ك.خ.ط.:الشقيري ومرحلته
نظرات في سيرة رجل - الشقيري ومرحلته
4/21/2005
كنت في الحادية عشر من العمر عندما قرأت في صحيفة الدفاع الأردنية نبأ استنساب مجلس وزراء الخارجية العرب للأستاذ أحمد الشقيري ممثلا لفلسطين في الجامعة العربية بعد شغور المنصب بوفاة أحمد حلمي عبد الباقي في سبتمبر 63. كنت قبلها أسمع والدي وعمي يزكيان الرجل في أحاديثهما فترة خدمته في الأمم المتحدة ممثلا لسوريا أولا ثم للسعودية ثانيا وذلك لفصاحة قوله وقوة حجته وحسن خطابته محاميا بامتياز عن القضية الفلسطينية في المحفل الدولي الأهم. كانا يبديان اعتزازا خاصا برفضه عام 62 طلب ولي العهد/رئيس الوزراء السعودي فيصل له بتقديم شكوى ضد مصر بحجة تدخلها في الشأن اليمني بعد قيام الثورة الجمهورية في سبتمبر 62. فضّل الشقيري حينها الاستقالة من منصبه رغم كل امتيازاته على أن يلوث اسمه وسمعته في سابقة مذمومة سبقه إليها عبد الله خليل رئيس وزراء السودان في فبراير 58 شاكيا مصر لمجلس الأمن بحجة استحواذها على حلايب السودانية.
ما إن جلس الشقيري على مقعد الممثل الفلسطيني في الجامعة العربية إلا وتدافعت التطورات في المنطقة بفعل قرار جمال عبد الناصر في نهاية 63 لجم اندفاع الحرب الأهلية العربية المتفاقم بعد الانفصال السوري .. مدفوعا بعوامل متراكبة: أولها انتهاء إسـرائيل من تحويل نهر الأردن وضعف القدرة الدفاعية لسوريا والأردن سواك عـن القدرة الردعية .. وثانيها الحراك الفلسطيني المضطرم يحمل في أحشائه وثناياه نذر تنظيمات ملت انتظار اللجوء السلبي وتزمع على امتشاق السلاح بظن أن الوقت ملائم لتحريك الركود العربي المحيط وتوريط عبد الناصر في حرب تظنها مواتية .. وثالثها رغبة عبد الناصر في استكشاف أفق تسوية مع آل سعود تمكن الجيش المصري العامل في اليمن من العودة المشرفة والكفيلة بصرفه إلى مهمته الأساسية في لجم التوسعية العدوانية الإسرائيلية في إقليم الشام.
ضمن توصيات عبد الناصر للقمة العربية المنعقدة بدعوة منه في يناير 64 كان إنشاء منظمة التحرير كيانا جامعا للشعب الفلسطيني وناظما لحركته وفق إيقاع يتناسق وإيقاعه الفلسطيني وهو الذي كان شديد الصراحة عندما أعلن في يونيو 62 أمام المجلس التشريعي لقطاع غزة أنه لا يملك خطة عسكرية لتحرير فلسطين. هذا الإيقاع كان يطلب انتظارا حتى مفصل الستينات والسبعينات يوفر امتلاك السلاحين الصاروخي والنووي وإنجاز خطتين خمسيتين للتنمية. ملؤ انتظار السنوات الطويلة هذه بحيوية فلسطينية تكفل تأطير الاجتماع الفلسطيني وإدماجه في منظومة بناء قدرة طوق كان جواب عبد الناصر على خطر الحراك العشوائي. ولعل المؤرخ المنصف يستطيع بيسر أن يوثق أن ذلك بالضبط ما كانه المزاج الشعبي الفلسطيني العام والذي تربع عبد الناصر في سويدائه. عند مفصل 64 تلاقى الهوى الفلسطيني مع القرار الناصري وعبّر هذا التلاقي عن نفسه أفضل تعبير في شخص أحمد الشقيري. فهم الشقيري خير فهم ضرورات عبد الناصر والتي لم يكن يقدر على الإفصاح عنها بحكم طبيعة علاقته بالجماهير العربية آسرا وأسيرا في آن. اشتغل على قاعدة هذا الفهم فتحرك في كل الاتجاهات بانيا المنظمة وفق توافقات جامعة شكل الميثاق القومي أجمل تعبير عنها وأكثرها صحة ودقة. والشاهد أن تلمس صواب تولي الشقيري للملف الفلسطيني يمكن استنباطه من طبيعة من عارض هذا التولي: قاطعه وخاصمه فيصل آل سعود .. خاتله وداهنه ثم قاتله حسين آل هاشم .. وناور ضده مواربة وجبها وقيد من حركته البعثان "القومي" و "القطري" في تعاقب.
أسس جيش التحرير الفلسطيني مجندا فيه شباب فلسطين المبثوثين في غزة وسوريا والعراق ومستوعبا ضمنه نويات عسكرية سالفة في كل من مصر وسوريا والعراق. والأكيد أن تنامي قوة المنظمة تنظيميا وشعبيا بل وعسكريا طيلة أعوام 64-67 أسهم في فشل التنظيمات المتبرعمة الصغيرة – وكانت فتح أقواها - .. فشلها في الإمساك بتلابيب الشارع الفلسطيني رغم مبادرة فتح إلى إطلاق النار في يناير 65. بقي الشقيري والمنظمة وجيش التحرير هم روافع العمل الفلسطيني لقناعة شعبية غلابة في أنهم السبيل الصحيح إلى الأمام رغم النفس الطويل وطالما في صحبة عبد الناصر. تغير كل شيء مع خروج عبد الناصر على نصه .. نفسه. أخطأ في الحساب فانقاد – ومعه الأمة - إلى حرب كان الأجدر تجنبها بكل السبل سواء لجهة القدرة أم لجهة التوقيت. مع الهزيمة ترخي بظلالها على الشرق وقعت المنظمة في الأخدود الذي صنعته الظروف المستجدة أي بين آثار 48 وآثار 67. أصبحت أولوية عبد الناصر المطلقة إزالة آثار 67 وانتبه للقوى الجديدة التي رفعت السلاح قبل 67 وعادت إلى حمله بزخم بعدها فوجد فيها ضالة تملأ فراغ انتظار الاستعداد لحرب تحرير ما ضاع في 67. في خريف 67 تبنى عبد الناصر فتح مما عنى بالضرورة خروج الشقيري من سدة المنظمة والبدء بتسليمها لفتح والذي استكمل في فبراير 69. في الخرطوم / أغسطس 67 أسهم الشقيري في صوغ اللاءات الثلاث والتي شكلت ميسم الموقف العربي حتى وفاة عبد الناصر. في الخرطوم أيضا وقف الشقيري وقفته الأخيرة متشبثا بالحق الفلسطيني كاملا غير منقوص. كانت وقفة عز ... وهل الحياة إلاّها؟ د. كمال خلف الطويل