ك.خ.ط.: تشريح جيش، تشريح نخبة
تشريح جيش، تشريح نخبة
12 / 9 / 07
أعرف من البداية أنني أمشي الى حقل أشواك مدمي , لكن قناعتي بضرورة فتح الباب عريضا أمام مناقشة مسألة الجيش و النخبة في مصر _ وهي ماطال السكوت عنها دون مبرر _ غلبت على أي تحفظ لدي شرط أن تكون عامرة بالصراحة دونما تزويق ولا مجاملة , اذ لا طائل منها إن لم تكن كذلك بالمطلق ... بلا تهيب ولا وجل.
من يراجع سجل سلك الضباط المصري – ولا أشمل بذلك الرتباء من طلاب وصف الضباط ... دعك عن الجنود – منذ ما بعد حرب أكتوبر ولتاريخه يملك بيسر تبين أن الإرتباط الوثيق بالولايات المتحدة عقيدة وسلاحاً وتدريباً ومنظومة وهوىً وتحالفاً هو الفكر الناظم لذاك السلك .
ليست القصة أن الضباط ينصاعون في ذلك لسياسة رئيس البلاد ومن باب الطاعة والولاء وتنفيذ الأوامر .. فقط لا غير.
المسألة أكبر وأفدح من ذلك بكثير...
إن ثلث قرن من الإنضواء تحت الراية الأمريكية هو في ذاته شهادة دالة على عمق الولاء , والرغبة فيه والبذل في سبيله , بل والتماهي مع مثاله .
إن محطات فارقة دلت بما يقطع أي شك أن ولاء سلك الضباط المصري هو عقد كاثوليكي أبَدي السمات : إجتاحت إسرائيل لبنان عام 82 واقتحمت للمرة الأولى عاصمة عربية وقبع الجيش المصري في ثكناته لا يحرك ساكنا ولا على سبيل الإستعراض . إحتشدت القوات الأمريكية في السعودية بما يفيض عن نصف مليون تأهباً لدخول الكويت وتدمير العراق, فوصل الحال بسلك الضباط هنا أن انتقل بقضه وقضيضه ليكون كتفا إلى كتف بجانب حلفائه السادة وبقوة فرقتين ... .ليس هذا فحسب بل وفَّر لهم قواعد الإمداد والسيطرة في المطارات المصرية ومعها المعابر البحرية تمخر عبابها البوارج والحاملات, النووي منها والتقليدي وصولاً لساحة الخليج . ثم غزت الولايات المتحدة العراق فوفر لها هذا السلك كل التسهيلات الميسرة , كما فعل قبلها بدزينة من السنين بل وأكثر بكثير. عبر كل تلك السنوات كانت أرض مصر وسماؤها ومياهها بتصرف الولايات المتحدة سداح مداح بلا حاضر ولا دستور , بل حباً وكرامة من سلك الضباط الجزل بما حازه من رضا أمريكي .. هو المراد والمرام . ما بين تلك المحطات الفارقة جرت بتواتر منتظم مناورات النجم الساطع , والتي جمعت الجيش المصري بالمنظومة الأطلسية فأضحت أفضل سبيل للتدجين والتوضيب وترتيب الواجبات .
ذات يوم من عام 89 جلس بجواري على الطائرة من فرانكفورت لنيويورك عميد مصري – بزي مدني – ... وكما عادة من يتعرفون على سحنات بعضهم متلمسين ذات الإنتماء فلقد تجاذبنا أطراف الحديث وبالعربية . ما علق في ذاكرتي مما لا أنساه وصفه للدورات التعليمية التي يخضع لها الضباط المصريون في الولايات المتحدة , وياليته في إطار التدريب العسكري والمهني , بل في اطار دورات غسل الدماغ وما تشمله من محاضرات عن القيم الأمريكية والديمقراطية الأمريكية وطريقة الحياة الأمريكية ومحورية العلاقة مع واشنطن وحيوية ضرورتها لمصر ووو إلخ من أدلجة لا تلين .
لماذا كل هذا النجاح في استدخال سلك الضباط المصري في المنظومة الأطلسية؟
لأن التربة الذهنية مهيأة لذلك منذ عقود .
ما القصد ؟ .....
لقد برهنت تجربة حرب فلسطين / 48 وبعدها حركة الضباط الأحرار / 52 أن ما حرك جموعا من الضباط الشبان في إتجاه فلسطين أولاً ثم صوب التغيير الداخلي ثانيا كانا حافزين لا ثالث لهما : إسلامي ووطني / عروبي . خذ نموذج الضباط المتطوعين في حرب فلسطين : سواء طراز أحمد عبد العزيز وكمال الدين حسين ومعروف الحضري , أم نموذج الضباط الذين أبلوا بلاءاً حسناً ضمن صفوف الجيش النظامي : محمد نجيب وسيد طه وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وزكريا محي الدين وصلاح سالم في البر , وعبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم في الجو.. تجدهم ممن امتلأت نفوسهم بنوازع التحرر ومعاداة الإستعمار والصهيونية .
والحال أن العدد المحدود للضباط الأحرار ( 300 ضابط من أصل 6000 نفذ منهم تسعون فقط الإنقلاب ) يشي بما أقصد : يشي بأن سنوات جمال عبد الناصر هي الطفرة والإستثناء لا القاعدة , اذ بفولاذية قيادته وجاذبية دعوته وقوة أمنه إستطاع عبد الناصر تطويع الجيش ليكون أداة إنفاذ لسياسته الإقليمية والقومية : إنزال وحدات المظلات في اللاذقية / أكتوبر 57 .. تنفيذ حشد فيلق في سيناء / يناير 60 بكامل المفاجأة لبن غوريون وبهدف تخفيف الضغط عن إقليم الوحدة السوري ..الخروج إلى اليمن / 62 بدءا بكتيبة وانتهاءً بفيلق أو يزيد....انجاد ثورة الجزائر أثناء خوضها حرب الرمال مع مغرب الحسن الثاني / أكتوبر 63 .. حماية نظام القذافي الوليد بحشد قوة مدرعة على الحدود الليبية .. تسليح وتدريب المقاومة الفلسطينية 67 – 73 .. وقمع تمرد المهدية في جزيرة أبا / السودان أبريل .
واللافت هنا أن هذه المهام الثقيلة خارج الحدود كانت تنفذ بروح الإنضباط العسكري دون كثير من الحماس القناعوي أو الإيماني , هذا دون إغفال أهمية الإمتيازات المصاحبة لهذه المهام ... وهي ما تفشى كالطاعون أيام حرب اليمن . مقصد القول أن طفرة يوليو هي ما وضع سلك الضباط في مناخ العروبة , وهي ما قسرهم على تغيير العقيدة العسكرية ومنظومة التسلح من غربية لشرقية , وهي ما وضعهم في الطليعة من مواجهة إسرائيل رغم نكبة 48 ومفاعيلها السلبية على الجيش المصري . إن ثلة واسعة من الضباط قادها جمال عبد الناصر هي من أنفذ سياساته داخل الجيش وخارجه . وهم فيما تحلوا به حملوا علامة واسمة هي القناعة بسياسات قائدهم والدأب على المضي بها تطبيقا وإعمالا , وإن بالتجربة والخطأ . هؤلاء المئات هم من انبث في الإعلام والمخابرات والدبلوماسية والحكم المحلي والقطاع العام – مع بقاء البعض في الجيش – ليحمل على أكتافه مشروع نهوض لم ترَ مصر له مثيلاً منذ خوالي محمد علي . لكن السواد الأعظم من سلك الضباط كان يتماشى مع خط النظام بقوة الدفع , وبحوافز المزايا والإمتيازات التي وفرها المسؤول السياسي عن الجيش عبد الحكيم عامر , فأمنه بواسطتها من أخطار التآمر والإنقلابات , وإن تسبب - في السياق - في إضافة الدعة على العزوف لتستولد خلطة من السلبية تبدت في :
1- الفشل الذريع في إدارة إنسحاب كفء من سيناء بعد الإنذار البريطاني – الفرنسي يوم 30 أكتوبر 56... تلكأت هيئة أركان الحرب في القبول بالإنسحاب , ثم بعد أن اقتنعت قررت أن يكون إلى الشرقية لا غرب القنال , ثم سمحت لظاهرة الفرار أن تتفشى بين الضباط الناجين بأنفسهم كيفما اتفق تاركين آلياتهم للدمار الذي فاق مداه ما كان يمكن احتسابه... هذا عداك عن جبن القيادات العسكرية في بورسعيد واستسلامها المهين لحظة أحست ببوادر الإنزال .
2- سلوك العديد من الـ 1400 ضابط منتدب للخدمة في الجيش الأول (السوري) سنوات الوحدة .. وفيه الكثير من العنجهية والتعالي , مما وفر تربة خصبة لأعداء الوحدة في النجاح بالتآمر عليها وفصم عراها, بل قبع جل هؤلاء الضباط ساكنا يوم الإنفصال فكانوا كالبط ينتظر صائده .
3- الفشل الذريع في قيادة عمليات اليمن تحت الإشراف العام لعبد الحكيم عامر , وسواء كان القائد الميداني أنور القاضي أم عبد المحسن مرتجي أم أحمد عبد الغني أم علي عبد الخبير أم سعدي نجيب . فقط مع ربيع 66 وبعد سنوات ثلاث ونصف من بدئها , إتخذت مساراً معقولاً من النجاح تحت قيادة طلعت حسن .
4- الخيبة الكبيرة , سواء في الإستعداد لحرب 67 أم في خوضها , أبلغ تعبير عن سوء الحال . كان ما قاله عبد الحكيم عامر ذاته يوم إنتهاء التحشيد – 20 مايو – في وصف عملية تحريك خمس فرق إلى سيناء هو أنها أشبه بتحرك الجيش عام 36 – بلدي أوي – , فما كان منه إلا وأن أقال قادة الفرق مستبدلا اياهم بآخرين ممن أثبتت الوقائع أن بعضهم كان أسوأ من السوء , ثم عندما بدأت العمليات وجدنا فرقة القسيمة تنهار كقشة من ورق من الساعات الأولى وتصحبها في السقوط فرقة رفح ( والتي استشهد قائدها اللواء عبد العزيز سليمان ) لينفتح الباب سريعا أمام تهاوي خط الدفاع الثاني . وما إن صدر قرار عبد الحكيم عامر بالإنسحاب الفوري والكيفي وعبر القنال بعد ظهر اليوم الثاني للحرب إلا و كان قائد الفرقة المدرعة الرابعة صدقي الغول قد وصل بلمح البصر إلى ضواحي القاهرة , وخبرنا أن قائد الجبهة عبد المحسن مرتجي قد وصل الإسماعيلية , وذهلنا من الكم المهول لحكايات الفرار الذي يسابق الريح لجموع غفيرة من الضباط تركت جنودها في العراء ومعداتها للدمار وهرعت للنجاة دونما نظام ولا تنظيم . ان عثمان نصار وجمال فرغلي ومحمد كامل أمثلة ساطعة على الفشل غير المبرر , وفوقهم تاج رأسهم صدقي الغول .. هذا دون التطرق حتى لنماذج صدقي محمود وإسماعيل لبيب .
5- المبالغات الفادحة في إنتحال إنتصارات ومنجزات لا حقيقة لها البتة .. هل أتاكم حديث كذبة تدمير دشم خط بارليف بنيران المدفعية المصرية 69- 70 ؟ رغم ذلك يمكن للمرء القول ان حرب الاستنزاف بمجملها كانت حربا إستنفر فيها العصب المصري للآخر, فالمهانة فادحة والأرض محتلة والعدو مستفز, و لذا كان الأداء - رغم اختلال موازين القوة النوعية – معقولاً .
6- الطامة الكبرى كانت في حرب أكتوبر, عندما أصرّ قادة فرق العبور الخمسة من المشاة على حيازة لواء مدرع لكل فرقة فوق نصابها وإلا فلا عبور. سبق ذلك تهرب القيادات العسكرية من خوض الحرب – حتى المحدودة – قدرما استطاعوا , وهم لم يذهبوا إليها إلا مضطرين , مثلهم كمثل قائدهم الأعلى أنور السادات والذي مضى إليها وفي ذهنه إبتسارها بل وإجهاضها لتكون معبرا وفقط لا إلى سيناء بمعناها الجيوستراتيجي , وإنما إلى واشنطن لتعتمده شاهاً ثانياً , ولكن غرب السويس لا شرقه .
لنتذكر سوء أداء الطيران المصري أثناء الحرب وكذبة الضربة الجوية الحاسمة في افتتاحيتها .... اذ رغم كل ما نعرفه عن الفارق النوعي بين الطيران الإسرائيلي والمصري إلا أن خسائر الأول _ بسبب الدفاع الجوي المصري _ كانت تسمح بدور أنشط وأفعل للثاني , أقله في توفير الدعم الجوي للقوات البرية .
لنتذكر الدفرسوار وكيف تحولت سبع دبابات يوم 15 أكتوبر إلى قرابة فيلقين بعد أسبوع... ثم فشل ضرب الأجناب من الغرب أو الشرق ... ثم فشل الإنقضاض على الجيب الصغير بقوات خاصة مجوقلة أو محمولة .. وكيف دبّ شلل قيادي عارم من مستوى الفرقة إلى الجيش إلى أركان الحرب , ثم كان سوء الختام حصار الجيش الثالث واحتمال حصار الثاني لو استمرت المعارك . ما أنجزه سلك الضباط بإتقان كان ما تدرب عليه آلاف المرات أي عبور القنال – وهو إنجاز بكل المقاييس لعمري عظيم – ثم ما استطاعه من تكسير الهجمات المضادة طيلة السابع والثامن من أكتوبر وامتداداً للتاسع . بعد ذلك إستنفذ "السلك" طاقته وبدأ يعتاش على ما أنجزه في الأيام الأربعة الأولى دون استثماره أو اجادة الدفاع عنه . والراجح عندي أن كراهية معظم قيادات الجيش لوزير حربيتهم بعد 67 -محمد فوزي - لم تكن أساساً بسبب قسوته وشدة ضبطه وربطه بل لأنه كان يجرهم من تلابيبهم إلى خوض حرب أملوا أن تقيهم السياسة من خوضها خشية وتهيباً من إسرائيل الأميركية .
7- إلحظوا مدى النفور العارم الذي ساد أوساط "السلك" ضد وجود الخبراء والمدربين والمستشارين السوفيات المتعاظم بين ظهرانيهم بعد هزيمة 67 . فجأة طنت رنة الإحتلال السوفياتي وشرور الإلحاد وتهدد الإستقلال الوطني ووو .. من يتابع كيف هي النظرة للأمريكيين - الذين ورثوا السوفيات- لا نجد أي امتعاض أو تضايق أو تناء من "السلك" , رغم كل التأييد لإسرائيل والتضاد مع قضايا المنطقة , إذ المهم - بل الأهم- هي النعم والحداثة والغرب والإنجليزية والحضارة والبيئة المرغوبة . هنا الدفيئة والأديم و الحليف و السند بل و السيد ... له الأرض والسماء والماء , ومنه الرضا والبركات ودوام الفضل ... تلك هي الحقيقة دون مداورة ولا تحايل .
إن سلك الضباط المصري هو في التحليل الأخير إفراز بيئة , ألا وهي النخبة المصرية التقليدية التي احتارت مع نفسها ومع العالمين متأرجحة بين فرعونيتها و متوسطيتها و تأوربها وأفريقيتها , ونائية ما وسعها الجهد والطاقة عن عروبتها وإسلامها ( بالمعنى الجيوستراتيجي لا الشعائري طبعا ) ، إلا من رحم ربي من شرائح آمنت بعروبة مصر .. أو من تيار إخواني ضمر عندما كانت تلك الشرائح في الحكم لما طرحته من مشروع نهضوي توحيدي سحب البساط من تحت أقدامه فأحال نفسه إلى دمية بيد أعوان الإستعمار من عروش "عربية" .. ثم ما لبث أن إتسع وتضخم مع غياب قائد المشروع , ومع نجاح الثورة المضادة في شق إسفين بين جمهور من البؤساء شوهت أمامه صورة القائد وتياره ... وبين الأخيرين .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نصل الآن إلى فصل المقال
هـل من وعد يعتمل في أحشاء سـلك الضباط المصري , وباق له من الزمن ... فترة ؟ الحق عندي أن طفرة يوليو هي طفرة لا استنساخ لها... الجيش الآن عارم الإتساع لجهة العدد .... يتسلم فيه ضباطه معاشاً خاصاً خارج النظام المالي للرواتب من رئيس الجمهورية , رشوة علنية لهم يرضاها ويرضونها معه
لقد تفشى فيه فساد مشتريات السلاح التي ينظمها أعوان حسني ويطعمون فيها ضباطاً عاملين ما يشبع أي نهم .. ويخرج من صفوفه متقاعدون يزحفون بالمئات على الشركات الخاصة وقطاع الأعمال .. إضافة لمواقع الحكم المحلي عبر البلاد . في يوليو تواطأ واحد من كل عشرين ضابط , ونفذ واحد من كل سبعين ضابط إنقلاباً على النظام ... إذا استعملنا ذات النسبة - على سبيل القياس - لاحتجنا الآن إلى لوائين من الضباط ليقوموا بذات الخطوة .. وذلك ضرب من شبه المحال .
ان مصر كلها , بنخبها العسكرية أم المدنية , تحتاج أن تساءل نفسها : لماذا أنا على هذه الضعة ؟ إن عرفت للإجابة سبيلا قادت من جديد ... ليس بفعل طفرة تأتي ولا تمكث في الأرض , وإنما بفعل قناعة مستقرة ينعقد عليها إجماع وطني وتلبث في النفوس والعقول والأفئدة , لحمتها أن قيمتي – أي مصر – هي في دوري , وسداها أن قدري هو دوري , و الأخير هو نتاج اجتماع عوامل التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا , وكلها تقطع بأن الذلة والضعة هما صفتا نخبة عاجزة شائهة بلا جذور ولا جذوع , و حال من مسكنة لا تكف عن مصر الشرور ولا تبعد عنها المواجع . قيمة مصر في محيطها - من حلب لجوبا ومن الإحساء لسوس - هي أن تكون فاعلة ومسئولة , سيما وأن البديل أن تضحي عبدا خانعا يكلف بمهام الفحشاء في الاقليم .
ليس من وسطية في الجيوستراتيجيا... قد تنفع في سبل التكتيك الخادمة لها , ولكن ليس في تحديد معالمها و اعمال قوانينها . لا تستطيع مصر أن تضرب موعدا اخر مع القدر فيما تجثم على صدرها وتكتم أنفاسها نخبة مضروبة من الرأس الى أخمص القدم... كل همها أن تتخايل بأوليغاركيتها وخلاسية هويتها وفي افتتانها بعبودية السيد الأكبر .. ولسانها يلهج بذكره صبح مساء . نخبة ارتضت لجيشها أن يقاتل في كاتانغا – شاباس ( الكونغو ) نصرة لتشومبي عام 77 بعد أن قاتله بالسلاح تحت أعلام الثورة والحرية قبلها بسبعة عشر عاما , وارتضت أن يقصف جيشها بلدا عربيا جارا ذات العام و بتباه منقطع النظير. نخبة تخلقت من نطفها رأسمالية متوحشة وكومبرادورية برع نظام حسني في تصنيعها فما فتئت تبرع في توفير نسغ امداده وحقن شريان حياته بمنشطات الكورتيزون .
مقصد القول أن العلة في النخبة والمعلول هو الوطن و, من ثم , الأمة... ولا أمل في شفاء الا بامساك شرائح مؤمنة بعروبة مصر بأعنة المجتمع و الدولة ..... عندها ستجد الأول لهوفا للسير على طريقها , لكنها ستحتاج الى جهد الجبابرة لتطويع الثانية على ذاك المسير ... و السبب بدهي وهو أنها – الدولة – تعج بجحافل من تلك النخبة البائسة تحتاج مصر الى لفظها مرة و الى الأبد لكي تنجو من براثن أعمالها و عمه رؤاها وأغلال عبوديتها وتخبط مفاهيمها وذل نفوسها .
ما أعجز عن تبينه هو ما يمور في تلافيف المراتب الوسطى والدنيا من الجيش... وهي التي لا ترفل في نعيم ولي النعم بالقدر الذي أفسد ذمم رؤسائهم , وتعيش في أتون غابة أطلق النظام العنان لوحوشها أن افترسوا ما تحبون فأنتم الأعلون ان كنتم راغبين .... وتنفخ فوق أعناقهم مؤسسة أمنية سمنت كالعجول وسلحت بما يوازي قدرات الجيش اذا استثنينا السلاح الثقيل .
هنا مربط الفرس ... وبالأخص ان فاض " النيل " وانداحت سيوله على طول مداه تجرف ما في طريقها من طحالب وطفيليات من دون ناظم ولا دوزان
أترى نشهد مشرق النور و العجائب ؟؟؟؟
د . كمال خلف الطويل
12 / 9 / 07