح بنفسه والفعل الجارح مزهق للروح بواسطة الجراحة والجرح وسيلة يتوسل بها إلى ازهاق الروح وما يكون عاملا بنفسه يكون أبلغ مما يكون عاملا بواسطة وكذلك من حيث العرف في قصد الناس إلى قتل أعدائم بالقاء الاسطوانة أو رفع حجر الرحاء عليهم يكون أبلغ من القصد إلى ذلك بالجرح في بعض الاعضاء فإذا جعل ذلك موجبا للقصاص فهذا أولى ولا بى حنيفة رحمه الله ما روى ان النبي صلى الله عليه عليه وسلم قال كل شئ خطأ الا السيف وفي كل خطأ الدية وفي حديث الحجاج ابن ارطاة ان رجلا قتل رجلا علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة فقضى عليه بالدية والمعنى فيه ان هذه الآلة لا تجرح ولا تقطع فالقتل بها لا يكون موجبا للقصاص كالقتل بالعصا الصغيرة وتحقيقة من وجهين أحدهما ان وجوب القصاص يختص بقتل هو عمد
[ 123 ] محض وصفة التمحض أن يباشر القتل بآلته في محله وآلة القتل هي الآلة الجارحة لان الجرح يعمل في نقض البينة ظاهرا وباطنا وما سواها يدق بنقض البينة باطنا لا ظاهرا وقوام البينة بالظاهر والباطن جميعا فالقتل الذى هو نقض البينة إذا كان مما يعمل في الظاهر والباطن يكون قتلا من كل وجه وان كان مما يعمل في الباطن دون الظاهر يكون قتلا من وجه دون وجه والثابت من وجه دون وجه يكون قاصرا في نفسه فيصلح أن يجب به ما يثبت مع الشبهات ولا يصلح أن يجب به ما يندرئ بالشبهات وما ادعوا من أن الجرح وسيلة يتوسل به إلى ازهاق الروح غلط فان ازهاق الروح بنقض البينة وكمال الجناية مما ينقض البينة من كل وجه ونقض البينة بجرح في الروح لا يتأنى لانه لا يحس ويفعل في الجسم ما لا يكون كاملا فانما الكامل منه ما يكون بفعل في النفس التى بها قوام الآدمى ذلك الفعل الجارح المؤثر في تسييل والدليل عليه حكم الذكاة فان الحل بالذكاة انما يحصل بفعل جارح مسيل للدم بهذا المعنى ولا يحصل بما يعمل في الجسم فلا يكون ناقضا للبينة ظاهرا وهو الفعل الذى يدق ولا فرق بينهما لان الحل مبنى على الاحتياط فلا يثبت عند تمكن الشبهة كالقود ويخرج عليه النار فانها تعمل في الظاهر والباطن جميعا وقيل في الذكاة أيضا إذا قرب النار من مذبح الشاة حتى انقطع بها الاوداج وسال الدم تحل وان لم يسل لا تحل لان ما هو المقصود بالذكاة وهو تمييز الطاهر من النجس لم يحصل والوجه الاخير ان آلة القتل الحديد قال الله تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد والمراد القتل وكذلك خزائن أسلحة الملوك تكون من الحديد فاما الخشب والاحجار فمعدة للابنية والحديد هو المستعمل في القتال وانما ينصب المنجنيق لتخريب الابنية (ألا ترى) ان الحديد إذا حصل القتل به وجب القصاص صغيرا كان أو كبيرا حتى انه لو غرزه بمسلة أو ابرة في مقتله يلزمه القصاص وما سوى الحديد الصغير منه لا يوجب القصاص وان تحقق به القتل والفعل لا يتم الا بآلته فبقصور في الآلة تتمكن شبهة النقصان في الفعل وذلك يمنع وجوب القصاص فعلى هذا الطريق يقول القتل بمثقل الحديد يوجب القصاص نحو ما إذا ضربه بعمود حديد أو بصنجات الميزان لان الحديد في كونه آلة القتل منصوص عليه وفى المنصوص عليه يعتبر عين النص فاما في غير المنصوص عليه فالحكم يتعلق بالمعنى فيعتبر كونه محددا نحو سن العصا والمروة وليطة القصب ونحو ذلك وعلى الطريق الاول يقول لا يجب القصاص الا بما هو محدد والحديد وغيره فيه سواء وهو رواية الطحاوي
[ 124 ] في كتاب الشروط وتأويل الحديث انه أمر بذلك على طريق السياسة لكونه ساعيا في الارض بالفساد معروفا بذلك الفعل بيانه فيما روى انهم أدركوها وبها رمق فقيل لها أقتلك فلان فأشارت برأسها لا حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم وانما يعد في مثل تلك الحالة من يكون متهما بمثل ذلك الفعل معروفا به وعندنا إذا كان بهذه الصفة فللامام أن يقتله بطريق السياسة فأما الدم العصا الصغيرة إذا والى بها في الضربات حتى مات لم يلزمه القصاص عندنا وعلى قول الشافعي رضى الله عنه يجب عليه القصاص وكذلك الخلاف فيما إذا ضربه جماعة كل واحد منهم بسوط أو عصاوهو يقول القصد بالعصا الصغيرة عند الموالاة القتل فيكون الفعل بها عمدا محضا بمنزلة القتل بالسيف بخلاف العصا الصغيرة إذا ضربه بها مرة أو مرتين لان القصد هناك التأديب والغالب معه السلامة ولا يكون القتل بها الا نادرا فيكون في معنى الخطأ فأما مع الموالاة فالقصد منه القتل (ألا ترى) ان التهديد بالضرب بالسوط مع الموالاة كالتهديد فالقتل في حكم الا كراه بخلاف التهديد بضرب سوط واحد ويستوى في ذلك حصول الضربات من واحد أو من جماعة لان شرط القتل كون النفس معمودة لا التيقن بكون فعل كل واحد منهم مزهقا للروح لان ذلك لا طريق إلى معرفته والدليل على الفرق بين الضربة والضربات أن شرب القليل من المثلث لا يكون موجبا للحد فان استكثر منه حتى سكر لزمه الحد باعتبار ان القليل منه ممرئ للطعام والكثير مسكر وإذا حصل السكر بالكثير منه لا يميز بعض الفعل عن البعض بل يجعل الكل كفعل واحد حتى يتعلق به ما يندرئ بالشبهات وهو الحد فهذا مثله وأصحابنا رحمهم الله استدلوا بحديث النعمان ابن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا ان قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل فيكون نصبا على التفسير وبالرفع قتيل السوط والعصا فيكون خبرا للابتداء وفى كليهما بيان أن قتيل السوط والعصا يكون قتيل خطأ العمد وان الواجب فيه الدية والمعنى فيه ان القتل حصل بمجموع أفعال لو حصل بكل واحد منها على الانفراد لا بتعلق به القصاص فكذلك إذا حصل بمجموعها كما لو جرح رجلا جراحات خطأ أو اشترك جماعة في قتل رجل خطأ وهذا لان كل واحد من هذه الافعال غير موجب للقصاص إذا انفرد فانضمام ما ليس بموجب إلى ما ليس بموجب كيف يكون واجبا لما يندرئ بالشبهات ولو انضم ما هو موجب إلى ما ليس بموجب كالخاطئ مع العامد لا يجب القصاص فإذا انضم ما هو موجب
[ 125 ] إلى ما ليس بموجب أولى بخلاف الاقداح فهناك لو حصل السكر بالقدح الاول يجب الحد وانما لم يجب الحد إذا لم يسكر به لانعدام السبب الموجب وهنا لو حصل القتل بالضربة الاولي لا يجب القصاص فعرفنا ان هذا الفعل في نفسه غير موجب فلا يدخل على هذا شهادة الشاهدين بالقتل العمد فانها توجب القصاص وكل واحد منهما بانفراده لا يوجب لان شهادة الشاهدين حجة واحدة وشهادة كل واحد منهما شطر الحجة وشطر الحجة لا يثبت به شئ من الحكم فأما هاهنا فكل فعل صالح لكونه علة تامة وهو على أصله أظهر فان عنده لو حصل من كل واحد من الجماعة ضربة واحدة يجب عليهم القصاص وما لم تتكامل العلة في حق كل واحد منهم لا يلزمه القصاص وقوله بان الضربة الواحدة يقصد بها التأديب قلنا حقيقة القصد لا يمكن الوقوف عليها وانما ينبني الحكم على السبب الظاهر (ألا ترى) ان قطع اليد لا يقصد به القتل أيضا ولهذا كان مشروعا في موضع كان القتل حراما وكذلك الجرح اليسير مشروع على قصد الاستشفاء كالقصد والحجامة ومع ذلك إذا حصل القتل به وجب القصاص لان حقيقة القصد يتعذر الوقوف عليها فيعتبر السبب الظاهر فكذلك هاهنا كان ينبغى أن يجب القصاص إذا حصل القتل بالضربة والضربتين بالسوط وحيث لم يجب بان ان كل فعل من هذه الافعال بانفراده غير موجب وحقيقة الفقه فيه ما ذكرنا في المسألة الاولي ويمكن الاستدلال بهذا الحرف أيضا فيقال العصا الكبير مجموع اجزاء لا يتعلق القصاص بكل جزء منها وان حصل القتل فكذلك بمجموعها فاما بيان نفى استيفاء القود بغير السيف وبها يقول علماؤنا رحمهم الله فان القصاص متى وجب فانه يستوفى بطريق حز الرقبة بالسيف ولا ينظر إلى ما به حصل القتل وقال الشافعي رضى الله عنه ينظر إلى القتل بماذا حصل فان كان بطريق غير مشروع بان سقاه الخمر حتى قتله أو لاط بصغير حتى قتله فكذلك الجواب يقتل بالسيف وان كان بطريق مشروع يفعل به مثل ذلك الفعل ويمهل مثل تلك المدة فان مات والا تحز رقبته نحو ما إذا قطع يد انسان عمدا فمات من ذلك واستدل بما روينا ان النبي عليه الصلاة والسلام أمر برضخ رأس اليهودي بين حجرين وكان ذلك بطريق القصاص (ألا ترى) انه روى في بعض الروايات فاعترف اليهودي فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص وأمر بان يرضخ رأسه بين حجرين ولان المعتبر في القصاص المساواة ولهذا سمى قصاصا مأخوذ من قول القائل التقى الدينان فتقاصا أي تساويا أصلا ووصفا وما قلناه أقرب إلى
[ 126 ] المساواة لما فيه من اعتبار المساواة في القعل والمقصود بالفعل يجب اعتباره الا إذا تعذر وتعذره أن يكون صورة الفعل بخلاف المشروع بأن يكون حراما أو ان لا يحصل القتل به فحينئذ يجعل ما يكون متمما له فيما هو المقصود ويكون الثاني متمما للاول (ألا ترى) أن من قطع يد انسان خطأ ثم قتله لم يلزمه الادية واحدة وجعل الفعل الثاني تتميما للاول * وحجتنا في ذلك ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لا قود الا بالسيف وهو تنصيص على نفى استيفاء القود بغير السيف والمعنى فيه انه قتل مستحق شرعا فيستوفى بالسيف كقتل المرتد وهذا لانه انما يستوفى المستحق بالطريق الذى يتيقن انه طريق له وحز الرقبة يتيقن بأنه طريق استيفاء القتل فاما قطع اليد فلا يكون طريقا لذلك الا بشرط وهو السراية وذلك لضعف الطبيعة عن دفع أثر الجراحة ولا يعرف ذلك عند القتل وما يتعلق بالشرط لا يكون ثابتا قبل الشرط فقبل السراية هذا الفعل غير القتل فلا يكون مشروعا فضلا عن أن يكون مستحقا وصورة الفعل غير مقصودة وانما المقصود ازهاق الروح عرفا لمعنى الانتقام واستحقاق القتل شرعا فيجب مراعاة ذلك المقصود ولا يقال لا يقمع الناس في الابتداء من أن يكون هذا الفعل مؤثرا في تحصيل المقصود ما لم يبرأ منه لانه وان كان لا يقمع الناس عن ذلك فانه يؤدى إلى تأخير تحصيل المقصود وكمالا يجوز ابطال مقصود صاحب الحق لا يجوز تأخيره ثم هذا اعتبار معادلة توقعنا في الظلم في الانتهاء لانه إذا تراخت يده تحز رقبته والفعل الثاني بعد البرء لا يكون اتماما للاول بدليل الخطأ فيؤدى إلى الزيادة على ما كان منه وإلى المثلة وذلك حرام فان قيل بأى طريق تسقط حرمة ذبح القاتل ولم يوجد مه فعل في مذبح المقتول قلنا بالطريق الذى يسقط عندكم حرمة مذبحه إذا تراخت يده وهو استحقاق القتل عليه وذلك موجود قبل قطع اليد وتأويل الحديث ما بينا والذى روى انه قضى بالقصاص شاذ لا يعتمد عليه أو قاله الراوى بناء علي ما وقع عنده انه كان بطريق القصاص وفي الحقيقة انما كان ذلك بطريق السياسة وان اجتمع رهط على قتل رجل بالسلاح فعليهم فيه القصاص بلغنا عن عمر رضى الله عنه أنه قضى بذلك وهو استحسان والقياس ان لا يلزمهم القصاص وقد ذكر في كتاب الاقرار لان المعتبر في القصاص المساواة لما في الزيادة من الظلم على المتعدى ولما في النقصان من البخس بحق المتعدى عليه ولا مساواة بين العشرة والواحد وهذا شى يعلم ببداهة العقول فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فيكف تكون العشرة مثلا للواحد
[ 127 ] وأيد هذا القياس قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وذلك ينفى مقابلة النفوس بنفس واحدة ولكنا تركنا هذا القياس لما روى أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضى الله عنه بالقصاص عليهم وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به ولان شرع القصاص لحكمة الحياة وذلك بطريق الزجر كما قررنا ومعلوم أن القتل بغير حق في العادة لا يكون الا بالتغالب والاجتماع لان الواحد يقاوم الواحد فلولم نوجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد لادى إلى سد باب القصاص وابطال الحكمة التى وقعت الاشارة إليها بالنص يوضحه أنه لا مقصود في القتل سوى التشفي والانتقام وذلك حاصل لكل قاتل بكماله كانه ليس معه غيره وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله الواحد إذا قتل جماعة فانه يقتل بهم جميعا علي سبيل الكفاءة وقال الشافعي رضى الله عنه ان قتلهم على التعاقب يقتل بأولهم ويقضي بالديات لمن بعد الاول في تركته وان قتلهم معا يقرع بينهم ويقضي بالقود لمن خرجت قرعته وبالدية للباقين واستدل بقوله تعالي وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فقد جعل الله تعالى النفس بمقابلة النفس قصاصا فلا يجوز أن يجعل النفس بمقابلة النفوس قصاصا بالرأى ولانا قد بينا أنه لا مساواة بينهما الا أنا أوجبنا القصاص على العشرة بقتل الواحد لرد علية القتل بغير حق وهذا لا يوجد في القتل قصاصا لان ذلك يكون بقوة السلطان فلا تقع الحاجة فيه إلى التعاون والتغالب ولان في ايجاب القصاص هناك تحقق معنى الزجر وذلك لا يوجد هنا فانه بعد ما قتل الواحد إذا علم أنه وان قتل جميع أعدائه لا يلزمه القصاص أخذ يتجاسر على قتل الاعداء وإذا علم أنه يستوفى الديات من تركته يتحرز من ذلك لا بقاء العناء لورثته فكان معنيا الزجر فيما قلنا وحقيقة المعنى في الفرق أن العشرة إذا قتلوا واحدا فكل واحد منهم قتل عشره فوجب عليه القصاص بقدر ما أتلف الا أنه لا يمكن استيفاء ذلك منه الا باسقاط ما بقي من حرمة نفسه فيسقط ذلك لضرورة الحاجة الي استيفاء القصاص كما إذا غصب ساحة وبنى عليها سقط حرمة بنائه لوجوب رد الساحة وكذلك عندي في الساحة فأما هاهنا فكل واحد من المقتولين قد استحق علي القاتل نفسا كاملة وليس في نفسه وفاء بالنفوس فلا يمكن أن يقتل بهم جميعا ولكن يترجح أولهم بالسبق فان حقه ثبت في محل فارغ وإذا قتلهم معا رجح بالقرعة كما هو مذهبي في نظائره والدليل علي أن كل واحد من القاتلين يستوفى الجزاآت في الخطأ يجب على كل واحد منهم جزء من الدية وانه لو كان بعض الفاعلين مخطئا لم يجب القصاص على واحد منهم بخلاف
[ 128 ] ما إذا قتل جماعة بعضهم عمدا وبعضهم خطأ فانه يلزمه القصاص لمن قتله عمدا وان كان واحدا وحجتنا في ذلك أن العشرة إذا قتلوا واحدا يقتلون به وكانوا مثلا له جزاء لدمه فكذلك إذا قتل واحدا يقتل بهم ويكون مثلا لهم لان المثل اسم مشترك فمن ضرورة كون أحد الشيئين مثلا للآخر أن يكون الآخر مثل له كاسم الاخ فانه من ضرورة كون أحد الشخصين أخا للآخر أن يكون الآخر أخا له فلا يجوز أن يقال يلزمهم القصاص لرد غلة القتل بغير حق من غير اعتبار المماثلة فان الزيادة في القدر أبلغ من الزيادة في الوصف وإذا كان لا يقتل المسلم بالمستأمن وعلي قوله بالذمي والحر بالعبد لا نعدام المماثلة مع الحاجة إلى رد القتل عليه بغير حق فلان لا يقتل العشرة بالواحد أولي وكذلك في كل موضع يتعذر اعتبار المماثلة نحو كسر العظام لا يوجب القصاص والحاجة ان رد عليه الجناية هاهنا بغير حق يتحقق هنا ومع ذلك يوهم الزيادة بمنع القصاص فيتحقق الزيادة لان يمنع من ذلك كان أولى فعرفنا أنه انما يقتل العشرة بالواحد بطريق المماثلة وبيان ذلك وهو أن القتل ممالا يتجزأ وإذا اشترك الجماعة فيما لا يحتمل التجزى فاما ان ينعدم أصلا أو يتكامل في حق كل واحد منهم والدليل عليه أن كل واحد منهم لو حلف أن لايقلته كان حانثا في يمينه بهذا الفعل ولا يجب الا بوجوب كمال الشرط وفي الخطأ يجب على كل واحد منهم الكفارة كاملة ولا تجب الكفارة الا بقتل كامل فأما الدية بمقابلة المحل فلصيانته عن الاهدار لا أن يكون ذلك جزاء الفعل والمحل واحد فلا يجب بمقابلته الا دية واحدة والدليل عليه أن القتل يخرج ببعضه زهوق الروح لان الروح لا يمكن أخذه حسا فطريق أثرها فيه قصدا هذا وقد تحقق من كل واحد منهم والحكم إذا حصل عقيب علل يضاف جميعه إلى كل علة فيجعل زهوق الروح محالا به على فعل كل واحد منهم فكان كل واحد منهم قاتلا على سبيل الكمال بمنزلة الاولياء في التزويج بتكامل الولاية لكل واحد منهم وفي هذا المعنى القتل الذى هو عدوان والقتل الذى هو جزاء سواء فان الاولياء إذا اجتمعوا وقتلوا كان كل واحد منهم قاتلا بكماله والدليل عليه انما فيما هو المقصود بالقتل وهو التشفي والانتقام لا فرق بين الجزاء والعدوان وهو يتكامل لكل واحد من الاولياء كما يتكامل لكل واحد من العبدين فعرفنا ان كل واحد منهم مستوف حقه بكماله فلا حاجة إلى المصير إلى الدية وبه فارق النكاح فان المرأة لو زوجت نفسها من جماعة لا يثبت النكاح لكل واحد منهم على هذه المرأة لان المقصود الفراش والنسل وذلك ينعدم بالاشتراك فلا يتكامل لكل واحد منهم
[ 129 ] ثم هناك لما لم يحتمل التجزى في المحل انعدم أصلا عند الاشتراك وهاهنا لم ينعدم القتل فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهم وما قال بان الواجب علي كل منهم عشر القتيل كلام غير معقول لان القصاص في نفس واحدة كما لا يحتمل التجزى استيفاء لا يحتمل التجزى وجوبا فلا يجوز أن يستحق بعض نفسه قصاصا وكيف يستقيم هذا ولو عفى أحد الاولياء حتي حيى جزء من المقتول سقط القصاص كله فإذا كان القصاص الواجب يسقط إذا لم يبق مستحقا في بعض النفس بعد العفو فلان لا يجب ابتداء في بعض النفس دون البعض أولي وتبين بهذا التحقيق أنه لا طريق سوى ما قلنا ان العشرة إذا قتلوا واحدا فكل واحد منهم قاتل له على الكمال وكذلك الاولياء إذا اجتمعوا واستوفوا القصاص كان كل واحد منهم قاتلا له على الكمال مقدار حقه ليحيوه بدفع شرقاتل أبيه عن نفسه وكان ليس معه غيره فلا حاجة إلى القضاء بالدية ولا إلى الترجيح بالسبق أو إلى القرعة قال وإذا قتل الحر المملوك عمدا فعليه القصاص عندنا وقال الشافعي لا قصاص عليه لقوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد ومقابلة الحر بالحر يقتضى نفى مقابلة الحر بالعبد وهذا علي وجه التفسير للقصاص المذكور في قوله تعالي كتب عليكم القصاص في القتلى فيكون بيان أن المساواة التى هي معتبرة انما تكون عند مقابلة الحر بالحر لا عند مقابلة الحر بالعبد وعن ابن عمرو ابن الزبير رضى الله تعالى عنهم قالا السنة أن لا يقتل لعبد بالحر والمعنى فيه أن هذا أحد نوعي القصاص فلا يجب علي الحر بسبب المملوك كالقصاص في الاطراف بل أولى لان حرمة الطرف دون حرمة النفس فالاطراف تابعة للنفس وإذا كان طرف الحر لا يقطع بطرف العبد مع خفة حرمة الطرف فلان لا يقتل الحر بالعبد مع عظم حرمة النفس كان ذلك أولى وتأثيره أن القصاص ينبنى على المساواة ولا مساواة بين الاحرار والعبيد فان العبد مملوك مالا والحر مالك والمالكية في نهاية من العز والكمال والمملوكية في نهاية من الذل والنقصان والدليل عليه أن المملوك قائم من وجه هالك من وجه فان الحرية حياة والرق تلف ولهذا كان المعتق منسوبا بالولاء إلى المعتق لانه احياه بالاعتاق حكما ولا مساواة بين القائم من كل وجه وبين القائم من وجه و الهالك من وجه والدليل عليه أن التفاوت ظاهر بينهما في بدل النفس وهو المال وبه تبين أن الرق أثر في النفسية ولهذا المعنى لا يجب القصاص على المولى بقتل عبده ولو لم يؤثر الرق في النفسية لكان المولى كالاجنبي في قتل العبد فيلزمه القصاص ولان المقتول كان بعرض أن يصير من خول القاتل
[ 130 ] بان يشتريه فيمنع ذلك القصاص المساواة بينهما في حكم القصاص كالمسلم مع المستأمن * وحجتنا في ذلك قوله تعالى كتب عليهم القصاص في القتلى فهذا يقتضي وجوب القصاص بسبب كل قتل الا ما قام عليه الدليل فأما قوله الحر بالحر فهو ذكر بعض ما شمله العموم على موافقة حكمه فلا يجب تخصيص ما بقي (الا ترى) أنه كما قابل العبد بالعبد قابل الانثى بالانثى ثم لا يمنع ذلك مقابلة الذكر بالانثى وفي مقابلة الانثى بالانثى دليل على وجوب القصاص علي الحرة بقتل الامة وفائدة هذه المقابلة ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنه قال كانت المقابلة بين بني النضير وبين بني قريظة وكانت بنو النضير أشرف وكانوا يعدون بن قريظة على النصف منهم فتواضعوا على أن العبد من بنى النضير بمقابلة الحر من بنى قريظة والانثى منهم بمقابلة الذكر من بنى قريظة فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم وبيانا أن الحر بمقابلة الحر والعبد بمقابلة العبد والانثى بمقابلة الانثى من القبيلتين جميعا وعن على بن أبى طالب قال يقتل الحر بالعبد وما روى عن ابن عمر وابن الزبير محمول على السيد إذا قتل عبده فقد كانوا مختلفين في ذلك فمنهم من كان يوجب القصاص ويستدل بقوله عليه السلام من قتل عبده قتلناه فانما قال ذلك ردا علي من يقول منهم لا يقتل السيد بعبده والمعنى فيه أن دم العمد مضمون بالقصاص فيستوى أن يكون قاتله حرا أو عبدا كدم الحر وبيان الوصف أن العبد إذا قتل عبدا يلزمه القصاص والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فيستدعى وجوبها انتفاء الشبهة المبيحة عن الدم وبعد انتفاء الشبهة الحر والعبد فيه سواء وسنقرر هذا الكلام في مسألة قتل المسلم الذمي والذى يختص بهذه المسألة حرفان أحدهما أن وجوب القصاص يعتمد المساواة في الذمي وقد تحقق ذلك فالرق والمملوكية لا يؤثر في الدم لان الرق انما يؤثر فيما يتصور ورود القهر عليه وذلك أجزاء الجسم فأما الحياة فلا تدخل تحت القهر والدليل عليه أن العبد فيه يبقي على أصل الحرية حتى لا يملك المولي التصرف فيه اقرار عليه به ولا استيفاء منه الا أن المولي إذا قتله لا يلزمه القصاص لانعدام المستوفى لانه لو كان القاتل غيره كان هو المستوفى بولاية الملك والقتل لا يحرمه ذلك ولا يكون هو مستوفيا العقوبة من نفسه ونقصان بدل الدم كنقصان صفة المملوكية في محله لا في غيره كنقصان بدل الدم بسبب الانوثة انما يكون للمولكية في محله فأما الحياة فلا تحلها الانوثة والثاني أن وجوب القصاص يعتمد المساواة في الاحراز والاحراز انما يكون بالدار أو بالدين والمملوك في ذلك مساو للحر والحكمة في شرع القصاص الحياة
[ 131 ] وفى ذلك المعنى الحر والمملوك سواء وليست النفوس قياس الاطراف لان وجوب القصاص هناك يعتمد المساواة في الجزء المبان ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء والرق ثابت في اجزاء الجسم فتنعدم بسببه المساواة بينهما في الاطراف مع ان طرف العبد في حكم المال عندنا ولهذا لا يكون مضمونا بالقصاص على أحد عبدا كان أو حرا بخلاف النفس فالمعتبر فيه المساواة في الحياة ولهذا لا تقتل النفس الصحيحة بالنفس الزمنة وقد تحققت المساواة هاهنا وعلى هذا لو قتل رجل صبيا فعليه القصاص لوجود المساواة بينهما في الحياة وكذلك لو قتل رجل امرأة وروى عن على رضى الله عنه يتخير أولياؤها بين أن يستوفوا ديتها وبين أن يعطوا القاتل نصف ديته ثم يقتلونه قصاصا وهذا بعيد لا يصح عن على رضى الله عنه وقد كان أفقه من أن يقول القصاص لم يكن واجبا ثم يجب باعطاء المال وعلى هذا لو قتل العبد الحر عمدا والمرأة الرجل فعليهما القصاص لوجود المساواة بينهما في الحياة والشافعي لا يخالفنا في هذا فانه يرى استيفاء الانقص بالاكمل قصاصا وانما يأبى اسيتفاء الاكمل بالانقص فإذا تبين هذا في حالة الانفراد فكذلك عند الاشتراك حتى إذا اشترك جماعة من الرجال في قتل حرة أو أمة فعليهم القصاص كما لو اشتركوا في قتل رجل حر وكذلك لو قتل المسلم الذمي عمدا فعليه القصاص عندنا وعند الشافعي لا قصاص عليه وأما الذمي إذا قتل ذميا ثم أسلم القاتل فعليه القصاص بالاتفاق ويحكى أن أبا يوسف رحمه الله قضى بالقصاص على هاشمى بقتل ذمى فجعل أولياء القاتل يؤذونه بألسنتهم ويقولون يا جائر يا قاتل مؤمن بكافر فشكاهم الي الخليفة فقال ارفق بهم فلما علم مراد الخليفة خرج وأمر باعادتهم إليه ثم قال لاولياء القتيل هاتوا بينة من المسلمين ان صاحبكم كان يؤدى الجزية طوعا فان هؤلاء يدعون أنه كان ممتنعا من اداء الجزية فلهذا قتله ولا قتل عليهم الا بينة من المسلمين فعجزوا عن ذلك فدرأ القود به ودخل على الخليفة فاخبره بذلك فضحك وقال من يقاومكم يا أصحاب أبى حنيفة واستدل الشافعي بقوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون فالقصاص يبنى على المساواة وبعدما انتفت المساواة بينهما بالنصوص الظاهرة لا يجب عليه القصاص وقال عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم فهذا دليل على ان دماء غيرهم لا يكافئ دماءهم ثم قال في آخر الحديث لا يقتل مؤمن بكافر وبالاجماع ليس المراد نفى الاستيفاء فعرفنا ان المراد نفى الوجوب والمعنى فيه ان المقتول منقوص بنقص الكفر فلا يجب القصاص على المسلم بقتله كالمستأمن وهذا لان الكفر من أعظم النقائص فالكافر كالميت من
[ 132 ] وجه قال الله تعالي أو من كان ميتا فاحييناه أي كافرا فرزقناه الهدى فلا مساواة بين من هو ميت من وجه وبين من هو حي من كل وجه بخلاف الذمي إذا قتل ذميا فقد وجدت المساواة هناك فوجب القصاص ثم الاسلام بعد ذلك زيادة حصلت على حق الاولياء فلا يمنعهم من الاستيفاء كالمستأمن إذا قتل مستأمنا يلزمه القصاص منصوص عليه في السير الكبير في النفس والطرف جميعا ثم لو أسلم القاتل بعد ذلك لا يسقط عنه القصاص ولان الكفر مهدر للدم مؤثر في الاباحة فإذا وجد ولم يبح يصير شبهة كالملك فانه مبيح فإذا وجد في الاخت من الرضاعة ولم يبح فيصير شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات والدليل علي ان الكفر مهدر للدم ان من لا يحل قتله من أهل الحرب كالنساء والذراري إذا قتلهم انسان لا يغرم شيأ لوجود المهدر وما ذلك الا الكفر والدليل عليه انا أمرنا بقتل الكفار لكفرهم قال الله تعالي وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يعنى فتنة الكفر وقال عليه الصلاة والسلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وهذا الكفر قائم بعد عقد الذمة الا أنه غير عامل في اباحة الدم بمعنى الدعاء إلى الدين باحسن الوجوه على ما أشار الله تعالى إليه في قوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله فبقى باعتباره شبهة ينتفى بها المساواة بينه وبين المسلم بمنزلة طهارة المستحاضة مع طهارة الاصحاء فان سيلان الدم الذى هو ناقض للطهارة موجود مع طهارة المستحاضة ولكنه غير عامل في الوقت ومع هذا لا تكون طهارتها طهارة الاصحاء حتى لا تصلح لامامة الاصحاء وهذا بخلاف المال فانه يجب القطع بسرقة مال الذمي لان المبيح وهو الكفر ليس في المال وانما هو في النفس فهو نظير حقيقة الاباحة بسبب القضاء بالرجم فانه لا يكون مؤثرا في المال حتى يجب القطع بسرقة ماله ولا يجب القصاص على أحد بقتله ولهذا أوجب القطع بسرقة مال المستأمن أيضا * يوضحه أن القطع في السرقة خالص حق الله تعالى فوجوبه يعتمد الجناية على حق الله تعالى دون المساواة ومعنى الجناية يتحقق في سرقة مال الذمي والمستأمن بثبوت الا من لهما حقا لله تعالى فما كان القطع الانظير الكفارة والكفارة تجب بقتل الذمي والمستأمن كما تجب بقتل المسلم * وحجتنا في ذلك ماروى أن النبي عليه الصلاة والسلام أقاد مسلما بذمي وقال أنا أحق من وفى بذمته وهذا التعليل تنصيص على وجوب القود علي المسلم بقتل الذمي واستيفاء القود منه وفي بعض الروايات أن رجلا مسلما قتل ذميا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص وقال أنا أحق من وفى بذمته وعن عمر رضي اله عنه انه أمر بقتل رجل مسلم برجل من أهل الحيرة
[ 133 ] ذمى ثم بلغه انه فارس من فرسان العرب فكتب فيه ان لا يقتل يعنى يسترضوا الاولياء فيصالحوا على الدية وان عبيد الله بن عمر لما قتل هرمزان بتهمة دم أبيه استقر الامر على عثمان فطلب منه علي رضى الله عنه أن يقتص من عبد الله وكان يدافع في ذلك أياما ثم قال هذا رجل قتل أبوه بالامس فأنا أستحى أن أقتله اليوم وان هرمزان رجل من أهل الارض أنا وليه أعفو عنه وأؤدى الدية فهذا اتفاق منهما علي وجوب القصاص وقضى على رضى الله عنه بالقصاص على مسلم بقتل ذمى ثم رأى الولي بعد ذلك فقال ماذا صنعت قال انى رأيت أن أقتل أباه لا برد أخى وقد أعطوني المال فقال فلعلهم خوفوك فقال لا فقال علي رضى الله عنه انما أعطيناكم الدية وتبذلون الجزية لتكون دماؤكم كدمائنا وأموالكم كاموالنا والمعنى فيه ان دم الذمي مضمون بالقصاص حتى إذا كان القاتل ذميا يلزمه القصاص به بالاجماع وذلك دليل علي انتفاء الشبهة المبيحة عن الدم وبعد انتفاء الشبهة يستوى أن يكون القاتل مسلما أو ذميا ولا يدخل عليه الاب إذا قتل ابنه لان امتناع وجوب القود عليه عندنا ليس لقيام الشبهة في دم الابن بل لان فضيلة الابوة تخرج الولد من أن يكون مستوجبا القود على والده كما يمنعه من قتله شرعا وان كان الاب مباح الدم بان كان مرتدا أو حربيا أو زانيا وهو محصن والدليل على أن الابوة إذا طرأت تمنع استيفاء القصاص والشبهة انما تؤثر إذا اقترنت بالسبب الموجب وحيث كان طريان الابوة مانعا من الاستيفاء عرفنا ان المعنى فيه ما ذكرنا فاما المستأمن إذا قتل مستأمنا ففى وجوب القصاص على المسلم بقتل المستأمن قياس أو استحسان في القياس يلزمه القصاص ذكره في هذا الكتاب وهو روياة أحمد بن عمران استاذ الطحاوي عن أصحابنا ورواه ابن سماعة عن أبى يوسف فقالوا ما ذكره في السير بناء على جواب القياس ان الشبهة المبيحة عن الدم تنفى بعقد الامان فلا جرم يجب القصاص بقتله على المستأمن والمسلم جميعا فأما على جواب الاستحسان فيقول بقيت الشبهة المبيحة في دمه وهو كونه حربيا لانه ممكن من الرجوع الي دار الحرب فجعل في الحكم كانه في دار الحرب فلا يجب القصاص بقتله على أحد سواء كان القاتل مستأمنا أو ذميا أو مسلما ولان الذمي محقون الدم علي التأبيد فيجب القصاص بقتله على المسلم كالمسلم وتحقيقه أن القصاص يعتمد المساواة في الحياة لانه ازهاق الحياة وهو مشروع لحكمة الحياة وانما تتحقق المساواة في ذلك شرعا لوجود التساوى في حقن الدم وقد وجد ذلك بين المسلم والذمى فان حقن كل واحد منهما مؤبد بسبب مشروع وهو عقد الذمة
[ 134 ] خلف عن الاسلام في معنى الحقن والخلف يعمل عمل الاصل عند عدم الاصل وهذا الحقن والتقوم انما يثبت بالاحراز والاحراز بكون بالدار لا بالدين لان الاحراز بالدين انما يكون في حق من يعتقده فأما الاحراز بقوة أهل الدار فيكون في حق الكل والذمى في الاحراز مساو للمسلم لانه من أهل دارنا حقيقة وحكما والدليل عليه أن الاحراز يؤثر في المال والنفس جميعا ثم في المال احراز الذمي كاحراز المسلم حتي يجب القطع بسرقة مال الذمي وحد السرقة أقرب إلى السقوط عند تمكن الشبهة من القصاص ولا يدخل عليه المقضى عليه بالرجم لانا لا نقول يباح قتله لنقصان في احراز كل جزء على جريمته فأما الاحراز فقائم في المال والنفس جميعا وهاهنا ان سلم لنا ان الاحراز في حق المسلم والذى سواء يتضح الكلام فانه لا يمكنه أن يدعى بعد ذلك بقاء الشبهة بسبب اصراره علي الكفر لان المبيح كان هو القتال دون الكفر كما قال الله تعالي فان قاتلوكم فاقتلوهم ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة قال هاه ما كانت هده تقاتل فلم قتلت والقتال ينعدم بالاحراز في حق الذمي أصلا كما ينعدم في حق المسلم وقد قررنا هذا في السير وإذا ثبت انتفاء الشبهة والمساواة في الاحراز ثبتت المساواة بينهما في حكم القصاص فلا يجوز أن تكون فضيلة الاسلام في القاتل مانعا لان طريان هذه الفضيلة لا تمنع الاستيفاء فلو كان اقترانها بالسبب يمنع الوجوب لكان طريانها يمنع الاستيفاء كفضيلة الابوة وفضيلة الاسلام في المنكوحة فانه لما كان يمنع ابتداء النكاح عليها للكافر يمنع الوطئ إذا طرأ بعد النكاح فاما المسلم إذا قتل مستأمنا فلا قصاص عليه على طريق الاستحسان لانعدام المساواة في الاحراز فالمستأمن غير محرز نفسه بدار الاسلام على التأبيد ولهذا لا يوجب القطع بسرقة ماله لبقاء الشبهة المبيحة وهى المحاربة فانه ممكن من أن يرجع إلى دار الحرب فيعود حربا للمسلمين وبهذا الطريق نقول لا يقتل الذمي بالمستأمن أيضا خلافا للشافعي لان الذمي محرز نفسه بدارنا علي التأبيد فلا تتحقق المساواة بينه وبين المستأمن فأما الآيات في نفى المساواة بين الكفار والمؤمنين فالمراد بها في أحكام الآخرة وذلك مبين في آخر كل آية وأما قوله عليه السلام المسلمون تتكافؤ دماؤهم فمن أصلنا أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفى ما عداه فلا يكون هذا بيان أن دماء غير المسلمين لا تكافئ دماء المسلمين وأما قوله عليه السلام لا يقتل مؤمن بكافر فهو غير مجري على ظاهره بالاتفاق لان القاتل إذا أسلم يقتل قصاصا وفيه قتل مؤمن بكافر ثم المراد به الحربى يعنى من لا يحل قتله من أهل الحرب كالنساء والصبيان فانه لا يقتل
[ 135 ] المؤمنون بهم بدليل قوله ولا ذو عهد في عهده أي ولا يقتل ذو العهد بالكافر وانما لا يقتل ذو العهد بالكافر الحربى فان قيل هذا ابتداء أي لا يقتل ذو العهد في مدة عهده قلنا ابتداء الواو حقيقة للعطف خصوصا فيما لا يكون مستقلا بنفسه فان قيل قد روى ولا بذى عهد فيفهم منه أن المؤمن لا يقتل بذى العهدة قلنا ان ثبتت هذه الرواية فهى محمولة على المستأمن وبه نقول ان المسلم لا يقتل بالمستأمن وكذلك لو اجتمع نفر من المسلمين على قتل ذمى قتلوا به لانهم في حكم القصاص كالمسلمين وكل قطع من مفصل ففيه القصاص في ذلك الموضع لان المعتبر في القصاص المساواة وفي القطع من المفاصل يمكن اعتبار المساواة فيجب القصاص فأما كل قطع لا يكون من مفصل بل يكون بكسر العظم فانه لا يجب القصاص فيه عندنا وفي أحد قولى الشافعي يجب القصاص لان القصاص مشروع لمعنى الزجر والجناية بغير حق في الغالب انما تكون بهذه الصفة وقل ما يكون من المفصل فلو قلنا لا يجب القصاص في ذلك أدى إلى ابطال الحكمة ولكنا نستدل بقوله عليه السلام لا قصاص في العظم ولانه لاتتأتى مراعاة المساواة في العظام لانه لا ينكسر في الموضع الذى برئ كسره وبدون اعتبار المساواة لا يجب القصاص ما خلا السن فالقصاص يجب فيه وقد بيناه ولا تقطع اليسار باليمين ولا اليمين باليسار ولا اليد بالرجل ولا الابهام بغيرها من الاصابع ولا أصبع من يد باصبع من الرجل لانعدام المساواة بين هذه الاعضاء فان فيما هو المقصود بها لا مساواة يعنى مقصود منفعة البطش في اليد والعمل بها وبين اليمين واليسرى في ذلك تفاوت وكذلك في الخلقة والهيئة يظهر التفاوت بين الابهام وغيرها من الاصابع وبين اليد والرجل وأصابع اليد وأصابع الرجل فيمتنع جريان القصاص بينهما ولا يقتص من عظم ما خلا السن والاصل في جريان القصاص في الاسنان قوله تعالي والسن بالسن وروى أن الربيع عمة أنس بن مالك كسرت سن جارية فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقاله أنس بن النضر أو يكسر سن الربيع بسن جارية فرضوا بالارش فقال عليه السلام ان لله عبادا لو أقسموا عليه لابرهم منهم أنس بن النضر والاصل في جريان القصاص فيما دون النفس اعتبار المماثلة في الفعل وفى المحل اما المأخوذ بالفعل فلان المماثلة في ضمان العد وان منصوص عليها فيجب اعتبارها في كل ما يتأتى والمتأتى اعتبار المماثلة في هذه الاشياء ويعنى بالمماثلة في المأخوذ بالفعل المساواة في المنفعة والمساواة في البدل لان التفاوت في المنفعة المقصودة دليل اختلاف الجنس وان
[ 136 ] اتحد الاصل فلان تنعدم المماثلة أولى ولهذا لا تقطع اليمين باليسار والتفاوت في البدل دليل ظاهر على انعدام المساواة لان البدل بمقابلة المبدل وهو قيمته فالتفاوت فيه دليل على التفاوت في المبدل وعلى هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله لا يجرى القصاص بين الرجال والنساء في الاطراف وقال ابن أبى ليلى يجرى وهو قول الشافعي ويسلكون في الباب طريقا سهلا وهو اعتبار الاطراف بالنفوس لانها تابعة للنفس وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل فكما يجرى القصاص بين الرجال والنساء في النفوس فكذلك في الاطراف ولكنا نقول لا مماثلة بين طرف الرجل وطرف المرأة في المنفعة ولا في البدل والمماثلة معتبرة في القصاص في الاطراف بدليل أن الصحيحة لا تستوفى بالشلاء للتفاوت بينهما في البدل والمنفعة ولا معنى لقولهم ان الشلاء ميتة لا روح فيها لان استيفاءها في القصاص جائز وبقطعها يتألم صاحبها ويجب حكومة العدل لقطعها فعرفنا ان الحياة فيها باقية ولكن التفاوت في البدل فلا تقطع الصحيحة بها بخلاف النفوس فالمعتبر هناك المساواة في الفعل حتى تستوفى النفس الصحيحة بالزمنة * فان قيل التفاوت في البدل يمنع استيفاء الاكمل بالانقص ولا يمنع استيفاء الانقص بالاكمل حتى ان الشلاء تقطع بالصحيحة وعندكم في هذا الموضع لا تقطع يد المرأة بالرجل * قلنا نعم إذا كان التفاوت بسبب حسى كالشلل وفوات بعض الاصابع فهو كما قلنا فأما إذا كان التفاوت بمعنى حكمي فانه يمنع استيفاء كل واحد منهما لصاحبه كالميين مع اليسار وهذا المعنى وهو ان في التفاوت إذا كان بنقصان حسى فمن له الحق إذا رضى بالاستيفاء يجعل هو بالعبض حقه مستوفيا لما بقى وذلك جائز ولهذا لا يستوفى الاكمل بالانقص وان رضى به القاطع لانه بالرضا يكون باذلا للزيادة ولا يجوز استيفاء الظرف بالبدل فاما إذا كان التفاوت لمعنى حكمي فلا وجه لتمكنه من الاستيفاء هاهنا بطريق اسقاط البعض ولا بطريق البدل وعلى هذا قال الشافعي تقطع يد العبد بيد الحر كما يقتل العبد بالحر وكذلك تقطع يد العبد بيد العبد كما يقتل أحدهما بالآخر قصاص ولا تقطع يد الحر بيد العبد كما لا يقتل الحر بالعبد عنده وعندنا لا يجرى القصاص بين العبيد والاحرار ولا بين العبيد فيما دون النفس لانعدام المساواة في البدل أما فيما بين العبيد والاحرار فظاهر وكذلك بين العبيد إذا اختلفت القيم فيهم وكذلك إذا استوت لان طريق معرفة القيمة الحزر والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بطريق الحرز كالمماثلة في الاموال الربوية عند المقابلة بجنسها ولا يقال نصاب السرقة يعرف بالتقويم
[ 137 ] وان كان يتعلق به ما يندرئ بالشبهات فكذلك المماثلة في القيمة هاهنا لانا لا ننكر معرفة القيمة بالحزر والظن وانما ننكر ثبوت المساواة بالحزر قطعاو في باب السرقة الحاجة إلى معرفة القيمة لا إلى المساواة ولا يقال إذا كانت قيمة كل واحد من العبدين أكثر من عشرة آلاف فهاهنا المساواة بينهما في البدل ثابتة شرعا ومع ذلك لا يجرى القصاص بينهما في الاطراف لان التقدير في بدل نفس العبد فاما بدل طرفه فلا يدخله التقدير شرعا ولكن تجب قيمته بالغة ما بلغت فيتحقق التفاوت بينهما فيه وبهذا تبين ان اطراف العبد يسلك بها مسلك الاموال ولا مدخل للقصاص في الاموال وعلى هذا الاصل قلنا يجرى القصاص بين المسلم والذمى فيما دون النفس للمساواة بينهما في البدل وعند الشافعي يقطع طرف الذمي بطرف المسلم ولا يقطع طرف المسلم بطرف الذمي اعتبارا بالنفسية علي قوله وعلي هذا الاصل لا يقطع يدان بيد واحدة عندنا للتفاوت في البدل والتفاوت في المقدار و تأثير التفاوت في المقدار فيما يعتبر فيه المماثلة أكثر من تأثير التفاوت في الصفة (ألا ترى) ان في الاموال الربوية التفاوت في المقدار يمنع جواز العقد والتفاوت في الصفة لا يمنع ثم التفاوت في الصفة هاهنا يمنع استيفاء الاكمل بالانقص كالصحيحة بالشلاء فالتفاوت في المقدار أولى وعند الشافعي يقطع يدان بيد واحدة إذا وضعا السكين من جانب واحدة اعتبار اللقصاص في الطرف بالقصاص في النفس الا أن في الاطراف إذا وضع أحدهما السكين من جانب والآخر من جانب وامرا حتى التقي السكينان يجب القصاص لان القتل ازهاق للحياة وهو لا يحتمل الوصف بالتجزى بحال فباختلاف محل الفعل لا يثبت التجزى بل كل واحد منهما قاتل على الكمال كما لو اتحد محل فعلهما فاما القطع فانه جزء محسوس وذلك يتنوع نوعين نوع منه يتجزأ وهو عند اختلاف محل الفعل لانه لو لم يوجد من كل واحد منهما امرار السلاح الا على بعض العضو ونوع منه لا يحتمل الوصف بالتجزى وهو ما اتحد محل الفعل لان كل واحد منهما أمر السلاح على جميع العضو (ألا ترى) أنه لا يمكن أن يشار إلى شئ من المحل فيقال القطع بفعل هذا دون فعل ذلك وعند اختلاف محل الفعل يقال هذا الجانب انقطع بفعل هذا والجانب الآخر انقطع بفعل الآخر فإذا كان غير متجزئ كان قياس النفس يجعل كل واحد منهما قاطعا بجميع اليد حكما فيلزمه القصاص لا عتبار معنى الزجر كما يعتبر ذلك في النفس و الدليل على الفرق ان عند تميز محل الفعل يجب على كل واحد منهما حكومة العدل وعند اتحاد محل يجب على كل واحد منهما عندكم
[ 138 ] نصف دية اليد في ماله وكذلك قلتم لو أن محرمين قتلا صيدا بضربة واحدة فان على كل واحد منهما قيمته صحيحا ولو جرحه كل واحد منهما في محل علي حدة ضمن كل واحد منهما قيمته مجروحا بجراحة صاحبه فيه يتضح هذا الفرق ولكنا نقول كل واحد منهما قاطع بعض اليد سواء اختلف محل الفعل أو اتحد لان القطع هو الفعل بين متصلين ولهذا يطلق هذا الاسم على الخشب والنبات والجبال ونحن يتيقن ان ما انقطع بفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الاآخر ولا معتبر بامرار كل واحد منهما السلاح على جميع العضو لان امرار السلاح من غير حصول القطع به وجوده كعدمه وما انقطع بقوة أحدهما لم ينقطع بقوة الآخر هذا شئ يعرفه كل عاقل فعرفنا ان كل واحد منهما قاطع بعض اليد ولا يجوز أن يقطع جميع يده بقطعه بعض اليد لان المساواة في الفعل معتبرة لا محالة والدليل عليه أن القطع في الجملة مما يحتمل الوصف بالتجزى وما يحتمل الوصف بالتجزى إذا اشترك فيه اثنان يضاف إلى كل واحد منهما بعضه وان حصل على وجه غير متجزى كما لو اشتركا في تمزيق ثوب أو في استهلاك درة أو في جمل حبسه يضاف نصفه إلى كل واحد منهما وان حصل على وجه غير متجزى فاما النفس فالقياس فيها هكذا ولكن تركنا القياس بالاثر وهو حديث عمر والمخصوص من القياس بالاثر لا يلحق به الا أن يكون في معناه من كل وجه لان الفعل في النفس لا يحتمل الوصف بالتجزى بحال والفعل في الطرف يحتمل الوصف بالتجزى (ألا ترى) أنه يتحقق أن يقطع بعض اليد ويترك ما بقي وفي النفس لا يتحقق ازهاق بعض الحياة دون البعض فلعدم احتمال التجزى هناك يجعل كاملا في حق كل واحد منهما ولا حتمال التجزى هاهنا يجعل كل واحد منهما قاطعا للبعض * يوضح الفرق ان الفعل في النفس يكمل بسراية فعله فانه لو جرح فسرى إلى النفس كان مباشرا قتله والفعل في الطرف لا يكمل بسراية الفعل وانه لو قطع فسرى إلى ما بقى حتى سقط لا يلزمه القصاص وسراية فعله أقرب إلى فعله من فعل شريكه فإذا لم يجز تكميل فعله بسراية فعله في حكم القصاص فلان لا يجوز تكميله بفعل شريكه أولى ولا معنى لا عتبار الزجر فان معنى الزجر معتبر بعد وجود المماثلة بدليل انه لا تقطع يد الحر بيد العبد ولا الصحيحة بالشلاء لانعدام المماثلة وان وقعت الحاجة إلى الزجر ولان المشتركين في أدنى ما يتعلق به القطع لا يلزمهما القطع كما لو اشترك رجلان في سرقة نصاب واحد لا يقطع واحد منهما وان كان المسروق درة لا تحتمل التجزي وبه فارق النفس فان المشتركين في أدنى
[ 139 ] ما يوجب القتل حقا لله تعالى يلزمهما القتل نحو ما إذا اشتركا في قتل رجل في قطع الطريق فيعتبر حق العبد بحق الله تعالى في الفصلين جميعا وإذا ثبت أنه لا يجب القصاص عليهما قلنا يجب علي كل واحد منهما نصف دية اليد في ماله لانا نتيقن أن كل واحد منهما قاطع للنصف والفمل عمد وكذلك إذا وضع كل واحد منهما السكين من جانب فانا ان علمنا أن كل واحد منهما قطع نصف اليد يلزمه نصف الدية وانما يصار إلى حكومة العدل إذا لم يعلم أن كل ما قطعه كل واحد منهما قدر النصف ولو قطع رجل يد رجل من نصف الساعد أو رجله من نصف الساق عمدا لم يكن عليه في ذلك قصاص لانه لا يمكن اعتبار المماثلة في الفعل والمحل فان فعله كان في كسر العظم دون القطع من المفصل وفيما يلزمه من الدية وحكومة العدل اختلاف بين أصحابنا وقد تقدم بيانه ولو قطع رجل يدى رجل اليمنى واليسرى قطعت يداه بهما وكذلك ان قطعهما من واحد لان المماثلة المشروطة في الفعل والمحل والمأخوذ بالفعل موجود فان قيل هو ما فوت على كل واحد منهما منفعة الجنس وإذا قطمنا يده كان فيه تفويت منفعة الجنس فلا يتحقق المماثلة قلنا في حق كل واحد منهما يعتبر ما يستوفيه هو وليس في استيفائه منفعة الجنس ثم هذا المعنى انما يعتبر في السرقة لان تفويت منفعة الجنس استهلاك حكما والاستهلاك الحقيقي في حد السرقة غير مشروع فكذلك الحكمى فأما في القصاص فالاستهلاك الحقيقي مشروع إذا كانت المماثلة فيه فكذلك الاستهلاك الحكمى ولو قطع رجل يمينى رجلين قطعت يمينه بهما وغرم دية يد منهما عندنا سواء قطعهما معا أو على التعاقب وقال الشافعي ان قطعهما على التعاقب يقطع بالاولى منهما وللثاني الارش وان قطعهما معا يقرع بينهما ويكون القصاص لمن خرجت قرعته والارش للاخر لانه حين قطع يد أحدهما فقد صارت مشغولة بحقه مستحقة له قصاصا والمشغول لا يشغل كمن رهن عينا من انسان وسلمها إليه ثم رهنها من آخر فانه لا يصلح الثاني مع بقاء حق الاول وهنا حق الاول باق فمنع ذلك ثبوت حق الثاني في اليد بخلاف ما إذا عفى الاول لان المانع قد زال إذ لم يبق له حق في المحل وكذلك إذا بادر الثاني واستوفى لانه لم يبق للاول حق في المحل لفواته فكان الثاني مستوفيا حقه فإذا حضرا جميعا فحق الاول قائم فيترجح بالسبق والدليل عليه أنه ليس في عينه وفاء بحقهما بالاتفاق حتى ان عندكم يقضى بارش يد بينهما وان قطعا جميعا ولو كان في عينه وفاء بحقهما لم يجب لهما شئ آخر بعد استيفائه كما قلتم في النفس إذا ثبت أن في عينه وفاء بحق أحدهما لم يكن بد
[ 140 ] من ترجيح أحدهما على الآخر فرجحنا بالسبق أو بخروج القرعة إذا حصل الفعلان جميعا كما هو أصل ثم فيما قلتم جمع بين القصاص والارش لكل واحد منهما بسبب فعل واحد وذلك لا يجوز أصلكم * وحجتنا في ذلك أن حق كل واحد منهما ثابت في جميع اليد لان السبب تقرر في حق كل واحد منهما وهو القطع المحسوس وكونه مشغولا بحق الاول لما لم يمنع تقرر السبب في حق الثاني لا يمنع ثبوت حكمه (ألا ترى) أن ملك المولى في عبده لا يمنع وجوب القصاص عليه إذا تقرر سببه وهو القتل والحق دون الملك بخلاف الرهن فان ثبوت السبب هناك بطرق الحكم واشتغال المحل بحق الاول يمنع ثبوت السبب في حق الثاني حكما والدليل عليه أنه لو عفى الاول كان للثاني أن يستوفى القصاص وتأثير العفو في الاسقاط فلو لم يجب له القصاص باصل الفعل لم يجب بالعفو والدليل عليه أن الثاني لو بادر واستوفى كان مستوفيا للقصاص فعرفنا أن حق كل واحد منهما ثابت في جميع اليد والمساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق كالغريمين في التركة والشفيعين في الشقص المشفوع الا أنه إذا قطعت يده بهما فقد صار كل واحد منهما مستوفيا نصف حقه لما بينا أن القطع يقع متجزئا فان القطع الذى هو ظلم يقع من اثنين بصفة التجزى فكذلك القطع الذى هو جزء بخلاف النفس فان ما هو ظلم هناك لا يقع متجزيا فكذلك ما هو جزء وإذا صار كل واحد منهما مستوفيا نصف اليد فقد قضى بنصف طرفه حق كل واحد منهما ومن عليه القصاص في الطرف إذا قضى بطرفه حقا مستحقا عليه يقضى لمن له القصاص بالارش كما لو قطعت يده في سرقة وبهذا تبين أن المعنى الذى يجب به نصف الارش لكل واحد منهما غير ما يجب به القصاص فلا يكون هذا جمعا بين القصاص والارش بسبب واحد وبه فارق النفس فان هناك لو قضى بنفسه حقا مستحقا عليه بان قتل رحمالا يقضى لمن له القصاص بشئ إذا عرفنا هذا فنقول لو عفى أحدهما عنه قبل القصاص اقتص منه للباقي ولا شئ للعافي لان المزاحمة بينهما في القطع لثبوت حق كل واحد منهما في المحل وقد انعدم ذلك بعفو أحدهما فكان للآخر القصاص فقط ولو حضر أحدهما دون صاحبه لم ينتظر الغائب ويقتص لهذا الحاضر لان حقه ثابت في جميع اليد ومزاحمة الآخر معه في الاستيفاء موهوم عسى يحضر وعسى لا يحضر فلا يؤخر استيفاء المعلوم لمكان الموهوم كاحد الشفيعين إذا حضر والآخر غائب يقضى له بجميع المبيع بالشفعة لهذا المعنى ثم إذا قدم الغائب كان له الدية لانه قضى بجميع طرفه حقا مستحقا عليه
[ 141 ] فيقضى للآخر بالارش بخلاف النفس فان هناك لو حضر أحدهما واستوفى القصاص ثم حضر الآخر لا يقضى له بشئ لان هناك في نفسه وفاء بحقهما فانما لم يستوف هذا المعنى من جهته وان لم يحضر وليس في الطرف الواحد وفاء بحقهما فانما تعذر علي الثاني للاستيفاء بقضائه بطرفه حقا مستحقا عليه * يوضحه أن في النفس وان قضى بها حقا مستحقا عليه فلا يمكن جعلها سالمة بعد موته ولا يمكنه تقوم نفسه عليه بعد ما مات فأما في الطرف فيمكن أن يجعل الطرف كالسالم له حين قضي به حقا مستحقا عليه وان يتقوم عليه ذلك لانه كالحابس لطرفه حكما فلهذا يقضى للثاني بالارش وان اجتمعا فقضى لهما بالقصاص والدية فأخذ الدية ثم عفى أحدهما عن القصاص جاز عفوه ولم يكن للآخر أن يستوفى القصاص وانما له نصف الدية لانهما ملكا الارش بالقبض وبعد تمام ملك كل واحد منهما في نصف اليد يستحيل أن يبقي حق كل واحد منهما في جميع القصاص فعرفنا أن حق كل واحد منهما انما بقى في نصف القصاص والقصاص المشترك بين اثنين إذا سقط نصيب أحدهما بعفوه انقلب نصيب الآخر مالا فأما إذا لم يستوفيا الدية حتى عفى أحدهما بعد ما قضي القاضى فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف للآخر أن يستوفى القصاص كما لو عفى أحدهما قبل قضاء القاضى وهو القياس وعند محمد وزفر ليس للآخر أن يستوفى القصاص استحسانا كما لو عفي أحدهما بعد استيفاء الارش وذلك لان قضاء القاضى بالقصاص وبالارش بينهما قد نفذ ومن ضرورته ضرورة القصاص مشتركا بينهما فإذا أسقط أحدهما نصيبه يبقى حق الاخر في نصف القصاص ولا يتصور استيفاء نصف اليد قصاصا والدليل عليه أن الارش بقضاء القاضى صار مملوكا بينهما فهو كما لو ملكا الارش بالاستيفاء بخلاف ما قبل القضاء فانهما لم يملكا الارش بعد فيبقى حق كل واحد منهما في جميع القصاص والدليل على الفرق بين ما قبل القصاص وبين ما بعده أن أحد الشفيعين لو سلم قبل أن يقضى القاضى لهما بالدار كان للاخر أن يأخذ جميع الدار بالشفعة ولو سلم أحدهما بعد قضاء القاضى لم يكن للاخر أن يأخذ الا النصف وكذلك لو ادعى رجلان كل واحد منهما شراء عين من ذى اليد وأقاما البينة ثم أسقط أحدهما حقه قبل قضاء القاضى فانه يقضى للاخر بالبيع في جميع العين وبعد ما قضى القاضى لهما لو رد أحدهما البيع في نصيبه لم يكن للاخر الا النصف وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا القاضى انما قضى بما كان على ما كان فنزل ذلك منزلة الفتوى ولو استفتيا فأفتى لهما القاضى أن القصاص بينكما أو أن الارش
[ 142 ] بينكما ثم عفى أحدهما كان للآخر استيفاء القصاص فكذلك إذا قضى به القاضى وهو نظير من مات وترك ابنا وبنتا فقضى القاضى بينهما بالميراث أثلاثا كان هذا كفتوى المفتى ولو تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فقضى القاضي لها بمهر المثل كان هذا كفتوى المفتى حتى لو طلقها قبل الدخول بها كان لها المتعة وفي تفسير هذا الوصف نوعان من الكلام أحدهما أن حق كل واحد منهما كان في جميع القصاص على أن يستوفى كل واحد منهما النصف إذا زاحمه الآخر وبقي كذلك بعد قضاء القاضى بدليل أنه لو حضر أحدهما واستوفى كان مستوفيا للقصاص ويكون الارش للآخر بخلاف ما بعد استيفاء الارش فان هناك لو حضر أحدهما لا يتمكن من استيفاء القصاص ما لم يحضر الآخر وهذا لان القضاء قول من القاضى والقصاص الذى هو غير المشترك لا يصير مشتركا بقول بحال كما لو جعل نصف القصاص لغيره وقضي القاضى بذلك كان ذلك لغوا بخلاف استيفاء الارش فانه فعل وبالفعل يصير القصاص مشتركا والقاضي وان قضي بالارش بينهما فالملك لكل واحد منهما لا يتم بالقضاء قبل الاستيفاء لان الارش في معنى الصلات فانما يتم الملك فيها بالقبض لا بالقضاء كمنفعة الزوجة تصير بالقبض لا بنفس القضاء والدليل عليه أن السبب الموجب للارش لكل واحد منهما قضاؤه بطرفه حقا مستحقا عليه وذلك لا يتم بالقضاء قبل استيفاء القصاص فأما إذا استوفيا الارش فسبب الملك في المقبوض هو القبض وقد تم ذلك وبهذا فارق فصل الشفعة والبيع فالقاضي بقضائه هناك غير الامر عما كان عليه لانه فسخ بيع كل واحد منهما في النصف وأبطل حق كل واحد من الشفيعين في النصف الذى قضى به الآخر والوجه الآخر أن القصاص وجب مشتركا بينهما والارش كذلك أما إذا حصل الفعلان معا فهو ظاهر وكذلك ان حصلا علي التعاقب لانه يجعل في الحكم كأنهما كانا معا وهذا لانا لو قلنا ان حق كل واحد منهما في جميع القصاص لكان القاضى مسقطا حق كل واحد منهما عن نصف القصاص بولاية شرعية والقصاص لا يحتمل الوصف بالتجزى اسقاطا (ألا ترى) أن صاحب الحق لو عفا عن النصف سقط جميع حقه وهاهنا لما نفذ قضاء القاضى بالقصاص بينهما عرفنا أن القصاص كان مشتركا بينهما بشرط مزاحمة كل واحد منهما مع صاحبه فتقرر ذلك بقضاء القاضى ثم بالعفو زالت مزاحمته فيكون حق الاخر في القصاص لانعدام شرط الشركة كما لو زالت مزاحمته بالفو قبل قضاء القاضي والطريق الاول أصح ولو لم يكونا أخذا المال وأخذا به كفيلا ثم عفا أحدهما
[ 143 ] فالمسألة على الخلاف أيضا لان تأثير الكفالة في توجه المطالبة بالارش على الكفيل وذلك لا يكون أقوى من توجه المطالبة لهما بالارش على الاصيل بقضاء القاضى ثم هناك لو عفا أحدهما كان للآخر القصاص فهذا مثله ولو كانا أخذا بالمال رهنا كان هذا بمنزلة قبض المال إذا عفا أحدهما بعد ذلك لم يكن للآخر أن يستوفي القصاص وهذا استحسان وكان ينبغى في القياس ان لا يقع بينهما شركة أبدا ما لم يقبضا ولم يذكر غير هذا في رواية أبى حفص وفي رواية أبى سليمان قال كان ينبغى في القياس أن لا يقع بينهما شركة أبدا سواء قبضا المال أو لم يقبضا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف وفي رواية أبى سليمان أشار إلى أن القياس والاستحسان في فصل استيفاء الارش والارتهان بالارش جميعا وفى رواية أبى حفص أشار إلى أن القياس والاستحسان في فصل الارتهان بالارش وهذا هو الاصح وجه القياس ان الرهن وثيقة بالارش كالكفالة فكما ان عفو أحدهما بعد كفالة الكفيل بالارش لا يمنع الآخر من الاستيفاء أي استيفاء القصاص فكذلك بعد الرهن لان بالارتهان لم يتم ملكهما في الارش ولا في بدله وجه الاستحسان أن موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء لهما (ألا ترى) انه يتم استيفاؤهما بهلاك الرهن وانه يعتبر قيمة الرهن وقت القبض فتقام يد الاستيفاء مقام حقيقة الاستيفاء في ايراث الشبهة بخلاف الكفالة فان بالكفالة تزداد المطالبة ولا تثبت يد الاستيفاء فبقى كل حق واحد منهما بعد الكفالة في جميع القصاص كما كان قبله وإذا قطع الرجل أصبع رجل من المفصل من يمناه ثم قطع يمينا أخرى وبدأ باليد ثم قطع الاصبع ثم حضرا جميعا فانه يقطع أصبعه أو لا باصبع الآخر ثم يخير صاحب اليد فان شاء قطع ما بقي وان شاء أخذ دية يده لان في البداءة يحق صاحب اليد ايفاء الحقين فانه لا يفوت به محل حق صاحب الاصبع فمهما أمكن ايفاء الحقين لا يجوز ابطال حق أحدهما ثم حق صاحب الاصبع في الاصبع مقصود وحق صاحب اليد في الاصبع تبع بدليل انه لو أراد قطع الاصابع أو بعضها وترك الكف منع من ذلك ولا مساواة بين التبع والمقصود فهو نظير مالو قطع يد انسان وقتل آخر فانه يبدأ بحق صاحب اليد فيقتص له أولا ثم يقتل بالآخر وإذا قطع صاحب الاصبع أصبعه يخير صاحب اليد بمنزلة ما لو كانت يد القاطع ناقصة باصبع ومن قطع يد انسان ويد القاطع ناقصة باصبع يتخير المقطوعة يده لعجزه عن استيفاء حقه بصفة الكمال فان شاء أخذ الارش وان شاء قطع ما بقى ولا
[ 144 ] شئ له سوى ذلك عندنا وعند الشافعي له أن يقطع ما بقي ويضمنه خمس دية اليد لان كل أصبع خمس اليد بدليل ان ارش كل أصبع يكون خمس ارش اليد فهو انما استوفى أربعة اخماس حقه فيقضى له بالارش فيما بقى كمن أتلف على آخر خمسة أقفزة حنطة فوجد عنده أربعة أقفزة واستوفاها كان له أن يتسوفى قيمة القفيز الخامس ولكنا نقول استوفى محل حقه بكماله فلا يرجع مع ذلك بشئ من الارش كما لو قطع يدا صحيحة ويد القاطع شلاء فاستوفى القصاص وهذا لان الاصابع صفة لليد (ألا ترى) أن المقصود باليد منفعة البطش وبفوات الاصبع ينتقص معنى البطش ولا ينعدم والدليل عليه انه لو أراد صاحب اليد استيفاء بعض الاصابع لم يكن له بعد ذلك ولكن اما ان يقطع من مفصل اليد أو يترك فعرفنا أن الاصابع في حقه بمنزلة الوصف ومن تجوز بحقه مع نقصان الصفة لا يكون له أن يرجع بشئ آخر كما لو اتلف عليه كرا جيدا فوجد عنده كرا رديئا وقبضه بخلاف القفزان فانه مقدار وليس بصفة (ألا ترى) ان له أن يبرئ عن بعض الاقفزة ويستوفى البعض وهاهنا ليس له أن يعفو عن بعض الاصابع ويستوفى البعض فان جاء صاحب اليد أولا قطعت له اليد لان حقه ثابت معلوم فلا يتأخر استيفاؤه لمكان حق موهوم لغائب لا يدرى أيطلب أو يعفو ثم إذا حضر الآخر قضى له بالارش لان من عليه الحق قضي بمحل حقه حقا مستحقا عليه فيكون له الارش فان قيل كيف يستقيم هذا مع قولكم ان الاصبع وصف وتبع قلنا نعم ولكن باعتبار فوات هذا الوصف كان يتخير من له الحق وانما لم يتخير هاهنا لبقاء الاصبع فكان هو من هذا الوجه قاضيا بالاصبع حقا مستقحا عليه بخلاف النفس فان هناك لو حضر من له القصاص في النفس أولا واستوفى لم يكن لمن له القصاص في الطرف شئ لان هناك ما قضى بالطرف حقا مستحقا عليه (ألا ترى) ان فوات الطرف لا يثبت الخيار لصاحب النفس ولو قطع من أصبع رجل مفصلا ومن أصبع رجل آخر مفصل ذلك الاصبع ومن رجل ثالث الاصبع كلها تم اجتمعوا عند القاضى فانه يقطع المفصل الاعلى لصاحب الاعلى لانه ليس في بداءته بحقه تفويت محل حق الاخرين وبالبداءة باخذ حق الاخرين تفويت محل حقه ولان حقه في المفصل الاعلى مقصود وحق الاخرين فيه تبع وإذا قطع هذا لفصل تخير صاحب المفصلين فان شاء قطع المفصل الاوسط بجميع حقه لانه وجد محل حقه ولكه مع النقصان وان شاء أخذ ثلثى دية أصبعه من مال القاطع لعجزه عن استيفاء
[ 145 ] كمال حقه ثم يخير صاحب الاصبع فان شاء أخذ ما بقى من أصبعه لوجود محل حقه وان كان ناقصا وان شاء أخذ دية أصبعه من مال القاطع لعجزه عن استيفاء كمال حقه وكذلك لو قطع كف رجل من مفصل ثم قطع يد آخر من المرفق ثم اجتمعا فان الكف يقطع لصاحب الكف لانه ليس في البداءة بحقه تفويت محل حق الآخر ثم يخير صاحب المرفق فان شاء قطع ما بقى بحقه لوجود محل حقه وان شاء أخذ الارش لعجزه عن استيفاء حقه بكماله وفي جميع هذه الوجوه لا يثبت للثاني الخيار قبل استيفاء الاول لان صفة الكمال قائمة في طرفه ولا تنعدم بثبوت حق الاول فيه وانما ينعدم ذلك باستيفائه فلهذا كان خياره بعد استيفاء الاول وإذا شج الرجل الرجل موضحة فاخذت ما بين قرنى المشجوج وهى لا تأخذ ما بين قرنى الشاج لكبر رأس الشاج فان المشجوج يخير فان شاء أخذ الارش وان شاء اقتص له يبدأ من أي الجانبين أحب حتى يبلغ مقدارها في طولها إلى حيث تبلغ ثم يكف وليس له أن يشجه شجة تأخذ ما بين قرنيه وذكر الطحاوي عن الرازي الكبير ان له ذلك ولا خيار له لان في القصاص فيما دون النفس تعتبر المساواة في المحل ولا ينظر إلى الصغر والكبر (ألا ترى) ان من قطع يد انسان ويد القاطع أكبر من يد المقطوع انه يجب القصاص فهذا مثله ولكنا نقول الا صل في الشجاج انه تعتبر المساواة في المساحة والسبر لان البدل يختلف بحسب الاختلاف في ذلك والمساواة في البدل معتبرة في القصاص فيما دون النفس فهاهنا لو شجه شجة تأخذ ما بين قرنى الشاج كان في المساحة أكثر من الاول وكذلك في الالم ولو شجه مثل الاول وفى المساحة كان في السير دون الاول لان الشجة الاولى أخذت ما بين قرنيه وذلك القدر لا يأخذ ما بين قرنى الشاج فقد عجز عن استيفاء حقه بكماله فثبت له الخيار ان شاء استوفى الارش وان شاء استوفى القصاص بقدر الاولى في المساحة وتجوز بدون حقه في السبر بخلاف اليد فان المعتبر هناك منفعة البطش فلعل هذه المنفعة في اليد الصغيرة أكثر من اليد الكبيرة (ألا ترى) أن ارش اليد لا يختلف باختلاف اليد في الصغر والكبر بحال فان لم يأخذ ما بين قرنى المشجوج لكبر رأسه وهى تأخذ ما بين قرنى الشاج وتفضل فانه يخير أيضا لانه ان استوفى مثل حقه في المساحة كان هذا أزيد في السير من الاول وان اقتصر علي ما يكون مثل الاول في السبر كان دون حقه في المساحة فيتخير فان شاء أخذ الارش وان شاء اقتص
[ 146 ] له ما ين القرنين من الشاج لا يزاد على ذلك وان كانت الشجة في طول رأس المشجوج وهى تأخذ من رأس الشاج من جبهته إلى قفاه فان شاء أخذ الارش وان شاء اقتص له مقدار شجته إلى مثل موضعها من رأسه لا أزيد علي ذلك لانه لو شجه مثل شجته في الطول كان هذا في معنى السبر أزيد من الاول ولا سبيل له الي استيفاء الزيادة وان شجه إلى مثل ذلك الموضع من رأسه كان دون حقه في الطول فيخير لذلك وان كانت أخذت من المشجوج ما بين جبهته إلى قفاه ولا تبلغ من رأس الشاج الا إلى نصف ذلك فان شاء أخذ الارش وان شاء اقتص له بمقدار شجته إلى حيث تبلغ ويبدأ من أي الجانبين أحب لما قلنا وقدمنا فيما سبق حكم القصاص في الشجاج وما فيها من اختلاف الروايات وانه لا يقتص في شئ من ذلك حتى يبرأ ولا قصاص في الهاشمة والمنقلة والآمة والجائفة لان هذه الجراحات في العظم فاعتبار المماثلة فيها غير ممكن وبلغنا عن عمر رضى الله عنه انه قال لا قصاص في عظم وعن ابن عباس رضى الله عنه انه قال ولا قصاص في آمة ولا جائفة ولا منقلة ولا عظم يخاف عليه تلف وكل عظم كسر من ساعد أو ساق أو ضلع أو ترقوة أو غير ذلك ففيه حكم عدل ولا قصاص فيه لتعذر اعتبار المساواة فيه وللتفاوت في الارش فان حكم العدل انما يظهر بتقويم المقومين فلا يكون ذلك مقطوعا به وإذا قطع رجل يد رجل عمدا ويد القاطع شلاء أو ناقصة أصبعا قيل له اقطع يده ان شئت والا فخذ الارش لانه وجد جنس حقه ولكنه ناقص في الصفة فيتخير لذلك فان سقطت يده قبل أن يختار من له القصاص شيأ فلا شئ له عندنا وله الارش عند الشافعي وكذلك لو كانت يد القاطع صحيحة فسقطت لاكلة أو قطعت ظلما فلا شئ لمن له القصاص وعند الشافعي له الارش وكذلك في النفس لو مات من عليه القصاص أو قتل فهو بناء على ما سبق ان عنده الواجب أحد شيئين إما القصاص أو الارش وإذا تعذر استيفاء أحدهما لفوات محله تعين الآخر وعندنا الواجب هو القصاص لا غير وقد سقط لفوات محله حقيقة وحكما والحق الثابت في محل مقصور عليه لا يبقى بعد فواته بخلاف ما إذا قطعت يده في سرقة لانه لما قضي بيده حقا مستحقا عليه كان ذلك كالسالم له حكما إذا ثبت هذا فيما إذا كانت يده صحيحة فكذلك إذا كانت يده شلاء لان حقه كان في القصاص وقد فات محله حين سقطت يده فان قيل هو مخير بين اسيتفاء القصاص واستيفاء الارش فإذا تعذر عليه استيفاء أحدهما تعين الآخر قلنا لا كذلك بل كان حقه في القصاص لا غير الا انه كان له أن
[ 147 ] يستوفى الارش لعجزه عن استيفاء كمال حقه بدليل انه لو زال الشلل قبل أن يستوفى الارش لم يكن له الا القصاص وقد فات محل حقه فلم يبق له شئ ولو قطعت أصبع من أصابع القاطع لغير قصاص لم يكن للمقطوعة يده الا انه يقطع ما بقي ولا ارش له بخلاف ما إذا قطعت أصبع من أصابعه في قصاص لان الاصبع جزء من اليد فيعتبر الجزء بالكل في الفصلين جميعا وإذا اقتص الرجل من الرجل في عضو أو شجة فمات المقتص منه من ذلك فديته على عاقلة المقتص له في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا شئ عليه والمسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله عنهم كان عمر وعلى يقولان الحق قبله ولا شئ علي أحد وكان ابن مسعود يقول يضمن دية النفس ويسقط من ذلك ارش العضو الذى هو حقه وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول عليه الدية وكان يروى في ذلك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه من استقاد من انسان فمات المستقاد منه وبرئ المستقيد ضمن المستقيد ديته وجه قولهما أن هذا قطع بحق أو قطع مستحق فالسراية المتولدة منه لا تكون مضمونة كالامام إذا قطع يد السارق فمات من ذلك وتأثيره أن السراية أثر الفعل فلا تنفصل عن أصل الفعل ولما اتصل أصل الفعل بالخفية فكذلك أثره ثم نفس من عليه القصاص صارت في حكم نفسه على معنى أن الفعل في محل حقه يكون حقا مباحا وفيما وراء ذلك يكون عدوانا وان محل حقه صار مملوكا له في حكم الاستيفاء وما وراء ذلك غير مملوك له والفعل في محل حقه جزاء وفيما سوى ذلك عدوان فإذا تميز أحد المحلين عن الآخر حكما يجعل كالتمييز حساولا تنوب السراية من بدن الي بدون فباعتبار هذا المعنى يجعل عقيب القطع كانه تم البرء فلا تعتبر السراية بعد ذلك ولان هذا فعل ماذون فيه فالسراية المتولدة منه لا تكون مضمونة كمن قال لغيره اقطع يدى أو قال من عليه القصاص لمن له القصاص اقطع يدى قصاصا فقطع وسرى فانه لا يجب شئ وكذلك النزاع والفصاد والحجام والختان لا يضمن واحد منهم بالسراية شيأ لهذا المعنى ولان هذا قطع لو اقتصر لم يكن مضمونا فلا تكون السراية مضمونة كقطع يد المرتد وهذا لان الشرع أثبت له حق قطع اليد وليس في وسعه التحرز عن السراية فلا يجوز أن يكون مؤاخذا به والسراية انما تكون لعجز الطبيعة عن دفع أثر الجراحة والبرء وبقوة الطبيعة عن دفع أثر ها وشئ من ذلك ليس في وسع المستوفى لحقه * يوضحه ان طرفه كان سالما بلا خطر فلا يتميز الا بمثله وهو طرف يسلم له بالاستيفاء من غير خطر ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما ان هذا قتل بغير حق فيكون مضمونا وبيانه
[ 148 ] ان القتل اسم لجرح يعقبه زهوق الروح وقد وجد ذلك ولا شك ان القطع غير القتل فالقطع اسم لفعل يكون مؤثرا في إباحة جزء من الجملة والقتل اسم لفعل يكون مؤثرا في ازهاق الروح وانما يتعين ذلك باعتبار المآل ولهذا يعتبر في الجنايات مآلها حتى إذا قطع يد امرأة أو يد رجل من نصف الساعد لم يكن عليه القصاص فان سرى الي النفس يجب القصاص فبهذا يتبين ان عند السراية تبين ان أصل الفعل كان قتلا لا ان يقال كان قطعا فصار قتلا لان الفعل لا يتصور أن يكون علي صفة ثم يصير على صفة أخرى إذ لا بقاء له ولا يتبين أنه كان قتلا في الاصل وهو بمنزلة تحريك الخشبة ان لم يصب شيأ كان تحريكا وان ألقاها على ما انكسر بها كان كسرا وان ألقاها على حيوان فمات بها كان قتلا وهاهنا لما انزهق الروح بهذا الفعل عرفنا انه كان قتلا من الاصل ولا حق له في القتل فيكون هذا قتلا بغير حق بمنزلة مالو حز رقبته ولهذا كان القياس أن يلزمه القصاص عند أبى حنيفة الا انه أوجب عليه الدية استحسانا بمنزلة الخطأ فانه ما قصد قتله وانما قصد استيفاء حقه باقامة فعل هو حق فيكون بمنزلة مالو رمى إلى صيد أو حربى فأصاب مسلما * يوضحه ان الفعل من حيث الصورة حقه وباعتبار المآل كان غير حقه والحكم وان كان يبنى على ما يظهر في الحال فنسبة ذلك الفعل لصورته وصفة الحقية في صورته تكون شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات وما ادعوا من تمييز أحد المحلين حكما كلام لا معنى له لان هذا التمييز في حكم القطع الذى هو قصاص فقط فأما فيما وراء ذلك فنفس من عليه وأطرافه كشئ واحد وقد بينا ان هذا ليس باستيفاء لحقه وكذلك الفعل انما يكون جزاء إذا كان قطعا لا إذا كان قتلا وطرف من عليه غير مملوك لمن له القصاص حكما حتى إذا قطع كان البدل لمن عليه لا لمن له القصاص ولكن في حق المتمكن من استيفاء حقه جعل كانه له واستيفاء حقه يكون بفعل هو قطع لا بفعل هو قتل قوله التحرز عن السراية ليس في وسعه قلنا نعم ولكن العفو والترك في وسعه وهو مندوب إليه قال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى وانما يتقيد بالوسع ما يكون مستحقا عليه فأما ما يكون مباحا له كالمشي في الطريق والرمى إلى الصيد وتعزير الزوج زوجته فمقيد بشرط السلامة وان لم يكن في وسعه ايجاد ذلك لان ذلك غير مستحق عليه ثم عجزه لا يجوز أن يكون مسقطا حرمة صاحب النفس في نفسه وأكثر ما في الباب ان يتقابل حقان حق هذا في طرف يسلم له بلا خطر وحق الآخر في نفس محترمة متقومة فتترجح حرمة النفس على حرمة الطرف أو يعتبر الحرمتان فلحقه
[ 149 ] في الطرف يتمكن من الاستيفاء ولمراعاة حق الآخر في النفس يتقيد عليه بشرط السلامة وهو بمنزلة مالو قلع سن انسان فاستؤنى حولا فلم ينبت فانه يمكن من استيفاء القصاص فان استوفى القصاص ثم نبت السن المقلوع أولا وجب عليه ارش سن القالع لهذا المعنى وهذا بخلاف قطع الامام يد السارق لان ذلك مستحق عليه اقامته فيتقيد بما في وسعه * يوضحه أن المأمور به هناك قطع مطلق وفعله في الصورة قطع فيصير به ممتثلا للآمر ويخرج من عهدته فيصير كالمسلم إلى من له القصاص عامل لنفسه الحق فإذا مات من ذلك فانما قتله من له الحق بعد ما خرج الامام من عهدة فعله فأما هنا فمن له القصاص عامل لنفسه فلا يخرج من عهدته قبل البرء وانما اذن له في قطع مقيد بكونه قصاصا والقصاص عبارة عن المساواة فإذا تبين أنه لم يكن قصاصا كان مضمونا عليه ولهذا قلنا في قوله اقطع يدى فقطع فسرى لا يجب شئ لانه أنابه مناب نفسه في قطع مطلق فكما أن به تحول فعله إلى الآمر وخرج القاطع من عهدته وكذلك النزاع والفصاد والحجام انما أمروا بفعل مطلق وكما فرغوا من ذلك خرجوا من عهدتهم وصار مسلما إلى من أمرهم بذلك فأما قول من عليه القصاص لمن له القصاص اقطع يدى قصاصا غير معتبر لان من له القصاص عامل لنفسه بعد هذا القول وقبله كيف وقد قيد الامر بقوله اقطع قصاصا فإذا سرى إلى النفس فهذا على الخلاف والحرف الآخر لابي حنيفة أن هذه سراية تولدت من قطع مضمون فيكون مضمونا كما لو قطع يد انسان ظلما وبيان ذلك أن القصاص محض حق العباد فيكون واجبا بطريق الجبران وما يستوفى جبرا يكون على المستوفى بما كان استوفى منه فان معنى الجبران لا يتحقق الا به كمن استهلك على انسان مالا فاستوفى منه مثله كان المستوفى مضمونا على المستوفى وهذا مثله فإذا كان أصل الفعل مضمونا والسراية أثره فتكون مضمونة أيضا وعليه يخرج قطع يد السارق لانه أقامه حدا فلا يكون مضمونا على الامام (ألا ترى) أن ذلك قضاء منه وفيما يكون مضمونا عليه لا يكون نافذ القضاء وكذلك إذا قال لغيره اقطع يدى فانه غير مضمنون عليه لانه عامل للآمر لامره في محل مملوك له وكذلك قطع بد المرتد وأما فعل الفصاد والنزاع فانه مضمون ضمان عقد ولكن لا يتولد ضمان الجناية من ضمان العقد وقد قررنا هذا في مسألة الاجير المشترك ولو لم يمت المقتص منه ومات المقتص له قتل به المقتص منه لانه لما مات تبين أن الواجب له القصاص في النفس ومن له القصاص في النفس إذا قطع بد من عليه القصاص لا يسقط به
[ 150 ] حقه في النفس فلهذا قتل به قصاصا ولو قتل رجل رجلا فدفع إلى وليه فقطع يده عمدا أو مثل به في غير ذلك الموضع لم يكن عليه في ذلك ارش لانه كانت له نفس واليد من النفس (ألا ترى) أن استيفاء النفس باق على ذلك كله ولكن تعذر لما باشره من المثلة فان المثلة حرام بنهي النبي عليه السلام عن المثلة وما كان يمنع من هذا الفعل فذاك لا يدل على أنه مضمون عليه كما لو حرقه بالنار فانه لا يكون مضمونا عليه وان كان هو ممنوعا منه والا طراف تابعة للنفس فإذا كان فعله في النفس علي وجه يكون ممنوعا منه لا يوجب الضمان عليه فكذلك في الطرف ولو أن الولى بعد ما قطع يده عمدا أو خطأ عفا عنه كان عليه دية اليد في قول أبى حنيفة ولا شئ عليه في قول أبى يوسف ومحمد لانه استوفى طرفا من نفس لو استوفاها لم يضمن فكذلك إذا استوفى جزأ منها لم يضمن كما لو قطع يد مرتد وهذا لان الاطراف تابعة للنفس فمن ضرورة ثبوت حقه في النفس ثبوت حقه في الاطراف لان الحق في التبع انما يثبت بثبوته في الاصل ولهذا لم يكن استيفاء الطرف موجبا للضمان عليه قبل العفو فكذلك بعد العفو ولان العفو اسقاط فانما ينصرف إلى الباقي لا إلى المستوفى كمن قطع يد انسان ثم قطع من له القصاص أصبعا من أصابعه ثم عفا عن اليد لم يضمن ارش الاصبع والاصابع للكف بمنزلة الاطراف للنفس والدليل عليه أنه لو أعقب القطع قتلا لم يضمن شيأ وكان ذلك باعتبار ثبوت حقه في الطرف فكذلك إذا أعقبه عفوا لانه في العفو محسن واحسانه لا يكون موجبا عليه الضمان * يوضحه أنه بعد العفو لوسرى إلى النفس لم يضمن شيأ والقطع السارى أفحش من المقتصر وإذا كان لا يضمن بعد العفو إذا سرى شيأ فإذا اقتصر أولي أن لا يضمن و أبو حنيفة يقول استوفى طرفا لا حق له في استيفائه من نفس متقومة فيكون مضمونا عليه وبيانه أن نفس من عليه القصاص متقومة في حق سائر الناس فكذلك في حق من له القصاصن الا أن تقومها سقط في حق الاستيفاء بما سبق ولا حق لمن له القصاص في استيفاء الطرف لان استيفاء الطرف قطع وقد بينا أن حقه في القتل والقطع غير القتل والدليل عليه أنه يمنع من الاستيفاء مع أن القطع طريق مشروع لاستيفاء القصاص في النفس فانما يمنع هناك لانه مخطئ في الطريق وهاهنا غير مخطى في الطريق ثم يمنع من الاستيفاء فعرفنا أنه لاحق له في الطرف وهذا لان حقه في النفس والاطراف تابعة للنفس فانما يثبت له الحق في استيفائها تبعا لا مقصودا فإذا استوفى الطرف مقصودا كان مستوفيا
[ 151 ] ما ليس بحق له الا انه قبل العفو متمكن من أن يجعله تبعا للنفس بان يقتله فيكون كل واحد من الفعلين قتلا ويصير الطرف تبعا للنفس فلا يضمن شيأ فأما بعد العفو فقد سقط حقه في النفس وبقى الطرف مقصودا بالاستيفاء ولا حق له فيه مقصودا فكان مضمونا عليه والدليل عليه أن من وجب له القصاص علي امرأة فرمى بها يلزمه الحد والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين فلو ثبت من له الحق في اطرافها مقصودا لصار ذلك شبهة في اسقاط الحد ومن له القصاص على عبد انسان إذا تصرف في ماليته كان هو في ذلك كاجنبي آخر وان كان حقه ثبت في ماليته تبعا علي معنى ان باستيفاء النفس يصير مستوفيا للمالية والدليل على أن من له القصاص في النفس لاحق له في الطرف انه لو كان عليه قصاص في اطرافه لانسان وفي نفسه لآخر فجاء من له القصاص في النفس فقطع طرفه لم يضمن من عليه شيأ لصاحب الطرف ولو كان حق من له القصاص في النفس ثابتا في الطرف لصار هو قاضيا بطرفه حقا مستحقا عليه فيغرم الارش لصاحب الطرف وهو بخلاف الاصبع مع الكف فان حق من له القصاص ثابت في الاصابع هناك بدليل ان فوات بعض الاصابع يثبت له الخيار وأن الكف تابعة للاصابع بدليل حكم الارش فأما هنا ففوات الاطراف لا يثبت الخيار لصاحب النفس ولا ينقص بدل النفس بفوات الاطراف فعرفنا أن الاطراف تابعة للنفس وقد قيل ان تلك المسألة مذكورة في الزيادات والجواب قول محمد خاصة وهذا بخلاف مالو سرى القطع إلى النفس بعد العفو لان بالسراية يتبين ان أصل فعله كان قتلا وانه كان مستوفيا حقه وانما أسقط بعد الاستيفاء وهذا بخلاف ما إذا أعقب القطع قتلا لان الفعل الثاني يكون متمما للمقصود بالفعل الاول فيتبين به ان كل واحد منهم قتل والقتل حقه فلا يكون مضمونا عليه ثم إذا قتله فقد تقرر حقه في النفس وذلك يمنع وجوب ضمان الطرف عليه بخلاف ما إذا عفا ولا معنى لقولهم ان عفوه ينصرف إلى ما بقي لانه بقطع اليد ما صار مستوفيا شيأ من القتل حتى يقال ينصرف عفوه إلى ما بقي قال وفى العين القصاص وفي السن القصاص إذا قلعت أو كسر بعضها ولم يسود ما بقى وقد بينا حكم القصاص في السن وانما بقي منه حرف وهو أنه إذا كسر بعض السن فاسود ما بقى لا يجب القصاص فانه عاجز عن فعل مثل الفعل الاول فانه لا يمكنه أن يكسر بعض السن على وجه يسود ما بقى فلهذا لا يلزمه القصاص * يوضحه أن الفعل كله في محل واحد وآخره موجب للارش فيمنع ذلك وجوب القصاص في جميعه وفرق أبو يوسف ومحمد بين هذا وبين ما إذا قطع أصبع
[ 152 ] انسان فشلت بجنبها أخرى وهذا لان كل أصبع محل على حدة ووجوب الارش بالفعل في أحد المحلين لا يمنع وجوب القصاص بالفعل في المحل الآخر وهنا المحل كله واحد فإذا خرج أخره من أن يكون موجبا للقصاص يخرج أوله من أن يكون موجبا فاما في العين إذا ذهب نورها بالضربة ولم تخسف فعليه القصاص وصورته أن تحمى له مرآة ثم تقرب منها حتى يذهب نورها ويربط على عينه الاخرى وعلي وجه قطن هكذا روى عن علي رضى الله عنه فان هذه الحادثة وقعت في زمن عثمان رضى الله عنه فشاور الصحابة في ذلك فلم يجد عندهم شيأ حتى قضى على رضي الله عنه بالقصاص وبين طريق الاستيفاء بهذه الصفة فاتفقوا على قوله فأما إذا انخسفت أو قلعت الحدقة فلا قصاص فيها لانه لا يتأنى اعتبار المماثلة في السن والمحل فهو بمنزلة كسر العظم وانه لا يتعلق به القصاص وإذا أحرق رجل رجلا بالنار فعليه القصاص لان النار تعمل عمل السلاح في تفريق الاجزاء والتأثير في الظاهر والباطن ثم يقتله المولى بالسيف عندنا وعند الشافعي يقتله بمثل ما قتله به والدليل على أنه لا يحرقه بالنار قوله عليه السلام لا يعذب بالنار الا ربها وقال لا تعذبوا بعذاب الله أحدا وإذا طعنه برمح لاسنان له فاجافه فمات فعليه القصاص لوجود الجرح في الظاهر والباطن وقد بينا أن غير الحديد إذا كان يعمل عمل الحديد في القطع والجرح فالفعل به يكون عمدا محضا وكذلك لو شق بطنه بعود أو ذبحه بقصبة فهو بمنزلة السلاح يجب القصاص به وفى مثقل الحديد والنحاس اختلاف الروايات كما بينا والكلام في القتل بالحجر والعصا قد تقدم وإذا غرق رجل رجلا في ماء فلا قصاص عليه وان كان يعلم انه لا ينقلب منه بلغنا ذلك عن عمر رضى الله عنه ومراده الحديث الذي روينا في كتاب الاكراه وعلى قول أبى يوسف ومحمد يجب عليه القصاص إذا جاء من ذلك ما يعلم انه لا يعيش من مثله بمنزلة القتل بالحجر الكبير على قولهم ويعمدون فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه ولكن أبو حنيفة قال هذا لا يثبت مرفوعا وانما هذا كلام زياد ذكره في خطبه ألا ترى انه قال فيه ومن قتل عبده قتلناه وبالاجماع من قتل عبده لا يقتل ثم الماء ليس في معنى السلاح (ألا ترى) انه لا يؤثر في تفريق الاجزاء في الظاهر فهو بمنزلة الحجر والعصا على قولهم يوضحه ان الغريق بحتذب الماء بنفسه فيكون كالمعين علي نفسه فيكون ذلك شبهة في اسقاط القود ولو خنق رجلا فمات أو طرحه في بئر أو ألقاه على ظهر جبل أو سطح فمات لم يكن فيه قصاص عند أبى حنيفة وعندهما إذا كان
[ 153 ] شئ من ذلك يعلم انه لا يعيش من مثله فهو عمد محض يجب به القصاص وان كان ختاقا معروفا قد خنق غير واحد فعليه القتل لانه ساع في الارض بالفساد والامام يقتل الساعي في الارض بالفساد حدا لا قصاص وذكر في النوادر انه لو حبسه في البيت فطبق عليه الباب حتى مات لم يضمن شيأ عند أبى حنيفة ولكن يعزر على ما صنع وعندهما يضمن ديته لانه مسبب لا تلافه على وجه متعد فيه فيكون بمنزلة حافر البئر في الطريق وأبو حنيفة يقول حبسه وتطبيق الباب عليه لا يوجب اتلافه وانما يتلفه معنى آخر وهو الجوع الذى هاج من طبعه وبعد الطعام عنه ولا صنع للجاني في ذلك فلو ضمن انما يضمن بجنايته عليه بتأخير حبسه والحر لا يضمن باليد ولو سقي رجلا سما أو أوجره ايجارا فقتله لم يكن عليه قصاص والدية على عاقلته وفي بعض النسخ قال سقاه سما أو أوجره ايجارا فقد صار متلفا له وهذا هو الاصح لانه إذا دفعه إليه حتى شرب بنفسه لم يضمن شيأ لان الشارب مختار به في شربه فيكون قاتلا نفسه ومن أعطاه غره حين لم يخبره بما فيه من السم ولكن بالغرور لا يجب عليه ضمان النفس والاصل فيه ان اليهودية حين أتت بالشاة المسمومة هدية الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل من ذلك بشر بن البراء فمات ثم لم يضمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته لان تناوله باختياره فاما إذا أوجره ايجارا فقد صار متلفا له فيكون ضامنا ديته وقيل هذا إذا كان سما قد يقتل وقد لا يقتل فيكون ذلك بمنزلة الخطأ فأما إذا كان سما ذعافا يعلم انه يقتله لا محالة فانه يجب عليه القصاص عند أبى يوسف ومحمد بمنزلة ما تقدم من الفعل الذى لا يلبث وإذا جرح الرجل الرجل عمدا بالسيف فاشهد المجروح على نفسه أن فلانا لم يجرحه ثم مات المجروح من ذلك فلا شئ علي فلان ولا تقبل البينة عليه بالجناية لان قبول البينة يبنى على دعوى صحيحة والوارث في الدعوى قائم مقام المورث فكما لا تصح الدعوي من المورث بعد اقراره انه لم يجرح فكذلك لا تصح من الوارث لانه نفى أصل الجرح ومن ضرورته نفى القتل ولو لم يقر المجروح بذلك ولكنه عفى عن الجارح قبل موته ثم مات ففى القياس عفوه باطل لان القصاص في النفس انما يجب بعد موته ويكون للوارث لا للمورث فالوارث هو الذي ينتفع به دون المورث فيكون المورث بعفوه مسقطا حق الغير ومسقطا للحق قبل الوجوب وذلك باطل والدليل عليه ان عفو الوارث قبل موت المورث عن القصاص صحيح ولو كان القصاص يجب للمورث لا يصح عفو الوارث كالابراء عن الدين وجه الاستحسان ان الوراثة خلافة وانما يجب القصاص للوارث
[ 154 ] على وجه الخلافة عن المورث لا ابتداء ولهذا لو انقلب مالا يقضى منه دين المورث وتنفذ وصاياه فأصل الحق كأنه ثابت للمورث فيصح بعد ما وجد سبب وجوب الحق وان لم يجب بعد كما يجوز التكفير بعد الجرح قبل زهوق الروح ثم عفوه في الانتهاء كاذنه في الابتداء واذنه في الابتداء مسقط للقود عن الجاني حتى إذا قال اقطع يدى فقطعه فسري لا يجب شئ كذلك عفوه في الانتهاء ولو عفا الولى قبل موت المجروح ففى القياس لا يصح عفوه أيضا لانه لم يأن حقه بعد فان ثبوت حقه بطريق الخلافة وذلك بعد موت المورث وإذا أسقط حقه قبل أوانه كان باطلا كما إذا أبرأ عن دين واجب لمورثه في حياته وجه الاستحسان أن السبب يجعل قائما مقام حقيقة وجوب الحق في صحة العفو وهذا السبب انعقد موجبا للقصاص للوارث وان كان بطريق الخلافة عن المورث فيقام مقام حقيقة وجوب الحق في تصحيح عفوه * يوضحه أن باعتبار أصل السبب الحق للمورث لان السبب جناية على حقه وهو من أهل أن يجب له الحق بعد هذا السبب وباعتبار نفس الواجب الحق للوارث لان القصاص في النفس لم يجب الا بعد الموت وبعد الموت المورث ليس بأهل أن يجب له الحق فيجب للوارث وكل واحد من الجانبين مراعى فلمراعاة السبب صححنا عفو المورث استحسانا ولمراعاة الواجب بالسبب صححنا عفو الوارث استحسانا وهذا لان العفو مندوب إليه قال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى وقال فمن تصدق به فهو كفارة له فيجب تصحيحه ما أمكن والله أعلم (باب العفو عن القصاص) (قال رحمه الله) العفو عن القطع والضربة والشجة والجراحة يكون عفوا عن السراية وبيانه أن منقطع يد انسان أو شجه موضحة فقال المجني عليه عفوت عن القطع أو عن الشجة فان اقتصر جاز العفو بالاتفاق وان سرى إلى النفس فالعفو باطل في قول أبى حنيفة وفى القياس يلزمه النقصان وفي الاستحسان تلزمه الدية في ماله وقال أبو يوسف ومحمد العفو صحيح ولا شئ عليه وأما إذا قال عفوتك عن الجناية أو الشجة وما يحدث منها أو عن القطع وما يحدث منه صح العفو بالاتفاق وهما يقولان عفى عن حقه لانا قد بينا أن بعد السراية الحق ثابت في الطرف فقبل السراية أولى والدليل عليه أن العفو في الانتهاء كالاذن في الابتداء بدليل أنه لو اقتصر فيهما جميعا لم يضمن شيأ ثم الاذن في الابتداء بهذه الالفاظ
[ 155 ] يسقط ضمان السراية فكذلك العفو في الانتهاء وهو بمنزلة مالو كان العفو بلفظ الجناية والدليل عليه هو أن سبب ثبوت الحق الشجة ولو لاه لما صح العفو عن الجناية أو عن الجراحة وما يحدث منها فإذا عفى عن الشجة صار أصل السبب هدرا فالسراية التى تنبنى عليه تكون هدرا أيضا والدليل عليه أن معنى قوله عفوتك عن الشجة أي عن موجب هذه الشجة وموجبها القصاص في الشجة إذا اقتصر وفي النفس إذا سرى فيصرف العفو اليهما كما لو قال المغصوب منه للغاصب أبرأتك عن الغصب يكون ذلك ابراء عن الضمان الواجب بالغصب وهو رد العين عند قيامها ورد القيمة بعد هلاكها وكذلك المشترى إذا أبرأ البائع عن العيب يكون ذلك ابراء عن موجب العيب وهو الرد عند الامكان والرجوع بالنقصان عند تعذر الرد والدليل عليه ما قال في الجامع الصغير لو أن عبدا قطع يد انسان فصالح مولاه عن القطع على أن يدفع العبد إليه فأعتقه المجني عليه ثم مات قال العتق نافذ والعبد صلح بالجناية فإذا كان الصلح علي القطع صلحا عن السراية فكذلك العفو وقال في الزيادات لوادعى رجل شجة مع السراية وشهد له شاهدان أحدهما بالشجة والآخر بها وبالسراية تقبل شهادتهم علي الشجة ولو لم تكن الشجة حقه بعد السراية لما قبلت الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به وأبو حنيفة يقول عفا عن غير حقه فلا يصح لان العفو اسقاط الحق فإذا صادف ما ليس بحقه كان باطلا وبيانه أنه عفا عن اليد وحقه في النفس لما بينا أن بالسراية يتبين أن أصل الفعل كان قتلا وموجب القتل القصاص في النفس دون اليد والدليل عليه ان المعتبر في الجنايات ماآلها لا حالها (ألا ترى) ان أصل الفعل قد يكون موجبا للقصاص وبالسراية يتبين انه كان غير موجب كما لو قطع يده من المفصل فسرى إلى نصف الساعد فباعتبار المال هاهنا يتبين انه لم يكن حقه في اليد قصاصا (ألا ترى) انه بعد السراية لو قال الولى عفوتك عن اليد لم يصح فكذلك قبل السراية ولو قال المجني عليه عفوتك عن القتل ثم اقتصر لم يصح فكذلك إذا قال عفوتك عن اليد فسرى ولا معنى لما قال انه عفا عن موجب اليد لانه لما قال عفوتك عن القطع فمعناه عن قطع واجب مقابل هذا القطع لاعن هذا القطع الذى تحقق لان العفو عنه لا يتحقق وقد تبين انه لم يكن قطع واجب بمقابلة هذا القطع وقوله بان هذا القطع سبب حقه قلنا القطع سبب حقه في اليد لا سبب حقه في النفس بل حقه في النفس القتل لان القطع السارى لا يقول انه قطع ثم قتل أو قطع يصير قتلا بمنزلة قنص يصير صيدا ولكنه يتبين أنه
[ 156 ] كان قتلا في الاصل لان القتل فعل مزهق للروح وانما انزهق هذا الروح عقيب هذا الفعل فعرفنا انه قتل ولهذا صح العفو بلفظ الجناية لان اسم الجناية يتناول القتل وما دون (ألا ترى) انه لو قال لا جناية في قتل فلان ثم ادعى عليه النفس أو ما دون النفس لم تسمع بخلاف القطع فهو اسم حائز لما دون النفس حتى لو قال لا قطع لى قبل فلان ثم ادعى عليه النفس صحت الدعوى وكذلك إذا قال عفوتك عن القطع وما يحدث منه لان ذلك عبارة عن النفس وقد تبين أن حقه كان في النفس فصح العفو وهذا بخلاف المأذون في الابتداء لان الاذن صادف محلا هو حقه فيصير المأذون قائما مقام الاذن في اقامة الفعل فيه فكأنه فعل بنفسه وبخلاف مالو اقتصر لانه تبين هناك ان فعله كان قطعا وان حقه في قطع واجب بمقابلة هذا القطع فاما إذا دفع العبد باليد فالصلح هناك باطل عند أبى حنيفة إذا سرى قبل أن يعتقه الا ان عتقه انما ينفذ لانه مقبوض بحكم صلح فاسد فيصير مملوكا فينفذ فيه العتق ثم من حيث الظاهر انما دفع العبد باليد ومن حيث المعنى قصد المولى دفعه بالجناية فإذا لم يتصل به مالا يمكن فسخه وهو العتق اعتبرنا الظاهر وقلنا إذا سرى فالصلح باطل وإذا اتصل به مالا يمكن فسخه اعتبرنا المقصود وهو الدفع بالجناية فقلنا العتق نافذ والعبد صلح بالجناية * يوضحه ان هناك نفذ العتق لكونه مملوكا له وان كان بسبب فاسد ويضمن قيمته لمولاه ثم المجني عليه يستوجب القيمة على المولى أيضا لانه دفعه على وجه لم يصر به مختارا فكان مستهلكا فيلزمه قيمته فتقع المقاصة بين القيمتين فلهذا قال العتق نافذ والعبد صلح بالجناية وأما مسألة الجامع فقيل انه قول محمد ثم انما يتبين ان الحق في النفس إذا ثبتت السراية ولم تثبت لان الشاهد بها واحد وبدون السراية الحق في الشجة وقد اتفق الشاهدان عليه ولا يقال المدعى يتبرأ من الشجة لانه انما يتبرأ منها إذا ثبت حقه في النفس ولم يثبت فهو بمنزلة مالو ادعى بيع عين من انسان بثمن وأنكر المشترى وحلف بنفى العين عن ملك المدعي لانه انما يتبرأ من ملك العين إذا ثبت حقه في اليمين ولم يثبت ثم في القياس يجب القصاص عند أبى حنيفة لان العفو لما حصل من غير حقه كان وجوده كعدمه ولكن في الاستحسان قال حقه في الصورة عند العفو ما أضاف إليه العفو وان تبين في الاخيرة أنه غيره وكذلك ما أضاف إليه العفو هو السبب لثبوت حقه في النفس ظاهرا ليصير ذلك شبهة في رد القود وقد قال في مسأله الجامع الصغير لو لم يعتق العبد حتى سرى فالصلح باطل والقصاص واجب عند أبى حنيفة قيل ما ذكر هذا حق بسبب
[ 157 ] القياس وقيل بل أبو حنيفة يفرق فيقول هناك الصلح مضاف الي العبد والعبد ليس بسبب لثبوت حقه في النفس فيصير ذلك شبهة في اسقاط القود ثم بنى على هذا الفصل مسألة التزويج على الجراحة بالجناية وقد تقدم بيانها في كتاب الصلح والعفو عن دم العمد جائز في المرض من جميع المال لان دم العمد ليس بمال وبالمرض انما يلحقه الحجر عن التصرف في ماله لحق ورثته ففيما ليس بمال المرض والصحة فيه سواء والقاتل وغير القاتل فيه سواء (ألا ترى) أنه لو أعان انسانا بيديه لا يعتبر ذلك من ثلث ماله وان كان ذلك الرجل قاتلا له وعلى قول الشافعي عفوه في القصاص صحيح ولكن في حق المال باطل لان العمد عنده موجب للمال ولا صية للقاتل والعفو عن أحد القاتلين لا يبطل القود عن الآخر وكذلك الصلح مع أحدهما لان القصاص لزمهما بالقتل ثم سقط أحدهما بالعفو ودم أحدهما متميز عن دم الآخر فسقوطه عن أحدهما لا يورث شبهة في حق الآخر بخلاف ما لم إذا لم يجب القصاص على أحد القاتلين لان هناك الفعلان اجتمعا في محل واحد وأحدهما موجب والآخر غير موجب ودم المقتول لا يتميز بعضه عن بعض قال ولكل وارث في دم العمد نصيب بميراثه يجوز فيه عفوه وصلحه أما الدية إذا وجبت بالقتل فلكل وارث فيها نصيب عندنا وقال مالك لا يرث الزوج الزوجة من الدية شيأ لان وجوبها بعد الموت والزوجية نتقطع بالموت * وحجتنا في ذلك حديث الضحاك بن سفيان الكلابي انه أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يورث امرأة اشيم الضبابى من عقل زوجها اشيم وقد كان عمر يقول لا ميراث للزوج والزوجة من الدية ثم رجع إلى هذا الحديث وعن على رضى الله عنه انه كان يقسم الدية علي من أحرز الميراث وعنه قال إذا أوصى الرجل بثلثه دخلت ديته في تلك الوصية ولان بدل نفسه كسائر أمواله حتى يقضي منه دينه فيرث منه جميع ورثته كسائر الاموال وكذلك يثبت حق الزوج والزوجة في القصاص عندنا وعلى قول ابن أبى؟؟ لا يثبت حقهما في القصاص لان سبب استحقاقهما العقد والقصاص لا يستحق بالعقد (ألا ترى) ان حق الموصي له لا يثبت في القصاص وهذا لا قان المقصود في القصاص التشفي والانتقام وذلك يختص به الاقارب الذين ينصر بعضهم بعضا * وحجتنا في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام من ترك مالا أو حقا فلورثته والقصاص حقه لانه بدل تفسه فيكون ميراثا لجميع ورثته كالدية والدليل عليه أن استحقاق الارث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة حتى لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد وبه
[ 158 ] فارق الوصية وبهذا تبين ان الاستحقاق ليس بالعقد وإذا كان دم العمد بين رجلين فعفى أحدهما فلا قود على القاتل لما روي أن هذه الحادثة وقعت في زمن عمر رضى الله عنه فشاور فيها ابن مسعود فقال أرى هذا قد أحيا بعض نفسه فليس للآخر أن يتلفه فأمضي عمر رضى الله عنه القضاء على رأيه وهو المعني فان العافى أسقط حقه وهو من أهل الاسقاط فصح اسقاطه وباسقاطه حق بعض نفس القاتل والآخر يعجز عن استيفاء حقه لان القتل لا يحتمل التجزى في نفس واحدة استيفاء ثم القصاص في نفس واحدة كما لا يتجزأ وجوبا لا يتجزأ سقوطا وإذا ثبت أن الآخر تعذر عليه استيفاء حقه قلنا انما تعذر استيفاؤه لمعنى في القاتل وهو مراعاة الحرمة لبعض نفسه فكان في معنى الخطأ فيجب المال للآخر ولا يجب للعافي شئ لان تعذر استيفاء القصاص في حقه كان باسقاطه ثم للآخر نصف الدية في مال القاتل لان سببه العمد المحض ويكون في ثلاث سنين عندنا وقال زفر في سنتين لانه ما وجب للآخر الا نصف الدية ونصف الدية يكون مؤجلا في سنتين كما لو قطع يد انسان ولكنا نقول حقهما في بدل النفس وبدل النفس مؤجل في ثلاث سنين إذا وجب بالقتل كالاب إذا قتل ابنه عمدا والذى وجب للآخر جزء من بدل النفس فكل جزء منه كذلك وإذا كان دم العمد بين اثنين فشهد أحدهما علي الآخر أنه قد عفى فهذا على أربعة أوجه ان صدقه في ذلك القاتل والمشهود عليه فللشاهد نصف الدية لان ثبوت العفو من الآخر بتصادقهما عليه كثبوته بالمعاينة وان كذباه في ذلك فللمشهود عليه نصف الدية ولا شئ للشاهد لانه تعذر على المشهود عليه استيفاء نصيبه من القود لا لمعنى من جهته بل بشهادة الشريك عليه بالعفو وهو فيما يشهد به عليه متهم فيكون كاذبا في حقه ويجعل ذلك بمنزلة انشاء العفو من الشاهد فيسقط حق الشاهد ويجب نصف الدية للمشهود عليه وان صدقه القاتل وكذبه المشهود عليه فلكل واحد منهما نصف الدية في مال القاتل اما المشهود عليه نصف الدية لما قلنا فان القاتل والشاهد لا يصدقان عليه في اسقاط حقه وأما الشاهد فقد زعم أن نصيبه انقلب مالا بعفو شريكه وصدقه القاتل بذلك وأما إذا كذبه القاتل وصدقه المشهود عليه ففى القياس لا شئ لواحد منهما على القاتل لان حق الشاهد قد سقط بغير عوض فان شهادته بالعفو في حق من كذبه وهو القاتل بمنزلة انشاء العفو وأما المشهود عليه فلانه قد أقر بالعفو المسقط
[ 159 ] لحقه وفي الاستحسان يجب نصف الدية للشاهد لانه لما كذب القاتل الشاهد فقد وجب نصف الدية على القاتل للمشهود عليه بدليل ان المشهود عليه لو لم يصدق الشاهد كان له من المشهود عليه على القاتل نصف الدية فالمشهود عليه بهذا التصديق حول ذلك النصف إلى الشاهد وزعم ان نصف الدية للشاهد على القاتل لا له ومن أقر لانسان بشئ فأقر المقر له لغيره به لا يصير رد الاقرار الاول ولكن يخول الحق إلى الثاني باقراره أو كان شهد معه آخر لان الشاهد من الوليين بشهادته على العفو متهم فانه يقصد بشهادته أن يحول نصيبه إلى المال فلم يكن مقبول الشهادة وبشهادة الواحد لا يثبت العفو على الشريك ولو شهد كل واحد منهما علي صاحبه انه قد عفا والقاتل لا يدعى ذلك ولا ينكره فان شهدا علي التعاقب فالذي شهد أول مرة قد بطل حقه لان شهادته بمنزلة عفوه ووجب لصاحبه نصف الدية فلا يبطل ذلك بشهادته بعد ذلك على شريكه بالعفو وان شهدا معا فلا شئ لواحد منهما في هذا الفصل لان وكل واحد منهما بمنزلة العافى فيسقط حقهما منه بغير عوض وكذلك لو كذبهما القاتل وان صدق القاتل أحدهما وكذب الآخر أعطي الذى صدق نصف الدية وبطل حق الآخر لان كل واحد منهما يدعي لنفسه نصف الدية عليه وقد صدق أحدهما فيلزمه نصف الدية له وكذب الآخر وهو قد صار في حقه كالعافي وان صدقهما انهما قد عفوا ينبغى في قياس هذا القول أن يضمن الدية لهما لانه صار يقر لكل واحد منهما بنصف الدية علي نفسه كما إذا صدق أحدهما ولكن في الاستحسان لا ضمان عليه لواحد منهما لان في تصديقه اياهما تكذيبهما فكل واحد منهما يزعم أنه ما عفا وانما عفا شريكه وهو إذا زعم أنهما عفوا فقد صار مكذبا لكل واحد منهما وقد يثبتان انه لو كذبهما جميعا لم يكن لكل واحد منهما عليه شئ من الدية ولو كان الدم بين ثلاثه نفر فشهد اثنان على الثالث أنه قد عفا فشهادتهما باطلة لانهما يجران إلى أنفسهما نفعا بشهادتهما فان نصيبهما من القصاص ينقلب مالا بها وقد سقط القود لاقرارهما بذلك فان كذبهما القاتل أعطى المشهود عليه ثلث الدية ولم يكن للشاهدين شئ لما بين ان شهادتهما كانشاء العفو منهما وان صدقهما أعطاهما الدية اثلاثا لاقراره للشاهدين بما ادعيا عليه من ثلثى الدية وان لم يصدق ولم يكذب فهو بمنزلة التكذيب والشهادة على الصلح بذلك كالشهادة على العفو فان كان معهم شريك رابع لم يشهد ولم يشهد عليه فله حصته من الدية لانه تعذر عليه استيفاء القود لا بمعنى من جهته بقاء المحل ثم العفو عن القود مما يثبت مع الشهادة فيثبت بالابذال مع الحجج كالمال
[ 160 ] وان ادعى القاتل العفو على الورثة ولا بينة له حلف الوارث على ذلك لانه يدعي عليه مالو أقربه لزمه فان حلف أحد بالقصاص لا يحلف بل بالقتل السابق ولكن يحلفه كما انتفى ما ادعاه من العفو وان نكل عن اليمين بطل حقه لان نكوله كاقراره ولشركائه حصتهم من الدية كما لو أقر الناكل العفو وأن شهد شاهدان للقاتل أنه صالح على الدية وانهما كفلا عنه بعد ذلك في غير صلح والولى منكر لذلك لم تجز شهادتهما ان ذكرا أن الكفالة كانت في الصلح لان الصلح المشروط فيه كفالة الكفيل بعينه لايتم الا بقبوله فانما يشهدان علي عقد تم بهما وهو الصلح الذى تم بكفالتهما فيكون هذا شهادة علي فعل أنفسهما فلا تقبل وان ذكرا أنها بعد الصلح فشهادتهما على الصلح جائزة لانهما أجنبيان لاتهمة في شهادتهما ويؤخذان بالكفالة باقرارهما على أنفسهما ولا يرجعان بذلك علي الذى كفلا عنه الا أن يكون أمرهما بذلك لان الكفيل بغير الامر متبرع فيما يلزم ويؤدى وان ادعى الولى شهادتهما وجحد ذلك القاتل جازت شهادتهما علي أنفسهما لان القود قد سقط بدعوى الولى الصلح وقد أقر بوجوب المال عليهما وعلي القاتل ويلزمهما ما أقرا به على أنفسهما ولا يرجعان على القاتل بشئ لان اقرارهما ليس بحجة عليه وإذا شهد شاهدان على العفو وقضى القاضي ثم رجعا فلا ضمان عليهما لان القود ليس بمال والشاهد عند الرجوع انما يضمن ما أتلف من المال بشهادته فأما ما ليس بمال فيما هو مبتذل لا يكون مضمونا بالمال عند الاتلاف وقد بينا هذا في الرجوع عن الشهادات وان لم يقض القاضى بشهادتهما حتى رجعا فالقصاص كما هو على حاله لان الشهادة لا توجب شيأ ما لم يتصل بها القضاء فإذا لم يقض القاضى ها هنا لم يسقط القود فانعدم المانع من استيفاء القود واختلاف شهود العفو في الوقت والمكان لا يمنع قبول الشهادة لان العفو قول بعاد ويكرر فيكون الثاني هو الاول ولو شهدا على أحد الورثة بالعفو ولم يعرفوا انه هو فشهادتهما باطلة لان المشهود عليه مجهول وجهالته تمنع القاضي من القضاء بالشهادة فيقي القصاص كما كان ولو شهد أحدهما أنه عفا على ألف درهم وشهد الآخر انه عفا على غير جعل فالشهادة باطلة لاختلافهما في المشهود به وهو نظير الطلاق والعتاق إذا اختلف الشاهدان فيه بهذه الصفة وكذلك ان شهد أحدهما بالصلح بالف والآخر بخمسمائة لان القاتل لابد أن يدعي شهادة أحدهما وهو الذى شهد بخمسمائة فيكون مكذبا شهادة الآخر وهو شهادة من شهد بالف وان لم يدعه القاتل وادعاه ولى الدم فقد حاز العفو باقرار الولى بسقوط حقه في القود ثم لا يقضي بشئ من المال
[ 161 ] عند أبى حنيفة لما ذكرنا ان المدعى مكذب أحد الشاهدين وعندهما يقبل في الاقل لان مدعى ألف مدع بخمسمائة ضرورة فهذا بمنزلة اختلافهم في دعوى المال مطلقا وكذلك ان شهد أحدهما بالصلح على عبد والآخر بالصلح على ألف درهم لان كل واحد منهما شهد بعقد آخر والمدعى لا بد أن يدعى أحد العقدين فيكون مكذبا شهادة الآخر وعفو الاب والوصي عن قصاص واجب للصغير باطل لانه فوض اليهما استيفاء حقه شرعا لا اسقاطه واسقاطه القصاص كاسقاطه دينا واجبا للصبي فاما استيفاء القصاص فيؤل للاب أن يستوفى القصاص الواجب للصغير في النفس وما دون النفس عندنا وقال الشافعي ليس له ذلك لان من أصله أن الابن يتخير بين استيفاء القصاص واستيفاء الدية والاب بهذا الاستيفاء يقطع عليه خياره وذلك لا يصلح منه ثم المقصود من القصاص التشفي والانتقام وذلك لا يحصل للصغير باستيفاء أبيه والدليل عليه أن الصغير إذا بلغ ربما يميل إلى العفو فلو استوفاه الاب كان ذلك استيفاء مع شبهة العفو وأصحابنا رحمهم الله يقولون ولا ية الاب على ولده الصغير في استيفاء حقوقه كولايته على نفسه (ألا ترى) انه يجمع المال والنفس جميعا وانما تثبت له هذه الولاية نظرا للصبي وفي استيفاء القود نظر له لانه ربما يفوت بموت القاتل أو بهربه فالظاهر انه إذا لم يستوف القصاص على فور القتل فعل مالا يتمكن من استيفائه بعد ذلك ثم المقصود يحصل للصبي باستيفاء أبيه إذا بلغ لانه إذا لم ير قاتل وليه بعد البلوغ وعلم انه قتل قصاصا حصل التشفي نظير مالو زوجه الاب فانه يصح وان كان المقصود يحصل له بعد البلوغ على أن المقصود أن يندفع عنه شر القتل وذلك يحصل باستيفاء أبيه في الحال وشبهة عفو بتوهم وجوده في الحال تمنع استيفاء القود فاما شبهة عفو بتوهم اعتراضه في الثاني فلا يمنع لانه ما من ولى الا ويتوهم أن يبدو له فيعفو ولا معنى لما قال ان فيه قطع خياره لان للاب أن يبيع مال ولده ولو بلغ الصبي قبل البيع كان مخيرا بين استيفاء العين وبين ازالته بالبيع ثم لم يكن بيعه قطعا لخياره فهذا مثله وليس للوصي أن يستوفى القصاص في النفس لان تصرف الولى مقصور على المال والقصاص في النفس ليس بمال وفي استيفاء الوصي القصاص في الطرف روايتان أظهرهما ان له أن يستوفى لان الطرف يسلك به مسلك الاموال بدليل أنه يعتبر فيه التساوى في البدل وفى الرواية الاخرى ليس له أن يستوفى لان القصاص في الطرف ليس بمال كالقصاص في النفس فان صالح الاب علي ابنه جاز صلحه لانه يملك الاستيفاء وهو في ذلك كالقصاص
[ 162 ] الواجب له فكذلك الصلح على الدية وان حط من الدية لم يجز حطه واليسير والفاحش في ذلك سواء بخلاف البيع لان البدل هناك غير مقدر شرعا وهنا مقدر وهو الدية فالنقصان عنه يكون اسقاطا فلا يصح منه قل أو كثر وصلح الوصي عن النقصان في النفس على الدية يجوز في رواية هذا الكتاب ولا يجوز في رواية الصلح وقد بينا الروايتين وإذا لم يكن للمقتول ولى سوى السلطان فقد بينا الكلام فيه في اللقيط وان كان للدم وليان أحدهما غائب فادعى القاتل ان الغائب عفا عنه وأقام البينة على ذلك وأبى قتله وأجيز العفو من الغائب لان الحاضر خصم عن الغائب فانتصب هنا الحاضر خصما عن الغائب وإذا قضى بالعفو ثم حضر الغائب لم يعد عليه لان القضاء اتصل بالبينة علي من هو خصم ويكون للحاضر حصته من الدية وإذا ادعى عفو الغائب ولم يكن له بينة فأراد أن يستحلف فانه يؤخر حتى يقدم الغائب فيحلف لانه لو استحلف الحاضر على ذلك كان بطريق النيابة والنيابة لا تجرى في الايمان وليس للحاضر استيفاء القود ما لم يقدم الغائب قبل دعوى العفو فبعد دعوى العفو أولى فإذا قدم فحلف اقتص منه فان ادعى بينة حاضرة على العفو أجله الحاكم ثلاثة أيام لانه لا يتمكن من اقامة الحجة الا بمهلة وانما لم يحضر شهوده في المجلس الاول على ظن أن الخصم لا ينكر العفو فلا بد من امهاله إلى المجلس الثاني وقد كان القاضى فيهم يجلس بنفسه في كل ثلاثة أيام إذ الثلاثة مدة حسنة لا يلاء الاعذار كما في شرط الخيار فان مضت الثلاثة ولم يأت بهم وادعى بينة غائبة فهما سواء في القياس وينبغى في قياس قولنا أن يمضى القضاء عليه بالقصاص كما في المال إذا ادعى بينة غائبة على الابراء وهذا لان السبب المطلق لا ستيفاء القصاص قد ظهر والمانع موهوم والموهوم لا يعارض المتحقق فليس كل غائب يؤوب قال ولكني أستعظم ولا أعجل فيه بالقصاص حتى أثبت فيه واستأنى به ولا أعجله لان استيفاء القصاص إذا وقع الغلط فيه لا يمكن التدارك والتلافى وعلى الامام أن يتثبت في مثله ثم القصاص لا يستوفى مع الشبهة فباعتبار توهم حضور شهودة يتأنى فيه القاضي حتى لا يكون مستوفيا مع الشبهة بخلاف المال وإذا شهد شاهدان على أحد الورثة بعينه بالعفو أو بانه أقر ان فلانا لم يقتل فالشهادة جائزة لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عايناه عفا أو أقر بذلك سقط القصاص سواء أقر بذلك في صحته أو مرضه لان العفو عن القود ليس بمال وإذا كان الدم بين اثنين فعفا أحدهما ثم قتله الآخر عمدا فان لم يعلم بعفو الشريك أو علم بذلك ولم يعلم
[ 163 ] ان يعفو أحدهما يسقط القود فعليه الدية كاملة في ماله عندنا وقال زفر عليه القصاص وان كان فقيها يعلم أن القود يسقط بعفو أحد الشريكين فعليه القصاص أما زفر فيقول القود سقط بعفو أحدهما علم الآخر أولم يعلم اشتبه عليه حاله أو لم يشتبه فانما بقى مجرد الظن في حق الآخر والظن غير مانع من وجوب القصاص بعد ما تقرر سببه كما لو قتل رجلا على ظن أنه قتل وليه ثم جاء وليه حيا كان عليه القصاص * وحجتنا في ذلك أنه قد علم وجوب القصاص وما علم ثبوته فالاصل بقاؤه ما لم يعرف ما لم يعرف المسقط فإذا لم يعلم العفو كان القصاص واجبا في حقه ظاهرا والظاهر يصير شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات وكذلك إذا علم بالعفو ولم يعلم أن القود سقط به لان الظاهر أن تصرف الغير في حقهم غير نافذ وسقوط القود عند عفو أحدهما باعتبار معنى خفى وهو ان القصاص لا يحتمل التجزى فانما اشتبه عليه حكم قد يشتبه فيصير ذلك بمنزلة الظاهر في ابراث الشبهة بخلاف ما إذا علم بالعفو فان هناك قد ظهر المسقط عنده وأقدم على القتل مع العلم بالحرمة وقد يجوز أن يسقط القود باعتبار ظنه كما لو رمى إلى شخص ظنه كافرا فإذا هو مسلم وإذا سقط القود عنه بالشبهة لرمه الدية في ماله لان فعله عمد ثم يحسب له منها نصف الدية لان بعفو الشريك وجب له نصف الدية على هذا الذى قتله فيكون نصف الدية قصاصا بنصف الدية ويؤدى ما بقى وإذا وجب القصاص على رجل فقتله ولى الدم بسيف أو عصا أو وقع في بئر حفرها في الطريق أو عثر بحجر وضعه في الطريق لم يكن عليه في ذلك شئ لان دم من عليه القصاص في حق من له القصاص كالمباح فان الدم لا يملك وانما يتمكن من استيفاء القصاص بطريق الاباحة وذلك يمنع وجوب الضمان عليه إذا صار قاتلا له بالمباشرة أو بالسبب يوضحه أن هذا بمنزلة استيفاء القصاص منه وان لم يكن بطريقه لان اسيتفاء القصاص بفعل يتصل به زهوق الروح وقد وجد ذلك منه بطريق التسبب أو بطريق المباشرة فان كان له وليان فعفا أحدهما ثم أصابه هذا الاحد بعد العفو فعلى عاقلته الدية في جميع ذلك الا بالسيف فانها في ماله لان القود سقط بعفو أحدهما وصار في حكم القتل الموجب للمال عليه كان ما سبق لم يكن فإذا أخذ الدية أولياء القتيل خطأ رجع هذا القاتل خطأ بنصف الدية التى أخذها أولياء المقتول خطأ لانه بعفو شريكه انقلب نصيبه مالا وكان ذلك في ذمة القاتل وبدل نفسه بمنزلة تركته فيستوفى منه ما كان واجبا له في ذمته ولا مقاصة هاهنا لا ختلاف المحل فان بدل نفسه على عاقلة ولى الدم
[ 164 ] الذى لم يعف ولو قتله غير الولى بغير أمر الولى عمدا أو خطأ بطل دم الاول ولا شئ لوليه ويكون على القاتل الآخر القصاص في العمد والدية على عاقلته في الخطأ لان حرمة نفسه في حق غير الولى قائمة كما كانت وسقط حق المولى لفوات محله وقد بينا ان الثابت في حقه اباحة الاستيفاء أو الملك في حق الاستيفاء خاصة وذلك لا يتحول إلى البدل كملك الزوج في زوجته لا يثبت فيه البدل إذا وطئت بالشبهة وإذا قتله فقال الولى أنا كنت أمرته فان أقام بينة على هذا فلا شئ على القاتل الثاني لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فان لم يكن له بينة فعليه القصاص في العمد والدية علي عاقلته في الخطأ لانه أقر بما لا يملك استيفاءه لان حقه قد سقط لفوات المحل فهو فيما يدعى بعد ذلك كأجنبي آخر وبدل نفس المقتول الثاني واجب لورثته ولا قول لولى الاول في اسقاط حقهم قصاصا كان أو مالا والله أعلم بالصواب (باب العفو في الخطأ وغير ذلك) (قال رحمه الله) رجل قتل رجلا خطا فالدية بين جميع الورثة والموصي له بالثلث كسائر التركة لان الدية مال هو بدل نفسه فيكون تركة له بعد موته كسائر أمواله وقد بينا الاختلاف في الزوج والزوجة وقد كان في السلف من يقول لا شئ للاخوة للام من الدية وانما الدية للعصبات خاصة وقيل هو قول عمر رضي الله عنه الاول ولهذا ذكر في الاصل عن على رضى الله عنه انه كان ينسب عمر رضى الله عنه إلى الظلم مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أينما دار عمر فالحق معه وفي رواية أينما دار الحق فعمر معه وقد صح رجوع عمر عن هذا حيث روى له الضحاك بن سفيان الكلابي الحديث كما روينا ولا حق للموصى له بالثلث في دم العمد لان موجبه القصاص وليس بمال ولا يحتمل التمليك بالعقد وكما لا يثبت له حق الشركة في الاستيفاء فكذلك لا يعتبر عفوه فيه فان صولح القاتل علي مال دخل فيه الموصي له لانه الواجب بدل نفسه فيكون تركة له يقضى منه ديونه وينفذ وصاياه بمنزلة الواجب في قتل الخطأ ثم هو شريك الورثة في التركة فيجوز عفوه بعد الصلح في نصيبه كما يجوز عفو الوارث وليس للغرماء عفو في عمد ولا خطأ أما العمد فلان موجبه ليس بمال ولا حق للغرماء فيه وأما الخطأ فلانه ليس في عفوهم عن الدية اسقاط شئ من ديتهم وانما ولاية التصرف لهم في محل حقهم فإذا لم يلاق هذا التصرف منهم محل حقهم كان باطلا وإذا عفا الرجل عن دمه وهو
[ 165 ] خطأ ثلثه في مرضه الذى مات فيه جاز عفوه من ثلثه لان الواجب الدية على عاقلته فيكون عفوه وصية منه للعاقلة وذلك صحيح من ثلثه وما فيه من الاشكال بيناه في الوصايا فان كان أوصى مع ذلك بوصايا تحاص أهل الوصايا والعاقلة في ثلثه فسقط عن العاقلة حصتهم وما سوى ذلك من نصيب أصحاب الوصايا والورثة يكن مؤجلا على العاقلة في ثلاث سنين اعتبارا للبعض بالكل وهذا تبيان ان الواجب على العاقلة لانه لو كان علي القاتل لكان الاجل سقط بموته فان أعتق عبدا بدئ به من الثلث لان العتق أقوى سببا من سائر الوصايا ومن العفو فانه اسقاط للرق بمنزلة الابراء عن دين آخر وان لم يعف الميت ولكن عفا بعض الورثة بطلت حصة العافى الا أن يكون علي اميت دين مستغرق وهو بمنزلة الا براء عن دين آخر إذا شهد شاهدان من الورثة على بعضهم أنه عفا عن حصته والقتل خطأ فشهادتهما جائزة لانهما لا يجران إلى أنفسهما شيأ بشهادتهما بخلاف العمد فهناك ينقلان حقهما من القصاص إلى الدية بشهادتهما ولو كان الشاهدان أخذا طائفة من الدية ثم شهدا بذلك لم تجز شهادتهما لانهما يدفعان حق الثالث عن أنفسهما وقد كان للوارث الآخر حق المشاركة معهما فيما أخذا وانما يسقطان ذلك بشهادتهما لانهما ولو لم يأخذا شيأ حتى شهدا على الثالث انه أخذ مالا وصالح عليه لم تجز شهادتهما لانها يجران بها الي أنفسهما مغنما فانه يثبت لهما حق المشاركة مع القابض في المقبوض وشهادة جار المغنم أو دافع المغرم لا تقبل وان شهد وارثان على القتول أنه عفا عند موته عن التاتل فشهادتهما جائزة والعفو من ثلثه فانه لا تهمة في شهادتهما فإذا شهد شاهدان علي عفو الورثة وهم كبار فاجازه القاضى وأبرأ القاتل ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الدية لان الواجب كان هو المال للورثة وقد أتلفا ذلك عليهم بشهادتهما فيضمنان عند الرجوع كما لو شهدا بالابراء عن دين آخر ولو شهد شاهدان في دم العمد على أحد الورثة بعينه أنه أخر القاتل اليوم إلى الليل علي ألف درهم لم يكن ذلك عفوا ولا مال له لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وليس في هذا التأخير اسقاط شئ من القود والقود الواجب له في حكم العين فالتأجيل فيه يكون باطلا ولا مال له لان القاتل لم يستفد شيأ بهذا التأخير وان شهدا أنه أخذ منه ألف درهم على أن يعفو عنه يوما إلى الليل فهذا عفو وهو صلح جائز لان العفو اسقاط للقود وهو لا يقبل التوقيت فيلغو التوقيت منه ويصح العفو بالمال المسمى بمنزلة الطلاق وذكر عن زيد بن وهب قال وجد رجل مع امرأته رجلا فقتلهما بالسيف فاستحيا بعض اخوتها
[ 166 ] مما فعلت فعفا عنه فجعل عمر رضى الله عنه للذى لم يعف حصته من الدية ولوان رجلا أخذ السكين فوجأ به رأس انسان فأوضحه ثم جر السكين قبل أن يرفعها حتى شجه أخرى فهذه موضحة واحدة وعليه فيها القصاص ان كانت عمدا وأرش موضحة واحدة ان كانت خطأ لان الفعل واحد لاتحاد محله فالتوسع مبالغة منه في ذلك الفعل فلا يعطى له حكم فعل آخر ولو رفع السكين ثم وجأ إلى جهة أخرى اتصل أولم يتصل فهذه موضحة أخرى اقتص منه في العمد وعليه ارش موضحتين في الخطأ لانهما فعلان مختلفان باختلاف المحل واختلاف المباشرة فكأنهما حصلا من اثنين ثم اتصال احداهما بالاخرى على وجهين فان كان ذلك بفعله فلا شك أن عليه القصاص فيهما وان كان ذلك بان تأكل ما بينهما حتى اتصلت احداهما بالاخرى فعلى قول أبى حنيفة لا قصاص فيهما وعلى قول محمد يجب القصاص وهو بناء على ما سبق فمن أصل أبى حنيفة ان باعتبار السراية فيما دون النفس يمتنع وجوب القصاص في محل واحد وفى مجلس لان العمد المحض فيما دون النفس لا يتحقق بالسراية وعلى قول محمد إذا كانت السراية بحيث يمكن ايجاب القصاص فيها لم يمتنع استيفاء القصاص بسببها و قد بينا ذلك فيما إذا قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى أو سقطت وإذا فقأ الرجل عين الرجل وفي عين الفاقئ فالمفقوءة عينه بالخيار لان نقصان البصر في العين بمنزلة الشلل أو فوات الاصبع في اليد وقد بينا أن هناك أن كان النقصان في جانب الجاني فالمجني عليه بالخيار بين استيفاء القصاص وبين استيفاء الدية وان كان النقصان في جانب المجني عليه لم يجب القصاص فهذا مثله وإذا لم يجب القصاص كان الواجب فيها حكم عدل لان كمال الارش باعتبار تفويت البصر الكامل ولم يوجد والقدر الباقي من البصر مع النقصان غير معلوم فيكون الواجب فيها حكم عدل كمن قطع يد اشلاء ولو قطع يد رجل وفيها ظفر مسود لو خرج لا ينقصها فعليه القصاص لان ما حدث في يده لم ينقص من منفعة البطش شيأ ومثله لا يمكن نقصانا في بدله كالصغر وسواد اليد أصلا وإذا ثبتت المساواة في الارش ثبت وجوب القصاص وإذا قطع الرجل من كف الرجل أظفار يده ففيها حكم عدل لان هذه الجناية لا تفوت منفعة البطش ولكن يتمكن فيها نقصان فيجب باعتباره حكم عدل وإذا علم أن الواجب حكم العدل ظهر أنه لا قصاص فيها لان القصاص بنبنى على معرفة المساواة في البدل حقيقة ولو قطع من كف رجل أصبعا زائدة ففيها حكم عدل لان الاصبع الزائدة نقصان معنى فتفويتها
[ 167 ] لا يمكن نقصانا في البطش وانما يلحق به ألما وشينا في الظاهر باعتبار الاثر فيجب حكم عدل باعتباره ولا قصاص فيها وان كان للقاطع مثل تلك الاصبع لانعدام المساواة في البدل فبدل اليد ينقسم علي الاصابع الخمس أخماسا ولا ينقسم على الاصبع الزائدة وانما الاصبع الزائدة كالثؤلول وان قطع الكف كله فان كانت تلك الاصبع توهى الكف وتنقصها فلا قصاص فيها وفيها حكم عدل لان هذا نوع شلل من حيث انه يمكن نقصانا في منفعة البطش وان كان لا ينقصها ولا يوهيها ففيها القصاص وفي الخطأ الارش كاملا لان مالا يمكن نقصانا في منفعة البطش فهو بمنزلة الصغر والضعف بسبب المرض وإذا قطع الرجل يد الرجل من المفصل وبرأت واقتص وبرأ المقتص منه ثم قطع أحدهما ذراع صاحبه من تلك اليد فلا قصاص فيه وان كانا سواء الا في رواية عن أبى يوسف قال إذا استويا يجب القصاص لانه قطع من المفصل فيمكن اعتبار المساواة فيه ولكنا نقول الواجب في الذراع بعد قطع الكف حكم عدل فطريق معرفته التقويم فلا يعلم به حقيقة المساواة بينهما في البدل وبدون ذلك لا يجب القصاص والله أعلم بالصواب (باب الشهادة في القصاص) (قال رحمه الله) إذا شهد رجلان على رجل انه ضرب رجلا بالسيف فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص بلغنا ذلك عن ابراهيم وهذا لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فقد ظهر بموته هذا السبب ولم يعارضه سبب آخر فيجب اضافة الحكم إليه والروح لا يمكن أخذه مشاهدة وانما طريق الوصول الي ازهاق الروح هذا وهو أن يجرحه فيموت قبل أن يبرأ * يوضحه انه لا طريق لنا الي حقيقة معرفة كون الموت من الضربة ومالا طريق لنا إلى معرفته لا تبنى عليه الاحكام وانما يبنى على الظاهر المعروف وهو انه يضربه ويكون صاحب فراش بعده حتى يموت ولا ينبغى للقاضي أن يسأل الشهود هل مات من ذلك أم لا لا في العمد ولا في الخطأ لانه لا طريق لهم إلى معرفة ذلك ولو شهدوا بذلك كانوا قد شهدوا بما يعلم القاضى أنهم فيه كذبة فكيف يحملهم على الكذب بالسؤال عن ذلك ولكنهم ان شهدوا أنه مات من ذلك لم تبطل شهادتهم وجازت ان كانوا عدولا لانهم اعتمدوا في ذلك دليلا شرعيا وهو الظاهر كما قررنا وان كان بهذا الطريق يحصل علم القضاء للقاضى ويحصل له أيضا علم الشهادة الا
[ 168 ] أنه لا حاجة بالقاضي أن يسألهم عن ذلك لانه يعرف ذلك بدون شهادتهم فلا يسألهم عنه ولو شهدوا به لم يبطل شهادتهم لان المشهود به الكلام الاول فهذا الزيادة لا تكون قد حا فيها بمنزلة شهادة الشهود على أن هذا ابنه ووارثه لا وارث له غيره وإذا شهدوا انه ضربه بالسيف حتى مات ولم يزيدوا على ذلك فهذا عمد لان كل فاعل يكون قاصدا إلى فعله في المحل الذى باشر الفعل فيه الا أن القاضى إذا سألهما أتعمد ذلك فهو أوثق لان صفة العمدية وان ثبتت بأول كلامهما من حيث الظاهر ولكن لم ينقطع احتمال الخطأ (ألا ترى) أن الشهود لو بينوا أن ذلك كان خطأ كان ذلك بيانا موافقا لاول الكلام فسؤالهما عن العمدية لا زالة هذا الاحتمال يكون أوثق وهكذا يوثق فيما إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه والقاضى مندوب إليه وكذلك ان شهدا انه طعنه برمح أو رماه بسهم أو نشابة هذا كله عمد (أرأيت) لو شهدا انه ذبحه أو شق بطنه بالسكين حتى مات أما كان ذلك عمدا فكذلك ما سبق لان الاسلحة في كونها آلة القتل سواء وان شهد أحدهما انه قتله بسيف وشهد الآخر انه طعنه برمح أو انه ذبحه بالسكين أو شهد أحدهما انه رماه بسهم والآخر انه رماه بنشابة أو اختلفا في مكان القتل أو وقته أو موضع الجراحة من بدنه فالشهادة باطلة لان الفعل يختلف باختلاف الآلة والمحل والوقت والمكان فانه لا يحتمل التكرار ولم يوجد على كل فعل الا شهادة شاهد واحد ولو شهد شاهدان انه قطع يده عمدا من مفصله وشهد شاهد انه قطع رجله من المفصل ثم شهدوا جميعا انه لم يزل صاحب فراش حتى مات والولى يدعى ذلك كله عمدا فانى اقضي على القاتل بنصف الدية في ماله لان قطع الرجل لم يثبت عند القاضى فان الشاهد به واحد وقد ثبت قطع اليد من المفصل عند القاضى بشهادة الشاهدين ولكن قد أقر الولي انه مات من ذلك الفعل ومن فعل آخر لم يعلم فاعله فيكون ذلك شبهه في اسقاط القود ويتوزع بدل النفس نصفين فيلزمه نصف الدية في ماله لان فعله كان عمدا فلا يعقله العاقلة واقرار الولى حجة عليه في حقه وكذلك لو شهد على الرجل شاهدان فلم يزكيا لان الحجة في الرجل لا تتم بدون عدالة الشهود فهما وما لو كان الشاهد به واحدا سواء ولو زكى أحد شاهدى اليد واحد شاهدى الرجل لم يؤخذ القاتل بشئ لان واحدا من الفعلين لم تثبت عند القاضى فان العدل من الشهود بكل فعل واحد ولا يقال قد اتفق العدلان على الحكم وهو القصاص فينبغي أن يقضى به لانه لا يمكن القضاء بالحكم الا بعد القضاء بالسبب وقد تعذر القضاء بذلك (ألا ترى)
[ 169 ] انه لو شهد عليه رجل انه قطع أصبعا له وشهد الآخر انه استهلك له ألف درهم لم يقض القاضى على بشئ فان اتفقا على وجوب الالف له في ماله فان نكلوا جميعا قضيت عليه بالقصاص لان الفعلين ظهرا بالحجر عند القاضي فان طلب الولى أن يقتص من اليد والرجل لم يكن له ذلك لانه لما اتصلت بفعله السراية كان ذلك قتلا فيكون حقه في القصاص في النفس مقصودا دون الاطراف وقد بينا خلاف الشافعي في هذا ولو شهد الشاهدان عليه انه قطع يده من المفصل عمدا ثم قتله عمدا كان لوارثه أن يقتص من يده ثم يقتله فان قال القاضى له اقتله ولا تقتص من يده فذلك حسن أيضا وهذا قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يأمره بقتله ولا يجعل له القصاص في يده لان الجنايتين تواليا من واحد وهما من جنس واحد فيكونان كجناية واحدة (ألا ترى) ان في الخطأ لو قطع يده ثم قتله قبل البرء لا تجب الا دية واحدة لهذا المعنى وهذا لان قبل البرء الجناية الاولى كانت موقوفة في حق الحكم علي السراية فالفعل الثاني يكون اتماما لما يوقف عليه الجناية الاولى فيجعلان كجناية واحدة بخلاف ما إذا تخلل بين الجنايتين برء فان هناك الاولى قد انتهت واستقر حكمها بالبرء فتكون الثانية جناية أخرى بمنزلة مالو جعلت على نفس أخرى وبخلاف ما إذا كان الجاني أثنين لان الفعل من الاول ما توقف على أن يصير بالسراية فعلا مضافا إلى شخص آخر فلا يمكن جعل الثاني اتماما للاول وبخلاف ما إذا كان أحد الفعلين عمدا والآخر خطأ لان باختلاف صفة الفعل يختلف الموجب فلا يمكن جعل الثاني اتماما للاول كما إذا اختلف الفاعل أو محل الفعل * وايضاح جميع ما ذكرنا في فصل الخطأ انه لو قطع يده ثم قتله قبل البرء لا تجب الا دية واحدة كذا هنا وأبو حنيفة يقول ان القصاص يبنى على المساواة في الفعل والمقصود بالفعل في القتل والقطع جميعا مراعاة المساواة في صورة الفعل جميعا فيتخير الولى بينهما إلى أن يقطع الامام عليه هذا الخيار بأن يأمره باعتبار المقصود وهو القتل وأن يترك الاستيفاء بمراعاة الصورة وهذا منه اجتهاد في موضعه فعليه أمره به وبه فارق الخطأ فالمعتبر هناك صيانة المحل عن الاهدار لا صورة الفعل لان الخطأ موضوع عنا رحمة من الشرع علينا ثم مبنى العمد على التغليظ والتشديد ولهذا يقتل العشرة بالواحد وفيه مراعاة صورة الفعل مع التغليظ أيضا فيجوز اعتبار ذلك في العمد بخلاف الخطأ فانه مبنى على التخفيف (ألا ترى) ان الدية لا تتعدد بتعدد القاتلين وفي العمد المقصود هو التشفي والانتقام وفي التمكن من القطع والقتل جميعا زيادة تحقيق في هذا
[ 170 ] المقصود وكما أن القتل بعد القطع يكون اتماما للفعل الاول من وجه فقد يكون قطعا لموجب الفعل الاول بمنزلة البرء من حيث ان المحل يفوت به ولا تصور للسراية بعد فوت المحل فيجعل كالبرء من هذا الوجه فللاحتمال أثبتنا الجناية للاول تغليظا لحكم العمد ولا يعتبر ذلك في الخطأ لانه مبنى على التخفيف ولو كانت احدى الجنايتين خطأ والاخرى عمدا أخذ بهما جميعا فان كانت الاولى خطأ فانه يجب دية اليد على عاقلته ويقتل قصاصا وان كانت الثانية خطأ فعليه القصاص في اليد والدية على عاقلته في النفس لانه لا احتمال لجعل الثاني اتماما للاول عند اختلاف صفة الفعل وموجبه فيجعل بمنزلة مالو تخلل بالجنايتين برء ولو كان لكل واحدة من الجنايتين جان علي حدة وهما جميعا عمد أو خطأ أو احداهما عمد والاخري خطأ أخذ كل واحد منهما بجنايته لما بينا أن الفعل الثاني من غير الفاعل الاول لا يمكن أن يجعل اتماما للاول فكأنه تخلل بين الفعلين برء فيؤخذ كل واحد منهما بجنايته ولو شهد شاهدان ان هذا قطع يده من مفصل الكف وشهد آخر على آخر أنه قطع تلك اليد من المرفق ثم مات من ذلك كله والقطع عمد فعلى قاطع الكف القصاص في اليد وعلى الآخر القصاص في النفس عندنا وقال زفر والشافعي القصاص في النفس عليهما جميعا لانه صار مقتولا بفعلين كل واحد منهما عمد مخض فيلزمهما القصاص كما لو قطع أحدهما يده عمدا والآخر رجله ومات من ذلك وهذا لان بقطع يده حدث في البدن آلام وبقطع الآخر اليد من المرفق لا تنعدم تلك الآ لام بل تزداد وانما حصلت السراية لضعف الطبيعة عن دفع الآ لام التى توالت عليه وفي هذا لا فرق بين ان يقطع الثاني تلك اليد أو يقطع عضوا آخر وأصحابنا قالوا فعل الثاني بمنزلة البرء في حق الاول تنقطع به سراية الفعل الاول فكأنه انقطع بالبرء وانما قلنا ذلك لان السراية أثر الفعل ولا يتصور بقاؤها بدون بقاء محل الفعل إذ الاثر لا يقوم بنفسه وبفعل الثاني فات محل الفعل الاول وانقطاع السراية بفوات المحل أقوى من انقطاعها بالبرء لان البرء يحتمل النقص وفوات المحل لا يحتمل النقص وبه فارق ما إذا كان فعل كل واحد منهما في محل آخر لان الفعل من الثاني في محل آخر لا يفوت محل لفعل الاول فلا يمكن أن يجعل كالبرء في حق الاول وكذلك لو كان الفعلان خطأ كانت دية اليد على الاول ودية النفس على الثاني عندنا والعمد والخطأ في هذا سواء بمنزلة البرء وكذلك علي هذا الخلاف لو قطع أحدهما يده عمدا ثم حز الآخر رقبته بالسيف يجب القصاص في النفس على الثاني والقصاص في اليد على الاول
[ 171 ] وعند زفر والشافعي يجب عليهما القصاص في النفس لان الروح انزهقت عقيب فعلهما فيكون مضافا إلى فعل كل واحد كل واحد منهما ولا معتبر بالتفاوت في صفة الفعل ولا في مقداره كما لو قطع أحدهما أصبعا من أصابعه وجرحه الآخر عشر جراحات نحو قطع اليد والرجل وما أشبه ذلك فانه يجب القصاص عليهما إذا مات من ذلك للمعنى الذى قلنا وأصحابنا قالوا حز الرقبة قتل بيقين لانه لا توهم للحياة معه فاما قطع اليد فقيل يشترط أن تتصل السراية به (ألا ترى) ان الغالب فيه السلامة فان القطع مشروع في موضع كان القتل حراما وهو القصاص والتعارض لا يقع بين فعلين بهذه الصفة فيجعل القتل مضافا إلى ما هو مشروع له بيقين وهو حز الرقبة ويكون هذا في حق اليد بمنزلة البرء لتفويت المحل به فلهذا كان القصاص في اليد على الاول والقصاص في النفس على الثاني وكذلك لو كان الاول خطأ والثانى عمدا كان على الاول دية اليد وعلى الثاني القصاص ولو شهدا على رجلين أنهما قتلا رجلا أحدهما بسيف والآخر بعصا ولا يدريان أيهما صاحب العصا لم تجز شهادتهما لانهما لم يثبتا بشهادتهما سببا يمكن القاضي من القضاء به (ألا ترى) ان على صاحب العصا نصف الدية على عاقلته وعلى صاحب السيف نصف الدية في ماله فلا يتمكن القاضي من القضاء بشئ علي واحد منهما بعينه في ماله أو على عاقلته وكذلك لو شهدا على رجل واحد بقطع أصبع وعلى آخر بقطع أخرى من تلك اليد ولا يميز ان قاطع هذه الاصبع من قاطع الاخرى لان القاضى لا يتمكن من القضاء بفعل معين على واحد منهما فان ذلك لا يكون بدون تعيين محل فعله وكذلك لو شهدا عليهما بالخطأ لا يتمكن القاضى من القضاء بالحكم بدون السبب ولو شهدا على رجل انه قطع ابهام هذا عمدا وشهدا على صاحب الابهام أنه قطع كف القاطع ذلك عمدا ثم برأ فانه يخير صاحب الكف فان شاء قطع ما بقى من يد القاطع بيده وان شاء أخذ دية يده وبطلت الاصبع أما بطلان الاصبع فلفوات محلها بالفعل الثاني وأما ثبوت الخيار للثاني فلان مقطوع الابهام قطع يده الصحيحة ويد المقطوعة الابهام ناقصة باصبع وفي هذا يثبت له الخيار للمقطوعة يده ولو شهدا على رجل انه قطع يد رجل من المفصل وشهد آخران انه جرحه سبع أو سبعان أو جرح نفسه أو جرحه عبد له أو عثر فانكسرت رجله فمات من ذلك كله فلا قصاص على قاطع اليدو عليه نصف دية اليد والاصل أن النفس تتوزع على عدد الجناة لا على عدد الجنايات لان الانسان قد يتلف بجراحة واحدة وقد يسلم من جراحات ثم ما اتحد حكمه
[ 172 ] من الجراحات في كونه هدرا يجعل في حكم فعل واحد لان حكم الكل واحد وهو الاهدار وإذا صار بعض النفس هدرا امتنع وجوب القصاص في شئ منه فيجب فيما هو معتبر حصته من الدية وعلى هذا يخرج ما ذكرنا من المسائل وكذلك لو قطع رجل يد رجل خطأ وجرحه سبع وجرحه عبد له وجرح نفسه فمات من ذلك فعلى قاطع اليد ربع دية اليد لان النفس تلفت من أفعال أربعة مختلفة الحكم فان جراحة السبع هدر غير معتبرة في حق الاثم والحكم جميعا وجرحه نفسه معتبر في حق الاثم غير معتبر في حق الحكم لانه ليس بسبب الحكم وجرح عبده له معتبر في الاثم والحكم جميعا إذا كان عمدا حتى يجب القصاص فلهذا توزع بدل نفسه ارباعا فيكون ربعه علي قاطع اليد خطأ ولو جرحه سبع وخرجت به قرحة ونهشته حية وقطع رجل يده وآخر رجله فمات من ذلك كله فعلي الرجلين ثلثا الدية لان فعل السبع والحية وما خرج به من القرحة كشئ واحد فكل ذلك هدر في حق الاثم والحكم وانما تتوزع النفس أثلاثا فيهدر الثلث من ذلك وعلى الرجلين ثلث الدية وكذلك لو أصابه حجر وضعه رجل أو حائط تقدم إلى أهله فيه مع جراحة الرجل والسبع فعلي الرجل ثلث الدية وعلي صاحب الحجر ثلث الدية والثلث هدر لان النفس تلفت بمعان ثلاثة جراحة الرجل وحكمه معتبر واصابة الحجر أو الحائط وحكم ذلك معتبر أيضا وفعل السبع وهو هدر فيتوزع بدل النفس علي ذلك أثلاثا والله أعلم (باب الوكالة في الدم) (قال رحمه الله) وتقبل الوكالة في اثبات دم العمد من جانب المدعى والمدعى عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف الآخر لا تقبل وقول محمد رحمه الله مضطرب فيه ذكره مع أبى يوسف رحمه الله هاهنا وفى بعض المواضع مع أبى حنيفة وجه قول أبى يوسف ان الوكيل نائب عن الموكل ولا مدخل للنايب في اثبات دم العمد حتى لا يثبت بكتاب القاضى الي القاضى والشهادة علي الشهادة وشهادة النساء مع الرجال والدليل عليه ان المقصود هو الاستيفاء ثم التوكيل بما هو المقصود لا يجوز هنا مع انه يجزى فيه النساء فكذلك لا يصح التوكيل انما يتوصل به إلى المقصود وأبو حنيفة يقول هذا أحد بدلى النفس فيجوز التوكيل باثباته كالدية وهذا لان كل واحد منهما محض حق العباد والنساء تجزى بين العباد
[ 173 ] في حقوقهم لحاجة صاحب الحق إلى ذلك فقد يكون عاجزا عن اثبات حقه بنفسه والغلط متى وقع في الاثبات أمكن تداركه سواء كان الثابت القصاص أو المال وبه فارق الاستيفاء فان هناك إذا وقع الغلط فيه لا يمكن تداركه وتلافيه ولهذا لم يجز التوكيل فيه حال غيبة الموكل فأما إذا وكل باستيفاء القود فليس للوكيل أن يستوفى الا بمحضر من الموكل عندنا وقال الشافعي له أن يستوفى بغير محضر منه لانه محض حقه ويدخله النيابة في الاستيفاء فيكون بمنزلة المال ولكنا نقول القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فلا يجوز استيفاؤها مع الشبهة ويجوز في استيفاء الوكيل مع غيبة الموكل وقد تتمكن شبهة العفو لجواز أن يكون الموكل عفا والوكيل لا يعلمه بذلك ومتى وقع الغلط في الاستيفاء لا يمكن تداركه فاما إذا كان الموكل حاضرا فشبهة العفو تنعدم بحضوره وقد تمس الحاجة إلى ذلك فمن الناس من لا يهتدى الي القتل ومنهم من لا يتجاسر عليه فللحاجة جوزنا التوكيل بالاستيفاء عند حضرة الموكل والقصاص فيما دون النفس كالقصاص في النفس في ذلك وإذا أقر وكيل الطالب عند القاضى ان صاحبه يطلب باطلا أو انه قد عفا صح اقراره بانه قد عفا لان الوكيل في مجلس الحكم قام مقام الموكل في الاقرار بعد صحة الوكالة وكذلك وكيل المطلوب لو أقر بوجوب القصاص علي صاحبه ففى القياس يصح اقراره لقيامه مقام موكله في الاقرار في مجلس الحكم ولكنا نستحسن فلا نوجب القود على الموكل باقرار الوكيل لان الاقرار في الحقيقة صد الخصومة ونحن وان حملنا مطلق التوكيل على الجواب الذى هو خصومته مجازا فتبقي الحقيقة شبهة والقصاص يسقط به ففى اقرار وكيل الطالب اسقاط القود وذلك لا يندرئ بالشبهات وفي اقرار وكيل المطلوب ايجاب القود وذلك يندرئ بالشبهات ولا ينبغى للقاضى أن يمضى القضاء بالقود الا بحضرة الورثة كلهم إذا كانوا بالغين لتمكن شبهة العفو والصلح لمن هو غائب منهم فان مات أحد الورثة والقاتل وارثه بطل القود عليه لانه تحول إليه نصيب مورثه من القود فيسقط عنه إذ الانسان كما لا يجب له القصاص على نفسه لا ينفى وعليه حصة سائر الورثة من الدية لانه تعذر عليهم استيفاء حقهم لمعنى في القاتل وهو أنه حيى بعض نفسه فهو كما لو عفا أحد الشركاء وان كان ورثه ابن القاتل بطل القود أيضا لان الابن كما لا يستوجب القصاص على أبيه ابتداء لا يبقى له علي أبيه قصاص لانه لا يتمكن من استيفائه بحال ولكن عليه الدية لجميع الورثة فان نصيب الابن هاهنا يتحول إلى الدية كنصيب سائر الورثة لانه من أهل أن يستوجب المال على أبيه ويستوفيه والوكالة في
[ 174 ] دم الخطأ وفي العمد من الجراح التى لا قصاص فيها بمنزلة الوكالة بالمال لان المستحق هاهنا هو المال وهو مما يثبت مع الشبهة وإذا وقع فيه الغلط أمكن تداركه والاسباب مطلوبة لا حكامها وعند اعتبار الحكم هذا دين كسائر الديون فيجوز التوكيل باثباته واستيفائه ويكون اقرار الوكيل به في مجلس الحكم نافذا علي موكله وإذا قتل الرجل عمدا وله ورثة صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا القاتل قصاصا في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال ابن أبى ليلي ليس لهم أن يقتلوه حتى يكبر الصغار وهو قول أبى يوسف ومحمد والشافعي وقول مالك كقول أبى حنيفة بناء على مذهبه وهو أن استيفاء القصاص باعتبار الولاية دون الوراثة والولاية للكبير دون الصغير ولهذا لم يجعل للزوج والزوجة والاخوة لام حق استيفاء القصاص فأما عند أصحابنا فاستيفاء القصاص بطريق الخلافة ارثا ثم وجه قولهم ان القصاص أحد بدلى الدم فلا ينفرد الكبير باستيفائه كالدية بل أولى لان المال يجرى فيه من المساهلة في الاثبات والاستيفاء مالا يجرى في العقوبات ولان هذا قصاص مشترك بين الكبير والصغير ولا ولاية للكبير على الصغير فلا يملك استيفاءه كما لو قتل عبدا مشتركا بينهما والدليل عليه انهما لو كانا كبيرين وأحدهما غائب لم يكن للحاضر أن ينفرد بالاستيفاء لانعدام ولايته على الغائب فكذلك ان كان أحدهما صغيرا وهذا لان الواجب قصاص واحد فان المقتول نفس واحدة فيجب بمقابلتها قصاص واحد ويكون ذلك واجبا للمقتول بمنزلة الدية ولهذا إذا انقلب مالا فانه يقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه ثم الورثة يخلفونه في استيفاء ما وجب له فكل واحد منهم في ذلك بمنزلة الشطر للعلة أو كل واحد منهما انما يرث جزأ منه لان استحقاق الميراث سهام منصوص عليها يسقط كالنصف والثلث والربع وبملك بعض القصاص لا يتمكن من استيفاء الكل والدليل عليه أنه لو عفا أحدهم يسقط القصاص ولو كان الواجب لكل واحد منهم قصاصا كاملا لما تعذر الاستيفاء على أحدهم بعد عفو الآخر وبالعفو ينقلب نصيب الآخر مالا وهذا الكلام يصح فيما إذا كان القصاص واجبا للمورث فمات وورثه جماعة والخلاف ثابت في الفصلين ولا اشكال ان هاهنا انما يرث كل واحد بعض القصاص وأبو حنيفة استدل بما روى أن عبد الرحمن بن ملجم لما قتل عليا رضى الله عنه قتله الحسن رضى الله عنه به قصاصا وقد كان في أولاد علي صغار ولم ينتظر بلوغهم وانما فعل ذلك بأمر على رضى الله عنه على ما روى أنه لما بلغه ان ابن ملجم أخذ قال للحسن ان عشت رأيت فيه رأيى وان مت فاقتله
[ 175 ] ان شئت وقال واضربه ضربة كما ضربني وفي رواية واياك والمثلة فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور ولا يقال انما قتله لانه كان مريدا مستحلا لقتله امام المسلمين على ما روى أنه قتله وهو يتلو قوله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله لانه وان كان امام المسلمين وكان قتله ذنبا عظيما فلا يصير به القاتل مرتدا انما ذلك للانبياء خاصة واستحلاله كان بالتأويل فانه كان من جملة أهل البغى وهم يستحلون دماء أهل العدل وأموالهم (ألا ترى) أنه علقه عتبة فقال اقتله ان شئت أخره إلى ما بعد موته ولو كان مرتدا لما أخر على قتله ولا يقال قتله حد السعيه في الارض بالفساد حتى قتل امام المسلمين لان الساعي بالفساد بقتل الامام لا يقتل قصاصا (ألا ترى) أنه اعتبر المماثلة بقوله فاضربه ضربة كما ضربني وقد ذكر المزني عن الشافعي قال قتل ابن ملجم عليا متا ولا فاقيد به فدل أنه قتل قصاصا ولا يقال قتله بغير رضا الكبار من ورثته فقد قال له الحسين لا تقتله بيننا فانا لا نجعله سواء بيننا وبالاتفاق عند إباء بعض الكبار ولى للبعض حق الاستيفاء وروى أنه مثل به مع نهى على اياه عن المثلة فبه تبين أنه ما قتله قصاصا وهذا لان الحسين رضى الله عنه انما قال ما قال على وجه الاهانة والاستخفاف به لا على وجه كراهة قتله قصاصا والمثلة ما كانت عن قصد من الحسن ولكنه لما رفع السيف ليضربه أبقاه بيده فأصاب السيف أصابعه وبهذا لا يخرج من أن يكون قتله اياه استيفاء للقصاص والمعنى فيه أن حق الكبير ثابت في استيفاء جميع القصاص وليس في استيفائه شبهة عفو متحقق فيتمكن منه كما لو كان الوارث واحدا وانما قلنا ذلك لان القصاص يجب للورثة على سبيل الخلافة عن المورث فان وجوبه بعد موت المقتول وقد خرج المقتول من أن يكون أهلا لوجوب الحق له بعد موته الا ان ما يحصل فيه مقصوده من قضاء الدين و تنفيذ الوصية يجعل كالواجب له حكما وهو الدية فأما ما لم يحصل به مقصود المقتول فيجعل واجبا للوارث الذى هو قائم مقامه والمقصود بالقود تشفى الغيظ ودفع سبب الهلاك عن نفسه وذلك يحصل للوارث فعرفنا أنه يجب له ولكن على سبيل الخلافة لان السبب انعقد على حق الميت وقد خرج عن ثبوت الحكم من أن يكون أهلا للوجوب له فيجب للولى القائم مقامه كما يثبت الملك للمولى في كسب العبد اثباتا على سبيل الخلافة عن العبد ولهذا قلنا إذا انقلب مالا ثبت فيه حق الميت لان قضاء حوائجه يحصل به وهو بمنزلة الموصي له بالثلث لا حق له في القصاص فإذا انقلب مالا يثبت حقه فيه
[ 176 ] وأيد ما قلنا قوله تعالي فقد جعلنا لوليه سلطانا بين أن القصاص للولى القائم مقام المقتول إذا ثبت هذا فنقول القصاص لا يحتمل التجزى وقد ثبت سبب لا يحتمل التجزى فاما أن يتكامل فيه حق كل واحد منهم أو ينعدم لانه لا يمكن اثباته متجزئا ولم ينعدم باتفاق فعرفنا أنه تكامل فيه حق كل واحد منهم لا على أنه تعدد القصاص في المحل ولكن بطريق أنه يجعل كل واحد منهم كانه ليس معه غيره بمنزلة الاولياء في النكاح ينفرد كل واحد منهم بالتزويج كانه ليس معه غيره والدليل عليه انه لو استوفى من أحدهم القصاص فانه لم يضمن للباقين شيأ ولا للقاتل ولو لم يكن جميع القصاص واجبا له لكان ضامنا باستيفاء الكل وهذا بخلاف ما إذا عفا أحدهم لان الواجب بعد العفو المال للباقين والمال يحتمل التجزئ فيظهر حكم التجزئ عند وجوب المال وهذا لانا لو أثبتنا القصاص لا حدهما بعد عفو الآخر كان من ضرورته تعدد القصاص الواجب في المحل وهو غير متعدد في المحل فاما قبل العفو لو قلنا كل واحد منهم يكون متمكنا من استيفائه لا يكون من ضرورته مقدر القصاص في المحل وهذا بخلاف ما إذا كان أحدهما غائبا لان هناك جميع القصاص واجب للحاضر ولكن في استيفائه شبهة عفو موجود لجواز أن يكون الغائب عفا والحاضر لا يشعر به وعفو الغائب صحيح سواء علم بوجوبه أو لم يعلم ويحتمل أن يكون الغائب مات وورثه القاتل لسبب بينهما وان كنا لا نعرفه فلاجل الشبهة يمتنع الاستيفاء وهذا المعنى لا يوجد عند صغر بعض الورثة لان الصغير ليس من أهل العفو فانما يتوهم عفوه بعد ما يبلغ وشبهة عفوه بتوهم اعتراضه لا تمنع استيفاء القصاص وهذا بخلاف ما إذا قتل عبدا مشتركا بين الصغير والكبير لان السبب هناك الملك وهو غير متكامل لكل واحد منهما فان ملك الرقبة يحتمل التجزئ ولهذا لم يكن لاحد الموليين في الامة ولاية تزويجها بانفراده بخلاف ما نحن فيه فالسبب هناك القرابة وهو مما لا يحتمل التجزئ وكذلك هذا في قصاص كان واجبا للمورث لان كل واحد استحق جزء منه بعد موته بالنص وذكر الجزء فيما لا يحتمل الوصف بالتجزئ كذكر الكل فيثبت لكل واحد منهم الكل باعتبار ان السبب لكل واحد منهم وهو القرابة كامل وهذا بخلاف المال فانه لا يحتمل الوصف بالتجزى (ألا ترى) ان الكبير هناك يملك استيفاء نصيبه خاصة وفي هذا الموضع لا يتمكن من استيفاء بعض القصاص ثم عندهما الامام هو الولي في نصيب الصغير لانه لا ولاية للاخ الكبير علي الصغير في نصيبه من المال فكذلك في القصاص وانما الولاية
[ 177 ] للامام فان شاء صالح على الدية وان شاء انتظر وليس له أن يقتص وقد بينا هذا في وصى الاب فكذلك في حق القاضى ولو كان مكان الصغير معتوه أو مجنون فهو على الخلاف أيضا بخلاف ما إذا كان مغمى عليه لان المغمى عليه بمنزلة الغائب وهو من أهل العفو ولو كان الوصي وصى الاب كان له أن يأخذ في حق الصغير مع الكبار في القول الاول أراد به قول أبى حنيفة لان عنده للكبير أن يقتص وان لم يكن معه وصي فان كان معه وصى فهو أولى أما على قولهما فليس للكبير ولاية استيفاء القصاص قبل بلوغ الصغير إذا لم يكن له وصى فكذلك مع الوصي لانه ليس للوصي حق استيفاء القصاص في النفس وان قطعت يد الصغير عمدا كان للوصي أن يقتص وان يصالح على أرش اليد وليس له أن يعفو ولو كان القصاص في النفس ليس له أن يقتص في الروايات كلها ولا ان يعفو وفى الصلح روايتان وكذا لو قتل عبد الصغير لم يكن للوصي أن يقى وأما الاب فان له أن يستوفى القصاص الثابت للصغير في النفس وفيما دون النفس وله أن يصالح وليس له أن يعفو ولو صالح علي أقل من قيمته لم يجز وكان للصبى أن يرجع بتمام القيمة لانه أمر بقربان ماله بالتى هي أحسن ولهذا لا يجوز بيع الاب ماله باقل من قيمته لان الاب استوفى بعض القيمة فكان له أن يستوفى تمام القيمة بعد البلوغ حتى يصل إليه تمام حقه وقد ذكرناه في كتاب الصلح فإذا قتل الرجل عمدا فاقام أخوه البينة انه وارثه لا وارث له غيره وأقام القاتل البينة ان له ابنا فانى لا أعجل بقتله حتى أنظر فيما جاء به القاتل وأبلو فيه عذرا لا علم مصداقه لان القصاص أمر مستعظم إذا نفذ لا يمكن تداركه فان أقام القاتل البينة ان له ابنا وانه صالحه على الدية وانه قبضها منه درأت القصاص حتى أنظر فيما قال لانه ادعى الصلح وأقام البينة فتقبل بينته في حق سقوط القصاص لان الاخ بنى القصاص وأنكر ان له ابنا فيقبل في حق سقوط القصاص فان جاء الابن وأنكر الصلح كلفت القاتل اقامة البينة علي الصلح ولا أجبر البينة التى قامت علي الاخ لان الاخ ليس بخصم عن الابن في حق الصلح فلم تقبل في حق الصلح وقبلت في حق سقوط القصاص وبمثله لو كانا أخوين فاقام القاتل البينة على أحدهما انه قد صالح أخاه الغائب على خمسمائة درهم أجزت ذلك ولا أكلفه اعادة البينة لان كل واحد منهما خصم في اثبات القصاص فالبينة قامت على خصم حاضر فيتضمن النفاذ علي الغائب وللغائب نصف الدية لان الصلح لم يثبت في حقه أما الاخ فلانه ليس بخصم مع قيام الابن. وإذا دعى بعض الورثة دم أبيه على رجل
[ 178 ] وأخوه غائب وأقام البينة انه قتل أباه عمدا فانى أقبل ذلك وأحبس القاتل فإذا قدم أخوه كلفهم جميعا أن يعيدوا البينة في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يكلفهم اعادة البينة ولو كان هذا في دم خطأ لم يكلفوا اعادة البينة في قولهم جميعا وأجمعوا أن الحاضر لا يستوفى القصاص لتوهم العفو منه لهما إذ كل واحد منهما من الورثة خصم عن نفسه وعن أصحابه فيما يدعي للميت ويدعى عليه كما في الخطأ وغيره من الحقوق ولان القصاص حق الميت بدليل انه لو عفا عن الجارح صح وانقلب مالا تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه ويورث عنه ولهذا لو أقام القاتل البينة على صلح الغائب أو عفوه تقبل بينته ولو لم يكن الحق للميت لما قبلت لما فيه من القضاء على الغائب وإذا كان حق الميت فاقام الواحد مقام الجميع فكانت البينة قائمة على الخصم فلا يكلف اعادتها ولابي حنيفة ان القصاص حق الميت من وجه وحق الورثة من وجه ولو كان كله حق الورثة يكلف اعادة البينة لان بعض الورثة لا يقوم مقام الكل فيما هو من خالص حقهم ولو كان حق الميت من كل وجه لا يكلف اعادة البينة فلما كان لكل واحد منهما حق كان المصير إلى الاحتياط استعظاما لامر الدم واجبا ولان القصاص معدول به عن سائر الاحكام للاستقصاء (ألا ترى) ان القاتل إذا ادعى العفو وقال لى بينة على ذلك وأجله القاضى أياما ولم يقدر على اقامتها فانه لا يعجل بالقصاص ويتأنى بعد ذلك أياما هكذا ذكره محمد رحمه الله في الاصل بخلاف سائر الحقوق ولهذا لا يجوز اقرار وكيل القاتل على موكله بالقصاص بخلاف سائر المواضع والاحتياط أن يلحق هذا بالحقوق التى هي للورثة حتى انه يؤمر باقامة البينة فربما يعجز عن اقامتها فيسقط القصاص وانما قلنا انه يشبه حق الميت لما ذكر وبيان انه يشبه حق الروثة انهم لو عفوا عن الجارح في حياة المورث جاز عفوهم ولو لم يكن لهم حق لا يجوز كما لو أبرأ عن الدين في حياته بخلاف الصلح والعفو لانه يثبت مع الشبهات والقصاص من وجه كالمورث لان ثبوته للوارث على سبيل الخلافة ومن وجه هو ثابت للوارث ابتداء وما ترد بين أصلين يوفر حظه عليهما ففيما يثبت مع الشبهات يجعله كالموروث وفيما يندرئ بالشبهات نجعله كالواجب لكل واحد منهما ابتداء فلا يكون أحد منهما خصما عن الآخر في اقامة البينة عليه وهذا بخلاف الخطأ فان موجبه المال وهو موروث للورثة عن الميت بعد ما تفرغ عن حاجته فكان بمنزلة سائر الورثة ينتصب كل وارث خصما عن الميت وعن سائر الورثة في اثباته على ان الخطأ ليس مبناه على التغليظ بدليل قبول شهادة النساء مع الرجال
[ 179 ] والشهادة على الشهادة ولو حضر الورثة جميعا وأقاموا البينة بالقتل العمد على رجلين أحدهما غائب قبلت البينة علي الحاضر وقضيت عليه بالقود فإذا حضر الغائب كلفهم اعادة البينة عليه لان الحاضر ليس بخصم عن الغائب وليس من ضرورة ثبوت القتل عليه ثبوته على الغائب وان امتنع القضاء به على الغائب فذلك لا يمنع استيفاء القود من الحاضر كما لو عفا الورثة عن أحد القاتلين أو صالحوه على مال كان لهم أن يقتلوا الحاضر وهذا لان القاتلين يهربون عادة فقل ما يظفر بهم جميعا فلو قلنا بانه يمتنع استيفاء القصاص من واحد منهم بسبب غيبة من غاب أدى ذلك إلى سد باب القصاص والاضرار بصاحب الحق (أرأيت) لو مات الغائب أو فقد فلم يوقف على أثره أكان يمتنع استيفاء القصاص من هذا الحاضر ولا يقال في هذا استيفاء مع الشبهة لجواز أن يكون للغائب حجة يدرأ بها القتل عن نفسه وعن صاحبه لانه ما من حجة تقبل من الغائب إذا حضر الا وهى مقبولة من الحاضر لو أقامها ولو ان أخوين أقاما شاهدين علي رجل انه قتل اباهما عمدا فقضى القاضى بذلك وقتلاه ثم ان أحدهما قال قد شهدت الشهود بالزور وأبونا حى غرمته نصف الدية وهذا عندنا وقال الشافعي عليه القصاص لانهما أقرا أنهما تعمدا قتلا بغير حق واقرارهما حجة عليهما فيلزمهما القصاص بذلك وكذلك إذا أقر به أحدهما لان المقر يعامل في حقه كانما أقر به حق وان كان لا يصدق على غيره فلا يجوز أن يجعل قضاء القاضى شبهة في اسقاط القود عنهما لان قضاء القاضى انما يكون شبهة في حق من لا يعلم الامر بخلاف ما قضي به فأما في حق من يعلم ذلك فلا يعتبر قضاء القاضى كما لو رجع أحد شهود الزنا بعد ما رجم المشهود عليه فانه يلزمه حد القذف ولا يصير قضاء القاضى بالرجم شبهة في حقه لهذا المعنى وأصحابنا قالوا انهما قتلاه بشبهة والقتل بشبهة يوجب المال دون القصاص وبيان ذلك انهما قتلاه بناء على قضاء القاضي لهما بالقود وهذا قضاء لو كان حقا لكان مبيحا لهما القتل فظاهره يوجب شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات كالنكاح الفاسد يكون مسقطا للحد لانه لو كان صحيحا كان مبيحا للوطئ فظاهره يورث شبهة وهذا الظاهر يورث شبهة في حق من يعلم حقيقة الامر وفي حق من لا يعلم كما في النكاح الفاسد وهذا لان القصاء لما كان حقيقة مبيحا فظاهره يمكن شبهة في المحل والشبهة في المحل تؤثر في حق من يعلم وفي حق من لا يعلم كمن وطئ جارية أبيه لا يلزمه الحد وان كان يعلم حرمتها عليه وهذا بخلاف حد القذف فان حقيقة القضاء بالزنا هناك لا تبيح شبهة من غير فائدة فكذلك ظاهره
[ 180 ] لا يورث شبهة ثم الفرق ما بيناه في كتاب الصوم ان هناك انما يلزمه الحد بسبب سابق على القضاء وهو الشهادة على الزنا لانه نسبه إلى الزنا لما انتزع معنى الشهادة من كلامه برجوعه وقد كان ذلك سابقا على القضاء هناك فأما هنا فالسبب الموجب للقود مباشرة القتل وذلك وجد منهما بعد القضاء فيكون صورة القضاء شبهة ويتضح كلامنا فيما إذا أقر بذلك أحد الاثنين وجحد الآخر لانهما باشر القتل والجاحد منهما محق حتى لا يلزمه قصاص ولا دية فيكون هذا أقوى في التأثير من الخاطئ إذا شارك العامد في القتل وهناك لا يجب القود علي واحد منهما فهنا أولى وإذا سقط القود وجب علي الراجع منهما نصف الدية في ماله لاقراره بالقتل بغير حق وما يجب بالاقرار لا تتحمله العاقلة ولو كان أحد الاخوين قتل القاتل قبل القضاء لهما عليه بالقتل أو قبل أن تقوم لهما بينة علي ذلك ثم أقر هو أنه قتله بغير حق وأن الاب حي فعليه القصاص لانه لم يقترن بالسبب الموجب للقصاص عليه شبهة قضاء مانع وان لم يقل هو شيأ ولكن الآخر قال قد كنت عفوت أو كنت أريد أن أعفو أو كنت صالحت ولا بينة له علي ذلك فانه لا يصدق علي أخيه لان اقراره بذلك حينئذ متمثل بين الصدق والكذب فيجعل في حق غيره كذبا إذ لا ولاية له علي غيره في انه يلزمه شيأ بقول قاله ولا شئ علي أخيه وان كان أخذ غير حقه من قبل الشركة يعني انه إذا كان هذا بعد ما قامت البينة لهما علي القتل وقضي القاضى بذلك ثم هو ظاهر علي أصل أبى حنيفة لان عنده قد وجب حق كل واحد منهما في جميع القود كأنه ليس معه غيره فيكون مستوفيا حقه وعندهما الواجب لكل واحد منهما بعض القود الا انه لا يلزمه شئ لا جل الشركة وهو انه لا يتمكن من استيفاء نصيبه الا باستيفاء ما بقي وفعله في نصيبه استيفاء غير موجب للضمان عليه فإذا خرج بعض فعله من أن يكون واجبا موجبا للضمان عليه خرج جميع من أن يكون موجبا للضمان عليه لان لا يحتمل الوصف بالتجزى وبعد ما لم يكن أصل فعله موجبا للضمان عليه لا يصير موجبا باقرار أخيه فان أقام ورثة المقتول بينة علي هذا انه قد كان صالح على كذا قبل أن يقتل الآخر أو كان عفا أجزت ذلك لان الثابت بالبينة التى يقيمها من هو خصم كالثابت باتفاق الخصوم ثم القاتل يكون ضامنا للدية لانه تبين انه باشر القتل بغير الحق وقد سقط القود عنه للشبهة حين لم يكن عالما بصلح أخيه وعفوه ويجب له من ذلك نصف الدية لان بعفو أخيه انقلب نصيبه مالا على القاتل وقد استوجب القاتل عليه كمال الدية في ماله أيضا فيكون
[ 181 ] النصف قصاصا فان كان قتل بعد عفو أخيه أو صلح وبعد ما علم بان الدم قد حرم عليه فعليه القصاص لانتفاء الشبهة وله نصف الدية في مال القاتل لان نصيبه كان انقلب مالا لو مات القاتل فيستوفى من تركته فكذلك إذا قتله والله أعلم (باب رجوع الشهود عن القتل) (قال رحمه الله) وإذا شهد شاهدان على رجل بقتل عمدا وقبلت شهادتهما ثم رجعا فعليهما الدية في مالهما في قول علمائنا رحمهم الله وقال الشافعي عليهما القصاص وكذلك إذا رجع أحدهما واحتج الشافعي بحديث على رضى الله عنه حيث قال لشاهدي السرقة حين رجعا لو علمت أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما والمعنى فيه أنهما باشرا قتلا بغير حق لانهما الجآ القاضي إلى القضاء بالتقل فانه يخاف العقوبة إذا امتنع من ذلك والملجئ مباشر حكما في وجوب القود عليه كالمكره والدليل عليه أن الدية تجب مغلظة في مالهما عندكم وذلك لا يكون الا بمباشرة القتل * وحجتنا في ذلك أن الشاهد سبب للقتل والسبب لا يوجب القصاص كحفر البئر وهذا لانه يعتبر في القصاص المساواة ولا مساواة بين السبب والمباشرة. وبيان الوصف أن المباشر هو الولى وهو طائع مختار في هذه المباشرة فعرفنا أن الشاهد غير مباشر حقيقة ولا حكما ولا معنى لما ذكره من الالجاء لان القاضى انما يخاف العقوبة في الآخرة وبه لا يصير ملجأ إلى ذلك بل هو مندوب إلى العفو شرعا ولا نسلم ان الدية تجب مغلظة على الشهود فكل واحد يقيم الطاعة خوفا من العقوبة على تركها ولا يصير به مكرها ثم ان وجد هذا الالجاء في حق القاضى فبمجرد القضاء ما صار المقضى عليه مقتولا وانما صار مقتولا باستيفاء الولى وهو غير ملجأ إلى ذلك بل هو مندوب إلى العفو شرعا ولا يسلم أن الدية تجب مغلظة علي الشهود بل انما تجب مخففة بمنزلة الواجب على حافر البئر الا انها تجب على الحافر البئر في ماله لانها وجبت باقراره واقراره غير مقبول في حق العاقلة ولم يثبت لهم ان الشاهد مباشر حكما فقد بينا ان المباشر حقيقة هاهنا لا يلزمه القصاص وهو الولي لشبهة قضاء القاضي فالمباشر حكما أولي أن لا يلزمه شئ من ذلك وانما قال على رضى الله عنه ذلك على سبيل التهديد فقد صح من مذهب على ان اليدين لا يقطعان بيد واحدة وقد تقدم بيان هذا في كتاب الرجوع فإذا لم يجب القود عليهما كان عليهما الدية ان رجعا وان رجع أحدهما فعليه نصف الدية لان
[ 182 ] كل واحد منهما سبب لاتلاف نصف النفس فان رجع الولي معهما أو جاء المشهود بقتله حيا فلولى المقتول الخيار بين أن يضمن الشاهدين الدية وبين أن يضمن القاتل لان القاتل متلف للنفس حقيقة والشهود متلفون له حكما والاتلاف الحكمى في حكم الضمان كالاتلاف الحقيقي فكان له أن يضمن أيهما شاء فان ضمن الولى الدية لم يرجع على الشاهدين بشئ لانه يضمن بفعل باشره لنفسه باختياره وان ضمن الشاهدين لم يرجعا على الولى أيضا في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ثبت لهما حق الرجوع على الولى بما ضمنا لانهما ضمنا بشهادتهما وقد كانا عاملين فيه للولى فيرجعان عليه بما يلحقهما من الضمان كما لو شهدا بالقتل الخطأ أو بالمال فقضى القاضى واستوفى المشهود له ثم رجعوا جميعا وضمن المشهود عليه الشاهدين كان لهما أن يرجعا على المشهود له ولا يقال هناك قد ملك المقبوض بالضمان وهاهنا لم يملكاه لان القصاص لا يملك بالضمان والمشهود به هو القصاص وهذا لانهما وان لم يملكا بعد فقد قام مقام من ضمنهما في الرجوع على القاتل بمنزلة من غصب مدبرا فغصبه آخر منه ثم ضمن المالك الغاصب الاول فانه يرجع بالضمان على الثاني وان لم يملك المدبر بالضمان ولكنه قام مقام من ضمنه وهذا لان القصاص مما يملك في الجملة وله بدل متقوم محتمل التمليك فيكون السبب معتبرا على أن يعمل في بدله عندنا لتعذر اعماله في الاصل كاليمين على أن تعمل في بلده حتى يرجع بالضمان من أن يكون متعقدا في ايجاب الكفارة التى هي خلف عن البر لما كان الاصل وهو البر متوهم الوجود في الجملة وعلى هذا غاصب المدبر فان المدبر متقوم مملوك في الجملة فينعقد السبب للغاصب الاول فيه على أن يعمل في بدله حتى يرجع بالضمان على الغاصب الثاني وكذا شهود الكتابة إذا رجعوا وضمنهم الولى القيمة كان له أن يرجعوا على المكاتب ببدل الكتابة ولم يملكوا رقبة المكاتب ولكن لما كان المكاتب مملوكا رقبة للمكاتب انعقد السبب في حقهم علي أن يكون عاملا في بدل وهو بدل الكتابة بذلك وان لم يملكوا رقبة المكاتب فهذا مثله وأبو حنيفة يقول الشهود ضمنوا لاتلافهم المشهود عليه حكما والمتلف لا يرجع بما يضمن بسببه على غيره كالولي وهذا لانهم لم يكونوا متلفين ما كانوا ضامنين مع مباشرة الاتلاف لان مجرد السبب يسقط اعتباره في مقابلة المباشرة (ألا ترى) أنه لو وقع انسان في بئر حفرها غيره في الطريق كان الضمان على الحافر ولو دفعه غيره حتى وقع فيه كان الضمان علي الدافع دون الحافر وهاهنا لما ضمن الشهود عرفنا انهم جناة متلفون للنفس حكما وان كان تمام ذلك الاتلاف عند استيفاء
[ 183 ] الولى فان استيفاء الولى بمنزلة شرط بقدر جنايته ومن ضمن بجنايته على النفس لا يرجع على غيره فاما في الخطأ فانما رجع لانه ملك المقبوض هو الدية وقد أتلفه المستوفى بصرفه إلى حاجته وهذا سبب آخر موجب للضمان عليه للشاهد وكذلك الشاهد بالمال قولهما ان في هذا الموضع يجعل هو قائما مقام من ضمنه قلنا هذا أن لو بقى حق من ضمنه قبل الولي واختياره فتضمين الشاهد ابراء منه للولى فكيف يقوم الشاهد مقامه في الرجوع عليه وقوله بأنه ينعقد السبب موجبا للملك له أن يعمل في بدله قلنا هذا ان لو كنا في الاصل نتوهم الملك في الضمان وليس في القصاص توهم الملك بالضمان بحال فلا ينعقد السبب باعتبار الحلف كيمين الغموس ثم لو كان القصاص ملكا لهما لم يضمنه المتلف عليهما كما إذا شهدا على الولى بالعفو وقتل من عليه القصاص انسان آخر فليس له القصاص قبل الضمان وانعقاد السبب لا يكون أقوى من ثبوت الملك حقيقة وإذا كان المتلف للقصاص لا يضمنه للمالك فكيف يضمنه لمن انعقد له السبب وبه فارق مسألة غصب المدبر والكتابة فان هناك لو كان مالكا حقيقة لم يضمنه المتلف عليه فكذلك إذا جعل كالمالك حكما باعتبار انعقاد السبب فيكون له أن يرجع بالبدل لذلك ولو رجع الشاهدان دون الولى فقال الولى أنا أجئ بشاهدين آخرين يشهدان على ذلك وقد قتل القاتل لم التفت إلى ذلك لان الولى لا يثبت لنفسه شيئا بهذه البينة فانه قد استوفى القصاص ولا سبيل لا حد عليه إذا كان مصرا على دعواه ولم يظهر القتيل فلو قبلت هذه البينة انما تقبل لاسقاط ضمان الدية على الراجعين وهما لا يدعيان ذلك بل يكذبان الشاهدين و يقران على أنفسهما بالدية لنسبتهم للقتل بغير حق فلا فائدة في قبول هذه البينة و لو شهد أحد شاهدى الدم مع آخر على صاحبه انه كان محدودا في قذف أو عبدا فشهادتهما باطلة لان هذه الشهادة تقوم لابطال قضاء القاضى لا لاثبات ملك أو حق لا حد بعينه والشهادة على ابطال قضاء القاضى لا تقبل ولا شئ على واحد منهما لان الشاهد بهذا لا يصير راجعا فقد يكون هو محقا في شهادته وان كان صاحبه عبدا أو محدودا في قذف وأما المشهود عليه فهو ثابت على شهادته منكر لما شهد به صاحبه عليه ولو شهد أنه عبد لهذا المدعي فيصير به عبدا له لان هذه البينة تقوم لاثبات الملك للمدعى فإذا قبلت تبين بطلان القضاء الاول وأن القاضى أخطأ في قضائه بغير حجة فيكون ضمان ذلك على من وقع الضمان له وهو الولى وتجب الدية على عاقلته لانه ظهر انه كان مخطئا في القتل وانما ظهر بما هو حجة عليه وعلي عاقلته وبهذا الفصل تبين
[ 184 ] انه إذا لم يرجع الشهود والولي ولكن جاء المشهود بقتله حيا فان الدية تجب على عاقلة الولى والشهود ويتخير ولى القتيل في ذلك وهكذا ذكره الطحاوي عن أبى حنيفة وانما تجب في مالهم إذا رجعوا لان وجوب ذلك بالاعتراف وإذا قضى القاضي بالدم بشهادة الشاهدين فلم يقتل حتى رجعا استحسنت ان ادرأ القصاص عنه وهو قول أبى حنيفة الآخر وكان يقول أولا يستوفى القصاص وهو القياس لان القصاص محض حق العبد فيتم القضاء بنفسه والرجوع بعد القضاء لا يمنع الاستيفاء كالمال والنكاح فان القاضي إذا قضى بالنكاح ثم رجع الشهود لا يمنع استيفاء الوطئ على الزوج وان كان في القصاص يحتاط في الاستيفاء فكذلك في الوطئ وجه قوله الآخر ان القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات والغلط فيه لا يمكن تداركه فيكون بمنزلة الحدود فكما أن في الحدود لايتم القضاء بنفسه ويجعل رجوع الشهود مع القضاء قبل الاستيفاء بمنزلة الرجوع قبل القضاء فكذلك في القصاص بخلاف المال فانه يثبت مع الشبهات وبخلاف النكاح لان العقد هناك ينعقد بقضاء القاضى ظاهرا وباطنا وهاهنا ما لم يكن واجبا من القصاص لا يصير واجبا بقضاء القاضى ولابد من قيام الحجة عند الاستيفاء وأصل شهادة الشهود فإذا لم يبق حجة بعد رجوعهم يمتنع الاستيفاء وكل دية وجبت بغير صلح فهى في ثلاث سنين لانها وجبت بالقتل وتقوم الدم بالمال ثابت شرعا بخلاف القياس وانما قومه الشرع بمال مؤجل فكما لا يزاد في قدر ذلك بحال فكذلك لا يزاد في صفته بأن يجعل حالا وإذا شهد شاهدان بالدم فاقتص من القاتل ثم قالا أخطأنا انما القاتل هذا لم يصدقا على الثاني لانهما شهدا على أنفسهما بالقتل وغرما الدية للاول لانهما رجعا عن الشهادة عليه ونحو ذلك مروى عن على بن ابراهيم يعنى في السرقة ولو شهدا بدم على رجلين فقتلا بشهادتهما ثم رجع أحدهما في أحد الرجلين فعليه نصف دية هذا الرجل الواحد في ثلاث سنين ولا يضمن من دية الآخر شيئا لانه لم يرجع عن شهادته فيه وقد بقى على الشهادة في حق الآخر من يقوم به نصف الحق فيجب على الراجع نصف ديته ولو لم يرجع وادعى عليه أولياء المقتص منه انه رجع وسألوا يمينه على ذلك فليس عليه يمين لانهم لو أقاموا البينة عليه بالرجوع لم تقبل فكيف يستحلف عليه وهذا لان الرجوع في غير مجلس الحكم لا يتعلق به حكم فكانت هذه دعوى باطلة منهم وان رجع الشاهد فلزمه نصف الدية في ماله في ثلاث سنين فمات أخذ ذلك من ماله حالا لوقوع الاستغناء له عن الاجل بالموت وان
[ 185 ] كان الرجوع منه في المرض وعليه دين في الصحة بين بدئ بدين الصحة لان رجوعه اقرار على نفسه بالدية والمريض إذا أقر على نفسه وعليه دين في صحته بدئ بدين الصحة ولو شهد شاهدان على دم عمد ولهما على المقتول دين أجزت شهادتهما لانهما يثبتان القود بشهادتهما ولا منفعة لهما في ذلك الدم فان رجعا عن شهادتهما بعد القتل ضمنا الدية ويقبضان دينهما من الثلث فان كان على الميت دين سوى ذلك خاصهم فيه قال الحاكم رحمه الله ولا تصح هذه المسألة أن يحمل علي ان الدين على المقتول قصاصا وهو كما قال فان الدين إذا كان لهما على الاول والدية عند الرجوع تجب عليهما للمقتول قصاصا فيكف يستوفيان دينهما من هذه الدية وان كان دينهما على المقتول قصاصا فبدل نفسه واجب عليهما عند الرجوع ودينه يقضى من بدل نفسه و الله أعلم بالصواب (باب جناية الصبي والمعتوه) (قال رحمه الله) وإذا أمر الصبي الحر الصبى الحر ان يقتل انسانا فقتله فالدية على عاقلة القاتل و ليس علي الآمر شئ لان قول الصبى هدر فيما يلزمه الغرم فيكون وجوده كعدمه فبقي مباشرة القتل من الصبي القاتل ولو أمر رجل صبيا فقتل رجلا كانت الدية على عاقلة الصبي كمباشرته القتل باختياره يرجعون بها على عاقلة الآمر لان الآمر جان في استعماله الصبي وأمره اياه بالقتل وهو الذى تسبب لوجوب الضمان على عاقلة الصبي فثبت لهم حق الرجوع بها على عاقلته فان قيل أمره قول وما يجب على المرء بقوله من ضمان الجناية لا تعقله العاقلة قلت متمثلا نعم إذا كان ذلك القول خبرا محتملا الصدق والكذب ليكون محمولا على الكذب في حق العاقلة فأما إذا كان ذلك أمرا فلا تردد في كونه تسببا واستعمالا وإذا ثبت السبب في حق العاقلة ثبت الحكم وإذا أعطي الرجل صبيا عصا أو سلاحا يمسكه له ولم يأمره فيه بشئ فعطب الصبي بذلك بان سقط من يده فوقع على رجله فمات فضمانه علي عاقلة الرجل لانه جان في استعمال الصبي في امساك ما دفع إليه وهو سبب لهلاكه متعد في ذلك السبب وان قتل الصبي نفسه بذلك أو قتل رجلا لم يضمن الدافع شيأ لانه أمره بامساكه لا باستعماله وانما وجب الضمان على عاقلته لا ستعماله وهو مختار في ذلك غير مأمور به من جهة الدافع فكذلك إذا قتل به نفسه فانما تلف باستعماله لا بامساكه بخلاف ما إذا وقع على رجله لانه ثمة
[ 186 ] حصل الهلاك لا بمباشرته بل بامساكه الذى هو حكم دفع الدافع وهو متعد في الدفع فيضمن بخلاف ما إذا حصل التلف بمباشرته وحدث من جهة الصبي باختياره لانه طرأت المباشرة على التسبيب فينقطع حكم التسبيب وهذه المباشرة ليست حكم ذلك التسبيب فلا يثبت الرجوع بخلاف ما إذا أمره بالقتل حكما وإذا غصب الرجل الصبى الحر فذهب به فهو ضامن له ان قتل أو أصابه حجرا وأكله سبع أو تردى من حائط عندنا استحسانا وفي القياس لا شئ عليه وهو قول زفر والشافعي وجه القياس أن ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم والصبي الحر ليس بمال متقوم فلا يضمن بالغصب كالميتة والدم والدليل عليه أنه لو مات حتف أنفه أو أصابته حمى فمات أو مرض فمات أو خرجت به قرحة فمات لم يضمن الغاصب شيأ بالاتفاق والدليل عليه انه لو غصب مكاتبا صغيرا فمات في يده ببعض هذه الاسباب لم يضمن الغاصب شيأ فالحر أولى وكذلك لا يضمن أم الولد بالغصب وان تلفت بهذه الاسباب لانه لم يبق لرقها قيمة فلان لا يضمن الحر بهذه الاسباب كان أولى * وحجتنا في ذلك انه سبب لاتلافه بغير حق والمسبب إذا كان متعديا في سبب فهو ضامن والدية على عاقلته كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق وبيان الوصف أنه أزال يد حافظه عنه في حال حاجته إلى الحفظ ولم يقم بحفظه بنفسه فكان مسببا لاتلافه وهو متعد في ذلك لانه ممنوع شرعا من ازالة يد حافظه ومعنى قولنا ان لم يقم بحفظه بنفسه لانه تلف بامر يمكن التحرز عنه بخلاف ما إذا مات لان ذلك لا يستطاع الامتناع عنه فلا يكون دليلا على تركه الحفظ أو على انه كان سببا لازالة حافظه عنه فأما التردي من الحائط ونهش الحية واصابة الحجر فانه يمكن التحرز عنه في الجملة وبهذا تبين أن هذا الضمان ضمان جناية لا ضمان غصب والحر يضمن بالجناية تسبيبا كان أو مباشرة وهذا بخلاف المكاتب لانه في يد نفسه صغيرا كان أو كبيرا فهو بفعله ما حال بينه وبين نفسه وبخلاف أم الولد فانها تقوم بحفظ نفسها فلا يكون هو جانيا بازالة الحفظ عنها فلهذا لا يضمن نقصها ولو قتل الصبي في يد الغاصب رجلا فليس على الغاصب في ذلك شئ لانه لم يأمره بالقتل ولكنه أنشأ القتل باخياره فلو ثبت للعاقلة حق الرجوع على الغاصب كان ذلك باعتبار يده على الصبي والحر لا يضمن باليد وكذلك لو قتل الصبى نفسه في يد الغاصب فلا شئ على الغاصب كما لو قتل غيره وعلى قول أبى يوسف تجب ديته علي عاقلة الغاصب لانه تلف بسبب يمكن حفظه من ذلك السبب عادة فهو كما لو نهشته حية وإذا حمل
[ 187 ] الرجل الصبي الحر على دابة فقال له امسكها لى وليس بيده حبل فسقط عن الدابة فمات فالدية على عاقلة الرجل لانه سبب لاتلافه حين حمله على الدابة فكان متعديا في تسبيبه فإذا تلف بذلك السبب كان ضامنا لديته ويستوي ان كان الصبي ممن يركب أو لا يركب فان سار الصبي على الدابة فأو طأ انسانا فقتله فان كان هو ممن يستمسك عليها فديته علي عاقلة الصبي لانه متلف للرجل بدابته حين أوطأها اياه ولا شئ على عاقلة الذى حمله عليها لانه أحدث السير باختياره فهو كما لو قتل رجلا في يد الغاصب باختياره وان كان مما لا يسير على الدابة لصغره ولا يستمسك عليها فدم القتيل هدر لان هذه الدابة بمنزلة المنفلتة فانها سارت من غير أن يسيرها أحد والدابة المنفلتة إذا وطأت انسانا فدمه هدر وهذا الذى حمل الصبى علي الدابة لم يسيرها فلا يكون هو قائد اللدابة ولا سائقا والصبي الذى لا يستمسك على الدابة بمنزلة متاع موضوع عليها فلا يكون هو مسيرا للدابة بخلاف ما إذا كان يستمسك عليها وإذا حمل الرجل معه الصبي على الدابة ومثله لا يصرفها ولا يستمسك عليها فوطئت الدابة انسانا فقتلته فالدية على عاقلة الرجل خاصة لانه هو المسير للدابة والصبي الذى لا يستمسك بمنزلة المتاع معه على الدابة فالدية على عاقلته وعليه الكفارة لان الراكب يجعل متلفا لما أوطأ بدابته مباشرة فانه انما تلف بفعله والكفارة جزاء مباشرة القتل وسيأتى بيان هذا في الباب الذى يلى هذا ولو كان الصبي يصرف الدابة ويسير عليها فالدية على عاقلتهما جميعا لان كل واحد منهما مسير للدابة ها هنا فكانا جانبين على الرجل فتجب الدية علي عاقلتهما ولا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل بشئ لان هذا بمنزلة جناية الصبي بيده والرجل لم يأمره بذلك ولو سقط الصبى فمات فديته على عاقلة الرجل لانه هو الذى حمله عليها وقد بينا ان حامل الصبي على الدابة ضامن لديته إذا سقط سواء كان سقوطه بعدما سير الدابة أو قبل أن يسيرها وكان هو ممن يستمسك عليها أو لا يستمسك عليها وإذا حمل العبد صبيا حرا على دابة فوقع الصبي عنها فمات فديته في عنق العبد يدفع به أو يفدى لانه صار مسببا لهلاك والعبد يضمن بالجناية تسببا كان أو مباشرة وموجب جناية العبد الدفع أو الفداء وان كان معه على الدابة فسارا عليها فوطئت انسانا فمات فعلى عاقلة الصبي نصف الدية وفي عنق العبد نصفها يدفع به أو يفدى لانهما جانيان علي المقتول فعلى كل واحد منهما موجب جنايته ويجعل في ذلك الحكم كانه تفرد به وإذا حمل الحر الكبير العبد الصغير على الدابة ومثله يصرفها ويستمسك عليها ثم أمره أن يسير عليها فأوطأ انسانا فذلك
[ 188 ] في عنق العبد يدفعه به مولاه أو يفديه بمنزلة جنايته بيده ويرجع مولاه بالاقل من قيمته ومن الارش على الغاصب لانه حين حمله على دابته فقد صار غاصبا له ويبقى حكم غصبه ما بقي على الدابة والعبد المغصوب إذا جنى في يد الغاصب كان للمولي أن يرجع على الغاصب بالاقل من قيمته ومن أرش الجناية لانه غصبه فارغا ورده مشغولا بالجناية بخلاف ما تقدم فالمحمول علي الدابة هناك حر والحر لا يضمن بالغصب ولو حمله عليها وهو لا لصرف الدابة ولا يستمسك عليهما فسارت الدابة فاوطأت انسانا فدمه هدر لان الذى حمله عليها ليس بقائد للدابة ولا سائق لها وانما هذه دابة منفلتة وان كانت واقفة حيث أوقفها ولم تسر حتى ضربت رجلا بيدها أو رجلها أو بذنبها أو كدمته فلا شئ علي الصبي لان الصبي بمنزلة المتاع حين كان لا يستمسك علي الدابة وعلي الذى أوقفها الضمان علي عاقلته لانه متعد في هذا التسبب فانه ممنوع من ايقاف الدابة في الطريق الا أن يكون أوقفها في ملكه فحينئذ لا ضمان عليه لانه غير متعد في ايقافها في ملكه والمتسبب إذا لم يكن متعديا في تسببه لا يضمن شيأ كمن حفر بئرا أو وضع حجرا في ملكه والله أعلم (باب جناية الراكب) (قال رحمه الله) وإذا سار الرجل علي دابة أي الدواب كانت في طريق المسلمين فوطئت انسانا بيد أو رجل وهى تسير فقتلته فديته على عاقلة الراكب والاصل في هذا ان السير على الدابة في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشى فان الحق في الطريق لجماعة المسلمين وما يكون حقا للجماعة يباح لكل واحد استيفاؤه بشرط السلامة لان حقه في ذلك يمكنه من الاستيفاء ودفع الضرر عن الغير واجب عليه فيقيد بشرط السلامة ليعتدل النظر من الجانبين ثم انما يشترط عليه هذا القيد فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن التحرز عنه لان ما يستحق على المرء شرعا يعتبر فيه الوسع ولانا لو شرطنا على السلامة عما لا يمكن التحرز عنه تعذر عليه استيفاء حقه لانه لا يمتنع من المشي والسير على الدابة مخافة أن يقتل بما لا يمكن التحرز عنه فاما ما يستطاع الامتناع عنه لو شرطنا عليه صفة السلامة من ذلك لا يمتنع عليه استيفاء حقه وانما يلزمه به نوع احتياط في الاستيفاء إذا عرفنا هذا فنقول التحرز عن الوطئ على شئ في وسع الراكب إذا أمعن النظر في ذلك فإذا لم يسلم كان جانيا وهذه جناية منه بطريق
[ 189 ] المباشرة لان القتل انما حصل بفعله حين كان هو على الدابة التى وطئت فتجب عليه الكفارة وعلى عاقلته الدية وان نفحته برجلها وهى تسير فلا ضمان على الراكب لقوله عليه السلام الرجل جبار أي هدر والمراد نفحة الدابة بالرجل وهى تسير وهذا لانه ليس في وسعه التحرز من ذلك لان وجه الراكب أمام الدابة لا خلفها وكذلك النفحة بالذنب ليس في وسعه التحرز عن ذلك وقال ابن أبى ليلى هو ضامن لجميع ذلك وقاس الذى يسير على الدابة بالذى أوقف دابته في الطريق فنفحت برجلها أو يدها فكما ان هناك يجب ضمان الدية على عاقلته فكذلك هنا ولكنا نقول في الفرق بينهما هو ممنوع من ايقاف الدابة على الطريق لان ذلك مضر بالمارة ولان الطريق ما أعد لايقاف الدواب فيه فيكون هو في شغل الطريق بما لم يعد الطريق له متعديا والمتعدي في التسبب يكون ضامنا فلهذا يسوى فيه بين ما يمكن التحرز عنه وبين مالا يمكن وهذا لانه ان كان لا يمكن التحرز عن النفحة بالرجل والذنب فهو يمكنه التحرز عن ايقاف الدابة بخلاف الاول فان السير على الدابة في الطريق مباح له لان الطريق معد لذلك ولانه لا يضر بغيره وهو محتاج إلى ذلك فربما لا يقدر على المشى فيستعين بالسير على الدابة وإذا لم يكن نفس السير جناية قلنا لا يلزمه ضمان مالا يستطاع الامتناع منه (ألا ترى) ان الماشي في الطريق لا يكون ضامنا لما ليس في وسعه الامتناع منه بخلاف الجالس والنائم في الطريق ولو كدمت أو صدمت أو خبطت أو ضربت بيدها انسانا وهو يسير عليها فذلك كله مما يمكن التحرز عنه فيكون موجبا للدية على عاقلته بمنزلة ما لو وطئت الا أن هذه الاسباب لا تلزمه الكفارة عندنا لان الكفارة جزاء مباشرة القتل فلا تجب بالتسبب علي ما نبينه وان ضربت بحافرها حصاة أو نواة أو حجرا أو شبه ذلك فأصاب انسانا وهي تسير فلا ضمان عليه لان هذا لا يمكن التحرز عنه فهو بمنزلة التراب والغبار المنبعث من سنابكها إذا فقأ عين انسان الا أن يكون حجرا كبيرا فيضمن لان ذلك مما يستطاع الامتناع منه وانما ينبعث الحجر الكبير بخرق منه في السير ولو راثت أو بالت في السير فعطب انسان بذلك لم يكن عليه ضمان لانه لا يمكن التحرز عن ذلك قالوا وكذلك إذا وقفت لتبول أو لتروث لان من الدواب مالا يفعل ذلك حتى يقف فهذا مما لا يستطاع الامتناع عنه وكذلك اللعاب يخرج من فيها ولو وقع سرجها أو لجامها أو شئ محمول عليها من اداتها أو متاع الرجل الذى معه يحمله فأصاب انسانا في السير كان ضامنا لان هذا مما يمكن التحرز عنه وانما سقط
[ 190 ] لانه لم يشد عليها أو لم يحكم ذلك فكأنه ألقاه بيده على الطريق وكذلك من عطب به بعدما وقع علي الارض فان عثر به أو تعقل فهو ضامن له بمنزلة مالو وضعه بيده علي الطريق والراكب والرديف والسائق والقائد في الضمان سواء لان الدابة في أيديهم وهم يسيرونها ويصرفونها كيف شاؤا وذلك مروى عن شريح رحمه الله الا أنه لا كفارة على السائق والقائد فيما وطئت لانهما مسببان للقتل والكفارة جزاء مباشرة القتل قأما الراكب والمرتدف فمباشر ان القتل بفعلهما فعليهما الكفارة كالنائم إذا انقلب علي انسان فقتله وإذا أوقف دابته في طريق المسلمين أو في دار لا يملكها بغير اذن أهلها فما أصابت بيد أو رجل أو ذنب أو كدمت أو سال من عرقها أو لعابها علي الطريق فزلق به انسان فضمان ذلك على عاقلته لانه متعد في هذا التسبيب فانه ممنوع من ايقاف الدابة في ملك غيره بغير اذنه وكذلك في طريق المسلمين هو ممنوع من ايقاف الدابة خصوصا إذا كان يضر بالمار ولكن لا كفارة عليه لانعدام مباشرة القتل منه وإذا أرسل الرجل دابته في الطريق فما أصابت في وجهها فهو ضامن له كما يضمن الذى سار به ولا كفارة عليه لانه سائق لها مادامت تسير على سنن ارساله فإذا عدت يمينا أو شمالا فلا ضمان عليه لانها تغيرت عن حالتها أنشأت سير آخر باختيارها فكانت كالمنفلتة الا أن لا يكون لها طريق غير الذى أحدثت فيه فحينئذ يكون ضامنا على حاله لانه انما سيرها في الطريق الذى يمكنه أن يسير فيه وانما سارت في ذلك الطريق فكان هو سائقا لها ووقفت ثم سارت فيه برئ الرجل من الضمان إذا لانها لما وقفت فقد انقطع حكم ارساله ثم انشأت بعد ذلك سيرا باختيارها في كالمنفلتة فان ردها فالذي ردها ضامن لما أصابت في فورها ذلك لانه سائق لها في الطريق الذى ردها فيه وإذا حل عنها وأوقفها ثم سارت هي فلا ضمان عليه لان حكم فعله قد انقطع بما أنشأت من السير باختيارها قال وإذا اصطدم الفارسان فوقعا جميعا فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية صاحبه عندنا استحسانا وفي القياس على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه وهو قول زفر والشافعي وجه القياس ان كل واحد منهما انما مات بفعله وفعل صاحبه لان الاصطدام فعل منهما جميعا فانما وقع كل واحد منهما بقوته وقوة صاحبه فيكون هذا بمنزلة مالو جرح نفسه وجرحه غيره ولكنا استحسنا لما روى عن على رضى الله عنه انه جعل دية كل واحد من المصطدمين علي عاقلة صاحبه والمعنى فيه ان كل واحد منهما موقع لصاحبه فكأنه أوقعه عن الدابة بيده وهذا
[ 191 ] لان دفع صاحبه اياه علة معتبرة لاتلافه في الحكم فاما قوة المصطدم فلا تصلح أن تكون علة معارضة لدفع الصادم فهو بمنزلة من وقع في بئر حفرها رجل في الطريق يجب الضمان علي الحافر وان كان لولا مشيه وثقله في نفسه لما هوى في البئر وكذلك لو دفع انسان غيره في بئر حفرها رجل في الطريق فالضمان علي الدافع دون الحافر وان كان لولا حفره لذلك الموضع لما أتلفه بدفعه وعلى هذا الاصل قالوا لو أن رجلين تجاذبا حبلا فانقطع الحبل فماتا جميعا فان مات كل واحد منهما بفعل صاحبه بأن وقع على وجهه فعلى عاقلة كل واحد منهما دية صاحبه لانه انما وقع علي وجهه بجذب صاحبه اياه وان وقع كل واحد منهما علي قناه فلا شئ على واحد منهما لان سقوطه على قفاه بقوة نفسه لا بجذب صاحبه اياه وان سقط واحد منهما على وجهه والآخر على قفاه فدية الساقط على وجهه على عاقلة صاحبه ولو قطع انسان الحبل بينهما فسقط كل واحد منهما على قفاه ومات فديتهما علي عاقلة القاطع للحبل لانه كالدافع لكل واحد منهما ولو كان الصبى في يد أبيه فجذبه رجل من يده فمات فديته على عاقلة الجاذب لان الاب محق في امساكه والجاذب متعد في تسبيبه وكذلك لو تجاذبا صبيا يدعي أحدهما انه ابنه والآخر يدعي انه عبده فالدية علي عاقلة الذى يدعى انه عبده لان الشرع جعل القول قول من يدعيه ابنه فيكون هو محقا في امساكه والآخر متعديا في جذبه ولو جذب ثوبا من يد انسان وهو يدعى انه ملكه فتخرق الثوب من جذبهما ثم أقام المدعى البينة انه كان له فله نصف قيمة الثوب على صاحبه لانه كان يكفيه الامساك باليد وما كان يحتاج الي الجذب فيجعل التخريق محالا به علي فعلهما جميعا ولو عض ذراع انسان فنزع ذراعه من فيه فسقطت انسان العاض فهو هدر ولو انقطع لحم صاحب الذراع فارش ذلك علي العاض لانه محتاج إلى جذب الذراع من فيه فان العض يؤلمه وهو انما قصد دفع الالم عن نفسه فيكون محقا في الجذب والآخر متعديا في العض ولو أخذ بيد انسان فجذب صاحب اليد يده فعطبت يده فان كان أخذ بيده ليصافحه فلا ضمان على الذى أخذ لان الجاذب ما كان يحتاج إلى ما صنع فيكون هو الجاني على يد نفسه وان كان أخذ يده ليعصره فالضمان على الآخذ لان الجاذب محتاج إلى الجذب لدفع الالم عن نفسه ولو جلس على ثوب انسان فقام صاحبة فتخرق الثوب من جذبه فالضمان على الجالس عليه لانه متعد في الجلوس على ذيل الغير بغير اذنه والذى بينا في اصطدام الفارسين فكذلك الجواب في اصطدام الماشيين فان كان أحدهما حرا والآخر عبدا فقيمة العبد على
[ 192 ] عاقلة الحر ثم يأخذها ورثة الحر لان كل واحد منهما صار قاتلا لصاحبه فيجب على عاقلة الحر قيمة العبد ثم ان تلف العبد الجاني وأخلف بدلا فيكون بدله لورثة المجني عليه وهو الحر وإذا أوقف الرجل دابته في ملكه فما أصابت بيد أو رجل أو غير ذلك فلا ضمان عليه فيه لانه غير متعد في ايقافها في ملكه وكذلك ان كان الملك له ولغيره لان لكل واحد من الشريكين أن يوقف دابته في الملك المشترك ويستوى ان قل نصيبه فيها أو كثر (أرأيت) لو قعد في الملك المشترك أو توضأ فعطب انسان بوضوئه أكنت أضمنه ذلك لا أضمنه شيأ من هذا وإذا سار الرجل على دابته فضربها أو كبحها باللجام فنفحت برجلها أو بذيلها لم يكن عليه شى ء لانه يحتاج إلى ضربها أو كبحها باللجام في تسييرها ولا يمكنه التحرز عن النفحة بالرجل والذنب متعديا في العض ولو أخذ بيد انسان فجذب صاحب اليد يده فعطبت يده فان كان أخذ بيده ليصافحه فلا ضمان على الذى أخذ لان الجاذب ما كان يحتاج إلى ما صنع فيكون هو الجاني على يد نفسه وان كان أخذ يده ليعصره فالضمان على الآخذ لان الجاذب محتاج إلى الجذب لدفع الالم عن نفسه ولو جلس على ثوب انسان فقام صاحبة فتخرق الثوب من جذبه فالضمان على الجالس عليه لانه متعد في الجلوس على ذيل الغير بغير اذنه والذى بينا في اصطدام الفارسين فكذلك الجواب في اصطدام الماشيين فان كان أحدهما حرا والآخر عبدا فقيمة العبد على
[ 192 ] عاقلة الحر ثم يأخذها ورثة الحر لان كل واحد منهما صار قاتلا لصاحبه فيجب على عاقلة الحر قيمة العبد ثم ان تلف العبد الجاني وأخلف بدلا فيكون بدله لورثة المجني عليه وهو الحر وإذا أوقف الرجل دابته في ملكه فما أصابت بيد أو رجل أو غير ذلك فلا ضمان عليه فيه لانه غير متعد في ايقافها في ملكه وكذلك ان كان الملك له ولغيره لان لكل واحد من الشريكين أن يوقف دابته في الملك المشترك ويستوى ان قل نصيبه فيها أو كثر (أرأيت) لو قعد في الملك المشترك أو توضأ فعطب انسان بوضوئه أكنت أضمنه ذلك لا أضمنه شيأ من هذا وإذا سار الرجل على دابته فضربها أو كبحها باللجام فنفحت برجلها أو بذيلها لم يكن عليه شى ء لانه يحتاج إلى ضربها أو كبحها باللجام في تسييرها ولا يمكنه التحرز عن النفحة بالرجل والذنب ولو خبطت بيد أو رجل أو كدمت أو صدمت فقتلت انسانا فالضمان على الراكب سواء كان يملكها أو لا يملكها لان التحرز عن هذا كله ممكن ولو سقط عنها ثم ذهبت على وجهها فقتلت انسانا لم يكن عليه شئ لانها منفلتة فالذي سقط منها ليس براكب ولا قائد ولا سائق والمنفلتة جرحها جبار لانها عجماء بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال العجماء جبار وهى المنفلتة عندنا ذكره في الاصل والله أعلم (تم الجزء السادس والعشرون من كتاب المبسوط السرخسى الحنفي رحمه الله) (ويليه الجزء السابع والعشرون وأوله كتاب الناخس)