مبسوط السرخسي - الجزء السادس
المبسوط السرخسي ج 6
[ 1 ] (الجزء السادس من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى املاء الطلاق في اللغة عبارة عن ازالة القيد وهو مأخوذ من الاطلاق يقول الرجل أطلقت ابلى وأطلقت أسيري وطلقت امرأتي فالكل من الاطلاق وانما اختلف اللفظ لاختلاف المعنى ففى المرأة يتكرر الطلاق وإذا تم رفع القيد بتكرر الطلاق لا يتأتى تقييده ثانيا في الحال ففى التفعيل معنى المبالغة فلهذا يقال في المرأة طلقت وهو كقولهم حصان وحصان لكن يقال في الفرس حصان أي بين التحصن وفى المرأة حصان أي بينة الحصن وكذا يقال عدل وعديل وكلاهما مشتق من العدالة والمعادلة ولكن يختص أحد اللفظين بالآدمى لمعنى اختص به وموجب الطلاق في الشريعة رفع الحل الذى به صارت المرأة محلا للنكاح إذا تم العدد ثلاثا كما قال الله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ويوجب زوال الملك باعتبار سقوط اليد عند انقضاء العدة في المدخول بها وانعدام العدة عند عدم الدخول والاعتياض عند الخلع فالاسم شرعى فيه معنى اللغة وايقاع الطلاق مباح وان كان مبغضا في الاصل عند عامة العلماء ومن الناس من يقول لا يباح ايقاع الطلاق الا عند الضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله كل ذواق مطلاق وقال صلى الله عليه وسلم أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وقد روى مثله في الرجل يخلع امرأته ولان فيه كفران النعمة فان النكاح نعمة من الله تعالى على عباده قال الله تعالى ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء الآية وكفران النعمة حرام وهو رفع النكاح المسنون فلا يحل الا عند الضرورة وذلك إما كبر السن لما روى ان سودة لما طعنت في السن طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما لريبة لما روى أن رجلا جاء إلى
[ 3 ] النبي صلى الله عليه وسلم وقال ان امرأتي لا ترد يد لامس فقال صلوات الله عليه طلقها فقال انى أحبها فقال صلى الله عليه وسلم أمسكها اذن واما قوله لا جناح عليكم ان طلقتم النساء وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وذلك كله يقتضى كله اباحة الايقاع وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضى الله عنها حتى نزل عليه الوحي يأمره ان يراجعها فانها صوامة قوامة ولم يكن هناك كبر سن ولا ريبة وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم فان عمر رضى الله عنه طلق أم عاصم رضى الله عنها وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق تماضر رضي الله عنها والمغيرة بن شعبة رضى الله عنه كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفا وقال انتن حسان الاخلاق ناعمات الارداف طويلات الاعناق اذهبن فانتن طلاق وان الحسن بن علي رضى الله عنهما استكثر من النكاح والطلاق بالكوفة حتى قال علي رضى الله عنه على المنبر إن ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا انا نزوجه ثم نزوجه ولان هذا ازالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا في الاصل كالاعتاق وفيه معنى كفران النعمة من وجه ومعنى ازالة الرق من وجه فالنكاح رق قال صلى الله عليه وسلم النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته وروى بم يرق كريمته ولهذا صان الشرع القرابة القزيبة عن هذا الرق حيث حرم نكاح الامهات والبنات والاخوات والى هذا المعنى أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وان أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق فقد نص على أنه مباح لما فيه من ازالة الرق ومبغض لما فيه من معنى كفران النعمة ثم معنى النعمة انما يتحقق عند موافقة الاخلاق فأما عند عدم موافقة الاخلاق فاستدامة النكاح سبب لامتداد المنازعات فكان الطلاق مشروعا مباحا للتفصى عن عبدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق * ثم هو نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة والسنة في الطلاق نوعان سنة من حيث العدد وسنة من حيث الوقت فالسنة من حيث العدد ما بدأ ببيانه الكتاب وهو نوعان حسن وأحسن فالاحسن أن يطلقها واحدة في وقت السنة ويدعها حتى تنقضي عدتها هكذا نقل عن ابراهيم رحمه الله تعالى ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم كانوا يستحسنون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة وأن هذا أفضل عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة ولانه مبغض شرعا لكنه مباح لمقصود التفصى عن عهدة النكاح وذلك يحصل بالواحدة ولا يرتفع بها الحل الذى هو
[ 4 ] نعمة فالاقتصار عليها أحسن والحسن أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار عند كل طهر واحدة وقال مالك رحمه الله تعالى لا أعرف المباح من الطلاق الا واحدة والدليل على صحة ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه انما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء يريد به الاشارة إلى قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن ولما قابل الله تعالى الطلاق بالعدة والطلاق ذو عدد والعدة ذات عدد تنقسم آحاد أحدهما على الآخر كقول القائل اعط هؤلاء الرجال الثلاثة ثلاثة دراهم ولان عدم موافقة الاخلاق أمر باطن لا يوقف على حقيقته فأقام الشرع السبب الظاهر الدال عليه وهو الطهر الذى لم يجامعها فيه مقام حقيقة الحاجة لعدم موافقة الاخلاق لانه زمان الرغبة فيها طبعا وشرعا فلا يختار فراقها الا للحاجة ومتى قام السبب الظاهر مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجودا وعدما وهذا السبب الظاهر متكرر فتتكرر اباحة الطلاق بتكرره ويجعل ذلك قائم مقام تجدد الحاجة حكما واليه أشار ابن مسعود رضى الله عنه فقال إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته للسنة طلقها تطليقة وهى طاهرة من غير جماع فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد ما تحيض وتطهر ثم يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها أخرى فكانت قد بانت منه بثلاث تطليقات وبقى عليها من عدتها حيضة وعلى هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله ايقاع الثلاث جملة بدعة وقال الشافعي رحمه اله تعالى لا أعرف في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة بل الكل مباح وربما يقول ايقاع الثلاث جملة سنة حتى إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة وقع الكل في الحال عنده قال وبالاتفاق لو نوى وقوع الثلاث جملة يقع جملة ولو لم يكن سنة لما عملت نيته لان النية بخلاف الملفوظ باطل واستدل في ذلك بحديث العجلاني فانه لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يارسول الله ان أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايقاع الثلاث جملة وقالت فاطمة بنت قيس رضى الله عنها طلقني زوجي ثلاثا الحديث إلى ان قالت فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه طلق امرأته تماضر رضي الله عنها ثلاثا في مرض موته والحسن بن علي رضي الله عنهما طلق امرأته شهباء رضي الله عنها ثلاثا حين هنته بالخلافة بعد موت علي رضي الله عنه والمعني فيه أن ازالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا مطلقا جمع أو
[ 5 ] فرق كالعتق والدليل عليه انه لو طلق أربع نسوة له جملة كان مباحا بمنزلة ما لو فرق فكذلك في حق الواحدة بل أولى لان هذا يزيل الملك عن امرأة واحدة وهناك الايقاع يزيل الملك عن أربع نسوة ولان الطلاق تصرف مملوك بالنكاح فيكون مباحا في الاصل والتحريم فيه لمعنى عارض كالظهار الذى انضم إليه وصف كونه منكرا من القول وزورا والايلاء الذى انضم إليه معنى قطع الامساك بالمعروف على وجه الاضرار والتعنت فكذلك الطلاق مباح الايقاع الا إذا انضم إليه معني محرم وهو الاضرار بها بتطويل العدة عليها إذا طلقها في حالة الحيض وتلبيس أمر العدة عليها إذا طلقها في طهر قد جامعها فيه لانها لا تدرى أنها حامل فتعتد بوضع الحمل أو حائل فتعتد بالاقراء وذلك منعدم إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه سواء أوقع الثلاث أو الواحدة وهو معنى قولهم هذا طلاق صادف زمان الاحتساب مع زوال الارتياب وحجتنا في ذلك قوله تعالى الطلاق مرتان معناه دفعتان كقوله أعطيته مرتين وضربته مرتين والالف واللام للجنس فيقتضى ان يكون كل الطلاق المباح في دفعتين ودفعة ثالثة في قوله تعالى فان طلقها أو في قوله عزوجل أو تسريح باحسان على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير وفى حديث محمود بن لبيد رحمه الله تعالى ان رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال أتلعبون بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم واللعب بكتاب الله ترك العمل به فدل ان موقع الثلاث جملة مخالف للعمل بما في الكتاب وان المراد من قوله فطلقوهن لعدتهن تفريق الطلقات على عدد اقراء العدة الا ترى انه خاطب الزوج بالامر باحصاء العدة وفائدته التفريق فانه قال لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يبدو له فيراجعها وذلك عند التفريق لا عند الجمع وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه ان قوما جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ان أبانا طلق امرأته ألفا فقال صلى الله عليه وسلم بانت امرأته بثلاث في معصية الله تعالى وبقى تسعمائة وسبعة وتسعين وزرا في عنقه إلى يوم القيامة وان ابن عمر رضى الله تعالى عنه لما طلق امرأته في حالة الحيض أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فقال أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لى فقال صلى الله عليه وسلم لا بانت منك وهي معصية وبهذه الآثار تبين انه انما ترك الانكار على العجلاني في ذلك الوقت شفقة عليه لعلمه أنه لشدة الغضب ربما لا يقبل قوله فيكفر فأخر الانكار إلى وقت آخر وأنكر عليه في قوله اذهب
[ 6 ] فلا سبيل لك عليها أو كراهة ايقاع الثلاث لما فيه من سد باب التلافى من غير حاجة وذلك غير موجود في حق العجلاني لان باب التلافى بين المتلاعنين منسد ما داما مصرين على اللعان والعجلاني كان مصرا على اللعان ولنا اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فقد روى عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبى هريرة وعمران بن حصين رضى الله تعالى عنهم كراهة ايقاع الطلاق الثلاث بألفاظ مختلفة وعن أبى قتادة الانصاري رضى الله عنه قال لو أن الناس طلقوا نساءهم كما أمروا لما فارق الرجل امرأته وله إليها حاجة ان أحدكم يذهب فيطلق امرأته ثلاثا ثم يقعد فيعصر عينيه مهلا مهلا بارك الله عليكم فيكم كتاب الله وسنة رسوله فماذا بعد كتاب الله وسنة رسوله الا الضلال ورب الكعبة وقال الكرخي لا أعرف بين أهل العلم خلافا ان ايقاع الثلاث جملة مكروه الا قول ابن سيرين وان قوله ليس بحجة ويتبين بهذا أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه انما طلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار وأن الحسن رضى الله تعالى عنه انما قال لشهباء أنت طالق ثلاثا للسنة وعندنا لا بأس به والمعنى فيه أنه تحريم البضع بمجرد قوله من غير حاجة فيكون مكروها كالظهار بل أولى فان الظهار تحريم البضع بمجرد قوله من غير ازالة الملك وفى ايقاع الثلاث تحريم البضع مع ازالة الملك والفقه فيه ما بينا أن اباحة الايقاع للحاجة إلى التفصى عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق وذلك يحصل بالواحدة ولا يحصل بها تحريم البضع فلا تتحقق الحاجة إلى ما يكون محرما للبضع فكان ينبغى أن لا يباح أصلا ولكن أبيح عند اختلاف الاطهار لتجدد الحاجة حكما على ما قررنا ولان في ايقاع الثلاث قطع باب التلافى وتفويت التدارك عند الندم وفيه معنى معارضة الشرع فالاسقاطات في الاصل لا تتعدد كالعتاق وغيره وانما جعل الشرع الطلاق متعددا لمعنى التدارك عند الندم فلا يحل له تفويت هذا المعنى في نفسه بعدما نظر الشرع له كما لا يباح له الايقاع في حالة الحيض لانه حالة نفرة الطبع عنها وكونه ممنوعا شرعا فالظاهر أنه يندم إذا جاء زمان الطهر فيكره ايقاع الطلاق لمعني خوف الندم فهذا مثله والدليل عليه أنه لو طلقها واحدة في الطهر ثم أخرى في الحيض يكون مكروها وليس في ايقاع الثانية في الحيض معنى تطويل العدة ولا معني اشتباه أمر العدة عليها فدل أن معنى كراهة الايقاع لمعنى خوف الندم إذا جاء زمان الطهر وهذا في ايقاع الثلاث أظهر فكان مكروها ويستوى في هذا المدخول بها
[ 7 ] وغير المدخول بها لان معنى تحريم البضع بايقاع الثلاث يحصل في الحالتين بصفة واحدة وكذلك يستوى في الكراهة ايقاع الثلاث جملة وايقاع الثنتين لان الكراهة لمعني عدم الحاجة حقيقة وحكما وهو موجود في الثانية كوجوده في الثالثة ولان ايقاع الثنتين وان كان لا يحصل به تحريم البضع فانه يقرب منه وهذا القرب معتبر في الحكم ألا ترى أن المرأة إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف وطلقها واحدة يجب ثلث الالف ولو طلقها اثنتين يجب ثلثا الالف وكما أن سد باب التلافى حرام من غير حاجة فكذلك ما يقرب منه يكون حراما * وأما السنة من حيث الوقت معتبر في حق المدخول بها وذلك أن يطلقها إذا طهرت من الحيض قبل أن يجامعها فيه قال في الكتاب بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد منه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه فانه لما طلق امرأته في حالة الحيض قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هكذا أمرك الله يا بن عمر انما السنة تستقبل الطهر استقبالا الحديث وفي رواية قال لعمر رضى الله تعالى عنه ان ابنك أخطأ السنة مره فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها ان شاء طاهرة من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء وجاء عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم في تفسير قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي يطلقها طاهرة من غير جماع والمعنى فيه أن اباحة الايقاع للتفصى عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق وذلك لا يظهر بالايقاع حالة الحيض لانها حال نفرة الطبع عنها وكونه ممنوعا عنها شرعا فربما يحمله ذلك على الطلاق وكذلك في الطهر الذى جامعها فيه لانه قد حصل مقصوده منها فنقل رغبته فيها فلا يكون الايقاع دليل عدم موافقة الاخلاق فأما في الطهر الذى لم يجامعها فيه تعظم رغبته فيها فلا يقدم على الطلاق الا لعدم موافقة الاخلاق فلهذا اختصت اباحة الايقاع به ولهذا المعنى قال زفر رحمه الله تعالى إنه يكره ايقاع الطلاق في حالة الحيض من غير المدخول بها لان معنى نفرة الطبع والمنع شرعا لا يختلف بين كونها مدخولا بها أو غير مدخول بها ومعنى آخر فيه أن في الايقاع في حالة الحيض اضرارا بها من حيث تطويل العدة عليها لان هذه الحيضة لا تكون محسوبة من العدة وتطويل العدة من الاضرار بها قال الله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وفي الايقاع في طهر قد جامعها فيه اضرار بها من حيث اشتباه العدة عليها ولهذا قلنا لا بأس
[ 8 ] بايقاع الطلاق في الحيض على غير المدخول بها لانه ليس فيه معنى تطويل العدة عليها ولان رغبته فيها كانت بالنكاح فلا يقبل ذلك بحيضها ما لم يحصل مقصوده منها فكان الايقاع دليل عدم موافقة الاخلاق بخلاف المدخول بها فان مقصوده بالنكاح قد حصل منها وانما رغبته فيها في الطهر بعد ذلك لتمكنه فيه من غشيانها وينعدم ذلك بالحيض توضيحه ان اباحة الايقاع بشرط ان يأمن الندم كما قال الله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفى الايقاع في حالة الحيض على المدخول بها لا يأمن الندم إذا جاء زمان الطهر والرغبة فيها وكذلك في الايقاع في طهر قد جامعها فيه لا يأمن الندم لانه ربما يظهر بها حبل فتحمله شفقته على الولد على تحمل سوء خلقها والى نحوه أشار ابن مسعود رضى الله عنه فقال لعل شفقة الولد تندمه فلهذا كره الايقاع في هذين الوقتين وإذا أراد ان يطلقها ثلاثا طلقها واحدة إذا طهرت من الحيض واختار بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى تأخير الايقاع إلى آخر الطهر ليكون أبعد عن تطويل العدة وظاهر ما يقول في الكتاب يدل على انه يطلقها حين تطهر من الحيض لانه لو أخر الايقاع ربما يجامعها ومن قصده انه يطلقها فيبتلى بالايقاع عقيب الجماع وذلك مكروه فلهذا طلقها حين تطهر من حيضها فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى واحتسب بهذه الحيضة من عدتها فإذا حاضت الثالثة وطهرت طلقها أخرى وقد بقى عليها من عدتها حيضة وللشافعي رحمه الله تعالى قول أن ابتداء العدة من آخر التطليقات إذا تكرر الايقاع لان الطلاق بعد الدخول موجب للعدة كالحدث بعد الطهارة موجب للوضوء فكما انه إذا أحدث بعد غسل بعض الاعضاء يلزمه استئناف الوضوء فكذلك إذا تكرر وقوع الطلاق عليها يلزمها استئناف العدة ولكنا نقول السبب الموجب للعدة الدخول وانما تصير شارعة في العدة حين يصير الزوج غير مريد لها وقد حصل ذلك بالتطليقة الاولى ثم الثانية والثالثة تقرر ذلك المعنى ولا تبطله بخلاف ما لو راجعها ثم طلقها لان بالرجعة ينعدم ذلك المعنى فانه يصير مريدا لها توضيحه أن المقصود تبين فراغ الرحم وذلك لا يتغير بتكرر الطلاق وعدم التكرر فلهذا كانت عدتها من التطليقة الاولى وعلى هذا اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم (قال) ولا تحل له المرأة بعدما وقع عليها ثلاث تطليقات حتى تنكح زوجا غيره يدخل بها والطلاق محصور بعدد الثلاث ولا خلاف بين العلماء أن بيان التطليقتين في قوله تعالى الطلاق مرتان وانما اختلفوا
[ 9 ] في الثالثة فقيل في قوله أو تسريح باحسان وهكذا روى أن أبا رزين العقيلى رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عرفنا التطليقتين في القرآن فأين الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى أو تسريح باحسان وأكثرهم على أن بيان الثالثة في قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لانه عند ذكرها ذكر ما هو حكم الثالثة وهو حرمة المحل إلى غاية ومعناه فان طلقها الثالثة ولا خلاف بين العلماء أن النكاح الصحيح شرط الحل للزوج الاول بعد وقوع الثلاث عليها والمذهب عند جمهور العلماء أن الدخول بها شرط أيضا وقال سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه ليس بشرط لان في القرآن شرط العقد فقط ولا زيادة بالرأى ولكن هذا قول غير معتبر ولو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه فان شرط الدخول ثابت بالآثار المشهورة فمن ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فتزوجت بزوج آخر لم تحل للاول حتى تذوق من عسيلته ويذوق من عسيلتها ومنه حديث عائشة رضى الله عنها ان رفاعة القرظي رضي الله عنه طلق امرأته فأبت طلاقها فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما وجدت معه الا مثل هذه وأشارت إلى هدبة ثوبها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضبط نفسه فقال أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة فقالت نعم فقال لا حتى يذوق من عسيلتك وتذوقي من عسيلته وعن عائشة رضى الله عنها ان عمرو بن حزم رضي الله عنه طلق امرأته العميصاء رضى الله عنها ثلاثا فتزوجت بآخر فلما خلا بها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ضعف حاله في باب النساء فقال صلى الله عليه وسلم هل أصابك فقالت لا فقال صلوات الله عليه لا تحلين لعمرو حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك وقيل في القرآن ذكر الدخول اشارة فانه أضاف فعل النكاح إلى الزوج واليها فيقضى ذلك فعل النكاح بعد الزوجية وذلك الوطئ ولان المقصود منع الازواج من الاستكثار من الطلاق وذلك لا يحصل بمجرد العقد انما يحصل بالدخول ففيه مغايظة الزوج الاول ودخول الثاني بها بالنكاح مباح مبغض عند الزوج الاول كما ان الاستكثار من الطلاق مبغض شرعا ليكون الجزاء بحسب العمل (قال) فان تزوج بها الثاني على قصد ان يحللها للزوج الاول من غير ان يشترط ذلك في العقد صح النكاح ويثبت الحل للاول إذا دخل بها الثاني وفارقها
[ 10 ] فان شرط ان يحللها للاول فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الجواب كذلك ويكره هذا الشرط وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى النكاح جائز ولكن لا تحل به للاول وعند محمد رحمه الله تعالى النكاح فاسد لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له وعقد النكاح سنة ونعمة فما يستحق به المرء اللعن لا يكون نكاحا صحيحا ولان هذا في معنى شرط التوقيت وشرط التوقيت مبطل للنكاح ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هذا ليس بتوقيت في النكاح ولكنه استعجال لما هو مؤخر شرعا فيعاقب بالحرمان كمن قتل مورثه يحرم من الميراث وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذا الشرط وراء ما يتم به العقد فأكثر ما فيه أنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ثم النهى عن هذا الشرط لمعنى في غير النكاح فان هذا النكاح شرعا موجب حلها للاول فعرفنا أن النهى لمعني في غير المنهي عنه وذلك لا يؤثر في النكاح فلهذا ثبت الحل للاول إذا دخل بها الثاني بحكم هذا النكاح الصحيح (قال) وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حامل طلقها واحدة متى شاء حتى انه لا بأس بأن يطلقها عقيب الجماع لان كراهة الايقاع عقيب الجماع لاشتباه أمر العدة عليها وخوف الندم إذا ظهر بها حبل وذلك غير موجود هنا ولان الحبل يزيد في رغبته فيها فيكون ايقاع الطلاق بعد ظهوره دليل عدم موافقة الاخلاق (قال) فان كان جامعها ثم أراد أن يطلقها ثلاثا فله ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ويفصل بين التطليقتين بشهر وعند محمد وزفر رحمها الله تعالى لا تطلق الحامل للسنة أكثر من واحدة وفى الكتاب قال بلغنا ذلك عن ابن مسعود وجابر رضى الله تعالى عنهما والحسن البصري وقول الصحابي إذا كان فقيها مقدم على القياس والمعني فيه ان الاصل في طلاق السنة أن يفصل بين التطليقتين بفصل محسوب من فصول العدة كما في حق ذوات الاقراء والآيسة والشهر في حق الحامل ليس بفصل محسوب من فصول العدة فلا يفصل به بين طلاقي السنة وهذا لان الطلاق مقابل بفصول العدة ألا ترى أن عدة الامة لما تقدرت بحيضتين ملك عليها تطليقتين وان بسبب عدم الدخول لما انعدمت فصول العدة انعدم ملك التفريق الا أن النكاح يعقد للدخول فلا يؤثر في ملك أصل الطلاق لهذا فعرفنا أن التفريق باعتبار فصول العدة ومدة الحبل طالت أو قصرت بمنزلة فصل واحد ألا ترى أن الاستبراء يتقدر بها وفى الفصل الواحد لا يملك تفريق الطلقات على الوجه المسنون
[ 11 ] ولان هذا شهر في حق ذوات الاقراء فلا يصلح للفصل بين طلاقي السنة كما في الممتدة طهرها بخلاف الآيسة والصغيرة وحجتنا في ذلك أن هذا نوع عدة فيكون محلا لتفريق الطلقات المملوكة على وجه السنة كالاقراء والاشهر وهذا لان الله تعالى جعل محل ايقاع الطلقات العدة بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وعدة الحامل نوع من أنواع العدة بل هي الاصل فيما هو المقصود لان المقصود بالعدة تبين فراغ الرحم وذلك يحصل بوضع الحمل على أكمل الوجوه فيستحيل أن يقال لا يملك تفريق الطلاق على ما هو الاصل في العدة وفي حق ذوات الاقراء فصول العدة انما تقع اتفاقا لا قصدا فأما المعنى المعتبر تجدد زمان الرغبة وذلك لا يحصل الا بمضي حيضة وفى حق الآيسة والصغيرة لا يوجد هذا المعنى لان الاوقات في حقها سواء ولابد من اباحة التفريق في عدتها فأقمنا الشهر في حقها مقام الحيضة في حق ذوات الاقراء باعتبار انه فصل من فصول العدة ثم ينعدم هذا المعني في حق الحامل فلابد من اباحة التفريق في عدتها فاقمنا الشهر في حق الآيسة باعتبار انه شهر في عدة لا حيض فيها والدليل على انه لا معتبر بفصول العدة انه لو قال لامرأته الصغيرة أنت طالق ثلاثا للسنة يقع عليها للحال واحدة فإذا مضى شهر وقعت أخرى وإذا مضى شهر وقعت أخرى ثم إذا حاضت يلزمها استئناف العدة والتطليقات الثلاث وقعت على وجه السنة فعرفنا انه لا معتبر بفصول العدة ثم الحامل لا تحيض والشهر في حق من لا تحيض فصل من فصول العدة في حق انقضاء العدة وتفريق الطلاق ولكن هنا في حق انقضاء العدة وجدنا ما هو أقوى من الشهر وهو وضع الحمل وفي التفريق بالطلاق لم نجد ما هو أقوى من الشهر فبقى الشهر فصلا من فصول العدة في حق تفريق الطلاق وان لم يبق في حق انقضاء العدة كما في الصغيرة إذا حاضت يقرره ان الحبل يؤثر في اباحة ايقاع كان محرما قبله وهو الطلاق عقيب الجماع فيستحيل ان يؤثر في المنع مما كان مباحا قبله ولا يدخل على ما قلنا إذا بقى من مدة حملها يوم لان التعليل لمدة الحمل ولا يتصور ان يكون ذلك يوما الا أن التفريط جاء من قبله حين أخر الايقاع حتى لم يبق من المدة فلا يخرج به من ان يكون أصل المدة قابلا لتفريق الثلاث كالكافر إذا أسلم وقد بقى من الوقت مقدار ما لا يمكنه ان يصلى فيه تلزمه الصلاة لان التفريط جاء من قبله حين أخر الاسلام ولا معنى لما قال ان مدة الحبل كحيضة واحدة بل هي بمنزلة ثلاث حيض حتى تنقضي بها العدة ولكن الاستبراء انما لا يقدر ببعض
[ 12 ] مدة الحبل لان المقصود تبين فراغ الرحم وذلك لا يحصل قبل الوضع فزيد في مدة الاستبراء إذا كانت حاملا لهذا المعنى لا أن تجعل مدة الحبل كحيضة واحدة ولا نسلم أن الحامل من ذوات الاقراء على الاطلاق فانه لزمها صفة منافية للحيض حتى أنها وان رأت الدم لا يكون حيضا بخلاف الممتدة طهرها (قال) وإذا أراد أن يطلقها وهي لا تحيض من كبر أو صغر طلقها واحدة متى شاء عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى ليس له أن يطلقها عقيب الجماع حتى يمضى الشهر لانه يفصل بين الطلاق والجماع بما يفصل به بين الطلاقين في عدة هي ذات فصول كما في حق ذوات الاقراء ثم هنا يفصل بين طلاقيها بشهر فكذلك يفصل بين طلاقها وجماعها بشهر ولكنا نقول انها بمنزلة الحامل في أنها لا حيض في عدتها فيباح ايقاع الطلاق عليها عقيب الجماع كما يباح الايقاع على الحامل وكأن المعنى فيه أن في حق ذوات الاقراء انما كره ايقاع الطلاق عقيب الجماع لتوهم الحبل وهذا لا يوجد هنا فكان ايقاع الطلاق عليها عقيب الجماع مباحا فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد شهر آخر ثم بعد شهر آخر وعدتها ثلاثة أشهر من التطليقة الاولى وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن والمراد الصغيرة ولا خلاف أن الايقاع إذا كان في أول الشهر تعتبر الشهور بالاهلة ناقصة أو كاملة فان كان الايقاع في وسط الشهر ففي حق تفريق الطلاق يعتبر كل شهر بالايام وذلك ثلاثون يوما بالاتفاق وكذلك في حق انقضاء العدة عند أبي حنيفة تعتبر ثلاثة أشهر بالايام وعندهما يعتبر شهر واحد بالايام وشهران بالاهلة لان الاهلة هي الاصل قال الله تعالى يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والايام يدل عنها ففي الشهر الواحد تعذر اعتبار ما هو الاصل فاعتبر البدل وفي الشهرين لم يتعذر اعتبار ما هو الاصل ولكن أبو حنيفة يقول ما لم يتم الشهر الاول لا يدخل الشهر الثاني فدخول الشهر الثاني في وسط الشهر الثاني أيضا وكذلك في الشهر الثالث فيتعذر اعتبار الكل بالاهلة فوجب اعتبارها بالايام ولا يحكم بانقضاء عدتها الا بتمام تسعين يوما من حين طلقها وقد ظن بعض مشايخنا أن الشهر في حق التى لا تحيض بمنزلة الحيض والطهر في حق التي تحيض وليس كذلك بل الشهر في حقها بمنزلة الحيض في حق التى تحيض حتى يتقدر به الاستبراء ويفصل به بين طلاقي السنة وهذا لان المعتبر في حق ذوات القرء الحيض ولكن لا يتصور الحيض الا بتخلل الطهر وفي
[ 13 ] الشهور ينعدم هذا المعنى فكان الشهر قائما مقام ما هو المعتبر وإذا طلقها واحدة أو ثنتين فهو يملك الرجعة ما لم تنقض العدة وهذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص فان ازالة الملك بالطلاق اسقاط والاسقاط يتم بنفسه كالعتق ولكن الشرع أثبت للزوج حق الرجعة في العدة بعد التطليقة والتطليقتين للتدارك عند الندم قال الله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف معناه قرب انقضاء عدتهن فامسكوهن بالمراجعة وقال الله تعالى الطلاق مرتان فامساك بمعروف والمراد بالامساك المراجعة بعد التطليقتين ما دامت في العدة ثبت ذلك بقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وعدة التى تحيض ثلاث حيض كما قال الله تعالى في كتابه ثلاثة قروء وهو حكم مقطوع به ثابت بالنص ثم عطف عيه ما هو مجتهد فيه فقال القرء هي الحيض وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى هي الاطهار حتى ان على مذهبه كما طعنت في الحيضة الثالثة يحكم بانقضاء عدتها وعندنا ما لم تطهر من الحيضة الثالثة لا يحكم بانقضاء العدة وأصل الخلاف بين الصحابة رضى الله عنهم فقد روى الشعبى رضى الله عنه عن بضعة عشر من الصحابة الحبر فالحبر منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس رضى الله تعالى عنهم قال الزوج أحق برجعتها ما لم تحل لها الصلاة وعن ابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم قالوا الاقراء الاطهار وعن ابن عباس رضى الله عنه كما طعنت في الحيضة الثالثة تبين من زوجها ولا يحل لها ان تتزوج حتى تطهر وكذلك أهل اللغة يطلقون إسم القرء على الطهر والحيض جميعا قال القائل يا رب ذى ضغن وضب فارض + + + له قروء كقروء الحائض وقال الاعشي مورثة مال وفي الحى رفعة + + + لما ضاع فيها من قروء نسائكا والمراد الاطهار لان زمان الحيض يضيع وان كان حاضرا وأصله في اللغة الوقت قال القائل * إذا هبت لقارئها الرياح * فمنهم من يقول وقت الطهر به أشبه لانه عبارة عن الاجتماع يقال ما قرأت الناقة سلا قط أي ما جمعت في رحمها ولدا قط واجتماع الدم في الرحم في حالة الطهر ومنهم من يقول وقت الحيض به أشبه لان هذا الوصف عارض للنساء فوقت الطهر أصل ووقت الحيض عارض مع أن اجتماع الدم في حالة الطهر لا يعلم حقيقة ولو ثبت ذلك
[ 14 ] فانما يسمى ذلك الوقت قرء باعتبار الدم المجتمع ثم ان عند اختلاف أهل اللغة يجب المصير إلى لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في التابوت والتابوه رجحوا لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا اكتبوا بالتاء والقرء في لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذا أتاك قرءك فدعى الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها والقرء والاقراء كلاهما جمع كما يقال فلس وفلوس ونزل وانزال ثم الشافعي رحمه الله تعالى رجح الاطهار باعتبار حرف الهاء المذكور في قوله ثلاثة قروء فقال جمع المذكر يؤنث والطهر هو المذكر ولكنا نقول الاعراب يتبع اللفظ دون المعنى يقال ثلاثة افراس وثلاث دواب وقال أيضا القرء عبارة عن الانتقال يقال قرأ النجم إذا انتقل وكما طعنت في الحيضة الثالثة فقد وجد ثلاث انتقالات من الطهر ولكن هذا لا معني له فالانتقال من الحيض إلى الطهر أيضا قرء فكان ينبغي على هذا أن تنقضي العدة إذا طعنت في الحيضة الثالثة واحد لم يقل بهذا ولكن الصحيح ما قاله علماؤنا رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما ذكر جمعا مقرونا بالعدد اقتضى الكوامل منه والطلاق هو المباح في حالة الطهر فلو جعلنا القرء الاطهار لكان انقضاء العدة بقرأين وبعض الثالث وهذا يستقيم في جمع غير مقرون بالعدد كقوله تعالى الحج أشهر معلومات فأما في جمع مقرون بالعدد فلابد من الكوامل وانما يحصل ذلك إذا حمل القرء على الحيض فيكون انقضاء العدة بثلاث حيض كوامل واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن معناه في عدتهن والطلاق المباح في حالة الطهر فعرفنا أن العدة بالطهر وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لابن عمر رضى الله تعالى عنه انما السنة أن تسقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء واستدل علماؤنا بقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه من الحيض والحبل فهو بيان المراد بالقروء قال الله تعالى واللائى يئسن من الحيض من نسائكم الآية وانما نقل إلى الاشهر عند عدم الحيض والنقل إلى البدل يكون عند عدم الاصل فهو تنصيص على أن المراد بالقرء الحيض وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي قبل عدتهن كما يقال زينت الدار لقدوم الحاج وتوضأت للصلاة أي قبلها وفي قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه لقبل عدتهن مع ان المراد عدة الايقاع ونحن نقول ان عدة الايقاع
[ 15 ] بالاطهار فأما عدة الاعتداد بالحيض بيانه في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان ومن حيث المعنى هو يقول الطلاق السنى يستعقب جزء محسوبا من العدة كما في الايسة والصغيرة وانما يكون ذلك إذا كان الاعتداد بالاطهار ونحن نقول المقصود من هذه العدة تبين فراغ الرحم ولهذا لا تجب الا عند توهم اشتغال الرحم ولهذا يعتبر بوضع الحمل إذا كانت حاملا والحيض هي التي تدل على تبين فراغ الرحم دون الطهر فكان الاعتبار بالحيض أولى ثم الاصل في العبادات التي تشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض ان الاداء لا يتصل بالشروع فيها كما في الحج وفيما يكون متصل الاركان يتصل الاداء بالشروع كالصلاة والعدة بالاشهر متصلة الاركان فيتصل الاداء بالشروع فيها والعدة بالاقراء منفصلة الاركان بعضها عن بعض فلا يجب ان يتصل الاداء بالشروع فيها والدليل على ما قلنا الاستبراء فانه معتبر بالحيض بالنص والمقصود تبين فراغ الرحم فكذلك العدة (قال) وعدة الحامل ان تضع حملها ولو وضعت حملها بعد الطلاق بيوم لقوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن ولان وضع الحمل أدل على ما هو المقصود وهو معرفة براءة الرحم من الاقراء وعدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر بالنص وتكلموا في معنى قوله تعالى ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر قال مالك رضي الله عنه المراد ارتيابها في حال نفسها أنها هل تحيض بعد هذا أو لا حتى قال إذا ارتابت تربصت سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر ولكنا نقول لما نزل قوله تعالى ثلاثة قروء قالت الصحابة رضى الله عنهم فيما بينهم فان كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر وارتابوا في ذلك فنزل قوله تعالى واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم وفي قول الصحابة رضوان الله عليهم فان كانت ممن لا تحيض دليل على أنهم فهموا من القراء الحيض (قال) والكتابية تحت المسلم في الطلاق والعدة بمنزلة المسلمة لان المخاطب بمراعاة وقت السنة الزوج وهو مسلم وفي العدة الواجب عليها حق الزوج وهو مسلم (قال) والامة بمنزلة الحرة في وقت السنة لان المخاطب بمراعاة وقت السنة الزوج وذلك لا يختلف بكونها حرة أو أمة وعدتها حيضتان إذا كانت من ذوات الاقراء للحديث الذى روينا ولقول عمر رضي الله تعالى عنه عدة الامة حيضتان ولو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا بين أن التنصيف بسبب الرق يثبت في العدة ولكن بقدر الممكن والحيضة الواحدة لا تحتمل التنصيف وان كانت آيسة أو صغيرة فعدتها شهر
[ 16 ] ونصف لقول عمر رضى الله تعالى عنه ولان الشهر محتمل للتنصيف وعلى قول مالك عدتها بالشهور ثلاثة أشهر لظاهر الآية ولكنا نقول الرق ينصف ذوات الاعداد بمنزلة الجلدات في الحدود وعدتها إذا كانت حاملا بوضع الحمل بالانفاق لان تبين فراغ الرحم لا يحصل قبل ذلك (قال) وإذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت فطهرت فأنت طالق لجواز أن يكون قد امتد طهرها الذى جامعها فيه فلو كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق يقع الطلاق عليها في طهر جامعها فيه وهو خلاف السنة فلهذا قيد بهذه الصفة وفي الرقيات زاد محمد رحمه الله تعالى فقال وعلمت ما فيه لجواز ان لا تقرأ كتاب زوجها فيقع الطلاق عليها وهي لا تشعر بذلك ولكن في ظاهر الرواية لم يذكر هذه الزيادة لان المغيبة لا تكون أحرص على شئ منها على قراءة كتاب زوجها والظاهر انها لا تؤخر ذلك (قال) فان أراد ان يطلقها ثلاثا كتب ثم إذا حضت وطهرت فانت طالق وان شاء أوجز فكتب إذا جاءك كتابي هذا فانت طالق ثلاثا للسنة فيقع بهذه الصفة لان الكتاب ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا وان كانت ممن لا تحيض كتب إذا جاءك كتابي هذا ثم أهل شهر فأنت طالق وان شاء كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا للسنة لما بينا ان له ان يطلقها للسنة إذا كانت ممن لا تحيض في أي وقت شاء (قال) وان كان لم يدخل بامرأته ولم يخل بها فله ان يطلقها متى شاء خلافا لزفر وقد بينا ذلك وليس عليها عدة لقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها قال مشايخنا رحمهم الله تعالى وفى كتاب الله تعالى المتلولا بهذه الصفة بل المتلو يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية ولكن هذا غلط وقع من الكاتب وترك كذلك وان كان قد خلا بها فطلاقها وعدتها مثل التي دخل بها لان الخلوة الصحيحة في حكم العدة بمنزلة الدخول ومراعاة وقت السنة في الطلاق لاجل العدة فتقام الخلوة فيه أيضا مقام الدخول (قال) وإذا طلق امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وعلى قول الروافض لا يقع وفى الكتاب ذكر بابا ردا عليهم فيؤخر الكلام فيه إلى ذلك الموضع والقدر الذى نذكره هنا حديث ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضى الله عنه مر ابنك فليراجعها والمراجعة تكون بعد وقوع الطلاق ولكنهم يدعون المروى فليرجعها وقد كان اخرجها من بيته فانما أمره أن يردها إلى بيته وهذا باطل من الكلام فقد قيل
[ 17 ] لابن عمر رضى الله عنه هل احتسبت بتلك الطلقة فقال ومالى لا أحتسب بها وان استحمقت أو استجهلت أكان لا يقع طلاقي ولما ذكر لعمر رضى الله عنه في الشورى ابنه فقال سبحان الله أقلد أمور المسلمين ممن لم يحسن طلاق امرأته فطلقها في حالة الحيض فهو اشارة إلى أن ذلك الطلاق كان واقعا وأنه ينبغى للمرء أن يصون نفسه عن ذلك (قال) ثم ينبغى له أن يراجعها كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانه لو راجعها لم تبن منه بطلاق محظور ويندفع عنها ضرر تطويل العدة فإذا لم يراجعها بانت منه بطلاق محظور ويتحقق معنى تطويل العدة فلهذا ينبغى له أن يراجعها (قال) فإذا طهرت من حيضة أخرى طلقها ان شاء وهذا اشارة إلى أنها إذا طهرت من هذه الحيضة لا يباح ايقاع الطلاق عليها وذكر الطحاوي رحمه الله أنه إذا طلقها في الحيض ثم طهرت من تلك الحيضة يباح ايقاع الطلاق عليها وقيل ما ذكره الطحاوي قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان وقت السنة الطهر الذى لا جماع فيه وقد وجد وما ذكر في الكتاب قولهما لان الفصل بين الطلاقين بحيضة كاملة وذلك لا يكون إذا طهرت من هذه الحيضة وحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه روى بروايتين من طريق شعبة مر ابنك فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض وتطهر ثم ليطلقها ان شاء فهو دليل قولهما ومن طريق آخر مر ابنك فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها ان شاء وهذا يحتمل بقية هذه الحيضة كما هو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك ان طلقها في حالة الحيض (قال) ولو طلقها في طهر لم يجامعها فيه واحدة ثم راجعها بالقول فأراد أن يطلقها أخرى في ذلك الطهر للسنة فله ذلك عند أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وليس له ذلك عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وعن محمد رضى الله تعالى عنه فيه روايتان فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شرط الفصل بين طلاقي السنة الحيضة الكاملة كما قال صلى الله عليه وسلم فليطلقها في كل قرء تطليقة ولان ايقاع تطليقة في طهر في المنع من تطليقة أخرى في ذلك الطهر كالجماع فكما لا يجوز له أن يطلقها بعد الجماع في طهر واحد فكذلك بعد لطلاق وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الفصل بالحيضة انما يعتبر إذا كانت الثانية تقع في العدة وبالمراجعة قد ارتفعت العدة فكانت الثانية بمنزلة ابتداء الايقاع وقد حصل في طهر لا جماع فيه ثم الرجعة تسقط جميع العدة ولو تخلل بين التطليقتين ما يسقط بعض العدة كانت الثانية واقعة على وجه السنة فإذا تخلل ما يسقط جميع العدة أولى وكذلك
[ 18 ] لو راجعها بالتقبيل أو المس عن شهوة حتى روى عن أبى حنيفة رححه الله تعالى أنه إذا كان أخذ بيد امرأته عن شهوة فقال لها أنت طالق ثلاثا للسنة يقع عليها ثلاث تطليقات في الحال يتبع بعضها بعضا لان كلما وقع عليها تطليقة صار مراجعا لها فتقع أخرى فأما إذا راجعها بالجماع فان لم تحبل فليس له أن يطلقها أخرى في هذا الطهر بالاجماع لانه طهر قد جامعها فيه وان راجعها بالجماع فحبلت فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ليس له أن يطلقها أخرى أيضا لانه قد طلقها في هذا الطهر واحدة والطهر الواحد لا يكون محلا لاكثر من تطليقة واحدة على وجه السنة وعند أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهما الله تعالى له أن يطلقها أخرى لان العدة الاولى قد سقطت والطلاق عقيب الجماع في الطهر انما لا يحل لاشتباة أمر العدة عليها وذلك لا يوجد إذا حبلت وظهر الحبل بها (قال) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة بائنة فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وفى زيادات الزيادات قال التطليقة البائنة تقع بصفة السنة كالرجعية لان ابن ركانة رضى الله تعالى عنه طلق امرأته البتة ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايقاع الطلاق بهذا اللفظ فلو كان خلاف السنة لانكر عليه كما أنكر على ابن عمر رضى الله تعالى عنه والواقع بهذا اللفظ يكون بائنا والدليل عليه الطلاق قبل الدخول والخلع فانه يقع بائنا ولا يكون مكروها فأما وجه ظاهر الرواية أن اباحة الايقاع للحاجة إلى التفصى عن عهدة النكاح ولا حاجة به إلى زيادة صفة البينونة فكانت زيادة هذه الصفة كزيادة العدد ثم لا مقصود له في ذلك سوى رد نظر الشرع له بقطع خيار الرجعة وسد باب التلافى على نفسه عند الندم وهذا بخلاف الخلع فانه يحتاج إلى ذلك لاسترداد ما ساق لها من الصداق إذا كان النشوز منها مع ان الخلع لا يكون الا عند تحقق الحاجة ولهذا روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يكره في حالة الحيض والطلاق قبل الدخول لا يكون الا بائنا والتى لم يدخل بها ليست نظير التى دخل بها بدليل الايقاع في حالة الحيض وتأويل حديث ابن ركانة رضى الله عنه انه طلقها قبل الدخول بها وقبل الدخول بأى لفظ أوقع يكون بائنا ويحتمل ان يكون أخر الانكار إلى وقت آخر لعلمه انه لفرط الغيظ لا يقبل في ذلك الوقت والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 19 ]
- (باب الرجعة) * (قال) وإذا طلقها واحدة في الطهر أو في الحيض أو بعد الجماع فهو يملك الرجعة ما دامت في العدة لان النبي صلى الله عليه وسلم طلق سودة رضى الله تعالى عنها بقوله اعتدى ثم راجعها وطلق حفصة رضى الله عنها ثم راجعها بالوطئ ويستوى ان طالت مدة العدة أو قصرت لان النكاح بينهما باق ما بقيت العدة وقد روى ان علقمة رضى الله عنه طلق امرأته فارتفع حيضها سبعة عشر شهرا ثم ماتت فورثه ابن مسعود رضى الله عنه منها وقال ان الله تعالى حبس ميراثها عليك فإذا انقضت العدة قبل الرجعة فقد بطل حق الرجعة وبانت المرأة منه وهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها ان اتفقا على ذلك وإذا أراد أن يراجعها قبل انقضاء العدة فاحسن ذلك ان لا يغشاها حتى يشهد شاهدين على رجعتها والاشهاد على الرجعة مستحب عندنا وفى أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى شرط لا تصح الرجعة الا به وهو قول مالك رحمه الله تعالى وهذا عجيب من مذهبه فانه لا يجعل الاشهاد على النكاح شرطا ويجعل الاشهاد على الرجعة شرطا لظاهر قوله تعالى وأشهدوا ذوى عدل منكم والامر على الوجوب ومذهبنا مروى عن ابن مسعود وعمار بن ياسر رضى الله عنهما ولان الرجعة استدامة للنكاح والاشهاد ليس بشرط في استدامة النكاح وبيانه أن الله تعالى سمى الرجعة امساكا وهو منع للمزيل من أن يعمل عمله بعد انقضاء المدة فلا يكون الاشهاد عليه شرطا كالفئ في الايلاء والمراد بالآية الاستحباب ألا ترى أنه جمع بين الرجعة والفرقة وأمر بالاشهاد عليهما ثم الاشهاد على الفرقة مستحب لا واجب فكذلك على الرجعة وهو نظير قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم ثم البيع صحيح من غير اشهاد وليس في الرجعة عوض لا قليل ولا كثير لانه استدامة للملك فلا يستدعى عوضا ولهذا لا يعتبر فيه رضاها ولا رضى المولى لان الله تعالى جعل الزوج أحق بذلك بقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وانما يكون أحق إذا استبد به والبعل هو الزوج وفي تسميته بعلا بعد الطلاق الرجعى دليل بقاء الزوجية بينهما فالمباعلة هي المجامعة ففيه اشارة إلى أن وطأها حلال له وهو قول علمائنا أن الطلاق الرجعى لا يحرم الوطئ ولكن لا يستحب له أن يطأها قبل الاشهاد على المراجعة لانه يصير مراجعا لها من غير شهود وعند الشافعي رحمه الله تعالى يحرم عليه
[ 20 ] وطأها ما لم يراجعها ولهذا شرط الاشهاد على الرجعة لانه سبب لاستباحة الوطئ واستدل بقوله تعالى ان أرادوا اصلاحا والاصلاح يكون بعد تمكن الفساد ولم يتمكن الفساد هنا بزوال أصل الملك عرفنا انه تمكن الفساد بحرمة الوطئ ويجوز ان تثبت حرمة الوطئ مع قيام أصل الملك كمن كاتب أمته يحرم عليه وطأها وان بقى الملك بعد الكتابة ولهذا لا يلزمه مهر جديد بالوطئ كما في المكاتبة ولان هذا طلاق واقع فيحرم الوطئ كالواقع بقوله أنت بائن وتقريره ان الاقراء يحتسب بها من العدة بعد الطلاق ومع بقاء ملك النكاح مطلقا لا يحتسب بالاقراء من العدة لان العدة لصيانة الماء وصون الماء بالنكاح أبلغ منه بالعدة ولان العدة لتبين فراغ الرحم فيستحيل ان تكون هي مشغولة بما يبين فراغ رحمها ويكون الزوج مسلطا على شغل رحمها والدليل عليه انها إذا جاءت بالولد إلى سنتين يجعل هذا من علوق قبل الطلاق ولو بقي الحل بينهما لكان يستند العلوق إلى أقرب الاوقات وهي ستة أشهر وحجتنا في ذلك ان الله تعالى سمى الرجعة امساكا وذلك استدامة لملك فدل ان الملك باق على الاطلاق وملك النكاح ليس الا ملك الحل فانه لا يملك عينها ولا منافعها فبقاء ملك النكاح مطلقا يكون دليل بقاء حل الوطئ الا بعارض يحرم به الوطئ في ملك اليمين كالحيض والظهار واختلاف الدين وبكونها مطلقة لا يحرم لوطئ بملك اليمين لانها لو كانت أمة فاشتراها بعد الطلاق كان له ان يطأها فكذلك لا يحرم الوطئ في ملك النكاح والدليل على بقاء الملك مطلقا أنه يملك التصرفات كالظهار والايلاء واللعان وانهما يتوارثان وانه يملك الاعتياض بالخلع وملك الاعتياض لا يكون الا مع بقاء أصل الملك وانه بعد الرجعة يحل له وطأها والرجعة ليست بسبب لحل الوطئ مقصودا حتى لا يعتبر فيها المهر ولا رضاها والدليل عليه أن الطلاق بعد الطلاق واقع فلو كان حكم الطلاق زوال الملك به لم يقع الطلاق بعد الطلاق لان المزال لا يزال وكما أن الطلاق الثاني واقع من غير أن يزول الملك به فكذلك الاول لان الحكم الاصلى للطلاق رفع الحل عن المحل إذا تم ثلاثا فأما زوال الملك به معلق بانقضاء العدة قبل الرجعة والمعلق بالشرط عدم قبله وانما سمى الله تعالى الرجعة ردا واصلاحا لانه يعيدها بالرجعة إلى الحالة الاولى حتى لا تبين بانقضاء العدة لا لانه يعيدها إلى الملك وملك النكاح ليس نظير ملك اليمين فان صفة الحل هناك تنفصل عن أصل الملك ابتداء وبقاء كالاخت من الرضاعة والامة المجوسية وهنا صفة الحل تنفصل عن أصل
[ 21 ] الملك ابتداء وبقاء مع أن المكاتبة صارت أحق بنفسها بما التزمت من العوض وهنا الزوج أحق بها ووزان هذا من المكاتبة أن لو طلقها بعوض وكون الطلاق واقعا لا يكون دليل حرمة الوطئ مع قيام الملك كما بعد الرجعة فان الطلاق يبقى واقعا والوطئ حلال وهذا لان هذه الازالة بطريق الاسقاط والمسقط يكون متلاشيا لا يتصور اعادته والاحتساب بالاقراء من العدة لانه صار غير مريد لها بالطلاق كمن وطئ أمته ثم أراد بيعها يستبرئها مع قيام الملك والحل واستناد العلوق إلى أبعد الاوقات للتحرز عن اثبات الرجعة بالشك فانا لو أسندنا العلوق إلى أقرب الاوقات جعلناه مراجعا لها بالشك وهو بناء على مذهبنا ان جماعه اياها في العدة رجعة منه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون رجعة واعتبر الرجعة بأصل النكاح فكما لا يثبت أصل النكاح بالفعل فكذلك لا تثبت الرجعة وفى الحقيقة هذا بناء على ما تقدم فان عنده الرجعة سبب لاستباحة الوطئ ورفع الخلل الواقع في الملك فلا يكون الا بالقول والجماع قبل الرجعة حرام فلا يكون سببا للحل وعندنا الرجعة استدامة للملك والفعل المختص به يكون أدل على استدامة الملك من القول وهو نظير الفئ في الايلاء فانه منع للمزيل من أن يعمل بعد انقضاء العدة وذلك يحصل بالجماع ونقول أكثر ما في الباب أن يثبت له أن الطلاق مزيل للملك ولكن المزيل متى ظهر وأعقب خيار الاستبقاء في مدة معلومة يكون مستبقيا للملك بالوطئ كمن باع أمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم وطئها صار بالوطئ مستبقيا للملك بل أولى لان هناك يحتاج إلى فسخ السبب المزيل وهنا لا يحتاج إلى رفع الطلاق الواقع وكذلك لو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لان هذه الافعال تختص بالملك الموجب للحل كالوطئ فتكون مباشرته دليل استبقاء الملك ألا ترى في ثبوت حرمة المصاهرة جعلت هذه الافعال بمنزلة الوطئ فكذلك في حكم الرجعة والاحسن له أن يشهد شاهدين بعد ذلك هكذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه حين سئل عمن طلق امرأته ولم يعلمها حتى غشيها فقال طلقها لغير السنة وراجعها على غير السنة وليشهد على ذلك شاهدين (قال) ولا يكون النظر إلى شئ من جسدها سوى الفرج رجعة لان ذلك لا يختص بالملك ولانه لا تثبت به حرمة المصاهرة ولان النظر إلى الفرج نوع استمتاع فان النظر إلى الفرج اما لحسنه أو للاستمتاع وليس في الفرج معنى الحسن فكان النظر إليه استمتاعا بخلاف سائر الاعضاء والنظر إلى الفرج بغير شهوة لا يكون رجعة لانه غير مختص بالملك فان القابلة تنظر
[ 22 ] والحافضة كذلك فأما إذا قبلته بشهوة أو لمسته بشهوة أو نظرت إلى فرجه بشهوة تثبت به الرجعة عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا تثبت عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لان هذا الفعل من الزوج دليل استبقاء الملك وليس لها ولاية استبقاء الملك فلا يكون فعلها رجعة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا فعلها به كفعله بها فان الحل مشترك بينهما وفعلها به في حرمة المصاهرة كفعله بها فكذلك في الرجعة ثم فرق أبو يوسف رحمه الله تعالى في ظاهر لرواية بين هذا وبين الخيار فقال الامة إذا فعلت ذلك بالبائع في مدة الخيار يكون فسسخا للبيع وهنا لا يكون رجعة منها لان اسقاط الخيار قد يحصل بفعلها وهو ما إذا جنت على نفسها أو قتلت نفسها والرجعة لا تكون بفعلها قط وقد روى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى التسوية بين الفصلين فقالا لا يسقط هناك الخيار بفعلها ومحمد رحمه الله تعالى يفرق فيقول هناك يسقط الخيار بفعلها لما فيه من فسخ البيع ان كان الخيار للبائع واثبات الملك ان كان الخيار للمشترى وليس إليها ذلك وهنا ليس في الرجعة فسخ السبب ولا اثبات الملك ولكن انما تثبت الرجعة بفعلها إذا أقر الزوج أنها فعلت ذلك بشهوة فأما إذا ادعت هي وأنكر الزوج لا تثبت الرجعة وكذلك ان شهد شاهدان أنها فعلت ذلك بشهوة لان الشهود لا يعرفون ذلك الا بقولها وقولها غير مقبول إذا أنكره الزوج (قال) وتعليق الرجعة بالشرط باطل وكذلك الاضافة إلى وقت حتى إذا قال راجعتك غذا أو إذا جاء غد فهو باطل لانه استدامة الملك فلا يحتمل التعليق بالشرط كأصل النكاح وانما يحتمل التعليق بالشرط ما يجوز أن يحلف به ولا يحلف بالرجعة بخلاف الطلاق وهو نظير الاذن للعبد والتوكيل يحتمل التعليق بالشرط لانه اطلاق ورفع للقيد والحجر على العبد وعزل الوكيل لا يحتمل التعليق بالشرط لانه تقييد (قال) وان قال كنت راجعتك أمس صدق ان كانت في العدة بعد لانه أخبر بما يملك استئنافه فلا يكون متهما في الاخبار ولم يصدق إذا قال ذلك بعد انقضاء العدة لانه أخبر بما لا يملك استئنافه وهذا لان الاقرار خبر متردد بين الصدق والكذب فإذا كان يملك مباشرته في الحال تنتفى تهمة الكذب عن خبره وإذا كان لا يملك مباشرته تتمكن تهمة الكذب في خبره وهو كالوكيل بالبيع إذا قال قبل العزل كنت بعته من فلان يصدق بخلاف ما لو قال بعد العزل فان صدقته المرأة في إخباره بعد انقضاء العدة كان مصدقا لان الحق لا يعدوهما وتصادقهما على الرجعة
[ 23 ] كتصادقهما على أصل النكاح (قال) وإذا طهرت من الحيضة الثالثة غير انها لم تغتسل فالرجعة باقية له عليها وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فاما إذا كانت أيامها عشرة فقد تيقنا بخروجها من الحيض بنفس انقطاع الدم وإذا كانت أيامها دون العشرة لم نتيقن بذلك لجواز ان يعاودها الدم فيكون ذلك حيضا إذا لم يجاوز العشرة وقد قالت الصحابة رضوان الله عليهم الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل أو ما لم تحل لها الصلاة وحل الصلاة يكون بالاغتسال وإذا أخرت الغسل حتى ذهب وقت أدنى الصلاة إليها انقطع حق الرجعة عندنا ولا ينقطع عند زفر رحمه الله تعالى عملا بقول الصحابة رضى الله عنهم ما لم تحل لها الصلاة ولبقاء توهم معاودة الدم وكون ذلك حيضا ولكنا نقول بذهاب الوقت صارت الصلاة دينا في ذمتها وذلك من خواص أحكام الطاهرات فإذا انضم ذلك إلى الانقطاع تقوي به كالاغتسال ولا يعتبر توهم معاودة الدم بعده كما لا يعتبر بعد الاغتسال وقيل في معنى قول الصحابة رضى الله عنهم حتى تحل لها الصلاة أي تحل عليها الصلاة بأن تلزمها بذهاب الوقت وهو نظير قوله تعالى أولئك لهم اللعنة أي عليهم اللعنة أرأيت لو أخرت الاغتسال شهرا طمعا في أن يراجعها الزوج أكان تبقى الرجعة إلى هذه المدة هذا قبيح فإذا انقضت عدتها ثم أقام الزوج البينة أنه قال في عدتها قد راجعتها أو انه قال قد جامعتها كان ذلك رجعة لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وهذا من أعجب المسائل فانه يثبت اقرار نفسه بالبينة بما لو أقر به للحال لم يكن مقبولا منه وان لم تكن له بينة وكذبته المرأة فأراد ان يستحلفها فلا يمين له عليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليها اليمين لان هذا استحلاف في الرجعة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى ذلك على ما بيناه في النكاح فان قيل أليس انها لو ادعت انقضاء عدتها تستحلف في ذلك ثم لو نكلت كان للزوج أن يراجعها قلنا ذلك استحلاف في العدة فإذا نكلت بقيت العدة وهى محل الرجعة وهذا استحلاف في نفس الرجعة والخلوة بالمعتدة ليست برجعة لانها لا تختص بالملك فانه يحل للرجل ان يخلو بذوات محارمه فلا يكون دليل استدامة الملك (قال) ولو كتمها الطلاق ثم راجعها وكتمها الرجعة فهى امرأته لانه في ايقاع الطلاق هو مستبد به وكذلك في الرجعة فانه استدامة لملكه ولا يلزمها به شيئا فلا معتبر بعلمها فيه ولكنه أساء فيما صنع حين ترك الاشهاد على الرجعة وهو مستحب قال بلغنا عن ابن عمر رضى الله عنهما انه كان إذا أراد
[ 24 ] أن يراجع امرأته لم يدخل عليها حتى يشهد (قال) وإذا قال زوج المعتدة لها قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي فالقول قولها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا تثبت الرجعة وعندهما القول قول الزوج والرجعة صحيحة لانها صادفت العدة فان عدتها باقية ما لم تخير بالانقضاء وقد سبقت الرجعة خبرها بالانقضاء فصحت الرجعة وسقطت العدة فأنها أخبرت بالانقضاء بعد سقوط العدة وليس لها ولاية الاخبار بعد سقوط العدة لو سكتت ساعة ثم أخبرت ولانها صارت متهمة في الاخبار بالانقضاء بعد رجعة الزوج فلا يقبل خبرها كما لو قال الموكل للوكيل عزلتك فقال الوكيل كنت بعته وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الرجعة صادفت حال انقضاء العدة فلا تصح لان انقضاء العدة ليس بعدة مطلقا وشرط الرجعة أن تكون في عدة مطلقة وبيانه أنها أمينة في الاخبار ولا يمكنها أن تخبر الا بعد الانقضاء فإذا أخبرت مجيبة للزوج عرفنا ضرورة أن الانقضاء سابق وأقرب أحواله حال قول الزوج راجعتك بخلاف ما إذا سكتت ساعة فان أقرب الاحوال للانقضاء هناك حال سكوتها ولا يقال مصادفة الرجعة حال انقضاء العدة نادر لان انقضاء العدة لابد من أن يوافق حالة فتارة يوافق كلها وتارة يومها وتارة قول الزوج راجعتك وإن تمكن ما هو نادر وهو رجعة الزوج في هذه الحالة وانما تصير متهمة إذا فرطت في الاخبار بالتأخير ولا تفريط منها هنا لانها لا تقدر على الاخبار الا بعد الانقضاء بخلاف الوكيل فانه مفرط في الاخبار لان بيعه كان قبل العزل لا مع العزل ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال لها قد طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي قيل هو على هذا الخلاف ولا يقع الطلاق عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما لو قال لها أنت طالق مع انقضاء عدتك والاصح أنه يقع لاقرار الزوج بالوقوع كما لو قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتك في العدة كان مصدقا في ذلك بخلاف الرجعة (قال) والتوارث قائم بين الرجل والمعتدة من طلاق رجعي لان الزوجة بينهما قائمة وانما انتهت بالموت وهو سبب التوارث ويستوى فيه التطليقة والتطليقتان ويملك مراجعة المرأة الكتابية والمملوكة في عدتها مثل ما يملكه على الحرة المسلمة لانها استدامة للملك كما قلنا والمكاتبة والمدبرة وأم الولد بمنزلة الامة في الطلاق والعدة لبقاء الرق المنصف للحل فيهن والمستسعاة كذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانها كالمكاتبة (قال) وإذا قال زوج الامة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الامة فالقول قولها في قول
[ 25 ] أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى القول قول الزوج لان بضعها مملوك للمولى وينزل المولى فيها منزلة الحرة من نفسها حتى يصح تزويجه اياها واقراره بالنكاح عليها فكذلك اقراره بالرجعة بمنزلة اقرار الحرة على نفسها به وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الرجعة تنبني على سبب لا قول للمولى فيه وهو قيام العدة فان القول في العدة قولها في البقاء والانقضاء دون المولى فكذلك فيما ينبنى عليه توضيحه ان صحة الرجعة حال قيام العدة ولا ملك للمولى عند ذلك في البضع ولا تصرف فكان القول فيه قولها بخلاف التزويج والاقرار به عليها ولو كانت هي التى صدقت الزوج وكذبه المولى لم نثبت الرجعة اما عندهما فظاهر واما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلان بضعها في الحال خالص حق المولى فان عدتها منقضية فلهذا لا يقبل قولها في ذلك (قال) والمعتدة من طلاق رجعى تتشوف وتتزين له لان الزوجية باقية بينهما وهو مندوب على أن يراجعها وتشوفها له يرغبه في ذلك فان كان من شأنه ان لا يراجعها فاحسن ذلك ان يعلمها بدخوله عليها بالتنحنح وخفق النعل كى نتأهب لدخوله لا لان الدخول عليها بغير الاستئذان حرام ولكن المرأة في بيتها في ثياب مهنتها فربما يقع بصره على فرجها وتقترن به الشهوة فيصير مراجعا لها بغير شهود وذلك مكروه وإذا صار مراجعا وليس من قصده امساكها احتاج إلى ان يطلقها وتستأنف العدة فيكون اضرار بها من حيث تطويل العدة ولذا قال اكره ان يراها متجردة إذا كان لا يريد رجعتها وان رآها لم يكن عليه شئ لان ما فوق الرؤية وهو الغشيان حلال له (قال) وإذا كانت معتدة من تطليقة بائنة أو فرقة بخلع أو إيلاء أو لعان أو اختيارها أمر نفسها أو بالامر باليد أو ما أشبه ذلك فلا رجعة له عليها لان حكم الرجعة عرف بالنص بخلاف القياس والنص ورد بمطلق الطلاق فبقى الطلاق المقيد بصفة البينونة على أصل القياس وهذا لان كونها مطلقة حكم مطلق الطلاق وهذا لا ينافى ملك النكاح كما بعد الرجعة وكونها مبانة أو مالكة أمر نفسها ينافى ملك النكاح والمتنافيان لا يجتمعان فإذا ثبتت البينونة انتفى النكاح ولا رجعة له عليها وفي الخلع انما التزمت العوض لتتخلص من الزوج وذلك لا يحصل مع قيام الملك وحق الرجعة (قال) وإذا كان الطلاق بعد الخلوة وهو يقول لم أدخل بها فلا رجعة له عليها لانه مقر بالبينونة وسقوط حقه في الرجعة واقراره على نفسه صحيح ولان الخلوة انما جعلت تسليما في حق المهر لدفع الضرر عنها وذلك المعني
[ 26 ] لا يوجد في الرجعة لانها حق الزوج وهو متمكن من غشيانها (قال) وان كانت حين خلا بها حائضا أو صائمة في رمضان أو محرمة أو رتفاء فلا رجعة له عليها لان الخلوة فاسدة في هذه الاحوال فإذا كان حق الرجعة لا يثبت بالخلوة الصحيحة فبالفاسدة أولى وعليه نصف المهر الا على قول ابن أبى ليلى رحمه الله فانه يقول جميع المهر لان عليها العدة بالاتفاق ولكنا نقول في العدة معني حق الشرع وهما متهمان في ذلك فاما المهر حقها فيفصل فيه بين الخلوة الصحيحة والفاسدة وقد بينا فصول الخلوة في كتاب النكاح (قال) وإذا كان عنينا أو مجبوبا أو خصيا فخلى بها ولم يدخل بها فلا رجعة له عليها لانه لو كان فحلا ولم يدخل بها لم يكن له حق المراجعة في العدة فإذا كان المانع من الدخول ظاهرا فيه أولى أن لا يكون له حق المراجعة في العدة (قال) وإذا ادعى الزوج الدخول بها وقد خلا بها وأنكرته المرأة فله الرجعة لان الظاهر شاهد له لان الظاهر من حال الفحل انه متى خلى بالانثي التي تحل له نزا عليها فان قيل الظاهر حجة لدفع الاستحقاق والزوج انما يريد استحقاق الرجعة بقوله قلنا لا كذلك بل الزوج انما يستبقي ملكه بما يقول ويدفع استحقاقها نفسها والظاهر يكفى لذلك (قال) وان لم يخل بها حتى طلقها وادعى الدخول فلا رجعة له عليها لانه يدعى عارضا لا يعرف سببه ولانه لا عدة له عليها في هذه الحالة فان انكارها سبب العدة كانكارها أصل العدة والرجعة لا تكون الا في العدة (قال) وإذا قالت ان عدتي قد انقضت وذلك في وقت لا تحيض فيه ثلاث حيض لم تصدق على ذلك لان الامين انما يقبل خبره إذا لم يكن مستحيلا أو مستنكرا فإذا أخبرت بما هو مستحيل أو مستنكر لم تصدق في خبرها ثم بين أدنى المدة التي تصدق فيها وهو شهران في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وتسعة وثلاثون يوما في قولهما وقد بينا هذه المسألة بفروعها في آخر كتاب الحيض (قال) فان قالت قد أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق صدقت على ذلك لانها مسلطة أمينة في الاخبار بما في رحمها قال الله تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن والنهى عن الكتمان أمر بالاظهار وقال أبى بن كعب رضي الله تعالى عنه ان من الامانة ان تؤمن المرأة على ما في رحمها فإذا أخبرت بذلك وكان محتملا وجب قبول خبرها من غير بينة وان أتهمها الزوج حلفها (قال) وكل سقط لم يستبن شئ من خلقه لا تنقضي به العدة لانه ليس له حكم الولد بل هو كالدم المتجمد وعند الشافعي رحمه الله تعالى يمتحن بالماء الحار فإذا ذاب فيه
[ 27 ] فهو دم وان لم يذب فهو ولد ولكن هذا من باب الطب لا من باب الفقه وقد بيناه في كتاب الحيض (قال) وإذا قالت بعد مضى شهرين قد انقضت عدتي وقال الزوج قد أخبرتني أمس انها لم تحض شيئا فان كذبته المرأة فالقول قولها مع يمينها لانه يدعى عليها مالا يعرف سببه وهي تنكر ذلك وقد ظهر انقضاء العدة بخبرها وان صدقته في ذلك فله ان يراجعها لان الثابت بالتصادق كالثابت بالمعاينة وبعد مأخبرت أمس انها لم تحض شيئا فاخبارها في اليوم بانقضاء العدة مستحيل ولان الحق لهما لا يعدوهما وقد تصادفها على قيام الزوجية بينهما (قال) فان كانت تعتد بالشهور لصغر أو إياس فحاضت انتقض ما مضى من عدتها بالشهور وكان عليها ثلاث حيض أما في الآيسة فظاهر لانها لما حاضت تبين أنها لم تكن آيسة وانما كانت ممتدا طهرها وأما في الصغيرة إذا حاضت فلانها قدرت على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل والقدرة على الاصل تمنع اعتبار البدل ولا يكمل مع الاصل لانهما لا يلتقيان فلابد من الاستئناف وعلى هذا قالوا لو طلقها تطليقة فحاضت وطهرت قبل مضى الشهر له أن يطلقها أخرى لان الفصل بالشهر بين الطلاقين كان قبل ظهور الحيض (قال) وكذلك لو حاضت حيضة ثم أيست من الحيض اعتدت بالشهور ثلاثة أشهر بعد الحيضة لان اكمال الاصل بالبدل غير ممكن فلابد من الاستئناف واياسها أن تبلغ من السن ما لا يحيض فيه مثلها لانه معنى في باطنها لا يوقف على حقيقته فلابد من اعتبار السبب الظاهر فيه وإذا بلغت من السن ما لا يحيض فيه مثلها وهي لا تري الدم فالظاهر أنها آيسة ولم يقدر السن في الكتاب وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى التقدير بخمسين سنة وفي رواية ستين سنة وفصل في رواية بين الروميات والخراسانيات ففي الروميات التقدير بخمسين سنة لان الهرم يسرع اليهن وفي الخراسانيات التقدير بستين سنة وأكثر مشايخنا على التقدير بالزيادة على خمسين سنة فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا جاوزت المرأة خمسين سنة ثم لم تر في بطنها قرة عين (قال) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة ثم راجعها في الحيضة الثانية ثم طلقها بعد الطهر وتركها حتى حاضت الثالثة ثم راجعها ثم طلقها بعد الطهر فعليها العدة بعد التطليقة الثالثة ثلاث حيض لان الرجعة قد صحت لمصادفتها العدة فإذا طلقها كان عليها عدة مستقبلة وقد أساء فيما صنع لانه طول العدة عليها وجاء عن ابن عباس رضى الله عنه في تأويل قوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا انه نزل فيما ذكرنا وأما قوله تعالى فلا تعضلوهن ان
[ 28 ] ينكحن أزواجهن انما نزلت فيما إذا خطبها الزوج بعد انقضاء عدتها وأبى أولياؤها ان يتركوها (قال) وإذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة غير أنه بقى منها عضو لم يصبه الماء فالزوج يملك الرجعة ولو بقى ما دون العضو لم يكن للزوج عليها رجعة قال هذا والاول سواء غير أنى أستحسن ولم يذكر في الكتاب نصا موضع القياس والاستحسان وقيل عند أبى يوسف رحمه الله تعالى القياس والاستحسان في العضو الكامل في القياس ينقطع لانها مغتسلة وقد غسلت أكثر البدن وللاكثر حكم الكل وفى الاستحسان لا ينقطع لان العضو الكامل ورد الخطاب بتطهيره شرعا فبقاؤه كبقاء جميع البدن ولان العضو الكامل لا يقع الانتقال عنه عادة فلا يسرع إليه الجفاف عادة بخلاف ما دونه وعند محمد رحمه الله تعالى القياس والاستحسان فيما دون العضو في القياس يبقى حكم الرجعة لبقاء حكم الحدث كما قال صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة ولانه لم تحل لها الصلاة فكان هذا وبقاء عضو كامل سواء وفي الاستحسان تنقطع الرجعة لان ما دون العضو لقلته يسرع إليه الجفاف فلا يتيقن بعدم اصابة الماء فلهدا يؤخذ فيه بالاحتياط فتنقطع الرجعة ولكن لا يحل لها ان تتزوج حتى تغسل ذلك الموضع احتياطا لان الماء لم يصل إلى ذلك الموضع من حيث الظاهر (قال) ولو تركت المضمضة والاستنشاق في الاغتسال لا تنقطع الرجعة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لبقاء عضو كامل وتنقطع عند محمد رحمه الله احتياطا لشبهة اختلاف العلماء رحمهم الله تعالى فان من الناس من يقول المضمضة والاستنشاق في الاغتسال سنة فكان الاحتياط في قطع الرجعة (قال) وإذا لم تقدر على الماء بعد ما طهرت وأيامها دون العشرة فتيممت وصلت مكتوبة أو تطوعا فقد انقطعت الرجعة لانا حكمنا بطهارتها حين جوزنا صلاتها بالتيمم فهو بمنزلة ما لو مضى عليها وقت صلاة وهناك تنقطع الرجعة فهنا كذلك فان وجدت الماء بعد هذا اغتسلت ولم يعد حق الرجعة لان صلاتها تلك بقيت مجزئة وهذا بخلاف ما إذا عاودها الدم لان بمعاودة الدم تبين أن الانقطاع لم يكن طهرا وبوجود الماء لا يتبين ذلك فاما إذا تيممت ولم تصل فللزوج عليها حق الرجعة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله استحسانا وفي قول محمد رحمه الله تعالى قد انقطعت الرجعة وهو القياس لان التيمم عند عدم الماء ينزل منزلة الاغتسال عند وجود الماء فيما يبنى أمره على الاحتياط بدليل حل أداء الصلاة لها وحل دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف والحكم
[ 29 ] بسقوط الرجعة يؤخذ فيه بالاحتياط لا يرى انها لو اغتسلت وبقى على بدنها لمعة تنقطع الرجعة عنها احتياطا وان لم يحل لها أداء الصلاة فهنا أولى وكذلك لو اغتسلت بسؤر الحمار ولم تجد غيره تنقطع الرجعة احتياطا ولم يحل لها أداء الصلاة في هذين الموضعين فهنا أولى أن تنقطع الرجعة وقد حل لها أداء الصلاة وهذا لان التيمم طهارة عند عدم الماء قال الله تعالى ولكن يريد ليطهركم فإذا أتت به لم تبق مخاطبة بالتطهير فتنقطع الرجعة كالنصرانية تحت مسلم إذا انقطع دمها من الحيضة الثالثة انقطعت الرجعة بنفس الانقطاع لانها غير مخاطبة بالتطهير وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا التيمم طهارة ضعيفة فلا تنقطع به الرجعة كنفس الانقطاع وبيانه أنه لا يرفع الحدث بيقين حتى أن المتيمم إذا وجد الماء كان محدثا بالحدث السابق ولانه في الحقيقة تلويث وتغيير وهذا ضد التطهير وانما جعل طهارة حكما لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة لانها مؤقتة والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة فكان طهارة في حكم الصلاة وفيما هو من توابع الصلاة خاصة كدخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف ولا ضرورة في حكم الرجعة فكان التيمم في حكم الرجعة عند عدم الماء كهو عند وجود الماء توضيحه أن التيمم مشروع لمقصود وهو أداء الصلاة لا رفع الحدث به ولهذا لا يؤمر به قبل دخول الوقت وفى الوقت أيضا ينتظر آخر الوقت وما كان مشروعا لمقصود فقيل انضمام ذلك المقصود إليه كان ضعيفا فلا يزول به الملك كشهادة الشاهدين على الطلاق لما كان المقصود هو قضاء القاضي به فما لم ينضم إليه القضاء لا يكون مزيلا للملك وهذا بخلاف ما إذا بقى على بدنها لمعة لان قطع الرجعة هناك لتوهم وصول الماء إلى ذلك الموضع وسرعة الجفاف فكانت طهارة قوية في نفسها والاغتسال بسؤر الحمار كذلك فانها طهارة قوية لكونها اغتسالا بالماء ولكنها تؤمر بضم التيمم إلى ذلك في حكم حل الصلاة احتياطا لاشتباة الادلة في طهارة الماء وقد كان الاصل فيه الطهارة ولهذا لو اغتسلت به مع وجود ماء آخر تنقطع الرجعة أيضا لكونها طهارة قوية وإذا ثبت أن الطهارة قوية جاء موضع الاحتياط فقلنا بأنه تنقطع الرجعة احتياطا ولا تحل للازواج حتى تغتسل بماء آخر أو تتيمم وتصلى لاحتمال نجاسة ذلك الماء احتياطا وهذا بخلاف النصرانية فانه ليس عليها اغتسال أصلا فكان نفس الانقطاع كطهارة قوية في نفسها وهنا الاغتسال واجب عليها بعد التيمم وانما تعذر للعجز ولم يذكر في الكتاب ما إذا تيممت وشرعت في الصلاة والصحيح عند
[ 30 ] أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن الرجعة لا تنقطع ما لم تفرغ من الصلاة لان الحال بعد شروعها في الصلاة كالحال قبله ألا ترى أنها إذا رأت الماء لا يبقى لتيممها أثر بخلاف ما بعد الفراغ فانها وان رأت الماء تبقى صلاتها مجزئة وتأويل قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الزوج أحق برجعتها ما لم تحل الصلاة لها وحل الصلاة بالاغتسال فانه صح من مذهبه أنه كان لا يرى التيمم للجنب والحائض وان لم يجد الماء شهرا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب العدة وخروج المرأة من بيتها) * قد بينا عدة ذات القروء والآيسة والصغيرة إذا كانت حرة أو أمة فاما عدة الوفاة فانها لا تجب الا عن نكاح صحيح ويستوى فيه المدخول بها وغير المدخول بها صغيرة كانت أو كبيرة حتى إذا كانت حرة مسلمة أو كتابية تحت مسلم فعدتها ما قال الله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقوله ويذرون أزواجا بيان انها لا تجب الا بنكاح صحيح لان اسم الزوجية مطلقا لا يكون الا بعد صحة النكاح ويستوى في هذا الاسم المدخول بها وغير المدخول بها وهذا لان العدة محض حق النكاح لان النكاح بالموت ينتهى فانه يعقد للعمر ومضى مدة العمر ينهيه فتجب العدة حقا من حقوقه وبين السلف رحمهم الله فيه خلاف في أربعة فصول (أحدهما) أن منهم من يقول لها عدتان الاطول وهو الحول والاقصر وهو أربعة أشهر وعشرا كما قال الله تعالى وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج فان خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشرا فلا جناح عليكم ففي هذا بيان ان العدة الكاملة هو الحول وان الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرا رخصة لها ولكنا نقول هذه الآية منسوخة وهذا حكم كان في الابتداء ان على الزوج أن يوصى لها بالنفقة والسكني إلى الحول وقد انتسخ بقوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا والدليل عليه ما روى ان المتوفى عنها زوجها لما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه في الاكتحال قال صلى الله عليه وسلم كانت احداكن في الجاهلية إذا توفى عنها زوجها قعدت في شر أحلاسها حولا ثم خرجت فرمت كلبة ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا (والثانى) أن المعتبر عشرة أيام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا وعن عبد الله بن عمرو بن
[ 31 ] العاص رضى الله عنهما انه كان يقول عشر ليال وتسعة أيام حتى يجوز لها أن تتزوج في اليوم العاشر لظاهر قوله تعالى وعشرا فان جمع المؤنث يذكر وجمع المذكر يؤنث فيقال عشرة أيام وعشر ليال فلما قال هنا وعشرا عرفنا أن المراد الليالى ولكنا نقول هو كذلك الا أن ذكر أحد العددين من الايام والليالي بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بازائه من العدد الآخر وقد بينا هذا في باب الاعتكاف (والثالث) أن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها عندنا وهو قول ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما وكان علي رضى الله عنه يقول تعتد بأبعد الاجلين اما بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرا لان قوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن يوجب عليها العدة بوضع الحمل وقوله تعالى يتربصن بأنفسهن يوجب عليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا فيجمع بينهما احتياطا ولو وضعت قبل أربعة أشهر وعشرا فليس لها أن تتزوج لان أمر العدة مبنى على الاحتياط ولكن قد صح عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أن قوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن قاضية على قوله تعالى يتربصن بأنفسهن حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه من شاء باهلته ان سورة النساء القصوى واولات الاحمال أجلهن نزلت بعد قوله أربعة أشهر وعشرا التى في سورة البقرة وقال عمر رضي الله عنه لو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريره لانقضت عدتها والدليل عليه حديث سبيعة بنت الحارث الاسلمية رضى الله تعالى عنها فانها وضعت ما في بطنها بعد موت الزوج بتسعة أيام فسألت أبا السنابل بن بعكك هل لها أن تتزوج فقال لا حتى يبلغ الكتاب أجله فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قال أبو السنابل فقال صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل فقد بلغ الكتاب أجله إذا أردت النكاح فادأبي وانما اشتبه على علي رضى تعالى عنه لان بوضع الحمل يتبين براءة الرحم وفى التربص بأربعة أشهر وعشرا لا عبرة بشغل الرحم حتى تستوى فيها الصغيرة والكبيرة بخلاف عدة الطلاق ولكنا نقول أصل العدة مشروع لبراءة الحرم وتمام ذلك بوضع الحمل ففي حق الحامل لا يعتبر شئ آخر بأى سبب وجبت عليها العدة (والرابع) ان عدة الوفاة معتبرة من وقت موت الزوج عندنا وهو قول ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما وكان علي رضى الله عنه يقول من حين تعلم بموته حتى إذا مات الزوج في السفر فأتاها الخبر بعد مضى مدة العدة عند علي رضى تعالى الله عنه يلزمها عدة مستأنفة لان عليها الحداد
[ 32 ] في عدة الوفاة ولا يمكنها اقامة سنة الحداد الا بعد العلم بموته ولان هذه العدة تجب بطريق العبادة فلا بد من علمها بالسبب لتكون مؤدية للعبادة ولكنا نقول العدة مجرد مضي المدة وذلك يتحقق بدون علمها فهو وعدة الطلاق سواء وأكثر ما في الباب أنها لم تقم سنة الحداد ولكن ذلك لا يمنع من انقضاء العدة كما لو كانت عالمة بموت الزوج ومعني العبادة في العدة تبع لا مقصود الا تري انها تجب على الكتابية تحت المسلم وهي لا تخاطب بالعبادات (قال) والمتوفي عنها زوجها إذا كانت أمة أو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد فان كانت حائلا فعدتها شهران وخمسة أيام لان الرق منصف للعدة كما بينا وان كانت حاملا فعدتها ان تضع حملها لان مدة الحبل لا تحتمل التنصيف فان شيئا من المقصود وهو براءة الرحم لا يحصل قبل وضع الحمل (قال) ولا ينبغي للمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة أو رجعية ان تخرج من منزلها ليلا ولا نهارا حتى تنقضي عدتها لقوله تعالى ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة قال ابراهيم رضى الله عنه الفاحشة خروجها من بيتها وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى وقال ابن مسعود رضى الله عنه الفاحشة أن تزني فتخرج لاقامة الحد وبه أخذ أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال ابن عباس رضى الله عنه الفاحشة نشوزها وأن تكون بذيئة اللسان تبذو على احماء زوجها وما قاله ابن مسعود رضى الله عنه هو الاصح فانه جعل الفاحشة غاية والشئ لا يجعل غاية لنفسه وما ذكره ابراهيم محتمل أيضا والمعنى أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي صلى الله عليه وسلم الا أن يكون كافرا ولا يزنى الا أن يكون فاسقا وعلى هذا لا تخرج لسفر الحج ولا لغيره لان الامتناع من الخروج موقت بالعدة يفوت بمضيها والخروج للحج لا يفوتها فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت وأما المتوفى عنها زوجها فلها أن تخرج بالنهار لحوائجها ولكنها لا تبيت في غير منزلها لما روى أن فريعة بنت مالك بن أبى سنان أخت أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها تستأذنه أن تعتد في بنى خدرة فقال صلى الله عليه وسلم امكثى في بيتك حتى تنقضي عدتك ولم ينكر عليها خروجها للاستفتاء وعن علقمة رضى الله تعالى عنه أن اللاتى توفى عنهن أزواجهن شكون إلى ابن مسعود رضى الله تعالى عنه الوحشة فرخص لهن أن يتزاورن بالنهار ولا يبتن في غير منازلهن والمعنى فيه أنه لا نفقة في هذه العدة على زوجها فهى تحتاج إلى الخروج لحوائجها في النهار وتحصيل
[ 33 ] ما تنفق على نفسها بخلاف المطلقة فانها مكفية المؤنة ونفقتها على زوجها على أن وجه وقعت الفرقة بالطلاق فلا حاجة إلى الخروج وان كانت أبرأت زوجها في الخلع فهى التى أضرت بنفسها فلا يعتبر ذلك وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن للمتوفى عنها زوجها أن تبيت في غير منزلها أقل من نصف الليل وهذا صحيح لان المحرم عليها البيتوتة في غير منزلها والبيتوتة في جميعها أو أكثرها (قال) وان كانت مدبرة أو أم ولد أو أمة مكاتبة فلها أن تخرج في عذة الطلاق والوفاة جميعا لانها ما كانت ممنوعة عن الخروج في حال النكاح والمنع في العدة على ذلك ينبني وهذا لان خدمتها حق مولاها والمنع عن الخروج اما لحق الشرع أو لحق الزوج وحق المولى في الخدمة مقدم على ذلك كله والمكاتبة انما تخرج للاكتساب وفي كسبها حق المولى اما أن يستوفى منه بدل الكتابة أو يخلص له إذا عجزت والمستسعاة كالمكاتبة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك الكتابية تحت مسلم اما في الطلاق الرجعي للزوج أن يمنعها من الخروج لقيام النكاح بينهما وأما في الطلاق البائن فان منعها الزوج عن الخروج فله ذلك تحصينا لمائه ولكيلا تلحق به نسبا ليس منه وهو معني قوله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي ولدا وأما إذا كان لا يمنعها الزوج فلها أن تخرج وكذلك في عدة الوفاة لها أن تبيت في غير منزلها لان المنع لحق الشرع وهي لا تخاطب بذلك واليه أشار فقال لان ما فيها من الشرك أعظم من الخروج في العدة وان كانت صبية فلها أن تخرج لانها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا من حقوق الشرع كالصلوات والحدود وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن لانه لم يبق له عليها ملك ولا يتوهم الحبل قالوا الا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل فحينئذ هي كالكتابية فاما في الطلاق الرجعي هي لا تخرج الا باذن الزوج لبقاء ملك النكاح له عليها (قال) وإذا كانت المرأة مع زوجها في منزل مكرا فطلقها فالكراء على زوجها حتى تنقضي عدتها لان السكنى عليه والكراء مؤنة السكنى فتكون عليه كما في حال قيام النكاح فان أخرجها أهل المنزل فهى في سعة من التحول لان الحق لهم في منزلهم وهى لا تقدر على المقام مع الاخراج فيكون ذلك عذرا لها في التحول كما إذا انهدم المنزل فاما في عدة الوفاة أجر المنزل عليها لانها لا تستوجب على زوجها السكني كما لا تستوجب النفقة فان مكنها أهل المنزل من المقام بكراء وهى تقدر على ذلك فعليها ان تسكن وان كانت لا تجد ذلك فهي في سعة من التحول لان سكناها في ذلك
[ 34 ] المنزل حق الشرع فإذا قدرت عليه بعوض لزمها كالمسافر إذا وجد الماء بثمن مثله فان كان عنده الثمن فليس له ان يتيمم وان لم يكن عنده الثمن فله ان يتيمم وكذلك ان كان زوج المطلقة غائبا فاخذها أهل المنزل بكراء فعليها ان تعطي الاجر وتسكن إذا كانت تقدر على ذلك وان كانت في منزل زوجها فمات الزوج ان كان نصيبها من ذلك يكفيها فعليها ان تسكن في نصيبها في العدة ولا يخلو بها من ليس بمحرم لها من ورثة الزوج وان كان نصيبها لا يكفيها فان رضي ورثة الزوج ان تسكن فيه سكنت وان أبوا كانت في سعة من التحول للعذر وان كانت في منزل مخوف على نفسها أو مالها وليس معها رجل كانت في سعة من الرحلة لان المقام مع الخوف لا يمكن وفي المقام ضرر عليها في نفسها ومالها وذلك عذر في اسقاط حق الشرع كما لو كان بينه وبين الماء سبع أو عدو ولو كانت بالسواد فدخل عليها الخوف من سلطان أو غيره كانت في سعة من التحول إلى المصر لانها تتمكن من ازالة الخوف هنا بالتحول إلى المصر ولو كان زوال الخوف بالتحول من منزل إلى منزل كان لها ان تتحول فكذلك إذا كان بالتحول من السواد إلى المصر (قال) وإذا طلقها وهى في بيت أهلها أو غيرهم زائرة كان عليها ان تعود إلى منزل زوجها حتى تعتد فيه سواء كان زوجها معها أو لم يكن لان الواجب عليها المقام في منزل مضاف إليها قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن والاضافة إليها بكونها ساكنة فيه فعرفنا أن المستحق عليها المقام في منزل كانت ساكنة فيه إلى وقت الفرقة وهذا لان المنزل الذى هي فيه زائرة ليس بمضاف إليها فعليها أن تعود إلى المنزل الذى كانت ساكنة فيه لتتمكن من اقامة حق الشرع (قال) ولو سافر بها ثم طلقها فان كان الطلاق رجعيا فهي لا تفارق زوجها لان الطلاق الرجعي لا يقطع النكاح فأما إذا طلقها طلاقا رجعيا في منزلها فليس له أن يسافر بها قبل الرجعة عندنا وله ذلك عند زفر رحمه الله تعالى قيل هذا بناء على أن السفر بها رجعة عند زفر رحمه الله تعالى لانه دليل استدامة الملك كالتقبيل والمس بشهوة وعندنا لا يكون السفر بها رجعة لانه غير مختص بالملك كالخلوة وقيل هي مسألة مبتدأة فهو يقول الحل والنكاح بينهما قائم له أن يسافر بها ولكنا نقول هي معتدة والمعتدة ممنوعة من انشاء السفر مع زوجها كما تمنع من انشاء السفر مع المحرم وربما تنقضي عدتها في الطريق فتبقى بغير محرم ولا زوج وأما في الطلاق البائن فان كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها
[ 35 ] وبين منزلها كذلك فعليها أن ترجع إلى منزلها لانها كما رجعت تصير مقيمة وإذا مضت تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد فإذا قدرت على الامتناع من استدامة السفر في العدة تعين عليها ذلك وان كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها وبين منزلها مسيرة سفر مضت إلى مقصدها ولم ترجع لانها إذا مضت لا تكون منشئة سفرا ولا سائرة في العدة مسيرة سفر وإذا رجعت تكون منشئة سفرا فلهذا مضت إلى مقصودها وان كان كل واحد من الجانبين مسيرة سفر فان كان الطلاق أو موت الزوج في موضع لا نقدر على المقام فيه كالمفازة توجهت إلى أي الجانبين شاءت سواء كان معها محرم أو لم يكن وينبغي لها أن تختار أقرب الجانبين وهي في هذه المسألة كالتى أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر إلى دارنا من غير محرم لانها خائفة على نفسها ودينها فهذه في المفازة كذلك فأما إذا كانت في مصر أو قرية تقدر على المقام فيه فليس لها أن تخرج عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى تنقضي عدتها وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان لم يكن معها محرم فكذلك وان كان معها محرم فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت لانها غريبة في هذا الموضع والغريب يؤذى ويقصد بالجفاء ومن يصبر على الاذي فكانت مضطرة إلى الخروج فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت كما لو كانت في المفازة الا أن هذا من وجه إنشاء سفر فيعتبر فيه المحرم بخلاف تلك المسألة ولابي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان (أحدهما) أنها إلى الآن كانت تابعة للزوج في السفر ألا ترى أن المعتبر نيه الزوج في السفر والاقامة لا نيتها وقد زال ذلك فتكون هي منشئة سفرا من موضع أمن وغياث والعدة تمنعها من ذلك كما لو كانت في منزلها بخلاف المفازة فانها ليست بموضع الاقامة فلا تكون هي في التحول منشئة سفرا وقالوا على هذا الطريق إذا كانت سافرت مع المحرم بغير زوج فأتاها خبر موت الزوج أو الطلاق لا يكون عليها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى المقام فيه لانها ماضية على سفرها لا منشئة (والطريق الآخر) ان تأثير العدة في المنع من الخروج أكثر من عدم المحرم ألا ترى ان للمرأة أن تخرج من غير المحرم ما دون مسيرة السفر وليس لها ان تخرج من منزلها في عدتها دون مدة السفر ثم فقد المحرم هنا يمنعها من الخروج بالاتفاق فلان تمنعها العدة من الخروج وانها ليست في موضع مخوف أولى بخلاف ما إذا كانت في المفازة فان فقد المحرم هناك لا يمنعها من الخروج لانها ليست في موضع القرار فكذلك العدة حتى
[ 36 ] لو وصلت إلى مصر أو قرية لم يكن لها ان تخرج بعد ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى (قال) وللمعتدة ان تخرج من بيتها إلى الدار وتبيت في أي بيوت الدار شاءت لان جميع الدار منزل واحد وعليها ان تبيت في منزلها وذلك موجود في أي بيت باتت وبالخروج إلى صحن الدار لا تصير خارجة من منزلها الا ترى انها في حال بقاء النكاح ليس للزوج ان يمنعها من ذلك الا ان يكون في الدار منازل غيرهم فحينئذ لا تخرج إلى تلك المنازل لان صحن الدار هنا بمنزلة السكة وبالوصول إليه تصير خارجة من منزلها وهي ممنوعة من ذلك في العدة (قال) وإذا طلقها طلاقا بائنا وليس له الا بيت واحد فينبغي ان يجعل بينه وبينها سترا وحجابا لانه ممنوع من الخلوة بها بعد ارتفاع النكاح فيتخذ بينه وبينها سترة حتى يكون في حكم بيتين وكذلك في الوفاة إذا كان له أولاد رجال من غيرها فإذا هم وسعوا عليها وخرجوا عنها أو ستروا بينهم وبينها حجابا فلتقم حتى تنقضي عدتها وان أبوان يفعلوا ذلك فلتنتقل معناه إذا أخرجوها وكان نصيبها لا يكفيها أو كانت تخاف على نفسها منهم فإذا لم يكن بهذه الصفة فلا بأس بان تقيم معهم لان أولاده محرم لها الا ان يكون من ورثته من ليس بمحرم لها (قال) بلغنا أن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه نقل أم كلثوم حين قتل عمر رضي الله تعالى عنه لانها كانت في دار الامارة وروى ان عائشة رضى الله تعالى عنها نقلت اختها أم كلثوم حين قتل طلحة بن عبيد الله رضى الله تعالى عنه (قال) وإذا انهدم منزل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها فهى في سعة من التحول إلى أي موضع شاءت لان المقام في المنزل المهدوم غير ممكن فكان ذلك عذرا في التحول والتدبير في اختيار المنزل إليها بعد زوال الملك عنها الا في الطلاق الرجعي فان التدبير إلى الزوج في اختيار المنزل فله أن ينقلها حيث أحب وكذلك في الطلاق البائن إذا كان الزوج حاضرا وأراد أن ينقلها إلى منزل آخر عند العذر فالخيار في ذلك إليه لان ملك اليد له عليها باق ما دامت في العدة والسكنى والنفقة عليه فكان له أن يحصنها حتى لا تلحق به ما يكره وانما الاختيار إليها إذا كان الزوج ميتا أو غائبا عند تحقق العذر (قال) ولا ينبغي للمعتدة أن تحج ولا تسافر مع محرم وغير محرم على ما مر وفي الكتاب قال بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه رد المتوفى عنها زوجها من ذي الحليفة وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه انه ردهن من قصر النجف وكن قد خرجن حاجات فدل ان المعتدة تمنع من ذلك (قال) وإذا طلقت الامة
[ 37 ] تطليقة رجعيه ثم أعتقت صارت عدتها عدة الحرة وان كان الطلاق بائنا لم تنتقل عدتها من عدة الاماء إلى عدة الحرائر وعند مالك لا تنتقل عدتها الي عدة الحرائر في الوجهين جميعا وهو أحد قولى الشافعي وفي القول الآخر قال تنتقل عدتها في الوجهين وجه قول مالك ان ما يختلف بالرق والحرية يكون المعتبر فيه حال تقرر الوجوب كالحدود وهكذا يقول الشافعي رحمه الله تعالى في أحد القولين بناء على أصله أن الطلاق الرجعي يرفع الحل فالعتق بعده لا يؤثر في الحل فلا تتغير العدة كما بعد البينونة وحجتنا في ذلك أن ملك النكاح يختلف بالحرية والرق لتنصف الحل بسبب الرق وقد بيناه في كتاب النكاح ثم الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فإذا أعتقت كمل ملك النكاح عليها بكمال حالها بعد العتق والعدة في الملك الكامل تتقدر بثلاث حيض فأما بعد البينونة فقد زال الملك فلا يتكامل بالعتق الملك الزائل عن الحل توضيحه أن العدة بعد الطلاق الرجعي بعرض التغير حتى تتغير بموت الزوج من الاقراء إلى الشهور بعد موته فكذلك بعتقها تتغير إلى ثلاث حيض فأما بعد ما بانت في الصحة فلا تتغير من الاقراء إلى الاشهر بعد موته فكذلك لا تتغير بعتقها توضيحه أن زوال الملك بعد الطلاق الرجعى بانقضاء العدة فلا يزول الملك عن الحرة الا بثلاث حيض بخلاف ما بعد البينونة وبخلاف الحدود فانها مبنية على الدرء والاسقاط والعدة مأخوذ فيها بالاحتياط وسائر وجوه الفرقة كالطلاق في هذا وكذلك في عدة الوفاة لان الملك هناك يزول بالموت ومذهبنا في الفصلين مروى عن النخعي والشعبي رحمهما الله تعالى (قال) وإذا مات زوج أم الولد عنها ومولاها ولا يعلم أيهما مات أولا وبين موتيهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعليها أربعة أشهر وعشرا من آخرهما موتا احتياطا ولا معتبر بالحيض فيها لانا تيقنا انه له ليس عليها العدة بالحيض فان المولى لو مات أولا فقد مات وهي منكوحة الغير فلا عدة عليها منه لان وجوب العدة من المولى بزوال فراشه عنها ولا فراش للمولى عليها هنا فان مات المولى آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج فلم تكن فراشا للمولى أيضا ولكن من وجه عليها شهران وخمسة أيام وهو ما إذا مات الزوج أولا ومن وجه عليها أربعة أشهر وعشرا وهو ما إذا مات الزوج أخرا فقلنا تعتد بأربعة أشهر وعشرا احتياطا وان اعلم أن بين موتيهما شهرين وخمسه أيام أو أكثر فعدتها أربعة أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض لانه ان مات الزوج أولا قد انقضت عدتها
[ 38 ] بشهرين وخمسة أيام ثم مات الولى فعليها العدة بثلاث حيض لانه مات بعد ما صارت فراشا وان مات المولى أولا فقد عتقت بموته ثم عليها بموت الزوج أربعة أشهر وعشرا والعدة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا جمعنا بين العدتين فأما إذا لم يعلم ما بين موتيهما ولا أيهما مات أولا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى عليها أربعة أشهر وعشرا لا حيض فيها وعندهما تستكمل فيها ثلاث حيض لانه يحتمل أن يكون الزوج مات أولا ثم مات المولى بعد ما مات الزوج بعد شهرين وخمسة أيام وفي العدة معنى العبادة فالوجه الواحد يكفي لوجوبها للاحتياط وهو نظير مسائل العقد إذا تزوج أربعا في عقدة وثلاثا في عقدة واثنتين في عقدة ثم مات قبل البيان وجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة احتياطا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول سبب وجوب العدة بالحيض لم يوجد وهو زوال فراش المولى عنها والاحتياط انما يكون بعد ظهور السبب وبيانه انه إذا مات المولى أولا فقد مات وهي منكوحة الزوج وان مات آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج وأما قولهما ان مضى الشهرين وخمسة أيام بين الموتين محتمل قلنا نعم ولكن مضي هذه المدة بين الموتين ليس بعدة حتى يؤخذ فيها بالاحتياط ولا سبب لوجوب العدة فلا يقدر به عند التردد مع أن كل أمرين ظهرا ولا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما حصلا معا فيجعل كأنهما ماتا معا كالغرقى والحرقى والهدمي لا يرث بعضهم بعضا ولان هنا أحوالا ثلاثة ان مات المولى أولا فهناك نكاح يمنع وجوب العدة بالحيض وان مات الزوج أولا ثم مات المولى بعده قبل شهرين وخمسه أيام فهناك عدة تمنع وجوب العدة بالحيض وان كان بعد شهرين وخمسة أيام فحينئذ تجب العدة بالحيض والحالة الواحدة لا تعارض الحالتين وهذا بخلاف العقد لان هناك في حق كل امرأة حالتان إما حال صحة النكاح أو حال فساده والتعارض يقع بين الحالتين فلهذا يؤخذ بالاحتياط هناك وكذلك إذا علم أن بين الموتين شهرين وخمسة أيام فهنا حالتان اما العدة بالاشهر من الزوج أو بالحيض من المولى فلتعارض الحالتين أخذنا بالاحتياط (قال) وكذلك لو كان الزوج طلقها تطليقة رجعية في هذه الوجوه لان الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فهو وما تقدم سواء ولا ميراث لها من الزوج لانه ان مات الزوج أولا فقد مات وهي أمة والامة لا ترث من الحر شيئا وان مات المولى أولا ترث والارث بالشك لا يثبت وشرط ارثها منه ان تكون حرة عند موته فما لم يتيقن بذلك
[ 39 ] الشرط لا ترث منه (قال) وإذا طلق الرجل امرأته طلاق الرجعة ثم مات عنها بطلت عدة الطلاق عنها ولزمها عدة الوفاة لان النكاح قائم بينهما بعد الطلاق الرجعي فكان منتهيا بالموت وانتهاء النكاح بالموت يلزمها عدة الوفاة ولان العده بعد الطلاق الرجعي بالحيض ليزول الملك بها وقد زال بالموت فعليها العدة التى هي من حقوق النكاح وهي عدة الوفاة وان كانت بائنة عنه في الصحة بوجه من الوجوه لم تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة لان النكاح ما انتهى بالوفاة هنا وهو السبب الموجب لعدة الوفاة لان الله تعالى قال ويذرون أزواجا وهذه ليست بزوجة له عند وفاته حتى لا ترث منه بالزوجية شيئا فلا يلزمها عدة الوفاة أيضا (قال) وإذا اتى المرأة خبر وفاة زوجها بعدما مضت مدة العدة فقد انقضت العدة لما قلنا ان المعتبر وقت موته لا وقت علمها به وان شكت في وقت وفاته اعتدت من الوقت الذى تستيقن فيه بموته لان العدة يؤخذ فيها بالاحتياط والاحتياط في ان يؤخذ باليقين وفى الوقت المشكوك فيه لا يقين فلهذا لا تعتد الا من الوقت المتيقن (قال) وطلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان تحت حر كانت أو تحت عبد وطلاق الحرة ثلاث تطليقات وعدتها ثلاث حيض تحت حر كانت أو تحت عبد وفي العدة اتفاق ان العبرة بحالها لا بحال الزوج لانها هي المعتدة الا ترى انها تختلف بصغرها وكبرها وكونها حاملا أو حائلا فكذلك برقها وحريتها فأما الطلاق بالنساء أيضا عندنا وهو قول علي وابن مسعود رضى الله عنهما وعند الشافعي رحمه الله تعالى عدد الطلاق معتبر بحال الرجل في الرق والحرية وهو مذهب عمر وزيد رضى الله عنهما وابن عمر رضى الله عنه يعتبر بمن رق منهما حتى لا يملك عليها ثلاث تطليقات الا إذا كانا حرين وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وفي رواية يطلق العبد تطليقتين وتعتد الامة بحيضتين والمعنى فيه ان الزوج هو المالك للطلاق المتصرف فيه وثبوت الملك باعتبار حال المالك كملك اليمين الا ترى ان ما يمنع ايقاع الطلاق وهو الصغر والجنون يعتبر وجوده في الرجل دون المرأة فكذلك ما يمنع ملك الطلاق ولان في اعتبار عدد الطلاق اعتبار عدد النكاح لان من يملك على امرأته ثلاث تطليقات يملك عليها ثلاث عقد ومن يملك عليها تطليقتين يملك عليها عقدتين والمعتبر حال الزوج في ملك العقد ألا ترى أن الحر يتزوج أربع نسوة والعبد لا يتزوج الا اثنتين وأصحابنا رحمهم الله استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة تطليقتان وعدتها حيضتان فقد جمع بين الطلاق
[ 40 ] والعدة وما روى أن الطلاق بالرجال قيل إنه كلام زيد رضى الله تعالى عنه لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل معناه ايقاع الطلاق بالرجال وما روى يطلق العبد اثنين فليس فيه أنه لا يطلق الثالثة أو معناه إذا كانت تحته أمة وانما قاله بناء على ظاهر الحال واعتبار الكفاءة في النكاح ولانه صلى الله عليه وسلم قابل الطلاق بالعدة والمقابلة تقتضي التسوية وبالاتفاق في العدة والمعتبر حالها فكذلك في الطلاق ومن ملك على امرأته عددا من الطلاق بملك ايقاعه في أول أوقات السنة وبهذا أفحم عيسى بن ابان الشافعي رضى الله عنه فقال أيها الفقيه ملك الحر على امرأته الامة ثلاث تطليقات كيف يطلقها في أوقات السنة فقال يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع عليها أخرى فلما ان أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال حسبك فان عدتها قد انقضت فلما تحير رجع فقال ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ولان الطلاق تصرف مملوك في النكاح فيستوى فيه العبد والحر كالظهار والايلاء وهذا لان العبد يستبد بايقاع الطلاق من غير أن يحتاج فيه إلى رضا المولى فيكون فيه مبقى على أصل الحرية كالاقرار بالقصاص وما يؤثر فيه الرق يخرج الرقيق من أن يكون أهلا لملكه كالمال ولما بقى أهلا لملك الطلاق عرفنا أن الرق لا يؤثر فيه ولا يدخل عليه النكاح لان الرق يؤثر فيه ولكن ملك النكاح باعتبار الحل والحل يتنصف برقه فلهذا لا يتزوج لا اثنتين وهذا لان الحل نعمة وكرامة فيكون في حق الحر أزيد منه في حق العبد ألا ترى أن حل رسول صلى الله عليه وسلم كان يتسع لتسع نسوة كرامة له بسبب النبوة فأما اعتبار عدد النكاح فلا معنى فيه لان الانسان يملك على امرأته من العقد ما لا يحصى حتى لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق مرارا كان له أن يتزوجها مرة بعد أخرى ما لم تحرم عليه ولو كان معتوها فهذا دليلنا لان جميع ما يملكه الحر على النساء اثنتي عشرة عقدة فانه يتزوج أربع نسوة ويملك على كل واحدة ثلاث عقد فينبغي أن يملك العبد نصف ذلك وذلك ست عقد بأن يتزج حرتين فيملك على كل واحدة منهما ثلاث عقد كما هو مذهبنا فأما الصغر والجنون لا يؤثر في ملك الطلاق وانما يؤثر في المتصرف والمتصرف هو الزوج ثم هو مقابل بصفة البدعة والسنة في الطلاق فان المعتبر فيه حالها في الحيض والطهر لا حال الرجل (قال) وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم يعتد بتلك الحيضة من عدتها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه وشريح وابراهيم رحمهما الله تعالى وهذا لان الحيضة الواحدة لا تتجزى
[ 41 ] وما سبق الطلاق منها لم يكن محسوبا من العدة فيمنع ذلك الاحتساب بما بقى ولو احتسب بما بقى وجب اكمالها بالحيضة الرابعة لان الاعتداد بثلاث حيض كوامل فإذا وجب جزء من الحيضة الرابعة وجب كلها (قال) ولو اعتدت المرأة بحيضتين ثم أيست فعليها استئناف العدة بالشهور وقد بينا هذا وفيه اشكال فان بناء البدل على الاصل يجوز كالمصلى إذا سبقه الحدث فلم يجد ماء يتيمم ويبني وإذا عجز عن الركوع والسجود يومئ ويبنى ولكنا نقول الصلاة بالتيمم ليست ببدل عن الصلاة بالوضوء انما البدلية في الطهارة ولا تكمل احداهما بالاخرى قط وكذلك الصلاة بالايماء ليست ببدل عن الصلاة بالركوع والسجود فاما العدة بالاشهر فهي بدل عن العدة بالحيض واكمال البدل بالاصل غير ممكن ثم قال إذا أيست من الحيض فاعتدت شهرا أو شهرين ثم حاضت اعتدت بالحيض وهذا يجوز في العبادة فانها بعد ما أيست لا تحيض وانما كان ذلك معجزة لنبي من الانبياء عليهم السلام ولكنها حين حاضت تبين انها لم تكن آيسة وانما كان ممتدة طهرها فلها تعتبر ما مضى من الحيض قبل أيامها إذا حاضت (قال) وإذا ولدت المعتدة وفى بطنها ولد آخر لم تنقض عدتها حتى تلد الآخر هكذا نقل عن علي وابن عباس والشعبي رضى الله عنهم وهذا لان الله تعالى قال ان يضعن حملهن وذلك اسم لجميع ما في بطنها ولان المقصود هو العلم بفراغ الرحم ولا يحصل ذلك ما لم تضع جميع ما في بطنها (قال) وإذا تزوجت المرأة المعتدة من الطلاق برجل ودخل بها ففرق بينهما فعليها عدة واحدة من الاول والآخر ثلاث حيض وهو مذهبنا لان العدتين إذا وجبتا يتداخلان وينقضيان بمضي مدة واحدة إذا كانتا من جنس واحد وهو قول معاذ بن جبل رضى الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يتداخلان ولكنها تعتد بثلاث حيض من الاول ثم بثلاث حيض من الثاني فان كانت العدتان من واحد بأن وطئ معتدته بعد البينونة بالشبهة فلا شك عندنا أنهما ينقضيان بمدة واحدة وهو أحد قول الشافعي رحمه الله تعالى وفى القول الآخر يقول لا تجب العدة بسبب الثاني أصلا وحجته في ذلك أنهما حقان وحبا لمستحقين فلا يتداخلان كالمهرين ولان العدة فرض كف لزمها في المدة ولا يجتمع الكفان في مدة واحدة كصومين في يوم واحد وهذا هو الحرف الذى يدور عليه الكلام فان المعتبر عنده معنى العبادة في العدة لانه كف عن الازواج والخروج فتكون عبادة كالكف عن اقتضاء الشهوات في الصوم وأداء العبادتين في وقت
[ 42 ] واحد لا يتصور ولو جاز القول بالتداخل في العدة لكان الاولى أقراء عدة واحدة فينبغي أن يكتفي بقرء واحد لان المقصود يحصل وهو العلم بفراغ الرحم وحجتنا في ذلك ان العدة بمجرد أجل والآجال تنقضي بمدة واحدة في حق الواحد والجماعة كآجال الديون وبيانه ان الله سبحانه وتعالى سمى العدة أجلا فقال عزوجل أجهلن أن يضعن حملهن وسماه تربصا والتربص هو الانتظار والانتظار يكون سبب الاجل كالانتظار في المطالبة بالدين إلى انقضاء الاجل ومن حيث المقصود في الاجل يحصل مقصود كل واحد من الغريمين بمدة واحدة وهنا مقصود كل واحد من صاحبي العدة يحصل بثلاث حيض وهو العلم بفراغ رحمها من مائة ثم معنى العبادة في العدة تبع لا مقصود وانما ركن العدة حرمة الخروج والتزوج ألا ترى ان الله تعالى ذكر ركن العدة بعبارة النهي فقال تعالي ولا يخرجن وقال عزوجل ولا تعزموا عقدة النكاح وموجب النهى التحريم والحرمات تجتمع فان الصيد حرام على المحرم في الحرم لحرمة الاحرام والحرم والخمر حرام على الصائم لصومه ولكونه خمرا وليمينه إذا حلف لا يشربها بخلاف ركن الصوم فانه مذكور بعبارة الامر قال الله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل فعرفنا ان الركن فيه الفعل ثم عدتها تنقضي وان لم تعلم وتنقضي وان لم تكف نفسها عن الخروج والبروز ولا يتصور أداء العبارة بدون ركنها ولان بوطئ الثاني قد لزمها العدة والشروع في العدة لا يتأخر عن حال تقرر عن سبب الوجوب وهذا لانه لو امتنع شروعها فيه انما يمتنع بسبب العدة الاولى والعدة الاولى أثر النكاح وأصل النكاح لا يمنع شروعها في العدة إذا تقرر سبب وجوبها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة فأثرها أولى ان لا يمنع ولان هذه العدة لتبين فراغ الرحم وبمضى العدة الاولى يتيقن بفراغ الرحم فيستحيل أن يكون شروعها في العدة موقوفا على التيقن بفراغ الرحم ولا معنى لما ذكره من اقراء العدة الواحدة فان الشهور في الاجل الواحد لا تتداخل والجلدات في الحد الواحد لا تتداخل ويتداخل الحدان وهذا لان الحيضة الواحدة لتعريف براءة الرحم والثانية لحرمة النكاح والثالثة لفضيلة الحرية فإذا قلنا بالتداخل في أقراء عدة واحدة يفوت هذا المقصود وفى الكتاب قال ألا ترى أنها لو كانت حاملا فوضعت حملها انقضت عدتها منهما أما إذا كانت حاملا من الاول فقد وجب عليها كل واحدة من العدتين وهى حامل وعدة الحامل تنقضي بوضع الحمل وان حبلت من الثاني فلابد من القول بسقوط الاقراء إذا حبلت والعدة بعد
[ 43 ] ما سقطت لا تعود فان كانت حاضت من الاول حيضة ثم دخل بها الثاني فعليها ثلاث حيض حيضتان تمام العدة من الاول وابتداء العدة من الثاني والحيضة الثالثة لاكمال عدة الثاني حق لو تزوجها الثاني في هذه الحيضة جاز لان عدتها منه لا تمنع نكاحها ولا يجوز أن يتزوجها غيره حتى تمضى هذه الحيضة وان كان الاول طلقها تطليقة رجعية فله أن يراجعها في الحيضتين الاوليين لان الرجعة استدامة النكاح وعدة الغير لا تمنعه من استدامة النكاح ولكن لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الآخر وليس له أن يراجعها في الحيضة الثالثة لانها بانت منه بانقضاء عدتها في حقه وليس له أن يتزوجها لانها معتدة من غيره وكذلك ان طلقها تطليقة بائنة فليس له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الآخر كما ليس للآخر أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الاول وعلى هذا لو كانت العدتان بالشهور (قال) ولو تزوجت في عدة الوفاة ودخل الثاني بها ثم فرق بينهما فعليها بقية عدتها من الميت تمام أربعة أشهر وعشرا وعليها ثلاث حيض من الآخر ثم تحتسب بما حاضت بعد التفريق في الاربعة الاشهر وعشر من عدة الآخر ولا منافاة بين الشهور والحيض فتكون شارعة في العدتين تحتسب بالمدة من العدة الاولى وبما يوجد فيها من الحيض من العدة الثانية (قال) وإذا مات الرجل وله امرأتان وقد طلق احداهما طلاقا بائنا ولا يعلم أيتهما هي فعلى كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشرا فيها ثلاث حيض احتياطا لان كل واحدة منهما يحتمل أن تكون مطلقة وعليها العدة بالحيض ويحتمل أن تكون منكوحة وعليها عدة الوفاة وهذا بخلاف ما إذا قال لامرأته ان لم أدخل الدار اليوم فانت طالق ثلاثا ثم مات بعد مضي اليوم ولا يدرى أدخل أم لم يدخل فعليها عدة الوفاة وليس عليها العدة بالحيض لان سبب وجوب العدة بالحيض الطلاق ووقع الطلاق بوجود الشرط غير معلوم ولا معنى للاحتياط قبل ظهور السبب وهنا وقوع الطلاق معلوم انما الجهالة في محله فلهذا ألزمنا كل واحدة منهما العدة بالحيض احتياطا (قال) وإذا طلق الرجل امرأته في مرضه ثلاث أو واحدة بائنة ثم مات قبل انقضاء العدة ورثته بالفرار على ما نبين في بابه ان شاء الله تعالى وعليها من العدة أربعة أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رضى الله عنه ليس عدة الوفاة لانا حكمنا بانقطاع النكاح بينهما بالطلاق وسبب وجوب عدة الوفاة انتهاء النكاح بالموت فإذا
[ 44 ] لم يوجد لا يلزمها عدة الوفاة كما لو كان الطلاق في صحته وانما أخذت الميراث بحكم الفرار وذلك لا يلزمها عدة الوفاة ألا ترى أن المرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه زوجته المسلمة وليس عليها عدة الوفاة لان زوال النكاح كان بردته لا بموته وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا أخذت ميراث الزوجات بالوفاة فيلزمها عدة الوفاة كما لو طلقها تطليقة رجعية وهذا لانا انما أعطيناها الميراث باعتبار أن النكاح بمنزلة القائم بينهما حكما إلى وقت موته أو باعتبار اقامة العدة مقام أصل النكاح حكما إذا لابد من قيام السبب عند الموت لاستحقاق الميراث والميراث لا يثبت يالشك والعدة تجب بالشك فإذا جعل في حكم الميراث النكاح كالمنتهي بالموت حكما ففي حكم العدة أولى وسبب وجوب العدة عليها بالحيض متقرر حكما فألزمناها الجمع بينهما وأما امرأة المرتد فقد أشار الكرخي في كتابه إلى أنه لا يلزمها عدة الوفاة ولئن سلمنا فنقول هناك ما استحقت الميراث بالوفاة لان عند الوفاة هي مسلمة والمسلمة لا ترث من الكافر ولكن يستند استحقاق الميراث إلى وقت الردة وبذلك السبب لزمها العدة بالحيض ولا يلزمها عدة الوفاة وهنا استحقاق الميراث عند الموت لا عند الطلاق فعرفنا أن النكاح قائم بينهما إلى وقت الوفاة (قال) وإذا ولدت المرأة في طلاق بائن لاكثر من سنتين من يوم طلقها لم يكن الولد للزوج إذا أنكره وهذه المسألة تنبني على معرفة أقل مدة الحبل وأكثرها فأقل مدة الحبل ستة أشهر لما روى ان رجلا تزوج امرأة فولدت ولدا لستة أشهر فهم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ان يرجمها فقال ابن عباس رضي الله عنه اما انها لو خاصمتكم بكتاب الله تعالى لخصمتكم قال الله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال عزوجل وفصاله في عامين فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق للحبل الا ستة أشهر فدرأ عثمان رضى الله عنه الحد وأثبت النسب من الزوج وهكذا روى عن علي رضى الله عنه ولانه ثبت بالنص ان الولد تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما ذكره في حديث ابن مسعود رضى الله عنه يجمع خلق احدكم في بطن أمه الحديث الخ وبعد ما تنفخ فيه الروح يتم خلقه بشهرين فيتحقق الفصال لستة أشهر مستوى الخلق فاما أكثر مدة الحبل سنتان عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى أربع سنين لما روى ان رجلا غاب عن امرأته سنتين ثم قدم وهي حامل فهم عمر رضي الله عنه برجمها فقال معاذ رضى الله عنه ان يك لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها حتى ولدت ولدا قد نبتت
[ 45 ] ثنيتاه يشبه اباه فلما رآه الرجل قال ابني ورب الكعبة فقال عمر رضى الله عنه أتعجز النساء ان يلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر رضي الله عنه فقد وضعت هذا الولد لاكثر من سنتين ثم أثبت نسبه من الزوج وقبل ان الضحاك ولدته أمه لاربع سنين وولدته بعدما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمى ضحاكا وعبد العزيز الماجشوني رضى الله عنه ولدته أمه لاربع سنين وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون رضى الله عنهم انهن يلدن لاربع سنين ولنا حديث عائشة رضى الله عنها قالت لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل ومثل هذا لا يعرف بالرأى فانما قالته سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان الاحكام تنبنى على العادة الظاهرة وبقاء الولد في بطن أمه أكثر من سنتين في غاية الندرة فلا يجوز بناء الحكم عليه مع أنه لا أصل لما يحكي في هذا الباب فان الضحاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما وكذلك غيرهما كان لا يعرف ذلك لان ما في الرحم لا يعلمه الا الله تعالى ولا حجة في حديث عمر رضي الله تعالى عنه لانه انما أثبت النسب بالفراش القائم بينهما في الحال أو باقرار الزوج وبه نقول ويحتمل أن معني قوله انه غاب عن امرأته سنتين أي قريبا من سنتين إذا عرفنا هذا فنقول متى كان الحل قائما بين الزوجين يستند العلوق إلى أقرب الاوقات وهو ستة أشهر الا أن يكون فيه اثبات الرجعة بالشك أو ايقاع الطلاق بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الاوقات فان الطلاق والرجعة لا يحكم بهما بالشك ومتى لم يكن الحل قائما بينهما يستند العلوق إلى أبعد الاوقات للحاجة إلى اثبات النسب وهو مبنى على الاحتياط (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح يثبت نسبه من الزوج لانها ولدته على فراشه لمدة حبل تام من وقت النكاح (قال) وإذا طلق الرجل امرأته بعد ما دخل بها ثم جاءت بولد فان كان الطلاق رجعيا فجاءت بولد لاقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت النسب منه ولا يصير مراجعا لها بل يحكم بانقضاء عدتها لانا نسند العلوق إلى أبعد الاوقات وهو ما قبل الطلاق فانا لو أسندناه إلى أقرب الاوقات صار مراجعا لها والرجعة لا تثبت بالشك وان جاءت به لاكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة ثبت النسب منه ويصير مراجعا لها لان حمل أمرها على الصلاح واجب ما امكن فلو جعلنا كأن الزوج وطئها في العده فحبلت كان فيه حمل أمرها على الصلاح ولو جعلنا كان غيره وطئها كان فيه حمل
[ 46 ] أمرها على الفساد فأما إذا كان الطلاق بائنا فان جاءت بولد لاقل من سنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه منه باعتبار اسناد العلوق إلى ما قبل الطلاق لان ذلك ممكن وفيه حمل أمرها على الصلاح وان جاءت به لاكثر من سنتين لا يثبت النسب من الزوج لانا تيقنا أن العلوق كان بعد الطلاق وسواء جعلناه من الزوج أو من غيره ففيه حمل أمرها على الفساد فيجعل من غيره لانا إذا جعلناه من الزوج كان فيه حمل أمر الزوج على الفساد وهو انه أقدم على الوطئ الحرام وذلك لا يجوز من غير دليل وثبوت فراشه القائم بسبب العدة لا يثبت نسب الولد كفراش الصبى على امرأته ثم يلزمها أن ترد نفقة ستة أشهر في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو رواية بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى والظاهر من قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يلزمها رد شئ من النفقة وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لم يظهر انقضاء عدتها قبل الولادة فلا يلزمها رد شئ من النفقة كما لو ولدت لاقل من سنتين وهذا لانها ما دامت معتدة فهي مستحقة للنفقة وما لم يظهر سبب الانقضاء فهي معتدة ولم يظهر للانقضاء هنا سبب سوى الولادة ولو جعلناها كأنها وطئت بشبهة في العدة لم تسقط نفقتها وان جعلناها كأنها تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج آخر كان فيه حمل أمرها على الفساد من وجه وهو أنها أخذت مالا بغير حق من زوجها مع ان فيه حكما بنكاح لم يعرف سببه وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا هذا الولد من علوق في العدة كان فيه حمل أمرها على الزنا ولو جعلنا كأن عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر وعلقت منه كان فيه حمل أمرها على الصلاح فتعين هذا الجانب ثم تزويجها نفسها بمنزلة اقرارها بانقضاء عدتها أو أقوى فتبين انها أخذت النفقة بعد انقضاء عدتها فعليها ردها وهذا اليقين في مقدار ستة أشهر أدنى مدة الحمل ولا يلزمها الرد الا باليقين ولا معنى لما قال ان في ذلك حمل أمرها على الفساد وهو أخذ المال بغير حق لان حرمة المال دون الزنا فان المال بذله يباح بالاذن ولا يسقط احصانها بالاخذ بغير حق وبالزنا يسقط احصانها ومن ابتلى ببليتين يختار أهونهما ولئن جعلناها كأنها وطئت بالشبهة في العدة فكذلك تسقط نفقتها أيضا لانه بمعني النشوز منها حين جعلت رحمها مشغولا بماء غير الزوج ومقصود الزوج من العدة صيانة رحمها فإذا فوتت ذلك كان أعظم من نشوزها وهروبها من بيت العدة فإذا سقطت نفقتها
[ 47 ] تبين أنها أخذت بغير حق فلزمها الرد (قال) رجل قال لامرأته كلما ولدت ولدا فانت طالق فولذت ولدين في بطن واحد كانت طالقا بالولد الاول لوجود شرط الطلاق وهو ولادة الولد ثم تصير معتدة فلما وضعت الولد الثاني حكمنا بانقضاء عدتها لانها معتدة وضعت جميع ما في بطنها والولد الذى تنقضي به العدة لا يقع به طلاق لان أوان وقوع الطلاق ما بعد وجوب الشرط وبعد وضع الولد الثاني هي ليست في نكاحه ولا في عدته ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد وقعت عليها تطليقتان لان كلمة كلما تقتضي تكرر نزول الجزء بتكرر الشرط وبولادة الولد الثاني تكرر الشرط ولا تنقضي به العدة لان في بطنها ولدا آخر فيقع عليها تطليقة أخرى ثم بوضع الولد الثالث تنقضي عدتها ولا يقع شئ ولو كان كل ولد في بطن على حدة فان كان بين كل ولدين ستة أشهر حتى يعلم انهما ليسا بتوءمين تطلق ثلاثا وعليها ثلاث حيض لان بولادة الولد الاول وقعت عليها تطليقة فلما ولدت الولد الثاني لستة أشهر فصاعدا عرفنا أنه من علوق حادث ويجعل ذلك من الزوج حملا لامرها على الصلاح فصار مراجعا لها ثم وقع عليها تطليقة ثانية لوجود الشرط وهو ولادة الولد الثاني وكذلك حين وضعت الولد الثالث وقعت عليها تطليقة ثالثة لوجود الشرط بعد ما صار مراجعا لها فصارت مطلقة ثلاثا وعليها العدة بثلاث حيض (قال) ولو أن رجلا مات عن أمرأته فجاءت بولد لاقل من سنتين فان كانت أقرت بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر فصاعدا ثم يثبت نسبه من الزوج لانه من علوق حادث بعد اقرارها بانقضاء العدة وحمل كلامها على الصحة واجب ما أمكن وان كانت ادعت حبلا وولدت لاقل من سنتين يثبت النسب من الزوج لان اسناد العلوق إلى حالة حياته ممكن وفيه حمل أمرها على الصلاح والصحة ولو لم تدع حبلا ولم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت بالولد لاقل من سنتين عندنا يثبت النسب منه وعلى قول زفر إذا جاءت به لتمام عشرة أشهر وعشرة أيام من حين مات الزوج لم يثبت النسب منه لانه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكمنا بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا بالنص وذلك أقوى من اقرارها بانقضاء العدة ولو أقرت بذلك ثم جاءت بولد لمدة حبل تام لم يثبت النسب منه فكذلك هنا ولكنا نقول انقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا معلق بشرط وهو أن لا تكون حاملا فان آية الحبل قاضية على آية التربص على ما بينا
[ 48 ] وهذا الشرط لا يوقف عليه الا من جهتها فما لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بانقضائها وانما جاءت بالولد لمدة يتوهم أن يكون العلوق قبل موت الزوج فيثبت نسبه منه كما لو ادعت حبلا ثم انما يثبت النسب منه إذا كانت ولادتها معاينة أو أقر بها الورثة فأما إذا جحدوا ذلك لم يثبت النسب منه الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة وهى القابلة وحجتهما في ذلك أن الولادة مما لا يطلع عليها الرجل وشهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال حجة تامة فكانت شهاد القابلة فيه حجة تامة ألا ترى أنه لو كان هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو اقرار من الزوج بالحبل تثبت الولادة بشهادة امرأة واحدة فكذلك هنا وهذا لان النسب والميراث لا يثبت بهذه الشهادة وانما تثبت ولادتها هذا الولد ثم ثبوت النسب والميراث باعتبار أن العلوق به كان في حال قيام النكاح ولابي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان (أحدهما) ما أشار إليه في الكتاب فقال من قبل أنه يرث ومعني هذا الكلام أن ثبوت الميراث معلق بالنسب والموت والحكم المعلق بعلة ذات وصفين يحال به على آخر الوصفين وجودا ولهذا لو رجع شهود النسب وقد شهدوا به بعد الموت ضمنوا الميراث وآخر الوصفين هنا النسب فكانت هذه الشهادة قائمة على تمام علة الارث والميراث لا يثبت بشهادة امرأة واحدة ولانها أجنبية للحال لانا نتيقن بانقضاء عدتها ونسب ولد الاجنبية لا يثبت من الأجنبي بشهادة امرأة واحدة كما لو لم يكن النكاح بينهما ظاهرا بخلاف ما إذا كان الفراش قائما فان ثبوت النسب هناك باعتبار الفراش وانما تظهر الولادة بالشهادة وكذلك ان أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك باقراره وكذلك ان كان هناك حبل ظاهر فثبوت النسب بظهور الحبل في حال قيام الفراش وانما تظهر الولادة بالشهادة فقط ولذلك إذا أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك باقراره وهنا لا سبب للنسب سوى الشهادة ولا يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة توضيحه ان شهادة المرأة الواحدة حجة ضعيفة لان شهادة المرأة الواحدة ليست بشهادة أصلا ولهذا لو شهد رجلان وامرأة واحدة بالمال ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وانما جعلت حجة في الولادة للضرورة فكانت ضعيفة في نفسها والضعيف ما لم يتأيد بمؤيد لا يجوز فصل الحكم به كشهادة النساء في المال والمؤيد الفراش أو الحبل الظاهر أو اقرار الزوج بالحبل فان تأيدت
[ 49 ] شهادتها ببعض هذه الاسباب وجب الحكم بها والا فلا ولو أقرت بانقضاء العدة ثم ولدت لاقل من ستة أشهر ثبت النسب منه لانا تيقنا انها أبطلت فيما قالت فانها أقرت بانقضاء العدة بالشهور وقد تبين انها كانت حاملا يومئذ فكان اقرارها باطلا (قال) ولو ان رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقة بائنة ثم جاءت بالولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ويلزمه النسب في قولهما بشهادة امرأة واحدة وهذا والاول سواء لانها للحال أجنبية منه في الوجهين ويستوى ان كانت هذه المعتدة مسلمة أو كافرة أو أمة في هذا الحكم لان بقاء الولد في البطن لا يختلف بهذه الاوصاف (قال) ولو كانت المرأة عند زوجها لم يطلقها فجاءت بولد وأنكر الزوج الحبل قبلت شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة على الولادة ويثبت النسب عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقبل الا شهادة أربع نسوة لان الاصل في الشهادة ان الحجة لا تتم الا بشهادة رجلين والمرأتان تقومان مقام رجل واحد في باب الشهادة بالنص حتى ان المال لا يثبت الا شهادة رجل وامرأتين وقد تعذر اعتبار صفة الذكورة فيما لا يطلع عليه الرجال فسقط للضرورة وبقى ما سواه على الاصل فيشترط شهادة الاربع ليكون ذلك في معنى شهادة رجلين ودليل كونه شهادة اعتبار الحرية ولفظ الشهادة فيها ولا معنى لقول من يقول اباحة النظر لاجل الضرورة فإذا ارتفعت الضرورة بالمرأة الواحدة لا يحل للثانية النظر لانكم وان قلتم أنه يكتفى بالواحدة تقولون المثنى أحوط وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لابد من شهادة امرأتين لان المعتبر في الشهادة العدد والذكورة وقد سقط اعتبار صفة الذكورة للتعذر هنا فيبقى العدد على ظاهره وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث حذيفة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة على الولادة وفى حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والنساء اسم جنس يتناول الواحدة وما زاد والمعنى فيه أن هذا خبر لا يعتبر فيه صفة الذكورة فلا يعتبر فيه العدد كرواية الاخبار وهذا لان النظر إلى الفرج حرام فلا يحل الا عند تحقق الضرورة وعند الضرورة نظر الجنس أهون من نظر الذكور ولما سقطت صفة الذكورة لهذا المعنى سقط أيضا اعتبار العدد لان نظر الواحد أهون من نظر الجماعة ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية لان نظر الامة والحرة سواء
[ 50 ] والذى يقول ان المثنى أحوط فذلك لا يوجب حل نظر الثانية ولكن ان اتفق ذلك كان أحوط فأما من يشترط العدد يوجب نظر الجماعة ونظر الواحدة أهون ثم هذا خبر من وجه شهادة من وجه لاختصاصها بمجلس الحكم وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلاعتباره بالشهادة تعتبر فيه الحرية ولفظة الشهادة ولاعتباره بالخبر لا يعتبر فيه الذكورة والعدد فإذا ثبت ما قلنا فانما يثبت بشهادتها الولادة وما هو من ضرورة الولادة وهو عين الولد ثم النسب انما يثبت باعتبار الفراش القائم بمنزلة ما لو أقر الزوج بولادتها وقال ليس الولد منى يثبت النسب بالفراش القائم ولا ينتفي الا باللعان (قال) وإذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بالحيض في مدة يحيض فيه مثلها ثلاث حيض ثم جاءت بالولد فإذا جاءت به لاقل من ستة أشهر ثبت النسب لتيقننا بكذبها فيما قالت وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر من وقت اقرارها لم يثبت النسب عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يثبت النسب منه ما لم تتزوج ثم تأتى به لستة أشهر لان ثبوت النسب لحق الولد وقولها في ابطال حقه غير مقبول فكان وجود اقرارها كعدمه بخلاف ما إذا تزوجت لان الحق في النسب هناك ثبت للزوج الثاني فينتفى من الاول ضرورة وحجتنا في ذلك انها أمينة في الاخبار بما في رحمها فإذا أخبرت بانقضاء عدتها وهو ممكن وجب قبول خبرها ثم إذا جاءت بالولد بعد ظهور انقضاء عدتها بمدة حبل تام فلا يثبت النسب منه كما لو تزوجت وهذا لان حمل كلامها على الصحة واجب ما أمكن (قال) ولو طلق امرأته ولم يدخل بها ولم يخل بها ثم جاءت بولد لاقل من سته أشهر لزمه لانا تيقنا ان العلوق به كان قبل الطلاق وحمل أمرها على الصحة واجب ما أمكن فيجعل هذا العلوق من الزوج ويتبين لنا انه طلقها بعد الدخول وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لم يلزمه لان النكاح بالطلاق ارتفع لا إلى عدة وانما جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده وان كان الطلاق بعد الخلوة لزمه الولد إلى سنتين لان النكاح بالطلاق قد ارتفع إلى عدة ولما جعلنا الخلوة بمنزلة الدخول في ايجاب العدة فكذلك فيما ينبنى عليه وهو ثبوت نسب الولد (قال) وإذا طلقها وعدتها بالشهور لاياسها من الحيض فاعتدت بثلاثة أشهر ثم جاءت بولد لسنتين أو أقل من وقت الطلاق فان النسب يثبت من الزوج سواء أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر لانها انما أقرت بانقضاء العدة بالشهور ولما ولدت فقد تبين انها غلطت فيما قالت لان الآيسة لا تلد وانما كانت هي ممتدة طهرها لا آيسة فلا تكون عدتها منقضية
[ 51 ] بالشهور فلهذا ثبت النسب منه (قال) وان كانت صغيرة فطلقها زوجها بعدما ذخل بها فان ادعت حبلا فذلك اقرار منها بانها بالغة وقولها في ذلك مقبول فكانت هي كالكبيرة في نسب ولدها وان أقرت بانقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يثبت النسب منه لانا حكمنا بانقضاء عدتها فانها ان كانت صغيرة تنقضي عدتها بثلاثة أشهر بالنص وان كانت كبيرة تنقضي عدتها باقرارها وان جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده فأما إذا لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا ففي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان جاءت به لاقل من تسعة أشهر منذ طلقها يثبت النسب والا فلا وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ان جاءت به لاقل من سنتين منذ طلقها ثبت النسب منه في الطلاق البائن وفى الطلاق الرجعى ان جاءت به لاقل من سبعة وعشرين شهرا ثبت النسب منه وان كانت جاءت به لاكثر من ذلك لا يثبت النسب وحجته في ذلك أن الحبل في المراهقة موهوم والحكم بانقضاء عدتها بالشهور شرطه أن لا تكون حاملا وذلك لا يعلم الا بقولها كما قررناه في عدة الوفاة في حق الكبيرة وإذا جاءت بالولد لاقل من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة فيحتمل أن يكون هذا من علوق قبل الطلاق وهذا الاحتمال يكفي للنسب وفى الطلاق الرجعى إذا جاءت به لاقل من سبعة وعشرين شهرا فيحتمل أن يكون هذا من علوق كان في العدة وهو مثبت للنسب من الزوج وموجب للحكم بأنه كان مراجعا لها وهما يقولان عرفناها صغيرة وما عرف ثبوته بيقين لا يحكم بزواله بالاحتمال وصفة الصغر منافية للحبل فإذا بقى فيها صفة الصغر حكم بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر بالنص فكان ذلك أقوى من اقرارها بانقضاء العدة فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده لا يثبت النسب بخلاف المرأة الكبيرة فانه ليس فيها ما ينافى الحبل فلا يحكم بانقضاء عدتها بمضي المدة الا إذا لم تكن حاملا ولا يقال الاصل عدم الحبل لان هذا في غير المنكوحة فأما النكاح لا يعقد الا للاحبال وعلى هذا الصغيرة إذا توفى عنها زوجها فان أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر تم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه فان ادعت حبلا ثم جاءت بالولد لاقل من سنتين يثبت النسب فان لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إذا جاءت بالولد لاقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب منه والا فلا وعند أبى يوسف رحمه الله تعالي ان جاءت بولد لاقل من سنتين منذ مات الزوج يثبت النسب منه وهذا والاول
[ 52 ] سواء (قال) وإذا تزوجت المرأة في عدتها من طلاق بائن ودخل بها الزوج فجاءت بولد لاقل من سنتين من يوم طلقها الاول ولستة أشهر أو أكثر منذ تزوجها الثاني فالولد للاول لان نكاح الثاني فاسد والفاسد من الفراش لا يعارض الصحيح في حكم النسب فكان الولد لصاحب الفراش الصحيح فإذا جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها الاول ولاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الآخر لم نلزمه الاول ولا الآخر لانا تيقنا أن العلوق به كان بعد الطلاق من الاول فلا يثبت النسب منه وتيقنا أنه كان قبل عقد الثاني لان أدنى مدة الحبل ستة أشهر وان جاءت به لاكثر من سنتين منذ طلقها الاول ولستة أشهر منذ تزوجها الآخر ودخل بها فهو للآخر فانه لا مزاحمة للاول هنا في النسب لانا تيقنا أن العلوق به كان بعد طلاقه فبقى الحكم للآخر وقد جاءت به لمدة حبل تام بعدما دخل بها الثاني بالعقد الفاسد فثبت النسب منه (قال) وإذا مات الصبى عن امرأته فظهر بها حبل بعد موته فان عدتها أربعة أشهر وعشر ولا ينظر إلى الحبل لانه من زنا حادث بعد موته فلا يغير حكم العدة الواجبة وقد وجب عليها التربص بأربعة أشهر وعشر عند الموت وزعم بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله ان في امرأة الكبير إذا حدث الولد بعد الموت يكون انقضاء العدة بالوضع وليس كذلك بل الجواب في الفصلين واحد ومتى كان الحبل حادثا بعد الموت كان من زنا فلا يتغير به حكم العدة وانما الفرق في امرأة الكبير إذا جاءت بالولد لاقل من سنتين تنقضي عدتها به لانه يستند العلوق إلى ما قبل الموت حتى يحكم بثبوت النسب فيتبين به ان الحبل ليس بحادث بعد الموت وفي امرأة الصغير لا يستند العلوق إلى ما قبل الموت وانما يستند إلى أقرب الاوقات لان النسب لا يثبت منه وإذا لم يكن الحبل ظاهرا وقت الموت وانما ظهر بعد الموت يجعل هذا حبلا حادثا فاما إذا كانت حبلى عند موت الصبى فعدتها أن تضع حملها استحسانا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان عدتها بالشهور وهو القياس وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى ووجهه انا نتيقن ان هذا الحبل من زنا فلا يتقدر انقضاء العدة به كما لو ظهر بعد موته وهذا لان اعتبار وضع الحمل في العدة لحرمة الماء وصيانته ولا حرمة لماء الزانى ولانا نتيقن بفراغ رحمها من ماء الزوج عند موته فعليها العدة بالشهور حقا لنكاحه كما لو لم يكن بها حبل ولكنا استحسنا لظاهر قوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد ذكرنا انها
[ 53 ] قاضية على آية التربص لانها نزلت بعدها وعموم هذه الآية يوجب ان لا تجب العدة على الحامل الا بوضع الحمل وهو المعنى انه قد لزمتها العدة وهى حامل فيتقدر انقضاء العدة بالوضع كامرأة الكبير وهذا لان العدة في الاصل مشروعة لتعرف براءة الرحم وحقيقة ذلك بوضع الحمل وذلك موجود في جانبها هنا وانما انعدم اشتغال رحمها بماء الزوج وليس الشرط فيما تنقضي به العدة ان يكون من الزوج كالشهور والحيض وكما لو نفى حبل امرأته وفرق القاضى بينهما باللعان وحكم ان الولد ليس منه تنقضي عدتها بوضعه والدليل الحكمى كالدليل المتيقن به بخلاف ما إذا لم يكن الحبل ظاهرا عند الموت لانا حكمنا بفراغ رحمها عند ذلك حملا لامرها على الصلاح وألزمناها العدة بالشهور حقا للنكاح فلا يتغير ذلك بحدوث الحبل من زنا بعده (قال) والخصى كالصحيح في الولد والعدة لان فراشه كفراش الصحيح وهو يصلح ان يكون والدا والوطئ منه يتأتى مع انه لا معتبر بالوطئ في حكم النسب حتى لا يشترط التمكن من الوطئ لاثبات النسب بخلاف الصبي فانه لا يصلح ان يكون ولدا وبدون الصلاحية لا تعمل العلة (قال) وكذلك المجبوب إذا كان ينزل لانه يصلح ان يكون والدا والاعلاق بالسحق منهم متوهم وزاد في رواية أبى حفص رحمه الله تعالى وان كان لا ينزل لم يلزمه الولد لانه إذا جف ماؤه فهو بمنزلة الصبى أو دونه لان في حق الصبى ينعدم الماء في الحال إلى توهم ظهوره في الثاني عادة وفي حق هذا ينعدم الماء لا الي توهم الظهور في الثاني فإذا كان هناك تنعدم الصلاحية فهنا أولى (قال) ولا يكون طلاق الصبي طلاقا حتى يبلغ لقول علي وابن مسعود وابن عمر رضوان الله تعالى عليهم كل طلاق جائز الا طلاق الصبى والمعتوه وقد روى ذلك مرفوعا ثم بلوغه إما أن يكون بالعلامة أو بالسن والعلامة في ذلك الانزال بالاحتلام والاحبال وفي حق الجارية بالاحتلام والحبل والحيض قالوا وأدنى المدة في حق الغلام اثنا عشر سنة وفى حق الجارية تسع سنين وقد بينا هذا في كتاب الحيض وأما بلوغهما بالسن فقدر أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجارية بسبع عشرة سنة وفى الغلام بتسع عشرة سنة وفى كتاب الوكالة ذكر في الغلام ثمان عشرة سنة في موضع وفى موضع تسع عشرة سنة من أصحابنا من وفق فقال المراد أن يتم له ثمان عشرة سنة ويطعن في التاسع عشرة ولكن ذكر في نسخ أبى سليمان في كتاب الوكالة حتى يستكمل تسع عشرة سنة ففيه روايتان اذن وعلى قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى في الغلام والجارية يتقدر
[ 54 ] بخمس عشره سنة لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنه فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فاجازني ولما سمع عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه هذا الحديث قال هذا هو الفصل بين البالغ وغير البالغ وكتب به إلى امراء الاجناد والمعنى فيه ان العادة الظاهرة ان البلوغ لا يتأخر عن هذه المده وقد بينا ان الحكم يبني على الظاهر دون النادر وأبو حنيفة يقول صفة الصغر فيهما معلومة بيقين فلا يحكم بزوالها الا بيقين مثله ولا يقين في موضع الاختلاف ثم أدنى المدة لبلوغ الغلام اثنا عشر سنة وقد وجب زيادة المدة على ذلك فانما يزاد سبع سنين اعتبارا بأول أمره كما أشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا وبين أهل التفسير اختلاف في تفسير الاشد ولم يقل أحد بأقل من ثمان عشرة سنة في قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما فوجب تقدير مدة البلوغ به ولكن الانثى أسرع نشوا عادة فينقص في حقها سنة فتكون التقدير بسبع عشرة سنة ولا حجة في حديث ابن عمر رضى الله عنه لانه ما أجازه باعتبار أنه حكم ببلوغه بل لانه رآه قويا صالحا للقتال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز من الصبيان من كان صالحا للقتال على ما روى أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه صبى فرده فقيل انه رام فأجازه وعرض عليه صبيان فأجاز أحدهما ورد الآخر فقال المردود يارسول الله أجزته ورددتني ولو صارعته لصرعته فصارعه فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ولا يجوز طلاق المجنون وان مات عن امرأته كان في حكم العدة والولد بمنزلة الصحيح لان المجنون يجامع ويحبل وقد ثبت الفراش له بحكم النكاح وهو يصلح أن يكون والدا (قال) وإذا مات عن أم ولده أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض فان كانت لا تحيض من إياس فعدتها ثلاثة أشهر وقد بينا هذا في كتاب النكاح وكذلك لو كانت حرمت عليه قبل موته بوجه من الوجوه فعليها منه العدة لانها فراشه بعدما حرمت عليه حتى لو ادعى نسب ولدها ثبت منه وانما لا يثبت بدون الدعوة لما فيه من اساءة الظن به والحكم باقدامه على الوطئ الحرام فيتحقق زوال الفراش إليها بالعتق وهذا بخلاف ما إذا زوجها من غيره ثم مات المولى أو أعتقها لان هناك قد اعترض على فراشه فراش الزوج وفراش النكاح أقوى من فراش الملك فينعدم الضعيف بالقوى وإذا انعدم لم يتقرر بالعتق سبب وجوب العدة وهو زوال فراشه إليها وكذلك لو كانت في عدة
[ 55 ] من زوج ألا ترى أن النسب لا يثبت من المولى وان ادعاه فعرفنا أنها لم تبق فراشا له أصلا (قال) ولو مات عن أم ولده أو أعتقها فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه لتوهم أن يكون العلوق به قبل الموت وهذا لان الفراش زال بالعتق إلى عدة وهو نظير فراش النكاح في أنه يستند العلوق إلى أبعد الاوقات ولكن لو نفاه المولى لا ينتفي بخلاف ما قبل العتق لان الفراش بالعتق يتقوى حتى لا يملك نقله إلى غيره بالتزويج فيلزمه نسب الولد على وجه لا يملك نفيه وقبل العتق كان يملك نقل فراشها إلى غيره بالتزويج فكذلك يملك نفى نسب الولد لان ثبوت الحكم بحسب السبب فان جاءت به لاكثر من سنتين منذ أعتقها لم يلزمه الا أن يدعيه لانا تيقنا أن العلوق كان بعد العتق فان ادعاه ثبت النسب منه لانهما تصادقا على أن الولد منه والحق لهما وما تصادقا عليه محتمل لجواز أن تكون زوجت نفسها منه في عدتها (قال) رجل توفى عن امرأته وهي مملوكة فأقرت بانقضاء عدتها بعد شهرين وخمسة أيام ثم جاءت بولد لاكثر من ستة أشهر منذ يوم أقرت لم يلزم الزوج لان الشهرين وخمسة أيام في حقها كأربعة أشهر وعشر في حق الحرة واقرارها بانقضاء العدة بعذ ذلك معتبر ما لم يتبين كذبها فكذلك هنا وان لم تقر بانقضاء العدة لزمه الولد إلى سنتين لانا نسند العلوق إلى أبعد أوقات الامكان في حقها لاثبات نسب ولدها من الزوج كما في الحرة (قال) وان أعتق أم ولده وهى حامل أو مات عنها فعدتها بوضع الحمل لما بينا ان العدة لزمتها وهي حامل فيتقدر انقضاؤها بوضع الحمل كما في عدة النكاح بل أولى لان معنى تبين فراغ الرحم هو المعتبر هنا لا غير (قال) ولو مات عن أمة كان يطأها أو عن مدبرة كان يطأها فلا عدة عليها وكذلك ان أعتقها لان الفراش لا يثبت الا بالوطئ في ملك اليمين وهو معروف في كتاب الدعوى وبدون الفراش لا تجب العدة وفى الكتاب يقول ألا ترى أنه لو باعها بعدما وطئها لم تلزمها العدة والاستبراء الواجب على المشترى ليس بعدة لان العدة تجب عليها والاستبراء يجب على المشترى (قال) ولو زوجها المشترى قبل أن يستبرئها جاز ووجوب الاستبراء عليه هناك كوجوبه إذا اشتراها من صبى أو امرأة أو اشتراها وهى بكر (قال) ولو دخل بامرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر وعليها العدة ثلاث حيض ان كانت حرة وحيضتان ان كانت أمة وقد بينا هذا في كتاب النكاح ان الفراش يثبت بالدخول عند فساد العقد فتجب العدة بزواله بالتفريق ويستوى
[ 56 ] ان مات عنها أو فرق بينهما وهو حي لان هذه العدة لا تجب الا لتعرف براءة الرحم فلا تختلف بالحياة والممات كعدة أم الولد وهذا لان التربص بالاشهر في عدة الوفاة لقضاء حق النكاح ولهذا يجب من غير توهم الدخول وهذا لا يوجد في الوطئ بالشبهة ولا في النكاح الفاسد وان كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر وعدة الامة شهر ونصف اعتبارا للفراش الفاسد بالفراش الصحيح إذا وجبت العدة بالفرقة في حالة الحياة (قال) وإذا تزوج المكاتب بنت مولاه باذنه ثم مات المولى ثم مات المكاتب وترك وفاء فعدتها أربعة أشهر وعشر ولها عليه الصداق وترثه لانها لم تملك شيئا من رقبته بموت المولى لقيام عقد الكتابة وموت المكاتب عن وفاء لا يوجب فسخ الكتابة عندنا بل يؤدى كتابته ويحكم بحريته في حياته فيكون النكاح منتهيا بينهما بموت الزوج فعليها عدة الوفاة ولها جميع الصداق وان لم يدخل بها وترثه بالزوجية لانتهاء النكاح بالموت بعد الحكم بحرية الزوج فان لم يترك وفاء وقد دخل بها فلها الصداق دينا في عنقه ومعنى هذا انه كان دينا في عنقه ويبطل عنه مقدار نصيبها في رقبته لان بموته عاجزا انفسخت الكتابة قبل الموت لتحقق العجز حين أشرف على الهلاك فملكت جزء من رقبة زوجها ارثا من أبيها وذلك مفسد للنكاح بينهما الا ان الصداق كله قد تأكد بالدخول ولكن بقدر نصيبها يسقط لانها لا تستوجب دينا على عبدها كصاحب الدين إذا وهب له العبد المديون وبقدر نصيب سائر الورثة يبقى فتستوفي ذلك مما ترك من كسبه وعليها ثلاث حيض لوقوع الفرقة بينهما بعد الدخول قبل الموت حين ملكت جزءا منه فلا يتغير ذلك بموته وان كان لم يدخل بها فلا صداق لها ولا عدة عليها لان الفرقة وقعت قبل الدخول بسبب مضاف إليها وهو ملكها جزءا من رقبته وذلك مسقط لجميع الصداق (قال) وإذا اشترى المكاتب امرأته وقد ولدت منه لم يبطل النكاح لان الثابت له في كسبه حق الملك وقد بينا في كتاب النكاح ان حق الملك لا يمنع بقاء النكاح فان مات وترك وفاء تؤدى كتابته ويحكم بحريته قبل موته اما اسنادا للعتق إلى ما قبل الموت أو ابقاء له حيا حكما إلى وقت أداء الكتابة ولما حكم بحريته ثم ملك رقبتها صارت أم ولد له فارتفع النكاح وعتقت وأم الولد إذا عتقت بموت مولاها اعتدت بثلاث حيض وان لم يترك وفاء فعدتها شهران وخسمة أيام لانه مات عاجزا فكان النكاح منتهيا بالموت وعلى الامة عند زوجها من العدة شهران وخمسة أيام وان لم تكن ولدت منه وقد ترك وفاء
[ 57 ] فان كان دخل بها فعدتها حيضتان كالحر إذا اشترى امرأته بعدما دخل بها فعليها من العدة حيضتان حتى لا يملك تزويجها الا بعد مضى المدة وان لم تظهر هذه الفرقة في حقه حتى كان له أن يطأها وان لم يدخل بها فلا عدة عليها لان هذه الفرقة وقعت في حالة الحياة قبل الدخول وان كان لم يترك وفاء ولم يدخل بها أو دخل بها غير أنها لم تلد منه فعدتها شهران وخمسة أيام وكذلك ان كانت قد ولدت منه لانه مات عاجزا فلم يملك شيئا من رقبتها وانما كان النكاح بينهما منتهيا بالموت فعليها العدة شهران وخمسة أيام وهي أمة لمولى المكاتب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الرد على من قال إذا طلق لغير السنة لا يقع) * (قال) وهذه المسألة مختلف فيها بيننا وبين الشيعة على فصلين (أحدهما) أنه إذا طلقها في حالة الحيض أو في طهر قد جامعها فيه يقع الطلاق عند جمهور الفقهاء وعندهم لا يقع (والثانى) أنه إذا طلقها ثلاثا جملة يقع ثلاثا عندنا والزيدية من الشيعة يقولون تقع واحدة والامامية يقولون لا يقع شئ ويزعمون أنه قول علي كرم الله وجهه وهو افتراء منهم على علي رضى الله تعالى عنه فقد ذكر بعد هذا في كتاب الطلاق عن علي وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما ان الثلاث جملة يقع بايقاع الزوج والمشهور من قول علي رضي الله تعالى عنه كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه وشبهتهم فيه ان الزوج مأمور شرعا بايقاع الطلاق للسنة والمأمور من جهة الزوج بايقاع الطلاق للسنة وهو الوكيل إذا أوقع لغير السنة لا يقع فكذلك المأمور شرعا بل أولى لان أمر الشرع ألزم ولان نفوذ تصرفه بالاذن شرعا والمنهى عنه غير مأذون فيه فلا يكون نافذا كطلاق الصبى والمعتوه وحجتنا في ذلك حرفان (أحدهما) ان النهى دليل ظاهر على تحقق المنهى عنه لان النهى عما لا يتحقق لا يكون فان موجب النهى الانتهاء على وجه يكون المنهى فيه مختارا حتى يستحق الثواب إذا انتهى ويستوجب العقاب إذا أقدم وما لم يكن المنهى عنه متحققا في نفسه لا يتصور كونه مختارا في الانتهاء وقد قررنا هذا في النهى عن صوم يوم العيد (والثاني) ان النهي إذا كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المنهى عنه ولا يمنع نفوذه شرعا كالنهي عن الصلاة في الارض المغصوبة والنهى عن البيع عند النداء يوم الجمعة وهنا النهى لمعني في غير الطلاق من تطويل العدة
[ 58 ] واشتباه أمر العده عليها أو سد باب التلافى عند الندم فلا يمنع النفاذ واستكثر من الشواهد في الكتاب وكل ذلك يرجع إلى هذين الحرفين وهذا بخلاف الوكيل فان نفوذ تصرفه بأمر الموكل فإذا خالف المأمور به لا ينفذ وهنا تصرف الزوج بحكم ملكه وهو بعقد النكاح صار مالكا للتطليقات الثلاث والملك علة تامة لنفوذ التصرف ممن هو أهل للتصرف وان لم يكن مأمورا ولا مأذونا فيه وهذا بخلاف الصبى والمعتوه لان الاهلية لايقاع الطلاق غير متحققة فيهما ألا ترى أنه لا يصح منهما التعليق بالشرط ولا الاضافة إلى ما بعد البلوغ ولا تمليك الامر منهما وكل ذلك صحيح من الرجل في حيض المرأة وبهذا ونظائره استشهد في الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب اللبس والتطيب) * (قال) رضى الله عنه الاصل أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد في عدتها وفيه لغتان حداد وإحداد يقال أحدت المرأة تحد وحدت تحد وكلاهما لغة صحيحة وهذا لما روى أن أم حبيبة رضى الله تعالى عنها لما أتاها خبر موت أبى سفيان رضى الله تعالى عنه دعت بطيب بعد ثلاثة أيام فأمسته عارضيها وقالت ما بي حاجة إلى الطيب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام الا على زوجها أربعة أشهر وعشرا وقال صلى الله عليه وسلم للمرأة التى استأذنته في الاكتحال قد كانت احداكن في الجاهلية الحديث على ما روينا فأما المبتوتة وهي المختلعة والمطلقة ثلاثا أو تطليقة بائنة فعليها الحداد في عدتها عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه لا حداد عليها لان هذه العدة واجبة لتعرف براءة الرحم فلا حداد عليها كالمعتدة عن وطئ بشبهة أو نكاح فاسد وهذا لان الحداد على المتوفى عنها زوجها لاظهار التأسف على موت الزوج الذى وفى لها حتى فرق الموت بينهما وذلك غير موجود في حق المطلقة لان الزوج جفاها وآثر غيرها عليها فانما تطهر السرور بالتخلص منه دون التأسف (ولنا) في ذلك حديث أم سلمة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فان الحناء طيب وهذا عام في كل معتدة ولانها معتدة من نكاح صحيح فهي كالمتوفي عنها زوجها وتأثيره ان الحداد إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطئ الحلال بسببه وذلك
[ 59 ] موجود في المبتوتة كوجوده في المتوفى عنها زوجها وعين الزوج ما كان مقصودا لها حتى يكون التحزن بفواته بل كان مقصودها ما ذكرنا من النعمة وذلك بفوتها في الطلاق والوفاة بصفة واحدة بخلاف العدة من نكاح فاسد والوطئ بشبهة لانه ما فاتها نعمة بل تخلصت من الحرام بالتفريق بينهما وصفة الحداد ان لا تتطيب ولا تدهن ولا تلبس الحلى ولا الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران لان المقصود من هذا كله التزين وهو ضد إظهار التحزن ولانه من أسباب رغبة الرجال فيها وهى ممنوعة من الرجال ما دامت معتدة ولا ثوب عصب ولا خز لتتزين به قيل هو البرد اليماني والاصح انه القصب وفي النوادر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بأن تلبس القصب والخز الاحمر وتأويل ذلك إذا لبست ذلك لا على قصد التزين به فاما على قصد التزين به فهو مكروه كما قال في الكتاب ولا تدهن رأسها لزينة فان الدهن أصل الطيب الا ترى ان الروائح تلقى فيه فيصير غالية وان استعملت الدهن على وجه التداوى بان أشتكت رأسها فصبت عليه الدهن جاز لان العدة لا تمنع التداوى وانما تمنع من التزين ولا تكتحل للزينة أيضا فان أشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل بالكحل الاسود لما روى ان المتوفى عنها زوجها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاكتحال في الابتداء فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغت الباب دعاها فقال قد كانت احداكن في الجاهلية الحديث وتأويله أنه وقع عنده صلى الله عليه وسلم أنها لا تقصد الزينة بالاكتحال في الابتداء فأذن لها ثم علم أن قصدها الزينة فمنعها وان لم يكن لها الا ثوب مصبوغ فلا بأس بأن تلبسه من غير أن تريد الزينة بذلك لانها لا تجد بدا من ستر عورتها وإذا لم تجد سوى هذا الثوب فمقصودها الستر لا الزينة والاعمال بالنيات وأما المطلقة طلاقا رجعيا فلا بأس بأن تتطيب وتتزين بما أحبت من الثياب لان نعمة النكاح والحل ما فاتت بعد لان الزوج مندوب إلى أن يراجعها والتزين مما يبعثه على مراجعتها فتكون مندوبة إليه أيضا فأما الكتابية تحت مسلم إذا فارقها أو توفى عنها فليس عليها أن تتقي في عدتها شيئا من الطيب والزينة لان الحداد في العدة لحق الشرع وهى لا تخاطب بالشرائع وفى الكتاب قال لان الذى فيها من الشرك والذى تترك من فرائض الله تعالى أعظم من هذا (قال) وتتقى المملوكة المسلمة في عدتها ما تتقى منه الحرة الا الخروج لانها مخاطبة بحق الشرع كالحرة وانما لا تمنع من الخروج لحق مولاها في خدمته ولا حق للمولى
[ 60 ] في تطيبها وتزينها في العدة لانها محرمة عليها ما لم تنقض عدتها (قال) وليس على الصبية أن تتقى شيئا من ذلك عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه هي كالبالغة وعلى الولى أن يمنعها من التطيب والتزين كما يمنعها من شرب الخمر وحرمتها لحق الشرع وكما يجب عليها أصل العدة لحق الشرع لانا نعلم يقينا فراغ رحمها من ماء الزوج فكذلك الحداد في العدة يجب عليها إذا توفي عنها زوجها ولكنا نقول هي لا تخاطب بحق الشرع بما هو أعظم من الحداد من الصوم والصلاة والحداد في معني شكر النعمة لانه اظهار التحزن على فوت نعمة الزوجية وليس عليها ذلك شرعا بخلاف أصل العدة فقد قال بعض مشايخنا هي لا تخاطب بالاعتداد ولكن الولى يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضى المدة فثبوتها في حقها لا يؤدى إلى توجه خطاب الشرع عليها بخلاف الحداد فيها (قال) وليس على أم الولد في عدتها اتقاء شئ من ذلك لان عدتها من السيد انما تجب عند العتق وفيه تخلصها من الرق ووصولها إلى نعمة الحرية فلا يفوتها بها شئ من النعمة لتأسف على ذلك وما كان من حال الوطئ بينها وبين المولى فقد كان بسبب هو عقوبة في حقها وهو الرق فلا يعد نعمة وكرامة ولهذا لا يثبت به الاحصان فعدتها بمنزلة العدة من نكاح فاسد وقد بينا فيما سبق أنهما لا يمنعان من الخروج في عدتهما فكذلك لا يمنعان من التزين ألا ترى أن امرأة رجل لو تزوجت ثم دخل بها الزوج ثم فرق بينهما ثم ردت إلى الزوج الاول كان لها أن تتزين وتتشوف إلى زوجها الاول وعليها عدة الآخر ثلاث حيض (قال) رجل اشترى امرأته وهى أمة قد ولدت منه فسد النكاح وقد كانت حلالا ثم بالملك فلا بأس بأن تتزين له وتتطيب لانها غير معتدة في حقه لان العدة أثر النكاح وكما أن الملك ينافى أصل النكاح ينافى أثره ولانه يحل له وطؤها بسبب الملك فلا بأس بأن تتطيب له وتتزين ليزداد رغبة فيها ولو أراد أن يزوجها رجلا لم يجز حتى تحيض حيضتين لانها معتدة في حق غيره فان الفرقة وقعت بينها وبين زوجها بعد الدخول بسبب الملك وذلك لا ينفك عن عدة فجعلناها في حق غيره كالمعتدة وان لم يكن في حقه فان أعتقها فعليها ثلاث حيض لانها صارت أم ولد له حين اشتراها بعدما ولدت منه بالنكاح وعلى أم الولد ثلاث حيض بعد العتق ثم تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الاوليين اللتين كانتا عليها من قبل النكاح استحسانا وفى القياس ليس عليها ذلك لان الحداد لا يلزمها عند وقوع الفرقة فكيف يلزمها
[ 61 ] بعد ذلك وبالعتق انما يفوتها الحل الذى كان قائما قبله وقد بينا ان ذلك ليس بنعمة وجه الاستحسان ان العدة وجبت عليها بالفرقة ولكن لم يظهر ذلك لحق المولى لكونها حلالا له بالملك وقد زال ذلك بالعتق فظهرت تلك العدة في حق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح صحيح يجب فيها الحداد وانما كانت تتطيب تقديما لحق المولى على حق الشرع حين كانت حلالا له وقد زال ذلك بالعتق فاما الحيضة الثالثة فلا حداد عليها لان ذلك لم يلزمها بسبب النكاح بل بسبب العتق لكونها أم ولد ولا حداد على أم الولد في عدتها من سيدها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب المتعة والمهر) * اعلم بأن العلماء مختلفون في المتعة في فصول (أحدها) ان المتعة واجبة عندنا وقال مالك رضى الله تعالى عنه هي مستحبة لظاهر قوله تعالى حقا على المتقين وفى موضع آخر حقا على المحسنين وفي هذا إشارة إلى أنها مستحبة فان الواجب يكون حتما على المتقين وغير المتقين ولما أمر شريح رضي الله تعالى عنه المطلق بان يمتعها قال ليس عندي ما أمتعها به فقال ان كنت من المحسنين أو من المتقين فمتعها ولم يجبره ولان المتعة غير واجبة قبل الطلاق فلا تجب بالطلاق لانه مسقط لا موجب ولو وجبت انما تجب باعتبار ملك النكاح وبالطلاق قبل الدخول أزال الملك لا إلى أثر فكيف تجب المتعة باعتبار الملك (ولنا) في ذلك قوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف فان الله سبحانه وتعالى أضاف المتعة اليهن بلام التمليك ثم قال حقا وذلك دليل وجوبه وقال على المتقين وكلمة على تفيد الوجوب والمراد بالمتقين والمحسنين المؤمنون والمؤمن هو الذى ينقاد لحكم الشرع وقال الله تعالى ومتعوهن أمر به والامر للوجوب وقال الله تعالى فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ولان الفرقة وقعت بالطلاق بعد صحة النكاح فلا تنفك عن الواجب لها كما إذا كان في النكاح مسمى ثم عندنا لا تجب المتعة الا لمطلقة واحدة وهى المطلقة قبل المسيس والفرض وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب المتعة الا لمطلقة واحدة وهى المطلقة بعد المسيس إذا كان مهرها مسمى فانما يتحقق الاختلاف في المطلقة بعد الدخول عندنا لها المهر المسمي أو مهر المثل إذا لم يكن في النكاح تسمية وليس لها متعة واجبة ولكنها مستحبة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها متعة واجبة لعموم
[ 62 ] قوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين الا انا خصصنا المطلقة قبل المسيس بعد الفرض من هذا العموم بالنص وهو قوله تعالى فنصف ما فرضتم فجعل كل الواجب نصف المسمى ولان وجوب المتعة لمراعاة حق النكاح فأما المسمي أو مهر المثل فانما يسلم لها بالدخول فتبقى المتعة لها بحق النكاح بخلاف المطلقة قبل المسيس بعد فرض لان نصف المفروض لها بحق النكاح إذا لم يكن بينهما سبب سوى النكاح وهنا بينهما سبب سوي النكاح وهو الدخول فلا حاجة إلى ايجاب المتعة هنا (ولنا) انها انما استحقت جميع المهر على زوجها فلا تستحق المتعة مع ذلك كالمتوفى عنها زوجها وهذا لان النكاح حق معاوضة وبعد تقرر الفرض لا حاجة إلى شئ آخر توضيحه ان المتعة لا تجامع نصف المسمى وهو ما إذا طلقها قبل المسيس بعد الفرض فلان لا تجامع جميع المسمى أولى وتحقيق هذا ان المتعة تجب خلفا عن مهر المثل فان أوان وجوبها بعد الطلاق ولا يمكن ايجابها أصلا بسبب الملك لان ما يجب بالملك أصلا لا يتوقف وجوبه على زوال الملك فعرفنا انها وجبت خلفا لان بالخلف يبقي ما كان ثابتا من الحكم ولا يجمع بين الخلف والاصل بحال وإذا وجب لها المهر الذى هو الاصل كله أو بعضه لا تجب المتعة فأما المطلقة قبل المسيس والفرض فهى لا تستوجب شيئا من الاصل فتجب لها المتعة وانما قلنا انها مستحبة لقوله تعالى فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وقد كان دخل بهن فدل أن المتعة متسحبة في هذه الحالة وهو مروى عن ابن عباس وشريح رضى الله تعالى عنهما وكذلك كل فرقة جاءت من قبل الزوج بأى سبب كانت وكل فرقة جاءت من قبل المرأة فلا شئ لها من المهر ولا من المتعة لان المتعة بمنزلة نصف المسمى فكما أن في النكاح الذى فيه التسمية لا يجب من المسمى شئ إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول بها فكذلك في النكاح الذى لا تسمية فيه لا تجب المتعة إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول بها (قال) وأدنى ما تكون المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة وللشافعي رحمه الله تعالى قولان (أحدهما) أنه شئ نفيس يعطيها الزوج تذكرة له وقد بينا هذا في كتاب النكاح (والثانى) أن المتعة ثلاثون درهما وهذا ليس بصحيح قان الله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف واسم المتاع لا يتناول الدراهم وتقدير المتعة بالثياب مروى عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبى رحمهم الله تعالى وكان ابن عباس رضى الله عنه يقول أرفع المتعة الخادم وأوسط المتعة الكسوة
[ 63 ] وأدناها النفقة ثم المعتبر في المتعة حالة الرجل لقوله تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وكان الكرخي رضى الله عنه يقول هذا في المستحبة فأما في المتعة الواجبة يعتبر حالها لانها خلف عن مهر المثل وفى مهر المثل يعتبر حالها فكذلك في المتعة وهذا الذى قاله ليس بقوى لان الاعتبار بحاله أو بحالها فيما يكون واجبا ويدخل تحت الحكم وفى المستحب هذا لا يكون ولان الله تعالى قال على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وكلمة على للوجوب فإذا طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا فلها نصف المسمى بالنص والقياس فيه أحد الشيئين إما وجوب جميع المسمى لان الزوج هو الذى فوت الملك على نفسه باختياره فلا يسقط حقها في البدل كالمشترى إذا أتلف المبيع قبل القبض أو أن لا يجب شئ لان المعقود عليه عاد إليها كما خرج عن ملكها وذلك مسقط للبدل كما إذا انفسخ البيع بخيار أو باقالة ولكنا تركنا القياس بالنص وفيه طريقان لمشايخنا رحمهم الله (أحدهما) أن الطلاق يسقط جميع المسمى كما يسقط جميع مهر المثل وانما لها نصف المسمى بطريق المتعة (والثانى) أن بالطلاق هنا لا يسقط الا نصف المسمى لانه متأكد بالعقد والتسمية جميعا بخلاف مهر المثل وهذا أصح فانه لو تزوجها على ابل سائمة وحال الحول عليها ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها نصف الزكاة ولو سقط جميع المسمى ثم وجب النصف بطريق المتعة لما لزمها شئ من الزكاة ثم المسمى وان تنصف بالطلاق فكل واحد منهما مندوب إلى العفو قال الله تعالى الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح والذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الزوج وهو قول ابن عباس وشريح رضي الله تعالى عنهما وقال مالك رحمه الله الذى بيده عقدة النكاح وليها حتى ان على مذهبه إذا أبت المرأة أن تسقط نصيبها يندب الولى إلى اسقاط ذلك ويصح ذلك منه وهذا فاسد لانه دين واجب لها أو عين مملوكة لها فلا يملك الولى اسقاط حقها عنه ولكن المراد أنها تندب إلى العفو بأن تقول لم يتمتع بى شيئا فلا آخذ من ماله شيئا أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح وهو الزوج بأن يقول اخترت فراقها فلا أمنعها شيئا من صداقها فيعطيها جميع المهر وظاهر الآية يدل على ذلك لان الذى بيده عقدة النكاح من يتصرف بعقد النكاح وهو الزوج دون الولى وان طلقها قبل أن يدخل بها وقد تزوجها على مهر فاسد كالخمر والخنزير فلها المتعة عندنا ونصف مهر المثل عند الشافعي عنه رضى الله عنه لان مهر المثل وجب بنفس العقد هنا بالاتفاق فيتنصف بالطلاق قبل الدخول كالمسمى
[ 64 ] ولكنا نقول تنصف المسمى ثبت بالنص بخلاف القياس والمخصوص من القياس بالنص لا يقاس عليه غيره وقد بينا أن مهر المثل ليس في معني المسمى من كل وجه فانما لها المتعة بالنص وفى النكاح الفاسد إذا فرق بينهما قبل الدخول والخلوة أو بعد الخلوة والزوج منكر للدخول فلا شئ عليه لها لان وجوب المتعة اما لمراعاة حق النكاح أو ليكون خلفا عن مهر المثل وما هو الاصل لا يجب في النكاح الفاسد قبل الدخول فكذلك ما هو خلفه والعبد بمنزلة الحر في وجوب المهر والمتعة عليه إذا كان النكاح باذن المولى لانه مساو للحر في سبب وجوبهما وهو النكاح فكذلك في الواجب بالسبب (قال) وإذا طلق الرجل احدى امرأتيه ثم مات وقد فرض لاحداهما مهرا ولم يفرض للاخرى والتي سمى لها مهرا لا تعرف بعينها ومهر مثلهما سواء فلهما مهر وربع مهر بينهما سواء لان أكثر ما يكون لهما مهر ونصف مهر وهو ان يكون الطلاق وقع على التى سمى لها المهر فيكون لها نصف المهر بالطلاق قبل الدخول وللاخرى مهر كامل لتقرر نكاحها بالموت وأقل ما يكون لهما مهر واحد وهو ان يكون الطلاق وقع على التى لم يفرض لها مهرا فيسقط جميع مهرها فمهر واحد لهما بيقين ونصف مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان الواجب مهرا وربع مهر وليست احداهما بأولى من الاخرى فيكون بينهما نصفين ولا شئ لهما من المتعة لان المتعة لا تجامع شيئا من المهر (قال) فان كانت التي سمي لها المهر معروفة فلها ثلاثة أرباع المهر لان الطلاق ان كان وقع عليها فلها نصف المهر وان كان وقع على صاحبتها فلها كل المهر فأعطيناها ثلاثة ارباع المهر باعتبار الاحوال وللاخرى نصف مهر مثلها لان الطلاق ان وقع عليها لم يكن لها شئ وان لم يقع عليها كان لها جميع مهر مثلها فأعطيناها نصف المهر باعتبار الاحوال وفى القياس لها نصف المتعة لان الطلاق ان وقع عليها فلها جميع المتعة وان لم يقع عليها فلا متعة لها فيكون لها نصف المتعة باعتبار الاحوال الا ان في الاستحسان لا شئ لها من المتعة لما بينا ان المتعة لا تجامع مهر المثل لانها خلف عنه وقد استحقت نصف مهر مثلها فلا يكون لها شئ من المتعة ولان مهر المثل قيمة بضعها فلا يجامعها بدل آخر كقيمة المبيع إذا وجبت في البيع الفاسد لا يجب معه بدل آخر كذا هنا (قال) وإذا وهبت المرأة لزوجها مهرها ثم طلقها قبل الدخول بها ولم تكن قبضت منه شيئا لم يكن لواحد منهما على صاحبه شئ وفي القياس يرجع عليها زوجها بنصفه وهو قول زفر رحمه الله تعالى ووجه القياس انها
[ 65 ] بالهبة استهلكت الصداق فكأنها قبضته ثم استهلكته فللزوج أن يرجع عليها بنصفه وجه الاستحسان ان مقصود الزوج سلامة نصف الصداق له عند الطلاق من غير عوض وقد حصل له هذا المقصود قبل الطلاق فلا يستوجب شيئا آخر عند الطلاق كمن عليه الدين المؤجل إذا عجله لم يجب لصاحب الدين عند حلول الاجل شئ وهذا لان الاسباب غير مطلوبة لاعيانها بل لمقاصدها فإذا كان ما هو المقصود واجبا حاصلا فلا عبرة باختلاف السبب وعلى هذا لو كان الصداق عينا فقبضته ثم وهبته من الزوج القياس ان هذا وهبتها من الأجنبي سواء فعند الطلاق يرجع الزوج عليها بنصفه وفي الاستحسان مقصود الزوج قد حصل بعود الصداق إليه بعينه من غير عوض (قال) ولو كان الصداق دينا فقبضته ثم وهبته من الزوج رجع الزوج عليها بنصفه عند الطلاق لان حق الزوج عند الطلاق هنا ليس في عين المقبوض ولكن الخيار إليها تعطيه من أي موضع شاءت فهبتها هذا المقبوض منه كهبتها مالا آخر وفى الاول حق الزوج عند الطلاق في نصف المقبوض بعينه وقد عادت إليه بالهبة وحكي عن زفر رحمه الله تعالى أنه قال إذا تزوجها على ألف درهم بعينها فقبضتها ثم وهبتها منه ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشئ بناء على أصله ان النفوذ في العقود يتعين ولكن هذا لا يستقيم الا أن يكون في المسألة روايتان عن زفر احداهما مثل جواب الاستحسان فيخرج هذا على تلك الرواية (قال) ولو قبضت منه النصف ووهبت له النصف ثم طلقها لم يرجع واحد منهما على صاحبه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يرجع عليها بنصف المقبوض وجه قولهما أن هبة نصف الصداق قبل القبض حط منه والحط يلتحق بأصل العقد ويخرج به المحطوط من أن يكون عوضا فكأنه تزوجها على ما بقى وقبضت منه ثم طلقها والجزء معتبر بالكل فيما وهبت وفيما قبضت وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لو قبضت النصف ولم نهب منه الباقي حتى طلقها لم يرجع عليها بشئ فلو رجع عليها بعد الهبة انما يرجع بسبب الهبة والهبة تبرع فلا توجب الضمان على المتبرع فيما تبرع به ولان ملكها في نصف الصداق قبل الدخول قوي وفي النصف ضعيف يسقط بالطلاق فيجعل المقبوض مما قوى ملكها فيه لان القبض مقرر للملك وانما يتقرر ملكها في المقبوض إذا تعين فيه النصف الذى سلم لها بعد الطلاق فتبين أنها وهبت النصف الذى كان للزوج بالطلاق وقد سلم له قبل الطلاق مجانا وعلى هذا لو قبضت ستمائة ووهبت له أربعمائة ثم طلقها قبل الدخول
[ 66 ] عند أبى حنيفة رحمه الله يرجع عليها بمائة لان الموهوب من النصف الذى كان يسلم للزوج بالطلاق وقد سلم له قبل الطلاق مجانا لان الموهوب من النصف الذى هو حق الزوج بعد الطلاق فانما بقى إلى تمام حقه مائة درهم وعندهما يرجع عليها بثلثمائة درهم لان المحطوط صار كأن لم يكن وانما يرجع عليها بنصف المقبوض (قال) ولو قبضت الصداق كله ووهبته لاجنبي ثم وهبه الاجنبي من الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصفه العين والدين سواء في ذلك لان مقصود الزوج سلامة نصف الصداق له من جهتها عند الطلاق ولم يسلم له ذلك وانما سلم له مال من أجنبي آخر بالهبة وتبدل المالك بمنزلة تبدل العين فكانت مستهلكة للصداق وكذلك لو كانت باعت الصداق من زوجها ثم طلقها رجع عليها بنصفه فان مقصوده لم يحصل فان العين انما وصلت إليه ببدل عقد ضمان (قال) ولو هبت الصداق لاجنبي قبل القبض فقبض الاجنبي ثم طلقها الزوج قبل الدخول رجع عليها بنصفه لان قبض الأجنبي بتسليطها كقبضها بنفسها (قال) ولو تزوجها على عبد ودفعه إليها ثم طلقها قبل ان يدخل بها فقضى للزوج بنصفه عليها فلم يقبضه حتى اعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور لان بقضاء القاضى عاد الملك في النصف إليه وهو ملك مضمون له في يدها فكان كالمغصوب وان كان العبد في يد الزوج فطلقها فلم تقبض نصفه حتى حدث به عيب فاحش فهى بالخياران شاءت أخذت نصفه ناقصا وان شاءت ضمنت الزوج نصف قيمته صحيحا لان ملكها بعد الطلاق في نصف العبد كملكها في جميعه قبل الطلاق ولو لم يطلقها حتى تعيب في يد الزوج كان لها الخيار ان شاءت أخذت الكل ناقصا وان شاءت ضمنته قيمته صحيحا فكذلك في النصف بعد الطلاق وان أعتقه الزوج بعد الطلاق جاز عتقه في نصفه لان بنفس الطلاق عاد الملك في نصفه إلى الزوج إذا لم تكن قبضته فهو كعبد بين اثنين يعتقه أحدهما (قال) وإذا تزوج الرجل ثلاث نسوة في عقدة واثنتين في عقدة وواحدة في عقدة ثم طلق احدى نسائه قبل ان يدخل منهن بواحدة ثم مات فلهن ثلاثة مهور لان أكثر مالهن ثلاثة مهور ونصف بان يصح نكاح الواحدة مع الثلاث فيجب أربعة مهور ثم يسقط بالطلاق قبل الدخول نصف مهر وأقل مالهن مهران ونصف بان صح نكاح الواحدة مع الثنتين فيجب ثلاثة مهور ثم يسقط نصف مهر بالطلاق فقدر مهرين ونصف لهن بيقين ومهر واحد يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لهن ثلاثة مهور للواحدة من ذلك سبعة أثمان مهر الا سدس ثم مهر
[ 67 ] لان نكاح الواحدة صحيح بيقين فان صح مع الثلاث فلها سبعة أثمان مهر لان الساقط بالطلاق نصف مهر حصتها ربع ذلك وهو ثمن المهر وان صح نكاحها مع الثنتين فلها خمسة أسداس المهر لان الساقط بالطلاق نصف مهر حصتها من ذلك ثلث ذلك النصف وهو سدس مهر انكسر المهر بالاسداس والاثمان فالسبيل أن تضرب الستة في ثمانية فتكون ثمانية وأربعين لها في الحالة الاولى سبعة أثمان وهو اثنان وأربعون وفى الحالة الثانية خمسة أسداس وهو أربعون فمقدار أربعين لها بيقين والسهمان نثبت في حال دون حال فتتنصف فيكون لها واحد وأربعون من ثمانية وأربعين وذلك سبعة أثمان مهر الا سدس ثمن مهر وللثلاث مهر وثمنا مهر ونصف ثمن مهر لان نكاحهن ان صح فلهن ثلاثة مهور أصابهن بالطلاق من الحرمان بقدر ثلاثة أرباع النصف وهو ثلاثة أثمان فيبقى لهن مهران وخمسة أثمان وان لم يصح نكاحهن فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وثمنا مهر ونصف ثمن مهر وللثنتين خمسة أسداس مهر لانه ان صح نكاحهما فقد كان لهما مهران وأصابهما حرمان ثلثى النصف بالطلاق فيبقى لهما مهر وثلثان وان لم يصح نكاحهما فلا شئ لهما فكان لهما خمسة أسداس مهر بينهما نصفان وحكم الميراث قد بيناه في كتاب النكاح ان للواحدة سبعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ميراث النساء والباقى بين الفريقين الآخرين نصفان في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما للثلاث من الباقي تسعة أسهم وللثنتين ثمانية أسهم وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا (قال) وإذا تزوج ثلاثا في عقدة واثنتين في عقدة وأربعا في عقدة ثم طلق احدى نسائه قبل الدخول ثم مات فلهن مهران ونصف مهر لان أكثر مالهن ثلاثة مهور ونصف بأن كان السابق نكاح الاربع فوجب أربعة مهور ثم سقط بالطلاق نصف مهر وأقل مالهن مهر ونصف بأن كان السابق نكاح الثنتين فوجب مهران ثم سقط بالطلاق نصف مهر فمهر ونصف لهن بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثة مهور ونصف وذلك مهران يجب في حال دون حال فيتنصف فلهن مهران ونصف فاما مهر من ذلك لا دعوى فيه للثنتين والفريقان الآخران يدعيانه فيكون بين الفريقين نصفين وقد استوت منازعة الفرق الثلاثة في مهر ونصف فكان بينهن أثلاثا فيسلم للثنتين نصف مهر وللثلاث مهر وللاربع مهر وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ولم يذكر قول محمد رحمه الله تعالى وتخريجه على الاصل الذى بيناه في كتاب
[ 68 ] النكاح انه يعتبر حال كل فريق على حدة فان صح نكاح الاربع فلهن ثلاثة مهور ونصف وان لم يصح فلا شئ لهن ونكاحهن يصح في حال دون حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر وسدس مهر وللثلاث ان صح نكاحهن فلهن مهران ونصف ونكاحهن يصح في حال دون حالين فلهن ثلث ذلك وهو خمسة أسداس مهر والثنتان ان صح نكاحهما فلهما مهر ونصف ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك وهو نصف مهر والميراث بين الفرق الثلاث أثلاثا لكل فريق ثلثه ربعا كان أو ثمنا لان حالهن في استحقاق الميراث سواء وعلى كل واحدة منهن عدة الوفاة (قال) ولو كان دخل بامرأتين لا يعرفان باعيانهما ثم طلق احدى نسائه واحدة وطلق الاخرى منهن ثلاثا ثم تزوج واحدة بعد انقضاء العدة معناه بعد انقضاء مدة العدة فان ابتداء العدة في الطلاق المبهم من وقت البيان ثم مات كان للمرأة الاخيرة التى تزوجها المهر كاملا لان نكاحها صحيح واقدامه على النكاح يكون اقرارا منه بفساد نكاح الاربع لان المسلم انما يباشر العقد الصحيح وبعد ما صح نكاح الاربع لا يصح نكاح هذه الواحدة فكان هذا بيانا منه ان نكاح الاربع فاسد والبيان يكون تارة بالنص وتارة يكون بالدليل فلا مهر للاربع ولا ميراث ولا عدة عليهن وللواحدة جميع مهرها لانه ما أنشأ طلاقها بعد صحة نكاحها وعليها عدة المتوفى عنها زوجها ولها من الميراث خمسة أسهم من اثنى عشر سهما لانه ان صح نكاحها مع الثلاث كان لها أربعة وان صح نكاحها مع الثنتين كان لها ستة فلهذا أعطيناها خمسة من اثنى عشر وللثلاث أربعة من اثنى عشر لانه ان صح نكاحهن فلهن ثلثا المهر ثمانية وان لم يصح فلا شئ لهن وللثنتين ثلاثة أسهم من اثنى عشر لانه ان صح نكاحهما فلهما ستة من اثنى عشر نصف الميراث وان لم يصح فلا شئ لهما وللثلاث مهر ونصف لانه ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور وان لم يصح فلا شئ لهن وللثنتين مهر ونصف وعلى الثلاث والثنتين عدة النساء أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض لتوهم الدخول والطلاق بعده في حق كل واحدة منهن وهذا الجواب كله غلط غير صحيح أما في حق الواحدة فجوابه في الميراث غلط لان نكاحها ان صح مع الثنتين فقد وقع الطلاقان على الثنتين وهما متعينتان وقد انقضت عدتهما فالميراث كله للواحدة وان كان الصحيح نكاح الثلاث فلها ثلث الميراث فمقدار الثلاث لها بيقين والثلثان ثابتان في حال دون حال فيتنصفان فينبغي أن يكون لها ثلثا
[ 69 ] الميراث وفي الثلاث جوابه كذلك في الميراث صحيح وفي المهر غلط لانه ان صح نكاحهن فلهن ثلثا الميراث وان لم يصح فلا شئ لهن فلهن ثلث الميراث أربعة من أثنى عشر وأما في حق المهر فان صح نكاحهن فقد تقرر مهران بالدخول لاثنتين منهن والثالثة ان وقع الطلاق عليها فلها نصف وان لم يقع فلها مهر كامل فيكون لها ثلاثة أرباع مهر فجملة مالهن ان صح نكاحهن مهران وثلاثة أرباع مهر وان لم يصح فيكون لهن مهر وثلاثة أثمان مهر لامهر ونصف وفي حق الثنتين جوابه في الميراث والمهر جميعا غلط لانا نتيقن انه لا ميراث لهما فانه ان صح نكاحهما فقد وقع الطلاق عليهما وانقضت عدتهما وان لم يصح نكاحهما فلا شئ لهما وفي المهر ان صح نكاحهما فلهما مهران وان لم يصح فلا شئ فينبغي ان يكون لهما مهر واحد لا مهر ونصف فعرفنا ان جواب الكتاب غير سديد (قال) ولو لم يدخل بشئ منهن ولم يتزوج شيئا وكانت احدى الثلاث أم احدى الاربع والحال على ما وصفت لك فان الام والبنت لا ينقصان من مهر ولا ميراث من قبل ان الفريق الذى معها نكاحهن ونكاحها جائز أو فاسد إذ لا تصور لجواز نكاح الفريقين فلا يتحقق الجمع بين الام والبنت فلهذا كان هذا والفصل الاول سواء (قال) ولو طلق احدى الثلاث كان ذلك اقرارا منه بان الثلاث هن الاول لان تصرفه بايقاع الطلاق محمول على الصحة ما أمكن وذلك لا يكون الا بعد صحة النكاح وكذلك لو ظاهر من احداهن أو دخل باحداهن كان ذلك بيانا منه ان نكاحهن صحيح فهذا والتصريح بالبيان سواء ثم تخريج المسألة في المهر والميراث قد بيناه في كتاب النكاح (قال) ولو كانت احدى الاربع أمة لم يكن لها من الميراث ولا من المهر شئ لانا تيقنا بفساد نكاحها اما بتأخر العقد أو بالضم إلى الحرائر فإذا فسد نكاحها بقي ثلاث وثلاث واثنتان فان طلق احدى نسائه ثم مات فلهن مهران لان أكثر مالهن مهران ونصف بان صح نكاح الثلاث ووجب ثلاثة مهور ثم سقط نصف مهر بالطلاق وأقل مالهن مهر ونصف بأن صح نكاح الثنتين فقدر مهر ونصف يقين ومهر واحد يثبت في حال دون حال فيتنصف فلهن مهران فاما نصف مهر من ذلك لا منازعة للثنتين فيه ليكون بين الفريقين الآخرين نصفين وقد استوت منازعة الفرق الثلاث في مهر ونصف فيكون بينهن أثلاثا وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فأما تخريج محمد رحمه الله تعالى على ما أشرنا إليه في اعتبار حال كل فريق على حدة ويتضح عند التأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
[ 70 ] بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب ما تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق) * (قال) رضي الله عنه وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي حرام فانه يسأل عن نيته لانه تكلم بكلام مبهم محتمل لمعان وكلام المتكلم محمول على مراده ومراده انما يعرف من جهته فيسأل عن نيته فان نوى الطلاق فهو طلاق لانه نوى ما يحتمله كلامه فانه وصفها بالحرمة عليه وحرمتها عليه من موجبات الطلاق ثم ان نوى ثلاثا فهو ثلاث لان حرمتها عليه عند وقوع الثلاث فقد نوى نوعا من أنواع الحرمة وان نوى واحدة بائنة فهى واحدة بائنة لانه نوى الحرمة بزوال الملك ولا يحصل ذلك الا بالتطليقة البائنة ومن أصلنا أن الزوج يملك الابانة وازالة الملك من غير بدل ولا عدد على ما نبينه ان شاء الله تعالى وان نوى اثنتين فهى واحدة بائنة عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى يقع اثنتان لقوله صلى الله عليه وسلم وانما لكل امرئ ما نوى ولان الثنتين بعض الثلاث فإذا كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ فنية الثنتين أولى ألا ترى أنها لو كانت أمة كان يصح نية الثنتين في حقها بهذا اللفظ فكذلك في حق الحرة ولكنا نقول نية الثنتين فيه عدد وهذا اللفظ لا يحتمل العدد لانها كلمة واحدة وليس فيها احتمال التعدد والنية إذا لم تكن من محتملات اللفظ لا تعمل فاما صحة نية الثلاث ليس باعتبار العدد بل باعتبار انه نوى حرمة وهي الحرمة الغليظة فانها لا نثبت بما دون الثلاث فاما الثنتان فلا يتعلق بهما في حق الحرة حرمة لا تثبت تلك الحرمة بالواحدة فبقى مجرد نية العدد بخلاف الامة فان الثنتين في حقها بوجب الحرمة الغليظة كالثلاث في حق الحرة وهذا بخلاف ما إذا طلق الحرة واحدة ثم قال لها أنت على حرام ونوى اثنتين حيث لا تعمل نيته لان الحرمة الغليظة لا تحصل بهما بل بهما وبما تقدم فكان هذا مجرد نية العدد وان نوى الطلاق ولم ينو عددا فهذه واحدة بائنة لان نية الطلاق قد صحت فيقع القدر المتيقن وهو الواحدة وان لم ينو الطلاق ولكن نوى اليمين كان يمينا فان تحريم الحلال يمين قال الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله إلى قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم جاء في التفسير انه حرم مارية القبطية على نفسه وفي بعض الروايات حرم العسل على نفسه وروى الضحاك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضى الله تعالى
[ 71 ] عنهم في هذا اللفظ انه لو نوى الطلاق فهو طلاق وان نوى اليمين فهو يمين وعن ابن عمر رضى الله عنه قريبا منه وعن زيد رضى الله عنه قال يمين يكفرها والشافعي رحمه الله تعالى يقول تحريم الحلال لا يكون يمينا ولكن تجب به الكفارة في الزوجة والامة خاصة وكذلك ان لم يكن له نية فهو يمين لان الحرمة الثابتة باليمين دون الحرمة التي تثبت بالطلاق وعند الاحتمال لا يثبت الا القدر المتيقن فكان يمينا ان قربها كفر عن يمينه للحنث وان لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالايلاء وكذلك لو نوى الايلاء فهو ونية اليمين سواء وان نوى الكذب فهو كذب لا حكم له لان كلامه من حيث الظاهر كذب فانه وصفها بالحرمة وهي حلال له قالوا هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما في القضاء فلا يدين لان كلام العاقل محمول على الصحة والعمل به شرعا فلا يلغي مع امكان الاعمال وفي حمله على الكذب الغاؤه ولم يذكر في الكتاب مالو قال نويت به الظهار وذكر في النوادر أنه يكون ظهارا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لانها تحرم عليه بالظهار كما تحرم عليه بالطلاق فكان ما نوى من محتملات لفظه وعند محمد رحمه الله تعالى لا يكون ظهارا لان الظهار تشبيه المحللة بالحرمة فبدون حرف التشبيه وهو الكاف لا يثبت الظهار وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى في هذا ونظائره من الكنايات وهى ثلاث لا يدين في شئ لانه وصفها بكونها محرمة عليه والحرمة لا تثبت صفة للمحل الا بزوال صفة الحل لاستحالة اجتماع الضدين في محل واحد وصفة الحل لا تزول الا بالتطليقات الثلاث فكان وقوع الطلاق موجبا لهذا اللفظ حقيقة فلا يدين في شئ آخر ولكنا نقول وصفها بالحرمة والحرمة أنواع ولها أسباب فإذا نوى نوعا أو سببا كان المنوي من محتملات كلامه فتصح نيته (قال) ولو قال كل حل علي حرام يسأل عن نيته فإذا نوى يمينا فهو يمين ولا تدخل امرأته فيه الا أن ينويها فإذا لم ينو حمل ذلك على الطعام والشراب حاصة وفي القياس وهو قول زفر رحمه الله تعالى كما يفرغ من يمينه يحنث وتلزمه الكفارة فان فتح العينين والقعود والقيام حل داخل في هذا التحريم فكان شرط الحنث عقيب التحريم موجودا ولكنا نقول علمنا يقينا انه لم يرد به العموم لان البر مقصود الحالف ولا تصور للبر إذا حمل على العموم فادا لم يمكن اعتبار معنى العموم فيه حمل على المتعارف وهو الطعام والشراب الذى به قوام النفس ولا تدخل المرأة فيه الا أن ينويها لان ادخالها بدون النية لمراعاة العموم وقد تعذر ذلك والعادة ان المرأة إذا
[ 72 ] قصدت بالتحريم تخص بالذكر فان نواها دخلت فيه لان المنوي من محتملات لفظه ولكن لا يخرج الطعام والشراب حتى إذا أكل أو شرب أو قرب امرأته حنث لان ظاهر لفظه للطعام والشراب ولا يدين في صرف اللفظ عن ظاهره فإذا حنث سقط عنه الايلاء لان الكفارة لزمته وارتفعت اليمين وان لم يكن له نية فهو يمين يكفرها لان الحرمة باليمين أدنى الحرمات وان نوى الطلاق فالقول فيه كالقول في المسألة الاولى وعند نية الطلاق لا يكون يمينا لانه لفظ واحد فلا يسع فيه معنيان مختلفان والطلاق غير اليمين فإذا عملت نيته في الطلاق سقط اعتبار معنى اليمين وعلى هذا روى عيسى بن أبان عن أبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى انه لو قال لامرأتين أنتما على حرام ينوى في احداهما الطلاق وفي الاخرى اليمين انه يكون طلاقا فيهما جميعا وكذلك لو نوى في احداهما الطلاق ثلاثا وفى الاخرى واحدة يكون ثلاثا فيهما جميعا لانه كلام واحد فلا يحتمل معنيين مختلفين وان نوى الكذب فهو كذب كما بينا في الفصل الاول (قال) وإذا قال لامرأته قد حرمتك على أو قد حرمتك أو أنت على حرام أو أنا عليك حرام أو حرمت نفسي عليك أو أنا عليك حرام أو أنت على محرمة فالقول في ذلك كالقول في الحرام لان الحرمة تثبت من الجانبين فيصح اضافتها إلى نفسه كما يصح اضافتها إليها وذكر الفعل وهو قوله حرمتك بمنزلة ذكر الوصف لانها لا تصير محرمة عليه الا بفعله ولو قال أنت على كمتاع فلان ينوى به الطلاق أو الايلاء فهذا ليس بشئ لانه ما وصفها بالحرمة بهذا اللفظ فان متاع فلان ليس عينه بحرام الا ترى ان يحل له تناوله باذن المالك وعند عدم الاذن لا يحل لحق المالك لا لحرمة المحل حتى إذا لم يكن المالك محترما بان كان حربيا كان تناوله مباحا (قال) وإذا قال أنت على كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير أو الخمر يسأل عن نيته لانه شبهها بمحرم العين فان هذه الاعيان محرمة العين شرعا قال الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم الآية فكان هذا يمنزلة تحريمها على نفسه بقوله أنت على حرام وقد بينا أنه يسأل عن نيته والدليل على الفرق فصل الظهار فانه لو شبه امرأته بأجنبية لا يكون مظاهرا ولو شبهها بأمه يكون مظاهرا لان الام تكون محرمة عليه فهذا مثله (قال) ولو قال أنت منى بائن أو بتة أو خلية أو برية فان لم ينو الطلاق لا يقع الطلاق لانه تكلم بكلام محتمل فالبينونة تارة تكون من المنزل وتارة تكون في الصحبة والعشرة وتارة من النكاح واللفظ المحتمل لا
[ 73 ] يتعين فيه بعض الجهات بدون النية أو غلبة الاستعمال ولان بدون النية معنى الطلاق مشكوك في هذا اللفظ والطلاق بالشك لا ينزل وان نوى الطلاق فهو كما نوى ان نوى ثلاثا فثلاث لانه نوى اتم أنواع البينونة فان البينونة تارة تكون مع احتمال الوصل عقيبه وتارة تكون على وجه لا يحتمل الوصل عقيبه وهو الثلاث ما لم تتزوج بزوج آخر فعملت نيته وان نوي اثنتين فهى واحدة بائنة عندنا خلافا لزفر رحمه الله وقد بينا في الفصل الاول الكلام في هذا فان قوله بائن كلمة واحدة فلا تحتمل العدد وان نوى واحدة أو نوى الطلاق فقط فهى واحدة بائنة عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه هي واحدة رجعية وكذلك كل لفظ يشبه الفرقة إذا أريد به الطلاق كقوله حبلك على غاربك وقد خليت سبيلك ولا ملك لى عليك والحقى بأهلك واخرجي واستتري وتقنعى وقد وهبتك لاهلك ان قبلوها أو لم يقبلوها وقد أبنت نفسك منى أو أبنت نفسي منك فالجواب في هذا كله كما ذكرنا في قوله أنت منى بائن وقد نقل عن عمر رضى الله تعالى عنه في قوله حبلك على غاربك أنه طلاق إذا نوى ولان في هذه الالفاظ احتمال معنى زوال الملك فان من سيب ناقته يجعل حبلها على غاربها ويخلى سبيلها وفى قوله لا ملك لى عليك تصريح بنفي الملك وفي قوله الحقى بأهلك الزامها الالتحاق بأهلها وذلك بعد انقطاع النكاح بينهما وفى قوله اخرجي واستتري وتقنعي الزامها ما صرح به وانما يلزمها ذلك في حقه بعد زوال الملك وكذلك هبتها لاهلها تكون أمرا بالالتحاق بهم بازالة ملك نفسه عنها فإذا ثبت هذا كانت هذه الالفاظ كلها كلفظة البينونة وبعض المتأخرين من مشايخنا يسمون هذه الالفاظ كنايات وهو مجاز لا حقيقة لان عندنا هذه الالفاظ تعمل في حقائق موجباتها ولهذا يقع به التطليقة البائنة والكناية ما يستعار لشئ آخر فانما يستقيم هذا الاصل على أصل الشافعي رحمه الله تعالى فانه يجعل هذه الالفاظ كناية عن لفظ الطلاق ولهذا كان الواقع به رجعيا وكان محمد رحمه الله تعالى أشار إلى هذا المعنى في قوله وكذلك كل كلام تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق ثم الكلام بيننا وبين الشافعي رحمه الله تعالى ينبنى على أصل وهو ان عنده ازالة الملك بعد الدخول غير مملوك للزوج الا باشتراط البدل أو باستيفاء العدد وعندنا هو مملوك له كايقاع أصل الطلاق حتى لو قال لامرأته أنت طالق بائن عندنا تقع تطليقة بائنة وعنده تقع تطليقة رجعية واستدل فقال ان خيار الرجعة بعد ايقاع الطلاق ثابت شرعا في العدة لا بايجاب من الزوج فلا تصرف
[ 74 ] له في اسقاطه شرعا وفى وصف التطليقة بالبينونة اسقاط خيار الرجعة ولو صرح به فقال أنت طالق ولا رجعة لى عليك لم يسقط حق الرجعة فهنا أولى ولان ازالة ملك النكاح معتبر بازالة ملك اليمين تارة يكون بالمعارضة فيثبت بنفسه وتارة يكون بجهة التبرع فيتأخر إلى ما بعد القبض ولو أراد تغييره لا يملك ذلك حتى لو قال وهبت منك هبة توجب الملك بنفسه كان باطلا فكذلك ازالة ملك النكاح تارة يكون بعوض وهو الخلع فيثبت بنفسه وتارة يكون بغير عوض فيتأخر إلى ما بعد انقضاء العدة أو استيفاء العدد فلا يملك تغييره بتنصيصه لان هذا التنصيص تصرف منه في حكم الشرع لا في ملك نفسه ولان هذه الالفاظ دون لفظ الصريح حتى أنها لا تعمل الا بالنية فإذا كان الصريح الذى هو أقوي لا يزيل الملك بنفسه فهذا أولى وهذه الالفاظ كناية عن الطلاق غير عاملة بحقائق موجباتها فان حقيقة حرمتها عليه ان تكون مؤبدة كحرمة الامهات ولا يثبت ذلك بشئ من هذه الالفاظ فان ما يثبت بهذه الالفاظ الحرمة التي تثبت بالطلاق فعرفنا انها كناية عن الطلاق وحجتنا في ذلك ايقاع صفة البينونة تصرف من الزوج في ملكه فيكون صحيحا كايقاع أصل الطلاق وبيانه ان الطلاق بالنكاح مملوك للزوج وما صار مملوكا له الا لحاجته إلى التفصى عن عهدة النكاح وذلك بازالة ملك النكاح وكذلك قبل الدخول ازالة الملك مملوك للزوج وبالدخول يتأكد له ملكه فلا يبطل ما كان ثابتا له بالملك من ولاية الازالة وكذلك يملك الاعتياض عن ازالة الملك وانما يملك الاعتياض عما هو مملوك له فثبت ان الابانة مملوكة له فكان وصفه الطلاق الذى أوقع بالبينونة تصرفا منه في ملك نفسه فيجب إعماله ما أمكن وكان ينبغي على هذا الاصل ان يزول الملك بنفس الطلاق الا أن حكم الرجعة بعد صريح الطلاق ثبت شرعا بخلاف القياس وما ثبت شرعا بخلاف القياس لا يلحق به ما ليس في معناه وهذا ليس في معنى صريح لفظ الطلاق لانه يجامع النكاح ألا ترى أنها بعد الرجعة توصف بانها مطلقة ومنكوحة ولا توصف بانها مبانة ومنكوحة فإذا لم يكن في معني المنصوص يؤخذ فيه بأصل القياس ولان في قوله أنت طالق يحتمل الطلاق المبين وغير المبين فكان قوله بائنا لتعيين أحد المحتملين كما نقول الناس يكون محتملا للعموم والخصوص وإذا قال الناس كلهم يزول به هذا الاحتمال وكذلك إذا قال بعت يحتمل البيع بالخيار والبيع البات فإذا قال بيعا باتا يزول هذا الاحتمال وهذا بخلاف الهبة فانها لا توجب الملك لضعفها في نفسها
[ 75 ] حتى تتأيد بما يقويها وهو القبض وبشرطها لا تتقوى وهنا قوله أنت طالق لا يزيل الملك بنفسه لا لضعفه لانه قوى لازم بل لانه غير مناف للنكاح فإذا قال تطليقة بائنة فقد زال ذلك المعني حين صرح بما هو مناف للنكاح وهذه الالفاظ تعمل في حقائق موجباتها فان حرمتها عليه تثبت بهذا اللفظ مؤيدة عند نية الثلاث ولكن الزوج الثاني رافع للحرمة كما أن زوال الملك بالطلاق يثبت مؤبدا وان كان العقد بعده يوجب الملك الا أنه لا يمكن اثبات حقيقة موجب هذا اللفظ من جهة الزوج الا بالطلاق فلهذا وجب اعمال نيته في الطلاق وعلى هذا لو قال لها أنت حرة لان فيه معنى ازالة الملك فان النكاح رق وحريتها عنه تكون بازالته فأما إذا قال لها اعتدى فهذا اللفظ كناية لانه محتمل يحتمل أن يكون مراده اعتدى نعم الله أو نعمي عليك أو اعتدى من النكاح فإذا نوى به الطلاق وقعت تطليقة رجعية لان وقوع الطلاق ليس بحقيقة اللفظ فان حقيقته في الحساب فلا تأثير له في ازالة الملك والعدة تجامع النكاح ابتداء وبقاء ولكن من ضرورة عدتها من النكاح تقدم الطلاق فكان وقوع الطلاق بطريق الاضمار في كلامه فكأنه قال طلقتك فاعتدي ولهذا قلنا إنه وان تكلم بهذا اللفظ قبل الدخول تعمل نيته في الطلاق ولا عدة عليها قبل الدخول فعرفنا أن اللفظ غير عامل في حقيقته ولكن الطلاق فيه مضمر يظهر عند نيته عرفنا ذلك بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسودة حين أراد أن يطلقها اعتدى وكذلك قوله استبرئي رحمك بمنزلة التفسير لقوله اعتدى لانه تصريح بما هو المقصود من العدة وكذلك لو قال لها أنت واحدة لانه كلام محتمل يجوز أن يكون قوله واحدة نعتا لها أي واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس معك غيرك أو واحدة نساء العالم في الجمال ويحتمل أن يكون نعتا لتطليقة أي أنت طالق واحدة فلا يقع الطلاق به الا بالنية فإذا نوى يقع به تطليقة رجعية لان الوقوع بطريق الاضمار فكأنه صرح بما هو المضمر وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقع بهذا اللفظ شئ وان نوى لان قوله واحدة نعت لها وليس فيه احتمال معنى الطلاق أصلا ولكنا نقول كلام العاقل متى أمكن حمله على ما هو مفيد يحمل عليه فاما إذا قال لها أنت طالق يقع به تطليقة رجعية نوى أو لم ينو لان هذا اللفظ صريح في الطلاق عند النكاح لغلبة الاستعمال فلا حاجة إلى النية فيه ولانه يختص بالنساء ولا يذكر لفظ الطلاق الا مضافا إلى النساء وانما يذكر في غيرهن الاطلاق والمعنى المختص بالنساء النكاح فتعين الطلاق عن النكاح عند الاضافة إليها وكذلك ما يكون
[ 76 ] مشتقا من لفظ الطلاق كقوله قد طلقتك أو أنت مطلقة الا أنه روى عن محمد رحمه الله تعالى انه إذا قال أنت مطلقة باسكان الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا لا بالنية لان هذا اللفظ غير مختص بالنساء ولو نوى بقوله أنت طالق ثلاثا أو اثنتين لا تعمل نيته عندنا ولا يقع عليها الا واحدة رجعية وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى يقع ما نوى وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول لان الصريح أقوى من الكناية فإذا صح نية الثلاث في قوله أنت بائن فلان يصح في قوله أنت طالق أولى وهذا لان لفظ الطلاق محتمل للعدد حتى يفسر به فتقول أنت طالق ثلاثا وهو نصب على التفسير واذ قيل ان فلانا طلق امرأته يصح الاستفسار عن العدد فيقال كم طلقها ولان قوله أنت طالق أي طالق طلاقا فانها لا تكون طالقا الا بالطلاق ولو صرح بهذا ونوى الثلاث يصح ولانه لو قال لها طلقي نفسك ونوى به الثلاث صحت نيته فكذلك إذا قال طلقتك لان كل واحد منهما ذكر بلفظ الفعل وحجتنا في ذلك ان ابن عمر رضى الله تعالى عنه طلق امرأته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يراجعها ولم يستفسره انك أردت الثلاث أم لا ولم يحلفه على ذلك ولو كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ لحلفه كما حلف ابن ركانة رضى الله تعالى عنه في لفظ البتة والمعنى فيه انه نوى مالا يحتمله لفظه فلا تعمل نيته كما لو قال لها حجي أو زوري أباك أو اسقيني ماء من خارج ونوى به الطلاق وهذا لان المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن اللفظ وبمجرد النية لا يقع شئ وانما قلنا ذلك لان قوله أنت طالق نعت فرد فلا يحتمل العدد ألا ترى أنه يقال للمثني طالقان وللثلاث طوالق فيكون نعتا للنساء لا للطلاق وقوله طلقتك فعل وهو لا يحتمل العدد كقوله قمت وقعدت وأحد لا يخالف في هذا وانما تعمل النية عنده بما قال انها لا تكون طالقا الا للطلاق ولكن هذا ثابت بمقتضي كلامه ولا عموم للمقتضي عندنا لان ثبوته لتصحيح الكلام حتى لو صح بدون المقتضى لا يثبت المقتضى ويصح بدون صفة العموم في المقتضى ولان ذكر النعت يقتضى وصفا ثابتا للموصوف لغة فاما الوصف الثابت للواصف لتصحيح كلامه يكون ثابتا شرعا لا لغة والطلاق بهذه الصفة لان تقديم الايقاع لتصحيح كلامه شرعا وكذلك في قوله قد طلقتك فانه حكاية قوله ولا احتمال فيه لمعنى العدد ولا لمعني العموم بخلاف قوله طلقي نفسك فان نية العدد لا تعمل هناك عندنا حتى لو نوي الثنتين لا يصح ونية الثلاث انما تصح
[ 77 ] باعتبار معنى العموم لانه تفويض والتفويض قد يكون عاما وقد يكون خاصا والمفوض إليها بهذا اللفظ طلاق وذلك ثابت في هذا اللفظ لغة والطلاق بمنزلة أسماء الاجناس يحتمل العموم والخصوص فتعمل نيته في العموم ولسنا نقول في قوله ثلاثا انه نصب على التفسير بل هو منصوب بنزع حرف ؟ الخافض ؟ عنه معناه بثلاث كقوله ما هذا بشرا أو هو منصوب على طريق البدل عن مصدر محذوف ومعناه طلاقا ثلاثا وبأن صح الاستفسار عن العدد في الحكاية فذلك لا يدل على أنه من محتملات اللفظ كما يصح الاستفسار عن الشرط والبدل وأما إذا قال أنت طالق طلاقا فقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا تعمل نية الثلاث فيه لان المصدر يذكر لتأكيد الكلام يقال أكلت أكلا وقمت قياما فلا تسع فيه نية الثلاث ثم ولئن صحت نية الثلاث فلا تصح باعتبار العدد بل باعتبار معنى العموم لان المصدر يحتمل الكثرة قال الله تعالى وادعوا ثبورا كثيرا ولان المصدر يضارع الاسم فكان هذا وقوله أنت طالق الطلاق سواء وتصح نية الثلاث في قوله الطلاق لانه من أسماء الاجناس محتمل للعموم والخصوص ولان الالف واللام لاستغراق الجنس فيما لا معهود فيه وكذلك قوله أنت الطلاق فمعناه أنت طالق الطلاق حتى تسع فيه نية الثلاث وقد يذكر المصدر ويراد به الفعل يقال انما هو اقبال وادبار على سبيل النعت للمقبل والمدبر وعلى هذا لو قال أنت الطلاق يقع به الطلاق بمنزلة قوله أنت طالق وذكر ابن سماعة رحمه الله تعالى أن الكسائي رحمه الله تعالى بعث إلى محمد رحمه الله تعالى بفتوى فدفعها إلي فقرأتها عليه ما قول القاضى الامام فيمن يقول لامرأته فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن + + + + وان تخرقى يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة + + + ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم كم يقع عليها، فكتب في جوابه ان قال ثلاث مرفوعا تقع واحدة وان قال ثلاث منصوبا يقع ثلاث لانه إذا ذكره مرفوعا كان ابتداء فيبقى قوله أنت طالق فتقع واحدة وان قال ثلاثا منصوب على معنى البدل أول على التفسير يقع به ثلاث (قال) ولو قال لامرأته سرحتك أو فارقتك ولم ينو الطلاق لم يقع شئ عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه يقع الطلاق وهما صريح عنده لان كتاب الله تعالى ورد بهما في قوله تعالى وسرحوهن ولكنا نقول الصريح ما يكون مختصا بالاضافة إلى النساء فلا يستعمل في غير النكاح وهذا لا يوجد في هذين اللفظين
[ 78 ] فان الرجل يقول سرحت ابلى وفارقت غريمي أو صديقى فهما كسائر الالفاظ المبهمة لا يقع بهما الطلاق الا بالنية (قال) ولو قال اذهبي ونوى به الطلاق كان طلاقا موجبا للبينونة لانه لا يلزمها الذهاب الا بعد زوال الملك فان قال اذهبي وبيعي ثوبك ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وكان طلاقا في قول زفر رحمه الله تعالى ذكره في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى لان نية الطلاق عاملة في قوله اذهبي وقوله بيعي ثوبك مشورة فلا يتغير به حكم اللفظ الاول وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول معني كلامه اذهبي لتبيعي ثوبك فكان مصرحا بخلاف المنوي فلهذا لا تعمل نيته (قال) ولو قال أنا منك طالق فليس هذا بشئ وان نوى الطلاق عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يقع به الطلاق إذا نوى الوقوع عليها لانه لو قال أنا منك بائن أو أنا عليك حرام ونوى به وقوع الطلاق يقع ولفظ الصريح أقوى من لفظ الكناية وهذا لان ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى سميا متناكحين ويبتدأ في النكاح بذكر كل واحد منهما وينتهى النكاح بموت كل واحد منهما حتى يرث كل واحد منهما من صاحبه فيصح اضافة الطلاق إلى كل واحد منهما الا ان اضافة الطلاق إلى الزوج غير متعارف فيحتاج فيه إلى النية ومحل وقوع الطلاق المرأة فلابد من نية الوقوع عليها كما في ألفاظ الكنايات وحجتنا في ذلك ما روى ان امرأة قالت لزوجها لو كان إلي ما اليك لرأيت ماذا أصنع فقال جعلت اليك ما إلي فقالت طلقتك فرفع ذلك إلى عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنه فقال فض الله فاها هلا قالت طلقت نفسي منك وفي الكتاب علل فقال لان الزوج لا يكون طالقا من امرأته ومعنى الطلاق هو الاطلاق والارسال وقيد الملك في جانبها لا في جانبه ألا ترى انها لا تتزوج بغيره والزوج يتزوج بغيرها فلا يتحقق الارسال في جانبه ولهذا يكون الوقوع عليها لا عليه فانما هو مطلق لها كما يكون المولي معتقا لعبده ولو قال للعبد أنا حر منك لم يعتق العبد فكذلك الطلاق وبه فارق لفظ البينونة والحرمة لان البينونة قطع الوصلة والوصلة مشتركة بينهما الا ترى انه يقال بانت عنه وبان عنها وكذلك لفظ الحرمة يقال حرم عليها وحرمت عليه وقد بينا أن هذه الالفاظ لم تعمل بحقائق موجباتها والذى يقول الملك مشترك كلام لا معني له بل الملك للزوج عليها خاصة حتى يتزوج المسلم الكتابية ولا يتزوج الكتابي المسلمة وفيه كلام طويل لاصحابنا رحمهم الله تعالى والاولى ان تقول ما ثبت لها بالنكاح ملك المهر والنفقة وذلك
[ 79 ] لا يقبل الطلاق وما ثبت له عليها ملك الحل وهو الملك الاصلى الذى يقابله البدل والطلاق مشروع لرفعه وانما يرفع الشئ عن المحل الوارد عليه دون غيره ثم الملك الذى يثبت في جانبها تبع للملك الثابت للزوج وما يكون تبعا في النكاح لا يكون محلا لاضافة الطلاق إليه عندنا كيدها ورجلها على ما نقرره في قوله يدك طالق ورجلك طالق (قال) ولو قال أنت طالق البتة سئل عن نيته فإذا نوى تطليقة واحدة فهى واحدة بائنة لان قوله البتة نعت للطلاق أي قاطع للنكاح كقوله بائن ولو نوى ثلاثا فثلاث وان لم يكن له نية فهى واحدة بائنة كما في قوله أنت بائن فان قال عنيت بقولى طالق واحدة وبقولي البتة أخرى تطلق اثنتين بائنتين لان الرجل لو قال لامرأته أنت بتة ونوى به الطلاق تعمل نيته فكذلك إذا نوى بلفظة البتة تطليقة أخرى ولو قال عنيت بقولى طالق واحدة وبقولي البتة اثنتين طلقت اثنتين لان نية العدد لا تسع في لفظ البتة وكذلك كل كلام يشبه الطلاق ضمه إلى الطلاق الا قوله اعتدى فانه رجعي لا تسع فيه نية الثلاث لان وقوع الطلاق به باضمار لفظ الطلاق فيه فلا يكون أقوى مما لو صرح به ولو قال لها اعتدى وقال لم أنو الطلاق فهى امرأته بعد أن يحلف وكذلك في جميع الالفاظ المتقدمة إذا قال لم أنو الطلاق فعليه اليمين لانه أمين فيما يخبر عن ضميره والقول قول الامين مع اليمين واليمين لنفى التهمة عنه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ابن ركانة رضي الله تعالى عنه في لفظ البتة لما كان الثلاث من محتملات لفظه ولو قال اعتدى فاعتدي أو قال اعتدى واعتدي أو قال اعتدى اعتدى وقال نويت الطلاق فهي تطليقتان في القضاء ولو قال عنيت واحدة دين فيما بينه وبين الله تعالى وعن زفر رحمه الله تعالى انه تعمل نيته في القضاء وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في قوله فاعتدى كذلك وفى قوله واعتدى أو اعتدى تطليقتان كما هو ظاهر الرواية وزفر رحمه الله تعالى يقول كرر اللفظ الاول والتكرار للتأكيد لا للزيادة وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الفاء للوصل فيكون معناه فاعتدى بذلك الايقاع لا ايقاعا آخر والواو للعطف وموجب العطف الاشتراك فيكون الثاني ايقاعا كالاول وجه ظاهر الرواية ان هذا اللفظ عند نية الايقاع كالصريح ولو قال أنت طالق وطالق أو طالق فطالق أو طالق طالق كان تطليقتين فكذلك هنا في القضاء ولو قال اعتدي اعتدي اعتدى وهو ينوى تطليقة واحدة بهن جميعا فهو كذلك فيما بينه وبين الله تعالى فاما في القضاء فهو ثلاث لما بينا ان كل كلام
[ 80 ] ايقاع مبتدأ في الظاهر والقاضى مأمور باتباع الظاهر ولكن يحتمل تكرار الاول والله تعالى مطلع على ضميره فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسع المرأة إذا سمعت ذلك ان تقيم معه لانها مأمورة باتباع الظاهر كالقاضي ولو قال نويت بالاولى الطلاق وبالآخرتين العدة فهو مصدق في القضاء لان ظاهر كلامه أمر بالاعتداد والامر بالاعتداد يستقيم بعد وقوع التطليقة فكان مصدقا في القضاء وفى الحاصل هذه المسألة على اثنى عشر وجها وقد بينا ذلك في شرح الجامع الصغير وان قال لما أنت طالق فاعتدي وأراد بقوله فاعتدى العدة فهو مصدق في القضاء لان الامر بالاعتداد مستقيم بعد وقوع التطليقة الواحدة وان أراد تطليقة أخرى أو لم ينو شيئا فهي أخرى لانها ذكرت بعد مذاكرة الطلاق وان أراد به ثنتين فهى واحدة رجعية لان نية العدد لا تسع في هذا اللفظ وكذلك قوله أنت طالق واعتدى (قال) وإذا قالت المرأة لزوجها طلقني فقال اعتدى ثم قال لم أنو به الطلاق لم يصدق في القضاء عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يصدق لانه لو ذكر هذا اللفظ قبل سؤالهما الطلاق لم يعمل الا بنية الطلاق فكذلك بعد سؤالها لان العامل لفظ الزوج ولفظه لا يختلف بسؤالها وعدم سؤالها ويجوز أن يكون مراده اعتدى نعمتي عليك ولا تشتغلي بسؤال الطلاق فانه كفران النعمة ولكنا نقول هذا الكلام بعد سؤال الطلاق لا يراد به الا الطلاق عادة والقاضى مأمور باتباع الظاهر وما هو المعتاد ثم الكلام الواحد قد يكون مدحا وقد يكون ذما وانما يتبين أحدهما عن الآخر بالمقدمة ودلالة الحال فان لم تعتبر دلالة الحال لا يتميز المدح من الدم إذا عرفنا هذا فنقول الاحوال ثلاثة حال مذاكرة الطلاق وحال الغضب وحال الرضا فاما في حال مذاكرة الطلاق لا يدين في القضاء في شئ من الالفاظ التى ذكرناها بل يحمل على الجواب لما تقدم في سؤالها ويكون ما تقدم في السؤال كالمعاد في الجواب وفى حالة الغضب لا يدين في ثلاثة ألفاظ اعتدى واختارى وأمرك بيدك لان هذه الالفاظ لا تحتمل معنى السبب والايعاد وعند الغضب اما أن يكون مراده السب أو الطلاق فإذا لم يكن في اللفظ احتمال معنى السب تعين الطلاق مرادا به وفى خمسة ألفاظ يدين في القضاء وهى قوله أنت بائن حرام بتة خلية برية لان هذه الالفاظ تحتمل معنى السب أي أنت بائن من الدين برية من الاسلام خلية من الخير حرام الصحبة والعشرة بتة عن الاخلاق الحسنة فلا يتعين الطلاق مرادا به فإذا قال أردت السب كان
[ 81 ] مدينا في القضاء وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه ألحق بهذه الالفاظ أربعة ألفاظ أخر خليت سبيلك فارقتك لا سبيل لى عليك لا ملك لى عليك لانها تحتمل معنى السب أي لا ملك لى عليك لانك أدون من أن تملكى لا سبيل لى عليك لشرك وسوء خلقك وفارقتك اتقاء لشرك وخليت سبيلك لهوانك علي وأما في حالة الرضا فهو مدين في هذه الالفاظ ولا يقع الطلاق بها الا بالنية وكذلك فيما سواها من الالفاظ (قال) وإذا قال لها اعتدى ثلاثا وقال نويت تطليقة واحدة تعتد لها ثلاث حيض فالقول قوله في القضاء لان الثلاث عدد الطلاق وعدد لاقراء العدة أيضا والعدة في لفظه والطلاق في ضميره فإذا صلح قوله ثلاثا بيانا لما في ضميره فلان يصلح بيانا لما تلفظ به أولى فلهذا قبل قوله في القضاء (قال) وان قال لامرأته لست لى بامرأة ينوى الطلاق فهو كما وصفت لك في الخلية والبرية في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تطلق وهذا ليس بشئ لحديث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال إذا سئل الرجل ألك امرأة فقال لا فانما هي كذبة وهذا المعنى انه نفى نكاحها ونفى الزوجية لا يكون طلاقا بل يكون كذبا منه لما كانت الزوجية بينهما معلومة كما لو قال لامرأته والله ما أنت لى بامرأة أو على حجة ان كانت لى امرأة أو مالى امرأة أو قال لم أتزوجك لم يقع الطلاق بهذه الالفاظ وان نوى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول قوله لست لى بامرأة كلام محتمل أي لست لى بامرأة لانى فارقتك أو لست لى بامرأة لانك لم تكوني في نكاحي وموجب الكلام المحتمل يتبين بنيته فلا تكون هذه الالفاظ طلاقا بغير النية ونية الطلاق تعمل فيه لانه من محتملاته كما في قوله خلية برية فاما في قوله والله ما أنت لى بامرأه فيمينه لا يكون الا على النفى في الماضي وذلك يمنع احتمال معنى الطلاق فيه وكذلك إذا قال لم أتزوجك فهو جحود للنكاح من الاصل والطلاق تصرف في النكاح وجحود أصل الشئ لا يحتمل معنى التصرف فيه وإذا قيل ألك امرأة فقال لا فالسائل انما سأله عن نكاح ماض وكلامه جواب فيكون نفيا للنكاح في الماضي وهو كذب كما قال عمر رضى الله تعالى عنه فاما قوله لست نفى للنكاح في الحال وفى المستقبل لا في الماضي فيكون محتملا للطلاق وفي قوله مالى امرأة فحرف ما للنفي فيما مضي فهو كحرف إذ للماضي وإذا للمستقبل حتى لو قال طلقتك إذا دخلت الدار تطلق في الحال ولو قال إذا دخلت الدار لا تطلق حتى تدخل فاما
[ 82 ] إذا قال لا نكاح بينى وبينك ولا سبيل لى عليك فهو نفي في الحال وفى المستقبل لا في الماضي فتسع فيه نية الطلاق بالاتفاق وهذا دليل لابي حنيفة رحمه الله تعالى وإذا قال أنت طالق ثم قال عنيت طالقا من الوثاق أو طالقا من الابل لم يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر ولكن يدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه محتمل فان الطلاق من الاطلاق والاطلاق مستعمل في الابل والوثاق فيحتمل أن يكون الطلاق عبارة عنه مجازا فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال أنت طالق من وثاق لم يقع عليها شئ لانه بين بكلامه موصولا مراده من قوله طالق والبيان المغير صحيحا موصولا وقد بيناه في الاقرار وان قال عنيت بقولى طالقا من عمل من الاعمال ففى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى هذا والاول سواء وفى ظاهر الرواية هناك لا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان لفظ الطلاق لا يستعمل في العمل حقيقة ولا مجازا الا ان يذكره موصولا فيقول أنت طالق من عمل كذا فحينئذ هي امرأته فيما بينه وبين الله تعالى ويقع الطلاق في القضاء لانه ليس ببيان من حيث الظاهر لما لم يكن ذلك اللفظ مستعملا فيه وكل ما لا يدينه القاضى فيه فكذلك المرأة إذا سمعت منه أو شهد به شاهدا عدل لا يسعها أن تدين الزوج فيه لانها لا تعرف منه الا الظاهر كالقاضي (قال) وإذا طلق امرأته تطليقة بائنة ثم قال لها في عدتها أنت علي حرام أو ما أشبه ذلك وهو يريد بذلك الطلاق لم يقع عليها شئ لانه صادق في قوله هي على حرام وهى منه بائن ومعنى هذا ان صيغة كلامه في قوله طالق أو بائن وصف ولكن يجعل ايقاعا ليتحقق ذلك الوصف بما يقع والوصف هنا متحقق من غير ان يجعل كلامه ايقاعا والاوجه ان يقول ان هذه الالفاظ تعمل بحقائقها من ثبوت الحرمة والبينونة بها والثابت لا يمكن اثباته وانما تعمل هذه الالفاظ بارادة الفرقة أو رفع النكاح بها وذلك لا يتحقق بعد وقوع الفرقة فاما إذا قال لها ان دخلت الدار فأنت بائن ثم طلقها تطليقة بائنة ثم دخلت الدار في عدتها وقع عليها تطليقة أخرى بذلك اللفظ عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يقع عليها شئ لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو نجز قوله أنت بائن في هذه الحالة لم يقع به شئ فكذلك إذا وجد الشرط كما إذا قال ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها ثم دخلت الدار لم يكن مظاهرا منها كما لو نجز الظهار في الحال وكذلك إذا قال لها إذا جاء غد فاختارى ثم أبانها ثم جاء غد فاختارت نفسها لم يقع شئ عليها كما
[ 83 ] لو نجز التخيير بعد البينونة وعلماؤنا رحمهم الله تعالى قالوا التعليق بالشرط قد صح ووجد الشرط وهى محل لوقوع الطلاق عليها فينزل ما تعلق كما لو وجد الشرط بعد الطلاق الرجعى وكما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق وهذا لان هذه الالفاظ انما تخالف الصريح في الحاجة إلى نية الفرقة أو رفع النكاح بها والحاجة إلى هذه النية عند التلفظ بها فإذا كان التلفظ بعد البينونة لم تصح هذه النية وإذا كان قبل البينونة صحت النية وتعلق الطلاق بالشرط ثم لا حاجة إلى النية عند وجود الشرط فكانت هذه الالفاظ عند وجود الشرط في وقوع الطلاق بها كلفظ الصريح وانما الحاجة في وجود الشرط إلى وجود المحل وباعتبار العدة هي محل لوقوع الطلاق عليها وبه فارق الظهار فانها لم تبق محلا للظهار باعتبار العدة لان الظهار تشبيه المحللة بالمحرمة وموجبه حرمة مؤقتة إلى التكفير وبعد ثبوت الحرمة بزوال الملك على الاطلاق لا تكون محلا للحرمة المؤقتة وهذا بخلاف الخيير لان الوقوع هناك باختيارها نفسها لا بتخيير الزوج ولهذا كان الضمان على شاهدى الاختيار دون التخيير واختيارها نفسها بعد الفرقة باطل لانها صارت أحق بنفسها فاما هنا الوقوع عند وجود الشرط باليمين السابق ولهذا كان الضمان على شاهدى اليمين دون شاهدى الشرط واليمين قد صحت كما قررنا (قال) في الكتاب ألا ترى أنه لو آلي من امرأته ثم طلقها واحدة بائنة ثم مضت مدة الايلاء وهي في العدة وقعت عليها تطليقة الايلاء وزفر رحمه الله تعالي يخالف في هذا أيضا ولكن من عادته الاستشهاد بالمختلف على المختلف لايضاح الكلام وإذا قال لامرأته أنا بائن يعني منك ولم يقل منك فليس هذا بشئ وان عني به الطلاق وكذلك لو قال أنا حرام ولم يقل عليك بخلاف ما إذا قال أنت بائن أو أنت حرام والفرق ان البينونة قطع الوصلة المشتركة ولا وصلة في حقها الا التي بينه وبينها إذ لا يتصور على المرأة نكاحان فعند اضافة البينونة إليها تتعين الوصلة التي بينه وبينها وان لم يضف إلى نفسه واما في جانبه فالوصلة تتحقق بينه وبين غيرها مع قيام الوصلة بينه وبينها فإذا قال أنا بائن لا يتعين بهذا اللفظ الوصلة التي بينهما ما لم يقل منك وكذلك في لفظ الحرمة فانها لا تحل الا له خاصة فإذا قال أنت حرام يتعين الحل الذى بينهما للرفع بهذا اللفظ وإذا قال أنا حرام لا يتعين الحل الذى بينهما لجواز الحل الذى بينه وبين غيرها فما لم يقل عليك لا يتم كلامه ايجابا (قال) ولو قال بعد الخلع أو التطليقة البائنة لها في عدتها أنت طالق عندنا يقع الطلاق عليها وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يلحق البائن الصريح
[ 84 ] كما لا يلحقه بائن حتى لو قال لها بعد الخلع أنت بائن لا يقع الطلاق وان نوى فكذلك إذا قال أنت طالق لان قوله أنت بائن مع نية الطلاق بمنزلة الصريح أو أقوى منه وهذا لان الطلاق مشروع لازالة ملك النكاح وقد زال الملك بالخلع فلا يقع الطلاق بعده كما بعد انقضاء العدة ولا يجوز أن تكون محلا للطلاق باعتبار العدة لان وجوب العدة هنا لحرمة الماء حتى لا تجب قبل الدخول فتكون كالعدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة ولو كانت هذه العدة أثر النكاح فهو أثر يبقى بعد فساد الملك وهو بعد التطليقات الثلاث وبمثل هذا الاثر لا تكون محلا للطلاق كالنسب فانه أثر النكاح ولكن لما كان يبقى بعد نفاذ ملك الطلاق لا تصير به محلا للطلاق وحجتنا في ذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به يعنى الخلع ثم قال بعده فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وحرف الفاء للوصل والتعقيب فيكون هذا تنصيصا على وقوع الطلقة الثالثة بالايقاع بعد الخلع وفى المشاهير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة رواه أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه وغيره وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى حلفت بثلاث تطليقات أن لا أكلم أخى فقال صلى الله عليه وسلم طلقها واحدة واتركها حتى تنقضي عدتها ثم كلم أخاك ثم تزوجها ولو كان الطلاق لا يقع بعد الخلع لارشده إلى الخلع ليرتفع الهجران بينه وبين أخيه في الحال والمعنى فيه أنها معتدة من طلاق فتلحقها التطليقات المملوكة للزوج بايقاعه كالمعتدة من قوله أنت طالق أو بائن وهذا لان موجبه ليس هو زوال الملك ألا ترى أن بعد الطلاق الرجعى الملك يبقى مع لزوم الطلاق فان المطلقة تطلق ثانيا ولو كان موجبه زوال الملك لم يتصور الايقاع بعد الايقاع لان الاول ان كان مزيلا فلا موجب للثاني وان لم يكن الاول مزيلا فكذلك الثاني وكذلك بعد الرجعة يبقى الطلاق واقعا ولا يزول به الملك في الحال ولا في الثاني والاسياب الشرعية إذا خلت عن موجباتها كانت لغوا فإذا ثبت أن موجب الطلاق ليس هو زوال الملك لا يشترط قيام الملك لصحته كما لا يشترط قيام ملك اليمين لصحته ولكن موجبه الاصلى رفع الحل الذى صارت المرأة به محلا للنكاح وذلك المحل باق بعد الخلع فكان الايقاع في هذه الحالة مفيد الموجبه فان قيل هذا موجود بعد انقضاء العدة قلنا نعم ولكن الايقاع منه تصرف على المحل باثبات صفة الحرمة ورفع الحل فلابد من نوع ملك له على المحل لينفذ تصرفه وذلك اما ملك
[ 85 ] النكاح أو ملك اليد ببقاء العدة لانها في سكناه وفى نفقته عندنا وعنده إذا كانت حاملا وملك اليد في التصرف كملك العين ألا ترى أن المكاتب يتصرف بملك اليد لو في كسبه والمضارب بعد ما صار المال عروضا يتصرف وان نهاه رب المال لملك اليد له فاما بعد انقضاء العدة فليس له عليها ملك اليد وبهذا الحرف فارق العدة النسب لان باعتبار نسب الولد لا يبقى ملك اليد عليها والفرق بين قوله أنت طاللق وبين قوله بأن ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وقد طوله وحاصل ما قال ان قوله بائن ؟ لا يعمل الا بارادة الفرقة أو رفع النكاح وبعد البينونة لا يتحقق هذا فاما قوله طالق عامل بنفسه من غيره ارادة فرقة أو رفع نكاح فيشترط لصحته قيام المحل توضيح الفرق ان قوله بائن عامل في حقيقة موجبه وهو قطع الوصلة ووصلة النكاح بينهما منقطعة ولا أثر لهذا اللفظ في قطع وصلة العدة فخلى عن موجبه فاما موجب الطلاق فهو رفع الحل كما بينا والايقاع بعد البينونة عامل في موجبه لانها تحرم به إذا تم العدد ثلاثا وهذا بخلاف العدة من نكاح فاسد لان بتلك العدة لا يثبت له عليها ملك اليد حتى لا تستحق عليه النفقة والسكنى ولو قال لها بعد الخلع اعتدى ونوى به الطلاق وقع عليها تطليقة أخرى وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه لا يقع عليها شئ بهذا لان هذا اللفظ لا يعمل بنفسه بل بنية الطلاق فيكون بمنزلة قوله بائن وفى ظاهر الرواية قال هذا اللفظ عامل من غير ارادة الفرقة أو فساد النكاح فان الواقع به رجعى كالصريح وهذا لان عمل هذا اللفظ لا بحقيقة موجبه بل باضمار الطلاق فيه ولهذا صح قبل الدخول فكان المضمر كالمصرح به وقد بينا انه لو قال لامرأته أنت بائن ينوى الثنتين لا يقع الا واحدة وفى الكتاب فرق بينه وبين نية الثلاث لما ذكرنا ان نية الثلاث تعمل لانه نوى بها نوعا من أنواع البينونة وذلك لا يوجد في الثنتين الا في حق الامة فاما الحرة إذا كان قد طلقها واحدة ثم قال لها أنت بائن فان نوى ثنتين لم يقع الا واحدة بهذا اللفظ لانه نوى العدد واللفظ لا يحتمله وان نوى ثلاثا وقع عليها بهذا اللفظ ثنتان لان نيته قد صحت باعتبار انه نوى نوعا من البينونة فيقع ما تثبت به تلك البينونة وذلك بالتطليقتين الباقيتين والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 86 ]
- (باب طلاق أهل الحرب) * (قال) وإذا سبى أحد الزوجين الحربيين وأخرج إلى دار الاسلام انقطعت العصمة بينهما بغير طلاق لان ارتفاع النكاح كان حكما لتباين الدارين وهو مناف لعصمة النكاح والفرقة الواقعة بسبب المنافي للنكاح لا تكون طلاقا كالفرقة بالمحرمية ولان هذا السبب يشترك فيه الزوجان وتقع الفرقة بنفسه فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب ملك أحد الزوجين صاحبه وفقهه انه ليس إليها من الطلاق شئ فكل سبب يتم بها لا يكون طلاقا فان طلقها بعد هذا لا يقع أيضا لانها بانت لا إلى عدة فانه ان سبي الزوج أولا فلا عدة على الحربية وان سبيت المرأة فلا عدة على المسبية لانها تحل للسابى بعد الاستبراء بالنص فان سبي الآخر بعده لم يعد النكاح بينهما لارتفاعه بالسبب المنافي ولا يقع طلاقه أيضا لانها ليست في عدته ولا يجب على الزوج شئ من المهران كان دخل بها أو لم يدخل بها سبيا أو سبي أحدهما لانها ان سبيت فقد خرجت من أن تكون أهلا لمالكية المال وان سبى الزوج فالدين على الحر لا يبقى بعد السبى كسائر الديون لان الدين على المملوك لا يجب الا شاغلا لمالية رقبته وحين وجب الدين عليه لم يكن مالا فلا تشتغل ماليته بعد ذلك بالدين فلهذا سقط وان لم يسبيا ولكن أسلم أحدهما وخرج إلى دار الاسلام فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لتباين الدارين فان طلقها بعد هذا لم يقع طلاقه عليها أما إذا كان الزوج هو الذي أسلم فلانه لا عدة على الحربية وان كانت المرأة هي التي أسلمت فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا عدة على المهاجرة أيضا وعندهما وان كان يلزمها العدة فهذه العدة لا توجب ملك اليد للحربى عليها فكان بمنزلة العدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة فلا يقع الطلاق عليها باعتبارها وان أسلم الزوج بعدها وخرج لم يقع طلاقه عليها أيضا وقيل هذا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى فأما قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الآخر يقع طلاقه عليها وهو نظير ما لو اشترى امرأته بعدما دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقه في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف رضى الله عنه الآخر يقع وكذلك إذا اشترت المرأة زوجها ثم أعتقته وعلى هذا لو ارتد الزوج ولحق بدار الحرب لا يقع طلاقه عليها فان عاد مسلما ثم طلقها فهو على هذا الخلاف وجه قوله أبى يوسف رحمه
[ 87 ] الله تعالى الاول انها صارت بحال لا يقع طلاقه حين لحق بدار الحرب أو بقى في دار الحرب أو ملكها بالشراء فدل دلك على زوال ملك اليد الذى كانت به محلا للطلاق وبعد ما زال الملك لا يعود الا بالتجديد وجه قوله الآخر أن المانع من وقوع الطلاق تباين الدارين حقيقة وحكما أو عدم ظهور العدة في حقه حين اشتراها وقد زال ذلك حين أعتقها وحين خرج إلى دارنا مسلما وهي في عدته بعد فيقع عليها طلاقه كما لو أسلم أحد الزوجين في دار الاسلام وفرق بينهما بالاباء من الآخر ثم طلقها الزوج وهي في العدة فانه يقع الطلاق ثم ان كان دخل بها فلها أن تؤاخذه بمهرها إذا خرج إلى دار الاسلام لان المهر قد تقرر عليه بالدخول فيبقى بعد اسلامها وان لم يدخل بها وكانت هي التي خرجت أولا مسلمة فلها على الزوج نصف المهر لانه انما يحال بالفرقة على جانب الزوج حين أصر على شركه في دار الحرب بعد اسلامها وان كان الزوج هو الذى خرج أولا مسلما فلا مهر لها عليه لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وإذا سبيا معا فهما على النكاح لعدم تباين الدارين وقد بيناه في كتاب النكاح (قال) وإذا تزوج المسلم كتابية في دار الحرب فتمجست انتقض النكاح بينهما لان تمجسها إذا كانت تحت مسلم بمنزلة ردتها وطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة كما لو ارتدت المرأة في دار الاسلام وهذا لانه لم تتباين بهما الدار وهو المنافى للعصمة والحرمة بسبب الردة على شرف الزوال بالاسلام فلا تمنع ثبوت الحرمة بالتطليقات الثلاث فان خرج الزوج إلى دار الاسلام وبقيت في دار الحرب لم يقع طلاقه عليها لتباين الدارين حقيقة وحكما وان خرج الزرجان إلى دارنا مستأمنين ثم أسلم أحدهما فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض وقد بينا في كتاب النكاح اختلاف الروايات في عرض الاسلام على الآخر منهما فإذا حاضت ثلاث حيض وقعت الفرقة بغير طلاق بينهما وانقطعت العصمة فلا يقع عليها طلاقه لان المصر منهما على شركه من أهل دار الحرب ألا ترى انه يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب حقيقة في المنع من وقع طلاقه عليها وكذلك إذا اصار أحدهما ذميا وأبى الآخر فالحكم فيما وصفنا من الفرقة في دار الاسلام وفى دار الحرب سواء لان الذمي صار من أهل دارنا والآخر من أهل دار الحرب وما سوى هذا من مسائل الباب قد بينا شرحها في كتاب النكاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 88 ]
- (باب ما لا يقع فيه الطلاق على المرأة) * (قال) وإذا اشترت الحرة زوجها وهو عبد أو ملكته كله أو بعضه بميراث أو غيره فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لان ملك اليمين مناف لملك النكاح ويتحقق هذا المنافي من كل واحد منهما فتكون الفرقة بغير طلاق وكذلك الحر يملك امرأته أو بعضها وهذا لان ملك رقبتها مناف لملك النكاح شرعا لان ملك النكاح مشروع لاثبات الحل به وهى تحل له بملك اليمين فينتفى بتقرره ملك النكاح ثم لا يقع طلاقه عليها لان ملكه رقبتها كما ينافى أصل ملك النكاح ينافى ملك اليد بسبب النكاح وبه كانت محلا لوقوع الطلاق فلهذا لا يقع طلاقه عليها بعد هذا وكذلك المرأة يجامعها أبو زوجها أو ابنه أو جامع الزوج أمها أو ابنتها فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لان المحرمية بالمصاهرة تنافى النكاح ابتداء وبقاء كالمحرمية بالرضاع والنسب وعليها العدة ان كان قد دخل بها ولا يقع طلاقه عليها في هذه العدة لان موجب الطلاق حرمة ترتفع باصابة الزوج الثاني وقد ثبتت بينهما حرمة مؤبدة لا ترتفع بوجه من الوجوه فلا يتصور مع هذا ثبوت الحرمة التى ترتفع بالزوج الثاني ومتى خلا السبب عن موجبه كان لغوا (قال) وأهل الذمة وأهل الاسلام فيما ذكرنا من الحرمة سواء الا أن يكون ملة من ملل الكفر يستحل ذلك أهلها في دينهم فيخلى عنهم وما استحلوا من ذلك لمكان عقد الذمة وهو بمنزلة المجوسي يتزوج أمة وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وفي قوله الآخر لا يتركون على شئ من الحرام في النكاح والحكم يجرى عليهم في ذلك كما يجرى على أهل الاسلام سواء اختصموا أو لم يختصموا وهذا القول لابي يوسف رحمه الله تعالى ذكره في هذا الكتاب خاصة وقد بينا وجهه في كتاب النكاح مع سائر ما في الباب من المسائل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب من الطلاق) * (قال) رضى الله عنه رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا عندنا وهو قول عمر وعلي وابن عباس وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم وقال الحسن البصري تقع واحدة بقوله طالق فتبين لا إلى عدة وقوله ثلاثا يصادفها وهى أجنبية فلا يقع بها
[ 89 ] شئ كما لو قال لها أنت طالق وطالق وطالق ولكنا نقول الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع بذكر العدد لان الموقع هو العدد فإذا صرح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر الوصف ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لا يقع شئ وهذا لان الكل كلمة واحدة في الحكم فان ايقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا والكلمة الواحدة لا يفصل بعضها من بعض بخلاف قوله أنت طالق وطالق وطالق لانها كلمات متفرقة فاما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت بالاولى وكانت الثنتان فيما لا يملك وهو قول علي وابن مسعود وزيد وابراهيم رضى الله عنهم وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى إذا كان في مجلس واحد يقع ثلاث تطليقات لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها ككلام واحد ولكنا نقول كل كلمة ايقاع على حدة فلا تعمل الا في محل قابل له فإذا بانت لا إلى عدة لم تبق محلا للوقوع عليها ثم عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تبين بالاولى قبل ان يفرغ من الكلام الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى بعد فراغه من الكلام الثاني لجواز ان يلحق بآخر كلامه شرطا أو استثناء ولكن هذا انما يتحقق عند ذكر حرف العطف وهو الواو فاما بدونه لا يتحقق الخلاف لانه لا يلتحق به الشرط والاستثناء (قال) ولو قال لها رأسك طالق كانت طالقا لا باضافة الطلاق إلى الرأس بعينه فانه لو قال الرأس منك طالق أو وضع يده على رأسها وقال هذا العضو منك طالق لا يقع شئ ولكن باعتبار أن الرأس يعبر به عن جميع البدن يقال هؤلاء رؤس القوم ومع الاضافة إلى الشخص أيضا يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل أمرى حسن ما دام رأسك أي ما دامت باقيا وكذلك الوجه يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل لغيره ياوجه العرب وكذلك الجسد والبدن والرقبة والعنق يعبر بها عن جميع البدن قال الله تعالى فتحرير رقبة وقال الله تعالى فظلت أعناقهم لها خاضعين وكذلك الفرج قال صلى الله عليه وسلم لعن الله الفروج على السروج وكذلك لروح يعبر بها عن جميع البدن وهو مذكور في كتاب الكفالة فصار هو بهذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى جميعها فكأنه قال أنت طالق وأما إذا قال يدك طالق أو رجلك طالق أو أصبعك طالق لا يقع شئ عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى تطلق لانه أضاف الطلاق إلى جزء مستمع به منها بعقد النكاح فيقع الطلاق كالوجه والرأس وهذا لان مبنى الطلاق على الغلبة والسراية فإذا أوقعه على جزء منها يسرى إلى جميعها كالجزء الشائع
[ 90 ] وبه فارق النكاح فانه غير مبني على السراية ولهذا لا تصح اضافته عندي إلى جزاء شائع وهذا لان الحل والحرمة إذا اجتمعا في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء والدليل عليه أنه لو قال لها أنت طالق شهرا يقع مؤبدا ولو قال تزوجتك شهرا لم يصح النكاح فيجعل ذكر جزء منها كذكر جزء من الزمان في الفصلين وحجتنا في ذلك ان الاصبع ليس بمحل لاضافة النكاح إليه فكذلك الطلاق لمعني وهو انه تبع في حكم النكاح والطلاق ولهذا صح النكاح والطلاق وان لم يكن لها أصبع ويبقى بعد فوات الاصبع وهذا لان النكاح والطلاق يرد عليها فتكون الاطراف فيه تبعا كما في ملك الرقبة شراء وملك القصاص وإذا ثبت انه تبع فبذكر الاصل يصير التبع مذكورا فاما بذكر التبع لا يصير الاصل مذكورا وإذا كان تبعا لا يكون محلا لاضافة التصرف إليه مقصودا والسراية انما تتحقق بعد صحة الاضافة إلى محله وقد ذكرنا في الوجه والرأس ان الوقوع ليس بطريق السراية بل باعتبار ان ما ذكر عبارة عن جميع البدن حتى لو كان عرفا ظاهر القوم انهم يذكرون اليد عبارة عن جميع البدن نقول يقع الطلاق في حقهم ولا يمكن تصحيح الكلام هنا بطريق الاضمار وهو أن يقدم الايقاع على البدن لتصحيح كلامه لانه لو كان هذا كلاما مستقيما لصح اضافة النكاح إلى اليد بهذا الطريق وهذا لان المقتضى تبع للمقتضى وجعل الاصل تبعا للاصبع متعذر فلهذا لا يصح بطريق الاقتضاء وهذا بخلاف ما لو أضاف إلى جزء شائع كالنصف والثلث والربع لان الجزء الشائع ليس بتبع وهو محل لاضافة سائر التصرفات إليه فإذا صحت الاضافة إلى محلها ثبت الحكم في الكل بطريق السراية أو بطريق انها لا تحتمل التجزى في حكم الطلاق وذكر جزء ما لا يتجزى كذكر الكل ولهذا صحت اضافة النكاح إلى جزء شائع عندنا وهذا بخلاف ما لو قال أنت طالق شهرا لان الاضافة صحت إلى محلها والطلاق بعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلا ينعدم بذكر التوقيت فيما وراء المدة بخلاف النكاح فانه يحتمل الرفع فبالتوقيت ينعدم فيما وراء الوقت ولا يمكن تصحيحه موقتا. وقع في بعض النسخ لو قال بضعك طالق يقع وهذا تصحيف انما هو بعضك طالق أو نصفك طالق فأما البضع لا يعبر به عن جميع البدن ولم يذكر ما لو قال ظهرك طالق أو بطنك طالق وقد قال بعض مشايخنا انه يقع الطلاق لان الظهر والبطن في معنى الاصل إذ لا يتصور النكاح بدونهما والاصح انه لا يقع على ما ذكر بعد
[ 91 ] هذا في باب الظهار انه إذا قال ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا لان الظهر والبطن لا يعبر بهما عن جميع البدن (قال) ولو قال لامرأته ولاجنبية احداكما طالق فان قال عنيت امرأتي وقع الطلاق عليها والا لم يقع لان اللفظ المذكور يصلح عبارة عن امرأته وعن المرأة الاخرى فكان هذا كناية من حيث المحل وكما أن ألفاظ الكناية لا تعمل الا بالنية فكذلك الكناية من حيث المحل لا يتعين فيه امرأته الا بالنية ويحلف بالله ما عني امرأته كما بينا في الكنايات (قال) ولو قال لاربع نسوة بينكن تطليقة تطلق كل واحدة واحدة لانه أوقع على كل واحدة منهن ربع تطليقة وربع التطليقة كما لها فان التطليقة الواحدة لا يتجزأ وقوعها ولو قال بينكن تطليقتان فكذلك الجواب لان كل واحدة منهن يصيبها نصف تطليقة الا أن يقول عنيت أن كل تطليقة بينهن فحينئذ يقع على كل واحدة منهن تطليقتان لانه صار موقعا على كل واحدة ربع تطليقة وربع تطليقة أخرى ولكن ما لم ينو لا يحمل على هذا لان الجنس واحد والقسمة في الجنس الواحد بين الاشخاص تكون جملة واحدة ولكن إذا عنى قسمة كل تطليقة فقد شدد الامر على نفسه واللفظ محتمل لذلك وكذلك لو قال بينكن ثلاث تطليقات أو أربع تطليقات تطلق كل واحدة منهن واحدة الا ان يقول عنيت ان كل تطليقة بينهن فحينئذ تطلق كل واحدة ثلاثا ولو قال بينكن خمس تطليقات تطلق كل واحدة منهن ثنتين لان كل واحدة منهن يصيبها تطليقة وربع وكذلك ان قال ست أو سبع أو ثمان وان قال بينكن تسع تطليقات تطلق كل واحدة ثلاثا لان كل واحدة منهن يصيبها بالقسمة تطليقتان وربع تطليقة وكذلك لو قال أشركتكن في ثلاث تطليقات فلفظ الاشراك ولفظ البين سواء بخلاف ما لو طلق امرأتين له ثم قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان لانه صار مشركا لها في كل تطليقة (قال) رجل قالا لامرأته أنت طالق ثلاثا الا واحدة فهى طالق ثنتين لان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى قال الله تعالى فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما معناه تسعمائة وخمسين عاما وما وراء المستثنى هنا ثنتان ولو قال أنت طالق ثلاثا الا ثنتين فهى واحدة الا على قول الفراء رحمه الله تعالى فانه يقول استثناء الاكثر لا يصح لانه لم تتكلم به العرب ولكنا نقول طريق الاستثناء ما قلنا وهو أن يكون عبارة عما وراء المستثنى فشرط صحته أن يبقى وراء المستثنى شئ حتى يجعل كلامه عبارة عنه وفى هذا لا فرق بين الاقل والاكثر وعلى قول بعض أهل النحو
[ 92 ] رحمهم الله تعالى الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لكان الكلام متناولا له فيكون بمنزلة دليل الخصوص في العموم وفى ذلك لا فرق بين الاقل والاكثر وبأن لم تتكلم به العرب لا يمنع صحته إذا كان موافقا لمذهبهم كاستثناء الكسور ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال أنت طالق ثلاثا الا نصف تطليقة كم يقع وقيل على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تطلق اثنتين لان التطليقة كما لا تتجزأ في الايقاع لا تتجزأ في الاستثناء فكأنه قال الا واحدة وعند محمد رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا لان في الايقاع انما لا يتجزأ لمعنى في الموقع وذلك لا يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه وإذا كان المستثنى نصف تطليقة صار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فيكون ثلاثا (قال) وإذا قال أنت طالق ثلاثا لا ثلاثا تطلق ثلاثا لانه استثني جميع ما تكلم به وهذا الاستثناء باطل فانه ان جعل عبارة عما وراء المستثنى لا يبقى بعد استثناء الكل شئ ليكون كلامه عبارة عنه وان جعل بمنزلة دليل الخصوص فذلك لا يعم الكل لانه حينئذ يكون نسخا لا تخصيصا وظن بعض أصحابنا ومشايخنا رحمهم الله تعالى أن استثناء الكل رجوع والرجوع عن الكل باطل وهذا وهم فقد بطل استثناء الكل في الوصية أيضا وهو يحتمل الرجوع فدل ان الطريق ما قلنا (قال) وان قال لها وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق الا واحدة تطلق ثلاثا من قبل انه فرق الكلام فيكون هو مستثنيا جميع ما تكلم به في آخر كلماته وهو باطل وكذلك لو ذكره مع حرف العطف ولو قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة وواحدة وواحدة عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تطلق ثلاثا لانه عطف بعض الكلمات على البعض والعطف للاشتراك وعند ذلك صار مستثنيا للكل فكأنه قال الا ثلاثا وهو الظاهر من قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقد روى عنه انه يقع واحدة وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانه لو قال الا واحدة وواحدة صار مستثنيا للاثنتين فكان صحيحا فانما بطل استثناء فقط (قال) ولو قال أنت طالق تطليقة الا نصفها فهى طالق واحدة لان ما بقى منها تطليقة تامة وهو اشارة إلى مذهب محمد رحمه الله تعالى في ان التطليقة تتجزى في الاستثناء وعلى قول من يقول لا تتجزى هذا استثناء لجميع ما تكلم به وهذا لا يصح وذكر في النوادر إذا قال أنت طالق ثنتين وثنتين الاثنتين ان الاستثناء صحيح عندنا وتطلق ثنتين وعند زفر رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا لانه استثنى أحد الكلامين وهو باطل ولكنا نقول لتصحيح هذا الاستثناء وجه وهو ان يجعل
[ 93 ] مستثنيا من كلا كلام تطليقة وكلام العاقل يجب تصحيحه ما أمكن وفى نوادر هشام لو قال ثنتين وثنتين الا ثلاثا تطلق ثلاثا عند محمد رحمه الله تعالى لانه استثنى أحد الكلامين وبعض الآخر وذلك باطل ولا وجه لتصحيح بعض الاستثناء فيه دون البعض وفيه اشكال على أصل محمد رحمه الله تعالى لانه يمكن ان يجعل مستثنيا من كل كلام تطليقة ونصفا فالتطليقة عنده تتجزى في الاستثناء فينبغي ان يقع ثنتان بهذا الطريق (قال) وإذا طلقها تطليقة رجعية فطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة وكذلك الظهار والايلاء وان قذفها لاعنها وان مات أحدهما توارثا لبقاء ملك النكاح بعد الطلاق الرجعى وان كان الطلاق بائنا لم يقع عليها ظهار ولا ايلاء لان الظهار منكر من القول وزور لما فيه من تشبيه المحللة بالمحرمة وهذا تشبيه المحرمة بالمحللة والمولى مضار متعنت من حيث أنه يمنع حقها في الجماع وبعد البينونة لا حق لها في الجماع وكذلك لو قذفها لم يلاعنها وكان عليه الحد لان اللعان مشروع لقطع النكاح وقد انقطع النكاح بالبينونة (قال) رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ان دخلت الذار ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار لم تطلق عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا لان التعليق في الملك قد صح والشرط وجد في الملك فينزل الجزاء كما لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل الدار وهذا لان المعلق بالشرط ليس بطلاق على ما نبينه ان شاء الله تعالى والذى أوقعه طلاق فكان غير المعلق بالشرط والمعلق بالشرط غير واصل إلى المحل فلا يعتبر لبقائه متعلقا قيام المحل وانما يشترط كون المحل محلا عند وجود الشرط لانه عند ذلك يصل إليه وهو موجود والدليل عليه أنه لو قال لها ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر يكون مظاهرا منها إذا دخلت الدار ولو طلقها اثنتين في مسألة اليمين بالطلاق ثم عادت إليه بعد اصابة زوج آخر فدخلت الدار تطلق ثلاثا فإذا كان وقوع بعض الطلقات لا يمنع بقاء التعليق في الثلاث فكذلك في وقوع الكل وحجتنا ما علل به في الكتاب فقال من قبل انه لما طلقها ثلاثا فقد ذهب تطليقات ذلك الملك كله ومعنى هذا ان انعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات المملوكة فان اليمين بالطلاق لا ينعقد الا في الملك أو مضافا إلى الملك ولم توجد الاضافة هنا فكان انعقادها باعتبار التطليقات المملوكة وهى محصورة بالثلاث وقد أوقع ذلك كله والكل من كل شئ لا يتصور تعدده فعرفنا أنه لم يبق شئ من الجزاء المعلق
[ 94 ] بالشرط طلاقا كان أو غيره وكما لا ينعقد اليمين بدون الجزاء لا يبقى بدون الجزاء ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق كل يوم ثلاثا فوقع عليها ثلاث تطليقات ثم تزوجها بعد زوج آخر لم يقع شئ وكذلك لو قال لها أنت طالق تسعا كل سنة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج لم يقع في السنة الثانية شئ ولكن زفر رحمه الله تعالى يخالف في جميع هذا ويقول ما يملك على امرأته من التطليقات غير محصور بعدد وانما لا يقع الا الثلاث لان المحل لا يسع الا ذلك حتى ان باعتبار تجدد العقد يقع عليها أكثر من ثلاث ولو قال لها أنت طالق ألفا يقع عليها ثلاث ولو كان المملوك هو الثلاث لم يقع شئ عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شئ والمعتمد أن نقول بوقوع الثلاث عليها خرجت من ان تكون محلا للطلاق لان الطلاق مشروع لرفع الحل وقد ارتفع الحل بالتطليقات الثلاث وفوت محل الجزاء يبطل اليمين كفوت محل الشرط بان قال ان دخلت هذه الدار ثم جعل الدار حماما أو بستانا لا يبقى اليمين فهذا مثله بخلاف ما بعد بيع العبد لانه بصفة الرق كان محلا للعتق وبالبيع لم تفت تلك الصفة حتى لو فات العتق لم يبق اليمين وبخلاف ما لو طلقها اثنتين لان المحل باق بعد الثنتين فان المحلية باعتبار صفة الحل وهى قائمة بعد الثنتين فيبقى اليمين ثم قد استفاد من جنس ما كان انعقدت عليه اليمين فيسرى إليه حكم اليمين كما لو هلك مال المضاربة الا درهما منه يبقى عقد المضاربة على الكل حتى لو تصرف وربح يحصل جميع رأس المال بخلاف ما لو هلك الكل وهذا بخلاف اليمين في الظهار فان المحلية هناك لا تنعدم بالتطليقات الثلاث لان الحرمة بالظهار غير الحرمة بالطلاق فان تلك حرمة إلى وجود التكفير وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها وهو الزوج الا أنها لو دخلت الدار بعد الطلقات الثلاث انما لا يصير مظاهرا لانه لا حل بينهما في الحال والظهار تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك لا يوجد الا إذا دخلت الدار بعد التزويج بها وما قال ان المحل لا يعتبر في المعلق بالشرط ضعيف لانه ايجاب وان لم يكن واصلا إلى المحل ولا يكون كلامه ايجابا الا باعتبار المحل فلا بد لبقائه معلقا بالشرط من بقاء المحل ولم يبق بعد التطليقات الثلاث وعلى هذا لو قال أنت طالق كلما حضت فبانت بثلاث ثم عادت إليه بعد زوج آخر لم يقع عليها ان حاضت شئ الا على قول زفر رحمه الله تعالى وكذلك ان آلى منها فبانت بالايلاء ثم تزوجها فبانت أيضا حتى بانت بثلاث ثم تزوجها بعد زوج لم يقع عليها بهذا الايلاء طلاق
[ 95 ] الا على قول زفر رحمه الله تعالى ولكن ان قربها كفر عن يمينه لان اليمين باقية فان انعقادها وبقاءها لا يختص بمحل الحل فإذا قربها تحقق حنثه في اليمين فتلزمه الكفارة (قال) وان طلق امرأته واحدة أو اثنتين ثم تزوجها بعد زوج قد دخل بها فهى عنده على ثلاث تطليقات مستقبلات في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول ابن عباس وابن عمر وابراهيم وأصحاب عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم وعند محمد وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى هي عنده بما بقي من طلاقها وهو قول عمر وعلي وأبى بن كعب وعمران ابن الحصين وأبى هريرة رضى الله عنهم فأخذ الشبان من الفقهاء يقول المشايخ من الصحابة رضوان الله عليهم والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصحابة رضوان الله عليهم وحجة محمد رحمه الله تعالى في ذلك أن الزوج الثاني غاية للحرمة الحاصلة بالثلاث قال الله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وكلمه حتى للغاية حقيقة وبالتطليقة والتطليقتين لم يثبت شئ من تلك الحرمة لانها متعلقة بوقوع الثلاث وببعض أركان العلة لا يثبت شئ من الحكم فلا يكون الزوج الثاني غاية لان غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقق كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلم فلانا حتى استشير فلانا ثم استشاره قبل مجئ رأس الشهر لا يعتبر هذا لان الاستشارة غاية للحرمة الثانية باليمين فلا تعتبر قبل اليمين وإذا لم تعتبر كان وجودها كعدمها ولو تزوجها قبل التزوج أو قبل إصابة الزوج الثاني كانت عنده بما بقى من التطليقات فكذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا إصابة الزوج الثاني بنكاح صحيح يلحق المطلقة بالاجنبية في الحكم المختص بالطلاق كما بعد التطليقات الثلاث وبيان هذا ان بالتطليقات الثلاث تصير محرمة ومطلقة ثم باصابة الزوج الثاني يرتفع الوصفان جميعا وتلتحق بالاجنبية التى لم يتزوجها قط فبالتطليقة الواحدة تصير موصوفة بانها مطلقة فيرتفع ذلك باصابة الزوج الثاني ثم الدليل على أن الزوج الثاني رافع للحرمة لا منه ان المنهى يكون متقررا في نفسه ولا حرمة بعد اصابة الزوج الثاني فدل انه رافع للحرمة ولانه موجب للحل فان صاحب الشرع سماه محللا فقال صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له وانما كان محللا لكونه موجبا للحل ومن ضرورته انه يكون رافعا للحرمة وبهذا تبين ان جعله غاية مجاز وهو نظير قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا والاغتسال موجب للطهارة رافع للحدث لا أن يكون غاية للجنابة والدليل عليه أن أحكام الطلاق تثبت متأبدة لا إلى غاية
[ 96 ] ولكن ترتفع بوجود ما يرفعها كحكم زوال الملك لا يثبت مؤقتا ولكن يرتفع بوجود ما يرفعه وهو النكاح وإذا ثبت ان الزوج الثاني موجب للحل فانما يوجب حلالا يرتفع الا بثلاث تطليقات وذلك غير موجود بعد التطليقة والتطليقتين فيثبت به ولما كان رافعا للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة فلان يرفعها وهو بعرض الثبوت أولى ولان يمنع ثبوتها إذا اقترن بأركانها أولى ومحمد رحمه الله تعالى يقول ثبوت الحرمة بسبب ايقاع الطلاق وذلك لا يرتفع بالزوج الثاني حتى لا تعود منكوحة له وبقاء الحكم ببقاء سببه فعرفنا أنه ليس برافع للحرمة ولا هو موجب للحل لان تأثير النكاح الثاني في حرمتها على غيره فكيف يكون موجبا للحل لغيره وسماه محللا لانه شرط للحل لا لانه موجب للحل ألا ترى أنه سماه ملعونا باشتراط مالا يحل له شرعا فعرفنا أنه غير موجب للحل ولكن الحرمة تحتمل التوقيت كحرمة المعتدة وحرمة الاصطياد على المحرم فجعلنا الزوج الثاني غاية للحرمة عملا بحقيقة كلمة حتى المذكورة في الكتاب والسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم حتى تذوقي من عسيلته ومسألة يختلف فيها كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لغور فقهها يصعب الخروج منها (قال) ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة أو اثنتين وعادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تطلق بالدخول ثلاثا لانها عادت إليه بثلاث تطليقات وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يقع عليها ما بقى لان عندهما انما عادت إليه بما بقى من الطلقات (قال) ولو قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاث فهو كما قال يقع عليها ثلاث كما تزوج بها لان كلمة كلما تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط وانعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات التى يملكها عليها بالتزوج وتلك غير محصورة بعدد فلهذا بقيت اليمين بعد وقوع ثلاث تطليقات بخلاف قوله لامرأته كلما دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فان انعقاد تلك اليمين باعتبار التطليقات المملوكة عليها لانه لم توجد الاضافة إلى الملك فلا تبقى اليمين بعد وقوع التطليقات المملوكة عليها وهذه المسألة تنبنى على أصلنا ان ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار يجوز اضافته إلى الملك عم أو خص وهو قول عمر رضى الله عنه روى عنه ذلك في الظهار وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح ذلك وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما فانه سئل عمن يقول لامرأة ان تزوجتك فأنت طالق فتلى عليه قوله تعالى إذا نكحتم المؤمنات ثم
[ 97 ] طلقتموهن وقال شرع الله تعالى الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله وعلى قول أبن أبى ليلي رحمه الله تعالى ان خص امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين وان عم فقال كل امرأة لا تنعقد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه لما فيه من سد باب نعمة النكاح على نفسه فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح وروى ان عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما خطب امرأة فأبي أولياؤها ان يزوجوها منه فقال ان نكحتها فهي طالق ثلاثا فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه لا طلاق قبل النكاح والمعنى فيه انه غير ملك لتنجيز الطلاق فلا يملك تعليقه بالشرط كما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فدخلت لم تطلق وهذا لان تأثير الشرط في تأخير الوقوع إلى وجوده ومنع ما لولاه لكان طلاقا وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوا لا طلاقا ولان الطلاق يستدعى أهلية في الموقع وملكا في المحل ثم قبل الاهلية لا يصح التعليق مضافا إلى حالة الاهلية كالصبى يقول لامرأته إذا بلغت فأنت طالق فكذلك قبل ملك المحل لا يصح مضافا وبهذا تبين انه تصرف يختص بالملك فايجابه قبل الملك يكون لغوا كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشترى وحجتنا في ذلك أن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لان اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لانه يوجب على نفسه البر والمحلوف به ليس بطلاق لانه لا يكون طلاقا الا بالوصول إلى المرأة وما دامت يمينا لا يكون واصلا إليها وانما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشرط فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك في المحل لاجل الطلاق ولكن المحلوف به ما سيصير طلاقا عند وجود الشرط بوصوله إليها ونظيره من المسائل الرمى عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعا عما هو قتل ولا مؤخرا له بل يكون مانعا عما سيصير قتلا إذا وصل إلى المحل ولما كان التعليق مانعا من الوصول إلى المحل والتصرف لا يكون الا بركنه ومحله فكما أنه بدون ركنه لا يكون طلاقا فكذلك بدون محله لا يكون طلاقا وبه فارق ما لو قال لاجنبية ان دخلت الدار فأنت طالق فان المحلوف به هناك غير موجود وهو ما يصير طلاقا عند وجود الشرط لان دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدل به على بقاء الملك عند وجود الشرط أما هنا نتيقن بوجود المحلوف به موجودا بطريق الظاهر بأن قال لامرأته
[ 98 ] ان دخلت الدار فأنت طالق انعقدت اليمين وان كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشرط أولى أن ينعقد اليمين وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنه لا يملك التعليق كمن يقول لجاريته إذا ولدت ولدا فهو حر صح وان كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم وإذا قالا لامرأته الحائض إذا طهرت فانت طالق كان هذا طلاقا للسنة وان كان لا يملك تنجيزه في الحال وهذا بخلاف التصرف لان لابد منه في تصرف اليمين كما لابد منه في تصرف الطلاق فاما الملك في المحل معتبر بالطلاق دون اليمين وهذا بخلاف البيع فان الايجاب أحد شطرى البيع وتصرف البيع قبل الملك لغو فاما الايجاب هنا تصرف آخر سوى الطلاق وهى اليمين وتأويل الحديث ما روى عن مكحول والزهرى وسالم والشعبى رضى الله تعالى عنهم انهم قالوا كانوا يطلقون في الجاهلية قبل التزوج تنجيزا ويعدون ذلك طلاقا فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله لا طلاق قبل النكاح وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن غير مشهور وان ثبت فمعني قوله ان نكحتها أي وطئتها لان النكاح حقيقة للوطئ وبهذا لا يحل اضافة الطلاق إلى الملك عندنا إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال لامرأته إذا تزوجتك أو إذا ما تزوجتك أو ان تزوجتك أو متى ما تزوجتك فهذا كله للمرة الواحدة لانه ليس في لفظه ما يدل على التكرار فان كلمة ان للشرط وإذا ومتى للوقت بخلاف ما لو قال كلما تزوجتك لان كلمة كلما تقتضي التكرار فلا يرتفع اليمين بالتزوج مرة ولكن كلما تزوجها يصير عند التزوج كالمنجز للطلاق وكذلك لو قال كلما دخلت الدار فهذا على كل مرة حتى تطلق ثلاثا بخلاف ان وإذا ومتى فان ذلك على المرة الواحدة (قال) ولو قال لامرأة لا يملكها أنت طالق يوم أكلمك أو يوم تدخلين الدار أو يوم أطؤك فهذا باطل بخلاف ما لو قال يوم أتزوجك فانه بهذا اللفظ يصير مضيفا الطلاق إلى التزوج وهو سبب لملك الطلاق فيصير المحلوف به موجودا بخلاف ما سبق فان دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق فان تزوج بها ثم فعل ذلك لم يقع عليها شئ عندنا وقال ابن أبى ليلى يقع لان المعتبر لوقوع الطلاق وقت وجود الشرط فان طلقها حينئذ يصل إلى المحل والملك موجود عند وجود الشرط فيقع الطلاق ولكنا نقول هذا بعد انعقاد اليمين ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به فإذا لم يكن هو مالكا للطلاق في الحال ولا في الوقت المضاف إليه لا ينعقد اليمين فبدون ذلك وان صار مالكا للطلاق في الوقت المضاف
[ 99 ] إليه لا يقع شئ لان اليمين ما كانت منعقدة وكذلك لو قال لها أنت طالق غدا ثم تزوجها اليوم لم يقع عليها شئ إذا جاء غد وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق وقال عنيت الاولى صدق فيما بينه وبين الله تعالى وأما في القضاء فهما تطليقتان لان كل واحد من الكلامين ايقاع من حيث الظاهر فان صيغة الكلام الثاني كصيغة الكلام الاول والقاضى مأمور باتباع الظاهر وما قاله من قصد تكرار الكلام الاول محتمل لان الكلام الواحد يكرر للتأكيد والله تعالى مطلع على ضميره وكذلك قوله قد طلقتك قد طلقتك أو أنت طالق قد طلقتك أو أنت طالق أنت طالق أو طالق وأنت طالق فأما إذا قال لها أنت طالق فقال له انسان ماذا قلت فقال قد طلقتها أو قال قلت هي طالق فهي طالق واحدة لان كلامه الثاني جواب لسؤال السائل والسائل انما يسأله عن الكلام الاول لا عن ايقاع آخر فيكون جوابه بيانا لذلك الكلام (قال) وإذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة وقد دخل بها فهي طالق اثنتين في القضاء احداهما بالايقاع والاخرى بوجود الشرط لان قوله إذا طلقتك شرط وقوله فأنت طالق جزاء له وأما فيما بينه وبين الله تعالى فان كان نوى بقوله إذا طلقتك فأنت طالق تلك التطليقة فهي واحدة لان ما نواه محتمل على ان يكون قوله فأنت طالق بيانا لحكم الايقاع لا جزاء لشرطه والله تعالى مطلع على ضميره وكذلك إذا قال متى ما طلقتك أو ان طلقتك فأنت طالق ولو قال كلما وقع عليك طلاق فأنت طالق ثم طلقها واحدة تطلق ثلاثا لان بوقوع الواحدة يوجد الشرط فوقع عليها تطليقة اليمين ثم بوقوع هذه التطليقة وجد الشرط مرة أخرى واليمين معقودة بكلمة كلما فتقع عليها الثالثة وهذا بخلاف ما لو قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة تقع عليها أخرى فقط لان وقوع الثانية عليها ليس بايقاع مستقبل منه بعد يمينه فلا يصلح شرطا للحنث فلهدا لا يقع عليها الا واحدة فاما في الاول الشرط الوقوع لا الايقاع والوقوع يحصل بالثانية بعد اليمين وعلى هذا لو قال كلما قلت أنت طالق فأنت طالق أو كلما تكلمت بطلاق يقع عليك فأنت طالق وطلقها واحدة فهى طالق أخرى باليمين ولا يقع بالثانية طلاق لما بينا ان ما جعله شرطا لا يصير موجودا بعد اليمين بما وقع باليمين والاصل فيما نذكره بعد هذا ان اليمين انما يعرف بالجزاء حتى لو قال ان دخلت الدار فأنت طالق كان يمينا بالطلاق ولو قال فعبدي حر كان يمينا بالعتق والشرط واحد وهو دخول الدار ثم اختلفت اليمين باختلاف الجزاء وأصل
[ 100 ] آخر ان الشرط يعتبر وجوده بعد اليمين وأما ما سبق اليمين لا يكون شرطا لانه يقصد باليمين منع نفسه عن ايجاد الشرط وانما يمكنه أن يمنع نفسه عن شئ في المستقبل لا فيما مضى فعرفنا ان الماضي لم يكن مقصودا له واليمين يتقيد بمقصود الحالف إذا عرفنا هذا فنقول رجل له امرأتان عمرة وزينب فقال لزينب أنت طالق إذا طلقت عمرة أو كلما طلقت عمرة ثم قال لعمرة أنت طالق إذا طلقت زينب ثم قال لزينب أنت طالق فانه يقع على زينب بالايقاع تطليقة ويقع علي عمرة أيضا تطليقة لان كلامه الاول كان يمينا بطلاق زينب وكلامه الثاني كان يمينا بطلاق عمرة فان الجزاء فيه طلاق عمرة والشرط طلاق زينب وقد وجد الشرط بايقاعه على زينب فلهذا يقع على عمرة تطليقة باليمين ويعود إلى زينب لان عمرة طلقت بيمين بعد يمينه بطلاق زينب فيكون وقوع الطلاق عليها شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب فلهذا يقع عليها تطليقة أخرى هكذا في نسخ أبى سليمان رضى الله تعالى عنه وهو الصحيح وفى نسخ أبى حفص رضى الله تعالى عنه قال ولا يعود على زينب وهو غلط ثم قال ولو لم يطلق زينب ولكنه طلق عمرة وقعت عليها تطليقة بالايقاع وعلى زينب تطليقة باليمين ثم وقعت أخرى على عمرة باليمين هكذا ذكر في نسخ أبى حفص رضى الله تعالى عنه وهو غلط والصحيح ما ذكره في نسخ أبى سليمان رضي الله تعالى عنه انه لا يقع على عمرة باليمين لان زينب انما طلقت باليمين السابقة على اليمين بطلاق عمرة فلا يكون ذلك شرطا للحنت في اليمين بطلاق عمرة قال ألا ترى أنه لو قال لزينب إذا طلقت عمره فانت طالق ثم قال لعمرة ان دخلت الدار فانت طالق فدخلت عمرة الدار تطلق بالدخول وتطلق زينب أيضا لان عمرة انما طلقت بكلام بعد اليمين بطلاق زينب ولو كان قال لعمرة أولا ان دخلت الدار فأنت طالق ثم قال لزينب ان طلقت عمرة فأنت طالق ثم دخلت عمرة الدار طلقت ولم يقع الطلاق على زينب لان عمرة انما طلقت بيمين قبل اليمين بطلاق زينب فلا يصلح أن يكون ذلك شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب وبهذا الاستشهاد يتبين أن الصواب ما ذكره في نسخ أبى سليمان وان جوابه في نسخ أبى حفص وقع على القلب (قال) وإذا حلف بطلاق عمرة لا يحلف بطلاق زينب ثم حلف بطلاق زينب لا يحلف بطلاق عمرة كانت عمرة طالقا لانه بالكلام الاول حلف بطلاق عمرة وشرط حنثه الحلف بطلاق زينب وبالكلام الثاني صار حالفا بطلاق زينب لان الجزاء فيه طلاق زينب فوجد فيه شرط
[ 101 ] الحنث في اليمين الاولى ألا ترى أنه لو قال لزينب بعد الكلام الاول ان دخلت الدار فأنت طالق كانت عمرة طالقا لانه قد حلف بطلاق زينب فان الشرط والجزاء يمين عند أهل الفقه وقد وجد فصار به حانثا في اليمين الاولى (قال) ولو قال لزينب أنت طالق ان شئت لم تطلق عمرة لان هذا ليس بيمين بل هو تفويض المشيئة إليها بمنزلة قوله اختاري أو أمرك بيدك وذلك لا يكون حلفا بالطلاق ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه مع نهيه عن الحلف بالطلاق والدليل على أنه بمنزلة التخيير انه يبطل بقيامها عن المجلس قبل المشيئة والشرط المطلق لا يتوقت بالمجلس وحقيقة المعنى فيه أن الشرط منفي فان الحالف يقصد منع الشرط بيمينه وفى قوله أنت طالق ان شئت لا يقصد منعها عن المشيئة فعرفنا أنه ليس بيمين وكذلك لو قال لزينب أنت طالق إذا حضت حيضة فهذا ليس بيمين عندنا ولا يحنث به في اليمين بطلاق عمرة لان هذا تفسير لطلاق السنة فان بهذا اللفظ لا يقع الطلاق عليها ما لم تطهر لان الحيضة اسم للحيضة الكاملة وطلاق السنة يتأخر إلى حالة الطهر فكأنه قال لها أنت طالق للسنة وعن زفر رحمه الله تعالى أن هذا يمين لوجود الشرط والجزاء وليس بتفسير لطلاق السنة ألا ترى أنه لو جامعها في هذه الحيضة ثم طهرت طلقت ولو قال لها أنت طالق للسنة ثم جامعها في الحيض فطهرت لم تطلق وكذلك لو قال لها إذا حضت حيضتين أو إذا حضت ثلاث حيض لم يكن شئ من ذلك حلفا بطلاقها بخلاف مالو قال لها إذا حضت فهذا حلف بطلاقها حتى تطلق عمرة لان بهذا اللفظ يقع الطلاق في الحيض قبل الطهر فلا يكون تفسيرا لطلاق السنة فان قيل هذا تفسير لطلاق البدعة ولو قال أنت طالق للبدعة لم يكن حالفا بطلاقها (قلنا) ليس كذلك فطلاق البدعة لا يختص بالحيض وهذا الطلاق لا يقع الا في حالة الحيض فعرفنا أنه شرط وجزاء (قال) وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فكما حاضت وطهرت طلقت واحدة حتى تستكمل الثلاث لان قوله للسنة أي لوقت السنة فان اللام للوقت قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وكل طهر محل لوقوع تطليقة واحدة للسنة فلهذا طلقت في كل طهر واحدة ولا يحتسب بالحيضة الاولى من عدتها لانها سبقت وقوع الطلاق عليها وان نوى ان تطلق ثلاثا في الحال فهو كما نوى عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا تعمل نيته لان وقوع الثلاث جملة خلاف السنة ووقوع الطلاق في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه خلاف السنة
[ 102 ] والنية انما تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ لا فيما كان من ضده ولان معنى قوله أنت طالق للسنة إذا حضت وطهرت فكأنه صرح بذلك ونوى الوقوع في الحال فلا تعمل نيته ولكنا نقول المنوي من محتملات لفظه على معنى ان وقوع الثلاث جملة من مذهب أهل السنة ووقوع الطلاق في الحيض كذلك إذ كون الطلاق ثلاثا عرف بالسنة فقد كانوا في الجاهلية يطلقون أكثر من ذلك فعرفنا ان المنوي من محتملات لفظه وفيه تغليظ عليه فتعمل نيته ولو قال أنت طالق للسنة ولم يسم ثلاثا ولم يكن له نية فهى طالق واحدة إذا طهرت من الحيضة لما بينا ان اللام للوقت وان نوى ثلاثا فهى ثلاث كلما طهرت من حيضة طلقت واحدة لان أوقات السنة غير محصورة فهو انما نوى التعميم في أوقات السنة حتى يقع في كل طهر تطليقة واحدة وقد بينا ان نية التعميم صحيحة في كلامه فلهذا طلقت في كل طهر واحدة وان كانت لا تحيض من صغر أو كبر طلقت ساعة تكلم به واحدة وبعد شهر أخرى وبعد شهر أخرى لان الثلاث للسنة هكذا تقع عليها والشهر في حقها كالحيض في حق ذات القروء وان نوى ان يقعن جميعا في ذلك المجلس فهو كما نوى لما بينا (قال) رجل قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كلما حضت حيضتين فهو كما قال إذا حاضت حيضتين طلقت لوجود الشرط ثم إذا حاضت أخراوين طلقت أخرى لوجود الشرط لان اليمين معقودة بكلمة كلما ويحتسب بهاتين الحيضتين من عدتها فإذا حاضت أخرى انقضت عدتها (قال) وان قال لها إذا حضت حيضة فانت طالق وقال لها أيضا كلما حضت فانت طالق فرأت الدم فهى طالق واحدة باليمين الثانية لان الشرط فيها وجود الحيض لا الخروج منه فإذا طهرت من الحيض فهي طالق أخرى باليمين الاولى لان الشرط فيها الحيضة الكاملة وقد وجدت بعدها ولا يحتسب بهذه الحيضة من عدتها لان وقوع الطلاق كان بعد مضى جزء منها وإذا حاضت الثانية فهى طالق أخرى باليمين الثانية لانها عقدت بكلمة كلما وكلمة كلما توجب تكرار الشرط وقد وجد الشرط فيها مرة أخرى (قال) ولو قال لها إذا حضت حيضة فانت طالق وقال أيضا إذا حضت حيضتين فانت طالق فحاضت حيضة وطهرت فهى طالق واحدة باليمين الاولى لان شرط الحنث فيها حيضة واحدة وقد وجدت فإذا حاضت حيضة أخرى طلقت أخرى لوجود الشرط في اليمين الثانية وهو مضى الحيضتين بعدها فان الحيضة الاولى كمال الشرط
[ 103 ] في اليمين الاولى ونصف الشرط في اليمين الثانية والشئ الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة ويحتسب بالحيضة الثانية من عدتها لانها حاضتها بعد وقوع الطلاق عليها ولو كان قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق فإذا حاضت حيضة واحدة طلقت واحدة ثم لا تطلق أخرى ما لم تحيض حيضتين سواها لانه جعل الشرط في اليمين الثانية حيضتين سوى الحيضة الاولى فان كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وعلى هذا لو قال إذا دخلت الدار دخلة فأنت طالق ثم إذا دخلتها دخلتين فأنت طالق بخلاف مالو قال إذا دخلت فأنت طالق وإذا دخلت فأنت طالق فدخلت دخلة واحدة وقعت عليها تطليقتان لان الشرط في اليمين الدخول مطلقا وقد وجد ذلك بدخلة واحدة وفى الاول الشرط دخلتان بعد الدخلة الاولى في اليمين الثانية ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضتين تطلق اثنتين إحداهما حين حاضت الاولى لوجود الشرط في اليمين الاولى والثانية حين حاضت الاخرى لتمام الشرط بها في اليمين الثانية (قال) ولو قال كلما حضت حيضة فأنت طالق فحاضت أربع حيض طلقت ثلاثا كل حيضة واحدة لتكرر الشرط في اليمين المعقودة بكلمة كلما وانقضت العدة بالحيضة الرابعة لان الحيضة الاولى لا تكون محسوبة من عدتها فانها سبقت وقوع الطلاق عليها (قال) وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق فانما يقع عليها بعدما ينقطع عنها الدم وتغتسل لان الشرط مضى حيضة كاملة ولا يتيقن به الا بعد الحكم بطهرها فان كانت أيامها عشرة فبنفس الانقطاع يتيقن بطهرها وان كانت أيامها دون العشرة فانما يحكم بطهرها إذا اغتسلت أو ذهب وقت صلاة بعد انقطاع الدم فلهذا توقف الوقوع عليه ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق فقالت قد حضت حيضة لم تصدق في القياس إذا كذبها الزوج لانها تدعى وجود شرط الطلاق ومجرد قولها في ذلك ليس بحجة في حق الزوج كما لو كان الشرط دخولها الدار وهذا لان دعواها شرط الطلاق كدعواها نفس الطلاق وفى الاستحسان القول قولها لان حيضها لا يعلمه غيرها فلابد من قبول قولها فيه كما لو قال لها ان كنت تحبيننى أو تبغضيننى وجب قبول قولها في ذلك ما دامت في المجلس وكذلك لو قال لها ان شئت الا أن هناك تقدر على الاختيار في المجلس فبالتأخير عنه تصير مفرطة وهنا لا تقدر على الاخبار بالحيض ما لم تر الدم فوجب قبول قولها متى أخبرت به (قال) ويدخل في هذا الاستحسان بعض
[ 104 ] القياس معناه أن الزوج لما علق وقوع الطلاق بالحيض صار ذلك من أحكام الحيض بجعله وقولها حجة تامة في أحكام الحيض كحرمة وطئها إذا أخبرت برؤية الدم وحل الوطئ إذا أخبرت بانقطاع الدم وكذلك في حكم انقضاء العدة بالحيض يقبل قولها لان الشرع سلطها على الاخبار فكذلك الزوج بتعليق الطلاق به يصير مسلطا لها على الاخبار وإذا قال إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت فقياس الاستحسان الاول أن يقع الطلاق على فلانة كما يقع عليها لان قولها حجة تامة فيما لا يعلمه غيرها فيكون ثبوت هذا الشرط بقولها كثبوت شرط آخر بالبينة أو بتصديق الزوج ولكنا ندع القياس فيه ونقول لا يقع على الاخرى شئ حتى يعلم أنها قد حاضت لان في ذلك حق الضرة وهى ما سلطتها ولا رضيت بخبرها في حق نفسها ثم قبول قولها فيما ما لا يعلمه غيرها لاجل الضرورة وذلك في حق نفسها خاصة كما في حل الوطئ وانقضاء العدة والحكم يثبت بحسب الحاجة الا ترى ان الملك للمستحق إذا ثبت باقرار المشترى لم يرجع على البائع بالثمن وان شهادة امرأتين ورجل بالسرقة حجة في حق المال دون القطع فهذا مثله ولو قال لها إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فانت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية فان علم انها ولدت الجارية أولا طلقت اثنتين بولادتها الجارية ثم انقضت عدتها بولادة الغلام وان علم انها ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادتها الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية فان لم يعلم أيهما أولا لم يقع في القضاء الا تطليقة واحدة لان التيقن فيها وفى الثانية شك والطلاق بالشك لا يقع وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغى أن يأخذ بتطليقتين حتى إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغى أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره لاحتمال انها مطلقة ثلاثا ولان يترك امرأة يحل له وطؤها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه وان ولدت غلاما وجاريتين في بطن واحد فان علم انها ولدت الجاريتين أولا فهى طالق ثنتين بولادة الاولى منهما وقد انقضت عدتها بولادة الغلام وان ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادة الغلام وتطليقتين بولادة الجارية الاولى وقد انقضت عدتها بولادة الاخرى وان ولدت احدى الجاريتين أولا ثم الغلام ثم الجارية طلقت تطليقتين بولادة الجارية الاولى والثالثة بولادة الغلام وانقضت عدتها بولادة الاخرى وان لم يعلم كيف كانت الولادة فنقول في وجه هي طالق اثنتين وفى وجهين هي طالق ثلاثا ففي القضاء لا تطلق الاثنتين لان اليقين فيها وفى التنزه
[ 105 ] ينبغى أن يأخذ بثلاث تطليقات احتياطا وقد انقضت عدتها بيقين بولادة الآخر منهم وإذا قال لها كلما ولدت ولدا فانت طالق وقال إذ ولدت غلاما فانت طالق فولدت جارية فهي طالق واحدة لان الجارية ولد فيقع بها تطليقة بحكم الكلام الاول فان ولدت بعدها غلاما في ذلك البطن انقضت عدتها بولادة الغلام لانها معتدة وضعت جميع ما في بطنها ولا يقع عليها بولادة الغلام شئ لان أوان الوقوع بعد وجود الشرط وهى ليست في عدته بعد ولادة الغلام فهو بمنزلة ما لو قال لها إذا انقضت عدتك فانت طالق وان ولدت الغلام أولا وقع به تطليقتان أحدهما بالغلام الاول لان الغلام ولد والثانية بالكلام الثاني لانه غلام وكذلك لو قال لها إذا ولدت غلاما فانت طالق ثم قال إذا ولدت ولدا فانت طالق فولدت غلاما طلقت اثنتين لانه ولد وغلام وكذلك لو قال إذا كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال إذا كلمت انسانا فانت طالق فكلمت فلانا تطلق اثنتين لانه انسان وفلان وكذلك إذا قال ان تزوجت فلانة فهي طالق ثم قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج فلانة تطلق اثنتين لانها فلانة وامرأة والشئ الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة ولو قال لامرأته كلما ولدت غلاما فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد فان علم أنها ولدت الغلام أولا وقع عليها تطليقة بولادة الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية وان علم أنها ولدت الجارية أولا وقعت عليها تطليقة بولادة الغلام وعليها العدة بثلاث حيض وله أن يراجعها في العدة إذا علم أن الغلام ولد آخرا وإذا لم يعلم أيهما أول فعليهما الاخذ بالاحتياط في كل حكم فيلزمها العدة بثلاث حيض لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا وليس للزوج أن يراجعها في هذه العدة لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ولو مات أحدهما لم يتوارثا لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا ثم انقضت عدتها بولادة الجارية والميراث لا يثبت بالشك (قال) وان قال إذا ولدت ولدا فأنت طالق فأسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق طلقت لان مثل هذا السقط ولد ألا ترى أن العدة تنقضي به وتصير الجارية أم ولد له ولو لم يستبن شئ من خلقه لم يقع به طلاق لانه ليس بولد في حكم العدة وثبوت أمية الولد فكذلك في حكم الطلاق (قال) ولو قال لها إذا ولدت فأنت طالق فقالت قد ولدت وكذبها الزوج لم يقع الطلاق بقولها بخلاف الحيض لان الولادة مما يقف عليها غيرها فان قول القابلة يقبل في الولد فلا يحكم بوقوع الطلاق ما لم تشهد القابلة به والحيض لا يقف عليه غيرها فان شهدت
[ 106 ] القابلة بالولادة ثبت نسب الولد بشهادتها ولا يقع الطلاق عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع الطلاق عليها بشهادة القابلة لان شرط وقوع الطلاق عليها ولادتها وقد صار محكوما به بشهادة القابلة بدليل ثبوت نسب الولد وشهادة القابلة في حال قيام الفراش حجة تامة في حق النسب وغيره ألا ترى أنه لو قال لجاريته ان كان بها حبل فهو منى فشهدت القابلة على ولادتها صارت هي أم ولد له وكذلك ان ولدت امرأته ولدا ثم قال الزوجج هو ليس منى ولا أدرى ولدته أم لا فشهدت القابلة حكم باللعان بينهما ولو كان الزوج عبدا أو حرا محدودا في قذف وجب عليه الحد فإذا جعلت شهادة القابلة حجة في حكم اللعان والحد فلان تجعل حجة في حكم الطلاق أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول شرط الطلاق إذا كان لا يثبت الا بالشهادة فلا بد فيه من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كسائر الشروط وهذا لان شرط الطلاق كنفس الطلاق وتأثيره أن شهادة المرأة الواحدة ليست بحجة أصلية وانما يكتفي بها فيما لا يطلع عليه الرجال لاجل الضرورة والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها والضرورة في نفس الولادة وما هو من الاحكام المختصة بالولادة لان ثبوت الحكم بثبوت نسبه والولادة لا يطلع عليها الرجال والحكم المختص بالولادة أمية الولد للام واللعان عند نفى الولد فأما وقوع الطلاق والعتاق ليس من الحكم المختص بالولادة ولا أثر للولادة فيه بل انما يقع بايقاعه عند وجود الشرط ونسب الولد من الاحكام المختصة بالولادة مع أن النسب عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يثبت بشهادة القابلة وانما يثبت بعين الولد فأن ثبوت النسب بالفراش القائم وبأن يجعل شهادة القابلة حجة في ثبوت النسب فذلك لا يدل على أنها تكون حجة في وقوع الطلاق كما بينا في قوله إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك ولو كان الزوج أقر بأنها حبلى ثم قال لها إذا ولدت فأنت طالق فقالت قد ولدت عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يقع الطلاق بمجرد قولها وعندهما لا يقع الا أن تشهد القابلة لان شرط الطلاق ولادتها وذلك ما يقف عليه غيرها فلا يقبل فيه مجرد قولها كما في الفصل الاول ألا ترى أن نسب الولادة لا يثبت الا بشهادة القابلة وان أقر الزوج بالحبل فكذلك الطلاق وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول علق الطلاق ببروز موجود في باطنها فيقع الطلاق بمجرد خبرها كما لو قال إذا حضت فأنت طالق وهذا لان وجود الحبل بها يثبت باقرار الزوج
[ 107 ] فلما جاءت الآن وهى فارغة وتقول قد ولدت فالظاهر يشهد لها أو يتيقن بولادتها وهذا بخلاف النسب لان بقولها يثبت مجرد الولادة وليس من ضرورته تعين هذا الولد لجواز أن تكون ولدت غير هذا من والد ميت ثم تريد حمل نسب هذا الولد عليه فلهذا لا يقبل قولها في تعيين الولد الا بشهادة الوالد فأما وقوع الطلاق يتعلق بنفس الولادة أي ولد كان من حى أو ميت وبعد اقرار الزوج بالحبل يتيقن بالولادة إذا جاءت وهى فارغة (قال) وإذا قال الرجل لامرأته إذا ولدت ولدين فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد ثم ولدت بعد ذلك لستة أشهر ولدا آخر فقد وقعت عليها تطليقة بولادة الولدين الاولين لتمام الشرط بهما وانقضت عدتها بالولد الثالث لانها معتدة وضعت جميع ما في بطنها فان الولد الرابع من حبل حادث بيقين لان التوأم لا يكون بينهما مدة حبل تام ولهذا لا يثبت نسب الولد الرابع من الزوج لانها علقت به بعد انقضاء عدتها (قال) ولو قال أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد لا يعلم أيهما أول لم يقع عليها شئ في الحكم لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا ثم الغلام وفي النزهة قد وقعت عليها تطليقة لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا فوقع عليها تطليقة ثم انقضت عدتها بولادة الجارية في هذا الوجه غير أنها لا تحل للازواج حتى يوقع عليها طلاقا مستقبلا وتعتد بعدة مستقبلة لانها في الحكم امرأته فان الطلاق بالشك لا يقع في الحكم فلهذا يحتاج في حلها للازواج إلى ايقاع مستقبل وعدة مستقبلة (قال) وإذا قال لها كلما ولدت ولدين فأنت طالق فولدتهما في بطن واحد أو في بطنين فهو سواء ويقع عليها الطلاق بالولد الآخر لان تمام الشرط به ولا فرق في الشرط بين أن يوجدا معا أو متفرقا ولو ولدت الثاني وهي ليست في نكاحه ولا في عدته لم يقع عليها شئ عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى يقع لان المعتبر عنده أن الطلاق يقع عند وجود الشرط بالتعليق السابق وقد صح في ملكه ألا ترى أن الصحيح إذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثم جن ثم دخل الدار تطلق باعتبار وقت التعليق لا وقت وجود الشرط ولكنا نقول أو ان وقوع الطلاق عليها عند وجود الشرط وعند ذلك ليست بمحل لوقوع طلاقه عليها لانها ليست في نكاحه ولا في عدته وبدون المحل لا يثبت الحكم بخلاف جنون الزوج فانه لا يعدم المحلية انما يعدم الاهلية للايقاع والايقاع بكلام الزوج وذلك عند التعليق لا عند وجود الشرط فلهذا لا يعتبر قيام الاهلية
[ 108 ] عند وجود الشرط ولو أبانها فولدت الاول في غير نكاحه وعدته ثم تزوجها فولدت عندنا يقع الطلاق عليها وعند زفر رحمه الله تعالى لا يقع لان ولادة الولد الاول شرط للطلاق لولادة الولد الثاني فكما لا يعتبر قيام الملك للوقوع عند ولادة الولد الثاني فكذلك عند ولادة الولد الاول وعلمائنا رحمهم الله تعالى يقولون المحل انما يعتبر عند التعليق لصحة التعليق بوجود المحلوف به وعند تمام الشرط لنزول الجزاء فأما في حال ولادة الولد الاول ليس بحال التعليق ولا حال نزول الجزاء انما هو حال بقاء اليمين وملك المحل ليس بشرط لبقاء اليمين كما لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق وهذا لان بوجود بعض الشرط لا ينزل شئ من الجزاء ألا ترى أنه لو قال لامرأته في رجب ولم يدخل بها إذا جاء يوم الاضحى فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها يوم عرفة فجاء يوم الاضحى طلقت وما لم يمض الشهر لا يتحقق وجود الشرط بمجئ يوم الاضحى ثم لا يعتبر قيام المحل في تلك الشهور وعلى هذا الخلاف لو قال إذا حضت حيضتين فحاضت الاولى في غير ملك والثانية في ملك وكذلك ان تزوجها قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعدما انقطع عنها الدم قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعدما انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل وأيامها دون العشرة فإذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة طلقت لان الشرط قد تم وهي في نكاحه وكذلك لو قال ان أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فأكلت عامة الرغيف في غير ملكه ثم تزوجها فأكلت ما بقى منه طلقت لان الشرط شرط في ملكه والحنث به يحصل وقد قال في الاصل إذا قال كلما حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت الاخيرة منهما في غير ملكه ثم تزوجها فحاضت الثانية في ملكه لم يقع عليها شئ قال الحاكم وهذا الجواب غير سديد في قوله كلما حضت وانما يصح إذا كان السؤال بقوله إذا حضت لان كلمة كلما تقتضي التكرار (قال) الشيخ الامام والاصح عندي ان في المسألة روايتين في رواية هذا الكتاب لا تطلق وفي رواية الجامع تطلق وأصل الاختلاف في كيفية التكرار بكلمة كلما في هذه الرواية يتكرر انعقاد اليمين فكلما وجد الشرط مرة ارتفعت اليمين الاولى وانعقدت يمبن أخرى فإذا لم يكن عند تمام الشرط في نكاحه ولا في عدته لا تنعقد اليمين الاخرى لان ملك المحل شرط عند انعقاد اليمين فلهذا لا يقع عليها شئ وان حاضت حيضتين في ملكه وعلى رواية الجامع انما يتكرر بكلمة كلما نزول الجزاء بتكرر الشرط ولا يتكرر انعقاد اليمين
[ 109 ] فكلما وجد الشرط في ملكه طلقت والاصح رواية الجامع وقد بينا تمام هذا الكلام فيما أمليناه من شرح الجامع (قال) وان قال إذا حضت فانت طالق فولدت لم تطلق لان شرط الطلاق حيضها والنفاس ليس بحيض ألا ترى أنه لا يحتسب به من اقراء العدة وان قال إذا حبلت فانت طالق ثلاثا فوطئها مرة فالافضل له أن لا يقربها ثانية حتى يستبرئها بحيضة لجواز أن تكون قد حبلت فطلقت ثلاثا وإذا حاضت وطهرت عرفنا أنها لم تحبل فان تبين فراغ رحمها يحصل بحيضة واحدة بدليل الاستبراء فله أن يطأها مرة أخرى وهذا حاله وحالها ما دامت عنده وهو جواب النزهة فاما في الحكم لا يمنع من وطئها ما لم يطهر بها حبل لان قيام النكاح فيما بينهما يقين وفي وقوع الطلاق شك وإذا ولدت بعد هذا القول لاقل من ستة أشهر لم تطلق لانا تيقنا ان هذا الحبل كان قبل اليمين وشرط الحنث حبل حادث بعد اليمين وان جاءت به لاكثر من سنتين وقع الطلاق وانقضت العدة بالولد لانا تيقنا أن هذا الولد من حبل حادث بعد اليمين وانما وقع الطلاق عند وجود الشرط وهو ما إذا لو حبلت فتنقضى عدتها بالولد وجاءت به لستة أشهر أو أكثر ولكن لاقل من سنتين لم تطلق أيضا لجواز أن يكون هذا الولد من حبل قبل اليمين فان الولد يبقى في البطن إلى سنتين وما لم يتيقن بوجود الشرط بعد اليمين لا ينزل الجزاء والحل وان كان قائما بينهما يسند العلوق إلى أبعد الاوقات تحرزا عن ايقاع الطلاق بالشك (قال) وإذا قال لها إذا وضعت ما في بطنك فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بآخرهما وعليها العدة لان حرف ما يوجب التعميم فشرط وقوع الطلاق أن تضع جميع ما في بطنها وذلك لا يحصل الا بالولد الثاني وعلى هذا لو قال ان كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة وان كان غلاما فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم يقع عليها شئ لان الحمل إسم لجميع ما في بطنها قال الله تعالى أجلهن أن يضمن حملهن ولا تنقضي عدتها الا بوضع جميع ما في بطنها فالشرط أن يكون جميع حملها غلاما أو جارية ولم يوجد ذلك حين ولدت غلاما وجارية في بطن واحد ألا تري أنه لو كان قال ان كان ما في هذا الجوالق حنطة فامرأته طالق وان كان ما فيه شعيرا فعبده حر فإذا فيه شعير وحنطة لم يلزمه طلاق ولا عتق ونظير هذه المسألة امتحن أبو حنيفة رحمه الله تعالى فطنة الحسن بن زياد رضى الله عنه فقال ما نقول في عنز ولدت ولدين لا ذكرين ولا أنثيين ولا أسودين ولا أبيضين كيف يكون هذا فتأمل ساعة ثم قال أحدهما ذكر
[ 110 ] والآخر أنثي وأحدهما أسود والآخر أبيض فتعجب من فطنته وان قال لها كلما حبلت فأنت طالق فولدت بعد هذا القول من حبل حادث فقد وقعت عليها تطليقة كما حبلت لوجود الشرط وانقضت عدتها بالولادة ولو كان جامعها بعد الحبل قبل أن تلد منه كان ذلك منه رجعة لان الواقع بهذا اللفظ كان رجعيا والوطئ في العدة من طلاق رجعى يكون رجعة فان حبلت مرة أخرى طلقت لانه عقد يمينه بكلمة كلما وكذلك في الحكم الثالث وان قال أنت طالق ما لم تلدي فهى طالق حين سكت لانه جعلها طالقا في وقت لا تلد فيه بعد اليمين وكما سكت فقد وجد ذلك الوقت وكذلك في قوله ما لم تحبلي وفى قوله ما لم تحيضي الا أن يكون ذلك منها مع سكوته فحينئذ لا يقع وهذا لان وقوع الطلاق بحيض بزمان وهو ما بعد كلامه وقد جعلها طالقا إلى غاية وهو أن تحيض أو تحبل أو تلد فإذا وجدت الغاية متصلا بسكوته فقد انعدم الزمان الذي أوقع فيه الطلاق لان الشئ لا يكون غاية لنفسه فلا تطلق فإذا لم يوجد ذلك مع سكوته فقد وجد الزمان الذي أوقع فيه الطلاق فتطلق ولو قال أنت طالق ما لم تحبلي وهى حبلى أو ما لم تحيضي وهي حائض فهى طالق كما سكت لان صيغة كلامه لحبل وحيض حادث يقال حبلت المرأة وحاضت عند ابتداء ذلك ولم يوجد ذلك متصلا بسكوته ؟ هذا ؟ تطلق فان كان يعني ما فيه من الحبل والحيض دين فيما بينه وبين الله تعالى لان استدامة الحيض بخروج الدم منها ساعة فساعة وما يبرز منها حادث من وجه فيجوز أن يطلق عليه اسم ابتداء الحيض مجازا ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وأما في الحبل فلا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لانه لا يتجدد الحبل في مدته ساعة فساعة فلا يكون لاستدامته اسم الابتداء لا حقيقة ولا مجازا ألا ترى أنه يقال حاضت عشرة أيام ولا يقال حبلت تسعة أشهر انما يقال حبلت ووضعت لتسعة أشهر وان قال لامرأته قد طلقتك قبل أن أتزوجك فهذا باطل لان ما ثبت باقراره كالثابت بالمعاينة ولانه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للايقاع عليها في ذلك الوقت فكان نافيا للوقوع عليها لا مثبتا كما لو قال أنت طالق قبل أن تولدي أو تخلقي أو قبل أن أولد أو أن أخلق وكذلك لو قال قد طلقتك أمس وانما تزوجها اليوم لانه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للايقاع في ذلك الوقت وان كان تزوجها قبل أمس طلقت للحال لانه أضاف إلى وقت كان مالكا للايقاع في ذلك الوقت فكان كلامه معتبرا
[ 111 ] في الايقاع ثم انه وصفها بالطلاق في الحال مستندا إلى أمس وهو يملك الايقاع عليها في الحال ولكن لا يملك الاسناد فلهذا تطلق في الحال (قال) ولو قال قد طلقتك وأنا صغير أو قال وأنا نائم لم يقع بهذا شئ لانه أضاف إلى حالة معهودة تنافى صحة الايقاع فكان منكرا للايقاع لا مقرا به. ولو قال وأنا مجنون فان عرف بالجنون قبل هذا لم تطلق لانه أضاف إلى حالة معهودة تنافى صحة الايقاع وان لم يعرف بالجنون طلقت لانه أقر بطلاقها وأضافه إلى حالة لم تعرف تلك الحالة منه فلا يعتبر قوله في الاضافة فلهذا تطلق في الحال وان قال قلت لك أنت طالق ان كلمت فلانا وقالت هي طلقتني فالقول قول الزوج لان تعليق الطلاق بالشرط يمين واليمين غير الطلاق ألا تري أنه لا يقع الطلاق بها ما لم يوجد الحنث فهى تدعى عليه ايقاع الطلاق والزوج منكر لذلك فالقول قوله وان قال أنت طالق ثلاثا ان لم أطلقك لم تطلق حتى يموت أحدهما قبل أن يطلقها لان كلمة ان للشرط فقد جعل عدم ايقاع الطلاق عليها شرطا ولا يتيقن بوجود هذا الشرط ما بقيا حيين فهو كقوله ان لم آت البصرة فأنت طالق ثم ان مات الزوج وقع عليها قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف ولكن قبيل موته يتحقق عجزه عن ايقاع الطلاق عليها فيتحقق شرط الحنث فان كان لم يدخل بها فلا ميراث لها وان كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم الفرار حين وقع الثلاث بايقاعه قبيل موته بلا فصل وان ماتت المرأة وقع الطلاق أيضا قبل موتها وفى النوادر يقول لا يقع لانه قادر على أنه يطلقها ما لم تمت وانما عجز بموتها فلو وقع الطلاق لوقع بعد الموت وهو نظير قوله ان لم آت البصرة وجه ظاهر الرواية أن الايقاع من حكمة الوقوع بعد الموت وهو قد تحقق العجز عن ايقاعه قبيل موتها لانه يعقبه الوقوع كما لو قال لها أنت طالق مع موتك فيقع الطلاق قبيل موتها بلا فصل ولا ميراث للزوج لان الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بايقاع الطلاق عليها وان قال أنت طالق متى لم أطلقك طلقت كما سكت لان كلمة متى تستعمل للوقت فقد أضاف الطلاق إلى وقت بعد يمينه لا يطلقها فيه وقد وجد ذلك الوقت كما سكت وكذلك ان قال متى ما لم أطلقك فأما إذا قال إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك فان قال عنيت باذاء الشرط فهو بمنزلة أن لا يقع الطلاق حتى يموت أحدهما وان قال عنيت به متى وقع الطلاق كما سكت لان إذا تستعمل لكل واحدة منهما وان لم تكن له نية فعلي قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تطلق حتى يموت أحدهما وعند أبي
[ 112 ] يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كما سكت يقع وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو فالكوفيون منهم يقولون إذا قد تستعمل للوقت وقد تستعمل للشرط على السواء فيجازى به مرة ولا يجازى به أخرى وإذا كان بمعنى الشرط سقط فيه معني الوقت أصلا كحرف ان وهو مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى والبصريون رحمهم الله تعالى يقولون إذا للوقت ولكن قد تستعمل للشرط مجازا ولا يسقط به معني الوقت إذا أريد به الشرط بمنزلة متى وهو مذهب أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فهما يقولان إذا تستعمل فيما هو كائن لا محالة وليس فيه معنى الخطر قال الله تعالى إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت ويقال الرطب إذا اشتدت الحر والبرد إذا جاء الشتاء والشرط ما هو على خطر الوجود فعرفنا انه للوقت حقيقة فعند عدم النية يحمل اللفظ على حقيقته ألا ترى أنه لو قال لامرأته إذا شئت فانت طالق لم يخرج الامر من يدها بقيامها عن المجلس بمنزلة قوله متى شئت بخلاف قوله ان شئت وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إذا قد تكون للشرط حقيقة يقول الرجل إذا زرتني زرتك وإذا أكرمتني أكرمتك والمراد الشرط دل عليه قول القائل شعر استغن ما أغناك ربك بالغنى + + + وإذا تصبك حصاصة فتحمل معناه وان تصبك فعند عدم النية هنا ان حمل على معنى الشرط لم يقع الطلاق حتى يموت أحدهما وان جعل بمعنى متى طلقت في الحال وقد عرفنا أن الطلاق غير واقع فلا نوقعه بالشك ولهذا قلنا في مسألة المشيئة لا يخرج الامر من يدها بقيامها عن المجلس لانا ان جعلنا إذا بمعنى الشرط خرج الامر من يدها وان جعلناها بمعنى متي لم يخرج الامر من يدها وقد عرفنا كون الامر في يدها بيقين فلا تخرجه من يدها بالشك وفى الكتاب قال ألا ترى أنه لو قال إذا سكت عن طلاقك فانت طالق تطلق كما سكت وهذا لا حجة فيه لانه لو قال ان سكت وان قال كلما لم أطلقك فانت طالق وقد دخل بها ثم سكت فهي طالق ثلاثا يتبع بعضها بعضا لانه أضاف الطلاق إلى وقت لا يطلقها فيه بكلمة كلما وعقيب سكوته يوجد ثلاثة أوقات بهذه الصفة بعضها على أثر البعض فتطلق ثلاثا بطريق الاتباع ولا يقعن معا حتى إذا لم يكن دخل بها لا يقع الا واحدة وان قال متى ما لم أطلقك واحدة فأنت طالق ثلاثا ثم قال موصلا بكلامه أنت طالق واحدة فقد بر في يمينه استحسانا ولا يقع عليها الا واحدة وفي القياس تطلق ثلاثا وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانه آلى أن يفرغ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ 113 ]
من قوله أنت طالق واحدة يوجد وقت موصوف بأنه لم يطلقها فيه وان لطف وذلك يكفى شرطا للحنث ولكنه استحسن فقال البر مراد الحالف ولا يتأتى له البر الا بعد أن يجعل هذا القدر مستثنى ومالا يستطاع لامتناع عنه يجعل عفوا وأصل المسألة فيما إذا قال ان ركبت هذه الدابة وهو راكبها فأخذ في النزول في الحال ولو سكت ساعة ثم قال أنت طالق واحدة فقد طلقت ثلاثا قبل قوله واحدة وهذا لان السكوت فيما بين الكلامين يستطاع الامتناع عنه وعلى هذا لو قال ما لم أقم من مقعدي هذا فأنت طالق ان قام كما سكت لم تطلق استحسانا وان سكت هنيهة طلقت ولو قال أنت طالق حين لم أطلقك ولا نية له فهى طالق كما سكت لان حرف لم عبارة عن الماضي وقد مضي حين لم يطلقها فيه فكان الوقت المضاف إليه الطلاق موجودا كما سكت وكذلك لو قال زمان لم أطلقك أو يوم لم أطلقك أو حيث لم أطلقك لان حرف حيث عبارة عن المكان وكم من مكان لم يطلقها فيه ولو قال حين لا أطلقك لا تطلق في الحال لان حرف لا للاستقبال وان نوى بحين وقتا يسيرا أو طويلا تعمل نيته وان لم يكن له نية فهو على ستة أشهر فما لم تمض ستة أشهر بعد يمينه لا تطلق لان حين تستعمل بمعني ساعة قال الله تعالى حين تمسون وحين تصبحون أي وقت الصباح والمساء وتستعمل بمعني قيام الساعة قال الله تعالى تمتعوا حتى حين وتستعمل بمعني أربعين سنة قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر وتستعمل بمعنى ستة أشهر قال الله تعالى تؤتى أكلها كل حين فإذا نوى شيئا كان المنوي من محتملات لفظه وان لم ينو شيئا كان على ستة أشهر هكذا قال ابن عباس رضى الله عنهما حين سئل عمن حلف لا يكلم فلانا حينا قال هو على ستة أشهر فان النخلة يدرك ثمرها في سته أشهر وقال الله تعالى تؤتى أكلها كل حين ولانه متى أراد به ساعة لا يستعمل فيه لفظ الحين عادة ومتى أراد به أربعين سنة أو قيام الساعة استعمل فيه لفظ الابد فتعين ستة أشهر مرادا به وكذلك لو قال زمان لا أطلقك فان لفظة حين وزمان يستعملان استعمالا واحدا يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ حين ولم ألقك منذ زمان ولو قال يوم لا أطلقك فإذا مضى بعد يمينه يوم لم يطلقها فيه طلقت حتى إذا قال هذا قبل طلوع الفجر فكما غربت الشمس تطلق لان اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حتى يقدر الصوم بالامساك فيه (قال) وإذا قال يوم أدخل دار فلان فامرأته طالق ولا نية له فدخلها ليلا أو نهارا طلقت لان اليوم