كفاح شعب صوماليا

من معرفة المصادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الباب الثاني: كفاح شعب صوماليا

الفصل الأول: فرص الاتحاد الصومالي

ثورة السيد محمد

في أثناء العشرين سنة الأولي من هذا القرن قام السيد محمد عبد الله حسن بثورته المشهورة الموفقة ضد السلطات البريطانية و الإيطالية و الحبشة، و كان هدفه استغلال البلاد وتطهيرها من المستعمرين الدخلاء. و كان في لقاء السيد محمد عبد الله حسن مع الكمنداتور بستالوزا ممثل الحكومة الإيطالية في أليج على المحيط الهندي بناءاً على موافقة البريطانيين للتباحث حول إيجاد تسوية سليمة. و إبرام اتفاق بين السيد محمد عبد الله و الحكومة الإيطالية في 5 مارس عام 1905 و بمقتضاها منح للسيد محمد عبد الله حسن و أتباعه أراضي نوجال التي كانت تحت نفوذ الإيطاليين، و قد اعترفت بريطانيا بالمعاهدة السابقة بين إيطاليا و السيد محمد عبد الله حسن بالاتفاقية التكملية الإيطالية البريطانية في 19 مارس 1907، و بذلك امتد نفوذ الدراويش الصوماليين إلي مستنقع كرمس، لكن سرعان ما قام السيد محمد عبد الله حسن بنقض الاتفاقية، و طلب بحرية شعب الصومال ووحدته، واستمر في كفاحه الوطني نحو ربع قرن من الزمان. و كان السيد محمد عبد الله حسن صوماليا من بلاد الأوجادين، ولم يقم الأحباش بأي عمل من شأنه بسط سلطانهم أو حكمهم في الأوجادين خلال السنوات التي تلت عام 1897 رغم إدعاءات منليك.

و في عام 1930 عملت بريطانيا على تحديد المحمية البريطانية بعد عملها على إنهاء الثورة الوطنية بقيادة السيد محمد عبد الله حسن و عملت بريطانيا أيضاً على جعل منطقة هود جنوب تلك الحدود المقترحة. و هذه المنطقة في فصل الأمطار تكون مركز الحركة الرعـوية الهامة بالنسبة للصوماليين، و لكنها ليست منطقة هامة بالنسبة للنفوذ الاستعماري البريطاني، و لم يكن للأحباش حكم فعلي في هذه المنطقة. و كانت السلطات البريطانية من الناحية العملية تشرف و تسيطر على هذه المنطقة خلال تحركات القبائل في هجراتهم السنوية عبر الحدود، و حينما حدثت واقعة وال وال كانت هيئة تخطيط الحدود موجودة في المنطقة.

معركة وال وال

لقد كانت حادثة وال وال نتيجة الصراع الدائم بين إيطاليا و الحبشة في تفسير كل منهما لمعاهدة عام 1897، و كانت منطقة وال وال مركزاً لتجمع الحيوانات من أجل وفرة مائها، و كان الإيطاليون يسيطرون عليها منذ عام 1930، و في ذلك الوقت كان الإمبراطور هيلاسلاسي و هو ابن رأس مكونين على عرش الحبشة، و قد عارض في أمر احتلال الإيطاليين لوال وال، فأرسل جيشاً من 15 ألف جندي للسيطرة على هذه المساحة الضخمة المتباعدة الأطراف، و قد وصفها شفير بأنها حركة قد بينت مدي توغل الأحباش في منطقة الأوجادين، و يبدو من هذه الأعمدة التي خلفها الجيش وراءه أنها تشير إلي أول محاولة حبشية لإقامة جيش احتلالي في هذه الأراضي المنخفضة الواسعة النادرة السكان، غير أن الإيطاليين لم يتحركوا من أماكنهم، و في الوقت نفسه لم تتقدم الحكومة الحبشية بأي احتجاج إلي روما خلال أربع سنوات من احتلال الإيطاليين لمنطقة وال وال. و قد علل هذا الموقف البروفسير بونر المستشار القانوني الأمريكي لدي الحكومة الأثيوبية أثناء إجراءات التحكيم الخاصة بمشكلة وال وال بأنها كانت بسبب الحالة التي عليها الدولة الأثيوبية في ذلك الوقت من اضطرابات في إدارة الحكومة. و كانت نتيجة الصدام الذي حدث في عام 1935 بين الإيطاليين و الأحباش، أن حدثت موجة من النشاط السياسي بين الدول الكبرى. فهل كانت رغبة إيطاليا أن تنتقم لهزيمتها في عدوه؟ و هل كانت تريد استعادة نفوذها السابق على الحبشة عن طريق القوة؟. و ما هى الوسائل الفعالة التي تمكن القيام بها لإبعاد شبح الحرب؟. لقد كانت مطالب إيطاليا تدور حول استرجاع كافة الأقاليم الصومالية للأمهرية التي تسيطر عليها الحبشة.

الإقتراح البريطاني

تسأل وزير خارجية بريطانيا السيد صمويل هوار. هل من الممكن أن نجد الصديق الذي فقدناه و أن نهييء الجو لفتح باب المفاوضات على الأقل؟. و قدمت الحكومة اقتراحاً حمله مستر إيدن إلي روما، و يرمي الاقتراح الإنجليزي إلي تنازل بريطانيا عن ميناء زيلع الصومالي الذي يمثل أهم ثغور الإقليم الشمالي و هذا التنازل لصالح الحبشة حتى تجد لتجارتها مخرجاً إلي البحر. و هذا الميناء كما يقول البريطانيون تعويض للحبشة حتى تتنازل عن مطالبها لدي الإيطاليين أو أغلبها على الأقل. و بذلك تكون الأراضي الصومالية منحة من بريطانيا لإيجاد صلح بين متخاصمين على مذهب واحد. و من حسن حظ الصوماليين أن سر هذا الإقتراح عرفه أحد الصحفيين عن طريق السكرتير البرلماني الخاص لأحد الوزراء فنشره في الصحف البريطانية، و نقلته موجات الأثير إلي مختلف بقاع العالم، وظهرت ضجة كبرى و معارضة لسياسة الحكومة البريطانية و تنكرها لعهودها و مواثيقها مع الشعوب في سبيل إرضاء الدكتاتورية الإيطالية وكسب ود إمبراطور الحبشة، و كانت نتيجة الضجة الكبرى أن رفض المشروع المقترح من قبل مجلس العموم البريطاني.

عصبة الأمم

و قامت عصبة الأمم بتعيين لجنة للتحقيق في المشكلة و قد لاحظت اللجنة اهتمام إيطاليا بالتنمية الإقتصادية في الحبشة، فاقترحت تعيين بعثة من الإخصائيين الأجانب لإصلاح الإدارة الأثيوبية، و أشارت اللجنة ( تبعاً لرغبة بريطانيا و فرنسا )، إلي استعداد بريطانيا و فرنسا للمساهمة في تقديم التسهيلات اللازمة لتسوية مشكلة الأراضي الإقليمية، و وافقت الحكومة الأثيوبية على تقرير اللجنة.

غزو إيطاليا للحبشة

تمكن مكتب المخابرات الإيطالية من تصوير تقرير اللجنة في السفارة البريطانية في روما و بذلك تسربت حقائق تشير إلي أن الخبراء البريطانيون لا يشعرون بإنزعاج من سيطرة الإيطاليين على الحبشة طالما كانت موارد المياه لبحرية تانا تبقي مضمونة، و تسرب معلومات التقرير و بعض الوثائق السرية التي صدرت سراً في داخل القارة، قد دعا موسليني إلي الاعتقاد الراسخ القوى بأن البريطانيون يريدون أن يلعبوا لعبة ذات وجهين، و أنهم منافقون و لايمكن أن يكون هناك تفاهم بعد هذا معهم، و لذلك قامت إيطاليا بغزو الحبشة.


الصومال الكبير

و نتيجة للغزو الإيطالي الصومالي على الحبشة فيما بين 1935 – 1941 أصبح جزء كبير من الأراضي الصومالية تحت إدارة واحدة، واتسعت المساحة عندما قام الإيطاليون بغزو المحمية البريطانية في أغسطس سنة 1940 و بذلك ظهر لأول مرة في – القرن الحالي – الوطن الصومالي الكبير من الأقليم الشمالي و الجنوبي و اقليم غرب الصومال ( الأوجادين و هود و عروسي ) تحت إدارة واحدة عدا الصومال الفرنسي و جزء من انفدي و على أي حال لم تستمر هذه الوحدة الصومالية فترة طويلة إذ أن الفتح الحربي لدول الحلفاء و بريطانيا للقرن الأفريقي تبعه هزيمة الإيطاليين في مارس 1941. و بذلك خرج الصوماليون من قبضة الإيطاليين إلي قبضة البريطانيين الاستعماريين، و خلال هذه الفترة الحربية كانت طائرات الحلفاء تلقي بمنشورات من الجو إلي شعب الصومال و شعب أرتريا بأمر الأمبراطور هيلاسلاسي و تنفيذ سلاح الطيران البريطاني، و ذلك أثناء تقدم البريطانيين نحو الصومال. و كانت هذه النشورات على النحو التالي: ( يا أهل أرتريا. و يا أهل بنادر. لقد انفصلتم عن أمكم أثيوبيا، و اصبحتم ترزحون تحت نير عدوكم، و ستظلون كذلك. إن أعداءنا من الإيطاليين القساة قد استولوا على بلادكم الخضراء الخصبة، وها هم يحولون دون افلاحكم ما تشاءون من زراعة. ولكن قد أتي اليوم الذي ستخلصون فيه من الذل و العار). ( لقد أتيت إليكم لأعينكم في نيل استقلال بلادكم التي تتضمن أرتريا و بنادر، و سيرفرف العلم الأثيوبي من الآن على أهلها. و نحن في هذا النضال لا أفراد و بدون سلاح، فإن بريطانيا العظمي تناصرنا، و لذلك فإنني أدعوكم جميعاً إلي الجهاد و تحرير أنفسكم من قبضة الإستعماري الأجنبي ).

و يتضح من هذا الإعلان الذي يعرفه البريطانيون تماماً و ما كان من الاتفاق الإنجليزي الحبشي على وضع يد الحبشة على بنادر و أتريا عقب انتهاء الحرب. فمن الثابت أن بريطانيا هى التي تولي حماية الإمبراطور في منفاه، و هى التي أعادته إلي الحبشة، و يتضح هذا من الحديث التالي، و له أهمية كبرى، و هو على صورة خطاب في فبراير سنة 1941 ألقاه مستر أيدن في مجلس العموم البريطاني حينما كان وزيراً للخارجية: ( إن حكومة جلالة الملكة يسرها أن ترحب بقيام دولة أثيوبيا المستقلة، و تعترف بمطالب الإمبراطور هيلاسلاسي في العرش ( أي ضم أجزاء من الوطن الصومالي إلي أثيوبيا )و البريطانيون يؤكدون بعزم عدم وجود أطماع اقليمية لهم في الحبشة ).

و فيما بين 41/1950 كانت الأراضي الصومالية ( عدا الصومال الفرنسي ) صومالند وصوماليا و غرب الصومال و أنفدي تحت سيطرة بريطانيا، و لكن بريطانيا الحريصة على مصلحتها في الحبشة تنكرت للشعب الصومالي و بدأت تساوم في تقسيم البلاد. و في 31 يناير سنة 1942 كانت بريطانيا قد أعادت السلطة الكاملة للإمبراطور هيلاسلاسي، و لكن قد انتهي ذلك بإبرام إتفاقية بين الطرفين من شأنها ترك الإدارة العسكرية البريطانية مستمرة في منطقتين هامتين تعرف أحداهما باسم المنطقة الحجوزة تكون تحت تصرف الإدارة العسكرية البريطانية لمراقبة التحركات الفرنسية حول جيبوتي، و إتفق على أن هذه المنطقة تزداد أو تنكمش تبعاً لمقتضيات الموقف و ما يتفق عليه.

أما المساحة الثانية التي اتفق عليها البريطانيون و الإمبراطور فهي منطقة الأوجادين التي كانت سابقاً تحت حكم الإيطاليين، و كان عليها أن تبقي بدون تغيير لأنها صومالية، و أصبحت تحت الفوذ العسكري البريطاني طوال فترة الإتفاق. و بعد عام ( من اتفاق عام 1942) طلب الإمبراطور في 25 مايو سنة 1943 بتعديل الاتفاقية السابقة، فوافقت بريطانيا على تعديلها في 19 ديسمبر سنة 1943 و أبرم اتفاق جديد باسم معاهدة عام 1944، بعد إجراء تعديلات في المعاهدة السابقة بحيث أعطي البريطانيون ضمانات لتثبيت السيادة الحبشية على المنطقة المحجوزة و هود، على أن تستمر الإدارة العسكرية البريطانية في منطقة الأوجادين لفترة عشر سنوات لم تتخلي بريطانيا عنها نهائياً للحبشة.

التعليق
التعليق


الاتفاق البريطاني الأثيوبي بشأن إنسحاب الإدارة العسكرية من الأوجادين و المنطقة المحجوزة في نوفمبر 1954.

تحقيقاً لرغبة حكومة المملكة المتحدة البريطانية العظمي وشمال ايرلندا و حكومة إمبراطور أثيوبيا في إنهاء الاتفاق المؤقت بشأن التنظيمات التي نصت عليها المادة السابعة من الاتفاقية البريطانية الأثيوبية المبرمة في أديس أبابا في 14 مايو عام 1887 بخصوص حقوق الرعي.

مادة أولي:

تأكيداً للسيادة المطلقة لأثيوبيا على الأقاليم التي نصت عليها معاهدة 1897، و اعتباراً من 28 فبراير 1955 فإن الإدارة العسكرية البريطانية المؤقتة حسب اتفاق 29 ديسمبر 1944 بين بريطانيا وأثيوبيا، تتخلي عن الأراضي المحجوزة كما جاء في البيان الاتفاقي، عن هذا الجزء الصومالي ( الأوجادين ) الذي هو في الوقت الحاضر تحت الإدارة البريطانية. وعلى حكومة الإمبراطورية الأثيوبية اعتباراً من هذا التاريخ ممارسة سلطتها على هذه الأقاليم.

المادة الثانية:

من حق القبائل من الصومالند و أثيوبيا عبور الحدود من أجل الرعي كما جاء في المعاهدة الإنجليزية الحبشية عام 1897، و يتعهد الطرفان أن يتخذا الخطوات اللازمة نحو حماية و مراعاة حقوق القبائل في الرعي في هذه المساحة التي تكون تحت حمايتها.

المادة الثالثة:

تقوم حكومة الإمبراطورية الأثيوبية تبعاً لسلطتها الإدارية و القضائية بحفظ الأمن العام و منح التراخيص و التسهيلات المدونة أدناه كإجراءات خاصة نظراً للظروف التي تستخدم فيها قبائل من المحمية البريطانية هذه الأراضي لغرض الرعي. ( أ ) بدون التدخل في الشئون القضائية لحكومة الإمبراطورية الأثيوبية فإن النظام القبلي المكون من النظام المحلي للسلطات و نظام الشيوخ يسير كما هو للقبائل الرعوية في المراعي الذي أقرته بريطانيا من قبل في محمية الصومالند. وتقع مسئولية حفظ النظام و القانون بين القبائل من إختصاصات النظام القبلي، و لكن هذا النظام القبلي لا يستخدم في فترات الإضطرابات السياسية داخل أثيوبيا. على أن يكون في الأراضي سبعمائة من البوليس القبلي على الأكثر في أي وقت بالإضافة إلي السلطات المحلية و الشيوخ و ضباط الإتصال و الهيئات التي سيعمل على إنشائها حسب البنود( أ – و ) على ألا يوجد موظفون من حكومة محمية الصومالند بالإتفاق مع حكومة الإمبراطورية الأثيوبية. ( ب ) حق القضاء فيما يتعلق بالقبائل و الهيئات الممثلة من اختصاصات المحاكم كمحكمة صومالند، أما القضايا التي تتعلق بأثيوبيا فمن اختصاصات المحاكم الأثيوبية مع حق ضباط الاتصال البريطاني و أعضاء هيئته في الحضور إلي المحكمة الأثيوبية مع منحه فرصة التحقيق في الأمر المتنازع عليه في المحكمة. ( ج ) من غير تدخل في السلطة المخولة للبوليس الأثيوبي للقبض على أي شخص متي كان ضرورياً لمنع جريمة ما على وشك الحدوث. في حالة حدوث جريمة تتعلق بالقبائل أو ضباط الاتصال أو هيئته، يقبض على القائم بالجريمة فوراً مع العمل على عدم تمكينه من الهروب، و إذا قبض البوليس القبلي عليه يوضع تحت الحراسة ويسلم لأقرب سلطة أثيوبية، كذلك الحال بالنسبة للبوليس الأثيوبي فإذا قبض على شخص ما يسلمه تحت الحراسة الشديدة لأقرب سلطة قبلية ليحاكم حسب بند (ب ) بواسطة محاكم المحمية. ( د ) تقيم حكومة محمية الصومالند ضابط الاتصال و أعضاء هيئته، و له حرية التنقل في الأراضي، و لهم حرية التشاور بصفة دائمة مع السلطات الأثيوبية. و على السلطات الأثيوبية أن تأخذ بإرشاداتهم فيما يتعلق بسلوكهم مع القبائل. و لتلك الهيئة و لضباط الاتصال مسئولية أمام حكومة محمية الصومالند عند نقل تعليمات حكومة المحمية إليهم، و على القبائل المشار إليها في بنهد ( أ ) معرفة السلطات الأثيوبية وتعليماتها وقت إصدارها مباشرة أو العكس من القبائل للحكومة. ( هـ ) الخدمات المتعلقة بالتعليم و الطب البيطري للقبائل داخل الأراضي يستمر العمل بها كالمعتاد أثناء وجود القبائل في الأراضي في حالة طلب الطرفين المتعاقدين التعاون بينهما بشأن توقيع هذه الخدمات بما فيها من الإمدادات المائية اللازمة.

المادة الرابعة:

جميع التسهيلات و التراخيص كما في هذا الاتفاق بشأن معاملة محمية الصومالند ستمنح حق الإلتزامات و التعهدات من بريطانيا إلي الحبشة في أراضي محمية الصومالند التي تدخلها القبائل الأثيوبية حسب النصوص الواردة في المادة (ج ) من هذا الاتفاق.

المادة الخامسة:

نصوص الاتفاقية قابلة للتعديل بل في أي وقت حسب رغبة أحد الطرفين المتعاقدين، و إذا لم يوافق أحدهما على التعديل يظل تنفيذ الإتفاق خمسة عشر عاماً، و بعد انتهاء هذه الفترة يعطي أحد الطرفين إنذاراً للأخر خلال ستة شهور قابلة للاستمرار، و بعد سنة أخرى يعطي إنذاراً بالانتهاء لاحدي سلطتي الطرفين المتعلقدين على انتهاء الاتفاق لإثبات حقوق المراعي المشار إليها في المادة (ج).

المادة السادسة:

هذا الاتفاق يكون محل التنفيذ عقب التوقيع عليه و تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق الإنجليزي الأثيوبي في 19 ديسمبر 1944 و ملحقاته و مواد بروتوكول 14 يوليو 1948، و عليه أصبحت الاتفاقية و البروتوكول غير سارية المفعول بعد الاتفاق الحالي. أبرمت هذه المعاهدة في لندن بتاريخ 29 نوفمبر 1954 و النص الأصلي باللغة الإنجليزية. توقيع: أنتوني أيدن. أكيلو ملاحظة. بمقتضي الاتفاقية السابقة تنازلت بريطانيا عن الأراضي الصومالية ( الأوجادين و هود و المنطقة الحجوزة ). للحبشة كما عمل البريطانيون على غلق الأحزاب السياسية و قتل الحريات في أقليم الحدود الشمالية ( أنفدي ) تمهيداً لضمها إلي كينيا فيما بعد. و بذلك أقام البريطانيون وحدات سياسية مختلفة في أرض الصومال.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حكم البريطانيون في الصومال

لقي الشعب الصومالي ألواناً من العذاب و الحرمان في عهد الإدارة العسكرية البريطانية مما لامثيل له في أي منطقة أخري. و الخطاب التالي يوضح لنا جانباً من جوانب من جوانب حكم البريطانيين في الصومال.

خطاب مفتوح لمستر أتلي في ديسمبر 1946 وجه السيد عبد القادر شيخ أوادين، و هو مواطن صومالي، خطاباً مفتوحاً إلي مستر أيلي، و طلب نشره في جريدة نيو تايمز، واحتج فيه بأن الصوماليين ليسوا أعداء للحلفاء، و أن من سوء حظهم أن احتل الإيطاليون بلادهم منذ خمسين عاماً، و احتج على العقوبات الجماعية، و العمل الإجباري الذي تزاوله الإدارة العسكرية البريطانية في الصومال في عبارات شديدة صارمة و هذا نص الخطاب:

صاحب السعادة: اردت أن استرعي انتباهكم إلي المحن التي ينوء بها الشعب الصومالي في عهد حكومتكم التي تمثلها الإدارة العسكرية البريطانية.

لقد سمعنا أن بريطانيا العظمي قد ضحت بدماء بنيها وبناتها و بأرواحهم و أنها كرست كل موارد ثروتها وجهود أبنائها في الحرب ضد قوات المحور لكي تنشر السلام في الأراض فتعم الحرية و الديمقراطية فاغتبطنا بذلك. ليس الصوماليين بأعداء الحلفاء و لكن كان من نكد الطالع أن يحتل أعداؤكم الإيطاليون بلادنا عنوة واغتصاباً منذ خمسين عاماً، نحن الآن في عداد الرقيق الذين وعدوا بالحرية و الديمقراطية، و واضح تماماً ان الشعب الصومالي أن الشعب الصومالي منذ خمس سنوات من اليوم الذي تحرر فيه من الإيطاليين، يعاني قصوراً في الإعتبارات الإنسانية، و اضطهاد الشعب و حرمانه من حقوقه الديمقراطية، فاليوم يخشي الشعب من الإدارة العسكرية البريطانية، و يكرهها مثلما كان يخشي الحكم الفاشي الغاشم ويكرهه. إن التفرقة العنصرية ما زالت موجودة في الصومال بصورة ملحوظة في مقدشوة، و قوانين العقوبة الجماعية قد شرعت و نفذت كوسيلة لنشر الرعب و الخوف بين الناس، فمثلاً هرب بعض العساكر منذ وقت قريب فترتب على ذلك القبض على مواشي أفراد القبيلة الأبرياء مع لأن المذنبين لم يلجئوا إلي أفراد القبيلة، كما أن الحادثة قد تمت في منطقة تبعد عن منطقة القبيلة بأميال عديدة، وليس في أيدي القبيلة أي ماشية للهاربين، و المعروف أن اللبن الذي تدره المواشي هو الطعام الرئيسي للناس. فالقبض على الماشية عمل شنيع لا تطيقة النفس، لإنه يحرم النساء و الأطفال من مقومات الحياة دون جريمة ارتكبوها. إن العقوبة الجماعية هى أيضاً السبب الرئيسي لمعظم حالات القتل في الصومال، إذ حينما يثور أفراد القبيلة غير المذنبين على هذا الإجراء الظالم الغاشم فإنهم يحتجون عليه برمي الحجارة أو تلويح العصا، و من ثم يطلق عليهم الرصاص بدعوي العصيان و الثورة بدون تقدير لمألوف تقاليد البلاد. إن التجنيد الإجباري لأعمال السخرة موجود فالسلطة العسكرية البريطانية تجمع الفقراء و التعساء و ترسلهم إلي الإقطاعيات الزراعية في جينالي و على طول نهر جوبا و الأراضي التي تقوم بزراعتها الجمعية الزراعية الإيطالية الصومالية. و في هذه المساحة الواسعة يجبر العمال الأرقاء على العمل مما تستنكره الديمقراطية و تنكره مباديء حقوق الإنسان إذ يجلد الأنفار و يسامون سوء العذاب علانية إذا ما خالفوا النظام.

و ينتهك بعض الإدارة البريطانية في غير حياء قداسة أول الحقوق الإنسانية و هى كرامة الفرد فالضباط البريطانيون يهددون و يضربون الشيوخ الصوماليين الموقرين في المكاتب، أو يأمرون بضربهم إذا ما أبدوا أي روح من التذمر و الاستياء. إن القوانين التي تحكم بلادنا و السياسة التي تسير عليها قد صنعها وزيفها الإيطاليون ورجال السياسة الفاشست بصفة خاصة لمآربهم الخاصة الدنيئة، و في تطبيق هذه القوانين الجائرة من حكومة ديمقراطية كحكومتكم لا يمثل خطأ فاحشاً فحسب، و إنما يسبب فشلاً ذريعاً و خيبة أمل للعدالة. إننا نناشدكم باسم المباديء و المثل التي وضعها أبطال بريطانيا والدول المحالفة لها و نلتمس منكم أن ترسلوا وفداً أو لجنة نزيهة معتدلة ذات أهلية و كفاءة لتفحص شكواناً، و تعمل توصيات سريعة لاصلاح أسباب سوء الحكم. ولي الشرف يا سيدي أن أكون خادمكم المطيع. عبد القادر شيخ أوادين (الصومالي ) و نتيجة للخطاب السابق دارت مناقشات في مجلس العموم البريطاني عن أعمال السخرة في الصومال، وتبع ذلك إلغاء نظام الحصة النسبية في الزراعية، و العقاب الجماعي.

الفصل الثاني: في أعقاب الحرب العالمية الثانية

في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) وقعت شبه جزيرة الصومال مرة أخرى في الصراع الدولي، فقد أصبحت أرتريا و صوماليا و ليبيا تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة بعد هزيمة إيطاليا على يد الحلفاء و توقيعها على معاهدة الصلح التي أعدها المنتصرون، و أصبحت المستعمرات الإيطالية السابقة وفق اتفاق الدول الأربع الكبري على أن تنظر في أمر المستعمرات الإيطالية سابقاً، و هذه الدول هى الإتحاد السوفيتي، و بريطانيا، و فرنسا، و الولايات المتحدة الأمريكية. و حاولت هذه الدول اتخاذ قرار بشأن صوماليا، و لكن تضاربت الآراء نحو تقرير مصيرها، فرفع الأمر إلي هيئة الأمم المتحدة لاتخاذ قرار حاسم بخصوصها.

مؤتمرات وزراء الخارجية للدول المنتصرة ومصير صوماليا: 1-في دورة عام 1945 عرضت القضية الصومالية على مؤتمر وزراء الخارجية للدول الكبرى للنظر في أمر صوماليا، وفشل المؤتمرون في إيجاد حل سليم، فعلى حين كانت أمريكا ترى الوصاية الجماعية على صوماليا، نجد أن فرنسا تعارض بشدة هذا الاقتراح الأمريكي. 2-وفي دورة عام 1946 عرضت القضية الصومالية على نفس مؤتمر وزراء الخارجية، وكانت بريطانيا قد تقدمت باقتراح في 29 أبريل 1946 على مؤتمر وزراء الخارجية بشأن وحدة صوماليا وصومالند والأراضي التي تحت النفوذ الحبشي (غرب الصومال) ضمن دائرة الكومنولث البريطاني، فعارضت أمريكا هذا الاقتراح.

نص الاقتراح البريطاني

(( أن بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا قد قاموا بتقسيم القرن الإفريقي في أواخر القرن الماضي وقد احتلت أثيوبيا مساحة شاسعة من الأراضي الرعوية، وكان نصف السكان في الصومال البريطاني يشتغلون بتلك المراعي نحو ستة شهور في العام، وكذلك الحال بالنسبة للصومال الإيطالي إذا كان السكان الرعاة ينتقلون عبر الحدود بحثاً عن المراعي الموجودة وعليه تقدمنا باقتراح نرمي من ورائه أن يتحد الصومال الانجليزي والإيطالي والمجاور للحبشة بموافقة الحبشة، وأن توضع الأقاليم تحت الإدارة البريطانية داخل الكومنولث البريطاني، كي يعيش الرعاة في تعاون وأمان، دون وجود عقبات في طريقهم، وذلك بغية إيجاد فرص واقعية لقيام حياة اقتصادية منظمة. وهذا حسب فهمنا للوضع في المنطقة، فإذا كان المؤتمر يعارض في اقتراحنا، فإننا لن نقطع برأي فيه، ونحن على استعداد أن نرى الصومال الإيطالي تحت وصاية الأمم المتحدة)). والواقع أن بريطانيا كانت ترمي من الوحدة الصومالية تحت رعايتها إلى الاستفادة من الصومال دون الإسهام في تطويره، إذ أن سياستها في الدول التابعة لها أن تمنحها الاستقلال المحلي، وحق تكوين الفرق العسكرية، ورفع الأعلام الوطنية على أن تكون سياسة الدول الجديدة في مجالات الاقتصاد والسياسة العامة تبع دائرة الكومنولث البريطاني، وظهرت هذه السياسة البريطانية أثناء احتلال بريطانيا لصوماليا فيما بين42/1950 اذ كانت نعمل على خلق أحزاب سياسية لتكون ستاراً لها لتحقيق أطماعها في الصومال، ولكنها فشلت في غرضها حينما أعلن رجال الأحزاب عن برامجهم الحزبية في الوحدة والاستقلال بدون قيد وشرط. فقد كان كل ما تخشاه بريطانيا أن يكون استقلال الصومال قاضياً على مصالحها في كينيا وتنجانيقا وعدن، وقد يطالب سكان هذه المناطق بالاستقلال دون قيد أو شرط، أو قد تقع الصومال تحت يد دولة أخرى تهدد مصالح بريطانيا في الجنوب العربي، وكينيا ونتجانيقا، لذلك سعت بريطانيا بكل قوة في سبيل الوحدة الصومالية داخل الكومنولث البريطاني، ولكن هذا قد رفضه الشعب الصومالي في بياناته أمام الرأي العام العالمي. والدليل على سوء نية بريطانيا أنها في نفس العام الذي نادت بوحدة الصومال تحت النفوذ البريطاني قامت بإجراء مفاوضات ثنائية مع أثيوبيا بشأن تبادل أجزاء من شمال صومالند والهود، مع منح الحبشة مخرجاً مباشراً إلى البحر عن طريق الموانى الشمالية على ساحل الصومال الشمالي، على شرط أن تمارس السلطات البريطانية نشاطها في المناطق الرعـوية، التي يستخدمها الصوماليون للرعي، بحكم أن تلك القبائل تابعة لمحمية الصومال البريطاني. ولم يكن لهذا الاقتراح فرصة التحقيق إذ أصبح للحبشة منفذ إلى البحر عبر أرتريا. 3-وفي دورة عام 1947: عرضت القضية الصومالية على مؤتمر وزراء الخارجية، غير أن مندوب الحبشة ملأ رءوس المؤتمرين بمطالب الحبشة المتعددة في الصومال، فادعى أحقية الحبشة في الصومال بوجود علاقات جنسية وتاريخية واجتماعية وتكامل اقتصادي بين البلدين، وأن مواني الصومال ومدنه أسواق طبيعية ومنافذ تجارية للحبشة، وأن اتصال الصومال بالحبشة يتيح فرصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للصوماليين. وأمام مطالب الوفد الحبشي انقسم المؤتمرون إلى معسكر مؤيد للأحباش وعسكر معارض له، وانتهى المؤتمر بتشكيل لجنة تحقيق تذهب إلى مقدشوه لمعرفة مطالب الشعب الصومالي نفسه، على أن يكون تقرير اللجنة هو المعيار الرسمي الذي يحكم به المؤتمرون على القضية الصومالية.

مطالب الصومال

عبر الصوماليون عن وجهة نظرهم في تقرير المصير بتقديم عدة مذكرات إلى لجنة التحقيق الرباعية التي زارت مقدشوه، كما قدم الصوماليون مذكرة لهم بتاريخ 18 اكتوبر 1948 إلى السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة. وقد عبر الصوماليون عن إحساسهم في هذا الموضوع في المؤتمر الذي عقده ونظمه الحزب الوطني وحزب وحدة الشباب الصومالي في مقدشوه بتاريخ فبراير سنة 1948، وقد حضره مندوبون عن كافة الأقاليم الصومالية، وكانت نتائج المؤتمر تعبر عن الرغبة الجماعية للشعب بالصورة التالية: 85% من السكان يرغبون في الوحدة تحت حكومة وطنية واحدة تديرها لجنة وصاية مشتركة من الدول الأربع الكبرى التي يتكون منها مجلس الوصاية التابع لهيئة الأمم المتحدة.

5% من السكان يرغبون في أن يتولى إدارة البلاد أي حكومة أخرى عدا إيطاليا تحت إشراف الوصاية الدولية للأمم المتحدة 5% من السكان يرغبون في الوصاية الدولية للأمم المتحدة، وتتولى بريطانيا إدارة البلاد. 5% من السكان يرغبون في الوصاية الدولية للأمم المتحدة، وتتولى إيطاليا إدارة البلاد. ومن الملاحظ أن الأغلبية العظمى من السكان تنادي بالوحدة الصومالية تحت حكومة وطنية واحدة، وأن تكون وصاية الأمم المتحدة بإشراف الأربع الكبار في مجلس الوصاية، وحل مشكلة الحدود، وتكوين الدولة الصومالية باسم صوماليا. وكانت مطالب الصوماليين التي تمخضت عن حركة الاستفتاء في فبراير سنة 1948 تمثل دفعاً ثورياً شعبياً جديداً نحو الوحدة والاستقلال وتعبر عن تمسك الشعب بوحدته تحت راية واحدة. وقامت لجنة التحقيق بتدوين تقريرها، ورفعه إلى مؤتمر وزراء الخارجية في شهر سبتمبر عام 1948.غير ان المؤتمر لم يتوصل إلى حل حاسم في القضية ومن ثم رفعت مسألة صوماليا إلى الأمم المتحدة في 15 سبتمبر سنة 1948.

إقرار الوصاية الإيطالية على صوماليا

على ضوء التقرير المقدم من اللجنة الرباعية عن رغبات الشعب الصومالي والأقليات في صوماليا، بل في الحقيقة على ضوء المناورات الأوروبية الاستعمارية، أقرت الأمم المتحدة في الدورة الرابعة المنعقدة في شهر نوفمبرعام 1949 منح صوماليا استقلالها بعد عشر سنوات من موافقة الجمعية العامة على شروط اتفاقية الوصاية على أن تتولى إيطاليا إدارة البلاد وتأهيلها للاستقلال خلال الفترة المذكورة ذلك بحكم أن إيطاليا لها دراية واسعة بأحوال البلاد مما يعجل بالنهضة والاستقلال، ويعاونها في ذلك مجلس استشاري مؤلف من مندوبي مصر وكلومبيا والفلبين، ويكون مقر المجلس في مدينة مقدشوة على أن تحدد اختصاصات المجلس الاستشاري بدقة في اتفاقية الوصاية التي تشمل نصاً بمقتضاه يدعو مجلس الوصاية الدول أعضاء المجلس الاستشاري إذا لم يكونوا أعضاء في مجلس الوصاية في الاشتراك دون تصويب في مناقاشات مجلس الوصاية في أي مسألة تتصل بهذا الإقليم، على أن يبدأ المجلس الاستشاري مزاولة أعماله عندما تبدأ الحكومة الإيطالية مزاولة الإدارة المؤقتة على صوماليا.

مطالب أثيوبيا

خلال فترة المناقشات حول القضية الصومالية في مؤتمرات وزراء الخارجية قدمت الحكومة الأثيوبية عدة مطالب منها: 1-في 8 مارس سنة 45 طالبت الحكومة الحبشية ببسط نفوذها على أرتريا وصوماليا أمام هيئة الأمم المتحدة، كما بعث رئيس وزراء الحبشة برسالة إلى صحيفة التيمز مطالبة بإعادة الأقاليم المفقودة، وهي أرتريا وصومالند الإيطالية التي يسميها الأثيوبيين باسم بنادر.

2-وفي 13 أغسطس 1946 تقدمت الحكومة الحبشية بمذكرة إلى مؤتمر السلام الذي عقد في باريس، وفيها ادعاءات أثيوبية خيالية على جميع الأقطار الصومالية وقد جاء في المذكرة

مادة 1- أن أثيوبيا بحدودها الحالية منفصلة تماماً عن البحر، وعليه فإن جميع صادرات و واردات البلاد يجب أن تعبر عن طريق مواني تشرف عليها بلدان أجنبية لتتمكن من أن تصل إلى أسواق العالم الخارجي، وأن هذه الحالة تضع تجارة الحبشة في خطر، وبوجه خاص عندما تكون هذه المواني تحت إشراف حكومات الأقطار المجاورة التي تنافس منتجاتها منتجات الحبشة. مادة 2- ليست أثيوبيا هى الدولة الوحيدة المفضلة لتتولى إدارة البلدين أريتريا و صوماليا فحسب، بل و انها على استعداد تام لتولي جميع المسئوليات الناتجة عن الإدارة المذكورة. ثم أن اقتصاديات أثيوبيا و أريتريا يكمل كل منهما الآخر، أي أن إزدهاراً أريتريا يتوقف على إزدهار أثيوبيا، و أن هذه الأخيرة يتوقف إزدهارها في حصولها على منفذ إلي البحر عن طريق إعادة أريتريا إليها، و نفس الشيء يمكن أن يقال عن العلاقات بين أثيوبيا و الصومال.

3 – و في مذكرة أخرى بعثت بها الحبشة إلي هيئة الأمم المتحدة تقول: قبل تنافس الدول الأوروبية في تقسيم القارة الأفريقية كان لأثيوبيا خط ساحلي على طول البحر الأحمر و المحيط الهندي، و لم تحرم أثيوبيا من هذا المخرج إلي البحر إلا في الخمسة عشر عاماً الأخيرة من القرن التاسع عشر بسبب ضياع صومالند و أريتريا، و كان أول من قام بهذا الإتجاه هم الإيطاليون الذين استولوا على مصوع في عام 1885، ثم تلا ذلك احتلال مشابه على بنادر، و الأقاليم الأخرى من صومالند، و قاموا بعقد معاهدات دون استشارة أثيوبيا و هى معاهدات 1888، 1890، 1891، 1894. 4 – حينما تأكدت أثيوبيا أن ادعاءاتها القديمة ترجع إلي العصور الوسطي في السيادة على الصوماليين، و إنها لم تجد جوابا في المجلس الدولي عللت موقفها بأن صوماليا حينما كانت خاضعة للاستعمار الإيطالي كانت قاعدة لشن الحرب الإيطالية على أثيوبيا في عام 1935.

و قد كسبت الحبشة تأييداً و عطفاً من دول كثيرة في هيئة الأمم المتحدة و عبروا عن شعورهم المشترك مع المندوب البريطاني في أسفه فيما يتعلق ( بعدم إمكان إيجاد صيغة تعبر عن إمتنانهم لأثيوبيا في موقفها هذا ). و حينما وافقت الأمم المتحدة في 30 نوفمبر سنة 1949 على وضع صوماليا تحت وصاية الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات تحت الإدارة المحلية الإيطالية و بعدها تتمتع بإستقلالها كان رد الفعل أن بعث هيلاسلاسي ببرقية احتجاج إلي مستر تريجفلي سكرتير عام الأمم المتحدة يقول فيها: ( إذا أردنا فهم الإستقلال و تفسيره على أي وجه لا حلاً مرضياً ناجحاً غير ضم الصومال إلي أثيوبيا التي تربطها به عوامل جنسية و إقتصادية و جغرافية.) كما جاء في رسالته. ( إننا نجاهد من أجل حقوقنا المقدسة، و حقوق أثيوبيا التي انتهكت حرمتها انتهاكاً وحشياً في الماضي، و من أجل المطالب الطبيعية لشعبنا الذي تمزق و تفرق شمله من جراء الاستعمار، و اؤكد أن قرار الجمعية برفض الحقوق الشرعية لأثيوبيا في بنادر و مقاطعات الصومال يهدد السلام القومي و يهدد كيان دولتي). و في رسالة أخرى إلي سكرتير عام الأمم المتحدة في 20 سبتمبر سنة 1950 يقول.. ( أنه تخطي لمباديء تقرير المصير الذي عبر عنه الشعب الصومالي بكل وضوح و أن الدورة الرابعة لهيئة الأمم المتحدة قد فشلت في مهمة الوصول إلي قرارات سريعة تساعد على اقرار العدالة و السلام).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موقف بريطانيا

أدرك البريطانيون بعد احتلالهم لصوماليا ( 1941 ) أنهم من العناصر غير المرغوب فيها، و فعلاً كان الصوماليون بعد ما قاسوه من الفاشية الإيطالية، كانوا يرغبون في أن يكونوا دولة مستقلة ذات سيادة، فكانت أماني جماعة الشعب ممثلة في الوحدة و الاستقلال بدون قيد أو شرط. و فكر الساسة البريطانيون كيف يجدون مخرجاً من هذه الأزمة فكانت المؤمرة البريطانية بإعلان الاتفاق الإنجليزي الأثيوبي في 31 يناير 1942 الذي تعدل في 19 ديسمبر 1943 و عرف 1944 و كما رأينا في نص الاتفاقية سابقاً فإنها تتسم بتثبيت و تأكيد سيادة الحبشة على الأراضي الصومالية في الأوجادين و هود والمنطقة المحجوزة بعد إدارة بريطانيا للمنطقة فترة عشرة سنوات من الاتفاقية.

و أراد البريطانيون من وراء هذه المعاهدة مع الحبشة أن يشعروا الصوماليين بأن حياتهم تتعلق بمقدار توددهم إلي بريطانيا و تقربهم منها، ولكن الشعب الصومالي الحريص على كرامته أبي أن يخضع للبريطانيين، و أعلن زعماء الأحزاب السياسية عن رغبتهم في حكومة وطنية مستقلة ذات سيادة، و رفض الشعب وممثلو الأحزاب الصومالية ما نادي به وزير خارجية بريطانيا في عام 1946 من الوحدة الشاملة للأراضي الصومالية في نطاق الكومنولث البريطاني. عادت بريطانيا إلي سياسة الدسائس و الفتن لتفريق كلمة الأمة الصومالية فأوجدت في عام 1948 فتناً بين الصوماليين والعرب، ثم بين الصوماليين و الإيطاليين. و لكن سرعان ما أدرك ساسة الصومال الوطنيون مدى الألاعيب البريطانية و هدفها من خلق حالة مضطربة في البلاد لزيادة فترة إدارتها للصومال، و خرج الشعب الصومالي من المؤامرة الدنيئة صديقاً وفياً لإخوانه العرب العاملين في البلاد.

وعملت الحكومة البريطانية من جديد على تحطيم القوى الصومالية التي تعارض سياسة بريطانيا في شرق أفريقيا و خاصة بعد أن أعلن الصوماليين و ممثلوا الشعب أمام اللجنة الزائرة في عام 1948 رفض قيام بريطانيا بالوصاية على صوماليا. و أدركت بريطانيا أن نجاح الصوماليين و استقلالهم في هذه المساحة الشاسعة قد يلقي أضواء تحررية على كينيا و عدن و تنجانيقا، و كون الصومال بمثابة النور الهادي إلي الثورات.

و حقيقة أن بريطانيا أدركت خطورة و عناد الجانب الصومالي، و عرفت في الوقت نفسه أن إيطاليا ستكون على رأس الإدارة في صوماليا فترة عشر سنوات، ثم تستقل صوماليا ولا شك أن محمية الصومال ستتبعها إن لم تسبقها في الاستقلال. وأخيراً خرجت بريطانيا من صوماليا بعد قرار وصاية إيطاليا على صوماليا و لكنها تركت من ورائها مشكلة الحدود التي فصلت هذه المناطق بشعوبها عن أخوانهم في صوماليا و محمية الصومالند، غير أن هذه الحدود انتقلت كثيراً صوب الشرق في عام 1950 لتتفق مع معالم الحدود الشرقية المتعرجة لمحمية الصومالند سابقاً، و هذا الحد مازال يسمي الخط الإداري المؤقت، و قد عبرت إيطاليا عن تحفظها بشأنه، فقد صارت إيطاليا الدولة التي وقع عليها الإختيار لإرادة قطر صوماليا تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة و بموافقة أثيوبيا.

و تنتهي هذه القصة المحزنة لغرب الصومال حينما صممت بريطانيا على عقد اتفاقية جديدة مع أثيوبيا في عام 1954، و بإنتهاء المميزات الإقليمية الممنوحة وفقاً لمعاهدة عام 1944 بشأن الهود و المنطقة المحجوزة و الأوجادين التي قامت على أسس خاطئة، و هو أن اتفاقية عام 1897 التي كانت قد حددت الممتلكات الأثيوبية في تلك المناطق. و من العجيب حقاً أن وزير الدولة البريطاني في شئون المستعمرات يدلي ببيان في مجلس العموم البريطاني عام 1955 ( بأنه يأسف لمعاهدة 1897، و أنها كغيرها مما حدث من قبل كان من المستحيل غض النظر عنها)، و في الوقت نفسه يقوم البريطانيون وفقاً لمعاهدة سنة 1954 بتثبيت الكيان الحبشي على أراضي صومالية جديدة لم يكن لهم حق سابق فيها. فكيف يمكن أن نفهم التأسف على ما فعله البريطانيون في تخليهم عن أرض صومالية كانت تحت حماية ( بريطانيا ) للحبشة في عام 1897؟. و كيف نفسر ما حدث في عام 1954 من التنازل عن أراضي صومالية جديدة للحبشة؟.

الفصل الثالث: رائد القومية الصومالية: السيد محمد عبد الله حسن

مسرح الأحداث

إصيبت البلاد الصومالية بالاستعمار في أواخر القرن الماضي، و تعرضت الوحدة الصومالية إلي التجزؤ إلي مناطق نفوذ بريطانية و فرنسية و إيطالية و حبشية، و اتخذ الدخلاء الأجانب أسلوباً إجرامياً في كبت الحريات، كل في منطقة نفوذه تبعاً للسياسة الرامية إلي تحطيم القوى المعنوية و الروحية للشعب الصومالي كي تتمكن الدولة المستعمرة من أن تحقق مطامعها من استنزاف خيرات البلاد بدون مقابل، و تسخير القوى البشرية في الداخل والخارج لمصالح المستعمر. و منذ الوهلة الأولي لدخول الأجانب في أرض الصومال المقدسة، و الشعب الصومالي كاره لهم، مجتهد في طردهم و تخليص البلاد من ظلم هؤلاء الحكام المستبدين، الذين ينهبون خيراتهم و يسحقون كل عزيز عندهم، و يدوسون كل مقدس كريم لديهم، و يفصحون عن حياة ماجنة خليعة تتسم بالعربدة و شرب الخمر في صورة تتنافي مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يعتنقه الشعب الصومالي. و كان حتما أن يثور الشعب الصومالي المسلم، الذي حمل راية الجهاد و الدعوة الإسلامية منذ فجر الإسلام، و ارتفعت راية الإسلام في كل شرق أفريقيا خلال القرن السادس عشر على يد الداعي الكبير الإمام أحمد جري الأوجاديني الصومالي، فكان على هذا الشعب النبيل العريق في الإسلام، المناضل في سبيل حريته، المحافظ على دينه الحنيف، أن يبحث عن قائد لثورته، ليعيد الحق إلي نصابه، و يطرد الدخلاء من أرض الوطن. و استجاب الله لهذا الشعب الكريم و بعث لهم بأوجاديني آخر ليقود ثورتهم في العصر الحديث إلي النصر المبين، و يحفظ راية الإسلام خفاقة و يسحق كيد المبشرين، و يضع لأمته أسس الاستقلال والحرية و الوحدة ذلك الرائد الأول للقومية الصومالية هو السيد محمد عبد الله حسن، الذي كان مثلاً للرائد الأفريقي الحر، و القائد في النضال الشعبي، و خير بطل لخير معركة، فحق علينا أن نسميه مهدي الصومال. أو أول رائد للقومية الصومالية. و قد ظهر رائد القومية الصومالية في الفترة التي برزت فيها ثورة أحمد عرابي بمصر، و ثورة أحمد محمد المهدي بالسودان، و كلاهما ضد السيطرة و التحكم الأجنبي، و إجلاء القوات الأجنبية عن أرض الوطن، بل كلاهما لم يتعرض لمثل ما تعرض له مهدي الصومال في أرض الصومال، إذ كان على مهدي الصومال أن يحارب ثلاث دول كبرى عريقة في الاستعمار و السيطرة على الشعوب و هى بريطانيا و إيطاليا و فرنسا، و دولة رابعة تريد أن تظهر في هذا الميدان الفاسد و هو ميدان الاستعمار و تشترك في تقسيم الغنيمة لتثبت جدارتها، و هى الدولة الحبشية. فكان صراعاً عنيفاً ضد دول أربع، و صراعا ًعنيفاً في توحيد كلمة الصوماليين و تعبئة الشعور القومي رغم دسائس المستعمرين و ما استطاع الدخلاء الأجانب بما يملكونه من جيوش جرارة و أسلحة و مدافع و طائرات أن ينالوا منه معركة انسحاب أو انهزام و إنما النصر دائماً كان للهلال على الصليب خلال عشرين عاماً أعلن فيها السيد محمد عبد الله حسن الثورة ضد الاستعمار بمختلف ألوانه و أشكاله. تعاون الدخلاء فيما بينهم و قووا من جبهة اتحادهم في الوقت الذي مال إليهم حفنة من الحكام المرتزقين الذين تابعوا الشيطان، و استكانوا من أجل رواتب سنوية يحصلون عليها من خزينة الدخلاء بل في الحقيقة من خيرات بلاد الصومال، و جذبتهم الوعود المضللة بالحماية و الاستقلال و التقدم الحضري فعاونوا المستعمر الذي استعان بالدسائس و المؤامرات و الرشاوي لتحطيم الجبهة الصومالية المتحدة و قد تمكنوا من محاصرة البطل في منطقة قد تلوث آبارها بالميكروبات. للقضاء على قوات المجاهد الصومالي الكبير، و لكنهم بأعمالهم غير الإنسانية زادوا في محبة الشعب لقائده، و زادوا من ثقة الشعب في ضرورة تخليص أرض الوطن من الدخلاء الأجانب، فكان للشعب الصومالي الإنتصار و كان للدخلاء الهزيمة و العار أبد الدهر.


سيرة البطل الشهيد(السيد محمد عبد الله حسن)

نشأته

ولد الزعيم القائد محمد عبد الله حسن حوالي عام 1273 هـ (1856م) في قرية فوب فردوت ناحية نقال ( منطقة حوافر الخيل) من بطون بهجري أحد بطون قبائل الأوجادين قرب ولورال وواردير. وأبوه عبد الله حسن نور من قبيلة بهجري الصومالية، وأمه من قبيلة الدولبهنتا الصومالية، فكان من خير أب وخير أم . من بيئة اشتهرت بالشجاعة والبسالة والإقدام مما أكسب شخصيته أصالة النسب والشجاعة والكرم. بدأ البطل السيد محمد عبد الله حسن حياته مع أخوانه في حفظ القرآن الكريم وتفهم تعاليم الإسلام الحنيف كعادة أهل البدو في الصومال والبلاد الإسلامية، وقد جود القرآن الكريم، وحفظ الكثير من المتون على يد شيوخ الأوجادين. وبعد وفاة والده الشيخ عبد الله حسن نور انتقل مع والدته إلى الصومالند حيث عاش في كنف أخواله فترة من الزمن، تعلم خلالها على يد أساتذة من العرب والصوماليين فعرف بعض العلوم الرياضية والفلكية، وأجاد اللغة العربية إجادة تامة، ثم ارتحل مرة أخرى إلى الأوجادين أحد المراكز الإسلامية في الصومال ليرتشف أصول الفقه والتشريع والسيرة على يد شيوخها وعلمائها العظام. واشتغل السيد محمد بالتدريس فترة في الصومالند (الصومال البريطاني سابقاً) فاشتهر بين المعلمين بسعة الاطلاع وغزارة العلوم والمعارف، حتى لقب بالفقيه البارع، لما يمتاز به من عمق التفكير وبراعة التعبير والإقناع. غير أنه تحول مرة أخرى إلى طلب العلم في مساجد مقدشوه التي كانت ذات شهرة واسعة على المحيط الهندي من كرم الضيافة لطلاب العلم والدين، علاوة على ما بها من الشيوخ المتخصصين في مختلف أنواع العلوم وفروع التفسير والتشريع، فلما وصل إلى مرتبة الشيوخ علماً وأدباً وخلقاً، أراد أن يقوم بزيارة الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج فاتفق مع نفر من شيوخ مقدشوه على تأدية الفريضة، وكان ذلك حوالي عام 1890 ميلادية أي كان عمره حينئذ أربعة وثلاثين عاماً. وخلال إقامته في أراض الحجاز، تردد على الشيوخ العرب، ينهل من علومهم ومعارفهم، ويتدارس سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، وألم بالعلوم الإسلامية من فقه وتشريع، وخلال تردده بين مكة والمدينة تعرف على الفقيه الشيخ صالح السوداني مؤسس الطريقة الصالحية، وتتلمذ على يديه حتى آخاه في المعرفة والإنسانية، وكان الشيخان يتتبعان أخبار ثورة المهدي في السودان، وثورة العرابيين في مصر ضد الظلم والطغيان والمستعمر الغاشم الذي جاء إلى أوطانهم بوباء التبشير والاستعباد. وقام الشيخان بالدعاوة إلى تعضيد الثوار في مصر والسودان وضرورة حماية أخوانهم في الله من يد الكفرة والملحدين. وخلال السنوات الثلاث أو الأربع التي قضاها في أرض الحجاز، كان السيد محمد يتتبع أخباروطنه العزيزوما تعرض له نتيجة التنافس الأوروبي في تمزيق وطنه العزيز إلى مناطق نفوذ أو مستعمرات يعمل فيها الأجنبي وفق مصالحه، وفي مواسم الحج كان السيد محمد يهرع إلى ملاقاة أبناء وطنه من الصوماليين القادمين لتأدية فريضة الحج ويتعرف منهم أحوال وطنه وما فعل المستعمر بأخوته وأولاد عمومته. وما هى إلا فترة وجيزة في عمر الزمن حتى عاد السيد محمد عبد الله حسن إلى أرض الوطن وكان ذلك حوالي عام 1896، ليستكمل العقد الفريد الذي انتظم فيه الحركة الوهابية في الحجاز والحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهدية في السودان، والحركة الصالحية في الصومال. وقد تحدث الشيخ جامع عمر عيسى راوية التاريخ والأدب في الصومال. في كتاب ((مجاهد الصومال السيد محمد عبد الله حسن)) فقال ))وفي عام 1896 عاد السيد محمد من الحجاز بعد أن أكمل دراسته العلمية في الحرمين، وأقام في عدن عند عودته مدة لا تزيد عن ستة أشهر، وقبيل ذهابه إلى الحجاز نزلت حكومة المستعمرة في ساحل بربرة بدعوى التجارة بدون رضى أهلها، وأخذت تبني الكنائس، وتنشر دين المسيحية، بعد أن انسحبت السلطات المصرية التي كانت ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية)). (( نزل السيد محمد عبد الله في ميناء بربره وعندما أراد أن يحمل متاعه إلى البلد قال مدير الجمرك الإنجليزي لا تأخذ منه شيئاً حتى تؤدي الرسوم الجمركية، فقال السيد في ثورة وغضب هل دفعت أنت رسوم جمركية عند نزولك هنا؟ ومن أعطاك تأشيرة الدخول لبلادنا؟ فرد الترجمان بما قاله وأضاف إلى ذلك أنه شيخ مجذوب، ولذلك أطلق الانجليز على السيد محمد اسم الشيخ المجنون(( الملا المجنون)) ومضى السيد في طريقه، واستوطن بربره، واشتغل بتدريس للعلوم الدينية في المساجد والمجالس العامة)).

دعوته

أنشأ السيد محمد عبد الله حسن في بربره مركزاً لنشر تعاليم الطريقة الصالحية، وأخذ ينشر دعوته بين مريديه موضحاً لهم المعاني السامية لكتاب الله وتعاليم الإسلام، ويبث في أخوانه روح الكفاح والنضال في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ومناهضة أعداء الدين والوطن. وخلال إقامته القصيرة في بربره أمكنه أن يقضي على عناصر الاختلاف والفتن بين صفوف أخوانه، وآخى بين المواطنين حباً في الله فخلق تكتلاً صومالياً جديداً في الجهاد والدعوة لتحرير الوطن. وكان السيد محمد في دعوته يعتمد على شخصيته الفذة، ورجاحة عقله، وسرعة بديهته، والاقناع بالحجة والراهين، والاستشهاد بالقرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى ما يمتاز به من براعة في قرض الشعر والتأثيرفي نفسية سامعيه حتى جمع عدداً كبيراً من المواطنين من حوله، يؤمنون برسالته ودعواه، وقد أطلق على مريديه اسم الدراويش. ومن أقواله المأثورة (( أريد أن أفرش سجادة صلاة على هذا البحر لتؤلف بين المسلمين وتؤاخي بينهم)). وكان ينادي بمحاربة العصبية، وتنظيم المجتمع الصومالي على أسس دينية سليمة، وكان ينتقل بين بربره وكيرت وكوب فاراوود في وادي السنولي موطن أمه، وغيرها من المراكز التي أنشأها وبنى فيها مساجد للعبادة. وانتقلت دعوته على يد تلاميذه إلى كل ناحية في الصومال، وأتى إليه طلاب العلم والشيوخ للاستماع إلى تعاليمه ونشرها في مدنهم. وأدرك السيد محمد أن نجاح دعوته لابد لها من الجهاد والكفاح والصبر للوصول إلى الغاية السامية التي يدعو إليها وهى الصومال الإسلامية المتحدة المتحررة من كل قيد العاملة في الفلك الإسلامي، فأنشأ قوة حامية ومناضلة من أجل تثبيت الدعوة ومحاربة العابثين بالقيم الإسلامية، فاختار من قبيلة هبرجدابورسي قوة سماها (( حجاتو)) (أي الخداشون) ومن قبيلة ميكاطيل قوة سماها حنوجر (أي الصياد) ومن قبيلة الطولبهنتا قوة سماها القيادة ولكنه لم يستمر طويلاً في هذا التنظيم بسبب العداء والفتن التي ظهرت بين القبائل التي مالت للأجانب الذين رشوهم بالمال والهدايا والمرتبات الشهرية، غير أنه تمكن من جمع شملهم في محبة الله.

بواعث الجهاد

حدث في عام1897 أن وصل إلى ساحل بربره جماعة من المبشرين تحت الحماية البريطانية، وأراد المبشرون الإنجليز أن ينشروا الدعوة المسيحية بين المواطنين، وافتتحوا مركزين للدعوة في بربره وفي مدينة أخرى ساحلية اسمها ديمولي، وتحدث الصوماليون على طول الساحل عن الدعاة المسيحيين، فتقدموا إلى السيد محمد يريدون منه استفساراً عما يفعلونه أمام المبشرين وحماتهم من البريطانيين، وكان الجواب سليماً على صورة شكوى قدمها السيد محمد إلى الإدارة البريطانية في الصومالند، طالباً إبعاد المبشرين عن الصومال وفق رغبات الشعب المسلم، ولم تتحرك الإدارة في خطوة عملية. إلى أن كانت حادثة القسيس الإنجليزي الذي كان منزله بجوار أحد المساجد في بربره، ومن عادة المؤذن أن يصعد إلى أعلى المنبر ويؤذن في مواعيد الصلاة، وفي فجر يوم من الأيام استيقظ القسيس على صوت المؤذن الذي يؤذن لصلاة الفجر، فما كان منه إلا أن أطلق عياراً نارياً على مؤذن المسجد. وكان العيار الناري الشرارة الأولى لقيام الثورة الصومالية ضد المبشرين في الصومال، وقام الشعب تحت قيادة الشيخ التقي السيد محمد إلى مركزديمولي فهدموه وإلى بربره التي لجأ إليها القسيس وتلاميذه من مركز ديمولي ولكن القوات البريطانية الموجودة في بربره حالت بين الشعب الثائر وبين المبشرين وتلاميذهم بأن بعثت بهم على ظهر سفينة إلى عدن. وأعلنت الإدارة البريطانية أن لا تبشر بعد اليوم في الصومال، ويفتخر الصوماليون اليوم في الإقليم الشمالي بأنه لا مراكز ولا مدارس ولا ملاجئ تبشير في أراضيهم. وأدرك البريطانيون أن محرك الكفاح الوطني ورائده هو السيد محمد لذلك وجهوا إليه انذاراً بسرعة الرحيل عن أراضي بربرة، فخرج السيد محمد من بربرة إلى نقال حيث قام بشراء عشرين بندقية فرنسية وتابع سيره مع نفر من مريديه إلى ناحية أغادينا ونشر دعوته بين سكان غرومي وقد وجد فيها استجابة عند شعب أغادينا وانضم إليه عدد كبير من مريديه.

أول معركة ضد الأحباش

قام السيد محمد بتعبئة مريديه نحو الكفاح والجهاد في سبيل الله، وكانت المعركة الأولى حوالي عام 1899 حينما وصل بعض الجنود غير النظاميين من الأحباش إلى مدينة جججة الصومالية، ليفرضوا اتاوة على سكانها بعد أن قاموا بنهب المنازل، وما في المساجد من حصر وسجاد، وما في الحقول من محاصيل وحيوان، وتقدم السيد محمد وجنوده إلى مشارف مدينة جججة وقاموا بغزوة سريعة على معسكرات الأحباش، وانتصر عليهم، وتقهقروا مهزومين، وغنم السيد محمد ورجاله الكثير من السلاح والعتاد الطلياني، وعادوا إلى أغادينا، غير أن السيد محمد لم يستطب الحياة فيها، ومن ثم اتجه إلى مدينة فطوين لإعداد قواته للقيام بحملات واسعة ضد البريطانيين حتى يجلوا عن البلاد.

التعبئة العامة

بدأ السيد محمد بالدعوة إلى توحيد القوى الصومالية ضد المستعمرين، وكان في عمله هذا لابد أن يصطدم مع بعض زعماء القبائل الصومالية، لأن المجتمع الصومالي في هذا الوقت كان مجتمعاً قبلياً وكان رئيس القبيلة له السلطة العليا فإذا خرجت الزعامة من يد رئيس القبيلة، كان ذلك انقلاباً في حياة المجتمع، لا يرضى عنه رئيس القبيلة، فإذا وافق البعض فإنه من المؤكد أن البعض الأخر لا يوافق على خروج الزعامة لأن ذلك في اعتقادهم إضعاف لنفوذهم ومن ثم حدث احتكاك بين السيد محمد وبعض القبائل التي رفضت الكفاح وانضمت إلى قوى الاستعمار فكانت حروب بين مبدأين، كل له أنصاره ومؤيدوه. واضطر السيد محمد أن يدخل الحرب في الجبهة الداخلية لضمان وحدة المقاومة وعدم التسلل للخونة، فكانت ضربة على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار تحت تأثير المال والجاه، وقد انضم إليه الكثير من القبائل الوطنية التي أيدت دعوته وزادته قوة وإصراراً على انتزاع حقوق مواطنيه من يد المستعمرين.

دعوة السلاطين والحكام لتوحيد الصفوف

بعث السيد محمد برسائل متعددة إلى السلاطين والحكام في مختلف أنحاء الصومال، يدعو لتوحيد الصفوف والجهاد في سبيل الله. ومن أشهر الرسائل الرسالة الموجهة إلى السلطان عثمان محمود المجرتين. وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله. كيف الرعية وحامي ديارهم منفذ أوامر الشرع المنادي به في سبيل الله. جناب المجاهد السلطان عثمان بن محمود سلطان المجرتين أيده الله ووفقه ونصره آمين. أعرض على مسامعكم الكريمة بعد رفع ما أوجبه الله من التحية الخالصة والدعاء المقبول إن شاء الله، أني أبعث لكم كتابين تباعاً تنفيذاً لقول الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم،(( الدين النصيحة لله ولرسوله ولخاصة المسلمين وعامتهم)) و بينت فيهما ما يفترضه الواجب الديني لمعالجة المطامع المسلطة على بلادهم من دولة إيطاليا الكافرة، الظالمة القاسية، و وضحت لعظمتكم أن الله تعهد بنصر المؤمنين، و تكفل بألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً إذا قاموا بتأييد دينهم، والسير على سنن قرآنهم، فإنه قال ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)). و قال في سورة الأنفال (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)) وعلى هذه السنن نهج السنوسي مع إيطاليا في طرابلس الغرب، فإنه هزمها وقهرها وغنم ما لايحصى من الذخائر والعتاد الحربي، ولم يتركه هملاً، بل صار يقاتلهم به بعد أن استعد لكل ما يلزم، وعلى هذه القاعدة أيضاً سلك سلطان الريف في المغرب الأقصى فإنه غضب لله وخرج منفرداً يقاتل في سبيل الله، ومازال يسير في وادي الإخلاص بحزم وحكمة وثبات حتى صار يقود اليوم مائتي ألف مقاتل مزودين بالبنادق والمدافع الضخمة والرشاشات السريعة التي غنمها منهم وسار يستعملها ضدهم حتى أرهب دولتي فرنسا وأسبانيا ودك قواتهما العظيمة وكاد يسحقها سحقاً، وكذلك مثل سلطان باشا الأطرش في الديار الشامية مع دولة فرنسا، وعلى هذه الخطة يسير حاكم مسلم حكيم. وكل من ولاه الله حاكماً على طائفة من المسلمين واجب عليه أن يتزود ويستعد بما يرفع عن أمته الويل، وإذا لم يفعلف فإنه يكون عاصياً ومسئولاً يوم الفزع الأكبر أمام رب العزة. ولقد تعهدت لمقامكم المهيب أنكم إذا أردتم السبيل الواضح الموصل إلى الانتصار السريع فلابد من الاستعداد، وإعداد القوة والرجال لمقاومة خصومكم المثل بالمثل، وذلك ليس من الصعب ولا من المستحيل بل يتوقف على توجيه إرادتكم القوية نحو ذلك بعد مشيئة الله. وأؤكد لكم صدقاً في كتابي هذا المرسل مع أحد خاصتكم عمرجامع مع ماسبق في كتبي السابقة، وقد وضحت له تفصيلات ذلك شفهياً بحضور خاصتكم محمود عواله فإذا عزمتم على العمل الموصل إلى سرعة حصول المرغوب فيه يجب أن تختاروا لكم وكيلاً أميناً رسمياً. والسلام) إمضاء السيد محمد عبد الله حسن

وهذا نموذج آخر لرسالة بعث بها السيد محمد إلى العلماء والشيوخ يحثهم على الجهاد في سبيل الله بإرشاد أبناء الأمة نحو الكفاح من أجل ذويهم وحرمتهم ووحدتهم. والرسالة إلى الشيخ حسن بن الشيخ آدم. الشيخ عبد الله بن عيداروس الشيخ الحاج يوسف بن عبدي الشيخ المعلم إبراهيم

بعد حمد الله والصلاة على رسوله يقول السيد محمد ومراد هذه الرسالة أمران أحدهما إبلاغ السلام، سلام الله عليكم وعلى من حضر لديكم. والثانية أريد منكم وأطلب إليكم مؤكداً حيث أنكم من العلماء الأعلام الذين هم الهداة أن تقوموا لإعلاء كلمة الدين الإسلامي. ولتوحيد صفوف أمتنا الصومالية لمقاومة الأعداء الذين يحتلون بلادنا، وستعبدون أمتنا، ويهينون شرفنا وعزتنا، ويحاولون إذلال ديننا الذي هو أشرف الأديان. وحذروا الأمة من الأشياء التي تجلب لهم الهلاك في الدارين، وتسبب لهم الكفر والارتداد، أعاذنا الله من الجميع، وبعد ذلك تكفيرهم لنا مع كوننا مسلمين موحدين مجاهدين في سبيل الله عاملين لإعلاء كلمة الله، ولإنقاذ بلادنا من براثن الأعداء الكافرين ومخالب أعوانهم المنافقين الكذابين. ومع ذلك يكفروننا بلا موجب، فيا علماء الإسلام حذروهم من ذلك وحذروهم من اتباع الكفرة والكفرمعهم، والتنظيم لهم، ونسيان العزة والتحاكم إليهم، والمعاملة معهم، ودعوة الرعية، ونصب البوارق، وجلب الفضائح إلى بلادهم، فإن ذلك كله مما يجلب الويل والهلاك. ان اتباع الكفرة لاشك أنه من المكفرات، وأما السكن معهم فتحريمه ظاهر بالكتاب والسنة أما الكتاب فيقول تعالى (( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وبئس المصير)). وأما الأحاديث ففيها قول الرسول (( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا يا رسول الله ولم؟ قال لا تراءى الناران. وأما التنظيم لهم فهو مما يجلب الكفر، وقد أنكر العلماء إيمان من عظم الكفرة لأن الله أمر بإهانتهم وقال في حقهم (( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)).

الاستعداد للحرب

قام السيد محمد بالدعوة إلى الجهاد في المراكز التي أنشأها في مختلف أنحاء البلاد، وتعبئة الشعور العام ضد المستعمر الغاشم وتوحيد صفوف المجاهدين الصوماليين ودعوة الحكام والسلاطين للإشتراك في الدفاع عن أرض الوطن وحمايته من المبشرين ومناشدة العلماء والشيوخ للقيام برسالتهم في الدعوة للجهاد المقدس ضد الدخلاء الأجانب, وخلال هذه الفترة من التعبئة العامة كان السيد محمد قد وضع مخططاً حربياً لضمان نجاح العمليات الحربية، وكان هذا المخطط الحربي يسير في عدة اتجاهات منها:

1-تنظيم الجيش وتدريبه على أحدث الطرق في القتال الفردي والجماعي. 2-جعل الصفوة الممتازة من أبناء القبائل الموالية له فرسان الطليعة. 3-الاعتماد على التجار العرب في توريد الأسلحة عبر مواني بربره وزيلع إلى معسكرات الجيش الصومالي. 4-الاعتماد على الذخائر والأسلحة التي كانت بمخازن الجيش المصري وتهربت من هرر إلى داخل الصومال. 5-الاعتماد على بعض السلاطين والحكام الذين تعهدوا بتوريد الأسلحة للجيش. 6-بناء مخازن ومستودعات في مغارات الجبال لا يعرف مناطقها غير المسئولين عنها. 7-بناء الحصون في أماكن استراتيجية كنطاق لتغطية عامة لمخازن الأسلحة. 8-الإكثار من بناء القلاع والحصون داخل الأوجادين كمنطقة تجمع واستقرار للقوات الصومالية. 9-حفر عدد من الآبار على طول جبهات الحدود الإيطالية والحدود البريطانية. 10-توزيع صهاريج المياه على نطاقات واسعة 11-التنبيه على القائمين بالأعمال الزراعية بمضاعفة الانتاج لسد حاجة المقاتلين وتوفير المؤنة اللازمة حتى في أحرج الأوقات. 12-إرسال الوفود إلى البلاد العربية من أجل السلاح والذخائر وطلب المساعدات كالعقاقير الطبية وغيرها.


إعلان الجهاد المقدس

أصدر السيد محمد أول بيان ثوري لإعلان الجهاد المقدس ضد المستعمرين والمبشرين أوضح فيه ما يجب اتباعه نحو دينهم الحنيف، والجلد في القتال والاستشهاد في سبيل الله. وهذا نص البيان بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين على أمور الدنيا والدين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد ،، فاعلموا يا أخواني وفقني الله وإياكم لطاعته، أن الله لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لحكمة يعلمها وهى عبادته وطاعته. فقال (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) ويثبت لنا هذا نبينا الذي أرشدنا إلى دينه القويم وأوجب علينا اتباعه ونهانا عن مخالفته فقال (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) وأيده بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولم يترك من أمور الدنيا والأخرة شيئاً إلا بينه. وما سار الإنسان على وفق أوامره ونواهيه إلا بلغ أقصى مناه، ونال ما يتمناه نحمدك اللهم على هدايتك وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله. ان أجل طاعة لله تتمثل في نصرة دينه، والجهاد ضد أعدائه، وقد جاء ( البادريون ) المبشرون إلى بلادنا وليس لهم غرض إلا إفساد عقيدتنا، وانتقاص أبنائنا، ونشر المسيحية في أراضينا، والسكوت على هذا معناه الرضا. والرضا بالكفر كفر وعذاب. والكفر لا يحل إلا على القوم الكافرين. وعليكم أن تقوموا بواجبكم الديني وأن تدفعوا شر هؤلاء قبل أن يستفحل الداء ويعز الدواء، أن زعماء الكفار قد غزوكم في بلادكم يريدون إفسادكم، وإفساد دينكم، وإجباركم على اعتناق مسيحيتهم، معتمدين على حماية حكوماتهم، وعلى ما لديهم من سلاح وعتاد، فحسبكم من سلاحكم إيمانكم بالله، وقوة عزيمتكم فلا ترهبوا جنودهم ولا كثرة سلاحهم فالله أقوى منهم وأكثر. هذا وكونوا صابرين على الشدائد، وموطدين العزم على التقوى طول أيام الجهاد في سبيل الله والعقيدة. قال تعالى (( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، ولاتهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله حكيماً)). وإياكم والضجر إذا توالت عليكم الهزائم فإن الحرب سجال، وقد تكون الهزيمة اختياراً لكم على صدقكم وقوة عزيمتكم. قال تعالى (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين))، وإذا رأيتم من المسلمين من يعينون الكفار بأن دلوهم على الطرق وأماكن المياه أو كانوا لهم عيوناً أو جواسيس فاقتلوهم حيث وجدتموهم فليسوا بمسلمين. قال صلوات الله عليه : (( من حمل السلاح علينا فليس منا)). أعلن جهادي أنا ومن اتبعني على الحكومة الإنجليزية التي تظل بكنفها المبشرين ( البادرين) مستعيناً بالله متوكلاً عليه، ولا يمنعني من جهادها مانع، ولا أعلم ما الله بعد ذلك صانع. ولكن الأمل منه أن يحقق المراد، وأني لأرجو أحد الفوزين أن أموت شهيداً أو أطهر البلاد من درن الكفار، والله ولينا حسبنا ونعم الوكيل.

أشهر المعارك الحربية

قام السيد محمد عبد الله حسن وأتباعه بعدة معارك حربية مع قوات الاستعمار ومن أشهر هذه المعارك، الوقائع التالية:

غزوة بهر طبغ ( حوض الدم)

في أبريل 1901 أصدرت الحكومة البريطانية أمراً إلى الكابتن سواين بالقيام على رأس جيش من قاعدة بربره إلى مدينة أفبكيلي، إذ قيل أن السيد محمد قد جمع دراويشه في هذه المنطقة لمحاولة التغلغل داخل ثكنات الجيش في بربره، والحصول على أسلحة وصلت حديثاً إلى الميناء. وتحرك الكابتن سواين بجنوده نحو الداخل، وكان السيد محمد على علم بتحركات الجيش الإنجليزي، فترك مدينة أفبكيلي، هو و جنوده ليلاً حتى إذا ما وصلت القوات الإنجليزية إلي المدينة التي قيل أنها محصنة جداً لم يجدوا بها شيئاً، و قد فاجأهم السيد محمد برجاله في صباح الثالث من مايو، و كانت أول معركة يدخل فيها السيد محمد على رأس جيش منظم، و كان الإنتصار عظيماً للصوماليين و الخسائر فادحة للبريطانيين، و تخليداً لهذا الإنتصار سميت هذه المعركة باسم معركة بهر طيغ أو حوض الدم لكثرة الدماء البريطانية التي ملأت بقاع المدينة.

غزوة قرطدن

لم يمض شهر على غزوة بهر طبغ حتى وصلت الأنباء إلي معسكرات المسلمين في ناحية لاس عانو أن البريطانيين بعثوا بحملة أخرى أكثر عدداً تحت قيادة الكابتن سواين للثأر من السيد محمد و رجاله الذين فاجأوه في صباح الثالث من مايو سنة 1901 و قتلوا عدداً كبيراً من البريطانيين. و لما علم السيد محمد بأمر الحملة نادي في جنوده قائلاً : ( يريد الكفرة أن يلحقوا بنا الهزيمة لما ألحقناه بهم من خراب و تدمير. فإلي الجهاد يا رجال الإسلام.) و تقابلت جيوش السيد محمد و جيوش بريطانيا العظمي إلي الشرق من لاس عانو بنحو خمسين ميلاً في مكان يدعي قرطدن، و كان النصر فيها للهلال على الصليب في 16 يوليو عام 1901.

السياسة الجديدة لبريطانيا ضد قوات السيد محمد: في مارس عام 1902 اضطر البرلمان البريطاني بعد أن قام البرلمانيون بدراسة تقرير ونستون تشرشل وزير المستعمرات عن الحالة في شرق أفريقيا، أن يقرروا إرسال وفد إلي الصومال لمعرفة الحقائق من أفواه الشعب و المسئولين، و كلفت الحكومة البريطانية سير ريجنالد و نجت حاكم السودان العام بالسفر إلي الصومال على رأس وفد، و كتابة تقرير عن أحوالها، و تقديم مقترحات عملية لحل الأزمة الصومالية، و مقابلة المسئولين البريطانيين لتخفيف عبء الحكومة، و تهدئة ثورة الشعب الصومالي الثائر على الحكومة. و بعد زيارة ونجت للصومال كتب تقريره مقترحاً وضع خطة للقضاء على قوات السيد محمد بالإشتراك مع القوات الفرنسية، و إقناعها بعدم بيع أسلحة أو ذخيرة للثوار. و من مقترحاته فتح باب المفاوضات المباشرة مع السيد محمد و إقرار السلام. و عملت بريطانية بالإقتراح الأول و هو أسلوب العنف و التهديد و اعتمدت في حروبها إلي استخدام الطائرات لأول مرة في شرق أفريقيا، للإرهاب و التنكيل بقوات السيد محمد، و تحولت الصحاري الصومالية الصافية إلي مداخن من الأتربة بفعل القنابل الكثيرة التي دمرت الكثير من مساكن الصوماليين الأبرياء.

غزوة بيرطقة

( شمال جالكعيو ) 19 أكتوبر 1902 كان السيد محمد و رجاله في منطقة مدق عام 1902 طلباً للراحة و الاستعداد لغزوات واسعة المدى، و انتظاراً للأسلحة التي وعد سلاطين الماجرتين أن يمدوا بها الدراويش الصوماليين مساهمة منهم مع أخوانهم الصوماليين في جهادهم ضد الطليان و الإنجليز و الأحباش. و عملت المخابرات البريطانية بمواقع القوات الصومالية بقيادة السيد محمد، فأصدرت السلطات البريطانية على ساحل الصومال أمراً بتعبئة جيش جرار لمداهمة الصوماليين في ناحية مدق ( داخل نطاق الصومال الإيطالي ) و ذلك بالإتفاق مع إيطاليا بشأن السماح للقوات البريطانية بمطاردة السيد محمد و رجاله حتى داخل أراضي المحمية الإيطالية. و السيد محمد الحريص على مصالح وطنه بعث الرسل إلي نواح مختلفة بعيدة عن أرض معسكرات الصوماليين للتجسس على الأعداء، و قد جاء رسول يخبره أن جيشاً بريطانيا ً في طريقه إلي مدق، فتأهب السيد و رجاله للدفاع و المقاومة، و التقي الجيشان في بيرطقه و كان النصر للدراويش بجانب ما غنموه من الأسلحة الحديثة الوافرة لدى العدو.

معركة عفاروينه في 17 إبريل 1903

و ما أن وصلت أخبار هزائم البريطانيين في الصومال، و الخسائر الفادحة في الأرواح و الأموال حتى قررت الحكومة البريطانية أن تقضي على الثورة الصومالية مرة واحدة قبل أن يستفحل أمرها، و يزداد نفوذها مما لا يتفق و السياسة البريطانية على ساحل الصومال، في الوقت الذي قد تتأثر فيه المحميات البريطانية الأخرى بالنزوع إلي الحرية و الاستقلال. و أتخذت الترتيبات اللازمة نحو ترك قوات إنجليزية من قاعدة بربره إلي منطقة مدق و أن تبعث إيطاليا بحملة ثانية من ناحية الجنوب. على أن يتعاون البريطانيون، و الإيطاليون في غزو من ناحية الشرق. وخرجت القوات الإنجليزية من الشمال والإيطالية من الجنوب في الوقت الذي وصلت فيه السفن البريطانية إلى هوبيا، وتبعاً لاتفاقية عام 1889 بين سلطان هوبيا وإيطاليا كانت هوبيا تحت الحماية الإيطالية، ومن ثم سمح الإيطاليون للجنود البريطانيين بالعبور خلال أراضي هوبيا رغم احتجاج السلطان يوسف على الذي نفاه الإيطاليون إلى أسمرة. وبعد أن تجمعت الجيوش في منطقة مدق أرادوا أن يدمروا حصون الدارويش دفعة واحدة، غير أن السيد محمد عمل على سحب القوات المعادية إلى أرض عفاروينه حيث تمكن أن يلحق بهم خسائر أكثر من أي معركة أخرى منذ أن أعلن الجهاد ضد الإنجليز والإيطاليين والأحباش. وفي اليوم التالي لهذه المعركة تعرض السيد محمد ورجاله إلى قوات إنجليزية قادمة من ناحية هود وأمكن هزيمتها في معركة درتولي، وهلل المسلمون حمداً لله بأنهم في يومين متتاليين استطاعوا أن يهزموا قوات إنجليزية وإيطالية أحسن سلاحاً منهم وأكثر عدداً، وقد غنم الصوماليون غنائم كثيرة. وعلم السيد محمد أن منليك بعث بجيش تحت أمرة ضباط بريطانيين لمهاجمة الدراويش في الأوجادين غير أنهم تراجعوا حينما بلغتهم الأخبار عن مدى خسائر القوات الإنجليزية والإيطالية في معركتي عفارونيه ودرتولي.

الاتفاقيات البريطانية الإيطالية للحد من نفوذ السيد محمد

وجدت بريطانيا أنها خلال الفترة ما بين 1900 إلى 1904 لم تستطع أن تتحصل على أية انتصارات أمام قوات السيد محمد، واتضح لها من كشوف الوفيات والمفقودين أن عدد الضباط الإنجليز والجنود الذين تفقدهم بريطانيا في محاربة السيد محمد يزداد من عام إلى عام بل من معركة إلى أخرى، حتى كانت آخر معارك عام 1904 بلغ عدد القتلى أكثر من عشرة أضعاف ما حدث في أول معركة رغم المساعدات التي تقدمها إيطاليا من حين إلى آخر مما أزعج الرأي العام البريطاني للخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد الحربي.

معاهدة 1905

ومن أجل إصلاح الموقف البريطاني في الصومال، دخلت بريطانيا في عدد من الاتفاقيات الدولية على نطاق واسع بهدف إيجاد أصدقاء لها أمام المحنة التي تجابهها في الصومال للقضاء على قوات السيد محمد وأتباعه. ومن أجل ذلك قامت بريطانيا بإبرام معاهدة 1905 بشأن الاعتراف بمحمية الصومال الإيطالي كحقيقة واقعة مقابل أن تعترف إيطاليا بمحمية الصومال البريطاني ونفوذ البريطانيين في جوبالند وكينيا. وفي الوقت نفسه تتعهد الدولتان بالعمل لما فيه انهاء قوات السيد محمد وأتباعه من الصومال، وتصفية شئون سلطان زنجبار على ساحل الصومال، كما جاء في رسالة المركيز لاندس داون البريطاني إلى السنيور باتا الإيطالي في 13 يناير 1905 وتعتبر هذه الرسالة جزءاً من معاهدة سنة 1905 التي من أهم نصوصها.

مادة1 : تدفع الحكومة الإيطالية مبلغ 144 ألف ليرة إيطالية أو ما يماثلها بالعملة الاسترلينية في بنك انجلترا لحساب حكومة زنجبار في خلال ثلاثة شهور من تبادل الوثائق. على أن تستمر إيطاليا في دفع قيمة الإيجار المتفق عليه حتى ينتهي ثمن الشراء إلى البنك وبذلك تنتهي كافة حقوق السلطان بمقتضى اتفاقية 1892، 1896 بشأن إدارة المدن والمواني والمقاطعات على ساحل بنادر التي تقوم بإدارتها الشركة الإيطالية، على أن يكون لرعايا السطان ورعايا بريطانيا كافة الامتيازات المتفق عليها سابقاً.

مادة 2: في حالة تخلي الحكومة الإيطالية عن حقوقها الإقليمية سواء بمقتضى معاهدات و اتفاقيات أو عرف أو ما شبه ذلك في المستعمرات الأخرى لسلطان زنجبار، فإنها تكون من هذا التاريخ تحت يد صاحبة الجلالة البريطانية بحكم أن زنجبار في يدها منذ عام 1987م.

مادة 3: تتعهد الحكومة الإيطالية في حالة تخليها عن أي جزء من الأراضي المذكورة في أي وقت فإن لبريطانيا حق تملكها بالشفعة. و في الشهر الثاني من تاريخ إبرام معاهدة 1905 دخلت بريطانيا مع إيطاليا في مفاوضات بشأن التعاون في القضاء على قوات السيد محمد، و في الوقت نفسه طلبت من فرنسا أن تغلق موانيها و طرقها ضد تسرب الأسلحة الحربية إلي قوات السيد محمد. و رغم الإتفاقيات و الجهود الأوروبية في شل قوات السيد محمد فإنهم لم يحققوا أي نصر حربي ذي إعتبار. و لذا وجدت بريطانيا أن الطريق الوحيد لتهدئة ثورة الشعب الصومالي هو التفاوض المباشر مع السيد محمد، و منحه كل ما يرغب في حدود بقاء القوات الأجنبية في الصومال. و قامت مباحثات بريطانيا – إيطالية على أن تقوم إيطاليا بالتفاوض مع السيد محمد بشأن عقد إتفاق صلح و سلام ثم تقوم بريطانيا من ناحيتها بالتصديق على المعاهدة التي تبرمها إيطاليا مع السيد محمد.

التعليق

معاهدة الصلح و السلام

كان السيد محمد و رجاله معسكرين بناحية أيل، حينما وصل الكومنداتور إلي اليج على ساحل المحيط الهندي و ناشد السيد محمد إجراء مفاوضات بشأن الصلح و السلام، و بعد نقاش طويل وقع الطرفان معاهدة الصلح و السلام في مارس سنة 1905. المادة الأولي: نصت على الصلح الدائم بين السيد محمد عبد الله وأتباعه، و الحكومة الإيطالية و التابعين لها من الصوماليين، و كذا الحال مع بريطانيا و الحبشة. وإن كل نزاع أو إختلاف ينشب بين السيد محمد و أتباعه مع إيطاليا أو بريطانيا أو الحبشة يعرض بطريقة ودية مسالمة عن طريق مبعوثين من الطرفين تحت رئاسة المندوب السامي الإيطالي أو المندوب الإنجليزي في حالة ما إذا كانت نقطة النزاع مع البريطانيين.

المادة الثانية:

نصت على تحديد منطقة إقامة السيد محمد و أتباعه ما بين رأس جاراد و رأس حابي بموافقة سلطان هوبيا و سلطان مجرتنيا الخاضعين للمحمية الإيطالية على أن يكون لإيطاليا حق تعيين مندوب عنها في أي وقت كحاكم على هذه المنطقة، و يساعده السيد محمد عبد الله على أن يقوم السيد محمد عبد الله كوكيل لأعمال إيطاليا حتى يعين مندوب إيطالي.

المادة الثالثة:

نصت على حرية التجارة في المنطقة الخاضعة لنفوذ الشيخ محمد، و أن يتعهد رسمياً بمنع مرور الأسلحة من البر أو البحر، أو استرادها، و كذلك تجارة الرقيق و أن الخالف لهذه القوانين يقع عليه عقاب تحدده الحكومة الإيطالية حسبما تري.

المادة الرابعة:

نصت على أن المنطقة المخصصة للسيد محمد و أتباعه هى منطقة نوقال و هود و لهم حق الرعي في المناطق الجنوبية من محمية الصومالند البريطانية على ألا تتعدي الحركة الرعوية خط الآبار – (هالين – هودين ) – ( هودين – نقال ) – ( نقال – ودانوت). و له حق الرعي إلي الجنوب من نطاقهم، و يجب أن يحصل على موافقة من أصحاب الأراضي في مجرتنيا و مدق، و أن المنازعات التي تتعلق بالمراعي أو سكان هذه الجهات ترفع إلي السلطات الإيطالية التي تقوم بحلها. في 28 ذي الحجة 1322هـ . إمضاء. السيد محمد عبد الله، ج. بستالوزا

إعتماد المعاهدة من بريطانيا

وقعت بريطانيا على الملحق الإضافي للإتفاقية لإمتداد السيد محمد و أتباعه إلي هالين – هودين – بوران – دانوت – كورمس – و صارت الإتفاقية نافذة المفعول إعتباراً من تاريخ توقيع الملحق الإضافي في مارس سنة 1907. ( انظر الخريطة رقم 11)

إلغاء المعاهدة من طرف السيد محمد

قام السيد محمد بدراسة الإتفاقية الإيطالية، و ما قام به البريطانيون من تعديلات، و أدرك أنها مؤامرة و الهدف منها تحديد نطاق الدراويش حتى يمكن القضاء عليهم في حيز ضيق بين المحمية البريطانية و المحمية الإيطالية و في المعاهدة إهانة لشخصية السيد محمد، إذ جعلته نائباً للحكومة الإيطالية المستعمرة في صوماليا و ذلك في نطاق المنطقة المحدد للسيد محمد و الدراويش و هى أيضا تحد من تسليح الشعب المجاهد في سبيل تحرير بلاده من الدخلاء. و رغم إعتراف بريطانيا بالمعاهدة فإن السيد محمد أعلن أن الإتفاقية ملغاة لأنها لاتتفق و آمال الصوماليين في الحرية و الاستقلال الكامل. و اضطر السيد محمد أن ينقض الإتفاقية مستنداً إلي قوله تعالي ( و أما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) و إستأنف السيد محمد و أتباعه القتال من جديد، و نقل مركز القيادة من أيل إلي تاليح لحصانتها و سهولة الإتصال مع بقية المراكز الدفاعية الصومالية.

فشل المؤامرات البريطانية

بعد إعلان إلغاء معاهدة الصلح و السلام أدركت بريطانيا أن مؤامرة الإعتراف بالصومال الإيطالي، و مؤامرة معاهدة السلام والصلح، و مؤامرة الإتفاق مع فرنسا على عدم تسليح أو السماح بمرور أسلحة السيد محمد و أتباعه. إلخ لم يكن اهذه المؤامرات نصيب من التوفيق. و في عام 1910 بعد عمليات حربية غير فاصلة، بسبب نزوع السيد محمد و أتباعه دائماً إلي عرقلة تقدم الوحدات الثقيلة من الأجهزة الحربية البريطانية في غزواتها سواء على يد الفدائيين أو عن طريق الكمائن، صدرت الأوامر من الحكومة البريطانية بتراجع وحدات الجيش إلي الأراضي الساحلية و ترك المدن و القلاع الداخلية للسيد محمد و أتباعه ريثما ترسل تعليمات أخرى إلي القواد الإنجليز على شاطيء الصومال. و من كشوف التسجيل الحربي البريطاني إتضح أن تراجع البريطانيين على الساحل كان لجمع الشمل و معرفة الحي من الميت، و توزيع السلاح و إحضار فرق عسكرية جديدة من الهند و عدن و كينيا تنضم إلي قوة المحمية بصفة استثنائية و تربط وجودها بحياة السيد محمد فإذا ما قتل عادت هذه الفرق إلي قواعدها في شرق أفريقيا و الهند و عدن و كينيا.

تهديد و وعيد

كتب الجنرال رتشارد كورنفيلد القائد العام للقوات البريطانية المسلحة في محمية الصومالند رسالة إلي السيد محمد عبد الله حسن. جاء فيها.( من قائد القوات البريطانية في الصومال إلي قائد قوات الدراويش السيد محمد عبد الله حسن. أما بعد. لقد نصحناك و أنذرناك من سوء العاقبة، و لم تقبل نصيحتنا، و لهذا فقد تكون عرضة لهجوم حكومة أكبر منك قوة، و سننسفك نسفاً أنت و من معك، إذا لم ترجع عن غيك، و تخمد ثورتك الجنونية و اعلم أن دولة صاحبة الجلالة عظيمة جداً، و لا يستطيع مجنون مثلك أن بنال منها شيئاً، فارجع عما أنت فيه، وعد إلي صوابك قبل أن تقع عليك المصيبة، و تندم على أعمالك السيئة، و الموت ينتظرك متى أصررت على عنادك). و كانت إجابة السيد محمد على رسالة ريتشارد كورنفيلد البريطاني كالتالي. ( من السيد محمد عبد الله حسن قائد قوات الدراويش الإسلامية إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد قائد قوات الشيطان. قد أطلعت على رسالتك، و فهمت منها جميع أغراضك الدنيئة و أغراض حكومتك الوضيعة، و اعلم أن قواتكم التي تفاخرون بها لا تساوي لدي شيئاً، و أعلمك أيضاً أنكم إذا كنتم تحاربون بقواتكم الهائلة، فإنني اقاتلكم بنيتي الوطنية، و إيماني القوى، و عزيمتي المتينة التي لا تعرف الملل، مهما تكن الظروف فلن استسلم و لن أكون للشرك عبداً).

معركة دلمادوب

أدركت بريطانيا أن إسلوب التهديد لا يجدي مع السيد محمد المؤمن برسالته و دعواه في تحرير و استقلال وطنه، و قررت أن تدخل حرباً كبرى مكشوفة أمام قوات السيد محمد، فأبرقت إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد أن يعد جيشاً قوياً و له مطلق التصرف في استدعاء الضباط و الجنود للدخول في المعركة الثأر للشرف البريطاني الذي استهزأ به السيد محمد، و أن يقضي قضاء تاماً على ما سمعوه بالعصابات الصومالية و قطاع الطرق، و أن يترأس القوات المسلحة المغيرة و التي تتألف من القوات الهندية الإنجليزية القادمة من الهند بالإضافة إلي القوات الموجودة في المنطقة ( أي قوات المحميات البريطانية في عدن و الصومال و زنجبار وكينيا). و اعتبر رتشارد أن المعركة تمثل هيبة بريطانيا، و حدد مكانها في تاليح معقل الدراويش، و بعد أن تجمعت قواته. زار زئير الأسد في جنوده. قائلاً. إلي الفناء يا عصابات الطرق. و دخلت الفرق الإسلامية الصومالية معركة الحقد و الثأر بكل عزيمة و إيمان و دارت رحى الحرب في أكتوبر 1913 و قتل الجنرال رتشارد في بداية المعركة عند دولمادوب و خرج الشرف الصومالي مصوناً قد حمته دماء ذكية طاهرة لتروي شجرة الحرية، و تعلن انتصار الحق على الباطل و الاستعمار. و تراجعت القوات الإنجليزية مذعورة إلي النطاق الساحلي. و هى تضمد جروحها، و تبكي قائدها الكبير الذي سقط مضرجاً بدمائه تحت سنابك خيول الفرسان الصوماليين الصناديد. و أعلنت وزارة المستعمرات البريطانية حداداً على الجنود و الضباط و قائدهم الكبير و الذين سقطوا في المعركة ضد الصوماليين أو أسروا. و أعلن الصوماليون عن فرحتهم الكبرى فسجدوا لله شكراً على هذه الغنائم من الأسلحة و العتاد الحربي الذي لا يحصيه حاسب. و كانت هذه الذخائر خير معين للقوات الصومالية ضد البريطانيين مرة أخرى و أخرى في انتصارات متتالية. ولا فرق بين معركة عدوه سنة 1886 و معركة دلمادوب الكبرى سنة 1913 ففي الأولي ( 1886 ) هزم الإيطاليون و في الثانية ( 1913 ) هزم البريطانيون وفي الأولي تحصل الأحباش على الأسلحة بالشراء من الإيطاليين و استخدموها ضدهم، و في الثانية غنم الصوماليون أسلحة من البريطانيين و حاربوهم بها.

بريطانيا تعرض ملك الصومال على السيد محمد

أدركت بريطانيا أن سياسة المفاوضات من أجل الصلحوالسلام تحت ظل الاستعمار لم تجد قبولاً عند السيد محمد المؤمن برسالته، و أن سياسة التهديد و الوعيد أسفرت عن قتل القائد العام للقوات البريطانية في الصومال و عن هزيمة الجنود البريطانيين في معركة دولمادوب و خسائر كبيرة في الأرواح و العناد. فاتخذت بريطانيا سياسة جديدة هى سياسة التعظيم و التكبير والإغراء و الهدايا و الرشوى فبعثت ببرقية إلي القائد العام للقوات البريطانية في الصومال أن يرفع العلم الأبيض رمزاً للسلام، و أن يدخل في مفاوضة مباشرة مع السيد محمد و أتباعه بحضور نائب ملك الهند و أن يمنحه الأمان، و كل ما تشتهي نفسه من أجل استقرار المحمية البريطانية في الصومال. فبعث القائد الجديد برسالة إلي السيد محمد يناشده أن يلبي نداءه و يجتمع في مكان قريب من لاس عانود في ساعة محدده. فاستجاب السيد محمد لنداء القائد البريطاني الجديد عسي أن تنتهي المفاوضات باستقلال وطنه. و تقابل الوافدان الإنجليزي و الصومالي. و تباحثا في أمر الاستقرار و الهدنة. و تقدم نائب ملك الهند بهدية إلي السيد محمد بعد أن قدم التحية باسم ملكة بريطانيا و حكومتها و شعبها. و خلال الحديث أدرك السيد محمد محور الهدنة و الصلح، و هو أن يلقي الدراويش سلاحهم مقابل أن تعترف الحكومة البريطانية و الدول الصديقة بالسيد محمد كملك على الصومال، و أن بريطانيا تضمن له اعتراف الدول به كملك على الصومال. و مع الهدية القيمة وبريق المجد و السلطان الكبير فإن السيد محمد لم ينظر إلي هذه الاعتبارات و ذاك الإغراء، بل أمر مرافقيه بالقاء الهدايا و قال كلمته المشهورة الخالدة التي تعتبر دستوراً لأمانة النضال و الصدق في القيادة و هى ( أني لم أفكر في أن أكون ملكاً، و لم يكن ذلك هدفي لا في الحاضر و لا المستقبل، و لكن هدفي الوحيد هو أن أطهر بلادي من الاستعمار، و اعيد إليها حقوقها المغتصبة، و اطهرها من الشرك و النفاق ولست أبالي بعد ذلك أن أحيا أو أموت ). و لو أن السيد محمد كان يرغب في الملك لما رفضه حين عرض عليه مع الهدايا القيمة و لكنه لا يرغب ألا في الحرية لوطنه، و الاستقلال لبلاده. و عاد الوفد الصومالي إلي مناطق التجمع للقوات الإسلامية ليروي على إخوانه ما ذهبت إليه السياسة البريطانية من تهديد و ضرب بالحديد و النار إلي الوعد بالأماني و الأحلام في ظل الاستعمار و العبودية.


استعدادات صومالية لحرب واسعة ضد المستعمرين

قام السيد محمد بتوزيع القوات الصومالية على ثلاث جبهات، جبهة لمحاصرة القوات الإنجليزية على النطاق الساحلي، و جبهة لمحاصرة منطقةبنادر لتحول دون تقدم أي فرق إيطالية إلي مدق أو مجرتنيا، و جبهة مرابطة داخل أراضي الأوجادين و كانت بصفة دائمة و إليها يرجع الفضل في عدم وقوع أي إعتداء حبشي نحو الأوجادين منذ أن ثار السيد محمد و أعلن الثورة الصومالية ضد الدخلاء و المستعمرين في عام 1901. و كان مسامو العالم في مصر و البلاد العربية و في الهند و تركيا وغيرها يباركون هذا الجهاد العظيم لمسلمي الصومال، و خشى البريطانيون أن يزداد الصوماليون قوة بتعضيد القوى الإسلامية، فأسرعت بريطانيا إلي عقد إجتماعات في لندن و في روما و في أديس أبابا للتشاور في مسألة الصومال، و السيد محمد و أتباعه، لأن القضاء على السيد محمد و أتباعه معناه إمكانية المحافظة على التقسيم الحالي للصومال بين الدول الأوروبية و الحبشة، و أن نجاح ثورة السيد محمد معناها طرد الأوروبيين و الأحباش من كل بقعة يعيش فيها صومالي، و كانت بريطانيا في هذا الوقت تعاني من قوات الدراويش في السودان. و قوات الدراويش في الصومال و أيقنت أن الأيام ستكون في صالح الشعوب الإفريقية إذا لم يتخذ المتآمرون قراراً سريعاً بشأن ما سموه حرب العصابات الصومالية و قائدها السيد محمد. و تسربت أنباء الإجتماعات التي يعقدها الدخلاء و تكتلهم ضد القوى الصومالية للقضاء عليها و إبقاء الصومال المقسم إلي خمس وحدات سياسية. في الوقت الذي كان يعاني فيه السيد محمد من نقص في الأسلحة و التموين بسبب الرقابة البريطانية و الإيطالية على سواحل الصومال و منافذها البحرية، و لذا كان حتماً على السيد محمد ان يتجه إلي العالم الإسلامي يطلب منه مساعدة مسلمي الصومال في قضيتهم العادلة.

معاهدة حماية مع الدولة العثمانية

أرسل السيد محمد عبد الله حسن الوفود إلي دول العالم الإسلامي لمد الصومال بالسلاح و الذخائر و التموين و وفداً خاصاً إلي الدولة العثمانية التي كانت تحكم دول العالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا و كان الوفد الصومالي برياسة الشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي نيابة عن السيد محمد لإجراء معاهدة حماية مع الدولة العثمانية. و هذا نص المعاهدة عن النسخة الأصلية المصورة في كتاب ( الحديد و النار ) لكروسيللي طبعة (1936 ). بسم الله الرحمن الرحيم حرر في 9 محرم الحرام 1335 موافقاً تشرين الأول 1132 الموقع على هذه الحماية السنية بدولة العلية العثمانية أيده الله بفتحه و بنعمته و بعزه الشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي المندوب المفوض المطلق المأمور بالتوقيع على حجة الحماية السنية بدولة العلية العثمانية من حضرة السيد محمد بن عبد الله حسن نور أمير قبائل الصومال بأفريقيا الصومالية الغربية الشمالية النائب عن القائم مقامه بالنيابة المقبولةالمعتمدة عن الأمير السيد المشار إليه، و عن العلماء و مشايخ القبائل و التابعين لهم على العموم بقوله: إننا نقر و نعترف لخليفة المسلمين السلطان الأعظم محمد رشاد خان الخامس و للدولة العلية العثمانية أيدها الله بالحماية المطلقة و اليد الطولي القوية لأننا من التابعين لها، المتمكن من عرش الجلالة الإسلامية العثمانية و سلاطينها من آل عثمان العظام أيدهم الله مدي الأزمان. و أننا لا نعترف لغير خليفة المسلمين بتبعية دينية، أو علاقة سياسية و نرفض رفضاً كلياً ما تزعم به دول الإنجليز و الطليان علينا، أو على أرضينا من المزاعم الوهمية التي لا ظل لها من الحقيقة، بل نلعن عليهما الحروب المستمرة، و قد زحزحنا جيوشهما في الحروب السابقة المشهورة بيننا و بينهم، و أننا لا نعترف لها بحق، و لا غيرهما عنها، و القائمين مقامها، المستقلين بأرضنا النافذة فيها أحكامنا من دول الاستعمار في أرضنا غير الدولة العلية العثمانية نحن النائبين في حدودنا المعروفة الواقع مركزها غربي شمالي من أفريقيا الصومالية من حدودها الأربعة: شرقاً قبائل المجرتين من الصومال و البحر، و غرباً: حدود الحبشة، و جنوباً: مقدشوه، و شمالا: قبائل و أرسنجلي والبحر. هذه حدود أرضنا المستقلين بها من قدم الزمان المحتوية على جبال ورمال و وديان وسهول و وعر، شعوب و قبائل شتي من الصومال. و بناء على إعلان خليفة المسلمين الجهاد المقدس في هذه الحرب العمومية على دولة الإنجليز و الطليان و المتفقين معهما نعلن أيضا جهادنا الآن عليهما، و نوجب عليها القيام التام بحقوق الدولة العلية العثمانية، و ما وجب لها و على كل من قام بمخالفة خلفة المسلمين. و من الآن فصاعداً نلزم أنفسنا و نوجب عليها القيام التام بحقوق الدولة العلية العثمانية، و ما وجب لها ديناً و سياسة من رفع أعلامها، و موالاة من والاها و معاداة من عاداها على حسب ما توجبه علينا ديانتنا الإسلامية بمقتضي الفتوي الشرعية، و أن نراعي رضاها، و نتجنب كل مداخله أو مخالفة أو مصادقة أجنبية لا توجبها على التأمين. هذا عنا و عن أبنائنا و أتباعاً ما دمنا و دامت الدولة العلية العثمانية في الوجود، ثم إننا نلتمس من رجال دولتنا العلية العثمانية أيدها الله إعلان حمايتنا، و نشرها إلي جميع الدول الأوروبية ليعلموا حقيقة احتمائنا بالدولة العلية العثمانية ليؤيدوا ذلك و يثبتوه قياماً بواجب العدالة و الحرية الواجبتين على كل دولة متمدنة. و قد أخذنا هذا على أنفسنا، و ارتضيناه و اخترناه بأنفسنا، و مما هدانا الله إلي القيام به لقوله تعالي( و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ارتضاه و قبل العمل بمقضاه الشيخ أحمد مشروع بن محمود. ( ختم أحمد مشروع بن محمود ) بناء على حجة الحماية السنية بالدولة العلية العثمانية أيدها الله و أعلاها تعهدنا نحن العثمانية بلحج أمير اللواء على سعيد باشا المفوض من طرف الدولة العلية العثمانية للشيخ أحمد مشروع بن محمود الصومالي المفوض بالنيابة عن الأمير السيد محمد بن عبد الله حسن نور أمير قبائل الصومال المقيم بالمربعة الصومالية الغربية الشمالية و التابعين لأحكامه من العلماء و مشايخ الصومال على العموم بحماية أنفسهم و أتباعهم و أموالهم و أرضهم سهولها و نجودها و ما اشتملت عليه حدودها المذكورة أعلاه من كل عدوان و اعتساف من أي دولة كانت بعد حصول الصلح من هذه الحرب العمومية من الدول، و واجب تعهده على الدولة العثمانية أيدها الله القيام التام بحقوق الحماية حسب ما توجبه عليها قواعد الدول المتمدنة. قائد القوة العثمانية بلحج ( ختم أمير اللواء على سيعد ) غير أن هذه الإتفاقية لسوء الحظ وقعت في يد البريطانيين على ساحل الصومال الشمالي مع الوفد الذي قام بالمفاوضة بشأنها و على أية حال كانت الإمدادات الحربية و الموينية تصل إلي يد الثوار الصوماليين عبر مواني الساحل الأفريقي. و كانت دول العالم الإسلامي مع الصوماليين في جهادهم، في مراكزهم أو في المؤتمرات العالمية، و نادي كل مسلم خارج الوطن الصومالي بحق مسلمي الصومال في الحرية و الإستقلال و قدم التجار العرب المسلمين كل تسهيلات لاستحضار الأسلحة، كما أعانوا الفرق الإسلامية الصومالية بالمال و مواد التموين، و التحق بعضهم في صفوف الجهاد من أجل حرية الصومال و استقلاله.

الدسائس البريطانية بين صفوف المجاهدين الصوماليين

1 – لجأت الحكومة البريطانية إلي حياكة سلسلة من الدعايات المضللة ضد السيد محمد و رجاله فاتهموه بالشراسة، و عدم الإنسانية، و حب سفك الدماء، و الميل إلي المجون، و العربدة، و اختطاف النساء إلي أو كاره الخاصة. و وصفوه بالملا المجنون. غير أن هذه الدعايات المغرضة، و الإفتراءات الكاذبةة لم تجد أذنا صاغية عند المجاهدين من القبائل الصومالية و أن كان تأثر بها بعض الأفراد ممن لم تتح لهم فرصة التعرف ولو عن قرب عن شخصية السيد محمد، و دماثة أخلاقه.

2- و كان من المعتاد عند البريطانيين عقب إبرام أي معاهدة مع أي قبيلة أن تمنح رئيس القبيلة جزءاً من المال، و بعض الهدايا، و المواد الغذائية في الوقت الذي كان فيه الإيطاليون يعطون مرتبا سنويا للسلاطين و الحكام، و تراءي لبريطانيا أن الإتساع في عملية المرتبات الشهرية على قسطين مع بعض الهدايا للقبائل و الجماعات الموالية للمستعمر من شأنه أن يوجد فوراق مادية و حضارية بين رؤساء القبائل، و في الوقت نفسه و سيلة لجذب عدد أكبر من المؤيدين عن طريق الرشاوي و المربات لضعاف النفوس و قامت بريطانيا بممارسة هذه الوسيلة و هى منح دريهمات قليلة لكسب عدد أكبر من السكان دول الدخول في معارك خاسرة في الأرواح و الأموال، و استطاعت بريطانيا خلال عامين أن تجد بعض المؤيدين للبريطانيين ضد الأعمال التي يقوم بها السيد محمد و رجاله.

3 – و أخيراً و لاندري كيف استطاع البريطانيون أن يتحصلوا على مخطوط من الشيخ محمد صالح صاحب الطريقة الصالحية و فيها توجيه إلي مسلمي الصومال التابعين لعقيدته أن يهجروا السيد محمد و أتباعه و يذكر المخطوط هذا القرار. لإتخاذه تعاليم تبتعد عن روح الصالحية كشرب الخمر و المجون و العبث بالنساء وحب سفك الدماء. واعتبار السيد محمد و التابعين له خارجين عن عقيدة الصالحية. و في هذا إفتراء صارخ للحقيقة. و على أية حال سواء كانت رسالة شيخ الصالحية مملاة عليه بحد السلاح، أو أنها مدسوسة عليه أو ما شابة ذلك فمما لاشك فيه أن هذه الرسالة كان لها تأثير كبير في نفوس الكثير من العلماء و المشايخ و البسطاء من الناس، و أن كانوا لم يعلنوا تصديقهم للرسالةمرة واحدة إما خشية بطش السيد محمد بهم، أو لأنهم شكوا في الأمر، أو لأنهم فضلوا السكون و الإبتعاد عن تأييده إلي حد كبير. و تحول بعض أنصاره و مريديه و الحاسدين له على نجاحه المتلاحق في حملاته من زعماء القبائل و رؤساء العشائر و الحكام وغيرهم من مساندته إلي جواسيس عليه، ينقلون أخباره و تحركاته إلي المستعمر صاحب الفتن و باعث الإنقسامات بين صفوف المجاهدين المسلمين.

موقف السيد محمد من دسائس البريطانيين

و من الثابت أن السيد محمد كان قد استخدم ما حباه الله به من مهارة فنية فائقة، في الإعتماد على التدابير التقليدية في جذب وحدات جيشه من النظام الأسري إلي داخل إطار الوحدة الإسلامية فكان له التوفيق الكبير. و قد قام السيد محمد بدحض أكاذيب المستعمرين و أذنابهم وبعث برسائل متعددة إلي السلاطين و الحكام و رؤساء القبائل و العشائر يطلب منهم أن يستمروا في تأييد دعواه و سبق أن أوردنا نموذج من رسائله للسلطان عثمان محمود ليؤازره العمل لتوحيد صفوف المجاهدين الصومالين بالإضافة إلي القصائد التي يبعث بها أو ينشدها في مناسباتها. و للسيد محمد قصائد تعتبر من أورع ما قيل في الشعر الصومالي الكلاسيكي، فقد كان الشعر و سيلة طبيعة للاتصال بإخوانه و مريديه و مؤيديه في نضاله ضد البريطانيين و الفرنسيين و الأحباش، و غالباً ما كان يعطي تعليماته لأتباعه بطريقة شعرية، و كان لاذعا في صب هجائه على اعدائه، وحلوا شجيافي منح تمنياته الطيبة لأصدقائه و معضديه عنطريق الشعر أيضا، و له قصائد طوال من الجباي و يمكن أن نقتطف المقطوعة التالية من جيفتو (يمتاز بالجماعية في الإنشاد ) بعنوان اجابة السيد في اليج. و فيها دحض لإتهامات البريطانيين و وصمهم بالفتن و المؤامرات.فيقول: أنا أشكو وأنتم عن الإغارات عليكم تتحدثون . أنتم الظالمون و على قطعانهم تستولون. أنتم السارقون لثرواتهم و على مساكنهم تنهبون. أنتم الفاسدون لأوطانهم و بالروث تلوثون. دفعتوهم للجوع فأصبحوا للعفن و الضواري يأكلون. و إذا التفاهات من فتات مابين أكواخهم يسرقون. فلا أشكو إليكم و لا إلي أنتم تشكون. فأنا أشكو و أنتم عن الإغارات عليكم تتحدثون.

نهاية السيرة الخالدة للسيد محمد عبد الله حسن

في أؤائل عام 1919 علم السيد محمد و رجاله أن الحكومة البريطانية قررت أن تعبيء جيشاً برياً مزوداً بالعربات المصفحة و المدافع الرشاشة السريعة الطلقات، و عشرة آلاف جندي من المشاة تساندهم قوى هائلة من الطيران بقصد التوغل في أراضي المحمية لتطهيرها من الدراويش و تفادي الخسائر التي تصاب بها المعسكرات البريطانية من جراء المفرقعات التي يضمها الفدائيون الدراويش في جهات مختلفة من المعسكرات، حتى اختفت فرق عسكرية بريطانية بأكملها.

التعليق


و كان السيد محمد يعسكر مع الدراويش في مكان قريب من عرجابو حينما وصلته هذه الأنباء على لسان تاجر عربي. فأمر السيد محمد أن يرتحل الجنود إلي تاليح المركز العام للقيادة الصومالية لمتانة التحصن بها، و بدأ سير القوات الصومالية صوب تاليح غير أن الأنباء وصلت عن وجود فرق إنجليزية متجهة ناحيتها لذلك إتجه السيد محمد و الدراويش ناحية نقال قاصدين نهر شبيلي للإنضمام إلي القوات الصومالية المرابطة هناك برأسة أخيه خليفة عبد الله حسن، و بذلك جمع السيد محمد الجيوش الصومالية للدخول في معركة كبرى ضد البريطانيين. و جاء إلي المعسكر وفد صومالي يطالب بعودة السيد محمد و رجاله إلي نقال، و وقف القتال للعيش في سلم و هدوء. فقال السيد محمد بطل الاستقلال.( أعوذ بالله منكم وممن أرسلكم. لن أستسلم و لن أكون للشرك عبداً ). فانصرف الوفد عائداً من حيث أتى. و استمر السيد محمد في اعداد الجيش و استكمال المعدات الحربية خلال ثمانية شهور أو أزيد بقليل حتى ظهر وباء مميت بين القوات الصومالية المجاهدة، و يذكر أكثر الرواة أن هذا الوباء قد حمل جراثيمه رجلان من عملاء الاستعمار الإنجليزي، و ألقوا به في آبار منطقة هروشكح التي يعسكر فيها الدراويش و نتيجة لذلك، كثرت الوفيات في الوقت الذي عز فيه الدواء و الطبيب، و لذلك كانت معارك هروشكح فيعام 1920 من المعارك الخاسرة بالنسبة للصوماليين. و استمرت الحروب البريطانية الصومالية نحو عام كامل (1920 /1921) و فيها تسجيلات رائعة لمعارك عظمى انتصر فيها الشرف الصومالي، و رغم المدافع الثقيلة و الطائرات الحربية و القنابل المدمرة التي قيل أنها ألقت أكثر من مائة قنبلة على حصن تاليح و كادت تحطمه في الوقت الذي لا يملك فيه الدراويش طائرة واحدة بينما تمتليء سماء تاليح بطائرات مقاتله ضخمة و أمام هذا الضغط الحربي الكبير اضطر السيد محمد أن يصدر أوامره كما هى عادته بالتفرق السريع و التوغل في البلاد تفادياً من وقع خسائر في الأرواح، بيد أنه استنفد كل وسائل المقاومة و التضحية، و خرج السيد محمد جريحاً من إحدى المعارك، و مات الشهيد متأثراً بجراحه في نهاية عام 1921 تقريباً، و بحث البريطانيون في نهاية المعركة عن جثمان الشهيد السيد محمد، رائد القومية الصومالية، ليفعلوا به كما فعل البريطانيون برأس السيد محمد المهدي في السودان ليجعلوا من جمجمته منفضة سجائر لملكة بريطانيا و زوارها، غير أنهم لم يتمكنوا من ذلك فقد نجح ورثته في الكفاح و الجهاد من إخوانه الدراويش أن يظل قبره سراً لا يعرفه إلا الخاصة من مريديه. و بعد عام 1921 استعادت الحكومة البريطانية قوتها للسيطرة على الإقليم الشمالي، و لكن بعد أن تركت ثورة السيد محمد مرارو و حسرة في نفوس الشعب لا يمكن أن تمحوها السنون و القرون، و قد أصاب المؤرخ البريطاني الرسمي في ذلك الوقت حينما قال ( أنه سيعيش في قلوب مواطنيه إلي الأبد كرجل وطني و زعيم خالد الذكرى، بلغ الذورة في البطولة.). و بعد أربعين عاماً تقريباً تحررت البلادبقسميها الشمالي و الجنوبي وهى اليوم تعمل لاستكمال الرسالة التي وضعها السيد محمد للاستقلال الكامل للوطن الصومالي الكبير و طرد الدخلاء و المبشرين و تدعيم الاستقلال.

مباحث المنافقين

من الرسائل الخالدة للسيد محمد عبد الله حسن للسيد محمد رسائل خالدة في الأدب و منها الرسالة العظيمة التي سماها مباحث المنافقين و هى توضح جانب من جوانب الكفاح الوطني وحقيقة بواعث الثورة الصومالية بزعامة السيد محمد. و هذا نصها كما ورد في كتاب (أضواء على الصومال ) للأستاذ عبد الصبور مرزوق. بعد حمد الله و الصلاة على رسوله. نحن قوم قاموا بالعزم و الإيمان، و عقدوا نيتهم على أن يدافعوا عن دينهم و وطنهم وشرفهم بآخر قطرة من دمائهم، يجاهدون في سبيل الله تعالي لاعلاء كلمة الإسلام إلي أن يحققوا أغراضهم أو يستأصلوا من فوق الأرض . ونحن قوم نكافح لتطهير جميع أنحاء بلاد الصومال من الأعداء الكافرين المستعمرين لأننا نعلم تماماً أنه لا يمكن أن نعبد الله في أرض آمنيين مطمئنين، ولا أن نقيم أحكام كتابه و لا أن نستثمر خيراتها و لا أن نستنشق نسيم الحرية بها إلا بعد تحقيق الغرض المذكور. و نحن قوم حاصرهم الكفار و المنافقون من جميع الجهات، و أحاطوا بهم كإحاطة الهالة بالقمر، و السوار بالمعصم، و قطعت عنهم جميع المواصلات و الإمدادات الحربية و الغذائية. و نحن قوم ملئت صدورهم من الغضب و الغيظ لأجل تخاذل المسلمين و تخالفهم مع كثرتهم و تعاون المستعمرين و توافقهم مع قلتهم في بلادنا. و نحن قوم باعهم شعبهم بثمن بخس لعدوهم، و قد أنفقت الحكومة الإنجليزية و الحبشية و الإيطالية و الفرنسية في سبيل ذلك مالا كثيراً، و انضمت إليهم بعض القبائل الصومالية التي خضعت لرعوية تلك الدول بإختيارها و طوعها يقودها سلاطينها و زعماؤها و يحرضها علماؤها على حربنا. و نحن قوم لا يخضعون لأعداء دينهم و وطنهم و لو كثرت جنودهم، و تتابعت هجماتهم، و تنوعت آلاتهم المهلكات، و اشتدت وطأتهم علينا، و انضمت إلي صفوفهم أكثرية غير وطنية و أكثرية من المستخدمين الأجانب لأننا نريد أن نشتري بأموالنا و أنفسنا الجنة من الله تعالي و أن نظهر تضحيتنا في الجهاد و صدق إيماننا و إسلامنا. و نحن قوم لا نسمح للكفار أن يحتلوا بلادنا أو يحكموها، و لا نتكالب على ذلك مع المستعمرين لا بعوض و لا بتهديد، و لا نترك قوانين الشريعة و أحكامها و لا نجعلها خاضعة لقوانين الكفر و أحكامها الطاغوتية، بل نعلن حربنا على الزعماء الذين يسمحون لهم بدخول بلادنا و استعمارها و نوجه لومنا إلي العلماء و القضاة الذين يهينون شريعتنا الإسلامية و يجعلونها تحت أقدام الكفرة الفجرة. تلك أحوالنا التي سألتنا عنها، أما أحوالنا مع أكثرية القبائل الصومالية التي نتحارب معها فأفيدك أيها الشيخ أنه. لما أزمعت في أوائل القرن الرابع عشر الهجرى بعض الدول أن تستعمر بلادنا و هى الدولة الإنجليزية و الإيطالية و الفرنسية و الحبشية. و اتجهت أفكارها إلي ذلك و دخلت الأولي بلادنا من ميناء بربرة بمكاتبة الأهالي، و الثانية: إيطاليا من مقدشوة، و الثالثة: فرنسا من جيبوتي بتلك الصفة، و الرابعة: الحبشة إليهرر بالقوة حينما فتحها منليك في 1305هـ من يد حاكمها الصومالي الأمير عبد الله. اتفقت عند ذلك تلك الدول الأربع على ألا تتصادم في استعمار البلاد الجديدة، و تبادلت مكاتبات سرية يجهلها جميع المواطنين، و تجعل لكل دولة من الأربع قسطاً في بلادنا بتلك المكاتبات السرية، و لكنها لم تخطط حدوداً في بلادنا كما لم تفتح فيها طرقاً. لأنه قبل تحقيق ذلك الحلم أعلنا عليهم جهادنا فكان حاجزاً بينها و بين ذلك و لن يكون لها إن شاء الله تعالي تحقيق أمانيها و تخطيط حدود أراضيه في بلادنا ما دمنا على قيد الحياة، ولن تنفعها شيئاً الخطوط المكتوبة في الأوراق. ثم أن الدول المذكورة بدأت تبذل أموالاً تافهة لزعماء القبائل ورؤساء العشائر لتشتري منهم دينهم و وطنهم و شرفهم و عزهم بتلك الدريهمات. و كأن الزعماء لا يفهمون مرارة الاسترقاق و الاستعمار و لا يدركون ما سيحصل لهم و لشعوبهم من الذل والخزي و الهوان بعد ما خلا الجو ممن يعارضون تلك الدول. و لا يلتفتون إلي أن تلك الدول تريد استثمار خيراتها لفائدة دولهم، و لا تريد أن تجلب خيرات بلادها إلي هؤلاء الجهلاء الأغبياء و لا يفهم هؤلاء الأغبياء أن المرتبات و المشاهرات مثلها كمثل ما يعطي للطير و الحيتان لاصطيادها. و من جهة أخرى فتح المبشرون مدارس في البلاد ليغيروا من دين الشعب. و قد تقدم الآباء و أولادهم إلي تلك المدارس المضللة لعقول الأطفال و التي تنشئهم نشأة غير دينية أو إسلامية. و نشأ أيضا في المدن التي تسكنها تلك الدول الأربع عادة شرب المسكرات وتناول المخدرات و فتحت العاهرات أبوابها دون خجل فلما علمت و رأيت ذلك ثارت في نفسي شدة الغيرة الإسلامية و اشتعلت في قلبي الجذوة الوطنية، و التهبت روحي غضباً، و كادت تخرج من الهيكل الجسماني، فبدأت أخطب في المساجد و المحافل، و ألقي بين الأمة خطباً حماسية دينية و أتلو الآيات القرآنية الواردة في الوعد و الوعيد، و الأمر و النهي لكي أنبه الشعب قبل أن ينتشر الوباء في جميع البلاد، و يستولي العدو على جميع أنحائها، و لا أزال أحذر الشعب و أناديه، و لكن لا حياة لمن أنادي، و لا حكمة لمن أحذره. و قد قالوا لي لما نبهتهم عن تقديم أوطانهم للمبشرين و عن تجنيد رجالهم للعدو و الفاتح.(إنك تريد أن تقطع أرزاقنا و تهلكنا بالفقر و الجوع). فقلت لهم.( إن رزقكم على الله تعالي لا على غيره. ألم تسمعوا قول الله تعالي. ( و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين ) فقالوا. و من أين يأتي الله برزقنا إذا أطعنا كلامك؟. فقلت لهم. ألم تسمعوا قوله تعالي.( و في السماء رزقكم و ما توعدون.) فلما سمعت منهم هذا الإحتجاج لي بأمر الرزق شرعت أزجرهم و أنهاهم عن تقديم الطاعة للكفار بكل سيء و عن الخضوع لأوامرهم و نواهيهم، و استدللت لهم بالآيات القرآنية التي تثني المسلمين عن موالاة الكفار. فقالوا لي ( هذا أشد و أعجب من مسألة الرزق لأنك تعلم أن القوة في هذا الوقت للكفار، و أن جميع المسلمين ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، و إذا لم تطع الكفار و تقبل دعوتهم هلكنا بسبب ذلك). فقلت لهم. ألم تسمعوا قوله تعالي. (و أياي فاتقون ) ، و قوله ( لا تخشوا الناس و اخشون). فلما عجزت عن حملهم على قبول ذلك مني قلت لهم: (( إنكم إذا جاهدتم الكفار و اشتددتم ستكونون أمة قوية و لا تخافون إذ ذاك من رجال أمثالكم في الأعضاء الجسمية و الفكرية و العقلية ) و قرأت عليهم الآيات الواردة في فضل المجاهدين و ما أعد لهم في الأخرة فقالوا.( الجهاد وقته متأخر و سنجاهد في أوان الجهاد عند خروج المهدي المنتظر فعندئذ تكون لنا العصي بنادق و مدافع، و ستكون آلات الكفار عصيا.أما إذا جاهدنا الآن وليس معنا آلات حربية فلا يكون لنا إلا الهلاك في الدنيا و العذاب في الأخرة، لأن الله تعالي يقول. ( ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة).0 فقلت لهم. يأيها الجهلاء جهلكم علماؤكم عن الحقائق كلها فإن معني الآية الكريمة.( و لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة ) بترك الجهاد و الدفاع عن دينكم و وطنكم و أنفسكم. و ليس معناها أسلموا أوطانكم و أنفسكم إلي الكفار فتتحكم فيها ما تشاء وما تريد و قلت لهم أن الله تعالي قال في كتابه العزيز( كتب عليكم القتال و هو كره لكم ). و قال ( فيقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بلآخرة ).و قال ( و لا تهنوا في إبتغاء القوم أن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ).(الآية ) و قال ( ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال.(الآية).فإذا سمعتم هذه الآية و أمثالها فمن أين يأتي علماؤكم بتلك الخرافات المزعومة. و لكنهم لم يقتنعوا بشيء من الآيات و الأحاديث التي ذكرتها، بل ازدادوا طغياناً و عناداً، و كانت النتيجة أن وشي لي بعضهم، و سعي بعض علمائهم الخونة بين الحكومة الإنجليزية وبيني بالإفساد، ونصح لها بإعتقالي. و قال لمن لا يبالي بكلامه ستندم الحكومة يوم لا ينفع الندم و علمت أن واحداً منهم يقال له (أوجاس ) حصل علىأجرة شهرية جارية بتلك القصة. لقد بدأت الجهاد من مدينة ( بربره ) التي هى مركز الحكومة الإنجليزية و اتجهت نحو القبائل البعيدة عن المدن التي بها تلك الدول المذكورة لكي أجد من بينها رجالا يتأثرون بالمواعظ القرآنية و النصائح الإسلامية، و كنت أومن أنه لا يمكن مجابهة المستعمرين و مدافعتهم بدون قوة ترد هجماتهم و توقف احتلالهم، و أن مجرد الوعظ بدون قوة لا يعيد شيئاً. فشرعت حينئذ في استعداد سريع سري من جهة بالخطب و المواعظ المؤثرة، و من جهة أخرى كنت أدعوا القبائل الصومالية أن تنتقل من الشك و الكسل إلي اليقين و العمل و من التخلف و التخاذل إلي التعاون و التكامل، و من الخوف و الهلع إلي الجرأة و الإقدام، و من الإستسلام و الذلة إلي الستبسال و العزة. فاجتمع لدي عددكبير من القبائل الصومالية، و التفوا حولي، و غرست في نفوسهم محبة دينهم و وطنهم، و بغض عدوهم من الكافرين و من يساعدهم، و انطبعت معاني الآيات القرآنية في نفوسهم، و فهموا المقصود منها، و تعاهدوا على الجهاد و الدفاع عن الدين و الوطن و الشرف و تحالفوا وأخذوا في الاستعداد بالرماح و السيوف و العصى و البنادق القليلة و الخيول. ولما علم المستعمرون بما قمنا به من الاستعدادات أرادت الحكومة البريطانية أن تسكنا بغية أن تستأصلنا فجأة فلما علمنا بذلك ابتعدنا جهتها لكي نتم استعدادنا المنشود فأعلنت الحرب على قبيلة تساعدهم بالرجال و صادرت الجمال التي حملت بضائعها إلي بربره. فعند ذلك أعلنت الجهاد عليها و على كافة المستعمرين و على جميع القبائل التي تساعدهم في حربنا، و دعوت جهاراً جميع القبائل الصومالية إلي الدفاع عن الوطن و الدين، و أرسلت الوفود و الرسائل إليجميع أنحاء البلاد. و لما ابتعدنا عن الحكومة الإنجليزية نتم استعدادنا، ونسلم من مباغتتها و مفاجأتها، هجمت الحبشة علينا من هرر بإتفاق بينها وبين الحكومة الإنجليزية على أن تهجم كل منهما علينا من جهة، فنالت الحبشة من بعض القبائل الموالية لنا بعض أموال و دماء فخرجت في أثرها فدارت بينها و بيننا معركة في جججة. و في نفس يوم تلك المعركة أغارت قبائل صومالية على أموالنا و أهلنا الذين تركناهم في (دك )، و تلك القبائل أرسلتها الحكومة الإنجليزية علينا و أمدتها بالمال و لكننا انتصرنا في المعركتين معا. ثم بعد قليل من المعركتين اللتين خضناهما بدون استعداد قامت بعض القبائل بمؤامرات علينا دبرها منليك ملك الحبشة مع بعض زعماء القبائل، و كان غرضهم أن يقتلوا جميع رجالنا في يوم واحد حتى لا يفلت منهم شخص، فاجتمع من تلك القبائل خمسون ألف رجل يقودهم الزعماء الذين دبروا المؤامرة. و كان هدفهم أن نختلط بهم و نحسبهم أنهم قبائل موالية لنا و معادية للحبشة و لكن لحسن الحظ أنه فبل أن نقع في الشرك استعجل بعصهم و قتل منا رجلاً يقال له الحاج عباس و هو قائم يصلي صلاة العصر، فانكشفت المؤامرة، و افتضحت مكيدتهم ثم قررنا أن نحذر القبائل كلها كما نحذر الدول المستعمرة، و قررنا أيضا أن نبتعد عن تلك القبائل التي قامت بتلك المؤامرة الخبيثة لأجل ألا نخوض حروباً مع تلك القبائل الجاهلة. و عندما ابتعدنا عن تلك القبائل المذكورة علمنا في الوقتنفسه أن الحكومة البريطانية و معها قبائل صومالية غزتنا من جهة الشمال، و أن الحبشة و معها قبائل صومالية غزتنا من جهتي الجنوب و الغرب فاتجهنا نحو الشرق لأننا لم نستكمل استعدادنا فعلمنا أيضاً أن القبائل الصومالية الموالية للحكومة الإيطالية غزتنا من جهة الشرق بايعاز و اعانة من الحكومة الإيطالية. علمنا أيضاً أن تلك الغزوات في سلسلة واحدة متصلة حلقلتها قد دبرت لتطويقنا من جميع الجهات تقريباً فقررنا أن نتجه نحو القوات الإنجليزية لأنها المثيرة علينا جميع تلك الأمم، فحاربناها و انتصرنا عليها، و لكن لم يزل الحصار مضروباً علينا فيما بين كلادو، و رطير ( الجهات الأربعة ) فاتجهنا مرة أخرىإلي معسكرات الحكومة الإنجليزية لأننا نعلم أننا إذا انتصرنا عليها خاف البقية فانتصرنا على الجميع. و لأجل ذلك اتجهنا إلي دفاع العدو و أذنابه و قررنا أن نواصل الكفاح المرير الأليم و كلفا لهم الضربة بضربتين، و الطمة بلطمات، و قاتلناهم بعزم و شجاعة وسياسة و حكمة. و بعد ما ذاقوا العذاب والسخرية منا سموني مع سيدهم الكافر الإنجليزي ( الشيخ المجنون ) و لا استبعد ذلك من الحكومة الإنجليزية لسببين أولاً. أنها تقلد في ذلك الأمم السابقة التي كانت تتهم المصلحين من الأنبياء و غيرهم بهذه التهمة. وثانياً. أنها تستبعد محاربة رجل واحد و مناوراته و ليس مع شعبه من الآلات و لا المعدات الحربية ولا أموال و غيرها و هو ينفرد بهذه الفكرة الحماسية في وحدة و استقلال الصومال. و قالوا للدراويش و هم رجالي أننا علمنا من رأس معينة أن الحكومة الإنجليزية تتسلح بآلة تحرق الأرض، و تحرق جميع بلاد الصومال، و ستغزو الدراويش هذا الدور بتلك الأسلحة. فلما علمت هذه الأرجوفة سكنت فزع الأمة و قلت لهم. أن تلك الآلة إذا فرضنا وجودها فهى لن تحرقنا وحدنا. بل ستحرق معنا جميع الكفار الذين في أرضنا و من يساعدونهم، و هذا ربح لنا و خسارة عليهم لأننا نموت شهداء في وقت واحد، و الشهادة هى غرضنا الرئيسي، و الكفار سيغادرون الدنيا و هى غرضهم الأول و سيدخلون النار المؤبدة عليهم. و أما إذا ظننتم أنها تحرق الأماكن الخاصة بنا و لا تحرق غيرها فهذا أمر لا يمكن تصوره لأننا نقدر أن نهرب من الأماكن المحترقة إلي أماكن غير محترقة. و قد قال تعالي.في شأن أمثالهم.( لئن لم ينته المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم، ثم لا يحاورونك فيها إلا قليلاً، معلونين أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلاً.). فإذا علمت ذلك فقد فهمت أسباب الحروب التي وقعت بيننا وبين القبائل الصومالية كذلك اتضحت لك الأدلة الشرعية التي اعتمدنا عليها في قتالهم و محاربتهم، و استبحنا بها دماءهم و أموالهم، و لولا ما قمنا به من محاربتهم ودفعهم عن أنفسنا و اخواننا من مؤامراتهم الداخلية، و استعجالنا لتحطيم شوكة المدبرين للإنقلاب علينا، و كشف الجواسيس المستترة في جيوشنا، لو لم نفعل ذلك لما عاشت نهضتنا أكثر من شهر واحد، و لأسرتنا القبائل بسلاسل المستعمرين، و ليتم تشتيتنا في أوائل نهضتنا و قيامنا بالجهاد و الدفاع على مشانق الكفار. إني قد حاولت مرارا، و أردت كثيراً أن أقوم القبائل بالجهاد و الدفاع عن دينها و وطنها مستقلة و منفصلة عن الدراويش من رجالي و تعهدت لكل قبيلة تقبل ذلك بالسلاح و المال. و كان غرضي من ذلك ألا يدخل في خواطرهم أننا نريد السيطرة عليهم فلم نر أي قبيلة تجيب و تقبل، اللهم إلا قبيلة (بيمال) و لكن القبائل الصومالية التي في بلادهم الجيوش الإيطالية فقد تبدد شملها، و كسرت قوتها و شوكتها، و قضي على نهضتها في مدة وجيزة. و الخلاصة أننا لا نرجو الانصاف في اطرائنا و التحدث عن حروبنا مع قوم أراقوا دماءنا، و نهبوا أموالنا، و ححاربونا سنين كثيرة، و سبونا بأشعارهم و ألسنتهم، و فعلوا بنا كل ذلك لأجل مساعدة عدونا الكافر المستعمر، و لأجل استجلاب رضائه و أمواله و استبعاد غضبه و سخطه. و أنصح كل منصف يريد ان يعرف حق المعرفة أحوالنا و أهدافنا و أسباب حروبنا و المعارك التي انتصرنا فيها و انتصرت علينا، و عن الأمور التي عرضناهاعلى الشعب من أراد ذلك فأنصحه أن يأخذها بين أشعاري الصومالية التي نظمتها لكي تكون تاريخاً غنياً للشعب الصومالي من بعدي، تخبرهم عن غرضي الوحيد. و أن يأخذوها من خواص اخواني (الدراويش) الذين ناضلوا معي. و لكني أحذر كل منصف أن يأخذها من الرجال الذين كنا نحاربهم في الميدان أو باللسان سواء من المستعمرين أو من القبائل التي كانت معهم و لا من الذين أخذوها منهم. و أختم جوابي بالسلام على من اتبع الهدي، و جاهد الكفار و المنافقين، و كل من يساندهم أو يعاونهم، و اللعنة و الغضب على الكافرين و على الذين يبيعون دينهم و وطنهم وشرفهم. هذا. و السلام.

الفصل الرابع: التطور السياسي في صوماليا

المجتمع القبلي و سياسته

بدأ الشعب الصومالي حياته السياسية كأي شعب من شعوب العالم الأفريقي و الأسيوي داخل أطار النظام القبلي، و التكتلات القبلية في الحرب و السلم وفق ظروف المكان و الزمان و العمل، و كان لشيخ القبيلة تنظيم أمور قبيلته من تموين و تسليح و بحث عن موارد الرزق و حماية من الأعداء، و في العادة كان لشيخ القبيلة مجلس مكون من العلماء و رؤساء العشائر للتشاور في أمور الدولة قبل إصدار الأوامر. و كان لرجال الدين القضاء بين الناس وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، و كثيراً ما كان لشيخ القبيلة أن يصدق على أحكام الفقهاء، و قد يلجأ أحياناً إلي العرف والتقاليد المتوارثة في إصدار الأحكام. و لم تكن هناك حاجة إلي جيش منظم حديث في المجتمع القبلي الصومالي، و إنما كان هناك فرقة حرس أو بوليس لحفظ النظام و الأمن عند كل قبيلة. و بتوسع قاعدة الحكم في المجتمع الصومالي تحول لقب الشيخ أو الوداد أو السيد أو الكبير إلي لقب سلطان مع الإحتفاظ بالتنظيمات القبلية إلي حد كبير. و أصبح للسلطان مجلس يتكون من رؤساء القبائل، و بذلك ظهرت أول طلائع الحركة السياسية بخلق تكوينات قبلية تحت نظام واحد من الحكم، و توسيع النظام القضائي ليتولي حقوقاً كانت في يد شيخ القبيلة.

و كان لقاعدة القربي و الملكية و الشكل القبلي تأثير كبير في توجيه السياسة العامة للمجتمع القبلي الصومالي و تحديد لصور اتصالها بجيرانها وبالعالم الخارجي، و كما كانت القبيلة ذات نفوذ واسع كان ذلك بفضل قواتها المتضامنة. و مما يضعف القبيلة تفكك أواصرها و تقاليدها و عندئذ قد تضطر إلي الحياة تحت نظام قبيلة أخرى أقوى منها عدداً أو أغني. و هذا المجتمع القبلي تعرض للاستعمار، و تمزيق أواصر القربى بين القبائل، و كانت النتيجة الحتمية للاستعمار أن القبائل الرعوية التي تدين بالولاء لسلطان واحد أصبحت تدفع الضرائب لدول مختلفة. و يحدثنا في هذا جورج بأدمور في كتابه ( الإمبراطورية البريطانية الثالثة ) فيقول ( أن قبيلة مثل دارود و بني عيسى نجدهم خاضعين لحكم بريطانيا و فرنسا و الحبشة مما أثر في حياة الشعب الصومالي بفقدان معالم الحضارة و الوعي القومى الصومالي بين أبناء الأمة الصومالية و سبب إيجاد ثقافات مختلفة لشعب واحد مما كان سبباً في فقدان معالم الحضارة و الوحدة الشعبية). و ما زالت هذه المؤثرات واضحة بعض الشيء في أيامنا هذه، رغم ما طرأ من تقدم سياسي و اجتماعي كبير في كافة أنحاء الصومال. ويذكر بادمور عن الإقليم الشمالي من الصومال أنه في كل مكان فوضى في الإدارة، و ركود إقتصادي، و تأخر ثقافي. فإلي عهد قريب جداً لم تخصص الحكومة البريطانية أية اعتمادات للتعليم أو الخدمات الإجتماعية، و أن 99% من الصوماليين أميون و فقراء و مرضي. أما الصومال الإيطالي فالحقيقة أن الطليان أنشئوا طرقا جديدة لأغراض حربية بصفة أساسية، و أقاموا حدائق و متنزهات في مقدشوه عاصمة المستعمرة، و وفروا حدائق حديثة للحي الأوروبي، و لكن هذه التحسينات تمت على حساب الصوماليين الذين كانوا يعاملون بالسخرة على أيدي الموظفين الفاشيست، ولم ينالوا قسطاً ما من التعليم. و من الوجهة السياسية لم يكن للصوماليين حقوق ديموقراطية. و الصومال الفرنسي أسوأ حالة، إذ أن الوطنيين لا يعرفون غير الرعي و الحرف المتعلقة بالأعمال اليدوية و التجارة و الأرباح لصالح الحكومة الفرنسية و اليهود.

أما الصومال الحبشي فيعمه إرهاب و تخريب و جهل و مرض و حرمان من الوظائف الحكومية. و على أية حال تعرف الصوماليون على ألوان حضارية ما بين أوروبية و أفريقية، و على مباديء جديدة في السياسة و الإجتماع ذات أثر في إيجاد مباديء و اتجاهات جديدة في الصومال بالإضافة إلي العائدين من الصوماليين الذين أتيح لهم أن يتلقوا علومهم في خارج الصومال، فقدموا و معهم أفكار و نظريات، غير أنهم كانوا نظريين أكثر منهم عمليين، و كان القادم من الخارج سرعان ما يعود إلي طبيعته القبلية.

كان المجتمع الصومالي متعودا ألا ينظر إلي ما وراء القبيلة، أو بعبارة أخرى إلي ما وراء صوماليا، و ظلت القبيلة هى المحور السياسي و الإجتماعي الوحيد الذي يدور حوله الصوماليون في صوماليا حتىعام 1941 حينما قام البريطانيون بطرد إيطاليا من صوماليا أثناء الحرب العالمية الثانية، و أصبحت صوماليا جزءاً من الصومال البريطاني و شرق أفريقيا. و قد كانت الحرب سبباً في الاتصال بأهالي أفريقيا الذين كانوا تحت سيطرة الاستعمار، و سبباً في وصول مباديء حديثة في السياسة و الاجتماع من أبواق الدعاية لدول الحلفاء من مباديء حقوق الإنسان، و الإخاء، و المساواة، و حق تقرير المصير للشعوب، و وعود حكومة بريطانيا بإستقلال صوماليا إذا ما جاهدت مع الحلفاء للتخلص من الحكم الفاشستي كما كانت سبباً في غير ذلك من العوامل المتصلة بالشعب الصومالي كأرتفاع أسعار الضروريات من المواد الغذائية للحصار القاري الذي فرضته بريطانيا ودول الحلفاء على سواحل صوماليا، و لطول فترة الإضطهاد التي عانته صوماليا في عصر الحكم الفاشستي، حتى انصهر الشعب الصومالي في ثورة عارمة تريد الإصلاح و تحقيق ما وعد به البريطانيون نحو حرية صوماليا بعد طرد الإيطاليين منها. و ازداد أمل الصوماليين في الاستقلال و الحرية بعد عودة إمبراطور الحبشة من منفاه إلي عرش الحبشة بمعرفة البريطانيين، فلا فرق بين الصومال و الحبشة فكلاهما كان خاضعاً للاستعمار الإيطالي. و في العام الثاني للاحتلال العسكري البريطاني لصوماليا (1943 ) نادي الصوماليون بحل الأزمة الإقتصادية، و بالاستقلال، و قاموا بمظاهرات شعبية واسعة النطاق، و خطب الخطباء. و أنشد الشعراء، و بدأ الناس يتكلمون في كل مكان عن الحرية و الاستقلال و حقوق الإنسان. و كانت الظروف تحتم على بريطانيا تنفيذ مطالبهم لأنها تستند على ما في أيدي الشعب من منشورات إنجليزية بالوعد بالحرية و تقرير المصير عقب طرد الإيطاليين من صوماليا. و تساءل الناس. لماذا لا ننال حريتنا؟. هل حل بنا استعمار بدل استعمار؟. نريد حقوقنا و دستورنا الوطني. أمام مطالب الشعب الصومالي، و أمام الشعور القومي المتدفق نحو الحرية و الاستقلال خضعت بريطانية لمطالب الشعب بتكوين نواد ثقافية و اجتماعية تكون منارة لهداية الصوماليين و الصوماليات نحو التعليم و المعرفة و السياسة.. إلخ و في الوقت نفسه كانت بريطانية ترمي من وراء خلق النواد الاجتماعية إلي أن تتحكم في إدارتها و توجيهها ريثما يحين الوقت لالحاق صوماليا بدائرة الكومنولث البريطاني.

نادي الشباب الصومالي

أنشيء نادي الشباب الصومالي في مايو عام 1943 في مدينة مقدشوه، و قد أسسه ثلاثة عشر عضواً صومالياً، و لكل صومالي الحق في الإشتراك في عضوية النادي، على أن يكون صوماليا قبل كل شيء، و أن يتنازل عن التمسك بالطائفية و القبلية التعصبية. أما برنامج النادي فينحصر في نشر الأفكار الحديثة، و إنشاء المدارس و الجمعيات الثقافية و الإجتماعية، و العمل على توحيد قوى الشباب الصومالي و محاربة النعرة القبلية و الحزازات الإقليمية، و كان هذا النادي أول هيئة ثقافية و إجتماعية أنشأت في شبه جزيرة الصومال.

تطور النادي إلي حزب سياسي

بسبب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية أصبحت المستعمرات الإيطالية سابقاً تحت وصايا هيئة الأمم المتحدة ريثما تمنح استقلالها، و خلال فترة عقد مؤتمرات وزراء الخارجية للنظر في أمر المستعمرات الإيطالية و اختلاف الآراء في المؤتمرات حول مصير صوماليا تحول النادي من كونه نادياً ثقافياً إجتماعياً إلي ناد سياسي ذي برامج واسعة أعلن عنها في أبريل 1947 رسمياً باسم ( حزب وحدة الشباب الصومالي ). مباديء حزب الشباب الصومالي بعد تحول النادي إلي حزب سياسي أعلن عن مباديء الحزب و كان من أهمها:

1 – تصفية الاستعمار في كل أجزاء الصومال، و توحيدها في ظل علم واحد لدولة واحدة.

2 – العمل على جعل الصومال جمهورية ديموقراطية.

3 – إحياء مفهوم القومية الصومالية.

4 – العمل على إلغاء الطائفية و التعصب القبلي و التقاليد العتيقة.

5 – إحترام حقوق الأجانب بما يتفق و التقاليد الدولية.

6 – الدين الرسمي للدولة هوالإسلام، و هو مصدر التشريع و القانون و القضاء بين الناس.

7 – الإعتراف بميثاق الأمم المتحدة، و إيجاد علاقات طيبة مع كافة الشعوب الحرة المحبة للسلام.

8 – حماية مصالح الصوماليين.

9 – إيجاد لغة رسمية للدولة.

10 – إستبعاد أي فكرة تنادي بعودة إيطاليا إلي الصومال.

و قد نص قانون الحزب على أمور متعددة منها:

1 – إنشاء مكتب تنفيذي للحزب بالإنتخاب من رئيس و نائب رئيس و سكرتير و أمين صندوق.

2 – العضوية لجميع الصوماليين و المدمجين في الشعب الصومالي.

3 – تكوين فروع للحزب في الأقاليم على أن يكون لكل فرع لجنة محلية منتخبة.

4 – لا يجوز قبول عضوية أي فرد ينتسب إلي منظمات سياسية أخرى.

5 – يقسم العضو يمين الولاء للصومال كوحدة سياسية.

بالإضافة إلي ما ذكر كان من برامج الحزب توجد برامج تعليمية و إجتماعية و إقتصادية و صحية و غيرها من وسائل النهوض بالأمة الصومالية، و يمكننا أن نقول بحق عن قانون الحزب أنه ديموقراطي الشكل محكم الصيغة مما لا نظير له في زمنه بمنطقة شرق أفريقيا رغم احتفاظ اللجنة المركزية للحزب بسلطات إدارية و تنظيمية واسعة المدي.

موقف بريطانيا من حزب وحدة الشباب الصومالي

تغيرت السياسة البريطانية بعد تصريح مستر بيفن في مجلس العموم البريطاني في يونيو عام 1946 باستعداد بريطانيا لتحقيق رغبة الصوماليين في الوحدة الصومالية و الاستقلال داخل إطار الكومنولث البريطاني إذا وافق الشعب الصومالي، و أخذت تلك السياسة البريطانية تتجه إتجاها جديداً.و كان هذا الاتجاه الجديد في السياسة البريطانية هو إدماج الشعب الصومالي كله في حزب وحدة الشباب الصومالي، حتى يتسني لبريطانيا عن طريق التفاوض مع اللجنة المركزية للحزب بشأن ربط الصومال بالكومنولث البريطاني. و من أجل هذا أصدرت الإدارة البريطانية في صوماليا نشرات رسمية تدعو فيها جميع الصوماليين من موظفي الإدارة و رجال البوليس و الجيش بالإنضمام إلي حزب وحدة الشباب الصومالي. و جعلت أمتيازات الوظائف الكبرى و الحصول على الوظائف بصفة عامة لهؤلاء المشتركون في عضوية الحزب. و عبر البريجادير برنجهام ممثل الإدارة البريطانية في صوماليا عن وجهة نظر بريطانيا نحو الحزب في المؤتمر السنوي للحزب في عام 1947. فقال: (إن نمو حزب وحدة الشباب الصومالي و اتساعه في السنوات الأربع الماضية يعتبر تقدماً عظيماً، و يعكس قدرة و كفاءة منظمي الحزب، و يعبر عن نشاط أفراد الشباب الصومالي الذي يقدم الجهد و المال و الخدمات لتحسين أحوال مواطنيهم. و أن المباديء التي أعلنتموها اليوم تستحق التقدير العظيم، و أن الإدارة البريطانية في الصومال سوف تقدم المعونة و المساعدات الممكنة لتحقيق هذه الأهداف).

أحزاب جديدة

و في فترة تشجيع الإدارة البريطانية لحزب وحدة الشباب الصومالي ظهر عدد من الأحزاب السياسية من غير أهداف و لا شعارات أو برامج معينة من الكفاح الوطني. و على أية حال فإن هذه الأحزاب الجديدة وجدت استعداداً لدي الشعب الصومالي أن يتكتل من ورائها، و سرعان ما أصبحت هيئات سياسية صحيحة و منظمة تنظيماً لا يقل عن حزب وحدة الشباب الصومالي، و أصبحت برامجها و أهدافها واضحة. و كان بعضها لا يعترف بالنظام القبلي، و بعض منها قبلي محض.

لجنة تقرير المصير و موقف الأحزاب

و بالإعلان عن قدوم لجنة زائرة لمندوبين عن الدول الأربعة الكبار، الممثلين عن هيئة الأمم المتحدة إلي صوماليا لمعرفة رغبات الشعب الصومالي في تقرير المصير اتجهت الأحزاب و المؤسسات إلي إعلان عن برامجها السياسية المحضة و نشأت أحزاب أخرى و تعززت بالدعاية السياسية و أصبح الشعب الصومالي و رؤساء القبائل مشتركين في الأحزاب، و بذلك بدأ الطابع العام للأحزاب يبتعد رويداً رويداً عن النظام القبلي. و زاد نشاط الأحزاب في أوائل عام 1948، و تعددت البرامج، و من أهم هذه الأحزاب حزب شباب حمر، و حزب الإتحاد الوطني، و الحزب الأفريقي، و حزب بنادر، و حزب هداية الإسلام، و حزب دجلةو مريفلي، و حزب شباب ابجال، و الحزب العربي، و ظهرت فروع لأحزاب إيطاليا في صوماليا كفرع الحزب الديموقراطي المسيحي، و فرع الحزب الإشتراكي، و فرع الحزب الشيوعي. كما ظهرت الغرفة التجارية الإيطالية في صوماليا في المضار السياسي.

و في 11 يناير سنة 1948 وصل إلي مقدشوه لجنة تقرير المصير مكونة من مندوبين عن بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي، و قامت اللجنة فور وصولها بالإستماع إلي وجهات نظر الأحزاب السياسية، و رؤساء القبائل، و الأقليات، و الأهالي تمهيداً لتقديم تقرير شامل عن وجهة نظر الشعب الصومالي في تقرير المصير و بطبيعة الحال كانت هناك تيارات سياسية متحدة و هى الأغلبية، و تيارات سياسية متعارضة. و يحسن بنا أن نتعرف وجهات نظر هذه التيارات و أصحابها.

حزب وحدة الشباب الصومالي

قام السيدان: الحاج محمد حسين و عبد الله عيسى محمود بالنيابة عن حزب وحدة الشباب الصومالي، بعرض وجهة نظر الحزب أمام لجنة التحقيق في مسألة تقرير مصير صوماليا. و كانت وجهة نظر الحزب الذي يمثل أغلبية سكان صوماليا في النقاط التالية:

1 – معارضة أي فكرة لعودة إيطاليا بأي صورة إلي صوماليا بشكل حازم و نهائي.

2 – منح صوماليا فترة انتقالية للاستقلال نحو عشر سنوات تحت وصاية جماعية للدول الأربع الكبار.

3 – خلال فترة الوصاية تجري تنظيمات إدارية و دستورية و نظامية تمهيداً لإنشاء حكومة صومالية مستقلة في نهاية فترة الوصاية.

4 – إلغاء تصريحات المرور التي كانت سائدة في الحكم الفاشستي، و كذلك القوانين الإيطالية التي تعمل ضد الحركات، و العمل الإجباري، و التفرقة العنصرية و اللونية في الصومال.

و كان ممثلا بريطانيا و أمريكا يعتبران حزب وحدة الشباب يمثل حركة وطنية صميمة، على حين كان ممثل فرنسا و الإتحاد السوفييتي يعتبران الحزب صنيعة بريطانيا التي تعمل على تفريق كلمة الشعب و خلق الإضطرابات و الفوضى.

حزب شباب حمر

أعلن ممثل حزب شباب حمر تأييد حزبه لوجهة نظر حزب وحدة الشباب الصومالي.

حزب المؤتمر الصومالي

و قد تألف هذا الحزب من اندماج أربعة أحزاب، و هى حزب الإتحاد الوطني، و حزب هداية الإسلام، و حزب شباب ابجال و حزب المحاربين القدماء. و قد مثل هذا الحزب السيد اسلاو مهد الله أمام لجنة التحقيق، و نادى بالوصاية الإيطالية لمدة ثلاثين عاماً، على أن تتولي الدول الأربع الكبار في لجنة الوصايا مراقبة إيطاليا في تنفيذ شروط الوصاية خلال الثلاثين عاماً. و عرفت مطالب الحزب باسم الثلاث عشرة نقطة، و في بيانهم نددوا بزعماء حزب وحدة الشباب الصومالي و وصفوهم بأنهم أجانب لأنهم من قبائل المجرتين في شمال الصومال، و أن ممثل المؤتمر من قبائل الهاوية. و على أية حال اختفت هذه الحزازات القبلية بسرعة و نادى الحزب بمحاربة النزعة الإقليمية و القبلية.

حزب دجلة و مريفلي

رفض ممثل الحزب عودة الوصاية الإيطالية على صوماليا، و رفض الإنضمام لحزب المؤتمر، و نادى بالوصاية الرباعية للدول الكبار على صوماليا لمدة عشر سنوات.

الأقليات

عبرت الأقليات سواء كانت عربية أو هندية أو باكستانية عن رغبتها في البقاء كأقليات غير صومالية مع ضمان استمرار نشاطهم الإقتصادي.

الغرفة التجارية الصومالية

كانت قد تكونت قبل قدوم اللجنة بعام واحد (1947) و تتألف من 120 إيطالياً، 45 هندياً، 22 صومالياً، 18 عربياً، و عضوان بريطانيان و عضوان باكستانيان و عضو واحد أرتري. و قد طالب العضو الإيطالي بالوصاية الإيطالية غير المحددة، و طالب العضو الصومالي بعدم عودة إيطاليا، و أشار في مذكرته إلي مساويء الفاشيست و احتكارهم التجارة في البلاد.

إشاعات و حقائق عن حزب وحدة الشباب الصومالي

أشيع في البلاد بين صفوف المجاهدين الصوماليين أن حزب وحدة الشباب الصومالي صنيعة بريطانية، تتخذه بريطانيا ستاراً لأعمالها الاستعمارية في الصومال. فبريطانيا هى التي أنشأت النادي، و هى التي سمحت للنادي أن يتحول إلي حزب سياسي. و بريطانيا هى التي وعدت بتقديم المعونة و التسهيلات للحزب على لسان ممثلها في الصومال أثناء احتفال الحزب بعيدة السنوي عام 1947م. و هى التي جعلت عضوية النادي ثم عضوية الحزب أساساً لشغل الوظائف و الأعمال الهامة في البوليس و الجيش و غيرها من وظائف الدولة. و الواقع أن حزب وحدة الشباب الصومالي بريء من هذه الإتهامات المضللة، و مما ذكره المؤتمرون عن سياسة الحزب، و إلا اعتبرنا جميع الحركات التحررية و التقدمية التي أنشئت في ظل الاستعمار في جميع أنحاء العالم صنائع و أدوات للاستعمار. فمثلاً بريطانيا هى التي أوجدت ما نسميه اليوم بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية. فهل كتلة جامعة الدول العربية ستار لأعمال بريطانيا في العالم العربي أم أنها من أشد أعداء بريطانيا؟

و بريطانيا حينما أعلنت موافقتها على تكوين النادي في عام 1943 فإنما كانت تريد أن تظهر أمام الرأي العام العالمي أنها تناصر الحريات الديموقراطية و في الوقت نفسه تكسب ود الشعب الصومالي الذي يطالب بحريته بعد هزيمة إيطاليا في الحرب. و بريطانيا أيضاً تعمل على تحقيق النداءات التي كانت توجهها بالإشتراك مع دول الحلفاء إلي الشعب الصومالي بالحرية و الاستقلال بعد طرد الإيطاليين من بلادهم، فكان إنشاء النادي حدثاً جديداً لا يعطي الصوماليين إحساساً بأن استعماراً بريطانياً حل محل الاستعمار الإيطالي، و في الوقت نفسه فهو يدعو النادي إلي الدخول في دائرة الكومنولث البريطاني أو على الأقل دائرة الوصاية البريطانية على صوماليا.

و اتجه المتآمرون إلي انتقاد برامج الحزب بأنه لم يجعل الاستقلال أمراً ضرورياً، فعبارة حماية مصالح الصوماليين بجميع الطرق الدستورية عبارة غامضة تشير إلي ضعف روح الحزب في الكفاح من أجل الحرية و الاستقلال و الوحدة. و الحقيقة أن زعماء حزب وحدة الشباب الصومالي كانوا على حق حينما جعلوا تحقيق آمال الشعب في الحرية و الاستقلال و الوحدة بالطرق السلمية الدستورية، و إلا كانت عناصر تخريب و تدمير، و خاصة في هذه الفترة الحرجة في تاريخ الصومال الذي تعاني فيه البلاد من أزمات الحروب الإيطالية و الحبشية و الإنجليزية و الفرنسية مما أجهد القوى البشرية الصومالية و أضعف أنتاجها بدلاً من أن يتطور إلي تحسين الوضع الإقتصادي و الإجتماعي.

و حزب وحدة الشباب الصومالي حينما قبل الوصاية الدولية على صوماليا كان هدفه ألا يعطي فرصة لدولة واحدة تسيطرعلى البلاد و توجهها حسب أهدافها. و في الوقت نفسه فإن الوصاية الدولية ما هى إلا وسيلة لمعرفة نظام الحكم الحديث خلال عشر سنوات، و بعدها يكون الاستقلال التام. و من المعروف أن دولاً كثيرة حدث فيها هذه الحالة فمعظم الأحزاب الوطنية في دول أفريقيا كانت تنادى بالإشتراك في الحكم، ثم نادت بالاستقلال بعد ذلك، و لدينا المثل في ذلك في المناطق المجاورة كما هو الحال عند أهل كينيا و تنجانيقا و غيرها. و بسبب موقف الحزب من المناداة بالوصاية الجماعية قامت بريطانيا بدعوة إيطاليا بالوصاية على صوماليا حينما أحست أنها لن تكون الدولة الوحيدة الوصية على صوماليا، و في الوقت نفسه كانت ترغب في الإنتقام السياسي من حزب الوحدة الذي نادى بإبعاد أي فكرة بعودة إيطاليا للوصاية على صوماليا بأية صورة.

و قد وافقت كافة الأحزاب على الوصاية الجماعية عدا تلك الأحزاب ذات النمط القبلي التي كانت تخشي على مصالحها، فهى ترى أن الوحدة الصومالية و إلغاء النظام القبلي أمران يهددان مصالحها و سلطانها، بالإضافة إلي الإيطاليين و جماعة المحاربين الذين يرون الوصاية الدولية ضمان لمصالحهم، و لذا كان حزب الوحدة حزباً تقدمياً منصفاً حينما نادى بالوصاية الدولية. و حديثنا حول تفسير الإشاعات و الحقائق عن حزب وحدة الشباب لا نقصد به حزب الأغلبية و التقدم في مفهوم السياسة و الوطنية، و ليس معنى هذا أنه الحزب الأول و الأخير كما أن هذا لا يمنع من وجود أحزاب أخرى كانت ذات برامج أوسع من برامج حزب وحدة الشباب الصومالي إلا أن أبعدها أثراً في تاريخ القومية الصومالية دون جدال هو حزب وحدة الشباب الصومالي.