مبسوط السرخسي - الجزء السادس2

من معرفة المصادر

[ 114 ] يستعمل بمعني الوقت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ومن فر من الزحف ليلا أو نهارا يلحقه هذا الوعيد والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت اقباله أو ادباره فإذا قرن بما لا يختص بأحد الوقتين ولا يكون ممتدا كان بمعنى الوقت كالطلاق وإذا قرن بما يختص بأحد الوقتين كالصوم كان بمعنى بياض النهار وكذلك إذا قرن بمن يكون ممتدا كقوله لامرأته أمرك بيدك يوم يقدم فلان على ما نبينه ان شاء الله تعالى وإذا قال في الطلاق نويت النهار دون الليل فهو مصدق في القضاء لانه نوى حقيقة كلامه وهى حقيقة مستعملة فيجب تصديقه في ذلك وان قال ليلة أدخلها فأنت طالق فدخل نهارا لم تطلق لان الليل اسم خاص لسواد الليل وهو ضد النهار ولا يصح أن ينوى بالشئ ضده وان قال أنت طالق إلى حين أو زمان أو إلى قريب فان نوى فيه شيئا فهو على ما نوى من الاجل لان الدنيا كلها قريب فالمنوى من محتملات لفظه وان لم يكن له نية ففي الحين والزمان هي إلى ستة أشهر وفي القريب إلى مضى ما دون الشهر حتى إذا مضى من وقت يمينه شهر الا يوم طلقت لان القريب عاجل والشهر فما فوقه آجل وما دون الشهر عاجل حتى إذا حلف ليقضين حقه عاجلا فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه والعاجل ما يكون قريبا ولو قال أنت طالق إلى شهر فان نوى وقوع الطلاق عليها في الحال طلقت ولغى قوله إلى شهر لان الواقع من الطلاق لا يحتمل الاجل وان لم ينو ذلك لم تطلق الا بعد مضى شهر عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تطلق في الحال وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان قوله إلى شهر لبيان الاجل والاجل في الشئ لا ينفي ثبوت أصله بل لا يكون الا بعد أصله كالاجل في الدين لا يكون الا بعد وجوب الدين فكذلك ذكر الاجل هنا فيما أوقعه لا ينفى الوقوع في الحال ولكن يلغو الاجل لان الواقع من الطلاق لا يحتمل ذلك وأصحابنا رحمهم الله تعالى يقولون الواقع لا يحتمل الاجل ولكن الايقاع يحتمل ذلك لان عمله في التأخير والايقاع يحتمل التأخير ولو جعلنا حرف إلى داخلا على أصل الايقاع كان عاملا في تأخير الوقوع ولو جعلناه داخلا على الحكم كان لغوا وكلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن تصحيحه لا يجوز الغاؤه فجعلناه داخلا على أصل الايقاع وقلنا بتأخير الوقوع إلى ما بعد الشهر كأنه قال أنت طالق بعد مضي شهر وان قال أنت طالق غدا تطلق كما طلع الفجر من الغد لوجود الوقت المضاف إليه

[ 115 ] الطلاق وان قال عنيت به آخر النهار لم يدين به في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه نوى التخصيص في لفظ العموم فانه وصفها بالطلاق في جميع الغد وانما يكون ذلك إذا وقعت في أول جزء منه فإذا نوى الوقوع في آخر جزء من الغد فنيته التخصيص في العموم صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال لا آكل الطعام ونوى طعاما دون طعام وان قال أنت طالق في غد طلقت كما طلع الفجر أيضا فان قال عنيت به آخر النهار صدق في القضاء عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يصدق عندهما ذكر الخلاف في الجامع الصغير فهما سويا بين قوله غد وبين قوله في غد لانه وصفها بالطلاق في جميع الغد فإذا عنى جزء خاصا منه كان هذا كنية التخصيص في لفظ العموم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق بينهما فيقول حرف في للظرف والظرف قد يشغل جميع المظروف وقد يشغل جزء منه لانه إذا قيل في الجوالق حنطة لا يفهم منه أن يكون مملوء من الحنطة فإذا ذكر بين الوصف والوقت حرف الظرف كان كلامه محتملا بين أن تكون موصوفة بالطلاق في جميع الغد أو في جزء منه والنية في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء والوقت انما يكون ظرفا للطلاق على أن يكون واقعا فيه لا أن يكون شاغلا له والوقوع يكون في جزء من الوقت فكان هذا أقرب إلى حقيقة معنى الظرف وإذا قال غدا فلم يدخل بين الوصف والوقت حرف الظرف فكان حقيقته الوصف لها بالطلاق في جميع الغد فلهذا لا تعمل نيته في التخصيص في القضاء ولو قال أنت طالق في رمضان ولا نية له فهى طالق حين تغيب الشمس من آخر يوم من شعبان لانه كما رأى الهلال فقد وجد جزء من رمضان وذلك يكفى للوقوع وان قال نويت آخر رمضان فهو على الخلاف الذى بينا وان قال أنت طالق اليوم غذا فهى طالق اليوم لانه ذكر وقتين غير معطوف أحدهما على الآخر وفي مثله الوقوع في أول الوقتين ذكرا وهو اليوم ولو قال غدا اليوم طلقت غدا وهذا لان قوله أنت طالق اليوم ننجيز وقوله غدا اضافة إلى وقت منتظر والمنجز لا يحتمل الاضافة فكان قوله غدا لغوا وإذا قال أولا غذا كان هذا اضافة الطلاق إلى وقت منتظر فلو نجز بذكره اليوم لم يبق مضافا وقوله اليوم ليس بناسخ لحكم أول كلامه فكان لغوا وان قال اليوم وغذا طلقت للحال واحدة لا تطلق غيرها لان العطف للاشتراك فقد وصفها بالطلاق في الوقتين وهى بالتطليقة الواحدة تتصف بالطلاق في الوقتين جميعا وان قال غذا واليوم تطلق واحدة اليوم عندنا والاخرى غذا لانه عطف

[ 116 ] الجملة الناقصة على الجملة الكاملة فالخبر المذكور في الجملة الكاملة يصير معادا في الجملة الناقصة فان العطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فكأنه قال وأنت طالق اليوم وعن زفر رحمه الله تعالى أنها لا تطلق الا واحدة لان صيغة كلامه وصف وهى بالتطليقة الواحدة تتصف بأنها طالق في الوقتين جميعا وان قال أنت طالق الساعة غدا طلقت للحال وكان بقوله غدا حشوا لما قلنا فان قال عنيت تلك الساعة من الغد لم يصدق في القضاء لان ظاهر كلامه تنجيز وهو يريد بنيته صرف الكلام عن ظاهره فلا يدين في القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال كلامه المنوي وان كان خلاف الظاهر والله تعالى مطلع على ضميره وان قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فهى طالق حين يطلع الفجر لان قوله إذا جاء غد تعليق بالشرط وبذكر الشرط موصولا بكلامه يخرج كلامه من أن يكون تنجيزا كما لو قال أنت طالق اليوم إذا كلمت فلانا أو ان كلمت فلانا لم تطلق قبل الكلام ويتبين بذكر الشرط أن قوله اليوم لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع بخلاف قوله اليوم غدا فان هذا ليس بذكر الشرط فبقى قوله اليوم بيانا لوقت الوقوع وان قال أنت طالق رمضان وشوال كانت طالقا أول ليلة من رمضان لانه أضاف الطلاق إلى وقتين فيقع عند أول الوقتين ذكرا وان قال أنت طالق في رمضان فهو على أول رمضان يجئ هو الظاهر المعلوم بالعادة من كلامه كما لو ذكر الاجل في اليمين إلى رمضان أو أجر داره إلى رمضان فان قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر ولانه في معنى متخصيص العموم لان موجب كلامه أن تكون موصوفة بالطلاق في كل رمضان يجئ بعد يمينه فإذا عين البعض دون البعض كان هذا تخصيصا للعموم وتخصيص العموم بالنية صحيح فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء وكذلك قوله أنت طالق يوم السبت فهو على أول سبت فان قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء وان قال طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال لانه وصفها بالطلاق في مكان موجود والطلاق لا يختص بمكان دون مكان ولكن إذا وقع عليها في مكان تتصف به في الامكنة كلها فان قال عنيت به إذا أتيت مكة لم يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لانه ذكر المكان وعبر به عن الفعل الموجود فيه وذلك نوع من المجاز مخالف للحقيقة والظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك قوله أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت

[ 117 ] لان وصفه إياها بالطلاق لا يختص بثوب دون ثوب فان قال عنيت به إذا لبست ذلك الثوب دين فيما بينه وبين الله تعالى لانه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه وهو نوع من المجاز وكذلك قوله في الدار أو في البيت أو في الظل أو في الشمس وان قال ذهابك إلى مكة أو في دخول الدار أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل ذلك لان حرف في للظرف والفعل لا يصلح ظرفا للطلاق على أن يكون شاغلا له فيحمل على معنى الشرط لان المظروف يسبق الظرف كما أن الشرط يسبق الجزاء ويجعل حرف في بمعنى مع قال الله تعالى فادخلي في عبادي أي مع عبادي ويقال دخل الامير البلدة في جنده أي معهم ولو قال أنت طالق مع دخولك الدار لم تطلق حتى تدخل فهذا مثله بخلاف قوله في الدار لانه لو قال مع الدار طلقت لانه قرن الطلاق بما هو موجود وان قال أنت طالق وأنت تصلين طلقت للحال لان قوله وأنت تصلين ابتداء فان قال عنيت إذا صليت لم يصدق قى القضاء لان الشرط لا يعطف على الجزاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لان هذا اللفظ يذكر بمعني الحال تقول دخلت الدار على فلان وهو يفعل كذا أي في تلك الحالة فيكون معنى هذا أنت طالق في حال اشتغالك بالصلاة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال لفظه ما نوي وكذلك لو قال أنت طالق مصلية في القضاء تطلق في الحال وان قال عنيت إذا صليت دين فيما بينه وبين الله تعالى بمعنى الحال وأهل النحو يقولون ان قال مصلية بالرفع لا يدين فيما بينه وبين الله تعالى وان قال مصلية بالنصب حينئذ يدين في القضاء أيضا وهو نصب على الحال وهذا ظاهر عند أهل النحو وهو نصب على الحال وعند الفقهاء يدين فيما بينه وبين الله تعالى وان قال أنت طالق في مرضك أو في وجعك لم تطلق حتى يكون منها ذلك الفعل اما لان حرف في معني مع أو لان المرض والوجع لما لم يصلح ظرفا حمل على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل وان قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر فقدم فلان قبل تمام الشهر لم تطلق لانه أضاف الطلاق إلى وقت منتظر وهو أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان فيراعى وجود هذا الوقت بعد اليمين ولم يوجد وكذلك لو قال أنت طالق قبل موت فلان بشهر فمات فلان قبل تمام الشهر لم تطلق بخلاف ما لو قال لها في النصف من شعبان أنت طالق قبل رمضان بشهر تطلق في الحال لانه أضاف الطلاق إلى وقت قد تيقن مضيه فيكون ذلك تنجيزا منه كقوله أنت طالق أمس فأما إذا قدم فلان

[ 118 ] أو مات لتمام الشهر فعلى قول زفر رحمه الله تعالى في الفصلين جميعا يقع الطلاق من أول الشهر حتى تعتبر العدة من ذلك الوقت ولو كان وطئها في الشهر صار مراجعا في الطلاق الرجعى وفى البائن يلزمه مهر بالوطئ وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع الطلاق مقصورا على حالة القدوم والموت حتى تعتبر العدة في الحال ولا يصير مراجعا بالوطئ في الشهر ولا يلزمه به مهر وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في القدوم الجواب كما قالا وفى الموت الجواب كما قال زفر رحمه الله تعالى وجه قول زفر رحمه الله تعالى أن وقوع الطلاق بايقاعه انما يقع في الوقت الذى أوقعه وانما أوقعه في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته فيقع في ذلك الوقت وقد وجد ذلك الوقت بعد اليمين ولكن لم يكن معلوما لنا ما لم يوجد القدوم والموت فإذا صار معلوما لنا تبين انه كان واقعا كما لو قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام ثم يتبين أنه كان واقعا عند رؤية الدم وكذلك إذا قال ان كان في بطنك غلام فأنت طالق لا يحكم بالوقوع حتى تلد فإذا ولدت غلاما تبين أن الطلاق كان واقعا والدليل عليه أنه لو أوقع عند مضى شهر بعد القدوم أو الموت لا يقع الا في ذلك الوقت فكذلك إذا أوقع قبله بشهر ولو قال لاجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر ثم تزوجها بعد شهر لم تطلق ولو انتصب التزوج شرطا وكان أوان الوقوع بعده لطلقت وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا وقوع الطلاق توقف بكلامه على وجود القدوم والموت وانما يتوقف على وجود الشرط فعرفنا أنه شرط معنى والجزاء يتأخر عن الشرط ثم هذا في القدوم واضح لانه على خطر الوجود وفى الشرط معني الخطر والموت وان كان كائنا لا محالة ولكن مضى الشهر بعد كلامه قبل الموت لم يكن كائنا عند يمينه لا محالة ولهذا قال لو مات قبل تمام الشهر لم تطلق ولان الموت قد يتقدم وقد يتأخر فكل شهر يمضى بعد يمينه لا يعلم أنه الوقت المضاف إليه الطلاق ما لم يتصل الموت بآخره لجواز أن يتأخر عنه كما في القدوم لا يعلم ذلك لجواز أن لا يقدم أصلا فكان هذا في معني الشرط أيضا بخلاف قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر فان الاضافة هنا لغو أصلا لانه غير مالك للطلاق في الوقت الذى أضاف إليه واعتبار معنى الشرط بعد صحة الاضافة وفى مسألة الحيض الشرط يوجد برؤية قطرة من الدم ولكن لا يحكم بالطلاق لجواز أن ينقطع قبل تمام الثلاث فلم يكن وقوع الطلاق هناك

[ 119 ] موقوفا على وجود أمر منتظر وكذلك في مسألة الحبل كلامه تنجيز للطلاق لان التعليق بما هو موجود يكون تنجيزا فلم يكن الوقوع موقوفا على أمر منتظر ولكنا لا تحكم به قبل الولادة لعدم علمنا به فلم يكن في معنى الشرط والفرق لابي حنيفة رحمه الله تعالى ما أشار إليه في الكتاب فقال ان موت فلان حق كائن وقدومه لا يدرى أيكون أو لا يكون وتقريره من وجهين (أحدهما) ان الشئ انما يتصف بكونه شرطا بذكر حرف الشرط فيه أو وجود معنى الشرط ولم يذكر حرف الشرط في الفصلين ولكن وجد معنى الشرط في مسألة القدوم لان وجوده على خطر وهو مما يصح الامر به والنهى عنه وهذا معنى الشرط فان الحالف يقصد بيمينه منع الشرط فإذا توقف وقوع الطلاق على وجوده وفيه معنى الشرط انتصب شرطا فاما الموت فلا خطر في وجوده بل هو كائن لا محالة ولا يصح الامر به والنهى عنه فلم يكن قصده بهذا الكلام منع الموت وإذا لم يكن فيه معنى الشرط كان معرفا للوقت المضاف إليه فانما يقع الطلاق من أول ذلك الوقت كما في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر يقع الطلاق في أول شعبان الا أن هناك الوقت يصير معلوما قبل دخول رمضان وهنا لا يصير معلوما ما لم يمت فإذا صار معلوما لنا تبين أن الطلاق كان واقعا من أوله (والثانى) أنه أوقع الطلاق في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته وفى مسألة القدوم هذا الاتصال لا يقع أصلا الا بعد القدوم لجواز أن يكون لا يقدم أصلا وبدو هذا الاتصال لا يقع الطلاق أصلا أما في مسألة الموت هذا الاتصال ثابت قبل الموت لان الموت كائن فيعلم يقينا أن في الشهور التى تأتى شهرا موصوفا بهذه الصفة ولكن لا يدرى أي شهر ذاك فلا يحكم بالطلاق ما لم يصر معلوما لنا فإذا صار معلوما تبين أنه كان واقعا من أول ذلك الوقت يقرره أن في مسألة الموت الوقت المضاف إليه يصير معلوما قبل حقيقة الموت لانه لما أشرف على الهلاك صار الوقت المضاف إليه معلوما فلهذا لا يتأخر الطلاق عن الموت وفي مسألة القدوم لا يصير الوقت معلوما ما لم يوجد حقيقة القدوم لجواز أن لا يقدم فلهذا تأخر الطلاق عنه وان قال أنت طالق ثلاثا قبل موتك بشهر فماتت قبل مضى الشهر لم تطلق لانه لم يوجد الوقت المضاف إليه بعد اليمين فان ماتت بعد تمام الشهر فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقع الطلاق لانه لو وقع وقع بعد موتها والطلاق لا يقع عليها بعد الموت وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقع من

[ 120 ] أول الشهر فلا ميراث له منها وان كان جامعها في الشهر فعليه مهر آخر لها لانه تبين أنه جامعها بعد وقوع التطليقات الثلاث عليها وكذلك لو قتلت أو غرفت فهذا موت وان كان بسبب مخصوص وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ثم مات لتمام الشهر عندهما لا تطلق لانه لو وقع وقع بعد موته وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتبين وقوع الطلاق من أول الشهر حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت فلا ميراث لها منه وعليها العدة بثلاث حيض وان قال أنت طالق قبل الاضحى بتسعة أيام فهى طالق حين ينسلخ ذو القعدة لعلمنا بوجود الوقت المضاف إليه الطلاق وان قال أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات أحدهما قبل تمام الشهر لم تطلق لان الوقت المضاف إليه بعد يمينه لم يوجد فان مات أحدهما بعد تمام الشهر طلقت عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى استحسانا مستندا إلى أول الشهر وعندهما طلقت في الحال بخلاف لو قال لها أنت طالق قبل قدوم فلان وفلان بشهر فقدم أحدهما بعد تمام الشهر لم تطلق حتى يقدم الآخر وبهذا يتضح فرق أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن القدوم ينتصب شرطا والموت لا ينتصب ووجه الفرق أنه أوقع الطلاق في وقت موصوف بأنه قبل قدومهما بشهر وذلك لا يصير معلوما بقدوم أحدهما لجواز أن لا يقدم الآخر أصلا فأما في الموت يصير ذلك الوقت معلوما بموت أحدهما لان موت الآخر كائن لا محالة وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى في هذا وقالوا ينبغي أن لا يقع الطلاق بموت أحدهما فان الوقت انما يصير موصوفا بأنه قبل موتهما بشهر إذا ماتا معا فأما إذا مات أحدهما وبقى الآخر زمانا فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موت أحدهما بشهر وقبل موت الآخر بسنة ولكنا نقول موتهما معا نادر والظاهر أن المتكلم لا يقصد ذلك وإذا مات أحدهما بعد تمام الشهر فأول هذا الشهر موصوف بانه قبل موتهما بشهر في عرف اللسان كما يقال رمضان قبل الفطر والاضحى بشهر وان كان قبل الاضحي بثلاثة أشهر وأكثر (قال) ولو قال أنت طالق الساعة ان كان في علم الله تعالى أن فلانا يقدم إلى شهر فقدم فلان لتمام الشهر طلقت بعد القدوم وهو دليل لهما على أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان علم الله تعالى محيط بالاشياء كلها كما أن الموت كائن لا محالة ولكنا نقول معنى هذا الكلام أن قدم فلان إلى شهر لان علم الله تعالى لا طريق للحالف إلى معرفته وانما تنبنى الاحكام على ما يكون لنا طريق إلى معرفته فكأنه قال ان قدم فلان إلى شهر فلهذا

[ 121 ] تأخر الوقوع إلى القدوم ولو قال لامرأتيه أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع الطلاق حتى تموت احداهما ؟ لان المراد طول الحياة في المستقبل لا في الماضي حتى إذا كانت احداهما بنت عشر سنين والاخرى بنت ستين سنة لم تطلق العجوز فعرفنا أن طول الحياة في المستقبل مراد وذلك غير معلوم لجواز أن يموتا معا فان ماتت إحداهما طلقت الاخرى في الحال عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى طلقت من حين تكلم الزوج لانه تبين أنها كانت أطولهما حياة وان الزوج علق الطلاق بشرط موجود ولكنا نقول معنى كلام الزوج التي تبقى منكما بعد موت الاخرى طالق وذلك غير معلوم قبل موت احداهما بل هو على خطر الوجود لجواز أن يموتا معا فلهذا انتصب شرطا (قال) ولو قال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا طلقت التى أجايته لان اتبع الايقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيبة وان قال أردت زينب قلنا تطلق زينب بقصده ولكنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره فتطلق عمرة أيضا بالظاهر كما لو قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم تطلق فان قال لى امرأة أخرى بهذا الاسم تزوجتها سرا وإياها عنيت قلنا تطلق تلك بنيته والمعروفة بالظاهر ولو قال يا زينب أنت طالق ولم يجبه أحد طلقت زينب لانه اتبع الايقاع النداء فيكون خطابا للمنادى وهي زينب وان قال لامرأته يشير إليها يا زينب أنت طالق فإذا هي عمرة طلقت عمرة ان كانت امرأته وان لم تكن امرأته لم تطلق زينب لان التعريف بالاشارة أبلغ من التعريف بالاسم فان التعريف بالاشارة يقطع الشركة من كل وجه وبالاسم لا فكان هذا أقوى ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوى فكان هو مخاطبا بالايقاع لمن أشار إليها خاصة وان قال يا زينب أنت طالق ولم يشر إلى شئ غير أنه رأى شخصا فظنها زينب وهي غيرها طلقت زينب في القضاء لانه بنى الايقاع على التعريف بالاسم هنا فانما يقع على المسماة ولا معتبر بظنه لان التعريف لا يحصل به في الظاهر والقاضى مأمور باتباع الظاهر فأما فيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق هي ولا الاخرى لانه عناها بقلبه والله تعالى مطلع على ما في ضميره فيمنع ذلك الايقاع على زينب التى لم يعنها بقلبه وعلى التى عناها بقلبه لانه لم يخاطبها بلسانه حين أتبع الخطاب النداء وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصبع واحدة فهى طالق واحدة وان أشار بأصبعين فهي طالق اثنتين وان أشار بثلاثة أصابع فهى طالق ثلاثا لان الاشارة بالاصابع بمنزلة التصريح بالعدد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس ابهامه

[ 122 ] في الثالثة فيكون ذلك بيانا ان الشهر تسعة وعشرون يوما ثم الاصل في هذه الاشارة أنها تقع بالاصابع المنشورة لا بالاصابع المعقودة والعرف دليل على هذا وكذلك الشرع فان النبي صلى الله عليه وسلم لما خنس ابهامه في الثالثة كان الاعتبار بما نشر من الاصابع دون ما عقد حتى لو قال عنيت الاشارة بالاصبعين اللتين عقدت لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون ما قال محتملا وكذلك إذا قال عنيت الاشارة بالكف دون الاصابع دين فيما بينه وبين الله تعالى لكونه محتملا ولا يدين في القضاء لانه خلاف الظاهر فتطلق ثلاثا وبعض المتأخرين يقولون ان جعل ظهر الكف إليها والاصابع المنشورة إلى نفسه دين في القضاء وان جعل الاصابع المنشورة إليها لم يدين في القضاء وإذا أشار بأصابعه فقال أنت طالق ولم يقل هكذا فهى واحدة لان كلامه لا يتصل باشارته الا بقوله هكذا فإذا لم يقل كان وجود الاشارة كعدمها فتطلق واحدة بقوله أنت طالق وان قال أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثا فأمسك رجل على فيه فلم يقل شيئا بعد ذكر الطلاق فهى طالق واحدة لان الوقوع بلفظه لا بقصده وهو ما تلفظ الا بقوله أنت طالق وكذلك لو مات الرجل بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فهى طالق واحدة بخلاف ما إذا ماتت المرأة بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فانها لا تطلق شيئا لان الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد فيكون العامل هو العدد الا ترى انه لو قال لها قبل الدخول أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا لان ذكر العدد حصل بعد موتها فاما إذا مات الرجل فلفظ الطلاق هنا لم يتصل بذكر العدد فبقى قوله أنت طالق ولو قال أنت طالق أنت طالق فماتت المرأة قبل ذكر الثانية طلقت واحدة لما قلنا ان كلامه هنا ايقاع عامل في الوقوع فانما يقع ما صادفها وهى حية دون ما صادفها بعد الموت وان قال لها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق ان دخلت الدار فماتت قبل فراغه من الكلام لم يقع عليها شئ لان الكلام المعطوف بعضه على بعض إذا اتصل الشرط بآخره يخرج من أن يكون ايقاعا كما إذا اتصل الاستثناء به وقد تحقق اتصال الشرط بالكلام بعد موتها وان قال احدى امرأتي طالق ثلاثا ولا نية له فذلك إليه يوقعها على أيتهما شاء فان ايجاب الطلاق في المجهول صحيح بخلاف ما يقوله نفاة القياس وحجتنا عليهم الحديث كل طلاق جائز ثم الاصل ان الايجاب في المجهول يصح فيما يحتمل التعليق بالشرط لانه كالمعلق بخطر البيان في حق العين ولان ما هو مبنى على الضيق وهو

[ 123 ] البيع يصح ايجابه في المجهول إذا كان لا يؤدى إلى المنازعة وهو ما إذا باع قفيزا من صبرة ففيما يكون مبنيا على السعة لان يصح ايجابه في المجهول كان أولى وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة هنا لان الزوج ينفرد بالبيان كما ينفرد بالايقاع فان قال أردت هذه حين تكلمت فالقول قوله لانه مالك للايقاع عليها فيصح بيانه أيضا وما في ضميره لا يوقف عليه إلا من جهته فيقبل قوله فيه وان قال ما نويت واحدة بعينها يقال له أوقع الآن على أيتهما شئت لان الايقاع الاول كان على منكر وأحكام الطلاق تتقرر في المنكر فلا بد من تعيينه فلهذا يقال له أوقع على أيتهما شئت وان ماتت إحداهما قبل أن يبين طلقت الباقية لانه انما كان لا يتبين قبل الموت في احداهما لمزاحمة الاخرى معها وقد زالت بالموت فان التى ماتت خرجت من أن تكون محلا للطلاق وتعيين الطلاق المبهم في حق العين كابتداء الايقاع فإذا خرجت احداهما من أن تكون محلا للطلاق تعينت الاخرى وان قال عنيت الميتة حين تكلمت صدق في حق نفسه حتى يبطل ميراثه عنها ولا يصدق على ابطال الطلاق عن الحية لان الطلاق تعين فيها شرعا فلا يملك صرف الطلاق عنها بقوله (قال) وان كان له أربع نسوة فاطلعت احداهن فقال الزوج التى اطلعت طالق ثلثا ثم لم يعلم أيتهم هي وقد علم الزوج انها كانت إحداهن فليس له أن يقرب واحدة منهن حتى يعلم المطلقة منهن لان الوقوع هنا على المعينة ابتداء فنثبت به الحرمة ولا طريق إلى التحرى في هذا الباب لان التحرى انما يجوز فيما يحل تناوله بالضرورة وذلك لا يوجد في الفرج وليس له البيان بالايقاع ابتداء لان الايقاع على المعينة هنا وقد تم بخلاف الاولى ولان الابهام ليس من جهته بل باختلاط المطلقة بغيرها بخلاف الاولى فالابهام هناك منه فكان البيان إليه ولكن ينبغى له فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحده منهن واحدة ويتركهن حتى يبن ولا يتزوج شيئا منهن حتى يعلم أيتهن صاحبه الثلاث لان الاخذ بالاحتياط في باب الفرج واجب شرعا والاحتياط في هذا (قال) فان تزوج واحدة منهن قبل أن تعلم فخاصمته في الطلاق يحلف لها لانها تزعم انها المطلقة ثلاثا والزوج منكر لذلك ولو كانت الخصومة منها قبل أن يطلقها كان يحلف لها فكذلك بعده فان حلف أمسكها لانا عرفناها في الاصل غير مطلقة ثلاثا فحين حلف بقى الامر في الحكم على ما كان معلوما لنا قبل هذا وكذلك ان تزوج اثنتين أو ثلاثا فان لم تعلم وتزوجن بأزواج غيره ودخل بهن أزواجهن ثم فارقوهن نكح أيتهن

[ 124 ] شاء لانا تيقنا ان المطلقة ثلاثا منهن قد حلت له باصابة الزوج الثاني فكان له أن ينكح من شاء منهن وان ادعت كل واحدة منهن انها المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج يحلف لكل واحدة منهن بالله تعالى ما هي المطلقة ثلاثا لان كل واحدة تدعى عليه ما لو أقر به لزمه فان حلف لهن جميعا بقى الامر على ما كان لانا تيقنا مجازفته في هذه الايمان فان المطلقة فيهن واليمين الكاذبة لا ترفع الحرمة وعن محمد أنه قال إذا حلف لثلاث منهن تعينت للطلاق الرابعة ولا يحلف لها وان أبى أن يحلف لهن فرق بينه وبينهن بثلاث تطليقات لان نكوله في حق كل واحدة منهم بمنزلة إقراره أنها المطلقة ثلاثا (قال) وإذا قال لنسوة له أيتكن أكلت من هذا الطعام فهى طالق فاكلنه طلقن جميعا لان كلمة أي تتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد قال الله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقال تعالى أيكم يأتيني بعرشها وحرف من للتبعيض فصار معلقا طلاق كل واحدة منهن بتناولها شيئا من الطعام وقد وجد في حقهن جميعا وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهى طالق فشئن جميعا ولو قال أيتكن بشرتني بكذا فهى طالق فبشرنه جميعا معا طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وان بشرته واحدة بعد أخرى طلقت الاولى وحدها لانها هي البشيرة فان البشارة اسم لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه وفى الحقيقة كل خبر غاب عن المخبر به علمه إذا كان صدقا فهو بشارة قال الله تعالى فبشرهم بعذاب أليم وانما سمي هذا الخبر بشارة لتغير بشرة الوجه عند سماعه الا أنه إذا كان محزنا بتغير إلى الصفرة وان كان سارا إلى الحمرة ولكن في العرف انما يطلق هذا الاسم على الخبر السار وانما وجد هذا في الاولى لانها أخبرته بما غاب عنه علمه فأما الثانية أخبرته بما كان معلوما له فكانت مخبرة لا بشيرة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد فاستبق أبو بكر وعمر رضى الله عنهما أن يخبراه فسبق أبو بكر رضى الله عنه فكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول بعد ذلك بشرني به أبو بكر رضى الله عنه وأخبرني به عمر رضى الله عنه (قال) قال رجل لامرأته أنت طالق مل ء الدار أو مل ء الحب فان نوى ثلاثا فثلاث والا فهى واحدة بائنة لان الشئ يملا الوعاء العظيمة في نفسه تارة ولكثرة عدده أخرى فإذا نوى الثلاث علمنا انه أراد به كثرة العدد فكأنه قال

[ 125 ] أنت طالق أكثر العدد وان نوى واحدة فهى واحدة بائنة لانه انما أراد به الوصف بعظم التطليقة وذلك بأن يشتد حكمها وكذلك إن لم تكن له نية لان في وقوع الواحدة يقينا وفيما زاد عليه شكاوان نوى اثنتين فهي واحدة بائنة لانه نوى مجرد العدد وذلك لا يسع في هذا اللفظ وان قال واحدة تملا الدار فهى واحدة بائنة ولا تسع نية الثلاث هنا لانه صرح بالواحدة فيبقى معنى الوصف بالعظم فتكون بائنة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها تكون رجعية لانه وصف الطلاق بما لا يوصف به فكان لاغيا في وصفه كما لو قال تطليقة تصيح أو تطير كان هذا الوصف لغوا ثم المذهب عند أبى يوسف رحمه الله تعالى انه متى صرح بلفظ العظم يكون الواقع بائنا سواء شبهها بعظيم أو صغير حتى إذا قال عظم الجبل أو عظم رأس الابرة أو الخردلة تكون بائنة وان لم توصف بالعظم ولكن قال مثل الجبل أو مثل رأس الابرة تكون رجعية وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تكون بائنا وقال زفر رحمه الله تعالى إذا شبه التطليقة بما يكون عظيما عند الناس كالجبل تقع بائنة وإذا شبهها بما يكون حقيرا كالخردلة تكون رجعية وإذا قال أنت طالق واحدة عظيمة أو كبيرة أو شديدة أو طويلة أو عريضة فوصفها بشئ يشددها به فهى بائنة في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لما بينا ان مراده معني الشدة عليها في حكمها وذلك في البائن لانه لا ينفرد بالتدارك بخلاف الرجعي وان قال أنت طالق إلى الصين فهى واحدة رجعية لانه لم يصفها بعظم ولا كبر انما مدها إلى مكان والطلاق لا يحتمل ذلك نفسه ولا حكمه ولانه بهذا اللفظ قصر حكم الطلاق لانها إذا وقعت تكون واقعة من المشرق إلى المغرب فلا يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة ولو قال أنت طالق إلى الشتاء فهى طالق واحدة رجعية بعد الاجل كما في قوله إلى شهر وكذلك لو قال إلى الصيف ومعرفة دخول الشتاء بلبس أكثر الناس الفرو والثوب المحشو في ذلك الموضع ودخول الصيف بالقاء أكثر الناس ذلك حتى يتعجب ممن يرى عليه بعد ذلك والربيع في آخر الشتاء قبل دخول الصيف إذا كان الناس بين لابس للمحشو وغير لابس لا يعيب بعضهم على بعض وكذلك الخريف في آخر الصيف قبل دخول الشتاء بهذه الصفة وقيل الربيع إذا نبت العشب والصيف إذا احترق العشب وجف والخريف إذا أخذ الناس في التأهب للشتاء والشتاء إذا اشتد البرد في كل موضع (قال) ولو قال أنت طالق واحدة لا بل اثنتين فهى طالق ثلاثا ان كان دخل بها لان كلمة لا بل لاستدراك الغلط باقامة الثاني

[ 126 ] مقام الاول والرجوع عن الاول وهو لا يملك الرجوع عما أوقعه ولكنه يتمكن من ايقاع أخريين إذا كان قد دخل بها فتطلق ثلاثا لهذا وان لم يكن دخل بها فهي واحدة لانها بانت بالاولى لا إلى عدة فلا يقدر على الرجوع عنها ولا على اقامة الثنتين مقامها بايقاعه لانها ليست بمحل فلغى آخر كلامه وان قال في المدخول بها نويت بالاثنتين تلك الواحدة وأخري معها لم يدين في القضاء لان الثنتين غير الواحدة من حيث الظاهر ولان كلامه ايقاع مبتدأ فيما نص عليه ولكن فيما بينه وبين الله تعالى هو مدين لان ما قاله محتمل (قال) وإذا قال قد كنت طلقتك أمس واحدة لا بل اثنتين فهى طالق اثنتين استحسانا وفى القياس تطلق ثلاثا وهو قول زفر رحمه الله كما في الايقاع لان اثنتين غير واحدة فرجوعه عن الاقرار بالواحدة باطل واقراره بالثنتين صحيح وفى الاستحسان يقول الاقرار اخبار وهو مما يتكرر بخلاف الايقاع والعادة الظاهرة ان في الاخبار بهذا اللفظ يراد تدارك الغلط باثبات الزيادة على العدد الاول مع اعادتها فان الرجل يقول حججت حجة لا بل حجتين يفهم من هذا الاخبار حجتين وإذا قال سني ستون سنة لا بل سبعون يفهم من هذا الاخبار سبعين لا غير ومطلق الكلام محمول على المتعارف فلهذا تطلق اثنتين وان قال فلانة طالق لا بل فلانة طلقتا لانه ذكر الثانية ولم يذكر لها خبرا فيكون خبر الاولى خبرا لها فكأنه قال لا بل فلانة طالق وكذلك لو قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة أو قال بل فلانة تطلق كل واحدة ثلاثا وان قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة طالق طلقت الاولى ثلاثا والثانية واحدة لانه ذكر للثانية خبرا فوقع الاستغناء بذلك عن جعل الخبر الاول خبرا لها وان قال فلانة طالق أو فلانة طلقت احداهما لان موجب كلمة أو إذا دخلت بين اثنين إثبات أحد المذكورين بيانه في آية الكفارة فكأنه قال احداهما طالق ومن يقول ان حرف أو للتشكيك فهو مخطئ في ذلك لان التشكيك لا يكون مقصودا ليوضع له حرف ولكن حقيقته ما بينا ان موجبه اثبات أحد المذكورين وكذلك لو قال انت طالق واحدة أو اثنتين فالخيار إليه لانه أدخل حرف أو بين عددين فيكون المراد احدهما والبيان إليه ولو قال لها كلما حبلت فأنت طالق وكلما ولدت فانت طالق فحبلت بعد هذا القول وولدت لاكثر من سنتين فقد وقع الطلاق عليها حين حبلت بالكلام الاول وانقضت العدة بالولادة فلا يقع به عليها شئ فان كان وطئها وهى حبلى فذلك منه رجعة ثم تطلق بالولادة تطليقة أخرى بالكلام الثاني وعليها العدة وهو أملك برجعتها فان

[ 127 ] حبلت وقعت الثالثة عليها بالكلام الاول لان كلمة كلما تقتضي التكرار ثم تنقضي عدتها بالولادة لانها معتدة وضعت جميع ما في بطنها (قال) رجل قال لامرأة لا يملكها يوم أتزوجك فأنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو قال ان تزوجتك أو إذا تزوجتك أو متى تزوجتك فأنت طالق وطالق وطالق ثم تزوجها تطلق واحدة في قول أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تطلق ثلاثا حجتهما في ذلك انه علق ثلاث تطليقات مجتمعات بشرط التزويج فيقعن عند وجود الشرط معا كما لو أخر الشرط فقال أنت طالق وطالق وطالق إذا تزوجتك وانما قلنا ذلك لان الواو للجمع دون الترتيب بيانه في آية الوضوء فانه ثبتت به فرضية الطهارة في الاعضاء الاربعة من غير ترتيب والرجل يقول جاءني زيد وعمرو فيكون مخبرا بمجيئهما من غير ترتيب بينهما في المجئ ولان قوله وطالق جملة ناقصة معطوفة على الجملة التامة فالمذكور في الجملة التامة يصير معادا في الجملة الناقصة كما في قوله تعالى واللائى لم يحضن معناه فعدتهن ثلاثة أشهر فهنا يصير كأنه قال وأنت طالق إذا تزوجتك وأنت طالق إذا تزوجتك ولو صرح بهذا ثم تزوجها طلقت ثلاثا جملة فهذا مثله وبان كان لو نجز الطلالاق بهذا اللفظ يتفرق الوقوع لا يدل على أنه إذا علق يتفرق كما لو قال لامرأته ولم يدخل بها ان دخلت الدار فانت طالق واحدة لا بل اثنتين قد خلت الدار تطلق ثلاثا ولو نجز بهذا اللفظ الطلاق قبل الدخول لم يقع الا واحدة وهذا لان المنجز طلاق فتبين بالاولى قبل ذكر الثانية والمعلق بالشرط ليس بطلاق وانما يصير طلاقا عند وجود الشرط فما صح تعليقه بالشرط ينزل عند وجود الشرط جملة إذا لم يكن في لفظه ما يدل على الترتيب وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول تعلق بالشرط ثلاث تطليقات متفرقات فيقعن عند وجود الشرط كذلك كما لو قال ان تزوجتك فانت طالق وبعدها أخرى وبعدها أخرى فإذا وقعن متفرقات بأنت بالاولى فلا تقع الثانية والثالثة كما لو نجز وانما قلنا ذلك لان الواو في اللغة لعطف مطلق من غير أن يقتضى جمعا ولا ترتيبا كما في قوله جاءني زيد وعمرو لا يقتضى جمعا حتى يستقيم أن يقول وعمرو بعده كما يستقيم ان يقول وعمرو معه فإذا كان للعطف فالتطليقة الاولى تعلقت بالشرط بلا واسطة والثانية بواسطة الاولى لانها معطوفة عليها كالقنديل إذا علق بحبل بحلق يتعلق بالحلقة الاولى بلا واسطة وبالحلقة الثانية بواسطة الاولى وكعقد لؤلؤ وانما ينزل عند وجود الشرط كما تعلق وهب

[ 128 ] انه لم يكن طلاقا يومئذ فانما يصير طلاقا كما تعلق وهذا بخلاف ما لو أعاد الشرط عند ذكر كل تطليقة لان تعلق كل تطليقة هناك بالشرط بلا واسطة وانما التفرق في أزمنة التعليق وذلك لا يوجب تفرقا في المعلق بالشرط وبخلاف قوله ان دخلت الدار فانت طالق واحدة لا بل اثنتين لان لا بل لاستدراك الغلط باقامة الثاني مقام الاول وقد صح ذلك لبقاء المحل بعدما تعلق الاول بالشرط فتعلق الثنتان بالشرط بلا واسطة كالاولى وهنا حرف الواو للعطف وبخلاف ما لو نجز بقوله لا بل لانها بانت بالاولى فلم يصح منه التكلم بالثنتين لعدم المحل وأما إذا أخر الشرط فنقول أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجب أوله وهنا في آخره ما يغير موجب أوله لان أوله ايقاع وبآخره تبين انه تعليق فإذا توقف عليه تعلق الكل بالشرط جملة وأما إذا قدم الشرط فليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله فلا يتوقف أوله على آخره فإذا لم يتوقف كان هذا والتنجيز سواء ونظيره مالو تزوج أمتين نكاحا موقوفا فقال المولى أعتقت هذه وهذه بطل نكاح الثانية لانه ليس في آخره ما يغير موجب أوله فلم يجعل كعتقهما معا ولو زوج أختين من رجل بغير أمره في عقدتين فقال الزوج أجزت نكاح هذه وهذه بطل نكاحهما كما لو قال أجزتهما لان في آخره ما يغير موجب أوله وان قال إذا تزوجتك فأنت طالق طالق طالق ثم تزوجها طلقت واحدة لانه ما عطف الثانية والثالثة على الاولى فتتعلق الاولى بالشرط وتلغو الثانية والثالثة ولو قال إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت على كظهر أمي ووالله لا أقربك ثم تزوجها طلقت وسقط عنه الظهار والايلاء عند ابى حنيفة لان تعلقهما بالشرط بواسطة الطلاق فبسبق وقوع الطلاق تبين لا إلى عدة فلا يكون مظاهرا موليا بعدما خرجت من ملكه وعند ابى يوسف ومحمد رحمه الله هو مطلق مظاهر مول لان الكل تعلق بالتزويج عندهما جملة ولو قال إذا تزوجتك فوالله لا أقربك وأنت على كظهر أمي وأنت طالق ثم تزوجها وقع هذا كله عليها اما عندهما لا اشكال وعند ابى حنيفة لانه سبق الايلاء وتكون بعده محلا للظهار فيصير مظاهرا ثم تكون بعدهما محلا للطلاق فيقع الطلاق أيضا وعلى هذا لو قال لامرأته ولم يدخل بها ان كلمت فلانا فانت طالق وطالق وطالق فكلمته فهي طالق واحدة في قول ابى حنيفة رحمه الله وعندهما تقع ثلاثا نص علي قولهما في رواية ابى سليمان ولو قال انت طالق فطالق إذا كلمت فلانا فكلم فلانا تطلق ثلاثا بالاتفاق والفرق لابي حنيفة ما ذكرنا ولو قال ان دخلت الدار فانت طالق

[ 129 ] فطالق فطالق ذكر الطحاوي رحمه الله ان هذا على الخلاف أيضا وحرف الفاء للعطف كحرف الواو فتطلق ثلاثا عندهما والاصح انها تطلق واحدة عند وجود الشرط لان الفاء للتعقيب في أصل الوضع لا لعطف مطلق فان كل حرف موضوع لمعنى خاص وإذا كان للتعقيب ففي كلامه تنصيص على ان الثانية تعقب الاولى فتبين بالاولى لا إلى عدة بخلاف الواو وان قال لها أنت طالق طالق طالق ان كلمت فلانا فان كان دخل بها تطلق اثنتين في الحال والثالثة تعلقت بالكلام وان لم يكن دخل بها طلقت واحدة في الحال ويلغو ما سواها لانه ما عطف التطليقات بعضها على بعض ولو قال ان كلمت فلانا فانت طالق طالق طالق فان كان دخل بها تعلقت الاولى بالكلام ووقعت الثانية والثالثة في الحال وان لم يدخل بها تعلقت الاولى بالكلام وتقع الثانية في الحال والثالثة لغو ولو قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق ان كلمت فلانا فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان كانت مدخولا بها يقع في الحال اثنتان والثالثة تتعلق بالكلام وان لم يكن دخل بها تقع واحدة في الحال ويلغو ما سوى ذلك وإذا قدم الشرط فقال ان كلمت فلانا فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فان كان قد دخل بها تعلقت الاولى بالشرط ووقعت الثانية والثالثة في الحال وان لم يكن دخل بها تعلقت الاولى بالشرط ووقعت الثانية في الحال والثالثة لغو عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى سواء قدم الشرط أو أخر تتعلق الثلاث بالشرط الا ان عند وجود الشرط ان كانت مدخولا بها تطلق ثلاثا وان كانت غير مدخول بها تطلق واحدة فأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فإذا أدخله بين الطلاقين كان بمنزلة سكثة بينهما وهما يقولان حرف ثم للعطف ولكن بقيد التراخي فلوجود معنى العطف يتعلق الكل بالشرط ولمعنى التراخي يقع مرتبا عند وجود الشرط ولو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها ثلاث مرات ودخل بها في كل مرة لم يذكر هذا في الاصل قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالى تطلق اثنتين وعليه لها مهران ونصف وقال محمد رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا وعليه لها أربعة مهور ونصف ذكره في الرقيات وجه تخريج أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لما تزوجها وقعت تطليقة قبل الدخول ولزمه نصف مهر فلما دخل بها لزمه مهر بالدخول ثم لما تزوجها وقعث تطليقة أخرى بكلمة كلما ولكنها تكون رجعية عنده لانه تزوجها قبل انقضاء عدتها منه وبنفس التزويج وجب مهر آخر وذلك مهران ونصف ثم

[ 130 ] بالدخول يصير مراجعا والتزويج في المرة الثالثة لغو فهى عنده بتطليقة وعليه لها مهران ونصف وتخريج قول محمد رحمه الله تعالى أن بالتزويج الاول وقعت تطليقة ووجب نصف مهر بالطلاق ومهر بالدخول وكذلك بالتزوج الثاني والثالث لان عنده وان حصل التزوج في العدة لا يخرج به الطلاق من أن يكون واقعا قبل الدخول فتطلق ثلاثا وعليه أربعة مهور ونصف ولو قال كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسألة بحالها فعند محمد رحمه الله تعالى هذا والاول سواء وعند أبى يوسف تطلق ثلاثا بكل تزوج تطليقة بائنة وعليه خمسة مهور ونصف لان بالعقد الثاني والثالث في العدة كما وقع طلاق بائن وجب مهر تام وكذلك يجب بكل دخول مهر تام فإذا جمعت ذلك كان خمسة مهور ونصفا وإذا قال كل امرأة أتزوجها أبدا فهى طالق فتزوج امرأة فطلقت ثم تزوجها ثانية لم تطلق لان كلمة كل تقتضي جميع الاسماء لا تكرار الافعال فانما يتجدد وقوع الطلاق بتجدد الاسم ولا يوجد ذلك بعقدين على امرأة واحدة بخلاف كلمة كلما فانها تقتضي تكرار الافعال وانما قلنا ذلك لان مقتضى كلمة كل الجمع فيما يتعقبها والذى يتعقب الكل الاسم دون الفعل يقال كل رجل وكل امرأة ولا يستقيم أن يقال كل ضرب وكل دخل والذي يتعقبه كلمة كلما الفعل دون الاسم يقال كلما ضرب وكلما دخل ولا يقال كلما زيد وكلما عمرو (قال) وإذا قال أول امرأة أتزوجها فهى طالق ثلاثا فتزوج امرأتين في عقدة ثم واحدة في عقدة لم تطلق واحدة منهن لان الاول اسم لفرد سابق لا يشاركه فيه غيره ولم توجد صفة الفردية في الاوليين لان كل واحدة منهما مزاحمة للاخرى في العقد ولم توجد صفة السبق في الثالثة لانه تقدمها امرأتان فلم تثبت صفة الاولية لواحدة منهن ولو كان قال مع هذا وآخر امرأة أتزوجها فهى طالق لم تطلق الثالثة أيضا لان الآخر إسم لفرد متأخر لا يعقبه غيره ونحن لا ندري أن الثالثة هل هي آخر أم لا لجواز ان يتزوج بعدها غيرها فان مات قبل أن يتزوج أخرى طلقت الثالثة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى من حين تزوجها حتى لا يلزمها العدة إن لم يدخل بها ولا ميراث لها وان كان دخل بها فلها عليه مهر ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول ومهر بالدخول وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى انما تطلق الثالثة قبيل الموت حتى يكون لها الميراث إذا كان دخل بها ولا مهر عليه بالدخول سوى مهر النكاح وعليها عدة الوفاة والطلاق جميعا عند محمد وعند أبى يوسف رحمهما الله تعالى ليس عليها عدة الوفاة وجه قولهما ان

[ 131 ] الثالثة انما استحقت صفة الآخرية حين أشرف على الموت وعجز عن التزوج بغيرها فتطلق في الحال كما لو تزوج امرأة ثم قال لها ان لم أتزوج عليك أخرى فأنت طالق فانما تطلق قبيل موته بلا فصل وهما في المعنى سواء لانها انما تكون آخرا بشرط أن لا يتزوج بعدها غيرها الا أن عند محمد لما أخذت الميراث بحكم الفرار لزمها عدة الوفاة مع عدة الطلاق وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تلزمها عدة الوفاة وان ورثته بالفرار وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لما تزوجها بعد الاوليين فقد اتصفت بصفة الآخرية ولكن هذه الصفة بعرض أن تزول عنها بأن يتزوج غيرها فلا يحكم بالطلاق لهذا فإذا لم يتزوج غيرها حتى مات تقررت صفة الآخرية فيها من حين تزوجها فتطلق من ذلك الوقت كما لو قال لامرأته إذا حضت فانت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق لجواز ان ينقطع فيما دون الثلاث وان استمر تبين ان الطلاق كان واقعا مع أول قطرة من الدم وهذا بخلاف ما لو قال ان لم أتزوج عليك لانه جعل عدم التزوج شرطا مفصحا به للطلاق ولا يتحقق هذا الشرط الا عند موته وما لم يتحقق الشرط لا ينزل الجزاء ويجوز ان يفترق الفصلان لاختلاف اللفظ مع التقارب في المعنى كما لو قال لامرأته ان لم أشأ طلاقك فانت طالق ثم قال لا اشاء لا تطلق ما دام حيا ولو قال ان ابيت طلاقك فانت طالق ثم قال قد ابيت طلاقك تطلق وهما في المعنى سواء ثم اختلف الجواب لاختلاف لفظ الشرط من الوجه الذى قلنا (قال) ولو قال آخر امرأة اتزوجها فهى طالق فتزوج واحدة لم يتزوج قبلها ولا بعدها حتى مات لم تطلق لانها أول امرأة تزوجها فلا تكون آخر امرأة فان صفة الاولية والآخرية لا يجتمع في مخلوق واحد لما بينهما من التضاد في المعنى في المخلوقين فان احدهما لمعنى السبق والآخر لمعنى التأخر في الزمان ولو قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة وإحداهما معتدة وقع الطلاق على التى صح نكاحها لان شرط التزوج في المستقبل يتناول العقد الصحيح دون الفاسد ونكاح المعتدة باطل وانما صح نكاح الاخرى فهى فرد سابق في نكاحه فكانت أولا وكذلك لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم تزوج امرأة بعدها بنكاح صحيح طلقت هذه لان الاولى لما لم يصح نكاحها لم تكن داخلة في كلامه وانما دخلت في كلامه الثانية التى صح نكاحها فهي أول امرأة تزوجها وكذلك لو قال لامرأته ان لم أتزوج عليك اليوم فأنت طالق فتزوج امرأة نكاحا فاسدا لم يبر في يمينه بهذا لان ذكر التزوج في

[ 132 ] المستقبل ينصرف إلى العقد الصحيح سواء ذكره في موضع النفى أو في موضع الاثبات فان المقصود بالتزوج الحل والعفة وذلك يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد (قال) وان قال أول امرأة أتزوجها فهى طالق فتزوج امرأة طلقت حين تزوجها ان مات أو لم يمت لانها بنفس العقد استحقت اسم الاولية بصفة التفردية فان دخل بها فلها مهر ونصف مهر نصف مهر بالطلاق الواقع قبل الدخول ومهر بالدخول بها لان الحد قد سقط عنه بشبهة اختلاف العلماء والوطئ في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر فإذا سقط الحد لشبهة وجب المهر وان قال إذا تزوجت امرأة فهى طالق فتزوج امرأتين في عقدة فاحداهما طالق والخيار إليه لانا تيقنا بوجود الشرط وهو تزوج امرأة فان في المرأتين امرأة فلهذا طلقت احداهما بغير عينها لان كل واحدة منهما تزاحم الاخرى في الاسم الذى أوقع الطلاق به ولا وجه للايقاع عليهما لانه علق بالتزوج طلاق امرأة واحدة لا طلاق امرأتين فلهذا تطلق احداهما والخيار إليه وان كان نوى امرأة وحدها لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه ذكر التزوج بامرأة مطلقا ثم قيدها بنيته وهو أن تكون وحدها وتقييد المطلق كتخصيص العام وقد بينا أن نية التخصيص في العام صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى غير صحيحة في القضاء فكذلك التقييد وان كان قال ان تزوجت امرأة وحدها ثم تزوج امرأتين في عقدة لم تطلق واحدة منهما لان التقييد هنا بنص كلامه وواحدة منهما لم تتصف بتلك الصفة التى نص عليها في الشرط لانضمام الاخرى إليها في العقد وان تزوج أخرى بعدهما طلقت لانها موصوفة بالصفة التي نص عليها في الشرط فانها امرأة تزوجها وحدها وهو كما لو قال إذا تزوجت امرأة سوداء فهى طالق فتزوج بيضاوين ثم تزوج سوداء تطلق الثالثة بخلاف قوله أول امرأة أتزوجها لان هناك نص في الشرط على وصفين الفردية والسبق وقد انعدم في الثالثة صفة السبق وهنا الشرط صفة واحدة وهي الفردية وقد وجد ذلك في الثالثة فلهذا تطلق وان قال يوم أتزوج فلانة فهى طالق فأمر رجلا فزوجها اياه فهى طالق لانه تزوجها بعبارة الوكيل فكأنه تزوجها بعبارة نفسه وهذا لان الوكيل في النكاح معبر حتى لا يتعلق به شئ من العهدة ولا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل وبه فارق البيع والشراء إذا حلف لا يفعله فأمر غيره حتى باشره لم يحنث في يمينه لان العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد لنفسه حتى تتعلق به العهدة ويستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل ولا يصير الموكل عاقدا

[ 133 ] بمباشرة الوكيل وان عني في النكاح ما ولى عقده بنفسه لا يدين في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه في معنى نية التخصيص في العام فان مطلق اللفظ يتناول مباشرته بنفسه ومباشرة الغير له بأمره وكذلك ان حلف أن لا يطلقها فأمر غيره فطلقها حنث لان الزوج هو المطلق بعبارة الوكيل فان الوكيل بالطلاق معبر ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق ان شئت فشاءت أو قال اختاري فاختارت نفسها كان الزوج هو المطلق لها فكذلك هنا وان قال نويت ان أطلقها بلساني لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه نوى التخصيص في اللفظ العام وإذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو قال أنت طالق وطالق وطالق بانت بالاولى عندنا وعند مالك رحمه الله تطلق ثلاثا لان الواو للجمع فجمعه بين التطليقات بحرف الجمع كجمعه بلفظ الجمع بأن يقول لها أنت طالث ثلاثا ولكنا نقول الواو للعطف فلا يقتضى جمعا وليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله لان موجب أول الكلام وقوع الطلاق وهو واقع أوقع الثانية والثالثة أو لم يوقع فتبين بالاولى كما تكلم بها ثم قد تكلم بالثانية وهى ليست في عدته وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطا أو استثناء في آخر كلامه لان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله فتوقف أوله على آخره (قال) وان قال لها أنت طالق واحدة بعدها أخرى أو قبل أخرى فهى طالق واحدة وهذا الجنس من المسائل ينبني على أصلين (أحدهما) أنه متى ذكر النعت بين اسمين فان الحق به حرف الكناية وهو حرف الهاء كان نعتا للمذكور آخرا وان لم يلحق كان نعتا للمذكور أولا تقول جاءني زيد قبل عمرو فيكون قبل نعتا لمجئ زيد وإذا قلت قبله عمرو كان نعتا لمجئ عمرو (والثاني) أن من أقر بطلاق سابق يكون ذلك ايقاعا منه في الحال لان من ضرورة الاستناد الوقوع في الحال وهو ملك للايقاع غير مالك للاسناد إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق واحدة قبل أخرى تطلق واحدة لان قبل نعت للاولى ومعناه قبل أخرى تقع عليك فتبين بالاولى ولو قال قبلها أخرى تطلق اثنتين لان قبل نعت للمذكور آخرا فكأنه قال قبلها أخرى وقعت عليك وهذا منه اسناد للثانية إلى وقت ماض فيكون موقعا لها في الحال مع الاولى ولو قال بعد أخرى تطلق اثنتين لان بعد نعت للاولى فيكون معناه بعد أخرى وقعت عليك ولو قال بعدها أخرى تطلق واحدة لان بعدها هنا نعت للثانية ومعناه بعدها أخرى تقع عليك فتبين بالاولى (قال) ولو قال مع أخرى أو معها أخرى تطلق

[ 134 ] اثنتين لان كلمة مع للقران فقد قرن احدى التطليقتين بالاخرى واوقعهما جميعا وكذلك ان قال اثنتين مع واحدة أو معها واحدة أو قبلها واحدة فهى طالق ثلاثا لما قلنا (قال) ولو قال أنت طالق واحدة ونصفا قبل الدخول كانت طالقا اثنتين عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى واحدة لان نصف التطليقة كمالها فكأنه قال أنت طالق واحدة وواحدة ولكنا نقول هذا كله ككلام واحد معنى لانه لا يمكنه أن يعبر عن واحدة ونصف بعبارة أوجز من هذه فان لواحدة ونصف عبارتين اما هذه واما اثنتان الا نصف وذلك لا يصير معلوما الا بالاستثناء وهذا معلوم في نفسه فهو أولى العبارتين وإذا كان كلاما واحدا معنى لا يفصل بعضه عن بعض بخلاف قوله واحدة وواحدة فكأنهما عبارتان لان للاثنتين عبارة أوجز من هذه وهو أن يقول اثنتين وكذلك لو قال أنت طالق احدى وعشرين عندنا تطلق ثلاثا لانه ليس لهذا العدد عبارة أوجز من هذه فكان الكلام واحدا معنى وعند زفر رحمه الله تعالى تطلق واحدة لانهما كلامان أحدهما معطوف على الآخر فتبين بالاولى وان قال احدي عشرة تطلق ثلاثا بالاتفاق لانه ليس بينهما حرف العطف فكان الكل واحدا ولو قال احدى وعشرة عندنا تطلق ثلاثا وعند زفر رحمه الله تعالى واحدة لانه لما ذكر حرف العطف كان كلامين وكذلك لو قال واحدة ومائة عندنا تطلق ثلاثا وقال زفر رحمه الله تعالى واحدة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن هنا تطلق واحدة لان العبارة المعروفة لهذا العدد مائة وواحدة فإذا غير ذلك تفرق كلامه فتبين بالاولى (قال) ولو قال أنت طالق البتة أو قال البائن ينوى ثلاثا فهى ثلاث لان البتة عبارة عن القطع وقد بينا أن القطع نوعان فهو بنية الثلاث ينوى أحد نوعي القطع فيعمل بنيته وكذلك لو قال أنت طالق حراما ينوى ثلاثا فهو كما نوى لانه نوى أحد نوعي الحرمة وكذلك لو قال طالق الحرام فهذا وقوله حرام سواء ويستوى ان كان دخل بها أو لم يدخل بها لان الكلمة واحدة فان ما ذكر بعد قوله طالق تفسير لهذه الكلمة فهذا وقوله انت طالق ثلاثا سواء وان قال انت طالق الطلاق أو طلاقا فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة رجعية وان عني بطالق تطليقة بالطلاق أخرى فهى ثنتان رجعيتان ان كان قد دخل بها لان هذه الالفاظ مشتقة من لفظ صريح الطلاق وان لم يدخل بها فواحدة بائنة فانه لما نوى بكل كلمة تطليقة كان هذا بمنزلة قوله انت طالق انت طالق فتبين بالاولى فان قال انت طالق الطلاق كله فهي طالق

[ 135 ] ثلاثا كانت له نية أو لم تكن لاته صرح بايقاع كل الطلاق وهو ثلاث ومع التصريح لا حاجة إلى النية وان قال انت طالق أخبث الطلاق أو أشد الطلاق أو أعظم الطلاق أو أكبر الطلاق فهذا كله باب واحد فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة أو لم يكن له نية فهى واحدة بائنة لما بينا ان معنى العظم والكبر والشدة يظهر في الحكم فهذا وقوله طالق بائن سواء وان قال انت طالق اكبر الطلاق فهى ثلاث لا يدين فيها إذا قال نويت واحدة لان الكثرة والقلة في العدد فقد صرح بايقاع أكثر ما يملك عليها من الطلاق ومع التصريح لا حاجة إلى النية ولو قال أسوء الطلاق أو شره أو أفحشه فهو وقوله اخبث الطلاق سواء على ما بينا وان قال أكمل الطلاق أو أتم الطلاق فهى واحدة رجعية لانه ليس في لفظه ما ينبئ عن العظم والشدة ولو قال انت طالق طول كذا أو عرض كذا فهى واحدة بائنة لان الطول والعرض فيه اشارة إلى معنى الشدة فان الامر إذا اشتد على انسان يقول كان لهذا الامر طول وعرض فتكون واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا وان نواها لان الطول والعرض للشئ الواحد فكأنه قال أنت طالق واحدة طولها وعرضها كذا وهذا لا تسع فيه نية الثلاث ولو قال أنت طالق خير الطلاق أو أعدل الطلاق أو أحسن الطلاق فهذا بمنزلة قوله أنت طالق للسنة لان الاعدل والاحسن ما يوافق السنة وانما يوصف بالخيرية ما يوافق السنة حتى يقع بهذا تطليقة رجعية في وقت السنة وان نوى ثلاثا فثلاث بمنزلة قوله أنت طالق للسنة (قال) ولو قال لها أنت طالق ان ركبت وهى راكبة فمكثت كذلك ساعة طلقت لان الركوب مستدام حتى تضرب له المدة يقال ركبت يوما والاستدامة على ما يستدام انشاء قال الله تعالى واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى أي لا تمكث قاعدا وكذلك لو قال أنت طالق أنت قعدت وهى قاعدة أو ان قمت وهي قائمة أو ان مشيت وهي ماشية أو ان اتكأت وهى متكئة فمكثت كذلك ساعة يحنث بخلاف ما لو قال أنت طالق ان دخلت الدار وهي في الادر فمكثت كذلك لم تطلق حتى تخرج وتدخل لان الدخول ليس بمستدام فانه انفصال من الخارج إلى الداخل ألا ترى أنه لا تضرب له المدة فلا يقال دخل يوما وانما يقال دخل وسكن يوما والخروج نظير الدخول لانه انفصال من الداخل إلى الخارج فلا يكون لاستدامته حكم انشائه ولو قال أنت طالق ما بين تطليقة إلى ثلاث أو من تطليقة إلى ثلاث ففي القياس تطلق واحدة وهو

[ 136 ] قول زفر رحمه الله تعالى لانه جعل الاولى والثالثة غاية والغاية حد فلا تدخل في المحدود كقوله بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط فيكون الواقع ما بين الغايتين وهى الواحدة وفى الاستحسان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تطلق ثلاثا لان الحد انما يكون في ذوى المساحات فاما في عرف اللسان انما يراد بمثل هذا الكلام دخول الكل فان الرجل يقول خذ من مالى من درهم إلى عشرة فيكون له أخذ العشرة ويقول كل من الملح إلى الحلو فيكون المراد تعميم الاذن ومطلق الكلام محمول على عرف أهل اللسان وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القياس ما قاله زفر ان الحد غير المحدود ولكن في ادخال الاولى ضرورة لانه أوقع الثانية ولا ثانية قبل الاولى ولابد للكلام من ابتداء فإذا لم يوقع الاولى تصير الثانية ابتداء فلا يمكن ايقاعها أيضا فلاجل الضرورة أدخلت الغاية الاولى ولا ضرورة في الغاية الثانية فاخذت فيها بالقياس وقلت تطلق اثنتين وهذا لان الغاية التى ينتهى الكلام إليها قد لا تدخل كالليل في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل وقد تدخل كالمرافق والكعبين في الوضوء والطلاق بالشك لا يقع فان قال أردت واحدة لا يدين في القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال الكلام ما نوى وان قال أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى ففي قياس قول زفر لا يقع شئ وفى قول أبى حنيفة تطلق واحدة وعندهما تطلق اثنتين وان قال من واحدة إلى واحدة قيل هو على الخلاف وقيل تقع واحدة عندهم جميعا لان الشئ لا يكون غاية نفسه فكان قوله إلى واحدة لغوا وان قال أنت طالق واحدة أو لا شئ فهي طالق تطليقة رجعية في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى ثم رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال لا يقع شئ وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا أو لا شئ فهو على هذا الخلاف وجه قوله الاول ان حرف أو لاثبات أحد المذكورين فيما يتخللهما وانما يتخلل هنا قوله واحدة أو لا شئ وقوله ثلاثا أو لا شئ فيسقط اعتبار هذا اللفظ ويبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وجه قوله الاخر ان حرف أو للتخيير لان موجبه اثبات أحد المذكورين فقد خير نفسه بين أن يقع عليها واحدة أو لا يقع عليها شئ واحدهما موجود فلا يثبت بهذا الكلام شئ كما لو جمع بين امرأته وأجنبية وقال هذه طالق أو هذه لم يقع شئ وهذا لان الكلام إذا اقترن به ذكر العدد كان العامل هو العدد لا قوله انت طالق وقد خرج ذكر العدد من أن يكون عزيمة

[ 137 ] بحرف أو فلا يقع عليها شئ وان قال أنت طالق أو غير طالق أو قال أنت طالق أولا أو قال أنت طالق أولا شئ لم يقع عليها شى لانه انما أدخل حرف الواو بين طلاق وغير طلاق فتخرج به كلمة الايقاع من أن تكون عزيمة فلا يقع شئ كما لو قال لعبده أنت حر أو عبد وان قال أنت طالق واحدة في اثنتين فهو ثلاث لان حرف في قد يكون بمعنى الواو لان حروف الصلات يقوم بعضها مقام بعض وان نوى واحدة مع اثنتين يقع ثلاث أيضا سواء دخل بها أو لم يدخل بها لان حرف في يذكر بمعني مع قال الله تعالى فادخلي في عبادي أي مع عبادي ويقال دخل الامير البلدة في جنده أي مع جنده وان نوى حساب الضرب فهي واحدة عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى اثنتان لان هذا شئ معروف عند أهل الحساب ان واحد إذا ضرب في اثنين يكون اثنين فيحمل كلامه عليهما إذا نوى ولكنا نقول الضرب انما يكون في الممسوحات لا في الطلاق وتأثير الضرب في تكثير الاجزاء لا في زيادة المال والتطليقة الواحدة وان كثرت أجزاؤها لا تصير أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق نصف تطليقة وسدسها وثلثها لم يقع الا واحدة فهذا مثله وعلى هذا لو قال اثنتين في اثنتين ونوى الضرب عندنا تطلق اثنتين وعند زفر رحمه الله تعالى ثلاثا لان اثنين في اثنين يكون أربعة ولكن الطلاق لا يكون أكثر من ثلاث وعلى هذا مسائل الاقرار إذا قال لفلان علي عشرة دراهم في عشرة دراهم ونوى حساب الضرب فعليه عشرة عندنا ومائة عند زفر رحمه الله تعالى وان نوى عشرة وعشرة فعليه عشرون وكذلك لو قال درهم في دينار أو كر حنطة في كر شعير لم يكن عليه الا المذكور اولا عندنا الا أن يقول نويت الواو أو حرف مع فيلزمه جميع ذلك حينئذ ويحلفه القاضى بالله ما أردت الاقرار بذلك كله يعنى إذا كان الخصم مدعيا بجميع ذلك (قال) وان كان له ثلاث نسوة فقال فلانة طالق ثلاثا وفلانة أو فلانة فالاولى طالق والخيار إليه في الاخريين يوقع على أيتهما شاء لان حرف التخيير انما ذكر بين الاخريين فكان كلامه عزيمة في الاولى فيقع الطلاق عليها ويخير في الاخريين بمنزلة قوله هذه طالق واحدى هاتين وكذلك الجواب في العتق وقد بينا الفرق بين هذين الفصلين وبين قوله والله لا أكلم فلانا وفلانا أو فلانا فيما أمليناه من شرح الجامع واستوضح في الكتاب هذه المسألة بما إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وقد استقرضت ألف درهم من فلان أو فلان كان الطلاق واقعا عليها وهو مخير في الالف يقر بها

[ 138 ] لاحدهما ويحلف للآخر ما استقرض منه شيئا وهذا غير مشكل لان حرف التخيير انما ذكر في الاقرار لا في الايقاع فيبقى موقعا للطلاق على امرأته عزما ولو قال فلانة طالق ثلاثا أو فلانة وفلانة طلقت الثالثة والخيار إليه في الاوليين لانه انما أدخل حرف التخيير بين الاوليين وابن سماعة رحمه الله تعالى يروى عن محمد رحمه الله تعالى انه يخير بين الايقاع على الاولى والاخريين بمنزلة قوله هذا طالق أو هاتان وجعل على تلك الرواية هذه المسألة كمسألة اليمين والفرق بينهما على ظاهر الرواية قد استقصينا شرحه في الجامع وان قال فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها يقع على كل واحدة منهما ثلاث تطليقات لانه عطف الثانية على الاولى ولم يذكر لها خبرا فيكون الخبر الاول خبرا للثاني كما هو موجب العطف ولانه ضم الثانية إلى الاولى بقوله معها وانما يتحقق هذا للضم إذا وقع عليها مثل ما وقع على الاولى فان قال عنيت ان فلانة معها شاهدة لم يصدق في القضاء وهو مصدق فيما بينه وبين الله تعالى لانه اضمر للثانية خبرا آخر وهو محتمل ولكنه خلاف الظاهر فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وان قال فلانة طالق ثلاثا ثم قال اشركت فلانة معها في الطلاق وقع على الاخرى ثلاث لان لفظ الاشراك يقتضى التسوية قال الله تعالى في ميراث أولاد الام فهم شركاء في الثلث فيستوى فيه الذكور والاناث ولانه قد اشركها في كل واحدة مما وقعت على الاولى وهذا بخلاف ما لو قال لامرأتين له بينكما ثلاث تطليقات حيث تطلق كل واحدة اثنتين لان هناك لم يسبق وقوع شئ على واحدة منهما فتنقسم الثلاث بينهما نصفين قسمة واحدة وهنا قد وقع الثلاث على الاولى فلا يمكنه ان يرفع شيئا مما أوقع عليها باشراك الثانية وانما يمكنه يسوى الثانية بها بايقاع الثلاث عليها حتى لو قال لامرأتين أشركتكما في ثلاث تطليقات لم يقع على كل واحدة الا اثنتان ولانه لما أوقع الثلاث على الاولى فكلامه في حق الثانية اشراك في حق كل واحدة من الثلاث فكأنه قال بينكما ثلاث تطليقات وهو ينوى ان كل تطليقة بينهما فلهذا تطلق كل واحدة منهما ثلاثا وان قال لامرأتين له انتما طالقان ثلاثا ينوى ان الثلاث بينهما فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون المنوي من محتملات لفظه ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة ثلاثا وكذلك لو قال لاربع نسوة له انتن طوالق ثلاثا ينوى أن الثلاث بينهن كان مدينا فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة

[ 139 ] ألا ترى أنه قد يقال أكلن أربعة أرغفة على معنى ان كل واحدة أكلت رغيفا ولكنه خلاف الظاهر في الوصف فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة منهن ثلاثا وان قال لامرأته أنت طالق نصف تطليقة فهي تطليقة كاملة عندنا وعند نفاة القياس لا يقع عليها شئ لان نصف التطليقة غير مشروع وايقاع ما ليس بمشروع من الزوج باطل ولكنا نقول مالا يحتمل الوصف بالتجزي فذكر بعضه كذكر كله فكان هو موقعا تطليقة كاملة بهذا اللفظ وايقاع التطليقة مشروع وكذلك كل جزء سماه من نصف أو ثلث أو ربع فهو كذلك وان قال أنت طالق نصفي تطليقة فهى طالق واحدة لانه انما أوقع اجزاء تطليقة واحدة (قال) وان قال أنت طالق نصف تطليقة من التطليقات الثلاث وثلث تطليقة وربع تطليقة وقد دخل بها فهي طالق ثلاثا لانه أوقع من كل تطليقة من التطليقات الثلاث جزء فانه نكر التطليقة في كل كلمة والمنكر إذا أعيد منكرا فالثاني غير الاول ولهذا قال ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا لن يغلب عسر يسرين وان قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وسدسها لم تطلق الا واحدة لانه أضاف الاجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية ولم يذكر ما لو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها فمن أصحابنا من يقول هنا تطلق اثنتين لانك إذا جمعت هذه الاجزاء المذكورة تكون أكثر من واحدة والاصح انها لا تطلق الا واحدة لانه أضاف الاجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية فلا يقع الا واحدة (قال) ولو قال أنت طالق أن لم تصنعي كذا وكذا لعمل يعلم انها لا تصنعه أبدا نحو أن يقول أن لم تمسى السماء بيدك أو ان لم تحولي هذا الحجر ذهبا فهى طالق ساعة تكلم به بخلاف ما لو قال ان لم تدخلي الدار فان هناك لا تطلق حتى تموت لان الشرط فوات الدخول ولا يتحقق ذلك الا عند موتها فان الدخول منها يتأتى ما دامت حية فاما هنا الشرط عدم مس السماء منها أو تحويل الحجر ذهبا وذلك متحقق في الحال من حيث الظاهر ولانه لا فائدة في الانتظار هنا لانه لا يحصل به عجز لم يكن ثابتا قبله بخلاف مسألة الدخول على ما بينا ولو وقعت وقتا فقال أنت طالق ان لم تمسى السماء اليوم لم تطلق الا بعد مضى اليوم عندنا وقال بعض العلماء تطلق في الحال لان فوت الشرط متحقق في الحال ولان الوقت في اليمين المؤقت كالعمر في المطلق فكما لا ينتظر هناك موتها فكذلك هنا لا ينتظر مضى المدة ولكنا نقول عند ذكر الوقت الشرط عدم الفعل في آخر جزء من اجزاء النهار وذلك لا يتحقق

[ 140 ] قبل مجئ ذلك الوقت ولانه بذكر الوقت قصد الترفيه على نفسه فكان هذا بمنزلة قوله أنت طالق إذا ذهب هذا اليوم فما لم يذهب لا يقع الطلاق (قال) رجل قال لامرأته يا مطلقة فهي طالق واحدة لانه وصفها بالطلاق حين ناداها به فكان هذا وقوله أنت طالق سواء ألا ترى أنه لو قال لها يا زانية كان قادفا لها بمنزلة قوله أنت زانية فان قال عنيت أنها مطلقة من زوج لها قبلى فان لم يكن لها زوج لا يلتفت إلى كلامه لانه نوى المحال وان كان لها زوج قبله فهو مدين في القضاء ولا يقع عليها شئ لانه نوى حقيقة كلامه فان النداء في الحقيقة بوصف موجود وذلك من طلاق زوج كان قبله ولان حقيقة كلامه الوصف وهو غير الايقاع (قال) وان قال لها طلقتك أمس وهو كاذب كانت طالقا في القضاء فأما فيما بينه وبين الله تعالى فهي امرأته لان الاقرار اخبار محتمل للصدق والكذب الا ان دينه وعقله يحمله على الصدق ويمنعه عن الكذب فحملنا كلامه في الظاهر على الصدق فأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمخبر عنه إذا كان كذبا لا يصير بالاخبار عنه صدقا فلهذا لا يقع شئ (قال) ولو قال لها يا بائن أو يا حرام أو ما أشبه ذلك من الكلام الذى يشبه الفرقة وهو يريد بذلك ان يسميها تسمية ولا ينوى الطلاق لم تطلق لانا قد بينا في قوله انت بائن انه لا يقع الطلاق الا إذا نوى لان اللفظ مبهم محتمل فكذلك في قوله يا بائن فإذا قال لم انو الطلاق كان مدينا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى وان قال يا مطلقة يريد ان يسميها بذلك ولا يريد الطلاق وسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في القضاء لان اللفظ صريح فوقوع الطلاق به يكون بعينه لا بنيته بخلاف ما سبق الا ان ما نواه محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى بمنزلة قوله عنيت الطلاق عن الوثاق وكذلك لو قال لعبده ياحر يريد أن يسميه بذلك فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ولكن يعتق به في القضاء (قال) ولو قال لامرأته هذه اختى فهو صادق في ذلك ولا يقع عليها شئ لان هذا الكلام محتمل للاخوة في الدين قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة وفى القبيلة قال الله تعالى والى عاد أخاهم هودا وبالمحتمل لا تثبت الحرمة وعلى هذا لو قال لمملوكه هذا اخى كان صادقا ولم يعتق وان قال هذه امي أو ابنتى من نسب أو رضاع أو قال هي عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع فانه يسأل عن ذلك فان ثبت عليه فرق بينهما وان قال كذبت أو توهمت فهى امرأته وقد بينا هذا في كتاب النكاح وذكرنا الفرق بينما إذا قال لمملوكه ولزوجته وكذلك إذا قال يا أماه أو يا بنتاه أو يا عمتاه أو يا خالتاه

[ 141 ] أو يا أختاه أو يا جدتاه كان هذا باطلا ولا يقع به الفرقة لان في موضع النداء المراد احضارها لا تحقيق ذلك الوصف فيها ألا ترى أنه قد يناديها بما لا يتحقق فيها في موضع الاهانة كالكلب والحمار وفى موضع الاكرام كحور العين ونحوه فعرفنا أنه ليس مراده التحقيق وبدون قصد التحقيق لا عمل لهذا الكلام في قطع الزوجية فلهذا لا يقع شئ (قال) قال رجل لامرأته قد وهبت لك طلاقك ولا نية له فهي طالق في القضاء لان معنى كلامه هذا طلقتك بغير عوض فان هبة الشئ من غيره جعله له مجانا ولو قال بعتك طلاقك بكذا فقالت قبلت طلقت فكذلك إذا قال وهبت لك طلاقك تطلق وان لم تقبل لان اشتراط قبولها لاجل البدل وان كان ينوى بذلك أن يكون الطلاق في يدها لم يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر فان الهبة تزيل ملك الواهب عن الموهوب وبجعل الطلاق في يدها لا يزول ملكه عن الطلاق ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يدين في القضاء لان هبة الشئ من غيره تمليك لذلك الشئ منه في الظاهر فيكون هذا تمليكا للامر منها فان طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت والا فهى امرأته (قال) وإذا قال لآخر أخبر امرأتي بطلاقها فهى طالق سواء أخبرها به أو لم يخبرها لان حرف الباء للالصاق فيكون معناه أخبرها بما أوقعت عليها من الطلاق موصولا بالايقاع وذلك يقتضى ايقاعا سابقا لا محالة وكذلك لو قال إحمل إليها طلاقها أو بشرها بطلاقها فهي طالق بلغها أو لم يبلغها لان معناه بشرها بما أوقعت عليها أو احمل إليها ما أوقعت عليها وكذلك لو قال أخبرها انها طالق أو قل لها انها طالق لان الخبر وان كان يحتمل الصدق والكذب فالاصل فيه الصدق وذلك لا يكون الا بعد ايقاعه الطلاق عليها وكذلك لو قال لعبده وهبت لك عنقك أو تصدقت عليك بعتقك أو قال لغيره أخبره أنه حر أو بشره بأنه حر أو قل له أنه حر كان حرا لما بينا (قال) وإذا أراد أن يطلق امرأته فقالت لا تطلقني هب لى طلاقي فقال قد وهبت لك طلاقك يريد بذلك لا اطلقك فهى امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لان كلامه جواب لسؤالها وهى انما سألته الاعراض عن الايقاع وقد أظهر بكلامه أنه اجابها إلى ما سألته فلا يكون ذلك ايقاعا منه ولو قال لامرأته قد أعرضت عن طلاقك أو صفحت عن طلاقك يريد بذلك الطلاق لم تطلق لانه نوي ضد كلامه فان الاعراض عن الشئ بترك الخوض فيه وهو ضد الايقاع ولو قال قد تركت طلاقك أو قد خليت

[ 142 ] طلاقك أو قد خليت سبيل طلاقك وهو يريد بذلك الطلاق فهى طالق لان هذا الكلام محتمل يجوز أن يكون مراده تركها بطريق الاعراض عن التصرف فيها ويجوز أن يكون المراد تركتها بأن أخرجتها من يدي بالايقاع فينوي فيه فان لم ينو الطلاق فليس بشئ وان نوى الطلاق فهو طلاق بمنزلة الكنايات (قال) ولو قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كل يوم فان لم يكن له نية لم تطلق الا واحدة عندنا وعند زفر تطلق ثلاثا في ثلاثة أيام لان قوله أنت طالق ايقاع وكلمة كل تجمع الاسماء فقد جعل نفسه موقعا للطلاق عليها في كل يوم وذلك بتجدد الوقوع حتى تطلق ثلاثا ألا ترى أنه لو قال أنت طالق في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة ولكنا نقول كلامه صفة وقد وصفها بالطلاق في كل يوم وهى بالتطليقة الواحدة تتصف به في الايام كلها وانما جعلنا كلامه ايقاعا لضرورة تحقيق الوصف وهذه الضرورة ترتفع بالواحدة ألا ترى أنه لو قال أنت طالق أبدا لم تطلق الا واحدة بخلاف قوله في كل يوم لان حرف في للظرف والزمان ظرف للطلاق من حيث الوقوع فيه فما يكون اليوم ظرفا له لا يصلح الغد ظرفا له فيتجدد الايقاع لتحقيق ما اقتضاه حرف في وفي قوله كل يوم ان قال أردت أنها طالق كل يوم تطليقة أخرى فهو كما نوى وتطلق ثلاثا في ثلاثة أيام إما لانه أضمر حرف في أو لانه أضمر التطليقة فكأنه قال أنت طالق كل يوم تطليقة (قال) وكذلك لو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد فان لم يكن له نية فهى واحدة لان بوقوع الواحدة عليها تتصف بالطلاق في هذه الايام وان نوى ثلاثا فهو كما نوى وهي طالق كل يوم واحدة حتى تستكمل ثلاثا في اليوم الثالث إما لاضمار حرف في أو لاضمار التطليقة (قال) وان قال أنت طالق ما لا يجوز عليك من الطلاق أو ما لا يقع عليك من الطلاق فهى طالق واحدة رجعية لان آخر كلامه لغو فانه ليس فيما يملكه الزوج عليها طلاق موصوف بما ذكر وكذلك ان قال أنت طالق ثلاثا لا يقعن عليك أو ثلاثا لا يجزن عليك فهى طالق ثلاثا لما بينا وفى النوادر قال أنت طالق اقبح الطلاق قال عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تطلق تطليقة رجعية وعند محمد رحمه الله تعالى تطلق تطليقة بائنة لانه جعل القبح صفة للطلاق وذلك هو الطلاق المزيل للملك وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول قد يكون القبح بالايقاع في غير وقت السنة فلا تثبت صفة البينونة بالشك (قال) ولو قال أنت طالق ثلاثا وأنا بالخيار ثلاثة أيام فالخيار باطل والطلاق واقع لان اشتراط الخيار للفسخ بعد الوقوع لا للمنع عن الوقوع

[ 143 ] والطلاق لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فيلغو شرط الخيار فيه والعتق كذلك (قال) ولو قال لامرأته اذهبي فتزوجي فان كان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة بائنة وان لم يكن له نية فليس بشئ لان كلامه محتمل فلا يتعين معنى الطلاق فيه الا بالنية وهو محتمل للطلاق لانه ألزمها الذهاب من بيته وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه لو قال لها افلحى أو استفلحى ينوى به الطلاق فهو بمنزلة قوله اذهبي لان العرب تقول افلح بخير أي اذهب بخير وكذلك لو قال استفلحي لان معناه اطلبي فحلا فكان هذا وقوله تزوجي سواء والله أعلم * (باب طلاق الاخرس) * (قال) وإذا طلق الاخرس امرأته في كتاب وهو يكتب جاز عليه من ذلك ما يجوز على الصحيح في كتابه لان الاخرس عاجز عن الكلام وهو قادر على الكتاب فهو الصحيح في الكتاب سواء والاصل ان البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان لان المكتوب حروف منظومة تدل على معنى مفهوم كالكلام الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان ثم الكتاب على ثلاثة أوجه (أحدها) ان يكتب طلاقا أو عتاقا على ما لا يتبين فيه الخط كالهواء والماء والصخرة الصماء فلا يقع به شئ نوى أو لم ينو لان مثل هذه الكتابة كصوت لا يتبين منه حروف ولو وقع الطلاق لوقع بمجرد نيته وذلك لا يجوز (والثانى) ان يكتب طلاق امرأته على ما يتبين فيه الخط ولكن لا على رسم كتب الرسالة فهذا ينوى فيه لان مثل هذه الكتابة قد تكون للايقاع وقد تكون لتجربة الخط والقلم والبياض وفيه ينوى كما في الالفاظ التى تشبه الطلاق فان كان صحيحا تبين نيته بلسانه وان كان أخرس تبين نيته بكتابه (والثالث) ان يكتب على رسم كتب الرسالة طلاق امرأته أو عتاق عبده فيقع الطلاق والعتاق بهذا في القضاء وان قال عنيت به تجربة الخط لا يدين في القضاء لانه خلاف الظاهر وهو نظير ما لو قال انت طالق ثم قال عنيت الطلاق من وثاق ثم ينظر إلى المكتوب فان كان كتب امرأته طالق فهى طالق سواء بعث الكتاب إليها أو لم يبعث وان كان المكتوب إذا وصل اليك كتابي هذا فانت طالق فما لم يصل إليها لا يقع الطلاق كما لو تكلم

[ 144 ] بما كتب فان ندم على ذلك فمحى ذكر الطلاق من كتابه وترك ما سوى ذلك وبعث بالكتاب إليها فهي طالق إذا وصل إليها الكتاب لوجود الشرط ومحوه كرجوعه عن التعليق فان محي الخطوط كلها وبعث بالبياض إليها لم تطلق لان الشرط لم يوجد فان ما وصل إليها ليس بكتاب ولو جحد الزوج الكتاب وأقامت عليه البينة انه كتبه بيده فرق بينهما في القضاء لان الثابت بالبينة عليه كالثابت باقراره وان كان الاخرس لا يكتب وكانت له اشارة تعرف في طلاقه ونكاحه وشرائه وبيعه فهو جائز استحسانا وفي القياس لا يقع شئ من ذلك باشارته لانه لا يتبين باشارته حروف منظومة فبقى مجرد قصده الايقاع وبهذا لا يقع شئ الا ترى ان الصحيح لو أشار لا يقع شئ من التصرفات باشارته ولكنه استحسن فقال الاشارة من الاخرس كالعبارة من الناطق ألا ترى في العبادات جعل هكذا حتى إذا حرك شفيته بالتكبير والقرآن جعل ذلك بمنزلة القراءة من الناطق فكذلك في المعاملات وهذا لاجل الضرورة لانه محتاج إلى ما يحتاج إليه الناطق فلو لم تجعل اشارته كعبارة الناطق أدى إلى أن يموت جوعا وهذه الضرورة لا تتأتي في حق الناطق ولهذا قلنا المريض وان اعتقل لسانه لا ينفذ تصرفه باشارته لانه لم يقع اليأس عن نطقه واقامة الاشارة مقام العبارة عند وقوع اليأس عن النطق لاجل الضرورة وان لم تكن له اشارة معروفة يعرف ذلك منه أو يشك فيه فهو باطل لانه لا يوقف على مراده بمثل هذه الاشارة فلا يجوز الحكم بها ولم يذكر في الكتاب حكم الطلاق بالفارسية وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الفارسى إذا قال لامرأته هسته أو قال از زنى هسته ينوى في ذلك فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة رجعية ويستوى ان كان في حال مذاكرة الطلاق أو لم يكن وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ان قال هسته ينوى فيه ولو قال از زني هسته فهى تطليقة رجعية الا أن ينوى ثلاثا وعند محمد رحمه الله تعالى في قوله بهستمت أو از زني بهستمت انه طلاق وكأنهم جعلوا هذا اللفظ تفسيرا للتخلية ولهذا قال زفر رحمه الله تعالى يكون الواقع به بائنا ولكن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا يحتمل أن يكون هذا في معنى التخلية فيكون الواقع به بائنا ويحتمل أن يكون هذا معني لفظ آخر فلا تثبت البينونة بالشك ولكنا نقول نحن أعرف بلغتنا منهم والواقع بهذا اللفظ عندنا تطليقة رجعية سواء نوى الطلاق أو لم ينو أو نوى الثلاث أو لم ينو لان هذا اللفظ

[ 145 ] في لساننا صريح بمنزلة الطلاق في لسان العرب وانما معنى تفسير التخلية بله كردم فينوي في ذلك والحاصل أن كل لفظ لا يستعمل الا مضافا إلى النساء فهو صريح وكل ما يستعمل في النساء وغير النساء فهو بمنزلة الكناية ينوى فيه فقوله بله كردم يستعمل في غير النساء كما يستعمل في النساء فأما قوله هسته أو بهستمت لا يستعمل الا في النساء فيكون صريحا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الشهادة في الطلاق) * (قال) رضى الله عنه وإذا شهد شاهدان أنه طلق احدى امرأتيه بعينها وقالا قد سماها لنا لكنا نسيناها فشهادتهما باطلة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تقبل شهادتهما ويحال بينه وبينهما إذا شهدا بالثلاث حتى يبين المطلقة منهما لان الثابت بشهادتهما كالثابت باقرار الزوج ولو أقر أنه طلق احداهما بعينها وقال قد نسيتها امر أن لا يقرب واحدة منهما حتى يتذكر وهذا لان الشهادة على الطلاق مقبولة من غير دعوى وانما تنعدم الدعوى إذا لم يعرفا المطلقة منهما فوجب قبول شهادتهما بقدر ما حفظا من كلام الزوج ولكنا نقول قد أقرا على أنفسهما بالغفلة وبأنهما ضيعا شهادتهما ولان القاضى اما أن يقضى بطلاق إحداهما بغير عينها فيكون هذا قضاء بغير ما شهدا أو يقضى بطلاق احداهما بعينها ولا يتمكن من ذلك بهذه الشهادة لانهما لم يعينا وليست احداهما بأولى من الاخرى فإذا تعذر القضاء بها بطلت الشهادة لانها لا تكون موجبة بدون القضاء بخلاف اقرار الزوج فانه موجب بنفسه قبل أن يتصل به القضاء فكان ملزما اياه البيان وان شهدا أنه طلق احداهما بغير عينها ففى القياس لا تقبل هذه الشهادة أيضا لان المشهود له مجهول وجهالة المشهود له تمنع صحة الشهادة ولكنه استحسن فقال تقبل الشهادة ويجبر على أن يوقع الطلاق على احداهما لان الجهالة في المشهود له لا تمنع صحة الشهادة لعينها بل لانعدام الدعوى فان الدعوى من المجهول لا تتحقق وهذا لا يوجد في الطلاق فان الشهادة على الطلاق تقبل حسبة من غير دعوي وهما أثبتا بشهادتهما قول الزوج احداهما طالق فكأن القاضي سمع ذلك من الزوج فيجبره على أن يوقع على احداهما (قال) وإذا قال الرجل فلانة بنت فلان طالق وسمى امرأته ونسيها ثم قال عنيت بذلك امرأة أجنبية على ذلك الاسم والنسب لم يصدق والطلاق واقع على امرأته في

[ 146 ] القضاء لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن وله ولاية الايقاع على امرأته دون الاجنبية فلا يصدق فيما يدعى من الغاء كلامه في القضاء ولكن يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان ما قاله محتمل ويجوز أن يكون مراده أن فلانة طالق من زوجها على سبيل الحكاية أو على سبيل الايقاع فيكون موقوفا على اجازة الزوج ولا يسع امرأته ان تقيم معه لانها مأمورة باتباع الظاهر كالقاضي فان قال هذه المرأة التى عنيتها امرأتي وصدقته في ذلك وقع الطلاق عليها لاقرار الزوج بانها هي المطلقة ولم يصدق على ابطال الطلاق عن المرأة المعروفة بذلك لانها تعينت للطلاق في الحكم وهو متهم في صرف الطلاق عنها فلا يصدق الا أن يشهد الشهود على نكاحها قبل أن يتكلم بطلاقها أو على اقرارهما قبل ذلك فحينئذ يقع الطلاق عليها دون المعروفة لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو كان تحته معروفتان على اسم ونسب واحد فطلق بذلك الاسم والنسب كان البيان إليه يوقع الطلاق على أيتهما شاء فكذلك هنا وكذلك ان صدقته المرأة المعروفة بذلك وفى هذا نوع اشكال فان المعروفة متهمة في هذا التصديق كما ان الزوج متهم في الاقرار ولكنه لم يعتبر هذا الجانب لان الحق لهما وقد تصادقا على قيام النكاح بينهما باعتبار أمر محتمل ولو تصادقا على النكاح ابتداء ثبت في الحكم بتصادقهما فكذلك إذا تصادقا على بقاء النكاح بينهما (قال) وان قال فلانة طالق وذلك اسم امرأته طلقت امرأته ولم يصدق على صرف الطلاق عنها لان كلامه ايقاع وله ولاية الايقاع على زوجته وقد بينا ان كلام العاقل محمول على الصحة فتعينت زوجته لهذا والعتاق في هذا قياس الطلاق وهذا بخلاف الاقرار إذا قال لفلان على ألف درهم فجاء رجل على ذلك الاسم وادعى المال لم يلزمه المال الا أن يشهد الشهود على اقراره أنه عناه لان الاقرار من المقر تصرف في ذمته من حيث الالتزام فلا يتعين المقر له الا بدليل موجب للتعين وذلك اشارته إليه واقراره أنه عناه فأما الطلاق والعتاق تصرف على المحل بالايقاع وزوجته ومملوكته متعينة لذلك توضيحه ان جهالة المقر له تمنع صحة الاقرار وبمجرد ذكر الاسم لا ترتفع الجهالة وجهالة المطلقة والمعتقة لا تمنع صحة الايقاع ولان المال بالشك لا يستوجب والطلاق والعتاق يؤخذ فيهما بالاحتياط وكذلك في الاقرار ولو قال لفلان بن فلان على ألف درهم فالمقر له بهذا القدر لا يصير معلوما كما في الدعوى والشهادة بذكر اسمه واسم أبيه لا يصير معلوما الا بذكر اسم جده أو بنسبه ألى فخذ أو يشير إليه فحينئذ يصير

[ 147 ] معلوما ويلزمه المال له بالاقرار (قال) وإذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا وجحد الزوج والمرأة ذلك فرق بينهما لان المشهود به حرمتها عليه والحل والحرمة حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه من غير دعوى كما لو شهدوا بحرمتها عليه والحل والحرمة حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهذا لانهم يشهدون ان وطأه اياها بعد هذا زنا والشهادة على الزنا تقبل من غير دعوى فكذلك على ما يتضمن معني الزنا وعلى هذا الشهادة على عتق الامة تقبل من غير دعوى وفي الشهادة على عتق العبد اختلاف عند أبى حنيفة لا تقبل من غير دعوى وعندهما تقبل على ما نبينه في كتاب العتاق ان شاء الله تعالى (قال) وإذا كان له امرأتان احداهما نكاحها صحيح الاخرى نكاحها فاسد واسمهما واحد وقال فلانة طالق ثم قال عنيت التى نكاحها فاسد لم يصدق في القضاء لانها بالنكاح الفاسد لم تصر محلا لوقوع طلاقه عليها فهى كالاجنبية والتى نكاحها صحيح محل لوقوع طلاقه عليها فمطلق الاسم يتناولها ولا يصدق في صرفه عنها في القضاء وان كان يصدق فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال نويت أجنبية وكذلك لو قال احدى امرأتي طالق لانه أوقع الطلاق بهذا اللفظ على امرأته وهى التى صح نكاحها دون الاخرى لان بالنكاح الفاسد لا تصير هي امرأته فكأنه ليس في نكاحه الا امرأة واحدة فقال احدى امرأتي طالق ولو قال احداكما طالق لم تطلق امرأته الا أن يعينها لانه أوقع الطلاق على احدى اللتين خاطبهما وأشار اليهما واحداهما ليست بمحل لطلاقه فلا تتعين امرأته الا بالنية كما لو جمع بين امرأته وأجنبية وقال احداكما طالق ولو كان في يده عبدان فاشترى أحدهما شراء صحيحا واشترى الآخر شراء فاسدا فقال أحدكما حر أو أحد عبدى حر فهو سواء والقول قوله في البيان لان المشترى شراء فاسدا صار مملوكا له بالقبض وصار محلا لعتقه كالمشترى شراء صحيحا فكان كلامه ايقاعا سواء قال أحد عبدى أو قال احدكما فكان البيان إليه بخلاف الاولى فان التى نكاحها فاسد ليست بمحل لطلاقه (قال) وان قال فلانة بنت فلان طالق فسمى امرأته ونسبها إلى غير أبيها لم تطلق امرأته لانه ما أوقع الطلاق عليها فانه ما أضافها إلى نفسه بالنكاح وما أشار إليها ولا عرفها بذكر نسبها انما ذكر امرأة أخرى وأوقع الطلاق عليها بما ذكر من الاسم والنسب فلا يتناول ذلك امرأته كما لو أشار إلى أجنبية وقال أنت طالق لم تطلق امرأته وكذلك لو قال فلانة الهمدانية طالق

[ 148 ] وامرأته تميمية لم تطلق وكذلك لو قال فلانة العمياء طالق وامرأته صحيحة العينين فان نوى امرأته بهذا كله طلقت لانه قصد الايقاع عليها بذكر اسمها وما زاد على ذلك فضل من الكلام وفي هذا تشديد عليه فتعمل نيته وان كان اسم امرأته زينب فقال فلانة طالق يعنى امرأته وانما قال فلانة ولم يسمها فالطلاق واقع عليها وان لم يعنها لم تطلق لانه أوقع الطلاق بذكر مطلق الاسم ومطلق الاسم كما يتناولها يتناول غيرها فكان هذا بمنزلة الايقاع بلفظ الكناية فينوي في ذلك لكون اللفظ مبهما محتملا وإذا شهد شاهد على تطليقتين وشاهد على ثلاث والزوج يجحد ذلك أو شهد شاهد بتطليقة والآخر بتطليقتين أو شاهد بتطليقة والآخر بثلاث لم تقبل هذه الشهادة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما وابن أبى ليلى تقبل على الاقل لان المعتبر اتفاق الشاهدين في المعني دون اللفظ حتي لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالتخلي تقبل وقد اتفق الشاهدان على الاقل لان الاقل موجود في الاكثر فصار كما لو شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة والمدعى يدعي الاكثر تقبل شهادتهما على الاقل وكذلك لو شهد احدهما أنه قال لها أنت طالق والآخر أنه قال لها أنت طالق وطالق أو شهد احدهما أنه طلقها والآخر أنه طلقها وضرتها تقبل شهادتهما على طلاقها لاتفاق الشاهدين عليه ولان الموافقة كما تراعى بين الشاهدين تراعى بين الدعوى والشهادة ثم لو ادعى الفين وشهد شاهدان بألف تقبل الشهادة بالاتفاق فكذلك إذا شهد أحد الشاهدين بألف والآخر بالفين ينبغى أن تقبل على الاقل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول اختلف الشاهدان في المشهود به لفظا ومعنى فلا تقبل الشهادة كما لو قال احدهما انه قال لها انت خلية والآخر انه قال لها انت برية وانما قلنا ذلك لان احدهما شهد بالواحدة والاخر بثنتين أو بثلاث والواحدة أصل العدد لا تركب فيها والاثنان والثلاث إسم لعدد مركب فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ومن حيث ان اللفظ الواحد غير التثنية والجمع والدليل عيه ان مدعى الاثنين أو الثلاثة لا يكون مقرا بالواحد إذ لو كان مقرا بالواحد لكان مرتدا بالشرك بعد ذلك فينبغي ان تقبل ولان التطليقتين اسم واحد والتطليقة كذلك وبزيادة حرف يتغير الاسم كما يقال زيد وزياد ونصر وناصر وكذلك في الالف والالفين وإذا ثبتت المغايرة كان على كل واحد من الامرين شاهد واحد فلا يتمكن القاضى من القضاء بشئ بخلاف الالف مع الالف

[ 149 ] وخمسمائة فانهما اسمان أحدهما معطوف على الآخر فيحصل الاتفاق بينهما على الالف لفظا ومعنى وكذلك في قوله طالق وطالق وفى قوله فلانة وفلانة وهذا بخلاف الدعوى مع الشهادة فان الاتفاق هناك في اللفظ ليس بشرط فاما بين الشهادتين الموافقة في اللفظ شرط الا ترى انه لو أدعى الغصب أو القتل وشهد شاهدان بالاقرار به تقبل ولو شهد أحد الشاهدين بالغصب والآخر بالاقرار به لا تقبل وهذا لان الشهادة تعتمد اللفظ ألا ترى انها لا تقبل ما لم يقل اشهد والذى يبطل مذهبهما ما ذكر في كتاب الرجوع لو شهد شاهدان بتطليقة وشاهدان بثلاث تطليقات وفرق القاضى بينهما قبل الدخول ثم رجعوا كان ضمان نصف الصداق على شاهدى الثلاث دون شاهدى الواحدة ولو اعتبر ما قالا ان الواحدة توجد في الثلاث لكان الضمان عليهم جميعا وان شهد أحدهما أنه طلقها ان دخلت الدار وأنها قد دخلت وشهد الآخر أنه طلقها ان كلمت فلانا وأنها قد كلمت فلانا فشهادتهما باطلة لان كل واحد منهما أوقع للطلاق بغير ما أوقع به صاحبه وانما شهد كل واحد منهما بتعليق آخر من الزوج وليس على واحد من الامرين شهادة شاهدين فان شهد احدهما أنه طلقها ثلاثا وشهد الآخر أنه قال لها أنت علي حرام ينوي الثلاث فشهادتهما باطلة لاختلافهما في المشهود به لفظا وكذلك ان اختلفا في ألفاظ الكنايات كالخلية والبرية لان هذه الالفاظ عندنا تعمل بحقائق موجباتها فيكون أحدهما شاهدا بالتخلية والآخر بالبراءة وكذلك الاختلاف في مقادير الشروط التى علق بها الطلاق وفى التعليق والارسال وفى مقادير الجعل وصفاتها وفى اشتراطها وحذفها كل ذلك اختلاف في المشهود به لفظا ومعنى فيمتنع القضاء بهذه الشهادة لانه ليس على كل واحد منهما الا شاهد واحد وبالشاهد الواحد لا يتمكن القاضي من القضاء وإذا شهد احدهما أنه قال ان دخلت فلانة الدار فهى طالق وفلانة معها وشهد الآخر أنه قال ان دخلت فلانة الدار فهى طالق وحدها وقد دخلت فلانة فهى طالق وحدها لانهما اتفقا على أن الشرط دخولها واتفاقا أن الجزاء طلاقها انما تفرد أحدهما بزيادة جزاء معطوف على طلاقها فيثبت ما اتفقا عليه ولا يثبت ما تفرد به أحدهما (قال) وتجوز شهادة رجل وامرأتين على طلاق المرأة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وقد بينا هذا في النكاح وفى الكتاب قال روي عن عمر رضى الله عنه أنه جاز شهادة رجل وامرأتين في النكاح (قال) والطلاق عندنا بمنزلته ولا يجوز أقل من ذلك حتى إذا شهد بالطلاق رجل وامرأة أو شهد

[ 150 ] به أربع نسوة ليس معهن رجل لا تقبل لان الطلاق مما يطلع عليه الرجال (قال) ولا يجوز شهادة الولد على أبيه ولا على غيره بطلاق أمه إذا ادعت ذلك أمه لانه شاهد لها والولد متهم في حق أمه فان قبل لا معتبر بدعواها في الشهادة على الطلاق (قلنا) نعم ولكن إذا وجدت الدعوى منها ففي شهادته اظهار صدق دعواها وفيه منفعة لها حتى وكانت هي تجحد ذلك مع الاب كانت شهادته مقبولة عليهما وعلى هذا لو شهد الاب على طلاق ابنته لا تقبل إذا ادعته ويجوز شهادة الاب مع رجل آخر على ابنه بطلاق امرأته وكذلك شهادة الابن على ابيه إذا لم تكن لامه والحاصل أن الشهادة على الطلاق بمنزلة الشهادة على سائر الحقوق تقبل من الولد علي الوالدين ولا تقبل لهما وتقبل من المسلمين على أهل الذمة ولا تقبل من أهل الذمة على المسلمين (قال) وإذا زوج رجل أخته ثم شهد هو وآخر على الزوج بطلاقها تقبل لان شهادة الاخ للاخت بسائر الحقوق مقبولة فكذلك الطلاق وهذا لان الطلاق حادث بعد النكاح لا صنع للاخ فيه فلا يمتنع شهادته عليه بسبب مباشرته للنكاح بخلاف ما لو شهد على أصل النكاح أن المرأة قد أجازته فان شهادته لا تقبل لانه هو المزوج وقد قصد بشهادته تتميم فعله فلا تقبل شهادته لهذا (قال) وإذا شهد شاهدان على رجل بالطلاق قبل الدخول فقضى لها بنصف المهر ثم رجعا ضمنا للزوج ذلك إما لانهما قررا عليه ما كان على شرف السقوط بمجئ الفرقة من جانبها والمقرر كالموجب أو لان وقوع الفرقة قبل الدخول مسقط لجميع الصداق الا أن يكون مضافا إلى الزوج فهما باضافة السبب إلى الزوج وهو الطلاق منعا العلة المسقطة من أن تعمل عملها في النصف فكان ذلك كالايجاب منهما فيضمنان إذا رجعا وان رجع أحدهما ضمن الربع وان كان الشاهد رجلا وامرأتين ثم رجعت امرأة فعليها ثمن المهر وان رجعوا جميعا فعلى الرجل ربع المهر وعلى كل امرأة ثمن المهر لان الثابت بشهادة الرجل ضعف ما يثبت بشهادة المرأة فان عند الاختلاط كل امرأتين تقومان مقام رجل ثم المعتبر في الرجوع بقاء من بقى على الشهادة لا رجوع من رجع حتى لو شهد ثلاثة نفر بحق ثم رجع أحدهم لم يضمن شيئا لانه قد بقى على الشهادة من يثبت جميع الحق بشهادته فان كان الشاهد بالطلاق رجلين وامرأتين ثم رجع رجل وامرأة كان عليهما ثم المهر أثلاثا ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة لانه قد بقى على الشهادة من يقوم ثلاثة أرباع الحق به فانما انعدمت الحجة في قدر الربع فلهذا ضمنا ذلك

[ 151 ] القدر أثلاثا فان رجعت المرأة الاخرى أيضا لزمها مع الراجعين الاولين ربع المهر لانه قد بقى على الشهادة رجل وهو يقوم بنصف الحق ثم نصف الربع على الرجل الراجع ونصفه على المرأتين وان رجعوا جميعا كان على المرأتين سدس المهر وعلى الرجلين الثلث لان الثابت بشهادة كل رجل مثل الثابت بشهادة المرأتين (قال) وان شهد رجلان بالدخول ورجلان بالطلاق فالزم القاضى الزوج كمال المهر ثم رجع شاهد الطلاق فلا شئ عليهما عندنا وعلى قول الشافعي عليهما ضمان مهر المثل لان شاهدى الدخول ثابتان على الشهادة فصار كان الدخول ثابت باقرار الزوج فبقيت شهادة الآخرين بالطلاق بعد الدخول وذلك غير موجب للضمان عليهما إذا رجعا عندنا لان البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم واتلاف ما ليس بمتقوم لا يوجب الضمان عليهما وعنده البضع متقوم عند خروجه من ملك الزوج بمهر المثل كما أنه متقوم عند دخوله في ملك الزوج وقد بينا الفرق بينهما في كتاب النكاح ثم نقول لما كان جميع المهر يثبت بشهادة شاهدى الدخول وهما ثابتان على الشهادة لم يضمن الراجعان شيئا وان رجع شاهدا الدخول ولم يرجع شاهد الطلاق فعليهما نصف المهر لانه قد بقى على الشهادة من يثبت بشهادته نصف المهر ألا ترى أنه لو لم يوجد شاهدا الدخول كان القاضى يقضى بنصف المهر بشهادة شاهدى الطلاق فانما انعدمت الحجة برجوعهما في نصف المهر فيضمنان ذلك وان رجع أحد شاهدى الدخول وأحد شاهدى الطلاق لم يكن على شاهد الطلاق شئ لان الثابت بشهادته وشهادة صاحبه نصف المهر وقد بقى على الشهادة من يثبت بشهادته ثلاثة أرباع المهر وهو أحد شاهدى الدخول وأحد شاهدى الطلاق فلهذا لا يضمن شاهد الطلاق شيئا ويضمن شاهد الدخول ربع المهر لان الحجة قد انعدمت في قدر الربع وحقيقة المعنى فيه أن نصف المهر ثابت بشهادة شاهدى الدخول خاصة والنصف الآخر ثابت بشهادة الاربعة فالنصف الذى هو ثابت بشهادتهم قد بقى كمال الحجة فيه ببقاء اثنين على الشهادة والنصف الذى قد ثبت بشهادة شاهدى الدخول بقى نصفه ببقاء أحدهما على الشهادة وانعدمت الحجة في نصفه فلهذا ضمن شاهد الدخول ربع المهر وان رجع شاهدا الطلاق مع احدى شاهدى الدخول كان عليهم ضمان نصف المهر لانه قد بقى من يثبت بشهادته نصف المهر وهو أحد شاهدى الدخول فانما انعدمت الحجة في النصف نصف هذا النصف علي شاهد الدخول والنصف الآخر عليهم أثلاثا لان نصف المهر ثبت بشهادة شاهدى

[ 152 ] الدخول وقد بقى نصفه ببقاء أحدهما فيجب نصفه على الآخر والنصف الآخر يثت بشهادة الاربعة وقد بقى واحد على الشهادة فيبقي نصف ذلك النصف ببقائه وتنعدم الحجة في نصفه فيكون عليهم اثلاثا وان رجعوا جميعا كان على شاهدى الدخول ثلاثة أرباع المهر وعلى شاهدى الطلاق ربع المهر لان النصف يثبت بشهادة شاهدى الدخول خاصة فضمان ذلك عليهما إذا رجعا والنصف الآخر يثبت بشهادة الاربعة فيكون عليهم أرباعا نصفه على شاهدى الدخول ونصفه على شاهدى الطلاق (قال) وإذا شهد شاهد واحد على الطلاق فسألت المرأة القاضى أن يضعها على يدى عدل حتى تأتى بشاهد آخر لم يفعل ذلك ودفعها إلى زوجها حتى تأتى ببقية شهودها لان قيام النكاح والحل بينهما معلوم وبشهادة الواحد لم يثبت سبب الحرمة لانها شطر العلة وبشطر العلة لا يثبت شئ من الحكم فيتمسك القاضى بما كان معلوما له حتى يثبت عنده العارض فان كان الطلاق ثلاثا أو بائنا وادعت أن بقية شهودها في المصر وشاهدها هذا عدل حال بينها وبين الزوج وأجلها ثلاثة أيام حتى ينظر ما تصنع في شاهدها الآخر وهذا استحسان وفى القياس لا يحول بينه وبينها لان الحجة لم تتم ولكنه استحسن فقال للشهادة طرفان العدد والعدالة ولو وجد تمام العدد تثبت به الحيلولة قبل ظهور العدالة بأن شهد رجلان مستوران فكذلك إذا وجدت العدالة وهذا لان الذى يسبق إلى وهم كل أحد أن العدل صادق في شهادته وباب الفرج مبنى عى الاحتياط وليس في هذه الحيلولة كثير ضرر علي الزوج ولكن مع هذا لا تكون هذه الحيلولة واجبة على القاضى بل ان فعل فحسن وان لم يفعل ودفعها إلى الزوج فلا بأس لان حجة القضاء به لم تتم ألا ترى أنه لو قضى بشهادة الواحد لم ينفذ قضاؤه (قال) وإذا شهد شاهد على تطليقة بائنة وشهد آخر على تطليقة رجعية فشهادتهما جائزة على تطليقة رجعية لانهما اتفقا على أصل الطلاق وانما تفرد أحدهما بزيادة صفة البينونة فلا يثبت ما تفرد به أحدهما والدليل لهما على أبى حنيفة رحمه الله في الثلاث مع الواحدة يقولان تفرد أحدهما بالبينونة الغليظة كتفرد أحدهما بالبينونة الخفيفة وعند أبى حنيفة الطلاق إذا قرن بالعدد كان العامل هو العدد وكل واحد منهما شاهد بالوقوع بلفظ آخر هناك فاما هنا وان الحق صفة البينونة بالطلاق فوقوع الطلاق يكون بلفظ الطلاق وقد اتفق الشاهدان عليه لفظا توضيحه ان بصفة البينونة لا يتغير اصل الطلاق الا ترى ان بمضي العدة ينقلب الرجعي بائنا فاما بانضمام الثاني والثالث

[ 153 ] يتغير حكم أصل الطلاق ولو شهد أحدهما على تطليقة والآخر على واحدة وواحدة جازت شهادتهما في الواحدة لاتفاق الشاهدين عليها لفظا ومعني ولو شهد أحدهما على انه طلقها واحدة وشهد الآخر انه طلقها واحدة وعشرين أو واحدة ونصفا فقد اتفقا على الواحدة في لفظهما وتكلما بها انما تفرد أحدهما بزيادة لفظ آخر معطوف على لفظ الواحد فيثبت ما اتفقا عليه وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبينما إذا شهد أحدهما بواحدة والآخر باحد عشر قال هناك أحد عشر اسم واحد لانعدام حرف العطف فالشاهد بها لا يكون شاهدا بالواحدة لفظا فاما واحدة وعشرون اسمان بينهما حرف العطف فالشاهد بها شاهد بالواحدة لفظا (قال) وان شهد أحدهما انه طلقها واحدة وشهد الآخر انه طلقها نصف واحدة أو شهد أحدهما على نصف واحدة والآخر على ثلث واحدة لم تقبل الشهادة عند ابى حنيفة رحمه الله وتقبل عندهما لان المعتبر عندهما الاتفاق في المعنى وقد وجد فان نصف التطليقة وثلثها كما لها وعند ابى حنيفة يعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى وبين النصف والكل مغايرة على سبيل المضادة وكذلك النصف غير الثلث فلم يوجد اتفاق الشاهدين لفظا فلهذا قال لا تقبل الشهادة وان شهد أحدهما أنه قال فلانة طالق لا بل فلانة وشهد الآخر أنه قال فلانة طالق يسمى الاولى فقد جازت الشهادة على طلاق الاولى لاتفاق الشاهدين على ذلك لفظا ومعنى وما تفرد أحدهما من الزيادة لم يثبت وان شهد أحدهما أنه قال أنت طالق الطلاق كله وشهد الآخر أنه قال أنت طالق بعض الطلاق فعندهما يقضى بتطليقة واحدة لاتفاق الشاهدين عليها معني وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل هذه الشهادة لاختلافهما لفظا والمغايرة بين الكل والبعض على سبيل المضادة (قال) وان شهد أحدهما أنه قال لها أنت طالق وشهد الاخراته اقر انه طلقها فالشهادة جائزة لان الطلاق قول وصيغة الاقرار والانشاء فيه واحدة فاختلاف الشهود في الانشاء والاقرار لا يكون اختلافا في المشهود به وكذلك ان اختلفا في المكان والزمان لان القول مما يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الاول فباختلافهما في المكان والزمان لا يختلف المشهود به لفظ بخلاف الافعال كالغصب والقتل (قال) وان شهد أحدهما أنه طلقها بمكة يوم النحر وشهد الآخر أنه طلقها في ذلك اليوم بالكوفة كانت شهادتهما باطلة لا لان المشهود به مختلف ولكن لانا تيقنا بكذب أحدهما فان الشخص الواحد في يوم واحد لا يكون بمكة والكوفة وإذا كانت تهمة الكذب تمنع العمل بالشهادة فالتيقن بالكذب أولى ولا

[ 154 ] يقال هذا يتحقق في كرامات الاولياء لان مثل ذلك الولى لا يجحد ما أوقع من الطلاق حتى يحتاج إلى إثباته عليه بالبينة ولانا نبني الاحكام على الظاهر (قال) ولو شهدا بذلك على يومين متفرقين بينهما من الايام قدر ما يسير الراكب من الكوفة إلى مكة تقبل شهادتهما لان تهمة الكذب هنا منتفية لظهور عدالتهما وانما تعدد مكان ما شهدا به وباختلاف المكان لا يختلف المشهود به وهو الطلاق (قال) ولو شهد شاهدان أنه طلق عمرة يوم النحر بالكوفة وشهد شاهدان أنه طلق زينب يوم النحر بمكة أو أعتق عبده فشهادتهم جميعا باطلة لان القاضى يتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فتعذر عليه العمل بشهادتهما (قال) فان جاءت إحدى البينتين قبل صاحبتها فحكم بها ثم جاءت الاخرى لم يلتفت إليها لان الاولى تأكدت بقضاء القاضي فتعين الكذب في الاخرى إذ لا يجوز نقض القضاء بالشك وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة وأقام كل واحد منهما البينة واستويا لم يقض القاضى لواحد منهما ولو سبق احدهما باقامة البينة وقضى له ثم أقام الآخر البينة لم تقبل بينته لهذا المعنى (قال) ولو قال لامرأتين له ايتكما أكلت هذا الطعام فهى طالق فجاءت كل واحدة منهما بالبينة أنها أكلته فشهادتهم جميعا باطلة لتيقننا بكذب أحد الفريقين فالشرط أكل جميع الطعام من واحدة ولا يتصور أن تأكل كل واحدة منهما جميع الطعام فان جاءت احدى البينتين قبل الاخرى فحكم بها ثم جاءت الاخرى لم يلتفت إليها لان بقضائه تعين معنى الصدق في شهادة الفريق الاول فيتعين معنى الكذب في شهادة الفريق الثاني وان كانتا أكلتاه لم تطلق واحدة منهما لان الشرط أكل الواحدة جميع الطعام فان كلمة أي تتناول كل واحدة من المخاطبتين على الانفراد وقد بينا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب * (باب طلاق المريض) * (قال) رضى الله عنه وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهى في العدة فلا ميراث لها منه في القياس وهو أحد أقاويل الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى الاستحسان ترث منه وهو قولنا وقال ابن أبى ليلى وان مات بعد انقضاء عدتها ترث منه ما لم تتزوج بزوج آخر وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال مالك رحمه الله وان مات

[ 155 ] بعدما تزوجت بزوج آخر فلها الميراث منه وجه القياس أن سبب الارث انتهاء النكاح بالموت ولم يوجد لارتفاعه بالتطليقات والحكم لا يثبت بدون السبب كما لو كان طلقها قبل الدخول ولان الميراث يستحق بالنسب تارة وبالزوجية أخرى ولو انقطع النسب لا يبقى استحقاق الميراث به سواء كان في صحته أو في مرضه فكذلك إذا انقطعت الزوجية ولكنا استحسنا لاتفاق الصحابة رضى الله تعالى عنهم فقد روى ابراهيم رحمه الله تعالى قال جاء عروة البارقى إلى شريح من عند عمر رضى الله تعالى عنه بخمس خصال منهن إذا طلق المريض امرأته ثلاثا ورثته إذا مات وهي في العدة وعن الشعبى أن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارى كانت تحت عثمان بن عفان رضي الله عنه ففارقها بعد ما حوصر فجاءت إلى علي رضى الله عنه بعد ما قتل وأخبرته بذلك فقال تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها وورثها منه وان عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه طلق امرأته تماضر آخر التطليقات الثلاث في مرضه فورثها عثمان رضى الله عنه وقال ما اتهمته ولكني أردت السنة وعن عائشة رضى الله عنها أن امرأة الفار ترث ما دامت في العدة وعن أبى بن كعب رضى الله عنه أنها ترث ما لم تتزوج وقال ابن سيرين كانوا يقولون من فر من كتاب الله تعالى رد إليه يعنى هذا الحكم والقياس يترك باجماع الصحابة رضى الله عنهم فان قيل لا اجماع هنا فقد قال ابن الزبير رضى الله عنه في حديث تماضر لو كان الامر إلى لما ورثتها وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ما طلقتها ضرارا ولا فرارا قلنا معنى قول ابن الزبير رضى الله عنه ما ورثتها أي لجهلي بوجه الاستحسان فتبين انه كان يخفي عليه ما لم يخف على عثمان رضى الله عنه وفى بعض الروايات انها سألته الطلاق فمعنى قولها ما ورثتها لانها سألته الطلاق وبه نقول ولكن توريث عثمان رضى الله عنه اياها بعد سؤالها الطلاق دليل على انه كان يورثها قبله وقد قيل ما سألته الطلاق ولكنه قال لها إذا طهرت فآذنينى فلما طهرت آذنته وبهذا لا يسقط ميراثها وابن عوف رضى الله عنه لم ينكر التوريث انما نفى عن نفسه تهمة الفرار حتى روي ان عثمان رضي الله عنه عاده فقال لو مت ورثتها منك فقال أنا أعلم ذلك ما طلقتها ضرارا ولا فرارا والمعنى فيه انه قصد ابطال حقها عن الميراث بقوله فيرد عليه قصده كما لو وهب جميع ماله من انسان وانما قلنا ذلك لان بمرض الموت تعلق حق الورثة بماله ولهذا يمنع عن التبرع بما زاد على الثلث ثم استحقاق الميراث بالسبب والمحل فإذا كان تصرفه في المحل يجعل

[ 156 ] كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما ابقاء لحق الوارث فتصرفه بالسبب بالرفع يجعل كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما بل أولى لان الحكم يضاف إلى السبب دون المحل وإذا صار كالمضاف كان النكاح بينهما قائما عند الموت حكما ولهذا قال ابن أبى ليلى رضى الله تعالى عنه ان عدتها في حق الميراث لا تنقضي حتى ان لها الميراث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فهي التى رضيت بسقوط حقها ولها ذلك كما لو سألته الطلاق في الابتداء ولكنا نقول لما انقضت عدتها حل لها أن تتزوج وذلك دليل حكمي مناف للنكاح الاول فلا يبقي معه النكاح حكما كما لو تزوجت وهو نظير وجوب الصلاة على التى انقطع دمها فيما دون العشرة بمضي الوقت يجعل كاداء الصلاة في الحكم بانقضاء العدة وما قاله مالك من بقاء الميراث بعد التزوج بعيد لان المرأة الواحدة لا ترث من زوجين بحكم النكاح وما قاله يؤدى إلى هذا ثم بعد انقضاء العدة يكون مسقطا حقها بعوض فانها تقدر على أن تتزوج بزوج آخر فتستحق ميراثه وذلك صحيح من المريض كما لو باع ماله بمثل قيمته فاما قبل انقضاء العدة يكون هذا ابطالا لحقها بغير عوض لانها لا تقدر على التزوج وهذا بخلاف النسب فانه لا ينقطع بمجرد قوله انما ينقطع بقضاء القاضى باللعان وذلك أمر حكمي ثم النسب بعد ثبوته لا ينقطع ولكن يتبين بنفيه أنه لم يكن ثابتا في ولد أم الولد فيتبين أنه لم يكن له حق في ماله ولكن الكلام من حيث المعنى ليس بقوى فان بعد ثبوت حرمة المحل اما بالطلقات الثلاث أو بالمصاهرة يتعذر ابقاء النكاح حكما ولكن يجعل بقاء العدة التي هي حق من حقوق النكاح كبقاء النكاح في حكم التوريث باتفاق الصحابة رضوان الله عليهم ولهذا لو كان الطلاق قبل الدخول لا ترث لانه لا عدة عليها ولكن هذا في ابقاء ما كان ثابتا لا في اثبات ما لم يكن ثابتا حتى لو كان صحيحا حين طلقها لم ترث منه وانما أقمنا العدة مقام النكاح لدفع الضرر عنها فإذا كان الطلاق بسؤالها فقد رضيت هي بسقوط حقها فلا ميراث لها منه وان مات وهى في العدة (قال) وان كانت المرأة أمة أو كتابية حين أبانها في مرضه ثم أعتقت الامة وأسلمت الكتابية فلا ميراث لها منه وان مات وهي في العدة لانه لم يكن فارا من ميراثها يوم طلق إذا لم يتعلق حقها بماله في المرض فلو ورثت كان فيه اقامة العدة مقام النكاح في ابتداء الاستحقاق بعد العتق والاسلام وذلك غير ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم فلا يمكن اثباته بالرأى (قال) ولو طلق المريض امرأته تطليقة رجعية ثم مات بعد انقضاء العدة فلا

[ 157 ] ميراث لها منه لانعدام السبب عند الموت حقيقة وحكما وايهما مات قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لانتهاء النكاح بينهما بالموت وإذا طلقها في مرضه تطليقة بائنة ثم صح مرضه ثم مات من غير ذلك المرض وهى في العدة فلا ميراث لها منه عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى ترث منه لانه صار منهما بالفرار حين طلقها في مرضه ولان حقها كان متعلقا بماله عند الطلاق وعند الموت فلا يعتبر ما تخل بينهما فكأنه لم يصح حتى مات في مرضه ولكنا نقول حقها انما يتعلق بماله بمرض الموت ومرض الموت ما يتصل به الموت ولم يوجد ذلك وكل مرض يعقبه برء فهو بمنزلة حالة الصحة فكأنه طلقها وهو صحيح ثم مرض ومات وان كانت المرأة هي التي ماتت في جميع هذه الوجوه لم يرثها الزوج لانه رفع السبب باختياره ولم يكن له حق في مالها في حال قيام الزوجية ليبقى ذلك ببقاء العدة ثم جمع بين فصول أربعة أحدها أن يعلق طلاقها بفعل نفسه والثانى أن يعلق بفعل أجنبي والثالث بمجئ الوقت والرابع بفعلها وكل فصل من ذلك على وجهين إما أن يكون التعليق والوقوع في المرض أو التعليق في الصحة والوقوع في المرض أما الفصل الاول وهو ما إذا علق بفعل نفسه وقال ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم دخل الدار فلها الميراث إذا مات وهى في العدة أما إذا كان التعليق والوقوع في المرض فلانه متهم بالفرار والقصد إلى ابطال حقها عن ماله وان كان التعليق في الصحة والوقوع في المرض فكذلك لانه لما أقدم على الشرط في المرض مع علمه ان التطليقات عنده تقع فقد صار قاصدا إلى ابطال حقها فيجعل ذلك كتنجيز الطلاق في هذه الحالة ويستوى ان كان الشرط فعلا له منه بدأ ولابد له منه كالاكل والشرب والصلاة لانه ان لم يكن له من الفعل بد فقد كان له من التعليق ألف بد فأما إذا علق بفعل أجنبي فان كان التعليق في المرض فلها الميراث لانه قاصد ابطال حقها عن ماله فهذا والتنجيز في حقه سواء وان كان التعليق في الصحة ففعل ذلك الفعل الاجنبي في مرضه فلا ميراث لها منه الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز من المعلق فيصير عند فعل الأجنبي كأن الزوج طلقها ثلاثا وهو مريض ولكنا نقول لم يوجد من الزوج قصد الفرار لانه حين علق لم يكن لها حق في ماله ولم يوجد من جهته صنع بعد ذلك في وجود الشرط ولا كان متمكنا من المنع لانه ما كان يقدر على ابطال التعليق ولا على منع الأجنبي من ايجاد الشرط فاما إذا كان التعليق بمضي الوقت

[ 158 ] بأن قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق فان كان التعليق في المرض فلها الميراث منه لوجود قصده إلى ابطال حقها بعدما تعلق بماله وان كان التعليق في الصحة ثم جاء رأس الشهر وهو مريض لم ترثه عندنا لما بينا وقال زفر رحمه الله تعالى ترثه وهذا والاول سواء وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا غدا ثم مرض قبل مجئ الغد فأما إذا علق بفعلها فان كان التعليق في المرض والفعل فعل لها منه بد كدخول الدار وكلام أجنبي ففعلت فلا ميراث لها لانها لما أقدمت على ايجاد الشرط مع استغنائها عنه فقد صارت راضية بسقوط حقها عن ماله فيكون هذا بمنزلة ما لو سألته الطلاق وان كان الفعل فعلا لابد لها منه كالاكل والشرب والصلاة المكتوبة وكلام الابوين أو أحد من ذوي الرحم المحرم منها فلها الميراث إذا مات وهى في العدة لانها مضطرة إلى ايجاد هذا الشرط فلا تصير بالاقدام عليه راضية بسقوط حقها من ماله وتقاضي دينها من الفعل الذى لابد لها منه إذا كانت تخاف فوت حقها بترك التقاضي فأما إذا كان التعليق في الصحة ففعلت في المرض فان كان لها من الفعل بد فلا اشكال انها لا ترث وان لم يكن لها من الفعل بد فلها الميراث في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا ميراث لها في قول محمد رحمه الله تعالى لانه حين علق الزوج الطلاق لم يكن لها في ماله حق فلا يتهم بقصده الفرار ولم يوجد بعد ذلك منه صنع وأكثر ما في الباب أن ينعدم رضاها أو فعلها باعتبار أنها لا تجد منه بدا فيكون هذا كالتعليق بفعل أجنبي أو بمجئ رأس الشهر وقد بينا أن هناك لا ترث إذا كان التعليق في الصحة فكذلك هنا وهما يقولان هي مضطرة إلى الاقدام على هذا الفعل فانها ان لم تقدم تخاف على نفسها أو تخاف العقوبة وان أقدمت سقط حقها فكانت مضطرة ملجأة وهو الذى ألجأها إلى ذلك والاصل أن الملجأ يصير آلة للملجئ والفعل في الحكم كالموجود من الملجئ كالمكره على اتلاف المال فبهذا المعني تصير كان الفعل وجد من الزوج حكما فلها الميراث (قال) وإذا بانت بالايلاء في مرضه فان كان الايلاء منه في مرضه فلها الميراث إذا مات وهى في العدة وان كان أصل الايلاء في صحته فلا ميراث لها لان المولى في المعنى يصير كأنه قال ان مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق تطليقة بائنة وقد بينا في التعليق بمجئ الوقت انه ان كان التعليق في المرض فلها الميراث وان كان التعليق في الصحة فلا ميراث لها فكذلك في الايلاء ولو قال المريض لامرأته ان شئت فانت طالق ثلاثا فشاءت أو خيرها فاختارت نفسها لم ترث منه لانها رضيت بسقوط حقها فكأنها سألته الطلاق أو

[ 159 ] اختلعت منه (قال) ولو قال لها وهو مريض إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا فجاء رأس الشهر وهو صحيح فلا ميراث لها وكذلك لو آلى منها وهو مريض وتمت المدة وهو صحيح لانه حين وقعت الفرقة بينهما لم يكن لها حق في ماله فكأنه نجز طلاقها في هذه الحالة ولو قال لها وهو صحيح إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا ثم مرض ومات ورثته لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولما جعل الشرط مرضه مع علمه أن بمرضه يتعلق حقها بماله فقد قصد الفرار وكان أبو القاسم الصفار يقول لا ترثه لان الطلاق يقع عليها عند ابتداء مرضه وعند ذلك هو لا يكون صاحب فراش والمريض الذى يتعلق حق الوارث بماله ما يضنيه ويجعله صاحب فراش وان قال في مرضه قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وقع الطلاق عليها ساعة أقر ولها الميراث منه لانه متهم بالفرار بهذا الاقرار كما يكون متهما بانشاء الطلاق وهذا لانه في الاسناد إلى حالة الصحة متهم في حقها لانه لو أنشأ الطلاق في هذه الحالة لم يسقط ميراثها فلهذا لا يقبل قوله في الاسناد في حقها (قال) وان أقر في مرضه أنه قد جامع أم امرأته في الصحة أو أن بينهما رضاعا أو انه تزوجها بغير شهود أو في عدة من زوج كان لها قبله لم يصدق في ابطال ميراثها لكونه متهما في ذلك ويجعل هذا كانشاء سبب الفرقة منه (قال) وإذا قال لامرأته في مرضه إذا صححت فأنت طالق ثم صح من مرضه وقع الطلاق عليها لوجود الشرط ولا ميراث لها ان مرض بعد ذلك ومات لانه حين وقع الطلاق عليها لم يكن لها حق في ماله فلا يكون هو قاصدا الفرار (قال) ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا قبل ان أقتل أو قبل ان أموت من مرض كذا وكذا بشهر فمات مما قال أو من غيره قبل مضى شهر أو بعده لم تطلق لان ما عرف الوقت به ليس بكائن لا محالة فصار في معنى الشرط بمنزلة قدوم فلان على ما تقدم ولو وقع الطلاق لوقع بعده ولا نكاح بينهما بعدما قتل فلهذا لا تطلق ولها الميراث فان قال أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ونصف أو بأقل من شهرين فمات بعد مضى ذلك الوقت الذى قاله فجاة أو مرض ثم مات وقع الطلاق عليها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى قبل موته كما قال ولها الميراث وعندهما لا تطلق لما بينا أن عندهما الموت يصير في معني الشرط وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى هو معرف للوقت فانما يقع الطلاق من أوله ولكن عدتها لا تنقضي بما دون الشهرين فكان لها الميراث ويصير الزوج فارا لان الطلاق

[ 160 ] لا يقع ما لم يشرف على الموت ويتعلق حقها بماله وان كان قال قبل موتى بشهرين أو بأكثر من ذلك ثم مات قبل مضى الشهرين لم يقع الطلاق ولها الميراث لان الوقت الذى أضاف إليه الطلاق يوجد بعد كلامه وان عاش مثل ما سمى أو أكثر ثم مات وقع عليها الطلاق قبل موته بما سمى ولا ميراث لها منه لان العدة قد تنقضي في شهرين بثلاث حيض وكذلك لو كان وقت وقوع الطلاق مريضا إذا كان الكلام في الصحة وان كانت صغيرة أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر ولها الميراث الا أن يسمى من الوقت ثلاثة أشهر أو أكثر وهذا كله قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فأما عندهما لا يقع الطلاق في شئ من ذلك وان وقت سنة ولها الميراث لان عندهما الموت في معنى الشرط فلو وقع الطلاق لوقع بعده (قال) وإذا قال لها وهو صحيح أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ثم مات فجأة بغير مرض فلها الميراث لانه ذكر الموت فيما وقع عليها من الطلاق فيصير به فارا من ميراثها وان استند الوقوع إلى حالة الصحة إذا مات قبل انقضاء العدة (قال) وإذا طلق المريض امرأته واحدة بائنة ثم تزوجها في عدتها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعليها عدة مستقبلة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى باعتبار أن الدخول السابق على العقد الثاني يجعل كالموجود بعده وقد بينا هذا في كتاب النكاح فلها المهر كاملا والميراث وله عليها الرجعة ما دامت في العدة وكذلك لو كان الطلاق الاول في الصحة وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله تعالى لا رجعة له عليها ولها نصف المهر وتتم بقية عدتها من الطلاق الاول لان الطلاق في النكاح الثاني حصل قبل الدخول ولم يبين حكم الميراث ولا ميراث لها منه عند محمد رحمه الله تعالى لانه لم يلزمها العدة بالطلاق الثاني لانه طلاق قبل الدخول وحكم الفرار لا يثبت بالطلاق قبل الدخول (قال) وإذا اختلعت نفسها من زوجها في مرضه أو جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها فلا ميراث لها منه لان وقوع الفرقة بفعلها إما بقبولها البدل أو بايقاعها الطلاق على نفسها وهذا أبين في اسقاط حقها من سؤال الطلاق (قال) وإذا قال المريض لامرأته وهى أمة أنت طالق غدا ثلاثا وقال المولى لها أنت حرة غدا فجاء الغد وقع الطلاق والعتاق معا ولا ميراث لها منه لان الزوج حين تكلم بالطلاق لم يقصد الفرار إذ لم يكن لها حق في ماله يومئذ ولان الطلاق والعتاق يقعان معا لان كل واحد منهما مضاف إلى الغد ثم العتق يصادفها وهى رقيقة فكذلك

[ 161 ] الطلاق يصادفها وهى رقيقة فلا ميراث لها وكذلك لو كان المولى تكلم بالعتق قبل كلام الزوج لان العتق لم يلزمه بقول المولى ألا ترى أنه يمكنه أن يبيعها ولا تعتق غدا فلا يصير الزوج فارا ولان الوقوع يصادفها وهى رقيقة فلو ثبت حقها في ماله انما يثبت بعد العتق ولا نكاح بينهما بعد العتق (قال) وإذا قال إذا أعتقت فأنت طالق ثلاثا كان فارا لان الطلاق هنا انما يقع بعد العتق وبعدما يتعلق حقها بماله فقد قصد اسقاط حقها فيرد عليه قصده (قال) وان قال لها المولى انت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد الغد فان كان يعلم بمقالة المولى فهو فار وان لم يعلم بذلك فليس بفار لانه لا حق لها في ماله حين علق الزوج لكونها رقيقة ولكنه إذا أضاف إلى وقت يعلم انها تكون حرة في ذلك الوقت وان حقها يكون متعلقا بماله فقد قصد ابطال حقها وان لم يعلم بذلك لم يكن قاصدا اسقاط حقها فلهذا لا ترثه وان أعتقها المولى ثم طلقها الزوج ثلاثا وهو لا يعلم بالعتق فلها الميراث منه لانها حين عتقت والزوج مريض فقد تعلق حقها في ماله فلو سقط انما يسقط بايقاعه الثلاث وذلك غير مسقط لميراثها مادامت في العدة وجهل الزوج بالعتق لا يكون معتبرا في اسقاط حقها وهذا بخلاف ما سبق من قول الزوج لها انت طالق ثلاثا بعد غد لان هناك لا حق لها في ماله حين تكلم الزوج بالطلاق ألا ترى انه لو نجز طلاقها في ذلك الوقت لم ترث فلم يكن الزوج مسقطا حقا ثابتا لها ولكن إذا كان عالما بمقالة المولى فقد أضاف الطلاق إلى وقت يعلم حريتها فيه فكان ذلك قصدا منه الاضرار بها فيرد عليه قصده وان لم يكن عالما بمقالة المولى فلم يوجد منه القصد إلى اضرارها فلا يكون فارا لهذا (قال) وإذا كانت المرأة حرة كتابية فقال لها انت طالق ثلاثا غدا ثم اسلمت قبل الغد أو بعده فلا ميراث لها منه لانه حين تكلم الزوج بالطلاق لم يكن لها حق في ماله حتى لو نجز الثلاث لم ترث ولم يقصد الاضرار بها باضافة الطلاق إلى الغد لانه ما كان يعلم انها تسلم قبل مجئ الغد فلم يكن فارا (قال) وإذا قال لها إذا أسلمت فأنت طالق ثلاثا كان فارا لانه قصد الاضرار بها حين أضاف الطلاق إلى وقت تعلق حقها بماله وهو ما بعد الاسلام وهذا نظير ما سبق إذا قال الصحيح لامرأته إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثم مرض قبل مجئ رأس الشهر لم يكن فارا ولو قال إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا كان فارا وان أسلمت فطلقها ثلاثا وهو لا يعلم باسلامها فلها الميراث منه لان ايقاع الثلاث كان بعد تعلق حقها بماله وجهل الزوج غير معتبر في اسقاط

[ 162 ] حقها بعدما تعلق بماله (قال) وإذا أسلمت امرأة الكافر ثم طلقها ثلاثا وهو مريض ثم أسلم ومات وهى في العدة فلا ميراث لها منه لانه حين أوقع الثلاث قبل اسلامه فهو غير فار إذ لم يكن لها ميراث منه فان اختلاف الدين يمنع توريث المسلم من الكافر بخلاف ما لو كان أسلم قبل الطلاق وهو يعلم باسلامها أو لا يعلم فان هناك انما أوقع الطلاق بعد ما تعلق حقها بماله وكذلك العبد إذا طلق امرأته في مرضه ثم عتق وأصاب مالا فلا ميراث لها لانه لم يكن فارا حين طلق لانه ما كان يعلم أنه يعتق وإذا قال إذا أعتقت فانت طالق ثلاثا فهو فار لانه بالاضافة إلى ما بعد عتقه قاصد الاضرار بها (قال) ولو كانت امرأته أمة فقال لها في مرضه إذا عتقت أنا وأنت فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقا جميعا فلها الميراث لاضافته الطلاق الا ما بعد حقها بماله ولو قال أنت طالق غدا ثلاثا ثم أعتقا اليوم لم يكن لها ميراث لانه حين تكلم بالطلاق لم يكن لها حق في ميراثه وما كان يدري أنهما يعتقان قبل مجئ الغد فلا يكون بهذه الاضافة قاصدا الاضرار وكذلك لو قال لها المولى أنتما حران غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا غدا لم يكن بينهما ميراث لان وقوع الثلاث بهذا اللفظ قبل أن يثبت حكم التوريث بينهما فان حكم التوريث بعد العتق والطلاق يقترن بالعتق قبل مجئ الغد (قال) وان قال لها أنت طالق ثلاثا بعد الغد في القياس لا ميراث لها منه لانه حين تكلم بالطلاق لم يكن لها حق في ماله ألا ترى أنه لو نجز لم يكن بينهما توارث ولانه لا يتيقن بعتقهما بعد الغد لجواز أن يبيعهما قبل مجئ الغد ولكنه استحسن فقال إذا كان يعلم بمقالة المولى فلها الميراث وان لم يعلم فلا ميراث لها منه لان الظاهر بعد مقالة المولى انهما يعتقان بمجئ الغد فان الاصل بقاؤهما في ملكه والبناء على الظاهر واجب حتى يظهر خلافه فهو باضافة الثلاث إلى ما بعد الغد بعد العلم بمقالة المولى يكون قاصدا الاضرار بها فيكون فارا وإذا لم يكن عالما بمقالة المولى لم يكن قاصدا الاضرار بها (قال) وان قال زوج أم الولد أو المرتدة وهو حر مريض أنت طالق ثلاثا إذا مضى شهر ثم مات المولى قبل ذلك فعتقت ثم وقع الطلاق عليها لم يكن لها ميراث من لانه بهذه الاضافة لم يقصد الاضرار لانه ما كان يعلم أن المولى يموت قبل مضى الشهر بخلاف ما لو قال إذا مات مولاك فعتقت فأنت طالق ثلاثا لان هناك يتحقق أن قصده الاضرار بها (قال) وإذا طلق المكاتب في مرضه امرأته الحرة ثلاثا ثم مات

[ 163 ] وهى في العدة وترك وفاء فأديت كتابته أو أعتق قبل أن يموت فلا ميراث لها منه لانه حين أوقع الثلاث لم يكن لها حق في كسبه فان المكاتب عبد وما كان يدرى انه يعتق قبل موته أو يترك وفاء فلم يكن فارا وان كان مكاتبين كتابة واحدة ان اديا عتقا وان عجزا ردا رقيقين فطلقها في مرضه ثلاثا ثم مات وترك وفاء فلا ميراث لها منه لانه لم يكن لها في ماله حق حين طلقها ثلاثا وعليها العدة حيضتان لان الطلاق وقع عليها وهى امة ويرجعون عليها بما أدى من تركة المكاتب عنها كما لو كان ادى بنفسه في حياته (قال) وإذا خرجت الامة الينا مسلمة ثم خرج زوجها بعدها مسلما وهو مريض فطلقها أو لم يطلقها ثم مات فلا ميراث لها منه لان العصمة قد انقطعت بينهما بتباين الدارين ولا توارث بينهما يومئذ ثم لا يقع طلاقه عليها بعد ذلك وقد بينا هذا (قال) وإذا ارتد المسلم نعوذ بالله ثم قتل أو مات أو لحق بدار الحرب وله امرأة مسلمة لم تنقض عدتها بعد فلها الميراث منه من يوم ارتد لانه بالردة قد اشرف على الهلاك والتوريث يستند إلى ذلك الوقت فلا يعتبر فعله في اسقاط حقها عن ميراثه ولان الردة من الرجل كالموت لانه يستحق قتله بها والنكاح كان قائما بينهما يومئذ فكان لها الميراث وعدتها ثلاث حيض لانه حي حقيقة بعد الردة ما لم يقتل والفرقة متى وقعت في حالة الحياة فانها تعتد بالحيض فان حاضت قبل ذلك ثلاث حيض أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه لان حكم التوريث انما يتقرر بالموت وان كان يستند إلى أول الردة لانه بعد الردة حى حقيقة وانما يرث الحى من الميت لا من الحي فلهذا يعتبر بقاء الوارث وقت موته حتى لو مات ولده قبل موته لم يرثه فكذلك يعتبر قيام عدتها وقت موته فإذا انعدم لم يكن لها ميراث (قال) وان كانت المرأة هي التى ارتدت ثم ماتت وهي في العدة فلا ميراث للزوج منها لانه لا تأثير لردتها في زوال ملكها ولهذا نفذ تصرفها في مالها بعد الردة وهذا لان نفسها لم تصر مستحقة بسبب الردة بخلاف الرجل فاذن قد وقعت الفرقة بردتها ولا حق له في مالها (قال) وإذا ارتدت وهى مريضة ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب وهى في العدة في القياس لا ميراث للزوج منها وهى رواية عن ابى يوسف رضى الله تعالى عنه لانه لا عدة في جانب الزوج وتوريث الباقي من الميت بشرط بقاء العدة ألا ترى انه لو طلقها قبل الدخول في مرضه لم يكن لها الميراث لانها ليست في عدته ولكنه استحسن فقال له الميراث لان حقه قد تعلق بمالها بمرضها فكانت بالردة قاصدة ابطال

[ 164 ] حقه فارة عن ميراثه فيرد عليها قصدها كما في جانب الزوج بخلاف ما إذا كانت صحيحة حين ارتدت وانما يعتبر قيام العدة وقت الموت وهى كانت في عدته يوم ماتت ولو كانت في نكاحه يوم ماتت كان له الميراث فكذلك إذا كانت في عدته (قال) وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا ثم ارتدت عن الاسلام والعياذ بالله ثم أسلمت ومات وهى في العدة فلا ميراث لها لانها بالردة صارت مبطلة حقا لانها تخرج بها من أن تكون أهلا للميراث فلا يعود حقها بالاسلام بعد ذلك لانه في معنى ابتداء ثبوت الحق وليس بينهما نكاح قائم في هذه الحالة بخلاف ما لو طاوعت ابن زوجها في العدة فجامعها فانه لا يبطل ميراثها لانها بهذه الطواعية لم تبطل حقها فانه ليس لفعلها تأثير في الفرقة لان الفرقة قد وقعت بايقاع الثلاث ولم تخرج بهذا الفعل من أن تكون أهلا للارث فبقاء ميراثها ببقاء العدة ولا تأثير لهذا الفعل في اسقاط العدة وهذا بخلاف ما لو طاوعت ابن زوجها قبل أن يطلقها الزوج لان الفرقة هناك وقعت بفعلها وذلك مسقط لميراثها ولان تعلق حقها بماله يومئذ كان بسبب النكاح وفعلها مؤثر في رفع النكاح فلهذا سقط به ميراثها وكذلك ان أكرهها الابن على ذلك وغلب على نفسها فلا ميراث لها لان الفعل ينعدم من جانبها بهذا السبب وانما تقع الفرقة حكما لثبوت الحرمة من غير أن يصير مضافا إلى الزوج فلا ميراث لها منه لان بقاء الميراث بعد الفرقة بسبب الفرار وذلك عند اضافة الفعل إلى الزوج فان كان الزوج أمر ابنه بذلك كان لها الميراث لانه قاصد إلى ابطال حقها حين أمر ابنه أن يكرهها على ذلك الفعل فكان فارا وان كان الزوج هو المرتد بعدما طلقها ثلاثا لم يبطل ميراثها لانه لم يوجد منها ما يسقط حقها وانما تكرر سبب الفرار من الزوج وبهذا يتقرر حقها فلا يسقط (قال) وإذا أسلم أحد الزوجين وأبى الآخر ان يسلم ففرق بينهما في مرض الزوج ثم مات لم ترثه لانه لو لم يفرق بينهما حتى مات لم ترثه لاختلاف الدين إذ لا توارث بين المسلم والكافر فبعد التفريق أولى (قال) وإذا قذف المريض امرأته ولاعنها وفرق بينهما ثم مات فلها الميراث منه لان سبب الفرقة من الزوج وهو قذفه إياها بعد تعلق حقها بماله وهي لا تجد بدا من الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها فلا تصير بذلك راضية بسقوط حقها بمنزلة ما لو علق الطلاق بفعلها في مرضه ولابد لها من ذلك الفعل (قال) ولو كان قذفها في صحته ثم مرض فلاعنها ثم فرق بينهما فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لها الميراث أيضا وعند محمد رحمه الله لا ميراث لها منه

[ 165 ] وهو نظير ما سبق إذا علق الطلاق في صحته بفعل لابد لها منه ففعلت ذلك الفعل في مرضه (قال) وإذا فرق بين العنين وامرأته في مرضه ثم مات وهي في العدة فلا ميراث لها منه لانها صارت راضية بسقوط حقها حين اختارت الفرقة وكانت تجد بدا من هذا الاختيار بأن تصبر حتى يموت الزوج فتتخلص منه وكذلك المعتقة إذا اختارت الفرقة وهذا أولى لان الفرقة هنا انما تقع بمجرد اختيارها نفسها وهى غير مضطرة إلى ذلك (قال) وإذا ارتد الزوجان معا والعياذ بالله ثم أسلم أحدهما ومات الآخر فلا ميراث للباقى منه لانه مرتد والمرتد لا يرث أحدا فان أسلما معا ثم مات أحدهما كان للآخر الميراث لان وقوع الفرقة بينهما بالموت وان أسلمت المرأة ثم مات الزوج مرتدا ورثته لان اصراره على الردة بعد اسلامها كانشاء الردة حتى تجعل هذه الفرقة مضافة إلى فعل الزوج فكان لها الميراث إذا مات الزوج وهى في العدة فان طلقها ثلاثا وهما مرتدان وهو مريض ثم أسلما فلا ميراث لها منه لانه حين طلقها لم يكن حقها متعلقا بماله لردتها فلا يصير هو فارا فلو ثبت حقها انما يثبت بعد اسلامها ابتداء ولا نكاح بينهما بعد اسلامهما (قال) وإذا قال المريض لامرأته قد طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك وصدقته بذلك فلا ميراث لها لان ما تصادقا عليه كالمعاين أو كالثابت بالبينة في حقهما ولان الحق في الميراث لها وقد أقرت بما يسقط حقها فان أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فهو جائز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كما يجوز لاجنبية أخرى الاقرار من جميع المال والوصية من الثلث وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لها الاقل من ميراثها ومما أقر أو أوصى به هما يقولان قد صارت أجنبية منه حتى أنها لا ترثه ولها أن تتزوج في الحال فاقراره لها كاقراره لاجنبية أخرى ولو اعتبرت التهمة لاعتبرت في حق التزويج لان الحل والحرمة يؤخذ فيهما بالاحتياط فإذا كان يجوز له أن يتزوج بأختها وأربع سواها ويجوز لها أن تتزوج بزوج آخر عرفنا أنه لا تهمة ولان المانع من صحة الاقرار والوصية لها كونها وارثة له وذلك ينعدم بالحكم بانقضاء عدتها بيقين وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لما مرض والنكاح قائم بينهما في الظاهر فقد صار ممنوعا عن الاقرار والوصية لها فيحتمل أنه واضعها على أن تقر بالطلاق في صحته وبانقضاء عدتها وتصدقه على ذلك لتصحيح اقراره ووصيته لها ولكن هذه التهمة في الزيادة على قدر الميراث فاما في مقدار الميراث لا تهمة فلهذا جعلنا لها الاقل وأبطلنا الزيادة على ذلك للتهمة كما لو

[ 166 ] سألته في مرضه ان يطلقها ثلاثا ففعل ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية لا تصح الا في الاقل لتمكن تهمة المواضعة في الزيادة على ذلك وهذه التهمة فيما بينهما وبين سائر الورثة لا في حق الشرع وحل التزوج حق الشرع فلهذا صدقا على ذلك (قال) وإذا مات الرجل وقالت امرأته قد كان طلقني ثلاثا في مرضه ومات وانا في العدة وقال الورثة بل طلقك في صحته فالقول قول المرأة لان الورثة يدعون عليها سبب الحرمان وهي جاحدة لذلك فان الطلاق في مرضه لا يحرمها فلا تكون هي مقرة بالحرمان كما لو قالت طلقني في حالة نومه ولان الورثة يدعون الطلاق بتاريخ سابق وهي تنكر ذلك التاريخ ولو انكرت اصل الطلاق كان القول قولها فكذا إذا أنكرت التاريخ (قال) ولو كانت أمة فقالت أعتقت قبل موت زوجي وصدقها المولى وقالت الورثة أعتقت بعد موته فالقول قول الورثة لان سبب الحرمان وهو الرق كان ظاهرا فيها فإذا ادعت زواله قبل الموت وأنكره الورثة كان القول قول الورثة ولانها تدعى تاريخا سابقا لعتقها فلا تصدق الا بحجة ولا معتبر بتصديق المولى لانه للحال لا يملك اسناد عتقها إلى حال حياة الزوج فلا يعتبر قوله في ذلك وكذلك ان كانت كافرة وأدعت الاسلام قبل موت الزوج لم يقبل قولها إلا بحجة لانها تدعى زوال سبب الحرمان بعدما عرف ثبوته وان لم يعرف كفرها ولا رقها فادعت الورثة انها كافرة أو رقيقة يوم موته وقالت ما زلت على حالتى هذه حرة مسلمة فالقول قولها لان سبب الميراث وهو النكاح ظاهر والورثة يدعون عليها سبب الحرمان وهى تنكر ولان من في دار الاسلام فالظاهر انه حر مسلم ولا يقال هذا اثبات الاستحقاق بالظاهر لان الاستحقاق بالنكاح معلوم وانما هذا دفع المانع بالظاهر (قال) وإذا مات الزوج كافرا فجاءت المرأة مسلمة تدعى ميراثها فقالت اسلمت بعد موته وقالت الورثة اسلمت قبل موته فالقول قول الورثة لانها جاءت تدعي الميراث وما يحرمها قائم فيها لانها مسلمة والمسلمة لا ترث الكافر فمع ظهور سبب الحرمان لا ميراث لها الا ان يثبت سبب الاستحقاق بالبينة ولان الاصل ان الاشتباه إذا وقع فيما سبق بحكم الحال كما إذا اختلف صاحب الرحا مع المستأجر في جريان الماء في المدة فان كان الماء جاريا في الحال يجعل جاريا فيما مضى فإذا كانت هي مسلمة في الحال تجعل مسلمة فيما مضى أيضا والمسلمة لا ترث الكافر (قال) وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا ثم قال بعد شهرين قد أخبرتني ان عدتها قد انقضت وكذبته ثم تزوج أختها أو أربعا سواها ثم مات فالقول

[ 167 ] قولها والميراث لها دون الاربع والاخت لان الميراث من حقها وهو لا يصدق في ابطال حقها كما في نفقتها وسكناها ومن ضروره بقاء الميراث لها بالنكاح ان لا ترث اختها أو أربع سواها بهذا السبب وقد بينا في كتاب النكاح اختلاف الروايتين في هذه المسألة (قال) وإذا تزوج ثلاثا سواها احداهن أختها فلا ميراث لاختها وللاثنتين معها الميراث لان اخباره غير معتبر في ميراثها ولو لم يخبر حتى تزوج اثنتين كانتا وارثتين معها بخلاف أختها وإذا طلقها ثلاثا في مرضه ثم مات بعد تطاول ذلك وهي تقول لم تنقض عدتي فالقول قولها ولها الميراث لانها أمينة ومدة العدة قد تطول وتقصر ولكن عليها اليمين بالله ما انقضت عدتها إذا طلبت الورثة لانهم يدعون عليها ما لو أقرت به لزمها فإذا أنكرت حلفت على ذلك ولو أقام عليها الورثة البينة باقرارها بانقضاء العدة قبل موته فلا ميراث لها لان الثابت باقرارها كالثابت بالمعاينة وان كانت تزوجت قبل موته في قدر ما تنقضي في مثله العدة ثم قالت لم تنقض عدتي من الاول لم تصدق على ذلك لان تزويجها نفسها اقرار منها بانقضاء عدتها دلالة فان المسلمة تباشر العقد الصحيح دون الباطل ولو لم تتزوج وقالت قد أيست من الحيض ثم اعتدت بثلاثة أشهر ثم مات الزوج وحرمت الميراث ثم ولدت بعد ذلك من زوج غيره فنكاح الآخر فاسد ولها الميراث من الاول لانا تيقنا بكذبها فان الآيسة لا تلد فتبين أنها كانت ممتدا طهرها لا آيسة وانما تزوجت في العدة فالنكاح فاسد ولها الميراث من الاول لانه مات وهى في العدة وكذلك ان حاضت لان الايسة لا تحيض الا أنها ان ادعت الحيض لم تصدق على زوجها الآخر الا أن يصدقها لان النكاح بينهما صحيح في الظاهر فلا تصدق في دعواها البطلان وان صدقها فرق بينهما ولم يصدقا على ورثة الاول ما لم يقروا بذلك لانها تستحق الميراث عليهم فلابد من تصديقهم اياها بما تقول (قال) وإذا كانت المطلقة في المرض مستحاضة وكان حيضها مختلفا فقد بينا فيما سبق أنها تأخذ بالاحتياط ففى الصلاة والرجعة تأخذ بالاقل وفي الحل للازواج تأخذ بالاكثر وفى الميراث تأخذ بالاقل لان المال بالشك لا يستوجب وبقاء العدة عند موت الزوج شرط لميراثها فما لم يتيقن بهذا الشرط لم ترث وان كان حيضها معلوما وانقطع الدم عنها في آخر الحيضة الثالثة ثم مات الزوج فان كانت ايامها عشرة فلا ميراث لها لانا تيقنا بانقضاء عدتها قبل موته وان كانت أيامها دون العشرة فان مات قبل أن تغتسل أو قبل أن

[ 168 ] يذهب وقت الصلاة فلها الميراث لان عدتها باقية ما لم تغتسل وكذلك ان اغتسلت وبقى عضو لان عدتها لا تنقضي مع بقاء عضو لم يصبه الماء وقد بينا هذا في باب الرجعة (قال) وإذا بقى الزوج في مرضه بعدما طلقها أكثر من سنتين ثم ولدت المرأة بعد موته بشهر فلا ميراث لها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولها الميراث في قول أبي يوسف رحمه الله وهو نظير الاختلاف المذكور في النفقة أن عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ترد نفقة ستة أشهر لانهما يجعلان هذا من حبل حادث من زوج بعد انقضاء عدتها حملا لامرها على الصلاح وكذلك في حكم الميراث يتبين بها انقضاء عدتها قبل موته فلا ميراث لها وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى تجعل معتدة إلى أن ولدت فلهذا لا ترد شيئا من النفقة فكان لها الميراث (قال) وإذا طلقها في مرضه ثم قتل أو مات من غير ذلك المرض غير أنه لم يصح فلها الميراث وكان عيسى بن ابان يقول لا ميراث لها لان مرض الموت ما يكون سببا للموت ولما مات بسبب آخر فقد علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت وان حقها لم يكن متعلقا بماله يومئذ فهو كما لو طلقها في صحته ولكنا نقول قد اتصل الموت بمرضه حين لم يصح حتى مات وقد يكون للموت سببان فلا يتبين بهذا أن مرضه لم يكن مرض الموت وان حقها لم يكن ثابتا في ماله وقد بينا أن إرثها منه بحكم الفرار وهو متحقق هنا (قال) وإذا قرب الرجل ليقتل فهو بمنزلة المريض إذا طلق امرأته ثلاثا في تلك الحالة فلها الميراث والحاصل أن المريض مشرف على الهلاك فكل سبب يعترض مما يكون الغالب فيه الهلاك فهو بمنزلة المرض وما يكون الغالب فيه السلامة وقد يخاف منه الهلاك أيضا فلا يجعل بمنزلة المرض فالذي قرب ليقتل في قصاص أو رجم فالظاهر فيه هو الهلاك والسلامة بعد هذا نادر فاما المحبوس قبل أن يخرج ليقتل فالغالب فيه السلامة فانه يتخلص بنوع من أنواع الحيلة فادا طلقها في تلك الحالة لم يكن فارا وكذلك ان كان موافقا للعدو فما دام في الصف فهو بمنزلة الصحيح فإذا خرج بين الصفين يبارز قرنه من المشركين فهو بمنزلة المريض لانه صار مشرفا على الهلاك والمحصور بمنزلة الصحيح لان غالب حاله السلامة فان خرج يقاتل فهو كالمريض وراكب السفينة بمنزلة الصحيح فان تلاطمت الامواج وخيف الغرق فهو بمنزلة المريض في هذه الحالة والمرأة الحامل كالصحيحة فان أخذها الطلق فهى بمنزلة المريضة فإذا قتلته المرأة بعدما طلقها ثلاثا في مرضه فلا ميراث لها منه لان بقاء ميراثها ببقاء العدة كبقاء الميراث ببقاء النكاح

[ 169 ] وان قتلته فبل الطلاق لم ترثه للاثر وهو قوله لا ميراث للقاتل بعد صاحب البقرة والمقعد والمريض ؟ والمفلوج ؟ ما دام يزداد ما به فهو كالمريض وان صار قديما لا يزداد كان بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره لانه ما دام يزداد علته فالغالب ان آخره الموت وإذا صار بحيث لا يزداد فلا يخاف منه الموت فكان بمنزلة الصحيح وصاحب جرح أو قرحة أو وجع لم يصيره على الفراش بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره وحد المرض الذى يكون به فارا ان يكون صاحب فراش قد أضناه المرض فاما الذى يجئ ويذهب في حوائجه فلا يكون فارا وان كان يشتكى ويحم لان الانسان في العادة قبل ما يخلو عن نوع مرض في باطنه ولا يجعل بذلك في حكم المريض بل المريض انما يفارق الصحيح في ان الصحيح يكون في السوق ويقوم بحوائجه والمريض يكون صاحب فراش في بيته وهذا لان ما لا يمكن الوقوف على حقيقته يعتبر فيه السبب الظاهر ويقام ذلك مقام المعنى الخفى تيسيرا وقد تكلف بعض المتأخرين فقال إذا كان بحال يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بأحد فهو في حكم الصحيح في التصرفات وهذا ضعيف فالمريض جدا لا يعجز عن هذا القدر إذا تكلف فكان المعتبر ما قلنا وهو أن يكون صاحب فراش ومن قرب ليقتل فطلق امرأته ثلاثا ثم خلى سبيله أو حبس ثم قتل بعد ذلك فلا ميراث لها منه بمنزلة المريض إذا صح بعدما طلق امرأته ثلاثا وقد بينا هذا كله فكذلك في هذا الفصل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الولد عند من يكون في الفرقة) * (قال) رضى الله تعالى عنه وإذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل لان الام انما تكون أحق بالولد لحق الولد فان كون الولد عندها أنفع له ولهذا لو تزوجت أو كانت أمة والولد حر لم تكن أحق بالحضانة لانها مشغولة بخدمة زوجها أو مولاها فلا منفعة للولد في كونه عندها وإذا ثبت أن هذا من حق الولد فليس لها أن تبطله بالشرط (قال) وإذا أرادت المرأة أن تخرج بولدها من مصر إلى مصر فان كان النكاح بينهما قائما فليس لها أن تخرج الا باذنه مع الولد وبغير الولد فان وقعت الفرقة بينهما وانقضت عدتها فان كان أصل النكاح في المصر الذى هي فيه فليس لها أن تخرج

[ 170 ] بولدها إلى مصر آخر لما فيه من الاضرار بالزوج بقطع ولده عنه الا أن يكون بين المصرين قرب بحيث لو خرج الزوج لمطالعة الولد أمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل فحينئذ هذا بمنزلة محال مختلفة في مصر ولها أن تتحول من محلة إلى محلة وان كان تزوجها في ذلك المصر الذى يريد الرجوع إليه ونقلها إلى هذا المصر فان كانت من أهل هذا المصر فلها أن تخرج بولدها إليه لان الانسان انما يتزوج المرأة في مصر ليقيم معها فيه وانما ساعدته على الخروج لاجل النكاح فإذا ارتفع كان لها ان تعود إلى مصرها لان في المقام في الغربة نوع ذل ولها ان تخرج بولدها لانها باصل النكاح استحقت المقام بولدها في ذلك المصر فانما تستوفى ما استحقت لا ان نقصد الاضرار بالزوج وان لم تكن من أهل ذلك المصر الذى تزوجها فيه فان أرادت ان تخرج بولدها إلى مصرها لم يكن لها ذلك لان أصل العقد ما كان في مصرها واختيارها الغربة لم يكن بسبب النكاح فلا يكون لها ان ترجع بولدها إلى مصرها ولكن يقال لها اتركى الولد واذهبي حيث شئت وكذلك ان أرادت الخروج إلى مصر آخر لانها في ذلك المصر غريبة كما هنا فلا تقصد بالخروج إليه دفع وحشة الغربة انما تقصد قطع الولد عن أبيه وان أرادت ان تخرج به إلى المصر الذى كان تزوجها فيه فليس لها ذلك أيضا لانها غريبة في ذلك المصر كما هنا وفي الجامع الصغير يقول انظر إلى عقدة النكاح أين وقع وهذه اشارة إلى ان لها ان تخرج بالولد إلى موضع العقد كما لو كان تزوجها في مصرها والاصح انه ليس لها ذلك لانها تقصد الاضرار بالزوج لا دفع الوحشة عن نفسها بالخروج إلى ذلك الموضع ولان الزوج ما أخرجها إلى دار الغربة بخلاف ما إذا تزوجها في مصرها وان كان أصل النكاح في رستاق له قرى متفرقة فأرادت أن تخرج بولدها من قرية إلى قرية فلها ذلك ان كانت القرى قريبة بعضها من بعض على الوجه الذى بينا لانه ليس فيه قطع الولد عن ابيه وان كانت بعيدة فليس لها ذلك الا ان تعود إلى قريتها وقد كان أصل النكاح فيها وكذلك ان أرادت ان تعود من القرية إلى المصر وان أرادت أن تخرج بولدها من مصر جامع إلى قرية قريبة فليس لها ذلك الا أن يكون النكاح وقع في تلك القرية فتخرج إليها لانها بأصل العقد استحقت المقام في قريتها بولدها وان لم يكن أصل النكاح فيها فانها تمنع من الخروج بولدها لان في أخلاق أهل الرستاق بعض الجفاء قال صلى الله عليه وسلم أهل الكفور من أهل القبول ففي خروجها بولدها إلى القرية من المصر اضرار بالولد لانه يتخلق بأخلاقهم

[ 171 ] وهى ممنوعة من الاضرار بالولد وليس لها أن تخرج بولدها إلى دار الحرب وان كان النكاح وقع هناك لما فيه من الاضرار بالولد فانه يتخلق بأخلاق أهل الشرك ولا يأمن على نفسه هناك فان دار الحرب دار نهبة وغارة وكذلك ان كانت هي من أهل الحرب بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا لانها صارت ذمية تبعا لزوجها فتمنع من الرجوع إلى دار الحرب (قال) وليس للمرأة وان كانت أحق بولدها أن تشترى له وتبيع لان الثابت لها حق الحضانة فأما ولاية التصرف للاب أو لمن يقوم مقامه بعده فان كانت هي وصية أبيه فلها أن تتصرف بسبب الوصاية لا بسبب الامومة (قال) وكل فرقة وقعت بين الزوجين فالام أحق بالولد ما لم تتزوج وقد بينا تمام هذا في النكاح الا أن ترتد فحينئذ ان لحقت بدار الحرب فهى ممنوعة من أن تخرج بولدها ولا حق لها في الحضانة وان كانت في دار الاسلام فانها تحبس وتجبر على الاسلام فلا يكون لها حق الحضانة الا أن تتوب فان تابت فهى أحق بالولد (قال) وإذا احتلم الغلام فلا سبيل لابيه عليه ان كان قد عقل وكان مأمونا عليه لانه صار من أهل أن يلى على غيره فلا يولى عليه الا أن يكون مخوفا عليه فحينئذ يضمه الاب إلى نفسه لدفع الفتنة ولا نفقة له على أبيه الا أن يتطوع وقد بينا تمام فصول النفقة في النكاح والله أعلم بالصواب * (باب الخلع) * (قال) وإذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز والخلع تطليقة بائنة عندنا وفي قول الشافعي رحمه الله هو فسخ وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد روى رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضى الله عنهم استدل الشافعي بقوله تعالى الطلاق مرتان إلى ان قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به إلى أن قال فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو جعلنا الخلع طلاقا صارت التطليقات أربعا في سياق هذه الآية ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث ولان النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة وخيار العتق وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضى أيضا وذلك بالخلع واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي (ولنا) ما روى عن عمر وعلي وابن مسعود رضى الله عنهم موقوفا عليهم ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلع تطليقة بائنة والمعنى فيه

[ 172 ] ان النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم فان الملك الثابت به ضروري لا يظهر الا في حق الاستيفاء وقد قررنا هذا في النكاح وبينا ان الفسخ بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الاتمام وكذلك في خيار البلوغ والعتق فاما الخلع يكون بعد تمام العقد والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ولكن يحتمل القطع في الحل فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا وذلك انما يكون بالطلاق ألا ترى أن الرجل يقول خلعت الخف من رجلى يريد به الفصل في الحال فاما الآية فقد ذكر الله تعالى التطليقة الثالثة بعوض وبغير عوض وبهذا لا يصير الطلاق أربعا وفائدة هذا الاختلاف أنه لو خالعها بعد تطليقتين عندنا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعنده له أن يتزوجها وان نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهى ثلاث لانه بمنزلة ألفاظ الكناية وقد بينا ان نية الثلاث تسع هناك فكذلك في الخلع وان نوى اثنتين فهى واحدة بائنة وعلى قول زفر رحمه الله تعالى اثنتان كما في لفظ الحرمة والبينونة وكذلك كل طلاق بجعل فهو بائن لان الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها ولان غرضها من التزام البدل ان تتخلص من الزوج ولا يحصل ذلك الا بوقوع البينونة فان قال الزوج لم أعن بالخلع طلاقا وقد أخذ عليه جعلا لم يصدق في الحكم لانه أخذ الجعل على سبيل التملك ولا يتملك ذلك الا بوقوع الطلاق عليها فكان ذلك أدل على قصده الطلاق من حال مذاكرة الطلاق ولكن فيما بينه وبين الله تعالى يسعه أن يقيم معها لان الله تعالى عالم بما في سره الا أنه لا يسع المرأة ان تقيم معه لانها لا تعرف منه الا الظاهر كالقاضي (قال) والمبارأة بمنزلة الخلع في جميع ذلك لانه مشتق من البراءة وهو أدل على قطع الوصلة من الخلع وإذا جعل الخلع تطليقة بائنة فالمبارأة أولى وللمختلعة والمبارأة النفقة والسكني ما دامت في العدة هكذا نقل عن علي رضى الله عنه وهذا لان النفقة لم تجب قبل مجئ وقتها فلا يتناولها الخلع والبراءة العامة وانما ينصرف مطلق اللفظ إلى ما هو واجب (قال) فان كان الزوج اشترط عليها البراءة من النفقة والسكنى فهو برئ من النفقة لانها أسقطت حقها ووجوب النفقة لها في العدة باعتبار حالة الفرقة حتى إذا كانت ممن لا تستحق النفقة عند ذلك لا تستحقه من بعد فيصح اسقاطها ولكن في ضمن الخلع تبعا له حتى لو أسقطت نفقتها بعد الخلع بابراء الزوج عنها لا يصح ذلك لانها مقصودة بالاسقاط فلا يكون الا بعد وجوبها وهى تجب شيئا

[ 173 ] فشيئا بحسب المدة ولا يصح ابراؤها عن السكنى في الخلع لان خروجها من بيت الزوج معصية قالوا ولو أبرأته عن مؤنة السكنى بأن سكنت في بيت نفسها أو التزمت مؤنة السكنى من مالها صح ذلك مشروطا في الخلع لانه خالص حقها (قال) والخلع جائز عند السلطان وغيره لانه عقد يعتمد التراضي كسائر العقود وهو بمنزلة الطلاق بعوض وللزوج ولاية ايقاع الطلاق ولها ولاية التزام العوض فلا معني لاشتراط حضرة السلطان في هذا العقد (قال) وان قال لامرأته قد خالعتك أو بارأتك أو طلقتك بألف درهم فالقبول إليها في مجلسها والحاصل أن ايجاب الخلع من الزوج في المعني تعليق الطلاق بشرط قبولها لان العوض الذى من جانبه في هذا العقد طلاق وهو محتمل للتعليق بالشرط ولهذا لا يبطل بقيامه عن المجلس ويصح منه وان كانت غائبة حتى إذا بلغها فقبلت في مجلسها تم وان قامت من مجلسها قبل أن تقبل بطل ذلك بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الامر منها لانها تقدر على المشيئة في مجلسها فيبطل بقيامها فكذلك تقدر على القبول قبل ذلك والذى من جانبها في الخلع التزام المال فيكون بمنزلة البيع والشراء لا يحتمل التعليق بالشرط حتى إذا بدأت فقالت اخلعني أو بارئنى أو طلقني بألف درهم فانه يبطل بقيامها عن المجلس قبل قبول الزوج وكذلك بقيام الزوج عن المجلس قبل القبول كما يبطل ايجاب البيع بقيام أحدهما عن المجلس قبل قبول الآخر وكذلك ان كان الزوج غائبا حين قالت هذه المقالة لا تتوقف على قبوله إذا بلغه كما لا يتوقف ايجاب اليبع على قبول المشترى إذا كان غائبا (قال) فان قالت طلقني ثلاثا بألف درهم فطلقها واحدة فله ثلث الالف لان حرف الباء يصحب الابدال والاعواض والعوض ينقسم علي المعوض فهي لما التمست الثث بالف فقد جعلت بازاء كل تطليقة ثلث الالف ثم فيما صنع الزوج منفعة لها لانها رضيت بوجوب جميع الالف عليها بمقابلة التخلص من زوجها فتكون أرضي بوجوب ثلث الالف عليها إذا تخلصت من زوجها وبالواحدة تتخلص منه وهذا بخلاف ما لو كان الزوج قال لها أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت واحدة لم يقع شئ لانه لو وقعت الواحدة لوقعت بثلث الالف والزوج ما رضى بزوال ملكه عنها ما لم يجب عليها جميع الالف وبخلاف ما لو قال هذه طالق وهذه بألف فقبلت إحداهما وقع الطلاق عليها بنصف الالف لان الزوج هناك راض بوقوع الفرقة بينه وبين إحداهما إذا وجبت عليها حصتها من المال فان نكاح إحداهما لا يتصل بنكاح الاخرى (قال) ولو طلقها ثلاثا في

[ 174 ] كلام متفرق في مجلس واحد في القياس يلزمها ثلث الالف لانها بانت بالاولى فلزمها ثلث الالف فهو بايقاع الثانية والثالثة بعد ذلك لا يستوجب عليها عوضا آخر وفى الاستحسان يقع عليها ثلاث تطليقات بجميع الالف لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها ككلام واحد فكأنه أوقع الثلاث عليها بكلام واحد فيلزمها جميع الالف (قال) ولو كانت قالت له طلقني ثلاثا على ألف درهم أو على أن لك علي ألف درهم فطلقها واحدة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تقع تطليقة رجعية وليس عليها شئ من الالف وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع عليها تطليقة بائنة بثلث الالف وحجتهما في ذلك أن الخلع من عقود المعاوضات وحرف على في المعاوضات كحرف الباء ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول بعت منك هذا المتاع بدرهم أو على درهم وكذلك لا فرق بين أن يقول احمل هذا المتاع إلى موضع كذا بدرهم أو على درهم فإذا كان عند حرف الباء تتوزع الالف على التطليقات الثلاث فكذلك عند ذكر حرف على يدل عليه أنها لو قالت طلقني وفلانة على ألف درهم فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء فكذلك هنا وهذا بخلاف ما قال في السير الكبير إذا صالح الامام أهل حصن على أن يؤمنهم ثلاث سنين على ألف درهم ثم بدا له بعد مضى السنة أن ينبذ إليهم يلزمه رد جميع المال ولو كان الصلح بحرف الباء يلزمه رد ثلثى المال لان اعطاء الامان ليس بعقد معاوضة وحرف على للشرط فجعله بمنزلة الباء مجاز يصار إليه لدلالة المعاوضة ولان غرضهم لا يحصل هناك فمقصودهم أن يتحصنوا في هذه المدة ولا يتمكنوا من ذلك في بعض المدة فلهذا حملنا حرف على على الشرط وهنا مقصودها يحصل بايقاع الواحدة فكان محمولا على المعاوضة بمنزلة حرف الباء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حرف على للشرط حقيقة لانه حرف الالتزام ولا مقابلة بين الواقع وبين ما التزم بل بينهما معاقبة كما يكون بين الشرط والجزاء فكان معني الشرط فيه حقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز والطلاق مما يحتمل التعليق بالشرط فلا حاجة إلى العدول من الحقيقة إلى المجاز فإذا كان محمولا على الحقيقة والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزء فجزء فانما شرطت لوجوب المال عليها ايقاع الثلاث فإذا لم يوقع لا يجب شئ من المال ولان لها في ذلك غرضا صحيحا وهو حصول البينونة الغليظة حتى لا تصير في وثاق نكاحه وأن أكرهها على ذلك فاعتبرنا معنى الشرط في ذلك

[ 175 ] ليحصل مقصودها كما في مسألة الامان وكما أن المال في الامان نادر فكذلك في الطلاق الغالب فيه الايقاع بغير بدل وبهذا فارق البيع والاجارة لان معني الشرط هناك تعذر اعتباره فانه لا يحتمل التعليق بالشرط فلهذا جعلنا حرف على بمعني حرف الباء والدليل على أن حرف على للشرط قوله تعالى انى رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله الا الحق أي بشرط أن لا أقول وقال الله تعالى يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا أي بشرط أن لا يشركن وهذا بخلاف قوله طلقني وفلانة على كذا لانه لا غرض لها في طلاق فلانة لتجعل ذلك كالشرط منها ولها في اشتراط ايقاع الثلاث غرض صحيح كما بينا وان طلقها ثلاثا في هذه المسألة متفرقات في مجلس واحد فالالف لازمة عليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى قياسا واستحسانا لان شيئا من البدل لم يجب بايقاع الاولى والثانية والمجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة وعندهما على القياس والاستحسان الذى بينا في حرف الباء (قال) وإذا طلق الرجل امرأته وهى في العدة بعد الخلع على جعل وقع الطلاق ولم يثبت الجعل وكذلك البائنة بعد الخلع يعنى إذا قال لها أنت بائن ثم طلقها على جعل في العدة لانها باعتبار قيام العدة محل للطلاق والطلاق يجعل تعليقا من الزوج بشرط القبول وقد قبلت ولا يجب عليها الجعل لان وجوب الجعل عليها باعتبار زوال ملك الزوج عنها وذلك لا يحصل بعد البينونة ولكن امتناع وجوب المقبول لا يمنع صحة القبول في حكم وقوع الطلاق كما لو خالعها ببدل فاسد كالخمر والخنزير (قال) وان قال لها بعد البينونة خلعتك ينوى به الطلاق لم يقع لان هذا اللفظ بمنزلة لفظ البينونة والحرمة وقد بينا ان ذلك لا يعمل في العدة بعد الفرقة فكذلك لفظ الخلع ألا ترى ان الواقع بلفظ الخلع يكون بائنا وان لم يذكر البدل بمقابلته بخلاف الواقع بلفظ الطلاق ولو قال كل امرأة لى طالق لم تطلق هذه المبانة الا أن يعنيها فان عناها طلقت لانه أوقع بهذا اللفظ على كل امرأة هي مضافة إليه مطلقا وهى المنكوحة فانها تضاف إليه ملكا ويدا فاما المبانة تضاف إليه يدا لا ملكا فكانت مقيدة فلا تدخل تحت المطلق الا أن يعنيها كما لو قال كل مملوك لى فهو حر لا يدخل المكاتب فيه الا أن يعنيه ولا يقع شئ من الطلاق بعد انقضاء العدة لانه ليس له عليها ملك ولا يد وبدونهما لا تكون محلا لاضافة الطلاق إليها لان الايقاع تصرف منه على المحل فيستدعى ولايته على المحل (قال) وان طلقها على جعل بعد الطلاق الرجعى جاز ولزمها الجعل لان زوال الملك لا يحصل بهذا

[ 176 ] الطلاق لان الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فانه يعتاض عن ملك قائم له فيصح كما قيل الطلاق الرجعى (قال) وخلع السكران وطلاقه وعتاقه واقع عندنا وفي أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى لا يقع وهو اختيار الكرخي والطحاوى وقد نقل ذلك عن عثمان وهذا لانه ليس للسكران قصد صحيح والايقاع يعتمد القصد الصحيح ولهذا لا يصح من الصبى والمجنون ألا ترى أنه لو سكر من شرب البنج لم يقع طلاقه فكذلك إذا سكر من النبيذ ولان غفلته عن نفسه فوق غفلة النائم فان النائم ينتبه إذا نبه والسكران لا ينتبه ثم طلاق النائم لا يقع فطلاق السكران أولى ولا معنى لقول من يقول غفلته هنا بسبب المعصية وذلك سبب للتشديد عليه لا للتخفيف فان السكران لو ارتد لم تصح ردته بالاتفاق ولا تقع الفرقة بينه وبين امرأته ولو اعتبر هذا المعني لحكم بصحة ردته وحجتنا ما روينا كل طلاق جائز الا طلاق الصبى والمعتوة ولان السكران مخاطب فإذا صادف تصرفه محله نفذ كالصاحي ودليل الوصف قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى فان كان خطابا له في حال سكره فهو نص وان كان خطابا له قبل سكره فهو دليل على انه مخاطب في حال سكره لانه لا يقال إذا جننت فلا تفعل كذا وهذا لان الخطاب انما يتوجه باعتدال الحال ولكنه امر باطن لا يوقف على حقيقته فيقام السبب الظاهر الدال عليه وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا وبالسكر لا ينعدم هذا المعنى فإذا ثبت انه مخاطب قلنا غفلته عن نفسه لما كانت بسبب هو معصية ولا يستحق به التخفيف لم يكن ذلك عذرا في المنع من نفوذ شئ من تصرفاته بعدما تقرر سببه لان بالسكر لا يزول عقله انما يعجز عن استعماله لغلبة السرور عليه بخلاف البنج فان غفلته ليست بسبب هو معصية وما يعتريه نوع مرض لا أن يكون سكرا حقيقة فيكون بمنزلة الاغماء وبخلاف النائم لان النوم يمنعه من العمل فلانعدام الايقاع نقول إنه لا يقع والسكر لا يمنعه من العمل مع ان الغفلة بسبب النوم لم تكن عن معصية وهذا بخلاف الردة فان الركن فيها الاعتقاد والسكران غير معتقد لما يقول فلا يحكم بردته لانعدام ركنها لا للتخفيف عليه بعد تقرر السبب (قال) وخلع المكره وطلاقه وعتاقه جائز عندنا وهو باطل عند الشافعي رحمه الله تعالى فتأثير الاكراه عنده في الغاء عبارة المكره كتأثير الصبي والجنون وعندنا تأثير الاكراه في انعدام الرضا لا في اهدار القول حتى تنعقد تصرفات المكره ولكن ما يعتمد لزومه

[ 177 ] تمام الرضا كالبيع والشراء لا يلزم منه وما لا يعتمد تمام الرضا كالنكاح والطلاق والعتاق يلزم منه وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهذا يقتضى أن عين ما أكره عليه فحكمه واثمه يكون مرفوعا عنه والمعنى فيه أن هذه فرقة يعتمد سببها القول فلا تصح من المكره كالردة وتأثيره أن القول انما يعتبر شرعا إذا صدر عن قصد صحيح وبسبب الاكراه ينعدم ذلك القصد لان المكره يقصد دفع الشر عن نفسه لا عين ما تكلم به وهو مضطر إلى هذا القصد والاختيار أيضا فيفسد قصده شرعا ألا تري أنه لو أكره على الاقرار بالطلاق كان اقراره لغوا لهذا يقرره ان تأثير الاكراه المبيح للاقدام في جعل المكره آلة للمكره واعدام الفعل من المكره كما في الاكراه على اتلاف المال فيجعل المكره آلة ويصير كأن المكره هو الذى تكلم بالايقاع فيكون لغوا ألا تري أن حق ابقاء قدر الملك على المكره جعل كالآلة حتى يكون المكره ضامنا قيمة عبده عندكم إذا أكرهه على أن يعتقه ويكون ضامنا نصف الصداق إذا أكرهه على الطلاق قبل الدخول فكذلك في ابقاء عين الملك عليه يجعل آلة له وحجتنا في ذلك ما روى أن امرأة كانت تبغض زوجها فوجدته نائما فأخذت شفرة وجلست على صدره ثم حركته فقالت لتطلقني ثلاثا أو لاذبحنك فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها ثلاثا ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا قيلولة في الطلاق واستكثر محمد من الاستدلال بالآثار في أول كتاب الاكراه حتى روى عن عمر رضى الله عنه قال أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رديد النكاح والطلاق والعتاق والصدقة والمعنى فيه أنه مكلف أوقع الطلاق في محله فيقع كالطائع وتفسير الوصف ان الاكراه لا يزيل الخطاب اما في غير ما أكره عليه فلا اشكال وفيما أكره عليه كذلك حتى تنوع عليه أفعاله فتارة يباح له الاقدام وتارة يفترض عليه كشرب الخمر وتارة يحرم عليه كالقتل والزنا وذلك لا يكون الا باعتبار الخطاب وتأثيره ان انعقاد التصرف بوجود ركنه ومحله ولا ينعدم بسبب الاكراه ذلك انما ينعدم الرضا به والرضا ليس بشرط لوقوع الطلاق ألا ترى ان الرضا باشتراط الخيار ينعدم ولا يمنع لزوم الطلاق فكذلك الاكراه وبسبب الاكراه لا ينعدم القصد الصحيح فان المكره يقصد ما باشره ولكن لغيره وهو دفع الشر عن نفسه لا لعينه فهو كالهازل يكون قاصدا التكلم بالطلاق ولكن للعبث لا لعينه

[ 178 ] ثم الهزل لا يمنع وقوع الطلاق فكذلك الاكراه وللمكره اختيار صحيح لانه عرف الشرين فاختار أهونهما وهذا دليل صحة اختياره الا أنه لا يحكم بصحة ردته لانها تنبنى على الاعتقاد وهو غير معتقد وفيما يخبر به عن اعتقاده مكره فذلك دليل ظاهر على أنه غير معتقد بخلاف الهازل فانه مستخف بالدين والاستخفاف بالدين كفر بخلاف الاقرار بالطلاق فانه خبر متمثل بين الصدق والكذب وقيام السبب على رأسه دليل علي أنه كاذب والمخبر به إذا كان كذبا فالاخبار عنه لا يصير صدقا ولا معنى لجعل المكره آلة للمكره هنا لانه انما يجعل بالاكراه آلة فيما يصلح ان يكون فيه آلة لغيره دون مالا يصلح ان يكون كذلك وفى التكلم لا يصلح أن يكون آلة لغيره إذ لا يتحقق تكلم المرء بلسان غيره فبقى مقصورا عليه ولكن في حكم الاتلاف يصلح أن يكون آلة لغيره فلهذا كان الضمان على المكره مع ان الخلاف ثابت في الاكراه بالحبس وهذا النوع من الاكراه لا يجعل المكره آلة للمكره والمراد بالحديث رفع الاثم عن المكره لا رفع العين والحكم ألا ترى انه لو أكره ان يجامع ام امرأته وجب عليه الغسل وحرمت عليه امرأته بذلك (قال) وخلع الصبي وطلاقه باطل لانه ليس له قصد معتبر شرعا خصوصا فيما يضره وهذا لما بينا ان اعتبار القصد ينبنى على الخطاب والخطاب ينبني على اعتدال الحال وكذلك فعل ابيه عليه في الطلاق باطل لان الولاية انما تثبت على الصبي لمعنى النظر له ولتحقق الحاجة إليه وذلك لا يتحقق في الطلاق والعتاق (قال) والمعتوه والمغمي عليه من مرض بمنزلة الصبي في ذلك لانعدام القصد الصحيح منهما (قال) وإذا اختلعت الصبية من زوجها الكبير فالطلاق واقع عليها لان الزوج من أهل الايقاع وايجاب الخلع تعليق الطلاق بشرط قبولها وقد تحقق القبول منها فيقع كما لو قال لها ان تكلمت فانت طالق فتكلمت ولكن لا يلزمها المال لان التزام المال من الصبية لا يصح خصوصا فيما لا منفعة لها فيه كالالتزام بالاقرار والكفالة وقد بينا ان وقوع الطلاق يعتمد القبول لا وجود المقبول وكذلك الامة إذا اختلعت من زوجها بغير اذن المولى فالطلاق واقع عليها ولا تؤاخذ بالمال الا بعد العتق لانها مخاطبة يصح التزامها في حق نفسها دون المولى فتؤاخذ به بعد العتق كما لو التزمت بالاقرار والكفالة وان فعلته باذن المولى سعت فيه لان التزامها المال باذن المولى صحيح في حق المولى فتؤاخذ به في الحال والمدبرة وأم الولد في ذلك سواء كالامة الا انها لا تحتمل البيع فتؤدى البدل من كسبها إذا التزمت

[ 179 ] باذن المولى فأما المكاتبة لا تؤاخذ ببدل الخلع الا بعد العتق سواء اختلعت باذن المولى أو بغير اذنه لان اذن المولى غير معتبر في الزام المال اياها ألا ترى أن المولى لا يملك أن يلزمها المال ولا تأثير للكتابية في ؟ ؟ ؟ الحجر عن التزام المال بسبب الخلع فلهذا تؤاخذ به بعد العتق (قال) وإذا وكل أحد الزوجين صبيا أو معتوها أو مملوكا بالقيام مقامه بالخلع والاختلاع جاز ذلك لان الوكيل بهذا العقد سفير معبر عن الموكل ولهؤلاء عبارة معتبرة حتى ينفذ تصرفهم باذن المولى فينفذ العقد بعبارتهم أيضا (قال) وإذا خلع الرجل ابنته الصغيرة من زوجها عى صداقها ولم يدخل بها فان لم يضمن الاب فهو باطل لانه ليس ولاية الزام المال اياها بهذا السبب إذ لا منفعة لها فيه ولا يدخل في ملكها بمقابلته شئ بخلاف ما لو زوج ابنه الصغير بماله فان ذلك العقد من مصالحه ويدخل في ملكه شئ متقوم بازاء ما يلزمه من المال فان ضمن الاب المال جاز الخلع لان لزوج ينفرد بالايقاع واشتراط القبول في الخلع لاجل المال فإذا كان الاب هو الملتزم للمال بضمانه يتم الخلع كما لو خالع امرأته مع أجنبي على مال وضمن الاجنبي من أصحابنا من يقول تأويل هذه المسألة إذا خالعها على مال مثل الصداق فأما إذا خالعها على الصداق ينبغى أن لا يصح لانه عين ملكها وليس للاب ولاية اخراج عين عن ملكها بغير عوض ولا معتبر بضمانه في ذلك ولكنا نقول وان سمى الصداق في الخلع فانما يتناول العقد مثله فضمان الاب اباه صحيح واسقاطه حقها في نصف الصداق باطل فيغرم الزوج لها نصف الصداق كما لو طلقها قبل الدخول ويرجع الزوج على الاب بما يضمن من ذلك لانه قد ضمن الزوج وان كان قد دخل بها فلها أن ترجع بجميع مهرها على الزوج لان حقها في جميع المهر تأكد بالدخول فلا يملك الاب ابطال حقها عن شئ منه ولكنها ترجع بالصداق على الزوج والزوج على الاب بحكم الضمان أو ترجع على الاب بجميع الصداق هنا وبنصف الصداق في الاول لان الاب يصير كالمعارض مع الزوج بما ضمنه للزوج مما لها عليه (قال) ولو كانت كبيرة فان كان خلع الاب باذن البنت جاز ذلك عليها وان كان بغير اذنها وقد ضمن الاب للزوج فالخلع جائز وترجع هي بالصداق على زوجها ثم الزوج على الاب بحكم ضمانه لانه ليس له ولاية المعاوضة في مالها (قال) وكل خلع كان يجعل فامتنع وجوب الجعل اما لفساده كالخنر أو لان الملتزم لم يكن من أهله كالصغيرة فالواقع به طلاق بائن لان لفظ الخلع ليس بصريح في الطلاق ولكنه يشبه

[ 180 ] الفرقة كالبينونة والحرمة وكل تطليقة أو تطليقتين بجعل أبطلت الجعل وأمضيت فيه الطلاق فالطلاق رجعى إذا كان قد دخل بها لان الوقوع بصريح لفظ الطلاق فلا يوجب البينونة الا بعوض ولم يجب العوض (قال) ولو خلع ابنته الكبيرة بصداقها وضمنه للزوج فاجازت لم يضمن الاب شيئا لان اجازتها في الانتهاء كاذنها في الابتداء وكذلك لو خلعها بالنفقة وضمنها له بغير أمرها فان أجازت فلا شئ على الاب وان أبت فلها ان تتبع الزوج بالنفقة لانها حقها كالصداق فلا يعمل اسقاط الاب لحقها ويرجع الزوج علي الاب ما ضمن له من ذلك وكذلك لو فعل هذا غير الاب من الاقارب الاجانب لانه لا ولاية للاب عليها في هذا التصرف فهو والاجنبي فيه سواء (قال) وإذا اختلعت بمال ودفعته إليه ثم أقامت البينة أنه طلقها ثلاثا قبل الخلع كان لها أن ترجع عليه بالمال لانه تبين بهذا ان البينونة لم تحصل بما التزمت من المال فلا يكون التزامها صحيحا وإقدامها على الخلع لا يمنعها من اقامة هذه البينة لان دعواها في قبول البينة على الطلاق ليس بشرط فالتناقض منها لا يمنع قبول البينة وكذلك أو أقامت البينة على حرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة (قال) وإذا قالت المرأة اخلعني ولك الف درهم أو قالت طلقني ولك الف درهم ففعل وقع الطلاق ولم يجب المال عليها عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجب المال لوجهين أحدهما ان الواو وان كان للعطف حيقيقة فقد يستعمل بمعنى الباء مجازا كما في القسم فان قوله والله كقوله بالله فقولها ولك الف بمنزلة قولها طلقني بألف أو يعنى طلاقي بألف وانما حملناه على هذا المجاز لمعنى المعاوضة لان الخلع معاوضة وفى المعاوضات لا يعطف أحد العوضين على الآخر انما يلصق أحدهما بالآخر الا ترى انه لو قال احمل هذا المتاع إلى بيتى ولك درهم كان هذا وقوله أحمله بدرهم سواء حتى يجب المال إذا حمله ولان هذا الواو بمعنى واو الحال كقول المولى لعبده اد إلى الفا وانت حر وقول الغازى للمحصور افتح الباب وأنت آمن وقد بينا فيما سبق ان الواو قد تكون للحال كما في قوله انت طالق وانت مريضة وإذا كانت للحال كانت هي ملتزمة المال له حال ايقاع الطلاق عليها وذلك لا يكون الا عوضا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الواو للعطف حقيقة والحمل على الحقيقة واجب حتى يقوم الدليل على المجاز وباعتبار العطف تبين أن الالف ليس بعوض عن الطلاق ولا وجه لحملها على الباء أو واو الحال لمعنى المعاوضة لان المال في الطلاق نادر والمعتاد فيه الايقاع بغير عوض بخلاف الاجارة فالعوض فيه أصل لا تصح

[ 181 ] الاجارة بدونه وبخلاف قوله أد إلى الفا وأنت حر لان أول كلامه هناك غير مفيد شرعا الا بآخره فانه يصير به تعليقا للعتق بأداء المال وهنا أول الكلام ان صدر من الزوج بان قال أنت طالق وعليك ألف درهم كان ايقاعا مفيدا بدون آخره فلا حاجة إلى أن يحمله على الحال وان صدر منها فهو التماس مفيد أيضا فلهذا لا يحمل على واو الحال بل هو بمعنى العطف فمعناه ولك ألف درهم في بيتك أو بمعنى الابتداء فيكون وعدا منها اياه بالمال والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ولان أدنى ما يكون في الباب أن يكون حرف الواو محتملا لجميع ما ذكرنا فالمال بالشك لا يجب (قال) وإذا قالت طلقني ولك ألف درهم فقال أنت طالق على هذه الالف التى سميت فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الطلاق واقع والمال عليها قبلت أو لم تقبل لانها بالكلام الاول ملتزمة للمال عندهما فبقى وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بالكلام الاول لم تكن ملتزمة للمال فبقى ايقاع الزوج عليها بمال ابتداء فان قبلت وقع الطلاق ولزمها المال وان لم تقبل لا يقع عليها شئ ولو قالت طلقني ثلاثا على أن لك علي ألف درهم فطلقها ثلاثا لزمها المال لانها صرحت بحرف على وهو لالتزام المال ولو كان طلقها اثنتين قبل هذا فقالت طلقني ثلاثا على أن لك ألفا فطلقها واحدة لزمها الالف لان الالف بازاء ما يصح فيه التماسها من الزوج وذلك ايقاع ما ليس بواقع وهى التطليقة الثالثة فأما ايقاع ما هو واقع لا يتحقق فكان تكلمها به لغوا غير معتد به ولانها التزمت المال لحصول البينونة الغليظة لها وقد تم ذلك بايقاع الثالثة (قال) وإذا قال الرجل طلقتك أمس بألف درهم أو على ألف درهم فلم تقبلي وقالت قد قبلت فالقول قول الزوج مع يمينه لان ايجاب الطلاق بمال تعليق بقبولها فالزوج أقر بالتعليق وأنكر وجود الشرط فكان القول قوله كما لو علق بدخولها فقالت قد دخلت وأنكر الزوج ذلك وهذا بخلاف البيع إذ قال قد بعت منك هذا العبد أمس بألف درهم فلم تقبل وقال المشترى قد قبلت فالقول قول المشترى لان البيع عقد معاوضة لا ينعقد الا بايجاب وقبول فاقراره بالبيع يكون اقرارا بقبول المشترى فلا يعمل رجوعه عن الاقرار بعد ذلك فأما ايجاب الطلاق بمال يكون تصرفا عند الايقاع وهو التعليق بمنزلة اليمين ولهذا لا يبطل بقيامه قبل قبولها فلم يكن هو مقرا بالايقاع أصلا فجعلنا القول قوله مع يمينه لهذا (قال) وإذا قال لها قد طلقتك واحدة بألف درهم وقبلت وقالت هي انما سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف درهم وانما طلقتني واحدة فانما لك ثلث الالف فالقول قولها مع يمينها لانهما اتفقا علي

[ 182 ] وقوع الواحدة عليها وانما تنازعا في المال فهو يدعى الزيادة عليها وهى تنكر فالقول قولها وكذلك لو قالت سألتك أن تطلقني بمائة درهم وقال الزوج بل بألف فالقول قولها لما بينا أن الاختلاف في مقدار المال الواجب عليها فان أقاما البينة فالبينة بينة الزوج لانه يثبت الزيادة ببينته في حقه والبينة للاثبات فتترجح بالزيادة فيه وكذلك لو قالت خلعتني بغير شئ وقال الزوج بل بألف فالقول قولها والبينة بينة الزوج لما قلنا (قال) وإذا اتفقا على انها سألت أن يطلقها ثلاثا بألف درهم فقالت طلقتني واحدة وقال الزوج طلقتك ثلاثا فالقول قول الزوج ان كان في ذلك المجلس لانه أخبر بما يملك انشاءه وقد بينا أنه لو طلقها ثلاثا متفرقات في المجلس يلزمها الالف فلا تتمكن التهمة في خبره (قال) ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق حصلت له جميع الالف فان كانا قد افترقا من ذلك المجلس لزمها الطلاق ان كانت في العدة لاقرار الزوج بوقوع الطلاق عليها وهو مالك للايقاع ولا يكون عليها الا ثلث الالف لانه في حق المال متهم في خبره فانه يخبر بما يملك انشاءه فكان القول قولها مع يمينها وعليه اثبات الزيادة بالبينة (قال) وإذا قالت المرأة سألتك أن تطلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقتني واحدة ولا شئ لك وقال هو بل سألتنى واحدة على ألف وقد طلقتكها فالقول في ذلك قول المرأة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا شئ عليها لانها تنكر وجوب المال بناء على ما تقدم إذا قالت طلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقها واحدة لا يجب عليها شئ عند أبى حنيفة رحمه الله وان قالت سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف درهم فلم تطلقني في ذلك المجلس وقال الزوج قد طلقتك ثلاثا في ذلك المجلس فالثلاث واقعات عليها لاقرار الزوج بها والقول في المال قولها مع يمينها إما لانكارها وجوب المال أو لانكارها الزيادة على الثلاث ان أقرت أنه طلقها واحدة في ذلك المجلس وان قالت سألتك أن تطلقني انا وصاحبتي فلانة على ألف درهم فطلقتني وحدي وقال الزوج طلقتها معك وقد افترقا من ذلك المجلس فالقول قول المرأة وعليها حصتها من الالف لان الاختلاف بينهما في مقدار ما عليها من المال والزوج مخبر بما لا يملك انشاءه في حق المال ولكن الطلاق واقع على الاخرى باقرار الزوج لانه ينفرد بالايقاع عليها وكذلك ان قالت لم تطلقني ولا صاحبتي في ذلك المجلس فالقول قولها مع يمينها لانكارها أصل المال وعلى الزوج ان يثبت المال بالبينة ولكن الطلاق واقع عليها باقرار الزوج (قال) وإذا خلع الرجل امرأتيه على ألف درهم فان

[ 183 ] الالف تنقسم على مهريهما الذى تزوجهما عليهما لانه سمي الالف بمقابلة شيئين ومقتضى هذه التسمية الانقسام باعتبار القيمة كما لو اشترى عبدين بألف درهم الا أن البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم فوجب المصير إلى أقرب الاشياء إليه وذلك المهر الذى تزوجها عليه ألا ترى أن في الكتابة الفاسدة على العبد قيمة نفسه بعدما يعتق لان ما هو المعقود عليه هو ملك اليد والمكاسب ليست بمتقومة فيصار إلى قيمة أقرب الاشياء إليه وهو الرقبة ثم الاصل في الخلع ان النشوز إذا كان من الزوج فلا يحل له ان يأخذ منها شيئا بازاء الطلاق لقوله تعالى وان أردتم استبدال زوج مكان زوج إلى ان قال فلا تأخذوا منه شيئا وان كان النشوز من قبلها فله أن يأخذ منها بالخلع مقدار ما ساق إليها من الصداق لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولو أراد أن يأخذ منها على ما ساق إليها فذلك مكروه في رواية الطلاق وفى الجامع الصغير يقول لا بأس بذلك وجه هذه الرواية ما روى ان جميلة بنت سلول رحمها الله تعالى كانت تحت ثابت بن قيس رحمه الله تعالى فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أعيب على ثابت بن قيس في دين ولا خلق ولكني أخشى الكفر في الاسلام لشدة بغضي اياه فقال صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته فقالت نعم وزيادة فقال صلوات الله عليه وسلم أما الزيادة فلا وروى انه قال لثابت أخلعها بالحديقة ولا تزدد ولانه لا يملكها شيئا انما يرفع العقد فيحل له ان يأخذ منها قدر ما ساق إليها بالعقد ولا يحل له ا لزيادة على ذلك ووجه رواية الجامع الصغير ما روى ان امرأة ناشزة اتى بها عمر رضى الله عنه فحبسها في مزبلة ثلاثة أيام ثم دعاها وقال كيف وجدت مبيتك فقالت ما مضت على ليال هن أقر لعيني من هذه الليالى لانى لم أره فقال عمر رضى الله عنه وهل يكون النشوز الا هكذا إخلعها ولو بقرطها وعن ابن عمر رضى الله عنه ان مولاة اختلعت بكل شئ لها فلم يعب ذلك عليها وعن ابن عباس رضى الله عنه لو اختلعت بكل شئ لاجزت ذلك وهذا لان جواز أخذ المال هنا بطريق الزجر لها عن النشوز ولهذا لا يحل إذا كان النشوز من الزوج وهذا لا يختص بما ساق إليها من المهر دون غيره فاما في الحكم الخلع صحيح والمال واجب في جميع الفصول عندنا وعند نفاة القياس لا يجب المال إذا كان النشوز من الزوج ولا تجب الزيادة إذا كان النشوز منها لقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلى أن قال تلك حدود الله فلا تعتدوها وقال ابن جريح يعنى في الزيادة والاعتداء يكون ظلما والمال لا يجب بالظلم ولكنا

[ 184 ] نستدل بما روينا من الآثار وتأويل الآية في الحل والحرمة لا في منع وجوب أصل المال (قال) وإذا قالت المرأة لزوجها ان طلقتني ثلاثا فلك علي ألف درهم فقال نعم سأطلقك فلا شئ له حتى يفعل لانها التزمت المال بمقابلة الايقاع دون الوعد فان فعل ذلك في المجلس فله الالف وان لم يفعل في المجلس فلا شئ له والطلاق واقع لان الذى من جهتها التزام المال بمنزلة ايجاب البيع لا يتوقف على ما وراء المجلس ولكن يبطل بالقيام عن المجلس قبل الايقاع فإذا أوقع الطلاق بعد ذلك مطلقا وقع الطلاق لان الزوج ينفرد به وكلامها وان كان شرطا في الصورة ففى المعني التزام العوض لان التزام المال لا يحتمل التعليق بالشرط فهو نظير قوله ان عملت لى هذا العمل فلك علي ألف درهم يكون التزاما للعوض بطريق الاجارة (قال) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا إذا أعطيتني ألفا أو متى أعطيتني ألفا فهى امرأته على حالها حتى تعطيه ذلك لانه علق الطلاق بشرط اعطاء المال فلا يقع بدونه ومتى أعطته في المجلس أو بعده فالطلاق واقع عليها لان إذا ومتى للوقت فمعنى قوله إذا أعطيتني في الوقت الذى تعطينني وليس للزوج أن يمتنع منه إذا أتته به لا انه يجبر على القبول ولكن إذا وضعته بين يديه طلقت وهو استحسان وفي القياس لا تطلق حتى يقبله الزوج وهو قول زفر رحمه الله تعالى وأصله في العتاق إذا قال لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر وجه القياس أن الحالف لا يجبر على ايجاد الشرط ووجه الاستحسان ان كلامه تعليق بالشرط صورة وايجاب للطلاق بعوض معنى حتى إذا قبل المال كان الواقع بائنا ولو وجده زيوفا كان له أن يرد ويستبدل وهذا حكم المعاوضة والملتزم للعوض إذا خلى بين صاحبه وبين المال يصير قابضا فباعتبار الشرط قلنا لا حاجة إلى قبولها في المجلس وباعتبار المعاوضة قلنا إذا وضعت المال بين يديه طلقت وليس لها ان ترجع بشئ منه لانها أدت المال عوضا عن الطلاق وقد سلم لها (قال) ولو كان قال لها ان جئتني بالف درهم فأنت طالق فان جاءت به في ذلك المجلس وقع الطلاق وان تفرقا قبل ان تأتيه به بطل هذا القول لان كلام الزوج تعليق بالشرط فيتم به من غير حاجة إلى قبولها ولكنها تتمكن من اداء المال في المجلس فقيامها قبل الاداء يكون مبطلا بمنزلة قوله ان شئت فانت طالق وهما سواء في المعني الا ان ذلك تمليك الامر منها بغير عوض وهذا تمليك الامر منها بعوض فكما يبطل هناك بقيامها عن المجلس قبل المشيئة يبطل هنا بقيامها قبل الاداء (قال) وان قال لها أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم أو على ألف درهم فهو سواء فان قبلت في ذلك

[ 185 ] المجلس وقع الطلاق عليها والمال دين عليها تؤخذ به لان كلام الزوج ايجاب للطلاق بجعل وليس بتعليق بشرط الاعطاء بمنزلة من يقول لغيره بعت منك هذا العبد على ألف درهم أو على أن تعطيني ألف درهم يكون ايجابا لا تعليقا فإذا وجد القبول في المجلس وقع الطلاق ووجب المال عليها بخلاف قوله ان جئتني أو إذا أعطيتني فان هناك قد صرح بالتعليق بالشرط فما لم يوجد الشرط لا يقع الطلاق والدليل على الفرق ان هناك لو كان لها على الزوج ألف فاتفقا على جعل الالف قصاصا بما عليه لا يقع الطلاق وهنا يصير قصاصا بالدين الذى لها عليه وقد يجوز أن يثبت الحكم بالقبول مع التصريح بالاعطاء قال الله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وبالقبول يثبت حكم الذمة فإذا ثبت ان الحكم هنا يتعلق بقبول المال يشترط القبول منها في المجلس فادا لم تقبل حتى قامت فهو باطل وفيما تقدم لما كان الاعطاء شرطا فبجعله قصاصا بما عليه لا يصير الشرط موجودا قبل الاعطاء والمقاصة بين دينين واجبين ففي قوله إذا أعطيتني المال المال غير واجب عليها فلا يصير قصاصا وفي قوله انت طالق على أن تعطيني المال يجب عليها بالقبول فيصير قصاصا فإذا لم يصر قصاصا في قوله إذا أعطيتني فرضى الزوج ان يوقع عليها طلاقا مستقبلا بالالف التى لها عليه فذلك جائز إذا قبلت وكان هذا منه لها ايجابا مبتدا (قال) وان كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما على ألف أو بألف فطلق احداهما لزم المطلقة حصتها من الالف أما في حرف الباء فلانهما جعلتا الالف بدلا عن طلاقها فإذا طلق احداهما فعليها حصتها وكذلك في حرف على لانه لا منفعة لها في طلاق الضرة حتى يجعل شرطا ولان أكثر ما في الباب ان كل واحدة منهما التزمت حصتها من الالف بشرط أن يطلق صاحبتها وإذا أبى كان هذا شرطا فاسدا الا أن الخلع لا يبطل بالشرط الفاسد كالنكاح فان طلق الاخرى في ذلك المجلس أيضا لزمتها حصتها من المال فان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة فكان هذا وما لو طلقها بكلام واحد سواء وان افترقوا قبل ان يطلق واحد منهما بطل ايجابهما بالافتراق فإذا طلقهما بعد ذلك كان الطلاق واقعا بغير بدل (قال) وإذا ادعت المرأة الخلع وأنكره الزوج فأقامت شاهدين شهد احدهما بالخلع بألف والآخر بألف وخمسمائة فالشهادة باطلة لانها تدعي احد الامرين لا محالة فتكون مكذبة للشاهد الآخر ولان الخلع في جانبها قياس البيع وشهود البيع إذا اختلفوا في جنس الثمن أو في مقداره بطلت الشهادة فكذلك هنا إذا اختلفا في جنس

[ 186 ] الجعل كالعرض والعبد أو كالعرض والدراهم فالشهادة باطلة لان كل واحد منهما شهد بالطلاق لعوض آخر ولا يمكن ايجاب واحد من العوضين عليها فلو حكم بالطلاق لحكم بالطلاق بغير عوض وقد اتفقا ان الزوج ما أوقع الطلاق بغير عوض (قال) ولو كان الزوج هو المدعى للخلع والمرأة منكرة فشهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألف وخمسمائة فان كان الزوج يدعى الفا وخمسمائة جازت شهادتهما على الالف لان الطلاق قد وقع باقرار الزوج بقى منه دعوي المال ومن ادعى على غيره ألفا وخمسمائة فشهد له شاهدان شهد أحدهما بالف والآخر بالف وخمسمائة تقبل شهادتهما على الالف لاتفاق الشاهدين عليها لفظا ومعنى فان ادعي الزوج الالف لم تجز شهادتهما لان الزوج قد كذب أحد شاهديه وهو الذى شهد بألف وخمسمائة والمدعى إذا أكذب شاهده بطلت شهادته له والطلاق واقع باقراره وكذلك إذا اختلفا في جنس الجعل لان الزوج مكذب لاحدهما لا محالة فلابد ان يدعى أحد الجنسين فان شهد أحدهما بألف والآخر بخمسمائة فعند أبى حنيفة لا تقبل شهادتهما لاختلافهما لفظا وعندهما تقبل على الخمسمائة إذا ادعى الزوج الالف لاتفاقهما على مقدار الخمسمائة معني وقد بينا هذا فيما سبق ثم الاصل بعد هذا في باب الخلع ان البدل في الخلع بمنزلة الصداق في النكاح فانه مال يلتزمه لا بمقابلة مال وقد بينا حكم الصداق في النكاح فالخلع قياسه الا في فصول يذكر الفرق بينهما فيها حتي إذا اختلعت على دار فلا شفعة للشفيع فيها وان اشترط أن يرد عليها الفا مع ذلك ففى وجوب الشفعة في حصة الالف خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه كما في الصداق وليس في جعل الخلع خيار الرؤية ولا رد بعيب يسير كما في الصداق (قال) وإذا اختلعت بما في بيتها من شئ فهو جائز وكلما يكون في بيتها في تلك الساعة فهو له لان بالاشارة إلى المحل تنقطع المنازعة بينهما بسبب الجهالة وان لم يكن فيه شئ فلا شئ له عليها لانها لم تغر الزوج بتسمية الشئ فانه ينطلق على مالا قيمة له فلهذا الا يلزمها شئ وفى هذا الفصل في النكاح يجب مهر المثل ولكن باعتبار ان تسمية الشئ لغو من الزوج فكأنه تزوجها على غير مهر فلها مهر مثلها وهنا يصير كانه خلعها بغير شئ فلا شئ عليها وهذا لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم بمهر المثل ولا قيمة للبضع عند خروجه عن ملكه (قال) وإذا اختلعت عى ما في بيتها من متاع فله ما فيه فان لم يكن فيه شئ رجع عليها بالمهر الذى أخذت منه لانها غرته بتسمية المتاع فانه اسم لما يكون متقوما منتفعا به فإذا لم يوجد في البيت شئ كان مغرورا من جهتها وللمغرور دفع الضرر عن

[ 187 ] نفسه بالرجوع على الغار ولا يمكن اثبات الرجوع بقيمة المتاع لكونه مجهول الجنس والقدر ولا بقيمة البضع لانه عند الخروج من ملك الزوج غير متقوم فانه لا يملكها شيئا انما يسقط حقه عنها فكان أولى الاشياء ما ساق إليها من الصداق فان الغرر يندفع عنه بالرجوع بذلك (قال) وان قالت اخلعني على ما في يدى من دراهم فان كانت في يدها ثلاثة دراهم أو أكثر فله ذلك وان لم يكن في يدها شئ فله ثلاثة دراهم لانها سمت جميع الدراهم وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة وليس لاقصاه نهاية فأوجبنا الادني وفى الصداق في هذا الفصل لها مهر مثلها لان هناك الزوج يملك عليها ما هو متقوم فلها أن لا ترضى بالادنى وفى معاوضة المتقوم بالمتقوم يجب النظر من الجانبين وفى تعيين الادنى ترك النظر لها فلهذا أوجبنا مهر المثل وهنا الزوج لا يملكها شيئا متقوما فيتعين أدنى الجمع لكونه متيقنا ولانها لما كانت تلتزم لا بعوض متقوم كان هذا في حقها قياس الاقرار والوصية ومن أقر لغيره بدراهم أو أوصي له بدراهم يلزمه ثلاثة وان كان في يدها درهمان تؤمر باتمام ثلاثة دراهم له لانها فيما التزمت ذكرت لفظ الجمع وفى المثنى معنى الجمع وليس بجمع مطلق فان التثنية غير الجمع (قان قيل) قد ذكرت في كلامها حرف من وهو للتبعيض والدرهمان بعض الجمع فينبغي أن لا يلزمها الا ما في يدها كما قال في الجامع إذا قال ان كان ما في يدى من الدراهم الا ثلاثة فعبده حر وفي يده أربعة دراهم كان حانثا (قلنا) نعم حرف من قد يكون للتبعيض وقد يكون صلة كما في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان وقال الله تعالى ما اتخذ الله من ولد ففي كل موضع يصح الكلام بدون حرف من كان حرف من فيه صلة لتصحيح الكلام كما في مسألة اخلع فانها لو قالت اخلعني على ما في يدى دراهم كان الكلام مختلا وحرف من صلة لتصحيح الكلام ويبقى منها لفظ الجمع فلهذا يلزمها ثلاثة دراهم والدنانير والفلوس في هذا قياس الدراهم (قال) وان اختلعت منه بما في نخلها من ثمرة وليس فيها شئ فله المهر الذى أعطاها لانها غرته بتسمية الثمرة وهو اسم لمال متقوم وان اختلعت منه بما يثمر نخلها العام فهو جائز فان أثمرت فله ذلك وان لم تثمر شيئا فلا شئ له في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ثم رجع فقال يرجع عليها بما أعطاها من المهر أثمرت أو لم تثمر ولا شئ له من الثمرة وهو قول محمد رحمه الله تعالى وجه قوله الاول انها لم تغره بشئ ولكنها أوجبت له ما يثمر نخلها العام فكان هذا بمنزلة الايجاب بطريق الوصية ومن أوصى بما تثمر نخيله العام فان أثمرت فهى للموصى له

[ 188 ] وان لم تثمر فلا شئ له فهذا مثله وجه قوله الآخر انها تلتزم بدل الخلع عوضا وان لم يكن بمقابلته ما هو متقوم والثمار المعدومة لا تصلح عوضا في شئ من العقود فيبقى مجرد تسمية ما هو متقوم منتفع به وذلك بمنزلة الغرور منها وذلك يثبت حق الرجوع بما أعطاها وهذا لان الغرور ثابت هنا معنى لما تعذر تسليم المسمى له شرعا فهو بمنزلة ما لو وجد الغرور منها صورة بأن سمت المتاع الذى في يدها وليس في يدها متاع فيرجع عليها بما أعطاها (قال) وان اختلعت منه بما في بطن جاريتها أو على ما في بطون غنمها فهو جائز وله ما في بطونها بخلاف الصداق فان في مسئلته يجب مهر المثل لها لان ما في البطن ليس بمال متقوم في الحال ولكن باعتبار المآل هو مال بعد الانفصال إلا أن أحد العوضين في باب النكاح لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك العوض الآخر ولا يمكن تصحيح التسمية في الحال لان المسمى ليس بمال ولا باعتبار المآل لانه في معني الاضافة أو التعليق بالانفصال فكان لها مهر مثلها واما في الخلع أحد العوضين وهو الطلاق يحتمل الاضافة والتعليق بالشرط فكذلك العوض الاخر وأمكن تصحيح تسمية ما في البطن باعتبار المآل وهو ما بعد الانفصال وإذا صحت التسمية فله المسمى وان لم يكن في بطونها شئ فلا شئ له لانها ما غرته فما في البطن قد يكون مالا متقوما وقد يكون غير ذلك من ريح أو ولد ميت والرجوع عليها بما أعطي بحكم الغرور وما وجد في بطونها بعد الخلع فهو للمرأة لانها سمت الموجود في البطن عند الخلع فلا يتناول ما يحدث بعد ذلك بل الحادث نماء ملكها فيكون لها (قال) وان اختلعت منه بحكمه أو أو بحكمها أو بحكم أجنبي فهو جائز كما في الصداق الا أن هناك المعيار مهر المثل وهنا المعيار ما أعطاها فان اختلعت بحكمه فحكم الزوج عليها بمقدار ما أعطاها أو بأقل فذلك صحيح لانه مسقط بعض حقه وان حكم بأكثر من ذلك لم يلزمها الزيادة الا أن ترضى به وان كان بحكمها فان حكمت بما أعطاها الزوج أو أكثر جاز لان تصرفها على نفسها بالتزام الزيادة صحيح وان حكمت بأقل من ذلك لم يثبت النقصان الا أن يرضى الزوج بذلك لان حكمها بذلك على الزوج وان كان بحكم أجنبي فله ما أعطاها لان الأجنبي ان حكم بأقل من ذلك فهو متصرف على الزوج باسقاط بعض حقه وان حكم بأكثر من ذلك فهو متصرف عليها بالزام الزيادة فلا ينفذ بدون رضاها (قال) وان اختلعت منه على خادم بغير عينها فهو جائز وله خادم وسط أو قيمته أيهما أتت به أجبر على القبول كما في الصداق (قال) وان اختلعت منه

[ 189 ] بما تكتسب العام من مال أو بما ترثه أو بما تتزوج عليه أو بما تحمل جاريتها أو غنمها فيما يستقبل كان له المهر الذى أعطاها في جميع ذلك لان المسمى لا يصلح عوضا في شئ من النقود اما لانه على خطر الوجود لا يدرى أيكون أم لا أو لانه مجهول الجنس والصفة والقدر فلا يصح التزامه في الخلع أيضا ولكنها غرته بتسمية المال فيلزمها رد ما ساق إليها بسبب الغرور وكذلك ما تحمل جاريتها أو نعمها من ولد لا يصح تمليكه من الغير بشئ من اسباب التمليك الوصية وغيرها فيه سواء فيلزمها رد المقبوض بسبب الغرور (قال) وكذلك ان اختلعت على أن تزوجه امرأة وتمهر عنه فالخلع جائز والشرط باطل للجهالة المستتمة في المسمى ولكن الغرور يتمكن لتسمية الامهار فعليها رد العوض وان اختلعت منه على موصوف من المكيل أو الموزون أو النبات فهو جائز كما في الصداق وان اختلعت منه على ثوب أو على دار فالتسمية فاسدة للجهالة المستتمة كما في الصداق وله المهر الذى أعطاها بسبب الغرور وكذلك ان اختلعت منه بدابة للجهالة المستتمة فان اسم الدابة يتناول أجناسا مختلفة فله المهر الذى أعطاها وان اختلعت منه بشئ معروف مسمى ولها عليه مهر وقد دخل بها أو لم يدخل بها لزمها ما سمت له ولا شئ لها مما سمى على الزوج من المهر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لها أن ترجع عليه بالمهر ان كان قد دخل بها وينصف المهر ان لم يدخل بها وكذلك لو كانت أخذت المهر ثم خلعها قبل الدخول على شئ مسمى فليس للزوج أن يرجع عليها بشئ من المهر في قول أبى حنيفة وفى قول محمد وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يرجع عليها بنصف المهر وان كان العقد بينهما بلفظة المبارأة فكذلك الجواب في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في المبارأة الجواب كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى والحاصل أن الخلع والمبارأة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى توجبان براءة كل واحد منهما عن صاحبه من الحقوق الواجبة بالنكاح حتى لا يرجع أحدهما على صاحبه بشئ بعد ذلك وعند محمد لا يوجبان الا المسمى في العقد وفيما سوى ذلك من حقوق النكاح يجعل كالفرقة بغير جعل بالطلاق وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى في الخلع الجواب كما قال محمد رحمه الله تعالى وفى المبارأة الجواب كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وجه قول محمد رضى الله عنه ان هذا طلاق بعوض فيجب به العوض المسمى ولا يسقط شئ من الحقوق الواجبة كما لو كان بلفظ الطلاق وهذا

[ 190 ] لانه لا تأثير لعقد المعاوضة إلا في استحقاق العوض المسمى به والدليل عليه أنه لو كان لاحدهما على الآخر دين واجب بسبب آخر أو عين في يده لا يسقط شئ من ذلك بالخلع والمبارأة فكذلك الحقوق الواجبة عليه بالنكاح والدليل عليه ان نفقة عدتها لا تسقط وهى من الحقوق الواجبة بالنكاح فكذلك المهر بل أولى لان النفقة أضعف وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المقصود بهذا العقد لا يتم الا باسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح فلاتمام هذه المقصود يتعدى حكم هذا العقد إلى الحقوق الواجبة بالنكاح لكل واحد منهما وهذا لان الخلع انما يكون عند النشوز وسبب النشوز الوصلة التي بينهما بسبب النكاح فتمام انقطاع المنازعة والنشوز انما يكون باسقاط ما وجب باعتبار تلك الوصلة وفى لفظهما ما يدل عليه فان المبارأة مشتقة من البراءة والخلع من الخلع وهو الانتزاع يقول الرجل خلعت الخف من الرجل إذا قطعت ما بينهما من الوصل من كل وجه فأما إذا كان العقد بلفظ الطلاق فقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يسقط الحقوق الواجبة أيضا بالنكاح لاتمام المقصود وفي ظاهر الرواية ليس في لفظ الطلاق ما يدل على اسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح فلهذا لا تسقط فأما سائر الديون فوجوبها ما كان بسبب وصلة النكاح والنشوز والمنازعة لم يتحقق فيه فلهدا لا يسقط وأما نفقة العدة فهى غير واجبة عند الخلع انما تجب شيئا فشيئا والخلع والمبارأة سقاط ما هو واجب بحكم النكاح في الحال وأبو يوسف رحمه الله تعالى أخذ في المبارأة بقول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لتحقيق معنى البراءة وفى الخلع أخذ بقول محمد رحمه الله تعالى لانه ليس فيه معنى البراءة عن الحقوق الواجبة فجعل لفظ الخلع بمنزلة لفظ الطلاق وعلى هذا الاصل لو كان مهرها ألف درهم فاختلعت منه قبل الدخول على مائة درهم من مهرها فليس لها أن ترجع على الزوج بشئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما ترجع عليه بأربعمائة ولو كانت قبضت الالف ثم اختلعت بمائة درهم منها لم يكن للزوج غير المائة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يرجع عليها إلى تمام النصف وكذلك لو كان المهر عبدا بعينه في يدها فاختلعت منه بمائة درهم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يرجع عليها بشئ من العبد وعندهما يرجع عليها بنصف العبد ولو تزوجها على ألف درهم فوهبت له النصف وقبضت النصف ثم اختلعت منه بشئ مجهول كالثوب ونحوه فانه يرجع عليها بما دفع إليها من المهر لا بالالف التى كان أصل العقد بها لان ثبوت حق الرجوع عند الغرور لدفع

[ 191 ] الضرر عن الزوج وذلك يتم إذا رجع بما ساق إليها ولو كانت وهبت جميع المهر لزوجها لم يرجع الزوج عليها بشئ لان الرجوع بحكم قبضها ولم يقبض شيئا والرجوع لدفع الضرر عن الزوج والضرر مندفع هنا حين سلم له جميع المهر بالهبة (قال) وإذا اختلعت من زوجها بعبد بعينه فمات قبل أن يسلمه فعليها قيمته له كما في الصداق لان السبب الموجب للتسليم لم ينفسخ بهلاكه فان تبين ان العبد كان مات قبل الخلع فانما يرجع عليها بالمهر الذى أخذت منه لانها غرته بتسمية العبد وان كان حيا فاستحق فعليها قيمته لانه تعذر تسليمه مع بقاء السبب الموجب للتسليم له وان ظهر انه كان حرا فعليها المهر الذى أخذت منه في قول أبى حنيفة ومحمد رضى الله عنهما وفى قول أبى يوسف رضي الله عنه عليها قيمته أن لو كان عبدا وهذا والصداق سواء (قال) وان اختلعت منه بما لا يحل كالخمر والخنزير والميتة لم يكن له عليها شئ لان المسمى ليس بمال متقوم في حق المسلمين فلا يتمكن الغرور منها بهذه التسمية فصارت هذه التسمية وجودها كعدمها وبهذا فارق الصداق فان تسمية الخمر هناك وجودها كعدمها ولكن بدون التسمية يجب مهر المثل هناك ولا يجب هنا شئ وان غرته فقالت اختلع منك بهذا الخل فإذا هو خمر فعليها أن ترد المهر المأخوذ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليها مثل ذلك الكيل من خل وسط وهذا والصداق سواء (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم ثم اختلعت منه بمال مؤجل فهو جائز إذا كان الاجل معلوما لان الخلع عقد معاوضة فيصح اشتراط الاجل المعلوم في بدله كسائر المعوضات وان كان الاجل مجهولا جهالة مستتمة مثل الميسرة أو موت فلان أو قدوم فلان فالمال عليها حال لان الاجل إسم لزمان منتظر ولم يصر مذكورا بذكر هذه الالفاظ لجواز ان يتصل موت فلان أو قدومه والميسرة بالعقد فبقى هذا شرطا فاسدا والخلع لا يبطل به فكان المال حالا عليها وان كان إلى الاعطاء أو إلى الدياس أو النيروز أو المهرجان فالمال إلى ذلك الاجل لانهما ذكرا في العقد ما هو أجل وهو الزمان الذى هو منتظر فان وقت الشتاء ليس بزمان الحصاد والدياس بيقين ولكن في آخره بعض الجهالة من حيث أنه قد يتقدم إذا تعجل الحر ويتأخر إذا تطاول البرد ولكن هذا القدر لا يمنع صحة الاجل خصوصا في العقد المبني على التوسع كالكفالة والخلع مبنى على التوسع فتثبت فيه هذه الآجال فان ذهبت الغلة في ذلك العام فلم يكن حصاد ولا جزاز فالاجل إلى مثل ذلك الوقت

[ 192 ] الذى يكون فيه في مثل ذلك البلد وكذلك العطاء لان ذكر العطاء كان على سبيل الكناية عن وقته فلا معتبر بوجود حقيقته ووقته معروف عند الناس في كل موضع فإذا جاء ذلك الوقت وجب تسليم المال ويدل الخلع إذا كان دينا فهو في حكم أخذ الرهن والكفيل به بمنزلة الصداق حتى إذا هلك هلك بما فيه وكان هو أمينا في الفضل (قال) وان خلعها على وصيف بغير عينه فان جاءت بقيمته أجبر على قبوله كما في الصداق وان صالحها من الوصيف على دراهم مما يكال أو يوزن أو العروض أو الحيوان من غير صفته فهو جائز بعد ان يكون يدا بيد كما في الصداق وهذا لانه إذا لم يكن مقبوضا كان دينا بدين وذلك حرام (قال) وإذا اختلعت في مرضها بمهرها الذي كان لها على زوجها ثم ماتت في العدة فله الاقل من ميراثه ومن المهر ان كان يخرج من ثلث مالها مهر وان لم يكن لها مال سوى ذلك فله الاقل من ميراثه منها ومن الثلث وان ماتت بعد انقضاء العدة فله المهر من ثلث مالها والحاصل انه إذا اختلعت في مرضها فبدل الخلع معتبر من ثلث مالها عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى من جميع المال واعتبر الخلع بالنكاح فان المريض لو تزوج امرأة بصداق مثلها اعتبر من جميع ماله لان ذلك من حوائجه وكذلك المريضة إذا اختلعت لان ذلك من حوائجها لتتخلص به من أذى الزوج ولكنا نقول البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم وعند الخروج لا يتقوم حتى ان للاب أن يزوج ابنه امرأة بماله وليس له أن يخالع ابنته من زوجها بمالها والخلع ليس من أصول حوائجها فكان بدل الخلع بمنزلة الوصية منها للزوج فيعتبر من الثلث ومن عليه القصاص إذا صالح في مرضه على الدية عندنا يعتبر من جميع ماله لانه يحتاج إليه لاحياء نفسه فكان ذلك من أصول حوائجه بخلاف بدل الخلع وعند زفر رحمه الله تعالى يعتبر هنا من الثلث بخلاف الخلع لان القصاص عقوبة فلا يعتاض عنه بالمال حقيقة فيكون التزام المال بمعنى الصلة المبتدأة والمملوك بالنكاح مما يعتاض عنه بالمال باعتبار الاصل وما يسلم للزوج هنا يصلح أن يكون عوضا يعتبر من جميع مالها إذا عرفنا هذا فنقول إذا ماتت قبل انقضاء العدة فسبب ميراثه باق ببقاء العدة ويجوز أن يكون قصدها بهذا الخلع ايصال المنفعة المالية إلى الزوج ولكن هذه التهمة في الزيادة على قدر ميراثه فأما في الاقل فلا تهمة فلهذا كان له الاقل من ميراثه ومما سمت له وإذا ماتت بعد انقضاء العدة فليس بينهما سبب التوارث عند موتها فيكون له جميع المسمى من الثلث بمنزلة

[ 193 ] ما لو أوصت له أو أقرت له بشئ بعدما طلقها ثلاثا وان كان لم يدخل بها فاختلعت منه في مرضها بمهرها فنقول اما نصف المهر فقد سقط عن الزوج بالطلاق قبل الدخول لا من جهتها والنصف الباقي له من ثلث مالها لان ذلك القدر بمنزلة الوصية منها له وليس بينهما سبب التوارث إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا معني لاعتبار الاقل وكذلك ان كانت اختلعت منه بأكثر من مهرها فنصف المهر سقط بالطلاق قبل الدخول والنصف الباقي مع الزيادة للزوج من ثلث مالها فان برئت من مرضها فله جميع المسمى بمنزلة ما لو خالعها في صحتها (قال) وان اختلعت وهي صحيحة والزوج مريض فالخلع جائز بالمسمى قل أو كثر لانه لو طلقها بغير عوض كان صحيحا فبالعوض القليل أولى ولا ميراث لها منه لان الفرقة انما وقعت بقبولها فكأنه طلقها بسؤالها (قال) وان تبرع أجنبي في مرضه باختلاعها من الزوج بمال ضمنه للزوج فهو جائز من ثلثه إذا مات من ذلك المرض لان الأجنبي التزم المال في مرضه من غير عوض حصل له فكان معتبرا من ثلثه وان كان الزوج مريضا حين فعل الأجنبي هذا بغير رضاها فلها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء عدتها لان الفرقة وقعت بغير رضاها فيكون الزوج فارا في حقها (قال) وإذا وكل رجل رجلا ان يخلع امرأته فقام الوكيل من مجلسه قبل أن يخلعها فهو على وكالته لان مطلق التوكيل لا يتوقف بالمجلس كما في سائر العقود وهذا لان المطلوب من الوكيل تحصيل مقصود الموكل والمجلس وما بعده في هذا سواء وهذا بخلاف ما لو قال لها أمرك بيدك لان ذلك تمليك الامر منها وجواب التمليك يقتصر على المجلس وهذا إنابة له مناب نفسه في عقد الخلع فيصير نائبا عنه ما لم يعزله كما لو قال له طلقها (قال) وإذا وكل رجلين بالخلع فخلع أحدهما لم يجز لان الخلع عقد معاوضة يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير وهو انما رضى برأى المثني ورأى الواحد لا يكون كرأي المثني فلا يحصل مقصوده إذا انفرد أحدهما به كما في البيع بخلاف ما لو قال طلقاها فطلقها أحدهما جاز لان ايقاع الطلاق مجرد عبارة لا يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير وعبارة الواحد وعبارة المثنى سواء وما هو مقصود الزوج يحصل بايقاع أحدهما (قال) وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا على عبدى هذا ان شئت فقامت من مجلسها قبل أن تشاء فهى امرأته ولا يقع الطلاق في هذا الا بقبولها لان العبد المسمي ملك الزوج فكان ذكره والسكوت عنه سواء فيبقى قوله أنت طالق ثلاثا ان شئت فإذا قامت قبل أن تشاء خرج الامر من

[ 194 ] يدها فلا يقع عليها شئ لان المشيئة منها لم توجد ولانه اوقع الطلاق بعوض فلا يقع الا بوجود القبول وان لم يجب العوض ولا منفعة فيه لاحدهما كما لو طلقها على خمر أو ميتة لا يقع الطلاق الا بقبولها وان كان لا يجب عليها شئ بعد القبول وان قبلت في المجلس وقع الطلاق عليها لوجود القبول ولانها لما قبلت فقد شاءت والعبد عبد الزوج على حاله لان ملكه لا يكون عوضا عن ملكه ولا شئ له عليها لانها لم تغره وان قال أنت طالق ان شئت على عبدك الذى في يدى فان قبلت وقع الطلاق عليها وله العبد لان ملكها يصلح عوضا عن الطلاق سواء كان في يدها أو في يد الزوج فان استحق العبد فله قيمته لان التسليم بالعقد صار مستحقا عليها وقد بطل فيبقى الزوج بالاستحقاق من الاصل والسبب الموجب تسليم قائم فعليها قيمته له (قال) وان طلقها على ما في يده فقبلت فإذا في يده جوهرة لها فهى له وان لم تكن علمت بذلك لانها هي التى أضرت بنفسها حين قبلت الخلع قبل أن تعلم ما في يده ولو اشترى منها بهذه الصفة كان جائزا ولا خيار لها فالخلع أولى وان لم يكن في يده شئ فالطلاق رجعى ولا شئ له عليها لانها لم تغره وصريح الطلاق لا يوجب البينونة الا بعوض (قال) وان اختلعت منه بعبد حلال الدم فقتل عنده بقصاص رجع عليها بقيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهذا بمنزلة الاستحقاق عنده على ما نبينه في كتاب البيوع ان شاء الله تعالى وكذلك لو كان وجب قطع يده فقطع عند الزوج رده وأخذ قيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهذا بمنزلة العيب الفاحش يكون في يدها بالعبد وعندهما عيب القطع في حكم الحادث عند الزوج فيمنعه من رد العبد عليها وموضع بيان هذه المسألة في كتاب البيوع (قال) ولو خلعها على عبد نصراني أو أمة لها زوج أو عبد له امرأة ولم تعلمه ذلك لم يرجع عليها بشئ فان هذا بمنزلة العيب اليسير لان نقصان المالية يقل بهذه الاسباب وبدل الخلع لا يرد بالعيب اليسير كالصداق (قال) وان اختلعت ومهرها ألف درهم على عبد على ان زادها ألف درهم فاستحق العبد من يده رجع عليها بالالف وبنصف قيمة العبد لان المرأة بذلت العبد بازاء شيئين الالف التى قبضت والخلع وهما سواء فانقسم العبد نصفين نصفه بيع من الزوج بالالف فعند الاستحقاق يرجع بثمنه المدفوع ونصفه بدل الخلع فعند الاستحقاق يرجع بقيمته فلهذا رجع عليها بالالف وبنصف قيمة العبد وكذلك لو كان أعطاها مكان الالف خادما قيمته ألف أخذ الخادم ونصف قيمة العبد

[ 195 ] لان نصف العبد كان بيعا له بالخادم والاستحقاق يبطل البيع فيرجع بالخادم والنصف الآخر من العبد كان جعلا فيرجع بقيمته عند الاستحقاق (قال) وان خلعها على ان أعطته درهما قد نظر إليه في يدها فإذا هو زيف أو ستوق فله أن يأخذ منها جيدا لان مطلق تسمية الدراهم يتناول الجياد فكان له ان يرد الزيف والستوق ويطالبها بما استحق من العقد (قال) وليس هذا بمنزلة العيب في العبد يريد به ان العبد لا يرد بالعيب اليسير في الخلع والدراهم ترد بعيب الزيافة وإن كان ذلك عيبا يسيرا لان الخلع ما تعلق بتلك الدراهم بعينها وانما تعلق بدراهم جياد في ذمتها حتى ان لها ان تمنع ذلك الدرهم وتعطيه آخر فكان له ان يطالبها بما استحق بالعقد ولانه بالرد هنا يستفيد شيئا وهو الرجوع بالجيد بخلاف العبد فان العبد تعلق بعينه فلا يستفيد شيئا برده بعيب يسير لانه يرجع بقيمته ولا فرق بين قيمته صحيحا وبين عينه مع العيب اليسير (قال) ولو اختلعت منه على ثوب في يدها أصفر فقالت هو هروى فإذا هو مصبوغ كان له ثوب هروى وسط لان المسمى إذا لم يكن من جنس المشار إليه فالعقد يتعلق بالمسمي ولهذا لا يجوز البيع في مثله لانه يتعلق بالمسمى وهو معدوم فكذلك بالخلع يتعلق بالمسمى وهو ثوب هروى والخلع على مثله صحيح وينصرف إلى الوسط كما في الصداق (قال) وإذا تزوج المريض امرأة مريضة على الف درهم ودفعها إليها ولا مال له غيرها ومهر مثلها مائة درهم فاختلعت بها منه قبل ان يدخل بها ثم ماتت من ذلك المرض ولا مال لها غيرها ثم مات الزوج بعدها من ذلك المرض فلورثة المرأة من هذه الالف مائتا درهم وخمسة وسبعون درهما ولورثة الزوج سبعمائة وخمسة وعشرون درهما وهذه المسألة تنبنى على أصول أحدها ان المريض إذا تزوج امرأة على أكثر من صداق مثلها فالزيادة على صداق المثل بمنزلة الوصية في الاعتبار من الثلث ومقدار صداق مثلها لا يعتبر من الثلث والثانى ان المريضة ان اختلعت من زوجها بمال يكون معتبرا من ثلث مالها والثالث أن الطلاق قبل الدخول يسقط نصف الصداق عن الزوج شرعا ثم وجه تخريج المسألة أن في مقدار مهر مثلها وهو المائة لا وصية من الزوج لها وقد عاد بالطلاق قبل الدخول نصفه إليه بقى لها خمسون وقد أوصت بذلك للزوج حين اختلعت منه به فانما يسلم للزوج ثلث ذلك وهو ستة عشر وثلثان فيكون حاصل مال الزوج تسعمائة وستة وستين وثلثين وقد حاباها بأربعمائة وخمسين في أصل النكاح لان المحاباة كانت تسعمائة ولكن بالطلاق قبل الدخول عاد إلى الزوج

[ 196 ] نصفها فبقيت المحاباة بأربعمائة وخمسين وذلك أكثر من ثلث ماله فتعتبر محاباته من الثلث فكان ينبغى أن يسلم لها ثلث هذا المقدار الا أنه قال انه تنفذ وصيته في ثلاثة أثمان هذا المقدار لانا لو نفذنا في ثلثها رجع ثلث ذلك إلى ورثة الزوج بالخلع فيزداد مالهم وتجب الزيادة في تنفيذ الوصية لها بحسبه فلا يزال يدور هكذا فلقطع الدور قال تنفذ وصيته في ثلاثة أثمانه وطريق معرفة ذلك بالسهام انك تحتاج إلى مال ينقسم ثلثه أثلاثا وأقل ذلك تسعة فكان ينبغى أن يجعل مال الزوج على تسعة أسهم وتنفذ وصيته في ثلثه الا أن سهما من هذه الثلاثة يعود إلى الورثة بالخلع وصية منها له فيصير في يد ورثة الزوج سبعة أسهم وحاجتهم إلى ستة وهذا السهم الزائد هو الدائر الذى يسعى إلى الفساد فالسبيل طرح هذا السهم من قبل من خرج الدور من قبله وهو معنى قول أبى حنيفة سهم الدور ساقط وانما ظهر هذا الدور من جانب الورثة بزيادة حقهم فنطرح من أصل حقهم سهما فيبقى حقهم في خمسة وحق المرأة في ثلاثة فيكون ثمانية فلهذا جعلنا مال الزوج على ثمانية ثم نفذنا وصيته لها في ثلاثة ويعود سهم من هذه الثلاثة إلى ورثته بالخلع فيصل للورثة ستة وقد نفذنا الوصية في ثلثه فيستقيم الثلث والثلثان ثم وجه التخريج من حيث الدراهم ان مال الزوج تسعمائة وستة وستون وثلثان فإذا قسمت ذلك اثمانا فكل ثمن من ذلك مائة وعشرون وخمسة أسداس فثلاثة أثمانه تكون ثلثمائة واثنين وستين ونصفا تنفذ الوصية في الابتداء في هذا المقدار يبقى للورثة ستمائة وأربعة وسدس ثم يعود إليهم من جهتها مائة وعشرون وخمسة أسداس فيكون جملة ذلك سبعمائة وخمسة وعشرين وقد نفذنا الوصية في ثلثمائة واثنين وستين ونصف فيستقيم الثلث والثلثان وحصل لورثة المرأة في الابتداء ثلاثة وثلاثون وثلث وبالوصية مائتان واحد وأربعون وثلثان فيكون جملة ذلك مائتين وخمسة وسبعين فاستقام التخريج وهذه المسألة بأخواتها تعود في كتاب العتق في المرض فيؤخر تخريج سائر الطرق إلى ذلك الموضع والله أعلم بالصواب * (باب المشيئة في الطلاق) * (قال) رجل قال لامرأته ان شئت فأنت طالق فذلك إليها ما دامت في مجلسها لانه علق الوقوع بمشيئتها وذلك من عمل قلبها بمنزلة اختيارها وقد اتفقت الصحابة رضوان الله عليهم

[ 197 ] ان للمخيرة الخيار ما دامت في مجلسها فكذلك يثبت هذا الحكم فيما هو في معناه وهو المشيئة وهذا لان الرأي الذى يوجبه الزوج لها معتبر بما يثبت لها من الخيار شرعا وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بمجلسها غير انها ان شاءت هنا فهي طالق تطليقة رجعية لان الوقوع بلفظ الزوج وقد أتى بصريح الطلاق وان قامت قبل ان تشاء فهي امرأته ولا مشيئة لها بعد ذلك لانقطاع مجلسها بالقيام أو لوجود دليل الاعراض عما فوض إليها من المشيئة وكذلك ان أخذت في عمل آخر يعرف أنه قطع لما كانا فيه من ذكر الطلاق لان الاعراض عن المشيئة يتحقق باشتغالها بعمل آخر كما يتحقق بقيامها وقيام الزوج من ذلك المجلس لا يبطل مشيئتها لان قيامه ذليل الرجوع فيكون كصريح الرجوع ولو رجع عما قال كان رجوعه باطلا بخلاف قيامها فانه دليل الرد ولو ردت المشيئة صح منها وبه فارق البيع فان الموجب لو قام عن المجلس قبل قبول الآخر يبطل ايجابه فكذلك يبطل بقيامه وكذلك لو قال ان أحببت أو هويت أو رضيت أو أردت فأنت طالق لان هذه الالفاظ في المعني تتقارب فانه تعليق للوقوع باختيارها ولان هذه المعاني لا تفارقها كمشيئتها فيتحقق منها في المجلس ولو قال طلقي نفسك ان شئت أو أحببت أو هويت أو رضيت أو أردت فهو كذلك الا أن هنا ما لم تقل طلقت نفسي لا يقع لان قوله طلقي نفسك تمليك الامر منها وقد علقه بالمشيئة فإذا قالت شئت صار الامر في يدها لوجود الشرط فلا يقع ما لم توقع وهناك قوله أنت طالق ايقاع وقد علقه بالمشيئة فإذا قالت شئت يتنجز وان قال ان كنت تحبيننى أو تبغضينني فأنت طالق أو ما أشبه هذا من الكلام الذى لا يطلع على ما في قلبها غيرها فذلك إليها في المجلس والقول فيه قولها استحسانا وفى القياس لا يقبل قولها إذا أنكره الزوج لانها تدعى شرط الطلاق وذلك منها كدعوى نفس الطلاق ولكنه استحسن فقال لا طريق لنا إلى معرفة هذا الشرط الا من جهتها فلا بد من قبول قولها فيه لان الحجة بحسب الممكن في كل فضل ولما علق الزوج الطلاق بما في قلبها مع علمه انه لا يعرف ذلك الا بقولها صار الطلاق معلقا باخبارها فكأنه قال ان أخبرتني أنك تحبينني وقد أخبرت بذلك فانما أقمنا نفس الخبر مقام حقيقة ما في قلبها للتيسير استحسانا لهذا وانما توقت بالمجلس لان إخبارها يتحقق في المجلس كمشيئتها واختيارها ولو قال لها طلقي نفسك ولم يذكر فيه مشيئة فذلك بمنزلة المشيئة لها ذلك ما دامت في المجلس لانه تمليك للايقاع منها وجواب التمليك يقتصر على المجلس بخلاف ما لو

[ 198 ] قال لاجنبي طلق امرأتي فان ذلك توكيل والتوكيل لا يتوقف بالمجلس وفي جانبها ليس بتوكيل فانها لا تكون وكيلا ولا رسولا في الايقاع على نفسها فبقي تمليكا للامر منها فان طلقت نفسها ثلاثا وقال الزوج أردت ثلاثا فهى طالق ثلاثا لان قوله طلقي نفسك تفويض ولهذا جعلناه تمليكا للامر منها على معنى أنه فوض إليها ما كان إليه والتفويض يحتمل معنى العموم والخصوص فنية الثلاث فيه نية العموم وبعد ما صارت الثلاث مفوضة إليها يكون ايقاعها الثلاث كايقاع الزوج ولو قال أردت واحدة لم يقع عليها شئ في قول أبى حنيفة وعندهما يقع عليها واحدة وكذلك لو قال طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يقع عليها واحدة وان قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة أو اثنتين وقع ذلك بالاتفاق هما يقولان أوقعت ما فوض إليها وزادت على ذلك لان الواحدة موجودة في الثلاث فهو كما لو قالت طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة وكما لو قال لها طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرتها وكما لو قال لعبده أعتق نفسك فأعتق نفسه وصاحبه أو قال لاجنبي بع عبدى هذا فباعه مع عبد آخر والدليل على وجود الواحدة في الثلاث ان الثلاث آحاد مجتمعة ألا ترى انه لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة يقع وانما يصح ايقاعها إذا كان ما أوقعت موجودا فيما فوض إليها توضيحه انه لو قال لها طلقي نفسك فقالت ابنت نفسي يقع عليها تطليقة رجعية وبما زادت من صفة البينونة لا تنعدم الموافقة في أصل الطلاق فكذلك إذا أوقعت الثلاث لان موجب الثلاث البينونة الغليظة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أتت بغير ما فوض إليها فكانت مبتدئة فيتوقف ايقاعها على اجازة الزوج كما لو قال لها طلقي نفسك فطلقت ضرتها وبيان الوصف ان الثلاث غير الواحدة وقد قررنا هذا في مسألة الشهادة فيما سبق بخلاف ما لو قالت واحدة وواحدة وواحدة لانها بالكلام الاول تكون ممتثلة لما فوض وفي الكلام بالثانية والثالثة تكون مبتدئة وكذلك أن أوقعت على نفسها وضرتها (فان قيل) فكذلك هنا بقولها طلقت نفسي تكون ممتثلة لو اقتصرت عليه فانما تكون مبتدئة في قولها ثلاثا فتلغو هذه الزيادة (قلنا) الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع بالعدد لا بلفظ الطلاق ولهذا لو قال لغير المدخول بها انت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا ولو مات بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لم يقع شئ فإذا كانت مبتدئة في كلمة الايقاع لم يقع عليها شئ بدون اجازته وبه فارق صفة البينونة لان قولها

[ 199 ] أبنت نفسي أي طلقت نفسي تطليقة بائنة واصل الطلاق انما يقع بقولها طلقت نفسي لا بذكر صفة البينونة وهي في ذلك ممتثلة امره وهذا بخلاف ما لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لان الثلاث غير الواحدة ولكن من ضرورة صيرورة الامر في يدها في الثلاث وقوع الواحدة بايقاعها فانها بعض ما صار مملوكا لها فانما ينفذ باعتبار أنها تصرفت فيما ملكت وهنا انما صارت الواحدة في يدها وليس من ضرورته صيرورة الثلاث في يدها فهي في ايقاع الثلاث غير متصرفة فيما تملك ولا ممتثلة أمره توضيحه أن المخاطب متى زاد على حرف الجواب كان مبتدئا كما لو قال تعال تغد معى فقال ان تغديت اليوم فعبده كذا كان مبتدئا حتى لو رجع إلى بيته فتغدى حنث لانه زاد على حرف الجواب ومتى نقص لا يكون مبتدئا والمخاطبة بالواحدة إذا أوقعت الثلاث فقد زادت على حرف الجواب والمخاطبة بالثلاث إذا أوقعت الواحدة لم تزد على حرف الجواب فلهذا افترقا يقرره انه إذا فوض الثلاث إليها فأوقعت واحدة فهي تقدر على ايقاع الثانية والثالثة في المجلس ولو فعلت كانت ممتثلة لا محالة فبتركها ايقاع الثانية والثالثة لا تخرج من أن تكون ممتثلة في الاولى بخلاف ما إذا أوقعت الثلاث وقد أمرها بالواحدة لان هناك لا تقدر على الامتثال بعد هذا لاشتغالها بغير ما أمرها به (قال) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا ان شئت فقالت قد شئت واحدة أو اثنتين فهذا باطل لان قوله ان شئت أي ان شئت الثلاث فان هذا اللفظ غير مفهوم المعني بنفسه فلابد من أن يجعل بناء على ما سبق وإذا جعلناه بناء يتبين أنه جعل الشرط مشيئتها الثلاث فلا يتم الشرط بمشيئتها الواحدة ولو قال لها أنت طالق واحدة ان شئت فقالت شئت اثنتين أو ثلاثا لم يقع شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه لم توجد مشيئتها الواحدة فان الثلاثة غير الواحدة وعندهما تقع واحدة لانها قد شاءت الواحدة وزيادة وهذا بناء على الفصل الاول (قال) ولو قال لها انت طالق ثلاثا ان شئت فقالت قد شئت واحدة وواحدة وواحدة وقع عليها ثلاث تطليقات دخل بها أو لم يدخل بها لان تمام الشرط بآخر كلامها فما لم يتم الشرط لا ينزل الجزاء فلهذا وقع الثلاث عند تمام الشرط جملة سواء دخل بها أو لم يدخل بها ولان الكلام المعطوف بعضه على بعض يتوقف أوله على آخره وبآخره تتحقق منها مشيئة الثلاث فكأنها قالت شئت ثلاثا ولو قالت شئت واحدة وسكتت ثم قالت شئت واحدة وواحدة لم يقع عليها شئ لان كلامها تفرق بسكوتها وهى

[ 200 ] في الكلام الاول شاءت غير ما جعله الزوج شرطا لان الشرط مشيئتها الثلاث وقد شاءت الواحدة واشتغالها بمشيئة أخرى يكون ردا للمشيئة التى جعلها الزوج شرطا فكان هذا بمنزلة قولها لا أشاء ولو قالت ذلك لم يكن لها مشيئة بعده فكذلك هنا بخلاف الاول فان كلامها موصول هناك وبتأخره بين انه ايجاد للشرط لا رد للمشيئة ولو قالت قد شئت ان شاء أبى كان هذا باطلا لان الشرط مشيئتها وما أنت به انما علقت مشيئتها بمشيئة أبيها والتعليق غير التنجيز ألا ترى ان المفوض إليها تنجيز الطلاق لا تمليك التعليق ثم اشتغالها بالتعليق بمنزلة قيامها في خروج الامر من يدها فلا مشيئة لها بعد ذلك وان كانت في المجلس ولو قال لها إذا شئت فانت طالق أو متي شئت كان لها ان تشاء في المجلس وبعد القيام من المجلس متى شاءت مرة واحدة لان كلمة إذا ومتى للوقت فكأنه قال أي وقت شئت فيكون موجب هذا الحرف تعدى المشيئة إلى ما بعد المجلس من الاوقات لا التكرار فكان لها المشيئة مرة واحدة في أي وقت شاءت وكذلك قوله إذا ما شئت أو متى ما شئت ولو قال لها أنت طالق كلما شئت كان لها ذلك أبدا كلما شاءت مرة بعد أخرى حتى يقع عليها ثلاث تطليقات لان كملة كلما تقتضي التكرار وان شاءت مرة واحدة وصارت طالقا واحدة وانقضت عدتها ثم تزوجها كان لها المشيئة أيضا لبقاء بعض التطليقات المملوكة له ولو شاءت ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج فلا مشيئة لها لان كلامه انما يتناول التصليقات المملوكة ولم يبق منها شئ بعد وقوع الثلاث وفى هذا خلاف زفر وقد بيناه ولو انها شاءت مرتين ووقع عليها تطليقتان وانقضت عدتها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم عادت إليه تعود بثلاث في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولها المشيئة في ذلك كله مرة بعد مرة لبقاء شئ من التطليقات المملوكة له وقد قررنا هذا الفرق فيما سبق أنه إذا بقى شئ مما تناوله عقده واستفاد من جنسه يتعدى حكم ذلك العقد إليه بخلاف ما إذا لم يبق شئ منه وكذلك لو لم تشأ حتى طلقها الزوج ثلاثا فلا مشيئة لها بعد ذلك وان عادت إليه بعد الزوج بخلاف ما لو طلقها واحدة أو اثنتين ولو لم تشأ شيئا وردت المشيئة كان ردها باطلا لان ردها إعراض بمنزلة قيامها عن المجلس وفي لفظ كلما لا تبطل مشيئتها بقيامها فكذلك بردها وهذا لان شرط المشيئة في حكم الرد كسائر الشروط ولو علق الطلاق بدخولها الدار فردت كان ردها باطلا ألا ترى أن في جانب الزوج جعل هذا في اللزوم والتعليق بشرط آخر سواء (قال) ولو

[ 201 ] قال لها كلما شئت فأنت طالق ثلاثا فقالت شئت واحدة فهذا باطل لان معني كلامه كلما شئت الثلاث ولو قال كلما شئت فأنت طالق واحدة أو قال فأنت طالق ولم يقل واحدة فشاءت الثلاث لم يقع عليها شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما تقع واحدة وقد بينا هذا ولو قالت قد شئت أمس تطليقة وكذبها الزوج فالقول قول الزوج لانها أخبرت بما لا تملك انشاءه فانها أخبرت بمشيئة كانت منها أمس ولا يبقى لها ذلك بعد مضى أمس (فان قيل) أليس انها لو شاءت في الحال يصح منها فقد أخبرت بما تملك انشاءه (قلنا) لا كذلك فالمشيئة في الحال غير المشيئة في الامس وكل مشيئة شرط تطليقة فهى لا تملك إنشاء ما أخبرت به انما تملك انشاء شئ آخر وهو بمنزلة قوله لها أنت طالق ان دخلت الدار اليوم أو ان كلمت فلانا غدا فقالت في الغد قد كنت دخلت الدار أمس لا يقبل قولها وان كانت تملك الايقاع في الحال بأن تكلم فلانا ولو قالت قد شئت أن أكون طالقا غدا كان ذلك باطلا لانه فوض إليها التنجيز فلا تملك الاضافة إلى وقت منتظر كما لا تملك التعليق بالشرط (قال) وإذا قال لامرأتيه ان شئتما فأنتما طالقان فشاءت إحداهما دون الاخرى كان باطلا عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تطلق التى شاءت لانه لو خاطبها بالطلاق مطلقا كان كلامه متناولا كل واحدة منهما فكذلك إذا خاطبهما بطلاق معلق بالمشيئة يصير كانه قال لكل واحدة منهما أنت طالق ان شئت ولكنا نقول معنى قوله إذا شئتما أي شئتما طلاقكما فبمشيئة احداهما وجد بعض الشرط وبوجود بعض الشرط لا ينزل شئ من الجزاء كما إذا قال إذا دخلتما هذه الدار أو كلمتما فلانا ففعلت احداهما دون الاخرى وعلى هذا لو شاءتا ايقاع الطلاق على احداهما دون الاخرى لم تطلق لان الشرط مشيئتهما طلاقهما فبمشيئتهما طلاق احداهما يوجد بعض الشرط وكذلك لو ماتت احداهما ثم شاءت الاخرى الطلاق كان ذلك باطلا لانه تحقق فوات بعض الشرط بموت احداهما وكذلك هذا في الاجنبيتين وكذلك في المحبة إذا قال ان احببتما أن أطلقكما فاحبتا طلاق احداهما لم يقع شئ (قال) قال رجل لامرأته شائى طلاقك ينوى الطلاق فقالت قد شئت فهى طالق فان لم يكن له نية فليس بطلاق لما بينا أن مشيئتها من عمل قلبها كاختيارها وهذا بمنزلة قوله اختاري الطلاق فقالت قد اخترت وهناك أن نوى الزوج الايقاع يقع فكذلك هنا لانه يحتمل أن يكون مراده اختاري الطلاق لاطلقك أو اختاري فتكوني طالقا فاعتبر نية الايقاع فيه فكذلك

[ 202 ] في المشيئة وان قال أحبي الطلاق أو أريدي الطلاق أو اهوى الطلاق فقالت قد فعلت كان باطلا وان نوى به الطلاق لان الارادة والمحبة والهوى من العباد نوع تمن فكأنه قال لها تمني الطلاق فقالت قد تمنيت لا يقع به شئ وفى الكتاب أشار إلى الفرق بين هذا وبين قوله شائي لان قوله شائى الطلاق واجبة فيكون مملكا منها وأحبى وأريدى واهوى لم يملكها فيه شيئا ومعنى هذا أن المشيئة في صفات المخلوقين الزم في اللغة من الارادة والهوى والمحبة ألا ترى أن المشيئة لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء وقد تذكر الارادة قال الله تعالى فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض وليس إلى الجدار من الارادة شئ توضيح الفرق أن الزوج هو الموقع ولهذا شرط نية الايقاع منه ولفظ المشيئة يملك الزوج الايقاع به فانه لو قال لها شئت طلاقك بنية الايقاع يقع فكذلك إذا فوض إليها يكون مملكا منها ما كان له فأما لفظ الارادة والمحبة والهوى لا يملك الزوج الايقاع به لانه لو قال أحببت طلاقك أو هويت طلاقك أو أردت طلاقك لا يقع به شئ وان نوى فكذلك لا يصير مملكا منها بهذا اللفظ شيئا وكذلك لو قال انت طالق ان أحببت فقالت قد شئت الطلاق وقع عليها لانها أتت بما جعله شرطا بل باقوى على ما بينا ان المشيئة منها أقوى من المحبة بخلاف ما لو قال انت طالق ان شئت فقالت قد أحببت أو هويت أو أردت لم يقع شئ لانها أتت بدون ما جعله شرطا في حكم الطلاق وما لم يتم الشرط لا ينزل الجزاء (قال) ولو قال لها طلقي نفسك واحدة ان شئت فقالت قد طلقت نفسي واحدة فهي طالق لان ايقاعها على نفسها مشيئة منها وزيادة فيتم به شرط المشيئة (قال) ولو قال انت طالق ثلاثا ان شئت فقالت قد شئت ان كان كذا لشئ ماض كانت طالقا لان التعليق بشرط موجود يكون تنجيزا ألا ترى ان الوكيل بالتنجيز يملك هذا النوع من التعليق بخلاف التعليق بما يكون في المستقبل ألا ترى انها لو قالت قد شئت ان كنت زوجي كان ذلك مشيئة منها ولو قالت قد شئت ان شئت فقال الزوج قد شئت كان باطلا لانها علقت مشيئتها بمشيئة منتظرة وهي مشيئة الزوج فكان ذلك باطلا منها كما لو علقت بمشيئة رجل آخر (فان قيل) ينبغى أن يقع بقول الزوج شئت لانه يملك ايقاع الطلاق بهذا اللفظ (قلنا) انما يملك الايقاع بمشيئة الطلاق وهو بهذا اللفظ شاء مشيئتها لانه قصد جوابها حتى لو قال شئت الطلاق نقول يقع إذا نوى الطلاق وإذا قال لغيره طلق امرأتي فهو رسول معناه ان الوكيل في الطلاق والرسول سواء

[ 203 ] لانه سفير ومعبر والرسالة لا تختص بالمجلس فكان له أن يطلقها بعد المجلس ولو قال طلقها ان شئت كان ذلك على المجلس عندنا حتى لا يملك الايقاع بعد قيامه من المجلس وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يملك لان قوله ان شئت فضل من الكلام فانا نعلم أنه انما يطلقها إذا شاء فتلغو هذه الزيادة ويبقى قوله طلقها ولكنا نقول بآخر كلامه يتبين ان مراده تمليك أمرها منه لا الرسالة وجواب التمليك يقتصر على المجلس كما لو خاطبها به وحاصل هذا ان في حقها لا تتحقق الرسالة فانها لا تكون رسولا إلى نفسها فيكون تمليكا سواء قال لها طلقي نفسك أو قال ان شئت وفى حق الأجنبي تتحقق الرسالة والتمليك جميعا فإذا قال طلق كان رسالة وإذا قال ان شئت كان تمليكا لامرها منه وعلى هذا نقول إذا قال طلقها فله ان يعزله قبل الايقاع ولو قال طلقها ان شئت لم يكن له أن يعزله كما لو ملك الامر منها وكذلك لو جعل ذلك إلى صبى أو معتوه لان مجرد العبارة يتحقق من هؤلاء (قال) وان قال هي طالق إذا شئت فقال قد شئت فهي طالق لوجود الشرط وان قال طلقها ان شئت فقال قد شئت كان باطلا حتى يقول هي طالق لان هذا اللفظ تمليك فلا يقع الطلاق به ما لم يأت بكلمة الايقاع وقد بينا هذا الفرق في التمليك منها فكذلك من الأجنبي وان قال طلقها ثلاثا فقال قد فعلت فهى طالق ثلاثا لان هذا جواب الكلام وهذا لان قوله قد فعلت غير مفهوم المعنى بنفسه فيصير ما تقدم معادا فيه فكأنه قال قد فعلت ما قلت من ايقاع الثلاث عليها (قال) وان قال لرجلين طلقاها فطلقها أحدهما جاز لان الايقاع مجرد عبارة لا يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير فينفرد به كل واحد منهما وهذا بخلاف ما لو قال لغيره طلق امرأتي فوكل الوكيل غيره بذلك لان الموكل رضى بعبارته لا بعبارة غيره وانما جعله رسولا في الايقاع لا في الارسال وان قال طلقاها ثلاثا فطلقها أحدهما واحدة والآخر اثنتين فهى طالق ثلاثا لان فعل كل واحد منهما كفعلهما ولو أوقع الواحدة ثم الاثنتين كانت طالقا ثلاثا ولو قال طلقاها جميعا ولا يطلق واحد منكما دون صاحبه فطلق أحدهما لم يقع لان أخر كلامه عزلهما عن الايقاع الا أن يجتمعا عليه ولو عزلهما عن الايقاع أصلا صح عزله فكذلك إذا عزلهما عن الايقاع الا أن يجتمعا (قال) وإذا قال لرجل طلق امرأتي ثم نهاه بعد ذلك فان علم بالنهي فليس له أن يوقع بعد ذلك وان لم يعلم به فهو على وكالته لانه خاطبه بالنهي عن الايقاع وحكم الخطاب لا يثبت في حق

[ 204 ] المخاطب ما لم يعلم به كخطاب الشرع لانه لا تمكن له من الامتثال ما لم يعلم والتكليف بحسب الوسع وعلى هذا قال في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى إذا جعل طلاق امرأته إلى رجل غائب فطلقها ذلك الرجل قبل أن يعلم بالتفويض إليه لم يقع في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان حكم ذلك الخطاب لا يثبت في حقه ما لم يعلم به ألا ترى أنه لو كان قال له طلقها ان شئت كان له مجلس علمه فما لم يعلم لا يبطل بقيامه ولكن زفر رحمه الله تعالى يقول الموقع للطلاق معبر لا يلحقه في ذلك عهدة وانما يتوقف حكم الطلاق في حقه على علمه لدفع الضرر عنه ولا ضرر عليه هنا فيقع الطلاق بايقاعه (قال) ولو قال لامرأته طلقي نفسك ثم نهاها فطلقت نفسها قبل ان تقوم من مجلسها وقع الطلاق لان ذلك في حقها تمليك لا إرسال وتوكيل وكما يتم ايقاع الطلاق بالزوج إذا أوقع على وجه لا يملك الرجوع عنه فكذلك يتم التمليك به على وجه لا يملك الرجوع عنه أو هذا في معنى التعليق بمشيئتها أو تخييره لها فلا يملك الرجوع عنه بعد تمامه (قال) ولو قال لها ان شئت فأنت طالق فقالت نعم كان هذا باطلا لان الشرط مشيئتها وقولها نعم ليس بمشيئة منها للطلاق فما لم يوجد الشرط بقولها شئت لا يقع عليها شئ وكذلك لو قالت قد قبلت لان قبولها ليس بمشيئة للطلاق (قال) ولو قال لرجلين إذا شئتما ففلانة طالق ثلاثا فشاء احدهما واحدة والآخر اثنتين لم يقع عليها شئ لان الشرط مشيئتهما الثلاث ولم يشأ أحد منهما الثلاث وبدون تمام الشرط لا ينزل الجزاء (قال) ولو قال لها أنت طالق إذا شئت وشاء فلان فقالت قد شئت ان شاء فلان وقال فلان قد شئت كان هذا باطلا لان الشرط مشيئتهما ولم يوجد لانها علقت مشيئتها بمشيئة فلان وقد بينا ان مثل هذا التعليق لا يكون مشيئة منها وبمشيئة فلان انما وجد بعض الشرط وان قال لها ان شئت فأنت طالق ثلاثا ثم قال لاخري طلاقك مع طلاق هذه ثم شاءت تلك الطلاق طلقت وطلقت هذه معها ثلاثا ان كان أراد بقوله الطلاق لانه علق طلاق الاولى بمشيئتها فقوله للاخرى طلاقك مع طلاق هذه كلام محتمل يجوز ان يكون المراد طلاقك مع طلاق هذه في ملكى ويجوز ان يكون المراد طلاقك مع طلاق هذه متعلق بذلك الشرط فينوي في ذلك فان نوى الطلاق وقع عليهما بمشيئة الاولى وان قال لم أنو الطلاق كان مدينا في القضاء لكون كلامه محتملا وان قال إذا شئت فأنت طالق ثم قال لامرأة له أخرى أنت طالق إذا طلقت فلانة ثم شاءت

[ 205 ] فلانة الطلاق طلقت لوجود الشرط ولم تطلق الاخرى لان الوقوع على الاولى عند مشيئتها بايقاع الزوج وايقاعه سبق يمينه في حق الثانية وشرط الحنث يراعى وجوده بعد اليمين ولو قال أولا ان طلقت فلانة فأنت طالق ثم قال لفلانة أنت طالق إذا شئت فشاءت الطلاق وقع عليهما على فلانة بوجود المشيئة وعلى الاخرى بوجود شرط الحنث لانه صار مطلقا فلانة بايقاع منه بعد اليمين بطلاقها وذلك شرط الحنث في حقها (قال) ولو قال لها ان تزوجت فلانة فهى طالق ان شاءت فتزوجها فلها المشيئة حين تعلم بذلك في مجلسها لان قوله ان تزوجت فلانة شرط وقوله فهى طالق ان شاءت جزاء والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكأنه بعد ما تزوجها قال هي طالق ان شاءت فلهذا توقف على مجلس علمها وان شاءت قبل أن يتزوجها فتلك المشيئة باطلة لان المعلق بالشرط معدوم قبله فقبل التزوج لم يصر في يدها شئ فلهذا تلغو مشيئتها قبل التزوج وفي كل فصل تتوقف مشيئتها بالمجلس ان كانت قائمة فقعدت لم تبطل مشيئتها وان كانت قاعدة فقامت بطلت مشيئتها لان حالة القعود أجمع على الرأى مما قبل القعود لان القعود يفرغ الرأى والقيام يفرقه فانما انتقلت إلى القعود للتروي والنظر في أمرها فلا يكون ذلك إعراضا منها فإذا قامت فذلك دليل الاعراض منها (قال) ولو قال لها أنت طالق غدا ان شئت فقالت الساعة قد شئت كان باطلا وانما لها المشيئة في الغد بخلاف ما لو قال لها ان شئت فأنت طالق غدا ونوى الساعة بذلك أو قال ان شئت الساعة فأنت طالق غدا فان لها المشيئة في مجلسها لان قوله ان شئت شرط وقوله فأنت طالق غدا جزاء فقد علق بالشرط طلاقا مضافا إلى الغد ولو علق بالمشيئة طلاقا منجزا يعتبر وجود المشيئة في الحال حتى إذا قامت بطلت مشيئتها فكذلك إذا علق بها طلاقا مضافا وفى الفصل الاول بدأ باضافة الطلاق إلى الغد ثم جعل ذلك الطلاق معلقا بمشيئتها فيراعى وجود المشيئة في ذلك الوقت وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن في الفصلين جميعا يراعي وجود المشيئة في الغد لان التعليق بمشيئتها في المعنى كالتنجيز فانما يعتبر وجوده وقت وقوع الطلاق وفى الفصلين الوقوع في الغد فلذلك يعتبر وجود المشيئة في الغد وعن زفر رحمه الله تعالى ان في الفصلين يعتبر وجود المشيئة في الحال لان قوله ان شئت شرط والشرط وان تأخر ذكره كان متقدما معنى لانه ما لم يوجد الشرط لا ينزل الجزاء فكأنه

[ 206 ] بدأ بذكر المشيئة ألا ترى أنه لا فرق بين قوله ان دخلت الدار فأنت طالق غدا وبين قوله أنت طالق غدا ان دخلت الدار ثم انما يقع في قوله ان شئت الساعة فأنت طالق غدا إذا قالت شئت أن أكون غدا طالقا وان قالت شئت أن يقع الطلاق اليوم كانت هذه المشيئة باطلة ولم يقع عليها الطلاق اليوم ولا غدا لانها شاءت غير ما جعله الزوج مفوضا إلى مشيئتها فانه جعل الطلاق في الغد مفوضا إلى مشيئتها فإذا شاءت أن يقع اليوم فقد اشتغلت بشئ آخر فكان ذلك كقيامها عن المجلس (قال) ولو قال ان شئت فأنت طالق إذا شئت فهما مشيئتان إحداهما على المجلس بقوله ان شئت والاخرى مطلقة بقوله إذا شئت ولكن المشيئة المطلقة معلقة بالمشيئة المؤقتة فإذا قالت في المجلس شئت أن أكون طالقا إذا شئت فقد وجد الشرط وصارت المشيئة المطلقة منجزة فكأنه قال لها أنت طالق إذا شئت فمتى شاءت بعد هذا طلقت وان لم تقل شيئا حتى قامت من المجلس فلا مشيئة لها لان شرط المشيئة المطلقة لم يوجد والمشيئة المقيدة بطلت بالقيام عن المجلس ويستوى ان صرح بذكر الساعة فقال ان شئت الساعة فأنت طالق إذا شئت أو لم يتكلم بالساعة ونواها قال لان هذا كلام له وجهان في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى فان نوى ما دامت في المجلس فهو كما نوى وان نوى بعده فهو كما نوي ومراده أن كلمة إذا قد تكون بمعنى ان وقد تكون يمعنى متى فان جعلت بمعني ان كان آخر كلامه تكرارا وان جعلت بمعنى متى كان تصريحا بالمشيئة المطلقة فينوي في ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال إذا شئت فأنت طالق ان شئت وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى أن عند زفر رحمه الله تعالى التقديم والتأخير سواء فهذا كالاول وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى المعتبر هنا المشيئة المطلقة فسواء شاءت في المجلس أو بعده طلقت فان المشيئة المطلقة أعم فلا تظهر بعدها المشيئة المؤقتة (قال) وان قال أنت طالق كيف شئت فهى طالق تطليقة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا مشيئة لها ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها وقعت تطليقة رجعية والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك فان شاءت البائنة وقد نوى الزوج ذلك كانت بائنة وان شاءت ثلاثا وقد نوى الزوج ذلك كانت طالقا ثلاثا وان شاءت واحدة بائنة وقد نوى الزوج ثلاثا فهى واحدة رجعية وان شاءت ثلاثا وقد نوى الزوج واحدة بائنة فهى واحدة رجعية وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقع عليها شئ ما لم تشأ فإذا شاءت فالتفريع كما قال أبو حنيفة

[ 207 ] رحمه الله تعالى وعلى هذا لو قال لعبده أنت حر كيف شئت عتق عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا مشيئة له ولا يعتق عندهما ما لم يشأ هما يقولان الزوج تكلم بطلاق المشيئة فلا يقع بدون مشيئتها كقوله أنت طالق كم شئت أو أنت طالق حيث شئت أو اين شئت لا يقع ما لم تشأ وهذا لان حرف كيف وان كان استخبارا عن الوصف والحال ولكن ذلك انما يتحقق فيما كان أصله موجودا قبل الاستخبار دون ما لم يكن أصله موجودا فيقام الاصل مقام الصفة فيما لم يكن موجودا قبل كلامه فلهذا تعلق أصل الطلاق بمشيئتها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انما يتأخر إلى مشيئتها ما علق الزوج بمشيئتها دون ما لم يعلق وكيف لا يرجع إلى أصل الطلاق فيكون منجزا أصل الطلاق ومفوضا للصفة إلى مشيئتها بقوله كيف شئت الا ان في غير المدخول بها وفى العتق لا مشيئة لها في الصفة بعد ايقاع الاصل فيلغو تفويضه المشيئة في الصفة إليها أيضا وفي المدخول بها لها المشيئة في الصفة بعد وقوع الاصل ان تجعلها بائنا أو ثلاثة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى على ما أمليناه في كتاب الدعوي فيصح تفويضه إليها فان شاءت في مجلسها ان تكون بائنة أو ثلاثا جاز ذلك إذا نوى الزوج ما شاءت وان نوى الزوج الواحدة البائنة فشاءت الثلاثة فقد شاءت غير ما نوى فلهذا كان الواقع عليها تطليقة رجعية توضيحه ان الاستخبار عن وصف الشئ وحاله لما كان من ضرورته وجود أصله تقدم وقوع أصل الطلاق في ضمن تفويضه المشيئة في الصفة إليها فان الاستخبار عن وصف الشئ قبل وجود أصله محال كما قال القائل يقول خليلي كيف صبرك بعدنا + + + فقلت وهل صبر فيسأل عن كيف بخلال قوله كم شئت لان الكمية استخبار عن العدد فيقتضى تفويض العدد إلى مشيئتها وأصل العدد في المعدودات الواحد وبخلاف قوله حيث شئت وأين شئت لانه عبارة عن المكان والطلاق إذا وقع في مكان يكون واقعا في الامكنة كلها فكان ذلك تعليق أصل الطلاق بمشيئتها وهذه الالفاظ كلها على المجلس لانها لا تنبئ عن الوقت فيتوقت بالمجلس كقوله ان شئت ولو قال انت طالق زمان شئت أو حين شئت فقامت من ذلك المجلس لم تبطل المشيئة لان زمان وحين عبارة عن الوقت فكأنه قال أنت طالق إذا شئت أو متى شئت (قال) وإذا قال أنت طالق أمس ان شئت فلها المشيئة في ذلك المجلس لانه لو لم يقل ان شئت فان يقع الطلاق عليها في الحال وكان قوله

[ 208 ] امس لغوا فكذلك إذا قال ان شئت يكون كلامه تعليقا للطلاق في الحال بمشيئتها فلها المشيئة ما دامت في المجلس وان قال أنت طالق على ألف درهم إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت فذلك إليها متى شاءت اعتبارا للطلاق بالجعل بالطلاق بغير جعل وهذا لان في الطلاق بجعل يعتبر قبولها وهي بالمشيئة تكون قابلة ولما كان حرف إذا ومتى للوقت فقد علق الطلاق بجعل بقبولها في أي وقت يكون فسواء قبلت في المجلس أو بعده بمشيئتها وقع الطلاق ولزمها المال وان قال ان شئت فهذا على المجلس كما لو كان الطلاق بغير جعل فان قالت في المجلس قد شئت وقع الطلاق ولزمها المال وان قامت قبل أن تشاء فهى امرأته (قال) وإذا قال لها إذا شاء فلان فانت طالق وفلان ميت أو كان حيا فمات ساعتئذ والزوج يعلم بذلك أولا يعلم لم يقع عليها الطلاق أما إذا كان حيا فمات فلان الشرط مشيئته وقد فات بموته وبفوات الشرط يمتنع نزول الجزاء وأما إذا كان ميتا فلانه علق الطلاق بشرط لا كون له فيكون تحقيقا للنفي كما لو قال انت طالق ان شاء هذا الجدار أو ان تكلمت الموتى أو ان تكلمت هذه الحصاة يكون تحقيقا للنفي لا ايقاعا وكذلك إذا قال إذا شاء الجن أو ما أشبه هذا من خلق لا يرى ولا يظهر ولا تعلم مشيئته هذا تحقيق للنفي وتأثيره في اخراج الكلام من أن يكون عزيمة ولو قال إذا شاء فلان وفلان غائب فمات ولا يعلم أنه شاء أو لم يشأ لم تطلق كما لو قال أنت طالق ان تكلم فلان بطلاقك فمات فلان قبل أن يعلم ذلك منه لم تطلق لان المتعلق بالشرط لا ينزل الا بعد العلم بوجود الشرط (قال) ولو قال أنت طالق ان كنت تحبين كذا لشئ يعلم أنها تحبه أو لا تحبه مثل الموت والعذاب فقالت أنا أحب ذلك فهي طالق إذا قالت ذلك في مجلسها في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى فيما يعلم أنها لا تحبه لا يقبل قولها ولا تطلق لانا نتيقن بكذبها فان أحدا لا يحب العذاب في النار ولا الموت في الدنيا والمخبر عن الشئ إذا كان متهما بالكذب لا يقبل خبره فعند التيقن بالكذب أولى وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا محبتها تكون بقلبها وذلك مما لا يوقف عليه فيقام خبرها بذلك مقام حقيقته تيسيرا وصار كانه قال لها ان أخبرتني أنك تحبين الموت والعذاب وقد أخبرت بذلك مع أن في خبرها احتمال الصدق وقد يبلغ ضيق الصدر بالمرء وسوء الحال درجة يحب فيها الموت وقد تحملها شدة بغضها للزوج على أن تؤثر العذاب والموت على صحبته وذلك محسوس وقد تحملها شدة البغض أو

[ 209 ] الغيرة على أن تقتل نفسها وهل في ذلك الا ايثار العذاب والموت على صحبته وكذلك لو قال لها ان كنت تبغضين كذا لشئ يعلم أنها تحبه مثل الجنة والغنى فقالت أنا أبغضه فهو كالاول على ما بينا وان قال أنت طالق ان كنت تحبين كذا فقالت لست أحبه وهي كاذبة لم يقع الطلاق عليها لان السبب الظاهر وهو الاخبار قام مقام المعنى الخفي فيدور الحكم من السبب الظاهر وجودا وعدما ويسقط اعتبار المعنى الخفى وكذلك ان قال أنت طالق ثلاثا ان كنت انا أحب ذلك ثم قال لست أحب ذلك وهو كاذب فهى امرأته ويسعه ان يطأها فيما بينه وبين الله تعالى ويسعها المقام معه وهذا مشكل لانه ان كان لا يعرف ما في قلبها حقيقة يعرف ما في قلبه ولكن الطريق ما قلنا ان ما في قلبه وما في قلبها لا يمكن الوقوف على حقيقته فانما يتعلق بالسبب وهو الاخبار فإذا أخبر بخلاف ما جعله شرطا لم يقع عليها شئ المحبة والبغض في ذلك سواء وان قال لها ان كنت أحب طلاقك فأنت طالق ثم قال لست أحب ذلك أو لم يقل شيئا فهى امرأته لان شرط وقوع طلاقها إخباره بمحبة طلاقها فإذا لم يقل شيئا لم يوجد الشرط وان قال لست أحبه فقد أخبر بضد ما جعله شرطا فلا يقع الطلاق وان كان يحب ذلك حقيقة وكذلك لو قال لها ان كنت تحبين طلاقك فأنت طالق ثلاثا فشرط الوقوع إخبارها بمحبة الطلاق ما دامت في المجلس حتى إذا قامت قبل أن تقول شيئا لم تطلق وان كانت تحب ذلك بقلبها لانعدام الشرط وهو الخبر وكذلك ان قالت لا أحبه وهي كاذبة لم تطلق لانها أخبرت بضد ما هو شرط الطلق وكذلك لو قال ان كنت تحبين الطلاق بقلبك أو تهوينه أو تريدينه أو تشتهينه بقلبك دون لسانك فأنت طالق ثلاثا فقالت لا أشاء ولا أحب ولا أقوى ولا أريد ولا أشتهى فهى امرأته لانها أخبرت بضد ما هو شرط الطلاق ولا تصدق بعد ذلك على خلاف هذا القول اما للتناقض أو لان بالخبر الاول قد تم شرط بره وبعد تمام شرط البر في اليمين لا يتصور الحنث وان سكتت ولم تقل شيئا حتى قامت فهى امرأته لان الشرط لم يوجد وهو إخبارها في المجلس وان كان في قلبها خلاف ما أخبرت به فانه يسعها ان تقيم معه فيما بينها وبين الله تعالى في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يسعها ذلك في قول محمد رحمه الله تعالى لانه جعل الشرط محبتها بقلبها حين صرح به فلا معتبر بخبرها بخلافه ولكنا نقول انما يعتبر من كلامه ما يمكن الوقوف على معرفته فاما أن يقوم

[ 210 ] خبرها مقام حقيقة ما في قلبها لانه انما يعبر عما في قلبها لسانا أو لما جعل الشرط مالا طريق لنا إلى معرفته حقيقة كان ذلك تحقيقا للنفي كم بينا من نظائره فيما سبق (قال) وان قال لامرأتيه أيتكما شاءت فهى طالق ثلاثا فشاءتا جميعا فهما طالقان وان شاءت احداهما وسكتت الاخرى فالتى شاءت طالق لان كلمة أي تتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد قال الله تعالى أيكم يأتيني بعرشها ولم يقل يأتوني ويقال أيكم فعل كذا ولا يقال فعلوا ولا فعلتم وإذا ثبت أنه يتناول كل واحدة على الانفراد صارت مشيئة كل واحدة شرطا لوقوع الطلاق عليها على الانفراد بخلاف قوله ان شئتما على ما تقدم فان شاءتا وقال الزوج انما عنيت احداكما لم يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى على معني انه نوى التخصيص في لفظ العموم فان كان عنى واحدة منهما بعينها فارق تلك الواحدة وان عنى بغير عينها يمسك أيتهما شاء وفارق الاخرى ولا يسع امرأتيه ان تقيما معه لانهما يتبعان الظاهر فكما لا يصدقه القاضى في ذلك فكذلك لا يسعهما ان يصدقاه وان قال أشدكما حبا لى أو للطلاق طالق أو قال أشدكما بغضا لى أو للطلاق طالق فادعت كل واحدة منهما أنها أشد حبا أو بغضا في ذلك وكذبهما الزوج لم تطلق واحدة منهما لان كل واحدة منهما تدعى شرط الطلاق والزوج ينكر ذلك وقد يكونان في ذلك سواء لا يحبان ولا يبغضان (فان قيل) لماذا لا يقام هنا إخبار كل واحدة منهما مقام حقيقة كونها أشد حبا أو بغضا (قلنا) لا طريق لواحدة منهما إلى معرفة ما في قلب صاحبتها وبدون ذلك لا يعرف انها أشد حبا أو بغضا فتكون في الاخبار مجازفة فلهذا لا يقام الخبر مقام حقيقة الشرط توضيحه انا لما أقمنا هنا الخبر مقام حقيقة الشرط جعلناهما طالقين ونحن نتيقن انه ما طلقهما انما طلق أشدهما حبا له أو بغضا له ولا يتصور ذلك في حقهما جميعا ولهذا لا تطلق واحدة منهما والله أعلم * (باب الخيار) * (قال) وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت نفسها في القياس لا يقع عليها شئ وان نوى الطلاق لان التفويض إليها انما يصح فيما يملك الزوج مباشرته بنفسه وهو لا يملك ايقاع الطلاق عليها بهذا اللفظ حتى لو قال اخترتك من نفسي أو اخترت نفسي منك

[ 211 ] لا يقع شئ فلا يملك التفويض إليها بهذا اللفظ أيضا ولكنا تركنا القياس لآثار الصحابة روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وزيد وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين قالوا في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فان قامت من مجلسها فلا خيار لها ولان الزوج مخير بين أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك ان يسويها بنفسه في حقه بأن يخيرها وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه حين نزل قوله تعالى فتعالين امتعكن وأسرحكن ثم كان القياس أن لا يبطل خيارها بالقيام عن المجلس لان التخيير من الزوج مطلق والمطلق فيما يحتمل التأبيد متأبد ولكنا تركنا هذا القياس لآثار الصحابة رضى الله عنهم ولان الخيار الطارئ لها على النكاح من جهة الزوج معتبر بالخيار الطارئ شرعا وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بالمجلس فكذلك هذا لها الخيار ما بقيت في المجلس وان تطاول يوما أو أكثر لان المجلس قد يطول وقد يقصر ألا ترى ان حكم قبض بدل الصرف ورأس مال السلم لما توقت بالمجلس لم يفترق الحال بين ان يطول أو يقصر فإذا قامت أو أخذت في عمل يعرف أنه قطع لما كانت فيه من ذلك بطل خيارها لان اشتغالها بعمل آخر يقطع المجلس ألا ترى أن المجلس يكون مجلس مناظرة ثم ينقلب مجلس أكل إذا اشتغلوا به ثم مجلس القتال إذا اقتتلوا ولان الذهاب عن المجلس انما كان مبطلا لخيارها لوجود دليل الاعراض عما فوض إليها وذلك يحصل باشتغالها بعمل آخر وكذلك بقيامها وان لم تذهب لان القيام يفرق الرأى وبه فارق الصرف والسلم فان بمجرد القيام قبل الذهاب هناك لا يبطل العقد لانه لا معتبر بدليل الاعراض ثم وانما المعتبر الافتراق قبل القبض وان كانت قاعدة حين خيرها فاضطجعت بطل خيارها في قول زفر رحمه الله تعالى وهو رواية الحسن بن أبي مالك عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان الاضطجاع دليل الاعراض والتهاون بما خيرها وروى الحسن بن زياد عن أبى يوسف رحمه الله أنه لا يبطل خيارها لان الانسان قد يضطجع إذا أراد أن يروى النظر في أمر ولو كانت متكئة حين خيرها فاستوت قاعدة لا يبطل خيارها لانه دليل الاقبال على ما حزبها من الامر وان كانت قاعدة فاتكأت ففى احدى الروايتين لا يبطل خيارها لان الاتكاء نوع جلسة فكأنها كانت متربعة فاحتبت وفى الرواية الاخرى يبطل خيارها لان الاتكاء بمنزلة الاضطجاع لانه اظهار للتهاون بما خيرها وإذا خيرها وقال لم أرد به الطلاق

[ 212 ] فالقول قوله مع يمينه لان قوله اختاري كلام محتمل يجوز أن يكون مراده اختاري نفقة أو كسوة أو دارا للسكنى وفى الكلام المحتمل القول قول الزوج انه لم يرد الطلاق مع يمينه لكونه متهما في ذلك وان نوى الطلاق فان كان قال لها اختاري فقالت اخترت لا يقع شئ أيضا لانه ليس في كلامه ولا في كلامها ما يوجب التخصيص وازالة الابهام والطلاق لا يقع بمجرد القصد من غير لفظ يدل عليه بخلاف ما إذا قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت أو قال اختاري فقالت اخترت نفسي لان هناك في كلام احدهما تنصيص على التخصيص فيقع به الطلاق عند النية ثم المخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها شئ الا على قول علي رضى الله عنه فانه يقول يقع تطليقة رجعية إذا اختارت زوجها فكأنه جعل عين هذا اللفظ طلاقا فقال إذا اختارت زوجها فالواقع به طلاق لا يرفع الزوجية ولسنا نأخذ بهذا بل نأخذ بقول عمر وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما أنها إذا اختارت زوجها فلا شئ وهذا لحديث عائشة رضى الله عنها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يكن ذلك طلاقا وان اختارت نفسها فواحدة بائنة عندنا وهو قول علي رضى الله عنه وعلى قول عمر وابن مسعود رضى الله عنهما واحدة رجعية وعلى قول زيد رضى الله عنه إذا اختارت نفسها فثلاث وكأنه حمل هذا اللفظ على أتم ما يكون من الاختيار وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما حملا على أدنى ما يكون منه وهو التطليقة الرجعية ولكنا نأخذ في هذا بقول علي رضى الله عنه لان اختيارها نفسها انما يتحقق إذا زال ملك الزوج عنها وصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة البائنة وليس في هذا اللفظ ما يدل على الثلاث لان حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة ولهذا قلنا وان نوى الثلاث بهذا اللفظ لا تقع الا واحدة بائنة لان هذا مجرد نية العدد منه وقوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العدد بخلاف قوله أنت بائن فنية الثلاث انما تصح هناك باعتبار أنه نوى به نوعا من البينونة وهنا الاختيار لا يتنوع فبقى هذا مجرد نية العدد (قال) والتخيير في السفينة كالتخيير في البيت لان السفينة في حق راكبها كالبيت لا يجريها بل هي تجرى به قال الله تعالى وهى تجرى بهم ألا ترى أنه لا يتمكن من ايقافها متي شاء فلها الخيار ما دامت في مجلسها بخلاف ما إذا خيرها وهى راكبة فسارت الدابة بعد الخيار شيئا يبطل خيارها لان سير الدابة مضاف إلى راكبها حتى يتمكن

[ 213 ] من أيقافها متى شاء فكان ذلك كمشيئتها في حكم تبدل المجلس الا أن تكون الدابة واقفة أو سائرة فاختارت نفسها متصلا بتخيير الزوج من غير سكوت بين الكلامين فحينئذ يصح اختيارها لان دليل الاعراض انما يتحقق بسكوتها بعد تخيير الزوج ولم يوجد وكذلك ان كان معها على تلك الدابة أو كانا في محمل واحد وهكذا الجواب في البيع ان اتصل قبول المشتري بايجاب البائع من غير سكتة بينهما في هذا الفصل ينعقد البيع والا فلا وان خيرها وهي في صلاة مكتوبة فاتمت صلاتها لم يبطل خيارها لانها ممنوعة عن قطع الصلاة قبل اتمامها فلا تتمكن من الاختيار ما لم تفرغ ودليل الاعراض بترك الاختيار بعد التمكن منه والوتر في هذا كالمكتوبة لانها ممنوعة من قطعها قبل الاتمام فأما في التطوع إذا كانت في الشفع الاول فأتمت ذلك الشفع لا يبطل خيارها لانها ممنوعة من ابطال العمل والركعة الواحدة لا تكون صلاة معتبرة كما قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والله ما أجزت ركعة قط وان تحولت إلى الشفع الثاني بطل خيارها لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة فاشتغالها بالشفع الثاني دليل الاعراض بمنزلة ما لو افتتحت الصلاة بعدما خيرها الزوج وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الاربع قبل الظهر إذا كانت في الشفع الاول حين خيرها فأتمت أربعا لم يسقط خيارها لان هذه الاربع تؤدى بتسليمة واحدة عادة وان كانت قاعدة فدعت بطعام فطعمت يبطل خيارها لان مجلسها تبدل حين دعت بطعام فقد صار مجلسها مجلس الاكل وهذا دليل الاعراض والتهاون منها بخلاف ما لو أكلت شيئا يسيرا من غير أن تدعو بالطعام فذلك القدر لقلته لا يبدل المجلس فلا يكون ذلك دليل الاعراض بل ذلك منها تفريغ نفسها لما حزبها وكذلك ان شربت ماء لانها انما شربت لتتمكن من الكلام ففي حالة المشاجرة قد يجف فم المرء فلا يقدر على الكلام ما لم يشرب فلا يكون ذلك دليل الاعراض بل ذلك منها تفريغ نفسها ولو نامت أو امتشطت أو اغتسلت أو اختضبت في ذلك المجلس فهذا كله دليل الاعراض لاشتغالها بعمل آخر لا تحتاج إليه وليس ذلك من عمل الاختيار وكذلك ان جامعها فتمكينها من أدل الدلائل على اعراضها وكذلك ان أقامها من مجلسها اما لانها طاوعته في القيام أو لانها تركت الاختيار حتى أقامها فذلك دليل الاعراض منها وكذلك هذا كله في قوله أمرك بيدك وأنت طالق ان شئت لتوقتهما بالمجلس وان لبست ثيابها من غير أن تقوم لم يبطل خيارها لانها انما تلبس لتكون مستترة منه إذا اختارت

[ 214 ] نفسها فلا يكون دليل الاعراض وكذلك إذا دعت شهودا لانها تقصد بذلك اشهادهم على اختيار أمر نفسها وكذلك إذا قالت ادعوا إلي أبى أو أمي لانها تقصد بذلك أن تستشيرهما فلا يكون ذلك دليل الاعراض منها والاستشارة في مثل هذا حسن على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله تعالى عنها انى أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيرى أبويك ثم تلا عليها آية التخيير وخيرها فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله ورسوله وكذلك ان سبحت أو قرأت آية أو نحوها من القرآن فلا يكون دليل الاعراض منها وقد يفعل المرء ذلك للاستخارة فلا يبطل به ما صار في يدها من الخيار والامر والمشيئة (قال) وإذا خيرها أو جعل أمرها إليها فقالت قد طلقتك فهو باطل وقد بينا هذا فيما سبق أن الزوج ليس بمحل للطلاق وروينا فيه حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه (قال) وإذا قال اختاري ثم اختاري ثم اختاري ينوى الطلاق بهذا كله فاختارت نفسها فهى ثلاث تطليقات لان الوقوع بهذه الالفاظ عند اختيارها نفسها يكون جملة واحدة فان اختيارها نفسها جواب للكلمات الثلاث والترتيب بحرف ثم في كلام الزوج فلا يوجب ذلك ترتيبا في الوقوع لان الوقوع باختيارها نفسها ولو اختارت نفسها بالاولى قبل أن يتكلم بالثانية والثالثة بانت بالاولى ولم يقع بالثانية والثالثة شئ لان البائن لا يلحق البائن ولانها ملكت أمر نفسها حين بانت بالاولى فلا يكون كلامه الثاني والثالث ايجابا بل اخبارا عن حالها انها مالكة أمر نفسها وهو صادق في ذلك بخلاف الاول فان هناك كلامه الثاني والثالث ايجاب لانه تكلم به قبل ان تملك أمر نفسها (قال) ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فاختارت نفسها قال الزوج نويت بالاولى الطلاق وبالاخريين ان أفهمها لم يصدق في القضاء وبانت بثلاث لان الكلام الثاني والثالث ايجاب صحيح من حيث الظاهر والقاضى مأمور باتباع الظاهر ولكنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان الكلام الواحد قد يكرر للتأكيد وتفهيم المخاطب ولو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فلما قامت عن المجلس قالت عنيت نفسي لم تصدق في ذلك لان الامر خرج من يدها بالقيام عن المجلس فانما اخبرت بما لا تملك انشاءه وهذا يدل على انها لو قالت قبل ان تقوم أردت نفسي ان ذلك يصح منها لبقائها في المجلس كما لو سكتت حتى الآن ثم قالت اخترت نفسي ولكنه قال في التعليل قد خرج الامر من يدها حين تكلمت بذلك فهذا إشارة إلى انها وان قالت في المجلس أردت

[ 215 ] نفسي لا يقبل قولها وهذا هو الصحيح لان اشتغالها بكلام مبهم دليل الاعراض والتهاون وان قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت فهذا جواب وهى طالق لان جوابها بناء على خطاب الزوج فما تقدم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب فكأنها قالت اخترت نفسي وإذا خيرها بعد ذكر الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم انو به الطلاق لم يصدق في القضاء وكذلك ان قال هذا في غضب وقد بينا هذا في فصول الكنايات وكما لا يصدقه القاضى فكذلك لا يسع المرأة ان تقيم معه الا بنكاح مستقبل وإذا قال لها اختاري ثم طلقها واحدة بائنة بطل الخيار لانها صارت مالكة أمر نفسها بما أوقع عليها وانما كانت تختار أمر نفسها لهذا المقصود فلا يتحقق ذلك بعدما ملكت أمر نفسها وكذلك لو قال أنت طالق واحدة بائنة ان شئت فقالت قد شئت سقط الخيار لانها ملكت أمر نفسها ولو كان الطلاق رجعيا كان الخيار على حاله لانها بهذا الطلاق لا تصير مالكة أمر نفسها وكذلك هذا في الامر باليد وذكر في الامالى انه إذا قال لها اختاري إذا شئت أو امرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها انها لا تطلق في قول أبى يوسف رحمه الله لان الزوج أوقع بنفسه ما فوض إليها فيكون ذلك اخراجا للامر من يدها وفى قول أبي حنيفة رحمه الله تطلق تطليقة بائنة لان التفويض قد صح فلا يبطل بزوال الملك الا انها بعد زوال الملك كانت لا تتمكن من الاختيار لكونها مالكة أمر نفسها فإذا زال ذلك بالعقد فهي على خيارها وما قاله أبو يوسف رحمه الله ضعيف لان الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوضه إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل (قال) وإذا قال لها اختاري الازواج أو اختاري أهلك أو أبويك فقالت قد اخترت الازواج أو أبى أو أهلى وقد عني الزوج الطلاق في القياس لا تطلق لانها ما اختارت نفسها وقد كان القياس في أصل هذا اللفظ ان لا يقع به شئ تركنا القياس لآثار الصحابة رضى الله عنهم وانما ورد الاثر في اختيارها نفسها فما سوى ذلك يبقي على أصل القياس ولكنه استحسن فقال هي طالق لان هذا في معنى اختيارها نفسها فانها انما تختار الازواج إذا ملكت أمر نفسها وانما تتمكن من الرجوع إلى بيت أبيها وأهلها إذا ملكت أمر نفسها فكان هذا في معنى اختيارها بخلاف ما لو قال اختاري أختك أو أخاك أو ذا رحم محرم منك فاختارت ذلك وهو ينوى الطلاق فان هذا ليس في معنى اختيارها نفسها من كل وجه فيؤخذ فيه بالقياس

[ 216 ] ولا يقع عليها شئ ولو قال لها اختاري فقالت أختار نفسي في القياس لا تطلق لان كلامها وعد وليس بايجاب ألا ترى أنه لو قال لها طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي لم يقع شئ ولكن في الاستحسان تطلق لان قولها أختار وعد صورة وايجاب معني والعادة الظاهرة في هذا اللفظ أنه يراد به الحال دون الاستقبال يقول الرجل فلان يختار كذا وأنا أختار كذا والشاهد يقول بين يدى القاضى أشهد والمؤذن يقول أشهد أن لا اله الا الله والمراد به التحقيق دون الوعد ولم يوجد مثل هذه العادة في قولها أنا أطلق نفسي فلهذا يؤخذ هناك بالقياس ولو قال لها اختاري فقالت قد فعلت لم يقع شئ كما لو قالت اخترت لان قولها قد فعلت في معنى الابهام أزيد من قولها قد اخترت وإذا قال اختاري نفسك فقالت قد فعلت طلقت كما لو قالت اخترت لانها أخرجت الكلام مخرج الجواب فيصير ما تقدم في الخطاب كالمعاد في الجواب وان قال اختاري ان شئت فقالت قد اخترت نفسي وقع الطلاق عليها لان في اختيارها نفسها مشيئة وزيادة وان قال اختاري بألف درهم فاختارت زوجها لم يلزمها المال لان وجوب المال عليها بازاء البينونة ولا يحصل ذلك إذا اختارت زوجها بخلاف ما إذا اختارت نفسها فالبينونة قد حصلت هنا وقد أوجب الزوج ذلك لها بعوض وفى اختيارها نفسها قبول منها (قال) وان قال اختاري فقالت قد اخترت نفسي ان كنت زوجي أو ان كان كذا لشئ ماض وقع الطلاق لان التعليق بالموجود تنجيز فهذا وقولها اخترت نفسي سواء فان اشترطت شيئا لم يكن فقد بطل الخيار لانها أتت بالتعليق وانما فوض إليها التنجيز فاشتغالها بالتعليق يكون اعراضا عما فوض إليها فيبطل خيارها (قال) وان قال اختاري فقالت قد طلقت نفسي طلقت واحدة بائنة بخلاف ما لو قال لها طلقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان هذا باطلا لان لفظ الاختيار أضعف من لفظ الطلاق ألا ترى أن الزوج يملك الايقاع بلفظ الطلاق دون لفظ الاختيار فالاضعف لا يصلح جوابا للاقوى والاقوى يصلح جوابا للاضعف توضيحه أن قولها طلقت نفسي لو كان قبل تخيير الزوج توقف على اجازة الزوج فإذا كان بعد تخيير الزوج يكون عاملا وقولها اخترت نفسي قبل تخيير الزوج يكون لغوا لا يتوقف على اجازة الزوج فكذلك بعد تفويض الزوج بقوله طلقي نفسك لان التفويض غير التخيير يقرره أن بقوله اختاري نفسك يثبت لها الخيار ومن ضرورته أن تملك اكتساب سبب الفرقة وقولها طلقت نفسي من ذلك فيصح منها فأما قوله طلقي نفسك فانه تفويض للطلاق

[ 217 ] إليها وليس من ضرورته أن يثبت الخيار لها في اكتساب سبب الفرقة وقولها اخترت نفسي من ذلك فلهذا كان باطلا منها (قال) ولو قال الزوج لرجل خير امرأتي أو قل لها امرك بيدك فما لم يخيرها ذلك الرجل لا يصير الامر بيدها لانه أناب ذلك الرجل مناب نفسه في تخييرها وما أوجب لها الخيار بنفسه بخلاف ما لو قال لذلك الرجل قل لها ان الخيار بيدها أو ان أمرها بيدها أو انها طالق ان شاءت فذلك بيدها أخبرها الرجل أو لم يخبرها لانه أوجب لها ذلك بنفسه وجعل المخاطب رسولا إليها في إعلامها ذلك فسواء أعلمها أو علمت بنفسها بسماعها من الزوج أو من غيره كان لها الخيار في مجلس علمها ولو لم تعلم به الا بعد أيام فمتى علمت كان لها الخيار في مجلسها لانها تتمكن من التصرف بمقتضى هذا التخيير ما لم تعلم به فيتوقف ثبوت الحكم في حقها على علمها به في خطاب الشرع وكما في خيار المعتقة انه يبقي إلى علمها به ومتى علمت كان لها الخيار في ذلك المجلس (قال) وان قال هي بالخيار اليوم فلها الخيار إلى غروب الشمس ولا يبطل خيارها بقيامها عن المجلس لانه أوجب لها خيارا ممتدا فلا يبطل ذلك ما بقى وقته وان لم تعلم حتى مضى اليوم بطل خيارها لان الخيار كان مؤقتا بوقت فلا موجب له بعد مضى ذلك الوقت ولكن ينتهى بمضي الوقت سواء علمت أو لم تعلم وكذلك لو قال هي بالخيار هذا الشهر وذكر في النوادر انها لو اختارت زوجها ثم أرادت أن تختار نفسها قبل مضى الشهر فليس لها ذلك في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لها ذلك وذكر بشر بن الوليد عن أبى يوسف رحمه الله لها ذلك على عكس هذا وقال إذا قال لها الخيار إلى رأس الشهر فاختارت زوجها في يوم ثم أرادت أن تختار نفسها في يوم آخر فليس لها ذلك في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ولها ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله فمن يقول لها ذلك قال لان اختيارها زوجها بمنزلة قيامها عن المجلس فكما لا يبطل خيارها في الامر المؤقت بالقيام عن المجلس واشتغالها بعمل آخر فكذلك باختيارها زوجها ومن يقول ليس لها أن تختار نفسها قال لان الخيار واحد في جميع المدة وقد أبطلته حين اختارت زوجها فلا يبقى بعد ابطالها خيار حتى تختار به نفسها (قال) وان قال لامرأة يوم أتزوجك فاختارى أو متى أتزوجك فاختارى أو ان تزوجتك أو إذا تزوجتك أو كلما تزوجتك فلها الخيار في جميع ذلك في المجلس الذى يتزوجها فيه لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز الا في كلما فان لها الخيار كلما تزوجها في ذلك المجلس مرة بعد مرة لان كلمة كلما تقتضي التكرار

[ 218 ] (قال) وان قال اختاري إذا أهل الشهر أو إذا كملت السنة أو إذا قدم فلان فان لم تعلم بذلك فلها الخيار إذا علمت فالمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو خيرها مطلقا عنه وجود هذه الامور يتوقف على المجلس الذى علمت به كذلك هنا (قال) وان قال اختاري يوم كذا أو رأس الشهر أو صلاة الاولى فلها الخيار في ذلك اليوم كله ووقت تلك الصلاة كله ورأس الشهر ليلته ويومه كله لان الشهر يشتمل الليالى والايام ورأسه الليلة الاولى ويومها ويسقط خيارها بمضي هذا الوقت ان علمت أو لم تعلم لانه أوجب لها الخيار مؤقتا فلا يبقى بعد مضى الوقت (قال) وان قال اختاري يوم يقدم فلان فقدم فلان ليلا فلا خيار لها ولو قدم بالنهار فلها الخيار في ذلك اليوم إلى غروب الشمس لان الخيار يتوقف فذكر اليوم فيه للتوقيت به فيتناول بياض النهار خاصة بخلاف قوله أنت طالق يوم يقدم فلان لان الطلاق لا يحتمل التوقيت ولا يختص بأحد الوقتين فذكر اليوم فيه عبارة عن الوقت (قال) وان قال اختاري تطليقة فقالت قد اخترتها فهي واحدة رجعية لان قوله تطليقة بمنزلة التفسير لاول كلامه والمبهم إذا تعقبه تفسير يكون الحكم لذلك التفسير فيصير مفوضا إليها الطلاق باللفظ الصريح وكذلك الامر باليد لو قال لها أمرك بيدك في تطليقة كان هذا تفسير الاول كلامه ولو قال اختاري تطليقتين فقالت قد اخترت واحدة وقع عليها تطليقة رجعية لانها ملكت ايقاع اثنتين ومن ضرورته أن تملك ايقاع الواحدة وهذا بخلاف ما لو قال لها اختاري تطليقتين ان شئتهما فاختارت واحدة لا يقع عليها شئ لانه جعل الشرط مشيئتها تطليقتين ولم يوجد ذلك بايقاع الواحدة (قال) ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت قد اخترت نفسي فهذا جواب منها تام للكلمات الثلاث فتطلق ثلاثا وكذلك لو قالت اخترت نفسي مرة واحدة أو بمرة أو اختيارة فهذا جواب تام للكلمات الثلاث فتطلق ثلاثا وان قالت اخترت التطليقة الاولى وقع عليها واحدة بالاتفاق (قال) وان قالت اخترت الاولى أو الوسطى أو الاخيرة فهى طالق ثلاثا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تطلق واحدة بائنة بمنزلة ما لو قالت اخترت التطليقة أو اخترت التطليقة الاولى لان معنى قولها اخترت الاولى ما صار إليها بالكلمة الاولى والذى صار إليها بالكلمة الاولى تطليقة فكأنها صرحت بذلك توضيحه ان الاولى نعت لمؤنث فيجوز ان يكون المراد به التطليقة

[ 219 ] فلا يقع به الا واحدة ويجوز ان يكون المراد به المرة أو الاختيارة فيقع الثلاث ولكن الطلاق بالشك لا ينزل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الاولى نعت لمؤنث ولكن النعت ينصرف إلى منعوت مذكور ولا ينصرف إلى ما لم يذكر مع امكان صرفه إلى المذكور والمذكور الاختيار دون الطلاق فكان هذا بمنزلة قولها اخترت الاختيارة الاولى أو المرة الاولى ولو صرحت بذلك طلقت ثلاثا وحرف آخر له انها أتت بالترتيب فيما لا يليق به صفة الترتيب فيلغو ذكر الترتيب فيبقى قولها اخترت فيكون جوابا للكل وبيان هذا أن التطليقات الثلاث قد اجتمعت في ملكها حتى يقع الثلاث جملة باختيارها نفسها والمجتمع في زمان أو مكان لا يليق به صفة الترتيب فكذلك المجتمع في الملك لا يليق به صفة الترتيب وهذا بخلاف قولها اخترت التطليقة الاولى فان هناك يلغو ذكر الترتيب أيضا فيبقي قولها اخترت التطليقة (فان قيل) كان ينبغى أن لا يقع هناك شئ لانه لما لغي ذكر الترتيب بقى قولها اخترت وقد بينا أن بهذا اللفظ لا يقع الطلاق ما لم تقل اخترت نفسي (قلنا) هذا إذا لم يكن في لفظ الزوج ما يدل على تخصيص الطلاق وهنا ما يدل على ذلك وهو قوله اختاري ثلاث مرات فان الطلاق هو المحصور بعدد الثلاث ولو قال اختاري نفسك أو طلاقك فقالت اخترت كان جوابا فكذلك هنا (قال) ولو قال ان قدم فلان فاختارى فقالت بعد قدومه بأيام لم أعلم الا الساعة ولى الخيار فالقول قولها مع يمينها ان نازعها الزوج لانه يتمسك بالاصل وهو عدم العلم بالقدوم ولان الزوج يدعى عليها ما يسقط خيارها بعدما عرف ثبوته لها وهي تنكر ذلك فالقول قولها مع يمينها ولكن لو لم تختر نفسها في ذلك المجلس حتى خاصمت فيه الزوج وذهبت إلى القاضى فلا خيار لها لقيامها عن المجلس بعدما علمت بالقدوم فهو كما لو أقامها الزوج (قال) وإذا خيرها في مجلسها فقالت بعد القيام منه قد كنت اخترت نفسي فيه لم تصدق على ذلك إذا كذبها الزوج لانها تخبر بما لا تملك انشاءه فإذا أقامت البينة على ذلك كان الثابت بالبينة كالثابت بتصديق الخصم فيفرق بينهما وان لم يكن لها بينة فالقول قول الزوج مع يمينه على علمه لانه يستحلف على فعل غيره (قال) وان قال لها اختاري اليوم واختارى غدا فردت الخيار اليوم أو اختارت زوجها فليس لها الخيار في بقية ذلك اليوم ولها الخيار غدا لان قوله واختارى غدا تخيير مضاف إلى وقت آت والمضاف غير المنجز فانها انما ردت الخيار المنجز في اليوم

[ 220 ] فيبقى خيارها في الغد على حاله بخلاف ما لو قال اختاري اليوم وغدا فردت اليوم أو اختارت زوجها فلا خيار لها في الغد لانه عطف الغد على اليوم والعطف للاشراك فاقتضى ذلك امتداد الخيار إلى مضى الغد لا تجديد الخيار المضاف وإذا كان الخيار واحدا وقد بطل ذلك بردها فلا خيار لها بعد ذلك فأما إذا قال واختارى غدا فهو خيار آخر أوجبه لها في الغد لانه ذكر للغد خبرا فلا يجعل الخبر الاول خبرا له وان اختارت اليوم نفسها فبانت فلا خيار لها في الغد لانها قد ملكت أمر نفسها باختيارها نفسها وذلك ينفي الخيار المضاف كما ينفى الخيار المنجز ولان الخيار المضاف إلى الغد لا يتضمن تطليقة أخرى لان التطليقة التى في ضمن الخيار المنجز تحتمل الاضافة إلى الغد ما لم تقع فإذا وقعت باختيارها نفسها في اليوم لم يبق حتى تختار نفسها في الغد بها (قال) وان قال اختاري غدا الطلاق فقالت اليوم اخترت غدا الطلاق أو قالت قد اخترت الزوج فاختيارها اليوم باطل ولها الاختيار غدا لان الزوج أضاف التخيير إلى وقت منتظر فلا يثبت لها الخيار قبل مجئ ذلك الوقت واختيارها قبل ان يثبت لها الخيار لغو وان قالت في الغد قد اخترت زوجي لا بل نفسي كانت امرأته ولا خيار لها لان بقولها قد اخترت زوجي بطل خيارها فبقولها لا بل نفسي اختارت نفسها بعدما بطل خيارها وان قالت اخترت نفسي لا بل زوجي بانت بقولها اخترت نفسي فلا ترفع البينونة بقولها لا بل زوجي بعد ذلك (قال) وان قال ان شئت فانت طالق واختارى فقالت قد اخترت نفسي وشئت الطلاق كانت طالقا اثنتين لان قولها قد اخترت نفسي جواب التخيير وقولها شئت الطلاق ايجاد للشرط في طلاق المشيئة والصريح يلحق البائن ولا يكون قولها اخترت نفسي عملا هو ضد مشيئة الطلاق بل هذا من جنس مشيئة الطلاق فلا يخرج به طلاق المشيئة من يدها وكذلك لو قال اختاري ان هويت أو احببت أو أردت فقالت قد أخترت نفسي وقعت تطليقة بائنة لوجود الشرط باختيارها نفسها فقد هويت ذلك وأحبت وأرادت حين اختارت نفسها (قال) ولو قال اختاري من ثلاث تطليقات ما شئت فعلى قول ابى حنيفة رحمه الله لا تملك ان تختار بهذا اللفظ الا واحدة أو اثنتين وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تملك ان تختار الثلاث بهذا اللفظ لان كلمة ما للتعميم ومن قد تكون للتبعيض وقد تكون للتمييز كما يقال سيف من حديد وهو معني قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان وقد تكون صلة كما في قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى ما اتخد الله

[ 221 ] من ولد فكانت مراعاة جانب التعميم بكلمة ما أولى وإذا حمل على معنى التعميم صارت الثلاثة مفوضة إليها فكانت كلمة من لتمييز الطلاق من سائر الاشياء في التفويض إليها أو هو صلة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كلمة ما للتعميم كما قالا وكلمة من للتبعيض حقيقة والكلام محمول على حقيقته فان الحقيقة لا تترك إلى المجاز الا لقيام الدليل فيعمل بحقيقة الكلمتين ويقول يزاد على الواحدة لحرف التعميم وينقص عن الثلاث لحرف التبعيض فيصير بيدها ثنتان فإذا أوقعت واحدة أو اثنتين جاز ذلك وان أوقعت ثلاثا لم يقع شئ عنده لان المأمور باثنتين لا يملك ايقاع الثلاث عنده وعندهما تطلق ثلاثا لان الثلاث صارت مفوضة إليها وفى الكتاب استشهد لقولهما بما لو قال كل من هذا الطعام ما شئت جاز له أن يأكل كله ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هناك قام دليل المجاز وهو العرف ولانه اباحة لا يتعلق بها اللزوم فينبنى الامر فيه على التوسع بخلاف الطلاق فانه يتعلق به اللزوم فيعتبر فيه حقيقة كل لفظ ولو لم تختر شيئا حتى قال الزوج لك ألف درهم على أن تختارينى فاختارته كانت قد أبطلت الخيار لان اسقاط الخيار لا يتعلق بالجائز من الشرط الفاسد فان الشرط الفاسد لا يمنع ثبوته ولا شئ لها من الالف لانها لا تملك الزوج باسقاطها خيارها شيئا (قال) ولو قال لها اختاري فقالت قد اخترت نفسي أو زوجي بطل الخيار ولم يقع شئ لان حرف أو يقتضى اثبات أحد المذكورين بغير عينه فاشتغالها بالكلام المبهم يكون ابطالا منها للخيار ولا يقع عليها شئ لانها لم تجعل اختيارها نفسها عزيمة في كلامها وان قالت قد اخترت نفسي وزوجي طلقت بقولها قد اخترت نفسي فقولها بعد ذلك وزوجي لغو وان قالت قد اخترت زوجي ونفسي فقد سقط اختيارها بقولها اخترت زوجي فقولها ونفسي بعد ذلك لغو وهي امرأته ولا خيار لها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الامر باليد) * (قال) وإذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها فالحكم فيه كالحكم في الخيار في سائر مسائل الباب المتقدم الا ان هذا صحيح قياسا واستحسانا لان الزوج مالك لامرها فانما يملكها بهذا اللفظ ما هو مملوك له فيصح منه ويلزم حتى لا يملك الزوج الرجوع عنه اعتبارا بايقاع الطلاق وان نوى بالامر ثلاثا كان كما نوى حتى إذا طلقت نفسها ثلاثا تطلق ثلاثا لان هذا تفويض

[ 222 ] للامر إليها وهو يحتمل العموم والخصوص بخلاف قوله اختاري فانه أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العموم وان لم ينو الثلاث فهى واحدة بائنة وعن ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى هي ثلاث ولا يصدق في القضاء إذا قال نويت واحدة لانه فوض إليها بهذا الكلام جنس ما يملك عليها وذلك ثلاث ولكنا نقول التفويض قد يكون خاصا وقد يكون عاما فإذا نوى الواحدة فقد قصد تفويضا خاصا وهو غير مخالف للظاهر وكذلك ان نوى الطلاق فقط لانه لا يثبت الا القدر المتيقن عند الاحتمال وكذلك ان نوى اثنتين لان هذا نية العدد وهي لا تسع في هذا اللفظ فتكون واحدة بائنة (قال) وإذا قال لها أمرك بيدك ثم قال لها أمرك بيدك بألف درهم فقالت قد اخترت نفسي فهى بائن بتطليقتين والالف عليها لازمة لان كلامها جواب للايجابين جميعا واحدهما ببدل والآخر بغير بدل وانما يقعان معا عند اختيارها نفسها فيلزمها المال لان الطلاق بجعل يصادفها وهى منكوحة كالتى هي بغير جعل (قال) وإذا قال لها امرك في يدك ينوى ثلاثا ثم قال لها أمرك بيدك على الف درهم ينوى ثلاثا فقبلت ذلك ثم قالت قد اخترت نفسي بالخيار الاول كان المال عليها لازما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الامرين قد صارا أمرا واحدة معناه ان الزوج لا يملك عليها الا الثلاث والذي أوجبه بجعل هو الذى تضمنه الكلام الاول وقد قبلت ذلك وأوقعت فيلزمها المال توضيحه ان ذكرها الترتيب لغو على أصل أبى حنيفة فيبقي قولها اخترت نفسي فيكون جوابا للكلامين ويلزمها المال وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هي طالق ثلاثا ولا يلزمها المال لانها بالاختيار أوقعت ما تضمنه الكلام الاول وقد كان ذلك بغير جعل (قال) وان قال لها أمرك بيدك اليوم أو قال في اليوم فان اختارت زوجها فقد بطل خيارها وان لم تختر شيئا فلها الخيار إلى غروب الشمس وذكر بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى فرقا بين قوله اليوم وبين قوله في اليوم فقال إذا قال في اليوم فلها الخيار في مجلسها لوجود حرف في فان المظروف قد يشغل جزءا من الظرف فانما جعل لها الخيار في جزء من اليوم بخلاف قوله اليوم فان ذلك تصريح بالخيار في جميع اليوم ولكن هذا الفرق ضعيف والمقصود في الوجهين جميعا توقيت الخيار باليوم (قال) وإذا قال الزوج جعلت أمرك بيدك أمس فلم تختاري شيئا وقالت هي بل قد اخترت فالقول قول الزوج مع يمينه على علمه لانها اخبرت بما لا تملك انشاءه وتدعي وقوع الطلاق عليها والزوج

[ 223 ] منكر لذلك فانه أقر بالتخيير فقط ولا يقع به شئ ما لم تختر نفسها (قال) وان جعل أمرها بيد صيى أو مجنون فهو بيده في مجلسه لان موجب هذا التفويض صحة ايقاع الطلاق منهما وذلك يكون بعبارته والصبى من أهله فكان كالبالغ ليس للزوج أن يخرجه من يده ولا يبطل الا بقيام المفوض إليه من مجلسه (قال) وان جعل أمرها بيد رجلين فطلقها احدهما لم يقع لانه ملك الامر منهما فاحدهما لا يستبد بالتصرف فيما هو مملوك لهما ولانه جعل الامر في أيديهما ليرويا النظر في أمرها ونظر الواحد لا يقوم مقام نظر المثني بخلاف قوله طلقاها لانه أتم النظر بنفسه وانما أنابهما مناب نفسه في العبارة وعبارة الواحد والمثني سواء (قال) ولو قال لامرأته وهى امة أمرك بيدك يريد اثنتين فاختارت نفسها طلقت اثنتين لان هذا نية العموم في التفويض فالاثنتان في حق الامة كالثلاث في حق الحرة بخلاف ما إذا كانت حرة فنية الاثنتين في حقها نية العدد وهذا اللفظ لا يحتمل نية العدد وكذلك ان كانت الحرة عنده في ثنتين فهذا في حقها نية العدد لانه بأصل النكاح يملك عليها ثلاثا فلا يكون هذا في حقها إلا نية العدد فلا تقع الا واحدة (قال) وان قال لها أمرك بيدك اليوم وغدا وبعد غد فهو أمر واحد ان ردته اليوم بطل كله وقد بينا هذا في التخيير فكذلك في الامر باليد وروى أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالى عن أبن حنيفة رحمه الله انها إذا ردت اليوم فأمرها بيدها غدا فهو بمنزلة ما لو قال وأمرك بيدك غدا وقد بينا الفرق بينهما (قال) وإذا قال أمرك بيدك اليوم وبعد غد فهما أمران حتى إذا ردت اليوم فلها الخيار بعد الغد وعلى قول زفر رحمه الله هذا امر واحد وكذلك لو قال اليوم ورأس الشهر زفر يقول عطف أحد الوقتين على الآخر من غير تكرار لفظ الامر فيكون أمرا واحدا كما في قوله اليوم وغدا ولكنا نقول أحد الوقتين المذكورين هنا غير متصل بالآخر بل بينهما وقت غير مذكور ولا يثبت فيه حكم الامر فعرفنا انه ليس المراد بذكر الوقت الثاني امتداد الامر الاول فاقتضى ضرورة ايجاب أمر آخر فاما إذا قال وغدا فأحد الوقتين متصل بالوقت الآخر فكان ذكر الغد لامتداد حكم الامر إليه فلا يثبت به أمر آخر إذ لا ضرورة فيه والله أعلم * (باب الظهار) * اعلم بأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة

[ 224 ] من غير أن يكون مزيلا للملك بيانه في قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم الاية وسبب نزولها قصة خولة بنت ثعلبة فانها قالت كنت تحت أوس بن الصامت رضى الله عنه وقد ساء خلقه لكبر سنه فراجعته في بعض ما أمرنى به فقال أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادى قومه ثم رجع إلي وراودني عن نفسي فقلت والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يقضى الله ورسوله في ذلك فوقع علي فدفعته بما تدفع به المرأة الشيخ الكبير وقد خرجت إلى بعض جيراني فأخذت ثيابا ولبستها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فجعل يقول لى زوجك وابن عمك وقد كبر فاحسنى إليه فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه عند نزول الوحي فلما سرى عنه قال قد أنزل الله تعالى فيك وفى زوجك بيانا وتلا قوله تعالى قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها إلى آخر آيات الظهار ثم قال مريه فليعتق رقبة فقلت لا يجد ذلك يارسول الله صلى الله عليه وسلم مريه أن يصوم شهرين متتابعين فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم فقال صلى الله عليه وسلم مريه فليطعم ستين مسكينا فقلت ما عنده شئ يارسول الله فقال صلى الله عليه وسلم انا سنعينه بفرق وقلت أنا أعينه بفرق أيضا فقال صلى الله عليه وسلم إفعلى واستوصى به خيرا ثم اختلفت العلماء رحمهم الله تعالى في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا فقال علماؤنا رحمهم الله تعالى هو العزم على الجماع الذى هو امساك بالمعروف وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد هو السكوت عن طلاقها عقيب الظهار وقال داود المراد تكرار الظهار حتى ان على مذهبهم لا يلزمه الكفارة بالظهار مرة حتى يعيد مرة أخرى وهذا ضعيف لانه لو كان المراد هذا لكان يقول ثم يعودون لما قالوا والدليل على فساده حديث أوس فانه لم يكرر الظهار انما عزم على الجماع وقد ألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفارة وكذلك حديث سلمة بن صخر البياضى رضى الله عنه فانه قال كنت لا أصبر عن الجماع فادخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعتها وخرجت إلى قومي فأخبرتهم بذلك فشددوا الامر علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم انت بذاك فقلت انا بذاك وها أنا بين يديك فامض في حكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة الحديث كما روينا في كتاب

[ 225 ] الصوم وليس في هذا تكرار الظهار والشافعي رحمه الله تعالى يقول كما سكت عن طلاقها عقيب الظهار فقد صار ممسكا لها فيتقرر عليه الكفارة ولكنا نقول المراد بقوله تعالى ثم يعودون لما قالوا أن يأتي بضد موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا ازالة الملك فاستدامة الملك لا تكون ضده بل ضده العزم على الجماع الذى هو استحلال وبمجرد العزم عندنا لا تتقرر الكفارة أيضا حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لم تلزمه الكفارة عندنا والحاصل أن عند الشافعي رحمه الله تعالى معنى العقوبة يترجح في الكفارة فتجب بنفس الظهار الذى هو محظور محض الا أنه يتمكن من اسقاطها بأن يصل الطلاق بكلامه شرعا فإذا لم يفعل تتقرر عليه الكفارة وعندنا في الكفارة معنى العبادة والعقوبة والمحظور المحض لا يكون سببا لها وانما سببها ما تردد بين الحظر والاباحة وذلك انما يتحقق بالعزم على الجماع الذى هو امساك بالمعروف حتى يصير السبب به مترددا وسنقرر هذا الاصل في كتاب الايمان ان شاء الله سبحانه وتعالى ثم لا خلاف ان هذه الكفارة على الترتيب دون التخيير فان من كانت كفارته بالاعتاق أو الصيام فليس له ان يقربها حتى يكفر لقوله تعالى من قبل ان يتماسا فان جامع قبل ان يكفر استغفر الله تعالى ولم يعد حتى يكفر لانه ارتكب الحرام وليس عليه فيما صنع كفارة لما روي ان رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليها من قبل أن يكفر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره ان يستغفر الله تعالى ولا يعود حتى يكفر ولو جامعها في صوم الكفارة بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا فعليه استقبال الكفارة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقد بينا هذا في كتاب الصوم وكذلك لو أعتق نصف رقبة ثم جامعها ثم أعتق ما بقي لم يجزه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الشرط في الاعتاق تقديمه على المسيس وأخلاؤه عنه كما في الصوم والعتق عنده يتجزى وهذا التفريع لا يجئ على قولهما لان العتق عندهما لا يتجزى ولما أعتق بعضه عتق كله وان كانت كفارته بالاطعام فليس له ان يجامعها قبل التكفير عندنا وقال مالك رحمه الله له ذلك لانه ليس في التكفير بالاطعام شرط التقديم على المسيس ولا مدخل للقياس في هذا الباب ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم استغفر الله ولا تعد حتى تكفر من غير تفصيل ولان من الجائز ان يقدر على الاعتاق أو الصيام فتصير كفارته بذلك فلو وطئها كان قد مسها قبل التكفير بالعتق وذلك حرام الا انه لو أطعم ثلاثين مسكينا ثم جامعها لا يلزمه استقبال الطعام بخلاف الاعتاق والصيام لان شرط

[ 226 ] الاخلاء عن المسيس من ضرورة شرط التقديم على المسيس وذلك غير منصوص عليه في الاطعام وثبوته لمعنى في غير الاطعام على ما بينا فلهذا لا يلزمه الاستقبال بخلاف الاعتاق والصيام (قال) وإذا ظاهر الرجل من أربع نسوة له فعليه أربع كفارات عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه إذا ظاهر منهن بكلمة واحدة لم يلزمه الا كفارة واحدة لان الظهار سبب موجب للكفارة فبالكلمة الواحدة لا ينعقد الاظهار واحد في حكم الكفارة كاليمين ولو قال لله علي ان لا أقربكن ثم قربهن لم يلزمه الا كفارة واحدة ولكنا نقول الظهار يوجب تحريما مؤقتا بالكفارة فإذا أضاف إلى محال مختلفة يثبت في كل محل حرمة لا ترتفع الا بالكفارة كالتطليقات الثلاث لما كانت توجب حرمة مؤقتة بزوج فإذا أوجبها في أربع نسوة بكلمة واحدة تثبت في حق كل واحدة منهن حرمة لا ترتفع الا بزوج بخلاف اليمين فان الكفارة تجب هناك بهتك حرمة اسم الله تعالى بالحنث وذلك لا يتعدد بتعدد النساء ومذهبنا مروى عن عمر رضى الله تعالى عنه وابراهيم والحسن البصري رحمهما الله تعالى (قال) وإذا ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة فعليه لكل ظهار كفارة هكذا نقل عن علي رضى الله تعالى عنه ولان تكرار الظهار في امرأة واحدة كتكرار اليمين فكما يجب باعتبار كل يمين كفارة فكذلك باعتبار كل ظهار (فان قيل) فإذا ثبتت الحرمة المؤقتة بالظهار الاول كيف تثبت بالظهار الثاني والثالث (قلنا) بالظهار الاول تثبت الحرمة مع بقاء ملك المحل فيتحقق الظهار الثاني والثالث وأسباب الحرمة تجتمع في محل واحد فان صيد الحرم حرام على المحرم لا حرامه ولكونه في الحرم والخمر حرام على الصائم لعينها ولصومه وليمينه إذا حلف لا يشربها والكفارة الثانية غير الكفارة الاولى فالحرمة الثانية في الحكم غير الاولى أيضا وان ظاهر منها ثلاث مرات ونوى بالثاني والثالث تكرار الكلام الاول فعليه كفارة واحدة لان صفة الاخبار والانشاء في الظهار واحدة والكلام الواحد يعاد ويكرر ولا يجب به الا ما يجب بالاول (قال) وان قال لها أنت علي كظهر أمي أو كبطنها فهو مظاهر لان بطن الام عليه في الحرمة كظهرها والظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى وذلك أن يشبه من هو في أقصي غايات الحل بمن هو في أقصى غايات الحرمة وذلك لا يختلف بالظهر والبطن وكذلك لو ذكر جزءا من امرأته شائعا أو عضوا جامعا يعبر به عن جميع البدن بخلاف ما إذا ذكر عضوا لا يعبر به عن

[ 227 ] جميع البدن كاليد والرجل وقد بينا هذا في باب الطلاق وكذلك إذا شبهها بظهر امرأة محرمة عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهذا والتشبيه بظهر الام سواء للمعني الذى بينا كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالي انه إذا شبهها بظهر امرأة قد زنا بامها أو بابنتها فحرمت عليه بذلك فهو مظاهر منها لانه شبهها بمحرمة عليه على التأبيد قال لان قضاء القاضى بحل المناكحة بينهما لا ينفذ عندي لكونه بخلاف النص فان النكاح حقيقة للوطئ وهذا بخلاف ما لو شبهها بظهر امرأة قد لاعنها لان اللعان وان كان يوجب الحرمة المؤبدة عندي فهو مما يسع فيه الاجتهاد وينفذ فيه قضاء القاضي بخلافه فلم يكن في معنى حرمة الام وقال محمد رحمه الله تعالى في الكيسانيات إذا شبهها يظهر أم المزني بها لا يكون مظاهرا لان العلماء مختلفون في حرمتها عليه ولو قضى القاضى بحل المناكحة بينهما نفذ قضاؤه لان الناس تعارفوا اطلاق اسم النكاح على العقد ولو شبهها بظهر امرأة قد لمس أمها أو ابنتها من شهوة أو نظر إلى فرجها من شهوة لم يكن مظاهرا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان هذه الحرمة حرمة ضعيفة ليست في معنى حرمة الام حتى ينفذ قضاء القاضى بخلافها وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يكون مظاهرا لان ثبوت الحرمة بالنظر إلى الفرج منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها فيتحقق معنى الظهار إذا شبهها به وان شبهها بظهر امرأة أجنبية أو ذات رحم منه غير محرم فليس بمظاهر لانه شبه محللة بمحللة فان الاخرى تحل له بالملك فلا يكون مظاهرا وكذلك لو شبهها بظهر رجل أجنبي أو قريب فهو ليس بمحرم عليه النظر إليه ومسه فلا يكون مظاهرا (قال) وان ظاهرت المرأة من زوجها فليس ذلك بشئ لان موجبه التحريم وهو مختص بالنكاح كالطلاق وليس إلى المرأة من ذلك شئ وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال عليها الكفارة للظهار لان المعنى في جانب الرجل تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك يتحقق في جانبها والحل مشترك بينهما وقال الحسن عليها كفارة اليمين لان هذا بمنزلة التحريم منها زوجها على نفسها وتحريم الحلال يمين فتلزمها الكفارة كما لو حلفت ان لا تمكنه من نفسها ثم مكنته (قال) ولا يكون الرجل مظاهرا من أمته ولا من أم ولده ولا من مدبرته عندنا وقال مالك يصح ظهاره منهن لا ملك اليمين في محل ملك المتعة سبب لملك المتعة كملك النكاح فيتحقق معنى الظهار وهو تشبيه المحللة بالمحرمة ولكنا نستدل بقوله تعالى والذين يظاهرون من

[ 228 ] نسائهم وهذا يتناول الزوجة دون المملوكة وقد بينا ان الظهار كان طلاقا في الجاهلية ونقل الشرع حكمه إلى التحريم المؤقت بالكفارة والمملوكة ليست بمحل للطلاق فلا تكون محلا للظهار أيضا ولهذا لا يصح إيلاؤه من الامة لان الايلاء طلاق مؤجل والامة ليس بمحل للطلاق وقال ابن عباس رضى الله عنه من شاء باهلته عند الحجر الاسود أنه لا كفارة في الظهار من الامة وكذلك لو ظاهر من امرأة أجنبية فهو باطل كما لو طلقها وهذا لان الاجنبية لا تحل له ما لم يتزوجها فانما شبه محرمة بمحرمة (قال) ولو قال لامرأته أنت على كفرج أمي أو كفخذها كان مظاهرا لان فرج الام وفخذها محرم عليه كظهرها فيتحقق تشبيه المحللة بالمحرمة ولو قال كيدها أو رجلها لم يكن مظاهرا لانه لا يحرم عليه النظر إلى يدها ورجلها ولا مسها فلم يتحقق بهذا اللفظ تشبيه المحللة بالمحرمة ولو قال جنبك أو ظهرك على كظهر أمي لم يكن مظاهرا بمنزلة قوله يدك أو رجلك لان هذا العضو لا يعبر به عن جميع البدن عادة وقع في بعض النسخ ظفرك مكان قوله ظهرك وهو غلط فالظهر مع الجنب اليق من الظفر (قال) ولو قال أنت على كأمى فهذا كلام يحتمل وجوها لان الكاف للتشبيه وتشبيه الشئ بالشئ قد يكون من وجه وقد يكون من وجوه فإذا نوى به البر والكرامة لم يكن مظاهرا لان ما نواه محتمل ومعناه أنت عندي في استحقاق البر والكرامة كأمى وان نوى الظهار فظهار لانه شبهها بجميع الام ولو شبهها بظهر الام كان ظهارا فإذا شبهها بجميع الام كان أولى وان لم يكن له نية فليس ذلك بشئ في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قول محمد رضي الله تعالى عنه هو ظهار ولم يذكر قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وعنه روايتان إحداهما كقول محمد رضى الله تعالى عنه لانه قال في الامالى إذا كان هذا في حالة الغضب وقال نويت به البر لم يصدق في القضاء وهو ظهار وعنه انه قال إيلاء لان الام محرمة عليه بالنص قال الله تعالى حرمت عليكم امهاتكم فكان قوله انت على كامى بمنزلة قوله انت على حرام وقد بينا في هذا اللفظ انه إذا لم ينو شيئا يثبت أقل الوجوه وهو الايلاء وبنحو هذا يحتج محمد رضى الله تعالى عنه ولكنه يقول هو ظهار لكاف التشبيه في كلامه فان الظهار يختص بهذا الحرف ومتى كان مراده البر يقول أنت عندي كأمى ولا يقول على الا انه إذا نوى البر أقمنا حرف على مقام عند لتصحيح نيته فإذا لم ينو بقى محمولا على حقيقته فكان ظهارا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن حمله على وجه صحيح يحل شرعا

[ 229 ] لا يحمل على ما يحرم شرعا والظهار منكر من القول وزور فلا يمكن حمله عليه إذا أمكن حمله على معنى البر والكرامة توضيحه أنها كانت محللة له وهذا الكلام يحتمل معني البر ويحتمل معني الظهار ولكن الحرمة بالشك لا تثبت كما لا يثبت الطلاق بالشك (قال) ولو قال لها انت على حرام كأمى فقد انتفى احتمال معنى البر هنا لتصريحه بالحرمة فبقى احتمال الطلاق والظهار فان أراد الطلاق فهو طلاق لان قوله انت على حرام يكون طلاقا بالنية فقوله كأمى لتأكيد تلك الحرمة فلا تخرج به من ان تكون طالقا بالنية وكذلك ان أراد التحريم دون الظهار فهو طلاق وبعض مشايخنا رحمهم الله يقولون ينبغى أن يكون ايلاء بمنزلة قوله أنت علي حرام إذا قصد به التحريم فقط ولكنا نقول انما قصد التحريم هنا لزوال الملك لانه شبهها بالام وهى محرمة حرمة تنافي الملك وزوال الملك بالتحريم يكون بالطلاق وان نوى به الظهار فهو ظهار لانه شبهها في الحرمة بامه ولو شبهها بظهر الام كان ظهارا فكذلك إذا شبهها بالام وان لم يكن له نية فهو ظهار لان عند الاحتمال لا يثبت الا القدر المتيقن والحرمة بالظهار دون الحرمة بالطلاق فالحرمة بالظهار لا تزيل الملك والحرمة بالطلاق تزيله (قال) وان قال أنت علي حرام كظهر أمي فهو ظهار في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى سواء نوى الظهار أو الطلاق أو لم يكن له نية بمنزلة قوله أنت علي كظهر أمي لان ذلك اللفظ انما كان ظهارا باعتبار التشبيه في الحرمة فالتصريح بما هو مقتضى كلامه يؤكد حكم الكلام ولا يغيره وهذا اللفظ صريح في الظهار فلا تعمل فيه نية شئ آخر كاللفظ الذى هو صريح في الطلاق لا تعمل فيه نية شئ آخر وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان نوى الظهار أو لم يكن له نية فهو ظهار وان نوى الطلاق فهو طلاق لان المنوي من محتملات لفظه فان قوله أنت علي حرام تسع فيه نية الطلاق لو اقتصر عليه فقوله كظهر أمي يحتمل معنى التأكيد لتلك الحرمة فلا يخرج به من أن يكون محتملا لنية الطلاق وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا قال نويت به الطلاق يقع الطلاق بنيته ويكون مظاهرا بالتصريح بالظهار ولا يصدق في القضاء في صرف الكلام عن ظاهره بمنزلة قوله زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم فقال لى امرأة أخرى واياها عنيت يقع الطلاق على تلك بنيته وعلى هذه المعروفة بالظاهر ولكن هذا ضعيف فان الطلاق لو وقع بقوله أنت على حرام كان متكلما بلفظ الظهار بعدما بانت والظهار بعد البينونة لا يصح (قان قيل)

[ 230 ] الظهار مع الطلاق اثنتان بقوله أنت على حرام (قلنا) اللفظ الواحد لا يحتمل المعنيين المختلفين (قال) وان قال أنا منك مظاهر فهو ظهار لان موجب الظهار هو التحريم وقد بينا ان لفظ التحريم يصح اضافته إلى كل واحد منهما باعتبار ان الحل مشترك بينهما فكذلك لفظ الظهار وكذلك لو قال قد ظاهرت منك فان صيغة الاقرار والانشاء في الظهار واحدة كما في الطلاق (قال) وكذلك لو قال أنت مني كظهر أمي أو عندي ومعى فهو ظهار كقوله على لان تشبيه المحللة بالمحرمة يتحقق بهذه الكلمات (قال) ولا ينبغى للمرأة ان تدعه يقربها حتى يكفر لانها محرمة عليه ما لم يكفر وعليها أن تمتنع من الحرام ولها ان تطالبه بالتكفير وتخاصمه في ذلك لانها استحقت الامساك بالمعروف وهو بالظهار فوت عليها ذلك فلها ان تطالبه بما صار مستحقا لها بالنكاح ويجبره القاضى على التكفير عند طلبها لانه لا يتوصل إلى الامساك بالمعروف الا به ولا ينبغى له أن يباشرها ولا يقبلها حتى يكفر لقوله تعالى من قبل أن يتماسا ولان هذه الحرمة في معنى الحرمة بالطلاق الا في حكم زوال الملك والارتفاع بالكفارة والحرمة متى ثبتت بالطلاق توجب تحريم اللمس والتقبيل فكذلك بالظهار (قال) وإذا قال لامرأة إذا تزوجتك فأنت على كظهر أمي أو قال كل امرأة أتزوجها فهى علي كظهر أمي فهو كما قال لان الظهار يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق فيصح اضافته إلى الملك والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وإذا قال إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت على كظهر أمي ثم تزوجها طلقت وبطل الظهار عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الظهار معطوف على الطلاق فتبين بالطلاق قبل أن يصير مظاهرا وعندهما يقعان معا وقد بينا هذا في باب الطلاق (قال) وإذا قال إذا تزوجتك فأنت طالق ثم قال إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ثم تزوجها لزم الطلاق والظهار جميعا لانه تعلق كل واحد منهما بالتزويج هنا من غير واسطة فعند التزويج يقعان معا (قال) ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها فدخلت الدار في العدة أو بعد العدة لم يكن مظاهرا منها لان موجب الظهار حرمة ترتفع الكفارة وبالبينونة تثبت حرمة أقوى من ذلك فلا يظهر الضعيف مع القوى ولان المرأة محل الظهار لانها محللة له بأبلغ جهاته وقد زال ذلك بالبينونة والمعلق بالشرط عند وجود الشرط لا ينزل الا عند بقاء المحل لان الوصول إلى المحل عند ذلك يكون فإذا لم تبق محلا بعد البينونة لم يكن مظاهرا منها (قال) وإذا ظاهر المسلم وهو

[ 231 ] حر أو عبد من زوجته وهي حرة أو أمة مسلمة أو صبية أو كتابية فهو مظاهر لقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ولان العبد كالحر في كونه أهلا لموجب الظهار وهو الحرمة المؤقتة بالكفارة والامة والصبية والكتابية كالحرة المسلمة في كونها محللة بأبلغ جهاته (قال) وان كان الزوج ذميا فظهاره باطل عندنا سواء كانت المرأة مسلمة أو ذمية وعند الشافعي رحمه الله تعالى ظهار الذمي صحيح لان الذمي من أهل الطلاق وقد بينا أن الحرمة بالظهار في معنى الحرمة بالطلاق فكل من صح طلاقه صح ظهاره وكذلك هو من أهل الكفارة لانه من أهل الاعتاق والاطعام الا أنه ليس من أهل الكفارة بالصوم وبهذا لا يمتنع صحة الظهار كالعبد فانه ليس من أهل التكفير بالمال وكان ظهاره صحيحا وهذا على أصله مستقيم فان معني العقوبة عنده يترجح في الكفارة فيكون بمنزلة الحد وفي الحد معنى الكفارة قال صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات لاهلها ثم يقام على الذمي بطريق العقوبة ولئن لم يكن من أهل الكفارة فهو أهل للحرمة فيعتبر ظهاره في حق الحرمة كما اعتبر أبو حنيفة رحمه الله تعالى إيلاء الذمي في حق الطلاق وان لم يعتبر في حق الكفارة وكلامنا في المجوسى يتضح فانه يعتقد الحل في أمه وأخته فانما شبه امرأته بمن يعتقد الحل فيها بالنكاح فلا يكون مظاهرا كالمسلم إذا شبه امرأته بأجنبية (ولنا) ان الذمي ليس من أهل الكفارة فلا يصح ظهاره كالصبى وبيان الوصف أن المقصود بالكفارة التكفير والتطهير والكافر ليس بأهل له وما فيه من الشرك أعظم من الظهار بخلاف الحدود فالمقصود هناك الخزى والنكال وانما الكفارة في حق من جاء تائبا مستسلما لحكم الشرع كما فعله ماعز رضى الله عنه والدليل عليه ان معنى العبادة يترجح في الكفارة حتى تتأدى بالصوم الذى هو محض عبادة ولا يتأدى الا بنية العبادة ويفتى به ولا يقام عليه كرها والكافر ليس بأهل للعبادة وتأثير هذا الوصف بعد ثبوته ان موجب الظهار الحرمة المؤقتة بالكفارة ولا يمكن اثبات تلك الحرمة هنا لانه ليس بأهل للكفارة فلو صح ظهاره لثبتت به حرمة مطلقة وهذا ليس بموجب الظهار وبه فارق حرمة الطلاق فانه حرمة بزوال الملك أو بانعدام محل الحل والكافر من أهله وبه فارق العبد لانه من أهل الكفارة إلا انه عاجز عن التكفير بالمال لعدم الملك حتى لو عتق وأصاب مالا كانت كفارته بالمال وبه فارق الايلاء لانه طلاق مؤجل على ما نبينه في بابه ان شاء الله تعالى والذمى من أهل الطلاق ولان الحرمة الثابتة باليمين تكون مطلقة لا مؤقتة بالكفارة ولهذا لا يجوز التكفير قبل

[ 232 ] الحنث (قال) وإذا ظاهر المسلم من امرأته ثم ارتد ثم أسلما فهو على ظهاره في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى يكفر وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد سقط الظهار عنه بالردة لان الكافر ليس من أهل الظهار وهو بالردة قد التحق بالكافر الاصلى وكما لا ينعقد الظهار بدون الاهلية لا يبقى بعد انعدام الاهلية وهذا لان الثابت بالظهار حرمة مؤقتة بالكفارة وبعد الردة لا يمكن ابقاء هذه الحرمة لانه لم يبق أهلا للكفارة فلو بقى انما يبقى حرمة مطلقة وهذا لم يكن موجب ظهاره وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ظهاره قد صح موجبا لحكمه فلا يرتفع حكمه الا بالكفارة وهذا لان الحرمة بالظهار في معنى الحرمة بالطلاق ثم المسلم لو طلق امرأته ثلاثا ثم ارتد ثم أسلما لا تحل له الا بعد زوج فكذلك إذا ظاهر منها وهذا لانه غير مقر على كفره بل هو مجبر على العود إلى الاسلام فيمكن ابقاء الحرمة المؤقتة بالكفارة باعتبار ما بعد اسلامه توضيحه ان اعتبار الاهلية عند انعقاد السبب ليتقرر موجبا وعند أداء الكفارة ليصح الاداء ففيما بين ذلك لا يعتبر بقاء الاهلية ألا ترى انه لو جن بعدما ظاهر من امرأته ثم افاق بقى ظهاره حتى يكفر مع انه من أهل التكفير بالعتق حتى لو أعتق عبدا عن ظهاره في ردته ثم أسلم جاز عتقه عن الكفارة على ما نبينه (قال) وإذا قال لامرأته ان شئت فأنت على كظهر أمي فشاءت ذلك في في مجلسها لزمه الظهار وهذا والطلاق المعلق بمشيئتها سواء في أنه يعتبر وجود المشيئة في المجلس وان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وان قال أنت علي كظهر أمي اليوم فهو كما قال لا يقربها في ذلك اليوم حتى يكفر فإذا مضى اليوم بطل الظهار وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى هو مظاهر أبدا حتى يكفر وقاس هذا بالحرمة الثابتة بالطلاق في أنه لا يتوقت بالتوقيت ولكنا نقول موجب الظهار الحرمة وهو محتمل للتوقيت كالحرمة بسبب العدة وحرمة البيع إلى الفراغ من الجمعة وحرمة الصيد على المحرم إلى ان يحل والحرمة بسبب اليمين فإذا احتمل التوقيت صح توقيته ولا يبقى بعد مضى الوقت بخلاف الطلاق فالحرمة هناك باعتبار زوال الملك أو لانعدام محل الحل وذلك لا يحتمل التوقيت وعلى هذا لو قال انت علي كظهر أمي شهرا أو حتي يقدم فلان فهو كما قال ويسقط بمضي الشهر أو قدوم فلان لانتهاء الحرمة بمضي وقتها (قال) ولو ظاهر من امرأته ثم طلقها ثلاثا أو ارتدت عن الاسلام فبانت منه ثم أسلمت وتزوجته بعد زوج آخر كان الظهار على حاله لا يقربها حتى يكفر

[ 233 ] لان ظهاره قد صح وتثبت به الحرمة إلى أن يكفر فثبوت الحرمة بسبب آخر لا يمنع بقاء تلك الحرمة لان أسباب الحرمة تجتمع في محل واحد وإذا بقيت تلك الحرمة لا ترتفع إلا بالكفارة (قال) ولو ظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها لم يكن له ان يقربها حتى يكفر لان الحرمة تثبت بالظهار فهو بمنزلة الحرمة الثابتة بالطلاق ولو طلقها اثنتين لم تحل له بسبب الشراء بعد ذلك ما لم تتزوج بزوج آخر فكذلك إذا ثبتت الحرمة بالظهار أو هذه حرمة مع بقاء الملك فكانت كالحرمة الثابتة بسبب الحيض والحائض لا تحل له بملك اليمين كما لا تحل له بملك النكاح وكذلك ان أعتقها ثم تزوجها لان النكاح الثاني كالاول ومع بقاء النكاح الاول ما كان يحل له ان يقربها حتى يكفر فكذلك في النكاح الثاني (قال) وظهار الصبى والمعتوه باطل كطلاقهما لان موجب الظهار الحرمة المؤقتة بالكفارة وليسا من أهل وجوب الكفارة عليهما ولا من أهل مباشرة سبب الحرمة بالقول (قال) وظهار السكران والمكرة لازم كطلاقها لان الاكراه والسكر لا يؤثر في اكتساب سبب الحرمة بالقول ولا في اكتساب وجوب الكفارة عندنا (قال) وظهار الاخرس من امرأته في كتاب أو اشارة مفهومة صحيح كطلاقه لكونه أهلا لموجب الظهار ولا يدخل على المظاهر ايلاء وان لم يجامعها أربعة أشهر أو أكثر وقال مالك رحمه الله إذا لم يجامعها ولم يكفر حتى مضت أربعة أشهر بانت بالايلاء لان المولى مضار متعنت بمنع حقها في الغشيان وقد تحقق ذلك في حقها بالظهار لان في الموضعين لا يتمكن من قربانها شرعا إلا بالكفارة ولكنا نقول حكم كل واحد منهما منصوص عليه في القرآن ولا يقاس المنصوص على المنصوص فلو اثبتنا حكم الايلاء في الظهار كان بطريق المقايسة وكما لا يجوز ان يثبت حكم الظهار في الايلاء بطريق المقايسة فكذلك لا يثبت حكم الايلاء في الظهار مع ان الظهار ليس في معنى الايلاء فان التكفير في الظهار قبل الجماع وفى الايلاء بعده (قال) ولو قال ان قربتك فانت علي كظهر أمي كان موليا ان تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء وان قربها في الاربعة الاشهر لزمه الظهار بمنزلة قوله ان قربتك فانت طالق وهذا لانه منع نفسه من قربانها إلا بظهار يلزمه ومعنى الاضرار والتعنت بهذا يتحقق فكان موليا منها وإذا بانت بالايلاء ثم تزوجها فقربها فهو مظاهر لان اليمين باقية والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وإذا ظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى انت على مثل هذه ينوى الظهار فهو مظاهر

[ 234 ] لانه شبه الثانية بالاولى ولان قصد التشبيه في حكم الظهار وهذا قصد صحيح لما بينا ان تشبيه الشئ بالشئ قد يكون في وجه خاص وكذلك ان قال رجل آخر لامرأته أنت علي مثل امرأة فلان عليه ينوى الظهار كان مظاهرا منها أيضا وان لم ينو الظهار فهو باطل لان الكلام محتمل يجوز أن يكون التشبيه في حكم الحل والملك أو البر والكرامة والمحتمل لا يكون ملزما شيئا بدون النية (قال) وان ظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في ظهار فلانة كان مظاهرا أيضا منها كما في الطلاق وهذا لان الاشراك يقتضى التسوية وقد صرح بالظهار فكان ذلك تنصيصا على التسوية بينهما في حكم الظهار وان قال لامرأته أنت علي كظهر أمي ان شاء الله لم يلزمه شئ لان الاستثناء إذا اتصل بالكلام يخرجه من أن يكون عزيمة كما في الطلاق والعتاق قال صلى الله عليه وسلم من حلف بطلاق أو عتاق واستثنى فلا حنث عليه وان قال ان شاء فلان فالمشيئة إلى فلان في مجلس علمه كما في الطلاق ألا ترى أنه لو علق بمشيئتها ينجز إذا شاءت في مجلس علمها فكذلك إذا علق بمشيئة غيرها (قال) وكفارة الظهار على العبد الصوم ما لم يعتق لانه عاجز عن الاعتاق وعجزه أبين من عجز المعسر فانه ليس بأهل للملك فيكفر بالصوم وليس لمولاه أن يمنعه من الصوم لما تعلق به من حق المرأة وقد بيناه في كتاب الصوم فان عتق قبل أن يكفر وملك مالا فكفارته بالعتق لان التكفير بالصوم كان لضرورة العجز عن التكفير بالمال فإذا زال ذلك لزمه التكفير بالمال كالمتيمم ادا وجد الماء وهذا بناء على أصلنا أن المعتبر في الكفارات حالة الاداء لا حالة الوجوب وفى أحد قولى الشافعي رضى الله عنه المعتبر حالة الوجوب بناء على أصله في اعتبار معني العقوبة فيها كما في الحدود حتى إذا وجب عليه الحد وهو عبد ثم عتق قبل الاقامة يقام عليه حد العبيد لاحد الاحرار بخلاف الكفارة وعندنا المعتبر حالة الاداء إلا أن الصوم بدل عن العتق ومع القدرة على الاصل لا يتأدى الواجب بالبدل وحد العبيد ليس ببدل عن حد الاحرار والمصير إليه ليس للعجز فبدن العبد يحتمل من الضرب فوق ما يحتمله بدن الحر وسنقرر هذا في كتاب الايمان ان شاء الله تعالى (قال) وان أعتق عنه مولاه في رقه أو أطعم عنه بأمره لم يجزه لان الرق مناف للملك فلا يملك المال بتمليك المولى مع قيام المنافى فيه فان المتنافيين لا يجتمعان وبدون ملكه لا يتصور الاعتاق عنه والكفارة الواجبة عليه لا تسقط بملك الغير فلهذا لا يجوز اعتاقه عن كفارته ولا اطعامه المساكين


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ 235 ]

سواء باشره المولى أو العبد باذن المولى (قال) حر ظاهر وهو معسر ثم أيسر فعليه العتق لان جواز تكفيره بالصوم كان للعجز وقد زال قبل اسقاط الواجب فالتحق بما لو كان موسرا في الابتداء فان أعسر قبل أن يكفر فعليه الصوم لانه عاجز عن التكفير بالعتق فيكفر بالصوم لقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين الآية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع (وأوله باب العتق في الظهار)