كتاب المغازي، ج1

من معرفة المصادر

كتاب المغازي، للواقدي، الجزء الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الكتاب

كتاب المغازي للواقدي الجزء الأول أقدم كتاب وصلنا في السيرة النبوية ، وخاصة في تاريخ الحياة النبوية في المدينة المنورة ، والغزوات التي وقعت يذكر الواقدي في " المغازي " السرايا والغزوات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم أو أرسلها للجهاد ، وبدأ الكتاب بتاريخ الهجرة النبوية ، وتعداد الغزوات والسرايا ، ويتبع في أسلوبه المنهج العلمي بأن يرتب التفاصيل المختلفة للحوادث بطريقة منطقية ، ومطردة في جميع الكتاب ... . مقدمة المصنف أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىّ بْنِ مُحَمّدٍ الْجَوْهَرِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَبّاسِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ زَكَرِيّا بْنِ حَيّوَيْهِ لَفْظًا، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِى الْقَاسِمِ عَبْدِ الْوَهّابِ بْنِ أَبِى حَيّةَ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ وَأَقَرّ بِهِ، يَوْمَ السّبْتِ بِالْغَدَاةِ فِى دَارِ أَبِى عَبْدِ اللّهِ الْوَرّاقِ مُرَبّعَةِ شُبَيْبٍ بَابِ الشّامِ، فِى بَابِ الذّهَبِ فِى دَرْبِ الْبَلْخِ فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانِى عَشْرَةَ وَثَلَثِمِائَةٍ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِىّ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِىّ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَمُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ التّيْمِىّ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ الأَنْصَارِىّ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزّنَادِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِى الرّجَالِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِى عَبْسٍ. فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا بِطَائِفَةٍ، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِحَدِيثِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنِى أَيْضًا، فَكَتَبْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى، قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ، وَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ، وَالثّابِتُ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ. فَكَانَ أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ÷ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ. ثُمّ لِوَاءُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِى شَوّالٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَى رَابِغٍ - وَهِىَ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَنْتَ تُرِيدُ قُدَيْدًا - وَكَانَتْ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. ثُمّ سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ إلَى الْخَرّارِ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فِى ذِى الْقَعْدَةِ. ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، حَتّى بَلَغَ الأَبْوَاء؛ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَغَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. ثُمّ غَزَا بُوَاطَ فِى شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ، فِيهَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا - وَبُوَاطُ هِىَ مِنْ الْجُحْفَةِ قَرِيبٌ. ثُمّ غَزَا فِى شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فِى طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ حَتّى بَلَغَ بَدْرًا، ثُمّ رَجَعَ. ثُمّ غَزَا فِى جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا، يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ حِينَ بَدَتْ إلَى الشّامِ، وَهِىَ غَزْوَةُ ذِى الْعَشِيرَةِ، ثُمّ رَجَعَ. فَبَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ فِى رَجَبٍ عَلَى رَأَسَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا بَدْرَ الْقِتَالِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ، قَتَلَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ بْنِ خَرَشَةَ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ: قَتَلَهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَتَلَ أَبَا عَفَكٍ فِى شَوّالٍ. عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ فِى النّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ ÷ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ بَنِى سُلَيْمٍ بِالْكَدَرِ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ قَتْلِ ابْنِ الأَشْرَفِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ إلَى نَجْدٍ. وَهِىَ ذُو أَمْرٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا، فَغِبْت ثَمَانِى عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمْت يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ بَنِى سُلَيْمٍ بِبُحْرَانَ فِى جُمَادَى الأُولَى، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ الْقَرَدَةِ، أَمِيرُهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فِى جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ أُحُدًا فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ حَمْرَاءَ الأَسَدِ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِى أَسَدٍ، عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا فِى الْمُحَرّمِ. ثُمّ بِئْرُ مَعُونَةَ، أَمِيرُهَا الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزْوَةُ الرّجِيعِ فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا، أَمِيرُهَا مَرْثَدٌ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ بَنِى النّضِيرِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ بَدْرَالْمَوْعِدَ فِى ذِى الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى ابْنِ أَبِى الْحَقِيقِ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. فَلَمّا قُتِلَ سَلاّمُ بْنُ أَبِى الْحَقِيقِ فَزِعَتْ يَهُودُ إلَى سَلاّمِ بْنِ مِشْكَمٍ بِخَيْبَرَ فَأَبَى أَنْ يَرْأَسَهُمْ فَقَامَ أُسَيْرُ بْنُ زَارِمٍ بِحَرْبِهِمْ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ ذَاتَ الرّقَاعِ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ الْمُرَيْسِيعَ، فِى شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ الْخَنْدَقَ فِى ذِى الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ بَنِى قُرَيْظَةَ فِى لَيَالٍ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ، وَلَيَالٍ مِنْ ذِى الْحِجّةِ سَنَةَ خَمْسٍ. ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ بْنِ نُبَيْحٍ فِى الْمُحَرّمِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِى الْمُحَرّمِ سَنَةَ سِتّ إلَى الْقُرْطَاءِ. ثُمّ غَزْوَةُ النّبِىّ ÷ بَنِى لِحْيَان، إلَى الْغَابَةِ، فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ الْغَابَةَ فِى رَبِيعٍ الآخَرَ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِى الْقَصّةِ، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ إلَى ذِى الْقَصّةِ فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى بَنِى سُلَيْمٍ بِالْجَمُومِ فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ سِتّ وَكَانَتَا فِى شَهْرٍ وَاحِدٍ - الْجَمُومُ مَا بَيْنَ بَطْنِ نَخْلٍ وَالنّقْرَةِ. ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ - وَالطّرَفُ عَلَى سِتّةٍ وَثَلاثِينَ مِيلاً مِنْ الْمَدِينَةِ. ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ - وَحِسْمَى وَرَاءَ وَادِى الْقُرَى. ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى وَادِى الْقُرَى فِى رَجَبٍ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ غَزْوَةُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ إلَى فَدَكَ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ نَاحِيَةَ وَادِى الْقُرَى إلَى جَنْبِهَا. ثُمّ غَزْوَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ إلَى أُسَيْرِ بْنِ زَارِمٍ فِى شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ إلَى الْعُرَنِيّينَ فِى شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ اعْتَمَرَ النّبِىّ ÷ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِى ذِى الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتّ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ خَيْبَرَ فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ انْصَرَفَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِى الْقُرَى فِى جُمَادَى الآخِرَةِ فَقَاتَلَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى تُرْبَةَ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، تُرْبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكّةَ سِتّ لَيَالٍ. ثُمّ سَرِيّةُ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فِى شَعْبَانَ إلَى نَجْدٍ، سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلَى فَدَكَ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى الْمَيْفَعَةِ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ - وَالْمَيْفَعَةُ نَاحِيَةُ نَجْدٍ.

ثُمّ سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلَى الْجِنَابِ، فِى شَوّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ. 

ثُمّ اعْتَمَرَ النّبِىّ ÷ عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ فِى ذِى الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ غَزْوَةُ ابْنِ أَبِى الْعَوْجَاءِ السّلَمِىّ فِى ذِى الْحِجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ. ثُمّ غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى الْكَدِيدِ، فِى صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ - وَالْكَدِيدُ وَرَاءَ قُدَيْدٍ. ثُمّ سَرِيّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى بَنِى عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ. ثُمّ غَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِىّ فِى سَنَةِ ثَمَانٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ إلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ - وَأَطْلاحُ نَاحِيَةُ الشّامِ مِنْ الْبَلْقَاءِ عَلَى لَيْلَةٍ. ثُمّ غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مُؤْتَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزْوَةٌ أَمِيرُهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلاسِلِ، فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزْوَةُ الْخَبَطِ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، فِى رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ سَرِيّةُ خَضِرَةَ أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ، فِى شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ - وَخَضِرَةُ نَاحِيَةُ نَجْدٍ عَلَى عِشْرِينَ مِيلاً عِنْدَ بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ. ثُمّ سَرِيّةُ أَبِى قَتَادَةَ إلَى إِضَمَ، فِى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ عَامَ الْفَتْحِ فِى ثَلاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ هَدَمَ الْعُزّى لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ هَدَمَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. ثُمّ هَدَمَ سُوَاعَ هَدَمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَانَ فِى رَمَضَانَ. ثُمّ هَدَمَ مَنَاةَ، هَدَمَهَا سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزْوَةُ بَنِى جَذِيمَةَ، غَزَاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ حُنَيْنًا فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. ثُمّ غَزَا النّبِىّ ÷ الطّائِفَ فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. وَحَجّ النّاسُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَيُقَالُ إنّ النّبِىّ ÷ اسْتَعْمَلَ عَتّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى الْحَجّ وَيُقَالُ حَجّ النّاسُ أَوْزَاعًا بِلا أَمِيرٍ. ثُمّ سَرِيّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ إلَى بَنِى تَمِيمٍ فِى الْمُحَرّمِ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى خَثْعَمَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ بَنِى كِلابٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ أَمِيرُهَا الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ. ثُمّ سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ إلَى الْحَبَشَةِ، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ إلَى الْفُلْسِ، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ غَزْوَةُ النّبِىّ ÷ تَبُوكَ، فِى رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ سَرِيّةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرَ فِى رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ هَدْمُ ذِى الْكَفّيْنِ - صَنَمُ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوْسِىّ، وَحَجّ النّاسُ سَنَةَ تِسْعٍ، وَحَجّ أَبُو بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ. ثُمّ غَزْوَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى بَنِى عَبْدِ الْمَدَانِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ عَشْرٍ. وَسَرِيّةُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ إلَى الْيَمَنِ، يُقَالُ: مَرّتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِى رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ. وَحَجّ النّبِىّ ÷ بِالنّاسِ سَنَةَ عَشْرٍ وَرَجَعَ مِنْ مَكّةَ فَمَرِضَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَعَقَدَ لأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِى مَرَضِهِ إلَى الشّامِ، وَتُوُفّىَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَلَمْ يَخْرُجْ حَتّى بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النّبِىّ ÷ وَتُوُفّىَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِثِنْتَىْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ. فَكَانَتْ مَغَازِى النّبِىّ ÷ الّتِى غَزَا بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً. وَكَانَ مَا قَاتَلَ فِيهَا تِسْعًا: بَدْرُ الْقِتَالِ، وَأُحُدُ، وَالْمُرَيْسِيعُ، وَالْخَنْدَقُ، وَقُرَيْظَةُ، وَخَيْبَرُ، وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَالطّائِفُ. وَكَانَتْ السّرَايَا سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَرِيّةً وَاعْتَمَرَ ثَلاثَ عُمَرٍ. وَيُقَالُ: قَدْ قَاتَلَ فِى بَنِى النّضِيرِ، وَلَكِنّ اللّهَ جَعَلَهَا لَهُ نَفَلاً خَاصّةً. وَقَاتَلَ فِى غَزْوَةِ وَادِى الْقُرَى فِى مُنْصَرَفِهِ عَنْ خَيْبَرَ، وَقُتِلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَاتَلَ فِى الْغَابَةِ حَتّى قُتِلَ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَقَتَلَ مِنْ الْعَدُوّ سِتّةً. قَالُوا: وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى مَغَازِيهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، فِى غَزْوَةِ وَدّانَ سَعْدَ ابْنَ عُبَادَةَ، وَاسْتَخْلَفَ فِى غَزْوَةِ بُوَاطَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَفِى طَلَبٍ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَفِى غَزْوَةِ ذِى الْعَشِيرَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ الْمَخْزُومِىّ، وَفِى غَزْوَةِ بَدْرٍ الْقِتَالِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِىّ، وَفِى غَزْوَةِ السّوِيقِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِىّ، وَفِى غَزْوَةِ الْكُدْرِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ الْمَعِيصِىّ، وَفِى غَزْوَةِ ذِى أَمَرّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، وَفِى غَزْوَةِ بُحْرَانَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ أُحُدٍ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. وَفِى غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الأَسَدِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ بَنِى النّضِيرِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ بَدْرٍ الْمَوْعِدِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَفِى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، وَفِى غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ، وَفِى غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَفِى غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ بَنِى قُرَيْظَةَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ بَنِى لِحْيَانَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ الْغَابَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. وَفِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِىّ، وَفِى عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِىّ، وَفِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَفِى غَزْوَةِ تَبُوكَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَيُقَالُ: مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الأَشْهَلِىّ، وَفِى حَجّةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. “وَكَانَ شِعَارُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى الْقِتَالِ فِى بَدْرٍ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ”. وَيُقَالُ: جَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ “بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ” وَالْخَزْرَجِ: بَنِى عَبْدِ اللّهِ وَالأَوْسِ بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ وَفِى يَوْمِ أُحُدٍ: “أَمِتْ أَمِتْ”، وَفِى بَنِى النّضِيرِ: “أَمِتْ أَمِتْ”، وَفِى الْمُرَيْسِيعِ: “أَمِتْ أَمِتْ”، وَفِى الْخَنْدَقِ: “حم لا يُنْصَرُونَ” . وَفِى قُرَيْظَةَ وَالْغَابَةِ لَمْ يُسَمّ أَحَدًا; وَفِى حُنَيْنٍ: “يَا مَنْصُورُ أَمِتْ”، وَفِى الْفَتْحِ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ: “بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ”، وَجَعَلَ شِعَارَ الْخَزْرَجِ: “بَنِى عَبْدِ اللّهِ” وَالأَوْسِ: “بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ”، وَفِى خَيْبَرَ: “بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ” لِلْمُهَاجِرِينَ، وَلِلْخَزْرَجِ “بَنِى عَبْدِ اللّهِ”، وَلِلأَوْسِ: “بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ”، وَفِى الطّائِفِ لَمْ يُسَمّ أَحَدًا.

  • * *


سرية حمزة بن عبد المطلب وَكَانَتْ سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِى رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ÷. قَالُوا: أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، بَعَثَهُ فِى ثَلاثِينَ رَاكِبًا شَطْرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الأَنْصَارِ، فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَنّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ كَنّازٍ وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى رِجَالٍ. وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فِى رِجَالٍ لَمْ يُسَمّوْا لَنَا. فَبَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ تُرِيدُ مَكّةَ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَالْتَقَوْا حَتّى اصْطَفّوا لِلْقِتَالِ فَمَشَى بَيْنَهُمْ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِى إلَى هَؤُلاءِ وَإِلَى هَؤُلاءِ حَتّى انْصَرَفَ الْقَوْمُ، وَانْصَرَفَ حَمْزَةُ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ فِى أَصْحَابِهِ وَتَوَجّهَ أَبُو جَهْلٍ فِى عِيرِهِ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ. فَلَمّا رَجَعَ حَمْزَةُ إلَى النّبِىّ ÷ خَبَرَهُ بِمَا حَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِى، وَأَنّهُمْ رَأَوْا مِنْهُ نَصَفَةً لَهُمْ فَقَدِمَ رَهْطُ مَجْدِى عَلَى النّبِىّ ÷ فَكَسَاهُمْ وَصَنَعَ إلَيْهِمْ خَيْرًا، وَذَكَرَ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنّهُ مَا عَلِمْت مَيْمُونُ النّقِيبَةِ مُبَارَكُ، الأَمْرِ. أَوْ قَالَ: رَشِيدُ الأَمْرِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالا: لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ إلَى بَدْرٍ، وَذَلِك أَنّهُ ظَنّ أَنّهُمْ لا يَنْصُرُونَهُ إلاّ فِى الدّارِ وَهُوَ الْمُثْبَتُ.

  • * *


سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إلَى رَابِغٍ ثُمّ عَقَدَ لِوَاءً لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ إلَى رَابِغٍ - وَرَابِغٌ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَنْتَ تُرِيدُ قُدَيْدًا. فَخَرَجَ عُبَيْدَةُ فِى سِتّينَ رَاكِبًا، فَلَقِىَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ أَحْيَاءٌ مِنْ بَطْنِ رَابِغٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ فِى مِائَتَيْنِ. فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِى الإِسْلامِ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، نَثَرَ كِنَانَتَهُ وَتَقَدّمَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ وَتَرّسَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ. قَالَ: فَرَمَى بِمَا فِى كِنَانَتِهِ حَتّى أَفْنَاهَا، مَا فِيهَا سَهْمٌ إلاّ يَنْكِى بِهِ. وَيُقَالُ: كَانَ فِى الْكِنَانَةِ عِشْرُونَ سَهْمًا، فَلَيْسَ مِنْهَا سَهْمٌ إلاّ يَقَعُ فَيَجْرَحُ إنْسَانًا أَوْ دَابّةً. وَلَمْ يَكُنْ سَهْمٌ يَوْمَئِذٍ إلاّ هَذَا، لَمْ يَسُلّوا السّيُوفَ وَلَمْ يَصْطَفّوا لِلْقِتَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الرّمْىِ وَالْمُنَاوَشَةِ ثُمّ انْصَرَفَ هَؤُلاءِ عَلَى حَامِيَتِهِمْ، وَهَؤُلاءِ عَلَى حَامِيَتِهِمْ. فَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ يَقُولُ فِيمَا حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، قَالَ: كَانَ السّتّونَ كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ سَعْدٌ: فَقُلْت لِعُبَيْدَةَ: لَوْ اتّبَعْنَاهُمْ لأَصَبْنَاهُمْ فَإِنّهُمْ قَدْ وَلّوْا مَرْعُوبِينَ. قَالَ: فَلَمْ يُتَابِعْنِى عَلَى ذَلِكَ فَانْصَرَفْنَا إلَى الْمَدِينَةِ.

  • * *


سرية سعد بن أبى وقاص إلى الخرار ثُمّ عَقَدَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ إلَى الْخَرّارِ - وَالْخَرّارُ مِنْ الْجُحْفَةِ قَرِيبٌ مِنْ خُمّ - فِى ذِى الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُخْرُجْ يَا سَعْدُ حَتّى تَبْلُغَ الْخَرّارَ، فَإِنّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ سَتَمُرّ بِهِ”. فَخَرَجْت فِى عِشْرِينَ رَجُلاً أَوْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ عَلَى أَقْدَامِنَا، فَكُنّا نَكْمُنُ النّهَارَ وَنَسِيرُ اللّيْلَ حَتّى صَبّحْنَاهَا صُبْحَ خَمْسٍ فَنَجِدُ الْعِيرَ قَدْ مَرّتْ بِالأَمْسِ. وَقَدْ كَانَ النّبِىّ ÷ عَهِدَ إلَىّ أَلاّ أُجَاوِزَ الْخَرّارَ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَرَجَوْت أَنْ أُدْرِكَهُمْ. فَيُقَالُ: لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِهِمْ بَدْرًا، وَذَلِكَ لأَنّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ فِى دَارِهِمْ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ الْمَخْزُومِىّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ.

  • * *


غَزْوَةُ الأَبْوَاءِ ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، حَتّى بَلَغَ الأَبْوَاءَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. وَفِى هَذِهِ الْغَزَاةِ وَادَعَ بَنِى ضَمْرَةَ مِنْ كِنَانَةَ عَلَى أَلاّ يُكْثِرُوا عَلَيْهِ وَلا يُعِينُوا عَلَيْهِ أَحَدًا. ثُمّ كَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا، ثُمّ رَجَعَ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

  • * *


غَزْوَةُ بُوَاطَ ثُمّ غَزَا بُوَاطَ - وَبُوَاطُ حِيَالَ ضَبّةَ مِنْ نَاحِيَةِ ذِى خُشُبٍ بَيْنَ بُوَاطَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثَةُ بُرُدٍ - فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ، فِيهَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.

  • * *


غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولَى ثُمّ غَزَا فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فِى طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ، أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَرْعَى بِالْجَمّاءِ وَنَوَاحِيهَا، حَتّى بَلَغَ بَدْرًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ.

  • * *


غَزْوَةُ ذِى الْعَشِيرَةِ ثُمّ غَزَا فِى جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا، يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ حِينَ أَبْدَأَتْ إلَى الشّامِ، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَخَرَجَ فِى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ - وَيُقَالُ: فِى مِائَتَيْنِ - وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِفُصُولِ الْعِيرِ مِنْ مَكّةَ تُرِيدُ الشّامَ، قَدْ جَمَعَتْ قُرَيْشٌ أَمْوَالَهَا فَهِىَ فِى تِلْكَ الْعِيرِ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِى دِينَارٍ بُيُوتَ السّقْيَا، وَهِىَ غَزْوَةُ ذِى الْعَشِيرَةِ.

  • * *


سَرِيّةُ نَخْلَةَ ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ، وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ، فَقَالَ وَافِ مَعَ الصّبْحِ مَعَك سِلاحُك; أَبْعَثُك وَجْهًا، قَالَ: فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَىّ سَيْفِى وَقَوْسِى وَجَعْبَتِى وَمَعِى دَرَقَتِى، فَصَلّى النّبِىّ ÷ بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِى قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِى مِنْ قُرَيْشٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَكَتَبَ كِتَابًا. ثُمّ دَعَانِى فَأَعْطَانِى صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلانِىّ، فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلاءِ النّفَرِ. فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِى، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَىّ نَاحِيَةٍ؟ فَقَالَ: اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ ، تَؤُمّ رَكِيّةَ. قَالَ: “فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: سِرْ حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلا تُكْرِهَن أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك، وَامْضِ لأَمْرِى فِيمَنْ تَبِعَك حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ”. فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الآنِ فَقَالُوا أَجْمَعُونَ: نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَخْزُومِىّ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِىّ. فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ. قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي - وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ - فَيَقُولُ لَهُمْ عُمّارٌ: نَحْنُ فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا فِى أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا. تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِي أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ - فَقَالُوا: إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِى الشّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَدْرِى أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لا. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إلاَّ مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا، فَشَجّعَ الْقَوْمَ فَقَاتَلُوهُمْ. فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقْدُمُ الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ - وَكَانَ لا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: “أَنَا أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَدْعُوهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَلامَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَاَللّهِ لا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الأَبَدِ دَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِىّ ÷ لا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَتَأَخّرَ وَقُلْت: كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِىّ ÷ أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّى، ثُمّ أَقُولُ: إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ إسْلامُهُ وَجَاهَدَ فِى اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ الْجِنَانَ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت. فَالْتَفَتَ النّبِىّ ÷ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: “لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته، دَخَلَ النّار” قَالُوا: وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِىّ ÷. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ، فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ وَيُعَظّمُهُ. فَقَالَ: “مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِى لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ”، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَحَبَسَ الأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ”. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ، وَلا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ، إنّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا أَخْبَارَ قُرَيْشٍ. قَالُوا: وَسُقِطَ فِى أَيْدِى الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلامُوهُمْ وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، عَمْرٌو عَمُرَتْ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِىّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ، وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى يَهُودَ. قَالُوا: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِىّ ÷ فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِىّ ÷: “لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا”، يَعْنِى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ بِبُحْرَان َ - وَبُحْرَانُ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ - فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا، وَكُنّا اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا. فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ. وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِى آثَارِهِمْ فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ نَخْلَةَ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِى سَفَرِنَا مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ، وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ: لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً، وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. قَالَ قَائِلٌ: أَبَا إسْحَاقَ كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: ثَلاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُفَادِيَهُمْ، وَقَالَ: “إنّى أَخَافُ عَلَى صَاحِبَىّ”، فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالُوا: وَكَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ ÷ لَهُمْ: “إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَىّ قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ”، وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً لِكُلّ وَاحِدٍ وَالأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ، فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَ خَمّسَ مَا غَنِمَ، وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ، فَكَانَ أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِى الإِسْلامِ حَتّى نَزَلَ بَعْدُ×وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ % فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، أَنّ النّبِىّ ÷ وَقَفَ غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ. قَالُوا: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ×يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ% فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِى كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَ، وَأَنّ الّذِى يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِى الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ وَيَقُولُ: ×وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ% قَالَ: عَنَى بِهِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَوَدَى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ، وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: “بَرَاءَةٌ”. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ هَلْ وَدَى رَسُولُ اللّهِ ÷ ابْنَ الْحَضْرَمِىّ؟ قَالَ: لا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنّهُ لَمْ يُودَ. وَفِى تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ.

  • * *

تَسْمِيَةُ مَنْ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ فِى سَرِيّتِهِ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبَكِيرِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَلَمْ يَشْهَدَا الْوَاقِعَةَ. وَيُقَالُ كَانُوا اثْنَىْ عَشَرَ وَيُقَالُ كَانُوا ثَلاثَةَ عَشَرَ وَالثّابِتُ عِنْدَنَا ثَمَانِيَةٌ.

  • * *


بَدْرُ الْقِتَالِ قَالَ: وَلَمّا تَحَيّنَ رَسُولُ اللّهِ ÷ انْصِرَافَ الْعِيرِ مِنْ الشّامِ، نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْعِيرِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ يَتَحَسّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ، حَتّى نَزَلا عَلَى كَشَدٍ الْجُهَنِىّ بِالنّخْبَارِ مِنْ الْحَوْرَاءِ - وَالنّخْبَارُ مِنْ وَرَاءِ ذِى الْمَرْوَةِ عَلَى السّاحِلِ - فَأَجَارَهُمَا، وَأَنْزَلَهُمَا، وَلَمْ يَزَالا مُقِيمَيْنِ عِنْدَهُ فِى خِبَاءٍ، حَتّى مَرّتْ الْعِيرُ فَرَفَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ فَنَظَرَا إلَى الْقَوْمِ وَإِلَى مَا تَحْمِلُ الْعِيرُ وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ: يَا كَشَدُ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللّهِ، وَأَنّى عُيُونُ مُحَمّدٍ بِالنّخْبَارِ؟ فَلَمّا رَاحَتْ الْعِيرُ بَاتَا حَتّى أَصْبَحَا ثُمّ خَرَجَا. وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌ خَفِيرًا، حَتّى أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ، وَسَاحَلَتْ الْعِيرُ فَأَسْرَعَتْ وَسَارُوا اللّيْلَ وَالنّهَارَ فَرَقًا مِنْ الطّلَبِ. فَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ الْيَوْمَ الّذِى لاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبَدْرٍ، فَخَرَجَا يَعْتَرِضَانِ النّبِىّ ÷ فَلَقِيَاهُ بِتُرْبَانَ - وَتُرْبَانُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسّيَالَةِ عَلَى الْمَحَجّةِ، وَكَانَتْ مَنْزِلَ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشّاعِرِ. وَقَدِمَ كَشَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَخْبَرَ النّبِىّ ÷ سَعِيدٌ وَطَلْحَةُ إجَارَتَهُ إيّاهُمَا، فَحَيّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ: “أَلا أَقْطَعُ لَك يَنْبُعَ”؟ فَقَالَ: إنّى كَبِيرٌ وَقَدْ نَفِدَ عُمْرِى، وَلَكِنْ أَقْطِعْهَا لابْنِ أَخِى، فَقَطَعَهَا لَهُ. قَالُوا: وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: “وَهَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، لَعَلّ اللّهَ يُغْنِمكُمُوهَا”، فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعَ حَتّى إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيُسَاهِمُ أَبَاهُ فِى الْخُرُوجِ فَكَانَ مِمّنْ سَاهَمَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَبُوهُ فِى الْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ، فَقَالَ سَعْدٌ لأَبِيهِ: إنّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنّةِ آثَرْتُك بِهِ إنّى لأَرْجُو الشّهَادَةَ فِى وَجْهِى هَذَا فَقَالَ: خَيْثَمَةُ آثِرْنِى، وَقِرْ مَعَ نِسَائِك فَأَبَى سَعْدٌ، فَقَالَ خَيْثَمَةُ: إنّهُ لا بُدّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ، فَاسْتَهَمَا، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ. وَأَبْطَأَ عَنْ النّبِىّ ÷ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرِهُوا خُرُوجَهُ، وَكَانَ فِيهِ كَلامٌ كَثِيرٌ وَاخْتِلافٌ، وَكَانَ مَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُلَمْ لأَنّهُمْ مَا خَرَجُوا عَلَى قِتَالٍ، وَإِنّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ، وَتَخَلّفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ نِيّاتِ وَبَصَائِرَ لَوْ ظَنّوا أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ مَا تَخَلّفُوا، وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ لَهُ أُسَيْدُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى سَرّك وَأَظْهَرَك عَلَى عَدُوّك وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ مَا تَخَلّفْت عَنْك رَغْبَةً بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَلا ظَنَنْت أَنّك تُلاقِى عَدُوّا، وَلا ظَنَنْت إلاّ أَنّهَا الْعِيرُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقْت”، وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ أَعَزّ اللّهُ فِيهَا الإِسْلامَ وَأَذَلّ فِيهَا أَهْلَ الشّرْكِ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِمَنْ مَعَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى نَقْبِ بَنِى دِينَارٍ، ثُمّ نَزَلَ بِالْبُقْعِ وَهِىَ بُيُوتُ السّقْيَا - الْبُقْعُ نَقْبُ بَنِى دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ، وَالسّقْيَا مُتّصِلٌ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ - يَوْمَ الأَحَدِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَعَرَضَ الْمُقَاتِلَةَ فَعَرَضَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظَهِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَرَدّهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُمْ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَخِى عُمَيْرَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَتَوَارَى، فَقُلْت: مَا لَك يَا أَخِي؟ قَالَ: إنّى أَخَافُ أَنْ يَرَانِى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَيَسْتَصْغِرَنِى فَيَرُدّنِى، وَأَنَا أُحِبّ الْخُرُوجَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنِى الشّهَادَةَ، قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: “ارْجِعْ”، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷. قَالَ: فَكَانَ سَعْدٌ يَقُولُ: كُنْت أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: حَدّثَنِى عَيّاشُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَشْجَعِىّ، أَنّ النّبِىّ ÷ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ بِئْرِهِمْ يَوْمَئِذٍ وَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ مَاءِ بِئْرِهِمْ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، أَنّ النّبِىّ ÷ كَانَ أَوّلَ مَنْ شَرِبَ مِنْ بِئْرِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا بَعْدَ ذَلِكَ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ الْمَقْبُرِىّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ صَلّى عِنْدَ بُيُوتِ السّقْيَا، وَدَعَا يَوْمَئِذٍ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: “اللّهُمّ إنّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيّك، دَعَاك لأَهْلِ مَكّةَ، وَإِنّى مُحَمّدٌ عَبْدُك وَنَبِيّك، أَدْعُوَك لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِى صَاعِهِمْ وَمُدّهِمْ وَثِمَارِهِمْ، اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَاجْعَلْ مَا بِهَا مِنْ الْوَبَاءِ بِخُمّ اللّهُمّ إنّى قَدْ حَرّمْت مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا كَمَا حَرّمَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُك مَكّةَ وَخُمّ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْجُحْفَةِ”. قَالُوا: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ عَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَبَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا. قَالُوا: وَجَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ سَرّنِى مَنْزِلُك هَذَا، وَعَرْضُك فِيهِ أَصْحَابَك، وَتَفَاءَلْت بِهِ إنّ هَذَا مَنْزِلُنَا - بَنِى سَلَمَةَ - حَيْثُ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ حُسَيْكَةَ مَا كَانَ - حُسَيْكَةُ الذّبَابِ، وَالذّبَابُ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، كَانَ بِحُسَيْكَةَ يَهُودَ، وَكَانَ لَهُمْ بِهَا مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ - فَعَرَضْنَا هَاهُنَا أَصْحَابَنَا، فَأَجَزْنَا مَنْ كَانَ يُطِيقُ السّلاحَ وَرَدَدْنَا مَنْ صَغُرَ عَنْ حَمْلِ السّلاحِ، ثُمّ سِرْنَا إلَى يَهُودِ حُسَيْكَةَ، وَهُمْ أَعَزّ يَهُودَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ فَقَتَلْنَاهُمْ كَيْفَ شِئْنَا، فَذَلّتْ لَنَا سَائِرُ يَهُودَ إلَى الْيَوْمِ وَأَنَا أَرْجُو يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَلْتَقِىَ نَحْنُ وَقُرَيْشٌ، فَيُقِرّ اللّهُ عَيْنَك مِنْهُمْ. وَكَانَ خَلاّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، يَقُولُ: لَمّا كَانَ مِنْ النّهَارِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِخُرْبَى، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ: مَا ظَنَنْت إلاّ أَنّكُمْ قَدْ سِرْتُمْ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَعْرِضُ النّاسَ بِالْبُقْعِ. قَالَ عَمْرٌو: نِعْمَ الْفَأْلُ، وَاَللّهِ إنّى لأَرْجُو أَنْ تَغْنَمُوا وَأَنْ تَظْفَرُوا بِمُشْرِكِى قُرَيْشٍ إنّ هَذَا مَنْزِلُنَا يَوْمَ سِرْنَا إلَى حُسَيْكَةَ. قَالَ: فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ غَيّرَ اسْمَهُ وَسَمّاهُ السّقْيَا. قَالَ: فَكَانَتْ فِى نَفْسِى أَنْ أَشْتَرِيَهَا، حَتّى اشْتَرَاهَا سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ بِبِكْرَيْنِ، وَيُقَالُ: بِسَبْعِ أَوَاقٍ. قَالَ فَذُكِرَ لِلنّبِىّ ÷: أَنّ سَعْدًا اشْتَرَاهَا، فَقَالَ: “رَبِحَ الْبَيْعُ”. قَالُوا: وَرَاحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَشِيّةَ الأَحَدِ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا، لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَمَانِيَةٌ تَخَلّفُوا فَضَرَبَ لَهُمْ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ، وَكَانَتْ الإِبِلُ سَبْعِينَ بَعِيرًا وَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الإِبِلَ الاثْنَيْنِ وَالثّلاثَةَ وَالأَرْبَعَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَمَرْثَدٌ - وَيُقَالُ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَكَانَ مَرْثَدٍ - يَتَعَاقَبُونَ بَعِيرًا وَاحِدًا، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو كَبْشَةَ، وَأَنَسَةُ مَوْلَى النّبِىّ ÷ عَلَى بَعِيرٍ. وَكَانَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالطّفَيْلُ وَالْحُصَيْنُ ابْنَا الْحَارِثِ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ نَاضِحٍ ابْتَاعَهُ مِنْ ابْنِ أَبِى دَاوُدَ الْمَازِنِىّ، وَكَانَ مُعَاذٌ وَعَوْفٌ، وَمُعَوّذٌ بَنُو عَفْرَاءَ، وَمَوْلاهُمْ أَبُو الْحَمْرَاءِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَحَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ، وَقُطْبَةُ ابْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَلَى جَمَلٍ لِعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، يُقَالُ لَهُ: الْعُبَيْسُ. وَكَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعٍ عَلَى جَمَلٍ لِمُصْعَبٍ وَكَانَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ، وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، عَلَى جَمَلٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَ عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ، وَالسّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ عَلَى بَعِيرٍ، يَتَعَاقَبُونَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَخُوهُ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى جَمَلٍ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ نَاضِحٍ يُقَالُ لَهُ: الذّيّالُ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ عَلَى نَاضِحٍ لِسَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَا تَزَوّدَ إلاّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. فَحَدّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ النّبِىّ ÷ إلَى بَدْرٍ، وَكَانَ كُلّ ثَلاثَةٍ يَتَعَاقَبُونَ بَعِيرًا، فَكُنْت أَنَا وَأَخِى خَلاّدُ بْنُ رَافِعٍ عَلَى بَكْرٍ لَنَا، وَمَعَنَا عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرٍ، فَكُنّا نَتَعَاقَبُ. فَسِرْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِالرّوْحَاءِ، أَذَمّ بِنَا بَكْرُنَا، فَبَرَكَ عَلَيْنَا، وَأَعْيَا، فَقَالَ أَخِى: اللّهُمّ إنّ لَك عَلَىّ نَذْرًا، لَئِنْ رَدَدْتنَا إلَى الْمَدِينَةِ لأَنْحَرَنهُ. قَالَ: فَمَرّ بِنَا النّبِىّ ÷ وَنَحْنُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَرَكَ عَلَيْنَا بَكْرُنَا. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَتَوَضّأَ فِى إنَاءٍ، ثُمّ قَالَ: “افْتَحَا فَاهُ” فَفَعَلْنَا، ثُمّ صَبّهُ فِى فِيهِ، ثُمّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمّ عَلَى عُنُقِهِ، ثُمّ عَلَى حَارِكِهِ، ثُمّ عَلَى سَنَامِهِ، ثُمّ عَلَى عَجُزِهِ، ثُمّ عَلَى ذَنَبِهِ، ثُمّ قَالَ: “ارْكَبَا”، وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَحِقْنَاهُ أَسْفَلَ الْمُنْصَرَفِ وَإِنّ بَكْرَنَا لَيَنْفِرُ بِنَا، حَتّى إذَا كُنّا بِالْمُصَلّى رَاجِعِينَ مِنْ بَدْرٍ بَرَكَ عَلَيْنَا، فَنَحَرَهُ أَخِى، فَقَسّمَ لَحْمَهُ وَتَصَدّقَ بِهِ. وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِى بَدْرٍ عَلَى عِشْرِينَ جَمَلاً. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَمَعَنَا سَبْعُونَ بَعِيرًا، فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الثّلاثَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكُنْت أَنَا مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النّبِىّ عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلامُ عَنْهُ غِنَاءً أَرْجَلَهُمْ رُجْلَةً وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ لَمْ أَرْكَبْ خُطْوَةً ذَاهِبًا وَلا رَاجِعًا. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا: “اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ مِنْ فَضْلِك” قَالَ: فَمَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ إلاّ وَجَدَ ظَهْرًا، لِلرّجُلِ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ وَاكْتَسَى مَنْ كَانَ عَارِيًا، وَأَصَابُوا طَعَامًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ وَأَصَابُوا فِدَاءَ الأَسْرَى فَأَغْنَى بِهِ كُلّ عَائِلٍ. وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمُشَاةِ قَيْسَ بْنَ أَبِى صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ أَبِى صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ - وَأَمَرَهُ النّبِىّ ÷ حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا أَنْ يَعُدّ الْمُسْلِمِينَ، فَوَقَفَ لَهُمْ بِبِئْرِ أَبِى عِنَبَةَ فَعَدّهُمْ ثُمّ أَخْبَرَ النّبِىّ عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلامُ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا حَتّى سَلَكَ بَطْنَ الْعَقِيقِ، ثُمّ سَلَكَ طَرِيقَ الْمُكْتَمِنِ حَتّى خَرَجَ عَلَى بَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ هُنَاكَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى حِجَارٍ فَبَنَى تَحْتَهَا مَسْجِدًا، فَصَلّى فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَأَصْبَحَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ فَهُوَ هُنَاكَ، وَأَصْبَحَ بِبَطْنِ مَلَلٍ وَتُرْبَانَ؛ بَيْنَ الْحَفِيرَةِ وَمَلَلٍ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: لَمّا كُنّا بِتُرْبَانَ قَالَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا سَعْدُ اُنْظُرْ إلَى الظّبْيى”. قَالَ: فَأُفَوّقُ لَهُ بِسَهْمٍ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَوَضَعَ ذَقَنَهُ بَيْنَ مَنْكِبَىّ وَأُذُنَىّ، ثُمّ قَالَ: “ارْمِ اللّهُمّ سَدّدْ رَمْيَتَهُ”، قَالَ: فَمَا أَخْطَأَ سَهْمِى عَنْ نَحْرِهِ. قَالَ: فَتَبَسّمَ النّبِىّ ÷. قَالَ: وَخَرَجْت أَعْدُو، فَأَجِدُهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَذَكّيْته فَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَزَلْنَا قَرِيبًا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقُسِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ بِجَادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالُوا: وَكَانَ مَعَهُمْ فَرَسَانِ فَرَسٌ لِمَرْثَدِ بْنِ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِىّ حَلِيفُ بَنِى زُهْرَةَ، وَيُقَالُ: فَرَسٌ لِلزّبَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ إلاّ فَرَسَانِ وَلا اخْتِلافَ عِنْدَنَا أَنّ الْمِقْدَادَ لَهُ فَرَسٌ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ ضِبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ مَعِى فَرَسٌ يَوْمَ بَدْرٍ، يُقَالُ لَهُ: سَبْحَةُ. وَحَدّثَنِى سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الْغَنَوِىّ، عَنْ آبَائِهِ، قَالَ: شَهِدَ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ يَوْمَئِذٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: السّيْلُ. قَالُوا: وَلَحِقَتْ قُرَيْشٌ بِالشّامِ فِى عِيرِهَا، وَكَانَتْ الْعِيرُ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَكَانَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ عِظَامٌ وَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ قُرَشِىّ، وَلا قُرَشِيّةٌ لَهُ مِثْقَالٌ فَصَاعِدًا، إلاّ بَعَثَ بِهِ فِى الْعِيرِ حَتّى إنّ الْمَرْأَةَ لَتَبْعَثُ بِالشّيْءِ التّافِهِ. فَكَانَ يُقَالُ: إنّ فِيهَا لَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَالُوا: أَقَلّ وَإِنْ كَانَ لَيُقَالُ: إنّ أَكْثَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لآلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - أَبِى أُحَيْحَةَ - إمّا مَالٌ لَهُمْ أَوْ مَالٌ مَعَ قَوْمٍ قِرَاضٌ عَلَى النّصْفِ فَكَانَتْ عَامّةُ الْعِيرِ لَهُمْ. وَيُقَالُ: كَانَ لِبَنِى مَخْزُومٍ فِيهَا مِائَتَا بَعِيرٍ و خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةُ آلافِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ، وَكَانَ يُقَالُ: لِلْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ فِيهَا أَلْفُ مِثْقَالٍ، وَكَانَ لأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ أَلْفَا مِثْقَالٍ. فَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: كَانَتْ لِبَنِى عَبْدِ مَنَافٍ فِيهَا عَشْرَةُ آلافِ مِثْقَالٍ، وَكَانَ مَتْجَرُهُمْ إلَى غَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، وَكَانَتْ عِيرَاتُ بُطُونِ قُرَيْشٍ فِيهَا - يَعْنِى الْعِيرَ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: لَمّا لَحِقْنَا بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ عَرَضَ لِعِيرِنَا فِى بَدْأَتِنَا، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ رَجْعَتَنَا. قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ. قَالَ مَخْرَمَةُ: فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ، فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَمّا كُنّا بِالزّرْقَاءِ - وَالزّرْقَاءُ بِالشّامِ بِنَاحِيَةِ مَعَانَ مِنْ أَذْرِعَاتٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ - وَنَحْنُ مُنْحَدِرُونَ إلَى مَكّةَ، لَقِينَا رِجَالاً مِنْ جُذَامٍ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ فِى بَدْأَتِكُمْ فِى أَصْحَابِهِ. فَقُلْنَا: مَا شَعَرْنَا قَالَ: بَلَى، فَأَقَامَ شَهْرًا، ثُمّ رَجَعَ إلَى يَثْرِبَ، وَأَنْتُمْ يَوْمَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ مُخْفُونَ فَهُوَ الآنَ أَحْرَى أَنْ يَعْرِضَ لَكُمْ إنّمَا يَعُدّ لَكُمْ الأَيّامَ عَدّا، فَاحْذَرُوا عَلَى عِيرِكُمْ وَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ فَوَاَللّهِ مَا أَرَى مِنْ عَدَدٍ وَلا كُرَاعَ وَلا حَلْقَةٍ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فَبَعَثُوا ضَمْضَمًا، وَكَانَ فِى الْعِيرِ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ مَرّتْ بِهِ وَهُوَ بِالسّاحِلِ مَعَ بُكْرَانِ لَهُ فَاسْتَأْجَرُوهُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالاً. وَأَمَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يُخْبِرَ قُرَيْشًا أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لِعِيرِهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْدَعَ بَعِيرَهُ إذَا دَخَلَ وَيُحَوّلَ رَحْلَهُ وَيَشُقّ قَمِيصَهُ مِنْ قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ، وَيَصِيحَ: الْغَوْثَ الْغَوْثَ، وَيُقَالُ: إنّمَا بَعَثُوهُ مِنْ تَبُوكَ. وَكَانَ فِى الْعِيرِ ثَلاثُونَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ. قَالُوا: وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَبْلَ ضَمْضَمَ بْنِ عَمْرٍو رُؤْيَا رَأَتْهَا فَأَفْزَعَتْهَا، وَعَظُمَتْ فِى صَدْرِهَا. فَأَرْسَلَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ فَقَالَتْ: يَا أَخِى، قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ رُؤْيَا اللّيْلَةَ أَفْظَعْتهَا، وَتَخَوّفْت أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَلَىّ أُحَدّثْك مِنْهَا. قَالَتْ: رَأَيْت رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ حَتّى وَقَفَ بالأبطح، ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ غُدَرَ انْفِرُوا إلَى مَصَارِعِكُمْ فِى ثَلاثٍ، فَصَرَخَ بِهَا ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ إذْ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا ثَلاثًا، ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِى قُبَيْسٍ، ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا ثَلاثًا. ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً مِنْ أَبِى قُبَيْسٍ فَأَرْسَلَهَا، فَأَقْبَلَتْ تَهْوِى حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِىَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكة، وَلا دَارٌ مِنْ دُورِ مكة، إلاّ دَخَلَتْهُ مِنْهَا فِلْذَةٌ. فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ فَيَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت كُلّ هَذَا، وَلَقَدْ رَأَيْت فِى دَارِنَا فِلْقَةً مِنْ الصّخْرَةِ الّتِى انْفَلَقَتْ مِنْ أَبِى قُبَيْسٍ فَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِبْرَةً وَلَكِنّ اللّهَ لَمْ يُرِدْ أَنْ نُسْلِمَ يَوْمَئِذٍ لَكِنّهُ أَخّرَ إسْلامَنَا إلَى مَا أَرَادَ. قَالُوا: وَلَمْ يَدْخُلْ دَارًا وَلا بَيْتًا مِنْ دُورِ بَنِى هَاشِمٍ وَلا بَنِى زُهْرَةَ مِنْ تِلْكَ الصّخْرَةِ شَيْءٌ، قَالُوا: فَقَالَ أَخُوهَا: إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَخَرَجَ مُغْتَمّا حَتّى لَقِىَ الْوَلِيدَ ابْنَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ فَفَشَا الْحَدِيثُ فِى النّاسِ، قَالَ: فَغَدَوْت أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ فِى رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدّثُونَ قُعُودًا بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا رَأَتْ عَاتِكَةُ هَذِهِ، فَقُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ؟ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ أَنّهَا رَأَتْ فِى الْمَنَامِ كَذَا وَكَذَا - الّذِى رَأَتْ - فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ ثَلاثًا، فَإِنْ يَكُ مَا قَالَتْ حَقّا فَسَيَكُونُ، وَإِنْ مَضَتْ الثّلاثُ وَلَمْ يَكُنْ نَكْتُبْ عَلَيْكُمْ أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِى الْعَرَبِ. فَقَالَ: يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ أَنْتَ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَاللّؤْمِ مِنّا، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إنّا اسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ، وَأَنْتُمْ فَقُلْتُمْ فِينَا السّقَايَةُ، فَقُلْنَا: لا نُبَالِى، تَسْقُونَ الْحَاجّ، ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا الْحِجَابَةُ، فَقُلْنَا: لا نُبَالِى، تَحْجُبُونَ الْبَيْتَ، ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا النّدْوَةُ، فَقُلْنَا: لا نُبَالِى، تَلُونَ الطّعَامَ وَتُطْعِمُونَ النّاسَ، ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا الرّفَادَةُ، فَقُلْنَا: لا نُبَالِى، تَجْمَعُونَ عِنْدَكُمْ مَا تَرْفِدُونَ بِهِ الضّعِيفَ، فَلَمّا أَطْعَمْنَا النّاسَ وَأَطْعَمْتُمْ وَازْدَحَمَتْ الرّكْبُ وَاسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ فَكُنّا كَفَرَسَىْ رِهَانٍ، قُلْتُمْ مِنّا نَبِىّ، ثُمّ قُلْتُمْ مِنّا نَبِيّةٌ، فَلا وَاَللاّتِى وَالْعُزّى، لا كَانَ هَذَا أَبَدًا، قَالَ: فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّى مِنْ غِيَرٍ إلاّ أَنّى جَحَدْت ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ عَاتِكَةُ رَأَتْ شَيْئًا. فَلَمّا أَمْسَيْت لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ أَصَابَتْهَا وِلادَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلاّ جَاءَتْ فَقُلْنَ: رَضِيتُمْ بِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ يَقَعُ فِى رِجَالِكُمْ، ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ نِسَاءَكُمْ، وَأَنْتَ تَسْمَعُ وَلَمْ يَكُنْ لَك عِنْدَ ذَلِكَ غَيْرَةٌ؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا فَعَلْت إلاّ مَا لا بَالَ بِهِ، وَاَللّهِ لأَعْتَرِضَن لَهُ غَدًا، فَإِنْ عَادَ لأَكْفِيكُمُوهُ، فَلَمّا أَصْبَحُوا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الّذِى رَأَتْ فِيهِ عَاتِكَةُ مَا رَأَتْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا يَوْمٌ، ثُمّ الْغَدُ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَانِ يَوْمَانِ، فَلَمّا كَانَ فِى الْيَوْمِ الثّالِثِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذِهِ ثَلاثَةُ أَيّامٍ مَا بَقِىَ. قَالَ: وَغَدَوْت فِى الْيَوْمِ الثّالِثِ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أَرَى أَنْ قَدْ فَاتَنِى مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ وَأَذْكُرَ مَا أَحْفَظَتْنِى النّسَاءُ بِهِ مِنْ مَقَالَتِهِنّ لِى مَا قُلْنَ فَلِلّهِ إنّى لأَمْشِى نَحْوَهُ - وَكَانَ رَجُلاً خَفِيفًا، حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ - إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ بَنِى سَهْمٍ يَشْتَدّ، فَقُلْت: مَا بَالُهُ لَعَنَهُ اللّهُ؟ أَكُلّ هَذَا فَرْقًا مِنْ أَنْ أُشَاتِمَهُ؟ فَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ ضَمْضَمَ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، يَا آلَ لُؤَىّ بْنِ غَالِبٍ، اللّطِيمَةَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِى أَصْحَابِهِ الْغَوْثَ، الْغَوْثَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، وَضَمْضَمُ يُنَادِى بِذَلِكَ بِبَطْنِ الْوَادِى، قَدْ جَدَعَ أُذُنَىْ بَعِيرِهِ وَشَقّ قَمِيصَهُ قُبُلاً وَدُبُرًا، وَحَوّلَ رَحْلَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنِى قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّة، وَإِنّى لأَرَى فِى النّوْمِ وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِى، كَأَنّ وَادِىَ مَكّةَ يَسِيلُ مِنْ أَعْلاهُ إلَى أَسْفَلِهِ دَمًا، فَاسْتَيْقَظْت فَزِعًا مَذْعُورًا، وَكَرِهْتهَا لِقُرَيْشٍ وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنّهَا مُصِيبَةٌ فِى أَنْفُسِهِمْ. وَكَانَ يُقَالُ إنّ الّذِى نَادَى يَوْمَئِذٍ إبْلِيسُ تَصَوّرَ فِى صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ فَسَبَقَ ضَمْضَمًا فَأَنْفَرَهُمْ إلَى عِيرِهِمْ ثُمّ جَاءَ ضَمْضَمٌ بَعْدَهُ. فَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ: مَا رَأَيْت أَعْجَبَ مِنْ أَمْرِ ضَمْضَمٍ قَطّ، وَمَا صَرَخَ عَلَى لِسَانِهِ إلاّ شَيْطَانٌ إنّهُ لَمْ يُمَلّكْنَا مِنْ أُمُورِنَا شَيْئًا حَتّى نَفَرْنَا عَلَى الصّعْبِ وَالذّلُولِ. وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَقُولُ: مَا كَانَ الّذِى جَاءَنَا فَاسْتَنْفَرَنَا إلَى الْعِيرِ إنْسَانٌ إنْ هُوَ إلاّ شَيْطَانٌ فَقِيلَ: كَيْفَ يَا أَبَا خَالِدٍ؟ فَقَالَ: إنّى لأَعْجَبُ مِنْهُ مَا مَلّكَنَا مِنْ أُمُورِنَا شَيْئًا. قَالُوا: وَتَجَهّزَ النّاسُ وَشُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ النّاسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلاً، فَأَشْفَقَتْ قُرَيْشٌ لِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَسُرّتْ بَنُو هَاشِمٍ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: كَلا، زَعَمْتُمْ أَنّا كَذَبْنَا وَكَذَبَتْ عَاتِكَةُ فَأَقَامَتْ قُرَيْشٌ ثَلاثَةً تَتَجَهّزُ وَيُقَالُ يَوْمَيْنِ وَأَخْرَجَتْ قُرَيْشٌ أَسْلِحَتَهَا وَاشْتَرَوْا سِلاحًا، وَأَعَانَ قَوِيّهُمْ ضَعِيفَهُمْ. وَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمّدٌ وَالصّبَاةُ مَعَهُ مِنْ شُبّانِكُمْ وَأَهْلُ يَثْرِبَ، قَدْ عَرَضُوا لِعِيرِكُمْ وَلَطِيمَةِ قُرَيْشٍ - وَاللّطِيمَةُ التّجَارَةُ. قَالَ أَبُو الزّنَادِ: اللّطِيمَةُ جَمِيعُ مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ لِلتّجَارَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اللّطِيمَةُ الْعِطْرُ خَاصّةً - فَمَنْ أَرَادَ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرٌ وَمَنْ أَرَادَ قُوّةً فَهَذِهِ قُوّةٌ، وَقَامَ زَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، فَقَالَ: إنّهُ وَاَللاّتِى وَالْعُزّى، مَا نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، إنْ طَمِعَ مُحَمّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ أَنْ يَعْتَرِضُوا لِعِيرِكُمْ فِيهَا حَرَائِبُكُمْ فَأَوْعِبُوا، وَلا يَتَخَلّفْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ لا قُوّةَ لَهُ فَهَذِهِ قُوّةٌ وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَابَهَا مُحَمّدٌ لا يَرُوعُكُمْ بِهِمْ إلاّ وَقَدْ دَخَلُوا عَلَيْكُمْ. وَقَالَ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِىّ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّهُ وَاَللّهِ مَا نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ أَجَلّ مِنْ هَذَا، أَنْ تُسْتَبَاحَ عِيرُكُمْ وَلَطِيمَةُ قُرَيْشٍ، فِيهَا أَمْوَالُكُمْ وَحَرَائِبُكُمْ، وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلاً وَلا امْرَأَةً مِنْ بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ لَهُ نَشّ فَصَاعِدًا إلاّ وَهُوَ فِى هَذِهِ الْعِيرِ فَمَنْ كَانَ لا قُوّةَ بِهِ فَعِنْدَنَا قُوّةٌ نَحْمِلُهُ وَنُقَوّيهِ، فَحَمَلَ عَلَى عِشْرِينَ بَعِيرًا، وَقَوّاهُمْ وَخَلَفَهُمْ فِى أَهْلِهِمْ بِمَعُونَةٍ. وَقَامَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، فَحَرّضَا النّاسَ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ يَدْعُوَا إلَى قُوّةٍ وَلا حُمْلانٍ. فَقِيلَ لَهُمَا: أَلا تَدْعُوَانِ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ قَوْمُكُمَا مِنْ الْحُمْلانِ؟ فَقَالا: وَاَللّهِ مَا لَنَا مَالٌ، وَمَا الْمَالُ إلاّ لأَبِى سُفْيَانَ، وَمَشَى نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ إلَى أَهْلِ الْقُوّةِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَكَلّمَهُمْ فِى بَذْلِ النّفَقَةِ وَالْحُمْلانِ لِمَنْ خَرَجَ فَكَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَضَعْهَا حَيْثُ رَأَيْت، وَكَلّمَ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَىْ دِينَارٍ، أَوْ ثَلَثَمِائَةٍ ثُمّ قَوّى بِهِمَا السّلاحَ وَالظّهْرَ. قَالُوا: وَكَانَ لا يَتَخَلّفُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلاّ بَعَثَ مَكَانَهُ بَعِيثًا، فَمَشَتْ قُرَيْشٌ إلَى أَبِى لَهَبٍ، فَقَالُوا: إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَإِنّك إنْ تَخَلّفْت عَنْ النّفِيرِ يَعْتَبِرُ بِك غَيْرُك مِنْ قَوْمِك، فَاخْرُجْ أَوْ ابْعَثْ أَحَدًا. فَقَالَ: وَاَللاّتِى وَالْعُزّى لا أَخْرُجُ وَلا أَبْعَثُ أَحَدًا فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: قُمْ أَبَا عُتْبَةَ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا إلاّ غَضَبًا لِدِينِك وَدِينِ آبَائِك، وَخَافَ أَبُو جَهْلٍ أَنْ يُسْلِمَ أَبُو لَهَبٍ فَسَكَتَ أَبُو لَهَبٍ فَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَبْعَثْ وَمَا مَنَعَ أَبَا لَهَبٍ أَنْ يَخْرُجَ إلاّ إشْفَاقٌ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَإِنّهُ كَانَ يَقُولُ: إنّمَا رُؤْيَا عَاتِكَةَ أَخْذٌ بِالْيَدِ. وَيُقَالُ: إنّهُ بَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ: اُخْرُجْ وَدَيْنِى لَك فَخَرَجَ عَنْهُ. قَالُوا: وَأَخْرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ دُرُوعًا لَهُمَا، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَدّاسٌ وَهُمَا يُصْلِحَانِ دُرُوعَهُمَا وَآلَةَ حَرْبِهِمَا، فَقَالَ: مَا تُرِيدَانِ؟ قَالا: أَلَمْ تَرَ إلَى الرّجُلِ الّذِى أَرْسَلْنَاك إلَيْهِ بِالْعِنَبِ فِى كَرْمِنَا بالطائف؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالا: نَخْرُجُ فَنُقَاتِلُهُ. فَبَكَى، وَقَالَ: لا تَخْرُجَا، فَوَاَللّهِ إنّهُ لَنَبِىّ فَأَبَيَا فَخَرَجَا، وَخَرَجَ مَعَهُمَا فَقُتِلَ بِبَدْرٍ مَعَهُمَا. قَالُوا: وَاسْتَقْسَمَتْ قُرَيْشٌ بِالأَزْلامِ عِنْدَ هُبَلَ لِلْخُرُوجِ فَاسْتَقْسَمَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ عِنْدَ هُبَلَ بِالآمِرِ وَالنّاهِى، فَخَرَجَ الْقَدَحُ النّاهِى لِلْخُرُوجِ فَأَجْمَعُوا الْمُقَامَ حَتّى أَزْعَجَهُمْ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَا اسْتَقْسَمْت وَلا نَتَخَلّفُ عَنْ عِيرِنَا وَلَمّا تَوَجّهَ زَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ خَارِجًا، وَكَانَ بِذِى طُوًى، أَخْرَجَ قِدَاحَهُ فَاسْتَقْسَمَ بِهَا، فَخَرَجَ النّاهِى لِلْخُرُوجِ فَلَقِىَ غَيْظًا، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ فَخَرَجَ مِثْلُ ذَلِكَ فَكَسَرَهَا، وَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قِدَاحًا أَكْذَبَ مِنْ هَذِهِ وَمَرّ بِهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: مَا لِى أَرَاك غَضْبَانَ يَا أَبَا حُكَيْمَةَ؟ فَأَخْبَرَهُ زَمَعَةُ، فَقَالَ: امْضِ عَنْك أَيّهَا الرّجُلُ، وَمَا أَكْذَبَ مِنْ هَذِهِ الْقِدَاحِ، قَدْ أَخْبَرَنِى عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مِثْلَ الّذِى أَخْبَرْتنِى أَنّهُ لَقِيَهُ. ثُمّ مَضَيَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِضَمْضَمٍ: إذَا قَدِمْت عَلَى قُرَيْشٍ فَقُلْ لَهَا: لا تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، قَالَ: سَمِعْت حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، يَقُولُ: مَا وَجّهْت وَجْهًا قَطّ كَانَ أَكْرَهَ لِى مِنْ مَسِيرِى إلَى بدر، وَلا بَانَ لِى فِى وَجْهٍ قَطّ مَا بَانَ لِى قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ. ثُمّ يَقُولُ: قَدِمَ ضَمْضَمٌ فَصَاحَ بِالنّفِيرِ فَاسْتَقْسَمْت بِالأَزْلامِ كُلّ ذَلِكَ يَخْرُجُ الّذِى أَكْرَهُ، ثُمّ خَرَجْت عَلَى ذَلِكَ حَتّى نَزَلْنَا بمَرّ الظّهْرَان. فَنَحَرَ ابْنُ الْحَنْظَلِيّةِ جُزُرًا، فَكَانَتْ جَزُورٌ مِنْهَا بِهَا حَيَاةٌ فَمَا بَقِىَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلاّ أَصَابَهُ مِنْ دَمِهَا، فَكَانَ هَذَا بَيّنًا، ثُمّ هَمَمْت بِالرّجُوعِ ثُمّ أَذْكُرُ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ وَشُؤْمَهُ فَيَرُدّنِى حَتّى مَضَيْت لِوَجْهِى. فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنَا حِينَ بَلَغْنَا الثنية الْبَيْضَاءَ - والثنية الْبَيْضَاءُ الّتِى تُهْبِطُكَ عَلَى فخ، وَأَنْتَ مُقْبِلٌ مِنْ المدنية - إذَا عَدّاسٌ جَالِسٌ عَلَيْهَا وَالنّاسُ يَمُرّونَ إذْ مَرّ عَلَيْهِ ابْنَا رَبِيعَةَ، فَوَثَبَ إلَيْهِمَا فَأَخَذَ بِأَرْجُلِهِمَا فِى غَرْزِهِمَا، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِى وَأُمّى أَنْتُمَا، وَاَللّهِ إنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَمَا تُسَاقَانِ إلاّ إلَى مَصَارِعِكُمَا، وَإِنّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلُ دُمُوعُهُمَا عَلَى خَدّيْهِ فَأَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ أَيْضًا، ثُمّ مَضَيْت. وَمَرّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ وَلّى عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيك؟ فَقَالَ: يُبْكِينِى سَيّدَاىَ وَسَيّدَا أَهْلِ الْوَادِى، يَخْرُجَانِ إلَى مَصَارِعِهِمَا، وَيُقَاتِلانِ رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ الْعَاصُ: وَإِنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ؟ قَالَ: فَانْتَفَضَ عَدّاسٌ انْتِفَاضَةً، وَاقْشَعَرّ جِلْدُهُ، ثُمّ بَكَى، وَقَالَ: إى وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ إلَى النّاسِ كَافّةً. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ، ثُمّ مَضَى وَهُوَ عَلَى الشّكّ حَتّى قُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شَكّ وَارْتِيَابٍ، وَيُقَالُ: رَجَعَ عَدّاسٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَيُقَالُ: شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ - وَالْقَوْلُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. قَالُوا: وَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَتَنْزِلُ هَذَا، وَقَدْ آوَى مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: قُلْ مَا شِئْت، أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ: مَهْ، لا تَقُلْ هَذَا لأَبِى الْحَكَمِ فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِى قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ أَمَا وَاَللّهِ لَسَمِعْت مُحَمّدًا يَقُولُ: “لأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف”، قَالَ أُمَيّةُ: أَنْتَ سَمِعْته؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِهِ، فَلَمّا جَاءَ النّفِيرُ أَبَى أُمَيّةُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إلَى بَدْرٍ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ، وَأَبُو جَهْلٍ. وَمَعَ عُقْبَةَ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ وَمَعَ أَبِى جَهْلٍ مُكْحُلَةٌ وَمِرْوَدٌ. فَأَدْخَلَهَا عُقْبَةُ تَحْتَهُ وَقَالَ: تَبَخّرْ، فَإِنّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: اكْتَحِلْ، فَإِنّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ، قَالَ أُمَيّةُ: ابْتَاعُوا لِى أَفْضَلَ بَعِيرٍ فِى الْوَادِى، فَابْتَاعُوا لَهُ جَمَلاً بِثَلاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِى قُشَيْرٍ فَغَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَصَارَ فِى سَهْمِ خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ. قَالُوا: وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِمّنْ خَرَجَ إلَى الْعِيرِ أَكْرَهَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ، وَقَالَ: لَيْتَ قُرَيْشًا تَعْزِمُ عَلَى الْقُعُودِ، وَأَنّ مَالِى فِى الْعِيرِ تَلِفَ وَمَالَ بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَيْضًا. فَيُقَالُ: إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِهَا، أَفَلا تَزَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ؟ قَالَ: إنّى أَرَى قُرَيْشًا قَدْ أَزْمَعَتْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلا أَرَى أَحَدًا بِهِ طِرْقٌ تَخَلّفَ إلاّ مِنْ عِلّةٍ، وَأَنَا أَكْرَهُ خِلافَهَا، وَمَا أُحِبّ أَنْ تَعْلَمَ قُرَيْشٌ مَا أَقُولُ الآنَ. مَعَ أَنّ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ رَجُلٌ مَشْئُومٌ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَعْلَمُهُ إلاّ يُحْرِزُ قَوْمَهُ أَهْلَ يَثْرِبَ. وَلَقَدْ قَسَمَ مَالاً مِنْ مَالِهِ بَيْنَ وَلَدِهِ. وَوَقَعَ فِى نَفْسِهِ أَنّهُ لا يَرْجِعُ إلَى مكة، وَجَاءَهُ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَتْ لِلْحَارِثِ عِنْدَهُ أَيَادٍ، فَقَالَ: أَبَا عَامِرٍ رَأَيْت رُؤْيَا كَرِهْتهَا، وَإِنّى كَالْيَقْظَانِ عَلَى رَاحِلَتِى، وَأَرَى كَأَنّ وَادِيَكُمْ يَسِيلُ دَمًا مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلاهُ. قَالَ الْحَارِثُ: مَا خَرَجَ أَحَدٌ وَجْهًا مِنْ الْوُجُوهِ أَكْرَهَ لَهُ مِنْ وَجْهِى هَذَا. قَالَ: يَقُولُ ضَمْضَمٌ لَهُ: وَاَللّهِ إنّى لأَرَى أَنْ تَجْلِسَ، فَقَالَ الْحَارِثُ: لَوْ سَمِعْت هَذَا مِنْك قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مَا سِرْت خُطْوَةً فَاطْوِ هَذَا الْخَبَرَ أَنْ تَعْلَمَهُ قُرَيْشٌ، فَإِنّهَا تَتّهِمُ كُلّ مَنْ عَوّقَهَا عَنْ الْمَسِيرِ، وَكَانَ ضَمْضَمٌ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْحَارِثِ بِبَطْنِ يَأجْجَ. قَالُوا: وَكَرِهَتْ قُرَيْشٌ - أَهْلُ الرّأْىِ مِنْهُمْ - الْمَسِيرَ وَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَكَانَ مِنْ أَبْطَئِهِمْ عَنْ ذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ وَعَلِىّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ، حَتّى بَكّتَهُمْ أَبُو جَهْلٍ بِالْجُبْنِ - وَأَعَانَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ - فِى الْخُرُوجِ فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ النّسَاءِ فَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لا تَدَعُوا أَحَدًا مِنْ عَدُوّكُمْ خَلْفَكُمْ. قَالُوا: وَمِمّا اُسْتُدِلّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِلْخُرُوجِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ أَنّهُ مَا عَرَضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حُمْلانًا، وَلا حَمَلُوا أَحَدًا مِنْ النّاسِ، وَإِنْ كَانَ الرّجُلُ لَيَأْتِيهِمْ حَلِيفًا أَوْ عَدِيدًا وَلا قُوّةَ لَهُ، فَيَطْلُبُ الْحُمْلانَ مِنْهُمْ فَيَقُولُونَ: إنْ كَانَ لَك مَالٌ فَأَحْبَبْت أَنْ تَخْرُجَ فَافْعَلْ، وَإِلاّ فَأَقِمْ حَتّى كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ. فَلَمّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرُوا الّذِى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِى بَكْرٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَخَافُوهُمْ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ، وَكَانَ أَشَدّهُمْ خَوْفًا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَكَانَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ وَإِنْ ظَفِرْتُمْ بِاَلّذِى تُرِيدُونَ فَإِنّا لا نَأْمَنُ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ إنّمَا تَخَلّفَ نِسَاءٌ وَذُرّيّةٌ، وَمَنْ لا طَعْمَ بِهِ، فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ فَتَصَوّرَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِى صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِىّ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ عَرَفْتُمْ شَرَفِى وَمَكَانِى فِى قَوْمِى، أَنَا لَكُمْ جَارٍ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَطَابَتْ نَفْسُ عُتْبَةَ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَمَا تُرِيدُ؟ هَذَا سَيّدُ كِنَانَةَ وَهُوَ لَنَا جَارٍ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ. فَقَالَ عُتْبَةُ: لا شَيْءَ أَنَا خَارِجٌ. وَكَانَ الّذِى بَيْنَ بَنِى كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ فِيمَا حَدّثَنِى يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ اللّيْثِىّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، أَنّ ابْنًا لِحَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِى مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ خَرَجَ يَبْغِى ضَالّةً لَهُ، وَهُوَ غُلامٌ فِى رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ وَكَانَ غُلامًا وَضِيئًا، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ بْنِ يَعْمُرَ، وَكَانَ بضجنان، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: ابْنٌ لِحَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ، فَقَالَ: يَا بَنِى بَكْرٍ، لَكُمْ فِى قُرَيْشٍ دَمٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا كَانَ رَجُلٌ يَقْتُلُ هَذَا بِرَجُلِهِ إلاّ اسْتَوْفَى، فَأَتْبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمٍ كَانَ لَهُ فِى قُرَيْشٍ، فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ: قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ؟ فَإِنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّى إلَيْكُمْ مَا كَانَ فِينَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هُوَ الدّمُ رَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَتَجَافَوْا عَنّا فِيمَا قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَنْكُمْ فِيمَا قِبَلَكُمْ، فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلامُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ فَلَهَوْا عَنْهُ أَنْ يَطْلُبُوا بِدَمِهِ. فَبَيْنَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ بمر الظّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِى بَكْرٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ، قَالَ: مَا أَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ وَهُوَ مُتَوَشّحٌ بِسَيْفِهِ فَعَلاهُ بِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ أَتَى مكة مِنْ اللّيْلِ فَعَلّقَ سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ الّذِى قَتَلَهُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ فَعَرَفُوا أَنّ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ قَتَلَهُ، وَكَانَ يُسْمَعُ مِنْ مِكْرَزٍ فِى ذَلِكَ قَوْلُ، وَجَزِعَتْ بَنُو بَكْرٍ مِنْ قَتْلِ سَيّدِهَا، فَكَانَتْ مُعِدّةً لِقَتْلِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، سَيّدَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ مِنْ سَادَاتِهَا. فَجَاءَ النّفِيرُ، وَهُمْ عَلَى هَذَا مِنْ الأَمْرِ، فَخَافُوهُمْ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ بِمَكّةَ مِنْ ذَرَارِيّهِمْ، فَلَمّا قَالَ سُرَاقَةُ مَا قَالَ، وَهُوَ يَنْطِقُ بِلِسَانِ إبْلِيسَ شَجُعَ الْقَوْمُ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ سِرَاعًا، وَخَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدّفَافِ سَارّةِ مَوْلاةِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعَزّةَ مَوْلاةِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَمَوْلاةِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، يُغَنّينَ فِى كُلّ مَنْهَلٍ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ، وَخَرَجُوا بِالْجَيْشِ يَتَقَاذَفُونَ بِالْحِرَابِ وَخَرَجُوا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلاً، وَقَادُوا مِائَةَ فَرَسٍ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ كَمَا ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى فِى كِتَابِهِ: ×وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ% إلَى آخِرِ الآيَةِ. وَأَبُو جَهْلٍ يَقُولُ: أَيَظُنّ مُحَمّدٌ أَنْ يُصِيبَ مِنّا مَا أَصَابَ بِنَخْلَةَ وَأَصْحَابُهُ؟ سَيَعْلَمُ أَنَمْنَعُ عِيرَنَا أَمْ لا، وَكَانَتْ الْخَيْلُ لأَهْلِ الْقُوّةِ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِى بَنِى مَخْزُومٍ مِنْهَا ثَلاثُونَ فَرَسًا، وَكَانَتْ الإِبِلُ سَبْعَمِائَةِ بَعِيرٍ وَكَانَ أَهْلُ الْخَيْلِ كُلّهُمْ دَارِعٌ. وَكَانُوا مِائَةً وَكَانَ فِى الرّجّالَةِ دُرُوعٌ سِوَى ذَلِكَ. قَالُوا: وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا حِينَ دَنَوْا مِنْ المدينة وَاسْتَبْطَئُوا ضَمْضَمًا وَالنّفِيرَ، فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِى يُصْبِحُونَ فِيهَا عَلَى مَاءِ بْدَرٍ، جَعَلَتْ الْعِيرُ تُقْبِلُ بِوَجْهِهَا إلَى مَاءِ بَدْرٍ. وَكَانُوا بَاتُوا مِنْ وَرَاءِ بَدْرٍ آخِرَ لَيْلَتِهِمْ وَهُمْ عَلَى أَنْ يُصْبِحُوا بَدْرًا إنْ لَمْ يَعْتَرِضْ لَهُمْ، فَمَا أَقَرّتْهُمْ الْعِيرُ حَتّى ضَرَبُوهَا بِالْعُقُلِ عَلَى أَنّ بَعْضَهَا لَيُثْنَى بِعِقَالَيْنِ، وَتُرَجّعُ الْحَنِينَ تَوَارُدًا إلَى مَاءِ بَدْرٍ، وَمَا بِهَا إلَى الْمَاءِ حَاجَةٌ لَقَدْ شَرِبَتْ بِالأَمْسِ، وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ: إنّ هَذَا شَيْءٌ مَا صَنَعَتْهُ مُنْذُ خَرَجْنَا، قَالُوا: وَغَشِيَتْنَا تِلْكَ اللّيْلَةَ ظُلْمَةٌ حَتّى مَا نُبْصِرُ شَيْئًا. وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَرَدَا عَلَى مَجْدِى بَدْرًا يَتَحَسّسَانِ الْخَبَرَ، فَلَمّا نَزَلا مَاءَ بَدْرٍ أَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمّ أَخَذَا أَسْقِيَتَهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِى جُهَيْنَةَ يُقَالُ: لإِحْدَاهُمَا بَرْزَةُ، وَهِىَ تَلْزَمُ صَاحِبَتَهَا فِى دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهَا، وَصَاحِبَتُهَا تَقُولُ: إنّمَا الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ قَدْ نَزَلَتْ الروحاء، وَمَجْدِى بْنُ عَمْرٍو يَسْمَعُهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسُ وَعَدِىّ انْطَلَقَا رَاجِعِينَ إلَى النّبِىّ ÷ حَتّى لَقِيَاهُ بعرق الظّبْيَةِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، وَكَانَ أَحَدَ الْبَكّائِينَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَقَدْ سَلَكَ فَجّ الرّوْحَاءِ مُوسَى النّبِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فِى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ بَنِى إسْرَائِيلَ”، وَصَلّوْا فِى الْمَسْجِدِ الّذِى بعرق الظّبْيَةِ - وَهِىَ مِنْ الروحاء عَلَى مِيلَيْنِ مِمّا يَلِى المدينة إذَا خَرَجْت عَلَى يَسَارِك. فَأَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِبَدْرٍ قَدْ تَقَدّمَ الْعِيرَ، وَهُوَ خَائِفٌ مِنْ الرّصَدِ، فَقَالَ: يَا مَجْدِى، هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا؟ تَعْلَمُ وَاَللّهِ مَا بمكة مِنْ قُرَشِىّ، وَلا قُرَشِيّةٍ لَهُ نَشّ فَصَاعِدًا - وَالنّشّ نِصْفُ أُوقِيّةٍ وَزْنُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا - إلاّ وَقَدْ بَعَثَ بِهِ مَعَنَا، وَلَئِنْ كَتَمْتنَا شَأْنَ عَدُوّنَا لا يُصَالِحُك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً. فَقَالَ مَجْدِى: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا أُنْكِرُهُ وَلا بَيْنَك وَبَيْنَ يثريب مِنْ عَدُوّ وَلَوْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا عَدُوّ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا، وَمَا كُنْت لأُخْفِيهِ عَلَيْك، إلاّ أَنّى قَدْ رَأَيْت رَاكِبَيْنِ أَتَيَا إلَى هَذَا الْمَكَانِ - فَأَشَارَ إلَى مُنَاخِ عَدِىّ وَبَسْبَسٍ - فَأَنَاخَا بِهِ ثُمّ اسْتَقَيَا بِأَسْقِيَتِهِمَا، ثُمّ انْصَرَفَا. فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا، فَأَخَذَ أَبْعَارًا مِنْ بَعِيرَيْهِمَا فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ نَوَى، فَقَالَ: هَذِهِ وَاَللّهِ عَلائِفُ يثريب، هَذِهِ عُيُونُ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ مَا أَرَى الْقَوْمَ إلاّ قَرِيبًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ فَسَاحَلَ بِهَا، وَتَرَكَ بَدْرًا يَسَارًا، وَانْطَلَقَ سَرِيعًا. وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّة يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يُطْعِمُونَ الطّعَامَ مَنْ أَتَاهُمْ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ فِى مَسِيرِهِمْ إذْ تَخَلّفَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَهُمَا يَتَحَدّثَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَلَمْ تَرَ إلَى رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ لَقَدْ خَشِيت مِنْهَا. قَالَ الآخَرُ: فَاذْكُرْهَا فَذَكَرَهَا، فَأَدْرَكَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مَا تُحَدّثَانِ بِهِ؟ قَالا: نَذْكُرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ. فَقَالَ: يَا عَجَبًا مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَمْ تَرْضَ أَنْ تَتَنَبّأَ عَلَيْنَا رِجَالُهُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ عَلَيْنَا النّسَاءُ أَمَا وَاَللّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى مَكَّة لَنَفْعَلَنّ بِهِمْ وَلَنَفْعَلَنّ قَالَ عُتْبَةُ: إنّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَقَرَابَةً قَرِيبَةً. قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلْ لَك أَنْ تَرْجِعَ؟. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَتَرْجِعَانِ بَعْدَ مَا سِرْتُمَا، فَتَخْذُلانِ قَوْمَكُمَا، وَتَقْطَعَانِ بِهِمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمْ ثَأْرَكُمْ بِأَعْيُنِكُمْ؟ أَتَظُنّانِ أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يُلاقُونَكُمَا؟ كَلاّ وَاَللّهِ أَلا فَوَاَللّهِ إنّ مَعِى مِنْ قَوْمِى مِائَةً وَثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى، يَحِلّونَ إذَا حَلَلْت، وَيَرْحَلُونَ إذَا رَحَلْت، فَارْجِعَا إنْ شِئْتُمَا، قَالا: وَاَللّهِ لَقَدْ هَلَكْت وَأَهْلَكْت قَوْمَك، ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ لأَخِيهِ شَيْبَةَ: هَذَا رَجُلٌ مَشْئُومٌ - يَعْنِى أَبَا جَهْلٍ - وَإِنّهُ لا يَمَسّهُ مِنْ قَرَابَةِ مُحَمّدٍ مَا يَمَسّنَا، مَعَ أَنّ مُحَمّدًا مَعَهُ الْوَلَدُ فَارْجِعْ بِنَا وَدَعْ قَوْلَهُ قَالَ شَيْبَةُ: تَكُونُ وَاَللّهِ سُبّةٌ عَلَيْنَا يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَنْ نَرْجِعَ الآنَ بَعْدَ مَا سِرْنَا فَمَضَيَا، ثُمّ انْتَهَوْا إلَى الجحفة عِشَاءً فَنَامَ جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَالَ: إنّى أَرَى أَنّى بَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ أَنْظُرُ إلَى رَجُلٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مَعَهُ بَعِيرٌ حَتّى وَقَفَ عَلَىّ فَقَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَزَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ وَأَبُو الْحَكَمِ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ فِى رِجَالٍ سَمّاهُمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَفَرّ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَخِيهِ. قَالَ: يَقُولُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: وَاَللّهِ إنّى لأَظُنّكُمْ الّذِينَ تَخْرُجُونَ إلَى مَصَارِعِكُمْ، قَالَ: ثُمّ أَرَاهُ ضَرَبَ فِى لَبّةِ بَعِيرِهِ فَأَرْسَلَهُ فِى الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِىَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلاّ أَصَابَهُ بَعْضُ دَمِهِ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لأَبِى جَهْلٍ وَشَاعَتْ هَذِهِ الرّؤْيَا فِى الْعَسْكَرِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا نَبِىّ آخَرُ مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ، سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ نَحْنُ أَوْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ لِجُهَيْمٍ: إنّمَا يَلْعَبُ بِك الشّيْطَانُ فِى مَنَامِك، فَسَتَرَى غَدًا خِلافَ مَا تَرَى، يُقْتَلُ أَشْرَافُ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَيُؤْسَرُونَ. قَالَ: فَخَلا عُتْبَةُ بِأَخِيهِ، فَقَالَ: هَلْ لَك فِى الرّجُوعِ؟ فَهَذِهِ الرّؤْيَا مِثْلُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَمِثْلُ قَوْلِ عَدّاسٍ، وَاَللّهِ مَا كَذَبَنَا عَدّاسٌ، وَلِعَمْرِى لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ كَاذِبًا إنّ فِى الْعَرَبِ لَمَنْ يَكْفِينَاهُ وَلَئِنْ كَانَ صَادِقًا إنّا لأَسْعَدِ الْعَرَبِ بِهِ إنّا لَلُحْمَتُهُ. قَالَ شَيْبَةُ: هُوَ عَلَى مَا تَقُولُ أَفَنَرْجِعُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ؟ فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: مَا تُرِيدَانِ؟ قَالا: الرّجُوعَ أَلا تَرَى إلَى رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَإِلَى رُؤْيَا جُهَيْمِ ابْنِ الصّلْتِ مَعَ قَوْلِ عَدّاسٍ لَنَا؟ فَقَالَ: تَخْذُلانِ وَاَللّهِ قَوْمَكُمَا، وَتَقْطَعَانِ بِهِمْ، قَالا: هَلَكْت وَاَللّهِ وَأَهْلَكْت قَوْمَك فَمَضَيَا عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ - وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّة - فَأَرْسَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ وَيَقُولُ: قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ فَلا تُجْزِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ، فَلا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك، فَلا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً يَرُدّونَ الْقِيَانَ فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ، فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ الرّجُوعَ، وَقَالُوا: أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ فَرَدّوهُنّ مِنْ الجحفة. وَلَحِقَ الرّسُولُ أَبَا سُفْيَانَ بِالْهَدّةِ - وَالْهَدّةُ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عَقَبَةِ عسفان عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلاثِينَ مِيلاً مِنْ مَكَّة - فَأَخْبَرَهُ بِمُضِىّ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: وَاقَوْمَاه هَذَا عَمَلُ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ كَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ، لأَنّهُ قَدْ تَرَأّسَ عَلَى النّاسِ وَبَغَى، وَالْبَغْىُ مَنْقَصَةٌ وَشُؤْمٌ، إنْ أَصَابَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ النّفِيرَ ذَلَلْنَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَكَّة. وَكَانَتْ الْقِيَانُ سَارّةُ مَوْلاةُ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَمَوْلاةٌ كَانَتْ لأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَمَوْلاةٌ يُقَالُ لَهَا: عَزّةُ لِلأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لا وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بدر مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْجَاهِلِيّةِ يَجْتَمِعُ بِهَا الْعَرَبُ، لَهَا بِهَا سُوقٌ - تَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا، فَنُقِيمُ ثَلاثًا عَلَى بَدْرٍ نَنْحَرُ الْجُزُرَ وَنُطْعِمُ الطّعَامَ وَنَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ الْقِيَانُ عَلَيْنَا، فَلَنْ تَزَالَ الْعَرَبُ تَهَابُنَا أَبَدًا. وَكَانَ الْفُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِىّ أَرْسَلَتْهُ قُرَيْشٌ حِينَ فَصَلَتْ مِنْ مكة إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يُخْبِرُهُ بِمَسِيرِهَا وَفُصُولِهَا، وَمَا قَدْ حَشَدَتْ، فَخَالَفَ أَبَا سُفْيَانَ وَذَلِكَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ لَصِقَ بِالْبَحْرِ وَلَزِمَ فُرَاتَ الْمَحَجّةِ، فَوَافَى الْمُشْرِكِينَ بالجحفة، فَسَمِعَ كَلامَ أَبِى جَهْلٍ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ يَقُولُ: لا نَرْجِعُ، فَقَالَ: مَا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِك رَغْبَةً، وَإِنّ الّذِى يَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ رَأَى ثَأْرَهُ مِنْ كَثَبٍ لَضَعِيفٌ فَمَضَى مَعَ قُرَيْشٍ، وَتَرَكَ أَبَا سُفْيَانَ فَجُرِحَ يَوْمَ بَدْرٍ جِرَاحَاتٍ وَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا أَنْكَدُ إنّ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ لَغَيْرُ مُبَارَكِ الأَمْرِ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أُمّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ - وَكَانَ اسْمُهُ أُبَيّا، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِى زُهْرَةَ - فَقَالَ: يَا بَنِى زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ عِيرَكُمْ وَخَلّصَ أَمْوَالَكُمْ وَنَجّى صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَإِنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ، وَإِنّمَا مُحَمّدٌ رَجُلٌ مِنْكُمْ ابْنُ أُخْتِكُمْ، فَإِنْ يَكُ نَبِيّا فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ بِهِ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا يَلِى قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَلُوا قَتْلَ ابْنِ أُخْتِكُمْ، فَارْجِعُوا وَاجْعَلُوا جُبْنَهَا بِى، فَلا حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لا مَا يَقُولُ هَذَا الرّجُلُ، فَإِنّهُ مُهْلِكٌ قَوْمَهُ سَرِيعٌ فِى فَسَادِهِمْ فَأَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا، وَكَانُوا يَتَيَمّنُونَ بِهِ، قَالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالرّجُوعِ إنْ نَرْجِعُ؟. قَالَ الأَخْنَسُ: نَخْرُجُ مَعَ الْقَوْمِ فَإِذَا أَمْسَيْت سَقَطْت عَنْ بَعِيرِى فَتَقُولُونَ: نَهَشَ الأَخْنَسُ، فَإِذَا قَالُوا: امْضُوا، فَقُولُوا: لا نُفَارِقُ صَاحِبَنَا حَتّى نَعْلَمَ أَهُوَ حَىّ أَمْ مَيّتٌ فَنَدْفِنُهُ فَإِذَا مَضَوْا رَجَعْنَا، فَفَعَلَتْ بَنُو زُهْرَةَ، فَلَمّا أَصْبَحُوا بالأبواء رَاجِعِينَ تَبَيّنَ لِلنّاسِ أَنّ بَنِى زُهْرَةَ رَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِى زُهْرَةَ، قَالُوا: وَكَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلّ مِنْ الْمِائَةِ، وَهُوَ أَثْبَتُ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: كَانُوا ثَلَثَمِائَةٍ، وَقَالَ عَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ فِى مُنْحَدَرِهِ إلَى المدينة مِنْ بَدْرٍ، وَانْتَشَرَتْ الرّكَابُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ عَدِىّ يَقُولُ: إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لا تُحَبّسُ قَـــدْ نَصَــــرَ اللّهُ وَفَرّ الأَخْنَـسُ أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ وَحَمْلُهَا عَلَـــى الطّرِيقِ أَكْيَـــسُ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ: خَرَجَتْ بَنُو عَدِىّ مَعَ النّفِيرِ حَتّى كَانُوا بِثَنِيّةِ لَفِت، فَلَمّا كَانُوا فِى السّحَرِ عَدَلُوا فِى السّاحِلِ مُنْصَرِفِينَ إلَى مَكةَ، فَصَادَفَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا بَنِى عَدِىّ كَيْفَ رَجَعْتُمْ لا فِى الْعِيرِ وَلا فِى النّفِيرِ؟ قَالُوا: أَنْتَ أَرْسَلْت إلَى قُرَيْشٍ أَنْ تَرْجِعَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَمَضَى مَنْ مَضَى فَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِى عَدِىّ. وَيُقَالُ: إنّهُ لاقَاهُمْ بمر الظّهْرَانِ، فَقَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ لَهُمْ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ: رَجَعَتْ زُهْرَةُ مِنْ الجحفة، وَأَمّا بَنُو عَدِىّ فَرَجَعُوا مِنْ الطّرِيقِ وَيُقَالُ: مِنْ مَرّ الظّهْرَان. وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَكَانَ صَبِيحَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بعِرْقِ الظّبْيَةِ، فَجَاءَ أَعْرَابِىّ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ تهَامةَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷: هَلْ لَك عِلْمٌ بِأَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ؟ قَالَ: مَا لِى بِأَبِى سُفْيَانَ عِلْمٌ، قَالُوا: تَعَالَ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. قَالَ: وَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيّكُمْ رَسُولُ اللّهِ؟ قَالُوا: هَذَا، قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ”، قَالَ الأَعْرَابِىّ: فَمَا فِى بَطْنِ نَاقَتِى هَذِهِ إنْ كُنْت صَادِقًا؟ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ: نَكَحْتهَا فَهِىَ حُبْلَى مِنْك فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَقَالَتَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى أَتَى الروحاء لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ لِلنّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلّى عِنْدَ بِئْرِ الرّوْحَاءِ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرّكْعَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ وِتْرِهِ لَعَنَ الْكَفَرَةَ، وَقَالَ: “اللّهُمّ لا تُفْلِتَن أَبَا جَهْلٍ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّةِ اللّهُمّ لا تُفْلِتَن زَمَعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ، اللّهُمّ وَأَسْخِنْ عَيْنَ أَبِى زَمَعَةَ بِزَمَعَةَ اللّهُمّ أَعْمِ بَصَرَ أَبِى زَمَعَةَ اللّهُمّ لا تُفْلِتَن سُهَيْلاً، اللّهُمّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ”، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ لَمْ يَدْعُ لَهُ يَوْمَئِذٍ أُسِرَ بِبَدْرٍ وَلَكِنّهُ لَمّا رَجَعَ مِنْ مكة بَعْدَ بدر أَسْلَمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى المدينة فَحُبِسَ فَدَعَا لَهُ النّبِىّ ÷ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَصْحَابِهِ بِالرّوْحَاءِ: “هَذِهِ سَجَاسِجُ يَعْنِى وَادِىَ الروحاء - هَذَا أَفْضَلُ أَوْدِيَةِ الْعَرَبِ”. قَالُوا: وَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافٍ رَجُلاً شُجَاعًا، وَكَانَ يَأْبَى الإِسْلامَ فَلَمّا خَرَجَ النّبِىّ ÷ إلَى بدرِ خَرَجَ هُوَ وَقَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ وَهُمَا عَلَى دِينِ قَوْمِهِمَا، فَأَدْرَكَا النّبِىّ ÷ بِالْعَقِيقِ، وَخُبَيْبٌ مُقَنّعٌ بِالْحَدِيدِ فَعَرَفَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَهُوَ يَسِيرُ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: “أَلَيْسَ بِخُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ”؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَقْبَلَ خُبَيْبٌ، حَتّى أَخَذَ بِبِطَانِ نَاقَةِ النّبِىّ ÷. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلِقَيْسِ بْنِ مُحَرّثٍ – يُقَالُ قَيْسُ بْنُ الْمُحَرّثِ وَقَيْسُ ابْنُ الْحَارِثِ -: “مَا أَخْرَجَكُمَا مَعَنَا”؟ قَالا: كُنْت ابْنَ أُخْتِنَا وَجَارَنَا، وَخَرَجْنَا مَعَ قَوْمِنَا لِلْغَنِيمَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا يَخْرُجَن مَعَنَا رَجُلٌ لَيْسَ عَلَى دِينِنَا”، قَالَ خُبَيْبٌ: قَدْ عَلِمَ قَوْمِى أَنّى عَظِيمُ الْغِنَاءِ فِى الْحَرْبِ شَدِيدُ النّكَايَةِ فَأُقَاتِلُ مَعَك لِلْغَنِيمَةِ، وَلَنْ أُسْلِمَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا، وَلَكِنْ أَسْلِمْ ثُمّ قَاتِلْ”، ثُمّ أَدْرَكَهُ بِالرّوْحَاءِ، فَقَالَ: أَسْلَمْت لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ وَشَهِدْت أَنّك رَسُولُ اللّهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِذَلِكَ، وَقَالَ: “امْضِهِ”، وَكَانَ عَظِيمَ الْغِنَاءِ فِى بَدْرٍ وَغَيْرِ بَدْرٍ. وَأَبَى قَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ أَنْ يُسْلِمَ وَرَجَعَ إلَى المدينة، فَلَمّا قَدِمَ النّبِىّ ÷ مِنْ بدْرٍ أَسْلَمَ، ثُمّ شَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ. قَالُوا: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَصَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمّ رَجَعَ وَنَادَى مُنَادِيهِ: “يَا مَعْشَرَ الْعُصَاةِ إنّى مُفْطِرٌ فَأَفْطِرُوا”، وَذَلِكَ أَنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ: “أَفْطِرُوا” فَلَمْ يَفْعَلُوا. قَالُوا: وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى إذَا كَانَ دُوَيْنَ بدر أَتَاهُ الْخَبَرُ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِمَسِيرِهِمْ وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهَا وَاَللّهِ قُرَيْشٌ وَعِزّهَا، وَاَللّهِ مَا ذَلّتْ مُنْذُ عَزّتْ وَاَللّهِ مَا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ وَاَللّهِ لا تُسْلِمُ عِزّهَا أَبَدًا، وَلَتُقَاتِلَنك، فَاتّهِبْ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَعِدّ لِذَلِكَ عُدّتَهُ. ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لأَمْرِ اللّهِ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِنَبِيّهَا: ×فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ%، [المائدة 24] وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلا، إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك - وَبِرْكُ الْغِمَادِ مِنْ وَرَاءِ مكة بِخَمْسِ لَيَالٍ مِنْ وَرَاءِ السّاحِلِ مِمّا يَلِى الْبَحْرَ، وَهُوَ عَلَى ثَمَانِ لَيَالٍ مِنْ مكة إلَى المدينة. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَشِيرُوا عَلَىّ أَيّهَا النّاسُ”، وَإِنّمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ ÷ الأَنْصَارَ، وَكَانَ يَظُنّ أَنّ الأَنْصَارَ لا تَنْصُرُهُ إلاّ فِى الدّارِ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَشِيرُوا عَلَىّ”، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَنَا أُجِيبُ عَنْ الأَنْصَارِ؛ كَأَنّك يَا رَسُولَ اللّهِ تُرِيدُنَا، قَالَ: “أَجَلْ”، قَالَ: إنّك عَسَى أَنْ تَكُونَ خَرَجْت عَنْ أَمْرٍ قَدْ أُوحِىَ إلَيْك فِى غَيْرِهِ وَإِنّا قَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ كُلّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ، وَأَعْطَيْنَاك مَوَاثِيقَنَا وَعُهُودَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا نَبِىّ اللّهِ فَوَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا بَقِىَ مِنّا رَجُلٌ وَصِلْ مَنْ شِئْت، وَاقْطَعْ مَنْ شِئْت، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْت، وَمَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِنَا أَحَبّ إلَيْنَا مِمّا تَرَكْت، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا سَلَكْت هَذَا الطّرِيقَ قَطّ، وَمَا لِى بِهَا مِنْ عِلْمٍ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللّقَاءِ لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلَفْنَا مِنْ قَوْمِنَا قَوْمًا مَا نَحْنُ بِأَشَدّ حُبّا لَك مِنْهُمْ، وَلا أَطْوَعَ لَك مِنْهُمْ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِى الْجِهَادِ وَنِيّةٌ، وَلَوْ ظَنّوا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّك مُلاقٍ عَدُوّا مَا تَخَلّفُوا، وَلَكِنْ إنّمَا ظَنّوا أَنّهَا الْعِيرُ، نَبْنِى لَك عَرِيشًا فَتَكُونُ فِيهِ، وَنَعُدّ لَك رَوَاحِلَك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ تَكُنْ الأُخْرَى جَلَسْت عَلَى رَوَاحِلِك فَلَحِقْت مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ لَهُ النّبِىّ ÷: “خَيْرًا، وَقَالَ: أَوْ يَقْضِى اللّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ”. قَالُوا: فَلَمّا فَرَغَ سَعْدٌ مِنْ الْمَشُورَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ”. قَالَ: وَأَرَانَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مَصَارِعَهُمْ يَوْمَئِذٍ هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ، فَمَا عَدَا كُلّ رَجُلٍ مَصْرَعَهُ قَالَ: فَعَلِمَ الْقَوْمُ أَنّهُمْ يُلاقُونَ الْقِتَالَ وَأَنّ الْعِيرَ تُفْلِتُ وَرَجَوْا النّصْرَ لِقَوْلِ النّبِىّ ÷. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْمَاعِيلَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ عَقَدَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الأَلْوِيَةَ وَهِىَ ثَلاثَةٌ وَأَظْهَرَ السّلاحَ. وَكَانَ خَرَجَ مِنْ المدينة عَلَى غَيْرِ لِوَاءٍ مَعْقُودٍ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الروحاء، فَسَلَكَ الْمَضِيقَ ثُمّ جَاءَ إلَى الْخَبِيرَتَيْنِ فَصَلّى بَيْنَهُمَا، ثُمّ تَيَامَنَ فَتَشَاءَمَ فِى الْوَادِى حَتّى مَرّ عَلَى خَيْفِ الْمُعْتَرِضَةِ فَسَلَكَ فِى ثَنِيّةِ الْمُعْتَرِضَةِ حَتّى سَلَكَ عَلَى التّيّا، وَبِهَا لَقِىَ سُفْيَانَ الضّمْرِىّ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ تَعَجّلَ مَعَهُ قَتَادَةُ ابْنُ النّعْمَانِ الظّفَرِىّ - وَيُقَالُ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبٍ الْمَازِنِىّ، وَيُقَالُ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - فَلَقِىَ سُفْيَانَ الضّمْرِىّ عَلَى التّيّا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ الرّجُلُ”؟ فَقَالَ الضّمْرِىّ: بَلَى مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَأَخْبِرْنَا وَنُخْبِرْك” قَالَ الضّمْرِىّ: وَذَاكَ بِذَاكَ؟؟ قَالَ النّبِىّ ÷: “نَعَمْ”. قَالَ: الضّمْرِىّ فَسَلُوا عَمّا شِئْتُمْ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَخْبِرْنَا عَنْ قُرَيْشٍ”، قَالَ الضّمْرِىّ: بَلَغَنِى أَنّهُمْ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مكة، فَإِنْ كَانَ الّذِى أَخْبَرَنِى صَادِقًا فَإِنّهُمْ بِجَنْبِ هَذَا الْوَادِى، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَأَخْبِرْنَا عَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ”، قَالَ: خُبّرْت أَنّهُمْ خَرَجُوا مِنْ يثريب يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ الّذِى خَبّرَنِى صَادِقًا فَهُمْ بِجَانِبِ هَذَا الْوَادِى. قَالَ الضّمْرِىّ: فَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ النّبِىّ: “÷ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ”.. وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ العراق، فَقَالَ الضّمْرِىّ: مِنْ مَاءِ العراق، ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَصْحَابِهِ وَلا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنْ رَمْلٍ وَكَانَ قَدْ صَلّى بِالدّبَةِ ثُمّ صَلّى بِسَيَرٍ ثُمّ صَلّى بِذَاتِ أَجْدَالٍ، ثُمّ صَلّى بِخَيْفِ عَيْنِ الْعَلاءِ، ثُمّ صَلّى بِالْخَبِيرَتَيْنِ، ثُمّ نَظَرَ إلَى جَبَلَيْنِ، فَقَالَ: “مَا اسْمُ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ”؟ قَالُوا: مسلحٌ ومخرئ. فَقَالَ: “مَنْ سَاكِنُهُمَا”؟ قَالُوا: بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ، فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ الْخَبِيرَتَيْنِ، فَمَضَى حَتّى قَطَعَ الْخُيُوفَ، وَجَعَلَهَا يَسَارًا حَتّى سَلَكَ فِى الْمُعْتَرِضَةِ وَلَقِيَهُ بَسْبَسٌ وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَادِىَ بَدْرٍ عِشَاءَ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَبَعَثَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو يَتَحَسّسُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى ظُرَيْبٍ، فَقَالَ: “أَرْجُو أَنْ تَجِدُوا الْخَبَرَ عِنْدَ هَذَا القليب، الّذِى يَلِى الظّرَيْبَ” - والقليب بِئْرٌ بِأَصْلِ الظّرَيْبِ وَالظّرَيْبُ جَبَلٌ صَغِيرٌ. فَانْدَفَعُوا تِلْقَاءَ الظّرَيْبِ فَيَجِدُونَ عَلَى تِلْكَ القليب، الّتِى قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “رَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا سُقّاؤُهُمْ”، وَلَقِىَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَفْلَتَ عَامّتُهُمْ وَكَانَ مِمّنْ عُرِفَ أَنّهُ أَفْلَتَ عُجَيْرٌ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ جَاءَ قُرَيْشًا بِخَبَرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَنَادَى فَقَالَ: يَا آلَ غَالِبٍ هَذَا ابْنُ أَبِى كَبْشَةَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَخَذُوا سُقّاءَكُمْ فَمَاجَ الْعَسْكَرُ وَكَرِهُوا مَا جَاءَ بِهِ. قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: وَكُنّا فِى خِبَاءٍ لَنَا عَلَى جَزُورٍ نَشْوِى مِنْ لَحْمِهَا، فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ سَمِعْنَا الْخَبَرَ، فَامْتَنَعَ الطّعَامُ مِنّا، وَلَقِىَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَقِيَنِى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَسِيرُ أَعْجَبَ مِنْ مَسِيرِنَا، إنّ عِيرَنَا قَدْ نَجَتْ، وَإِنّا جِئْنَا إلَى قَوْمٍ فِى بِلادِهِمْ بَغْيًا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لأَمْرٍ حُمّ، وَلا رَأْىَ لِمَنْ لا يُطَاعُ هَذَا شُؤْمُ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ يَا أَبَا خَالِدٍ أَتَخَافُ أَنْ يُبَيّتَنَا الْقَوْمُ؟ قُلْت: لا آمَنُ ذَلِكَ. قَالَ: فَمَا الرّأْىُ يَا أَبَا خَالِدٍ؟ قَالَ: نَتَحَارَسُ حَتّى نُصْبِحَ وَتَرَوْنَ مَنْ وَرَاءَكُمْ، قَالَ عُتْبَةُ: هَذَا الرّأْىُ، قَالَ: فَتَحَارَسْنَا حَتّى أَصْبَحْنَا. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا هَذَا؟ هَذَا عَنْ أَمْرِ عُتْبَةَ قَدْ كَرِهَ قِتَالَ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ، إنّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ أَتَظُنّونَ أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَعْتَرِضُونَ لِجَمْعِكُمْ؟ وَاَللّهِ لأَنْتَحِيَن نَاحِيَةً بِقَوْمِى، فَلا يَحْرُسُنَا أَحَدٌ، فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَالسّمَاءُ تُمْطِرُ عَلَيْهِ، يَقُولُ عُتْبَةُ: إنّ هَذَا لَهُوَ النّكَدُ، وَإِنّهُمْ قَدْ أَخَذُوا سُقّاءَكُمْ، وَأُخِذَ تِلْكَ اللّيْلَةَ يَسَارٌ غُلامُ عُبَيْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَسْلَمَ غُلامُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، وَأَبُو رَافِعٍ غُلامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأُتِىَ بِهِمْ النّبِىّ ÷ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى، فَقَالُوا: سُقّاءُ قُرَيْشٍ بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. وَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمْ وَرَجَوْا أَنْ يَكُونُوا لأَبِى سُفْيَانَ وَأَصْحَابِ الْعِيرِ فَضَرَبُوهُمْ. فَلَمّا أَذَلْقُوهُمْ بِالضّرْبِ قَالُوا: نَحْنُ لأَبِى سُفْيَانَ وَنَحْنُ فِى الْعِيرِ وَهَذِهِ الْعِيرُ بِهَذَا الْقَوْزِ. فَيُمْسِكُونَ عَنْهُمْ فَسَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمّ قَالَ: “إنْ صَدَقُوكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمْ وَإِنْ كَذَبُوكُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ”، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷: يُخْبِرُونَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ جَاءَتْ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقُوكُمْ خَرَجَتْ قُرَيْشٌ تَمْنَعُ عِيرَهَا وَخَافُوكُمْ عَلَيْهَا”. ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى السّقّاءِ، فَقَالَ: “أَيْنَ قُرَيْشٌ”؟ قَالُوا: خَلْفَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِى تَرَى، قَالَ: “كَمْ هِيَ”؟ قَالُوا: كَثِيرٌ. قَالَ: “كَمْ عَدَدُهَا”؟ قَالُوا: لا نَدْرِى كَمْ هُمْ. قَالَ: “كَمْ يَنْحَرُونَ”؟ قَالُوا: يَوْمًا عَشَرَةً وَيَوْمًا تِسْعَةً، قَالَ: “الْقَوْمُ مَا بَيْنَ الأَلْفِ وَالتّسْعِمِائَةِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلسّقّاءِ: “مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّة”؟ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَعِمَ إلاّ خَرَجَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى النّاسِ فَقَالَ: “هَذِهِ مَكَّة، قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلاذَ كَبِدِهَا”، ثُمّ سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَلْ رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ”؟ قَالُوا: رَجَعَ ابْنُ أَبِى شَرِيقٍ بِبَنِى زُهْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَرْشَدُهُمْ وَمَا كَانَ بِرَشِيدٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْت لَمُعَادِيًا لِلّهِ وَلِكِتَابِهِ”، قَالَ: “أَحَدٌ غَيْرُهُمْ”؟ قَالُوا: بَنُو عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَصْحَابِهِ: “أَشِيرُوا عَلَىّ فِى الْمَنْزِلِ”، فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللّهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْىُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: “بَلْ هُوَ الرّأْىُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ”. قَالَ: فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ انْطَلِقْ بِنَا إلَى أَدْنَى مَاءِ الْقَوْمِ، فَإِنّى عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا، بِهَا قَلِيبٌ قَدْ عَرَفْت عُذُوبَةَ مَائِهِ وَمَاءٌ كَثِيرٌ لا يَنْزَحْ، ثُمّ نَبْنِى عَلَيْهَا حَوْضًا وَنَقْذِفُ فِيهِ الآنِيَةَ فَنَشْرَبُ وَنُقَاتِلُ وَنُغَوّرُ مَا سِوَاهَا مِنْ الْقُلُبِ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ قَالَ: فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “الرّأْىُ مَا أَشَارَ بِهِ الْحُبَابُ”، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا حُبَابُ أَشَرْت بِالرّأْىِ”، فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَفَعَلَ كُلّ ذَلِكَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ ابْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَادِى دَهْسًا - وَالدّهْسُ الْكَثِيرُ الرّمْلِ - فَأَصَابَنَا مَا لَبّدَ الأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْنَا مِنْ الْمَسِيرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْهُ وَإِنّمَا بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنْ رَمْلٍ. قَالُوا: وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ النّعَاسُ أُلْقِىَ عَلَيْهِمْ فَنَامُوا، وَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْمَطَرِ مَا يُؤْذِيهِمْ. قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ: سُلّطَ عَلَيْنَا النّعَاسُ تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى إنّى كُنْت لأَتَشَدّدُ فَتَجْلِدُنِى الأَرْضُ فَمَا أُطِيقُ إلاّ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: رَأَيْتنِى وَإِنّ ذَقَنِى بَيْنَ يَدَىّ فَمَا أَشْعُرُ حَتّى أَقَعَ عَلَى جَنْبِى. قَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ: غَلَبَنِى النّوْمُ فَاحْتَلَمْت حَتّى اغْتَسَلْت آخِرَ اللّيْلِ. قَالُوا: فَلَمّا تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَنْزِلِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ السّقَاءَ أَرْسَلَ عَمّارَ ابْنَ يَاسِرٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ، فَأَطَافَا بِالْقَوْمِ، ثُمّ رَجَعَا إلَى النّبِىّ ÷، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ الْقَوْمُ مَذْعُورُونَ فَزِعُونَ إنّ الْفَرَسَ لَيُرِيدُ أَنْ يَصْهَلَ فَيَضْرِبَ وَجْهَهُ مَعَ أَنّ السّمَاءَ تَسِحّ عَلَيْهِمْ. فَلَمّا أَصْبَحُوا قَالَ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ، وَكَانَ رَجُلاً يُبْصِرُ الأَثَرَ، فَقَالَ: هَذَا أَثَرُ ابْنِ سُمَيّةَ، وَابْنِ أُمّ عَبْدٍ، أَعْرِفُهُ قَدْ جَاءَ مُحَمّدٌ بِسُفَهَائِنَا وَسُفَهَاءِ أَهْلِ يَثْرِبَ، ثُمّ قَالَ: لَمْ يَتْرُكِ الْجَــوْعُ لَنَـــا مَبِيتَــــا لا بُـــدّ أَنْ نَمُـــوت أَوْ نُمِيتَــا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت قَوْلَ نُبَيْهِ بْنِ الْحَجّاجِ: لَمْ يَتْرُكِ الْجَوْعُ لَنَا مَبِيتَا. لِمُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، فَقَالَ: لَعَمْرِى لَقَدْ كَانُوا شِبَاعًا، لَقَدْ أَخْبَرَنِى أَبِى أَنّهُ سَمِعَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: نَحَرْنَا تِلْكَ اللّيْلَةَ عَشْرَ جَزَائِرَ فَنَحْنُ فِى خِبَاءٍ مِنْ أَخْبِيَتِهِمْ نَشْوِى السّنَامَ، وَالْكَبِدَ وَطِيبَةَ اللّحْمِ وَنَحْنُ نَخَافُ مِنْ الْبَيَاتِ فَنَحْنُ نَتَحَارَسُ إلَى أَنْ أَضَاءَ الْفَجْرُ فَأَسْمَعُ مُنَبّهًا يَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ الصّبْحُ: هَذَا أَثَرُ ابْنِ سُمَيّةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: لَمْ يَتْرُكِ الْخَوْفُ لَنَـــــا مَبِيتَـــا لا بُــــدّ أَنْ نَمُـــوت أَوْ نُمِيتَــا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اُنْظُرُوا غَدًا إنْ لَقِينَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَابْقَوْا فِى أَنْسَابِكُمْ هَؤُلاءِ وَعَلَيْكُمْ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، فَإِنّا إنْ نَرْجِعُ بِهِمْ إلَى مَكَّة يُبْصِرُوا ضَلالَتَهُمْ وَمَا فَارَقُوا مِنْ دِينِ آبَائِهِمْ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى القليب، بُنِىَ لَهُ عَرِيشٌ مِنْ جَرِيدٍ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشّحَ السّيْفِ، فَدَخَلَ النّبِىّ ÷ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ. فَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْر بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: صَفّ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ قُرَيْشٌ، وَطَلَعَتْ قُرَيْشٌ وَرَسُولُ اللّهِ يَصُفّهُمْ وَقَدْ أَتْرَعُوا حَوْضًا، يَفْرُطُونَ فِيهِ مِنْ السّحَرِ وَيَقْذِفُونَ فِيهِ الآنِيَةَ. وَدَفَعَ رَايَتَهُ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ فَتَقَدّمَ بِهَا إلَى مَوْضِعِهَا الّذِى يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَضَعَهَا فِيهِ، وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَى الصّفُوفِ فَاسْتَقْبَلَ الْمَغْرِبَ وَجَعَلَ الشّمْسَ خَلْفَهُ وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَقْبَلُوا الشّمْسَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْعُدْوَةِ الشّامِيّةِ، وَنَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْيَمَانِيّةِ - عُدْوَتَا النّهْرِ وَالْوَادِى جَنْبَتَاهُ - فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ هَذَا مِنْك عَنْ وَحْىٍ نَزَلَ إلَيْك فَامْضِ لَهُ، وَإِلاّ فَإِنّى أَرَى أَنْ تَعْلُوَ الْوَادِىَ، فَإِنّى أَرَى رِيحًا قَدْ هَاجَتْ مِنْ أَعْلَى الْوَادِى، وَإِنّى أَرَاهَا بُعِثَتْ بِنَصْرِك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ صَفَفْت صُفُوفِى وَوَضَعْت رَايَتِى”، فَلا أُغَيّرُ ذَلِكَ، ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ رَبّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الآيَةِ: ×إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ% بَعْضُهُمْ عَلَى إثْرِ بَعْض. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الصّفُوفَ يَوْمَئِذٍ فَتَقَدّمَ سَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ أَمَامَ الصّفّ، فَدَفَعَ النّبِىّ ÷ بِقَدَحٍ فِى بَطْنِ سَوَادِ بْنِ غَزْوَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اسْتَوِ يَا سَوَادُ” فَقَالَ لَهُ سَوَادُ: أَوْجَعْتنِى، وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا، أَقِدْنِى فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ بَطْنِهِ، ثُمّ قَالَ: “اسْتَقِدْ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ”، وَقَالَ لَهُ: “مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت”؟ فَقَالَ: حَضَرَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا قَدْ تَرَى، وَخَشِيت الْقَتْلَ فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِى بِك، أَنْ أَعْتَنِقَك. قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُسَوّى الصّفُوفَ يَوْمَئِذٍ وَكَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهَا الْقِدَاحَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى أَوْدٍ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ يَقُولُ: وَهُوَ يَخْطُبُ بِالْكُوفَةِ بَيْنَا أَنَا أَمِيحُ فِى قَلِيبِ بدر - أَمِيحُ يَعْنِى أَسْتَقِى، وَهُوَ مَنْ يَنْزِعُ الدّلاءَ وَهُوَ الْمَتْحُ أَيْضًا - جَاءَتْ رِيحٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطّ شِدّةً، ثُمّ ذَهَبَتْ فَجَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلاّ الّتِى كَانَتْ قَبْلَهَا، ثُمّ جَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلاّ الّتِى كَانَتْ قَبْلَهَا ثُمّ جَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلاّ الّتِى كَانَتْ قَبْلَهَا، وَكَانَتْ الأُولَى جِبْرِيلَ فِى أَلْفٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَالثّانِيَةُ مِيكَائِيلَ فِى أَلْفٍ عَنْ مَيْمَنَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَبِى بَكْرٍ، وَكَانَتْ الثّالِثَةُ إسْرَافِيلَ فِى أَلْفٍ نَزَلَ عَنْ مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَأَنَا فِى الْمَيْسَرَةِ، فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَعْدَاءَهُ حَمَلَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى فَرَسِهِ فَجَمَزَتْ بِى، فَلَمّا جَمَزَتْ خَرَرْت عَلَى عُنُقِهَا، فَدَعَوْت رَبّى فَأَمْسَكَنِى حَتّى اسْتَوَيْت: وَمَا لِى وَلِلْخَيْلِ وَإِنّمَا كُنْت صَاحِبَ غَنَمٍ، فَلَمّا اسْتَوَيْت طَعَنْت بِيَدِى هَذِهِ حَتّى اخْتَضَبَتْ مِنّى ذَا - يَعْنِى إبِطَهُ. قَالُوا: وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَيْمَنَةِ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَكَانَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ زَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ. فَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ زَمَعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ. وَقَالَ قَائِلٌ: كَانَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ رُومَانَ، وَابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالا: مَا كَانَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ - مَيْمَنَةِ النّبِىّ ÷ - يَوْمَ بَدْرٍ وَلا عَلَى مَيْسَرَتِهِ أَحَدٌ يُسَمّى؛ وَكَذَلِكَ مَيْمَنَةُ الْمُشْرِكِينَ وَمَيْسَرَتُهُمْ مَا سَمِعْنَا فِيهَا بِأَحَدٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهَذَا الثّبْتُ عِنْدَنَا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ الأَعْظَمَ - لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَلِوَاءُ الْخَزْرَجِ مَعَ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَلِوَاءُ الأَوْسِ مَعَ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ. وَمَعَ قُرَيْشٍ ثَلاثَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ أَبِى عَزِيزٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلِوَاءٌ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ. قَالُوا: وَخَطَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيَحُثّهُمْ وَيُرَغّبُهُمْ فِى الأَجْرِ: “أَمّا بَعْدُ: فَإِنّى أَحُثّكُمْ عَلَى مَا حَثّكُمْ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْهَاكُمْ عَمّا نَهَاكُمْ اللّهُ عَنْهُ فَإِنّ اللّهَ عَظِيمٌ شَأْنُهُ يَأْمُرُ بِالْحَقّ وَيُحِبّ الصّدْقَ وَيُعْطِى عَلَى الْخَيْرِ أَهْلَهُ عَلَى مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ بِهِ يُذْكَرُونَ وَبِهِ يَتَفَاضَلُونَ، وَإِنّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ بِمَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْحَقّ، لا يَقْبَلُ اللّهُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ إلاّ مَا ابْتَغَى بِهِ وَجْهَهُ، وَإِنّ الصّبْرَ فِى مَوَاطِنِ الْبَأْسِ مِمّا يُفَرّجُ اللّهُ بِهِ الْهَمّ، وَيُنَجّى بِهِ مِنْ الْغَمّ، وَتُدْرِكُونَ بِهِ النّجَاةَ فِى الآخِرَةِ، فِيكُمْ نَبِىّ اللّهِ يُحَذّرُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ فَاسْتَحْيُوا الْيَوْمَ أَنْ يَطّلِعَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكُمْ يَمْقُتُكُمْ عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ: ×لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ%، اُنْظُرُوا إلَى الّذِى أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَرَاكُمْ مِنْ آيَاتِهِ وَأَعَزّكُمْ بَعْدَ ذِلّةٍ فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ يَرْضَ رَبّكُمْ عَنْكُمْ، وَأَبْلَوْا رَبّكُمْ فِى هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَمْرًا، تَسْتَوْجِبُوا الّذِى وَعَدَكُمْ بِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ فَإِنّ وَعْدَهُ حَقّ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ وَعِقَابَهُ شَدِيدٌ، وَإِنّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ بِاَللّهِ الْحَىّ الْقَيّومِ إلَيْهِ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا، وَبِهِ اعْتَصَمْنَا، وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَغْفِرُ اللّهُ لِى وَلِلْمُسْلِمِينَ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَمُحَمّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ رُومَانَ، قَالا: لَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ قُرَيْشًا تُصَوّبُ مِنْ الْوَادِى - وَكَانَ أَوّلُ مَنْ طَلَعَ زَمَعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يَتْبَعُهُ ابْنُهُ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَوّأَ لِلْقَوْمِ مَنْزِلاً - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ إنّك أَنْزَلْت عَلَىّ الْكِتَابَ وَأَمَرْتنِى بِالْقِتَالِ وَوَعَدَتْنِى إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَأَنْتَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك اللّهُمّ نَصْرُك الّذِى وَعَدْتنِى اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ”، وَطَلَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ يَكُ فِى أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَفِى صَاحِبِ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَكَانَ إيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ قَدْ بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ ابْنًا لَهُ بِعَشْرِ جَزَائِرَ حِينَ مَرّوا بِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدّكُمْ بِسِلاحٍ وَرِجَالٍ - فَإِنّا مُعِدّونَ لِذَلِكَ مُؤَدّونَ - فَعَلْنَا، فَأَرْسَلُوا: أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِى عَلَيْك، فَلِعَمْرِى لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ مَا بِنَا ضَعْفٌ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لأَحَدٍ بِاَللّهِ طَاقَةٌ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ جَدّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ خِفَافِ بْنِ إيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِى لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ مُوَكّلٌ بِذَلِكَ، فَلَمّا مَرّتْ قُرَيْشٌ أَرْسَلَنِى بِجَزَائِرَ عَشْرٍ هَدِيّةً لَهَا، فَأَقْبَلْت أَسُوقُهَا وَتَبِعَنِى أَبِى، فَدَفَعْتهَا إلَى قُرَيْشٍ فَقَبِلُوهَا، فَوَزّعُوهَا فِى الْقَبَائِلِ. فَمَرّ أَبِى عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ - وَهُوَ سَيّدُ النّاسِ يَوْمَئِذٍ - فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا هَذَا الْمَسِيرُ؟ قَالَ: لا أَدْرِى وَاَللّهِ غُلِبْت، قَالَ: فَأَنْتَ سَيّدُ الْعَشِيرَةِ فَمَا يَمْنَعُك أَنْ تَرْجِعَ بِالنّاسِ وَتَحْمِلَ دَمَ حَلِيفِك، وَتَحْمِلَ الْعِيرَ الّتِى أَصَابُوا بِنَخْلَةَ فَتُوَزّعَهَا عَلَى قَوْمِك؟ وَاَللّهِ مَا تَطْلُبُونَ قِبَلَ مُحَمّدٍ إلاّ هَذَا؟ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا تَقْتُلُونَ بِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ إلاّ أَنْفُسَكُمْ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى الزّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ سَادَ بِغَيْرِ مَالٍ إلاّ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ الْقَوْمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: ارْجِعُوا، فَإِنّهُ يَلِى هَذَا الأَمْرَ مِنّى غَيْرُكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مِنّى، وَأَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ. فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: قَدْ عَرَضَ نِصْفًا، فَاقْبَلُوهُ، وَاَللّهِ لا تُنْصَرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا عَرَضَ مِنْ النّصْفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَنَا اللّهُ مِنْهُمْ وَلا نَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَلا يَعْتَرِضُ لِعِيرِنَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا. قَالُوا: وَأَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا الْحَوْضَ - مِنْهُمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ - فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ تَجْلِيَتَهُمْ - يَعْنِى طَرْدَهُمْ - فَقَالَ النّبِىّ ÷: “دَعُوهُمْ” فَوَرَدُوا الْمَاءَ فَشَرِبُوا، فَمَا شَرِبَ مِنْهُ أَحَدٌ إلاّ قُتِلَ إلاّ مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: نَجَا حَكِيمٌ مِنْ الدّهْرِ مَرّتَيْنِ لِمَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ جُلُوسٌ يُرِيدُونَهُ فَقَرَأَ: “يس” وَذَرّ عَلَى رُءُوسِهِمْ التّرَابَ فَمَا انْفَلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلاّ قُتِلَ إلاّ حَكِيمٌ. وَوَرَدَ الْحَوْضَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَا وَرَدَ الْحَوْضَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إلاّ قُتِلَ إلاّ حَكِيمٌ. قَالُوا: فَلَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِىّ - وَكَانَ صَاحِبَ قِدَاحٍ - فَقَالُوا: احْزِرْ لَنَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْمُعَسْكَرِ فَصَوّبَ فِى الْوَادِى وَصَعِدَ يَقُولُ: عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ كَمِينٌ، ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ: لا مَدَدَ وَلا كَمِينَ الْقَوْمُ ثَلَثُمِائَةٍ إنْ زَادُوا قَلِيلاً، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا، وَمَعَهُمْ فَرَسَانِ، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إلاّ سُيُوفُهُمْ أَلا تَرَوْنَهُمْ خُرْسًا لا يَتَكَلّمُونَ يَتَلَمّظُونَ تَلَمّظَ الأَفَاعِى وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتّى يَقْتُلَ مِنّا رَجُلاً، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فَمَا خَيْرٌ فِى الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ فَارْتَئُوا رَأْيَكُمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَالَ لَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْسَلُوا أَبَا أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ - وَكَانَ فَارِسًا - فَأَطَافَ بِالنّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَلَدًا، وَلا عَدَدًا، وَلا حَلْقَةً وَلا كُرَاعًا، وَلَكِنّى وَاَللّهِ رَأَيْت قَوْمًا لا يُرِيدُونَ أَنْ يَئُوبُوا إلَى أَهْلِيهِمْ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إلاّ سُيُوفُهُمْ زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنّهُمْ الْحَصَى تَحْتَ الْحَجَفِ. ثُمّ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ. فَصَوّبَ فِى الْوَادِى، ثُمّ صَعِدَ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ: لا كَمِينَ وَلا مَدَدَ فَرَوْا رَأْيَكُمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَمُحَمّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنِ رُومَانَ، قَالُوا: لَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَشَى فِى النّاسِ، وَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَنْتَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، فَهَلْ لَك أَلاّ تَزَالَ مِنْهَا بِخَيْرٍ آخِرَ الدّهْرِ مَعَ مَا فَعَلْت يَوْمَ عُكَاظٍ وَعُتْبَةُ يَوْمَئِذٍ رَئِيسُ النّاسِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا خَالِدٍ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِك، وَمَا أَصَابَ مُحَمّدٌ مِنْ تِلْكَ الْعِيرِ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، إنّكُمْ لا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا الدّمِ وَالْعِيرِ، فَقَالَ عُتْبَةُ: قَدْ فَعَلْت وَأَنْتَ عَلَىّ بِذَلِكَ. قَالَ: ثُمّ جَلَسَ عُتْبَةُ عَلَى جَمَلِهِ فَسَارَ فِى الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِى وَلا تُقَاتِلُوا هَذَا الرّجُلَ وَأَصْحَابَهُ، وَاعْصِبُوا هَذَا الأَمْرَ بِرَأْسِى، وَاجْعَلُوا جُبْنَهَا بِى، فَإِنّ مِنْهُمْ رِجَالاً قَرَابَتُهُمْ قَرِيبَةٌ، وَلا يَزَالُ الرّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فَيُورِثُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ شَحْنَاءَ وَأَضْغَانًا، وَلَنْ تَخْلُصُوا إلَى قَتْلِهِمْ حَتّى يُصِيبُوا مِنْكُمْ عَدَدَهُمْ مَعَ أَنّى لا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لا تَطْلُبُونَ إلاّ دَمَ هَذَا الرّجُلِ وَالْعِيرَ الّتِى أَصَابَ وَأَنَا أَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَىّ يَا قَوْمِ إنْ يَكُ مُحَمّدٌ كَاذِبًا يَكْفِيكُمُوهُ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ - ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ صَعَالِيكُ الْعَرَبِ - وَإِنْ يَكُ مَلِكًا أَكَلْتُمْ فِى مُلْكِ ابْنِ أَخِيكُمْ، وَإِنْ يَكُ نَبِيّا كُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ، يَا قَوْمِ لا تَرُدّوا نَصِيحَتِى، وَلا تُسَفّهُوا رَأْيِى، قَالَ: فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ حِينَ سَمِعَ خُطْبَتَهُ، وَقَالَ: إنْ يَرْجِعْ النّاسُ عَنْ خُطْبَةِ عُتْبَةَ يَكُنْ سَيّدَ الْجَمَاعَةِ - وَعُتْبَةُ أَنْطَقُ النّاسِ وَأَطْوَلُهُمْ لِسَانًا، وَأَجْمَلُهُمْ جَمَالاً. ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ: أَنْشُدُكُمْ اللّهَ فِى هَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِى كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ أَنْ تَجْعَلُوهَا أَنْدَادًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِى كَأَنّهَا وُجُوهُ الْحَيّاتِ، فَلَمّا فَرَغَ عُتْبَةُ مِنْ كَلامِهِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إنّ عُتْبَةَ يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ لأَنّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمّدٍ، وَمُحَمّدٌ ابْنُ عَمّهِ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَهُ وَابْنَ عَمّهِ، امْتَلأَ وَاَللّهِ سَحْرُك يَا عُتْبَةُ وَجَبُنْت حِينَ الْتَقَتْ حَلَقَتَا الْبِطَانِ الآنَ تُخَذّلُ بَيْنَنَا وَتَأْمُرُنَا بِالرّجُوعِ؟ لا وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ، قَالَ: فَغَضِبَ عُتْبَةُ، فَقَالَ: يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَجْبَنُ وَأَلأَمُ وَسَتَعْلَمُ قُرَيْشٌ مَنْ الْجَبَانُ الْمُفْسِدُ لِقَوْمِهِ، وَأَنْشَدَ: فَبَشّــــرِى بِالثّكْـــلِ أُمّ عَمْــــرِو هَــــلْ جَبَانٌ وَأَمَـــرْت أَمْــــرِى ثُمّ ذَهَبَ أَبُو جَهْلٍ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِىّ أَخِى الْمَقْتُولِ بِنَخْلَةَ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُك - يَعْنِى عُتْبَةَ - يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ، وَقَدْ رَأَيْت ثَأْرَك بِعَيْنَيْك، وَيُخَذّلَ بَيْنَ النّاسِ قَدْ تَحَمّلَ دَمَ أَخِيك، وَزَعَمَ أَنّك قَابِلٌ الدّيَةَ، أَلا تَسْتَحْيِىَ تَقْبَلُ الدّيَةَ وَقَدْ قَدَرْت عَلَى قَاتِلِ أَخِيك؟ قُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ، فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ فَاكْتَشَفَ، ثُمّ حَثَا عَلَى رَأْسِهِ التّرَابَ، ثُمّ صَرَخَ وَاعَمْرَاه يُخْزِى بِذَلِكَ عُتْبَةَ، لأَنّهُ حَلِيفُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ، فَأَفْسَدَ عَلَى النّاسِ الرّأْىَ الّذِى دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ، وَحَلَفَ عَامِرٌ لا يَرْجِعُ حَتّى يَقْتُلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ. وَقَالَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حَرّشْ بَيْنَ النّاسِ فَحَمَلَ عُمَيْرٌ فَنَاوَشَ الْمُسْلِمِينَ، لأَنْ يَنْقُضَ الصّفّ فَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَفّهِمْ وَلَمْ يَزُولُوا؛ وَتَقَدّمَ ابْنُ الْحَضْرَمِىّ فَشَدّ عَلَى الْقَوْمِ فَنَشِبَتْ الْحَرْبُ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: لَمّا أَفْسَدَ الرّأْىَ أَبُو جَهْلٍ عَلَى النّاسِ وَحَرّشَ بَيْنَهُمْ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ فَأَقْحَمَ فَرَسَهُ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مَهْجَعُ مَوْلَى عُمَرَ فَقَتَلَهُ عَامِرٌ. وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الأَنْصَارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ قَتَلَهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ - وَيُقَالُ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ - قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ الْعُقَيْلِىّ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: مَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ الْمَكّيّينَ يَقُولُ: إلاّ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ. قَالُوا: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِى مَجْلِسِ وِلايَتِهِ: يَا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ أَنْتَ حَازِرُنَا لِلْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، تُصَعّدُ فِى الْوَادِى وَتُصَوّبُ كَأَنّى أَنْظُرُ إلَى فَرَسِك تَحْتَك، تُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ أَنّهُ لا كَمِينَ لَنَا وَلا مَدَدَ، قَالَ: إى وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُخْرَى، أَنَا وَاَللّهِ الّذِى حَرّشْتُ بَيْنَ النّاسِ يَوْمَئِذٍ، وَلَكِنّ اللّهَ جَاءَ بِالإِسْلامِ وَهَدَانَا لَهُ، فَمَا كَانَ فِينَا مِنْ الشّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: صَدَقْت. قَالُوا: كَلّمَ عُتْبَةُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ خِلافٌ إلاّ عِنْدَ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ اذْهَبْ إلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إنّ عُتْبَةَ يَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِهِ وَيَضْمَنُ الْعِيرَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَدَخَلْت عَلَى أَبِى جَهْلٍ، وَهُوَ يَتَخَلّقُ بِخَلُوقٍ وَدِرْعُهُ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْت: إنّ عُتْبَةَ بَعَثَنِى إلَيْك، فَأَقْبَلَ عَلَىّ مُغْضَبًا، فَقَالَ: أَمَا وَجَدَ عُتْبَةُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَك؟ فَقُلْت: أَمَا وَاَللّهِ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْسَلَنِى مَا مَشَيْت فِى ذَلِكَ وَلَكِنْ مَشَيْت فِى إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ، وَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ سَيّدَ الْعَشِيرَةِ، فَغَضِبَ غَضْبَةً أُخْرَى، فَقَالَ: وَتَقُولُ أَيْضًا: سَيّدَ الْعَشِيرَةِ؟ فَقُلْت: أَنَا أَقُولُهُ؟ قُرَيْشٌ كُلّهَا تَقُولُهُ، فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَصِيحَ بِخَفْرَتِهِ، وَاكْتُشِفَ، وَقَالَ: إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا، وَجَعَلَ أَبُو جَهْلٍ يُسَرّ بِمَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِعُتْبَةَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لأَبِى جَهْلٍ، فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِى جَهْلٍ، قَالَ: نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلامِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِى عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ فَيَأْبَوْنَ، فَحَمِىَ فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِى الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ، ثُمّ بَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِى الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ فَقِيلَ: هُوَ وَاَللّهِ يَقْتُلُهُ فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَىْ فَرَسِ أَبِى جَهْلٍ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، فَقُلْت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، قَالُوا: قَالَ عُتْبَةُ: انْزِلْ فَإِنّ هَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ بِيَوْمِ رُكُوبٍ لَيْسَ كُلّ قَوْمِك رَاكِبًا. فَنَزَلَ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ يَقُولُ: سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَشْأَمَ عَشِيرَتَهُ الْغَدَاةَ، ثُمّ دَعَا عُتْبَةُ إلَى الْمُبَارَزَةِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْعَرِيشِ وَأَصْحَابُهُ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَاضْطَجَعَ فَغَشِيَهُ النّوْمُ، وَقَالَ: “لا تُقَاتِلُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ، وَإِنْ كَثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَلا تَسُلّوا السّيُوفَ حَتّى يَغْشَوْكُمْ”. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ دَنَا الْقَوْمُ وَقَدْ نَالُوا مِنّا، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللّهِ وَقَدْ أَرَاهُ اللّهُ إيّاهُمْ فِى مَنَامِهِ قَلِيلاً، وَقَلّلَ بَعْضُهُمْ فِى أَعْيُنِ بَعْضٍ فَفَزِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ: “اللّهُمّ إنْ تَظْهَرْ عَلَىّ هَذِهِ الْعِصَابَةُ يَظْهَرْ الشّرْكُ وَلا يَقُمْ لَك دِين” . وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاَللّهِ لَيَنْصُرَنك اللّهُ وَلَيُبَيّضَن وَجْهَك، وَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أُشِيرُ عَلَيْك - وَرَسُولُ اللّهِ ÷ أَعْظَمُ وَأَعْلَمُ بِاَللّهِ مِنْ أَنْ يُشَارَ عَلَيْهِ - إنّ اللّهَ أَجَلّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَنْشُدَهُ وَعْدَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا ابْنَ رَوَاحَةَ أَلا أَنْشُدُ اللّهَ وَعْدَهُ؟ إنّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ” وَأَقْبَلَ عُتْبَةُ يَعْمِدُ إلَى الْقِتَالِ فَقَالَ لَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: أَبَا الْوَلِيدِ مَهْلاً، مَهْلاً تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَتَكُونُ أَوّلَهُ. وَقَالَ خِفَافُ بْنُ إيمَاءٍ: فَرَأَيْت أَصْحَابَ النّبِىّ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ تَصَافّ النّاسُ وَتَزَاحَفُوا، فَرَأَيْت أَصْحَابَ النّبِىّ ÷ لا يَسُلّونَ السّيُوفَ وَقَدْ أَنْبَضُوا الْقِسِىّ وَقَدْ تَرّسَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِصُفُوفٍ مُتَقَارِبَةٍ لا فُرَجَ بَيْنَهَا، وَالآخَرُونَ قَدْ سَلّوا السّيُوفَ حِينَ طَلَعُوا. فَعَجِبْت مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلاً مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَلاّ نَسُلّ السّيُوفَ حَتّى يَغْشَوْنَا. قَالُوا: فَلَمّا تَزَاحَفَ النّاسُ قَالَ الأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ الْمَخْزُومِىّ، حِينَ دَنَا مِنْ الْحَوْضِ: أُعَاهِدُ اللّهَ لأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ، أَوْ لأَهْدِمَنهُ، أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَشَدّ الأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ حَتّى دَنَا مِنْ الْحَوْضِ فَاسْتَقْبَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَضَرَبَهُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ فَزَحَفَ الأَسْوَدُ حَتّى وَقَعَ فِى الْحَوْضِ فَهَدَمَهُ بِرِجْلِهِ الصّحِيحَةِ وَشَرِبَ مِنْهُ، وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ فِى الْحَوْضِ فَقَتَلَهُ، وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ عَلَى صُفُوفِهِمْ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ ظَاهِرُونَ، فَدَنَا النّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَخَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ حَتّى فَصَلُوا مِنْ الصّفّ، ثُمّ دَعَوْا إلَى الْمُبَارَزَةِ. فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِتْيَانٌ ثَلاثَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ، وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ: مُعَاذٌ وَمُعَوّذٌ وَعَوْفٌ بَنُو الْحَارِثِ - وَيُقَالُ: ثَالِثُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ - فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ ذَلِكَ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ أَوّلَ قِتَالٍ لَقِىَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ الْمُشْرِكِينَ فِى الأَنْصَارِ، وَأَحَبّ أَنْ تَكُونَ الشّوْكَةُ لِبَنِى عَمّهِ وَقَوْمِهِ فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا إلَى مَصَافّهِمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا. ثُمّ نَادَى مُنَادِى الْمُشْرِكِينَ: يَا مُحَمّدُ، أَخْرِجْ لَنَا الأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا بَنِى هَاشِمٍ قُومُوا فَقَاتَلُوا بِحَقّكُمْ الّذِى بَعَثَ اللّهُ بِهِ نَبِيّكُمْ إذْ جَاءُوا بِبَاطِلِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ”. فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَمَشَوْا إلَيْهِمْ، فَقَالَ عُتْبَةُ: تَكَلّمُوا نَعْرِفْكُمْ - وَكَانَ عَلَيْهِمْ الْبِيضُ فَأَنْكَرُوهُمْ - فَإِنْ كُنْتُمْ أَكْفَاءَ قَاتَلْنَاكُمْ، فَقَالَ حَمْزَةُ: أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، قَالَ عُتْبَةُ: كُفْءٌ كَرِيمٌ، ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ: وَأَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ وَمَنْ هَذَانِ مَعَك؟ قَالَ: عَلِىّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، قَالَ: كُفْئَانِ كَرِيمَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ لِعُتْبَةَ كَلِمَةً قَطّ أَوْهَنَ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ؛ يَعْنِى بِالْحُلَفَاءِ الأَجَمَةَ. ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ لابْنِهِ: قُمْ يَا وَلِيدُ، فَقَامَ الْوَلِيدُ، وَقَامَ إلَيْهِ عَلِىّ، وَكَانَ أَصْغَرَ النّفَرِ فَقَتَلَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ وَقَامَ إلَيْهِ حَمْزَةُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، ثُمّ قَامَ شَيْبَةُ وَقَامَ إلَيْهِ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَسَنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ - فَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ بِذُبَابِ السّيْفِ فَأَصَابَ عَضَلَةَ سَاقِهِ فَقَطَعَهَا، وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِىّ عَلَى شَيْبَةَ فَقَتَلاهُ، وَاحْتَمَلا عُبَيْدَةَ، فَحَازَاهُ إلَى الصّفّ، وَمُخّ سَاقِهِ يَسِيلُ، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْت شَهِيدًا؟ قَالَ: “بَلَى”، قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيّا لَعَلِمَ أَنّا أَحَقّ بِمَا قَالَ مِنْهُ حِينَ يَقُولُ: وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ ونذهـــل عن أبنائها والحلائـل كَذَبْتُمْ وَبَيْتُ اللّهِ نُخْلِى مُحَمّدًا ونسلمـــه حتــــــى نصــــــرَّع وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ×هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبّهِمْ%. حَمْزَةُ أَسَنّ مِنْ النّبِىّ ÷ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْعَبّاسُ أَسَنّ مِنْ النّبِىّ ÷ بِثَلاثِ سِنِينَ. قَالُوا: وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَامَ إلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ يُبَارِزُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اجْلِسْ”، فَلَمّا قَامَ إلَيْهِ النّفَرُ أَعَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى أَبِيهِ بِضَرْبَةٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَيْبَةُ أَكْبَرُ مِنْ عُتْبَةَ بِثَلاثِ سِنِينَ، حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، قَالَ: وَاسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: اللّهُمّ أَقْطَعُنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لا يَعْلَمُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ×إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ% الآيَةَ. فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: لَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ أُغْمِىَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ سَاعَةً، ثُمّ كُشِفَ عَنْهُ فَبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِجِبْرِيلَ فِى جُنْدٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ فِى مَيْمَنَةِ النّاسِ، وَمِيكَائِيلَ فِى جُنْدٍ آخَرَ فِى مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِسْرَافِيلَ فِى جُنْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ. وَإِبْلِيسُ قَدْ تَصَوّرَ فِى صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِىّ يُذَمّرُ الْمُشْرِكِينَ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّهُ لا غَالِبَ لَهُمْ مِنْ النّاسِ فَلَمّا أَبْصَرَ عَدُوّ اللّهِ الْمَلائِكَةَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَالَ: ×إِنّى بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنّى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ% فَتَشَبّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ سُرَاقَةُ لِمَا سَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فَضَرَبَ فِى صَدْرِ الْحَارِثِ فَسَقَطَ الْحَارِثُ، وَانْطَلَقَ إبْلِيسُ لا يُرَى حَتّى وَقَعَ فِى الْبَحْرِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا رَبّ مَوْعِدُك الّذِى وَعَدْتنِى. وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَالَ: لا يَغُرّنكُمْ خِذْلانُ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ إيّاكُمْ، فَإِنّمَا كَانَ عَلَى مِيعَادٍ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ سَيَعْلَمُ إذَا رَجَعْنَا إلَى قُدَيْدٍ مَا نَصْنَعُ بِقَوْمِهِ لا يَهُولَنكُمْ مَقْتَلُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ فَإِنّهُمْ عَجّلُوا وَبَطِرُوا حِينَ قَاتَلُوا وَأَيْمُ اللّهِ لا نَرْجِعُ الْيَوْمَ حَتّى نَقْرِنَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فِى الْحِبَالِ فَلا أُلْفِيَن أَحَدًا مِنْكُمْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا، نُعَرّفُهُمْ بِاَلّذِى صَنَعُوا لِمُفَارَقَتِهِمْ دِينَكُمْ وَرَغْبَتَهُمْ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: “جَعَلَ النّبِىّ ÷ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ” وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ: “يَا بَنِى عَبْدِ اللّهِ” وَشِعَارَ الأَوْسِ: “يَا بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ ابْنِ عَلِىّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِىّ، قَالَ: “كَانَ شِعَارُ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْم َ بَدْرٍ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ” قَالُوا: وَكَانَ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا، فَاحْتَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَخَرَجُوا مَعَهُمْ إلَى بَدْرٍ، وَهُمْ عَلَى الشّكّ وَالارْتِيَابِ قَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِه بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، وَعَلِىّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَلَمّا قَدِمُوا بَدْرًا، وَرَأَوْا قِلّةَ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ قَالُوا: غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ% وَهُمْ مَقْتُولُونَ الآنَ، يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ×إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ%. ثُمّ ذَكَرَ الّذِينَ كَفَرُوا شَرّ الذّكْرِ، فَقَالَ: ×إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلّ مَرّةٍ وَهُمْ لا يَتّقُونَ..% إلَى قَوْلِهِ: ×فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ% [الأنفال 55 - 57] يَقُولُ: يُقْبِلُونَ نَكَلَ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ كُلّهَا. ×وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ% يَقُولُ: وَإِنْ قَالُوا قَدْ أَسْلَمْنَا عَلانِيَةً فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. ×وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الّذِى أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ% يَقُولُ: أَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ عَلَى الإِسْلامِ. ×لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ%. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى الرّجَالِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: جَعَلَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقُوّةِ أَنْ يَغْلِبَ الْعِشْرُونَ إذَا كَانُوا صَابِرِينَ مِائَتَيْنِ، وَيَمُدّهُمْ يَوْمَ بَدْر بِأَلْفَيْنِ مِنْ الْمَلائِكَةِ، فَلَمّا عَلِمَ أَنّ فِيهِمْ الضّعْفَ خَفّفَ عَنْهُمْ، وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مَرْجَعَ رَسُولِهِ ÷ مِنْ بَدْرٍ، فِيمَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ مِمّنْ يَدّعِى الإِسْلامَ عَلَى الشّكّ، وَقُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ - وَكَانَ سَبْعَةَ نَفَرٍ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ، وَفِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ - وَفِيمَنْ أَقَامَ بِمَكّةَ لا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، فَقَالَ: ×الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ %إلَى آخِرِ ثَلاثِ آيَاتٍ. قَالَ: وَكَتَبَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى مَنْ بِمَكّةَ مُسْلِمًا، فَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ ضَمْرَةَ الْجُنْدُعِىّ: لا عُذْرَ لِى وَلا حُجّةَ فِى مُقَامِى بِمَكّةَ، وَكَانَ مَرِيضًا، فَقَالَ لأَهْلِهِ: اُخْرُجُوا بِى لَعَلّى أَجِدُ رُوحًا. قَالَ: أَىّ وَجْهٍ أَحَبّ إلَيْك؟ قَالَ: نَحْوَ التّنْعِيمِ. قَالَ: فَخَرَجُوا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ - وَبَيْنَ التّنْعِيمِ وَمَكّةَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ - فَقَالَ: اللّهُمّ إنّى خَرَجْت إلَيْك مُهَاجِرًا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: ×وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ%إلَى آخِرِ الآيَةِ. فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِمَكّةَ مِمّنْ يُطِيقُ الْخُرُوجَ خَرَجُوا، فَطَلَبَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فِى رِجَالٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَرَدّوهُمْ وَسَجَنُوهُمْ فَافْتُتِنَ مِنْهُمْ نَاسٌ فَكَانَ الّذِينَ اُفْتُتِنُوا حِينَ أَصَابَهُمْ الْبَلاءُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ% إلَى آخِرِ الآيَةِ وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا. فَكَتَبَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى مَنْ بِمَكّةَ مُسْلِمًا، فَلَمّا جَاءَهُمْ الْكِتَابُ بِمَا نَزَلَ فِيهِمْ قَالُوا: اللّهُمّ إنّ لَك عَلَيْنَا إنْ أَفْلَتْنَا أَلاّ نَعْدِلَ بِك أَحَدًا، فَخَرَجُوا الثّانِيَةَ، فَطَلَبَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَأَعْجَزُوهُمْ هَرَبًا فِى الْجِبَالِ حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَاشْتَدّ الْبَلاءُ عَلَى مَنْ رَدّوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبُوهُمْ وَآذَوْهُمْ وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى تَرْكِ الإِسْلامِ. وَرَجَعَ ابْنُ أَبِى سَرْحٍ فَقَالَ لِقُرَيْشٍ: مَا كَانَ يُعَلّمُهُ إلاّ ابْنُ قَمّطَةَ عَبْدٌ نَصْرَانِىّ، قَدْ كُنْت أَكْتُبُ لَهُ فَأُحَوّلُ مَا أَرَدْت. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِىّ مُبِينٌ% وَاَلّتِى تَلِيهَا، وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيمَنْ رَدّ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ مِمّنْ أَصَابَهُ الْبَلاءُ: ×إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ% وَثَلاثَ آيَاتٍ بَعْدَهَا، وَكَانَ مِمّنْ شُرِحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ ابْنُ أَبِى سَرْحٍ. ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِى الّذِينَ فَرّوا مِنْ أَبِى سُفْيَانَ إلَى النّبِىّ ÷ الّذِينَ صَبَرُوا عَلَى الْعَذَابِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ: ×ثُمّ إِنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا% إلَى آخِرِ الآيَةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِى حَيّةَ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: نَادَى يَوْمَئِذٍ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيّةِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ سُرَاقَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ قَوْمَهُ وَخِذْلانَهُمْ لَكُمْ فِى كُلّ مَوْطِنٍ فَاصْدُقُوا الْقَوْمَ الضّرْبَ فَإِنّى أَعْلَمُ أَنّ ابْنَىْ رَبِيعَةَ قَدْ عَجِلا فِى مُبَارَزَتِهِمَا مَنْ بَارَزَا. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنْ كُنّا لَنَسْمَعُ لإِبْلِيسَ يَوْمَئِذٍ خُوَارًا، وَدَعَا بِالثّبُورِ وَالْوَيْلِ، وَتَصَوّرَ فِى صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، حَتّى هَرَبَ فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا يَقُولُ: يَا رَبّ مَا وَعَدْتنِى وَلَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ تُعَيّرُ سُرَاقَةَ بِمَا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ فَيَقُولُ: وَاَللّهِ مَا صَنَعْت مِنْهُ شَيْئًا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ الأَسْلَمِىّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، مَوْلَى بَنِى الْعَبّاسِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللّيْثِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى شَيْخٌ عَرّاكٌ - عَرّاكٌ: صَيّادٌ مِنْ الْحَىّ - كَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى السّاحِلِ مُطِلاّ عَلَى الْبَحْرِ قَالَ: سَمِعْت صِيَاحًا يَا وَيْلاه مَلأَ الْوَادِىَ يَا حُزْنَاهُ، فَنَظَرْت فَإِذَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَدَنَوْت مِنْهُ، فَقُلْت: مَا لَك فِدَاك أَبِى وَأُمّى؟ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَىّ شَيْئًا، ثُمّ أَرَاهُ اقْتَحَمَ الْبَحْرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا يَقُولُ: يَا رَبّ مَا وَعَدْتنِى، فَقُلْت فِى نَفْسِى: جُنّ وَبَيْتِ اللّهِ سُرَاقَةُ وَذَلِكَ حِينَ زَاغَتْ الشّمْسُ وَذَاكَ عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالُوا: وَكَانَ سِيمَاءُ الْمَلائِكَةِ عَمَائِمَ قَدْ أَرْخَوْهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ خُضْرًا وَصُفْرًا وَحُمْرًا مِنْ نُورٍ وَالصّوفُ فِى نَوَاصِى خَيْلِهِمْ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الْمَلائِكَةَ قَدْ سَوّمَتْ فَسَوّمُوا” فَأَعْلَمُوا بِالصّوفِ فِى مَغَافِرِهِمْ وَقَلانِسِهِمْ. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ يُعْلِمُونَ فِى الزّحُوفِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مُعْلِمٌ يَوْمَ بَدْرٍ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ، وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ مُعْلِمًا بِصُوفَةٍ بَيْضَاءَ، وَكَانَ الزّبَيْرُ مُعْلِمًا بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ، وَكَانَ الزّبَيْرُ يُحَدّثُ إنّ الْمَلائِكَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهَا عَمَائِمُ صُفْرٌ، فَكَانَ عَلَى الزّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ عِصَابَةٌ صَفْرَاءُ، وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ يُعْلِمُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ. حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى أُمَيّةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالاً بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ مُعْلِمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ يُحَدّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، قَالَ: لَوْ كُنْت مَعَك الآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِى بَصَرِى لأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ - وَهُوَ الْمَلْصُ - الّذِى خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلائِكَةُ لا أَشُكّ فِيهِ وَلا أَمْتَرِى. فَكَانَ يُحَدّثُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى غِفَارٍ حَدّثَهُ، قَالَ: أَقْبَلْت وَابْنُ عَمّ لِى يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى صَعِدْنَا عَلَى جَبَلٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ وَنَحْنُ عَلَى إحْدَى عُجْمَتَىْ بَدْرٍ - الْعُجْمَةُ الشّامِيّةُ الْعُجْمَةُ مِنْ رَمْلٍ - نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّائِرَةُ فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ إذْ رَأَيْت سَحَابَةً دَنَتْ مِنّا، فَسَمِعْت فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ وَقَعْقَعَةَ اللّجُمِ وَالْحَدِيدِ وَسَمِعْت قَائِلاً يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّى فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ، وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ فَتَمَاسَكْت، وَأَتْبَعْت الْبَصَرَ حَيْثُ تَذْهَبُ السّحَابَةُ فَجَاءَتْ إلَى النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ، ثُمّ رَجَعَتْ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمّا كُنْت أَسْمَعُ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ جِبْرِيلَ مَنْ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ: “أَقْدِمْ حَيْزُومُ”؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمّدُ مَا كُلّ أَهْلِ السّمَاءِ أَعْرِفُ. قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عُبَيْدِ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِى رُهْمٍ الْغِفَارِىّ، عَنْ ابْنِ عَمّ لَهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَابْنُ عَمّ لِى عَلَى مَاءِ بَدْرٍ ، فَلَمّا رَأَيْنَا قِلّةَ مَنْ مَعَ مُحَمّدٍ وَكَثْرَةَ قُرَيْشٍ. قُلْنَا: إذَا الْتَقَتْ الْفِئَتَانِ عَمَدْنَا إلَى عَسْكَرِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَانْطَلَقْنَا نَحْوَ الْمُجَنّبَةِ الْيُسْرَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: هَؤُلاءِ رُبُعُ قُرَيْشٍ فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَمْشِى فِى الْمَيْسَرَةِ إذْ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَغَشِيَتْنَا، فَرَفَعْنَا أَبْصَارَنَا إلَيْهَا فَسَمِعْنَا أَصْوَاتَ الرّجَالِ وَالسّلاحِ وَسَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ لِفَرَسِهِ: “أَقْدِمْ حَيْزُومُ”، وَسَمِعْنَاهُمْ يَقُولُونَ: رُوَيْدًا، تَتَامّ أُخْرَاكُمْ فَنَزَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ ثُمّ جَاءَتْ أُخْرَى مِثْلَ تِلْكَ، وَكَانَتْ مَعَ النّبِىّ ÷ فَنَظَرْنَا إلَى النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ فَإِذَا هُمْ الضّعْفُ عَلَى قُرَيْشٍ: فَمَاتَ ابْنُ عَمّى، وَأَمّا أَنَا فَتَمَاسَكْت وَأَخْبَرْت النّبِىّ ÷، وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلامُهُ. قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا رُئِىَ الشّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلا أَحْقَرُ وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِى يَوْمِ عَرَفَةَ - وَمَا ذَاكَ إلاّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزّلِ الرّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللّهِ عَنْ الذّنُوبِ الْعِظَامِ - إلاّ مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ. قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ أَمَا إنّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ”. قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ: “هَذَا جِبْرِيلُ يَسُوقُ الرّيحَ كَأَنّهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ، إنّى نُصِرْت بِالصّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُورِ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ بْنُ أَبِى عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: رَأَيْت يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلَيْنِ عَنْ يَمِينِ النّبِىّ ÷ أَحَدُهُمَا، وَعَنْ يَسَارِهِ أَحَدُهُمَا، يُقَاتِلانِ أَشَدّ الْقِتَالِ، ثُمّ ثَلّثَهُمَا ثَالِثٌ مِنْ خَلْفِهِ، ثُمّ رَبّعَهُمَا رَابِعٌ أَمَامَهُ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ بْنُ أَبِى عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْت رَجُلَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ يُقَاتِلانِ عَنْ النّبِىّ ÷ أَحَدُهُمَا عَنْ يَسَارِهِ وَالآخَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنّى لأَرَاهُ يَنْظُرُ إلَى ذَا مَرّةً وَإِلَى ذَا مَرّةً سُرُورًا بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ تَعَالَى. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حَمْزَةَ ابْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا أَدْرِى كَمْ يَدٍ مَقْطُوعَةٍ وَضَرْبَةٍ جَائِفَةٍ لَمْ يَدْمَ كَلْمُهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ رَأَيْتهَا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: جِئْت يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلاثَةِ رُءُوسٍ فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَمّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتهمَا، وَأَمّا الثّالِثُ فَإِنّى رَأَيْت رَجُلاً أَبْيَضَ طَوِيلاً ضَرَبَهُ فَتَدَهْدَى أَمَامَهُ فَأَخَذْت رَأْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ذَاكَ فُلانٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ”. وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: لَمْ تُقَاتِلْ الْمَلائِكَةُ إلاّ يَوْمَ بَدْرٍ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوّرُ فِى صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ مِنْ النّاسِ يُثَبّتُونَهُمْ فَيَقُولُ: إنّى قَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ فَسَمِعْتهمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا، لَيْسُوا بِشَيْءٍ. وَذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ×إِذْ يُوحِى رَبّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنّى مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا% إلَى آخِرِ الآيَةِ. فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ السّائِبُ بْنُ أَبِى حُبَيْشٍ الأَسَدِىّ يُحَدّثُ فِى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يَقُولُ: وَاَللّهِ مَا أَسَرَنِى أَحَدٌ مِنْ النّاسِ، فَيُقَالُ: فَمَنْ؟ فَيَقُولُ: لَمّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْت مَعَهَا، فَيُدْرِكُنِى رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فَأَوْثَقَنِى رِبَاطًا، وَجَاءَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَوَجَدَنِى مَرْبُوطًا، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يُنَادِى فِى الْمُعَسْكَرِ: مَنْ أَسَرَ هَذَا؟ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ أَسَرَنِى، حَتّى انْتَهَى بِى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا ابْنَ أَبِى حُبَيْشٍ مَنْ أَسَرَك”؟ فَقُلْت: لا أَعْرِفُ، وَكَرِهْت أَنْ أُخْبِرَهُ بِاَلّذِى رَأَيْت، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَسَرَهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ كَرِيمٌ اذْهَبْ يَا ابْنَ عَوْفٍ بِأَسِيرِك”، فَذَهَبَ بِى عَبْدُ الرّحْمَنِ، فَقَالَ السّائِبُ: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ أَحْفَظُهَا، وَتَأَخّرَ إسْلامِى حَتّى كَانَ مَا كَانَ مِنْ إسْلامِى. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللّيْثِىّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ وَقَعَ بِوَادِى خَلْصٍ بِجَادٌ مِنْ السّمَاءِ قَدْ سَدّ الأُفُقَ - وَوَادِى خَلْصٍ نَاحِيَةَ الرّوَيْثَةِ - فَإِذَا الْوَادِى يَسِيلُ نَمْلاً، فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنّ هَذَا شَيْءٌ مِنْ السّمَاءِ أُيّدَ بِهِ مُحَمّدٌ فَمَا كَانَتْ إلاّ الْهَزِيمَةُ وَهِىَ الْمَلائِكَةُ. قَالُوا: وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ قَتْلِ أَبِى الْبَخْتَرِىّ وَكَانَ قَدْ لَبِسَ السّلاحَ يَوْمًا بِمَكّةَ فِى بَعْضِ مَا كَانَ بَلَغَ مِنْ النّبِىّ ÷ مِنْ الأَذَى. فَقَالَ: لا يَعْتَرِضُ الْيَوْمَ أَحَدٌ لِمُحَمّدٍ بِأَذًى إلاّ وَضَعْت فِيهِ السّلاحَ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ النّبِىّ ÷. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ: فَلَحِقْته، فَقُلْت: إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ نَهَى عَنْ قَتْلِك إنْ أَعْطَيْت بِيَدِك، قَالَ: وَمَا تُرِيدُ إلَيّ؟ إنْ كَانَ نَهَى عَنْ قَتْلِى قَدْ كُنْت أَبْلَيْته ذَلِكَ فَأَمّا أَنْ أُعْطِىَ بِيَدِى، فَوَاَللاّتِى وَالْعُزّى لَقَدْ عَلِمَ نِسْوَةٌ بِمَكّةَ أَنّى لا أُعْطِى بِيَدِى، وَقَدْ عَرَفْت أَنّك لا تَدَعَنِى، فَافْعَلْ الّذِى تُرِيدُ. وَرَمَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَهْمٍ، وَقَالَ: اللّهُمّ سَهْمُك، وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ عَبْدُك، فَضَعْهُ فِى مَقْتَلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ دَارِعٌ فَفَتَقَ السّهْمُ الدّرْعَ فَقَتَلَهُ، وَيُقَالُ: إنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِىّ وَلا يَعْرِفُهُ، وَقَالَ الْمُجَذّرُ فِى ذَلِكَ شِعْرًا عَرّفَ أَنّهُ قَتَلَهُ. وَنَهَى النّبِىّ ÷ عَنْ قَتْلِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَقَالَ: “ائْسِرُوهُ وَلا تَقْتُلُوهُ”، وَكَانَ كَارِهًا لِلْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ، فَلَقِيَهُ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافٍ فَقَتَلَهُ وَلا يَعْرِفُهُ فَبَلَغَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: “لَوْ وَجَدْته قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ لَتَرَكْته لِنِسَائِهِ”. وَنَهَى عَنْ قَتْلِ زَمَعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، فَقَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجَذَعِ وَلا يَعْرِفُهُ. قَالُوا: وَلَمّا لَحِمَ الْقِتَالُ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى النّصْرَ وَمَا وَعَدَهُ يَقُولُ: “اللّهُمّ إنْ ظُهِرَ عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشّرْكُ، وَلا يَقُومُ لَك دِينٌ” وَأَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: “وَاَللّهِ لَيَنْصُرَنك اللّهُ وَلَيُبَيّضَن وَجْهَك”، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَلْفًا مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ عِنْدَ أَكْنَافِ الْعَدُوّ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا أَبَا بَكْرٍ أَبْشِرْ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ”، فَلَمّا نَزَلَ إلَى الأَرْضِ تَغَيّبَ عَنّى سَاعَةً ثُمّ طَلَعَ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ يَقُولُ: أَتَاك نَصْرُ اللّهِ إذْ دَعَوْته، قَالُوا: وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَأَخَذَ مِنْ الْحَصْبَاءِ كَفّا فَرَمَاهُمْ بِهَا، وَقَالَ: “شَاهَتْ الْوُجُوهُ، اللّهُمّ أَرْعِبْ قُلُوبَهُمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ”، فَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللّهِ لا يَلْوُونَ عَلَى شَىْءٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَمَا بَقِىَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلاّ امْتَلأَ وَجْهُهُ وَعَيْنَاهُ مَا يَدْرِى أَيْنَ يَتَوَجّهُ مِنْ عَيْنَيْهِ وَالْمَلائِكَةُ يَقْتُلُونَهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ. وَقَالَ عَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ: أَمْشِـــى بِهَـــا مَشْــــىَ الْفَحْــلِ أَنَـــا عَـــــدِىّ وَالسّـــحْــــــلِ يَعْنِى دِرْعَهُ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “مَنْ عَدِىّ”؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ عَدِىّ، قَالَ: “وَمَاذَا”؟ قَالَ: ابْنَ فُلانٍ، قَالَ: “لَسْت أَنْتَ عَدِيّا”، فَقَالَ عَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ عَدِىّ، قَالَ: “وَمَاذَا”؟ قَالَ: وَالسّحْلُ أَمْشِى بِهَا مَشْىَ الْفَحْلِ. قَالَ النّبِىّ ÷: “وَمَا السّحْلُ”؟ قَالَ: الدّرْعُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نِعْمَ الْعَدِىّ، عَدِىّ بْنَ أَبِى الزّغْبَاءِ”. وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ بِمَكّةَ وَالنّبِىّ ÷ مُهَاجِرٌ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَقُولُ: عَمّا قَلِيلٍ تَرَانِى رَاكِبَ الْفَرَسِ وَالسّيْفُ يَأْخُذُ مِنْكُمْ كُلّ مُلْتَبِـــسِ يَا رَاكِبَ النّاقَةِ الْقَصْوَاءِ هَاجَرْنَا

أُعِلّ رُمْحِى فِيكُمْ ثُـــمّ أُنْهِلُـــــهُ

أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ. فَقَالَ النّبِىّ ÷ وَبَلَغَهُ قَوْلُهُ: “اللّهُمّ أَكِبّهُ لِمَنْخَرِهِ وَاصْرَعْهُ” قَالَ: فَجَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ، فَأَمَرَ بِهِ النّبِىّ ÷ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا. وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: إنّى لأَجْمَعُ أَدْرَاعًا لِى يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ وَلّى النّاسُ فَإِذَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَ لِى صَدِيقًا فِى الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ اسْمِى عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمّا جَاءَ الإِسْلامُ سُمّيت عَبْدَ الرّحْمَنِ فَكَانَ يَلْقَانِى فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلا أُجِيبُهُ. فَيَقُولُ: إنّى لا أَقُولُ لَك عَبْدَ الرّحْمَنِ إنّ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ يَتَسَمّى بِالرّحْمَنِ فَأَنَا لا أَدْعُوك إلَيْهِ. فَكَانَ يَدْعُونِى عَبْدَ الإِلَهِ فَلَمّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ رَأَيْته عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَلِىّ، فَنَادَانِى: يَا عَبْدَ عَمْرٍو. فَأَبَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَنَادَى: يَا عَبْدَ الإِلَهِ. فَأَجَبْته، فَقَالَ: أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِى اللّبَنِ؟ نَحْنُ خَيْرٌ لَك مِنْ أَدْرَاعِك هَذِهِ. فَقُلْت: امْضِيَا فَجَعَلْت أَسُوقُهُمَا أَمَامِى. وَقَدْ رَأَى أُمَيّةُ أَنّهُ قَدْ أَمِنَ بَعْضَ الأَمْنِ، فَقَالَ لِى أُمَيّةُ: رَأَيْت رَجُلاً فِيكُمْ الْيَوْمَ مُعْلِمًا، فِى صَدْرِهِ رِيشَةُ نَعَامَةٍ مَنْ هُوَ؟ قُلْت: حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. فَقَالَ: ذَاكَ الّذِى فَعَلَ بِنَا الأَفَاعِيلَ، ثُمّ قَالَ: فَمَنْ رَجُلٌ دَحْدَاحٌ قَصِيرٌ مُعْلِمٌ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ؟ قَالَ: قُلْت: ذَاكَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ. فَقَالَ: وَبِذَاكَ أَيْضًا يَا عَبْدَ الإِلَهِ صِرْنَا الْيَوْمَ جُزُرًا لَكُمْ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ مَعِى أُزْجِيهِ أَمَامِى، وَمَعَهُ ابْنُهُ إذْ بَصُرَ بِهِ بَلالٌ، وَهُوَ يَعْجِنُ عَجِينًا لَهُ فَتَرَكَ الْعَجِينَ، وَجَعَلَ يَفْتِلُ يَدَيْهِ مِنْ الْعَجِينِ فَتْلاً ذَرِيعًا، وَهُوَ يُنَادِى: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ رَأْسُ الْكُفْرِ لا نَجَوْت إنْ نَجَا. قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: فَأَقْبَلُوا كَأَنّهُمْ عُوذٌ حَنّتْ إلَى أَوْلادِهَا، حَتّى طُرِحَ أُمَيّةُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَاضْطَجَعْت عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَأَدْخَلَ سَيْفَهُ فَاقْتَطَعَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ، فَلَمّا فَقَدَ أُمَيّةُ أَنْفَهُ، قَالَ: إيه عَنْك أَىْ خَلّ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَذَكَرْت قَوْلَ حَسّانٍ: أَوْ عَنْ ذَلِكَ الأَنْفِ جَادِع. وَأَقْبَلَ إلَيْهِ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافٍ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ وَقَدْ ضَرَبَ أُمَيّةُ خُبَيْبَ بْنَ يَسَافٍ حَتّى قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمَنْكِبِ فَأَعَادَهَا النّبِىّ ÷ فَالْتَحَمَتْ وَاسْتَوَتْ فَتَزَوّجَ خُبَيْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنَةَ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَرَأَتْ تِلْكَ الضّرْبَةَ فَقَالَتْ: لا يُشِلّ اللّهُ يَدَ رَجُلٍ فَعَلَ هَذَا. فَقَالَ: خُبَيْبٌ وَأَنَا وَاَللّهِ قَدْ أَوْرَدَتْهُ شَعُوبٌ، فَكَانَ خُبَيْبٌ يُحَدّثُ قَالَ: فَأَضْرِبُهُ فَوْقَ الْعَاتِقِ فَأَقْطَعُ عَاتِقَهُ حَتّى بَلَغْت مُؤْتَزَرَهُ وَعَلَيْهِ الدّرْعُ، وَأَنَا أَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ يَسَافٍ وَأَخَذْت سِلاحَهُ وَدِرْعَهُ مَقْطُوعَةٌ. وَأَقْبَلَ عَلِىّ بْنُ أُمَيّةَ فَيَعْتَرِضُ لَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَصَاحَ صَيْحَةً مَا سُمِعَ مِثْلُهَا قَطّ جَزَعًا، وَلَقِيَهُ عَمّارٌ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ. وَيُقَالُ: إنّ عَمّارًا لاقَاهُ قَبْلَ الضّرْبَةِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ فَقَتَلَهُ، وَالأَوّلُ أَثْبَتُ أَنّهُ ضَرَبَهُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ رِجْلُهُ، وَقَدْ سَمِعْنَا فِى قَتْلِ أُمَيّةَ غَيْرَ ذَلِكَ. حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَحْدَقْنَا بِأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ لَهُ فِيهِمْ شَأْنٌ وَمَعِى رُمْحِى وَمَعَهُ رُمْحُهُ فَتَطَاعَنَا حَتّى سَقَطَتْ رِمَاحُنَا ثُمّ صِرْنَا إلَى السّيْفَيْنِ فَتَضَارَبْنَا بِهِمَا حَتّى انْثَلَمَا، ثُمّ بَصُرْت بِفَتْقٍ فِى دِرْعِهِ تَحْتَ إبِطِهِ فَخَشَشْت السّيْفَ فِيهِ حَتّى قَتَلْته، وَخَرَجَ السّيْفُ وَعَلَيْهِ الْوَدَكُ. وَقَدْ سَمِعْنَا وَجْهًا آخَرَ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قَالَتْ: قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ لِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ: يَا قُدَامَةُ أَنْتَ الْمُشْلِى بِأَبِى يَوْمَ بَدْرٍ النّاسَ، فَقَالَ قُدَامَةُ: لا وَاَللّهِ مَا فَعَلْت، وَلَوْ فَعَلْت مَا اعْتَذَرْت مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ، قَالَ صَفْوَانُ: فَمَنْ يَا قُدّامُ الْمُشْلِى بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ النّاسَ؟ قَالَ: رَأَيْت فِتْيَةً مِنْ الأَنْصَارِ أَقْبَلُوا إلَيْهِ فِيهِمْ مَعْمَرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ يَرْفَعُ سَيْفَهُ وَيَضَعُهُ فِيهِ. فَيَقُولُ صَفْوَانُ: أَبُو قِرْدٍ، وَكَانَ مَعْمَرٌ رَجُلاً دَمِيمًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ فَغَضِبَ لَهُ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ صَفْوَانَ، وَهِىَ كَرِيمَةُ بِنْتُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ، فَقَالَ: مَا يَدَعُنَا صَفْوَانُ مِنْ الأَذَى فِى الْجَاهِلِيّةِ وَالإِسْلامِ، فَقَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهَا بِمَقَالَةِ صَفْوَانَ لِمَعْمَرٍ حِينَ قَالَ: أَبُو قِرْدٍ. فَقَالَتْ أُمّ صَفْوَانَ: يَا صَفْوَانُ تَنْتَقِصُ مَعْمَرَ بْنَ حَبِيبٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَاَللّهِ لا أَقْبَلُ لَك كَرَامَةً سَنَةً، قَالَ صَفْوَانُ: يَا أُمّهُ وَاَللّهِ لا أَعُودُ أَبَدًا، تَكَلّمْت بِكَلِمَةٍ لَمْ أُلْقِ بِهَا بَالاً. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنِى الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، قَالَتْ: قِيلَ لأُمّ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَنَظَرَتْ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بِمَكّةَ: هَذَا الّذِى قَطَعَ رِجْلَ عَلِىّ بْنِ أُمَيّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَتْ: دَعُونَا مِنْ ذِكْرِ مَنْ قُتِلَ عَلَى الشّرْكِ قَدْ أَهَانَ اللّهُ عَلِيّا بِضَرْبَةِ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَكْرَمَ اللّهُ الْحُبَابَ بِضَرْبِهِ عَلِيّا، قَدْ كَانَ عَلَى الإِسْلامِ حِينَ خَرَجَ مِنْ هَاهُنَا، فَقُتِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ: لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ لَقِيت عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لأْمَةٌ كَامِلَةٌ لا يُرَى مِنْهُ إلاّ عَيْنَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَبِيّةٌ صَغِيرَةٌ يَحْمِلُهَا، وَكَانَ لَهَا بُطَيْنٌ وَكَانَتْ مُسْقِمَةً -: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، قَالَ: وَفِى يَدِى عَنَزَةٌ فَأَطْعَنُ بِهَا فِى عَيْنِهِ، وَوَقَعَ وَأَطَأُ بِرِجْلِى عَلَى خَدّهِ حَتّى أَخْرَجْت الْعَنَزَةَ مِنْ حَدَقَتِهِ وَأَخْرَجْت حَدَقَتَهُ. وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَنَزَةَ فَكَانَتْ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَبِى بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَلَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَلَطُوا، أَقْبَلَ عَاصِمُ بْنُ أَبِى عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السّهْمِىّ كَأَنّهُ ذِئْبٌ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَيْكُمْ بِالْقَاطِعِ مُفَرّقِ الْجَمَاعَةِ الآتِى بِمَا لا يُعْرَفُ مُحَمّدٍ لا نَجَوْت إنْ نَجَا وَيَعْتَرِضُهُ أَبُو دُجَانَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ. وَوَقَفَ عَلَى سَلَبِهِ يَسْلُبُهُ فَمَرّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ: دَعْ سَلَبَهُ حَتّى يُجْهَضَ الْعَدُوّ، وَأَنَا أَشْهَدُ لَك بِهِ. وَيُقْبِلُ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، فَضَرَبَ أَبَا دُجَانَةَ ضَرْبَةً بَرَكَ أَبُو دُجَانَةَ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ، ثُمّ انْتَهَضَ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ لَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا، حَتّى يَقَعُ مَعْبَدٌ بِحُفْرَةٍ أَمَامَهُ لا يَرَاهَا، وَبَرَكَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَأَخَذَ سَلَبَهُ، قَالُوا: وَلَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَرَأَتْ بَنُو مَخْزُومٍ مَقْتَلَ مَنْ قُتِلَ قَالُوا: أَبُو الْحَكَمِ لا يَخْلُصُ إلَيْهِ، فَإِنّ ابْنَىْ رَبِيعَةَ قَدْ عَجّلا وَبَطِرَا، وَلَمْ تُحَامِ عَلَيْهِمَا عَشِيرَتُهُمَا. فَاجْتَمَعَتْ بَنُو مَخْزُومٍ فَأَحْدَقُوا بِهِ فَجَعَلُوهُ فِى مِثْلِ الْحَرَجَةِ. وَأَجْمَعُوا أَنْ يَلْبَسُوا لأْمَةَ أَبِى جَهْلٍ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَلْبَسُوهَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُنْذِرِ ابْنِ أَبِى رِفَاعَةَ، فَصَمَدَ لَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فَقَتَلَهُ، وَهُوَ يَرَاهُ أَبَا جَهْلٍ، وَمَضَى عَنْهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ، ثُمّ أَلْبَسُوهَا أَبَا قَيْسِ بْنَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَصَمَدَ لَهُ حَمْزَةُ وَهُوَ يَرَاهُ أَبَا جَهْلٍ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، ثُمّ أَلْبَسُوهَا حَرْمَلَةَ بْنَ عَمْرٍو، فَصَمَدَ لَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فَقَتَلَهُ وَأَبُو جَهْلٍ فِى أَصْحَابِهِ، ثُمّ أَرَادُوا أَنْ يُلْبِسُوهَا خَالِدَ بْنَ الأَعْلَمِ فَأَبَى أَنْ يَلْبَسَهَا يَوْمَئِذٍ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ: نَظَرْت إلَى أَبِى جَهْلٍ فِى مِثْلِ الْحَرَجَةِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الْحَكَمِ لا يَخْلُصُ إلَيْهِ، فَعَرَفْت أَنّهُ هُوَ، فَقُلْت: وَاَللّهِ لأَمُوتَن دُونَهُ الْيَوْمَ، أَوْ لأَخْلُصَن إلَيْهِ فَصَمَدْت لَهُ حَتّى إذَا أَمْكَنَتْنِى مِنْهُ غِرّةٌ حَمَلْت عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً وَطَرَحْت رِجْلَهُ مِنْ السّاقِ فَشَبّهْتهَا بِالنّوَاةِ تَنْزُو مِنْ تَحْتِ الْمَرَاضِخِ. ثُمّ أَقْبَلَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَىّ فَضَرَبَنِى عَلَى عَاتِقِى، وَطَرَحَ يَدِى مِنْ الْعَاتِقِ إلاّ أَنّهُ قَدْ بَقِيَتْ جِلْدَةٌ فَإِنّى أَسْحَبُ يَدِى بِجِلْدَةٍ مِنْ خَلْفِى، فَلَمّا آذَتْنِى وَضَعْت عَلَيْهَا رِجْلِى، فَتَمَطّيْت عَلَيْهَا حَتّى قَطَعْتهَا، ثُمّ لاقَيْت عِكْرِمَةَ وَهُوَ يَلُوذُ كُلّ مَلاذٍ فَلَوْ كَانَتْ يَدِى مَعِى لَرَجَوْت يَوْمَئِذٍ أَنْ أُصِيبَهُ، وَمَاتَ مُعَاذٌ فِى زَمَنِ عُثْمَانَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو مَرْوَانَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ، أَنّ النّبِىّ ÷ نَفّلَ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ سَيْفَ أَبِى جَهْلٍ - وَهُوَ عِنْدَ آلِ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو الْيَوْمَ بِهِ فَلّ - بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ النّبِىّ ÷ إلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ فَسَأَلَهُ مَنْ قَتَلَ أَبَاك؟ قَالَ: الّذِى قَطَعْت يَدَهُ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى مُعَاذِ ابْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ عِكْرِمَةُ قَدْ قَطَعَ يَدَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدّثَنِى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: مَا كَانَ بَنُو الْمُغِيرَةِ يَشُكّونَ أَنّ سَيْفَ أَبِى الْحَكَمِ صَارَ إلَى مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَهُوَ الّذِى قَتَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ حَدّثَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو أَنّهُ قَضَى لَهُ النّبِىّ ÷ بِسَلَبِ أَبِى جَهْلٍ. قَالَ: فَأَخَذْت دِرْعَهُ وَسَيْفَهُ فَبِعْت سَيْفَهُ بَعْدُ. وَقَدْ سَمِعْت فِى قَتْلِهِ غَيْرَ هَذَا وَأَخْذِ سَلَبِهِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: عَبّأَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِلَيْلٍ فَصَفّنَا، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ عَلَى صُفُوفِنَا، فَإِذَا بِغُلامَيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلاّ وَقَدْ رُبِطَتْ حَمَائِلُ سَيْفِهِ فِى عُنُقِهِ فَالْتَفَتَ إلَىّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمّ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: بَلَغَنِى أَنّهُ يَسُبّ رَسُولَ اللّهِ فَحَلَفْت لَئِنْ رَأَيْته لأَقْتُلَنهُ، أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، وَالْتَفَتَ إلَىّ الآخَرُ، فَقَالَ لِى مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا: ابْنَا الْحَارِثِ، قَالَ: فَجَعَلا لا يَطْرِفَانِ عَنْ أَبِى جَهْلٍ حَتّى إذَا كَانَ الْقِتَالُ خَلَصَا إلَيْهِ فَقَتَلاهُ وَقَتَلَهُمَا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ وَلَدِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: لَيْتَهُ كَانَ إلَى جَنْبِى مَنْ هُوَ آيَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْفَتَيَيْنِ. فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ الْتَفَتَ إلَىّ عَوْفٌ، فَقَالَ: أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقُلْت: ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَخَرَجَ يَعْدُو إلَيْهِ كَأَنّهُ سَبُعٌ وَلَحِقَهُ أَخُوهُ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمَا يَضْطَرِبَانِ بِالسّيُوفِ ثُمّ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مَرّ بِهِمَا فِى الْقَتْلَى وَهُمَا إلَى جَنْبِهِ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِى مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِى يُنْكِرُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِى ابْنَىْ عَفْرَاءَ مِنْ صِغَرِهِمْ، وَيَقُولُ: كَانَا يَوْمَ بَدْرٍ أَصْغَرُهُمَا ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً فَهَذَا يَرْبِطُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ؟ وَالْقَوْلُ الأَوّلُ أَثْبَتُ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ رُبَيّعَ بِنْتِ مُعَوّذٍ، قَالَتْ: دَخَلْت فِى نِسْوَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتَ مُخَرّبَةَ أُمّ أَبِى جَهْلٍ فِى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ يَبْعَثُ إلَيْهَا بِعِطْرٍ مِنْ الْيَمَنِ، وَكَانَتْ تَبِيعُهُ إلَى الأَعْطِيَةِ فَكُنّا نَشْتَرِى مِنْهَا؛ فَلَمّا جَعَلَتْ لِى فِى قَوَارِيرِى، وَوَزَنَتْ لِى كَمَا وَزَنَتْ لِصَوَاحِبِى، قَالَتْ: اُكْتُبْنَ لِى عَلَيْكُنّ حَقّى، فَقُلْت: نَعَمْ، أَكْتُبُ لَهَا عَلَى الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: حَلْقَى، وَإِنّك لابْنَةُ قَاتِلِ سَيّدِهِ؟ قَالَتْ: قُلْت: لا، وَلَكِنْ ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ، قَالَتْ: وَاَللّهِ لا أَبِيعُك شَيْئًا أَبَدًا، فَقُلْت: وَأَنَا، وَاَللّهِ لا أَشْتَرِى مِنْك شَيْئًا أَبَدًا فَوَاَللّهِ مَا هُوَ بِطِيبٍ وَلا عَرْفٍ وَاَللّهِ يَا بُنَىّ مَا شَمَمْت عِطْرًا قَطّ كَانَ أَطْيَبَ مِنْهُ وَلَكِنْ يَا بُنَىّ غَضِبْت. قَالُوا: وَلَمّا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُلْتَمَسَ أَبُو جَهْلٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْته فِى آخِرِ رَمَقٍ فَوَضَعْت رِجْلِى عَلَى عُنُقِهِ، فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَخْزَاك قَالَ: إنّمَا أَخْزَى اللّهُ عَبْدَ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِىَ الْغَنَمِ لِمَنْ الدّائِرَةُ؟ قُلْت: لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَأَقْتَلِعُ بَيْضَتَهُ عَنْ قَفَاهُ، فَقُلْت: إنّى قَاتِلُك يَا أَبَا جَهْلٍ، قَالَ: لَسْت بِأَوّلِ عَبْدٍ قَتَلَ سَيّدَهُ، أَمَا إنّ أَشَدّ مَا لَقِيته الْيَوْمَ فِى نَفْسِى لِقَتْلِك إيّاىَ أَلا يَكُونُ وَلِىَ قَتْلِى رَجُلٌ مِنْ الأَحْلافِ، أَوْ مِنْ الْمُطَيّبِينَ فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللّهِ ضَرْبَةً وَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ سَلَبُهُ فَلَمّا نَظَرَ إلَى جَسَدِهِ نَظَرَ إلَى حُصُرِهِ كَأَنّهَا السّيَاطُ. وَأَقْبَلَ بِسِلاحِهِ وَدِرْعِهِ وَبَيْضَتِهِ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا نَبِىّ اللّهِ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ أَبِى جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَحَقّا، يَا عَبْدَ اللّهِ؟ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَهُوَ أَحَبّ إلَىّ مِنْ حُمُرِ النّعَمِ” - أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: وَذَكَرْت لِلنّبِىّ ÷ مَا بِهِ مِنْ الآثَارِ، فَقَالَ: “ذَلِكَ ضَرْبُ الْمَلائِكَةِ”، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ أَصَابَهُ جَحْشٌ مِنْ دُفَعٍ دَفَعَتْهُ فِى مَأْدُبَةِ ابْنِ جُدْعَانَ، فَجَحَشَتْ رُكْبَتَهُ”. فَالْتَمِسُوهُ فَوَجَدُوا ذَلِكَ الأَثَرَ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ الْمَخْزُومِىّ كَانَ عِنْدَ النّبِىّ ÷ تِلْكَ السّاعَةَ فَوَجَدَ فِى نَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَنْتَ قَتَلْته؟ قَالَ: نَعَمْ اللّهُ قَتَلَهُ، قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ أَنْتَ وَلِيت قَتْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَوْ شَاءَ لَجَعَلَك فِى كُمّهِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته وَجَرّدْته، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا عَلامَتُهُ؟ قَالَ: شَامَةٌ سَوْدَاءُ بِبَطْنِ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، فَعَرَفَ أَبُو سَلَمَةَ النّعْتَ، وَقَالَ: جَرّدْته وَلَمْ يُجَرّدْ قُرَشِىّ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَاَللّهِ إنّهُ لَمْ يَكُنْ فِى قُرَيْشٍ وَلا فِى حُلَفَائِهَا أَحَدٌ أَعْدَى لِلّهِ وَلا لِرَسُولِهِ مِنْهُ، وَمَا أَعْتَذِرُ مِنْ شَيْءٍ صَنَعْته بِهِ، فَأُسْكِتَ أَبُو سَلَمَةَ فَسُمِعَ أَبُو سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُ مِنْ كَلامِهِ فِى أَبِى جَهْلٍ. وَفَرِحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَتْلِ أَبِى جَهْلٍ، وَقَالَ: “اللّهُمّ قَدْ أَنْجَزْت مَا وَعَدْتنِى، فَتَمّمْ عَلَىّ نِعْمَتَك”، وَقَالَ: فَآلُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ: سَيْفُ أَبِى جَهْلٍ عِنْدَنَا، مُحَلّى بِفِضّةٍ غَنِمَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَئِذٍ، فَاجْتَمَعَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرٍو وَابْنَىْ عَفْرَاءَ أَثْبَتُوهُ وَضَرَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ عُنُقَهُ فِى آخِرِ رَمَقٍ فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِى قَتْلِهِ. قَالُوا: وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مَصْرَعِ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِى قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ”، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: “الْمَلائِكَةَ وَذَافّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِى قَتْلِهِ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ اكْفِنِى نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ”، وَأَقْبَلَ نَوْفَلٌ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ مَرْعُوبٌ قَدْ رَأَى قَتْلَ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ فِى أَوّلِ مَا الْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ يَصِيحُ بِصَوْتٍ لَهُ زَجَلٌ رَافِعًا صَوْتَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ الْعَلاءِ وَالرّفْعَةِ فَلَمّا رَأَى قُرَيْشًا قَدْ انْكَسَرَتْ جَعَلَ يَصِيحُ بِالأَنْصَارِ: مَا حَاجَتُكُمْ إلَى دِمَائِنَا؟ أَمَا تَرَوْنَ مَا تَقْتُلُونَ؟ أَمَا لَكُمْ فِى اللّبَنِ مِنْ حَاجَةٍ؟ فَأَسَرَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ فَهُوَ يَسُوقُهُ أَمَامَهُ فَجَعَلَ نَوْفَلٌ يَقُولُ لِجَبّارٍ - وَرَأَى عَلِيّا مُقْبِلاً نَحْوَهُ - قَالَ: يَا أَخَا الأَنْصَارِ، مَنْ هَذَا؟ وَاَللاّتِى وَالْعُزّى، إنّى لأَرَى رَجُلاً، إنّهُ لَيُرِيدُنِى، قَالَ: هَذَا عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَسْرَعَ فِى قَوْمِهِ مِنْهُ، فَيَصْمُدُ لَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، فَيَضْرِبُهُ فَنَشِبَ سَيْفُ عَلِىّ فِى حَجَفَتِهِ سَاعَةً، ثُمّ نَزَعَهُ فَيَضْرِبُ سَاقَيْهِ وَدِرْعُهُ مُشَمّرَةٌ فَقَطَعَهُمَا؛ ثُمّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ”؟ فَقَالَ عَلِىّ: أَنَا قَتَلْته، قَالَ: فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَجَابَ دَعْوَتِى فِيهِ”. وَأَقْبَلَ الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ يُحِثّ لِلْقِتَالِ فَالْتَقَى هُوَ وَعَلِىّ، فَقَتَلَهُ عَلِىّ، فَكَانَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ لابْنِهِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: إنّى لأَرَاك مُعْرِضًا، تَظُنّ أَنّى قَتَلْت أَبَاك؟ فِى أَصْلِ ابْنِ أَبِى حَيّةَ وَاَللّهِ مَا قَتَلْت أَبَاك، وَلا أَعْتَذِرُ مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ، وَلَقَدْ قَتَلْت خَالِى بِيَدَىّ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ قَتَلْته لَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَأَنْتَ عَلَى الْحَقّ، قَالَ: قُرَيْشٌ أَعْظَمُ النّاسِ أَحْلامًا، وَأَعْظَمُهَا أَمَانَةً لا يَبْغِيهِمْ أَحَدٌ الْغَوَائِلَ إلاّ كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ. وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَقُولُ: إنّى يَوْمَئِذٍ بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النّهَارُ وَنَحْنُ وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ اخْتَلَطَتْ صُفُوفُنَا وَصُفُوفُهُمْ خَرَجْت فِى إثْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كَثِيبِ رَمْلٍ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَهُمَا يَقْتَتِلانِ حَتّى قَتَلَ الْمُشْرِكُ سَعْدَ بْنَ خَيْثَمَةَ، وَالْمُشْرِكُ مُقَنّعٌ فِى الْحَدِيدِ وَكَانَ فَارِسًا، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَرَفَنِى وَهُوَ مُعْلِمٌ وَلا أَعْرِفُهُ فَنَادَانِى: هَلُمّ ابْنَ أَبِى طَالِبٍ لِلْبِرَازِ، قَالَ: فَعَطَفْت عَلَيْهِ فَانْحَطّ إلَىّ مُقْبِلاً، وَكُنْت رَجُلاً قَصِيرًا، فَانْحَطَطْت رَاجِعًا لِكَىْ يَنْزِلَ إلَىّ فَكَرِهْت أَنْ يَعْلُوَنِى بِالسّيْفِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِى طَالِبٍ، فَرَرْت؟ فَقُلْت: قَرِيبًا مَفَرّ، ابْنَ الشّتْرَاءِ، قَالَ: فَلَمّا اسْتَقَرّتْ قَدَمَاىَ وَثَبُتّ أَقْبَلَ فَلَمّا دَنَا مِنّى ضَرَبَنِى، فَاتّقَيْت بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فَلَحِجَ - يَعْنِى لَزِمَ - فَأَضْرِبُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ دَارِعٌ فَارْتَعَشَ وَلَقَدْ فَضّ سَيْفِى دِرْعَهُ فَظَنَنْت أَنّ سَيْفِى سَيَقْتُلُهُ، فَإِذَا بَرِيقُ سَيْفٍ مِنْ وَرَائِى، فَطَأْطَأْت رَأْسِى وَيَقَعُ السّيْفُ فَأَطَنّ قِحْفَ رَأْسِهِ بِالْبَيْضَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَالْتَفَتّ مِنْ وَرَائِى فَإِذَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّتِهِ، قَالَتْ: قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: انْقَطَعَ سَيْفِى فِى يَوْمِ بَدْرٍ، فَأَعْطَانِى رَسُولُ اللّهِ ÷ عُودًا، فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَقَاتَلْت بِهِ حَتّى هَزَمَ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ - فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى هَلَكَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ عِدّةٍ، قَالُوا: انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَقِىَ أَعْزَلَ لا سِلاحَ مَعَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَضِيبًا كَانَ فِى يَدِهِ مِنْ عَرَاجِينِ ابْنِ طَابٍ فَقَالَ: “اضْرِبْ بِهِ”، فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ جَيّدٌ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِى عُبَيْدٍ. وَقَالَ: بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِى الْحَوْضِ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِى نَحْرِهِ فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ، فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ فَقَالَتْ أُمّهُ: وَاَللّهِ لا أَبْكِى عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَأَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللّهِ فَأَعْوَلْتُهُ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِىَ عَلَيْهِ، فَقُلْت: لا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ؟ فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِى النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “هَبِلْت، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنّهُ لَفِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى”. قَالَتْ: فَلا أَبْكِى عَلَيْهِ أَبَدًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِى جُيُوبِهِمَا، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ÷ وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلا أَسَرّ. قَالُوا: وَكَانَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ لَمّا رَأَى الْهَزِيمَةَ انْخَزَلَ ظَهْرُهُ فَعَقِرَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ فَأَتَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ حَلِيفُهُ فَفَتَقَ دِرْعَهُ عَنْهُ وَاحْتَمَلَهُ، وَيُقَالُ: ضَرَبَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ بِالسّيْفِ فَقَطّ دِرْعَهُ، وَوَقَعَ لِوَجْهِهِ وَأَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ وَجَاوَزَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَبَصُرَ بِهِ ابْنَا زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّانِ أَبُو أُسَامَةَ وَمَالِكٌ وَهُمَا حَلِيفَاهُ فَذَبّا عَنْهُ حَتّى نَجَوْا بِهِ، وَاحْتَمَلَهُ أَبُو أُسَامَةَ فَنَجَا بِهِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ يَذُبّ عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “حَمَاهُ كَلْبَاهُ الْحَلِيفُ مِثْلُ أَبِى أُسَامَةَ كَأَنّهُ رَقْلٌ”- الرّقْلُ النّخْلَةُ الطّوِيلَةُ، وَيُقَالُ: إنّ الّذِى ضَرَبَهُ مُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّهِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ سَلْمَانَ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، قَالَ: سَمِعْت مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فَجَعَلَ الشّيْخُ يَكْرَهُ ذَلِكَ حَتّى أَلَحّ عَلَيْهِ، فَقَالَ حَكِيمٌ: الْتَقَيْنَا فَاقْتَتَلْنَا، فَسَمِعْت صَوْتًا وَقَعَ مِنْ السّمَاءِ إلَى الأَرْضِ مِثْلَ وَقْعِ الْحَصَاةِ فِى الطّسْتِ وَقَبَضَ النّبِىّ ÷ الْقَبْضَةَ فَرَمَى بِهَا فَانْهَزَمْنَا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو إسْحَاقَ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةِ الدّيلِىّ يَقُولُ: انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ كَوَقْعِ الْحَصَى فِى الطّسَاسِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدّ الرّعْبِ عَلَيْنَا. وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، يَقُولُ: انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَجَعَلْت أَسْعَى وَأَقُولُ: قَاتَلَ اللّهُ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ يَزْعُمُ أَنّ النّهَارَ قَدْ ذَهَبَ، وَاَللّهِ إنّ النّهَارَ لَكَمَا هُوَ قَالَ حَكِيمٌ: وَمَا ذَاكَ بِى إلاّ حُبّا أَنْ يَأْتِىَ اللّيْلُ فَيَقْصُرُ عَنّا طَلَبُ الْقَوْمِ، فَيُدْرِكُ حَكِيمًا عُبَيْدُ اللّهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنَا الْعَوّامِ عَلَى جَمَلٍ لَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ لأَخِيهِ: انْزِلْ فَاحْمِلْ أَبَا خَالِدٍ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللّهِ رَجُلاً أَعْرَجَ لا رُجْلَةَ بِهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: إنّهُ لا رُجْلَةَ بِى كَمَا تَرَى، قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: وَاَللّهِ إنّ مِنْهُ بُدّ؛ أَلا نَحْمِلُ رَجُلاً إنْ مُتْنَا كَفَانَا مَا خَلْفَنَا مِنْ عِيَالِنَا، وَإِنْ عِشْنَا حَمَلَ كَلّنَا، فَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَأَخُوهُ وَهُوَ أَعْرَجُ فَحَمَلاهُ فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الْجَمَلَ فَلَمّا دَنَا مِنْ مَكّةَ فَكَانَ بِمَرّ الظّهْرَانِ، قَالَ: وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت هَا هُنَا أَمْرًا مَا كَانَ يَخْرُجُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ لَهُ رَأْىٌ وَلَكِنّهُ شُؤْمُ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ إنّ جَزُورًا نُحِرَتْ هَا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ خِبَاءٌ إلاّ أَصَابَهُ مِنْ دَمِهَا. فَقَالا: قَدْ رَأَيْنَا ذَلِكَ وَلَكِنْ رَأَيْنَاك وَقَوْمَنَا مَضَيْتُمْ فَمَضَيْنَا مَعَكُمْ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَمْرٌ مَعَكُمْ. بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قُرِئَ عَلَى أَبِى الْقَاسِمِ بْنِ أَبِى حَيّةَ، قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خِفَافٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ الدّرُوعُ فِى قُرَيْشٍ كَثِيرَةً فَلَمّا انْهَزَمُوا جَعَلُوا يُلْقُونَهَا، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتْبَعُونَهُمْ وَيَلْقُطُونَ مَا طَرَحُوا، وَلَقَدْ رَأَيْتنِى يَوْمَئِذٍ أَلْتَقِطُ ثَلاثَةَ أَدْرُعٍ جِئْت بِهَا أَهْلِى، كَانَتْ عِنْدَنَا بَعْدُ فَزَعَمَ لِى رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَرَأَى دِرْعًا مِنْهَا عِنْدَنَا فَعَرَفَهَا - فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ أَبِى حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ قَالَ: سَمِعْت أَبِى عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مَنْ انْكَشَفَ يَوْمَئِذٍ مُنْهَزِمًا، وَإِنّهُ لَيَقُولُ فِى نَفْسِهِ: مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلاّ النّسَاءُ، قَالُوا: وَكَانَ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ الْكِنَانِىّ يَقُولُ: شَهِدْت مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا، وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى قِلّةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ فِى عَيْنِى وَكَثْرَةِ مَا مَعَنَا مِنْ الْخَيْلِ وَالرّجَالِ فَانْهَزَمْت فِيمَنْ انْهَزَمَ، فَلَقَدْ رَأَيْتنِى وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى الْمُشْرِكِينَ فِى كُلّ وَجْهٍ، وَإِنّى لأَقُولُ فِى نَفْسِى: مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلاّ النّسَاءُ وَصَاحَبَنِى رَجُلٌ فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ مَعِى إذْ لَحِقَنَا مَنْ خَلْفَنَا، فَقُلْت لِصَاحِبِى: أَبِك نُهُوضٌ؟ قَالَ: لا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِى. قَالَ: وَعَقِرَ وَتَرَفّعْت، فَلَقَدْ صَبّحْت غَيْقَةَ - عَنْ يَسَارِ السّقْيَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَعِ لَيْلَةٌ وَالْمَدِينَةُ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ - قَبْلَ الشّمْسِ كُنْت هَادِيًا بِالطّرِيقِ وَلَمْ أَسْلُكْ الْمَحَاجّ وَخِفْت مِنْ الطّلَبِ فَتَنَكّبْت عَنْهَا، فَلَقِيَنِى رَجُلٌ مِنْ قَوْمِى بِغَيْقَةَ فَقَالَ: مَا وَرَاءَك؟ قُلْت: لا شَيْءَ قُتِلْنَا وَأُسِرْنَا وَانْهَزَمْنَا، فَهَلْ عِنْدَك مِنْ حُمْلانٍ؟ فَقَالَ: فَحَمَلَنِى عَلَى بَعِيرٍ وَزَوّدَنِى زَادًا حَتّى لَقِيت الطّرِيقَ بِالْجُحْفَةِ، ثُمّ مَشَيْت حَتّى دَخَلْت مَكّةَ، وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى الْحَيْسُمَانِ بْنِ حَابِسٍ الْخُزَاعِىّ بِالْغَمِيمِ، فَعَرَفْت أَنّهُ يَقْدَمُ يَنْعَى قُرَيْشًا بِمَكّةَ، فَلَوْ أَرَدْت أَنْ أَسْبِقَهُ لَسَبَقْته، فَتَنَكّبْت عَنْهُ حَتّى سَبَقَنِى بِبَعْضِ النّهَارِ فَقَدِمْت وَقَدْ انْتَهَى إلَى مَكّةَ خَبَرُ قَتْلاهُمْ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْخُزَاعِىّ وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا بِخَيْرٍ فَمَكَثْت بِمَكّةَ، فَلَمّا كَانَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ قُلْت: لَوْ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَنَظَرْت مَا يَقُولُ مُحَمّدٌ وَقَدْ وَقَعَ فِى قَلْبِى الإِسْلامُ. فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَسَأَلْت عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالُوا: هُوَ ذَاكَ فِى ظِلّ الْمَسْجِدِ مَعَ مَلإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَأَتَيْته، وَأَنَا لا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَسَلّمْت، فَقَالَ: “يَا قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ أَنْتَ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ: مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلاّ النّسَاءُ”؟ قُلْت: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ هَذَا الأَمْرَ مَا خَرَجَ مِنّى إلَى أَحَدٍ قَطّ، وَمَا تَرَمْرَمْت بِهِ إلاّ شَيْئًا حَدّثْت بِهِ نَفْسِى، فَلَوْلا أَنّك نَبِىّ مَا أَطْلَعَك اللّهُ عَلَيْهِ هَلُمّ حَتّى أُبَايِعَك. فَعَرَضَ عَلَىّ الإِسْلامَ فَأَسْلَمْ قَالُوا: فَلَمّا تَصَافّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”. فَلَمّا انْهَزَمُوا كَانَ النّاسُ ثَلاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ قَامَتْ عِنْدَ خَيْمَةِ النّبِىّ ÷ - وَأَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ مَعَهُ فِى الْخَيْمَةِ - وَفِرْقَةٌ أَغَارَتْ عَلَى النّهْبِ وَفِرْقَةٌ طَلَبَتْ الْعَدُوّ فَأَسَرُوا وَغَنِمُوا. فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ مِمّنْ أَقَامَ عَلَى خَيْمَةِ النّبِىّ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْعَدُوّ زَهَادَةٌ فِى الأَجْرِ وَلا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوّ. وَلَكِنّا خِفْنَا أَنْ يُعْرَى مَوْضِعُك فَتَمِيلُ عَلَيْك خَيْلٌ مِنْ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَرِجَالٌ مِنْ رِجَالِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَ خَيْمَتِك وُجُوهُ النّاسِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلَمْ يَشِذّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَثِيرٌ، وَمَتَى تُعْطِ هَؤُلاءِ لا يَبْقَ لأَصْحَابِك شَيْءٌ وَالأَسْرَى وَالْقَتْلَى كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ. فَاخْتَلَفُوا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ% فَرَجَعَ النّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ. ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ% فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَهُمْ. فَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: سَلّمْنَا الأَنْفَالَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَمْ يُخَمّسْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَدْرًا، وَنَزَلَتْ بَعْدُ: ×وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ% فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْمُسْلِمِينَ الْخُمُسَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَوّلِ غَنِيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ مِثْلَهُ. وَحَدّثْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: اخْتَلَفَ النّاسُ فِى الْغَنَائِمِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْغَنَائِمِ أَنْ تُرَدّ فِى الْمَقْسَمِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ إلاّ رُدّ، فَظَنّ أَهْلُ الشّجَاعَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَخُصّهُمْ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الضّعْفِ، ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيُعْطَى فَارِسُ الْقَوْمِ الّذِى يَحْمِيهِمْ مِثْلَ مَا يُعْطَى الضّعِيفُ؟ فَقَالَ النّبِىّ ÷: “ثَكِلَتْك أُمّك، وَهَلْ تُنْصَرُونَ إلاّ بِضُعَفَائِكُمْ؟”. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْت مُوسَى بْنَ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كَيْفَ فَعَلَ النّبِىّ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ فِى الأَسْرَى، وَالأَسْلابِ وَالأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: نَادَى مُنَادِيهِ يَوْمَئِذٍ: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَهُوَ لَهُ”، فَكَانَ يُعْطِى مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً سَلَبَهُ، وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِى الْعَسْكَرِ وَمَا أَخَذُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَنْ فَوَاق. فَقُلْت لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ: فَمَنْ أُعْطِىَ سَلَبُ أَبِى جَهْلٍ؟ قَالَ: اُخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَنَا؛ فَقَالَ قَائِلٌ: أَخَذَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَقَالَ قَائِلٌ: أَعْطَاهُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقُلْت لِعَبْدِ الْحَمِيدِ: مَنْ أَخْبَرَك؟ قَالَ: أَمّا الّذِى قَالَ: دَفَعَهُ إلَى مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَنِيهِ خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمّا الّذِى قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنّهُ حَدّثَنِيهِ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَارِظِىّ. قَالُوا: وَقَدْ أَخَذَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ دِرْعَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ وَأَخَذَ حَمْزَةُ سِلاحَ عُتْبَةَ وَأَخَذَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ دِرْعَ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حَتّى وَقَعَتْ إلَى وَرَثَتِهِ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ عَمّهِ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُرَدّ الأَسْرَى وَالأَسْلابُ وَمَا أَخَذُوا فِى الْمَغْنَمِ، ثُمّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِى الأَسْرَى، وَقَسَمَ الأَسْلابَ الّتِى نَفّلَ الرّجُلُ نَفْسَهُ فِى الْمُبَارَزَةِ وَمَا أَخَذَهُ فِى الْعَسْكَرِ فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَنْ فُوَاقٍ. وَالثّبْتُ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا أَنّ كُلّ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ فَإِنّهُ قَدْ سَلّمَهُ لَهُمْ، وَمَا لَمْ يَجْعَلْ فَقَدْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ. فَقَدْ جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عُمَرَ الْمَازِنِىّ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ النّبِىّ ÷ وَقَسَمَهَا بِسَيَرٍ - سَيَرٌ شِعْبٌ بِمَضِيقِ الصّفْرَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: إنّ النّبِىّ ÷ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا خَبّابَ بْنَ الأَرَتّ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُكْنِفٍ الْحَارِثِىّ - مِنْ حَارِثَةِ الأَنْصَارِ - قَالَ: لَمّا جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ كَانَ فِيهَا إبِلٌ وَمَتَاعٌ وَأَنْطَاعٌ وَثِيَابٌ فَقَسَمَهَا الْوَالِى فَجَعَلَ يُصِيبُ الرّجُلَ الْبَعِيرُ وَرِثّةٌ مَعَهُ وَآخَرَ بَعِيرَانِ وَآخَرَ أَنْطَاعٌ. وَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَلاثِمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَالرّجَالُ ثَلاثُمِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ وَالْخَيْلُ فَرَسَانِ لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ. وَثَمَانِيَةُ نَفَرٍ لَمْ يَحْضُرُوا وَضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ فَكُلّهُمْ مُسْتَحِقّ فِى بَدْرٍ ثَلاثَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لا اخْتِلافَ فِيهِمْ عِنْدَنَا: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ؛ خَلّفَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيّةَ، وَمَاتَتْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَتَحَسّسَانِ الْعِيرَ بَلَغَا الْحَوْرَاءَ - الْحَوْرَاءُ وَرَاءَ ذِى الْمَرْوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا لَيْلَتَانِ عَلَى السّاحِلِ وَبَيْنَ ذِى الْمَرْوَةِ وَالْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلاً. وَمِنْ الأَنْصَارِ: أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، خَلّفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، خَلّفَهُ عَلَى قُبَاءٍ وَأَهْلِ الْعَالِيَةِ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، أَمَرَهُ بِأَمْرِهِ فِى بَنِى عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ؛ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ - فَهَؤُلاءِ لا اخْتِلافَ فِيهِمْ عِنْدَنَا. وَقَدْ رُوِىَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَقَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْقِتَالِ بِبَدْرٍ: “لَئِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِدَهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، لَقَدْ كَانَ فِيهَا رَاغِبًا”. وَذَلِكَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمّا أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْجِهَادِ كَانَ يَأْتِى دُورَ الأَنْصَارِ يَحُضّهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ فَنُهِشَ فِى بَعْضِ تِلْكَ الأَمَاكِنِ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الْخُرُوجِ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. وَضَرَبَ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ السّاعِدِىّ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَكَانَ تَجَهّزَ إلَى بَدْرٍ فَمَرِضَ بِالْمَدِينَةِ فَمَاتَ خِلافَهُ وَأَوْصَى إلَى النّبِىّ ÷، وَضَرَبَ لِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، وَضَرَبَ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَهَؤُلاءِ الأَرْبَعَةُ لَيْسَ بِمُجْتَمَعٍ عَلَيْهِمْ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الثّمَانِيَةِ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ ضَرَبَ لِقَتْلَى بَدْرٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً قُتِلُوا بِبَدْرٍ. قَالَ زَيْدُ بْنُ طَلْحَةَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، قَالَ: أَخَذْنَا سَهْمَ أَبِى الّذِى ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَحَمَلَهُ إلَيْنَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُكْنِفٍ، قَالَ: سَمِعْت السّائِبَ بْنَ أَبِى لُبَابَةَ يُخْبِرُ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَسْهَمَ لِمُبَشّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَقَدِمَ بِسَهْمِهِ عَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ عَدِىّ. وَكَانَتْ الإِبِلُ الّتِى أَصَابُوا يَوْمَئِذٍ مِائَةَ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ بَعِيرًا، وَكَانَ مَعَهُمْ أَدَمٌ كَثِيرٌ حَمَلُوهُ لِلتّجَارَةِ فَغَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ فِيمَا أَصَابُوا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ مَا لَنَا لا نَرَى الْقَطِيفَةَ؟ مَا نَرَى رَسُولَ اللّهِ إلاّ أَخَذَهَا. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلّ % إلَى آخِرِ الآيَةِ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ فُلانًا غَلّ قَطِيفَةً، فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الرّجُلَ، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ الدّالّ: يَا رَسُولَ اللّهِ احْفِرُوا هَاهُنَا. فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَحَفَرُوا هُنَاكَ فَاسْتُخْرِجَتْ الْقَطِيفَةُ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللّه، اسْتَغْفِرْ لِفُلانٍ مَرّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دَعُونَا مِنْ آتِى جُرْمٍ”. وَكَانَتْ الْخَيْلُ فَرَسَيْنِ فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ يُقَالُ لَهَا: سَبْحَةُ، وَفَرَسٌ لِلزّبَيْرِ، وَيُقَالُ: لِمَرْثَدٍ. فَكَانَ الْمِقْدَادُ يَقُولُ: ضَرَبَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ وَلِفَرَسِى بِسَهْمٍ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ يَوْمَئِذٍ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِى عَبْسٍ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: رَجَعَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ بِفَرَسٍ قَدْ غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ لِزَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، صَارَ فِى سَهْمِهِ. وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خُيُولِهِمْ عَشَرَةَ أَفْرَاسٍ وَأَصَابُوا لَهُمْ سِلاحًا وَظَهْرًا. وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، فَغَنِمَهُ النّبِىّ ÷ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَضْرِبُ عَلَيْهِ فِى إبِلِهِ وَيَغْزُو عَلَيْهِ حَتّى سَاقَهُ فِى هَدْىِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَسَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ الْجَمَلَ بِمِائَةِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: “لَوْلا أَنَا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ لَفَعَلْنَا”. وَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ صَفِىّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِنْهَا شَيْءٌ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَمُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالا: تَنَفّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لِمُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ غَزَا إلَى بَدْرٍ بِسَيْفٍ وَهَبَهُ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، يُقَالُ لَهُ: الْعَضْبُ وَدِرْعِهِ ذَاتِ الْفُضُولِ. فَسَمِعْت ابْنَ أَبِى سَبْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا مَعَهُ سَيْفٌ، وَكَانَ أَوّلُ سَيْفٍ تَقَلّدَهُ سَيْفَ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ، يُحَدّثُ فِيمَا حَدّثَنِى بِهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ، وَكَانَ إذَا ذُكِرَ أَرْقَمُ بْنُ أَبِى الأَرْقَمِ قَالَ: مَا يَوْمِى مِنْهُ بِوَاحِدٍ فَيُقَالُ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِى أَيْدِيهِمْ مِمّا أَخَذُوا مِنْ الأَنْفَالِ. قَالَ: فَرَدَدْت سَيْفَ ابْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِىّ وَاسْمُ السّيْفِ الْمَرْزُبَانُ، وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ وَقَدْرٌ. وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ يَرُدّهُ إلَىّ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ فِيهِ، وَكَانَ النّبِىّ ÷ لا يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ فَأَعْطَاهُ السّيْفَ. وَخَرَجَ بُنَىّ لِى يَفَعَةٌ فَاحْتَمَلَتْهُ الْغُولُ فَذَهَبَتْ بِهِ مُتَوَرّكَةً ظَهْرًا. فَقِيلَ لأَبِى أُسَيْدٍ: وَكَانَتْ الْغِيلانُ ذَلِكَ الزّمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنّهَا قَدْ هَلَكَتْ فَلَقِىَ ابْنِى ابْنَ الأَرْقَمِ فَبَهَشَ إلَيْهِ ابْنِى وَبَكَى مُسْتَجِيرًا بِهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَتْ الْغُولُ: أَنَا حَاضِنَتُهُ، فَلَهَا عَنْهُ وَالصّبِىّ يُكَذّبُهَا، فَلَمْ يُعَرّجْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ دَارِى فَرَسٌ لِى فَقَطَعَ رَسَنَهُ فَلَقِيَهُ بِالْغَابَةِ فَرَكِبَهُ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ أَفْلَتْ مِنْهُ فَتَعَذّرَ إلَىّ أَنّهُ أَفْلَتْ مِنّى، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتّى السّاعَةِ. حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ ÷ سَيْفَ الْعَاصِ بْنِ مُنَبّهٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِيهِ، وَنَزَلَتْ فِيّ: ×يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ % قَالَ: وَأَحْذَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مَمَالِيكَ حَضَرُوا بَدْرًا وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، ثَلاثَةُ أَعْبُدٍ غُلامٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ، وَغُلامٌ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَغُلامٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَاسْتُعْمِلَ شُقْرَانُ غُلامُ النّبِىّ ÷ عَلَى الأَسْرَى؛ فَأَحْذَوْهُ مِنْ كُلّ أَسِيرٍ مَا لَوْ كَانَ حُرّا مَا أَصَابَهُ فِى الْمَقْسَمِ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَمَيْت يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْت نَسَاهُ فَأَتْبَعْت أَثَرَ الدّمِ حَتّى وَجَدْته قَدْ أَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، وَهُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. فَقُلْت: أَسِيرِى، رَمَيْته فَقَالَ مَالِكٌ: أَسِيرِى، أَخَذْته فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَأَفْلَتْ سُهَيْلٌ بِالرّوْحَاءِ مِنْ مَالِكِ بْن الدّخْشُمِ. فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجَ فِى طَلَبِهِ فَقَالَ النّبِىّ ÷: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ النّبِىّ ÷ فَلَمْ يَقْتُلْهُ”. فَحَدّثَنِى عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَابَ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَسِيرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَحُضّ عَلَى قَتْلِ الأَسْرَى، لا يَرَى أَحَدًا فِى يَدَيْهِ أَسِيرًا إلاّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ. فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ وَهُوَ أَسِيرٌ مَعَ أَبِى بُرْدَةَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ يَا عُمَرُ أَنّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ؟ كَلاّ وَاللاّتِ وَالْعُزّى فَقَالَ عُمَرُ: عِبَادَ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ أَتَكَلّمُ وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِينَا؟ ثُمّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِى بُرْدَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا بُرْدَةَ قَتَلَهُ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تُخْبِرُوا سَعْدًا بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلَ كُلّ أَسِيرٍ فِى أَيْدِيكُمْ”. فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ أَخِيهِ فَيَقْتُلَهُ”. وَلَمّا أُتِىَ بِالأَسْرَى كَرِهَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا أَبَا عَمْرٍو، كَأَنّهُ شَقّ عَلَيْك الأَسْرَى أَنْ يُؤْسَرُوا”. قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ الْتَقَيْنَا فِيهَا وَالْمُشْرِكُونَ فَأَحْبَبْت أَنْ يُذِلّهُمْ اللّهُ وَأَنْ يُثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلُ. وَكَانَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ أَسَرَهُ الْمِقْدَادُ يَوْمَئِذٍ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ بَدْرٍ - وَكَانَ بِالأُثَيْلِ - عَرَضَ عَلَيْهِ الأَسْرَى، فَنَظَرَ إلَى النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَأَبَدّهُ الْبَصَرَ فَقَالَ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: مُحَمّدٌ وَاَللّهِ قَاتِلِى، لَقَدْ نَظَرَ إلَىّ بِعَيْنَيْنِ فِيهِمَا الْمَوْتُ، فَقَالَ الّذِى إلَى جَنْبِهِ: وَاَللّهِ مَا هَذَا مِنْك إلاّ رُعْبٌ، فَقَالَ النّضْرُ لِمُصْعَبِ ابْنِ عُمَيْرٍ: يَا مُصْعَبُ، أَنْتَ أَقْرَبُ مَنْ هَاهُنَا بِى رَحِمًا، كَلّمْ صَاحِبَك أَنْ يَجْعَلَنِى كَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِى، هُوَ وَاَللّهِ قَاتِلِى، إنْ لَمْ تَفْعَلْ. قَالَ مُصْعَبٌ: إنّك كُنْت تَقُولُ فِى كِتَابِ اللّهِ كَذَا وَكَذَا، وَتَقُولُ فِى نَبِيّهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: يَا مُصْعَبُ فَلْيَجْعَلْنِى كَأَحَدِ أَصْحَابِى، إنْ قُتِلُوا قُتِلْت، وَإِنْ مَنّ عَلَيْهِمْ مَنّ عَلَىّ. قَالَ مُصْعَبٌ: إنّك كُنْت تُعَذّبُ أَصْحَابَهُ. قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَسَرَتْك قُرَيْشٌ مَا قُتِلْتَ أَبَدًا وَأَنَا حَىّ، قَالَ مُصْعَبٌ: وَاَللّهِ إنّى لأَرَاك صَادِقًا، وَلَكِنْ لَسْت مِثْلَك - قَطَعَ الإِسْلامُ الْعُهُودَ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: أَسِيرِى، قَالَ النّبِىّ ÷: “اضْرِبْ عُنُقَهُ اللّهُمّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِك”، فَقَتَلَهُ عَلِىّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ صَبْرًا بِالسّيْفِ بِالأُثَيْلِ. وَلَمّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، انْزِعْ ثَنِيّتَيْهِ يُدْلَعُ لِسَانُهُ فَلا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلَ اللّهُ بِى وَإِنْ كُنْت نَبِيّا، وَلَعَلّهُ يَقُومُ مَقَامًا لا تَكْرَهُهُ”. فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو حِينَ جَاءَهُ وَفَاةُ النّبِىّ ÷ بِخُطْبَةِ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِمَكّةَ - كَأَنّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا. قَالَ عُمَرُ حِينَ بَلَغَهُ كَلامُ سُهَيْلٍ: أَشْهَدُ إنّك لَرَسُولُ اللّهِ، يُرِيدُ حَيْثُ قَالَ النّبِىّ ÷: “لَعَلّهُ يَقُومُ مَقَامًا لا تَكْرَهُهُ”. وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ إلَى النّبِىّ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيّرَهُ فِى الأَسْرَى أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: “هَذَا جِبْرِيلُ يُخَيّرُكُمْ فِى الأَسْرَى بَيْنَ أَنْ نَضْرِبَ رِقَابَهُمْ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ”. قَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ وَنَسْتَعِينُ بِهَا، وَيُسْتَشْهَدُ مِنّا فَنَدْخُلُ الْجَنّةَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ بِأُحُدٍ. قَالُوا: وَلَمّا حُبِسَ الأَسْرَى بِبَدْرٍ - اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ - طَمِعُوا فِى الْحَيَا فَقَالُوا: لَوْ بَعَثْنَا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَإِنّهُ أَوْصَلُ قُرَيْشٍ لأَرْحَامِنَا، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا آثَرُ عِنْدَ مُحَمّدٍ مِنْهُ فَبَعَثُوا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّ فِينَا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ وَالإِخْوَانَ وَالْعُمُومَةَ وَبَنِى الْعَمّ وَأَبْعَدُنَا قَرِيبٌ. كَلّمْ صَاحِبَك فَلْيَمُنّ عَلَيْنَا أَنْ يُفَادِنَا. فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ لا آلُوكُمْ خَيْرًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. قَالُوا: وَابْعَثُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَإِنّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَلا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ لَعَلّهُ يَكُفّ عَنْكُمْ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لأَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: لَنْ آلُوكُمْ شَرّا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِىّ ÷ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَالنّاسَ حَوْلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ يُلَيّنُهُ وَيَفْثَؤُهُ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ مَنّ اللّهُ عَلَيْك، أَوْ فَادِهِمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذْت قُوّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَعَلّ اللّهَ يُقْبِلُ بِقُلُوبِهِمْ إلَيْك، ثُمّ قَامَ فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمْ يُجِبْهُ. ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك اضْرِبْ رِقَابَهُمْ هُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ وَأَئِمّةُ الضّلالَةِ يُوَطّئُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِمْ الإِسْلامَ، وَيُذِلّ بِهِمْ أَهْلَ الشّرْكِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ إلَى مَقْعَدِهِ الأَوّلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ أَوْ فَادِهِمْ هُمْ عِتْرَتُك وَقَوْمُك، لا تَكُنْ أَوّلَ مَنْ يَسْتَأْصِلُهُمْ يَهْدِيهِمْ اللّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْلِكَهُمْ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَتَنَحّى نَاحِيَةً فَقَامَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ؟ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ يُوَطّئُ اللّهُ بِهِمْ الإِسْلامَ وَيُذِلّ أَهْلَ الشّرْكِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك يَا رَسُولَ اللّهِ اشْفِ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنّا مَا أَقَالُونَاهَا أَبَدًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَامَ نَاحِيَةً فَجَلَسَ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَكَلّمَهُ مِثْلَ كَلامِهِ الّذِى كَلّمَهُ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَتَنَحّى نَاحِيَةً، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَكَلّمَهُ كَلامَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ. ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَدَخَلَ قُبّتَهُ فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً، ثُمّ خَرَجَ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِى شَأْنِهِمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِى صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ؟ دَعُوهُمَا فَإِنّ لَهُمَا مَثَلاً؛ مَثَلُ أَبِى بَكْرٍ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِرِضَاءِ اللّهِ وَعَفْوِهِ، عَنْ عِبَادِهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْعَسَلِ أَوْقَدَ لَهُ قَوْمُهُ النّارَ وَطَرَحُوهُ فِيهَا، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: ×أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ%، وَقَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنّك غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلُهُ مَثَلُ عِيسَى، إذْ يَقُولُ: ×إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ%، وَمَثَلُ عُمَرَ فِى الْمَلائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالسّخْطَةِ مِنْ اللّهِ وَالنّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللّهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ نُوحٍ كَانَ أَشَدّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ إذْ يَقُولُ: رَبّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيّارًا فَدَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً أَغْرَقَ اللّهُ الأَرْضَ جَمِيعَهَا، وَمَثَلِ مُوسَى إذْ يَقُولُ: رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ وَإِنّ بِكُمْ عَيْلَةً فَلا يَفُوتَنّكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاءِ إلاّ بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ”. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: هَذَا وَهْمٌ سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، مَا شَهِدَ بَدْرًا، إنّمَا هُوَ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: سَهْلٌ - فَإِنّى رَأَيْته يُظْهِرُ الإِسْلامَ بِمَكّةَ، فَسَكَتَ النّبِىّ ÷ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ قَطّ كَانَتْ أَشَدّ عَلَىّ مِنْ تِلْكَ السّاعَةِ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ أَتَخَوّفُ أَنْ تَسْقُطَ عَلَىّ الْحِجَارَةُ لِتَقَدّمِى بَيْنَ يَدَىْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكَلامِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ رَأْسَهُ، فَقَالَ: “إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ”، قَالَ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ أَقَرّ لَعَيْنَىّ مِنْهَا، إذْ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَإِنّهُ لَيُلَيّنُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ الزّبْدِ”. وَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ يَوْمَ بَدْرٍ مَا نَجَا مِنْهُ إلاّ عُمَرُ”، كَانَ يَقُولُ: “اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ”. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ: “لَو كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِىّ حَيّا لَوَهَبْت لَهُ هَؤُلاءِ النّتْنَى”. وَكَانَتْ لِمُطْعِمِ بْنِ عَدِىّ عِنْدَ النّبِىّ ÷ إجَارَةٌ حِينَ رَجَعَ مِنْ الطّائِفِ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: أَمّنَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزّةَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْجُمَحِىّ، وَكَانَ شَاعِرًا، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ لِى: خَمْسُ بَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنّ شَيْءٌ فَتَصَدّقْ بِى عَلَيْهِنّ يَا مُحَمّدُ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ أَبُو عَزّةَ: أُعْطِيك مَوْثِقًا لا أُقَاتِلُك وَلا أُكْثِرُ عَلَيْك أَبَدًا. فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ جَاءَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إنّى قَدْ أَعْطَيْت مُحَمّدًا مَوْثِقًا أَلاّ أُقَاتِلَهُ وَلا أُكْثِرَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَقَدْ مَنّ عَلَىّ وَلَمْ يَمُنّ عَلَى غَيْرِى حَتّى قَتَلَهُ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْفِدَاءَ. فَضَمِنَ صَفْوَانُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتَه مَعَ بَنَاتِهِ إنْ قُتِلَ وَإِنْ عَاشَ أَعْطَاهُ مَالاً كَثِيرًا لا يَأْكُلُهُ عِيَالُهُ. فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ يَدْعُو الْعَرَبَ وَيَحْشُرُهَا، ثُمّ خَرَجَ مَعَ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُسِرَ وَلَمْ يُوسَرْ غَيْرُهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّمَا خَرَجْت مُكْرَهًا، وَلِى بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَىّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَيْنَ مَا أَعْطَيْتنِى مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ؟ لا وَاَللّهِ لا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ تَقُولُ سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ”. حَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: قَالَ النّبِىّ ÷: “إِنّ الْمُؤْمِنَ لا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ يَا عَاصِمُ بْنَ ثَابِتٍ قَدّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ” فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالُوا: وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْقُلُبِ أَنْ تُغَوّرَ ثُمّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَطُرِحَ فِيهَا كُلّهُمْ إلاّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ، فَإِنّهُ كَانَ مُسَمّنًا انْتَفَخَ مِنْ يَوْمِهِ فَلَمّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ تَزَايَلَ لَحْمُهُ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “اُتْرُكُوهُ” وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى عُتْبَةَ يُجَرّ إلَى الْقَلِيبِ، وَكَانَ رَجُلاً جَسِيمًا، فِى وَجْهِهِ أَثَرُ الْجُدَرِىّ فَتَغَيّرَ وَجْهُ ابْنِهِ أَبِى حُذَيْفَةَ فَقَالَ لَهُ النّبِىّ ÷: “يَا أَبَا حُذَيْفَةَ كَأَنّك سَاءَك مَا أَصَابَ أَبَاك”. قَالَ: لا وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَلَكِنّى رَأَيْت لأَبِى عَقْلاً وَشَرَفًا؛ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ اللّهُ إلَى الإِسْلامِ فَلَمّا أَخْطَأَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْت مَا أَصَابَهُ غَاظَنِى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْقَى فِى الْعَشِيرَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ كَارِهًا لِوَجْهِهِ وَلَكِنْ الْحَيْنُ وَمَصَارِعُ السّوءِ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى جَعَلَ خَدّ أَبِى جَهْلٍ الأَسْفَلَ وَصَرَعَهُ وَشَفَانَا مِنْهُ” فَلَمّا تَوَافَوْا فِى الْقَلِيبِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُصَرّعُونَ وَأَبُو بَكْرٍ يُخْبِرُهُ بِهِمْ رَجُلاً رَجُلاً، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَحْمَدُ اللّهَ وَيَشْكُرُهُ وَيَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَنْجَزَ مَا وَعَدَنِى، فَقَدْ وَعَدَنِى إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ”. قَالَ: ثُمّ وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ، فَنَادَاهُمْ رَجُلاً رَجُلاً: “يَا عُتْبَةُ ابْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا؟ فَإِنّى قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِى رَبّى حَقّا، بِئْسَ الْقَوْمُ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ كَذّبْتُمُونِى، وَصَدّقَنِى النّاسُ، وَأَخْرَجْتُمُونِى وَآوَانِى النّاسُ، وَقَاتَلْتُمُونِى وَنَصَرَنِى النّاسُ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ تُنَادِى قَوْمًا قَدْ مَاتُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّ”. قَالُوا: وَكَانَ انْهِزَامُ الْقَوْمِ وَتَوَلّيهِمْ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبَدْرٍ وَأَمَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ بِقَبْضِ الْغَنَائِمِ وَحَمْلِهَا، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُعِينُوهُ فَصَلّى الْعَصْرَ بِبَدْرٍ ثُمّ رَاحَ فَمَرّ بِالأُثَيْلِ - الأُثَيْلُ: وَادٍ طُولُهُ ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدْرٍ مِيلانِ فَكَأَنّهُ بَاتَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ بَدْرٍ - قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَنَزَلَ بِهِ وَبَاتَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ جِرَاحٌ وَلَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “مَنْ رَجُلٌ اللّيْلَةَ يَحْفَظُنَا”؟ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: “مَنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ. قَالَ: “اجْلِسْ”، ثُمّ عَادَ النّبِىّ ÷ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: “مَنْ أَنْتَ”؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، قَالَ النّبِىّ ÷: “اجْلِسْ”. ثُمّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمّ قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: “مَنْ أَنْتَ”؟. فَقَالَ: أَبُو سَبُعٍ، ثُمّ مَكَثَ سَاعَةً، وَقَالَ: “قُومُوا ثَلاثَتُكُمْ”، فَقَامَ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ وَحْدَهُ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “فَأَيْنَ صَاحِبَاك”؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا الّذِى أَجَبْتُك اللّيْلَةَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَحَفِظَك اللّهُ” فَكَانَ يَحْرُسُ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى كَانَ آخِرَ اللّيْلِ فَارْتَحَلَ، قَالَ: وَيُقَالُ: صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَصْرَ بِالأُثَيْلِ فَلَمّا صَلّى رَكْعَةً تَبَسّمَ فَلَمّا سَلّمَ سُئِلَ عَنْ تَبَسّمِهِ، فَقَالَ: “مَرّ بِى مِيكَائِيلُ وَعَلَى جَنَاحِهِ النّقْعُ فَتَبَسّمَ إلَىّ وَقَالَ: إنّى كُنْت فِى طَلَبِ الْقَوْمِ”. وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ، عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى مَعْقُودِ النّاصِيَةِ قَدْ عَصَمَ ثَنِيّتَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّ رَبّى بَعَثَنِى إلَيْك وَأَمَرَنِى أَلاّ أُفَارِقَك حَتّى تَرْضَى؛ هَلْ رَضِيت؟. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالأَسْرَى، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ ابْنِ أَبِى الأَقْلَحِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، وَكَانَ أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ، فَجَعَلَ عُقْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلِى، عَلامَ أُقْتَلُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لِعَدَاوَتِك لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ”، قَالَ: يَا مُحَمّدُ، مَنّك أَفْضَلُ فَاجْعَلْنِى كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِى، إنْ قَتَلْتهمْ قَتَلْتنِى، وَإِنْ مَنَنْت عَلَيْهِمْ مَنَنْت عَلَىّ، وَإِنْ أَخَذْت مِنْهُمْ الْفِدَاءَ كُنْت كَأَحَدِهِمْ يَا مُحَمّدُ، مَنْ لِلصّبْيَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “النّارُ”، قَدّمْهُ يَا عَاصِمُ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بِئْسَ الرّجُلُ كُنْت وَاَللّهِ مَا عَلِمْت، كَافِرًا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤْذِيًا لِنَبِيّهِ فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِى هُوَ قَتَلَك وَأَقَرّ عَيْنِى مِنْك”. وَلَمّا نَزَلُوا سَيّرَ - شِعْبٌ بِالصّفْرَاءِ - قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْغَنَائِمَ بِهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ. وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ مِنْ الأُثَيْلِ. فَجَاءُوا يَوْمَ الأَحَدِ شَدّ الضّحَى، وَفَارَقَ عَبْدُ اللّهِ زَيْدًا بِالْعَقِيقِ فَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ يُنَادِى عَلَى رَاحِلَتِهِ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَبْشِرُوا بِسَلامَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجّاجِ وَأَبُو جَهْلٍ، وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ ابْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الأَنْيَابِ فِى أَسْرَى كَثِيرَةٍ. قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ: فَقُمْت إلَيْهِ فَنَحَوْته فَقُلْت: أَحَقّا مَا تَقُولُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللّهِ إنْ شَاءَ اللّهُ وَمَعَهُ الأَسْرَى مُقَرّنِينَ، ثُمّ اتّبَعَ دُورَ الأَنْصَارِ بِالْعَالِيَةِ - الْعَالِيَةُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ مَنَازِلُهُمْ بِهَا - فَبَشّرَهُمْ دَارًا دَارًا، وَالصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ مَعَهُ وَيَقُولُونَ: قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ. وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النّبِىّ ÷ الْقَصْوَاءِ يُبَشّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا جَاءَ الْمُصَلّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ، وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الأَنْيَابِ فِى أَسْرَى كَثِيرَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ لا يُصَدّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ حَتّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوّوْا عَلَى رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ÷ التّرَابَ بِالْبَقِيعِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرّقًا لا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا، وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مُحَمّدٌ؛ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لا يَدْرِى، مَا يَقُولُ مِنْ الرّعْبِ وَجَاءَ فَلاّ، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذّبُ اللّهُ قَوْلَك، وَقَالَتْ يَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْت حَتّى خَلَوْت بِأَبِى، فَقُلْت: يَا أَبَهْ، أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ حَقّا يَا بُنَىّ فَقَوِيَتْ فِى نَفْسِى، فَرَجَعْت إلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ، فَقُلْت: أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَيُقَدّمَنّكَ رَسُولُ اللّهِ إذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنّ عُنُقَك، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْت النّاسَ يَقُولُونَهُ، فَقَدِمَ بِالأَسْرَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً الّذِينَ أُحْصُوا، وَهُمْ سَبْعُونَ فِى الأَصْلِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لا شَكّ فِيهِ. وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ غُلامُ النّبِىّ ÷ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَمْ يُعْتِقْهُ يَوْمَئِذٍ وَلَقِيَهُ النّاسُ يُهَنّئُونَهُ بِالرّوْحَاءِ بِفَتْحِ اللّهِ. فَلَقِيَهُ وُجُوهُ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ: مَا الّذِى تُهَنّئُونَنَا بِهِ؟ فَوَاَللّهِ مَا قَتَلْنَا إلاّ عَجَائِزَ صُلْعًا، فَتَبَسّمَ النّبِىّ ÷، وَقَالَ: “يَا ابْنَ أَخِى، أُولَئِكَ الْمَلأُ لَوْ رَأَيْتهمْ لَهِبْتهمْ، وَلَوْ أَمَرُوك لأَطَعْتهمْ، وَلَوْ رَأَيْت فِعَالَك مَعَ فِعَالِهِمْ لاحْتَقَرْته؛ وَبِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ لِنَبِيّهِمْ”، فَقَالَ سَلَمَةُ: أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، إنّك يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ تَزَلْ عَنّى مُعْرِضًا مُنْذُ كُنّا بِالرّوْحَاءِ فِى بَدْأَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمّا مَا قُلْت لِلأَعْرَابِىّ وَقَعْت عَلَى نَاقَتِك فَهِىَ حُبْلَى مِنْك، فَفَحّشْت، وَقُلْت مَا لا عِلْمَ لَك بِهِ، وَأَمّا مَا قُلْت فِى الْقَوْمِ فَإِنّك عَمَدْت إلَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللّهِ تُزَهّدُهَا”، فَاعْتَذَرَ إلَى النّبِىّ ÷ فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَعْذِرَتَهُ، فَكَانَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: وَلَقِيَهُ أَبُو هِنْدٍ الْبَيَاضِىّ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَمَعَهُ حَمِيتٌ مَمْلُوءٌ حَيْسًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّمَا أَبُو هِنْدٍ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْه”. وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ، قَالَ: وَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى ظَفّرَك وَأَقَرّ عَيْنَك وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ تَخَلّفِى عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنّ أَنّك تَلْقَى عَدُوّا، وَلَكِنّى ظَنَنْت أَنّهَا الْعِيرُ وَلَوْ ظَنَنْت أَنّهُ عَدُوّ مَا تَخَلّفْت. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقْت”. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: لَقِيَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِتُرْبَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى سَلامَتِك وَمَا ظَفّرَك كُنْت يَا رَسُولَ اللّهِ لَيَالِىَ خَرَجْت مَوْرُودًا، فَلَمْ يُفَارِقْنِى حَتّى كَانَ بِالأَمْسِ فَأَقْبَلْت إلَيْك. فَقَالَ: “آجَرَك اللّه”. وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَمّا كَانَ بِشَنُوكَةَ - شَنُوكَةُ فِيمَا بَيْنَ السّقْيَا وَمَلَل - كَانَ مَعَ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ الّذِى أَسَرَهُ، فَقَالَ: خَلّ سَبِيلِى لِلْغَائِطِ. فَقَامَ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: إنّى أَحْتَشِمُ فَاسْتَأْخِرْ عَنّى فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ، وَمَضَى سُهَيْلٌ عَلَى وَجْهِهِ انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ وَمَضَى، فَلَمّا أَبْطَأَ سُهَيْلٌ عَلَى مَالِكٍ أَقْبَلَ فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ، وَخَرَجَ النّبِىّ ÷ فِى طَلَبِهِ، فَقَالَ: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ”، فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ بَيْن سَمُرَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، ثُمّ قَرَنَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَرْكَبْ خُطْوَةً حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَقِىَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَقِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَسُولُ اللّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلٌ مَجْنُوبٌ، وَيَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فَلَمّا نَظَرَ أُسَامَةُ إلَى سُهَيْلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو يَزِيدَ، قَالَ: “نَعَمْ هَذَا الّذِى كَانَ يُطْعِمُ بِمَكّةَ الْخُبْزَ”. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ بِالأَسْرَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِى مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، قَالَتْ سَوْدَةُ: فَأَتَيْنَا، فَقِيلَ لَنَا: هَؤُلاءِ الأَسْرَى قَدْ أُتِىَ بِهِمْ. فَخَرَجْت إلَى بَيْتِى وَرَسُولُ اللّهِ ÷ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَوَاَللّهِ إنْ مَلَكْت حِينَ رَأَيْته مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت: أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلا مُتّمْ كِرَامًا؟ فَوَاَللّهِ مَا رَاغَنِى إلاّ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ الْبَيْتِ: “يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ”؟ فَقُلْت: يَا نَبِىّ اللّهِ وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا مَلَكْت نَفْسِى حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، أَنْ قُلْت مَا قُلْت. فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، قَالَ: حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى جَهْمٍ، قَالَ: دَخَلَ خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِى حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِى مَنْزِلِ أُمّ سَلَمَةَ، وَأُمّ سَلَمَةَ فِى مَنَاحَةِ آلِ عَفْرَاءَ، فَقِيلَ لَهَا: أُتِىَ بِالأَسْرَى، فَخَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُكَلّمْهُمْ حَتّى رَجَعَتْ فَتَجِدُ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَنِى عَمّى طَلَبُوا أَنْ يُدْخَلَ بِهِمْ عَلَىّ فَأُضِيفَهُمْ، وَأَدْهُنَ رُءُوسَهُمْ وَأَلُمّ مِنْ شَعَثِهِمْ، وَلَمْ أُحِبّ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتّى أَسْتَأْمِرَك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَسْت أَكْرَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْعَلِى مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَكِ”. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا”، فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ: كُنْت مَعَ رَهْطٍ مِنْ الأَنْصَارِ جَزَاهُمْ اللّهُ خَيْرًا، كُنّا إذَا تَعَشّيْنَا أَوْ تَغَدّيْنَا آثَرُونِى بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ وَالْخُبْزُ مَعَهُمْ قَلِيلٌ وَالتّمْرُ زَادُهُمْ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَتَقَعُ فِى يَدِهِ الْكِسْرَةُ فَيَدْفَعُهَا إلَىّ. وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَزِيدُ وَكَانُوا يَحْمِلُونَنَا وَيَمْشُونَ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَدِمَ بِالأَسْرَى قَبْلَ مَقْدَمِ النّبِىّ ÷ بِيَوْمٍ. وَيُقَالُ: قَدِمُوا فِى آخِرِ النّهَارِ مِنْ الْيَوْمِ الّذِى قَدِمَ فِيهِ. قَالُوا: وَلَمّا تَوَجّهَ الْمُشْرِكُونَ إلَى بَدْرٍ كَانَ فِتْيَانٌ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْهُمْ سُمّارًا، يَسْمُرُونَ بِذِى طُوًى فِى الْقَمَرِ حَتّى يَذْهَبَ اللّيْلُ يَتَنَاشَدُونَ الأَشْعَارَ وَيَتَحَدّثُونَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ لَيْلَةً إلَى أَنْ سَمِعُوا صَوْتًا قَرِيبًا مِنْهُمْ وَلا يَرَوْنَ الْقَائِلَ رَافِعًا صَوْتَهُ يَتَغَنّى: سَيَنْقَضّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا

قَبَائِلَ مَا بَيْنَ الْوَتِيرِ وَخَيْبَرَا

حَرَائِرُ يَضْرِبْنَ التّرَائِبَ حُسّــــــرَا أَزَارَ الْحَنِيفِيّونَ بَدْرًا مُصِيبَةً أَرَنّتْ لَهَا صُمّ الْجِبَالِ وَأَفْزَعَتْ أَجَازَتْ جِبَالَ الأَخْشَبَيْنِ وَجُـرّدَتْ أنشدينه عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ. فَاسْتَمَعُوا لِلصّوْتِ فَلا يَرَوْنَ أَحَدًا، فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ فَلا يَرَوْنَ أَحَدًا، فَخَرَجُوا فَزِعِينَ حَتّى جَازُوا الْحِجْرَ فَوَجَدُوا مَشْيَخَةً مِنْهُمْ جِلّةً سُمّارًا، فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ فَقَالُوا لَهُمْ: إنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ حَقّا، إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يُسَمّوْنَ الْحَنِيفِيّةَ - وَمَا يَعْرِفُونَ اسْمَ الْحَنِيفِيّةِ يَوْمَئِذٍ، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنْ الْفِتْيَانِ الّذِينَ كَانُوا بِذِى طُوًى إلاّ وُعِكَ فَمَا مَكَثُوا إلاّ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتّى قَدِمَ الْحَيْسُمَانُ بْنُ حَابِسٍ الْخُزَاعِىّ بِخَبَرِ أَهْلِ بَدْر، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَهُوَ يُخْبِرُهُمْ قَتْلَ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَىْ رَبِيعَةَ، وَابْنَىْ الْحَجّاجِ، وَأَبِى الْبَخْتَرِىّ، وَزَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ. قَالَ: وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِى الْحِجْرِ جَالِسٌ، يَقُول: لا يَعْقِلُ هَذَا شَيْئًا مِمّا يَتَكَلّمُ بِهِ سَلُوهُ عَنّى، فَقَالُوا: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، لَك بِهِ عِلْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَاكَ فِى الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْت أَبَاهُ وَأَخَاهُ مَقْتُولَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْت سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أُسِرَ وَالنّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. قَالُوا: وَمَا يُدْرِيك؟ قَالَ: رَأَيْتهمَا مَقْرُونَيْنِ فِى الْحِبَالِ. قَالُوا: بَلَغَ النّجَاشِىّ مَقْتَلُ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ وَمَا ظَفّرَ اللّهُ بِهِ نَبِيّهُ فَخَرَجَ فِى ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ ثُمّ جَلَسَ عَلَى الأَرْضِ ثُمّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: أَيّكُمْ يَعْرِفُ بَدْرًا؟ فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ النّجَاشِىّ: أَنَا عَارِفٌ بِهَا، قَدْ رَعَيْت الْغَنَمَ فِى جَوَانِبِهَا، هِىَ مِنْ السّاحِلِ عَلَى بَعْضِ نَهَارٍ وَلَكِنّى أَرَدْت أَنْ أَتَثَبّتَ مِنْكُمْ قَدْ نَصَرَ اللّهُ رَسُولَهُ بِبَدْرٍ فَأَحْمَدُ اللّهَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ بَطَارِقَتُهُ: أَصْلَحَ اللّهُ الْمَلِكَ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ تَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ وَتَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، فَقَالَ: إنّى مِنْ قَوْمٍ إذَا أَحْدَثَ اللّهُ لَهُمْ نِعْمَةً ازْدَادُوا بِهَا تَوَاضُعًا، وَيُقَالُ: إنّهُ قَالَ: إنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلامُ كَانَ إذَا حَدَثَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ازْدَادَ بِهَا تَوَاضُعًا. وَلَمّا رَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَكّةَ قَامَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لا تَبْكُوا عَلَى قَتْلاكُمْ وَلا تَنُحْ عَلَيْهِمْ نَائِحَةٌ وَلا يَبْكِهِمْ شَاعِرٌ وَأَظْهِرُوا الْجَلَدَ وَالْعَزَاءَ فَإِنّكُمْ إذَا نُحْتُمْ عَلَيْهِمْ وَبَكَيْتُمُوهُمْ بِالشّعْرِ أَذْهَبَ ذَلِكَ غَيْظَكُمْ فَأَكَلَكُمْ ذَلِكَ عَنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ مَعَ أَنّهُ إنْ بَلَغَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَمِتُوا بِكُمْ فَيَكُونُ أَعْظَمُ الْمُصِيبَتَيْنِ شَمَاتَتَهُمْ، وَلَعَلّكُمْ تُدْرِكُونَ ثَأْرَكُمْ وَالدّهْنُ وَالنّسَاءُ عَلَىّ حَرَامٌ حَتّى أَغْزُوَ مُحَمّدًا، فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ شَهْرًا لا يَبْكِيهِمْ شَاعِرٌ وَلا تَنُوحُ عَلَيْهِمْ نَائِحَةٌ. فَلَمّا قَدِمَ بِالأَسْرَى أَذَلّ اللّهُ بِذَلِكَ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِىّ وَلا مُنَافِقٌ إلاّ خَضَدَ عُنُقَهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلٍ: لَيْتَ أَنّا كُنّا خَرَجْنَا مَعَهُ حَتّى نُصِيبَ مَعَهُ غَنِيمَةً وَفَرّقَ اللّهُ فِى صُبْحِهَا بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ وَقَالَتْ الْيَهُودُ فِيمَا بَيْنَهَا: هُوَ الّذِى نَجِدُهُ مَنْعُوتًا، وَاَللّهِ لا تُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ إلاّ ظَهَرَتْ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ: بَطْنُ الأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا، هَؤُلاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ: وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ فِى النّاسِ يَبْنِى الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيـمُ الأَرْوَعُ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ

قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ

وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ لِيَزُورَ يَثْــرِبَ بِالْجُمُـــوعِ وَإِنّمَــــا قَالَ الْوَاقِدِىّ: أَمْلاهَا عَلَىّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِىَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِىَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِى يُنْشِدُونَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ بِمَكّةَ، ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا شَهْرًا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلاّ فِيهَا نَوْحٌ، وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِى الأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ وَصَدّقُوا رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَجُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ. وَكَانَ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقَدْ كَمِدَ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْ وَلَدِهِ كَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِىَ عَلَى وَلَدِهِ، وَتَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَكَانَ يَقُولُ: لِغُلامِهِ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ احْمِلْ مَعِى خَمْرًا وَاسْلُكْ بِى الْفَجّ الّذِى سَلَكَ أَبُو حُكَيْمَةَ. فَيَأْتِى بِهِ عَلَى الطّرِيقِ عِنْدَ فَجّ فَيَجْلِسُ فَيَسْقِيهِ حَتّى يَنْتَشِىَ ثُمّ يَبْكِى عَلَى أَبِى حُكَيْمَةَ وَإِخْوَتِهِ ثُمّ يَحْثِى التّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقُول لِغُلامِهِ: وَيْحَك اُكْتُمْ عَلَىّ أَنْ تَعْلَمَ بِى قُرَيْشٌ، فَإِنّى أَرَاهَا لَمْ تُجْمِعْ الْبُكَاءَ عَلَى قَتْلاهَا. فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: حِينَ رَجَعُوا إلَى مَكّةَ وَقُتِلَ أَهْلُ بَدْرٍ: لا تَبْكُوا عَلَى قَتْلاكُمْ فَيَبْلُغَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلا تَبْعَثُوا فِى أَسْرَاكُمْ فَيَأْرَبَ بِكُمْ الْقَوْمُ أَلا فَأَمْسِكُوا عَنْ الْبُكَاءِ قَالَتْ: وَكَانَ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ أُصِيبَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ - زَمْعَةُ وَعُقَيْلٌ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ - فَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِىَ عَلَى قَتْلاهُ. فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ فَقَالَ لِغُلامِهِ: وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا؟ لَعَلّى أَبْكِى عَلَى أَبِى حُكَيْمَةَ - يَعْنِى زَمْعَةَ - فَإِنّ جَوْفِى قَدْ احْتَرَقَ فَذَهَبَ الْغُلامُ وَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ: إنّمَا هِىَ امْرَأَةٌ تَبْكِى عَلَى بَعِيرِهَا قَدْ أَضَلّتْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: وَيَمْنَعُهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ عَلَى بَدْرٍ تَصَاغَرَتْ الْخُدُودُ وَبَكّى حَارِثًا أَسَدَ الأُسُودِ وَمَا لأَبِى حُكَيْمَةَ مِنْ نَدِيدِ وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِى الْوَلِيدِ وَلَوْلا يَوْمُ بَــــــدْرٍ لَـــمْ يَسُودُوا تُبَكّى أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ فَلا تَبْكِى عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ فَبَكّى إنْ بَكَيْت عَلَى عَقِيلٍ وَبَكّيهِمْ وَلا تَسَمِى جَمِيعًا عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِى هُصَيْصٍ أَلا قَدْ سَــادَ بَعْدَهُــــمُ رِجَــــالٌ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالَ: سَمِعْت أَبِى يُنْشِدُ تَصَاغَرَتْ الْخُدُودُ وَلا يُنْكِرُ الْجُدُودُ. قَالُوا: وَمَشَى نِسَاءُ قُرَيْشٍ إلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْنَ: أَلا تَبْكِينَ عَلَى أَبِيك وَأَخِيك وَعَمّك وَأَهْلِ بَيْتِك؟ فَقَالَتْ: حَلْقَى، أَنَا أَبْكِيهِمْ فَيَبْلُغُ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِنَا، وَنِسَاءُ بَنِى الْخَزْرَجِ لا وَاَللّهِ حَتّى أَثْأَرَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ وَالدّهْنُ عَلَىّ حَرَامٌ إنْ دَخَلَ رَأْسِى حَتّى نَغْزُوَ مُحَمّدًا. وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الْحُزْنَ يُذْهِبُ مِنْ قَلْبِى بَكَيْت؛ وَلَكِنْ لا يُذْهِبُهُ إلاّ أَنْ أَرَى ثَأْرِى بِعَيْنِى مِنْ قَتَلَةِ الأَحِبّةِ. فَمَكَثَتْ عَلَى حَالِهَا لا تَقْرَبُ الدّهْنَ وَمَا قَرِبَتْ فِرَاشَ أَبِى سُفْيَانَ مِنْ يَوْمِ حَلَفَتْ حَتّى كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ. وَبَلَغَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ، وَهُوَ فِى أَهْلِهِ وَقَدْ كَانَ شَهِدَ مَعَهُمْ بَدْرًا، أَنّ قُرَيْشًا بَكَتْ عَلَى قَتْلاهَا، فَقَدِمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ خَفّتْ أَحْلامُكُمْ وَسَفِهَ رَأْيُكُمْ وَأَطَعْتُمْ نِسَاءَكُمْ وَمِثْلُ قَتْلاكُمْ يُبْكَى عَلَيْهِمْ؟ هُمْ أَجَلّ مِنْ الْبُكَاءِ مَعَ أَنّ ذَلِكَ يُذْهِبُ غَيْظَكُمْ عَنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَلا يَنْبَغِى أَنْ يَذْهَبَ الْغَيْظُ عَنْكُمْ إلاّ أَنْ تُدْرِكُوا ثَأْرَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ، فَسَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ كَلامَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ غُلِبْت وَاَللّهِ مَا نَاحَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى قَتِيلٍ لَهَا إلَى الْيَوْمِ وَلا بَكَاهُنّ شَاعِرٌ إلاّ نَهَيْته، حَتّى نُدْرِكَ ثَأْرَنَا مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ. وَإِنّى لأَنّا الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ ابْنِى حَنْظَلَةُ وَسَادَةُ أَهْلِ هَذَا الْوَادِى، أَصْبَحَ هَذَا الْوَادِى مُقْشَعِرّا لِفَقْدِهِمْ. فَحَدّثَنِى مُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ الأَنْصَارِىّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ إلَى مَكّةَ وَقُتِلَ صَنَادِيدُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ أَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ الْجُمَحِىّ حَتّى جَلَسَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ فِى الْحِجْرِ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: قَبّحَ اللّهُ الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. قَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: أَجَلْ وَاَللّهِ مَا فِى الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ، وَلَوْلا دَيْنٌ عَلَىّ لا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً وَعِيَالٌ لا أَدَعُ لَهُمْ شَيْئًا، لَرَحَلْت إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ إنْ مَلأْت عَيْنَىّ مِنْهُ، فَإِنّهُ بَلَغَنِى أَنّهُ يَطُوفُ فِى الأَسْوَاقِ فَإِنّ لِى عِنْدَهُمْ عِلّةً أَقُولُ قَدِمْت عَلَى ابْنِى هَذَا الأَسِيرِ، فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيّةَ، وَهَلْ نَرَاك فَاعِلاً؟ قَالَ: إى وَرَبّ هَذِهِ الْبَنِيّةِ، قَالَ صَفْوَانُ: فَعَلَىّ دَيْنُك، وَعِيَالُك أُسْوَةُ عِيَالِى، فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنّهُ لَيْسَ بِمَكّةَ رَجُلٌ أَشَدّ تَوَسّعًا عَلَى عِيَالِهِ مِنّى. فَقَالَ عُمَيْرٌ: قَدْ عَرَفْت بِذَلِكَ يَا أَبَا وَهْبٍ. قَالَ صَفْوَانُ: فَإِنّ عِيَالَك مَعَ عِيَالِى، لا يَسَعُنِى شَيْءٌ وَيَعْجَزُ عَنْهُمْ وَدَيْنُك عَلَىّ، فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ عَلَى بَعِيرٍ وَجَهّزَهُ وَأَجْرَى عَلَى عِيَالِهِ مِثْلَ مَا يُجْرِى عَلَى عِيَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمّ ثُمّ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ لِصَفْوَانَ اُكْتُمْ عَلَىّ أَيّامًا حَتّى أَقْدَمَهَا. وَخَرَجَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ صَفْوَانُ، وَقَدِمَ عُمَيْرٌ فَنَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ وَأَخَذَ السّيْفَ فَتَقَلّدَهُ ثُمّ عَمَدَ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَحَدّثُونَ وَيَذْكُرُونَ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْهِمْ فِى بَدْرٍ، فَرَأَى عُمَيْرًا وَعَلَيْهِ السّيْفُ فَفَزِعَ عُمَرُ مِنْهُ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: دُونَكُمْ الْكَلْبَ هَذَا عَدُوّ اللّهِ الّذِى حَرّشَ بَيْنَنَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ وَصَعّدَ فِينَا وَصَوّبَ يُخْبِرُ قُرَيْشًا أَنّهُ لا عَدَدَ لَنَا وَلا كَمِينَ. فَقَامُوا إلَيْهِ فَأَخَذُوهُ. فَانْطَلَقَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى النّبِىّ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ السّلاحُ وَهُوَ الْغَادِرُ الْخَبِيثُ الّذِى لا نَأْمَنُهُ عَلَى شَيْءٍ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَدْخِلْهُ”، عَلَىّ فَخَرَجَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَبَضَ بِيَدِهِ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ بِيَدِهِ الأُخْرَى قَائِمَةَ السّيْفِ، ثُمّ أَدْخَلَهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: “يَا عُمَرُ تَأَخّرْ عَنْهُ”، فَلَمّا دَنَا عُمَيْرٌ مِنْ النّبِىّ ÷ قَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، قَالَ النّبِىّ ÷: “قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ عَنْ تَحِيّتِك وَجَعَلَ تَحِيّتَنَا السّلامَ، وَهِىَ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ”. قَالَ عُمَيْرٌ: إنّ عَهْدَك بِهَا لَحَدِيثٌ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ أَبْدَلَنَا اللّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَمَا أَقْدَمَك يَا عُمَيْرُ”؟ قَالَ: قَدِمْت فِى أَسِيرِى عِنْدَكُمْ تُقَارِبُونَنَا فِيهِ فَإِنّكُمْ الْعَشِيرَةُ وَالأَهْلُ، قَالَ النّبِىّ ÷: “فَمَا بَالُ السّيْفِ”؟ قَالَ: قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ مِنْ شَىْءٍ؟ وَإِنّمَا نَسِيته حِينَ نَزَلَتْ وَهُوَ فِى رَقَبَتِى، وَلَعَمْرِى إنّ لِى لَهَمّا غَيْرَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُصْدُقْ مَا أَقْدَمَك”؟ قَالَ: مَا قَدِمْت إلاّ فِى أَسِيرِى، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَمَا شَرَطْت لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ فِى الْحِجْرِ”؟ فَفَزِعَ عُمَيْرٌ، فَقَالَ: مَاذَا شَرَطْت لَهُ؟ قَالَ: “تَحَمّلْت لَهُ بِقَتْلِى عَلَى أَنْ يَقْضِىَ دَيْنَك وَيَعُولَ عِيَالَك؛ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنِى وَبَيْنَك”. قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّك صَادِقٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِالْوَحْىِ، وَبِمَا يَأْتِيك مِنْ السّمَاءِ، وَإِنّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ صَفْوَانَ كَمَا قُلْت، فَلَمْ يَطّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرِى وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَمَرْته أَنْ يَكْتُمَ عَنّى لَيَالِىَ مَسِيرِى، فَأَطْلَعَك اللّهُ عَلَيْهِ، فَآمَنْت بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدْت أَنّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ؛ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى سَاقَنِى هَذَا الْمَسَاقَ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللّهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبّ إلَىّ مِنْهُ حِينَ طَلَعَ وَهُوَ السّاعَةَ أَحَبّ إلَىّ مِنْ بَعْضِ وَلَدِى. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “عَلّمُوا أَخَاكُمْ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ”، فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ فَلَهُ الْحَمْدُ أَنْ هَدَانِى؛ فَائْذَنْ لِى فَأَلْحَقُ قُرَيْشًا فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ، فَلَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ وَيَسْتَنْقِذُهُمْ مِنْ الْهَلَكَةِ، فَأَذِنَ لَهُ. فَخَرَجَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْ عُمَيْرٍ كُلّ رَاكِبٍ يَقْدَمُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَيَقُولُ: هَلْ حَدَثَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ حَدَثٍ؟ وَيَقُولُ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ صَفْوَانُ عَنْ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: أَسْلَمَ، فَلَعَنَهُ صَفْوَانُ وَلَعَنَهُ الْمُشْرِكُونَ بِمَكّةَ، وَقَالُوا: صَبَأَ عُمَيْرٌ فَحَلَفَ صَفْوَانُ أَلاّ يُكَلّمَهُ أَبَدًا وَلا يَنْفَعَهُ وَطَرَحَ عِيَالَهُ، وَقَدِمَ عُمَيْرٌ عَلَيْهِمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ وَخَبّرَهُمْ بِصِدْقِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَسْلَمَ مَعَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ أَبِى حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ نَزَلَ فِى أَهْلِهِ وَلَمْ يَقْرَبْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ، فَأَظْهَرَ الإِسْلامَ وَدَعَا إلَيْهِ فَبَلَغَ صَفْوَانَ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْت حِينَ لَمْ يَبْدَأْ بِى قَبْلَ مَنْزِلِهِ، وَإِنّمَا رَحَلَ مِنْ عِنْدِى، أَنّهُ قَدْ ارْتَكَسَ وَلا أُكَلّمُهُ مِنْ رَأْسِى أَبَدًا، وَلا أَنْفَعُهُ وَلا عِيَالَهُ بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَوَقَفَ عَلَيْهِ عُمَيْرٌ وَهُوَ فِى الْحِجْرِ، فَقَالَ: أَبَا وَهْبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَنْتَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، أَرَأَيْت الّذِى كُنّا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ وَالذّبْحِ لَهُ أَهَذَا دِينٌ؟ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ صَفْوَانُ بِكَلِمَةٍ.

  • * *

الْمُطْعِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ فِى عَبْدِ مَنَافٍ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَشَيْبَةَ وعُتْبَةَ ابْنَىْ رَبِيعَةَ؛ وَمِنْ بَنِى أَسَدٍ: زَمْعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيّةِ، وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ أَبُو جَهْلٍ وَمِنْ بَنِى جُمَحٍ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَمِنْ بَنِى سَهْمٍ نُبَيْهَ وَمُنَبّهَ ابْنَا الْحَجّاجِ. قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: مَا أَطْعَمَ أَحَدٌ بِبَدْرٍ إلاّ قُتِلَ. قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِيهِمْ وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا. وَقَدْ ذَكَرُوا عِدّةً مِنْهُمْ سُهَيْلٌ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ وَغَيْرُهُمَا. فَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَدِمْت عَلَى النّبِىّ ÷ الْمَدِينَةَ فِى فِدَاءِ الأَسْرَى، فَاضْطَجَعْت فِى الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقَدْ أَصَابَنِى الْكَرَى فَنِمْت، فَأُقِيمَتْ صَلاةُ الْمَغْرِبِ فَقُمْت فَزِعًا بِقِرَاءَةِ النّبِىّ ÷ فِى الْمَغْرِبِ: ×وَالطّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ% فَاسْتَمَعْت قِرَاءَتَهُ حَتّى خَرَجْت مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَوّلُ مَا دَخَلَ الإِسْلامُ قَلْبِى. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ مِنْ قُرَيْشٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ. وَحَدّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَدِمَ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِى وَدَاعَةَ، ثُمّ قَدِمُوا بَعْدَهُ بِثَلاثِ لَيَالٍ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ النّعْمَانِ ابْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ لِكُلّ رَجُلٍ. فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَأَلْت نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ كَمْ كَانَ الْفِدَاءُ؟ قَالَ: أَرْفَعُهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ إلَى ثَلاثَةِ آلافٍ إلَى أَلْفَيْنِ إلَى أَلْفٍ إلَى قَوْمٍ لا مَالَ لَهُمْ مَنّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَبِى وَدَاعَةَ: “إنّ لَهُ بِمَكّةَ ابْنًا كَيّسًا لَهُ مَالٌ، وَهُوَ مُغْلٍ فِدَاءَهُ”، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. وَكَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ اُفْتُدِىَ، وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا قَالَتْ لابْنِهِ الْمُطّلِبِ: وَرَأَتْهُ يَتَجَهّزُ يَخْرُجُ إلَى أَبِيهِ، فَقَالُوا: لا تَعْجَلْ فَإِنّا نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَ عَلَيْنَا فِى أُسَارَانَا، وَيَرَى مُحَمّدٌ تَهَالُكَنَا فَيُغْلِىَ عَلَيْنَا الْفِدْيَةَ فَإِنْ كُنْت تَجِدُ فَإِنّ كُلّ قَوْمِك لا يَجِدُونَ مِنْ السّعَةِ مَا تَجِدُ، فَقَالَ: لا أَخْرُجُ حَتّى تَخْرُجُوا، فَخَادَعَهُمْ حَتّى إذَا غَفَلُوا خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ مُشْرِقًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَسَارَ أَرْبَعَ لَيَالٍ إلَى الْمَدِينَةِ، فَافْتَدَى أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ، فَلامَتْهُ فِى ذَلِكَ قُرَيْشٌ فَقَالَ: مَا كُنْت لأَتْرُكَ أَبِى أَسِيرًا فِى أَيْدِى الْقَوْمِ وَأَنْتُمْ مُتَضَجّعُونَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: إنّ هَذَا غُلامٌ حَدَثٌ مُعْجَبٌ بِرَأْيِهِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ عَلَيْكُمْ إنّى وَاَللّهِ غَيْرُ مُفْتَدٍ عَمْرَو بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، وَلَوْ مَكَثَ سَنَةً أَوْ يُرْسِلُهُ مُحَمّدٌ وَاَللّهِ مَا أَنَا بِأَعْوَزِكُمْ، وَلَكِنّى أَكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَىّ، أَوْ أُدْخِلَ عَلَيْكُمْ مَا يَشُقّ عَلَيْكُمْ وَيَكُونُ عَمْرٌو كَأُسْوَتِكُمْ.

  • * *

أَسَمَاءُ النّفَرِ الّذِينَ قَدِمُوا فِى الأَسْرَى مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ: الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، وَعَمْرُو بْنُ الرّبِيعِ أَخُو أَبِى الْعَاصِ وَمِنْ بَنِى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ؛ وَمِنْ عَبْدِ الدّارِ طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ وَمِنْ بَنِى أَسَدٍ: عُثْمَانُ بْنُ أَبِى حُبَيْشٍ وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ. وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَفَرْوَةُ بْنُ السّائِبِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَمِنْ بَنِى جُمَحٍ: أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَمِنْ بَنِى سَهْمٍ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِى وَدَاعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ؛ وَمِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مِكْرَزُ ابْنُ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ. فَحَدّثَنِى الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِى فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِى الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ - يُقَالُ: إنّهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ، كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أَدَخَلْتهَا بِهَا عَلَى أَبِى الْعَاصِ حِينَ بَنَى بِهَا، فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْقِلادَةَ عَرَفَهَا وَرَقّ لَهَا، وَذَكَرَ خَدِيجَةَ وَرَحّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا إلَيْهَا مَتَاعَهَا فَعَلْتُمْ. فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَأَطْلَقُوا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ وَرَدّوا عَلَى زَيْنَبَ مَتَاعَهَا. وَأَخَذَ النّبِىّ ÷ عَلَى أَبِى الْعَاصِ أَنْ يُخَلّىَ سَبِيلَهَا، فَوَعَدَهُ ذَلِكَ، وَقَدِمَ فِى فِدَائِهِ عَمْرُو بْنُ الرّبِيعِ أَخُوهُ، وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ أَخُو خَوّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ.

  • * *

ذِكْرُ سُورَةِ الأَنْفَالِ ×يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ % قَالَ: لَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ بَدْرٍ اخْتَلَفُوا، فَادّعَتْ كُلّ طَائِفَةٍ أَنّهُمْ أَحَقّ بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَهِىَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ×إنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا% يَقُولُ زَادَتْهُمْ يَقِينًا، وَفِى قَوْلِهِ: ×أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا% يَقُولُ: يَقِينًا. وَفِى قَوْلِهِ: ×كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ % يَقُولُ: لِمَا أَمَرَك رَبّك أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَدْرٍ هُوَ الْحَقّ. وَأَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِىّ فِى قَوْلِهِ: ×مِنْ بَيْتِك% قَالَ: مِنْ الْمَدِينَةِ. وَفِى قَوْلِهِ: ×وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِى الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ% كَرِهَ خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَقْوَامٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى بَدْرٍ، قَالُوا: نَحْنُ قَلِيلٌ وَمَا الْخُرُوجُ بِرَأْىٍ حَتّى كَانَ فِى ذَلِكَ اخْتِلافٌ كَبِيرٌ. وَفِى قَوْلِهِ: ×وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ% لَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دُونَ بَدْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ فَخَبّرَهُ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يُرِيدُ عِيرَهَا، فَوَعَدَهُ اللّهُ إمّا الْعِيرَ وَإِمّا لِقَاءَ قُرَيْشٍ فَيُصِيبُهُمْ. فَلَمّا كَانَ بِبَدْرٍ أَخَذُوا السّقّاءَ وَسَأَلُوهُمْ عَنْ الْعِيرِ فَجَعَلُوا يُخْبِرُونَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلا يُحِبّ ذَلِك الْمُسْلِمُونَ لأَنّهَا شَوْكَةٌ وَيُحِبّونَ الْعِيرَ. وَفِى قَوْلِهِ: ×وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ % يَقُولُ: يُظْهِرُ الدّينَ. ×وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ% يَعْنِى مِنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ×لِيُحِقّ الْحَقّ% يَعْنِى لِيُظْهِرَ الْحَقّ ×وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ% الّذِى جَاءُوا بِهِ ×وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ% يَعْنِى قُرَيْشًا. ×إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّى مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ% يَعْنِى بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ. ×وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَى% يَعْنِى عَدَدَ الْمَلائِكَةِ الّذِينَ أَخْبَرَهُمْ بِهَا، وَلِيَعَلَمُنّ أَنّ اللّهَ يَنْصُرُكُمْ ×إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ% يَقُولُ: أَلْقَى عَلَيْكُمْ النّوْمَ أَمْنًا مِنْهُ فَقَذَفَهُ فِى قُلُوبِكُمْ ×وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ% وَكَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ أَجْنَبَ ×وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ% يَقُولُ: يُصَلّى وَلا يَغْتَسِلُ ×وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ% بِالطّمَأْنِينَةِ ×وَيُثَبّتَ بِهِ الأَقْدَامَ% كَانَ الْمَوْضِعُ دَهْسًا فَلَبّدَهُ. ×إِذْ يُوحِى رَبّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنّى مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا% فَكَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوّرُ فِى صُورَةِ الرّجُلِ فَيَقُولُ اُثْبُتْ فَإِنّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَكَانَتْ أَفْئِدَتُهُمْ تَخْفِقُ لَهَا وَجَبَانٌ كَالْحَصَاةِ يُرْمَى بِهَا فِى الطّسْتِ ×فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ% يَعْنِى الأَعْنَاقَ ×وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ% يَدًا وَرِجْلاً ×ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ% يَقُولُ: كَفَرُوا بِاَللّهِ وَجَحَدُوا رَسُولَهُ. وَفِى قَوْلِهِ: ×ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ% يَعْنِى الْقَتْلَ بِبَدْرٍ ×وَأَنّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النّارِ% ×إ ذَا لَقِيتُمْ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا% إلَى قَوْلِهِ: ×وَبِئْسَ الْمَصِيرُ% يَوْمَ بَدْرٍ خَاصّةً. فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنّ اللّهَ قَتَلَهُمْ قَوْلُ الرّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ أَنَا قَتَلْت فُلانًا، ×وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى% حِينَ رَمَى النّبِىّ ÷ بِالْقَبْضَةِ تُرَابًا: ×وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا% يَعْنِى نَصْرَهُ إيّاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. ×إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ% قَوْلُ أَبِى جَهْلٍ: اللّهُمّ أَقْطَعُنَا لِلرّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ وَإِنْ تَنْتَهُوا لِمَنْ بَقِىَ مِنْ قُرَيْشٍ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ يَعْنِى تُسْلِمُوا؛ وَإِنْ تَعُودُوا لِلْقِتَالِ نَعُدْ بِالْقَتْلِ لَكُمْ وَلَنْ تُغْنِىَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا قَالُوا: لَنَا جَمَاعَةٌ بِمَكّةَ نَغْزُوهُ غَزْوَةً تُصِيبُهُ. ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ% يَعْنِى الدّعَاءَ هَذِهِ الآيَةُ فِييَوْمِ أُحُدٍ، عَاتَبَهُمْ عَلَيْهَا ×لا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ% يَقُولُ: لا تُنَافِقُوا وَأَدّوا كُلّ مَا اُسْتُوْدِعْتُمْ ×وَاعْلَمُوا أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ% يَقُولُ: إذَا كَثُرَ مَالُهُ عَظُمَتْ فِتْنَتُهُ وَتَطَاوَلَ بِهِ وَإِذَا كَانَ وَلَدُهُ كَثِيرًا رَأَى أَنّهُ عَزِيزٌ. وَفِى قَوْلِهِ: ×يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا% يَعْنِى مَخْرَجًا. ×وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ% هَذَا بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ ×وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا% إلَى آخِرِ الآيَةِ ×وَإِذْ قَالُوا اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ% قَالَ الْمُتَكَلّمُ: بِهَذَا النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: ×أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ% ×فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ% يَوْمَ بَدْرٍ. ×وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ% يَعْنِى أَهْلَ مَكّةَ؛ ×وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ% يَعْنِى يُصَلّونَ. ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ: ×وَمَا لَهُمْ أَلاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ% يَعْنِى الْهَزِيمَةَ وَالْقَتْلَ. وَفِى قَوْلِهِ: ×فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ% يَومَ بَدْرٍ ×إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ% إلَى قَوْلِهِ: ×ثُمّ يُغْلَبُونَ% حَيْثُ خَرَجُوا إلَى بَدْرٍ حَسْرَةً وَنَدَامَةً ×ثُمّ يُغْلَبُونَ% فَقُتِلُوا بِبَدْرٍ يَقُولُ: ثُمّ ×إلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُون%. ×قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ% يَقُولُ: إنْ يُسْلِمُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ ×وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ% يَعْنِى لا يَكُونَ شِرْكٌ ×وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ% لا يُذْكَرُ إِسَافُ وَلا نَائِلَةُ. ×وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ%. قَالَ: الّذِى لِلّهِ هُوَ لِلرّسُولِ، وَاَلّذِى لِذِى الْقُرْبَى قَرَابَةَ رَسُولِ اللّهِ ×وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ% يَعْنِى يَوْمَ بَدْرٍ فُرّقَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ ×إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا% يَعْنِى أَصْحَابَ النّبِىّ ÷ حِينَ نَزَلُوا بِبَدْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنْ رَمْلٍ وَالرّكْبُ رَكْبُ أَبِى سُفْيَانَ قَدْ لَصِقَ بِالْبَحْرِ أَسْفَلَ مِنْ بَدْرٍ. ×وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِى الْمِيعَادِ% لا مَحَالَةَ يَأْتِى رَكْبٌ قَبْلَ رَكْبٍ ×وَلَكِنْ لِيَقْضِىَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً% قَتْلُ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ ×لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ% يَقُولُ: يُقْتَلُ مَنْ قُتِلَ عَنْ عُذْرٍ وَحُجّةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىّ مِنْهُمْ عَنْ عُذْرٍ وَحُجّةٍ ×إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً% قَالَ: نَامَ النّبِىّ ÷ يَوْمَئِذٍ فَقُلّلُوا فِى عَيْنِهِ ×وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ% يَقُولُ: رُعِبْتُمْ ×وَلَتَنَازَعْتُمْ% يَقُولُ: اخْتَلَفْتُمْ ×وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ% يَعْنِى الاخْتِلافَ بَيْنَكُمْ ×إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ% يَعْنِى ضَعْفَ قُلُوبِكُمْ ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا% يَعْنِى جَمِيعًا، فَلا تَفِرّوا وَكَبّرُوا. ×وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا% يَعْنِى عَلَى السّيْفِ يَقُولُ: كَبّرُوا اللّهَ فِى أَنْفُسِكُمْ وَلا تُظْهِرُوا التّكْبِيرَ، فَإِنّ إظْهَارَهُ فِى الْحَرْبِ فَشَلٌ ×وَلا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ% يَعْنِى مَخْرَجَ قُرَيْشٍ إلَى بَدْرٍ ×وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّى جَارٌ لَكُمْ% هَذَا كُلّهُ كَلامُ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: فِيمَا يَرْوُونَ تَصَوّرَ إبْلِيسُ فِى صُورَتِهِ يَوْمَئِذٍ. ×فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ% يَعْنِى النّبِىّ ÷ وَقُرَيْشًا نَكَصَ إبْلِيسُ، وَهُوَ يَرَى الْمَلائِكَةَ تَقْتُلُ وَتَأْسِرُ، وَقَالَ: ×إِنّى بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ% رَأَى الْمَلائِكَةَ ×إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ% نَفَرٌ كَانُوا أَقَرّوا بِالإِسْلامِ فَلَمّا قُلّلَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ فِى أَعْيُنِهِمْ فُلّوا، وَقَالُوا: هَذَا الْكَلامَ فَقُتِلُوا عَلَى كُفْرِهِمْ ×يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ% يَعْنِى أَسْتَاههمْ وَلَكِنّهُ كَنّى. أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الثّوْرِىّ، عَنْ أَبِى هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ كَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَفِى قَوْلِهِ: ×إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الّذِينَ كَفَرُوا% إلَى قَوْلِهِ: ×وَهُمْ لا يَتّقُونَ% يَعْنِى قَيْنُقَاعَ، وَبَنِى النّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ ×فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِى الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ% اُقْتُلْهُمْ. ×وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً% إلَى آخِرِ الآيَةِ نَزَلَتْ فِى بَنِى قَيْنُقَاعَ؛ سَارَ إلَيْهِمْ النّبِىّ ÷ بِهَذِهِ الآيَةِ. ×وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ% قَالَ: الرّمْىُ؛ ×وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ% يَقُول: ارْتَبِطُوا لِخَيْلٍ تَصْهَلُ وَتُرَى ×وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ% يَعْنِى خَيْبَرَ ×وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا% إلَى آخِرِ الآيَةِ، يَعْنِى قُرَيْظَةَ ×وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الّذِى أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ% يَعْنِى قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرَ حِينَ قَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ وَنَتّبِعُك. ×يَا أَيّهَا النّبِىّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ% عَلَى الْقِتَالِ ×إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ% نَزَلَتْ فِى بَدْرٍ، ثُمّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: ×الآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ% فَصَارَ الرّجُلُ يَغْلِبُ الرّجُلَيْنِ ×مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ% يَعْنِى أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ ×تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا% يَقُولُ: الْفِدَاءَ ×وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ% يُرِيدُ أَنْ يُقْتَلُوا. ×لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ% قَالَ: سَبَقَ إحْلالُ الْغَنِيمَةِ ×فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيّبًا% قَالَ: إحْلالُ الْغَنَائِمِ ×إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا% يَعْنِى قُرَيْشًا الّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ بَدْرٍ، وَآوَوْا وَنَصَرُوا الأَنْصَارَ؛ وَأَمّا قَوْلُهُ: ×وَالّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهَاجِرُوا% يَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وِرَاثَةٌ حَتّى يُهَاجِرُوا؛ ×وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِى الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إِلاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ% يَعْنِى مُدّةٌ وَعَهْدٌ ×وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ% يَقُولُ: لا تَوَلّوْا أَحَدًا مِنْ الْكَافِرِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ثُمّ نَسَخَ آيَةَ الْمِيرَاثِ ×وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللّهِ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ% وَفِى قَوْلِهِ: ×يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى% يَوْمَ بَدْرٍ ×فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا% يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ ×يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ% يَوْمَ بَدْرٍ ×حَتّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ% يَوْمَ بَدْرٍ ×سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ% يَوْمَ بَدْرٍ ×وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ% فَلَمْ يَكُنْ إلاّ يَسِيرًا حَتّى كَانَ وَقْعَةُ بَدْرٍ ×وَذَرْنِى وَالْمُكَذّبِينَ أُولِى النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلاً% نَزَلَتْ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِيَسِيرٍ ×وَاجْعَلْ لِى مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا% يَوْمَ بَدْرٍ ×وَاصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ% مِنْ قَبْلِ يَوْمِ بَدْرٍ. ×وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ% قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ خَاصّةً وَكَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ إذَا لَقِىَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ لا يَفِرّونَ فَإِنّهُمْ إذَا لَمْ يَفِرّوا غَلَبُوا، ثُمّ خُفّفَ عَنْهُمْ فَقَالَ: ×فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ% فَنَسَخَتْ الأُولَى؛ فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُول: مَنْ فَرّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرّ وَمَنْ فَرّ مِنْ ثَلاثَةٍ فَلَمْ يَفِرّ. وَفِى قَوْلِهِ: ×أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ% يَعْنِى قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ وَفِى قَوْلِهِ: ×حَتّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ% قَالَ: بِالسّيُوفِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِى قَوْلِهِ: ×وَلَنُذِيقَنّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ% يَقُولُ: السّيْفُ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، فِى قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: ×أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ% قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ. حَدّثَنَا الثّوْرِىّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: بِالسّيُوفِ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِىّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُبَىّ ابْنِ كَعْبٍ، فِى قَوْلِهِ: ×أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ% قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ.

  • * *

ذِكْرُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالا: أُسِرَ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ عَقِيلُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ؛ قَالَ مَحْمُودٌ: أَسَرَهُ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الظّفَرِىّ. وَأَسَرَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، وَعُتْبَةُ حَلِيفٌ لِبَنِى هَاشِمٍ مِنْ بَنِى فِهْرٍ. حَدّثَنِى عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أُسِرَ مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رَجُلانِ السّائِبُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ أَسَرَهُمَا سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الأَشْهَلِىّ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَنْصَارِىّ، وَلَمْ يَقْدَمْ لَهُمَا أَحَدٌ، وَكَانَا لا مَالَ لَهُمَا، فَفَكّ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْهُمَا بِغَيْرِ فِدْيَةٍ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ، قُتِلَ صَبْرًا بِالصّفْرَاءِ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ بِأَمْرِ النّبِىّ ÷ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِى وَجْزَةَ، وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، فَقَدِمَ فِى فِدَائِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، لَمّا أَمَرَ النّبِىّ ÷ أَنْ يُرَدّ الأَسْرَى، كَانَ الّذِى رَدّهُ؛ أَسَرَهُ سَعْدٌ أَوّلَ مَرّةٍ ثُمّ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِ فَصَارَ أَيْضًا لَهُ. وَعَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ صَارَ فِى سَهْمِ النّبِىّ ÷ بِالْقُرْعَةِ كَانَ أَسَرَهُ عَلِىّ، وَأَرْسَلَهُ النّبِىّ ÷ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ لِسَعْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ مِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحُبِسَ بِمَكّةَ. وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ، أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ. حَدّثَنِيهِ إسْحَاقُ بْنُ خَارِجَةَ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ فِى فِدَائِهِ عَمْرُو بْنُ الرّبِيعِ أَخُوهُ. وَحَلِيفٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَبُو رِيشَةَ افْتَدَاهُ عَمْرُو بْنُ الرّبِيعِ. وَعَمْرُو بْنُ الأَزْرَقِ، افْتَكّهُ عَمْرُو بْنُ الرّبِيعِ وَكَانَ الّذِى صَارَ فِى سَهْمِهِ تَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ، وَعُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِىّ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، فَصَارَ فِى الْقُرْعَةِ لأُبَىّ بْنِ كَعْبٍ، افْتَدَاهُ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيّةَ؛ وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أَسَرَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَدِمَ فِى فِدَائِهِ ابْنُ عَمّهِ. وَمِنْ بَنِى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَدِىّ بْنُ الْخِيَارِ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ - حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ - وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، ابْنُ أَخِى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، حَلِيفٌ لَهُمْ أَسَرَهُ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ؛ وَأَبُو ثَوْرٍ، افْتَدَاهُمْ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَكَانَ الّذِى أَسَرَ أَبَا ثَوْرٍ أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ فِى ثَلاثَةٍ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ أَسَرَهُ أَبُو الْيَسَرِ ثُمّ اُقْتُرِعَ عَلَيْهِ فَصَارَ لِمُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ وَأَبُو عَزِيزٍ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لأُمّهِ وَأَبِيهِ. فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ لَهُ أُمّا بِمَكّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ. فَقَالَ لَهُ: أَبُو عَزِيزٍ هَذِهِ وَصَاتُك بِى يَا أَخِى؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ: إنّهُ أَخِى دُونَك فَبَعَثَتْ أُمّهُ فِيهِ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْ أَغْلَى مَا تُفَادِى بِهِ قُرَيْشٌ، فَقِيلَ لَهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ. وَالأَسْوَدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ أَسَرَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَدِمَ فِى فِدَائِهِمَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: السّائِبُ بْنُ أَبِى حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، أَسَرَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَسَدٍ، أَسَرَهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ؛ وَسَالِمُ بْنُ شَمّاخٍ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، قَدِمَ فِى فِدَائِهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِى حُبَيْشٍ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ لِكُلّ رَجُلٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى تَيْمٍ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ أَسَرَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ أَسِيرًا. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَسَرَهُ سَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِى حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَسَرَهُ بِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ أَفْلَتَ يَوْمَ نَخْلَةَ، فَأَسَرَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَمْكَنَنِى مِنْك، فَقَدْ كُنْت أَفْلَتّ فِى الْمَرّةِ الأُولَى يَوْمَ نَخْلَةَ. فَقَدِمَ فِى فِدَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَافْتَدَاهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ. وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَقَدِمَ فِى فِدَائِهِ أَخُوهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ فَتَمَنّعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ حَتّى افْتَكّاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ فَجَعَلَ هِشَامٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ يُرِيدُ ثَلاثَةَ آلافٍ، فَقَالَ خَالِدٌ لِهِشَامٍ: إنّهُ لَيْسَ بِابْنِ أُمّك، وَاَللّهِ لَوْ أَبَى فِيهِ إلاّ كَذَا وَكَذَا لَفَعَلْت. ثُمّ خَرَجَا بِهِ حَتّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَأَفْلَتَ فَأَتَى النّبِىّ ÷ فَأَسْلَمَ، فَقِيلَ لَهُ: أَلا أَسْلَمْت قَبْلَ أَنْ تُفْتَدَى؟ قَالَ: كَرِهْت أَنْ أُسْلِمَ حَتّى أُفْتَدَى بِمِثْلِ مَا اُفْتُدِىَ بِهِ قَوْمِى، فَأَسْلَمَ -وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ أَخْبَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إلاّ أَنّهُ قَالَ: أَسَرَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ الْمَازِنِىّ - وَقَيْسُ بْنُ السّائِبِ، كَانَ أَسَرَهُ عَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ حِينًا وَهُوَ يَظُنّ أَنّ لَهُ مَالاً، وَقَدِمَ أَخُوهُ فَرْوَةُ بْنُ السّائِبِ فِى فِدَائِهِ فَأَقَامَ أَيْضًا حِينًا، ثُمّ افْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ فِيهَا عَرْضٌ. وَمِنْ بَنِى أَبِى رِفَاعَةَ صَيْفِىّ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانَ لا مَالَ لَهُ أَسَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ ثُمّ أَرْسَلَهُ وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ اُفْتُدِىَ بِأَلْفَيْنِ وَعَبْدُ اللّهِ وَهُوَ أَبُو عَطَاءِ بْنُ السّائِبِ بْنِ عَابِدِ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ اُفْتُدِىَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ؛ وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ أَبُو أَيّوبَ الأَنْصَارِىّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَأَرْسَلَهُ بَعْدَ حِينٍ وَخَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ عُقَيْلِىّ، وَهُوَ الّذِى يَقُولُ: وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمَـــــا وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا قَدِمَ فِى فِدَائِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، كَانَ الّذِى أَسَرَهُ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى جُمَحٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ بْنِ خَلَفٍ، وَاَلّذِى أَسَرَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الْبَيَاضِىّ، قَدِمَ فِى فِدَائِهِ أَبُوهُ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ، فَتَمَنّعَ بِهِ فَرْوَةُ حِينًا. وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ، مَنّ عَلَيْهِ النّبِىّ ÷ وَأَحْلَفَهُ أَلاّ يُكْثِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَأَرْسَلَهُ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ فَأُسِرَ يَوْمَ أُحُدٍ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ قَدِمَ أَبُوهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ فِى فِدَائِهِ حِينَ بَعَثَهُ صَفْوَانُ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَسْلَمَ فَأَرْسَلَ لَهُ ابْنَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الزّرَقِىّ. وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَسِ بْنِ وَهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ وَكَانَ لا مَالَ لَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَرْسَلَهُ. وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ وَكَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ اُفْتُدِىَ قَدِمَ فِى فِدَائِهِ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ افْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ وَفَرْوَةُ بْن خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، قَدِمَ فِى فِدَائِهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، افْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ كَانَ الّذِى أَسَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَالْحَجّاجُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدٍ أَسَرَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ، فَأَفْلَتْ فَأَخَذَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ ابْنِ مَالِكٍ قَدِمَ فِى فِدَائِهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ، وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، فَقَالَ مَالِكٌ: بِهِ غَيْرَهُ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمْ سُهَيْلاً فَتَاهَا إذَا تُظّلَمْ وَأَكْرَهْت نَفْسِى عَلَى ذِى الْعَلَـــمْ أَسَرْت سُهَيْلاً فَلَمْ أَبْتَغِ وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ضَرَبْت بِذِى السّيْفِ حَتّى انْحَنَــى فَلَمّا قَدِمَ مِكْرَزٌ انْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ فِى سُهَيْلٍ وَدَفَعَ الْفِدَاءَ أَرْبَعَةَ آلافٍ قَالُوا: هَاتِ مَالَنَا. قَالَ نَعَمْ اجْعَلُوا رَجُلاً مَكَانَ رَجُلٍ وَخَلّوا سَبِيلَهُ. فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ: رَجُلاً بِرَجُلٍ. وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ يَقُولانِ: رَجُلاً بِرَجُلٍ فَخَلّوا سَبِيلَ سُهَيْلٍ، وَحُبِسَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَبَعَثَ سُهَيْلٌ بِالْمَالِ مَكَانَهُ مِنْ مَكّةَ. وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ، أَسَرَهُ عُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ مَوْلَى سُهَيْلِ ابْنِ عَمْرٍو؛ وَعَبْدُ الْعُزّى بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَكَانَ الّذِى أَسَرَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى فِهْرٍ: الطّفَيْلُ بْنُ أَبِى قُنَيْعٍ وَابْنُ جَحْدَمٍ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، قَالَ: كَانَ الأَسْرَى الّذِينَ يُحْصَوْنَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ. فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: كَانَ الأَسْرَى سَبْعِينَ وَالْقَتْلَى سَبْعِينَ. فَحَدّثَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَنْ أَبِى عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، مِثْلَهُ. وَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: كَانَ الأَسْرَى زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ وَالْقَتْلَى زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ. فَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ قَالَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ.

  • * *

تَسْمِيَةُ الْمُطْعِمِينَ فِى طَرِيقِ بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْيَرْبُوعِىّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ قَالَ: كَانَ الْمُطْعِمُونَ فِى بَدْرٍ تِسْعَةً مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ ثَلاثَةٌ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَشَيْبَةُ وَعُتْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ؛ وَمِنْ بَنِى أَسَدٍ: زَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيّةِ - اثْنَانِ وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ - وَاحِدٌ وَمِنْ بَنِى جُمَحٍ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ - وَاحِدٌ وَمِنْ بَنِى سَهْمٍ نُبَيْهُ وَمُنَبّهُ ابْنَا الْحَجّاجِ - رَجُلانِ. فَحَدّثَنِى إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَوّلُ مَنْ نَحَرَ لَهُمْ أَبُو جَهْل ٍ بِمَرّ الظّهْرَانِ عَشْرًا؛ ثُمّ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ بِعُسْفَانَ تِسْعًا؛ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِقُدَيْدٍ عَشْرًا. وَمَالُوا إلَى الْمِيَاهِ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ ضَلّوا الطّرِيقَ فَأَقَامُوا بِهَا يَوْمًا فَنَحَرَ لَهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تِسْعَةً ثُمّ أَصْبَحُوا بِالْجُحْفَةِ فَنَحَرَ لَهُمْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَشْرًا، ثُمّ أَصْبَحُوا بِالأَبْوَاءِ فَنَحَرَ لَهُمْ قَيْسٌ الْجُمَحِىّ تِسْعًا، ثُمّ نَحَرَ لَهُمْ فُلانٌ عَشْرًا، وَنَحَرَ لَهُمْ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ تِسْعًا، ثُمّ نَحَرَ أَبُو الْبَخْتَرِىّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ عَشْرًا؛ وَنَحَرَ لَهُمْ مِقْيَسٌ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ تِسْعًا، ثُمّ شَغَلَتْهُمْ الْحَرْبُ فَأَكَلُوا مِنْ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: وَاَللّهِ مَا أَظُنّ مِقْيَسًا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَلا يَعْرِفُ الْوَاقِدِىّ قَيْسَ الْجُمَحِىّ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أُمّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: كَانَ النّفَرُ يَشْتَرِكُونَ فِى الطّعَامِ فَيُنْسَبُ إلَى الرّجُلِ الْوَاحِدِ وَيُسْكَتُ عَنْ سَائِرِهِمْ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْت الزّهْرِىّ كَمْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرٍ؟ قَالَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً. ثُمّ عَدّهُمْ عَلَىّ فَهُمْ هَؤُلاءِ الّذِينَ سَمّيْت. وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رُومَانَ، مِثْلَهُ سِتّةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ؛ مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَفَنَهُ النّبِىّ ÷ بِالصّفْرَاءِ. وَمِنْ بَنِى زُهْرَةَ عُمَيْرُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ - أَخْبَرَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ - وَعُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو ذُو الشّمَالَيْنِ قَتَلَهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ: عَاقِلُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، قَتَلَهُ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ الْجُشَمِىّ، وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ قَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ؛ أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، وَيُقَالُ: أَوّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ. وَمِنْ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: صَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ قَتَلَهُ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِىّ؛ وَحَدّثَنِى بِذَلِكَ مُحْرِزُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو. وَمِنْ الأَنْصَارِ، مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، قَتَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ؛ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَيُقَال: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِىّ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ النّجّارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَقَتَلَهُ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَسَمِعْت الْمَكّيّينَ يَقُولُونَ ابْنُ الْعَرِقَةِ. وَمِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ النّجّارِ: عَوْفُ وَمُعَوّذُ ابْنَا عَفْرَاءَ، قَتَلَهُمَا أَبُو جَهْلٍ. وَمِنْ بَنِى سَلِمَةَ بْنِ حَرَامٍ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: أَوّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الأَنْصَارِ فِى الإِسْلامِ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ وَيُقَالُ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ. وَمِنْ بَنِى زُرَيْقٍ رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى، قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ. وَمِنْ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فُسْحُمٍ قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: قَتَلَ أَنَسَةَ مَوْلَى النّبِىّ ÷ بِبَدْرٍ. حَدّثَنِى الثّوْرِىّ، عَنْ الزّبَيْرِ بْنِ عَدِىّ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنّ النّبِىّ ÷ صَلّى عَلَى قَتْلَى بَدْرٍ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ رَبّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، قَالَ: أَرَانِى أَبِى أَرْبَعَةَ قُبُورٍ بِسَيّرَ - شِعْبٌ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ - فَقَالَ: هَؤُلاءِ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَثَلاثَةٌ بِالدّبّةِ - أَسْفَلَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَعْجِلَةِ. وَأَرَانِى قَبْرَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بِذَاتِ أَجْدَالٍ - بِالْمَضِيقِ أَسْفَلَ مِنْ الْجَدْوَلِ. وَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ أَنّ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ جُرِحَ بِبَدْرٍ فَمَاتَ مِنْ جُرْحِهِ بِالْمَدِينَةِ. وَعُبَيْدَ بْنَ السّكَنِ اشْتَكَى فَمَاتَ حِينَ قَدِمَ. حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَوّلُ أَنْصَارِىّ قُتِلَ فِى الإِسْلامِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ، قَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ بِبَدْرٍ؛ وَأَوّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِهْجَعٌ قَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ، وَمِنْ الأَنْصَارِ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ. وَيُقَالُ: أَوّلُهُمْ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ قَتَلَهُ حِبّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ بِسَهْمٍ.

  • * *

تَسْمِيَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، قَتَلَهُ عَلِىّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ. وَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ. قَالَ: وَحَدّثَنِيهِ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِىّ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ. وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِى عُمَيْرٍ وَابْنُهُ وَمَوْلَيَانِ لَهُمْ قَتَلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِى عُمَيْرٍ. وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَبُو حَمْزَةَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ حَيّوَيْهِ: رَأَيْت فِى نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ أَبُو حَمْزَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْمُونٍ. وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ. وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ. قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. حَدّثَنِى بِذَلِك مُحَمّدُ ابْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رُومَانَ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ. وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَمْرِ النّبِىّ ÷ بِالصّفْرَاءِ صَبْرًا بِالسّيْفِ. وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَذَفّفَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ وَعَلِىّ. وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَنْمَارَ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ. قَالَ: قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - اثْنَا عَشَرَ. وَمِنْ بَنِى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافَ. وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِىّ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى أَسَدٍ: رَبِيعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ أَخْبَرَنِيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ. وَالْحَارِثُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. وَعَقِيلُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِىّ، شَرِكَا فِى قَتْلِهِ. وَحَدّثَنِى أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: قَتَلَهُ عَلِىّ وَحْدَهُ. وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ وَهُوَ الْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ. وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: قَتَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ. وَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، قَالَ: قَتَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِىّ. وَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ. وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ بْنُ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رُومَانَ، قَالَ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: وَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ أَبِى عَاتِكَةَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ صَبْرًا بِالسّيْفِ بِالأُثَيْلِ بِأَمْرِ النّبِىّ ÷ وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ ابْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ الْعَبْدِىّ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَتَلَهُ بِلالٌ. وَمِنْ بَنِى تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ، قَتَلَهُ صُهَيْبٌ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ مُوسَى ابْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِى الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَوّذُ وَعَوْفُ ابْنَا عَفْرَاءَ، وَذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؛ وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. حَدّثَنِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ رُومَانَ مِثْلَهُ. وَيَزِيدُ بْنُ تَمِيمٍ التّمِيمِىّ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَيُقَالُ: عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ. وَأَبُو مُسَافِعٍ الأَشْعَرِىّ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ. وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِى عُتْبَةَ قَتَلَهُ عَلِىّ - أَصْحَابُنَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ بَنِى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ قَتَلَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ. أَخْبَرَنِيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو. وَمِنْ بَنِى الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَقَالَ لِى إسْحَاقُ بْنُ خَارِجَةَ: إنّ حُبَابَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ قَتَلَهُ. وَمِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَسْعُودُ بْنُ أَبِى أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. وَمِنْ بَنِى عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمّ مِنْ بَنِى رِفَاعَةَ وَهُوَ أُمَيّةُ بْنُ عَابِدٍ: رِفَاعَةُ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ. وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ، قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِىّ الْعَجْلانِىّ. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ. وَزُهَيْرُ ابْنُ أَبِى رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ أُبَىّ بْنُ الْعَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَالسّائِبُ بْنُ أَبِى رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. وَمِنْ بَنِى أَبِى السّائِبِ، وَهُوَ صَيْفِىّ بْنُ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ: السّائِبُ بْنُ أَبِى السّائِبِ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ. وَالأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بْنِ هِلالِ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَخْبَرَنَا أَصْحَابُنَا جَمِيعًا بِذَلِكَ. وَحَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، قَتَلَهُ يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ؛ وَأَخُوهُ جَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ قَتَلَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ. وَمِنْ بَنِى عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ: حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذٍ قَتَلَهُ عَلِىّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. وَعُوَيْمِرُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ النّعْمَانُ ابْنُ أَبِى مَالِكٍ - تِسْعَةَ عَشَرَ. وَمِنْ بَنِى جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ: أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَتَلَهُ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافَ وَبِلالٌ شَرِكَا فِيهِ. أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ أَبِى طُوَالَةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، بِذَلِكَ. وَحَدّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قَتَلَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ ابْنِ مَالِكٍ وَعَلِىّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَأَوْسُ بْنُ الْمِعْيَرِ بْنِ لُوذَانَ قَتَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، شَرِكَا فِيهِ. وَحَدّثَنِى قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قَالَتْ: قَتَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ. وَمُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ، وَيُقَالُ: عَلِىّ، وَيُقَالُ: أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ. حَدّثَنِى أُبَىّ بْنُ عَبّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ، قَالَ: أَنَا قَتَلْت مُنَبّهَ بْنَ الْحَجّاجِ. وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ. وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِىّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ. وَحَدّثَنِى أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا: قَتَلَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ. وَحَدّثَنِى حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، بِذَلِكَ. وَعَاصِمُ بْنُ أَبِى عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدٍ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ - سَبْعَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ، ثُمّ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ. وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ كَلْبٍ، قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخِى يَحْيَى. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ يُحْصَى قَتْلُهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً. مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ وَشَرِكَ فِى قَتْلِهِ - اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلاً.

  • * *

تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمٍ وَهُوَ غَائِبٌ ثَلاثُمِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ عُمَرَ، وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ. وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ. وَحَدّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَوَالِى عِشْرُونَ رَجُلاً. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ حَسَنٍ يَقُولُ: مَا شَهِدَ بَدْرًا إلاّ قُرَشِىّ أَوْ أَنْصَارِىّ، أَوْ حَلِيفٌ لِقُرَشِىّ أَوْ حَلِيفٌ لأَنْصَارِىّ أَوْ مَوْلًى لَهُمْ. مِنْ بَنِى هَاشِمٍ: مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ ÷ الطّيّبُ الْمُبَارَكُ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حُصَيْنٍ الْغَنَوِىّ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ، حَلِيفَانِ لِحَمْزَةَ وَأَنَسَةُ مَوْلَى النّبِىّ ÷ وَأَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى النّبِىّ ÷. وَشَهِدَهَا شُقْرَانُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلنّبِىّ ÷ وَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ بِشَيْءٍ وَكَانَ عَلَى الأَسْرَى فَأَحْذَاهُ كُلّ رَجُلٍ لَهُ أَسِيرٌ فَأَصَابَ أَكْثَرَ مِمّا أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ - ثَمَانِيَةٌ سِوَى شُقْرَانَ. كَبْشَةَ مَوْلَى النّبِىّ ÷. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ - أَنّ النّبِىّ ÷ ضَرَبَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ - وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا، وَلَيْسَ فِى صَدْرِ الْكِتَابِ تَسْمِيَتُهُ. وَمِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ لَمْ يَحْضُرْ تَخَلّفَ عَلَى ابْنَةِ النّبِىّ ÷ رُقَيّةَ. فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ - ذَكَرَهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا - وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَسَالِمٌ مَوْلَى حُذَيْفَةَ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِى غَنْمِ بْنِ دُودَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ. وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنٍ؛ وَسِنَانُ بْنُ أَبِى سِنَانِ بْنِ مِحْصَنٍ وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَعُتْبَةُ بْنُ وَهْبٍ. وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ؛ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَمِدْلاجُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَثَقّافُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَحَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِىّ. حَدّثَنِى بِهِ أَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ وَزَعَمَ لِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزّهْرِىّ أَنّهُ أَرْبَدُ بْنُ حُمَيْرَةَ وَأَنّهُ يُكَنّى أَبَا مَخْشِىّ وَأَنّهُ مِنْ بَنِى أَسَدِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنّ صُبَيْحًا مَوْلَى الْعَاصِ تَجَهّزَ إلَى بَدْرٍ فَاشْتَكَى، فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ النّبِىّ ÷ - هُمْ سِتّةَ عَشَرَ سِوَى صُبَيْحٍ. وَمِنْ بَنِى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ، أَخُوهُ سُلَيْمٌ. وَمِنْ بَنِى مَازِنٍ حُبَابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ؛ وَحَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ بْنِ قُصَىّ: طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَحَدّثَنِيهِ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ بْنِ مَالِكِ ابْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى زُهْرَةَ بْنِ كِلابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِىّ؛ وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ فَأْسِ بْنِ ذُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهُودَ بْنِ بَهْرَاءَ، وَهُوَ الّذِى كَانَ يُقَالُ لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ؛ وَخَبّابُ بْنُ الأَرَتّ بْنِ جَنْدَلَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ مَوْلَى أُمّ سِبَاعِ بِنْتِ أَنْمَارَ. أَخْبَرَنِى بِنَسَبِ خَبّابٍ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى يَتِيمُ عُرْوَةَ. وَمَسْعُودُ بْنُ الرّبِيعِ مِنْ الْقَارّةِ؛ وَذُو الْيَدَيْنِ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى مِنْ خُزَاعَةَ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى تَيْمٍ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ وَبِلالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بْنِ هِلالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ؛ وَأَرْقَمُ بْنُ أَبِى الأَرْقَمِ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَمْرَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ: عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِيَاحٍ؛ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ؛ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، كَانَ النّبِىّ ÷ بَعَثَهُ هُوَ وَطَلْحَةَ يَتَحَسّبَانِ الْعِيرَ. فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ابْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ رِيَاحٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ عَاقِلُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ قُتِلَ يَوْمَ الرّجِيعِ، وَإِيَاسُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ وَعَامِرُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ. وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ مِنْ الْيَمَنِ؛ وَخَوْلِىّ وَابْنُهُ حَلِيفَانِ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنْزِىّ - عَنْزٌ بَطْنٌ مِنْ رَبِيعَةَ - حَلِيفٌ لَهُمْ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، حَلِيفٌ لَهُمْ - ثَلاثَةَ عَشَرَ. وَمِنْ بَنِى جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ؛ وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ؛ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنُ مَظْعُونٍ؛ وَالسّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ؛ وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ. وَمِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، كَانَ أَقْبَلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَانْحَازَ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَوَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ. حَدّثَنِى بِهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِيهِ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: وَحَدّثَنِيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنَ مُحَمّدٍ، وَأَبُو سَبْرَةَ ابْنُ أَبِى رُهْمٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ يَمَانِىّ؛ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ. حَدّثَنِى بِهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ بِذَلِكَ - وَهُمْ سِتّةٌ سِوَى حَاطِبٍ. حَدّثَنِى عَطَاءُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلٍ مَعَ أَبِيهِ فِى نَفَقَتِهِ وَخَرَجَ وَلا يَشُكّ أَبُوهُ أَنّهُ عَلَى دِينِهِ، فَلَمّا قَرّبُوا انْحَازَ حَتّى جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَبْلَ الْقِتَالِ فَغَاظَ أَبَاهُ ذَلِكَ. فَقَالَ سُهَيْلٌ: فَجَعَلَ اللّهُ لِى وَلَهُ فِى ذَلِكَ خَيْرًا. وَمِنْ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ وَصَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرٍ وَمَعْمَرُ بْنُ أَبِى سَرْحٍ وَعَمْرُو بْنُ أَبِى عَمْرٍو؛ وَهُمْ مِنْ بَنِى ضَبّةَ - وَهُمْ سِتّةٌ. فَحَدّثَنِى نَافِعُ بْنُ أَبِى نَافِعٍ أَبُو الْحُصَيْبِ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ سُهْمَانُ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِائَةَ سَهْمٍ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ سِتّةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً، وَالأَنْصَارُ مِائَتَيْنِ وَسَبْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلاً. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ ثَلاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلاً، وَالأَنْصَارُ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَىْ رَجُلٍ. وَمِنْ الأَنْصَارِ، مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ؛ وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ ابْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بَنِى زَعُورَا: سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ بْنِ كَعْبٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ؛ وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَا بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ بْنِ عَدِىّ بْنِ أَبِى غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِى حَارِثَةَ مِنْ الْقَوَاقِلَةِ دَارُهُ فِيهِمْ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِىّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ بَنِى حَارِثَةَ. وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشِ بْنِ عَدِىّ بْنِ مَجْدَعَةَ قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِى عُبَيْدٍ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ بَلِىّ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ - خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً. وَمِنْ بَنِى حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ: مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ وَأَبُو عَبْسِ ابْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ حَارِثَةَ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ مِنْ بَلِىّ - وَهُمْ ثَلاثَةٌ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِى عَبْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ مِثْلَهُ - عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِى عَبْسِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ. وَمِنْ بَنِى ظَفَرٍ مِنْ بَنِى سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ: قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ. وَمِنْ بَنِى رِزَاحِ بْنِ كَعْبٍ: نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ رِزَاحِ بْنِ ظَفَرِ بْنِ كَعْبِ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: رَجُلانِ مِنْ بَلِىّ، عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقِ بْنِ مَالِكِ بْنِ تَيْمِ بْنِ شُعْبَةَ بْنِ سَعْدِ اللّهِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِىّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ قُتِلَ بِالرّجِيعِ وَأَخُوهُ لأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أُنَاسِ بْنِ تَيْمِ بْنِ شُعْبَةَ بْنِ سَعْدِ اللّهِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِىّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ - ثَمَانِيَةٌ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِى عَبْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، وَحَدّثَنِيهِ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ مِثْلَهُ. وَمِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ؛ وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَرَافِعُ بْنُ عَنْجَدَةَ - اسْمُ أُمّهِ عَنْجَدَةُ - وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ. وَأَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، اسْتَعْمَلَهُ النّبِىّ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ رَدّهُ مِنْ الرّوْحَاءِ. وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، رَدّهُ مِنْ الرّوْحَاءِ، ضَرَبَ لَهُ بِسَمْهِهِ وَأَجْرِهِ - تِسْعَةٌ. وَمِنْ بَنِى ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ - وَقَيْسٌ أَبُو الأَقْلَحِ، كُنْيَتُهُ ابْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ قُتِلَ بِالرّجِيعِ وَالأَحْوَصُ الشّاعِرُ مِنْ وَلَدِهِ - وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ، وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ لا عَقِبَ لَهُ، وَعُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدِ ابْنِ الأَزْعَرِ لا عَقِبَ لَهُ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ عُكَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَة - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ابْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ زَوْجُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ لا عَقِبَ لَهُ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: مَعْنُ بْنُ عَدِىّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلانِ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ; وَرِبْعِىّ ابْنُ رَافِعٍ، وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، قُتِلَ يَوْمَ طُلَيْحَةَ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِىّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلانِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عَدِىّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلانِ لا عَقِبَ لَهُ. وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلانِ فَرَدّهُ النّبِىّ ÷ - وَضَرَبَ لَهُ بِأَجْرِهِ وَسَهْمِهِ - إلَى مَسْجِدِ الضّرَارِ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُمْ وَسَالِمٌ مَوْلَى ثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارَ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ. حَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ، عَنْ أَبِى الْبَدّاحِ ابْنِ عَاصِمٍ بِذَلِكَ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى ثَعْلَبَة بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، أَمِيرُ النّبِىّ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى الرّمَاةِ وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو حَنّةَ - وَلَيْسَ فِى بَدْرٍ أَبُو حَنّةَ - وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ وَالْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَبِى خَذْمَةَ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ، كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ خَوّاتِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ ذَلِكَ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلاحِ بْنِ حَرِيشِ بْنِ جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ، وَيُكْنَى أَبَا عَبْدَةَ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ، وَلأُحَيْحَةَ عَقِبٌ مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِى أُنَيْفٍ: أَبُو عَقِيلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ بَيْحَانَ، وَكَانَ اسْمُ أَبِى عَقِيلٍ عَبْدَ الْعُزّى فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدَ الرّحْمَنِ عَدُوّ الأَوْثَانِ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ، وَهُوَ أَبُو عَقِيلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ بَيْحَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ يَرَاشَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُبَيْلَةَ بْنِ قَسْمِيلَ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِىّ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ: سَعْدُ ابْنُ خَيْثَمَةَ، قُتِلَ بِبَدْرٍ وَالْمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ، وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ، وَابْنُ عَرْفَجَةَ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِى غَنْمِ بْنِ السّلْمِ - خَمْسَةٌ. فَهَؤُلاءِ الأَوْسُ. وَمِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَابِرُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَالِكُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ نُمَيْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَنُعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِىّ، وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ ابْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ لَيْسَ ثَبْتٌ. وَمِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ النّجّارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ ثُمّ مِنْ بَنِى ثَعْلَبَة بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ أَبُو أَيّوبَ، وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَة، مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. وَمِنْ بَنِى عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ: ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ. وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ: عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ. وَمِنْ بَنِى عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ: حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ؛ وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ ابْنِ قَهْدٍ. وَاسْمُ قَهْدٍ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِى عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ غَنْمٍ: سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِى عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ غَنْمٍ، وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَاسْم أَبِى الزّغْبَاءِ سِنَانُ بْنُ سُبَيْعِ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ بُدَيْلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَدِىّ بْنِ نَصْرِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ غَنْمٍ: مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ؛ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة؛ وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ: عَوْفُ وَمُعَوّذُ وَمُعَاذُ بَنُو الْحَارِثِ ابْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بَنُو عَفْرَاءَ، وَهِىَ ابْنَةُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة؛ وَنُعَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ سَوَادٍ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ؛ وَعَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ سَوَادٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو ابْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ، وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِىّ بْنِ سَوَادٍ؛ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ وَرَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ: وَدِيعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جُرَادِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ طُحَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ الرّبَعَةِ بْنِ رُشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت الرّبَيّعَ بِنْتَ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ تَقُولُ: أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلًى لِلْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ: فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ مِثْلَهُ - اثْنَا عَشَرَ بِأَبِى الْحَمْرَاءِ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ مِنْ بَنِى غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ثَلاثَةٌ وَعِشْرُونَ بِأَبِى الْحَمْرَاءِ. وَمِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، ثُمّ مِنْ بَنِى عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ: ثَعْلَبَة بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ ابْنُ عَتِيكِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ، ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ - حَدّثَنِيهِ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا - وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ؛ وَهُمْ ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِى قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ رِفَاعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ: أُبَىّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ؛ وَأَنَسُ ابْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ابْنِ النّجّارِ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ؛ وَأَبُو شَيْخٍ وَاسْمُهُ أُبَىّ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَأَبُو طَلْحَةَ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ النّجّارِ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِىّ بْنِ مَالِكٍ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَة بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ، وَيُكْنَى عَمْرٌو أَبَا حَكِيمَةَ وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ وَاسْمُهُ أُسَيْرَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ; وَعَمْرٌو يُكْنَى أَبَا خَارِجَةَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرٍ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرٍ وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِىّ؛ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ ابْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ؛ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِىّ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِىّ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ السّكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَيُكْنَى قَيْسٌ أَبَا زَيْدٍ وَأَبُو الأَعْوَرِ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبٍ وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ؛ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى مَازِنِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِى عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: قَيْسُ بْنُ أَبِى صَعْصَعَةَ، وَاسْمُ أَبِى صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ ابْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ. فَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أَنّ النّبِىّ ÷ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمُشَاةِ. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ، وَهُوَ كَانَ عَامِلَ النّبِىّ ÷ عَلَى الْمَغَانِمِ يَوْمَ بَدْرٍ; وَعُصَيْمٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِى أَسَدٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: عُمَيْرٌ وَيُكْنَى أَبَا دَاوُدَ ابْنَ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولٍ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى ثَعْلَبَة بْنِ مَازِنٍ: قَيْسُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ مَازِنٍ. وَمِنْ بَنِى دِينَارِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِى مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ: النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو ابْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَة، وَهُوَ أَخٌ لِلنّعْمَانِ وَالضّحّاكِ ابْنَىْ عَبْدِ عَمْرٍو لأُمّهِمَا؛ وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَارْتُثّ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ مِنْ الْقَتْلَى؛ وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ وَسَعِيدُ بْنُ سُهَيْلِ ابْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ. وَمِنْ بَنِى قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ: كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِى بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ - وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة: سَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِى زُهَيْرِ بْن مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ; وَخَلاّدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، قُتِلَ يَوْمَ بَنِى قُرَيْظَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ صِهْرًا لأَبِى بَكْرٍ، ابْنَتُهُ خَارِجَةُ امْرَأَةُ أَبِى بَكْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ جُلاسٍ، قُتِلَ يَوْمَ عَيْنِ التّمْرِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ؛ وَسُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ وَعُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكٍ وَسِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرٍ؛ وَيَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَاَلّذِى يُقَالُ لَهُ فُسْحُمٌ - سِتّةٌ. وَمِنْ بَنِى جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَمِنْ بَنِى أَخِيهِ وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ: خُبَيْبُ بْنُ يَسَافَ بْنِ عِنَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ الّذِى أُرِىَ الأَذَانَ وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدٍ، حَدّثَنِى بِهِ شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ حُرَيْثًا شَهِدَ بَدْرًا، وَأَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ وَسُفْيَانُ بْنُ بِشْرٍ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى جُدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِىّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جُدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِى جُدَارَةَ وَيَزِيدُ بْنُ الْمُزَيّنِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى الأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبّادِ بْنِ الأَبْجَرِ - وَاحِدٌ. وَمِنْ بَنِى عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى، وَإِنّمَا كَانَ سَالِمٌ عَظِيمَ الْبَطْنِ فَسُمّىَ الْحُبْلَى: عَبْدُ اللّهِ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ السّلُولِ، وَإِنّمَا السّلُولُ امْرَأَةٌ وَهِىَ، أُمّ أُبَىّ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكٍ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى جَزْءِ بْنِ عَدِىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ: زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ ابْنِ غَنْمٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ وَعُقْبَةُ ابْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِى عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ؛ وَمَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قَشْعَرَ بْنِ الْقَدْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، وَيُكْنَى أَبَا خَمِيصَةَ وَعَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ حَلِيفٌ لَهُمْ - سِتّةٌ. وَمِنْ بَنِى سَالِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى الْعَجْلانِ بْنِ غَنْمِ ابْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلانِ، وَغَسّانُ بْنُ مَالِكِ ابْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلانِ وَمُلَيْلُ بْنُ وَبْرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلانِ، وَعِصْمَةُ ابْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلانِ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ أَصْرَمَ؛ وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ. وَمِنْ بَنِى دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنْمٍ: النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ دَعْدٍ وَهُوَ الّذِى يُسَمّى قَوْقَلاً. قَالَ الْوَاقِدِىّ: إنّمَا سُمّىَ قَوْقَلاً لأَنّهُ كَانَ إذَا اسْتَجَارَ بِهِ رَجُلٌ قَالَ لَهُ: قَوْقِلْ بِأَعْلا يَثْرِبَ وَأَسْفَلِهَا فَأَنْتَ آمِنٌ فَسُمّىَ الْقَوْقَلَ. وَمِنْ بَنِى قُرْيُوش بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: أُمَيّةُ بْنُ لُوذَانَ بْنِ سَالِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ هَزّالِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوش بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِى دَعْدٍ رَجُلانِ. وَمِنْ بَنِى مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ: مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ - وَاحِدٌ. وَمِنْ بَنِى لُوذَانَ بْنِ غَنْمٍ: رَبِيعُ بْنُ إيَاسٍ؛ وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ؛ وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَلِىّ، ثُمّ مِنْ بَنِى غُصَيْنَةَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَمَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَمَرَةَ، وَبَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَة بْنِ خَزْمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَارَةَ؛ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَة بْنِ خَزْمَةَ بْنِ أَصْرَمَ، وَحَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَهْرَاءَ، يُقَالُ لَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ. قَالَ وَأَصْحَابُنَا جَمِيعًا أَنّ الْحَلِيفَ ثَبَتَ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَنِى سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ الْخَزْرَجِ: أَبُو دُجَانَةَ وَهُوَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ بْنِ لُوذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ ثَعْلَبَة، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ; وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِلنّبِىّ ÷ عَلَى الْقَوْمِ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى سَاعِدَةَ، مِنْ بَنِى الْبَدِىّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفٍ: أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِىّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ؛ وَهَؤُلاءِ بَنُو الْبَدِىّ. حَدّثَنِى أُبَىّ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: “تَجَهّزَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ يَخْرُجُ إلَى بَدْرٍ فَمَرِضَ فَمَاتَ فَمَوْضِعُ قَبْرِهِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ فَارِطٍ فَأَسْهَمَ لَهُ النّبِىّ ÷ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ”. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: مَاتَ بِالرّوْحَاءِ، وَأَسْهَمَ لَهُ النّبِىّ ÷ وَهُوَ مِنْ بَنِى الْبَدِيّ. وَمِنْ بَنِى طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: عَبْدُ رَبّهِ بْنُ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ طَرِيفٍ؛ وَكَعْبُ بْنُ جَمّازِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَة، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ غَسّانَ؛ وَضَمْرَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِىّ بْنِ عَامِرِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ مَرْدَغَةَ بْنِ عَدِىّ بْنِ غَنْمِ بْنِ الرّبَعَةِ بْنِ رُشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ؛ وَبَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ خَرَشَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ رُشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِىّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمٍ، مِنْ بَنِى حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ: خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ حَرَامٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ حَرَامٍ وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ؛ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، قُتِلَ بِبَدْرٍ وَمُعَاذُ بْنُ الْجَمُوحِ وَمُعَوّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَة، قُتِلَ بِأُحُدٍ وَهُوَ أَبُو جَابِرٍ وَحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ ابْنِ كَعْبٍ وَخَلاّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِى ابْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ؛ وَحَبِيبُ بْنُ الأَسْوَدِ مَوْلًى لَهُمْ وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَة بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة الّذِى يُقَالُ لَهُ: الْجِذْعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ حَرَامٍ - أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً. حَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ ابْنَىْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، أَنّ مُعَاذَ بْنَ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَيْسَ بِمُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ. وَمِنْ بَنِى عُبَيْدِ بْنِ عَدِىّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِى خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ سِنَانِ بْنِ صَيْفِىّ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ؛ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِىّ ابْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَحَمْزَةُ بْنُ الْحُمَيّرِ - قَالَ وَسَمِعْت أَنّهُ خَارِجَةُ بْنُ الْحُمَيّرِ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحُمَيّرِ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ مِنْ بَنِى دُهْمَانَ. وَمِنْ بَنِى نُعْمَانَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَدِىّ بْنِ غَنْمٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ سِنَانٍ؛ وَنُعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلًى لَهُمْ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ؛ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ سِنَانٍ وَيُقَالُ: لَبْدَةُ بْنُ قَيْسٍ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِىّ: يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ؛ وَأَخُوهُ مَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْذَمَةَ بْنِ خُنَاسٍ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى خَنْسَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ: جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ - وَاحِدٌ. وَمِنْ بَنِى ثَعْلَبَة بْنِ عُبَيْدٍ: الضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عُبَيْدٍ؛ وَسَوَادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عُبَيْدٍ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِىّ بْنِ غَنْمٍ وَأَخُوهُ مَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِىّ بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِى سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِى حَدِيدَةَ: يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ ابْنِ حَدِيدَةَ وَيُكْنَى يَزِيدُ أَبَا الْمُنْذِرِ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ؛ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ نَابِى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ: عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ غَنَمَةَ بْنِ عَدِىّ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِى كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَثَعْلَبَةُ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا أُنَيْسٍ اللّذَانِ كَسّرَا أَصْنَامَ بَنِى سَلِمَةَ. وَمِنْ بَنِى زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِى مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: قَيْسُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ، وَيُكْنَى أَبَا عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَالِدٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُخَلّدٍ - سَبْعَةٌ. وَمِنْ بَنِى خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ - وَاحِدٌ. وَمِنْ بَنِى خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: أَسْعَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ ابْنِ عَامِرٍ وَالْفَاكِهُ بْن بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ؛ وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ ابْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ بْنُ مَاعِصٍ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى الْعَجْلانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلانِ؛ وَخَلاّدُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلانِ؛ وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلانِ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لُوذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ عَدِىّ بْنِ مَالِكٍ؛ وَأَخُوهُ هِلالُ بْنُ الْمُعَلّى، قُتِلَ بِبَدْرٍ - اثْنَانِ. وَمِنْ بَنِى بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ: زِيَادُ بْنُ لَبِيدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرٍ وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلان بْنِ عَلِىّ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ؛ وَرُحَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَة بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَة بْنِ بَيَاضَةَ – أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ: حُلَيْفَةُ بْنُ عَدِىّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ ابْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَغَنّامُ بْنُ أَوْسِ بْنِ غَنّامِ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. حَدّثَنِى بِذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ أَنّ الرّجُلَيْنِ ثَبَتَ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَلَيْسَ بِمُجْتَمَعٍ عَلَيْهِمَا.

  • * *





ذكر سَرِيّةِ قَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ مِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ تَحْتَ يَزِيدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِىّ وَكَانَتْ تُؤْذِى النّبِىّ ÷ وَتَعِيبُ الإِسْلامَ وَتُحَرّضُ عَلَى النّبِىّ ÷ وَقَالَتْ شِعْرًا: وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِى الْخَزْرَجِ فَلا مِنْ مُرَادٍ وَلا مُذْحِجِ كَمَـــا يُـــرْتَجَى مَـــرَقُ الْمُنْضَجِ فَبِاسْتِ بَنِى مَالِكٍ والنّبِيتِ أَطَعْتُمْ أَتَاوِىّ مِنْ غَيْرِكُمْ تَرَجّوْنَهُ بَعْدَ قَتْــــلِ الــــــرّءُوسِ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ الْخَطْمِىّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُهَا وَتَحْرِيضُهَا: اللّهُمّ إنّ لَك عَلَىّ نَذْرًا لَئِنْ رَدَدْت رَسُولَ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ لأَقْتُلَنّهَا - وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ بِبَدْرٍ - فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ بَدْرٍ جَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ فِى جَوْفِ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهَا فِى بَيْتِهَا، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِى صَدْرِهَا؛ فَجَسّهَا بِيَدِهِ فَوَجَدَ الصّبِىّ تُرْضِعُهُ فَنَحّاهُ عَنْهَا، ثُمّ وَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ النّبِىّ ÷ بِالْمَدِينَةِ. فَلَمّا انْصَرَفَ النّبِىّ ÷ نَظَرَ إلَى عُمَيْرٍ، فَقَالَ: “أَقَتَلْت بِنْتَ مَرْوَانَ”؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ. وَخَشِىَ عُمَيْرٌ أَنْ يَكُونَ افْتَاتَ عَلَى النّبِىّ ÷ بِقَتْلِهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَىّ فِى ذَلِكَ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “لا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ”، فَإِنّ أَوّلَ مَا سَمِعْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ النّبِىّ ÷. قَالَ عُمَيْرٌ: فَالْتَفَتَ النّبِىّ ÷ إلَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: “إذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللّهَ وَرَسُولَهُ بِالْغَيْبِ، فَانْظُرُوا إلَى عُمَيْرِ بْنِ عَدِىّ”. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الأَعْمَى الّذِى تَشَدّدَ فِى طَاعَةِ اللّهِ، فَقَالَ: “لا تَقُلْ الأَعْمَى، وَلَكِنّهُ الْبَصِيرُ”، فَلَمّا رَجَعَ عُمَيْرٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَجَدَ بَنِيهَا فِى جَمَاعَةٍ يَدْفِنُونَهَا، فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ حِينَ رَأَوْهُ مُقْبِلاً مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: يَا عُمَيْرُ أَنْتَ قَتَلْتهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَكِيدُونِى جَمِيعًا، ثُمّ لا تُنْظِرُونِ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ مَا قَالَتْ لَضَرَبْتُكُمْ بِسَيْفِى هَذَا حَتّى أَمُوتَ أَوْ أَقْتُلَكُمْ. فَيَوْمَئِذٍ ظَهَرَ الإِسْلامُ فِى بَنِى خَطْمَةَ، وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَسْتَخْفُونَ بِالإِسْلامِ خَوْفًا مِنْ قَوْمِهِمْ. فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُ عُمَيْرَ بْنَ عَدِىّ أَنْشَدَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ: وَخَطْمَةَ دُونَ بَنِى الْخَزْرَجِ

بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِى

كَرِيمَ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ قُبَيْلَ الصّبَاحِ وَلَمْ يَحْرَجِ نِ جَـــذْلانَ فِـــى نِعْمَةِ الْمَوْلِــجِ بَنِى وَائِلٍ وَبَنِى وَاقِفٍ

مَتَى مَا دَعَتْ أُخْتُكُمْ وَيْحَهَا

فَهَزّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ فَضَرّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدّمَاءِ فَــــأَوْرَدَك اللّهُ بَــــرْدَ الْجِنَـــــا حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ قَتْلُ عَصْمَاءَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مَرْجِعَ النّبِىّ ÷ مِنْ بَدْرٍ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.

  • * *







سَرِيّةُ قَتْلِ أَبِى عَفَكٍ حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، وَحَدّثَنَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالا: إنّ شَيْخًا مِنْ بَنِى عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَفَكٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ حِينَ قَدِمَ النّبِىّ ÷ الْمَدِينَةَ، كَانَ يُحَرّضُ عَلَى عَدَاوَةِ النّبِىّ ÷ وَلَمْ يَدْخُلْ فِى الإِسْلامِ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَدْرٍ رَجَعَ وَقَدْ ظَفّرَهُ اللّهُ بِمَا ظَفّرَهُ فَحَسَدَهُ وَبَغَى فَقَالَ مِنْ النّاسِ دَارًا وَلا مَجْمَعَا مُنِيبٍ سِرَاعًا إذَا مَا دَعَا حَرَامًا حَلالاً لِشَتّى مَعَا وَبِالنّصْــــرِ تَـــابَعْتُــــمُ تُــبّعَـــا لقَدْ عِشْت حِينًا وَمَا إنْ أَرَى أَجَمّ عُقُولاً وَآتَى إلَى فَسَلّبَهُمْ أَمْرَهُمْ رَاكِبٌ فَلَـــوْ كَـــانَ بِالْمُلْكِ صَـــدّقْتُــمُ فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ مِنْ بَنِى النّجّارِ: عَلَىّ نَذْرٌ أَنْ أَقْتُلَ أَبَا عَفَكٍ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَأَمْهَلَ فَطَلَبَ لَهُ غِرّةً، حَتّى كَانَتْ لَيْلَةٌ صَائِفَةٌ فَنَامَ أَبُو عَفَكٍ بِالْفِنَاءِ فِى الصّيْفِ فِى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقْبَلَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَوَضَعَ السّيْفَ عَلَى كَبِدِهِ حَتّى خَشّ فِى الْفِرَاشِ وَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ فَثَابَ إلَيْهِ أُنَاسٌ مِمّنْ هُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَأَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَقَبَرُوهُ. وَقَالُوا: مَنْ قَتَلَهُ؟ وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ لَقَتَلْنَاهُ بِهِ، فَقَالَتْ النّهْدِيّةُ فِى ذَلِكَ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً هَذِهِ الأَبْيَاتَ: لَعَمْرُ الّذِى أَمْنَاكَ إذْ بِئْسَ مَا يُمْنَى أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِالسّنّ أَبَاتَك حِلْسَ اللّيْلِ مِنْ إنْسٍ أوْ جِنّــى تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا

حَبَاك حَنِيفٌ آخِرَ اللّيْلِ طَعْنَةً

فَإِنّـــى وَإِنْ أَعْلَـــمْ بِقَاتِلِك الّـــذِي فَحَدّثَنِى مَعْنُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ رُقَيْشٍ، قَالَ: قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا.

  • * *


غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا، حَاصَرَهُمْ النّبِىّ ÷ إلَى هِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ الْحَارِتِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ قَالَ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ، وَادَعَتْهُ يَهُودُ كُلّهَا، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كِتَابًا. وَأَلْحَقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّ قَوْمٍ بِحُلَفَائِهِمْ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا، فَكَانَ فِيمَا شَرَطَ أَلاّ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوّا. فَلَمّا أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، بَغَتْ يَهُودُ وَقَطَعَتْ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ الْعَهْدِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ اللّهُ بِكُمْ مِثْلَ وَقْعَةِ قُرَيْشٍ. فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ لا يَغُرّنّكَ مَنْ لَقِيت، إنّك قَهَرْت قَوْمًا أَغْمَارًا. وَإِنّا وَاَللّهِ أَصْحَابُ الْحَرْبِ وَلَئِنْ قَاتَلْتنَا لَتَعْلَمَنّ أَنّك لَمْ تُقَاتِلْ مِثْلَنَا. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ جَاءَتْ امْرَأَةٌ نَزِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ إلَى سُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ فِى حُلِىّ لَهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ مِنْ وَرَائِهَا وَلا تَشْعُرُ فَخَلّ دِرْعَهَا إلَى ظَهْرِهَا بِشَوْكَةٍ فَلَمّا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بَدَتْ عَوْرَتُهَا فَضَحِكُوا مِنْهَا. فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَتَحَايَشُوا فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إلَى النّبِىّ ÷ وَحَارَبُوا، وَتَحَصّنُوا فِى حِصْنِهِمْ. فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَحَاصَرَهُمْ فَكَانُوا أَوّلَ مَنْ سَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَجْلَى يَهُودَ قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوّلَ يَهُودَ حَارَبَتْ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ×وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ% فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِهَذِهِ الآيَةِ. قَالُوا: فَحَصَرَهُمْ فِى حِصْنِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَشَدّ الْحِصَارِ حَتّى قَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. قَالُوا: أَفَنَنْزِلُ وَنَنْطَلِقُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا، إلاّ عَلَى حُكْمِى”، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَمَرَ بِهِمْ فَرُبِطُوا، قَالَ: فَكَانُوا يُكَتّفُونَ كِتَافًا. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى كِتَافِهِمْ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السّالِمِىّ. قَالَ: فَمَرّ بِهِمْ ابْنُ أُبَىّ، وَقَالَ: حُلّوهُمْ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: أَتَحُلّونَ قَوْمًا رَبَطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷؟ وَاَللّهِ لا يَحُلّهُمْ رَجُلٌ إلاّ ضَرَبْت عُنُقَهُ. فَوَثَبَ ابْنُ أُبَىّ إلَى النّبِىّ ÷، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَنْبِ دِرْعِ النّبِىّ ÷ مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِى مَوَالِىّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النّبِىّ ÷ غَضْبَانَ مُتَغَيّرَ الْوَجْهِ، فَقَالَ: “وَيْلَك، أَرْسِلْنِى”، فَقَالَ: لا أُرْسِلُك حَتّى تُحْسِنَ فِى مَوَالِىّ أَرْبَعُ مِائَةِ دَارِعٍ وَثَلَثُمِائَةِ حَاسِرٍ مَنَعُونِى يَوْمَ الْحَدَائِقِ، وَيَوْمَ بُعَاثٍ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ تُرِيدُ أَنْ تَحْصِدَهُمْ فِى غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ يَا مُحَمّدُ إنّى امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خَلّوهُمْ لَعَنَهُمْ اللّهُ، وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ”. فَلَمّا تَكَلّمَ ابْنُ أُبَىّ فِيهِمْ تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ ابْنُ أُبَىّ بِحُلَفَائِهِ مَعَهُ وَقَدْ أَخَذُوا بِالْخُرُوجِ يُرِيدُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَنْ يُقِرّهُمْ فِى دِيَارِهِمْ، فَيَجِدُ عَلَى بَابِ النّبِىّ ÷ عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَرَدّهُ عُوَيْمٌ، وَقَالَ: لا تَدْخُلْ حَتّى يُؤْذِنَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَك. فَدَفَعَهُ ابْنُ أُبَىّ، فَغَلُظَ عَلَيْهِ عُوَيْمٌ حَتّى جَحَشَ وَجْهَ ابْنِ أُبَىّ الْجِدَارُ، فَسَالَ الدّمُ فَتَصَايَحَ حَلْفَاؤُهُ مِنْ يَهُودَ فَقَالُوا: أَبَا الْحُبَابِ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَقْدِرُ أَنْ نُغَيّرَهُ. فَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ قِرّوا فَجَعَلُوا يَتَصَايَحُونَ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرًا وَلَقَدْ كَانُوا أَشْجَعَ يَهُودَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ أُبَىّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَصّنُوا، وَزَعَمَ أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَخَذَلَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَزِمُوا حِصْنَهُمْ فَمَا رَمَوْا بِسَهْمٍ وَلا قَاتَلُوا حَتّى نَزَلُوا عَلَى صُلْحِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَحُكْمِهِ وَأَمْوَالُهُمْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷. فَلَمّا نَزَلُوا وَفَتَحُوا حِصْنَهُمْ كَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الّذِى أَجْلاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ. وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ سِلاحِهِمْ ثَلاثَ قِسِىّ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومَ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الرّوْحَاءَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ؛ وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلاحِهِمْ دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصّغْدِيّةُ وَأُخْرَى فِضّةُ وَثَلاثَةَ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِىّ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ: بَتّارٌ وَسَيْفٌ آخَرُ وَثَلاثَةَ أَرْمَاحٍ. قَالَ: وَوَجَدُوا فِى حُصُونِهِمْ سِلاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ وَكَانُوا صَاغَةً. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَوَهَبَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷ دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً يُقَالُ لَهَا: السّحْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلا قِرَابٌ - يَعْنِى مَزَارِعَ - وَخَمّسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - وَنَحْنُ مَوَالِيك - فَعَلْت هَذَا بِنَا؟ قَالَ لَهُمْ: عُبَادَةُ لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ. وَكَانَ ابْنُ أُبَىّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِى الْحِلْفِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ: تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَبَا الْحُبَابِ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الإِسْلامُ الْعُهُودَ أَمَا وَاَللّهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ: يَا مُحَمّدُ إنّ لَنَا دَيْنًا فِى النّاسِ. قَالَ النّبِىّ ÷: “تَعَجّلُوا وَضَعُوا”، وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالإِجْلاءِ وَطَلَبُوا التّنَفّسَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَكُمْ ثَلاثٌ لا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ. فَلَمّا مَضَتْ ثَلاثٌ خَرَجَ فِى آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ، وَهُوَ يَقُولُ: الشّرَفَ الأَبْعَدَ الأَقْصَى، فَأَقْصَى وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ، ثُمّ رَجَعَ وَلَحِقُوا بِأَذْرِعَاتٍ. وَقَدْ سَمِعْنَا فِى إجْلائِهِمْ حَيْثُ نَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ حَسَدُوا فَأَظْهَرُوا الْغِشّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ بِهَذِهِ الآيَةِ ×وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ% قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَأَنَا أَخَافُهُمْ”، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِهَذِهِ الآيَةِ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ أَمْوَالُهُمْ وَلَهُمْ الذّرّيّةُ وَالنّسَاءُ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّى لَبِال فَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ، إذْ لَقِيت بَنِى قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا: أَجْلانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا. قُلْت: فَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الشّامَ. قَالَ سَبْرَةُ: فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِى الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِى الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلاً مِنْهُمْ وَقَوّوْهُمْ وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ. حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلاثَ مَرّاتٍ بَدْرَ الْقِتَالِ وَبَنِى قَيْنُقَاعَ، وَغَزْوَةَ السّوِيقِ.

  • * *





غَزْوَةُ السّوِيق غَزْوَةُ السّوِيقِ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الأَحَدِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحِجّةِ فَغَابَ خَمْسَةَ أَيّامٍ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالا: لَمّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ إلَى مَكّةَ مِنْ بَدْرٍ حَرّمَ أَبُو سُفْيَانَ الدّهْنَ حَتّى يَثْأَرَ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِمَنْ أُصِيبَ مِنْ قَوْمِهِ. فَخَرَجَ فِى مِائَتَىْ رَاكِبٍ - فِى حَدِيثِ الزّهْرِىّ، وَفِى حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ فِى أَرْبَعِينَ رَاكِبًا - حَتّى سَلَكُوا النّجْدِيّةَ. فَجَاءُوا بَنِى النّضِيرِ لَيْلاً، فَطَرَقُوا حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ لِيَسْتَخْبِرُوهُ مِنْ أَخْبَارِ النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ، وَطَرَقُوا سَلاّمَ بْنَ مِشْكَمٍ فَفَتَحَ لَهُمْ فَقَرَاهُمْ وَسَقَى أَبَا سُفْيَانَ خَمْرًا، وَأَخْبَرَهُ مِنْ أَخْبَارِ النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ. فَلَمّا كَانَ بِالسّحَرِ خَرَجَ فَمَرّ بِالْعُرَيْضِ فَيَجِدُ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ مَعَ أَجِيرٍ لَهُ فِى حَرْثِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَجِيرَهُ، وَحَرّقَ بَيْتَيْنِ بِالْعُرَيْضِ، وَحَرّقَ حَرْثًا لَهُمْ وَرَأَى أَنّ يَمِينَهُ قَدْ حُلّتْ ثُمّ ذَهَبَ هَارِبًا، وَخَافَ الطّلَبَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَخَرَجُوا فِى أَثَرِهِ وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ يَتَخَفّفُونَ فَيُلْقُونَ جُرُبَ السّوِيقِ - وَهِىَ عَامّةُ زَادِهِمْ - فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَمُرّونَ بِهَا فَيَأْخُذُونَهَا، فَسُمّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزْوَةَ السّوِيقِ لِهَذَا الشّأْنِ حَتّى انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فِى حَدِيثِ الزّهْرِىّ، هَذِهِ الأَبْيَاتَ: عَلَى ظَمَأٍ مِنّى سَلامُ بْنُ مِشْكَمِ بِيَثْرِبَ مَأْوَى كُلّ أَبْيَـــضَ خِضْرِمِ سَقَانِى فَرَوّانِى كُمَيْتًا مُدَامَةً وَذَاكَ أَبُــو عَمْـــرٍو يَجُــودُ وَدَارُهُ كَانَ الزّهْرِىّ يُكَنّيهِ أَبَا عَمْرٍو، وَالنّاسُ يُكَنّونَهُ أَبَا الْحَكَمِ. وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: كَانَتْ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.

  • * *











غَزْوَةُ قَرَارَةَ الْكُدْرِ إلَى بَنِى سُلَيْمٍ وَغَطَفَانَ لِلنّصْفِ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ ثَلاثَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا؛ غَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى قَرَارَةَ الْكُدْرِ، وَكَانَ الّذِى هَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنّهُ بَلَغَهُ أَنّ بِهَا جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ وَسُلَيْمٍ. فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الطّرِيقَ حَتّى جَاءَ فَرَأَى آثَارَ النّعَمِ وَمَوَارِدَهَا، وَلَمْ يَجِدْ فِى الْمَجَالِ أَحَدًا؛ فَأَرْسَلَ فِى أَعْلَى الْوَادِى نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ. وَاسْتَقْبَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى بَطْنِ الْوَادِى، فَوَجَدَ رِعَاءً فِيهِمْ غُلامٌ يُقَال لَهُ: يَسَارٌ فَسَأَلَهُمْ عَنْ النّاسِ فَقَالَ يَسَارٌ: لا عِلْمَ لِى بِهِمْ إنّمَا أُورَدُ لِخَمْسٍ وَهَذَا يَوْمٌ رِبْعِىّ؛ وَالنّاسُ قَدْ ارْتَبَعُوا إلَى الْمِيَاهِ وَإِنّمَا نَحْنُ عُزّابٌ فِى النّعَمِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَدْ ظَفِرَ بِنَعَمٍ فَانْحَدَرَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى إذَا صَلّى الصّبْحَ فَإِذَا هُوَ بِيَسَارٍ فَرَآهُ يُصَلّى، فَأَمَرَ الْقَوْمَ أَنْ يُقَسّمُوا غَنَائِمَهُمْ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَقْوَى لَنَا أَنْ نَسُوقَ النّعَمَ جَمِيعًا، فَإِنّ فِينَا مَنْ يَضْعُفُ عَنْ حَظّهِ الّذِى يَصِيرُ إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اقْتَسِمُوا” فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ أَنْمَا بِك الْعَبْدُ الّذِى رَأَيْته يُصَلّى، فَنَحْنُ نُعْطِيكَهُ فِى سَهْمِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ طِبْتُمْ بِهِ نَفْسًا”؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَعْتَقَهُ وَارْتَحَلَ النّاسُ فَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ، وَاقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ فَأَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ وَكَانَ الْقَوْمُ مِائَتَيْنِ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الصّمَدِ بْنُ مُحَمّدٍ السّعْدِىّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَمّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِى أَرْوَى الدّوْسِىّ، قَالَ: كُنْت فِى السّرِيّةِ وَكُنْت مِمّنْ يَسُوقُ النّعَمَ فَلَمّا كُنّا بِصِرَار - عَلَى ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ - خَمّسَ النّعَمَ وَكَانَ النّعَمُ خَمْسَمِائَةِ بَعِيرٍ فَأَخْرَجَ خُمُسَهُ وَقَسّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَهُمْ بَعِيرَانِ بَعِيرَانِ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، وَكَانَ يُجَمّعُ بِهِمْ وَيَخْطُبُ إلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ يَجْعَلُ الْمِنْبَرَ عَنْ يَسَارِهِ.

  • * *









قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ فَكَانَ الّذِى اجْتَمَعُوا لَنَا عَلَيْهِ قَالُوا: إنّ ابْنَ الأَشْرَفِ كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرّضُ عَلَيْهِمْ كُفّارَ قُرَيْشٍ فِى شِعْرِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلاطٌ - مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِيهِمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَمِنْهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيّيْنِ جَمِيعًا الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلاحَهُمْ كُلّهُمْ وَمُوَادَعَتَهُمْ وَكَانَ الرّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكًا. فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَمَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَبِيّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ: ×وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ% وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ×وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ% الآيَةَ. فَلَمّا أَبَى ابْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النّبِىّ ÷، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَرَأَى الأَسْرَى مُقَرّنِينَ كُبّتْ وَذَلّ ثُمّ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَيْلَكُمْ وَاَللّهِ لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ هَؤُلاءِ سَرَاةُ النّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا، فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا. قَالَ: وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ؟ وَلَكِنّى أَخْرُجُ إلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضّهُمْ وَأَبْكِى قَتْلاهُمْ فَلَعَلّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرُجَ مَعَهُمْ. فَخَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِىّ وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَسِيدِ بْنِ أَبِى الْعِيصِ، فَجَعَلَ يَرْثِى قُرَيْشًا وَيَقُولُ: وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ ذِى بَهْجَةٍ يَأْوِى إلَيْهِ الضّيّعُ حَمّالِ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِى الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا هَلْ نَـــــالَ مِثـْلَ الْمُهْلَكِينَ التّبّـعُ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُذَلّ بِسُخْطِهِمْ صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ طَلْقِ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ نُبّئْت أَنّ بَنِى الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْـــــــدَهُ وَمُنَبّــــــهٌ فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ: مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لا يَسْمَعُ قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ شِبْهَ الْكُلَيْبِ لِلْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ وَأَحَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ فَـــلّ فَلِيـــلٌ هَــارِبٌ يَتَهَــزّعُ أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمُ فَابْكِى فَقَدْ أَبْكَيْتِ عَبْدًا رَاضِعًا وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنْهُمْ سَيّدًا وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُـــمْ مُــتَسَرّعًـــا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ حَسّانَ فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ كَعْبٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ فَقَالَ حَسّانُ: فَخَالُك عَبْدٌ بِالسّرَابِ مُجَرّبُ وَلا خَالِدٌ وَلا الْمُفَاضَةُ زَيْنَبُ كَذُوبٌ شَئُونُ الرّأْسِ قِرْدٌ مُــدَرّبُ أَلا أَبْلِغُوا عَنّى أَسِيدًا رِسَالَةً لَعَمْرُك مَا أَوْفَى أَسِيدٌ بِجَارِهِ وَعَتّــابُ عَبْدٌ غَيْرُ مُوفٍ بِذِمّـــــةٍ فَلَمّا بَلَغَهَا هِجَاؤُهُ نَبَذَتْ رَحْلَهُ وَقَالَتْ: مَا لَنَا وَلِهَذَا الْيَهُودِىّ؟ أَلا تَرَى مَا يَصْنَعُ بِنَا حَسّانُ؟ فَتَحَوّلَ فَكُلّمَا تَحَوّلَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ حَسّانَ، فَقَالَ ابْنُ الأَشْرَفِ: نَزَلَ عَلَى فُلانٍ. فَلا يَزَالُ يَهْجُوهُمْ حَتّى نُبِذَ رَحْلُهُ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مَأْوًى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمّا بَلَغَ النّبِىّ ÷ قُدُومُ ابْنِ الأَشْرَفِ، قَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِى ابْنَ الأَشْرَفِ بِمَا شِئْت فِى إعْلانِهِ الشّرّ وَقَوْلِهِ الأَشْعَارَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لِى بِابْنِ الأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِى”؟ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ. قَالَ: “فَافْعَلْ”، فَمَكَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَيّامًا لا يَأْكُلُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، قُلْت لَك قَوْلاً فَلا أَدْرِى أَفِى لَك بِهِ أَمْ لا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَلَيْك الْجَهْدُ”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “شَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِى أَمْرِهِ”. فَاجْتَمَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنْ الأَوْسِ مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ فَإِنّهُ لا بُدّ لَنَا مِنْهُ، قَالَ: قُولُوا فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ إلَيْهِ فَلَمّا رَآهُ كَعْبٌ أَنْكَرَ شَأْنَهُ وَكَادَ يُذْعَرُ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ كَمِينٌ فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: حَدَثَتْ لَنَا حَاجَةٌ إلَيْك. قَالَ: وَهُوَ فِى نَادِى قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِمْ اُدْنُ إلَىّ فَخَبّرْنِى بِحَاجَتِك. وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ - فَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخَوَيْهِ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الأَشْعَارَ. وَانْبَسَطَ كَعْبٌ وَهُوَ يَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: حَاجَتُك، وَأَبُو نَائِلَةَ يُنَاشِدُهُ الشّعْرَ - وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ - فَقَالَ كَعْبٌ: حَاجَتُك، لَعَلّك أَنْ تُحِبّ أَنْ يَقُومَ مَنْ عِنْدَنَا؟ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ قَامُوا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إنّى كَرِهْت أَنْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ ذَرْوَ كَلامِنَا، فَيَظُنّونَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا مِنْ الْبَلاءِ وَحَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَتَقَطّعَتْ السّبُلُ عَنّا حَتّى جَهِدَتْ الأَنْفُسُ وَضَاعَ الْعِيَالُ أَخَذَنَا بِالصّدَقَةِ وَلا نَجِدُ مَا نَأْكُلُ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ وَاَللّهِ كُنْت أُحَدّثُك بِهَذَا يَا ابْنَ سَلامَةَ أَنّ الأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَمَعِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِى عَلَى مِثْلِ رَأْيِى، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْك طَعَامًا أَوْ تَمْرًا وَتُحْسِنُ فِى ذَلِكَ إلَيْنَا، وَنَرْهَنُك مَا يَكُونُ لَك فِيهِ ثِقَةٌ. قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنّ رِفَافِى تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ أَمَا وَاَللّهِ مَا كُنْت أُحِبّ يَا أَبَا نَائِلَةَ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْخَصَاصَةَ مِنْك، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ عَلَىّ أَنْتَ أَخِى، نَازَعْتُك الثّدْىَ قَالَ سِلْكَانُ: اُكْتُمْ عَنّا مَا حَدّثْتُك مِنْ ذِكْرِ مُحَمّدٍ. قَالَ كَعْبٌ: لا أَذْكُرُ مِنْهُ حَرْفًا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: يَا أَبَا نَائِلَةَ اُصْدُقْنِى ذَاتَ نَفْسِك؛ مَا الّذِى تُرِيدُونَ فِى أَمْرِهِ؟ قَالَ: خِذْلانَهُ وَالتّنَحّىَ عَنْهُ. قَالَ: سَرَرْتنِى يَا أَبَا نَائِلَةَ فَمَاذَا تَرْهَنُونَنِى، أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمْرَنَا وَلَكِنّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ. قَالَ كَعْبٌ: إنّ فِى الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً. وَإِنّمَا يَقُولُ ذَلِكَ سِلْكَانُ لِئَلاّ يُنْكِرَهُمْ إذَا جَاءُوا بِالسّلاحِ، فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إذَا أَمْسَى لِمِيعَادِهِ. ثُمّ أَتَوْا النّبِىّ ÷ عِشَاءً فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمّ وَجّهَهُمْ ثُمّ قَالَ: “امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَعَوْنِهِ” وَيُقَال: وَجّهَهُمْ بَعْدَ أَنْ صَلّوْا الْعِشَاءَ وَفِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِثْلِ النّهَارِ فِى لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. قَالَ: فَمَضَوْا حَتّى أَتَوْا ابْنَ الأَشْرَفِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ ابْنُ الأَشْرَفِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَةِ مِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّك رَجُلٌ مُحَارَبٌ وَلا يَنْزِلُ مِثْلُك فِى هَذِهِ السّاعَةِ. فَقَالَ: مِيعَادٌ إنّمَا هُوَ أَخِى أَبُو نَائِلَةَ وَاَللّهِ لَوْ وَجَدَنِى نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِى، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ دُعِىَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ. ثُمّ نَزَلَ إلَيْهِمْ فَحَيّاهُمْ ثُمّ جَلَسُوا فَتَحَدّثُوا سَاعَةً حَتّى انْبَسَطَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الأَشْرَفِ هَلْ لَك أَنْ تَتَمَشّى إلَى شَرْجِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدّثَ فِيهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا؟ قَالَ: فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ حَتّى وَجّهُوا قِبَلَ الشّرْجِ فَأَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِى رَأْسِ كَعْبٍ، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك، مَا أَطْيَبَ عِطْرِك هَذَا يَا ابْنَ الأَشْرَفِ وَإِنّمَا كَانَ كَعْبٌ يَدّهِنُ بِالْمِسْكِ الْفَتِيتِ بِالْمَاءِ وَالْعَنْبَرِ حَتّى يَتَلَبّدَ فِى صُدْغَيْهِ وَكَانَ جَعْدًا جَمِيلاً. ثُمّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ بِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ إلَيْهِ وَسُلْسِلَتْ يَدَاهُ فِى شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اُقْتُلُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، وَرَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَصِقَ بِأَبِى نَائِلَةَ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْت مِغْوَلاً مَعِى كَانَ فِى سَيْفِى فَانْتَزَعْته فَوَضَعْته فِى سُرّتِهِ، ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ فَقَطَطْته حَتّى انْتَهَى إلَى عَانَتِهِ فَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً مَا بَقِىَ أُطْمٌ مِنْ آطَامِ يَهُودَ إلاّ قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ. فَقَالَ ابْنُ سُنَيْنَةَ يَهُودِىّ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ: إنّى لأَجِدُ رِيحَ دَمٍ بِيَثْرِبَ مَسْفُوحٍ. وَقَدْ كَانَ أَصَابَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ كَعْبًا، فَكَلَمَهُ فِى رِجْلِهِ. فَلَمّا فَرَغُوا احْتَزّوا رَأْسَهُ ثُمّ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ ثُمّ خَرَجُوا يَشْتَدّونَ وَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ يَهُودَ الأَرْصَادَ حَتّى أَخَذُوا عَلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمّ عَلَى قُرَيْظَةَ وَإِنّ نِيرَانَهُمْ فِى الآطَامِ لَعَالِيَةٌ ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى إذَا كَانَ بِحَرّةِ الْعُرَيْضِ نَزَفَ الْحَارِثُ الدّمَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ أَقْرِئُوا رَسُولَ اللّهِ مِنّى السّلامَ فَعَطَفُوا عَلَيْهِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتّى أَتَوْا النّبِىّ ÷. فَلَمّا بَلَغُوا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ كَبّرُوا. وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تِلْكَ اللّيْلَةَ يُصَلّى، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَكْبِيرَهُمْ بِالْبَقِيعِ كَبّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ قَتَلُوهُ. ثُمّ انْتَهَوْا يَعْدُونَ حَتّى وَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ÷ وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقَالُوا: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَمَوْا بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ عَلَى قَتْلِهِ. ثُمّ أَتَوْا بِصَاحِبِهِمْ الْحَارِثِ فَتَفَلَ فِى جُرْحِهِ، فَلَمْ يُؤْذِهِ، فَقَالَ فِى ذَلِك عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ: وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ فَوْقِ قَصْرِ فَقُلْت أَخُوك عَبّادُ بْنُ بِشْرِ فَقَدْ جِئْنَا لِتَشْكُرَنَا وَتَقْرِى بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ حَبّ وَتَمْرٍ لِشَهْرٍ إنْ وَفّى أَوْ نِصْفِ شَهْرِ لَقَدْ عَدِمُوا الْغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ وَقَالَ لَنَا لَقَدْ جِئْتُمْ لأَمْرِ مُجَرّبَةٌ بِهَا الْكُفّارُ نَفْرِى بِهِ الْكَفّانِ كَاللّيْثِ الْهِزَبْرِ فَقَطّرَهُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ قَتَلْنَاهُ الْخَبِيثَ كَذِبْحِ عِتْرِ هُمُ نَاهُوك مِنْ صِدْقٍ وَبِرّ بِأَفْضَـــــلِ نِعْمَــــةٍ وَأَعَزّ نَصْـرِ صَرَخْت بِهِ فَلَمْ يَجْفِلْ لِصَوْتِى فَعُدْت فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمُنَادِى فَقَالَ مُحَمّدٌ أَسْرِعْ إلَيْنَا وَتَرْفِدَنَا فَقَدْ جِئْنَا سِغَابًا وَهَذِى دِرْعُنَا رَهْنًا فَخُذْهَا فَقَالَ مَعَاشِرٌ سَغِبُوا وَجَاعُوا وَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِى سَرِيعًا وَفِى أَيْمَانِنَا بِيضٌ حِدَادٌ فَعَانَقَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمُرَادِى وَشَدّ بِسَيْفِهِ صَلْتًا عَلَيْهِ وَصَلْت وَصَاحِبَاىَ فَكَانَ لَمّا وَمَرّ بِرَأْسِهِ نَفَرٌ كِرَامٌ وَكَـانَ اللّهُ سَادِسَنَــا فَأُبْنَــــــــا قَالَ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ: أَنَا رَأَيْت قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ. قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: لَوْلا قَوْلُ ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ لَظَنَنْت أَنّهَا ثَبْتٌ. قَالُوا: فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ اللّيْلَةِ الّتِى قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الأَشْرَفِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْيَهُودِ فَاقْتُلُوهُ”. فَخَافَتْ الْيَهُودُ فَلَمْ يَطْلُعْ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا، وَخَافُوا أَنْ يُبَيّتُوا كَمَا بُيّتَ ابْنُ الأَشْرَفِ. وَكَانَ ابْنُ سُنَيْنَةَ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحُوَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَدْ أَسْلَمَ؛ فَعَدَا مُحَيّصَةُ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ حُوَيّصَةُ يَضْرِبُ مُحَيّصَةَ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ يَقُولُ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته؟ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِى بَطْنِك مِنْ مَالِهِ فَقَالَ مُحَيّصَةُ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِى بِقَتْلِك الّذِى أَمَرَنِى بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُك. قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ أَنْ تَقْتُلَنِى لَقَتَلْتنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ حُوَيّصَةُ: وَاَللّهِ إنّ دِينًا يَبْلُغُ هَذَا لَدِينٌ مُعْجِبٌ. فَأَسْلَمَ حُوَيّصَةُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُحَيّصَةُ - وَهِىَ ثَبْتٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَدْفَعُهَا - يَقُولُ: يَلُومُ ابْنُ أُمّى لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ

وَمَا سَرّنِى أَنّى قَتَلْتُـــك طَائِعًـــا		لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ

مَتَى مَا تُصَوّبُهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَلَوْ أَنّ لِى مَـا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ فَفَزِعَتْ الْيَهُودُ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءُوا إلَى النّبِىّ ÷ حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا: قَدْ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللّيْلَةَ وَهُوَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا قُتِلَ غِيلَةً بِلا جُرْمٍ وَلا حَدَثٍ عَلِمْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّهُ لَوْ قَرّ كَمَا قَرّ غَيْرُهُ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اُغْتِيلَ، وَلَكِنّهُ نَالَ مِنّا الأَذَى وَهَجَانَا بِالشّعْرِ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ كَانَ لَهُ السّيْفُ”، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إلَى مَا فِيهِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا تَحْتَ الْعِذْقِ فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَحَذِرَتْ الْيَهُودُ وَخَافَتْ وَذَلّتْ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ ابْنِ الأَشْرَفِ. فَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُ ابْنُ يَامِينَ النّضْرِىّ: كَيْفَ كَانَ قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ؟ قَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ غَدْرًا، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَالِسٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللّهِ عِنْدَك؟ وَاَللّهِ مَا قَتَلْنَاهُ إلاّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَاَللّهِ لا يُؤْوِينِى وَإِيّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ إلاّ الْمَسْجِدَ، وَأَمّا أَنْتَ يَا ابْنَ يَامِينَ - فَلِلّهِ عَلَىّ إنْ أَفْلَتّ وَقَدَرْت عَلَيْك وَفِى يَدِى سَيْفٌ إلاّ ضَرَبْت بِهِ رَأْسَك. فَكَانَ ابْنُ يَامِينَ لا يَنْزِلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ حَتّى يَبْعَثَ لَهُ رَسُولاً يَنْظُرُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَإِنْ كَانَ فِى بَعْضِ ضِيَاعِهِ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمّ صَدَرَ وَإِلاّ لَمْ يَنْزِلْ، فَبَيْنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِى جِنَازَةٍ وَابْنُ يَامِينَ بِالْبَقِيعِ، فَرَأَى نَعْشًا عَلَيْهِ جَرَائِدُ رَطْبَةٌ لامْرَأَةٍ جَاءَ فَحَلّهُ، فَقَامَ النّاسُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ مَا تَصْنَعُ؟ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهَا جَرِيدَةً جَرِيدَةً، حَتّى كَسَرَ تِلْكَ الْجَرَائِدَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، حَتّى لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ مَصَحّا، ثُمّ أَرْسَلَهُ وَلا طَبَاخَ بِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ قَدَرْت عَلَى السّيْفِ لَضَرَبْتُك بِهِ.

  • * *


شَأْنُ غَزْوَةِ غَطَفَانَ بِذِى أَمَر وَكَانَتْ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثِنْتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ فَغَابَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِى هُنَيْدَةَ، قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِى عَتّابٍ، وَحَدّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، فَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَنّ جَمْعًا مِنْ ثَعْلَبَة وَمُحَارِبٍ بِذِى أَمَرّ قَدْ تَجَمّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رَسُولِ اللّهِ ÷ جَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: دُعْثُور بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَارِبٍ. فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجَ فِى أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ وَخَمْسِينَ وَمَعَهُمْ أَفْرَاسٌ فَأَخَذَ عَلَى الْمُنَقّى، ثُمّ سَلَكَ مَضِيقَ الْخُبَيْتِ ثُمّ خَرَجَ إلَى ذِى الْقَصّةِ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنْهُمْ بِذِى الْقَصّةِ يُقَالُ لَهُ: جَبّارٌ مِنْ بَنِى ثَعْلَبَة، فَقَالُوا: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ يَثْرِبَ، قَالُوا: وَمَا حَاجَتُك بِيَثْرِبَ؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أَرْتَادَ لِنَفْسِى وَأَنْظُرَ، قَالُوا: هَلْ مَرَرْت بِجَمْعٍ أَوْ بَلَغَك خَبَرٌ لِقَوْمِك؟ قَالَ: لا، إلاّ أَنّهُ قَدْ بَلَغَنِى أَنّ دُعْثُورَ بْنَ الْحَارِثِ فِى أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ عُزْلٌ، فَأَدْخَلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَعَاهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَسْلَمَ. وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّهُمْ لَنْ يُلاقُوك؛ إنْ سَمِعُوا بِمَسِيرِك هَرَبُوا فِى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَنَا سَائِرٌ مَعَك وَدَالّك عَلَى عَوْرَتِهِمْ، فَخَرَجَ بِهِ النّبِىّ ÷ وَضَمّهُ إلَى بِلالٍ، فَأَخَذَ بِهِ طَرِيقًا أَهْبَطَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ كَثِيبٍ وَهَرَبَتْ مِنْهُ الأَعْرَابُ فَوْقَ الْجِبَالِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا قَدْ غَيّبُوا سَرْحَهُمْ فِى ذُرَى الْجِبَالِ وذراريم، فَلَمْ يُلاقِ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَحَدًا، إلاّ أَنّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ فِى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ذَا أَمَرّ وَعَسْكَرَ مُعَسْكَرَهُمْ فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ كَثِيرٌ فَذَهَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحَاجَتِهِ فَأَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَبَلّ ثَوْبَهُ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَادِىَ ذِى أَمَرّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ. ثُمّ نَزَعَ ثِيَابَهُ فَنَشَرَهَا لِتَجِفّ وَأَلْقَاهَا عَلَى شَجَرَةٍ، ثُمّ اضْطَجَعَ تَحْتَهَا وَالأَعْرَابُ يَنْظُرُونَ إلَى كُلّ مَا يَفْعَلُ، فَقَالَتْ الأَعْرَابُ لِدُعْثُور، وَكَانَ سَيّدَهَا وَأَشْجَعَهَا: قَدْ أَمْكَنَك مُحَمّدٌ وَقَدْ انْفَرَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَيْثُ إنْ غَوّثَ بِأَصْحَابِهِ لَمْ يُغَثْ حَتّى تَقْتُلَهُ، فَاخْتَارَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِهِمْ صَارِمًا، ثُمّ أَقْبَلَ مُشْتَمِلاً عَلَى السّيْفِ حَتّى قَامَ عَلَى رَأْسِ النّبِىّ ÷ بِالسّيْفِ مَشْهُورًا، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَنْ يَمْنَعُك مِنّى الْيَوْمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُ”، قَالَ: وَدَفَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ فِى صَدْرِهِ، وَوَقَعَ السّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَامَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: “مَنْ يَمْنَعُك مِنّى الْيَوْمَ”؟ قَالَ: لا أَحَدَ، قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، وَاَللّهِ لا أُكْثِرُ عَلَيْك جَمْعًا أَبَدًا، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَيْفَهُ، ثُمّ أَدْبَرَ، ثُمّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لأَنْتَ خَيْرٌ مِنّى. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنَا أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْك”. فَأَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا: أَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ وَقَدْ أَمْكَنَك وَالسّيْفُ فِى يَدِك؟ قَالَ: وَاَللّهِ كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنّى نَظَرْت إلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ دَفَعَ فِى صَدْرِى فَوَقَعْت لِظَهْرِى، فَعَرَفْت أَنّهُ مَلَكٌ وَشَهِدْت أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، وَاَللّهِ لا أُكْثِرُ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إلَى الإِسْلامِ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ: ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ% الآيَةَ. وَكَانَتْ غَيْبَةُ النّبِىّ ÷ إحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً وَاسْتَخْلَفَ النّبِىّ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ.

  • * *



غَزْوَةُ بَنِى سُلَيْمٍ بِبُحْرَانَ بِنَاحِيَةِ الْفُرْعِ لِلَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا؛ غَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَشْرًا. حَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: لَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنّ جَمْعًا مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ كَثِيرًا بِبُحْرَانَ تَهَيّأَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِذَلِكَ، وَلَمْ يُظْهِرْ وَجْهًا، فَخَرَجَ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَغَذّوا السّيْرَ حَتّى إذَا كَانُوا دُونَ بُحْرَانَ بِلَيْلَةٍ لَقِىَ رَجُلاً مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ، فَاسْتَخْبَرُوهُ عَنْ الْقَوْمِ وَعَنْ جَمْعِهِمْ. فَأَخْبَرَهُ أَنّهُمْ قَدْ افْتَرَقُوا أَمْسِ وَرَجَعُوا إلَى مَائِهِمْ فَأَمَرَ بِهِ النّبِىّ ÷ فَحُبِسَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ، ثُمّ سَارَ النّبِىّ ÷ حَتّى وَرَدَ بُحْرَانَ، وَلَيْسَ بِهِ أَحَدٌ وَأَقَامَ أَيّامًا، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الرّجُلَ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَشْرَ لَيَالٍ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ.

  • * *






شَأْنُ سَرِيّةِ الْقَرَدَةِ فِيهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهِىَ أَوّلُ سَرِيّةٍ خَرَجَ فِيهَا زَيْدٌ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَمِيرًا، وَخَرَجَ لِهِلالِ جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا: كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ حَذِرَتْ طَرِيقَ الشّامِ أَنْ يَسْلُكُوهَا، وَخَافُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا قَوْمًا تُجّارًا، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ عَوّرُوا عَلَيْنَا مَتْجَرَنَا، فَمَا نَدْرِى كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَصْحَابِهِ لا يَبْرَحُونَ السّاحِلَ وَأَهْلُ السّاحِلِ قَدْ وَادَعَهُمْ وَدَخَلَ عَامّتُهُمْ مَعَهُ فَمَا نَدْرِى أَيْنَ نَسْلُك، وَإِنْ أَقَمْنَا نَأْكُلُ رُءُوسَ أَمْوَالِنَا وَنَحْنُ فِى دَارِنَا هَذِهِ مَا لَنَا بِهَا نِفَاقٌ إنّمَا نَزَلْنَاهَا عَلَى التّجَارَةِ إلَى الشّامِ فِى الصّيْفِ وَفِى الشّتَاءِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ لَهُ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ: فَنَكّبْ عَنْ السّاحِلِ وَخُذْ طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ صَفْوَانُ: لَسْت بِهَا عَارِفًا. قَالَ أَبُو زَمْعَةَ: فَأَنَا أَدُلّك عَلَى أَخْبَرِ دَلِيلٍ بِهَا يَسْلُكُهَا وَهُوَ مُغْمَضُ الْعَيْنِ، إنْ شَاءَ اللّهُ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِىّ، قَدْ دَوّخَهَا وَسَلَكَهَا، قَالَ صَفْوَانُ: فَذَلِكَ وَاَللّهِ فَأَرْسَلَ إلَى فُرَاتٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: إنّى أُرِيدُ الشّامَ وَقَدْ عَوّرَ عَلَيْنَا مُحَمّدٌ مَتْجَرَنَا لأَنّ طَرِيقَ عِيرَاتِنَا عَلَيْهِ فَأَرَدْت طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ فُرَاتٌ: فَأَنَا أَسْلُكُ بِك فِى طَرِيقِ الْعِرَاقِ، لَيْسَ يَطَؤُهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ - إنّمَا هِىَ أَرْضُ نَجْدٍ وَفَيَافٍ. قَالَ صَفْوَانُ: فَهَذِهِ حَاجَتِى، أَمّا الْفَيَافِى فَنَحْنُ شَاتُونَ وَحَاجَتُنَا إلَى الْمَاءِ الْيَوْمَ قَلِيلٌ. فَتَجَهّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو زَمْعَةَ بِثَلاثِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَنُقَرِ فِضّةٍ وَبَعَثَ مَعَهُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ بِبَضَائِعَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ - نُقَرِ فِضّةٍ وَآنِيَةِ فِضّةٍ وَزْنِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَرَجُوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ. وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَنَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى بَنِى النّضِيرِ فَشَرِبَ مَعَهُ وَشَرِبَ مَعَهُ سَلِيطُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسْلَمَ - وَلَمْ تُحَرّمْ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ - وَهُوَ يَأْتِى بَنِى النّضِيرِ وَيُصِيبُ مِنْ شَرَابِهِمْ. فَذَكَرَ نُعَيْمٌ خُرُوجَ صَفْوَانَ فِى عِيرِهِ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ الأَمْوَالِ فَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِى مِائَةِ رَاكِبٍ فَاعْتَرَضُوا لَهَا فَأَصَابُوا الْعِيرَ. وَأَفْلَتْ أَعْيَانُ الْقَوْمِ وَأَسَرُوا رَجُلاً أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ عَلَى النّبِىّ ÷ فَخَمّسَهَا، فَكَانَ الْخُمُسُ يَوْمَئِذٍ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَسَمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَهْلِ السّرِيّةِ. وَكَانَ فِى الأَسْرَى فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، فَأُتِىَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَسْلِمْ، إنْ تُسْلِمْ نَتْرُكْكَ مِنْ الْقَتْلِ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ.

  • * *









غَزْوَةُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزّنَادِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ فِى رِجَالٍ لَمْ أُسَمّ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى. قَالُوا: لَمّا رَجَعَ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى مَكّةَ، وَالْعِيرُ الّتِى قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مِنْ الشّامِ مَوْقُوفَةٌ فِى دَارِ النّدْوَةِ - وَكَذَلِك كَانُوا يَصْنَعُونَ - فَلَمْ يُحَرّكْهَا أَبُو سُفْيَانَ، وَلَمْ يُفَرّقْهَا لِغَيْبَةِ أَهْلِ الْعِيرِ مَشَتْ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَصَفْوَانُ ابْنُ أُمَيّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَحُجَيْرُ بْنُ أَبِى إهَابٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا سُفْيَانَ اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِيرَ الّتِى قَدِمْت بِهَا فَاحْتَبَسْتهَا، فَقَدْ عَرَفْت أَنّهَا أَمْوَالُ أَهْلِ مَكّةَ وَلَطِيمَةُ قُرَيْشٍ، وَهُمْ طَيّبُو الأَنْفُسِ يُجَهّزُونَ بِهَذِهِ الْعِيرِ جَيْشًا إلَى مُحَمّدٍ وَقَدْ تَرَى مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِنَا، وَأَبْنَائِنَا، وَعَشَائِرِنَا. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَقَدْ طَابَتْ أَنْفُسُ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَجَابَ إلَى ذَلِكَ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَعِى، فَأَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قَدْ قُتِلَ ابْنِى حَنْظَلَةُ بِبَدْرٍ وَأَشْرَافُ قَوْمِى. فَلَمْ تَزَلْ الْعِيرُ مَوْقُوفَةً حَتّى تَجَهّزُوا لِلْخُرُوجِ إلَى أُحُدٍ؛ فَبَاعُوهَا وَصَارَتْ ذَهَبًا عَيْنًا، فَوُقِفَ عِنْدَ أَبِى سُفْيَانَ. وَيُقَالُ: إنّمَا قَالُوا: يَا أَبَا سُفْيَانَ بِعْ الْعِيرَ ثُمّ اعْزِلْ أَرْبَاحَهَا. وَكَانَتْ الْعِيرُ أَلْفَ بَعِيرٍ وَكَانَ الْمَالُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانُوا يَرْبَحُونَ فِى تِجَارَتِهِمْ لِلدّينَارِ دِينَارًا، وَكَانَ مَتْجَرُهُمْ مِنْ الشّامِ غَزّةَ، لا يَعْدُونَهَا إلَى غَيْرِهَا. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ حَبَسَ عِيرَ زُهْرَةَ، لأَنّهُمْ رَجَعُوا مِنْ طَرِيقِ بَدْرٍ، وَسَلّمَ مَا كَانَ لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَلِبَنِى أَبِيهِ، وَبَنِى عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَأَبَى مَخْرَمَةُ أَنْ يَقْبَلَ عِيرَهُ حَتّى يُسَلّمَ إلَى بَنِى زُهْرَةَ جَمِيعًا. وَتَكَلّمَ الأَخْنَسُ، فَقَالَ: مَا لِعِيرِ بَنِى زُهْرَةَ مِنْ بَيْنِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لأَنّهُمْ رَجَعُوا عَنْ قُرَيْشٍ، قَالَ الأَخْنَسُ: أَنْتَ أَرْسَلْت إلَى قُرَيْشٍ أَنْ ارْجِعُوا فَقَدْ أَحْرَزْنَا الْعِيرَ لا تَخْرُجُوا فِى غَيْرِ شَىْءٍ فَرَجَعْنَا. فَأَخَذَتْ زُهْرَةُ عِيرَهَا، وَأَخَذَ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ - أَهْلُ ضَعْفٍ لا عَشَائِرَ لَهُمْ وَلا مَنَعَةَ - كُلّ مَا كَانَ لَهُمْ فِى الْعِيرِ. فَهَذَا يُبَيّنُ أَنّمَا أَخْرَجَ الْقَوْمُ أَرْبَاحَ الْعِيرِ. وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: ×إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ% الآيَةَ. فَلَمّا أَجْمَعُوا عَلَى الْمَسِيرِ قَالُوا: نَسِيرُ فِى الْعَرَبِ فَنَسْتَنْصِرُهُمْ فَإِنّ عَبْدَ مَنَاةَ غَيْرُ مُتَخَلّفِينَ عَنّا، هُمْ أَوْصَلُ الْعَرَبِ لأَرْحَامِنَا، وَمَنْ اتّبَعَنَا مِنْ الأَحَابِيشِ. فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ يَسِيرُونَ فِى الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَهُبَيْرَةَ بْنَ أَبِى وَهْبٍ، وَابْنَ الزّبَعْرَى، وَأَبَا عَزّةَ الْجُمَحِىّ، فَأَطَاعَ النّفَرُ وَأَبَى أَبُو عَزّةَ أَنْ يَسِيرَ، وَقَالَ: مَنّ عَلَىّ مُحَمّدٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَمُنّ عَلَى غَيْرِى، وَحَلَفْت لا أُظَاهِرُ عَلَيْهِ عَدُوّا أَبَدًا، فَمَشَى إلَيْهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فَقَالَ: اُخْرُجْ فَأَبَى، فَقَالَ: عَاهَدْت مُحَمّدًا يَوْمَ بَدْرٍ لا أُظَاهِرُ عَلَيْهِ عَدُوّا أَبَدًا، وَأَنَا أَفِى لَهُ بِمَا عَاهَدْته عَلَيْهِ مَنّ عَلَىّ، وَلَمْ يَمُنّ عَلَى غَيْرِى، حَتّى قَتَلَهُ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْفِدَاءَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اُخْرُجْ مَعَنَا، فَإِنْ تُسْلِمْ أُعْطِك مِنْ الْمَالِ مَا شِئْت، وَإِنْ تُقْتَلْ كَانَ عِيَالُك مَعَ عِيَالِى، فَأَبَى أَبُو عَزّةَ حَتّى كَانَ الْغَدُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ آيِسًا مِنْهُ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ جَاءَهُ صَفْوَانُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: الْكَلامَ الأَوّلَ فَأَبَى، فَقَالَ جُبَيْرٌ: مَا كُنْت أَظُنّ أَنّى أَعِيشُ حَتّى يَمْشِى إلَيْك أَبُو وَهْبٍ فِى أَمْرٍ تَأْبَى عَلَيْهِ فَأَحْفَظُهُ فَقَالَ: فَأَنَا أَخْرُجُ، قَالَ: فَخَرَجَ فِى الْعَرَبِ يَجْمَعُهَا، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ لا تَعِدُونِــــى نَصْرَكُمْ بَعْدَ الْعَــامْ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّامْ لا تُسْلِمُونِـــى لا يَحِـــلّ إِسْـلامْ قَالَ: وَخَرَجَ مَعَهُ النّفَرُ فَأَلّبُوا الْعَرَبَ وَجَمَعُوهَا، وَبَلَغُوا ثَقِيفًا فَأَوْعَبُوا. فَلَمّا أَجْمَعُوا الْمَسِيرَ وَتَأَلّبَ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ وَحَضَرُوا، اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ فِى إخْرَاجِ الظّعُنِ مَعَهُمْ. فَحَدّثَنِى بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى سَعْدٍ، عَنْ نِسْطَاسٍ، قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: اُخْرُجُوا بِالظّعُنِ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ فَعَلَ فَإِنّهُ أَقْمَنُ أَنْ يُحْفِظْنَكُمْ وَيُذَكّرْنَكُمْ قَتْلَى بَدْرٍ، فَإِنّ الْعَهْدَ حَدِيثٌ، وَنَحْنُ قَوْمٌ مُسْتَمِيتُونَ لا نُرِيدُ أَنْ نَرْجِعَ إلَى دَارِنَا حَتّى نُدْرِكَ ثَأْرَنَا أَوْ نَمُوتَ دُونَهُ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ: أَنَا أَوّلُ مَنْ أَجَابَ إلَى مَا دَعَوْت إلَيْهِ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَشَى فِى ذَلِكَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا لَيْسَ بِرَأْىٍ أَنْ تُعَرّضُوا حُرَمَكُمْ عَدُوّكُمْ وَلا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ لَهُمْ فَتَفْتَضِحُوا فِى نِسَائِكُمْ. فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: لا كَانَ غَيْرُ هَذَا أَبَدًا، فَجَاءَ نَوْفَلٌ إلَى أَبِى سُفْيَانَ، فَقَالَ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَصَاحَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ: إنّك وَاَللّهِ سَلِمْت يَوْمَ بَدْرٍ فَرَجَعْت إلَى نِسَائِك؛ نَعَمْ نَخْرُجُ فَنَشْهَدُ الْقِتَالَ، فَقَدْ رُدّتْ الْقِيَانُ مِنْ الْجُحْفَةِ فِى سَفَرِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَقُتِلَتْ الأَحِبّةُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَسْت أُخَالِفُ قُرَيْشًا؛ أَنَا رَجُلٌ مِنْهَا، مَا فَعَلَتْ فَعَلْت، فَخَرَجُوا بِالظّعُنِ. قَالُوا: فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِامْرَأَتَيْنِ - هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَأُمَيْمَةَ بِنْتِ سَعْدِ ابْنِ وَهْبِ بْنِ أَشْيَمَ بْنِ كِنَانَةَ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِامْرَأَتَيْنِ بَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودٍ الثّقَفِىّ، وَهِىَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ الأَكْبَرِ، وَبِامْرَأَتِهِ الْبَغُومِ بِنْتِ الْمُعَذّلِ بْنِ كِنَانَة، وَهِىَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ الأَصْغَرِ، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ بِامْرَأَتِهِ سُلافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ، وَهِىَ مِنْ الأَوْسِ، وَهِىَ أُمّ بَنِى طَلْحَةَ أُمّ مُسَافِعٍ وَالْحَارِثِ وَكِلابٍ وَجُلاّسٍ بَنِى طَلْحَةَ. وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ بِامْرَأَتِهِ أُمّ جُهَيْمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ بِامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ هِنْدِ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، وَهِىَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ مَعَ ابْنِهَا أَبِى عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِىّ. وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ رَمْلَةَ بِنْتِ طَارِقِ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ عَلِىّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بِامْرَأَتِهِ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ طَارِقٍ. وَخَرَجَ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ بِامْرَأَتِهِ قَتِيلَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ هِلالٍ. وَخَرَجَ النّعْمَانُ وَجَابِرٌ ابْنَا مَسْكِ الذّئْبِ بِأُمّهِمَا الدّغُنّيّةِ. وَخَرَجَ غُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ بِامْرَأَتِهِ عَمْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَهِىَ الّتِى رَفَعَتْ لِوَاءَ قُرَيْشٍ حِينَ سَقَطَ حَتّى تَرَاجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى لِوَائِهَا. قَالُوا: وَخَرَجَ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ بِعَشَرَةٍ مِنْ وَلَدِهِ وَحَشَدَتْ بَنُو كِنَانَةَ. وَكَانَتْ الأَلْوِيَةُ يَوْمَ خَرَجُوا مِنْ مَكّةَ ثَلاثَةَ أَلْوِيَةٍ عَقَدُوهَا فِى دَارِ النّدْوَةِ - لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ وَلِوَاءٌ فِى الأَحَابِيشِ يَحْمِلُهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَلِوَاءٌ يَحْمِلُهُ طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ. وَيُقَالُ: خَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَلَفّهَا عَلَى لِوَاءٍ وَاحِدٍ يَحْمِلُهُ طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلاثَةُ آلافٍ بِمَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ وَكَانَ فِيهِمْ مِنْ ثَقِيفٍ مِائَةُ رَجُلٍ وَخَرَجُوا بِعُدّةٍ وَسِلاحٍ كَثِيرٍ، وَقَادُوا مِائَتَىْ فَرَسٍ وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُمِائَةِ دَارِعٍ وَثَلاثَةُ آلافِ بَعِيرٍ. فَلَمّا أَجْمَعُوا الْمَسِيرَ كَتَبَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ كِتَابًا وَخَتَمَهُ وَاسْتَأْجَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى غِفَارٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ ثَلاثًا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يُخْبِرَهُ أَنْ قُرَيْشًا قَدْ أَجْمَعَتْ الْمَسِيرَ إلَيْك فَمَا كُنْت صَانِعًا إذَا حَلّوا بِك فَاصْنَعْهُ. وَقَدْ تَوَجّهُوا إلَيْك، وَهُمْ ثَلاثَةُ آلافٍ وَقَادُوا مِائَتَىْ فَرَسٍ وَفِيهِمْ سَبْعُمِائَةِ دَارِعٍ وَثَلاثَةُ آلافِ بَعِيرٍ وَأَوْعَبُوا مِنْ السّلاحِ. فَقَدِمَ الْغِفَارِىّ فَلَمْ يَجِدْ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالْمَدِينَةِ وَوَجَدَهُ بِقُبَاءَ فَخَرَجَ حَتّى يَجِدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ قُبَاءَ يَرْكَبُ حِمَارَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَاسْتَكْتَمَ أُبَيّا مَا فِيهِ فَدَخَلَ مَنْزِلَ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ، فَقَالَ: “فِى الْبَيْتِ أَحَدٌ”؟ فَقَالَ سَعْدٌ: لا، فَتَكَلّمْ بِحَاجَتِك. فَأَخْبَرَهُ بِكِتَابِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِى ذَلِكَ خَيْرٌ، وَقَدْ أَرْجَفَتْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَالْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا جَاءَ مُحَمّدًا شَيْءٌ يُحِبّهُ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ وَاسْتَكْتَمَ سَعْدًا الْخَبَرَ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَرَجَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ إلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا قَالَ لَك رَسُولُ اللّهِ؟ فَقَالَ: مَا لَك وَلِذَلِكَ لا أُمّ لَك؟ قَالَتْ: قَدْ كُنْت أَسْمَعُ عَلَيْك. وَأَخْبَرَتْ سَعْدًا الْخَبَرَ، فَاسْتَرْجَعَ سَعْدٌ، وَقَالَ: لا أَرَاك تَسْتَمِعِينَ عَلَيْنَا وَأَنَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ تَكَلّمْ بِحَاجَتِك، ثُمّ أَخَذَ يَجْمَعُ لَبّتَهَا، ثُمّ خَرَجَ يَعْدُو بِهَا حَتّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالْجِسْرِ، وَقَدْ بَلَحَتْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ امْرَأَتِى سَأَلَتْنِى عَمّا قُلْت، فَكَتَمْتهَا، فَقَالَتْ: قَدْ سَمِعْت قَوْلَ رَسُولِ اللّهِ فَجَاءَتْ بِالْحَدِيثِ كُلّهِ فَخَشِيت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَتَظُنّ أَنّى أَفْشَيْت سِرّك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خَلّ سَبِيلَهَا”، وَشَاعَ الْخَبَرُ فِى النّاسِ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، وَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِىّ فِى نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ. سَارُوا مِنْ مَكّةَ أَرْبَعًا، فَوَافَوْا قُرَيْشًا وَقَدْ عَسْكَرُوا بِذِى طُوًى، فَأَخْبَرُوا رَسُولَ اللّهِ ÷ الْخَبَرَ، ثُمّ انْصَرَفُوا فَوَجَدُوا قُرَيْشًا بِبَطْنِ رَابِغٍ فَنَكّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ - وَرَابِغٌ عَلَى لَيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِى حَكِيمَةَ الأَسْلَمِىّ، قَالَ: لَمّا أَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ بِالأَبْوَاءِ أُخْبِرَ أَنّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ وَأَصْحَابَهُ رَاحُوا أَمْسِ مُمْسِينَ إلَى مَكّةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنّهُمْ جَاءُوا مُحَمّدًا فَخَبّرُوهُ بِمَسِيرِنَا، وَحَذّرُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِعَدَدِنَا، فَهُمْ الآنَ يَلْزَمُونَ صَيَاصِيَهُمْ فَمَا أَرَانَا نُصِيبُ مِنْهُمْ شَيْئًا فِى وَجْهِنَا. فَقَالَ صَفْوَانُ: إنْ لَمْ يَصْحَرُوا لَنَا عَمَدْنَا إلَى نَخْلِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَقَطَعْنَاهُ فَتَرَكْنَاهُمْ، وَلا أَمْوَالَ لَهُمْ، فَلا يَجْتَبِرُونَهَا أَبَدًا، وَإِنْ أَصْحَرُوا لَنَا فَعَدَدُنَا أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهِمْ وَسِلاحُنَا أَكْثَرُ مِنْ سِلاحِهِمْ، وَلَنَا خَيْلٌ وَلا خَيْلَ مَعَهُمْ، وَنَحْنُ نُقَاتِلُ عَلَى وِتْرٍ عِنْدَهُمْ وَلا وِتْرَ لَهُمْ عِنْدَنَا. وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ قَدْ خَرَجَ فِى خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ أَوْسِ اللّهِ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ مَكّةَ حِينَ قَدِمَ النّبِىّ ÷ الْمَدِينَةَ، فَأَقَامَ مَعَ قُرَيْشٍ وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ مُحَمّدًا ظَاهِرٌ فَاخْرُجُوا بِنَا إلَى قَوْمٍ نُوَازِرُهُمْ. فَخَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ يُحَرّضُهَا وَيُعْلِمُهَا أَنّهَا عَلَى الْحَقّ وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ بَاطِلٌ فَسَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ وَلَمْ يَسِرْ مَعَهَا، فَلَمّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ سَارَ مَعَهَا، وَكَانَ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ إنّى لَوْ قَدِمْت عَلَى قَوْمِى لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ رَجُلانِ وَهَؤُلاءِ مَعِى نَفَرٌ مِنْ قَوْمِى وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلاً. فَصَدّقُوهُ بِمَا قَالَ، وَطَمِعُوا بِنَصْرِهِ. وَخَرَجَ النّسَاءُ مَعَهُنّ الدّفُوفُ يُحَرّضْنَ الرّجَالَ، وَيُذَكّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ فِى كُلّ مَنْزِلٍ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يَنْحَرُونَ مَا نَحَرُوا مِنْ الْجُزُرِ مِمّا كَانُوا جَمَعُوا مِنْ الْعِيرِ وَيَتَقَوّوْنَ بِهِ فِى مَسِيرِهِمْ وَيَأْكُلُونَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ مِمّا جَمَعُوا مِنْ الأَمْوَالِ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَمّا مَرّتْ بِالأَبْوَاءِ قَالَتْ: إنّكُمْ قَدْ خَرَجْتُمْ بِالظّعُنِ مَعَكُمْ وَنَحْنُ نَخَافُ عَلَى نِسَائِنَا، فَتَعَالَوْا نَنْبُشُ قَبْرَ أُمّ مُحَمّدٍ، فَإِنّ النّسَاءَ عَوْرَةٌ، فَإِنْ يُصِبْ مِنْ نِسَائِكُمْ أَحَدًا قُلْتُمْ: هَذِهِ رِمّةُ أُمّك؛ فَإِنْ كَانَ بَرّا بِأُمّهِ كَمَا يَزْعُمُ فَلَعَمْرِى لَيُفَادِيَنّكُمْ بِرِمّةِ أُمّهِ وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلَعَمْرِى لَيَفْدِيَن رِمّةَ أُمّهِ بِمَالٍ كَثِيرٍ إنْ كَانَ بِهَا بَرّا. وَاسْتَشَارَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَهْلَ الرّأْىِ مِنْ قُرَيْشٍ فِى ذَلِكَ فَقَالُوا: لا تَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَلَوْ فَعَلْنَا نَبَشَتْ بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ مَوْتَانَا. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ الْخَمِيسِ بِذِى الْحُلَيْفَةِ صَبِيحَةَ عَشْرٍ مِنْ مَخْرَجِهِمْ مِنْ مَكّةَ، لِخَمْسِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرًا، وَمَعَهُمْ ثَلاثَةُ آلافِ بَعِيرٍ وَمِائَتَا فَرَسٍ. فَلَمّا أَصْبَحُوا بِذِى الْحُلَيْفَةِ خَرَجَ فُرْسَانٌ فَأَنْزَلَهُمْ بِالْوِطَاءِ. وَبَعَثَ النّبِىّ ÷ عَيْنَيْنِ لَهُ أَنَسًا وَمُؤْنِسًا ابْنَىْ فَضَالَةَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ فَاعْتَرَضَا لِقُرَيْشٍ بِالْعَقِيقِ فَسَارَا مَعَهُمْ حَتّى نَزَلُوا بِالْوِطَاءِ. فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَاهُ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ ازْدَرَعُوا الْعِرْضَ - وَالْعِرْضُ مَا بَيْنَ الْوِطَاءِ بِأُحُدٍ إلَى الْجُرُفِ، إلَى الْعَرْصَةِ، عَرْصَةِ الْبَقْلِ الْيَوْمَ - وَكَانَ أَهْلُهُ بَنُو سَلَمَةَ، وَحَارِثَةَ وَظَفَرٍ وَعَبْدِ الأَشْهَلِ وَكَانَ الْمَاءُ يَوْمَئِذٍ بِالْجُرُفِ أَنْشَاطًا، لا يَرِيمُ سَائِقُ النّاضِحِ مَجْلِسًا وَاحِدًا، يَنْفَتِلُ الْجَمَلُ فِى سَاعَةٍ حَتّى ذَهَبَتْ بِمِيَاهِهِ عُيُونُ الْغَابَةِ الّتِى حَفَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ. فَكَانُوا قَدْ أَدْخَلُوا آلَةَ زَرْعِهِمْ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى زَرْعِهِمْ وَخَلّوْا فِيهِ إبِلَهُمْ وَخُيُولَهُمْ - وَقَدْ شَرِبَ الزّرْعُ فِى الدّقِيقِ وَكَانَ لأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِى الْعِرْضِ عِشْرُونَ نَاضِحًا يَسْقِى شَعِيرًا - وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ حَذِرُوا عَلَى جِمَالِهِمْ وَعُمّالِهِمْ وَآلَةِ حَرْثِهِمْ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرْعَوْنَ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَتّى أَمْسَوْا، فَلَمّا أَمْسَوْا جَمَعُوا الإِبِلَ وَقَصَلُوا عَلَيْهَا الْقَصِيلَ وَقَصَلُوا عَلَى خُيُولِهِمْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَمّا أَصْبَحُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَلّوْا ظَهْرَهُمْ فِى الزّرْعِ وَخَيْلَهُمْ حَتّى تَرَكُوا الْعِرْضَ لَيْسَ بِهِ خَضْرَاءُ. فَلَمّا نَزَلُوا وَحَلّوا الْعَقْدَ وَاطْمَأَنّوا، بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ إلَى الْقَوْمِ، فَدَخَلَ فِيهِمْ وَحَزَرَ وَنَظَرَ إلَى جَمِيعِ مَا يُرِيدُ وَبَعَثَهُ سِرّا، وَقَالَ لِلْحُبَابِ: “لا تُخْبِرْنِى بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلاّ أَنْ تَرَى قِلّةً”، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ خَالِيًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا رَأَيْت”؟ قَالَ: رَأَيْت يَا رَسُولَ اللّهِ عَدَدًا، حَزْرَتُهُمْ ثَلاثَةَ آلافٍ يَزِيدُونَ قَلِيلاً أَوْ يَنْقُصُونَ قَلِيلاً، وَالْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ وَرَأَيْت دُرُوعًا ظَاهِرَةً حَزَرْتهَا سَبْعمِائَةٍ دِرْعٍ. قَالَ: “هَلْ رَأَيْت ظُعُنًا”؟ قَالَ: رَأَيْت النّسَاءَ مَعَهُنّ الدّفَافُ وَالأَكْبَارُ - الأَكْبَارُ يَعْنِى الطّبُولَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَرَدْنَ أَنْ يُحَرّضْنَ الْقَوْمَ وَيُذَكّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ، هَكَذَا جَاءَنِى خَبَرُهُمْ لا تَذْكُرْ مِنْ شَأْنِهِمْ حَرْفًا، حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللّهُمّ بِك أَجُولُ وَبِك أَصُولُ”. وَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتّى إذَا كَانَ بِأَدْنَى الْعِرْضِ إذَا طَلِيعَةُ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ عَشْرَةُ أَفْرَاسٍ فَرَكَضُوا فِى أَثَرِهِ فَوَقَفَ لَهُمْ عَلَى نَشَزٍ مِنْ الْحَرّةِ، فَرَاشَقَهُمْ بِالنّبْلِ مَرّةً وَبِالْحِجَارَةِ مَرّةً حَتّى انْكَشَفُوا عَنْهُ. فَلَمّا وَلّوْا جَاءَ إلَى مَزْرَعَتِهِ بِأَدْنَى الْعِرْضِ، فَاسْتَخْرَجَ سَيْفًا كَانَ لَهُ وَدِرْعَ حَدِيدٍ كَانَا دُفِنَا فِى نَاحِيَةِ الْمَزْرَعَةِ فَخَرَجَ بِهِمَا يَعْدُو حَتّى أَتَى بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ فَخَبّرَ قَوْمَهُ بِمَا لَقِىَ مِنْهُمْ، وَكَانَ مَقْدَمُهُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ. وَبَاتَتْ وُجُوهُ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فِى عِدّةٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمْ السّلاحُ فِى الْمَسْجِدِ بِبَابِ النّبِىّ ÷ خَوْفًا مِنْ بَيَاتِ الْمُشْرِكِينَ وَحَرَسَتْ الْمَدِينَةَ تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى أَصْبَحُوا. وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ رُؤْيَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ خَطَبَ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: ظَهَرَ النّبِىّ ÷ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: “أَيّهَا النّاسُ، إنّى رَأَيْت فِى مَنَامِى رُؤْيَا، رَأَيْت كَأَنّى فِى دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْت كَأَنّ سَيْفِى ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ وَرَأَيْت بَقَرًا تُذْبَحُ. وَرَأَيْت كَأَنّى مُرْدِفٌ كَبْشًا”، فَقَالَ النّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا أَوّلْتهَا؟ قَالَ: “أَمّا الدّرْعُ الْحَصِينَةُ فَالْمَدِينَةُ، فَامْكُثُوا فِيهَا؛ وَأَمّا انْقِصَامُ سَيْفِى مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ فَمُصِيبَةٌ فِى نَفْسِى؛ وَأَمّا الْبَقَرُ الْمُذَبّحُ فَقَتْلَى فِى أَصْحَابِى، وَأَمّا مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ نَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ”. وَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَالَ النّبِىّ ÷: “وَأَمّا انْقِصَامُ سَيْفِى، فَقَتْلُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى”. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالَ النّبِىّ ÷: “وَرَأَيْت فِى سَيْفِى فَلاّ فَكَرِهْته فَهُوَ الّذِى أَصَابَ وَجْهَهُ ÷”. وَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَشِيرُوا عَلَىّ”، وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَلاّ يَخْرُجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِهَذِهِ الرّؤْيَا، فَرَسُولُ اللّهِ ÷ يُحِبّ أَنْ يُوَافَقَ عَلَى مِثْلِ مَا رَأَى وَعَلَى مَا عَبّرَ عَلَيْهِ الرّؤْيَا. فَقَامَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، كُنّا نُقَاتِلُ فِى الْجَاهِلِيّةِ فِيهَا، وَنَجْعَلُ النّسَاءَ وَالذّرَارِىّ فِى هَذِهِ الصّيَاصِى، وَنَجْعَلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ، وَاَللّهِ لَرُبّمَا مَكَثَ الْوِلْدَانُ شَهْرًا يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ إعْدَادًا لِعَدُوّنَا، وَنَشْبِكُ الْمَدِينَةَ بِالْبُنْيَانِ فَتَكُونُ كَالْحِصْنِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَتَرْمِى الْمَرْأَةُ وَالصّبِىّ مِنْ فَوْقِ الصّيَاصِى وَالآطَامِ وَنُقَاتِلُ بِأَسْيَافِنَا فِى السّكَكِ، يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ مَدِينَتَنَا عَذْرَاءُ مَا فُضّتْ عَلَيْنَا قَطّ، وَمَا خَرَجْنَا إلَى عَدُوّ قَطّ إلاّ أَصَابَ مِنّا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا قَطّ إلاّ أَصَبْنَاهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّهُمْ إنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ مَغْلُوبِينَ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، يَا رَسُولَ اللّهِ أَطِعْنِى فِى هَذَا الأَمْرِ وَاعْلَمْ أَنّى وَرِثْت هَذَا الرّأْىَ مِنْ أَكَابِرِ قَوْمِى وَأَهْلِ الرّأْىِ مِنْهُمْ فَهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْحَرْبِ وَالتّجْرِبَةِ. وَكَانَ رَأْىُ رَسُولِ اللّهِ ÷ مَعَ رَأْىِ ابْنِ أُبَىّ، وَكَانَ ذَلِكَ رَأْىَ الأَكَابِرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُمْكُثْ فِى الْمَدِينَةِ، وَاجْعَلُوا النّسَاءَ وَالذّرَارِىّ فِى الآطَامِ، فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِى الأَزِقّةِ، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْهُمْ، وَارْمُوا مِنْ فَوْقِ الصّيَاصِى وَالآطَامِ”، فَكَانُوا قَدْ شَبّكُوا الْمَدِينَةَ بِالْبُنْيَانِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَهِىَ كَالْحِصْنِ، فَقَالَ فِتْيَانٌ أَحْدَاثٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا: وَطَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ الْخُرُوجَ إلَى عَدُوّهِمْ وَرَغِبُوا فِى الشّهَادَةِ وَأَحَبّوا لِقَاءَ الْعَدُوّ اُخْرُجْ بِنَا إلَى عَدُوّنَا. وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ السّنّ وَأَهْلِ النّيّةِ، مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَسَعْدُ ابْنُ عُبَادَةَ، وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِى غَيْرِهِمْ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ: إنّا نَخْشَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَظُنّ عَدُوّنَا أَنّا كَرِهْنَا الْخُرُوجَ إلَيْهِمْ جُبْنًا عَنْ لِقَائِهِمْ فَيَكُونُ هَذَا جُرْأَةً مِنْهُمْ عَلَيْنَا، وَقَدْ كُنْت يَوْمَ بَدْرٍ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَجُلٍ فَظَفّرَك اللّهُ عَلَيْهِمْ وَنَحْنُ الْيَوْمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، قَدْ كُنّا نَتَمَنّى هَذَا الْيَوْمَ وَنَدْعُو اللّهَ بِهِ فَقَدْ سَاقَهُ اللّهُ إلَيْنَا فِى سَاحَتِنَا، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ لِمَا يَرَى مِنْ إلْحَاحِهِمْ كَارِهٌ وَقَدْ لَبِسُوا السّلاحَ يَخْطِرُونَ بِسُيُوفِهِمْ يَتَسَامَوْنَ كَأَنّهُمْ الْفُحُولُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ، نَحْنُ وَاَللّهِ بَيْنَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إمّا يُظَفّرُنَا اللّهُ بِهِمْ فَهَذَا الّذِى نُرِيدُ فَيُذِلّهُمْ اللّهُ لَنَا فَتَكُونُ هَذِهِ وَقْعَةً مَعَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَلا يَبْقَى مِنْهُمْ إلاّ الشّرِيدُ، وَالأُخْرَى يَا رَسُولَ اللّهِ يَرْزُقُنَا اللّهُ الشّهَادَةَ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أُبَالِى أَيّهُمَا كَانَ إنّ كُلاّ لَفِيهِ الْخَيْرُ، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنّ النّبِىّ ÷ رَجَعَ إلَيْهِ قَوْلاً، وَسَكَتَ، فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: وَاَلّذِى أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ لا أَطْعَمُ الْيَوْمَ طَعَامًا حَتّى أُجَالِدَهُمْ بِسَيْفِى خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ يُقَالُ: كَانَ حَمْزَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَائِمًا، وَيَوْمَ السّبْتِ صَائِمًا، فَلاقَاهُمْ وَهُوَ صَائِمٌ. قَالُوا: وَقَالَ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِى سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَشْهَدُ أَنّ الْبَقَرَ الْمُذَبّحَ قَتْلَى مِنْ أَصْحَابِك وَأَنّى مِنْهُمْ فَلِمَ تَحْرِمُنَا الْجَنّةَ؟ فَوَاَلّذِى لا إلَهَ إلاّ هُوَ لأَدْخُلَنهَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بِمَ”؟ قَالَ: إنّى أُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا أَفِرّ يَوْمَ الزّحْفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقْت”، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذ. وَقَالَ إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ مِنْ الْبَقَرِ الْمُذَبّحِ نَرْجُو يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نُذَبّحَ فِى الْقَوْمِ وَيُذَبّحَ فِينَا، فَنَصِيرُ إلَى الْجَنّةِ وَيَصِيرُونَ إلَى النّارِ مَعَ أَنّى يَا رَسُولَ اللّهِ لا أُحِبّ أَنْ تَرْجِعَ قُرَيْشٌ إلَى قَوْمِهَا فَيَقُولُونَ: حَصَرْنَا مُحَمّدًا فِى صَيَاصِى يَثْرِبَ وَآطَامِهَا فَيَكُونُ هَذَا جُرْأَةً لِقُرَيْشٍ وَقَدْ وَطِئُوا سَعَفَنَا فَإِذَا لَمْ نَذُبّ عَنْ عِرْضِنَا لَمْ نَزْرَعْ، وَقَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ فِى جَاهِلِيّتِنَا وَالْعَرَبُ يَأْتُونَنَا، وَلا يَطْمَعُونَ بِهَذَا مِنّا حَتّى نَخْرُجَ إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا حَتّى نَذُبّهُمْ عَنّا، فَنَحْنُ الْيَوْمَ أَحَقّ إذْ أَيّدَنَا اللّهُ بِك، وَعَرَفْنَا مَصِيرَنَا، لا نَحْصُرُ أَنْفُسَنَا فِى بُيُوتِنَا. وَقَامَ خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ قُرَيْشًا مَكَثَتْ حَوْلاً تَجْمَعُ الْجُمُوعَ وَتَسْتَجْلِبُ الْعَرَبَ فِى بَوَادِيهَا وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَحَابِيشِهَا، ثُمّ جَاءُونَا قَدْ قَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الإِبِلَ حَتّى نَزَلُوا بِسَاحَتِنَا فَيَحْصُرُونَنَا فِى بُيُوتِنَا وَصَيَاصِيِنَا، ثُمّ يَرْجِعُونَ وَافِرِينَ لَمْ يُكْلَمُوا، فَيُجَرّئُهُمْ ذَلِكَ عَلَيْنَا حَتّى يَشُنّوا الْغَارَاتِ عَلَيْنَا، وَيُصِيبُوا أَطْرَافَنَا، وَيَضَعُوا الْعُيُونَ وَالأَرْصَادَ عَلَيْنَا، مَعَ مَا قَدْ صَنَعُوا بِحُرُوثِنَا، وَيَجْتَرِئُ عَلَيْنَا الْعَرَبُ حَوْلَنَا حَتّى يَطْمَعُوا فِينَا إذَا رَأَوْنَا لَمْ نَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَنَذُبّهُمْ عَنْ جِوَارِنَا وَعَسَى اللّهُ أَنْ يُظَفّرَنَا بِهِمْ فَتِلْكَ عَادَةُ اللّهِ عِنْدَنَا، أَوْ تَكُونَ الأُخْرَى فَهِىَ الشّهَادَةُ، لَقَدْ أَخْطَأَتْنِى وَقْعَةُ بَدْرٍ وَقَدْ كُنْت عَلَيْهَا حَرِيصًا، لَقَدْ بَلَغَ مِنْ حِرْصِى أَنْ سَاهَمْت ابْنِى فِى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ سَهْمُهُ فَرُزِقَ الشّهَادَةَ وَقَدْ كُنْت حَرِيصًا عَلَى الشّهَادَةِ. وَقَدْ رَأَيْت ابْنِى الْبَارِحَةَ فِى النّوْمِ فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ يَسْرَحُ فِى ثِمَارِ الْجَنّةِ وَأَنْهَارِهَا وَهُوَ يَقُولُ: الْحَقْ بِنَا تُرَافِقْنَا فِى الْجَنّةِ، فَقَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِى رَبّى حَقّا وَقَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَصْبَحْت مُشْتَاقًا إلَى مُرَافَقَتِهِ فِى الْجَنّةِ، وَقَدْ كَبِرَتْ سِنّى، وَرَقّ عَظْمِى، وَأَحْبَبْت لِقَاءَ رَبّى، فَادْعُ اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَرْزُقَنِى الشّهَادَةَ وَمُرَافَقَةَ سَعْدٍ فِى الْجَنّةِ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا. وَقَالُوا: قَالَ أَنَسُ بْنُ قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هِىَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا الشّهَادَةُ، وَإِمّا الْغَنِيمَةُ وَالظّفْرُ فِى قَتْلِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْهَزِيمَةَ”. قَالُوا: فَلَمّا أَبَوْا إلاّ الْخُرُوجَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْجُمُعَةَ بِالنّاسِ ثُمّ وَعَظَ النّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدّ وَالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّ لَهُمْ النّصْرَ مَا صَبَرُوا، فَفَرِحَ النّاسُ بِذَلِكَ حَيْثُ أَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالشّخُوصِ إلَى عَدُوّهِمْ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْمَخْرَجَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَمَرَهُمْ بِالتّهَيّؤِ لِعَدُوّهِمْ، ثُمّ صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَصْرَ بِالنّاسِ، وَقَدْ حَشَدَ النّاسُ وَحَضَرَ أَهْلُ الْعَوَالِى، وَرَفَعُوا النّسَاءَ فِى الآطَامِ فَحَضَرَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلِفّهَا وَالنّبِيتُ وَلِفّهَا وَتَلَبّسُوا السّلاحَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْتَهُ وَدَخَلَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمَا، فَعَمّمَاهُ وَلَبِسَاهُ وَصَفّ النّاسُ لَهُ مَا بَيْنَ حُجْرَتِهِ إلَى مِنْبَرِهِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ فَجَاءَهُمْ سَعْدُ ابْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالا: قُلْتُمْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ مَا قُلْتُمْ وَاسْتَكْرَهْتُمُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَالأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ السّمَاءِ فَرُدّوا الأَمْرَ إلَيْهِ، فَمَا أَمَرَكُمْ فَافْلَعُوهُ وَمَا رَأَيْتُمْ لَهُ فِيهِ هَوًى أَوْ رَأْىٌ فَأَطِيعُوهُ، فَبَيْنَا الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الأَمْرِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ سَعْدٌ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْبَصِيرَةِ عَلَى الشّخُوصِ وَبَعْضُهُمْ لِلْخُرُوجِ كَارِهٌ إذْ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ لَبِسَ لأْمَتَهُ، وَقَدْ لَبِسَ الدّرْعَ فَأَظْهَرَهَا، وَحَزَمَ وَسَطَهَا بِمِنْطَقَةٍ مِنْ حَمَائِلِ سَيْفٍ مِنْ أَدَمٍ كَانَتْ عِنْدَ آلِ أَبِى رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ بَعْدُ وَاعْتَمّ وَتَقَلّدَ السّيْفَ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ نَدِمُوا جَمِيعًا عَلَى مَا صَنَعُوا، وَقَالَ الّذِينَ يُلِحّونَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُلِحّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فِى أَمْرٍ يَهْوَى خِلافَهُ، وَنَدّمَهُمْ أَهْلُ الرّأْىِ الّذِينَ كَانُوا يُشِيرُونَ بِالْمُقَامِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُخَالِفَك فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك، وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَسْتَكْرِهَك وَالأَمْرُ إلَى اللّهِ، ثُمّ إلَيْك، فَقَالَ: “قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ وَلا يَنْبَغِى لِنَبِىّ إذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ”، وَكَانَتْ الأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ إذَا لَبِسَ النّبِىّ لأْمَتَهُ لَمْ يَضَعْهَا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اُنْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَاتّبِعُوهُ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ فَلَكُمْ النّصْرُ مَا صَبَرْتُمْ”. حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو النّجّارِىّ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَبِسَ لأْمَتَهُ ثُمّ خَرَجَ - وَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ - صَلّى عَلَيْهِ ثُمّ دَعَا بِدَابّتِهِ فَرَكِبَ إلَى أُحُدٍ. حَدّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لَهُ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَهُوَ مُوَجّهٌ إلَى أُحُدٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قِيلَ لِى: إنّك تُقْتَلُ غَدًا، وَهُوَ يَتَنَفّسُ مَكْرُوبًا، فَضَرَبَ النّبِىّ ÷ بِيَدِهِ فِى صَدْرِهِ، وَقَالَ: “أَلَيْسَ الدّهْرُ كُلّهُ غَدًا”؟ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِثَلاثَةِ أَرْمَاحٍ فَعَقَدَ ثَلاثَةَ أَلْوِيَةٍ فَدَفَعَ لِوَاءَ الأَوْسِ إلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَدَفَعَ لِوَاءَ الْخَزْرَجِ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ - وَيُقَالُ: إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - وَدَفَعَ لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ إلَى عَلِىّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ، وَيُقَالُ: إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ. ثُمّ دَعَا النّبِىّ ÷ بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَأَخَذَ النّبِىّ ÷ الْقَوْسَ وَأَخَذَ قَنَاةً بِيَدِهِ - زُجّ الرّمْحِ يَوْمَئِذٍ مِنْ شَبَهٍ - وَالْمُسْلِمُونَ مُتَلَبّسُونَ السّلاحَ قَدْ أَظْهَرُوا الدّرُوعَ فِيهِمْ مِائَةُ دَارِعٍ، فَلَمّا رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَرَجَ السّعْدَانِ أَمَامَهُ يَعْدُوَانِ - سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِعٌ وَالنّاسُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتّى سَلَكَ عَلَى الْبَدَائِعِ، ثُمّ زُقَاقِ الْحِسْىِ حَتّى أَتَى الشّيْخَيْنِ - وَهُمَا أُطُمَانِ كَانَا فِى الْجَاهِلِيّةِ فِيهِمَا شَيْخٌ أَعْمَى وَعَجُوزٌ عَمْيَاءُ يَتَحَدّثَانِ فَسُمّىَ الأُطُمَانِ الشّيْخَيْنِ - حَتّى انْتَهَى إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ، الْتَفَتَ فَنَظَرَ إلَى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ لَهَا زَجَلٌ خَلْفَهُ فَقَالَ: “مَا هَذِهِ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلاءِ حُلَفَاءُ ابْنِ أُبَىّ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا يُسْتَنْصَرُ بِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشّرْكِ”، وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى أَتَى الشّيْخَيْنِ فَعَسْكَرَ بِهِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ غِلْمَانٌ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ، وَعَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، فَرَدّهُمْ. قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: فَقَالَ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ رَامٍ وَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ وَعَلَىّ خُفّانِ لِى، فَأَجَازَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷، فَلَمّا أَجَازَنِى، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لِرَبِيبِهِ مُرَىّ بْنِ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ، وَهُوَ زَوْجُ أُمّهِ: يَا أَبَتِ أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَرَدّنِى، وَأَنَا أَصْرَعُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، فَقَالَ مُرَىّ بْنُ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَدَدْت ابْنِى وَأَجَزْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَابْنِى يَصْرَعُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “تَصَارَعَا”، فَصَرَعَ سَمُرَةُ رَافِعًا فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ - وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ. وَأَقْبَلَ ابْنُ أُبَىّ فَنَزَلَ نَاحِيَةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَجَعَلَ حُلَفَاؤُهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ لابْنِ أُبَىّ: أَشَرْت عَلَيْهِ بِالرّأْىِ وَنَصَحْته وَأَخْبَرْته أَنّ هَذَا رَأْىُ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِك؛ وَكَانَ ذَلِكَ رَأْيَهُ مَعَ رَأْيِك فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَأَطَاعَ هَؤُلاءِ الْغِلْمَانَ الّذِينَ مَعَهُ فَصَادَفُوا مِنْ ابْنِ أُبَىّ نِفَاقًا وَغِشّا. فَبَاتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالشّيْخَيْنِ، وَبَاتَ ابْنُ أُبَىّ فِى أَصْحَابِهِ وَفَرَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ عَرْضِ أَصْحَابِهِ، وَغَابَتْ الشّمْسُ فَأَذّنَ بَلالٌ بِالْمَغْرِبِ فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ بِأَصْحَابِهِ، ثُمّ أَذّنَ بِالْعِشَاءِ فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ بِأَصْحَابِهِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ نَازِلٌ فِى بَنِى النّجّارِ، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْحَرَسِ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِى خَمْسِينَ رَجُلاً، يَطُوفُونَ بِالْعَسْكَرِ حَتّى أَدْلَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ حَيْثُ أَدْلَجَ وَنَزَلَ بِالشّيْخَيْنِ فَجَمَعَ خَيْلَهُمْ وَظَهْرَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى حَرَسِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ فِى خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَبَاتَتْ صَاهِلَةُ خَيْلِهِمْ لا تَهْدَأُ وَتَدْنُو طَلائِعُهُمْ حَتّى تُلْصَقَ بِالْحَرّةِ فَلا تُصَعّدُ فِيهَا حَتّى تَرْجِعَ خَيْلُهُمْ وَيَهَابُونَ مَوْضِعَ الْحَرّةِ وَمُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالَ حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ: “مَنْ يَحْفَظُنَا اللّيْلَةَ”؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ. قَالَ: “اجْلِسْ”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ”؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: “مَنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: أَنَا أَبُو سَبُعٍ، قَالَ: “اجْلِسْ”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ”؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ: “وَمَنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: ابْنَ عَبْدِ قَيْسٍ. قَالَ: “اجْلِسْ”. وَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَاعَةً، ثُمّ قَالَ: “قُومُوا ثَلاثَتَكُمْ”. فَقَامَ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَيْنَ صَاحِبَاك”؟ فَقَالَ ذَكْوَانُ: أَنَا الّذِى كُنْت أَجَبْتُك اللّيْلَةَ، قَالَ: “فَاذْهَبْ حَفِظَك اللّهُ” قَالَ: فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ دَرَقَتَهُ وَكَانَ يَطُوفُ بِالْعَسْكَرِ تِلْكَ اللّيْلَةَ، وَيُقَالُ: كَانَ يَحْرُسُ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمْ يُفَارِقْهُ. وَنَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى أَدْلَجَ فَلَمّا كَانَ فِى السّحَرِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَيْنَ الأَدِلاّءُ؟ مَنْ رَجُلٌ يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ وَيُخْرِجُنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ”؟ فَقَامَ أَبُو حَثْمَةَ الْحَارِثِىّ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَيُقَالُ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ، وَيُقَالُ: مُحَيّصَةُ - وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَبُو حَثْمَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَرَكِبَ فَرَسَهُ فَسَلَكَ بِهِ فِى بَنِى حَارِثَةَ ثُمّ أَخَذَ فِى الأَمْوَالِ حَتّى يَمُرّ بِحَائِطِ مِرْبَعِ بْنِ قَيْظِىّ. وَكَانَ أَعْمَى الْبَصَرِ مُنَافِقًا، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ حَائِطَهُ قَامَ يَحْثِى التّرَابَ فِى وُجُوهِهِمْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَلا تَدْخُلْ حَائِطِى، فَيَضْرِبُهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ بِقَوْسٍ فِى يَدِهِ فَشَجّهُ فِى رَأْسِهِ فَنَزَلَ الدّمُ فَغَضِبَ لَهُ بَعْضُ بَنِى حَارِثَةَ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَقَالَ: هِىَ عَدَاوَتُكُمْ يَا بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ لا تَدْعُونَهَا أَبَدًا لَنَا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لا وَاَللّهِ وَلَكِنّهُ نِفَاقُكُمْ، وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى لا أَدْرِى مَا يُوَافِقُ النّبِىّ ÷ مِنْ ذَلِكَ لَضَرَبْت عُنُقَهُ وَعُنُقَ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَأُسْكِتُوا. وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَبَيْنَا هُوَ فِى مَسِيرِهِ إذْ ذَبّ فَرَسُ أَبِى بَرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كُلاّبَ سَيْفِهِ فَسَلّ سَيْفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا صَاحِبَ السّيْفِ، شِمْ سَيْفَك، فَإِنّى إخَال السّيُوفَ سَتُسَلّ فَيَكْثُرُ سَلّهَا”، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُحِبّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطّيَرَةَ. وَلَبِسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الشّيْخَيْنِ دِرْعًا وَاحِدَةً، حَتّى انْتَهَى إلَى أُحُدٍ، فَلَبِسَ دِرْعًا أُخْرَى، وَمِغْفَرًا وَبَيْضَةً فَوْقَ الْمِغْفَرِ، فَلَمّا نَهَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الشّيْخَيْنِ زَحَفَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى تَعْبِيَةٍ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَوْضِعِ أَرْضِ ابْنِ عَامِرٍ الْيَوْمَ. فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أُحُدٍ - إلَى مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ الْيَوْمَ - جَاءَ وَقَدْ حَانَتْ الصّلاةُ وَهُوَ يَرَى الْمُشْرِكِينَ أَمَرَ بَلالاً فَأَذّنَ وَأَقَامَ وَصَلّى بِأَصْحَابِهِ الصّبْحَ صُفُوفًا؛ وَارْتَحَلَ ابْنُ أُبَىّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِى كَتِيبَةٍ كَأَنّهُ هَيْقٌ يَقْدُمُهُمْ فَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَالَ: أُذَكّرُكُمْ اللّهَ وَدِينَكُمْ وَنَبِيّكُمْ وَمَا شَرَطْتُمْ لَهُ أَنْ تَمْنَعُوهُ مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ. فَقَالَ ابْنُ أُبَىّ: مَا أَرَى يَكُونُ بَيْنَهُمْ، قِتَالٌ وَلَئِنْ أَطَعْتنِى يَا أَبَا جَابِرٍ لَتَرْجِعَن، فَإِنّ أَهْلَ الرّأْىِ وَالْحِجَا قَدْ رَجَعُوا، وَنَحْنُ نَاصِرُوهُ فِى مَدِينَتِنَا، وَقَدْ خَالَفْنَا وَأَشَرْت عَلَيْهِ بِالرّأْىِ فَأَبَى إلاّ طَوَاعِيَةَ الْغِلْمَانِ، فَلَمّا أَبَى عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَنْ يَرْجِعَ وَدَخَلُوا أَزِقّةَ الْمَدِينَةِ، قَالَ لَهُمْ أَبُو جَابِرٍ: أَبْعَدَكُمْ اللّهُ إنّ اللّهَ سَيُغْنِى النّبِىّ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ نَصْرِكُمْ فَانْصَرَفَ ابْنُ أُبَىّ وَهُوَ يَقُولُ: أَيَعْصِينِى وَيُطِيعُ الْوِلْدَانَ؟ وَانْصَرَفَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَعْدُو حَتّى لَحِقَ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَهُوَ يُسَوّى الصّفُوفَ، فَلَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ سُرّ ابْنُ أُبَىّ، وَأَظْهَرَ الشّمَاتَةَ، وَقَالَ: عَصَانِى وَأَطَاعَ مَنْ لا رَأْىَ لَهُ. وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَصُفّ أَصْحَابَهُ وَجَعَلَ الرّمَاةَ خَمْسِينَ رَجُلاً عَلَى عَيْنَيْنِ، عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقِيلَ: عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالثّبْتُ عِنْدَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ. وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَصُفّ أَصْحَابَهُ وَجَعَلَ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِينَةَ، وَجَعَلَ عَيْنَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَدْبَرُوا الْمَدِينَةَ فِى الْوَادِى وَاسْتَقْبَلُوا أُحُدًا. وَيُقَالُ: جَعَلَ النّبِىّ ÷ عَيْنَيْنِ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَدْبَرَ الشّمْسَ وَاسْتَقْبَلَهَا الْمُشْرِكُونَ - وَالْقَوْلُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، أَنّ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَدِينَةَ. حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أُحُدٍ، وَالْقَوْمُ نُزُولٌ بِعَيْنَيْنِ أَتَى أُحُدًا حَتّى جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، قَالَ: وَنَهَى أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ حَتّى يَأْمُرَهُ فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ، قَالَ أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِى قَيْلَةَ وَلَمّا نُضَارِبْ؟. وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ، وَلَهُمْ مُجَنّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ - وَيُقَالُ: عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - وَعَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ - وَاسْمُ أَبِى طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ. وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: يَا بَنِى عَبْدِ الدّارِ نَحْنُ نَعْرِفُ أَنّكُمْ أَحَقّ بِاللّوَاءِ مِنّا إنّا إنّمَا أَتَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اللّوَاءِ، وَإِنّمَا يُؤْتَى الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ لِوَائِهِمْ فَالْزَمُوا لِوَاءَكُمْ وَحَافِظُوا عَلَيْهِ وَخَلّوْا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَإِنّا قَوْمٌ مُسْتَمِيتُونَ مَوْتُورُونَ نَطْلُبُ ثَأْرًا حَدِيثَ الْعَهْدِ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: إذَا زَالَتْ الأَلْوِيَةُ فَمَا قِوَامُ النّاسِ وَبَقَاؤُهُمْ بَعْدَهَا فَغَضِبَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسَلّمُ لِوَاءَنَا؟ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا، فَأَمّا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ فَسَتَرَى ثُمّ أَسْنَدُوا الرّمَاحَ إلَيْهِ وَأَحْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ بِاللّوَاءِ وَأَغْلَظُوا لأَبِى سُفْيَانَ بَعْضَ الإِغْلاظِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَنَجْعَلُ لِوَاءً آخَرَ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَلا يَحْمِلُهُ إلاّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ لا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَبَدًا. وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْهِ يُسَوّى تِلْكَ الصّفُوفَ وَيُبَوّئُ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، يَقُولُ: “تَقَدّمْ يَا فُلانٌ، وَتَأَخّرْ يَا فُلانٌ”، حَتّى إنّهُ لَيَرَى مَنْكِبَ الرّجُلِ خَارِجًا فَيُؤَخّرُهُ، فَهُوَ يُقَوّمُهُمْ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ حَتّى إذَا اسْتَوَتْ الصّفُوفُ سَأَلَ مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: بَنُو عَبْدِ الدّارِ. قَالَ: نَحْنُ أَحَقّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْ اللّوَاءَ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَتَقَدّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷. ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَخَطَبَ النّاسَ، فَقَالَ: “يَا أَيّهَا النّاسُ، أُوصِيكُمْ بِمَا أَوْصَانِى اللّهُ فِى كِتَابِهِ مِنْ الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَالتّنَاهِى عَنْ مَحَارِمِهِ، ثُمّ إنّكُمْ الْيَوْمَ بِمَنْزِلِ أَجْرٍ وَذُخْرٍ لِمَنْ ذَكَرَ الّذِى عَلَيْهِ ثُمّ وَطّنَ نَفْسَهُ لَهُ عَلَى الصّبْرِ وَالْيَقِينِ وَالْجِدّ وَالنّشَاطِ فَإِنّ جِهَادَ الْعَدُوّ شَدِيدٌ شَدِيدٌ كَرْبُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَصْبِرُ عَلَيْهِ إلاّ مَنْ عَزَمَ اللّهُ رُشْدَهُ، فَإِنّ اللّهَ مَعَ مَنْ أَطَاعَهُ، وَإِنّ الشّيْطَانَ مَعَ مَنْ عَصَاهُ، فَافْتَتِحُوا أَعْمَالَكُمْ بِالصّبْرِ عَلَى الْجِهَادِ، وَالْتَمِسُوا بِذَلِكَ مَا وَعَدَكُمْ اللّهُ وَعَلَيْكُمْ بِاَلّذِى أَمَرَكُمْ بِهِ، فَإِنّى حَرِيصٌ عَلَى رُشْدِكُمْ، فَإِنّ الاخْتِلافَ وَالتّنَازُعَ وَالتّثْبِيطَ مِنْ أَمْرِ الْعَجْزِ وَالضّعْفِ مِمّا لا يُحِبّ اللّهُ، وَلا يُعْطِى عَلَيْهِ النّصْرَ وَلا الظّفَرَ، يَا أَيّهَا النّاسُ جُدّدَ فِى صَدْرِى أَنّ مَنْ كَانَ عَلَى حَرَامٍ فَرّقَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَمَنْ رَغِبَ لَهُ عَنْهُ غَفَرَ اللّهُ ذَنْبَهُ وَمَنْ صَلّى عَلَىّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَمَلائِكَتُهُ عَشْرًا، وَمَنْ أَحْسَنَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ فِى عَاجِلِ دُنْيَاهُ أَوْ آجِلِ آخِرَتِهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلاّ صَبِيّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَرِيضًا أَوْ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا اسْتَغْنَى اللّهُ عَنْهُ وَاَللّهُ غَنِىّ حَمِيدٌ، مَا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرّبُكُمْ إلَى اللّهِ إلاّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا أَعْلَمُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرّبُكُمْ إلَى النّارِ إلاّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنّهُ قَدْ نَفَثَ فِى رُوعِى الرّوحُ الأَمِينُ أَنّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَوْفِىَ أَقْصَى رِزْقِهَا، لا يَنْقُصُ مِنْهُ شَىْءٌ وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتّقُوا اللّهَ رَبّكُمْ وَأَجْمِلُوا فِى طَلَبِ الرّزْقِ وَلا يَحْمِلَنكُمْ اسْتِبْطَاؤُهُ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ رَبّكُمْ، فَإِنّهُ لا يُقْدَرُ عَلَى مَا عِنْدَهُ إلاّ بِطَاعَتِهِ، قَدْ بَيّنَ لَكُمْ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ غَيْرَ أَنّ بَيْنَهُمَا شَبَهًا مِنْ الأَمْرِ لَمْ يَعْلَمْهَا كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ إلاّ مَنْ عَصَمَ، فَمَنْ تَرَكَهَا حَفِظَ عِرْضَهُ وَدِينَهُ وَمَنْ وَقَعَ فِيهَا كَانَ كَالرّاعِى إلَى جَنْبِ الْحِمَى أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَلَيْسَ مَلِكٌ إلاّ وَلَهُ حِمًى، أَلا وَإِنّ حِمَى اللّهِ مَحَارِمُهُ، وَالْمُؤْمِنُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَالرّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى تَدَاعَى عَلَيْهِ سَائِرُ الْجَسَدِ، وَالسّلامُ عَلَيْكُمْ”. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: إنّ أَوّلَ مَنْ أَنْشَبَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ أَبُو عَامِرٍ طَلَعَ فِى خَمْسِينَ مِنْ قَوْمِهِ مَعَهُ عَبِيدُ قُرَيْشٍ، فَنَادَى أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ عَبْدُ عَمْرٍو: يَا آلَ أَوْسٍ أَنَا أَبُو عَامِرٍ، فَقَالُوا: لا مَرْحَبًا بِك وَلا أَهْلاً يَا فَاسِقُ، فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِى بَعْدِى شَرّ وَمَعَهُ عَبِيدُ أَهْلِ مَكّةَ، فَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى تَرَاضَخُوا بِهَا سَاعَةً حَتّى وَلّى أَبُو عَامِرٍ وَأَصْحَابُهُ وَدَعَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ إلَى الْبِرَازِ، وَيُقَالُ: إنّ الْعَبِيدَ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَمَرُوهُمْ بِحِفْظِ عَسْكَرِهِمْ. قَالَ: وَجَعَلَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِىَ الْجَمْعَانِ أَمَامَ صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبْنَ بِالأَكْبَارِ وَالدّفَافِ وَالْغَرَابِيلِ، ثُمّ يَرْجِعْنَ فَيَكُنّ فِى مُؤَخّرِ الصّفّ حَتّى إذَا دَنَوْا مِنّا تَأَخّرَ النّسَاءُ يَقُمْنَ خَلْفَ الصّفُوفِ فَجَعَلْنَ كُلّمَا وَلّى رَجُلٌ حَرّضْنَهُ وَذَكّرْنَهُ قَتْلاهُمْ بِبَدْرٍ. وَكَانَ قُزْمَانُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ أُحُدٍ، فَلَمّا أَصْبَحَ عَيّرَهُ نِسَاءُ بَنِى ظَفَرٍ، فَقُلْنَ: يَا قُزْمَانُ، قَدْ خَرَجَ الرّجَالُ وَبَقِيت يَا قُزْمَانُ، أَلا تَسْتَحْيِىَ مِمّا صَنَعْت؟ مَا أَنْتَ إلاّ امْرَأَةٌ خَرَجَ قَوْمُك فَبَقِيت فِى الدّارِ فَأَحْفَظَنهُ فَدَخَلَ بَيْتَهُ فَأَخْرَجَ قَوْسَهُ وَجَعْبَتَهُ وَسَيْفَهُ – وَكَانَ يُعْرَفُ بِالشّجَاعَةِ فَخَرَجَ يَعْدُو حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ يُسَوّى صُفُوفَ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ مِنْ خَلْفِ الصّفُوفِ حَتّى انْتَهَى إلَى الصّفّ الأَوّلِ فَكَانَ فِيهِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ يُرْسِلُ نَبْلاً كَأَنّهَا الرّمَاحُ وَإِنّهُ لَيَكِتّ كَتِيتَ الْجَمَلِ. ثُمّ صَارَ إلَى السّيْفِ فَفَعَلَ الأَفَاعِيلَ، حَتّى إذَا كَانَ آخِرَ ذَلِكَ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”، فَلَمّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: الْمَوْتُ أَحْسَنُ مِنْ الْفِرَارِ يَا آلَ أَوْسٍ قَاتِلُوا عَلَى الأَحْسَابِ، وَاصْنَعُوا مِثْلَ مَا أَصْنَعُ، قَالَ: فَيَدْخُلُ بِالسّيْفِ وَسْطَ الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُقَالَ: قَدْ قُتِلَ ثُمّ يَطْلُعُ وَيَقُولُ: أَنَا الْغُلامُ الظّفَرِىّ، حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعَةً وَأَصَابَتْهُ الْجِرَاحَةُ وَكَثُرَتْ بِهِ فَوَقَعَ، فَمَرّ بِهِ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، فَقَالَ: أَبَا الْغَيْدَاقُ، قَالَ لَهُ قُزْمَانُ: يَا لَبّيْكَ، قَالَ: هَنِيئًا لَك الشّهَادَةَ، قَالَ قُزْمَانُ: إنّى وَاَللّهِ مَا قَاتَلْت يَا أَبَا عَمْرٍو عَلَى دِينٍ مَا قَاتَلْت إلاّ عَلَى الْحِفَاظِ أَنْ تَسِيرَ قُرَيْشٌ إلَيْنَا حَتّى تَطَأَ سَعَفَنَا، فَذُكِرَ لِلنّبِىّ ÷ جِرَاحَتُهُ فَقَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”، فَأَنْدَبَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ اللّهَ يُؤَيّدُ هَذَا الدّينَ بِالرّجُلِ الْفَاجِرِ”. قَالُوا: وَتَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الرّمَاةِ، فَقَالَ: “احْمُوا لَنَا ظُهُورَنَا، فَإِنّا نَخَافُ أَنْ نُؤْتَى مِنْ وَرَائِنَا، وَالْزَمُوا مَكَانَكُمْ لا تَبْرَحُوا مِنْهُ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَهْزِمُهُمْ حَتّى نَدْخُلَ عَسْكَرَهُمْ فَلا تُفَارِقُوا مَكَانَكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تُعِينُونَا وَلا تَدْفَعُوا عَنّا، اللّهُمّ إنّى أُشْهِدُك عَلَيْهِمْ وَارْشُقُوا خَيْلَهُمْ بِالنّبْلِ، فَإِنّ الْخَيْلَ لا تُقْدِمُ عَلَى النّبْلِ”، وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ مُجَنّبَتَانِ مَيْمَنَةٌ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَمَيْسَرَةٌ عَلَيْهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ. قَالُوا: وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَدَفَعَ لِوَاءَهُ الأَعْظَمَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَدَفَعَ لِوَاءَ الأَوْسِ إلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَلِوَاءَ الْخَزْرَجِ إلَى سَعْدٍ أَوْ حُبَابٍ، وَالرّمَاةُ يَحْمُونَ ظُهُورَهُمْ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنّبْلِ فَتُوَلّى هَوَارِبَ، قَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ: لَقَدْ رَمَقْت نَبْلَنَا، مَا رَأَيْت سَهْمًا وَاحِدًا مِمّا نَرْمِى بِهِ خَيْلَهُمْ يَقَعُ بِالأَرْضِ إلاّ فِى فَرَسٍ أَوْ رَجُلٍ.

قَالُوا: وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدّمُوا صَاحِبَ لِوَائِهِمْ طَلْحَةَ بْنَ أَبِى طَلْحَةَ وَصَفّوا صُفُوفَهُمْ وَأَقَامُوا النّسَاءَ خَلْفَ الرّجَالِ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ يَضْرِبْنَ بِالأَكْبَارِ وَالدّفُوفِ وَهِنْدٌ وَصَوَاحِبُهَا يُحَرّضْنَ وَيَذْمُرْنَ الرّجَالَ وَيُذَكّرْنَ مَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ وَيَقُلْنَ:

نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ إنْ تُقْبِلُـــــــوا نُــــــعَانِــــــقْ نَمْشِى عَلَى النّمَارِقْ أَوْ تُـــــدْبِــــــرُوا نُفَـــــــارِقْ فِـــرَاقَ غَيــــْرِ وَامِــــــــــقْ وَصَاحَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ مَنْ يُبَارِزُ؟ فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: هَلْ لَك فِى الْبِرَازِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: نَعَمْ، فَبَرَزَا بَيْنَ الصّفّيْنِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ جَالِسٌ تَحْتَ الرّايَةِ عَلَيْهِ دِرْعَانِ وَمِغْفَرٌ وَبَيْضَةٌ فَالْتَقَيَا فَبَدَرَهُ عَلِىّ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَمَضَى السّيْفُ حَتّى فَلَقَ هَامَتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى لِحْيَتِهِ فَوَقَعَ طَلْحَةُ، وَانْصَرَفَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، فَقِيلَ لِعَلِىّ: أَلا ذَفّفْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إنّهُ لَمّا صُرِعَ اسْتَقْبَلَتْنِى عَوْرَتُهُ فَعَطَفَنِى عَلَيْهِ الرّحِمُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَقْتُلُهُ - هُوَ كَبْشُ الْكَتِيبَةِ. وَيُقَالُ: حَمَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ فَاتّقَاهُ عَلِىّ بِالدّرَقَةِ، فَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا، وَحَمَلَ عَلَيْهِ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَعَلَى طَلْحَةَ دِرْعٌ مُشَمّرَةٌ، فَضَرَبَ سَاقَيْهِ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ، ثُمّ أَرَادَ أَنْ يُذَفّفَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ بِالرّحِمِ فَتَرَكَهُ عَلِىّ، فَلَمْ يُذَفّفْ عَلَيْهِ حَتّى مَرّ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فَذَفّفَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إنّ عَلِيّا ذَفّفَ عَلَيْهِ، فَلَمّا قُتِلَ طَلْحَةُ سُرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَظْهَرَ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ شَدّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ عَلَى كَتَائِبِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ حَتّى نُقِضَتْ صُفُوفُهُمْ وَمَا قُتِلَ إلاّ طَلْحَةُ. ثُمّ حَمَلَ لِوَاءَهُمْ بَعْدَ طَلْحَةَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ، أَبُو شَيْبَةَ وَهُوَ أَمَامَ النّسْوَةِ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: أَنْ تُخْضَبَ الصّعْدَةُ أَوْ تَنْدَقّـــا إنّ عَلَــــى أَهْــــلِ اللّوَاءِ حَقّـــا

فَتَقَدّمَ بِاللّوَاءِ، وَالنّسَاءُ يُحَرّضْنَ وَيَضْرِبْنَ بِالدّفُوفِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ عَلَى كَاهِلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَكَتِفَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى مُؤْتَزَرِهِ، حَتّى بَدَا سَحْرُهُ، ثُمّ رَجَعَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ سَاقِى الْحَجِيجَ، ثُمّ حَمَلَهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، وَكَانَ دَارِعًا وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ لا رَفْرَفَ لَهُ، فَكَانَتْ حَنْجَرَتُهُ بَادِيَةً فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ إدْلاعَ الْكَلْبِ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سَعْدٍ لَمّا حَمَلَ اللّوَاءَ قَامَ النّسَاءُ خَلْفَهُ يَقُلْنَ: ضَرْبًــــا حُمَــــاةَ الأَدْبَــــــــارْ ضَرْبًــــا بَنِــــى عَبْــــدِ الـــدّارْ

ضَرْبًـــــا بِكُـــــــلّ بَتّـــــــارْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: فَأَضْرِبُهُ فَأَقْطَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِالْيُسْرَى، فَأَحْمِلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فَضَرَبْتهَا فَقَطَعْتهَا، فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِذِرَاعَيْهِ جَمِيعًا فَضَمّهُ إلَى صَدْرِهِ، ثُمّ حَنَى عَلَيْهِ ظَهْرَهُ، قَالَ سَعْدٌ: فَأَدْخَلَ سِيَةَ الْقَوْسِ بَيْنَ الدّرْعِ وَالْمِغْفَرِ، فَأَقْلَعُ الْمِغْفَرَ فَأَرْمِى بِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، ثُمّ ضَرَبْته حَتّى قَتَلْته، ثُمّ أَخَذْت أَسْلُبُهُ دِرْعَهُ، فَنَهَضَ إلَىّ سُبَيْعُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَنَفَرٌ مَعَهُ فَمَنَعُونِى سَلَبَهُ، وَكَانَ سَلَبُهُ أَجْوَدَ سَلَبِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ - دِرْعٌ فَضْفَاضَةٌ، وَمِغْفَرٌ وَسَيْفٌ جَيّدٌ وَلَكِنْ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ وَهَكَذَا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ أَنّ سَعْدًا قَتَلَهُ. ثُمّ حَمَلَهُ مُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ، وَقَالَ: خُذْهَا، وَأَنَا ابْنُ أَبِى الأَقْلَحِ فَقَتَلَهُ، فَحُمِلَ إلَى أُمّهِ سُلافَةَ بِنْتِ سَعْدِ ابْنِ الشّهِيدِ، وَهِىَ مَعَ النّسَاءِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَصَابَك؟ قَالَ: لا أَدْرِى، سَمِعْته يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِى الأَقْلَحِ، قَالَتْ سُلافَةُ: أَقْلَحِىّ وَاَللّهِ أَىْ مِنْ رَهْطِى. وَيُقَالُ: قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ كِسْرَةَ - كَانُوا يُقَالُ لَهُمْ فِى الْجَاهِلِيّةِ: بَنُو كِسَرِ الذّهَبِ، فَقَالَ لأُمّهِ حِينَ سَأَلَتْهُ: مَنْ قَتَلَك؟ قَالَ: لا أَدْرِى، سَمِعْته يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ كِسْرَةَ، قَالَتْ سُلافَةُ: إحْدَى وَاَللّهِ كِسْرَى، تَقُولُ: إنّهُ رَجُلٌ مِنّا، فَيَوْمَئِذٍ نَذَرَتْ أَنْ تَشْرَبَ فِى قِحْفِ رَأْسِ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَمْرَ، وَجَعَلَتْ تَقُولُ: لِمَنْ جَاءَ بِهِ مِائَةٌ مِنْ الإِبِلِ. ثُمّ حَمَلَهُ كِلابُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، ثُمّ حَمَلَهُ الْجُلاّسُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، فَقَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، ثُمّ حَمَلَهُ أَرْطَاةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، فَقَتَلَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، ثُمّ حَمَلَهُ شُرَيْحُ بْنُ قَارِظٍ، فَلَسْنَا نَدْرِى مَنْ قَتَلَهُ، ثُمّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ غُلامُهُمْ فَاخْتُلِفَ فِى قَتْلِهِ، فَقَائِلٌ قَالَ: سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، وَقَائِلٌ: عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَقَائِلٌ: قُزْمَانُ - وَكَانَ أَثْبَتَهُمْ عِنْدَنَا قُزْمَانُ. قَالَ: انْتَهَى إلَيْهِ قُزْمَانُ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَاحْتَمَلَ اللّوَاءَ بِالْيُسْرَى، ثُمّ قَطَعَ الْيُسْرَى فَاحْتَضَنَ اللّوَاءَ بِذِرَاعَيْهِ وَعَضُدَيْهِ، ثُمّ حَنَى عَلَيْهِ ظَهْرَهُ، وَقَالَ: يَا بَنِى عَبْدِ الدّارِ هَلْ أُعْذِرْت؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ قُزْمَانُ فَقَتَلَهُ. وَقَالُوا: مَا ظَفّرَ اللّهُ نَبِيّهُ فِى مَوْطِنٍ قَطّ مَا ظَفّرَهُ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتّى عَصَوْا الرّسُولَ وَتَنَازَعُوا فِى الأَمْرِ، لَقَدْ قُتِلَ أَصْحَابُ اللّوَاءِ، وَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لا يَلْوُونَ وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ بَعْدَ ضَرْبِ الدّفَافِ وَالْفَرَحِ حَيْثُ الْتَقَيْنَا. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَقَدْ رَوَى كَثِيرٌ مِنْ الصّحَابَةِ مِمّنْ شَهِدَ أُحُدًا، قَالَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَاَللّهِ إنّى لأَنْظُرُ إلَى هِنْدٍ وَصَوَاحِبِهَا مُنْهَزِمَاتٍ مَا دُونَ أَخْذِهِنّ شَيْءٌ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَكُلّمَا أَتَى خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ مَيْسَرَةِ النّبِىّ ÷ لَيَجُوزُ حَتّى يَأْتِىَ مِنْ قِبَلِ السّفْحِ فَيَرُدّهُ الرّمَاةُ حَتّى فَعَلُوا ذَلِكَ مِرَارًا، وَلَكِنّ الْمُسْلِمِينَ أُتُوا مِنْ قِبَلِ الرّمَاةِ، إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَوْعَزَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: “قُومُوا عَلَى مَصَافّكُمْ هَذَا، فَاحْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا لا تَشْرَكُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا”، فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السّلاحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ، قَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: لِمَ تُقِيمُونَ هَاهُنَا فِى غَيْرِ شَيْءٍ؟ قَدْ هَزَمَ اللّهُ الْعَدُوّ وَهَؤُلاءِ إخْوَانُكُمْ يَنْتَهِبُونَ عَسْكَرَهُمْ فَادْخُلُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ فَاغْنَمُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ. فَقَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ لَكُمْ: “احْمُوا ظُهُورَنَا، فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا غَنِمْنَا فَلا تَشْرَكُونَا، احْمُوا ظُهُورَنَا”؟ فَقَالَ الآخَرُونَ: لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللّهِ هَذَا، وَقَدْ أَذَلّ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ، وَهَزَمَهُمْ، فَادْخُلُوا الْعَسْكَرَ، فَانْتَهِبُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ، فَلَمّا اخْتَلَفُوا خَطَبَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ – وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِثِيَابٍ بِيضٍ – فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ÷، وَأَلاّ يُخَالَفَ لِرَسُولِ اللّهِ أَمْرٌ فَعَصَوْا وَانْطَلَقُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الرّمَاةِ مَعَ أَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يَبْلُغُونَ الْعَشَرَةَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ، يَقُولُ: يَا قَوْمِ اُذْكُرُوا عَهْدَ نَبِيّكُمْ إلَيْكُمْ، وَأَطِيعُوا أَمِيرَكُمْ، قَالَ: فَأَبَوْا وَذَهَبُوا إلَى عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَ، وَخَلّوْا الْجَبَلَ وَجَعَلُوا يَنْتَهِبُونَ وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَدَارَتْ رِجَالُهُمْ وَحَالَتْ الرّيحُ وَكَانَتْ أَوّلَ النّهَارِ إلَى أَنْ رَجَعُوا صَبّا، فَصَارَتْ دَبُورًا حَيْثُ كَرّ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَا الْمُسْلِمُونَ قَدْ شُغِلُوا بِالنّهْبِ وَالْغَنَائِمِ. قَالَ نِسْطَاسٌ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ: كُنْت مَمْلُوكًا فَكُنْت فِيمَنْ خُلّفَ فِى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ يَوْمَئِذٍ مَمْلُوكٌ إلاّ وَحْشِىّ، وَصُؤَابٌ غُلامُ بَنِى عَبْدِ الدّارِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، خَلّفُوا غِلْمَانَكُمْ عَلَى مَتَاعِكُمْ يَكُونُونَ هُمْ الّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى رِحَالِكُمْ، فَجَمَعْنَا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَعَقَلْنَا الإِبِلَ، وَانْطَلَقَ الْقَوْمُ عَلَى تَعْبِيَتِهِمْ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَأَلْبَسْنَا الرّحَالَ الأَنْطَاعَ، وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، ثُمّ إذَا أَصْحَابُنَا مُنْهَزِمُونَ فَدَخَلَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ عَسْكَرَنَا وَنَحْنُ فِى الرّحَالِ، فَأَحْدَقُوا بِنَا، فَكُنْت فِيمَنْ أُسِرُوا، وَانْتَهَبُوا الْعَسْكَرَ أَقْبَحَ انْتِهَابٍ، حَتّى إنّ رَجُلاً مِنْهُمْ، قَالَ: أَيْنَ مَالُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ؟ فَقُلْت: مَا حَمَلَ إلاّ نَفَقَةً هِىَ فِى الرّحْلِ، فَخَرَجَ يَسُوقُنِى حَتّى أَخْرَجْتهَا مِنْ الْعَيْبَةِ خَمْسِينَ وَمِائَةَ مِثْقَالٍ، وَقَدْ وَلّى أَصْحَابُنَا وَأَيِسْنَا مِنْهُمْ وَانْحَاشَ النّسَاءُ فَهُنّ فِى حُجَرِهِنّ سَلْمٌ لِمَنْ أَرَادَهُنّ، وَصَارَ النّهْبُ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، فَإِنّا لَعَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الاسْتِسْلامِ إلَى أَنْ نَظَرْت إلَى الْجَبَلِ، فَإِذَا الْخَيْلُ مُقْبِلَةٌ فَدَخَلُوا الْعَسْكَرَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَرُدّهُمْ قَدْ ضُيّعَتْ الثّغُورُ الّتِى كَانَ بِهَا الرّمَاةُ وَجَاءُوا إلَى النّهْبِ وَالرّمَاةُ يَنْتَهِبُونَ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمْ مُتَأَبّطِى قِسِيّهِمْ وَجِعَابِهِمْ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِى يَدَيْهِ، أَوْ حِضْنِهِ شَيْءٌ قَدْ أَخَذَهُ، فَلَمّا دَخَلَتْ خَيْلُنَا دَخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ غَارّينَ آمِنِينَ فَوَضَعُوا فِيهِمْ السّيُوفَ فَقَتَلُوا فِيهِمْ قَتْلاً ذَرِيعًا، وَتَفَرّقَ الْمُسْلِمُونَ فِى كُلّ وَجْهٍ وَتَرَكُوا مَا انْتَهَبُوا وَأَجْلَوْا عَنْ عَسْكَرِنَا، فَرَجَعْنَا مَتَاعَنَا بَعْدُ فَمَا فَقَدْنَا مِنْهُ شَيْئًا، وَخَلّوْا أَسْرَانَا، وَوَجَدْنَا الذّهَبَ فِى الْمَعْرَكِ، وَلَقَدْ رَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ضَمّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ إلَيْهِ ضَمّةً ظَنَنْت أَنّهُ سَيَمُوتُ حَتّى أَدْرَكْته بِهِ رَمَقٌ، فَوَجَأْته بِخَنْجَرٍ مَعِى فَوَقَعَ، فَسَأَلْت عَنْهُ بَعْدُ، فَقِيلَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَاعِدَةَ، ثُمّ هَدَانِى اللّهُ عَزّ وَجَلّ بَعْدُ لِلإِسْلامِ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ الّذِينَ أَغَارُوا عَلَى النّهْبِ فَأَخَذُوا مَا أَخَذُوا مِنْ الذّهَبِ بَقِىَ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ حَيْثُ غَشِيَنَا الْمُشْرِكُونَ وَاخْتَلَطُوا إلاّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ، جَاءَ بِمِنْطَقَةٍ وَجَدَهَا فِى الْعَسْكَرِ فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، فَشَدّهَا عَلَى حِقْوَيْهِ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ وَجَاءَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ بِصُرّةٍ فِيهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ مِثْقَالاً، أَلْقَاهَا فِى جَيْبِ قَمِيصِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَالدّرْعُ فَوْقَهَا قَدْ حَزَمَ وَسْطَهُ، فَأَتَيَا بِذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِأُحُدٍ، فَلَمْ يُخَمّسْهُ وَنَفّلَهُمَا إيّاهُ. قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: فَلَمّا انْصَرَفَ الرّمَاةُ وَبَقِىَ مَنْ بَقِىَ نَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى خَلاءِ الْجَبَلِ وَقِلّةِ أَهْلِهِ فَكَرّ بِالْخَيْلِ وَتَبِعَهُ عِكْرِمَةُ فِى الْخَيْلِ فَانْطَلَقَا إلَى بَعْضِ الرّمَاةِ فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، فَرَامُوا الْقَوْمَ حَتّى أُصِيبُوا، وَرَامَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، ثُمّ طَاعَنَ بِالرّمْحِ، حَتّى انْكَسَرَ، ثُمّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ، حَتّى قُتِلَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، وَكَانَا قَدْ حَضَرَا قَتْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَهُمَا آخِرُ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْجَبَلِ حَتّى لَحِقَا الْقَوْمَ وَإِنّ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ فَانْتَقَضَتْ صُفُوفُنَا، وَنَادَى إبْلِيسُ، وَتَصَوّرَ فِى صُورَةِ جُعَالِ بْنِ سُرَاقَةَ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ، فَابْتُلِىَ يَوْمَئِذٍ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ بِبَلِيّةٍ عَظِيمَةٍ حِينَ تَصَوّرَ إبْلِيسُ فِى صُورَتِهِ، وَإِنّ جُعَالَ لَيُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَشَدّ الْقِتَالِ، وَإِنّهُ إلَى جَنْبِ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ وَخَوّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْنَا دُولَةً كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ دُولَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْنَا، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جُعَالِ ابْنِ سُرَاقَةَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ يَقُولُونَ: هَذَا الّذِى صَاحَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ. فَشَهِدَ لَهُ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، أَنّهُ كَانَ إلَى جَنْبِهِمَا حِينَ صَاحَ الصّائِحُ، وَأَنّ الصّائِحَ غَيْرُهُ، قَالَ رَافِعٌ: وَشَهِدْت لَهُ بَعْدُ. يَقُولُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: فَكُنّا أُتِينَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا وَمَعْصِيَةِ نَبِيّنَا، وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ وَصَارُوا يُقْتَلُونَ وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، مَا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنْ الْعَجَلَةِ وَالدّهَشِ وَلَقَدْ جُرِحَ يَوْمَئِذٍ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ جُرْحَيْنِ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَمَا يَدْرِى، يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الأَنْصَارِىّ، قَالَ: وَكَرّ أَبُو زَعْنَةَ فِى حَوْمَةِ الْقِتَالِ فَضَرَبَ أَبَا بُرْدَةَ ضَرْبَتَيْنِ مَا يَشْعُرُ إنّهُ لَيَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا أَبُو زَعْنَةَ حَتّى عَرَفَهُ بَعْدُ، فَكَانَ إذَا لَقِيَهُ قَالَ: اُنْظُرْ إلَى مَا صَنَعْت بِى، فَيَقُولُ لَهُ أَبُو زَعْنَةَ: أَنْتَ ضَرَبْت أُسَيْدَ ابْنَ حُضَيْرٍ، وَلا تَشْعُرُ، وَلَكِنّ هَذَا الْجُرْحَ فِى سَبِيلِ اللّهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ ÷: “هُوَ فِى سَبِيلِ اللّهِ يَا أَبَا بُرْدَةَ لَك أَجْرُهُ، حَتّى كَأَنّهُ ضَرَبَك أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ”. وَكَانَ الْيَمَانُ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ قَدْ رُفِعَا فِى الآطَامِ مَعَ النّسَاءِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لا أَبَا لَك، مَا نَسْتَبْقِى مِنْ أَنْفُسِنَا، فَوَاَللّهِ مَا نَحْنُ إلاّ هَامَةً الْيَوْمَ أَوْ غَدًا، فَمَا بَقِىَ مِنْ أَجَلِنَا قَدْرُ ظِمْءِ دَابّةٍ، فَلَوْ أَخَذْنَا أَسْيَافَنَا فَلَحِقْنَا بِرَسُولِ اللّهِ ÷ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنَا الشّهَادَةَ. قَالَ: فَلَحِقَا بِرَسُولِ اللّهِ ÷ بِأُحُدٍ مِنْ النّهَارِ، فَأَمّا رِفَاعَةُ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَالْتَقَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لا يَعْرِفُونَهُ حِينَ اخْتَلَطُوا؛ وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِى أَبِى، حَتّى قُتِلَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، مَا صَنَعْتُمْ، فَزَادَتْهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ ÷ خَيْرًا، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِدِيَتِهِ أَنْ تُخْرَجَ، وَيُقَالُ: إنّ الّذِى أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بِدَمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَأَقْبَلَ يَوْمَئِذٍ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ يَصِيحُ: يَا آلَ سَلَمَةَ، فَأَقْبَلُوا عُنُقًا وَاحِدَةً لَبّيْكَ دَاعِىَ اللّهِ لَبّيْكَ دَاعِىَ اللّهِ فَيَضْرِبُ يَوْمَئِذٍ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ ضَرْبَةً فِى رَأْسِهِ مُثْقَلَةً وَمَا يَدْرِى، حَتّى أَظْهَرُوا الشّعَارَ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا يَصِيحُونَ أَمِتْ أَمِتْ فَكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. فَحَدّثَنِى الزّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّوَاءَ، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِى صُورَةِ مُصْعَبٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ لِمُصْعَبٍ فِى آخِرِ النّهَارِ: “تَقَدّمْ يَا مُصْعَبُ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ الْمَلَكُ، فَقَالَ: لَسْت بِمُصْعَبٍ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنّهُ مَلَكٌ أُيّدَ بِهِ”. وَسَمِعْت أَبَا مَعْشَرٍ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَحَدّثَتْنِى عُبَيْدَةُ بِنْتُ نَائِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِى أَرْمِى بِالسّهْمِ يَوْمَئِذٍ فَيَرُدّهُ عَلَىّ رَجُلٌ أَبْيَضُ حَسَنُ الْوَجْهِ، لا أَعْرِفُهُ حَتّى كَانَ بَعْدُ فَظَنَنْت أَنّهُ مَلَكٌ. حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ يُقَاتِلانِ أَشَدّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتهمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَمّا رَجَعَتْ قُرَيْشٌ مِنْ أُحُدٍ جَعَلُوا يَتَحَدّثُونَ فِى أَنْدِيَتِهِمْ بِمَا ظَفِرُوا وَيَقُولُونَ: لَمْ نَرَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ وَلا الرّجَالَ الْبِيضَ الّذِينَ كُنّا نَرَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: لَمْ يُمَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ بِمَلَكٍ وَاحِدٍ إنّمَا كَانُوا يَوْمَ بَدْر. حَدّثَنِى ابْنُ خَدِيجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. حَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى لُحَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تُقَاتِلْ. حَدّثَنِى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمْ تُقَاتِلْ الْمَلائِكَةُ إلاّ يَوْمَ بَدْر. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ أَنْ يَمُدّهُمْ لَوْ صَبَرُوا، فَلَمّا انْكَشَفُوا لَمْ تُقَاتِلْ الْمَلائِكَةُ يَوْمَئِذٍ. حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بَشِيرٍ الْمَازِنِىّ، قَالَ: لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ أَزَبّ الْعَقَبَةَ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، لِمَا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ فِى أَيْدِى الْمُسْلِمِينَ، وَتَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَصْعَدُوا فِى الْجَبَلِ، فَكَانَ أَوّلُ مَنْ بَشّرَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ سَالِمٌ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَعَلْت أَصِيحُ وَيُشِيرُ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِإِصْبَعِهِ عَلَى فِيهِ أَنْ اُسْكُتْ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَبَشّرْت بِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيّا سَوِيّا. قَالَ كَعْبٌ: وَأَنَا فِى الشّعْبِ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ كَعْبًا بِلأْمَتِهِ - وَكَانَتْ صَفْرَاءَ أَوْ بَعْضَهَا - فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَنَزَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأْمَتَهُ فَلَبِسَهَا كَعْبٌ، وَقَاتَلَ كَعْبٌ يَوْمَئِذٍ قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا. حَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ فَعَرَفْت عَيْنَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْت: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللّهِ فَأَشَارَ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ اُصْمُتْ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ الأَعْرَجِ، قَالَ: لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَيّكُمْ قَتَلَ مُحَمّدًا؟ قَالَ ابْنُ قَمِيئَةَ: أَنَا قَتَلْته، قَالَ: نُسَوّرُك كَمَا تَفْعَلُ الأَعَاجِمُ بِأَبْطَالِهَا، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَطُوفُ بِأَبِى عَامِرٍ الْفَاسِقِ فِى الْمَعْرَكِ هَلْ يَرَى مُحَمّدًا بَيْنَ الْقَتْلَى، فَمَرّ بِخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ هَلْ تَدْرِى مَنْ هَذَا الْقَتِيلُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: هَذَا خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ الْخَزْرَجِىّ، هَذَا سَيّدُ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَمَرّ بِعَبّاسِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ إلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ قَوْقَلٍ هَذَا الشّرِيفُ فِى بَيْتِ الشّرَفِ، قَالَ: ثُمّ مَرّ بِذَكْوَانَ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ سَادَاتِهِمْ، وَمَرّ بِابْنِهِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا ابْنَ عَامِرٍ؟ قَالَ: هَذّ أَعَزّ مَنْ هَاهُنَا عَلَىّ هَذَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا نَرَى مَصْرَعَ مُحَمّدٍ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُ لَرَأَيْنَاهُ كَذَبَ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَلَقِىَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ: هَلْ تَبَيّنَ عِنْدَك قَتْلُ مُحَمّدٍ؟ قَالَ خَالِدٌ: رَأَيْته أَقْبَلَ فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مُصْعِدِينَ فِى الْجَبَلِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذَا حَقّ كَذَبَ ابْنُ قَمِيئَةَ زَعَمَ أَنّهُ قَتَلَهُ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْت مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ انْكَشَفَ النّاسُ إلَى الْجَبَلِ وَهُمْ لا يَلْوُونَ عَلَيْهِ، وَإِنّهُ لَيَقُولُ: “إلَىّ يَا فُلانُ إلَىّ يَا فُلانُ، أَنَا رَسُولُ اللّهِ”، فَمَا عَرّجَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ عَلَيْهِ وَمَضَيَا. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى جَهْمٍ، وَاسْمُ أَبِى جَهْمٍ عُبَيْدٌ، قَالَ: كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُحَدّثُ وَهُوَ بِالشّامِ، يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى هَدَانِى لِلإِسْلامِ لَقَدْ رَأَيْتنِى وَرَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَحِمَهُ اللّهُ حِينَ جَالُوا وَانْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، وَإِنّى لَفِى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ فَمَا عَرَفَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرِى، فَنَكَبْت عَنْهُ وَخَشِيت إنْ أَغْرَيْت بِهِ مَنْ مَعِى أَنْ يَصْمُدُوا لَهُ، فَنَظَرْت إلَيْهِ مُوَجّهًا إلَى الشّعْبِ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلاً مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْت أُحُدًا فَنَظَرْت إلَى النّبْلِ تَأْتِى مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَسْطَهَا، كُلّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِىّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَلا نَجَوْت إنْ نَجَا وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ إلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمّ جَاوَزَهُ وَلَقِىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ شِهَابٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: تَرِحْت، أَلَمْ يُمْكِنْك أَنْ تَضْرِبَ مُحَمّدًا فَتَقْطَعَ هَذِهِ الشّأْفَةَ فَقَدْ أَمْكَنَك اللّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: وَهَلْ رَأَيْته؟ قَالَ: نَعَمْ أَنْتَ إلَى جَنْبِهِ، قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْته، أَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّهُ مِنّا مَمْنُوعٌ خَرَجْنَا أَرْبَعَةً تَعَاهَدْنَا، وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ نَخْلُصْ إلَى ذَلِكَ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ نَمْلَةَ بْنِ أَبِى نَمْلَةَ - وَاسْمُ أَبِى نَمْلَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ أَبُوهُ مُعَاذٌ أَخًا لِلْبَرَاءِ ابْنِ مَعْرُورٍ لأُمّهِ – فَقَالَ: لَمّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ إلاّ نُفَيْرٌ فَأَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى الشّعْبِ؛ وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ لِوَاءٌ قَائِمٌ وَلا فِئَةٌ وَلا جَمْعٌ، وَإِنّ كَتَائِبَ الْمُشْرِكِينَ لَتَحُوشُهُمْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِى الْوَادِى، يَلْتَقُونَ وَيَفْتَرِقُونَ مَا يَرَوْنَ أَحَدًا مِنْ النّاسِ يَرُدّهُمْ. فَاتّبَعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَنْظُرُ إلَيْهِ وَهُوَ يَؤُمّ أَصْحَابَهُ، ثُمّ رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ نَحْوَ عَسْكَرِهِمْ وَتَآمَرُوا فِى الْمَدِينَةِ وَفِى طَلَبِنَا، فَالْقَوْمُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الاخْتِلافِ، وَطَلَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَصْحَابِهِ، فَكَأَنّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ شَيْءٌ حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ سَالِمًا. حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَمَلَ مُصْعَبٌ اللّوَاءَ فَلَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ ثَبَتَ بِهِ فَأَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَهُوَ فَارِسٌ، فَضَرَبَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَقَطَعَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: ×وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ% وَأَخَذَ اللّوَاءَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَحَنَى عَلَيْهِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَحَنَى عَلَى اللّوَاءِ وَضَمّهُ بِعَضُدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: ×وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ% الآيَةَ. ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ الثّالِثَةَ، فَأَنْفَذَهُ وَانْدَقّ الرّمْحُ وَوَقَعَ مُصْعَبٌ وَسَقَطَ اللّوَاءُ وَابْتَدَرَهُ رَجُلانِ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّار ِ سُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَأَبُو الرّومِ، وَأَخَذَهُ أَبُو الرّومِ فَلَمْ يَزَلْ فِى يَدِهِ حَتّى دَخَلَ بِهِ الْمَدِينَةَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ. وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا، عَنْ الْمِقْدَادِ، قَالَ: لَمّا تَصَافَفْنَا لِلْقِتَالِ جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَحْتَ رَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَلَمّا قُتِلَ أَصْحَابُ اللّوَاءِ وَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ الْهَزِيمَةَ الأُولَى، وَأَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَسْكَرِهِمْ فَانْتَهَبُوا، ثُمّ كَرّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَتَوْا مِنْ خَلْفِهِمْ فَتَفَرّقَ النّاسُ وَنَادَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِ الأَلْوِيَةِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ثُمّ قُتِلَ. وَأَخَذَ رَايَةَ الْخَزْرَجِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ قَائِمٌ تَحْتَهَا، وَأَصْحَابُهُ مُحْدِقُونَ بِهِ، وَدَفَعَ لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِى الرّومِ الْعَبْدَرِىّ آخِرَ النّهَارِ وَنَظَرْت إلَى لِوَاءِ الأَوْسِ مَعَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، فَنَاوَشُوهُمْ سَاعَةً وَاقْتَتَلُوا عَلَى الاخْتِلاطِ مِنْ الصّفُوفِ. وَنَادَى الْمُشْرِكُونَ بِشِعَارِهِمْ: يَا لَلْعُزّى، يَا آلَ هُبَلَ، فَأَوْجَعُوا وَاَللّهِ فِينَا قَتْلاً ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مَا نَالُوا، لا وَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ إنْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ زَالَ شِبْرًا وَاحِدًا، إنّهُ لَفِى وَجْهِ الْعَدُوّ وَتُثَوّبُ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرّةً وَتَتَفَرّقُ عَنْهُ مَرّةً فَرُبّمَا رَأَيْته قَائِمًا يَرْمِى عَنْ قَوْسِهِ أَوْ يَرْمِى بِالْحَجَرِ حَتّى تَحَاجَزُوا. وَثَبَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَمَا هُوَ فِى عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، سَبْعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: أَبُو بَكْر ٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَمِنْ الأَنْصَارِ: الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. وَيُقَالُ: ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَيَجْعَلُونَهُمَا مَكَانَ أُسَيْدِ ابْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَبَايَعَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمَوْتِ - ثَلاثَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: عَلِىّ، وَالزّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ عَلَيْهِمْ السّلامُ وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَحُبَابُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَدْعُوهُمْ فِى أُخْرَاهُمْ حَتّى انْتَهَى مَنْ انْتَهَى مِنْهُمْ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمِهْرَاسِ. وَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَبَتَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثُونَ رَجُلاً كُلّهُمْ يَقُولُ: وَجْهِى دُونَ وَجْهِك، وَنَفْسِى دُونَ نَفْسِك، وَعَلَيْك السّلامُ غَيْرَ مُوَدّعٍ. وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا لَحَمَهُ الْقِتَالُ وَخَلَصَ إلَيْهِ وَذَبّ عَنْهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو دُجَانَةَ حَتّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “مَنْ رَجُلٌ يَشْرِى نَفْسَهُ”؟ فَوَثَبَ فِئَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَ وَفَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلُوا حَتّى أَجْهَضُوا أَعْدَاءَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعُمَارَةَ بْنِ زِيَادٍ: “اُدْنُ مِنّى إلَىّ إلَىّ” حَتّى وَسّدَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدَمَهُ – وَبِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا – حَتّى مَاتَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ يَذْمُرُ النّاسَ وَيَحُضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَذْلَقُوا الْمُسْلِمِينَ بِالرّمْىِ مِنْهُمْ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَأَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، فَجَعَلَ النّبِىّ ÷ يَقُولُ لِسَعْدِ ابْنِ أَبِى وَقّاصٍ: ارْمِ فِدَاك أَبِى وَأُمّى وَرَمَى حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ ذَيْلَ أُمّ أَيْمَنَ – وَجَاءَتْ يَوْمَئِذٍ تَسْقِى الْجَرْحَى – فَعَقَلَهَا وَانْكَشَفَ عَنْهَا، فَاسْتَغْرَبَ فِى الضّحِكِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَفَعَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ سَهْمًا لا نَصْلَ لَهُ، فَقَالَ: “ارْمِ” فَوَقَعَ السّهْمُ فِى ثُغْرَةِ نَحْرِ حِبّانَ فَوَقَعَ مُسْتَلْقِيًا وَبَدَتْ عَوْرَتُهُ، قَالَ سَعْدٌ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ ضَحِكَ يَوْمَئِذٍ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. ثُمّ قَالَ: “اسْتَقَادَ لَهَا سَعْدٌ، أَجَابَ اللّهُ دَعْوَتَك وَسَدّدَ رَمْيَتَك”. وَرَمَى يَوْمَئِذٍ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ الْجُشَمِىّ أَخُو أَبِى أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، وَكَانَ هُوَ وَحِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ قَدْ أَسْرَعَا فِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَكْثَرَا فِيهِمْ الْقَتْلَ بِالنّبْلِ يَتَسَتّرَانِ بِالصّخْرِ وَيَرْمِيَانِ الْمُسْلِمِينَ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَبْصَرَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ مَالِكَ بْنَ زُهَيْرٍ وَرَاءَ صَخْرَةٍ قَدْ رَمَى وَأَطْلَعَ رَأْسَهُ فَيَرْمِيهِ سَعْدٌ فَأَصَابَ السّهْمُ عَيْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ قَفَاهُ فَنَزَا فِى السّمَاءِ قَامَةً، ثُمّ رَجَعَ فَسَقَطَ فَقَتَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. وَرَمَى رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ عَنْ قَوْسِهِ حَتّى صَارَتْ شَظَايَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ وَكَانَتْ عِنْدَهُ. وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، قَالَ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ: فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقُلْت: إى رَسُولَ اللّهِ إنّ تَحْتِى امْرَأَةً شَابّةً جَمِيلَةً أُحِبّهَا وَتُحِبّنِى، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقْذَرَ مَكَانَ عَيْنِى، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَرَدّهَا فَأَبْصَرَتْ وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَلَمْ تَضْرِبْ عَلَيْهِ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ وَكَانَ يَقُولُ: بَعْدَ أَنْ أَسَنّ هِىَ وَاَللّهِ أَقْوَى عَيْنَىّ وَكَانَتْ أَحْسَنَهُمَا. وَبَاشَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْقِتَالَ، فَرَمَى بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَتَكَسّرَتْ سِيَةُ قَوْسِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ، وَبَقِيَتْ فِى يَدِهِ قِطْعَةٌ تَكُونُ شِبْرًا فِى سِيَةِ الْقَوْسِ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَن يُوتِرُهُ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا يَبْلُغُ الْوَتَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مُدّهُ يَبْلُغُ”، قَالَ عُكّاشَةُ: فَوَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ لَمَدَدْته حَتّى بَلَغَ وَطَوَيْت مِنْهُ لَيّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً عَلَى سِيَةِ الْقَوْسِ، ثُمّ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَوْسَهُ فَمَا زَالَ يَرْمِى الْقَوْمَ وَأَبُو طَلْحَة َ أَمَامَهُمْ يَسْتُرُهُ مُتَرّسًا عَنْهُ حَتّى نَظَرْت إلَى قَوْسِهِ قَدْ تَحَطّمَتْ فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ نَثَرَ كِنَانَتَهُ بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ÷، وَكَانَ رَامِيًا وَكَانَ صَيّتًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَوْتُ أَبِى طَلْحَةَ فِى الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً”، وَكَانَ فِى كِنَانَتِهِ خَمْسُونَ سَهْمًا، فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷، ثُمّ جَعَلَ يَصِيحُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَفْسِى دُونَ نَفْسِك، فَلَمْ يَزَلْ يَرْمِى بِهَا سَهْمًا سَهْمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُطْلِعُ رَأْسَهُ خَلْفَ أَبِى طَلْحَة َ بَيْنَ رَأْسِهِ وَمَنْكِبِهِ يَنْظُرُ إلَى مَوَاقِعِ النّبْلِ، حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: نَحْرِى دُونَ نَحْرِك، جَعَلَنِى اللّهُ فِدَاك، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَيَأْخُذُ الْعُودَ مِنْ الأَرْضِ، فَيَقُولُ: “ارْمِ يَا أَبَا طَلْحَةَ”، فَيَرْمِى بِهَا سَهْمًا جَيّدًا. وَكَانَ الرّمَاةُ مِنْ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ الْمَذْكُورُ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَالسّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَحَاطِبُ ابْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَخِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ، وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَأَبُو طَلْحَة َ وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ، وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ. وَرُمِىَ يَوْمَئِذٍ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِى نَحْرِهِ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَبَصَقَ عَلَيْهِ فَبَرَأَ، وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ يُسَمّى الْمَنْحُور. وَكَانَ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ تَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَرَفَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ - عَبْدُ اللّهِ بْنُ شِهَابٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَابْنُ قَمِيئَةَ، وَأُبَىّ ابْنُ خَلَفٍ. وَرَمَى عُتْبَةُ يَوْمَئِذٍ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِأَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ وَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ - أَشْظَى بَاطِنَهَا، الْيُمْنَى السّفْلَى - وَشُجّ فِى وَجْنَتَيْهِ، حَتّى غَابَ حَلَقُ الْمِغْفَرِ فِى وَجْنَتِهِ، وَأُصِيبَتْ رُكْبَتَاهُ فَجُحِشَتَا. وَكَانَتْ حُفَرٌ حَفَرَهَا أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِق ُ كَالْخَنَادِقِ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَاقِفًا عَلَى بَعْضِهَا وَلا يَشْعُرُ بِهِ. وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّ الّذِى رَمَى وَجْنَتَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ ابْنُ قَمِيئَةَ، وَاَلّذِى رَمَى شَفَتَهُ وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَأَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَهُوَ يَقُولُ: دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَوَاَلّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَئِنْ رَأَيْته لأَقْتُلَنهُ فَعَلاهُ بِالسّيْفِ وَرَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ مَعَ تَجْلِيلِ السّيْفِ وَكَانَ عَلَيْهِ ÷ دِرْعَانِ فَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْحُفْرَةِ الّتِى أَمَامَهُ فَجُحِشَتْ رُكْبَتَاهُ، وَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُ ابْنِ قَمِيئَةَ شَيْئًا إلاّ وَهَنُ الضّرْبَةِ بِثِقَلِ السّيْفِ، فَقَدْ وَقَعَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَانْتَهَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَطَلْحَةُ يَحْمِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ وَعَلِىّ آخِذٌ بِيَدَيْهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا. حَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى بَشِيرٍ الْمَازِنِىّ، قَالَ: حَضَرْت يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا غُلامٌ فَرَأَيْت ابْنَ قَمِيئَةَ عَلا رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالسّيْفِ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِى حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتّى تَوَارَى، فَجَعَلْت أَصِيحُ - وَأَنَا غُلامٌ - حَتّى رَأَيْت النّاسَ ثَابُوا إلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْظُرُ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ آخِذًا بِحِضْنِهِ حَتّى قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَيُقَالُ: إنّ الّذِى شَجّ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى جَبْهَتِهِ ابْنُ شِهَابٍ، وَاَلّذِى أَشْظَى رَبَاعِيَتَهُ وَأَدْمَى شَفَتَيْهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَاَلّذِى رَمَى وَجْنَتَيْهِ حَتّى غَابَ الْحَلَقُ فِى وَجْنَتَيْهِ ابْنُ قَمِيئَةَ وَسَالَ الدّمُ فِى شَجّتِهِ الّتِى فِى جَبْهَتِهِ حَتّى أَخْضَلَ الدّمُ لِحْيَتَهُ ÷. وَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ”؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ% الآيَةَ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: سَمِعْته يَقُولُ: “اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى قَوْمٍ أَدْمَوْا وَجْهَ رَسُولِ اللّهِ، اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ”، قَالَ سَعْدٌ: فَقَدْ شَفَانِى مِنْ عُتْبَةَ أَخِى دُعَاءُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَلَقَدْ حَرَصْت عَلَى قَتْلِهِ حِرْصًا مَا حَرَصْته عَلَى شَيْءٍ قَطّ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْته لَعَاقّا بِالْوَالِدِ سَيّئَ الْخُلُقِ. وَلَقَدْ تَخَرّقْتُ صُفُوفَ الْمُشْرِكِينَ مَرّتَيْنِ أَطْلُبُ أَخِى لأَقْتُلَهُ وَلَكِنْ رَاغَ مِنّى رَوَغَانَ الثّعْلَبِ، فَلَمّا كَانَ الثّالِثَةَ قَالَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا عَبْدَ اللّهِ مَا تُرِيدُ؟ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَك”؟ فَكَفَفْت، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ لا يَحُولَن الْحَوْلُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ”، قَالَ: وَاَللّهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى أَحَدٍ مِمّنْ رَمَاهُ أَوْ جَرَحَهُ مَاتَ عُتْبَةُ وَأَمّا ابْنُ قَمِيئَةَ فَإِنّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ. فَقَائِلٌ يَقُولُ: قُتِلَ فِى الْمَعْرَكِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ قَمِيئَةَ فَقَتَلَ مُصْعَبًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَقْمَأَهُ اللّهُ”، فَعَمَدَ إلَى شَاةٍ يَحْتَلِبُهَا فَنَطَحَتْهُ بِقَرْنِهَا وَهُوَ مُعْتَقِلُهَا، فَقَتَلَتْهُ فَوُجِدَ مَيّتًا بَيْنَ الْجِبَالِ لِدَعْوَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷. وَكَانَ عَدُوّ اللّهِ قَدْ رَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَتَلَ رَسُولَ اللّهِ ÷، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى الأَدْرَمِ مِنْ بَنِى فِهْرٍ، وَيُقْبِلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ حِينَ رَأَى رَسُولَ اللّهِ ÷ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ يَرْكُضُ فَرَسَهُ مُقَنّعًا فِى الْحَدِيدِ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ زُهَيْرٍ دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَوَاَللّهِ لأَقْتُلَنهُ أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَتَعَرّضَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَالَ: هَلُمّ إلَى مَنْ يَقِى نَفْسَ مُحَمّدٍ بِنَفْسِهِ، فَضَرَبَ فَرَسَهُ فَعَرْقَبَهَا فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، ثُمّ عَلاهُ بِالسّيْفِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ خَرَشَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَيْهِ، يَقُولُ: “اللّهُمّ ارْضَ عَنْ ابْنِ خَرَشَةَ كَمَا أَنَا عَنْهُ رَاضٍ”. حَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْت أ َبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَرُمِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى وَجْهِهِ حَتّى دَخَلَتْ فِى وَجْنَتَيْهِ حَلَقَتَانِ مِنْ الْمِغْفَرِ، فَأَقْبَلْت أَسْعَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِنْسَانٌ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَطِيرُ طَيَرَانًا، فَقُلْت: اللّهُمّ اجْعَلْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى تَوَافَيْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةُ بْنُ الْجَرّاحِ، فَبَدَرَنِى فَقَالَ: أَسْأَلُك بِاَللّهِ يَا أ َبَا بَكْر أَلاّ تَرَكْتنِى، فَأَنْزِعُهُ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ÷، قَالَ أ َبُو بَكْرٍ: فَتَرَكْته، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَلَيْكُمْ صَوَاحِبَكُمْ”، يَعْنِى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ فَأَخَذَ أ َبُو عُبَيْدَةَ بِثَنِيّتِهِ حَلَقَةَ الْمِغْفَرِ فَنَزَعَهَا، وَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ وَسَقَطَتْ ثَنِيّةُ أ َبِى عُبَيْدَةَ، ثُمّ أَخَذَ الْحَلَقَةَ الأُخْرَى بِثَنِيّتِهِ الأُخْرَى، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِى النّاسِ أَثْرَمَ. وَيُقَالُ: إنّ الّذِى نَزَعَ الْحَلَقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ÷ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ وَيُقَالُ: أَبُو الْيُسْرِ - وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أُصِيبَ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَخَلَتْ الْحَلَقَتَانِ مِنْ الْمِغْفَرِ فِى وَجْنَتَيْهِ فَلَمّا نُزِعَتَا جَعَلَ الدّمُ يَسْرُبُ كَمَا يَسْرُبُ الشّنّ، فَجَعَلَ مَالِكُ بْنُ سِنَان ٍ يَمْلُجُ الدّمَ بِفِيهِ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِى فَلْيَنْظُرْ إلَى مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ”، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: تَشْرَبُ الدّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَشْرَبُ دَمَ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ مَسّ دَمُهُ دَمِى، لَمْ تُصِبْهُ النّارُ”. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَكُنّا مِمّنْ رُدّ مِنْ الشّيْخَيْنِ لَمْ نَجُزْ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ فَلَمّا كَانَ مِنْ النّهَارِ وَبَلَغَنَا مُصَابَ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَتَفَرّقَ النّاسِ عَنْهُ جِئْت مَعَ غِلْمَانٍ مِنْ بَنِى خَدِرَةَ نَعْتَرِضُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَنَنْظُرُ إلَى سَلامَتِهِ فَنَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى أَهْلِنَا، فَلَقِينَا النّاسَ مُنْصَرِفِينَ بِبَطْنِ قَنَاةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا هِمّةٌ إلاّ النّبِىّ ÷ نَنْظُرُ إلَيْهِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَىّ قَالَ: “سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ”؟ قُلْت: نَعَمْ بِأَبِى وَأُمّى، فَدَنَوْت مِنْهُ فَقَبّلْت رُكْبَتَهُ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، ثُمّ قَالَ: “آجَرَك اللّهُ فِى أَبِيك” ثُمّ نَظَرْت إلَى وَجْهِهِ فَإِذَا فِى وَجْنَتَيْهِ مَوْضِعُ الدّرْهَمِ فِى كُلّ وَجْنَةٍ وَإِذَا شَجّةٌ فِى جَبْهَتِهِ عِنْدَ أُصُولِ الشّعْرِ وَإِذَا شَفَتُهُ السّفْلَى تَدْمَى، وَإِذَا رَبَاعِيَتُهُ الْيُمْنَى شَظِيّةٌ فَإِذَا عَلَى جُرْحِهِ شَيْءٌ أَسْوَدُ. فَسَأَلْت: مَا هَذَا عَلَى وَجْهِهِ؟ فَقَالُوا: حَصِيرٌ مُحَرّقٌ، وَسَأَلْت: مَنْ دَمّى وَجْنَتَيْهِ؟ فَقِيلَ: ابْنُ قَمِيئَةَ، فَقُلْت: مَنْ شَجّهُ فِى جَبْهَتِهِ؟ فَقِيلَ: ابْنُ شِهَابٍ، فَقُلْت: مَنْ أَصَابَ شَفَتَهُ؟ فَقِيلَ: عُتْبَةُ. فَجَعَلْت أَعْدُو بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى نَزَلَ بِبَابِهِ فَمَا نَزَلَ إلاّ حَمْلاً، وَأَرَى رُكْبَتَيْهِ مَجْحُوشَتَيْنِ يَتّكِئُ عَلَى السّعْدَيْنِ - سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - حَتّى دَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمّا غَرَبَتْ الشّمْسُ، وَأَذّنَ بَلالٌ بِالصّلاةِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ يَتَوَكّأُ عَلَى السّعْدَيْنِ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ وَالنّاسُ فِى الْمَسْجِدِ يُوقِدُونَ النّيرَانَ يُكَمّدُونَ بِهَا الْجِرَاحَ، ثُمّ أَذّنَ بِلالٌ بِالْعِشَاءِ حِينَ غَابَ الشّفَقُ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَجَلَسَ بِلالٌ عِنْدَ بَابِهِ حَتّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ ثُمّ نَادَاهُ الصّلاةَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَدْ كَانَ نَائِمًا، قَالَ: فَرَمَقْته فَإِذَا هُوَ أَخَفّ فِى مِشْيَتِهِ مِنْهُ حِينَ دَخَلَ بَيْتَهُ فَصَلّيْت مَعَهُ الْعِشَاءَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ وَقَدْ صَفّ لَهُ الرّجَالُ مَا بَيْنَ بَيْتِهِ إلَى مُصَلاّهُ يَمْشِى وَحْدَهُ حَتّى دَخَلَ وَرَجَعْت إلَى أَهْلِى فَخَبّرْتهمْ بِسَلامَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَحَمِدُوا اللّهَ عَلَى ذَلِكَ وَنَامُوا، وَكَانَتْ وُجُوهُ الْخَزْرَجِ وَالأَوْسِ فِى الْمَسْجِدِ عَلَى بَابِ النّبِىّ ÷ يَحْرُسُونَهُ فَرَقًا مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ تَكِرّ. قَالُوا: وَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ فِى نِسَاءٍ وَقَدْ رَأَتْ الّذِى بِوَجْهِهِ ÷ فَاعْتَنَقَتْهُ وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى قَوْمٍ أَدْمَوْا وَجْهَ رَسُولِهِ”، وَذَهَبَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَأْتِى بِمَاءٍ مِنْ الْمِهْرَاسِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: أَمِسْكِى هَذَا السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ، فَأَتَى بِمَاءٍ فِى مِجَنّهِ فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ - وَكَانَ قَدْ عَطِشَ - فَلَمْ يَسْتَطِعْ وَوَجَدَ رِيحًا مِنْ الْمَاءِ كَرِهَهَا، فَقَالَ: “هَذَا مَاءٌ آجِنٌ”، فَمَضْمَضَ مِنْهُ فَاهُ لِلدّمِ فِى فِيهِ وَغَسَلَتْ فَاطِمَةُ الدّمَ عَنْ أَبِيهَا. وَلَمّا أَبْصَرَ النّبِىّ ÷ سَيْفَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ مُخْتَضِبًا، قَالَ: إنْ كُنْت أَحْسَنْت الْقِتَالَ، فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَسَيْفُ أَبِى دُجَانَةَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، فَلَمْ يُطِقْ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَة َ يَطْلُبُ مَعَ النّسَاءِ مَاءً، وَكُنّ قَدْ جِئْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً مِنْهُنّ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَحْمِلْنَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ عَلَى ظُهُورِهِنّ وَيَسْقِينَ الْجَرْحَى وَيُدَاوِينَهُمْ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: رَأَيْت أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ وَعَائِشَةَ عَلَى ظُهُورِهِمَا الْقِرَبُ يَحْمِلانِهَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تَسْقِى الْعَطْشَى وَتُدَاوِى الْجَرْحَى، وَكَانَتْ أُمّ أَيْمَنَ تَسْقِى الْجَرْحَى، فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عِنْدَهُمْ مَاءً - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ عَطِشَ يَوْمَئِذٍ عَطَشًا شَدِيدًا - ذَهَبَ مُحَمّدٌ إلَى قَنَاةٍ وَأَخَذَ سِقَاءَهُ حَتّى اسْتَقَى مِنْ حِسْىٍ - قَنَاةٍ عِنْدَ قُصُورِ التّيْمِيّينَ الْيَوْمَ - فَأَتَى بِمَاءٍ عَذْبٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَعَا لِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ بِخَيْرٍ. وَجَعَلَ الدّمُ لا يَنْقَطِعُ وَجَعَلَ النّبِىّ ÷ يَقُولُ: “لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَهَا حَتّى تَسْتَلِمُوا الرّكْنَ”. فَلَمّا رَأَتْ فَاطِمَةُ الدّمَ لا يَرْقَأُ - وَهِىَ تَغْسِلُ الدّمَ وَعَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَصُبّ الْمَاءَ عَلَيْهَا بِالْمِجَنّ - أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتّى صَارَ رَمَادًا، ثُمّ أَلْصَقَتْهُ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدّمُ، وَيُقَالُ: إنّهَا دَاوَتْهُ بِصُوفَةٍ مُحْتَرِقَةٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعْدُ يُدَاوِى الْجُرْحَ الّذِى فِى وَجْهِهِ بِعَظْمٍ بَالٍ حَتّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ، وَلَقَدْ مَكَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَجِدُ وَهَنَ ضَرْبَةِ ابْنِ قَمِيئَةَ عَلَى عَاتِقِهِ شَهْرًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ وَيُدَاوِى الأَثَرَ الّذِى بِوَجْهِهِ بِعَظْمٍ بَالٍ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ يَرْكُضُ فَرَسُهُ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ النّبِىّ ÷ اعْتَرَضَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اسْتَأْخِرُوا عَنْهُ”، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَحَرْبَتُهُ فِى يَدِهِ فَرَمَاهُ مَا بَيْنَ سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدّرْعِ فَطَعَنَهُ هُنَاكَ فَوَقَعَ أُبَىّ عَنْ فَرَسِهِ فَكُسِرَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلاعِهِ، وَاحْتَمَلُوهُ ثَقِيلاً حَتّى وَلّوْا قَافِلِينَ، فَمَاتَ بِالطّرِيقِ وَنَزَلَتْ فِيهِ: ×وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى%. فَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ قَدِمَ فِى فِدَاءِ ابْنِهِ وَكَانَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، إنّ عِنْدِى فَرَسًا لِى أُجِلّهَا فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ كُلّ يَوْمٍ أَقْتُلُك عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلْ أَنَا أَقْتُلُك عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللّه”، وَيُقَالُ: قَالَ ذَلِكَ بِمَكّةَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَلِمَتَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: “أَنَا أَقْتُلُهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللّه”. قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْقِتَالِ لا يَلْتَفِتُ وَرَاءَهُ فَكَانَ يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: “إنّى أَخْشَى أَنْ يَأْتِىَ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ مِنْ خَلْفِى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَآذِنُونِى بِهِ”. فَإِذَا بِأُبَىّ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسِهِ، وَقَدْ رَأَى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَعَرَفَهُ فَجَعَلَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مُحَمّدُ لا نَجَوْت إنْ نَجَوْت، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَا كُنْت صَانِعًا حِينَ يَغْشَاك فَقَدْ جَاءَك، وَإِنْ شِئْت عَطَفَ عَلَيْهِ بَعْضُنَا، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَنَا أُبَىّ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ، ثُمّ انْتَفَضَ بِأَصْحَابِهِ كَمَا يَنْتَفِضُ الْبَعِيرُ فَتَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعَارِيرِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُشْبِهُ رَسُولَ اللّهِ ÷ إذَا جَدّ الْجِدّ. ثُمّ أَخَذَ الْحَرْبَةَ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، بِالْحَرْبَةِ فِى عُنُقِهِ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثّوْرُ، وَيَقُولُ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَبَا عَامِرٍ وَاَللّهِ مَا بِك بَأْسٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا الّذِى بِك بِعَيْنِ أَحَدِنَا مَا ضَرّهُ. قَالَ: وَاَللاّتِى وَالْعُزّى، لَوْ كَانَ الّذِى بِى بِأَهْلِ ذِى الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، أَلَيْسَ قَالَ: لأَقْتُلَنك؟ فَاحْتَمَلُوهُ، وَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْ طَلَبِ النّبِىّ ÷ وَلَحِقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِعَظْمِ أَصْحَابِهِ فِى الشّعْبِ. وَيُقَالُ: تَنَاوَلَ الْحَرْبَةَ مِنْ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ بِبَطْنِ رَابِغٍ، فَإِنّى لأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغٍ بَعْدَ هَوِىّ مِنْ اللّيْلِ إذَا نَارٌ تَأجّجُ فَهِبْتهَا، وَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِى سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَصِيحُ الْعَطَشَ وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: لا تَسْقِهِ فَإِنّ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللّهِ هَذَا أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ، فَقُلْت: أَلا سُحْقًا، وَيُقَالُ: مَاتَ بِسَرِفٍ. وَيُقَالُ: لَمّا تَنَاوَلَ الْحَرْبَةَ مِنْ الزّبَيْرِ حَمَلَ أُبَىّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ لِيَضْرِبَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَحُولُ بِنَفْسِهِ دُونَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَضَرَبَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَجْهَهُ وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فُرْجَةً بَيْنَ سَابِغَةِ الْبَيْضَةِ وَالدّرْعِ فَطَعَنَهُ هُنَاكَ فَوَقَعَ وَهُوَ يَخُورُ. قَالَ: وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ يُحْضِرُ فَرَسًا لَهُ أَبْلَقَ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَعَلَيْهِ لأْمَةٌ لَهُ كَامِلَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ مُوَجّهٌ إلَى الشّعْبِ. وَهُوَ يَصِيحُ لا نَجَوْت إنْ نَجَوْت فَيَقِفُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَيَعْثُرُ بِهِ فَرَسُهُ فِى بَعْضِ تِلْكَ الْحُفَرِ الّتِى كَانَتْ حَفَرَ أَبُو عَامِرٍ فَيَقَعُ الْفَرَسُ لِوَجْهِهِ وَخَرَجَ الْفَرَسُ عَائِرًا فَيَأْخُذُهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيَعْقِرُونَهُ وَيَمْشِى إلَيْهِ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ فَتَضَارَبَا سَاعَةً بِسَيْفَيْنِ ثُمّ يَضْرِبُ الْحَارِثُ رِجْلَهُ - وَكَانَتْ الدّرْعُ مُشَمّرَةً - فَبَرَكَ وَذَفّفَ عَلَيْهِ. وَأَخَذَ الْحَارِثُ يَوْمَئِذٍ دِرْعًا جَيّدَةً وَمِغْفَرًا وَسَيْفًا جَيّدًا، وَلَمْ يُسْمَعْ بِأَحَدٍ سَلَبَ يَوْمَئِذٍ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَى قِتَالِهِمَا وَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ الرّجُلِ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَحَانَهُ”. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ أَسَرَهُ بِبَطْنِ نَخْلَةَ حَتّى قَدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَافْتَدَى فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ حَتّى غَزَا أُحُدًا فَقُتِلَ بِهِ. وَيَرَى مَصْرَعَهُ عُبَيْدُ بْنُ حَاجِزٍ الْعَامِرِىّ - عَامِرُ بْنُ لُؤَىّ - فَأَقْبَلَ يَعْدُو كَأَنّهُ سَبُعٌ فَيَضْرِبُ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّة ِ ضَرْبَةً جَرَحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَوَقَعَ الْحَارِثُ جَرِيحًا حَتّى احْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ، وَيُقْبِلُ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى عُبَيْدٍ فَتَنَاوَشَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتّقِى بِالدّرَقَةِ ضَرْبَ السّيْفِ، ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَاحْتَضَنَهُ، ثُمّ جَلَدَ بِهِ الأَرْضَ، ثُمّ ذَبَحَهُ بِالسّيْفِ كَمَا تُذْبَحُ الشّاةُ، ثُمّ انْصَرَفَ فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷. وَقَالُوا: إنّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ جَعَلَ يَنْضَحُ بِالنّبْلِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَبّلُوا سَهْلاً، فَإِنّهُ سَهْلٌ” وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَبِى الدّرْدَاءِ، وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ كُلّ وَجْهٍ فَقَالَ: “نِعْمَ الْفَارِسُ عُوَيْمِرٌ”. قَالَ الْوَاقِدِىّ: غَيْرَ أَنّهُ يُقَالُ: لَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ نَظَرَ إلَى أَبِى أُسَيْرَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَلَقِىَ أَحَدَ بَنِى عَوْف ٍ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ كُلّ ذَلِكَ يَرُوغُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. قَالَ: فَنَظَرَ إلَيْهِمَا كَأَنّهُمَا سَبُعَانِ ضَارِيَانِ يَقِفَانِ مَرّةً وَيَقْتَتِلانِ مَرّةً ثُمّ تَعَانَقَا فَضَبَطَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوَقَعَا لِلأَرْضِ فَعَلاهُ أَبُو أُسَيْرَةَ فَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ كَمَا تُذْبَحُ الشّاةُ وَنَهَضَ عَنْهُ. وَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ أَغَرّ مُحَجّلٍ يَجُرّ قَنَاةً طَوِيلَةً فَطَعَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَنَظَرْت إلَى سِنَانِ الرّمْحِ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ، وَوَقَعَ أَبُو أُسَيْرَةَ مَيّتًا، وَانْصَرَفَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَقُولُ: أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ، قَالُوا: وَقَاتَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّبِىّ ÷ قِتَالاً شَدِيدًا، فَكَانَ طَلْحَةُ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ حِينَ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَكَرّ الْمُشْرِكُونَ وَأَحْدَقُوا بِالنّبِىّ ÷ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَمَا أَدْرِى أَقُومُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أَوْ مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، فَأَذُبّ بِالسّيْفِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مَرّةً، وَأُخْرَى مِنْ وَرَائِهِ، حَتّى انْكَشَفُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ يَقُولُ لِطَلْحَةَ: “قَدْ أَنْحَبَ”. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ وَذَكَرَ طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللّهُ إنّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا غِنَاءً عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ قِيلَ: كَيْفَ يَا أَبَا إسْحَاقَ؟ قَالَ: لَزِمَ النّبِىّ ÷ وَكُنّا نَتَفَرّقُ عَنْهُ، ثُمّ نَثُوبُ إلَيْهِ لَقَدْ رَأَيْته يَدُورُ حَوْلَ النّبِىّ ÷ يُتَرّسُ بِنَفْسِهِ. وَسُئِلَ طَلْحَةُ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ مَا أَصَابَ إصْبَعَك؟ قَالَ: رَمَى مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ الْجُشَمِىّ بِسَهْمٍ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَكَانَ لا تُخْطِئُ رَمْيَتُهُ فَاتّقَيْت بِيَدِى عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَصَابَ خِنْصَرِى، فَشُكّ فَشُلّ إصْبَعُهُ، وَقَالَ حِينَ رَمَاهُ: حَسّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَوْ قَالَ: بِسْمِ اللّهِ لَدَخَلَ الْجَنّةَ، وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ يَمْشِى فِى الدّنْيَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، طَلْحَةُ مِمّنْ قَضَى نَحْبَه”. وَقَالَ طَلْحَةُ: لَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ ثُمّ تَرَاجَعُوا، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّب ِ يَجُرّ رُمْحًا لَهُ عَلَى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَغَرّ مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ يَصِيحُ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْوَدَعِ، دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَانْكَسَعَتْ، ثُمّ أَتَنَاوَلُ رُمْحَهُ فَوَاَللّهِ مَا أَخْطَأْت بِهِ عَنْ حَدَقَتِهِ فَخَارَ كَمَا يَخُورُ الثّوْرُ فَمَا بَرِحْت بِهِ وَاضِعًا رِجْلِى عَلَى خَدّهِ حَتّى أَزَرْته شَعُوبَ. وَكَانَ طَلْحَةُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِى رَأْسِهِ الْمُصَلّبَةِ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً، وَهُوَ مُقْبِلٌ، وَالأُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، وَكَانَ قَدْ نَزَفَ مِنْهَا الدّمُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: جِئْت إلَى النّبِىّ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: “عَلَيْك بِابْنِ عَمّك”، فَأَتَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ، وَقَدْ نَزَفَ الدّمُ، فَجَعَلْت أَنْضَحُ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ وَهُوَ مَغْشِىّ عَلَيْهِ ثُمّ أَفَاقَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ؟ فَقُلْت: خَيْرًا، هُوَ أَرْسَلَنِى إلَيْك، قَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَهُ جَلَلٌ. وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِىّ، يَقُولُ: نَظَرْت إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فِى عُمْرَةٍ فَنَظَرْت إلَى الْمُصَلّبَةِ فِى رَأْسِهِ، فَقَالَ ضِرَارٌ: أَنَا وَاَللّهِ ضَرَبْته هَذِهِ اسْتَقْبَلَنِى فَضَرَبْته، ثُمّ أَكِرّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَعْرَضَ فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى. وَقَالُوا: لَمّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ، وَقَتَلَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلام مَنْ قَتَلَ مِنْ النّاسِ، وَدَخَلَ الْبَصْرَةَ، جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَتَكَلّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنَالَ مِنْ طَلْحَةَ فَزَبَرَهُ عَلِىّ، وَقَالَ: إنّك لَمْ تَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ وَعِظَمَ غِنَائِهِ فِى الإِسْلامِ مَعَ مَكَانِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَانْكَسَرَ الرّجُلُ، وَسَكَتَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: وَمَا كَانَ غِنَاؤُهُ وَبَلاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ يَرْحَمُهُ اللّهُ؟ فَقَالَ عَلِىّ: نَعَمْ يَرْحَمُهُ اللّهُ، فَلَقَدْ رَأَيْته، وَإِنّهُ لَيُتَرّسُ بِنَفْسِهِ دُونَ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِنّ السّيُوفَ لَتَغْشَاهُ وَالنّبْلَ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، وَإِنْ هُوَ إلاّ جُنّةٌ بِنَفْسِهِ لِرَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ قَائِلٌ: إنْ كَانَ يَوْمًا قَدْ قُتِلَ فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَصَابَ رَسُولَ اللّهِ فِيهِ الْجِرَاحَةُ، فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “لَيْتَ أَنّى غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ نُحْصِ الْجَبَل”. قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: نُحْصِ الْجَبَلِ أَسْفَلَهُ. ثُمّ قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: “لَقَدْ رَأَيْتنِى يَوْمَئِذٍ وَإِنّى لأَذُبّهُمْ فِى نَاحِيَةٍ، وَإِنّ أَبَا دُجَانَةَ لَفِى نَاحِيَةٍ يَذُبّ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَإِنّ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ يَذُبّ طَائِفَةً مِنْهُمْ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ كُلّهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتنِى وَانْفَرَدْت مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ فِرْقَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، فَدَخَلْت وَسَطَهَا بِالسّيْفِ فَضَرَبْت بِهِ وَاشْتَمَلُوا عَلَىّ حَتّى أَفْضَيْت إلَى آخِرِهِمْ، ثُمّ كَرَرْت فِيهِمْ الثّانِيَةَ، حَتّى رَجَعْت مِنْ حَيْثُ جِئْت، وَلَكِنّ الأَجَلَ اسْتَأْخَرَ وَيَقْضِى اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ نَظَرَ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ، وَإِنّهُ لَيَحُوشُهُمْ يَوْمَئِذٍ كَمَا تُحَاشُ الْغَنَمُ، وَلَقَدْ اشْتَمَلُوا عَلَيْهِ حَتّى قِيلَ قَدْ قُتِلَ، ثُمّ بَرَزَ وَالسّيْفُ فِى يَدِهِ وَافْتَرَقُوا عَنْهُ، وَجَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْهُمْ، وَإِنّهُمْ لَيَهْرُبُونَ مِنْهُ إلَى جَمْعٍ مِنْهُمْ وَصَارَ الْحُبَابُ إلَى النّبِىّ ÷ وَكَانَ الْحُبَابُ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِعِصَابَةٍ خَضْرَاءَ فِى مِغْفَرِهِ. وَطَلَعَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ عَلَى فَرَسٍ مُدَجّجًا لا يُرَى مِنْهُ إلاّ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ أَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَتِيقٍ، قَالَ: فَنَهَضَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُبَارِزُهُ، وَقَدْ جَرّدَ أَبُو بَكْرٍ سَيْفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: شِمْ سَيْفَك، وَارْجِعْ إلَى مَكَانِك وَمَتّعْنَا بِنَفْسِك”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا وَجَدْت لِشَمّاسِ بْنِ عُثْمَانَ شَبَهًا إلاّ الْجُنّةَ” - يَعْنِى مِمّا يُقَاتِلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لا يَرْمِى يَمِينًا وَلا شِمَالاً إلاّ رَأَى شَمّاسًا فِى ذَلِكَ الْوَجْهِ يَذُبّ بِسَيْفِهِ حَتّى غُشِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَتَرّسَ بِنَفْسِهِ دُونَهُ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ النّبِىّ ÷ مَا وَجَدْت لِشَمّاسٍ شَبَهًا إلاّ الْجُنّةَ. وَكَانَ أَوّلُ مَنْ أَقْبَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ التّوْلِيَةِ قَيْسَ بْنَ مُحَرّثٍ مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ، وَقَدْ بَلَغُوا بَنِى حَارِثَةَ فَرَجَعُوا سِرَاعًا، فَصَادَفُوا الْمُشْرِكِينَ فِى كَرّتِهِمْ فَدَخَلُوا فِى حَوْمَتِهِمْ وَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتّى قُتِلُوا. وَلَقَدْ ضَارَبَهُمْ قَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ وَامْتَنَعَ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ نَفَرًا، فَمَا قَتَلُوهُ إلاّ بِالرّمَاحِ نَظَمُوهُ وَلَقَدْ وُجِدَ بِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ طَعْنَةً قَدْ جَافَتْهُ وَعَشْرُ ضَرَبَاتٍ فِى بَدَنِهِ. وَكَانَ عَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، وَأَوْسُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبّاسٌ رَافِعٌ صَوْتَهُ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللّهَ وَنَبِيّكُمْ هَذَا الّذِى أَصَابَكُمْ بِمَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ فَيُوعِدُكُمْ النّصْرَ فَمَا صَبَرْتُمْ، ثُمّ نَزَعَ مِغْفَرَهُ عَنْ رَأْسِهِ وَخَلَعَ دِرْعَهُ، فَقَالَ لِخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ: هَلْ لَك فِى دُرْعِى وَمِغْفَرِى؟ قَالَ خَارِجَةُ: لا، أَنَا أُرِيدُ الّذِى تُرِيدُ، فَخَالَطُوا الْقَوْمَ جَمِيعًا، وَعَبّاسٌ يَقُولُ: مَا عُذْرُنَا عِنْدَ رَبّنَا إنْ أُصِيبَ رَسُولُ اللّهِ وَمِنّا عَيْنُ تَطْرِفُ؟ يَقُولُ خَارِجَةُ: لا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَبّنَا وَلا حُجّةَ، فَأَمّا عَبّاسٌ فَقَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ السّلَمِىّ، وَلَقَدْ ضَرَبَهُ عَبّاسٌ ضَرْبَتَيْنِ فَجَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَارْتُثّ يَوْمَئِذٍ جَرِيحًا فَمَكَثَ جَرِيحًا سَنَةً ثُمّ اسْتُبِلّ. وَأَخَذَتْ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ الرّمَاحُ، فَجُرِحَ بَضْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، فَمَرّ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَبِهِ رَمَقٌ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ، وَقُتِلَ أَوْسُ بْنُ أَرْقَمَ. وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: مَنْ رَأَى خُبَيْبَ بْنَ يَسَافٍ؟ وَهُوَ يَطْلُبُهُ وَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَثّلَ يَوْمَئِذٍ بِخَارِجَةَ، وَقَالَ: هَذَا مِمّنْ أَغْرَى بِأَبِى يَوْمَ بَدْرٍ – يَعْنِى أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ – الآنَ شَفَيْت نَفْسِى حِينَ قَتَلْت الأَمَاثِلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، قَتَلْت ابْنَ قَوْقَلٍ وَقَتَلْت ابْنَ أَبِى زُهَيْرٍ، وَقَتَلْت أَوْسَ بْنَ أَرْقَمَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ: “مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ”؟ قَالُوا: وَمَا حَقّهُ؟ قَالَ: “يَضْرِبُ بِهِ الْعَدُوّ”. فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثُمّ عَرَضَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِذَلِكَ الشّرْطِ، فَقَامَ الزّبَيْرُ، فَقَالَ: أَنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى وَجَدَ عُمَرُ وَالزّبَيْرُ فِى أَنْفُسِهِمَا، ثُمّ عَرَضَهُ الثّالِثَةَ، فَقَالَ أَبُو دُجَانَة: َ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ آخُذُهُ بِحَقّهِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَصَدَقَ بِهِ حِينَ لَقِىَ الْعَدُوّ وَأَعْطَى السّيْفَ حَقّهُ، فَقَالَ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ: - إمّا عُمَرُ، وَإِمّا الزّبَيْرُ- وَاَللّهِ لأَجْعَلَن هَذَا الرّجُلَ مِنْ شَأْنِى، الّذِى أَعْطَاهُ النّبِىّ السّيْفَ وَمَنَعَنِيهِ، قَالَ: فَاتّبَعْته، قَالَ: فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا قَاتَلَ أَفْضَلَ مِنْ قِتَالِهِ لَقَدْ رَأَيْته يَضْرِبُ بِهِ حَتّى إذَا كَلّ عَلَيْهِ، وَخَافَ أَلاّ يَحِيكَ عَمَدَ بِهِ إلَى الْحِجَارَةِ فَشَحَذَهُ، ثُمّ يَضْرِبُ بِهِ فِى الْعَدُوّ حَتّى رَدّهُ كَأَنّهُ مِنْجَلٌ، وَكَانَ حِينَ أَعْطَاهُ السّيْفَ مَشَى بَيْنَ الصّفّيْنِ، وَاخْتَالَ فِى مِشْيَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ رَآهُ يَمْشِى تِلْكَ الْمِشْيَةَ: “إنّ هَذِهِ لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللّهُ إلاّ فِى مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ”. وَكَانَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ يُعْلِمُونَ فِى الزّحُوفِ أَحَدُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ، كَانَ يُعَصّبُ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، وَكَانَ قَوْمُهُ يَعْلَمُونَ أَنّهُ إذَا اعْتَصَبَ بِهَا أَحْسَنَ الْقِتَالَ، وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يُعْلِمُ بِصُوفَةٍ بَيْضَاءَ، وَكَانَ الزّبَيْرُ يُعْلِمُ بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ وَكَانَ حَمْزَةُ يُعْلِمُ بِرَيْشِ نَعَامَةٍ. قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: إنّى لأَنْظُرُ يَوْمَئِذٍ إلَى امْرَأَةٍ تَقْذِفُ النّاسَ وَتَحُوشُهُمْ حَوْشًا مُنْكَرًا، فَرَفَعْت عَلَيْهَا السّيْفَ وَمَا أَحْسِبُهَا إلاّ رَجُلاً. قَالَ: وَأَكْرَهُ أَنْ أَضْرِبَ بِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ امْرَأَةً وَالْمَرْأَةُ عَمْرَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ. وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: أَصَابَنِى الْجِرَاحُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمّا رَأَيْت مَثْلَ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ أَشَدّ الْمَثْلِ وَأَقْبَحَهُ قُمْت فَتَجَاوَزْت عَنْ الْقَتْلَى حَتّى تَنَحّيْت، فَإِنّى لَفِى مَوْضِعِى، إذْ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ الْعُقَيْلِىّ جَامِعُ اللأْمَةِ يَحُوزُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: اسْتَوْسِقُوا كَمَا يُسْتَوْسَقُ جُرْبُ الْغَنَمِ مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ يَصِيحُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لا تَقْتُلُوا مُحَمّدًا، ائْسِرُوهُ أَسِيرًا حَتّى نُعَرّفُهُ بِمَا صَنَعَ، وَيَصْمُدُ لَهُ قُزْمَانُ، فَيَضْرِبُهُ بِالسّيْفِ ضَرْبَةً عَلَى عَاتِقِهِ رَأَيْت مِنْهَا سَحْرَهُ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ وَانْصَرَفَ، وَطَلَعَ عَلَيْهِ آخَرُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَا أَرَى مِنْهُ إلاّ عَيْنَيْهِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً حَتّى جَزَلَهُ بِاثْنَيْنِ، قَالَ: قُلْنَا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمّ يَقُولُ كَعْبٌ: إنّى لأَنْظُرُ يَوْمَئِذٍ وَأَقُولُ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الرّجُلِ أَشْجَعَ بِالسّيْفِ ثُمّ خُتِمَ لَهُ بِمَا خُتِمَ لَهُ بِهِ، فَيَقُولُ: مَا هُوَ وَمَا خُتِمَ لَهُ بِهِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ النّارِ قَتَلَ نَفْسَهُ يَوْمَئِذٍ. قَالَ كَعْبٌ: وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَامِعُ اللأْمَةِ يَصِيحُ اسْتَوْسِقُوا كَمَا يُسْتَوْسَقُ جُرْبُ الْغَنَمِ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ لأْمَتُهُ فَمَشَيْت حَتّى كُنْت مِنْ وَرَائِهِ، ثُمّ قُمْت أُقَدّرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِى، فَإِذَا الْكَافِرُ أَكْثَرُهُمَا عُدّةً وَأُهْبَةً فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُهُمَا حَتّى الْتَقَيَا، فَضَرَبَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسّيْفِ فَمَضَى [ السّيْفُ ] حَتّى بَلَغَ وَرِكَيْهِ وَتَفَرّقَ الْمُشْرِكُ فِرْقَتَيْنِ. وَكَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ؟ أَنَا أَبُو دُجَانَةَ. قَالَ: وَكَانَ رُشَيْدٌ الْفَارِسِىّ مَوْلَى بَنِى مُعَاوِيَةَ لَقِىَ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِى كِنَانَةَ مُقَنّعًا فِى الْحَدِيدِ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ عُوَيْمٍ فَيَعْتَرِضُ لَهُ سَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً جَزَلَهُ بِاثْنَيْنِ، وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ رُشَيْدٌ فَيَضْرِبُهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَطَعَ الدّرْعَ حَتّى جَزَلَهُ بِاثْنَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الْفَارِسِىّ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَرَى ذَلِكَ وَيَسْمَعُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَلا قُلْت خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الأَنْصَارِىّ”؟ فَيَعْتَرِضُ لَهُ أَخُوهُ، وَأَقْبَلَ يَعْدُو كَأَنّهُ كَلْبٌ، يَقُولُ: أَنَا ابْنُ عُوَيْمٍ وَيَضْرِبُهُ رُشَيْدٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ فَفَلَقَ رَأْسَهُ، يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الأَنْصَارِىّ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “أَحْسَنْت يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ”، فَكَنّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ وَلا وَلَدَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو النّمِرِ الْكِنَانِىّ: أَقْبَلْت يَوْمَ أُحُدٍ فَقَدْ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ حَضَرْت فِى عَشْرَةٍ مِنْ إخْوَتِى، فَقُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَكَانَتْ الرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ أَوّلَ مَا الْتَقَيْنَا، فَلَقَدْ رَأَيْتنِى وَانْكَشَفْنَا مُوَلّينَ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ عَلَى نَهَبْ الْعَسْكَرِ حَتّى بَلَغْت عَلَى قَدَمَىّ الْجَمّاءَ، ثُمّ كَرّتْ خَيْلُنَا فَقُلْنَا: وَاَللّهِ مَا كَرّتْ الْخَيْلُ إلاّ عَنْ أَمْرٍ رَأَتْهُ، فَكَرَرْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا كَأَنّنَا الْخَيْلُ حَتّى نَجِدَ الْقَوْمَ قَدْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْرِ صُفُوفٍ مَا يَدْرِى بَعْضُهُمْ مَنْ يَضْرِبُ وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ لِوَاءٌ قَائِمٌ وَمَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ لِوَاؤُنَا. وَأَسْمَعُ شِعَارَ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بَيْنَهُمْ: أَمِتْ أَمِتْ، فَأَقُولُ فِى نَفْسِى: مَا أَمِتْ؟ وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَإِنّ أَصْحَابَهُ مُحْدِقُونَ بِهِ، وَإِنّ النّبْلَ لَتَمُرّ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَتَقْصُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَخْرُجُ مِنْ وَرَائِهِ، وَلَقَدْ رَمَيْت يَوْمَئِذٍ بِخَمْسِينَ مِرْمَاةً، فَأَصَبْت مِنْهَا بِأَسْهُمٍ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، ثُمّ هَدَانِى اللّهُ إلَى الإِسْلامِ. فَكَانَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ شَاكّا فِى الإِسْلامِ، فَكَانَ قَوْمُهُ يُكَلّمُونَهُ فِى الإِسْلامِ فَيَقُولُ: لَوْ أَعْلَمُ مَا تَقُولُونَ حَقّا مَا تَأَخّرْت عَنْهُ، حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بَدَا لَهُ الإِسْلامُ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ بِأُحُدٍ، فَأَسْلَمَ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَخَرَجَ حَتّى دَخَلَ فِى الْقَوْمِ، فَقَاتَلَ حَتّى أُثْبِتَ فَوُجِدَ فِى الْقَتْلَى جَرِيحًا مَيّتًا، فَدَنَوْا مِنْهُ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو؟ قَالَ: الإِسْلامُ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ، ثُمّ أَخَذْت سَيْفِى وَحَضَرْت، فَرَزَقَنِى اللّهُ الشّهَادَةَ، وَمَاتَ فِى أَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ”. قَالُوا: قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَالنّاسُ حَوْلَهُ أَخْبِرُونِى بِرَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ لِلّهِ سَجْدَةً قَطّ، فَيَسْكُتُ النّاسُ، فَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُوَ أَخُو بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. قَالُوا: وَكَانَ مُخَيْرِيقٌ الْيَهُودِىّ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَوْمَ السّبْتِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ بِأُحُدٍ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ مُحَمّدًا نَبِىّ، وَأَنّ نَصْرَهُ عَلَيْكُمْ لَحَقّ، قَالَ: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ، قَالَ: لا سَبْتَ، ثُمّ أَخَذَ سِلاحَهُ، ثُمّ حَضَرَ مَعَ النّبِىّ ÷ فَأَصَابَهُ الْقَتْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ”. وَقَدْ كَانَ مُخَيْرِيقٌ حِينَ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ، قَالَ: إنْ أَصَبْت فَأَمْوَالِى لِمُحَمّدٍ يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللّهُ فَهِىَ عَامّةُ صَدَقَاتِ النّبِىّ ÷. وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ مُنَافِقًا، وَكَانَ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ رَجُلَ صِدْقٍ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ النّبِىّ ÷ فَارْتُثّ جَرِيحًا، فَرَجَعَ بِهِ قَوْمُهُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ أَبُوهُ، وَهُوَ يَرَى أَهْلَ الدّارِ يَبْكُونَ عِنْدَهُ: أَنْتُمْ وَاَللّهِ صَنَعْتُمْ هَذَا بِهِ، قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: غَرَرْتُمُوهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتّى خَرَجَ فَقُتِلَ، ثُمّ صَارَ مِنْكُمْ فِى شَىْءٍ آخَرَ تَعِدُونَهُ جَنّةً يَدْخُلُ فِيهَا، جَنّةً مِنْ حَرْمَلٍ، قَالُوا: قَاتَلَك اللّهُ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ وَلَمْ يُقِرّ بِالإِسْلامِ. قَالُوا: وَكَانَ قُزْمَانُ عَدِيدًا فِى بَنِى ظَفَرٍ لا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ، وَكَانَ لَهُمْ حَائِطًا مُحِبّا، وَكَانَ مُقِلاّ لا وَلَدَ لَهُ وَلا زَوْجَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فِى حُرُوبِهِمْ تِلْكَ الّتِى كَانَتْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فَشَهِدَ أُحُدًا فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيدًا فَقَتَلَ سِتّةً أَوْ سَبْعَةً وَأَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ، فَقِيلَ لِلنّبِىّ ÷: قُزْمَانُ قَدْ أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”. فَأُتِىَ إلَى قُزْمَانُ فَقِيلَ لَهُ: هَنِيئًا لَك يَا أَبَا الْغَيْدَاقِ الشّهَادَةَ، قَالَ: بِمَ تُبَشّرُونِ؟ وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا إلاّ عَلَى الأَحْسَابِ، قَالُوا: بَشّرْنَاك بِالْجَنّةِ، قَالَ: جَنّةٌ مِنْ حَرْمَلٍ، وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا عَلَى جَنّةٍ وَلا عَلَى نَارٍ، إنّمَا قَاتَلْنَا عَلَى أَحْسَابِنَا، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَجَعَلَ يَتَوَجّأُ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْمِشْقَصُ أَخَذَ السّيْفَ فَاتّكَأَ عَلَيْهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ ÷ فَقَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَجُلاً أَعْرَجَ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ- وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ يَشْهَدُونَ مَعَ النّبِىّ ÷ الْمَشَاهِدَ أَمْثَالَ الأَسَدِ - أَرَادَ بَنُوهُ أَنْ يَحْبِسُوهُ وَقَالُوا: أَنْتَ رَجُلٌ أَعْرَجُ وَلا حَرَجَ عَلَيْك، وَقَدْ ذَهَبَ بَنُوك مَعَ النّبِىّ ÷. قَالَ: بَخٍ يَذْهَبُونَ إلَى الْجَنّةِ، وَأَجْلِسُ أَنَا عِنْدَكُمْ، فَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ امْرَأَتُهُ: كَأَنّى أَنْظُرُ إلَيْهِ مُوَلّيًا، قَدْ أَخَذَ دَرَقَتَهُ، يَقُولُ: اللّهُمّ لا تَرُدّنِى إلَى أَهْلِى خِزْيًا، فَخَرَجَ وَلَحِقَهُ بَنُوهُ يُكَلّمُونَهُ فِى الْقُعُودِ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَنِى يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِى عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك، وَاَللّهِ إنّى لأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِى هَذِهِ الْجَنّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ تَعَالَى وَلا جِهَادَ عَلَيْك”. فَأَبَى، فَقَالَ النّبِىّ ÷ لِبَنِيهِ: “لا عَلَيْكُمْ أَنْ تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُهُ الشّهَادَةَ”، فَخَلّوْا عَنْهُ فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: نَظَرْت إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ حِينَ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ ثَابُوا وَهُوَ فِى الرّعِيلِ الأَوّلِ لَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَى ضِلَعِهِ فِى رِجْلِهِ يَقُولُ: أَنَا وَاَللّهِ مُشْتَاقٌ إلَى الْجَنّةِ، ثُمّ أَنْظُرُ إلَى ابْنِهِ يَعْدُو فِى أَثَرِهِ حَتّى قُتِلا جَمِيعًا. وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِىّ ÷ خَرَجَتْ فِى نِسْوَةٍ تَسْتَرْوِحُ الْخَبَرَ - وَلَمْ يُضْرَبْ الْحِجَابُ يَوْمَئِذٍ - حَتّى إذَا كَانَتْ بِمُنْقَطِعِ الْحَرّةِ وَهِىَ هَابِطَةٌ مِنْ بَنِى حَارِثَة َ إلَى الْوَادِى، لَقِيَتْ هِنْدَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، أُخْتَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ تَسُوقُ بَعِيرًا لَهَا، عَلَيْهِ زَوْجُهَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَابْنُهَا خَلاّدُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عِنْدَك الْخَبَرُ، فَمَا وَرَاءَكِ؟ فَقَالَتْ هِنْدٌ: خَيْرًا، أَمّا رَسُولُ اللّهِ فَصَالِحٌ وَكُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَهُ جَلَلٌ، وَاِتّخَذَ اللّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءَ وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزًا قَالَتْ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَتْ أَخِى، وَابْنِى خَلاّدٌ، وَزَوْجِى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهِمْ؟ قَالَتْ: إلَى الْمَدِينَةِ أَقْبُرُهُمْ فِيهَا… حَلْ تَزْجُرُ بَعِيرَهَا، ثُمّ بَرَكَ بَعِيرُهَا، فَقُلْت: لِمَا عَلَيْهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِهِ لَرُبّمَا حَمَلَ مَا يَحْمِلُ الْبَعِيرَانِ وَلَكِنّى أَرَاهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَزَجَرَتْهُ فَقَامَ فَلَمّا وَجّهَتْ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بَرَكَ فَوَجّهَتْهُ رَاجِعَةً إلَى أُحُدٍ فَأَسْرَعَ. فَرَجَعَتْ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَإِنّ الْجَمَلَ مَأْمُورٌ، هَلْ قَالَ شَيْئًا”؟ قَالَتْ: إنّ عَمْرًا لَمّا وُجّهَ إلَى أُحُدٍ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللّهُمّ لا تَرُدّنِى إلَى أَهْلِى خِزْيًا وَارْزُقْنِى الشّهَادَةَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَلِذَلِكَ الْجَمَلُ لا يَمْضِى إنّ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لأَبَرّهُ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، يَا هِنْدُ، مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ مُظِلّةً عَلَى أَخِيك مِنْ لَدُنْ قُتِلَ إلَى السّاعَةِ يَنْظُرُونَ أَيْنَ يُدْفَنُ”، ثُمّ مَكَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى قَبَرَهُمْ، ثُمّ قَالَ: “يَا هِنْدُ، قَدْ تَرَافَقُوا فِى الْجَنّةِ جَمِيعًا، عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَابْنُك خَلاّدٌ وَأَخُوك عَبْدُ اللّهِ”. قَالَتْ هِنْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ عَسَى أَنْ يَجْعَلَنِى مَعَهُمْ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْهُمْ أَبِى، فَقُتِلُوا شُهَدَاءَ، قَالَ جَابِرٌ: كَانَ أَبِى أَوّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ أَبُو أَبِى الأَعْوَرِ السّلَمِىّ، فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَبْلَ الْهَزِيمَةِ. قَالَ جَابِرٌ: لَمّا اُسْتُشْهِدَ أَبِى جَعَلَتْ عَمّتِى تَبْكِى، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “مَا يُبْكِيهَا؟ مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تَظَلّ عَلَيْهِ بِأَجْنِحَتِهَا حَتّى دُفِنَ”. وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ: رَأَيْت فِى النّوْمِ قَبْلَ يَوْمِ أُحُدٍ بِأَيّامٍ وَكَأَنّى رَأَيْت مُبَشّرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِى أَيّامٍ، فَقُلْت: وَأَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: فِى الْجَنّةِ، نَسْرَحُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ. قُلْت لَهُ: أَلَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: بَلَى، ثُمّ أُحْيِيت، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ قَالَ: “هَذِهِ الشّهَادَةُ يَا أَبَا جَابِرٍ”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ: “ادْفِنُوا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَعَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ”، وَيُقَالُ: إنّهُمَا وُجِدَا وَقَدْ مُثّلَ بِهِمَا كُلّ الْمَثْلِ قُطِعَتْ آرَابُهُمَا - يَعْنِى عُضْوًا عُضْوًا - فَلا تُعْرَفُ أَبْدَانُهُمَا، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “ادْفِنُوهُمَا جَمِيعًا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ”. وَيُقَالُ: إنّمَا أَمَرَ بِدَفْنِهِمَا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ الصّفَاءِ، فَقَالَ: “ادْفِنُوا هَذَيْنِ الْمُتَحَابّيْنِ فِى الدّنْيَا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ”. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، رَجُلاً أَحْمَرَ أَصْلَعَ لَيْسَ بِالطّوِيلِ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ طَوِيلاً، فَعُرِفَا وَدَخَلَ السّيْلُ عَلَيْهِمَا - وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمّا يَلِى السّيْلَ - فَحُفِرَ عَنْهُمَا، وَعَلَيْهِمَا نَمِرَتَانِ وَعَبْدُ اللّهِ قَدْ أَصَابَهُ جُرْحٌ فِى وَجْهِهِ فَيَدُهُ عَلَى وَجْهِهِ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ فَثَعَبَ الدّمُ، فَرُدّتْ إلَى مَكَانِهَا فَسَكَنَ الدّمُ، قَالَ جَابِرٌ: فَرَأَيْت أَبِى فِى حُفْرَتِهِ فَكَأَنّهُ نَائِمٌ وَمَا تَغَيّرَ مِنْ حَالِهِ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، فَقِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْت أَكْفَانَهُ؟ فَقَالَ: إنّمَا كُفّنَ فِى نَمِرَةٍ خُمّرَ بِهَا وَجْهُهُ وَعَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلُ، فَوَجَدْنَا النّمِرَةَ كَمَا هِىَ وَالْحَرْمَلَ، عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ وَقْتِ دَفْنِهِ سِتّةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، فَشَاوَرَهُمْ جَابِرٌ فِى أَنْ يُطَيّبَ بِمِسْكٍ فَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ وَقَالُوا: لا تُحْدِثُوا فِيهِمْ شَيْئًا. وَيُقَالُ: إنّ مُعَاوِيَةَ لَمّا أَرَادَ أَنْ يُجْرِىَ كِظَامَةَ - وَالْكِظَامَةُ عَيْنٌ أَحْدَثَهَا مُعَاوِيَةُ - نَادَى مُنَادِيهِ بِالْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ بِأُحُدٍ فَلْيَشْهَدْ فَخَرَجَ النّاسُ إلَى قَتْلاهُمْ فَوَجَدُوهُمْ طَرَايَا يَتَثَنّوْنَ فَأَصَابَتْ الْمِسْحَاةُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَثَعَبَ دَمًا. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: لا يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكِرٌ أَبَدًا. وَوُجِدَ عَبْدُ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ وَوُجِدَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْر ٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. فَأَمّا قَبْرُ عَبْدِ اللّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، فَحُوّلَ وَذَلِك أَنّ الْقَنَاةَ كَانَتْ تَمُرّ عَلَى قَبْرِهِمَا، وَأَمّا قَبْرُ خَارِجَةَ وَسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ فَتُرِكَا، وَذَلِك لأَنّ مَكَانَهُمَا كَانَ مُعْتَزَلاً، وَسُوّىَ عَلَيْهِمَا التّرَابُ. وَلَقَدْ كَانُوا يَحْفِرُونَ التّرَابَ فَكُلّمَا حَفَرُوا فِتْرًا مِنْ تُرَابٍ فَاحَ عَلَيْهِمْ الْمِسْكُ. وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ لِجَابِرٍ: “يَا جَابِرُ أَلا أُبَشّرْك”؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى بِأَبِى وَأُمّى، قَالَ: “فَإِنّ اللّهَ أَحْيَا أَبَاك، ثُمّ كَلّمَهُ كَلامًا، فَقَالَ: تَمَنّ عَلَى رَبّك مَا شِئْت، فَقَالَ: أَتَمَنّى أَنْ أَرْجِعَ فَأُقْتَلَ مَعَ نَبِيّك، ثُمّ أُحْيَا فَأُقْتَلَ مَعَ نَبِيّك، قَالَ: إنّى قَدْ قَضَيْت أَنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ”. قَالُوا: وَكَانَتْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمّ عُمَارَةَ، وَهِىَ امْرَأَةُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَشَهِدَتْ أُحُدًاهِىَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا؛ وَخَرَجَتْ مَعَهَا شَنّ لَهَا فِى أَوّلِ النّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِىَ الْجَرْحَى، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ وَأَبْلَتْ بَلاءً حَسَنًا، فَجُرِحَتْ اثْنَىْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ. فَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيع ٍ تَقُولُ: دَخَلْت عَلَيْهَا، فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةِ حَدّثِينِى خَبَرَك، فَقَالَتْ: خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ إلَى أُحُدٍ، وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِى سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ فِى أَصْحَابِهِ وَالدّولَةُ وَالرّبْحُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَعَلْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ بِالسّيْفِ وَأَرْمِى بِالْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ إلَىّ الْجِرَاحُ، فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفُ فَقُلْت: يَا أُمّ عُمَارَةَ مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَقَدْ وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَصِيحُ دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَلا نَجَوْت إنْ نَجَا فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فَكُنْت فِيهِمْ فَضَرَبَنِى هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ. قُلْت: يَدَكِ مَا أَصَابَهَا؟ قَالَتْ: أُصِيبَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ لَمّا جَعَلَتْ الأَعْرَابُ يَنْهَزِمُونَ بِالنّاسِ نَادَتْ الأَنْصَارُ: أَخْلِصُونَا؛ فَأُخْلِصَتْ الأَنْصَارُ، فَكُنْت مَعَهُمْ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى حَدِيقَةِ الْمَوْتِ، فَاقْتَتَلْنَا عَلَيْهَا سَاعَةً حَتّى قُتِلَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَى بَابِ الْحَدِيقَةِ، وَدَخَلْتهَا وَأَنَا أُرِيدُ عَدُوّ اللّهِ مُسَيْلِمَةَ فَيَعْتَرِضُ لِى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَضَرَبَ يَدِى فَقَطَعَهَا، فَوَاَللّهِ مَا كَانَتْ لِى نَاهِيَةً وَلا عَرّجْت عَلَيْهَا حَتّى وَقَفْت عَلَى الْخَبِيثِ مَقْتُولاً، وَابْنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ الْمَازِنِىّ يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثِيَابِهِ. فَقُلْت: قَتَلْته؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَجَدْت شُكْرًا لِلّهِ. وَكَانَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدّثُ، عَنْ جَدّتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِى الْمَاءَ، قَالَتْ: سَمِعْت النّبِىّ ÷ يَقُولُ: “لَمُقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ” وَكَانَ يَرَاهَا تُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ أَشَدّ الْقِتَالِ، وَإِنّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا. فَلَمّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ كُنْت فِيمَنْ غَسّلَهَا، فَعَدّدْت جِرَاحَهَا جُرْحًا جُرْحًا فَوَجَدْتهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا، وَكَانَتْ تَقُولُ: إنّى لأَنْظُرُ إلَى ابْنِ قَمِيئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا - وَكَانَ أَعْظَمَ جِرَاحِهَا، لَقَدْ دَاوَتْهُ سَنَةً - ثُمّ نَادَى مُنَادِى النّبِىّ ÷ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَشَدّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدّمِ، وَلَقَدْ مَكَثْنَا لَيْلَنَا نُكَمّدُ الْجِرَاحَ حَتّى أَصْبَحْنَا، فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْحَمْرَاءِ، مَا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ حَتّى أَرْسَلَ إلَيْهَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ الْمَازِنِىّ يَسْأَلُ عَنْهَا، فَرَجَعَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِسَلامَتِهَا فَسُرّ النّبِىّ ÷ بِذَلِكَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ: قَدْ رَأَيْتنِى وَانْكَشَفَ النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَمَا بَقِىَ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يُتِمّونَ عَشْرَةً وَأَنَا وَابْنَاىَ وَزَوْجِى بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبّ عَنْهُ وَالنّاسُ يَمُرّونَ بِهِ مُنْهَزِمِينَ، وَرَآنِى لا تُرْسَ مَعِى، فَرَأَى رَجُلاً مُوَلّيًا مَعَهُ تُرْسٌ، فَقَالَ: “يَا صَاحِبَ التّرْسِ أَلْقِ تُرْسَك إلَى مَنْ يُقَاتِلُ”، فَأَلْقَى تُرْسَهُ فَأَخَذْته، فَجَعَلْت أُتَرّسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِنّمَا فَعَلَ بِنَا الأَفَاعِيلَ أَصْحَابُ الْخَيْلِ لَوْ كَانَ رَجّالَةً مِثْلَنَا أَصَبْنَاهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَضَرَبَنِى، وَتَرّسْت لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا وَوَلّى، وَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ النّبِىّ ÷ يَصِيحُ: “يَا ابْنَ أُمّ عُمَارَةَ أُمّك، أُمّك” قَالَتْ: فَعَاوَنَنِى عَلَيْهِ حَتّى أَوْرَدْته شَعُوب. وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: جُرِحْت يَوْمَئِذٍ جُرْحًا فِى عَضُدِى الْيُسْرَى، ضَرَبَنِى رَجُلٌ كَأَنّهُ الرّقْلُ وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَىّ وَمَضَى عَنّى، وَجَعَلَ الدّمُ لا يَرْقَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اعْصِبْ جُرْحَك”، فَتَقْبَلُ أُمّى إلَىّ وَمَعَهَا عَصَائِبُ فِى حَقْوَيْهَا قَدْ أَعَدّتْهَا لِلْجِرَاحِ فَرَبَطَتْ جُرْحِى وَالنّبِىّ ÷ وَاقِفٌ يَنْظُرُ، ثُمّ قَالَتْ: انْهَضْ يَا بُنَىّ فَضَارِبْ الْقَوْمَ، فَجَعَلَ النّبِىّ ÷ يَقُولُ: “وَمَنْ يُطِيقُ مَا تُطِيقِينَ يَا أُمّ عُمَارَةَ”؟ قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرّجُلُ الّذِى ضَرَبَنِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَذَا ضَارِبُ ابْنِك”، قَالَتْ: فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ سَاقَهُ، فَبَرَكَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ تَبَسّمَ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمّ قَالَ: “اسْتَقَدْتِ يَا أُمّ عُمَارَةَ”، ثُمّ أَقْبَلْنَا إلَيْهِ نَعْلُوهُ بِالسّلاحِ حَتّى أَتَيْنَا عَلَى نَفَسِهِ، قَالَ النّبِىّ ÷: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى ظَفّرَك وَأَقَرّ عَيْنَك مِنْ عَدُوّك، وَأَرَاك ثَأْرَك بِعَيْنِك”. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُتِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِمُرُوطٍ فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ وَاسِعٌ جَيّدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّ هَذَا الْمِرْطَ لَثَمَنُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَرْسَلْت بِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ صَفِيّةَ بِنْتِ أَبِى عُبَيْدٍ - وَذَلِك حِدْثَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: أَبْعَثُ بِهِ إلَى مَنْ هُوَ أَحَقّ مِنْهَا، أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ. سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ: “مَا الْتَفَتّ يَمِينًا وَلا شِمَالاً إلاّ وَأَنَا أَرَاهَا تُقَاتِلُ دُونِى”. فَقَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى زَيْدٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى، قَالَ: قِيلَ لأُمّ عُمَارَة: َ هَلْ كُنّ نِسَاءُ قُرَيْش ٍ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنّ؟ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللّهِ مَا رَأَيْت امْرَأَةً مِنْهُنّ رَمَتْ بِسَهْمٍ وَلا بِحَجَرٍ، وَلَكِنْ رَأَيْت مَعَهُنّ الدّفَافَ وَالأَكْبَارَ يَضْرِبْنَ وَيُذَكّرْنَ الْقَوْمَ قَتْلَى بَدْرٍ، وَمَعَهُنّ مَكَاحِلُ وَمَرَاوِدُ، فَكُلّمَا وَلّى رَجُلٌ أَوْ تَكَعْكَعَ نَاوَلَتْهُ إحْدَاهُنّ مِرْوَدًا وَمُكْحُلَةً، وَيَقُلْنَ: إنّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتهنّ وَلّيْنَ مُنْهَزِمَاتٍ مُشَمّرَاتٍ - وَلَهَا عَنْهُنّ الرّجَالُ أَصْحَابُ الْخَيْلِ وَنَجَوْا عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ - يَتْبَعْنَ الرّجَالَ عَلَى الأَقْدَامِ فَجَعَلْنَ يَسْقُطْنَ فِى الطّرِيقِ. وَلَقَدْ رَأَيْت هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَقِيلَةً، وَلَهَا خَلْقٌ، قَاعِدَةً خَاشِيَةً مِنْ الْخَيْلِ مَا بِهَا مَشْىٌ، وَمَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى، حَتّى كَرّ الْقَوْمُ عَلَيْنَا، فَأَصَابُوا مِنّا مَا أَصَابُوا، فَعِنْدَ اللّهِ نَحْتَسِبُ مَا أَصَابَنَا يَوْمَئِذٍ مِنْ قِبَلِ الرّمَاةِ، وَمَعْصِيَتِهِمْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷. قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ يَقُولُ: شَهِدْت أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَلَمّا تَفَرّقَ النّاسُ عَنْهُ دَنَوْت مِنْهُ وَأُمّى تَذُبّ عَنْهُ، فَقَالَ: “يَا ابْنَ أُمّ عُمَارَةَ”، قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: “ارْمِ”، فَرَمَيْت بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِحَجَرٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَبْت عَيْنَ الْفَرَسِ، فَاضْطَرَبَ الْفَرَسُ حَتّى وَقَعَ هُوَ وَصَاحِبُهُ، وَجَعَلْت أَعْلُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى نَضَدْت عَلَيْهِ مِنْهَا وِقْرًا، وَالنّبِىّ ÷ يَنْظُرُ وَيَتَبَسّمُ، فَنَظَرَ إلَى جُرْحٍ بِأُمّى عَلَى عَاتِقِهَا، فَقَالَ: “أُمّك، أُمّك اعْصِبْ جُرْحَهَا، بَارَكَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُقَامُ أُمّك خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ وَمُقَامُ رَبِيبِك - يَعْنِى زَوْجَ أُمّهِ - خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، وَمُقَامُك لَخَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ، رَحِمَكُمْ اللّهُ أَهْلَ الْبَيْتِ”، قَالَتْ: اُدْعُ اللّهَ أَنْ نُرَافِقَك فِى الْجَنّةِ، قَالَ: “اللّهُمّ اجْعَلْهُمْ رُفَقَائِى فِى الْجَنّةِ”، قَالَتْ: مَا أُبَالِى مَا أَصَابَنِى مِنْ الدّنْيَا. قَالُوا: وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ تَزَوّجَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ بْنِ سَلُولَ، فَأُدْخِلْت عَلَيْهِ فِى اللّيْلَةِ الّتِى فِى صُبْحِهَا قِتَالُ أُحُدٍ، وَكَانَ قَدْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمّا صَلّى الصّبْحَ غَدًا يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَلَزِمَتْهُ جَمِيلَةُ فَعَادَ فَكَانَ مَعَهَا، فَأَجْنَبَ مِنْهَا، ثُمّ أَرَادَ الْخُرُوجَ، وَقَدْ أَرْسَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَقِيلَ لَهَا بَعْدُ: لِمَ أَشْهَدْت عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْت كَأَنّ السّمَاءَ فُرِجَتْ فَدَخَلَ فِيهَا حَنْظَلَةُ، ثُمّ أُطْبِقَتْ، فَقُلْت: هَذِهِ الشّهَادَةُ فَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ أَنّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا. وَتَعْلَقُ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، ثُمّ تَزَوّجَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ بَعْدُ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمّدَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَخَذَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ سِلاحَهُ، فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷ بِأُحُدٍ، وَهُوَ يُسَوّى الصّفُوفَ، قَالَ: فَلَمّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ اعْتَرَضَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ لأَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، وَيَقَعُ أَبُو سُفْيَانَ إلَى الأَرْضِ فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَنْظَلَةُ يُرِيدُ ذَبْحَهُ بِالسّيْفِ، فَأَسْمَعَ الصّوْتُ رِجَالاً لا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ مِنْ الْهَزِيمَةِ حَتّى عَايَنَهُ الأَسْوَدُ بْنُ شَعُوبَ فَحَمَلَ عَلَى حَنْظَلَةَ بِالرّمْحِ، فَأَنْفَذَهُ فَمَشَى حَنْظَلَةُ إلَيْهِ بِالرّمْحِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ ثُمّ ضَرَبَهُ الثّانِيَةَ فَقَتَلَهُ. وَهَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ يَعْدُو عَلَى قَدَمَيْهِ فَلَحِقَ بِبَعْضِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ صَدْرِ فَرَسِهِ، وَرَدِفَ وَرَاءَ أَبِى سُفْيَانَ - فَذَلِكَ قَوْلُ أَبِى سُفْيَانَ، فَلَمّا قُتِلَ حَنْظَلَةُ مَرّ عَلَيْهِ أَبُوهُ، وَهُوَ مَقْتُولٌ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَقَالَ: إنْ كُنْت لأُحَذّرُك هَذَا الرّجُلَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْمَصْرَعِ، وَاَللّهِ إنْ كُنْت لَبَرّا بِالْوَالِدِ، شَرِيفَ الْخُلُقِ فِى حَيَاتِك، وَإِنّ مَمَاتَك لَمَعَ سَرَاةِ أَصْحَابِك وَأَشْرَافِهِمْ، وَإِنْ جَزَى اللّهُ هَذَا الْقَتِيلَ - لِحَمْزَةَ - خَيْرًا، أَوْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا، ثُمّ نَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، حَنْظَلَةُ لا يُمَثّلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ خَالَفَنِى وَخَالَفَكُمْ، فَلَمْ يَأْلُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرَى خَيْرًا، فَمُثّلَ بِالنّاسِ وَتُرِكَ فَلَمْ يُمَثّلْ بِهِ. وَكَانَتْ هِنْدٌ أَوّلَ مَنْ مَثّلَ بِأَصْحَابِ النّبِىّ ÷ وَأَمَرَتْ النّسَاءَ بِالْمَثْلِ - جَدْعِ الأُنُوفِ وَالآذَانِ - فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إلاّ عَلَيْهَا مِعْضَدَانِ وَمَسَكَتَانِ وَخَدَمَتَانِ وَمُثّلَ بِهِمْ كُلّهُمْ إلاّ حَنْظَلَةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى رَأَيْت الْمَلائِكَةَ تُغَسّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِى عَامِرٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِى صِحَافِ الْفِضّةِ”. قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ: فَذَهَبْنَا فَنَظَرْنَا إلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرْته، فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنّهُ خَرَجَ وَهُوَ جُنُب. وَأَقْبَلَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ الْمُزَنِىّ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ قَابُوسٍ بِغَنَمٍ لَهُمَا مِنْ جَبَلِ مُزَيْنَةَ، فَوَجَدَا الْمَدِينَةَ خُلُوفًا، فَسَأَلا أَيْنَ النّاسُ؟ فَقَالُوا: بِأُحُدٍ، خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالا: لا نَبْتَغِى أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، فَخَرَجَا حَتّى أَتَيَا النّبِىّ ÷ بِأُحُدٍ فَيَجِدَانِ الْقَوْمَ يَقْتَتِلُونَ وَالدّوْلَةُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابِهِ فَأَغَارَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِى النّهْبِ وَجَاءَتْ الْخَيْلُ مِنْ وَرَائِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، فَاخْتَلَطُوا، فَقَاتَلا أَشَدّ الْقِتَالِ. فَانْفَرَقَتْ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لِهَذِهِ الْفِرْقَةِ”؟ فَقَالَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَامَ فَرَمَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى انْصَرَفُوا، ثُمّ رَجَعَ فَانْفَرَقَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لِهَذِهِ الْكَتِيبَةِ”؟ فَقَالَ الْمُزَنِىّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَامَ فَذَبّهَا بِالسّيْفِ حَتّى وَلّوْا، ثُمّ رَجَعَ الْمُزَنِىّ، ثُمّ طَلَعَتْ كَتِيبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: “مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاءِ”؟ فَقَالَ الْمُزَنِىّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: “قُمْ وَأَبْشِرْ بِالْجَنّةِ”، فَقَامَ الْمُزَنِىّ مَسْرُورًا يَقُولُ: وَاَللّهِ لا أَقِيلُ وَلا أَسْتَقِيلُ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَدْخُلُ فِيهِمْ فَيَضْرِبُ بِالسّيْفِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَقْصَاهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “اللّهُمّ ارْحَمْهُ”، ثُمّ يَرْجِعُ فِيهِمْ فَمَا زَالَ كَذَلِكَ وَهُمْ مُحْدِقُونَ بِهِ حَتّى اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ وَرِمَاحُهُمْ فَقَتَلُوهُ فَوُجِدَ بِهِ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ كُلّهَا قَدْ خَلَصَتْ إلَى مَقْتَلٍ، وَمُثّلَ بِهِ أَقْبَحَ الْمَثْلِ يَوْمَئِذٍن ثُمّ قَامَ ابْنُ أَخِيهِ فَقَاتَلَ، كَنَحْوِ قِتَالِهِ حَتّى قُتِلَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ: إنّ أَحَبّ مِيتَةٍ أَمُوتُ عَلَيْهَا لَمَا مَاتَ عَلَيْهَا الْمُزَنِىّ. وَكَانَ بِلالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىّ يُحَدّثُ يَقُولُ: شَهِدْنَا الْقَادِسِيّةَ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، فَلَمّا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا وَقُسِمَتْ بَيْنَنَا غَنَائِمُنَا، فَأُسْقِطَ فَتًى مِنْ آلِ قَابُوسِ بْنِ مُزَيْنَةَ، فَجِئْت سَعْدًا حِينَ فَرَغَ مِنْ نَوْمِهِ فَقَالَ: بِلالٌ؟ قُلْت: بِلالٌ، قَالَ: مَرْحَبًا بِك، مَنْ هَذَا مَعَك؟ قُلْت: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِى مِنْ آلِ قَابُوسٍ، قَالَ سَعْدٌ: مَا أَنْتَ يَا فَتًى مِنْ الْمُزَنِىّ الّذِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: ابْنُ أَخِيهِ، قَالَ سَعْدٌ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً، وَنَعِمَ اللّهُ بِك عَيْنًا، ذَلِكَ الرّجُلُ شَهِدْت مِنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ مَشْهَدًا مَا شَهِدْته مِنْ أَحَدٍ. لَقَدْ رَأَيْتنَا وَقَدْ أَحْدَقَ الْمُشْرِكُونَ بِنَا مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَسْطَنَا وَالْكَتَائِبُ تَطْلُعُ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَيَرْمِى بِبَصَرِهِ فِى النّاسِ يَتَوَسّمُهُمْ يَقُولُ: “مَنْ لِهَذِهِ الْكَتِيبَةِ”؟ كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ الْمُزَنِىّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ ذَلِكَ يَرُدّهَا، فَمَا أَنْسَى آخِرَ مَرّةٍ، قَامَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قُمْ وَأَبْشِرْ بِالْجَنّةِ”، قَالَ سَعْدٌ: وَقُمْت عَلَى أَثَرِهِ يَعْلَمُ اللّهُ أَنّى أَطْلُبُ مِثْلَ مَا يَطْلُبُ يَوْمَئِذٍ مِنْ الشّهَادَةِ، فَخُضْنَا حَوْمَتَهُمْ حَتّى رَجَعْنَا فِيهِمْ الثّانِيَةَ، وَأَصَابُوهُ رَحِمَهُ اللّهُ وَوَدِدْت وَاَللّهِ أَنّى كُنْت أُصِبْت يَوْمَئِذٍ مَعَهُ وَلَكِنّ أَجَلِى اسْتَأْخَرَ. ثُمّ دَعَا سَعْدٌ مِنْ سَاعَتِهِ بِسَهْمِهِ فَأَعْطَاهُ وَفَضّلَهُ، وَقَالَ: اخْتَرْ فِى الْمُقَامِ عِنْدَنَا أَوْ الرّجُوعِ إلَى أَهْلِك، فَقَالَ بِلالٌ: إنّهُ يَسْتَحِبّ الرّجُوعَ، فَرَجَعْنَا. وَقَالَ سَعْدٌ: أَشْهَدُ لَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ وَاقِفًا عَلَيْهِ وَهُوَ مَقْتُولٌ، وَهُوَ يَقُولُ: “رَضِىَ اللّهُ عَنْك فَإِنّى عَنْك رَاضٍ”، ثُمّ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ قَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ - وَقَدْ نَالَ النّبِىّ ÷ مِنْ الْجِرَاحِ مَا نَالَهُ وَإِنّى لأَعْلَمُ أَنّ الْقِيَامَ لَيَشُقّ عَلَيْهِ - عَلَى قَبْرِهِ حَتّى وُضِعَ فِى لَحْدِهِ وَعَلَيْهِ بُرْدَةٌ لَهَا أَعْلامٌ خُضْرٌ فَمَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْبُرْدَةَ عَلَى رَأْسِهِ فَخَمّرَهُ وَأَدْرَجَهُ فِيهَا طُولاً وَبَلَغَتْ نِصْفَ سَاقَيْهِ، وَأَمَرَنَا فَجَمَعْنَا الْحَرْمَلَ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَهُوَ فِى لَحْدِهِ ثُمّ انْصَرَفَ، فَمَا حَالٌ أَمُوتُ عَلَيْهَا أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللّهَ تَعَالَى عَلَى حَالِ الْمُزَنِىّ. قَالُوا: وَلَمّا صَاحَ إبْلِيسُ إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، تَفَرّقَ النّاسُ فَمِنْهُمْ مَنْ وَرَدَ الْمَدِينَةَ؛ فَكَانَ أَوّلُ مَنْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ يُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ قَتَلَ سَعْدَ بْنَ عُثْمَانَ أَبُو عُبَادَةَ. ثُمّ وَرَدَ بَعْدَهُ رِجَالٌ حَتّى دَخَلُوا عَلَى نِسَائِهِمْ حَتّى جَعَلَ النّسَاءُ يَقُلْنَ أَعَنْ رَسُولِ اللّهِ تَفِرّونَ؟ قَالَ: يَقُولُ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ: أَعَنْ رَسُولِ اللّهِ تَفِرّونَ؟ ثُمّ جَعَلَ يُؤَفّفُ بِهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَلْفَهُ بِالْمَدِينَةِ، يُصَلّى بِالنّاسِ ثُمّ قَالَ: اعْدِلُونِى عَلَى الطّرِيقِ - يَعْنِى طَرِيقَ أُحُدٍ - فَعَدَلُوهُ عَلَى الطّرِيقِ فَجَعَلَ يَسْتَخْبِرُ كُلّ مَنْ لَقِىَ عَنْ طَرِيقِ أُحُدٍ حَتّى لَحِقَ الْقَوْمَ فَعَلِمَ بِسَلامَةِ النّبِىّ ÷ ثُمّ رَجَعَ. وَكَانَ مِمّنْ وَلّى فُلانٌ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَسَوّادُ بْنُ غَزِيّةَ وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَخَارِجَةُ بْنُ عَامِرٍ بَلَغَ مَلَلَ؛ وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ فِى نَفَرٍ مِنْ بَنِى حَارِثَة َ بَلَغُوا الشّقْرَةَ وَلَقِيَتْهُمْ أُمّ أَيْمَنَ تَحْثِى فِى وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَتَقُولُ لِبَعْضِهِمْ: هَاكَ الْمِغْزَلُ فَاغْزِلْ بِهِ، وَهَلُمّ سَيْفَك فَوَجّهَتْ إلَى أُحُدٍ مَعَ نُسَيّاتٍ مَعَهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَرْوِى الْحَدِيثَ: إنّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْدُوا الْجَبَلَ، وَكَانُوا فِى سَفْحِهِ، وَلَمْ يُجَاوِزُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ فِيهِ النّبِىّ ÷. وَيُقَالُ: إنّهُ كَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَعُثْمَانَ كَلامٌ، فَأَرْسَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ إلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى أَخِيك فَبَلّغْهُ عَنّى مَا أَقُولُ لَك، فَإِنّى لا أَعْلَمُ أَحَدًا يُبَلّغُهُ غَيْرَك، قَالَ الْوَلِيدُ: أَفْعَلُ، قَالَ: قُلْ: يَقُولُ لَك عَبْدُ الرّحْمَنِ: شَهِدْت بَدْرًا وَلَمْ تَشْهَدْ، وَثَبَتّ يَوْمَ أُحُدٍ وَوَلّيْت عَنْهُ، وَشَهِدْت بَيْعَةَ الرّضْوَانِ وَلَمْ تَشْهَدْهَا، فَجَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ أَخِى تَخَلّفْت عَنْ بَدْرٍ عَلَى ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَهِىَ مَرِيضَةٌ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَهْمِى وَأَجْرِى، فَكُنْت بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَضَرَ، وَوَلّيْت يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ عَفَا اللّهُ ذَلِكَ عَنّى، فَأَمّا بَيْعَةُ الرّضْوَانِ فَإِنّى خَرَجْت إلَى أَهْلِ مَكّةَ، بَعَثَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ عُثْمَانَ فِى طَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ”، وَبَايَعَ النّبِىّ ÷ إحْدَى يَدَيْهِ الأُخْرَى، فَكَانَتْ شِمَالُ النّبِىّ ÷ خَيْرًا مِنْ يَمِينِى. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: حِينَ جَاءَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ: صَدَقَ أَخِى وَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَقَالَ: هَذَا مِمّنْ عَفَا اللّهُ عَنْهُ، وَاَللّهِ مَا عَفَا اللّهُ عَنْ شَيْءٍ فَرَدّهُ وَكَانَ تَوَلّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، عَنْ عُثْمَانَ، فَقَالَ: إنّهُ أَذْنَبَ يَوْمَ أُحُدٍ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَعَفَا اللّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِمّنْ تَوَلّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَأَذْنَبَ فِيكُمْ ذَنْبًا صَغِيرًا فَقَتَلْتُمُوهُ. وَقَالَ عَلِىّ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَجَالَ النّاسُ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَقْبَلَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِى حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ دَارِعٌ مُقَنّعٌ فِى الْحَدِيدِ مَا يُرَى مِنْهُ إلاّ عَيْنَاهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، فَيَعْتَرِضُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ أُمَيّةُ. قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: وَأَصْمُدُ لَهُ فَأَضْرِبُهُ بِالسّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ - وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ وَتَحْتَ الْبَيْضَةِ مِغْفَرٌ - فَنَبَا سَيْفِى، وَكُنْت رَجُلاً قَصِيرًا، وَيَضْرِبُنِى بِسَيْفِهِ، فَأَتّقِى بِالدّرَقَةِ، فَلَحِجَ سَيْفُهُ فَأَضْرِبُهُ، وَكَانَتْ دِرْعُهُ مُشَمّرَةً فَأَقْطَعُ رِجْلَيْهِ وَوَقَعَ فَجَعَلَ يُعَالِجُ سَيْفَهُ حَتّى خَلّصَهُ مِنْ الدّرَقَةِ، وَجَعَلَ يُنَاوِشُنِى وَهُوَ بَارِكٌ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتّى نَظَرْت إلَى فَتْقٍ تَحْتَ إبِطِهِ فَأَخُشّ بِالسّيْفِ فِيهِ فَمَالَ وَمَاتَ وَانْصَرَفْت عَنْهُ. وَقَالَ النّبِىّ ÷ يَوْمَئِذٍ: “أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ” وَقَالَ أَيْضًا: “أَنَا النّبِىّ لا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ”. وَقَالُوا: أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فِى رَهْطٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُعُودًا، وَمَرّ بِهِمْ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمٍ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: مَا يُقْعِدُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ، قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، ثُمّ جَالَدَ بِسَيْفِهِ حَتّى قُتِلَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: إنّى لأَرْجُو أَنْ يَبْعَثَهُ اللّهُ أُمّةً وَحْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَوُجِدَ بِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً فِى وَجْهِهِ مَا عُرِفَ حَتّى عَرَفَتْ أُخْتُهُ حُسْنَ بَنَانِهِ، وَيُقَالُ: حُسْنَ ثَنَايَاهُ. قَالُوا: وَمَرّ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِى حَشْوَتِهِ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَتْ إلَى مَقْتَلٍ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ خَارِجَةُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ فَقَدْ بَلّغَ مُحَمّدٌ، فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك. وَمَرّ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ وَبِهِ اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ فَقَالَ: عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ بَلّغَ رِسَالَةَ رَبّهِ فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك، فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ، وَقَالَ: مُنَافِقٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إلَى قَوْمِكُمْ فَإِنّهُمْ دَاخِلُو الْبُيُوتِ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمّارٍ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِىّ قَالَ: أَقْبَلَ ثَابِتُ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ يَوْمَئِذٍ وَالْمُسْلِمُونَ أَوْزَاعٌ قَدْ سَقَطَ فِى أَيْدِيهِمْ فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إلَىّ إلَىّ أَنَا ثَابِتُ بْنُ الدّحْدَاحَةِ، إنْ كَانَ مُحَمّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ، فَإِنّ اللّهَ مُظْهِرُكُمْ وَنَاصِرُكُمْ، فَنَهَضَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَقَفَتْ لَهُمْ كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا رُؤَسَاؤُهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ، فَجَعَلُوا يُنَاوِشُونَهُمْ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالرّمْحِ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَوَقَعَ مَيّتًا، وَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الأَنْصَارِ. فَيُقَالُ: إنّ هَؤُلاءِ لآخِرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَوَصَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الشّعْبِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قِتَالٌ. كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ خَاصَمَ إلَيْهِ يَتِيمٌ مِنْ الأَنْصَارِ أَبَا لُبَابَةَ فِى عَذْقٍ بَيْنَهُمَا، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَبِى لُبَابَةَ، فَجَزَعَ الْيَتِيمُ عَلَى الْعَذْقِ، وَطَلَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَذْقَ إلَى أَبِى لُبَابَةَ لِلْيَتِيمِ فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ لأَبِى لُبَابَةَ: “لَك بِهِ عَذْقٌ فِى الْجَنّةِ”، فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ، فَقَالَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت إنْ أَعْطَيْت الْيَتِيمَ عَذْقَهُ مَالِى؟ قَالَ: “عَذْقٌ فِى الْجَنّةِ”، قَالَ: فَذَهَبَ ثَابِتُ بْنُ الدّحْدَاحَةِ فَاشْتَرَى مِنْ أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ الْعَذْقَ بِحَدِيقَةِ نَخْلٍ، ثُمّ رَدّ عَلَى الْغُلامِ الْعَذْقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “رُبّ عَذْقٍ مُذَلّلٍ لابْنِ الدّحْدَاحَةِ فِى الْجَنّةِ”، فَكَانَتْ تُرْجَى لَهُ الشّهَادَةُ لِقَوْلِهِ ÷، حَتّى قُتِلَ بِأُحُدٍ. وَيُقْبِلُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فَارِسًا، يَجُرّ قَنَاةً لَهُ طَوِيلَةً فَيَطْعَنُ عَمْرَو بْنَ مُعَاذٍ فَأَنْفَذَهُ، وَيَمْشِى عَمْرٌو إلَيْهِ حَتّى غُلِبَ فَوَقَعَ لِوَجْهِهِ، يَقُولُ ضِرَارٌ: لا تَعْدَمَن رَجُلاً زَوّجَك مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَكَانَ يَقُولُ: زَوّجْت عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: سَأَلْت ابْنَ جَعْفَرٍ هَلْ قَتَلَ عَشَرَةً؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنّهُ قَتَلَ إلاّ ثَلاثَةً، وَقَدْ ضَرَبَ يَوْمَئِذٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْثُ جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ بِالْقَنَاةِ. قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطّابِ إنّهَا نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ وَاَللّهِ مَا كُنْت لأَقْتُلَك، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ يُحَدّثُ وَيَذْكُرُ وَقْعَةَ أُحُدٍ، وَيَذْكُرُ الأَنْصَارَ وَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِمْ وَيَذْكُرُ غِنَاءَهُمْ فِى الإِسْلامِ، وَشَجَاعَتَهُمْ وَتَقَدّمَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ، ثُمّ يَقُولُ: لَمّا قُتِلَ أَشْرَافُ قَوْمِى بِبَدْرٍ جَعَلْت أَقُولُ مَنْ قَتَلَ أَبَا الْحَكَمِ؟ يُقَالُ: ابْنُ عَفْرَاءَ. مَنْ قَتَلَ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ؟ يُقَالُ: خُبَيْبٌ بْنُ يَسَافٍ. مَنْ قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِى مُعَيْطٍ؟ قَالُوا: عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. مَنْ قَتَلَ فُلانًا؟ فَيُسَمّى لِى، مَنْ أَسَرَ سُهَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو؟ قَالُوا: مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ. فَلَمّا خَرَجْنَا إلَى أُحُدٍ وَأَنَا أَقُولُ إنْ أَقَامُوا فِى صَيَاصِيِهِمْ فَهِىَ مَنِيعَةٌ لا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِمْ نُقِيمُ أَيّامًا ثُمّ نَنْصَرِفُ، وَإِنْ خَرَجُوا إلَيْنَا مِنْ صَيَاصِيِهِمْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ – مَعَنَا عَدَدٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهِمْ وَقَوْمٌ مَوْتُورُونَ خَرَجْنَا بِالظّعُنِ يُذَكّرْنَنَا قَتْلَى بَدْرٍ، وَمَعَنَا كُرَاعٌ وَلا كُرَاعَ مَعَهُمْ، وَمَعَنَا سِلاحٌ أَكْثَرُ مِنْ سِلاحِهِمْ، فَقُضِىَ لَهُمْ أَنْ خَرَجُوا، فَالْتَقَيْنَا، فَوَاَللّهِ مَا أَقَمْنَا لَهُمْ حَتّى هُزِمْنَا وَانْكَشَفْنَا مُوَلّينَ، فَقُلْت فِى نَفْسِى: هَذِهِ أَشَدّ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَجَعَلْت أَقُولُ لِخَالِدِ ابْنِ الْوَلِيدِ: كُرّ عَلَى الْقَوْمِ فَجَعَلَ يَقُولُ: وَتَرَى وَجْهًا نَكُرّ فِيهِ؟ حَتّى نَظَرْت إلَى الْجَبَلِ الّذِى كَانَ عَلَيْهِ الرّمَاةُ خَالِيًا، فَقُلْت: أَبَا سُلَيْمَانَ اُنْظُرْ وَرَاءَك فَعَطَفَ عَنَانَ فَرَسِهِ فَكّرَ وَكَرَرْنَا مَعَهُ، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْجَبَلِ، فَلَمْ نَجِدْ عَلَيْهِ أَحَدًا لَهُ بَالٌ وَجَدْنَا نُفَيْرًا فَأَصَبْنَاهُمْ، ثُمّ دَخَلْنَا الْعَسْكَرَ وَالْقَوْمُ غَارّونَ يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ، فَأَقْحَمْنَا الْخَيْلَ عَلَيْهِمْ فَتَطَايَرُوا فِى كُلّ وَجْهٍ، وَوَضَعْنَا السّيُوفَ فِيهِمْ حَيْثُ شِئْنَا، وَجَعَلْت أَطْلُبُ الأَكَابِرَ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَتَلَةَ الأَحِبّةِ فَلا أَرَى أَحَدًا، قَدْ هَرَبُوا، فَمَا كَانَ حَلْبَ نَاقَةٍ حَتّى تَدَاعَتْ الأَنْصَارُ بَيْنَهَا، فَأَقْبَلَتْ فَخَالَطُونَا وَنَحْنُ فُرْسَانٌ فَصَبَرُوا لَنَا، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَتّى عَقَرُوا فَرَسِى وَتَرَجّلْت، فَقَتَلْت مِنْهُمْ عَشَرَةً، وَلَقِيت مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ الْمَوْتَ النّاقِعَ حَتّى وَجَدْت رِيحَ الدّمِ وَهُوَ مُعَانِقِى، مَا يُفَارِقُنِى حَتّى أَخَذَتْهُ الرّمَاحُ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، وَوَقَعَ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أُكْرِمهُمْ بِيَدِى وَلَمْ يُهِنّى بِأَيْدِيهِمْ. وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: “مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَكْوَانِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ”؟ قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: أَنَا رَأَيْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَارِسًا يَرْكُضُ فِى أَثَرِهِ حَتّى لَحِقَهُ وَهُوَ يَقُولُ: لا نَجَوْت إنْ نَجَوْت فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِفَرَسِهِ وَذَكْوَانُ رَاجِلٌ فَضَرَبَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عِلاجٍ، فَأَهْوَيْت إلَيْهِ وَهُوَ فَارِسٌ، فَضَرَبْت رِجْلَهُ بِالسّيْفِ حَتّى قَطَعْتهَا عَنْ نِصْفِ الْفَخِذِ، ثُمّ طَرَحْته مِنْ فَرَسِهِ فَذَفَفْت عَلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ بْنِ عِلاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِىّ. وَحَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمّا كَرّ الْمُشْرِكُونَ انْتَهَوْا إلَى الْجَبَلِ، وَقَدْ عَرِىَ مِنْ الْقَوْمِ؛ وَبَقِىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِى عَشَرَةِ نَفَرٍ فَهُمْ عَلَى رَأْسِ عَيْنَيْنِ. فَلَمّا طَلَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِكْرِمَةُ فِى الْخَيْلِ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: انْبَسِطُوا نَشْرًا لِئَلاّ يَجُوزَ الْقَوْمُ فَصَفّوا وَجْهَ الْعَدُوّ، وَاسْتَقْبَلُوا الشّمْسَ فَقَاتَلُوا سَاعَةً حَتّى قُتِلَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَدْ جُرِحَ عَامّتُهُمْ، فَلَمّا وَقَعَ جَرّدُوهُ وَمَثّلُوا بِهِ أَقْبَحَ الْمَثْلِ، وَكَانَتْ الرّمَاحُ قَدْ شَرَعَتْ فِى بَطْنِهِ حَتّى خَرَقَتْ مَا بَيْنَ سُرّتِهِ إلَى خَاصِرَتِهِ إلَى عَانَتِهِ، فَكَانَتْ حَشْوَتُهُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا، فَلَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ مَرَرْت بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَلَقَدْ ضَحِكْت فِى مَوْضِعٍ مَا ضَحِكَ فِيهِ أَحَدٌ قَطّ، وَنَعَسْت فِى مَوْضِعٍ مَا نَعَسَ فِيهِ أَحَدٌ، وَبَخِلْت فِى مَوْضِعٍ مَا بَخِلَ فِيهِ أَحَدٌ. فَقِيلَ: مَا هِىَ؟ قَالَ: حَمَلْته فَأَخَذْت بِضَبُعَيْهِ وَأَخَذَ أَبُو حَنّةَ بِرِجْلَيْهِ وَقَدْ شَدَدْت جُرْحَهُ بِعِمَامَتِى، فَبَيْنَا نَحْنُ نَحْمِلُهُ وَالْمُشْرِكِينَ نَاحِيَةً إلَى أَنْ سَقَطَتْ عِمَامَتِى مِنْ جُرْحِهِ فَخَرَجَتْ حَشْوَتُهُ فَفَزِعَ صَاحِبِى، وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ وَرَاءَهُ يَظُنّ أَنّهُ الْعَدُوّ، فَضَحِكْت. وَلَقَدْ شَرَعَ لِى رَجُلٌ بِرُمْحٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ ثُغْرَةَ نَحْرِى، فَغَلَبَنِى النّوْمُ وَزَالَ الرّمْحُ، وَلَقَدْ رَأَيْتنِى حِينَ انْتَهَيْت إلَى الْحَفْرِ لَهُ وَمَعِى قَوْسِى، وَغَلُظَ عَلَيْنَا الْجَبَلُ فَهَبَطْنَا بِهِ الْوَادِىَ فَحَفَرْت بِسِيَةِ الْقَوْسِ وَفِيهَا الْوَتَرُ، فَقُلْت: لا أُفْسِدُ الْوَتَرَ، فَحَلَلْته، ثُمّ حَفَرْت بِسِيَتِهَا حَتّى أَنْعَمْنَا، ثُمّ غَيّبْنَاهُ وَانْصَرَفْنَا، وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدُ نَاحِيَةً وَقَدْ تَحَاجَزْنَا، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَلّوْا. قَالُوا: وَكَانَ وَحْشِىّ عَبْدًا لابْنَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ – وَيُقَالُ: كَانَ لِجُبَيْرِ ابْنِ مُطْعِمٍ - فَقَالَتْ ابْنَةُ الْحَارِثِ: إنّ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَوْ عَلِىّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، فَإِنّى لا أَرَى فِى الْقَوْمِ كُفُؤًا لأَبِى غَيْرَهُمْ. قَالَ وَحْشِىّ: أَمّا رَسُولُ اللّهِ فَقَدْ عَلِمْت أَنّى لا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَنّ أَصْحَابَهُ لَنْ يُسْلِمُوهُ، وَأَمّا حَمْزَةُ، فَقُلْت: وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْته نَائِمًا مَا أَيْقَظْته مِنْ هَيْبَتِهِ، وَأَمّا عَلِىّ فَقَدْ كُنْت أَلْتَمِسُهُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِى النّاسِ أَلْتَمِسُ عَلِيّا إلَى أَنْ طَلَعَ عَلَىّ فَطَلَعَ رَجُلٌ حَذِرٌ مَرِسٌ كَثِيرُ الالْتِفَاتِ. فَقُلْت: مَا هَذَا صَاحِبِى الّذِى أَلْتَمِسُ إذْ رَأَيْت حَمْزَةَ يَفْرِى النّاسَ فَرْيًا، فَكَمَنْت إلَى صَخْرَةٍ وَهُوَ مُكَبّسٌ لَهُ كَثِيبٌ، فَاعْتَرَضَ لَهُ سِبَاعُ بْنُ أُمّ أَنْمَارٍ - وَكَانَتْ أُمّهُ خَتّانَةً بِمَكّةَ مَوْلاةً لِشَرِيفِ بْنِ عِلاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِىّ وَكَانَ سِبَاعٌ يُكَنّى أَبَا نِيَارٍ - فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: وَأَنْتَ أَيْضًا يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ مِمّنْ يُكْثِرُ عَلَيْنَا. هَلُمّ إلَىّ فَاحْتَمَلَهُ حَتّى إذَا بَرَقَتْ قَدَمَاهُ رَمَى بِهِ فَبَرَكَ عَلَيْهِ فَشَحَطَهُ شَحْطَ الشّاةِ. ثُمّ أَقْبَلَ إلَىّ مِكْبَسًا حِينَ رَآنِى، فَلَمّا بَلَغَ الْمَسِيلَ وَطِئَ عَلَى جُرُفٍ فَزَلّتْ قَدَمُهُ فَهَزَزْت حَرْبَتِى حَتّى رَضِيت مِنْهَا، فَأَضْرِبُ بِهَا فِى خَاصِرَتِهِ حَتّى خَرَجْت مِنْ مَثَانَتِهِ. وَكَرّ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ أَبَا عُمَارَةَ فَلا يُجِيبُ فَقُلْت: قَدْ وَاَللّهِ مَاتَ الرّجُلُ وَذَكَرْت هِنْدًا، وَمَا لَقِيَتْ عَلَى أَبِيهَا وَعَمّهَا وَأَخِيهَا، وَانْكَشَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا مَوْتَهُ وَلا يَرَوْنِى، فَأَكُرّ عَلَيْهِ فَشَقَقْت بَطْنَهُ فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْت: مَاذَا لِى إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك؟ قَالَتْ: سَلَبِى فَقُلْت: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ، فَمَضَغَتْهَا، ثُمّ لَفَظَتْهَا، فَلا أَدْرِى لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا، فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ ثُمّ قَالَتْ: إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. ثُمّ قَالَتْ: أَرِنِى مَصْرَعَهُ فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ، فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ، وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ، ثُمّ جَعَلَتْ مَسَكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ وَخَدَمَتَيْنِ حَتّى قَدِمَتْ بِذَلِكَ مَكّةَ، وَقَدِمَتْ بِكَبِدِهِ مَعَهَا. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِىّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: غَزَوْنَا الشّامَ فِى زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْنَا: وَحْشِىّ، فَقَالُوا: لا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ هُوَ الآنَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتّى يُصْبِحَ، فَبِتْنَا مِنْ أَجْلِهِ وَإِنّا لَثَمَانُونَ رَجُلاً، فَلَمّا صَلّيْنَا الصّبْحَ جِئْنَا إلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ طُرِحَتْ لَهُ زِرْبِيّةٌ قَدْرَ مَجْلِسِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا، عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ وَعَنْ مُسَيْلِمَةَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقُلْنَا لَهُ: مَا بِتْنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ إلاّ مِنْ أَجْلِك. فَقَالَ: إنّى كُنْت عَبْدًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِىّ، فَلَمّا خَرَجَ النّاسُ إلَى أُحُدٍ دَعَانِى، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْت مَقْتَلَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِىّ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ نِسَاؤُنَا فِى حُزْنٍ شَدِيدٍ إلَى يَوْمِى هَذَا؛ فَإِنْ قَتَلْت حَمْزَةَ فَأَنْتَ حُرّ. قَالَ: فَخَرَجْت مَعَ النّاسِ وَلِى مَزَارِيقُ، وَكُنْت أَمُرّ بِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَتَقُولُ: إيه أَبَا دَسِمَةَ اشْفِ وَاشْتَفِ فَلَمّا وَرَدْنَا أُحُدًا نَظَرْت إلَى حَمْزَةَ يَقْدُمُ النّاسَ يَهُدّهُمْ هَدّا فَرَآنِى، وَأَنَا قَدْ كَمَنْت لَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَقْبَلَ نَحْوِى وَيَعْتَرِضُ لَهُ سِبَاعٌ الْخُزَاعِىّ، فَأَقْبَلَ إلَيْهِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ أَيْضًا يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ مِمّنْ يُكْثِرُ عَلَيْنَا، هَلُمّ إلَىّ قَالَ: وَأَقْبَلَ حَمْزَةُ فَاحْتَمَلَهُ حَتّى رَأَيْت بَرَقَانَ رِجْلَيْهِ، ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ، ثُمّ قَتَلَهُ. وَأَقْبَلَ نَحْوِى سَرِيعًا حَتّى يَعْتَرِضَ لَهُ جُرُفٌ فَيَقَعُ فِيهِ وَأَزْرُقُهُ بِمِزْرَاقِى فَيَقَعُ فِى ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْن رِجْلَيْهِ فَقَتَلْته، وَأَمُرّ بِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَأَعْطَتْنِى حُلِيّهَا وَثِيَابَهَا، وَأَمّا مُسَيْلِمَةُ، فَإِنّا دَخَلْنَا حَدِيقَةَ الْمَوْتِ فَلَمّا رَأَيْته زَرَقْته بِالْمِزْرَاقِ وَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ إلاّ أَنّى سَمِعْت امْرَأَةً تَصِيحُ فَوْقَ الدّيْرِ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْحَبَشِىّ، قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: فَقُلْت: أَتَعْرِفُنِى؟ قَالَ: فَأَكَرّ بَصَرَهُ عَلَىّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِىّ: وَلِعَاتِكَةِ بِنْتِ أَبِى الْعِيصِ، قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ مَا لِى بِك عَهْدٌ بَعْدَ أَنْ رَفَعْتُك إلَى أُمّك فِى مِحَفّتِهَا الّتِى تُرْضِعُك فِيهَا، وَنَظَرْت إلَى بَرَقَانِ قَدَمَيْك حَتّى كَأَنّ الآنَ. وَكَانَ فِى سَاقَىْ هِنْدٍ خَدَمَتَانِ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ، وَمَسَكَتَانِ مِنْ وَرِقٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ كُنّ فِى أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا، فَأَعْطَتْنِى ذَلِكَ. وَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَقُولُ: رُفِعْنَا فِى الآطَامِ وَمَعَنَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَحْنُ فِى فَارِعٍ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ الْيَهُودِ يَرْمُونَ الأُطُمَ فَقُلْت: عِنْدَك يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ، فَقَالَ: لا وَاَللّهِ مَا أَسْتَطِيعُ مَا يَمْنَعُنِى أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى أُحُدٍ وَيَصْعَدُ يَهُودِىّ إلَى الأُطُمِ، فَقُلْت: شُدّ عَلَى يَدِى السّيْفَ، ثُمّ بَرِئَتْ فَفَعَلَ، قَالَتْ: فَضَرَبْت عُنُقَهُ، ثُمّ رَمَيْت بِرَأْسِهِ إلَيْهِمْ، فَلَمّا رَأَوْهُ انْكَشَفُوا، قَالَتْ: وَإِنّى فِى فَارِعٍ أَوّلَ النّهَارِ مُشْرِفَةٌ عَلَى الأُطُمِ فَرَأَيْت الْمِزْرَاقَ يُزْرَقُ بِهِ، فَقُلْت: أَوَمِنْ سِلاحِهِمْ الْمَزَارِيقُ؟ أَفَلا أَرَاهُ هَوَى إلَى أَخِى وَلا أَشْعُرُ. قَالَتْ: ثُمّ خَرَجْت آخِرَ النّهَارِ حَتّى جِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷، وَكَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ: كُنْت أَعْرِفُ انْكِشَافَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَنَا عَلَى الأُطُمِ يَرْجِعُ حَسّانٌ إلَى أَقْصَى الأُطُمِ فَإِذَا رَأَى الدّوْلَةَ لأَصْحَابِ النّبِىّ ÷ أَقْبَلَ حَتّى يَقِفَ عَلَى جِدَارِ الأُطُمِ. قَالَتْ: وَلَقَدْ خَرَجْت وَالسّيْفُ فِى يَدِى، حَتّى إذَا كُنْت فِى بَنِى حَارِثَةَ أَدْرَكْت نِسْوَةً مِنْ الأَنْصَارِ وَأُمّ أَيْمَنَ مَعَهُنّ فَكَانَ الْجَمْزُ مِنّا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ أَوْزَاعٌ فَأَوّلُ مَنْ لَقِيت عَلِىّ ابْنُ أَخِى، فَقَالَ: ارْجِعِى يَا عَمّةِ، فَإِنّ فِى النّاسِ تَكَشّفًا، فَقُلْت: رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ بِحَمْدِ اللّهِ، قُلْت: اُدْلُلْنِى عَلَيْهِ حَتّى أَرَاهُ. فَأَشَارَ لِى إلَيْهِ إشَارَةً خَفِيّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَانْتَهَيْت إلَيْهِ وَبِهِ الْجِرَاحَةُ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “مَا فَعَلَ عَمّى؟ مَا فَعَلَ عَمّى حَمْزَةُ”؟ فَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، فَأَبْطَأَ فَخَرَجَ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: يَا رَبّ إنّ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّهْ قَـدْ ضَــــلّ فِى مَهَامِـــهٍ مُهِمّــهْ كَانَ رَفِيقًا وَبِنَا ذَا ذِمّهْ يَلْتَمِـــسُ الْجَنّـــةَ فِيمـَــا تَمّــهْ قَالَ الْوَاقِدِىّ: سَمِعْتهَا مِنْ الأَصْبَغِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَنَا غُلامٌ وَكَانَ بِسِنّ أَبِى الزّنَادِ - حَتّى انْتَهَى إلَى الْحَارِثِ وَوَجَدَ حَمْزَةَ مَقْتُولاً، فَأَخْبَرَ النّبِىّ ÷ فَخَرَجَ النّبِىّ ÷ يَمْشِى حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا وَقَفْت مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَىّ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ فَطَلَعَتْ صَفِيّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا زُبَيْرُ أَغْنِ عَنّى أُمّك”، وَحَمْزَةُ يُحْفَرُ لَهُ، فَقَالَ: يَا أُمّهُ إنّ فِى النّاسِ تَكَشّفًا فَارْجِعِى. فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِفَاعِلَةٍ حَتّى أَرَى رَسُولَ اللّهِ ÷، فَلَمّا رَأَتْ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْنَ ابْنَ أُمّى حَمْزَةَ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هُوَ فِى النّاسِ”، قَالَتْ: لا أَرْجِعُ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ، قَالَ الزّبَيْرُ: فَجَعَلْت أَطِدُهَا إلَى الأَرْضِ حَتّى دُفِنَ حَمْزَةُ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَوْلا أَنْ يُحْزِنَ ذَلِكَ نِسَاءَنَا، لَتَرَكْنَاهُ لِلْعَافِيَةِ – يَعْنِى السّبَاعَ وَالطّيْرَ – حَتّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ”. وَنَظَرَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ إلَى حَمْزَةَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يَهُدّ النّاسَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَسْرَعَ فِى قَوْمِهِ – وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِرِيشَةِ نِسْرٍ، وَيُقَالُ: لَمّا أُصِيبَ حَمْزَةُ جَاءَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَطْلُبُهُ فَحَالَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ الأَنْصَارُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دَعُوهَا” فَجَلَسَتْ عِنْدَهُ فَجَعَلَتْ إذَا بَكَتْ بَكَى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَإِذَا نَشَجَتْ يَنْشِجُ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النّبِىّ ÷ تَبْكِى، وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إذَا بَكَتْ بَكَى، وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا” ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَبْشِرَا أَتَانِى جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِى أَنّ حَمْزَةَ مَكْتُوبٌ فِى أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ – حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ”. قَالَ: وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مَثْلاً شَدِيدًا فَأَحْزَنَهُ ذَلِكَ الْمَثْلُ ثُمّ قَالَ: “لَئِنْ ظَفِرْت بِقُرَيْشٍ لأُمَثّلَن بِثَلاثِينَ مِنْهُمْ”، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ×وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ%. فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَمْ يُمَثّلْ بِأَحَدٍ. وَجَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ مِنْ قُرَيْشٍ، لِمَا رَأَى مِنْ غَمّ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى قَتْلِ حَمْزَةَ وَمَا مُثّلَ بِهِ كُلّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَيْهِ النّبِىّ ÷ أَنْ اجْلِسْ ثَلاثًا - وَكَانَ قَائِمًا - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَحْتَسِبُك عِنْدَ اللّهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا أَبَا قَتَادَةَ، إنّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ مَنْ بَغَاهُمْ الْعَوَاثِرَ كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَعَسَى إنْ طَالَتْ بِك مُدّةٌ أَنْ تَحْقِرَ عَمَلَك مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفَعَالَك مَعَ فَعَالِهِمْ، لَوْلا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَخْبَرْتهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللّهِ”. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا غَضِبْت إلاّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ حِينَ نَالُوا مِنْهُ مَا نَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقْت، بِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا لِنَبِيّهِمْ”. وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَؤُلاءِ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ تَرَى، وَقَدْ سَأَلْت اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَرَسُولَهُ فَقُلْت: اللّهُمّ إنّى أُقْسِمُ عَلَيْك أَنْ نَلْقَى الْعَدُوّ غَدًا فَيَقْتُلُونَنِى وَيَبْقُرُونَنِى وَيُمَثّلُونَ بِى، فَأَلْقَاك مَقْتُولاً قَدْ صُنِعَ هَذَا بِى، فَتَقُول: فِيمَ صُنِعَ بِك هَذَا؟ فَأَقُول: فِيك وَأَنَا أَسْأَلُك أُخْرَى أَنْ تَلِى تَرِكَتِى مِنْ بَعْدِى. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ، وَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَمُثّلَ بِهِ كُلّ الْمَثْلِ، وَدُفِنَ وَدُفِنَ هُوَ وَحَمْزَةُ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَوَلِىَ تَرِكَتَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَاشْتَرَى لأُمّهِ مَالاً بِخَيْبَرَ. وَأَقْبَلَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِىَ أُخْتُهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا حَمْنُ احْتَسِبِى” قَالَتْ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “خَالُك حَمْزَةُ”، قَالَتْ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ هَنِيئًا لَهُ الشّهَادَةَ، ثُمّ قَالَ لَهَا: “احْتَسِبِى”، قَالَتْ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “أَخُوك”، قَالَتْ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةَ، ثُمّ قَالَ لَهَا: “احْتَسِبِى”، قَالَتْ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ”، قَالَتْ: وَاحُزْنَاه، وَيُقَالُ: إنّهَا قَالَتْ: وَاعَقْرَاه، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ لِلزّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَكَانًا مَا هُوَ لأَحَدٍ”، ثُمّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷: “لِمَ قُلْت هَذَا”؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ ذَكَرْت يُتْمَ بَنِيهِ فَرَاعِنِى، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ لِوَلَدِهِ أَنْ يُحْسَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَلَفِ فَتَزَوّجَتْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمّدَ بْنَ طَلْحَةَ، وَكَانَ أَوْصَلَ النّاسِ لِوَلَدِهِ، وَكَانَتْ حَمْنَةُ خَرَجَتْ يَوْمَئِذٍ إلَى أُحُدٍ مَعَ النّسَاءِ يَسْقِينَ الْمَاءَ. وَخَرَجَتْ السّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ إحْدَى نِسَاءِ بَنِى دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ ابْنَاهَا مَعَ النّبِىّ ÷ بِأُحُدٍ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمّا نُعِيَا لَهَا قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷؟ قَالُوا: خَيْرًا، هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ صَالِحٌ عَلَى مَا تُحِبّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَأَشَارُوا لَهَا إلَيْهِ، فَقَالَتْ: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك يَا رَسُولَ اللّهِ جَلَلٌ، وَخَرَجَتْ تَسُوقُ بِابْنَيْهَا بَعِيرًا تَرُدّهُمَا إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهَا عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَتْ: أَمّا رَسُولُ اللّهِ بِحَمْدِ اللّهِ، فَبِخَيْرٍ لَمْ يَمُتْ وَاِتّخَذَ اللّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءَ، وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، قَالَتْ: مَنْ هَؤُلاءِ مَعَك؟ قَالَتْ: ابْنَاىَ… حَلْ حَلْ. وَقَالُوا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ يَأْتِينِى بِخَبَر ِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ”؟ فَإِنّى قَدْ رَأَيْته – وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْوَادِى – وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا، قَالَ: فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ – وَيُقَالُ: أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ – فَخَرَجَ نَحْوَ تِلْكَ النّاحِيَةِ، قَالَ: وَأَنَا وَسْطَ الْقَتْلَى أَتَعَرّفُهُمْ إذْ مَرَرْت بِهِ صَرِيعًا فِى الْوَادِى، فَنَادَيْته فَلَمْ يُجِبْ، ثُمّ قُلْت: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَرْسَلَنِى إلَيْك، فَتَنَفّسَ كَمَا يَتَنَفّسُ الْكِيرُ، ثُمّ قَالَ: وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ لَحَىّ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنّهُ شُرِعَ لَك اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا، قَالَ: طُعِنْت اثْنَتَىْ عَشْرَةَ طَعْنَةً كُلّهَا أَجَافَتْنِى؛ أَبْلِغْ قَوْمَك الأَنْصَارَ السّلامَ وَقُلْ لَهُمْ اللّهَ اللّهَ وَمَا عَاهَدْتُمْ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَاَللّهِ مَا لَكُمْ عُذْرٌ عِنْدَ اللّهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيّكُمْ، وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَلَمْ أَرِمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى مَاتَ، قَالَ: فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرْته. قَالَ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ: “اللّهُمّ الْقَ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ وَأَنْتَ عَنْهُ رَاضٍ”. قَالُوا: وَلَمّا صَاحَ إبْلِيسُ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، يُحْزِنُهُمْ بِذَلِكَ تَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ، وَجَعَلَ النّاسُ يَمُرّونَ عَلَى النّبِىّ ÷ لا يَلْوِى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَدْعُوهُمْ فِى أُخْرَاهُمْ حَتّى انْتَهَى مَنْ انْتَهَى مِنْهُمْ إلَى الْمِهْرَاسِ، وَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُرِيدُ أَصْحَابَهُ فِى الشّعْبِ. فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا صَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ كَانُوا فِئَتَهُ. وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَانُوا فِئَتَهُ فَانْتَهَى إلَى الشّعْبِ وَأَصْحَابُهُ فِى الْجَبَلِ أَوْزَاعٌ يَذْكُرُونَ مَقْتَل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَيَذْكُرُونَ مَا جَاءَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَهُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، قَالَ: فَجَعَلْت أَصِيحُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ حَيّا سَوِيّا وَأَنَا فِى الشّعْبِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُومِئُ إلَىّ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ أَنْ اُسْكُتْ، ثُمّ دَعَا بِلأْمَتِى - وَكَانَتْ صَفْرَاءَ أَوْ بَعْضَهَا - فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَنَزَعَ لأْمَتَهُ. قَالَ: وَطَلَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى الشّعْبِ بَيْنَ السّعْدَيْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، يَتَكَفّأُ فِى الدّرْعِ وَكَانَ إذَا مَشَى تَكَفّأَ تَكَفّؤًا ÷ - وَيُقَالُ: إنّهُ كَانَ يَتَوَكّأُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ جُرِحَ يَوْمَئِذٍ، فَمَا صَلّى الظّهْرَ إلاّ جَالِسًا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ بِى قُوّةً فَحَمَلَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى الصّخْرَةِ عَلَى طَرِيقِ أُحُدٍ - مَنْ أَرَادَ شِعْبَ الْجَزّارِينَ - لَمْ يَعْدُهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى غَيْرِهَا؛ ثُمّ حَمَلَهُ طَلْحَةُ حَتّى ارْتَفَعَ عَلَيْهَا، ثُمّ مَضَى إلَى أَصْحَابِهِ، وَمَعَهُ النّفَرُ الّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ، فَلَمّا نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ مَعَهُ جَعَلُوا يُوَلّونَ فِى الشّعْبِ، ظَنّوا أَنّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، حَتّى جَعَلَ أَبُو دُجَانَةَ يُلِيحُ إلَيْهِمْ بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى رَأْسِهِ فَعَرَفُوهُ فَرَجَعُوا، أَوْ بَعْضُهُمْ. وَيُقَالُ: إنّهُ لَمّا طَلَعَ فِى النّفَرِ الّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ الأَرْبَعَةَ عَشَرَ - سَبْعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ - وَجَعَلُوا يُوَلّونَ فِى الْجَبَلِ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَتَبَسّمُ إلَى أَبِى بَكْرٍ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: “أَلِحْ إلَيْهِمْ”، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُلِيحُ وَلا يَرْجِعُونَ حَتّى نَزَعَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةً حَمْرَاءَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ يَصِيحُ وَيُلِيحُ فَوَقَفُوا، حَتّى تَلاحَقَ الْمُسْلِمُونَ، وَلَقَدْ وَضَعَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِىَ بِهِ الْقَوْمَ فَلَمّا تَكَلّمُوا وَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَكَأَنّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ مُصِيبَةٌ حِينَ أَبْصَرُوا رَسُولَ اللّهِ ÷. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ عَرَضَ الشّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَخْزِيَتِهِ لَهُمْ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوّهُمْ قَدْ انْفَرَجُوا عَنْهُمْ، قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: إنّى إلَى جَنْبِ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىّ وَهُوَ يَذْكُرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ قَوْمِهِ، وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَيُخْبَرُ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَهُوَ يَسْتَرْجِعُ وَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ يَسْأَلُ بَعْضًا عَنْ حَمِيمِهِ فَهُمْ يُخْبِرُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ رَدّ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ لِيَذْهَبَ بِالْحُزْنِ عَنْهُمْ فَإِذَا عَدُوّهُمْ فَوْقَهُمْ قَدْ عَلَوْا، وَإِذَا كَتَائِبُ الْمُشْرِكِينَ. فَنَسُوا مَا كَانُوا يَذْكُرُونَ وَنَدَبَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَحَضّنَا عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى فُلانٍ وَفُلانٍ فِى عُرْضِ الْجَبَلِ يَعْدُونَ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ قُتِلَ مُحَمّدٌ، أَقْبَلْت أَرْقَى فِى الْجَبَلِ كَأَنّى أُرْوِيّةٌ فَانْتَهَيْت إلَى النّبِىّ ÷ وَهُوَ يَقُولُ: ×وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ%.. الآيَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ فِى سَفْحِ الْجَبَلِ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُوَنَا” فَانْكَشَفُوا. قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ: لَقَدْ رَأَيْتنَا قَبْلَ أَنْ يُلْقَى عَلَيْنَا النّعَاسُ وَإِنّا لَسِلْمٌ لِمَنْ أَرَادَنَا، لِمَا بِنَا مِنْ الْحُزْنِ فَأُلْقِىَ عَلَيْنَا النّعَاسُ فَنِمْنَا حَتّى تَنَاطَحَ الْحَجَفُ وَفَزِعْنَا وَكَأَنّا لَمْ يُصِبْنَا قَبْلَ ذَلِكَ نَكْبَةٌ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ: غَشِيَنَا النّعَاسُ حَتّى كَانَ حَجَفُ الْقَوْمِ تَنَاطَحَ. وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ: غَشِيَنَا النّعَاسُ فَمَا مِنّا رَجُلٌ إلاّ وَذَقَنُهُ فِى صَدْرِهِ مِنْ النّوْمِ فَأَسْمَعُ مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ يَقُولُ - وَإِنّى لَكَالْحَالِمِ -: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ: ×لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا%. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: لَقَدْ رَأَيْتنِى يَوْمَئِذٍ فِى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِى إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَقَدْ أَصَابَنَا النّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلاّ يَغُطّ غَطِيطًا حَتّى إنّ الْحَجَفَ لَتَنَاطَحَ، وَلَقَدْ رَأَيْت سَيْفَ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ، وَمَا يَشْعُرُ بِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا تَثَلّمَ، وَإِنّ الْمُشْرِكِينَ لَتَحْتنَا، وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أُلْقِىَ عَلَيْنَا النّعَاسُ، فَكُنْت أَنْعَسُ حَتّى سَقَطَ سَيْفِى مِنْ يَدِى، وَكَانَ النّعَاسُ لَمْ يُصِبْ أَهْلَ النّفَاقِ وَالشّكّ يَوْمَئِذٍ، فَكُلّ مُنَافِقٍ يَتَكَلّمُ بِمَا فِى نَفْسِهِ، وَإِنّمَا أَصَابَ النّعَاسُ أَهْلَ الْيَقِينِ وَالإِيمَانِ. وَقَالُوا: لَمّا تَحَاجَزُوا أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ الانْصِرَافَ، وَأَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ حَوّاءُ أُنْثَى، فَأَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ فِى عُرْضِ الْجَبَلِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: اُعْلُ هُبَلُ، ثُمّ يَصِيحُ أَيْنَ ابْنُ أَبِى كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطّابِ؟ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أَلا إنّ الأَيّامَ دُوَلٌ، وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، وَحَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُجِيبُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلَى”، فَأَجِبْهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اُعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ عُمَرُ: “اللّهُ أَعْلَى وَأَجَلّ”، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّهَا قَدْ أَنْعَمَتْ فَعَالِ عَنْهَا، ثُمّ قَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِى كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطّابِ؟. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَسُولُ اللّهِ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمُ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أَلا إنّ الأَيّامَ دُوَلٌ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ. فَقَالَ عُمَرُ: لا سَوَاءَ قَتْلانَا فِى الْجَنّةِ، وَقَتْلاكُمْ فِى النّارِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّكُمْ لَتَقُولُونَ ذَلِكَ لَقَدْ خِبْنَا إذَنْ وَخَسِرْنَا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزّى، وَلا عُزّى لَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: اللّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّهَا قَدْ أَنْعَمَتْ يَا ابْنَ الْخَطّابِ فَعَالِ عَنْهَا، ثُمّ قَالَ: قُمْ إلَىّ يَا ابْنَ الْخَطّابِ أُكَلّمْك، فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْشُدُك بِدِينِك، هَلْ قَتَلْنَا مُحَمّدًا؟ قَالَ عُمَرُ: اللّهُمّ لا، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلامَك الآنَ، قَالَ: أَنْتَ عِنْدِى أَصْدَقُ مِنْ ابْنِ قَمِيئَةَ – وَكَانَ ابْنُ قَمِيئَةَ أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَتَلَ النّبِىّ ÷، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ: إنّكُمْ وَاجِدُونَ فِى قَتْلاكُمْ عَيْثًا وَمَثْلاً، أَلا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْىِ سَرَاتِنَا، ثُمّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيّةُ الْجَاهِلِيّةِ، فَقَالَ: أَمّا إذْ كَانَ ذَلِكَ فَلَمْ نَكْرَهْهُ، ثُمّ نَادَى: أَلا إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، فَوَقَفَ عُمَرُ وَقْفَةً يَنْتَظِرُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قُلْ نَعَمْ”. فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، ثُمّ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى أَصْحَابِهِ وَأَخَذُوا فِى الرّحِيلِ، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَالْمُسْلِمُونَ فَاشْتَدّتْ شَفَقَتُهُمْ مِنْ أَنْ يُغِيرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَتَهْلِكَ الذّرَارِىّ وَالنّسَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ: “ائْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ إنْ رَكِبُوا الإِبِلَ وَجَنّبُوا الْخَيْلَ فَهُوَ الظّعْنُ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَجَنّبُوا الإِبِلَ فَهِىَ الْغَارَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَئِنْ سَارُوا إلَيْهَا لأَسِيرَن إلَيْهِمْ ثُمّ لأُنَاجِزَنهُمْ”. قَالَ سَعْدٌ: فَوَجّهْت أَسْعَى، وَأَرْصَدْتُ فِى نَفْسِى إنْ أَفْزَعَنِى شَىْءٌ رَجَعَتْ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَنَا أَسْعَى، فَبَدَأْت بِالسّعْىِ حِينَ ابْتَدَأْت، فَخَرَجْت فِى آثَارِهِمْ حَتّى إذَا كَانُوا بِالْعَقِيقِ، وَكُنْت حَيْثُ أَرَاهُمْ وَأَتَأَمّلُهُمْ، فَإِذَا هُمْ قَدْ رَكِبُوا الإِبِل وَجَنّبُوا الْخَيْلَ، فَقُلْت: إنّهُ الظّعْنُ إلَى بِلادِهِمْ، فَوَقَفُوا وَقْفَةً بِالْعَقِيقِ وَتَشَاوَرُوا فِى دُخُولِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: قَدْ أَصَبْتُمْ الْقَوْمَ فَانْصَرِفُوا فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ وَأَنْتُمْ كَالّونَ وَلَكُمْ الظّفَرُ، فَإِنّكُمْ لا تَدْرُونَ مَا يَغْشَاكُمْ، قَدْ وَلّيْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَاَللّهِ مَا تَبِعُوكُمْ وَالظّفَرُ لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَهَاهُمْ صَفْوَانُ”. فَلَمّا رَآهُمْ سَعْدٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مُنْطَلِقِينَ قَدْ دَخَلُوا فِى الْمُكَيْمِنِ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ كَالْمُنْكَسِرِ، فَقَالَ: وَجّهَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَكّةَ، امْتَطَوْا الإِبِلَ، وَجَنّبُوا الْخَيْلَ، فَقَالَ: “مَا تَقُولُ”؟ فَقُلْت ذَلِكَ، ثُمّ خَلا بِى، فَقَالَ: “حَقّا مَا تَقُولُ”؟ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: “مَا لِى رَأَيْتُك مُنْكَسِرًا”؟ قَالَ: فَقُلْت: كَرِهْت أَنْ آتِىَ الْمُسْلِمِينَ فَرِحًا بِقُفُولِهِمْ إلَى بِلادِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ سَعْدًا لَمُجَرّبٌ”، وَيُقَالُ: إنّ سَعْدًا لَمّا رَجَعَ جَعَلَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِأَنْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الإِبِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُشِيرُ إلَى سَعْدٍ أَنْ اخْفِضْ صَوْتَك، قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ” فَلا تُرِى النّاسَ مِثْلَ هَذَا الْفَرَحَ بِانْصِرَافِهِمْ فَإِنّمَا رَدّهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ رَأَيْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ فَأَخْبِرْنِى فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَك، وَلا تَفُتّ أَعْضَادَ الْمُسْلِمِينَ”. فَذَهَبَ فَرَآهُمْ قَدْ امْتَطَوْا الإِبِلَ فَرَجَعَ فَمَا مَلَكَ أَنْ جَعَلَ يَصِيحُ سُرُورًا بِانْصِرَافِهِمْ. فَلَمّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ لَمْ يَصِلْ إلَى بَيْتِهِ حَتّى أَتَى هُبَلَ، فَقَالَ: قَدْ أَنْعَمَتْ وَنَصَرْتنِى وَشَفَيْت نَفْسِى مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَقِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: كَيْفَ كَانَ افْتِرَاقُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ إلَى ذَلِكَ؟ قَدْ جَاءَ اللّهُ بِالإِسْلامِ وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، ثُمّ قَالَ: لَمّا كَرَرْنَا عَلَيْهِمْ أَصَبْنَا مَنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ، وَتَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ، وَفَاءَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعْدُ فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: لَنَا الْغَلَبَةُ فَلَوْ انْصَرَفْنَا، فَإِنّهُ بَلَغَنَا أَنّ ابْنَ أُبَىّ انْصَرَفَ بِثُلُثِ النّاسِ، وَقَدْ تَخَلّفَ نَاسٌ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَلا نَأْمَنُ أَنْ يَكُرّوا عَلَيْنَا وَفِينَا جِرَاحٌ وَخَيْلُنَا عَامّتُهَا قَدْ عُقِرَتْ مِنْ النّبْلِ. فَمَضَوْا، فَمَا بَلَغْنَا الرّوْحَاءَ حَتّى قَامَ عَلَيْنَا عِدّةٌ مِنْهَا، وَمَضَيْنَا.

  • * *

ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: قُتِلَ مِنْ الأَنْصَارِ بِأُحُدٍ سَبْعُونَ. وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ مِثْلَهُ. وَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَائِرُهُمْ مِنْ الأَنْصَارِ - الْمُزَنِىّ، وَابْنُ أَخِيهِ وَابْنَا الْهَبِيتِ - أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ هَذَا الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ. وَمِنْ بَنِى هَاشِمٍ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قَتَلَهُ وَحْشِىّ، هَذَا الأَصَحّ لا اخْتِلافَ فِيهِ عِنْدَنَا. وَمِنْ بَنِى أُمَيّةَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وَيُقَالُ: خَمْسَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ - مِنْ بَنِى أَسَدٍ: سَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ، وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ: شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ، قَتَلَهُ أُبَىّ بْنُ خَلَفٍ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ أَصَابَهُ جُرْحٌ بِأُحُدٍ، فَلَمْ يَزَلْ جَرِيحًا حَتّى مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَغُسِلَ بِبَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ بَيْنَ قَرْنَىْ الْبِئْرِ الّتِى صَارَتْ لِعَبْدِ الصّمَدِ بْنِ عَلِىّ الْيَوْمَ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِيئَةَ. وَمِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ عَبْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنَا الْهَبِيتِ. وَمِنْ مُزَيْنَةَ رَجُلانِ: وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ قَابُوسٍ. وَمِنْ الأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً: عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعِمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ؛ وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَتَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ حَرْبٍ؛ وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ؛ وَرِفَاعَةُ ابْنُ وَقْشٍ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؛ وَالْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً، وَيُقَالُ: عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ خَطَأً وَصَيْفِىّ بْنُ قَيْظِىّ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ، وَالْحَبَابُ بْنُ قَيْظِىّ وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ، قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ. وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجَ، وَهُمْ إلَى عَبْدِ الأَشْهَلِ: إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَمِ ابْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمٍ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ؛ وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ، قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ؛ وَحَبِيبُ بْنُ قِيَمٍ. وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ مِنْ بَنِى ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ابْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَهُوَ أَبُو الْبَنَاتِ الّذِى قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷: أُقَاتِلُ ثُمّ أَرْجِعُ إلَى بَنَاتِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقَ اللّهُ عَزّ وَجَل”. وَمِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ، قَتَلَهُ الأَسْوَدُ بْنُ شَعُوبٍ. وَمِنْ بَنِى عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ: أَنِيسُ بْنُ قَتَادَةَ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ ابْنُ شَرِيقٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ أَمِيرُ النّبِىّ ÷ عَلَى الرّمَاةِ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ. وَمِنْ بَنِى غَنْمِ بْنِ السّلَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: خَيْثُمَةُ أَبُو سَعْدٍ قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ. وَمِنْ بَنِى الْعَجْلانِ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ، قَتَلَهُ ابْنُ الزّبَعْرَى. وَمِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ: سَبِيقُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هَيْشَةَ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ - ثَمَانِيَةٌ. وَمِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيّةَ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ دُفِنَا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. وَأَوْسُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ - أَرْبَعَةٌ. وَمِنْ بَنِى الأَبْجَرِ، وَهُمْ بَنُو خَدِرَةَ: مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ الأَبْجَرِ وَهُوَ أَبُو أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَتَلَهُ غُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ، وَسَعْدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمّارِ بْنِ الأَبْجَرِ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى سَاعِدَةَ: ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُمَيْلَةَ، وَحَارِثَةُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَنَفْثُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِىّ – ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى طَرِيفٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ؛ وَقَيْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَطَرِيفٌ، وَضَمْرَةُ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ. وَمِنْ بَنِى عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، مِنْ بَنِى سَالِمٍ ثُمّ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ الْعَجْلانِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ، وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنُ نَضْلَةَ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ السّلَمِىّ؛ وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْنِ غَنْمٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ؛ وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ دُفِنَا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. وَمُجَذّرُ ابْنُ ذِيَادٍ قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غِيلَةً. حَدّثَنِى الْيَمَانُ بْنُ مَعَنٍ، عَنْ أَبِى وَجْزَةَ، قَالَ: دُفِنَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَوْمَ أُحُدٍ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ - نُعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ، وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ. وَكَانَتْ قِصّةُ مُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ أَنّ حُضَيْرَ الْكَتَائِبِ جَاءَ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَكَلّمَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ – وَيُقَالُ: سَهْلُ ابْنُ حُنَيْفٍ – فَقَالَ: تَزُورُونِى فَأَسْقِيكُمْ مِنْ الشّرَابِ وَأَنْحَرُ لَكُمْ وَتُقِيمُونَ عِنْدِى أَيّامًا. قَالُوا: نَحْنُ نَأْتِيك يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَاءُوهُ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا وَسَقَاهُمْ الْخَمْرَ، وَأَقَامُوا عِنْدَهُ ثَلاثَةَ أَيّامٍ حَتّى تَغَيّرَ اللّحْمُ، وَكَانَ سُوَيْدٌ يَوْمئِذٍ شَيْخًا كَبِيرًا، فَلَمّا مَضَتْ الثّلاثَةُ الأَيّامِ قَالُوا: مَا نُرَانَا إلاّ رَاجِعِينَ إلَى أَهْلِنَا. فَقَالَ حُضَيْرٌ: مَا أَحْبَبْتُمْ إنْ أَحْبَبْتُمْ فَأَقِيمُوا، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ فَانْصَرِفُوا، فَخَرَجَ الْفِتْيَانُ بِسُوَيْدٍ يَحْمِلانِهِ حَمْلاً مِنْ الثّمْلِ فَمَرّوا لاصِقَيْنِ بِالْحَرّةِ حَتّى كَانُوا قَرِيبًا مِنْ بَنِى غُصَيْنَةَ - وَهِىَ وِجَاهَ بَنِى سَالِمٍ إلَى مَطْلَعِ الشّمْسِ. فَجَلَسَ سُوَيْدٌ وَهُوَ يَبُولُ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ سُكْرًا؛ فَبَصُرَ بِهِ إنْسَانٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَخَرَجَ حَتّى أَتَى الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ فَقَالَ: هَلْ لَك فِى الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ؟ قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ سُوَيْدٌ: أَعَزْلُ لا سِلاحَ مَعَهُ ثَمِلٌ، قَالَ: فَخَرَجَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ بِالسّيْفِ صَلْتًا، فَلَمّا رَآهُ الْفَتَيَانِ وَلّيَا؛ وَهُمَا أَعَزَلانِ لا سِلاحَ مَعَهُمَا - وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فَانْصَرَفَا سَرِيعَيْنِ، وَثَبَتَ الشّيْخُ وَلا حَرَاكَ بِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فَقَالَ: قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْك فَقَالَ: مَا تُرِيدُ بِى؟ قَالَ: قَتْلَك، قَالَ: فَارْفَعْ عَنْ الطّعَامِ وَاخَفْضِ عَنْ الدّمَاغِ، وَإِذَا رَجَعْت إلَى أُمّك فَقُلْ: إنّى قَتَلْت سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ، وَكَانَ قَتْلُهُ هَيّجَ وَقْعَةَ بُعَاثَ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ، وَمُجَذّرُ ابْنُ ذِيَادٍ، فَشَهِدَا بَدْرًا فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَطْلُبُ مُجَذّرًا لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، فَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَتَاهُ الْحَارِثُ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمّ خَرَجَ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَلَمّا رَجَعَ مِنْ حَمْرَاءِ الأَسَدِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ، فَأَخْبَرَهُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَتَلَ مُجَذّرًا غِيلَةً، وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ. فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى قُبَاءٍ فِى الْيَوْمِ الّذِى أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ فِى يَوْمٍ حَارّ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا لا يَرْكَبُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى قُبَاءٍ؛ إنّمَا كَانَتْ الأَيّامُ الّتِى يَأْتِى فِيهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ قُبَاءَ يَوْمَ السّبْتِ وَيَوْمَ الاثْنَيْنِ. فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَسْجِدَ قُبَاءٍ صَلّى فِيهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُصَلّىَ وَسَمِعَتْ الأَنْصَارُ فَجَاءَتْ تُسَلّمُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرُوا إتْيَانَهُ فِى تَلِك السّاعَةِ، وَفِى ذَلِكَ الْيَوْمِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَتَحَدّثُ وَيَتَصَفّحُ النّاسَ، حَتّى طَلَعَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ فِى مِلْحَفَةٍ مُوَرّسَةٍ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ دَعَا عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ، فَقَالَ لَهُ: “قَدِمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ بِمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ فَإِنّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ”. فَأَخَذَهُ عُوَيْمٌ، فَقَالَ الْحَارِثُ: دَعْنِى أُكَلّمْ رَسُولَ اللّهِ، فَأَبَى عُوَيْمٌ عَلَيْهِ فَجَابَذَهُ يُرِيدُ كَلامَ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ وَدَعَا بِحِمَارِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَقُولُ: قَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ، وَاَللّهِ مَا كَانَ قَتْلِى إيّاهُ رُجُوعًا عَنْ الإِسْلامِ، وَلا ارْتِيَابًا فِيهِ، وَلَكِنّهُ حَمِيّةَ الشّيْطَانِ، وَأَمْرٌ وُكِلْت فِيهِ إلَى نَفْسِى، وَإِنّى أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمّا عَمِلْت، وَأُخْرِجُ دِيَتَهُ وَأَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَأُعْتِقُ رِقْبَةً وَأُطْعِمُ سِتّينَ مِسْكِينًا؛ إنّى أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ، وَجَعَلَ يُمْسِكُ بِرِكَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَبَنُو الْمُجَذّرِ حُضُورٌ لا يَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ شَيْئًا، حَتّى إذَا اسْتَوْعَبَ كَلامَهُ، قَالَ: “قَدّمْهُ يَا عُوَيْمُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ”، وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَقَدِمَهُ عُوَيْمُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَيُقَالُ: إنّ خُبَيْبَ بْنَ يِسَافٍ نَظَرَ إلَيْهِ حَيْنَ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَجَاءَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ يَفْحَصُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى حِمَارِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَخَبّرَهُ بِذَلِكَ فِى مَسِيرِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُوَيْمًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا حَارِ فِى سِنَةٍ مِنْ نَوْمِ أَوّلِكُـــمْ أَمْ كُنْت وَيْلَك مُغْتَرّا بِجِبْرِيـــــلَ وَأَنْشَدَنِى مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ وَأَشْيَاخُهُمْ أَنّ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ قَالَ عِنْدَ مَقْتَلِهِ هَذِهِ الأَبْيَاتَ أَبْلِغْ جُلاسًا وَعَبْدَ اللّهِ مَأْلُكَةً اُقْتُلْ جِدَارَةَ إمّا كُنْـــت لاقِيَهَــــا وَإِنْ كَبِرَتْ فَلا تَخْذُلْهُمَا حَارِ وَالْحَىّ عَوْفًا عَلَى عُرْفٍ وَإِنْكَـــارِ وَمِنْ بَنِى سَلِمَةَ: عَنْتَرَةُ مَوْلَى بَنِى سَلِمَةَ قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ. وَمِنْ بَلْحُبْلَى: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو. وَمِنْ بَنِى حَرَامٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ؛ وَخَلاّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، قَتَلَهُ الأَسْوَدُ بْنُ جَعُونَةَ - ثَلاثَةٌ. وَمِنْ بَنِى حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ: الْمُعَلّى بْنُ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ رُسْتُمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ. وَمِنْ بَنِى زُرَيْقٍ: ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ ابْنِ شَرِيقٍ. وَمِنْ بَنِى النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِى سَوَادٍ: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ؛ وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَسَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدٍ. وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ: أَبُو أُسَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ مَالِكٍ قَتَلَهُ خَالِدُ ابْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ مُطَرّفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، وَهُمْ بَنُو مُغَالَةَ: أَوْسُ بْنُ حَرَامٍ. وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ النّجّارِ: أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ. وَمِنْ بَنِى مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ مُخَلّدٍ وَكَيْسَانُ مَوْلاهُمْ وَيُقَالُ عَبْدٌ لَهُمْ لَمْ يَعْتِقْ. وَمِنْ بَنِى دِينَارٍ: سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمَا ابْنَا السّمَيْرَاءِ بِنْتِ قَيْسٍ. اُسْتُشْهِدَ مِنْ بَنِى النّجّارِ اثْنَا عَشَرَ.

  • * *

تَسْمِيَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِى أَسَدٍ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ: طَلْحَةُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ يَحْمِلُ لِوَاءَهُمْ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ؛ وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَكِلابُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ الزّبَيْرُ ابْنُ الْعَوّامِ وَالْجُلاسُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ؛ وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَقَاسِطُ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ عُثْمَانَ - ثُمّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ - فَيُقَالُ قَتَلَهُ قُزْمَانُ؛ وَأَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَهُ قُزْمَانُ. وَمِنْ بَنِى زُهْرَةَ: أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْخُزَاعِىّ وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزّى عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبّاسِ بْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ ابْنُ أُمّ أَنْمَارٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ: هِشَامُ بْنُ أَبِى أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ؛ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِى حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَخَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ الْعُقَيْلِىّ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ. حَدّثْنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْبَلَ قُزْمَانُ يَشُدّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَلَقّاهُ خَالِدُ بْنُ الأَعْلَمِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاجِلٌ فَاضْطَرَبَا بِأَسْيَافِهِمَا. فَيَمُرّ بِهِمَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَحَمَلَ الرّمْحَ عَلَى قُزْمَانَ، فَسَلَكَ الرّمْحُ فِى غَيْرِ مَقْتَلٍ شَطَبَ الرّمْحَ وَمَضَى خَالِدٌ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ. فَضَرَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَطَعَنَهُ أُخْرَى فَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَالا يَتَجَاوَلانِ حَتّى قَتَلَ قُزْمَانُ خَالِدَ بْنَ الأَعْلَمِ وَمَاتَ قُزْمَانُ مِنْ جِرَاحَةٍ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ. وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ - خَمْسَةٌ. وَمِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ: عُبَيْدُ بْنُ حَاجِزٍ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ. وَمِنْ بَنِى جُمَحٍ: أَبَىّ بْنُ خَلَفٍ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِيَدِهِ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ وَهُوَ أَبُو عَزّةَ أَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَسِيرًا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَأْخُذْ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ أَسِيرًا غَيْرَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، مُنّ عَلَىّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الْمُؤْمِنَ لا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ وَلا تَرْجِعْ إلَى مَكّةَ تَمْسَحْ عَارِضَيْك تَقُولُ: سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ، ثُمّ أَمَرَ بِهِ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ”. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِىّ: وَسَمِعْنَا فِى أَسْرِهِ غَيْرَ ذَلِكَ. حَدّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: لَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ نَزَلُوا بِحَمْرَاءِ الأَسَدِ فِى أَوّلِ اللّيْلِ سَاعَةً، ثُمّ رَحَلُوا وَتَرَكُوا أَبَا عَزّةَ نَائِمًا مَكَانَهُ حَتّى ارْتَفَعَ النّهَارُ وَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مُسْتَنْبِهٌ يَتَلَدّدُ وَكَانَ الّذِى أَخَذَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَمَرَهُ النّبِىّ ÷ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ َمنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ: خَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ، وَأَبُو الشّعْثَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ، وَأَبُو الْحَمْرَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ، وَغُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ. قَالُوا: فَلَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَاتِهِمْ، فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فِيمَنْ أُتِىَ بِهِ إلَى النّبِىّ ÷ أَوّلاً؛ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ: “رَأَيْت الْمَلائِكَةَ تُغَسّلُهُ”، لأَنّ حَمْزَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ جُنُبًا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُغَسّلْ رَسُولُ اللّهِ ÷ الشّهَدَاءَ، وَقَالَ: “لُفّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ، فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُجْرَحُ فِى اللّهِ إلاّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِجُرْحِهِ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ضَعُوهُمْ أَنَا الشّهِيدُ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَة”، فَكَانَ حَمْزَةُ أَوّلَ مَنْ كَبّرَ عَلَيْهِ ÷ أَرْبَعًا. ثُمّ جَمَعَ إلَيْهِ الشّهَدَاءَ، فَكَانَ كُلّمَا أُتِىَ بِشَهِيدٍ وَضَعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَصَلّى عَلَيْهِ وَعَلَى الشّهَدَاءِ، حَتّى صَلّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ مَرّةً لأَنّ الشّهَدَاءَ سَبْعُونَ. وَيُقَالُ: كَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلّى عَلَيْهِمْ ثُمّ يَرْفَعُ التّسْعَةَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ وَيُؤْتَى بِتِسْعَةٍ آخَرِينَ فَيُوضَعُونَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَيُصَلّى عَلَيْهِمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ. وَيُقَالُ: كَبّرَ عَلَيْهِمْ تِسْعًا وَسَبْعًا وَخَمْسًا. وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَابْنُ عَبّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، يَقُولُونَ: صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنَا عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدٌ”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسُوا إخْوَانَنَا؛ أَسْلَمُوا كَمَا أَسْلَمْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا؟ قَالَ: “بَلَى، وَلَكِنْ هَؤُلاءِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَلا أَدْرِى مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِى”، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إنّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك؟. وَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ النّبِىّ ÷ مِثْلَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ: “احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَحْسِنُوا، وَادْفِنُوا الاثْنَيْنِ وَالثّلاثَةَ فِى الْقَبْرِ وَقَدّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا” فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدّمُونَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فِى الْقَبْرِ. وَكَانَ مِمّنْ يُعْرَفُ أَنّهُ دُفِنَ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو ابْنُ الْجَمُوحِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. فَلَمّا وَارَوْا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبُرْدَةٍ تُمَدّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْقَبْرِ فَجَعَلَتْ الْبُرْدَةُ إذَا خَمّرُوا رَأْسَهُ بَدَتْ قَدَمَاهُ وَإِذَا خَمّرُوا رِجْلَيْهِ تَنْكَشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “غَطّوا وَجْهَهُ”، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلَ، فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ لا نَجِدُ لَهُ ثَوْبًا، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “تَفْتَتِحُ - يَعْنِى الأَرْيَافَ وَالأَمْصَارَ - فَيَخْرُجُ إلَيْهَا النّاسُ، ثُمّ يُبْعَثُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ إنّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَرْدِيّةٍ - الْجَرْدِيّةُ الّتِى لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الأَشْجَارِ - وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يَصْبِرُ وَاحِدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدّتِهَا، إلاّ كُنْت لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. قَالُوا: وَأَتَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ، فَقَالَ: حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إلاّ بُرْدَةٌ، وَكَانَا خَيْرًا مِنّى. وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ مَقْتُولٌ فِى بُرْدَةٍ، فَقَالَ: “لَقَدْ رَأَيْتُك بِمَكّةَ، وَمَا بِهَا أَحَدٌ أَرَقّ حُلّةً وَلا أَحْسَنَ لِمّةً مِنْك؛ ثُمّ أَنْتَ شَعِثُ الرّأْسِ فِى بُرْدَةٍ”، ثُمّ أَمَرَ بِهِ يُقْبَرُ، وَنَزَلَ فِى قَبْرِهِ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرْمَلَةَ. وَنَزَلَ فِى قَبْرِ حَمْزَةَ عَلِىّ، وَالزّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ جَالِسٌ عَلَى حُفْرَتِهِ، وَكَانَ النّاسُ أَوْ عَامّتُهُمْ قَدْ حَمَلُوا قَتَلاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَدُفِنَ بِبَقِيعِ الْجَبَلِ مِنْهُمْ عِدّةٌ عِنْدَ دَارِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْيَوْمَ بِالسّوقِ سُوقِ الظّهْرِ وَدُفِنَ بِبَنِى سَلِمَةَ بَعْضُهُمْ وَدُفِنَ مَالِكُ بْنُ سِنَانَ فِى مَوْضِعِ أَصْحَابِ الْعَبَاءِ الّذِى عِنْدَ دَارِ نَخْلَةَ، ثُمّ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “رُدّوا الْقَتْلَى إلَى مَضَاجِعِهِمْ”، وَكَانَ النّاسُ قَدْ دَفَنُوا قَتَلاهُمْ فَلَمْ يُرَدّ أَحَدٌ إلاّ رَجُلاً وَاحِدًا أَدْرَكَهُ الْمُنَادِى، وَلَمْ يُدْفَنْ وَهُوَ شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِىّ، كَانَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ رضى اللّهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِىّ ÷، فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النّبِىّ ÷: ابْنُ عَمّى يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “احْمِلُوهُ إلَى أُمّ سَلَمَةَ”، فَحُمِلَ إلَيْهَا فَمَاتَ عِنْدَهَا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ نَرُدّهُ إلَى أُحُدٍ، فَدُفِنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِى ثِيَابِهِ الّتِى مَاتَ فِيهَا، وَكَانَ قَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَكِنّهُ لَمْ يُذَقْ شَيْئًا، وَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلَمْ يُغَسّلْهُ. قَالُوا: وَكَانَ مَنْ دُفِنَ هُنَاكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا دُفِنَ فِى الْوَادِى. وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إذَا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأُحُدٍ يَقُولُ: قَوْمٌ مِنْ الأَعْرَابِ كَانُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ فِى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ هُنَاكَ فَمَاتُوا فَتِلْكَ قُبُورُهُمْ. وَكَانَ عَبّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِىّ يُنْكِرُ تِلْكَ الْقُبُورِ، وَيَقُولُ: إنّمَا هُمْ قَوْمٌ مَاتُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ يَقُولانِ: لا نَعْرِفُ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ إنّمَا هِىَ قُبُورُ نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ وَقُبُورٌ مَنْ قُبُورِ الشّهَدَاءِ قَدْ غُيّبَتْ لا نَعْرِفُهُمْ بِالْوَادِى وَبِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا، إلاّ أَنّا نَعْرِفُ قَبْرَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَقَبْرَ سَهْلِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَبْرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَزُورُهُمْ فِى كُلّ حَوْلٍ، وَإِذَا تَفَوّهَ الشّعْبَ رَفَعَ صَوْتَهُ فَيَقُولُ: “السّلامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ”، ثُمّ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ كُلّ حَوْلٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ عُثْمَانُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، ثُمّ مُعَاوِيَةُ حَيْنَ مَرّ حَاجّا أَوْ مُعْتَمِرًا. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “لَيْتَ أَنّى غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ الْجَبَلِ”، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ ÷ تَأْتِيهِمْ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَالثّلاثَةِ فَتَبْكِى عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ يَذْهَبُ إلَى مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَيَأْتِى مِنْ خَلْفِ قُبُورِ الشّهَدَاءِ فَيَقُولُ: السّلامُ عَلَيْكُمْ ثَلاثًا، ثُمّ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: أَلا تُسَلّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدّونَ عَلَيْكُمْ السّلامَ؟ لا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلاّ رَدّوا عَلَيْهِ السّلامَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا، وَقَرَأَ: ×رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً% “أَشْهَدُ أَنّ هَؤُلاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلاّ رَدّوا عَلَيْه”. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ فَيَدْعُو، وَيَقُولُ لِمَنْ مَعَهُ: لا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلاّ رَدّوا عَلَيْهِ السّلامَ، فَلا تَدَعُوا السّلامَ عَلَيْهِمْ وَزِيَارَتَهُمْ. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ يُحَدّثُ أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ مَعَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ فِى الأَشْهُرِ إلَى أُحُدٍ، فَيُسَلّمَانِ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ أَوّلَهَا، وَيَقِفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ قَبْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ مَعَ قُبُورِ مَنْ هُنَاكَ. وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِىّ ÷ تَذْهَبُ فَتُسَلّمُ عَلَيْهِمْ فِى كُلّ شَهْرٍ فَتَظَلّ يَوْمَهَا؛ فَجَاءَتْ يَوْمًا وَمَعَهَا غُلامَهَا نَبْهَانُ، فَلَمْ يُسَلّمْ، فَقَالَتْ: أَىْ لُكَعُ أَلا تُسَلّمُ عَلَيْهِمْ؟ وَاَللّهِ لا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلاّ رَدّوا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَكَانَ أَبُو هَرِيرَةَ يُكْثِرُ الاخْتِلافَ إلَيْهِمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو إذَا رَكِبَ إلَى الْغَابَةِ فَبَلَغَ ذُبَابَ، عَدَلَ إلَى قُبُورِ الشّهَدَاءِ، فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ رَجَعَ إلَى ذُبَابَ حَتّى اسْتَقْبَلَ الطّرِيقَ - طَرِيقَ الْغَابَةِ - وَيَكْرَهُ أَنْ يَتّخِذَهُمْ طَرِيقًا، ثُمّ يُعَارِضُ الطّرِيقَ حَتّى يَرْجِعَ إلَى طَرِيقِهِ الأُولَى. وَكَانَتْ فَاطِمَةُ الْخُزَاعِيّةُ قَدْ أَدْرَكَتْ تَقُولُ: رَأَيْتنِى وَغَابَتْ الشّمْسُ بِقُبُورِ الشّهَدَاءِ وَمَعِى أُخْتٌ لِى، فَقُلْت لَهَا: تَعَالَىْ نُسَلّمُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ وَنَنْصَرِفُ. قَالَتْ: نَعَمْ، فَوَقَفْنَا عَلَى قَبْرِهِ، فَقُلْنَا: السّلامُ عَلَيْك يَا عَمّ رَسُولِ اللّهِ، فَسَمِعْنَا كَلامًا رَدّ عَلَيْنَا: وَعَلَيْكُمَا السّلامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ، قَالَتَا: وَمَا قُرْبَنَا أَحَدٌ مِنْ النّاسِ. قَالُوا: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ دَفْنِ أَصْحَابِهِ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ عَامّتُهُمْ جَرْحَى، وَلا مِثْلَ لِبَنِى سَلِمَةَ وَبَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَمَعَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَلَمّا كَانُوا بِأَصْلِ الْحَرّةِ، قَالَ: “اصْطَفّوا”، فَنُثْنِىَ عَلَى اللّهِ فَاصْطَفّ النّاسُ صَفّيْنِ خَلْفَهُمْ النّسَاءُ، ثُمّ دَعَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ لَك الْحَمْدُ كُلّهُ اللّهُمّ لا قَابِضَ لِمَا بَسَطْت، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْت، وَلا هَادِىَ لِمَنْ أَضَلَلْت، وَلا مُضِلّ لِمَنْ هَدَيْت، وَلا مُقَرّبَ لِمَا بَاعَدْت، وَلا مُبَاعِدَ لِمَا قَرّبْت، اللّهُمّ إنّى أَسْأَلُك مِنْ بَرَكَتِك وَرَحْمَتِك وَفَضْلِك وَعَافِيَتِك، اللّهُمّ إنّى أَسْأَلُك النّعِيمَ الْمُقِيمَ الّذِى لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ اللّهُمّ إنّى أَسْأَلُك الأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، وَالْغِنَاءَ يَوْمَ الْفَاقَةِ عَائِذًا بِك اللّهُمّ مِنْ شَرّ مَا أَعْطَيْتنَا وَشَرّ مَا مَنَعْت مِنّا، اللّهُمّ تَوَفّنَا مُسْلِمِينَ، اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيّنْهُ فِى قُلُوبِنَا، وَكَرّهْ إلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الرّاشِدِينَ، اللّهُمّ عَذّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الّذِينَ يُكَذّبُونَ رَسُولَك وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِك، اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْسَك وَعَذَابَك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ”، وَأَقْبَلَ حَتّى نَزَلَ بِبَنِى حَارِثَةَ يَمِينًا حَتّى طَلَعَ عَلَى بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى قَتَلاهُمْ، فَقَالَ: “لَكِنّ حَمْزَةَ لا بَوَاكِىَ لَهُ”. فَخَرَجَ النّسَاءُ يَنْظُرْنَ إلَى سِلامَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَكَانَتْ أُمّ عَامِرٍ الأَشْهَلِيّةُ تَقُولُ: قِيلَ لَنَا: قَدْ أَقْبَلَ النّبِىّ ÷ وَنَحْنُ فِى النّوْحِ عَلَى قَتَلانَا، فَخَرَجْنَا فَنَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ الدّرْعُ كَمَا هِىَ فَنَظَرْت إلَيْهِ، فَقُلْت: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ، وَخَرَجَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - وَهِىَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - تَعْدُو نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ وَسَعْدُ ابْنُ مُعَاذٍ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُمّى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَرْحَبًا بِهَا”، فَدَنَتْ حَتّى تَأَمّلَتْ رَسُولَ اللّهِ ÷، فَقَالَتْ: أَمّا إذْ رَأَيْتُك سَالِمًا، فَقَدْ أَشْوَتْ الْمُصِيبَةُ، فَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِعَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ ابْنِهَا، ثُمّ قَالَ: “يَا أُمّ سَعْدٍ أَبْشِرِى، وَبَشّرِى أَهْلِيهِمْ أَنّ قَتَلاهُمْ قَدْ تَرَافَقُوا فِى الْجَنّةِ جَمِيعًا - وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - وَقَدْ شَفَعُوا فِى أَهْلِيهِمْ”. قَالَتْ: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَمَنْ يَبْكِى عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا؟ ثُمّ قَالَتْ: اُدْعُ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ خُلّفُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ، وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خُلّفُوا”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خَلّ أَبَا عَمْرٍو الدّابّةَ. فَخَلّى الْفَرَسَ وَتَبِعَهُ النّاسُ”، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “با أَبَا عَمْرٍو، إنّ الْجِرَاحَ فِى أَهْلِ دَارِك فَاشِيَةٌ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ إلاّ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ كَأَغْزَرِ مَا كَانَ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ فَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَلْيَقِرّ فِى دَارِهِ وَلْيُدَاوِ جُرْحَهُ وَلا يَبْلُغُ مَعِى بَيْتِى عَزْمَةً مِنّى”. فَنَادَى فِيهِمْ سَعْدٌ عَزْمَةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَلاّ يَتّبِعَ رَسُولَ اللّهِ ÷ جَرِيحٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَتَخَلّفَ كُلّ مَجْرُوحٍ، فَبَاتُوا يُوقِدُونَ النّيرَانَ وَيُدَاوُونَ الْجِرَاحَ، وَإِنّ فِيهِمْ لَثَلاثِينَ جَرِيحًا، وَمَضَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَعَهُ ÷ إلَى بَيْتِهِ، ثُمّ رَجَعَ إلَى نِسَائِهِ فَسَاقَهُنّ وَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إلاّ جَاءَ بِهَا إلَى بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَبَكَيْنَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ النّوُمِ لِثُلُثِ اللّيْلِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ، فَقَالَ: “مَا هَذَا”؟ فَقِيلَ: نِسَاءُ الأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “رَضِىَ اللّهُ عَنْكُنّ وَعَنْ أَوْلادِكُنّ وَأَمَرَنَا أَنْ نُرَدّ إلَى مَنَازِلِنَا”. قَالَتْ: فَرَجَعْنَا إلَى بُيُوتِنَا بَعْدَ لَيْلٍ مَعَنَا رِجَالُنَا، فَمَا بَكَتْ مِنّا امْرَأَةٌ قَطّ إلاّ بَدَأَتْ بِحَمْزَةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَيُقَالُ: إنّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَاءَ بِنِسَاءِ بَنِى سَلِمَةَ، وَجَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بِنِسَاءِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا أَرَدْت هَذَا”، وَنَهَاهُنّ الْغَدَ عَنْ النّوْحِ أَشَدّ النّهْىِ. وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَغْرِبَ بِالْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَكْبَةٍ قَدْ أَصَابَتْ أَصْحَابَهُ، وَأُصِيبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى نَفْسِهِ، فَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ وَالْمُنَافِقُونَ مَعَهُ يَشْمَتُونَ وَيُسَرّونَ بِمَا أَصَابَهُمْ وَيُظْهِرُونَ أَقْبَحَ الْقَوْلِ. وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَامّتُهُمْ جَرِيحٌ، وَرَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ، وَهُوَ جَرِيحٌ، فَبَاتَ يَكْوِى الْجِرَاحَةَ بِالنّارِ، حَتّى ذَهَبَ اللّيْلُ، وَجَعَلَ أَبُوهُ يَقُولُ: مَا كَانَ خُرُوجُك مَعَهُ إلَى هَذَا الْوَجْهِ بِرَأْىٍ، عَصَانِى مُحَمّدٌ، وَأَطَاعَ الْوِلْدَانَ، وَاَللّهِ لَكَأَنّى كُنْت أَنْظُرُ إلَى هَذَا، فَقَالَ ابْنُهُ: الّذِى صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ. وَأَظْهَرَتْ الْيَهُودُ الْقَوْلَ السّيّئَ، فَقَالُوا: مَا مُحَمّدٌ إلاّ طَالِبُ مُلْكٍ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِىّ قَطّ؛ أُصِيبَ فِى بَدَنِهِ، وَأُصِيبَ فِى أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يُخَذّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالتّفَرّقِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷: لَوْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ عِنْدَنَا مَا قُتِلَ، حَتّى سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِى أَمَاكِنَ، فَمَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ لِيَسْتَأْذِنَهُ فِى قَتْلِ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا عُمَرُ، إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ، وَلِلْيَهُودِ ذِمّةٌ فَلا أَقْتُلُهُمْ”. قَالَ: فَهَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ، وَإِنّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَعَوّذًا مِنْ السّيْفِ، فَقَدْ بَانَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ، وَأَبْدَى اللّهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النّكْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نُهِيت عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، يَا ابْنَ الْخَطّابِ، إنّ قُرَيْشًا لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى نَسْتَلِمَ الرّكْنَ”. قَالُوا: فَكَانَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ شَرَفًا لَهُ لا يُرِيدُ تَرْكَهُ، فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ أُحُدٍ إلَى الْمَدِينَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ ابْنُ أُبَىّ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَدْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ بِهِ اُنْصُرُوهُ وَأَطِيعُوهُ، فَلَمّا صَنَعَ بِأُحُدٍ مَا صَنَعَ قَامَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ، فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدُوّ اللّهِ، وَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيّوبَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَكَانَا أَشَدّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمّنْ حَضَرَ، وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلَ أَبُو أَيّوبَ يَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَعُبَادَةُ ابْنُ الصّامِتِ يَدْفَعُ فِى رَقَبَتِهِ، وَيَقُولانِ لَهُ: لَسْت لِهَذَا الْمَقَامِ بِأَهْلٍ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَا أَرْسَلاهُ، وَهُوَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَأَنّمَا قُلْت هُجْرًا؛ قُمْت لأَشُدّ أَمْرَهُ، فَلَقِيَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: مَا لَك؟ قَالَ: قُمْت ذَلِكَ الْمَقَامَ الّذِى كُنْت أَقَوْمُ أَوّلاً، فَقَامَ إلَىّ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِى، فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَىّ عُبَادَةُ وَخَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَيَسْتَغْفِرَ لَك رَسُولُ اللّهِ، فَقَالَ: وَاَللّهِ مَا أَبْغِى يَسْتَغْفِرُ لِى، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ×وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ% الآيَةُ. قَالَ: وَلَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَى ابْنِهِ جَالِسٌ فِى النّاسِ مَا يَشُدّ الطّرْفَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَخَرَجَنِى مُحَمّدٌ مِنْ مِرْبَدِ سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ.

  • * *

مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ بِأُحُدٍ قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أُمّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ أَبِى الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: حَدّثْنَا، عَنْ أُحُدٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِى عُدّ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فَكَأَنّك حَضَرْتنَا: ×وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ% إلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: غَدَا رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أُحُدٍ، فَجَعَلَ يَصُفّ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ إنْ رَأَى صَدْرًا خَارِجًا قَالَ: تَأَخّرْ، وَفِى قَوْلِهِ: ×إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا% إلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: هُمْ بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ، هَمّوا أَلاّ يَخْرُجُوا مَعَ النّبِىّ ÷ إلَى أُحُدٍ، ثُمّ عَزَمَ لَهُمَا فَخَرَجُوا. ×وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ%، يَقُولُ: قَلِيلٌ كَانُوا ثَلاثَمِائَةٍ وَبَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً؛ ×فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ% مَا أَبْلاكُمْ بِبَدْرٍ مِنْ الظّفَرِ. ×إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ% هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ ×أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ% ×بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا%.. الآيَةُ، كَانَ نَزَلَ عَلَى النّبِىّ ÷ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أُحُدٍ: إنّى مُمِدّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ×بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ%. ×وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَى لَكُمْ% قَالَ: فَلَمْ يَصْبِرُوا وَانْكَشَفُوا، فَلَمْ يُمَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِمَلَكٍ وَاحِدٍ يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَوْلُهُ: ×مُسَوّمِينَ% قَالَ: “مُعْلِمِينَ”. ×وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَى لَكُمْ% لِتَسْتَبْشِرُوا بِهِمْ وَلِتَطْمَئِنّوا إلَيْهِمْ ×لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ% يَقُولُ: نُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَيَنْقَلِبُونَ خَائِبِينَ. ×لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ% قَالَ: يَعْنِى الّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ. وَيُقَالُ: نَزَلَتْ فِى حَمْزَةَ حَيْنَ رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا بِهِ مِنْ الْمَثْلِ فَقَالَ: لأُمَثّلَنّ بِهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وَيُقَالُ: نَزَلَ فِى رَسُولِ اللّهِ ÷ حَيْنَ رُمِىَ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَ يَقُولُ: “كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيّهِمْ”؟. ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً%، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ إذَا حَلّ حَقّ أَحَدِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ غَرِيمَهُ أَخّرَهُ عَنْهُ وَأَضْعَفَهُ عَلَيْهِ. ×وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ% قَالَ: التّكْبِيرَةُ الأُولَى مَعَ الإِمَامِ ×وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ% فَيُقَالُ: الْجَنّةُ فِى السّمَاءِ الرّابِعَةِ. ×الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السّرّاءِ وَالضّرّاءِ% قَالَ: السّرّاءُ الْيُسْرُ وَالضّرّاءُ الْعُسْرُ، ×وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ% يَعْنِى عَمّنْ آذَاهُمْ، ×وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ% مَا أُوتِىَ إلَيْهِمْ ×وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ% ×وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ% فَكَانَ يُقَالُ: لا كَبِيرَةَ مَعَ تَوْبَةٍ، وَلا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ، ×هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ% مِنْ الْعَمَى؛ ×وَهُدًى% مِنْ الضّلالَةِ ×وَمَوْعِظَةً لِلْمُتّقِينَ%. ×وَلا تَهِنُوا% يَقُولُ: فِى قِتَالِ الْعَدُوّ، ×وَلا تَحْزَنُوا% عَلَى مَنْ أُصِيبَ مِنْكُمْ بِأُحُدٍ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، ×وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ% يَقُولُ: قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ضِعْفَ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ بِأُحُدٍ. ×إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ% يَعْنِى جِرَاحٌ، ×فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ% يَعْنِى جِرَاحَ يَوْمِ بَدْرٍ؛ ×وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ% يَقُولُ: لَهُمْ دَوْلَةٌ وَلَكُمْ دَوْلَةٌ، وَالْعَاقِبَةُ لَكُمْ، ×وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا% يَقُولُ: مَنْ قَاتَلَ مَعَ نَبِيّهِ، ×وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ% مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ ×وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا% يَعْنِى يَبْلُوهُمْ، الّذِينَ قَاتَلُوا وَثَبَتُوا؛ ×وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ% يَعْنِى الْمُشْرِكِينَ. ×أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ% يَعْنِى مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَأَبْلَى فِيهِ، ×وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ% مَنْ يَصْبِرُ يَوْمئِذٍ. ×وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ% قَالَ: السّيُوفُ فِى أَيَدِى الرّجَالِ كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷ قَدْ تَخَلّفُوا عَنْ بَدْرٍ فَكَانُوا هُمْ الّذِينَ أَلَحّوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى الْخُرُوجِ إلَى أُحُدٍ فَيُصِيبُونَ مِنْ الأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلّى مِنْهُمْ مَنْ وَلّى. وَيُقَالُ: هُوَ فِى نَفَرٍ كَانُوا تَكَلّمُوا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ النّبِىّ ÷ إلَى أُحُدٍ، فَقَالُوا: لَيْتَنَا نَلْقَى جَمْعًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَإِمّا أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ نُرْزَقَ الشّهَادَةَ. فَلَمّا نَظَرُوا إلَى الْمَوْتِ يَوْمَ أُحُدٍ هَرَبُوا. ×وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ% إلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: إنّ إبْلِيسَ تَصَوّرَ يَوْمَ أُحُدٍ فِى صُورَةِ جُعَالَ بْنِ سُرَاقَةَ الثّعْلَبِىّ فَنَادَى: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، فَتَفَرّقَ النّاسُ فِى كُلّ وَجْهٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إنّى أَرْقَى فِى الْجَبَلِ كَأَنّى أُرْوِيّةً حَتّى انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ: ×وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ%.. الآيَةُ، ×وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ% يَقُولُ: تَوَلّى. ×وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلاً% يَقُولُ: مَا كَانَ لَهَا أَنْ تَمُوتَ دُونَ أَجَلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أُبَىّ حَيْنَ رَجَعَ بِأَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا، وَمَا قُتِلُوا، فَأَخْبَرَهُ اللّهُ أَنّهُ كِتَابٌ مُؤَجّلٌ، يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا% يَقُولُ: مَنْ يَعْمَلْ لِلدّنْيَا نُعْطِهِ مِنْهَا مَا يَشَاءُ، ×وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ% يَقُولُ: يُرِيدُ الآخِرَةَ ×نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِى الشّاكِرِينَ% ×وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ% قَالَ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا، يَقُولُ: مَا اسْتَسْلَمُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ، وَلا ضَعُفَتْ نِيّاتُهُمْ ×وَمَا اسْتَكَانُوا%، يَقُولُ: مَا ذَلّوا لِعَدُوّهِمْ ×وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ% يُخْبِرُ أَنّهُمْ صَبَرُوا. ×وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا% إلَى قَوْلِهِ: ×وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ% يَقُولُ: أَعْطَاهُمْ النّصْرَ وَالظّفَرَ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الْجَنّةَ فِى الآخِرَةِ. ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ% يَقُولُ: إنْ تُطِيعُوا الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا يَخْذُلُونَكُمْ تَرْتَدّوا عَنْ دِينِكُمْ. ×بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ% يَعْنِى الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: يَتَوَلاّكُمْ. ×سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ% قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نُصِرْت بِالرّعْبِ شَهْرًا أَمَامِى، وَشَهْرًا خَلْفِى”. ×وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ% وَالْحِسّ الْقَتْلُ، يَقُولُ: الّذِى خَبّرَكُمْ أَنّكُمْ إنْ صَبَرْتُمْ أَمَدّكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ، ×حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ% وَهَنْتُمْ عَنْ الْعَدُوّ، ×وَتَنَازَعْتُمْ% يَعْنِى اخْتِلافَ الرّمَاةِ حَيْثُ وَضَعَهُمْ النّبِىّ ÷ وَمَعْصِيَتَهُمْ، وَتَقَدّمَ النّبِىّ ÷: “أَلاّ تَبْرَحُوا وَلا تُفَارِقُوا مَوْضِعَكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تُعِينُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَمُ فَلا تُشْرِكُونَا”؛ ×مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ% يَعْنِى هَزِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَوَلّيْتُمْ هَارِبِينَ ×مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا% يَعْنِى الْعَسْكَرَ، وَمَا فِيهِ مِنْ النّهْبِ، ×وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ% الّذِينَ ثَبَتُوا مِنْ الرّمَاةِ، وَلَمْ يَغْنَمُوا – عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ يُرِيدُ الدّنْيَا حَتّى سَمِعْت هَذِهِ الآيَةَ. قَالَ: ×ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ% يَقُولُ: حَيْثُ كَانَتْ الدّوْلَةُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ لِيَرْجِعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَقْتُلُوا مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ وَيَجْرَحُوا مَنْ جُرِحُوا مِنْكُمْ، ×وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ% يَعْنِى عَمّنْ وَلّى يَوْمئِذٍ مِنْكُمْ وَمَنْ أَرَادَ مَا أَرَادَ مِنْ النّهْبِ، فَعَفَا عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ. ×إِذْ تُصْعِدُونَ% يَعْنِى فِى الْجَبَلِ تَهْرُبُونَ ×وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ% كَانُوا يَمُرّونَ مُنْهَزِمِينَ يَصْعَدُونَ إلَى الْجَبَلِ وَرَسُولُهُمْ يُنَادِيهِمْ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا رَسُولُ اللّهِ إلَىّ إلَىّ، فَلا يَلْوِى عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَعَفَا ذَلِكَ عَنْهُمْ، ×فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ% فَالْغَمّ الأَوّلُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ، وَالْغَمّ الآخِرُ حَيْنَ سَمِعُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ قُتِلَ، فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الآخِرُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْغَمّ الأَوّلِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ. وَيُقَالُ: الْغَمّ الأَوّلُ حَيْثُ صَارُوا إلَى الْجَبَلِ بِهَزِيمَتِهِمْ، وَتَرْكِهِمْ النّبِىّ ÷، وَالْغَمّ الآخِرُ حَيْنَ تَفَرّعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَعَلَوْهُمْ مِنْ فَرْعِ الْجَبَلِ فَنَسُوا الْغَمّ الأَوّلَ. وَيُقَالُ: ×غَمّا بِغَمّ% بَلاءً عَلَى أَثَرِ بَلاءٍ، ×لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ% يَقُولُ: لِئَلاّ تَذْكُرُوا مَا فَاتَكُمْ مِنْ نَهْبِ مَتَاعِهِمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ أَوْ جُرِحَ. ×ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا% إلَى قَوْلِهِ: ×مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا% قَالَ الزّبَيْرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: سَمِعْت هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَىّ النّعَاسُ، وَإِنّى لَكَالْحَالِمِ أَسْمَعُهُ يَقُولُ هَذَا الْكَلامَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنّهُ صَاحِبُ هَذَا الْكَلامِ. قَالَ اللّهُ: ×لَوْ كُنْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ% يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدّ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا إلَى مَضَاجِعِهِمْ ×وَلِيَبْتَلِىَ اللّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ% يَقُولُ: يُخْرِجُ أَضْغَانَهُمْ وَغِشّهُمْ ×وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ% يَقُولُ: مَا يُكِنّونَ مِنْ نُصْحٍ أَوْ غِشّ. ×إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا% يَعْنِى مَنْ انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ، يَقُولُ: أَصَابَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ يَعْنِى انْكِشَافَهُمْ. ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ% إلَى قَوْلِهِ: ×مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا% قَالَ: نَزَلَتْ فِى ابْنِ أُبَىّ؛ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ: لا تَكَلّمُوا وَلا تَقُولُوا كَمَا قَالَ ابْنُ أُبَىّ. وَهُوَ الّذِى قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ: ×كَالّذِينَ كَفَرُوا% ×لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ%. ×وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ% إلَى آخِرِ الآيَةِ يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ بِالسّيْفِ أَوْ مَاتَ بِإِزَاءِ عَدُوّ أَوْ مُرَابِطٍ فَهُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُ مِنْ الدّنْيَا. وَقَوْلُهُ: ×لإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ% يَقُولُ: تَصِيرُونَ إلَيْهِ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ×فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ%، وَقَوْلُهُ: ×لانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ% يَعْنِى أَصْحَابَهُ الّذِينَ انْكَشَفُوا بِأُحُدٍ ×فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ% أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِى الْحَرْبِ وَحْدَهُ، وَكَانَ النّبِىّ ÷ لا يُشَاوِرُ أَحَدًا إلاّ فِى الْحَرْبِ، ×فَإِذَا عَزَمْتَ% أَىْ جَمَعْت؛ ×فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ%. ×وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ% قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِى يَوْمِ بَدْرٍ؛ كَانُوا قَدْ غَنِمُوا قَطِيفَةً حَمْرَاءَ؛ فَقَالُوا: مَا نَرَى النّبِىّ ÷ إلاّ قَدْ أَخَذَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. ×أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ% يَقُولُ: مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ؟ وَقَوْلُهُ: ×هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ% يَقُولُ: فَضَائِلُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ اللّهِ، قَوْلُهُ: ×لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ% يَعْنِى مُحَمّدًا ÷ ×يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ% يَعْنِى الْقُرْآنَ ×وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ% الْقُرْآنَ وَالْحِكْمَةَ وَالصّوَابَ فِى الْقَوْلِ، ×وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُبِينٍ% قَوْلُهُ: ×أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا% إلَى آخِرِ الآيَةِ هَذَا مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ مَعَ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ ×قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ% بِمَعْصِيَتِكُمْ الرّسُولَ، يَعْنِى الرّمَاةَ، وَقَوْلُهُ: ×قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا% قَتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. ×وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ% يَوْمَ أُحُدٍ؛ ×فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ% ×وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا% يَعْلَمُ مَنْ أَبْلَى، وَقَاتَلَ وَقَتَلَ، وَيَعْلَمُ الّذِينَ نَافَقُوا؛ ×وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتّبَعْنَاكُمْ% هَذَا ابْنُ أُبَىّ، وَقَوْلُهُ: ×أَوِ ادْفَعُوا% يَقُولُ: كَثّرُوا السّوَادَ، وَيُقَالُ: الدّعَاءَ. قَالَ ابْنُ أُبَىّ يَوْمَ أُحُدٍ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتّبَعْنَاكُمْ يَقُولُ اللّهُ: ×هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ% نَزَلَتْ فِى ابْنِ أُبَىّ، وَفِى قَوْلِهِ: ×الّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا% هَذَا ابْنُ أُبَىّ؛ ×قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ% نَزَلَتْ فِى ابْنِ أُبَىّ. ×وَلا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا% إلَى قَوْلِهِ: ×وَأَنّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ%. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ إخْوَانَكُمْ لَمّا أُصِيبُوا بِأُحُدٍ جُعِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِى أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنَهَارَ الْجَنّةِ فَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِى إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِى ظِلّ الْعَرْشِ، فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَطْعَمِهِمْ وَرَأَوْا حُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ، قَالُوا: لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا أَكْرَمَنَا اللّهُ وَبِمَا نَحْنُ فِيهِ لِئَلاّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ، وَلا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ. قَالَ اللّهُ تَعَالَى: أَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللّهُ: ×وَلا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا% الآيَةُ. وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷: “أَنّ الشّهَدَاءَ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ فِى الْجَنّةِ فِى قُبّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ بُكْرَةً وَعَشِيّا”. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: فِى هَذِهِ الآيَةِ إنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ، فَتَسْرَحُ فِى أَىّ الْجَنّةِ شَاءَتْ فَأَطْلَعَ رَبّك عَلَيْهِمْ إطْلاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَىْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ؟ قَالُوا: رَبّنَا، أَلَسْنَا فِى الْجَنّةِ نَسْرَحُ فِى أَيّهَا نَشَاءُ؟ فَأَطْلَعَ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَىْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ؟ قَالُوا: رَبّنَا، تُعِيدُ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا فَنُقْتَلُ فِى سَبِيلِك. وَقَوْلُهُ: ×الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ% إلَى آخِرِ الآيَةِ هَؤُلاءِ الّذِينَ غَزَوْا حَمْرَاءَ الأَسَدِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا كَانَ فِى الْمُحَرّمِ لَيْلَةَ الأَحَدِ إذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِىّ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَبِلالٌ جَالِسٌ عَلَى بَابِ النّبِىّ ÷ وَقَدْ أَذّنَ بِلالٌ وَهُوَ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ النّبِىّ ÷ إلَى أَنْ خَرَجَ فَنَهَضَ إلَيْهِ الْمُزَنِىّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَقْبَلْت مِنْ أَهْلِى حَتّى إذَا كُنْت بِمَلَلٍ فَإِذَا قُرَيْشٌ قَدْ نَزَلُوا، فَقُلْت: لأَدْخُلَنّ فِيهِمْ وَلأَسْمَعَنّ مِنْ أَخْبَارِهِمْ. فَجَلَسْت مَعَهُمْ فَسَمِعْت أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحِدّتَهُمْ فَارْجِعُوا نَسْتَأْصِلْ مَنْ بَقِىَ وَصَفْوَانُ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمَا، فَذَكَرَ لَهُمَا مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَنِىّ، فَقَالا: اُطْلُبْ الْعَدُوّ، وَلا يَقْحَمُونَ عَلَى الذّرّيّةِ، فَلَمّا سَلّمَ ثَابَ النّاسُ، وَأَمَرَ بِلالاً يُنَادِى يَأْمُرُ النّاسَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ. وَقَالُوا: لَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهَ ÷ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الأَحَدِ أَمَرَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ فَخَرَجُوا وَبِهِمْ الْجِرَاحَاتُ. وَفِى قَوْلِهِ: ×الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا% إلَى قَوْلِهِ: ×وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ% فَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَعَدَ النّبِىّ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ بَدْرَ الْمَوْعِدِ الصّفْرَاءِ، عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، فَقِيلَ لأَبِى سُفْيَانَ: أَلا تُوَافِى النّبِىّ؟ فَبَعَثَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ إلَى الْمَدِينَةِ يُثَبّطُ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا مِنْ الإِبِلِ، إنْ هُوَ رَدّهُمْ، وَيَقُولُ: إنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا جَمُوعًا وَقَدْ جَاءُوكُمْ فِى دَارِكُمْ لا تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ، حَتّى كَادَ ذَلِكَ يُثَبّطُهُمْ، أَوْ بَعْضَهُمْ، فَبَلَغَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: “وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِى أَحَدٌ لَخَرَجْت وَحْدِى”، فَأَنْهَجْتُ لَهُمْ بَصَائِرَهُمْ، فَخَرَجُوا بِتِجَارَاتٍ وَكَانَ بَدْرُ مَوْسِمًا. ×فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ% فِى التّجَارَةِ، يَقُولُ: ارْبَحُوا؛ ×لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ% لَمْ يَلْقَوْا قِتَالاً، وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ انْصَرَفُوا. ×إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ% يَقُولُ: الشّيْطَانُ يُخَوّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَمَنْ أَطَاعَهُ، ×وَلا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ% يَقُولُ اسْتَحَبّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ. ×وَلا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ% يَقُولُ: مَا يُصِحّ أَبْدَانَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيُرِيهِمْ الدّوْلَةَ عَلَى عَدُوّهِمْ، يَقُولُ: أُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا كُفْرًا. ×مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ% يَعْنِى مُصَابَ أَهْلِ أُحُدٍ؛ ×وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ% يَعْنِى يُقَرّبُ مِنْ رُسُلِهِ. وَفِى قَوْلِهِ: ×وَلا يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ% إلَى قَوْلِهِ: ×يَوْمَ الْقِيَامَةِ% قَالَ: يَأْتِى كَنْزُ الّذِى لا يُؤَدّى حَقّهُ ثُعْبَانًا فِى عُنُقِهِ يَنْهَشُ لِهْزِمَتَيْهِ. يَقُولُ: أَنَا كَنْزُك. ×لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ% قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. ×مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا% قَالَ فِنْحَاصُ الْيَهُودِىّ: اللّهُ فَقِيرٌ، وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ لِيَسْتَقْرِضَ مِنّا؟ ×وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الأَنْبِيَاءَ%. ×الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ% الآيَةُ، وَاَلّتِى تَلِيهَا، يَعْنِى يَهُودَ ×وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ% يَعْنِى الْيَهُودَ؛ ×وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا% يَعْنِى مِنْ الْعَرَبِ، ×أَذًى كَثِيرًا% إلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النّبِىّ ÷ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ. ×وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ% إلَى قَوْلِهِ: ×وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ% قَالَ: أَخَذَ عَلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ فِى أَمْرِ صِفّةِ النّبِىّ ÷ أَلاّ يَكْتُمُوهُ. ×فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ% وَاِتّخَذُوهُ مَأْكَلَةً وَغَيّرُوا صِفَتَهُ. وَقَوْلُهُ: ×لا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا% قَالَ: نَزَلَتْ فِى نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إذَا غَزَا فَقَدِمَ قَالُوا: إذَا غَزَوْت فَنَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك، فَإِذَا غَزَا لَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ، وَيُقَالُ: هُمْ الْيَهُودُ. ×الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ% قَالَ: يُصَلّونَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ، يَعْنِى مُضْطَجِعِينَ. ×رَبّنَا إِنّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا% قَالَ: الْقُرْآنُ لَيْسَ كُلّهُمْ رَأَى النّبِىّ ÷. وَقَوْلُهُ: ×فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا% يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ مَكّةَ، ×لا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِى الْبِلادِ% ×مَتَاعٌ قَلِيلٌ% يَقُولُ: تِجَارَتُهُمْ وَحِرْفَتُهُمْ. ×وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ% يَعْنِى عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلامٍ، ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ% قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النّبِىّ ÷ رِبَاطٌ إنّمَا كَانَتْ الصّلاةُ بَعْدَ الصّلاةِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: لَمّا قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ بِأُحُدٍ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمّ مَضَى إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ. وَجَاءَ أَخُو سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ فَأَخَذَ مِيرَاثَ سَعْدٍ، وَكَانَ لِسَعْدٍ ابْنَتَانِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلاً، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ عَلَى مَا كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ حَتّى قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ، فَلَمّا قَبَضَ عَمّهُنّ الْمَالَ - وَلَمْ تَنْزِلْ الْفَرَائِضُ - وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَعْدٍ امْرَأَةً حَازِمَةً صَنَعَتْ طَعَامًا - ثُمّ دَعَتْ رَسُولَ اللّهِ ÷ - خُبْزًا وَلَحْمًا وَهِىَ يَوْمئِذٍ بِالأَسْوَافِ. فَانْصَرَفْنَا إلَى النّبِىّ ÷ مِنْ الصّبْحِ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَنَحْنُ نَذْكُرُ وَقْعَةَ أُحُدٍ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَذْكُرُ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ إلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قُومُوا بِنَا”، فَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلاً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى الأَسْوَافِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَنَجِدُهَا قَدْ رَشّتْ مَا بَيْن صُورَيْنِ وَطَرَحَتْ خَصَفَةً. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: وَاَللّهِ مَا ثَمّ وِسَادَةٌ وَلا بِسَاطٌ فَجَلَسْنَا وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يُحَدّثُنَا عَنْ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ، يَتَرَحّمُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: “لَقَدْ رَأَيْت الأَسِنّةَ شَرَعَتْ إلَيْهِ يَوْمئِذٍ حَتّى قُتِلَ”، فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ النّسْوَةُ بَكَيْنَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ ÷ وَمَا نَهَاهُنّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْبُكَاءِ، قَالَ جَابِرٌ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ”، قَالَ: فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ سَلّمَ، ثُمّ رَدّوا عَلَيْهِ، ثُمّ جَلَسَ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ”، فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ مِنْ خِلالِ السّعَفِ، فَطَلَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ النّبِىّ ÷، فَسَلّمَ، ثُمّ جَلَسَ، ثُمّ قَالَ: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ”، فَنَظَرْنَا مِنْ خِلالِ السّعَفِ فَإِذَا عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ قَدْ طَلَعَ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِالْجَنّةِ، ثُمّ جَاءَ فَسَلّمَ، ثُمّ جَلَسَ، ثُمّ أُتِىَ بِالطّعَامِ، قَالَ جَابِرٌ: فَأُتِىَ مِنْ الطّعَامِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَدَهُ فِيهِ، فَقَالَ: “خُذُوا بِسْمِ اللّهِ”، فَأَكَلْنَا مِنْهَا حَتّى نَهِلْنَا؛ وَاَللّهِ مَا أُرَانَا حَرّكْنَا مِنْهَا شَيْئًا. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ارْفَعُوا هَذَا الطّعَامَ”، فَرَفَعُوهُ، ثُمّ أَتَيْنَا بِرُطَبٍ فِى طَبَقٍ فِى بَاكُورَةٍ أَوْ مُؤَخّرٍ قَلِيلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بِسْمِ اللّهِ كُلُوا”، قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتّى نَهِلْنَا، وَإِنّى لأَرَى فِى الطّبَقِ نَحْوًا مِمّا أُتِىَ بِهِ، وَجَاءَتْ الظّهْرُ فَصَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ ÷، وَلَمْ يَمَسّ مَاءً، ثُمّ رَجَعَ إلَى مَجْلِسِهِ، فَتَحَدّثَ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ جَاءَتْ الْعَصْرُ فَأُتِىَ بِبَقِيّةِ الطّعَامِ يَتَشَبّعُ بِهِ فَقَامَ النّبِىّ ÷، فَصَلّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً، ثُمّ قَامَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ قُتِلَ بِأُحُدٍ فَجَاءَ أَخُوهُ، فَأَخَذَ مَا تَرَكَ، وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ، وَلا مَالَ لَهُمَا، وَإِنّمَا يُنْكَحُ – يَا رَسُولَ اللّهِ – النّسَاءُ عَلَى الْمَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ أَحْسِنْ الْخِلافَةَ عَلَى”، تَرِكَتِهِ لَمْ يَنْزِلْ عَلَىّ فِى ذَلِكَ شَىْءٌ وَعُودِى إلَىّ إذَا رَجَعْت، فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَيْتِهِ جَلَسَ عَلَى بَابِهِ، وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بُرَحَاءُ حَتّى ظَنَنّا أَنّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسُرّىَ عَنْهُ، وَالْعَرَقُ يَتَحَدّرُ عَنْ جَبِينِهِ مِثْلَ الْجُمَانِ، فَقَالَ عَلَىّ: بِامْرَأَةِ سَعْدٍ، قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو حَتّى جَاءَ بِهَا، قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً جَلْدَةً، فَقَالَ: “أَيْنَ عَمّ وَلَدِك”؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ فِى مَنْزِلِهِ، قَالَ: “اُدْعِيهِ لِى”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اجْلِسِى”، فَجَلَسَتْ وَبَعَثَ رَجُلاً يَعْدُو إلَيْهِ فَأَتَى بِهِ، وَهُوَ فِى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَأَتَى وَهُوَ مُتْعَبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ادْفَعْ إلَى بَنَاتِ أَخِيك ثُلُثَىْ مَا تَرَكَ أَخُوك”، فَكَبّرَتْ امْرَأَتُهُ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ادْفَعْ إلَى زَوْجَةِ أَخِيك الثّمُنَ وَشَأْنُك وَسَائِرُ مَا بِيَدِك”. وَلَمْ يُوَرّثْ الْحَمْلَ يَوْمئِذٍ. وَهِىَ أُمّ سَعْدِ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أُمّ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَلَمّا وَلِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَزَوّجَ زَيْدٌ أُمّ سَعْدِ بِنْتَ سَعْدٍ، وَكَانَتْ حَامِلاً، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ أَنْ تَكَلّمِى فِى مِيرَاثِك مِنْ أَبِيك، فَإِنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَرّثَ الْحَمْلَ الْيَوْمَ، وَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهَا سَعْدٌ حَمْلاً، فَقَالَتْ: مَا كُنْت لأَطْلُبَ مِنْ أَخِى شَيْئًا. وَلَمّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ أُحُدٍ وَانْكِشَافِ الْمُشْرِكِينَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كَرِهَ أَنْ يَقْدَمَ مَكّةَ، وَقَدِمَ الطّائِفَ، فَأَخْبَرَ إنّ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ قَدْ ظَفِرُوا وَانْهَزَمْنَا؛ كُنْت أَوّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ حَيْنَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ الانْهِزَامَةَ الأُولَى، ثُمّ تَرَاجَعَ الْمُشْرِكُونَ بَعْدُ فَنَالُوا مَا نَالُوا، وَكَانَ أَوّلُ مَنْ أَخْبَرَ قُرَيْشًا بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَظَفَرِ قُرَيْشٍ وَحْشِىّ. وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ قَطَرِ بْنِ وَهْبٍ اللّيْثِىّ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ وَحْشِىّ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ بِمُصَابِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ سَارَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَرْبَعًا، فَانْتَهَى إلَى الثّنِيّةِ الّتِى تَطْلُعُ عَلَى الْحَجُونِ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِرَارًا، حَتّى ثَابَ النّاسُ إلَيْهِ وَهُمْ خَائِفُونَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ، فَلَمّا رَضِىَ مِنْهُمْ قَالَ: أَبْشِرُوا، قَدْ قَتَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهَا فِى زَحْفٍ قَطّ، وَجَرَحْنَا مُحَمّدًا فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْجِرَاحِ وَقَتَلْت رَأْسَ الْكَتِيبَةِ حَمْزَةُ، وَتَفَرّقَ النّاسُ فِى كُلّ وَجْهٍ بِالشّمَاتَةِ بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، وَإِظْهَارِ السّرُورِ، وَخَلا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِوَحْشِىّ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَا تَقُولُ، قَالَ وَحْشِىّ: قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت، قَالَ: “أَقَتَلَتْ حَمْزَةَ”؟ قَالَ: قَدْ وَاَللّهِ زَرَقْته بِالْمِزْرَاقِ فِى بَطْنِهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، ثُمّ نُودِىَ فَلَمْ يُجِبْ فَأَخَذْت كَبِدُهُ وَحَمَلْتهَا إلَيْك لِتَرَاهَا، قَالَ: “أَذْهَبْت حُزْنَ نِسَائِنَا، وَبَرّدْت حَرّ قُلُوبِنَا”، فَأَمَرَ يَوْمئِذٍ نِسَاءَهُ بِمُرَاجَعَةِ الطّيبِ وَالدّهْنِ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِى الْعَاصِ قَدْ انْهَزَمَ يَوْمئِذٍ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ، فَنَامَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا أَصْبَحَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَأَتَى مَنْزِلَ عُثْمَانَ بْنَ عفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَضَرَبَ بَابَهُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ ÷: لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا، هُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ ÷ قَالَ: فَأَرْسِلِى إلَيْهِ فَإِنّ لَهُ عِنْدِى ثَمَنَ بَعِيرٍ اشْتَرَيْته عَامَ أَوّلٍ فَجِئْته بِثَمَنِهِ وَإِلاّ ذَهَبْت، قَالَ: فَأَرْسَلْت إلَى عُثْمَانَ فَجَاءَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ: وَيْحَك، أَهْلَكْتنِى وَأَهْلَكْت نَفْسَك، مَا جَاءَ بِك؟ قَالَ: يَا ابْنَ عَمّ، لَمْ يَكُنْ لِى أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَىّ مِنْك وَلا أَحَقّ، فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، ثُمّ خَرَجَ إلَى النّبِىّ ÷ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ أَمَانًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُثْمَانُ: “إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ بِالْمَدِينَةِ فَاطْلُبُوهُ”، فَطَلَبُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اُطْلُبُوهُ فِى بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ عفّانَ، فَدَخَلُوا بَيْتَ عُثْمَانَ، فَسَأَلُوا أُمّ كُلْثُومٍ، فَأَشَارَتْ إلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى النّبِىّ ÷، وَعُثْمَانُ جَالِسٌ عِنْدً رَسُولِ اللّهِ ÷، فَلَمّا رَآهُ عُثْمَانُ قَدْ أُتِىَ بِهِ قَالَ: وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ مَا جِئْتُك إلاّ أَنْ أَسْأَلَك أَنْ تُؤَمّنَهُ فَهَبْهُ لِى يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَمّنَهُ وَأَجّلَهُ ثَلاثًا، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُنّ قُتِلَ، قَالَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَاشْتَرَى لَهُ بَعِيرًا وَجَهّزَهُ، ثُمّ قَالَ: ارْتَحِلْ، فَارْتَحَلَ. وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ حَتّى كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ فَجَلَسَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِصُدُورِ الْعَقِيقِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ قَرِيبًا فَاطْلُبُوهُ” فَخَرَجَ النّاسُ فِى طَلَبِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخْطَأَ الطّرِيقَ، فَخَرَجُوا فِى أَثَرِهِ حَتّى يُدْرِكُوهُ فِى يَوْمِ الرّابِعِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَسْرَعَا فِى طَلَبِهِ فَأَدْرَكَاهُ بِالْجَمّاءِ، فَضَرَبَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَقَالَ عَمّارٌ: إنّ لِى فِيهِ حَقّا، فَرَمَاهُ عَمّارٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلاهُ، ثُمّ انْصَرَفَا إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَاهُ. وَيُقَالُ: أُدْرِكَ بِثَنِيّةِ الشّرِيدِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ أَخْطَأَ الطّرِيقَ، فَأَدْرَكَاهُ فَلَمْ يَزَالا يَرْمِيَانِهِ بِالنّبْلِ وَاِتّخَذَاهُ غَرَضًا حَتّى مَاتَ.

  • * *


غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الأَسَدِ وَكَانَتْ يَوْمَ الأَحَدِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ شَهْرًا، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَابَ خَمْسًا، قَالُوا: لَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الصّبْحَ يَوْمَ الأَحَدِ وَمَعَهُ وُجُوهُ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا بَاتُوا فِى الْمَسْجِدِ عَلَى بَابِهِ - سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ، وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ فِى عِدّةٍ مِنْهُمْ. فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الصّبْحِ أَمَرَ بِلالاً أَنْ يُنَادِىَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ وَلا يَخْرُجُ مَعَنَا إلاّ مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَاجِعًا إلَى دَارِهِ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالْمَسِيرِ، قَالَ: وَالْجِرَاحُ فِى النّاسِ فَاشِيَةٌ عَامّةُ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ جَرِيحٌ بَلْ كُلّهَا، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا عَدُوّكُمْ. قَالَ: يَقُولُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَبِهِ سَبْعُ جِرَاحَاتٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُدَاوِيَهَا: سَمْعًا وَطَاعَةً لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فَأَخَذَ سِلاحَهُ وَلَمْ يُعَرّجْ عَلَى دَوَاءِ جِرَاحِهِ وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷. وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَوْمَهُ بَنِى سَاعِدَةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ فَتَلَبّسُوا وَلَحِقُوا. وَجَاءَ أَبُو قَتَادَةَ أَهْلَ خُرْبَى، وَهُمْ يُدَاوُونَ الْجِرَاحَ فَقَالَ: هَذَا مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ. فَوَثَبُوا إلَى سِلاحِهِمْ وَمَا عَرّجُوا عَلَى جِرَاحَاتِهِمْ. فَخَرَجَ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ أَرْبَعُونَ جَرِيحًا، بِالطّفَيْلِ بْنِ النّعْمَانِ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا، وَبِخِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ عَشْرُ جِرَاحَاتٍ وَبِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بَضْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، وَبِقُطْبَةِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةٍ تِسْعُ جِرَاحَاتٍ حَتّى وَافَوْا النّبِىّ ÷ بِبِئْرِ أَبِى عِنَبَةَ إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ - الطّرِيقُ الأُولَى يَوْمئِذٍ - عَلَيْهِمْ السّلاحُ قَدْ صَفّوا لِرَسُولِ اللّهِ ÷. فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ وَالْجِرَاحُ فِيهِمْ فَاشِيَةٌ قَالَ: “اللّهُمّ ارْحَمْ بَنِى سَلِمَةَ”. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: إنّ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ سَهْلٍ، وَرَافِعَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجَعَا مِنْ أُحُدٍ وَبِهِمَا جِرَاحٌ كَثِيرَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ أَثْقَلُهُمَا مِنْ الْجِرَاحِ فَلَمّا أَصْبَحُوا وَجَاءَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يُخْبِرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَاَللّهِ إنْ تَرْكَنَا غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ لَغَبْنٌ وَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا دَابّةٌ نَرْكَبُهَا وَمَا نَدْرِى كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ عَبْدُ اللّهِ: انْطَلِقْ بِنَا، قَالَ رَافِعٌ: لا وَاَللّهِ مَا بِى مَشْىٌ، قَالَ أَخُوهُ: انْطَلِقْ بِنَا، نَتَجَارّ وَنَقْصِدْ فَخَرَجَا يَزْحَفَانِ فَضَعُفَ رَافِعٌ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ عُقْبَةً وَيَمْشِى الآخَرُ عُقْبَةً حَتّى أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ عِنْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ يُوقِدُونَ النّيرَانَ فَأُتِىَ بِهِمَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ - وَعَلَى حَرَسِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ – فَقَالَ: “مَا حَبَسَكُمَا”؟ فَأَخْبَرَاهُ بِعِلّتِهِمَا، فَدَعَا لَهُمَا بِخَيْرٍ، وَقَالَ: “إنْ طَالَتْ لَكُمْ مُدّةٌ كَانَتْ لَكُمْ مَرَاكِبُ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَإِبِلٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ”. حَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: هَذَانِ أَنَسٌ وَمُؤْنِسٌ وَهَذِهِ قِصّتُهُمَا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ مُنَادِيًا نَادَى أَلاّ يَخْرُجَ مَعَنَا إلاّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ بِالأَمْسِ وَقَدْ كُنْت حَرِيصًا عَلَى الْحُضُورِ وَلَكِنّ أَبِى خَلّفَنِى عَلَى أَخَوَاتٍ لِى وَقَالَ: يَا بُنَىّ لا يَنْبَغِى لِى وَلَك أَنْ نَدَعَهُنّ وَلا رَجُلَ عِنْدَهُنّ وَأَخَافُ عَلَيْهِنّ وَهُنّ نَسِيَاتٌ ضِعَافٌ، وَأَنَا خَارِجٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقَنِى الشّهَادَةَ، فَتَخَلّفَتْ عَلَيْهِنّ فَاسْتَأْثَرَهُ اللّهُ عَلَىّ بِالشّهَادَةِ وَكُنْت رَجَوْتهَا، فَأْذَنْ لِى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ أَسِيرَ مَعَك، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ بِالأَمْسِ غَيْرِى، وَاسْتَأْذَنَهُ رِجَالٌ لَمْ يَحْضُرُوا الْقِتَالَ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِلِوَائِهِ، وَهُوَ مَعْقُودٌ لَمْ يُحَلّ مِنْ الأَمْسِ فَدَفَعَهُ إلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ وَيُقَالُ: دَفَعَهُ إلَى أَبِى بَكْرٍ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فِى وَجْهِهِ أَثَرُ الْحَلَقَتَيْنِ، وَمَشْجُوجٌ فِى جَبْهَتِهِ فِى أُصُولِ الشّعَرِ وَرَبَاعِيَتُهُ قَدْ شَظِيَتْ وَشَفَتُهُ قَدْ كُلِمَتْ مِنْ بَاطِنهَا، وَهُوَ مُتَوَهّنٌ مَنْكِبِهِ الأَيْمَنِ بِضَرْبَةِ ابْنِ قَمِيئَةٍ وَرُكْبَتَاهُ مَجْحُوشَتَانِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَالنّاسُ قَدْ حُشِدُوا، وَنَزَلَ أَهْلُ الْعَوَالِى حَيْثُ جَاءَهُمْ الصّرِيخُ ثُمّ رَكَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ رَكْعَتَيْنِ فَدَعَا بِفَرَسِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَلَقّاهُ طَلْحَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَ الْمُنَادِىَ فَخَرَجَ يَنْظُرُ مَتَى يَسِيرُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ وَمَا يُرَى مِنْهُ إلاّ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: “يَا طَلْحَةُ سِلاحَك”، فَقُلْت: قَرِيبًا، قَالَ طَلْحَةُ: فَأَخْرُجُ أَعْدُو فَأَلْبَسُ دِرْعِى، وَآخُذُ سَيْفِى، وَأَطْرَحُ دَرَقَتِى فِى صَدْرِى؛ وَإِنّ بِى لَتِسْعَ جِرَاحَاتٍ وَلأَنَا أَهَمّ بِجِرَاحِ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنّى بِجِرَاحِى، ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى طَلْحَةَ، فَقَالَ: “تُرَى الْقَوْمَ الآنَ”؟ قَالَ: هُمْ بِالسّيّالَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ذَلِكَ الّذِى ظَنَنْت، أَمَا إنّهُمْ يَا طَلْحَةُ لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ أَمْسَ حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ مَكّةَ عَلَيْنَا”. وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثَلاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ طَلِيعَةً فِى آثَارِ الْقَوْمِ سَلِيطًا، وَنُعْمَانَ ابْنَىْ سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ دَارِمٍ، مِنْ بَنِى سَهْمٍ، وَمَعَهُمَا ثَالِثٌ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِى عُوَيْرٍ لَمْ يُسَمّ لَنَا، فَأَبْطَأَ الثّالِثُ عَنْهُمَا وَهُمَا يَجْمِزَانِ، وَقَدْ انْقَطَعَ قِبَالُ نَعْلِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: أَعْطِنِى نَعْلَك، قَالَ: لا وَاَللّهِ لا أَفْعَلُ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا بِرِجْلِهِ فِى صَدْرِهِ فَوَقَعَ لِظَهْرِهِ وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، وَلَحِقَ الْقَوْمُ بِحَمْرَاءِ الأَسَدِ، وَلَهُمْ زَجَلٌ وَهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِالرّجُوعِ وَصَفْوَانُ يَنْهَاهُمْ عَنْ الرّجُوعِ فَبَصُرُوا بِالرّجُلَيْنِ فَعَطَفُوا عَلَيْهِمَا فَأَصَابُوهُمَا، فَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إلَى مَصْرَعِهِمَا بِحَمْرَاءِ الأَسَدِ فَعَسْكَرُوا، وَقَبَرُوهُمَا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذَا قَبْرُهُمَا وَهُمَا الْقَرِينَانِ، وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِهِ حَتّى عَسْكَرُوا بِحَمْرَاءِ الأَسَدِ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ عَامّةُ زَادِنَا التّمْرَ، وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ثَلاثِينَ جَمَلاً حَتّى وَافَتْ الْحَمْرَاءَ، وَسَاقَ جُزُرًا فَنَحَرُوا فِى يَوْمٍ اثْنَيْنِ وَفِى يَوْمٍ ثَلاثًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَأْمُرُهُمْ فِى النّهَارِ بِجَمْعِ الْحَطْبِ، فَإِذَا أَمْسَوْا أَمَرَنَا أَنْ نُوقِدَ النّيرَانَ، فَيُوقِدُ كُلّ رَجُلٍ نَارًا، فَلَقَدْ كُنّا تِلْكَ اللّيَالِىَ نُوقِدُ خَمْسَمِائَةِ نَارٍ حَتّى تُرَى مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، وَذَهَبَ ذِكْرُ مُعَسْكَرِنَا، وَنِيرَانِنَا فِى كُلّ وَجْهٍ حَتّى كَانَ مِمّا كَبَتَ اللّهُ تَعَالَى عَدُوّنَا. وَانْتَهَى مَعْبَدُ بْنُ أَبِى مَعْبَدٍ الْخُزَاعِىّ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ سَلَمًا لِلنّبِىّ ÷ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك فِى أَصْحَابِك، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ أَعْلَى كَعْبَك، وَأَنّ الْمُصِيبَةَ كَانَتْ بِغَيْرِك، ثُمّ مَضَى مَعْبَدٌ حَتّى يَجِدَ أَبَا سُفْيَانَ وَقُرَيْشًا بِالرّوْحَاءِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لا مُحَمّدًا أَصَبْتُمْ وَلا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ فَبِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الرّجُوعِ، وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ: مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، أَصَبْنَا أَشْرَافَهُمْ ثُمّ رَجَعْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَفْرٌ - وَالْمُتَكَلّمُ بِهَذَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، فَلَمّا جَاءَ مَعْبَدٌ إلَى أَبِى سُفْيَانَ، قَالَ: هَذَا مَعْبَدٌ وَعِنْدَهُ الْخَبَرُ، مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ؟. قَالَ: تَرَكْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَلْفِى يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ النّيرَانِ وَقَدْ أَجْمَعَ مَعَهُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ بِالأَمْسِ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَتَعَاهَدُوا أَلاّ يَرْجِعُوا حَتّى يَلْحَقُوكُمْ فَيَثْأَرُوا مِنْكُمْ وَغَضِبُوا لِقَوْمِهِمْ غَضَبًا شَدِيدًا وَلِمَنْ أَصَبْتُمْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. قَالُوا: وَيْلَك مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا نَرَى أَنْ نَرْتَحِلَ حَتّى نَرَى نَوَاصِىَ الْخَيْلِ ثُمّ قَالَ مَعْبَدُ: لَقَدْ حَمَلَنِى مَا رَأَيْت مِنْهُمْ، أَنْ قُلْت أَبْيَاتًا: إذْ سَالَتْ الأَرْضُ بِالْجُرْدِ الأَبَابِيلِ عِنْدَ اللّقَاءِ وَلا مِيلٍ مَعَازِيلِ إذَا تَغَطْمَطَــــتْ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيـلِ كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي تَعْدُو بِأُسْدٍ كَرَامٍ لا تَنَابِلَةٍ فَقُلْت وَيْلَ ابْنَ حَـــرْبٍ مِنْ لِقَائِهِــمْ وَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ تَعَالَى أَبَا سُفْيَانَ، وَأَصْحَابَهُ كَلامُ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيّةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ مَعْبَدُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا قَوْمِ لا تَفْعَلُوا، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَزِنُوا وَأَخْشَى أَنْ يَجْمَعُوا عَلَيْكُمْ مَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَارْجِعُوا وَالدّوْلَةُ لَكُمْ، فَإِنّى لا آمَنُ إنْ رَجَعْتُمْ أَنْ تَكُونَ الدّوْلَةُ عَلَيْكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَرْشَدُهُمْ صَفْوَانُ وَمَا كَانَ بِرَشِيدٍ وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ الْحِجَارَةُ وَلَوْ رَجَعُوا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ”، فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ سِرَاعًا خَائِفِينَ مِنْ الطّلَبِ لَهُمْ، وَمَرّ بِأَبِى سُفْيَانَ نَفَرٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَلْ مُبْلِغُو مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ مَا أَرْسَلَكُمْ بِهِ عَلَى أَنْ أُوَقّرَ لَكُمْ أَبَاعِرَكُمْ زَبِيبًا غَدًا بِعُكَاظٍ إنْ أَنْتُمْ جِئْتُمُونِى؟. قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: حَيْثُمَا لَقِيتُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنّا قَدْ أَجَمَعْنَا الرّجْعَةَ إلَيْهِمْ وَأَنّا آثَارَكُمْ. فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ، وَقَدِمَ الرّكْبُ عَلَى النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ بِالْحَمْرَاءِ فَأَخْبَرُوهُمْ الّذِى أَمَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالُوا: حَسُبْنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَفِى ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ% الآيَةُ. وَقَوْلَهُ: ×الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ% الآيَةَ. وَكَانَ مَعْبَدٌ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ خُزَاعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يُعْلِمُهُ أَنْ قَدْ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ خَائِفِينَ وَجِلِينَ، ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ.

  • * *







سَرِيّةُ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِى أَسَدٍ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا. قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ، وَغَيْرُهُ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِى مِنْ حَدِيثِ هَذِهِ السّرِيّةِ وَعِمَادُ الْحَدِيثِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالُوا: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ أَحَدًا، وَكَانَ نَازِلاً فِى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ حَيْنَ تَحَوّلَ مِنْ قُبَاءٍ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِى أُمَيّةَ، فَجُرِحَ بِأُحُدٍ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَهُ الْخَبَرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ سَارَ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَرَكِبَ حِمَارًا وَخَرَجَ يُعَارِضُ رَسُولَ اللّهِ ÷ حَتّى لَقِيَهُ حَيْنَ هَبَطَ مِنْ الْعَصْبَةِ بِالْعَقِيقِ فَسَارَ مَعَ النّبِىّ ÷ إلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ. فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ انْصَرَفَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجَعَ مِنْ الْعَصْبَةِ، فَأَقَامَ شَهْرًا يُدَاوِى جُرْحَهُ حَتّى رَأَى أَنْ قَدْ بَرَأَ وَدَمَلَ الْجُرْحُ عَلَى بَغْىٍ لا يُدْرَى بِهِ فَلَمّا كَانَ هِلالُ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “اُخْرُجْ فِى هَذِهِ السّرِيّةِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهَا”، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ: “سِرْ حَتّى تَرِدَ أَرْضَ بَنِى أَسَدٍ، فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ تَلاقَى عَلَيْك جَمُوعُهُمْ”، وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَخَرَجَ مَعَهُ فِى تِلْكَ السّرِيّةِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ مِنْهُمْ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِى رُهْمٍ وَهُوَ أَخُو أَبِى سَلَمَةَ لأُمّهِ - أُمّهُ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ الْعَامِرِىّ. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ: مُعَتّبُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ حَمْرَاءَ الْخُزَاعِىّ حَلِيفٌ فِيهِمْ وَأَرْقَمُ ابْنُ أَبِى الأَرْقَمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَمِنْ بَنِى فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ. وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ، وَأَبُو عَبْسٍ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَنَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ الظّفَرِىّ وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِىّ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَخُبَيْبُ بْنُ يِسَافٍ، وَمَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا. وَاَلّذِى هَاجَهُ أَنّ رَجُلاً مِنْ طَيّئ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ بِهِ مِنْ طَيّئ مُتَزَوّجَةً رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَنَزَلَ عَلَى صِهْرِهِ الّذِى هُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ أَنّ طُلَيْحَةَ، وَسَلَمَةَ ابْنَىْ خُوَيْلِدٍ تَرَكَهُمَا قَدْ سَارَا فِى قَوْمِهِمَا، وَمَنْ أَطَاعَهُمَا بِدَعْوَتِهِمَا إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ ÷ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا لِلْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِى عُقْرِ دَارِهِ وَنُصِيبُ مِنْ أَطْرَافِهِ، فَإِنّ لَهُمْ سَرْحًا يَرْعَى جَوَانِبَ الْمَدِينَةِ؛ وَنَخْرُجُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَقَدْ أَرْبَعْنَا خَيْلَنَا، وَنَخْرُجُ عَلَى النّجَائِبِ الْمَخْبُورَةِ، فَإِنْ أَصَبْنَا نَهْبًا لَمْ نُدْرَك، وَإِنْ لاقَيْنَا جَمْعَهُمْ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا مَعَنَا خَيْلٌ، وَلا خَيْلَ مَعَهُمْ، وَمَعَنَا نَجَائِبُ أَمْثَالُ الْخَيْلِ وَالْقَوْمُ مَنْكُوبُونَ قَدْ أَوْقَعَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ حَدِيثًا فَهُمْ لا يَسْتَبِلّونَ دَهْرًا، وَلا يَثُوبُ لَهُمْ جَمْعٌ، فَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ وَاَللّهِ مَا هَذَا بِرَأْىٍ مَا لَنَا قِبَلَهُمْ وِتْرٌ وَمَا هُمْ نُهْبَةٌ لِمُنْتَهِبٍ إنّ دَارَنَا لَبَعِيدَةٌ مِنْ يَثْرِبَ، وَمَا لَنَا جَمْعٌ كَجَمْعِ قُرَيْشٍ، مَكَثَتْ قُرَيْش ٌ دَهْرًا تَسِيرُ فِى الْعَرَبِ تَسْتَنْصِرُهَا، وَلَهُمْ وِتْرٌ يَطْلُبُونَهُ، ثُمّ سَارُوا وَقَدْ امْتَطُوا الإِبِلَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَحَمَلُوا السّلاحَ مَعَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ – ثَلاثَةِ آلافِ مُقَاتِلٍ سِوَى أَتْبَاعِهِمْ – وَإِنّمَا جَهْدُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِى ثَلاثِمِائَةِ رَجُلٍ إنْ كَمُلُوا، فَتُغَرّرُونَ بِأَنْفُسِكُمْ وَتَخْرُجُونَ مِنْ بَلَدِكُمْ، وَلا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ. فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُشَكّكَهُمْ فِى الْمَسِيرِ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَخَرَجَ بِهِ الرّجُلُ الّذِى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ مَا أَخْبَرَ الرّجُلُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا سَلَمَةَ، فَخَرَجَ فِى أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ الطّائِىّ دَلِيلاً فَأَغَذّوْا السّيْرَ، وَنَكَبَ بِهِمْ عَنْ سَنَنِ الطّرِيقِ وَعَارَضَ الطّرِيقَ، وَسَارَ بِهِمْ لَيْلاً وَنَهَارًا فَسَبَقُوا الأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إلَى أَدْنَى قَطَنٍ - مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِى أَسَدٍ، هُوَ الّذِى كَانَ عَلَيْهِ جَمْعُهُمْ - فَيَجِدُونَ سَرْحًا فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ فَضَمّوهُ وَأَخَذُوا رِعَاءً لهم. مُمَالِيك ثَلاثَةٍ وَأَفْلَتْ سَائِرُهُمْ فَجَاءُوا جَمْعَهُمْ فَخَبّرُوهُمْ الْخَبَرَ وَحَذّرُوهُمْ جَمْعَ أَبِى سَلَمَةَ وَكَثّرُوهُ عِنْدَهُمْ فَتَفَرّقَ الْجَمْعُ فِى كُلّ وَجْهٍ. وَوَرَدَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاءَ فَيَجِدُ الْجَمْعَ قَدْ تَفَرّقَ فَعَسْكَرَ وَفَرّقَ أَصْحَابَهُ فِى طَلَبِ النّعَمِ وَالشّاءِ فَجَعَلَهُمْ ثَلاثَ فِرَقٍ - فِرْقَةٌ أَقَامَتْ مَعَهُ وَفِرْقَتَانِ أَغَارَتَا فِى نَاحِيَتَيْنِ شَتّى. وَأَوْعَزَ إلَيْهِمَا أَلاّ يُمْعِنُوا فِى طَلَبٍ وَأَلاّ يَبِيتُوا إلاّ عِنْدَهُ إنْ سَلّمُوا، وَأَمَرَهُمْ أَلاّ يَفْتَرِقُوا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى كُلّ فِرْقَةٍ عَامِلاً مِنْهُمْ، فَآبُوا إلَيْهِ جَمِيعًا سَالِمِينَ قَدْ أَصَابُوا إبِلاً وَشَاءً، وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا فَانْحَدَرَ أَبُو سَلَمَةَ بِذَلِكَ كُلّهِ إلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا وَرَجَعَ مَعَهُ الطّائِىّ فَلَمّا سَارُوا لَيْلَةً قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: اقْتَسِمُوا غَنَائِمَكُمْ، فَأَعْطَى أَبُو سَلَمَةَ الطّائِىّ الدّلِيلَ رِضَاهُ مِنْ الْمَغْنَمِ، ثُمّ أَخَرَجَ صَفِيّا لِرَسُولِ اللّهِ ÷ عَبْدًا ثُمّ أَخْرَجَ الْخُمُسَ، ثُمّ قَسَمَ مَا بَقِىَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَعَرَفُوا سُهْمَانَهُمْ، ثُمّ أَقْبَلُوا بِالنّعَمِ وَالشّاءِ يَسُوقُونَهَا حَتّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ الّذِى جَرَحَ أَبَا سَلَمَةَ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، رَمَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِمَعْبَلَةٍ فِى عَضُدِهِ فَمَكَثَ شَهْرًا يُدَاوِيهِ فَبَرَأَ فِيمَا نَرَى وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا إلَى قَطَنٍ وَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةٍ. فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ لِثَلاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ فَغَسَلَ مِنْ الْيَسِيرَةِ - بِئْرِ بَنِى أُمَيّةَ - بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَكَانَ اسْمُهَا فِى الْجَاهِلِيّةِ الْعَبِيرُ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ الْيَسِيرَةَ، ثُمّ حُمِلَ مِنْ بَنِى أُمَيّةَ فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ: وَاعْتَدّتْ أُمّى حَتّى خَلَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمّ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷، وَدَخَلَ بِهَا فِى لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوّالٍ، فَكَانَتْ أُمّى تَقُولُ: مَا بَأْسٌ فِى النّكَاحِ فِى شَوّالٍ، وَالدّخُولِ فِيهِ قَدْ تَزَوّجَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى شَوّالٍ وَأَعْرَسَ بِى فِى شَوّالٍ، وَمَاتَتْ أُمّ سَلَمَةَ فِى ذِى الْقِعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثْت عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ فَعَرَفَ السّرِيّةَ، وَمَخْرَجَ أَبِى سَلَمَةَ إلَى قَطَنٍ، وَقَالَ: أَمَا سُمّىَ لَك الطّائِيّ؟ قُلْت: لا، قَالَ: هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ طَرِيفٍ عَمّ زَيْنَبَ الطّائِيّةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ طُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَنَزَلَ الطّائِىّ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَذَهَبَ بِهِ طُلَيْبٌ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَ خَبَرَ بَنِى أَسَدٍ وَمَا كَانَ مِنْ هُمُومِهِمْ بِالْمَسِيرِ، وَرَجَعَ مَعَهُمْ الطّائِىّ دَلِيلاً وَكَانَ خِرّيتًا، فَسَارَ بِهِمْ أَرْبَعًا إلَى قَطَنٍ، وَسَلَكَ بِهِمْ غَيْرَ الطّرِيقِ، لأَنْ يَعْمِىَ الْخَبَرَ عَلَى الْقَوْمِ، فَجَاءُوا الْقَوْمَ وَهُمْ غَارُونَ عَلَى صِرْمَةَ فَوَجَدُوا الصّرْمَ قَدْ نَذِرُوا بِهِمْ وَخَافُوهُمْ فَهُمْ مُعِدّونَ، فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ جِرَاحَةٌ وَافْتَرَقُوا، ثُمّ أَغَارَ الطّائِيّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى بَنِى أَسَدٍ فَكَانَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا جِرَاحٌ وَأَصَابُوا لَهُمْ نَعَمًا وَشَاءً، فَمَا تَخَلّصُوا مِنْهُمْ شَيْئًا حَتّى دَخَلَ الإِسْلامُ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: أَبُو سَلَمَةَ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِلْجُرْحِ الّذِى جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمّ انْتَقَضَ بِهِ. وَكَذَلِكَ أَبُو خَالِدٍ الزّرَقِىّ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ، جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ جُرْحًا، فَلَمّا كَانَ فِى خِلافَةِ عُمَرَ انْتَقَضَ بِهِ الْجُرْحُ فَمَاتَ فِيهِ فَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ شُهَدَاءِ الْيَمَامَةِ لأَنّهُ جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثْت يَعْقُوبَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ حَدِيثَ أَبِى سَلَمَةَ كُلّهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا سَلَمَةَ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا، فِى مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللّيْلَ، وَيَكْمُنُونَ النّهَارَ، حَتّى وَرَدُوا قَطَنٍ، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ جَمَعُوا جَمْعًا، فَأَحَاطَ بِهِمْ أَبُو سَلَمَةَ فِى عَمَايَةِ الصّبْحِ، وَقَدْ وَعَظَ الْقَوْمَ، وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَرَغّبَهُمْ فِى الْجِهَادِ، وَحَضّهُمْ عَلَيْهِ، وَأَوْعَزَ إلَيْهِمْ فِى الإِمْعَانِ فِى الطّلَبِ، وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ، فَانْتَبَهَ الْحَاضِرُ قَبْلَ حَمْلَةِ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ فَتَهَيّئُوا وَأَخَذُوا السّلاحَ، أَوْ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَصَفّوا لِلْقِتَالِ. وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَبَانَ رِجْلَهُ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الأَعْرَابِ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ عُرْوَةَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالرّمْحِ فَقَتَلَهُ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَاحِبِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ مِنْ ثِيَابِهِ فَحَازُوهُ إلَيْهِمْ. ثُمّ صَاحَ سَعْدٌ مَا يُنْتَظَرُ فَحَمَلَ أَبُو سَلَمَةَ فَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى حَامِيَتِهِمْ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ تَفَرّقَ الْمُشْرِكُونَ فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَمْسَكَ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ الطّلَبِ، فَانْصَرَفُوا إلَى الْمَحَلّةِ، فَوَارَوْا صَاحِبَهُمْ وَأَخَذُوا مَا خَفّ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ فِى الْمَحَلّةِ ذُرّيّةٌ، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى الْمَدِينَةِ، حَتّى إذَا كَانُوا مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَئُوا الطّرِيقَ فَهَجَمُوا عَلَى نَعَمٍ لَهُمْ فِيهِمْ رِعَاؤُهُمْ وَإِنّمَا نَكّبُوا عَنْ سَنَنِهِمْ فَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَاسْتَاقُوا الرّعَاءَ فَكَانَتْ غَنَائِمُهُمْ سَبْعَةَ أَبْعِرَةٍ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: فَلَمّا أَخْطَأْنَا الطّرِيقَ اسْتَأْجَرْنَا رَجُلاً مِنْ الْعَرَبِ دَلِيلاً يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ فَقَالَ: أَنَا أَهْجُمُ بِكَمْ عَلَى نَعَمٍ فَمَا تَجْعَلُونَ لِى مِنْهُ؟ قَالُوا: الْخُمُسَ، قَالَ: فَدَلّهُمْ عَلَى النّعَمِ وَأَخَذَ خُمُسَهُ.

  • * *







غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَأَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلاءِ الْمُسَمّينَ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى، قَالُوا: قَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الْبَرَاءِ مَلاعِبَ الأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَرَسَيْنِ وَرَاحِلَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَعَرَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، فَلَمْ يُسْلِمْ، وَلَمْ يُبْعِدْ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّى أَرَى أَمْرَك هَذَا أَمْرًا حَسَنًا شَرِيفًا؛ وَقَوْمِى خَلْفِى، فَلَوْ أَنّك بَعَثْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك مَعِى لَرَجَوْت أَنْ يُجِيبُوا دَعْوَتَك وَيَتّبِعُوا أَمْرَك، فَإِنْ هُمْ اتّبَعُوك فَمَا أَعَزّ أَمْرَك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ”. فَقَالَ عَامِرٌ: لا تَخَفْ عَلَيْهِمْ أَنَا لَهُمْ جَارٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ. وَكَانَ مِنْ الأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلاً شَبَبَةً يُسَمّونَ الْقُرّاءَ كَانُوا إذَا أَمْسَوْا أَتَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَدَارَسُوا وَصَلّوْا، حَتّى إذَا كَانَ وِجَاهَ الصّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَحَطِبُوا مِنْ الْحَطَبِ، فَجَاءُوا بِهِ إلَى حِجْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى أَهْلِيهِمْ، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَخَرَجُوا فَأُصِيبُوا فِى بِئْرِ مَعُونَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: كَانُوا سَبْعِينَ، وَيُقَالُ: إنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَرَأَيْت الثّبْتَ عَلَى أَنّهُمْ أَرْبَعُونَ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَعَهُمْ كِتَابًا، وَأَمّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السّاعِدِىّ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِى سُلَيْمٍ، وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِى عَامِرٍ وَبَنِى سُلَيْمٍ وَكِلا الْبَلَدَيْنِ يُعَدّ مِنْهُ. فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ الْمُنْذِرُ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُطّلِبُ، فَلَمّا نَزَلُوا عَلَيْهَا عَسْكَرُوا بِهَا وَسَرّحُوا ظَهْرَهُمْ، وَبَعَثُوا فِى سَرْحِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةِ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَدّمُوا حَرَامَ ابْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ فِى رِجَالٍ مِنْ بَنِى عَامِرٍ، فَلَمّا انْتَهَى حَرَامٌ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ، وَوَثَبَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِى عَامِرٍ، فَأَبَوْا، وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو بَرَاءٍ خَرَجَ قَبْلَ الْقَوْمِ إلَى نَاحِيَةِ نَجْدٍ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَدْ أَجَارَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ فَلا يَعْرِضُوا لَهُمْ، فَقَالُوا: لَنْ يُخْفَرَ جِوَارُ أَبِى بَرَاءٍ، وَأَبَتْ عَامِرٌ أَنْ تَنْفِرَ مَعَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، فَلَمّا أَبَتْ عَلَيْهِ بَنُو عَامِرٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ - عُصَيّةَ وَرِعْلاً - فَنَفَرُوا مَعَهُ وَرَأّسُوهُ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا أَقْبَلُ هَذَا وَحْدَهُ فَاتّبَعُوا إثْرَهُ حَتّى وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ اسْتَبْطَئُوا صَاحِبَهُمْ، فَأَقْبَلُوا فِى إثْرِهِ، فَلَقِيَهُمْ الْقَوْمُ وَالْمُنْذِرُ مَعَهُمْ فَأَحَاطَتْ بَنُو عَامِرٍ بِالْقَوْمِ وَكَاثَرُوهُمْ، فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتّى قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷. وَبَقِىَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ: إنْ شِئْت آمَنّاك. فَقَالَ: لَنْ أُعْطِىَ بِيَدِى، وَلَنْ أَقْبَلَ لَكُمْ أَمَانّا، حَتّى آتِىَ مَقْتَلَ حَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَ مِنّى جِوَارُكُمْ، فَآمَنُوهُ حَتّى أَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئُوا إلَيْهِ مِنْ جِوَارِهِمْ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ÷: “أَعْنَقَ لِيَمُوتَ”. وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بِالسّرْحِ، وَقَدْ ارْتَابَا بِعُكُوفِ الطّيْرِ عَلَى مَنْزِلِهِمْ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، فَجَعَلا يَقُولانِ: قُتِلَ وَاَللّهِ أَصْحَابُنَا؛ وَاَللّهِ مَا قَتَلَ أَصْحَابَنَا إلاّ أَهْلُ نَجْدٍ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ، فَإِذَا أَصْحَابُهُمْ مَقْتُولُونَ وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ لعمرو بْنِ أُمَيّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَأُخْبِرَهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ الْحَارِثُ: مَا كُنْت لأَتَأَخّرَ عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ، فَأَقْبَلا لِلْقَوْمِ، فَقَاتَلَهُمْ الْحَارِثُ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ أَخَذُوهُ فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَالُوا لِلْحَارِثِ: مَا تُحِبّ أَنْ نَصْنَعَ بِك، فَإِنّا لا نُحِبّ قَتْلَك؟ قَالَ: أَبْلِغُونِى مَصْرَعَ الْمُنْذِرِ وَحَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَتْ مِنّى ذِمّتُكُمْ، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَبَلَغُوا بِهِ، ثُمّ أَرْسَلُوهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ قُتِلَ فَمَا قَتَلُوهُ حَتّى شَرَعُوا لَهُ الرّمَاحَ فَنَظَمُوهُ فِيهَا، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى أُمّى نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرّ عَنْهَا وَجَزّ نَاصِيَتَهُ. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ: هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَك؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَطَافَ فِيهِمْ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ، فَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: أَفْقِدُ مَوْلًى لأَبِى بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْت: كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوّلِ أَصْحَابِ نَبِيّنَا، قَالَ: أَلا أُخْبِرُك خَبَرَهُ؟ وَأَشَارَ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ، ثُمّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ، فَذَهَبَ بِالرّجُلِ عُلُوّا فِى السّمَاءِ حَتّى وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْت: ذَلِكَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَكَانَ الّذِى قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى كِلابٍ يُقَالُ لَهُ جَبّارُ بْنُ سَلْمَى، ذَكَرَ أَنّهُ لَمّا طَعَنَهُ قَالَ: سَمِعْته يَقُولُ: فُزْت وَاَللّهِ. قَالَ: فَقُلْت فِى نَفْسِى: مَا قَوْلُهُ: فُزْت؟ قَالَ: فَأَتَيْت الضّحّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلابِىّ فَأَخْبَرْته بِمَا كَانَ وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِهِ: فُزْت، فَقَالَ: الْجَنّةَ. قَالَ: وَعَرَضَ عَلَىّ الإِسْلامَ. قَالَ: فَأَسْلَمْت، وَدَعَانِى إلَى الإِسْلامِ مَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مِنْ رَفْعِهِ إلَى السّمَاءِ عُلُوّا، قَالَ: وَكَتَبَ الضّحّاكُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يُخْبِرُهُ بِإِسْلامِى، وَمَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَإِنّ الْمَلائِكَةَ وَارَتْ جُثّتَهُ وَأَنْزَلَ عِلّيّينَ”. فَلَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ، جَاءَ مَعَهَا فِى لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصَابُهُمْ، وَمُصَابُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِى مَرْثَدٍ، وَبَعَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “هَذَا عَمَلُ أَبِى بَرَاءٍ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا”، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرّكْعَةِ مِنْ الصّبْحِ فِى صُبْحِ تِلْكَ اللّيْلَةِ الّتِى جَاءَهُ الْخَبَرُ، فَلَمّا قَالَ: “سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ”، قَالَ: “اللّهُمّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرًا؛ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَزِعْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيّةَ، فَإِنّهُمْ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارّةَ; اللّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ ابْنِ هِشَامٍ، وَعَيّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللّهُ”، ثُمّ سَجَدَ، فَقَالَ: ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ×لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ% الآيَةُ. وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، يَقُولُ: يَا رَبّ سَبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، يَقُولُ: قَتَلْت مِنْ الأَنْصَارِ فِى مَوَاطِنَ سَبْعِينَ سَبْعِينَ – يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِى عُبَيْدٍ سَبْعُونَ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ. وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتّى نُسِخَ ×بَلّغُوا قَوْمَنَا أَنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِىَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ%. قَالُوا: وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هِمّ، فَبَعَثَ مِنْ الْعِيصِ ابْنَ أَخِيهِ لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيّةٍ فَرَسٍ فَرَدّهُ النّبِىّ ÷ وَقَالَ: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَقَالَ لَبِيدٌ: مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدّ هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “لَوْ قَبِلْت هَدِيّةَ مُشْرِكٍ لَقَبِلْت هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ”. قَالَ: فَإِنّهُ قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ بِهِ - وَكَانَتْ بِهِ الدّبَيْلَةُ، فَتَنَاوَلَ النّبِىّ ÷ جَبُوبَةً مِنْ الأَرْضِ فَتَفَلَ فِيهَا، ثُمّ نَاوَلَهُ وَقَالَ: “دُفْهَا بِمَاءٍ، ثُمّ اسْقِهَا إيّاهُ”. فَفَعَلَ فَبَرِئَ، وَيُقَالُ: إنّهُ بَعَثَ إلَيْهِ بِعُكّةَ عِسْلاً، فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ، فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِى قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِىّ، فَمَرّ بِالْعِيصِ، فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلانِ طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِرَبِيعَةَ: “مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك”؟ قَالَ رَبِيعَةُ: نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِى بَرَاءٍ، فَخَبّرَ أَبَاهُ فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِىّ ÷ وَلا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ: أَخْفِرنِى ابْنَ أَخِى مِنْ بَيْنِ بَنِى عَامِرٍ. وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِىّ، يُقَالُ لَهُ: الْهَدْمُ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ. وَتَصَايَحَ النّاسُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى، وَقَالَ: قَضَيْت ذِمّةَ أَبِى بَرَاءٍ. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّى، هَذَا فِعْلَهُ وَقَالَ النّبِىّ ÷: “اللّهُمّ اهْدِ بَنِى عَامِرٍ، وَاطْلُبْ خُفْرَتِى مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ”. وَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى النّبِىّ ÷ سَارَ عَلَى رِجْلَيْهِ أَرْبَعًا؛ فَلَمّا كَانَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ لَقِىَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِى كِلابٍ، قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَكَسَاهُمَا، وَلَهُمَا مِنْهُ أَمَانٌ. وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ عَمْرٌو، فَقَايَلَهُمَا فَلَمّا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا لِلّذِى أَصَابَتْ بَنُو عَامِرٍ مِنْ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ. ثُمّ قَدِمَ عَلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ، فَقَالَ: “أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ” وَيُقَالُ: إنّ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ رَجَعَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فَقَالَ النّبِىّ ÷: “مَا بَعَثْتُك قَطّ إلاّ رَجَعْت إلَىّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِك”، وَيُقَالُ: إنّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِى السّرِيّةِ إلاّ أَنْصَارِىّ، وَهَذَا الثّبْتُ عِنْدَنَا. وَأَخْبَرَ عَمْرُو النّبِىّ ÷ بِمَقْتَلِ الْعَامِرِيّيْنِ فَقَالَ: “بِئْسَ مَا صَنَعْت، قَتَلْت رَجُلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنّى أَمَانٌ وَجِوَارٌ لأَدِيَنّهُمَا”، فَكَتَبَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَبَعَثَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُخْبِرُهُ إنّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَجِوَارٌ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دِيَتَهُمَا، دِيَةَ حُرّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ. حَدّثَنِى مُصْعَبٌ، عَنْ أَبِى أَسْوَدَ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَرَصَ الْمُشْرِكُونَ بِعُرْوَةَ بْنِ الصّلْتِ أَنْ يُؤَمّنُوهُ فَأَبَى - وَكَانَ ذَا خِلّةٍ بِعَامِرٍ - مَعَ أَنّ قَوْمَهُ بَنِى سُلَيْمٍ حَرَصُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَبَى وَقَالَ: لا أَقَبْلُ لَكُمْ أَمَانًا وَلا أَرْغَبُ بِنَفْسِى عَنْ مَصْرَعِ أَصْحَابِى، وَقَالُوا حَيْنَ أُحِيطَ بِهِمْ: اللّهُمّ إنّا لا نَجِدُ مَنْ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلامَ غَيْرَك، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السّلامَ - فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ بِذَلِكَ.

  • * *

تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِى تَيْمٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ؛ وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ: الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ حَلِيفٌ لَهُمْ وَمِنْ بَنِى سَهْمٍ: نَافِعٌ مِنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ؛ وَمِنْ الأَنْصَارِ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَمِنْ بَنِى زُرَيْقٍ: مُعَاذُ بْنُ مَاعِصٍ، وَمِنْ بَنِى النّجّارِ: حَرَامٌ، وَسُلَيْمٌ ابْنَا مِلْحَانَ، وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ: الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ ابْنِ عَمْرٍو، وَالطّفَيْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ: أَنَسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَنَسٍ وَأَبُو شَيْخٍ أُبَىّ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَمِنْ بَنِى دِينَارِ بْنِ النّجّارِ: عَطِيّةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، وَارْتُثّ مِنْ الْقَتْلَى كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ - قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَمِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عُرْوَةُ بْنُ الصّلْتِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ؛ وَمِنْ النّبِيتِ مَالِكُ ابْنُ ثَابِتٍ وَسُفْيَانُ بْنُ ثَابِتٍ. فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِمّنْ يُحْفَظُ اسْمُهُ سِتّةَ عَشَرَ رَجُلاً. وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْثِى نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَنْشُدُونَهَا: رَحِمَ اللّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ صَارِمٌ صـــَادِقُ اللّقَـــاءِ إذَا مَـــا رَحْمَةَ الْمُبْتَغِى ثَوَابَ الْجِهَادِ أَكْثَرَ النّاسُ قَالَ قَـــوْلَ السّــــدَادِ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِىّ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِىّ، وَكَانَ طُعَيْمَةُ يُكْنَى أَبَا الرّيّانِ، خَرَجَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ يُحَرّضُ قَوْمَهُ يَطْلُبُ بِدَمِ ابْنِ أَخِيهِ حَتّى قَتَلَ نَافِعَ ابْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَقَالَ: تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِىّ ثَاوِيًا

ذَكَـــرْت أَبَا الرّيّانِ لَمّـا عَرَفْتـــه		بِمُعْتَرَكٍ تَسْفِى عَلَيْهِ الأَعَاصِرُ 

وَأَيْقَنْت أَنّـــى يَـــوْمَ ذَلِكَ ثَائِـــرُ سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَثْبُتُونَهَا. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِى الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو: صَلّى الإِلَهُ عَلَى ابْنِ عَمْرٍو إنّهُ قَالُوا لَهُ أَمْرَيْــنِ فَاخْتَـــرْ فِيهِمَـــا صَدْقُ اللّقَاءِ وَصَدْقُ ذَلِكَ أَوْفَقُ فَاخْتَارَ فِى الرّأْىِ الّذِى هُوَ أَرْفَــقُ أَ نْشَدَنِى ابْنُ جَعْفَرٍ قَصِيدَةَ حَسّانٍ “سَحّا غَيْرَ نَزْرٍ”.

  • * *



غَزْوَةُ الرّجِيعِ فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَ الرّجِيعِ عُيُونًا إلَى مَكّةَ لِيُخْبِرُوهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ، فَسَلَكُوا عَلَى النّجْدِيّةِ حَتّى كَانُوا بِالرّجِيعِ فَاعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ فِى رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ جَمَعْت الّذِى حَدّثُونِى. قَالُوا: لَمّا قُتِلَ سُفْيَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ مَشَتْ بَنُو لِحْيَانَ إلَى عَضَلٍ وَالْقَارّةِ، فَجَعَلُوا لَهُمْ فَرَائِضَ عَلَى أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيُكَلّمُوهُ فَيُخْرِجَ إلَيْهِمْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْعُونَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَنَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَنَا وَنَخْرُجَ بِسَائِرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ فَنُصِيبَ بِهِمْ ثَمَنًا؛ فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَىْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُمَثّلُونَ بِهِ، وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ، فَقَدِمَ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ – وَهُمَا حَيّانِ إلَى خُزَيْمَةَ – مُقِرّيْنِ بِالإِسْلامِ فَقَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ ÷: إنّ فِينَا إسْلامًا فَاشِيًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُفَقّهُونَنَا فِى الإِسْلامِ. فَبَعَثَ مَعَهُمْ سَبْعَةَ نَفَرٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ البَلَوِىّ حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ، وَأَخَاهُ لأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِىّ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة مِنْ بَنِى بَيَاضَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. وَيُقَالُ: كَانُوا عَشْرَةً وَأَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ؛ وَيُقَالُ: أَمِيرُهُمْ عَاصِمُ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِمَاءٍ لهُذَيْل - يُقَالُ لَهُ: الرّجِيعُ قَرِيبٌ مِنْ الْهَدّةِ - خَرَجَ النّفَرُ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ بَعَثَهُمْ اللّحْيَانِيّونَ فَلَمْ يُرَعْ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ ÷ إلاّ بِالْقَوْمِ مِائَةُ رَامٍ وَفِى أَيْدِيهمْ السّيُوفُ. فَاخْتَرَطَ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ أَسْيَافَهُمْ ثُمّ قَامُوا، فَقَالَ الْعَدُوّ: مَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ وَمَا نُرِيدُ إلاّ أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ثَمَنًا، وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لا نَقْتُلُكُمْ. فَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِىّ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ، فَاسْتَأْسَرُوا، وَقَالَ خُبَيْبٌ: إنّ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدًا، وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَرْثَدٌ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ، وَمُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا جِوَارَهُمْ وَلا أَمَانَهُمْ، وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: إنّى نَذَرْت أَلاّ أَقْبَلَ جِوَارَ مُشْرِكٍ أَبَدًا، فَجَعَلَ عَاصِمٌ يُقَاتِلُهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: النّبْلُ وَالْقَوْسُ لَهَا بَلابِلُ الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ بِالْمَــــرْءِ وَالْمَــــرْءُ إلَيْـــهِ آئِــلُ مَا عِلّتِى وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ تَزِلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ وَكُــــلّ مَــــا حَمّ الإِلَهُ نَـــازِلُ إنْ لَــمْ أُقَــاتِلْكُــمْ فَأُمّــى هَابِـــلُ قَالَ الْوَاقِدِىّ: مَا رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِنَا أَحَدًا يَدْفَعُهُ، قَالَ: فَرَمَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، ثُمّ طَاعَنَهُمْ بِالرّمْحِ حَتّى كُسِرَ رُمْحُهُ وَبَقِىَ السّيْفُ، فَقَالَ: اللّهُمّ حَمَيْت دِينَك أَوّلَ نَهَارِى، فَاحْمِ لِى لَحْمِى آخِرَهُ، وَكَانُوا يُجَرّدُونَ كُلّ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ: فَكُسِرَ غِمْدُ سَيْفِهِ، ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَقَدْ جَرَحَ رَجُلَيْنِ، وَقَتَلَ وَاحِدًا. فَقَالَ عَاصِمٌ وَهُوَ يُقَاتِل:

وَرِثْـــت مَجْدًا مَعْشَــرًا كِرَامًــا

أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِـــى رَامَــــى أَصَبْـــت مَــرْثَدًا وَخَالِدًا قِيَامًـــا ثُمّ شَرَعُوا فِيهِ الأَسِنّةَ حَتّى قَتَلُوهُ. وَكَانَتْ سُلافَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الشّهِيدِ. قَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَبَنُوهَا أَرْبَعَةٌ قَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ الْحَارِثُ وَمُسَافِعًا؛ فَنَذَرَتْ لَئِنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْهُ أَنْ تَشْرَبَ فِى قِحْفِ رَأْسِهِ الْخَمْرَ وَجَعَلَتْ لِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَاصِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَعَلِمَتْهُ بَنُو لِحْيَانَ فَأَرَادُوا أَنْ يَحْتَزّوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِيَذْهَبُوا بِهِ إلَى سُلافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهَا مِائَةَ نَاقَةٍ. فَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدّبْرَ فَحَمَتْهُ فَلَمْ يَدْنُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلاّ لَدَغَتْ وَجْهَهُ وَجَاءَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ لا طَاقَةَ لأَحَدٍ بِهِ. فَقَالُوا: دَعُوهُ إلَى اللّيْلِ فَإِنّهُ إذَا جَاءَ اللّيْلُ ذَهَبَ عَنْهُ الدّبْرُ، فَلَمّا جَاءَ اللّيْلُ بَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِ سَيْلاً - وَكُنّا مَا نَرَى فِى السّمَاءِ سَحَابًا فِى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - فَاحْتَمَلَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَلَمْ يَصِلُوا إلَيْهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: وَهُوَ يَذْكُرُ عَاصِمًا - وَكَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَلاّ يَمَسّ مُشْرِكًا، وَلا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ تَنَجّسًا بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَحْفَظُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يَمَسّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ فِى حَيَاتِهِ. وَقَاتَلَ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ حَتّى جُرِحَ فِيهِمْ، ثُمّ خَلَصُوا إلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَخَرَجُوا بِخُبَيْبٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ طَارِقٍ، وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة، حَتّى إذَا كَانُوا بِمَرّ الظّهْرَانِ، وَهُمْ مُوثَقُونَ بِأَوْتَارِ قِسِيّهِمْ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ: هَذَا أَوّلُ الْغَدْرِ وَاَللّهِ لا أُصَاحِبُكُمْ إنّ لِى فِى هَؤُلاءِ لأُسْوَةٌ - يَعْنِى الْقَتْلَى، فَعَالَجُوهُ فَأَبَى، وَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ رِبَاطِهِ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَانْحَازُوا عَنْهُ فَجَعَلَ يَشُدّ فِيهِمْ وَيَنْفَرِجُونَ عَنْهُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ - فَقَبْرُهُ بِمَرّ الظّهْرَانِ. وَخَرَجُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عُدّىّ وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة، حَتّى قَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ، فَأَمّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ حُجَيْرُ بْنُ أَبِى إهَابٍ بِثَمَانِينَ مِثْقَالِ ذَهَبٍ، وَيُقَالُ: اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً وَيُقَالُ: اشْتَرَتْهُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ بِمِائَةٍ مِنْ الإِبِلِ، وَكَانَ حُجَيْرُ إنّمَا اشْتَرَاهُ لابْنِ أَخِيهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة، فَاشْتَرَاهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ، وَيُقَالُ: إنّهُ شَرِكَ فِيهِ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ؛ فَدَخَلَ بِهِمَا فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فِى ذِى الْقَعْدَةِ، فَحُبِسَ حُجَيْرُ خُبَيْبَ ابْنَ عَدِىّ فِى بَيْتِ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا: مَاوِيّةُ مَوْلاةٌ لِبَنِى عَبْدِ مَنَافٍ، وَحَبَسَ صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيّةَ زَيْدَ بْنَ الدّثِنّة عِنْدَ نَاسٍ مِنْ بَنِى جُمَحٍ، وَيُقَالُ: عِنْدَ نِسْطَاسٍ غُلامِهِ، وَكَانَتْ مَاوِيّةُ قَدْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلامُهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاَللّهِ لَقَدْ اطّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ صِيرِ الْبَابِ، وَإِنّهُ لَفِى الْحَدِيدِ مَا أَعْلَمُ فِى الأَرْضِ حَبّةَ عِنَبٍ تُؤْكَلُ، وَإِنّ فِى يَدِهِ لَقِطْفَ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا هُوَ إلاّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللّهُ. وَكَانَ خُبَيْبٌ يَتَهَجّدُ بِالْقُرْآنِ وَكَانَ يَسْمَعُهُ النّسَاءُ فَيَبْكِينَ وَيُرَقّقْنَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْت لَهُ: يَا خُبَيْبُ هَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: لا، إلاّ أَنْ تَسْقِيَنِى الْعَذْبَ، وَلا تُطْعِمِينِى مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ، وَتُخْبِرِينِى إذَا أَرَادُوا قَتْلِى، قَالَتْ: فَلَمّا انْسَلَخَتْ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ أَتَيْته فَأَخْبَرْته، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْته اكْتَرَثَ لِذَلِكَ وَقَالَ: ابْعَثِى لِى بِحَدِيدَةٍ أَسْتَصْلِحْ بِهَا، قَالَتْ: فَبَعَثْت إلَيْهِ مُوسَى مَعَ ابْنَىْ أَبِى حُسَيْنٍ فَلَمّا وَلّى الْغُلامُ، قُلْت: أَدْرَكَ وَاَللّهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ أَىّ شَىْءٍ صَنَعْت؟ بَعَثْت هَذَا الْغُلامَ بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ فَيَقْتُلُهُ وَيَقُولُ: رَجُلٌ بِرَجُلٍ. فَلَمّا أَتَاهُ ابْنِى بِالْحَدِيدَةِ تَنَاوَلَهَا مِنْهُ، ثُمّ قَالَ مُمَازِحًا لَهُ: وَأَبِيك إنّك لَجَرِيءٌ، أَمَا خَشِيَتْ أُمّك غَدِرِى حَيْنَ بَعَثْت مَعَك بِحَدِيدَةٍ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ قَتْلِى؟ قَالَتْ مَاوِيّةُ: وَأَنَا أَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقُلْت: يَا خُبَيْبُ إنّمَا أَمّنْتُك بِأَمَانِ اللّهِ، وَأَعْطَيْتُك بِإِلَهِك، وَلَمْ أُعْطِك لِتَقْتُلَ ابْنِى، فَقَالَ خُبَيْبٌ: مَا كُنْت لأَقْتُلَهُ وَمَا نَسْتَحِلّ فِى دِينِنَا الْغَدْرَ، ثُمّ أَخْبَرَتْهُ أَنّهُمْ مُخْرِجُوهُ فَقَاتَلُوهُ بِالْغَدَاةِ، قَالَ: فَأَخْرَجُوهُ بِالْحَدِيدِ حَتّى انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ، وَخَرَجَ مَعَهُ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ؛ فَلَمْ يَتَخَلّفْ أَحَدٌ، إمّا مَوْتُورٌ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَشَافَى بِالنّظَرِ مِنْ وِتْرِهِ، وَإِمّا غَيْرُ مَوْتُورٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ. فَلَمّا انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة، فَأَمَرُوا بِخَشَبَةٍ طَوِيلَةٍ فَحَفَرَ لَهَا، فَلَمّا انْتَهَوْا بِخُبَيْبٍ إلَى خَشَبَتِهِ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِىّ فَأُصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَوّلَ فِيهِمَا. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ خُبَيْبٌ، قَالُوا: ثُمّ قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لَوْلا أَنْ تَرَوْا أَنّى جَزِعْت مِنْ الْمَوْتِ لاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلاةِ، ثُمّ قَالَ: اللّهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ: لَقَدْ حَضَرْت دَعْوَتَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتنِى وَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ لَيُضْجِعَنِى إلَى الأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ، وَلَقَدْ جَبَذَنِى يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ جَبْذَةً فَسَقَطْت عَلَى عَجْبِ ذَنَبِى فَلَمْ أَزَلْ أَشْتَكِى السّقْطَةَ زَمَانًا. وَقَالَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى: لَقَدْ رَأَيْتنِى أَدْخَلْت إصْبَعِى فِى أُذُنِى، وَعَدَوْت هَرَبًا فَرَقًا أَنْ أَسْمَعَ دُعَاءَهُ. وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: لَقَدْ رَأَيْتنِى أَتَوَارَى بِالشّجَرِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْت جُبَيْرَ ابْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنِى يَوْمَئِذٍ أَتَسَتّرُ بِالرّجَالِ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُشْرِفَ لِدَعْوَتِهِ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ بَرْصَاءَ: وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت أَنْ تُغَادِرَ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الأَخْنَسِىّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِىّ عَلَى حِمْصَ، وَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَىْ أَصْحَابِهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَسَأَلَهُ فِى قَدْمَةٍ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ حَمْصَ، فَقَالَ: يَا سَعِيدُ ما الّذِى يُصِيبُك؟ أَبِك جُنّةٌ؟ قَالَ: لا وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنّى كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبًا حَيْنَ قُتِلَ، وَسُمِعَتْ دَعْوَتُهُ فَوَاَللّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِى، وَأَنَا فِى مَجْلِسٍ إلاّ غُشِىَ عَلَىّ. قَالَ: فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا. وَحَدّثَنِى قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُمّانَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ، قَالَ: حَضَرْت يَوْمَئِذٍ دَعْوَةَ خُبَيْبٍ، فَمَا كُنْت أَرَى أَنّ أَحَدًا مِمّنْ حَضَرَ يَنْفَلِت مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ كُنْت قَائِمًا فَأَخْلَدْت إلَى الأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ مَكَثَتْ قُرَيْشٌ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَمَا لَهَا حَدِيثٌ فِى أَنْدِيَتِهَا إلاّ دَعْوَةَ خُبَيْبٍ. قَالُوا: فَلَمّا صَلّى الرّكْعَتَيْنِ حَمَلُوهُ إلَى الْخَشَبَةِ، ثُمّ وَجّهُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، ثُمّ قَالُوا: ارْجِعْ عَنْ الإِسْلامِ نُخْلِ سَبِيلَك، قَالَ: لا وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّى رَجَعْت عَنْ الإِسْلامِ، وَأَنّ لِى مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا، قَالُوا: فَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا فِى مَكَانِك وَأَنْتَ جَالِسٌ فِى بَيْتِك؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ يُشَاكَ مُحَمّدٌ بِشَوْكَةٍ وَأَنَا جَالِسٌ فِى بَيْتِى، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: ارْجِعْ يَا خُبَيْبُ، قَالَ: لا أَرْجِعُ أَبَدًا، قَالُوا: أَمَا وَاَللاّتِى وَالْعُزّى، لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَقْتُلَنّكَ، فَقَالَ: إنّ قَتْلِى فِى اللّهِ لَقَلِيلٌ فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِمْ وَقَدْ جَعَلُوا وَجْهَهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، قَالَ: أَمّا صَرْفُكُمْ وَجْهِى عَنْ الْقِبْلَةِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ: فَأَيْنَمَا تُوَلّوا، فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ، ثُمّ قَالَ: اللّهُمّ إنّى لا أَرَى إلاّ وَجْهَ عَدُوّ، اللّهُمّ إنّهُ لَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلامَ عَنّى، فَبَلّغْهُ أَنْتَ عَنّى السّلامَ. فَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ فَأَخَذَتْهُ غَمْيَةٌ كَمَا كَانَ يَأْخُذُهُ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ، قَالَ: ثُمّ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: وَعَلَيْهِ السّلامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ؛ ثُمّ قَالَ: “هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُنِى مِنْ خُبَيْبٍ السّلامَ”، قَالَ: ثُمّ دَعَوْا أَبْنَاءً مِنْ أَبْنَاءِ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ فَوَجَدُوهُمْ أَرْبَعِينَ غُلامًا، فَأَعْطَوْا كُلّ غُلامٍ رُمْحًا، ثُمّ قَالُوا: هَذَا الّذِى قَتَلَ آبَاءَكُمْ، فَطَعَنُوهُ بِرِمَاحِهِمْ طَعْنًا خَفِيفًا، فَاضْطَرَبَ عَلَى الْخَشَبَةِ فَانْقَلَبَ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى جَعَلَ وَجْهِى نَحْوَ قِبْلَتِهِ الّتِى رَضِىَ لِنَفْسِهِ وَلِنَبِيّهِ وَلِلْمُؤْمِنَيْنِ، وَكَانَ الّذِينَ أَجَلَبُوا عَلَى قَتْلِ خُبَيْبٍ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الأَوْقَصِ السّلَمِىّ. وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ مِمّنْ حَضَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاَللّهِ مَا أَنَا قَتَلْت خُبَيْبًا إنْ كُنْت يَوْمَئِذٍ لَغُلامًا صَغِيرًا، وَلَكِنّ رَجُلاً مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَيْسَرَةَ مِنْ عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ أَخَذَ بِيَدِى فَوَضَعَهَا عَلَى الْحَرْبَةِ، ثُمّ أَمْسَكَ بِيَدِى، ثُمّ جَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ حَتّى قَتَلَهُ فَلَمّا طَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ أَفْلَتْ فَصَاحُوا: يَا أَبَا سِرْوَعَةَ بِئْسَ مَا طَعَنَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ فَطَعَنَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ حَتّى أَخَرَجَهَا مِنْ ظَهْرِهِ، فَمَكَثَ سَاعَةً يُوَحّدُ اللّهَ وَيَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ. يَقُولُ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ: لَوْ تَرَكَ ذِكْرَ مُحَمّدٍ عَلَى حَالٍ لَتَرَكَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَا رَأَيْنَا قَطّ وَالِدًا يَجِدُ بِوَلَدِهِ مَا يَجِدُ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ ÷، قَالُوا: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة عِنْدَ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ مَحْبُوسًا فِى حَدِيدٍ، وَكَانَ يَتَهَجّدُ بِاللّيْلِ وَيَصُومُ النّهَارَ، وَلا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمّا أُتِىَ بِهِ مِنْ الذّبَائِحِ، فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى صَفْوَانَ وَكَانُوا قَدْ أَحْسَنُوا إسَارَهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ صَفْوَانُ فَمَا الّذِى تَأْكُلُ مِنْ الطّعَامِ؟ قَالَ: لَسْت آكُلُ مِمّا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللّهِ وَلَكِنّى أَشْرَبُ اللّبَنَ، وَكَانَ يَصُومُ فَأَمَرَ لَهُ صَفْوَانُ بِعُسّ مِنْ لَبَنٍ عِنْدَ فِطْرِهِ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ، حَتّى يَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمّا خَرَجَ بِهِ وَبِخُبَيْبٍ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ الْتَقَيَا، وَمَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النّاسِ فَالْتَزَمَ كُلّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَأَوْصَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُ، ثُمّ افْتَرَقَا، وَكَانَ الّذِى وَلِىَ قَتْلَ زَيْدٍ نِسْطَاسٌ غُلامُ صَفْوَانَ، خَرَجَ بِهِ إلَى التّنْعِيمِ فَرَفَعُوا لَهُ جَذَعًا، فَقَالَ: أُصَلّى رَكْعَتَيْنِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ حَمَلُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، ثُمّ جَعَلُوا يَقُولُونَ لِزَيْدٍ: ارْجِعْ عَنْ دِينِك الْمُحْدَثِ وَاتّبِعْ دِينَنَا، وَنُرْسِلَك، قَالَ: لا، وَاَللّهِ لا أُفَارِقُ دِينِى أَبَدًا، قَالُوا: أَيَسُرّك أَنّ مُحَمّدًا فِى أَيْدِينَا مَكَانَك وَأَنْتَ فِى بَيْتِك؟ قَالَ: مَا يَسُرّنِى أَنّ مُحَمّدًا أُشِيكَ بِشَوْكَةٍ، وَأَنّى فِى بَيْتِى، قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لا، مَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَجُلٍ قَطّ أَشَدّ لَهُ حُبّا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ؛ صَحِيحَةٌ سَمِعْتهَا مِنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ:

وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمًا

وَكَانَا قَدِيمًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرّجِيعِ اللّهَازِمَـا فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الأَغَرّ وَجَامِعٌ أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُـــمْ غَدَرْتُــمْ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، ثَبْتٌ قَدِيمَةٌ:

حَامِى الْحَقِيقَةِ مَاضٍ خَالُهُ أَنَسُ

وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك الْكَبْلُ وَالْحَرَسُ مِنْ الْمَعَاشِرِ مِمّنْ قَدْ نَفَتْ عُدَس إلَى جِنَانِ نَعِيمٍ تَرْجِعُ النّفْسُ وَأَنْتَ ضَيْفٌ لَهُمْ فِى الدّارِ مُحْتَبَسُ لَوْ كَانَ فِى الدّارِ قَرْمٌ ذُو مُحَافَظَةٍ إذَنْ حَلَلْت خُبَيْبًا مَنْزِلاً فُسُحًا وَلَمْ تَقُدْك إلَى التّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ فَاصْبِرْ خُبَيْبُ فَإِنّ الْقَتْلَ مَكْرَمَةٌ دَلّوك غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُـــفٍ

  • * *










غَزْوَةُ بَنِى النّضِيرِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ÷. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ سَهْلٍ، وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِى رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّهِمْ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى، قَالُوا: أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِىَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِى عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا. ثُمّ خَرَجَ حَتّى وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ سَاعَتِهِ فِى قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بِئْسَ مَا صَنَعْت، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ”، فَقَالَ: مَا شَعَرْت، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا، وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا. وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ إنّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِى، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَنِى النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِى دِيَتِهِمَا، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِى عَامِرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِى مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، ثُمّ جَاءَ بَنِى النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِى نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُعِينُوهُ فِى دِيَةِ الْكِلابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ. فَقَالُوا: نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت، قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ ÷ مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، ثُمّ خَلا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا، فَقَالَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمّدٌ فِى نَفِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لا يَبْلُغُونَ عَشْرَةً - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَعَلِىّ، وَالزّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِى هُوَ تَحْتَهُ، فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ تَجِدُوهُ أَخْلَى مِنْهُ السّاعَةَ، فَإِنّهُ إنْ قُتِلَ تَفَرّقَ أَصْحَابُهُ، فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ بِحَرَمِهِمْ، وَبَقِىَ مَنْ هَاهُنَا مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حُلَفَاؤُكُمْ فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ فَمِنْ الآنَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ: أَنَا أَظْهَرُ عَلَى الْبَيْتِ فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً. قَالَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ: يَا قَوْمِ أَطِيعُونِى هَذِهِ الْمَرّةَ، وَخَالِفُونِى الدّهْرَ، وَاَللّهِ إنْ فَعَلْتُمْ لَيُخْبَرَنّ بِأَنّا قَدْ غَدَرْنَا بِهِ وَإِنّ هَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ الّذِى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلا تَفْعَلُوا أَلا فَوَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ الّذِى تُرِيدُونَ لَيَقُومَنّ بِهَذَا الدّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَسْتَأْصِلُ الْيَهُودَ وَيُظْهِرُ دِينَهُ وَقَدْ هَيّأَ الصّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَيَحْدُرَهَا، فَلَمّا أَشْرَفَ بِهَا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا هَمّوا بِهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَرِيعًا كَأَنّهُ يُرِيدُ حَاجَةً وَتَوَجّهَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُ قَامَ يَقْضِى حَاجَةً فَلَمّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: مَا مُقَامُنَا هَا هُنَا بِشَىْءٍ لَقَدْ وَجّهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَمْرٍ، فَقَامُوا، فَقَالَ حُيَىّ: عَجّلَ أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ كُنّا نُرِيدُ أَنْ نَقْضِىَ حَاجَتَهُ وَنُغَدّيَهُ، وَنَدِمَتْ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ: هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمّدٌ؟ قَالُوا: لا وَاَللّهِ مَا نَدْرِى وَمَا تَدْرِى أَنْتَ، قَالَ: بَلَى وَالتّوْرَاةِ، إنّى لأَدْرِى، قَدْ أُخْبِرَ مُحَمّدٌ مَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ فَلا تَخْدَعُوا أَنَفْسَكُمْ وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ، وَمَا قَامَ إلاّ أَنّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ، وَإِنّهُ لآخِرُ الأَنْبِيَاءِ كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِى هَارُونَ فَجَعَلَهُ اللّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنّ كُتُبَنَا وَاَلّذِى دَرَسْنَا فِى التّوْرَاةِ الّتِى لَمْ تُغَيّرْ، وَلَمْ تُبَدّلْ أَنّ مَوْلِدَهُ بِمَكّةَ، وَدَارَ هِجْرَتِهِ يَثْرِبُ، وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ حَرْفًا مِمّا فِى كِتَابِنَا، وَمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَوْلَى مِنْ مُحَارَبَتِهِ إيّاكُمْ، وَلَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ يَتَضَاغَى صِبْيَانُكُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا وَأَمْوَالَكُمْ، وَإِنّمَا هِىَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِى فِى خُصْلَتَيْنِ وَالثّالِثَةُ لا خَيْرَ فِيهَا، قَالُوا: مَا هُمَا؟ قَالَ: تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ مُحَمّدٍ فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ، قَالُوا: لا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى، قَالَ: فَإِنّهُ مُرْسَلٌ إلَيْكُمْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِى، فَقُولُوا: نَعَمْ - فَإِنّهُ لا يَسْتَحِلّ لَكُمْ دَمًا وَلا مَالاً - وَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ إنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ. قَالُوا: أَمّا هَذَا فَنَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ إنّ الأُخْرَى خَيْرُهُنّ لِى، قَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى أَفْضَحُكُمْ لأَسْلَمْت، وَلَكِنْ وَاَللّهِ لا تُعَيّرُ شَعْثَاءُ بِإِسْلامِى أَبَدًا حَتّى يُصِيبَنِى مَا أَصَابَكُمْ - وَابْنَتُهُ شَعْثَاءُ الّتِى كَانَ حَسّانٌ يَنْسِبُ بِهَا. فَقَالَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ: قَدْ كُنْت لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا، وَهُوَ مُرْسِلٌ إلَيْنَا أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ دَارِى، فَلا تُعَقّبْ يَا حُيَىّ كَلامَهُ وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلادِهِ قَالَ: أَفْعَلُ أَنَا أَخْرُجُ، فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَقَوْا رَجُلاً خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ هَلْ لَقِيت رَسُولَ اللّهِ ÷؟ قَالَ: لَقِيته بِالْجِسْرِ دَاخِلاً، فَلَمّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إلَيْهِ وَجَدُوهُ قَدْ أَرْسَلَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُمْت وَلَمْ نَشْعُرْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِى”، فَأَخْبَرَنِى اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت، وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِى النّضِيرِ، فَقُلْ لَهُمْ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه. فَلَمّا جَاءَهُمْ، قَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ، وَلَسْت أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتّى أُعَرّفَكُمْ شَيْئًا تَعْرِفُونَهُ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالتّوْرَاةِ الّتِى أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّى جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمّدٌ ÷ وَبَيْنَكُمْ التّوْرَاةُ، فَقُلْتُمْ لِى فِى مَجْلِسِكُمْ هَذَا: يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ إنْ شِئْت أَنْ نُغَدّيَك غَدّيْنَاك، وَإِنْ شِئْت أَنّ نُهَوّدَك هَوّدْنَاك، فَقُلْت لَكُمْ: غَدّونِى وَلا تُهَوّدُونِى، فَإِنّى وَاَللّهِ لا أَتَهَوّدُ أَبَدًا فَغَدّيْتُمُونِى فِى صَحْفَةٍ لَكُمْ، وَاَللّهِ لَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَيْهَا كَأَنّهَا جَزْعَةٌ فَقُلْتُمْ لِى: مَا يَمْنَعُك مِنْ دِينِنَا إلاّ أَنّهُ دِينُ يَهُودَ، كَأَنّك تُرِيدُ الْحَنِيفِيّةَ الّتِى سَمِعْت بِهَا، أَمَا إنّ أَبَا عَامِرٍ قَدْ سَخِطَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا، أَتَاكُمْ صَاحِبُهَا الضّحُوكُ الْقَتّالُ فِى عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ يَأْتِى مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشّمْلَةَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ آيَةٌ هُوَ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ كَأَنّهُ وَشِيجَتُكُمْ هَذِهِ وَاَللّهِ لَيَكُونَنّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلَبٌ وَقَتْلٌ وَمَثْلٌ قَالُوا: اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ قُلْنَاهُ لَك وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ. قَالَ: قَدْ فَرَغْت، إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِى جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِى، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْىِ، وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ، فَأَسْكَتُوا، فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا. وَيَقُولُ: اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِى، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِىَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ، قَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِىَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الأَوْسِ. قَالَ مُحَمّدٌ: تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِى الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ إبِلاً وَأَخَذُوا فِى الْجَهَازِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ ابْنِ أُبَىّ، أَتَاهُمْ سُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ، فَقَالا: يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ: لا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَقِيمُوا فِى حُصُونِكُمْ فَإِنّ مَعِى أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِى وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ، يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ حِصْنَكُمْ فَيَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْكُمْ، وَتَمُدّكُمْ قُرَيْظَةُ، فَإِنّهُمْ لَنْ يَخْذُلُوكُمْ وَيَمُدّكُمْ حُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَانَ. وَأَرْسَلَ ابْنُ أُبَىّ إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ يُكَلّمُهُ أَنْ يَمُدّ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: لا يَنْقُضُ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ رَجُلٌ وَاحِدٌ الْعَهْدَ. فَيَئِسَ ابْنُ أُبَىّ مِنْ قُرَيْظَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُلْحِمَ الأَمْرَ فِيمَا بَيْنَ بَنِى النّضِيرِ وَرَسُولِ اللّهِ ÷ فَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ إلَى حُيَىّ حَتّى قَالَ حُيَىّ: أَنَا أُرْسِلُ إلَى مُحَمّدٍ أُعْلِمُهُ أَنّا لا نَخْرُجُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَلْيَصْنَعْ مَا بَدَا لَهُ. وَطَمِعَ حُيَىّ، فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَىّ، وَقَالَ حُيَىّ: نَرْمِ حُصُونَنَا، ثُمّ نُدْخِلُ مَاشِيَتَنَا، وَنُدْرِبُ أَزِقّتَنَا، وَنَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلَى حُصُونِنَا، وَعِنْدَنَا مِنْ الطّعَامِ مَا يَكْفِينَا سَنَةً وَمَاؤُنَا وَاتِنٌ فِى حُصُونِنَا لا نَخَافُ قَطْعَهُ، فَتَرَى مُحَمّدًا يَحْصُرُنَا سَنَةً؟ لا نَرَى هَذَا. قَالَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ: مَنّتْك نَفْسُك وَاَللّهِ يَا حُيَىّ الْبَاطِلَ إنّى وَاَللّهِ لَوْلا أَنْ يُسَفّهَ رَأْيُك أَوْ يُزْرَى بِك لاعْتَزَلْتُك بِمَنْ أَطَاعَنِى مِنْ الْيَهُودِ؛ فلا تَفْعَلْ يَا حُيَىّ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ، وَنَعْلَمُ مَعَك أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا، فَإِنْ لَمْ نَتّبِعْهُ وَحَسَدْنَاهُ حَيْثُ خَرَجَتْ النّبُوّةُ مِنْ بَنِى هَارُونَ فَتَعَالَ فَنَقْبَلَ مَا أَعْطَانَا مِنْ الأَمْنِ وَنَخْرُجْ مِنْ بِلادِهِ فَقَدْ عَرَفْت أَنّك خَالَفَتْنِى فِى الْغَدْرِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَ مَنْ جَاءَ مِنّا إلَى ثَمَرِهِ فَبَاعَ أَوْ صَنَعَ مَا بَدَا لَهُ ثُمّ انْصَرَفَ إلَيْنَا. فَكَأَنّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلادِنَا إذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا؛ إنّا إنّمَا شَرُفْنَا عَلَى قَوْمِنَا بِأَمْوَالِنَا وَفِعَالِنَا، فَإِذَا ذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا مِنْ أَيْدِينَا كُنّا كَغَيْرِنَا مِنْ الْيَهُودِ فِى الذّلّةِ وَالإِعْدَامِ. وَإِنّ مُحَمّدًا إنْ سَارَ إلَيْنَا فَحَصَرَنَا فِى هَذِهِ الصّيَاصِى يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمّ عَرَضْنَا عَلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ إلَيْنَا، لَمْ يَقْبَلْهُ وَأَبَى عَلَيْنَا. قَالَ حُيَىّ: إنّ مُحَمّدًا لا يَحْصُرُنَا إلاّ إنْ أَصَابَ مِنّا نُهْزَةً، وَإِلاّ انْصَرَفَ وَقَدْ وَعَدَنِى ابْنُ أُبَىّ مَا قَدْ رَأَيْت. فَقَالَ سَلاّمٌ: لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَىّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَىّ أَنْ يُوَرّطَك فِى الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا، ثُمّ يَجْلِسُ فِى بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك. قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ، وَقَالَ: لا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَىّ، وَإِلاّ فَإِنّ ابْنَ أُبَىّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِى قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِى صَيَاصِيِهِمْ، وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَىّ، فَجَلَسَ فِى بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَىّ لا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ، وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الأَوْسِ فِى حَرْبِهِمْ كُلّهَا، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ، وَابْنُ أُبَىّ لا يَهُودِىّ عَلَى دِينِ يَهُودَ، وَلا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ، وَلا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ، فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلاً قَالَهُ؟ قَالَ حُيَىّ: تَأْبَى نَفْسِى إلاّ عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلاّ قِتَالَهُ. قَالَ سَلاّمٌ: فَهُوَ وَاَللّهِ جَلانَا مِنْ أَرْضِنَا، وَذَهَابُ أَمْوَالِنَا، وَذَهَابُ شَرَفِنَا، أَوْ سِبَاءُ ذَرَارِيّنَا مَعَ قَتْلِ مُقَاتِلِينَا، فَأَبَى حُيَىّ إلاّ مُحَارَبَةَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ لَهُ سَارُوكُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ – وَكَانَ ضَعِيفًا عِنْدَهُمْ فِى عَقْلِهِ كَأَنّ بِهِ جِنّةٌ -: يَا حُيَىّ، أَنْتَ رَجُلٌ مَشْئُومٌ تُهْلِكُ بَنِى النّضِيرِ، فَغَضِبَ حُيَىّ، وَقَالَ: كُلّ بَنِى النّضِيرِ قَدْ كَلّمَنِى حَتّى هَذَا الْمَجْنُونُ، فَضَرَبَهُ إخْوَتُهُ، وَقَالُوا لِحُيَىّ: أَمْرُنَا لأَمْرِك تَبَعٌ، لَنْ نُخَالِفَك. فَأَرْسَلَ حُيَىّ أَخَاهُ جُدَىّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ إنّا لا نَبْرَحُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِىَ ابْنَ أُبَىّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ. فَذَهَبَ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ بِاَلّذِى أَرْسَلَهُ حُيَىّ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ، فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُود” وَخَرَجَ جُدَىّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَىّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِى بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ، وَقَدْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ، فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ، وَعِنْدَهُ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو، فَقَالَ جُدَىّ: لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ جَالِسًا فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَىّ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَك؟ قُلْت: الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُودَ”، فَقَالَ: هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ، قَالَ: وَجِئْت ابْنَ أُبَىّ فَأَعْلَمْته، وَنَادَى مُنَادِى مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ. قَالَ: وَمَا رَدّ عَلَيْك ابْنُ أُبَىّ؟ فَقَالَ جُدَىّ: لَمْ أَرَ عِنْدَهُ خَيْرًا، قَالَ: أَنَا أُرْسِلُ إلَى حُلَفَائِى فَيَدْخُلُونَ مَعَكُمْ، وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِهِ فَصَلّى الْعَصْرَ بِفَضَاءِ بَنِى النّضِيرِ، فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابَهُ قَامُوا عَلَى جُدُرِ حُصُونِهِمْ مَعَهُمْ النّبْلُ وَالْحِجَارَةُ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ فَلَمْ تُعِنْهُمْ بِسِلاحٍ وَلا رِجَالٍ وَلَمْ يَقْرَبُوهُمْ، وَجَعَلُوا يَرْمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ حَتّى أَظَلَمُوا، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَقْدَمُونَ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ فِى حَاجَتِهِ، حَتّى تَتَامّوا عِنْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعِشَاءَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِى عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ عَلَى الْعَسْكَرِ، وَيُقَالُ: أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ، يُكَبّرُونَ حَتّى أَصْبَحُوا، ثُمّ أَذّنَ بِلالٌ بِالْمَدِينَةِ، فَغَدَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَصَلّى بِالنّاسِ بِفَضَاءِ بَنِى خَطْمَةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ؛ وَحُمِلَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ. وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: كَانَتْ الْقُبّةُ مِنْ غَرَبٍ عَلَيْهَا مُسُوحٌ، أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَأَمَرَ بِلالاً فَضَرَبَهَا فِى مَوْضِعٍ الْمَسْجِدِ الصّغِيرِ الّذِى بِفَضَاءِ بَنِى خَطْمَةَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْقُبّةَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: عَزْوَك، وَكَانَ أَعْسَرَ رَامِيًا، فَرَمَى فَبَلَغَ نَبْلُهُ قُبّةَ النّبِىّ ÷ فَأَمَرَ بِقُبّتِهِ فَحُوّلَتْ إلَى مَسْجِدِ الْفَضِيخِ وَتَبَاعَدَتْ مِنْ النّبْلِ. وَأَمْسَوْا فَلَمْ يَقْرَبْهُمْ ابْنُ أُبَىّ وَلا أَحَدٌ مِنْ حُلَفَائِهِ وَجَلَسَ فِى بَيْتِهِ وَيَئِسَتْ بَنُو النّضِيرِ مِنْ نَصْرِهِ وَجَعَلَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ وَكِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ يَقُولانِ لِحُيَىّ: أَيْنَ نَصْرُ بْنُ أُبَىّ كَمَا زَعَمْت؟ قَالَ حُيَىّ: فَمَا أَصْنَعُ؟ هِىَ مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْنَا، وَلَزِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الدّرْعُ، وَبَاتَ وَظَلّ مُحَاصِرَهُمْ، فَلَمّا كَانَ لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِى فُقِدَ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ حَيْنَ قَرُبَ الْعِشَاءُ، فَقَالَ النّاسُ: مَا نَرَى عَلِيّا يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دَعُوهُ فَإِنّهُ فِى بَعْضِ شَأْنِكُمْ”، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَزْوَك، فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى كَمَنْت لِهَذَا الْخَبِيثِ فَرَأَيْت رَجُلاً شُجَاعًا، فَقُلْت: مَا أَجْرَأَهُ أَنْ يَخْرُجَ إذَا أَمْسَيْنَا يَطْلُبُ مِنّا غِرّةً، فَأَقْبَلَ مُصْلِتًا سَيْفَهُ فِى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَشَدَدْت عَلَيْهِ فَقَتَلْته، وَأَجْلَى أَصْحَابَهُ وَلَمْ يَبْرَحُوا قَرِيبًا، فَإِنْ بَعَثْت مَعِى نَفَرًا رَجَوْت أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ، فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فِى عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا حِصْنَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَتَوْا بِرُءُوسِهِمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِرُءُوسِهِمْ فَطُرِحَتْ فِى بَعْضِ بِئَارِ بَنِى خَطْمَةَ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَقَامُوا فِى حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقِيلَ لَهُمَا فِى ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو لَيْلَى: كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ سَلاّمٍ: قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِى ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا، مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِى فَعَلَ ابْنُ سَلاّمٍ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا، يَعْنِى الْعَجْوَةَ، فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ، وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ، يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا لَهُنّ”؟ فَقِيلَ: يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ – الْفَحْلُ الّذِى يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ – مِنْ الْجَنّةِ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ”. فَلَمّا صِحْنَ صَاحَ بِهِنّ أَبُو رَافِعٍ سَلاّمٌ إنْ قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ هَاهُنَا، فَإِنّ لَنَا بِخَيْبَرٍ عَجْوَةً، قَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُنّ: خَيْبَرٌ، يُصْنَعُ بِهَا مِثْلُ هَذَا، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَضّ اللّهُ فَاك إنّ حُلَفَائِى بِخَيْبَرٍ لَعَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَوْلُهُ فَتَبَسّمَ. وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ: يَا حُيَىّ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلا يُطْعِمُ ثَلاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ؟ نَحْنُ نُعْطِيك الّذِى سَأَلْت، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةُ”. فَقَالَ سَلاّمٌ: اقْبَلْ وَيْحَك، قَبْلَ أَنْ تَقْبَلَ شَرّا مِنْ هَذَا، فَقَالَ حُيَىّ: مَا يَكُونُ شَرّا مِنْ هَذَا؟ قَالَ سَلاّمٌ: يَسْبِى الذّرّيّةَ وَيَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ مَعَ الأَمْوَالِ، فَالأَمْوَالُ الْيَوْمَ أَهْوَنُ عَلَيْنَا إذَا لَحَمْنَا هَذَا الأَمْرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسّبَاءِ، فَأَبَى حُيَىّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَإِنّك لَتَعْلَمُ أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ فَمَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ، فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؟ فَنَزَلا مِنْ اللّيْلِ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَا دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا. ثُمّ نَزَلَتْ الْيَهُودُ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةُ، فَلَمّا أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ لابْنِ يَامِينَ: “أَلَمْ تَرَ إلَى ابْنِ عَمّك عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِى”؟ وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ كَانَتْ الرّوَاعُ بِنْتُ عُمَيْرٍ، تَحْتَ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ: أَنَا أَكْفِيكَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَجَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ، وَيُقَالُ: خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمّ جَاءَ ابْنُ يَامِينَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ فَسُرّ بِذَلِكَ. وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَجَلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَوَلِىَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالُوا: إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “تَعَجّلُوا، وَضَعُوا”، فَكَانَ لأَبِى رَافِعٍ سَلاّمُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ. وَكَانُوا فِى حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الأَبْوَابِ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَىّ: “لَوْ رَأَيْتنِى وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِىّ بْنِ عَمْرٍو، وَأُجْلِيهِ مِنْهَا”، وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ، ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَالنّسَاءُ فِى الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ، وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِى أَثَرِ قِطَارٍ، فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَؤُلاءِ فِى قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِى الْمُغِيرَةِ فِى قُرَيْشٍ”. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهُوَ يَرَاهُمْ، وَسَرَاةُ الرّجَالِ عَلَى الرّحَالِ: أَمَا وَاَللّهِ إنّ لَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ لَنَائِلٌ لِلْمُجْتَدِى وَقِرًى حَاضِرٌ لِلضّيْفِ وَسَقْيًا لِلْمُدَامِ وَحِلْمٌ عَلَى مَنْ سَفِهَ عَلَيْكُمْ وَنَجْدَةٌ إذَا اُسْتُنْجِدْتُمْ. فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ: وَاصَبَاحَاه، نَفْسِى فَدَاؤُكُمْ مَاذَا تَحَمّلْتُمْ بِهِ مِنْ السّؤْدُدِ وَالْبَهَاءِ وَالنّجْدَةِ وَالسّخَاءِ؟ قَالَ: يَقُولُ نُعَيْمُ ابْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ: فِدًى لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِى كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ ظَاعِنِينَ مِنْ يَثْرِبَ. مَنْ لِلْمُجْتَدِى الْمَلْهُوفِ؟ وَمَنْ لِلطّارِقِ السّغْبَانِ؟ وَمَنْ يَسْقِى الْعُقَارَ؟ وَمَنْ يُطْعِمُ الشّحْمَ فَوْقَ اللّحْمِ؟ مَا لَنَا بِيَثْرِبَ بَعْدَكُمْ مُقَامٌ. يَقُولُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ: وَهُوَ يَسْمَعُ كَلامَهُ، نَعَمْ فَالْحَقْهُمْ حَتّى تَدْخُلَ مَعَهُمْ النّارَ، قَالَ نُعَيْمٌ: مَا هَذَا جَزَاؤُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمُوهُمْ فَنَصَرُوكُمْ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَلَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمْ سَائِرَ الْعَرَبِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: قَطَعَ الإِسْلامُ الْعُهُودَ. قَالَ: وَمَرّوا يَضْرِبُونَ بِالدّفُوفِ وَيُزَمّرُونَ بِالْمَزَامِيرِ وَعَلَى النّسَاءِ الْمُعَصْفَرَاتُ وَحُلِىّ الذّهَبِ مُظْهِرِينَ ذَلِكَ تَجَلّدًا. قَالَ: يَقُولُ جُبَارُ بْنُ صَخْرٍ: مَا رَأَيْت زُهَاءَهُمْ لِقَوْمٍ زَالُوا مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ، وَنَادَى أَبُو رَافِعٍ سَلاّمُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَرَفَعَ مَسْكَ الْجَمَلِ وَقَالَ: هَذَا مِمّا نَعُدّهُ لِخَفْضِ الأَرْضِ وَرَفْعِهَا، فَإِنْ يَكُنْ النّخْلُ قَدْ تَرَكْنَاهَا فَإِنّا نَقْدَمُ عَلَى نَخْلٍ بِخَيْبَرٍ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ رَبِيحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: لَقَدْ مَرّ يَوْمئِذٍ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِمْ فِى تِلْكَ الْهَوَادِجِ قَدْ سَفَرْنَ عَنْ الْوُجُوهِ لَعَلَىّ لَمْ أَرَ مِثْلَ جَمَالِهِنّ لِنِسَاءٍ قَطّ، لَقَدْ رَأَيْت الشّقْرَاءَ بِنْتَ كِنَانَةَ يَوْمَئِذٍ كَأَنّهَا لُؤْلُؤَةُ غَوّاصٍ وَالرّوَاعَ بِنْتَ عُمَيْرٍ مِثْلَ الشّمْسِ الْبَازِغَةِ فِى أَيْدِيهِنّ أَسْوِرَةُ الذّهَبِ وَالدّرّ فِى رِقَابِهِنّ. وَلَقِىَ الْمُنَافِقُونَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خَرَجُوا حُزْنًا شَدِيدًا، لَقَدْ لَقِيت زَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ، وَهُوَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ، وَهُوَ يُنَاجِيهِ فِى بَنِى غَنْمٍ، وَهُوَ يَقُولُ: تَوَحّشْت بِيَثْرِبَ لِفَقْدِ بَنِى النّضِيرِ وَلَكِنّهُمْ يَخْرُجُونَ إلَى عِزّ وَثَرْوَةٍ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَإِلَى حُصُونٍ مَنِيعَةٍ شَامِخَةٍ فِى رُءُوسِ الْجِبَالِ لَيْسَتْ كَمَا هَاهُنَا. قَالَ: فَاسْتَمَعْت عَلَيْهِمَا سَاعَةً، وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاشّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالُوا: وَمَرّتْ فِى الظّعُنِ يَوْمَئِذٍ سَلْمَى صَاحِبَةُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِىّ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَنِى غِفَارٍ، فَسَبَاهَا عُرْوَةُ مِنْ قَوْمِهَا فَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلادًا وَنَزَلَتْ مِنْهُ مَنْزِلاً؛ فَقَالَتْ لَهُ، وَجَعَلَ وَلَدَهُ يُعَيّرُونَ بِأُمّهِمْ: يَا بَنِى الأَخِيذَةِ، فَقَالَتْ: أَلا تَرَى وَلَدَك يُعَيّرُونَ؟ قَالَ: فَمَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: تَرُدّنِى إلَى قَوْمِى حَتّى يَكُونُوا هُمْ الّذِينَ يُزَوّجُونَك، قَالَ: نَعَمْ، فَأَرْسَلَتْ إلَى قَوْمِهَا أَن الْقُوهُ بِالْخَمْرِ، ثُمّ اُتْرُكُوهُ حَتّى يَشْرَبَ وَيَثْمَلَ، فَإِنّهُ إذَا ثَمِلَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا إلاّ أَعْطَاهُ، فَلَقُوهُ وَنَزَلَ فِى بَنِى النّضِيرِ فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ، فَلَمّا سَكِرَ سَأَلُوهُ سَلْمَى فَرَدّهَا عَلَيْهِمْ ثُمّ أَنْكَحُوهُ بَعْدُ. وَيُقَالُ: إنّمَا جَاءَ بِهَا إلَى بَنِى النّضِيرِ وَكَانَ صُعْلُوكًا يُغِيرُ، فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ فَلَمّا انْتَشَى مَنَعُوهُ وَلا شَيْءَ مَعَهُ إلاّ هِىَ فَرَهَنَهَا فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ حَتّى غَلِقَتْ فَلَمّا صَحَا، قَالَ لَهَا: انْطَلِقِى، قَالُوا: لا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ قَدْ أَغْلَقْتهَا، فَبِهَذَا صَارَتْ عِنْدَ بَنِى النّضِيرِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ: سَقَوْنِى الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِى وَقَالُوا لَسْت بَعْدَ فِدَاءِ سَلْمَى فَلا وَاَللّهِ لَوْ كَالْيَوْمِ أَمْرِى إذًا لَعَصَيْتهمْ فِــــى أَمـــْرِ سَلْمَى عُدَاةُ اللّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ بِمُغْنٍ مَا لَدَيْك وَلا فَقِيرِ وَمَنْ لِى بِالتّدَبّرِ فِى الأُمُورِ وَلَوْ رَكِبُـــوا عِضَـــاهَ الْمُسْتَعْــوِرِ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ. حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الأَمْوَالَ، وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا. وَيُقَالُ غَيّبُوا بَعْضَ سِلاحِهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ. وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الّذِى وَلِىَ قَبْضَ الأَمْوَالِ وَالْحَلْقَةَ وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا. فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِى دُونَ الْمُؤْمِنِينَ” بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ×مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى% الآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ”. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ ثَلاثُ صَفَايَا، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَكَانَتْ فَدَكُ لابْنِ السّبِيلِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِىّ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، قَالَ: إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ، وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لأَزْوَاجِهِ وَبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِى الْكُرَاعِ وَالسّلاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلاحُ الّذِى اُشْتُرِىَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِى النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ ÷ بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ. وَهِىَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلاّلُ وَحُسْنَى، وَبُرْقَةُ وَالأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَأْتِيهَا هُنَاكَ. وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلاّ بِقُرْعَةِ سَهْمٍ. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمّ الْعَلاءِ قَالَتْ: صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِى مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّىَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَنِى النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ: “اُدْعُ لِى قَوْمَك” قَالَ ثَابِتٌ: الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الأَنْصَارَ كُلّهَا”، فَدَعَا لَهُ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِى مَنَازِلِهِمْ، وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمّ قَالَ: “إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَىّ مِنْ بَنِى النّضِيرِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِى مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ”، فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِى دُورِنَا كَمَا كَانُوا، وَنَادَتْ الأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ ارْحَمْ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ”، فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا، إلاّ رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ. قَالُوا: وَكَانَ مِمّنْ أَعْطَى مِمّنْ سُمّىَ لَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ حِجْرٍ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ جَرْمٍ وَأَعْطَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سُؤَالَةَ - وَهُوَ الّذِى يُقَالُ لَهُ: مَالُ سُلَيْمٍ. وَأَعْطَى صُهَيْبَ بْنَ سِنَانَ الضّرّاطَةَ وَأَعْطَى الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ الْبُوَيْلَةَ. وَكَانَ مَالُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِى دُجَانَةَ مَعْرُوفًا، يُقَالُ لَهُ: مَالُ ابْنِ خَرَشَةَ وَوَسّعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّاسِ مِنْهَا.

  • * *

ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِى بَنِى النّضِيرِ ×سَبّحَ لِلّهِ مَا فِى السّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ% قَالَ: كُلّ شَيْءٍ سَبّحَ لَهُ وَتَسْبِيحُ الْجُدُرِ النّقْضُ. حَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حُيَىّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ. ×هُوَ الّذِى أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوّلِ الْحَشْرِ% يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ حَيْنَ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشّامِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ الْحَشْرِ فِى الدّنْيَا إلَى الشّامِ؛ ×مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا% يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ: مَا ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ عِزّ وَمَنَعَةٌ، ×وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ% حَيْنَ تَحَصّنُوا؛ ×فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا% حَالَ ظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِجْلاؤُهُمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَتِهِمْ رَعَبُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، وَكَانَ الرّعْبُ فِى قُلُوبِهِمْ لَهُ وَجَبَانٌ، ×يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ% قَالَ: كَانُوا لَمّا حُصِرُوا وَالْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ يَنْقُبُونَ مِمّا يَلِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ الْخَشَبَ وَالنّجُفَ؛ ×فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَبْصَارِ% قَالَ: يَعْنِى يَا أَهْلَ الْعُقُولِ. ×وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ% يَقُولُ: فِى أُمّ الْكِتَابِ أَنْ يَجْلُوا. ×ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ% يَقُولُ: عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَخَالَفُوهُ. ×مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا%.. الآيَةُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِهِمْ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ ابْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقَالَ لَهُمْ بَنُو النّضِيرِ: أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مَا يَحِلّ لَكُمْ عَقْرُ النّخْلِ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْطَعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَقْطَعُ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ% أَلْوَانِ النّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ ×أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا% قَالَ: الْعَجْوَةُ ×فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ% يَقُولُ: يَغِيظُهُمْ مَا قُطِعَ مِنْ النّخْلِ. ×مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ% قَوْلُهُ: فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَاحِدٌ، ×وَلِذِى الْقُرْبَى% قَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ ×وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ% فَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ ÷ خُمْسُ الْخُمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُعْطِى بَنِى هَاشِمٍ مِنْ الْخُمْسِ وَيُزَوّجُ أَيَامَاهُمْ. وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ دَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُزَوّجَ أَيَامَاهُمْ وَيَخْدُمَ عَائِلَهُمْ وَيَقْضِىَ عَنْ غَارِمَهُمْ، فَأَبَوْا إلاّ أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ، وَأَبَى عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ. فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا كَانُوا يَجْعَلُونَهُ فِى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ. وَقَوْلُهُ: ×كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ% يَقُولُ: لا يُسْتَنّ بِهَا مِنْ بَعْدُ فَتُعْطَى الأَغْنِيَاءَ ×وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا% يَقُولُ: مَا جَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْىٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مِنْ الْوَحْىِ. ×لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا% يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَدْرٍ. ×وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ% يَعْنِى الأَنْصَارَ، يَقُولُ: هُمْ أَهْلُ الدّارِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ؛ ×وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ% لا يَجِدُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا مِمّا أَعْطَى غَيْرَهُمْ يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ حَيْنَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ، فَهَذِهِ الأَثَرَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَيْنَ قَالُوا لِلنّبِىّ ÷ أَعْطِهِمْ وَلا تُعْطِنَا، وَهُمْ مُحْتَاجُونَ ×وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ% قَالَ: ظُلْمَ النّاسِ. ×وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ% يَعْنِى الّذِينَ أَسْلَمُوا فَحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷. ×أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا% قَوْلُ ابْنِ أُبَىّ حَيْنَ أَرْسَلَ سُوَيْدًا وَدَاعِسًا إلَى بَنِى النّضِيرِ: أَقِيمُوا وَلا تَخْرُجُوا فَإِنّ مَعِى مِنْ قَوْمِى وَغَيْرِهِمْ أَلْفَيْنِ يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ فَيَمُوتُونَ عَنْ آخِرِهِمْ دُونَكُمْ. يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ% يَعْنِى ابْنَ أُبَىّ وَأَصْحَابَهُ. ×لَئِنْ أُخْرِجُوا% حَيْنَ أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ مَعَهُمْ وَقُوتِلُوا فَلَمْ يَدْخُلْ الْحُصُنَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ ×وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلّنّ الأَدْبَارَ% يَعْنِى يَنْهَزِمُونَ مِنْ الرّعْبِ. ×لأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ% يَعْنِى ابْنَ أُبَىّ وَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا؛ ×ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا% يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ وَالْمُنَافِقِينَ، ×إِلاّ فِى قُرًى مُحَصّنَةٍ% يَقُولُ: فِى حُصُونِهِمْ ×أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ% بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، ×تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى% يَعْنِى الْمُنَافِقِينَ وَبَنِى النّضِيرِ. ×ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ% يَقُولُ: دِينُ بَنِى النّضِيرِ مُخَالِفٌ دِينَ الْمُنَافِقِينَ [ وَهُمْ ] جَمِيعًا. فِى عَدَاوَةِ الإِسْلامِ مُجْتَمِعُونَ. ×كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ% قَالَ: يَعْنِى قَيْنُقَاعَ حَيْنَ أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷. ×كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىءٌ مِنْكَ إِنّى أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ% قَالَ: هَذَا مَثَلٌ لابْنِ أُبَىّ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ جَاءُوا بَنِى النّضِيرَ، فَقَالُوا: أَقِيمُوا فِى حُصُونِكُمْ فَنَحْنُ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ وَنَخْرُجُ إنْ أُخْرِجْتُمْ كَذِبًا وَبَاطِلاً، مَنّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدّمَتْ لِغَدٍ% يَقُولُ: مَا عَمِلَتْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، ×وَلا تَكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ% يَقُولُ: أَعَرَضُوا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى فَأَضَلّهُمْ اللّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا لأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا. وَقَالَ: ×الْقُدّوسُ% الظّاهِرُ و×الْمُهَيْمِنُ% الشّهِيدُ.

  • * *



غَزْوَةُ بَدْرِ الْمَوْعِد وَكَانَتْ لِهِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَغَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ رَوَاحَةَ. حَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِىّ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ، قَالُوا: لَمّا أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يَنْصَرِفَ يَوْمَ أُحُدٍ نَادَى: مَوْعِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ رَأْسَ الْحَوْلِ، نَلْتَقِى فِيهِ فَنَقْتَتِلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: “قُلْ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ”، وَيُقَالُ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، فَافْتَرَقَ النّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَخَبّرُوا مَنْ قِبَلَهُمْ بِالْمَوْعِدِ وَتَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ وَأَجْلَبُوا، وَكَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ الأَيّامِ لأَنّهُمْ رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ وَالدّوْلَةُ لَهُمْ طَمِعُوا فِى بَدْرٍ الْمَوْعِدِ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الظّفَرِ. وَكَانَ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ مَجْمَعًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْعَرَبُ، وَسُوقًا تَقُومُ لِهِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ إلَى ثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْهُ فَإِذَا مَضَتْ ثَمَانِى لَيَالٍ مِنْهُ تَفَرّقَ النّاسُ إلَى بِلادِهِمْ. فَلَمّا دَنَا الْمَوْعِدُ كَرِهَ أَبُو سُفْيَانَ الْخُرُوجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَجَعَلَ يُحِبّ أَنْ يُقِيمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَدِينَةِ وَلا يُوَافِقُونَ الْمَوْعِدَ. فَكَانَ كُلّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَكّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ أَظْهَرَ لَهُ إنّا نُرِيدُ أَنْ نَغْزُوَ مُحَمّدًا فِى جَمْعٍ كَثِيفٍ. فَيَقْدَمُ الْقَادِمُ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيَرَاهُمْ عَلَى تَجَهّزٍ فَيَقُولُ: تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَسَارَ فِى الْعَرَبِ لِيَسِيرَ إلَيْكُمْ لِمَوْعِدِكُمْ. فَيَكْرَهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَيَهِيبُهُمْ ذَلِكَ. وَيَقْدَمُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ مَكّةَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا نُعَيْم ُ إنّى وَعَدْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ نَلْتَقِىَ نَحْنُ وَهُوَ بِبَدْرٍ الصّفْرَاءِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ، فَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا أَقْدَمَنِى إلاّ مَا رَأَيْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَصْنَعُونَ مِنْ إعْدَادِ السّلاحِ وَالْكُرَاعِ وَقَدْ تَجَلّبَ إلَيْهِ حُلَفَاءُ الأَوْسِ مِنْ بَلِىّ وَجُهَيْنَةَ وَغَيْرِهِمْ فَتَرَكْت الْمَدِينَةَ أَمْسَ وَهِىَ كَالرّمّانَةِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَحَقّا مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ، فَجَزَوْا نُعَيْمًا خَيْرًا وَوَصَلُوهُ وَأَعَانُوهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَسْمَعُك تَذْكُرُ مَا تَذْكُرُ مَا قَدْ أَعَدّوا؟ وَهَذَا عَامُ جَدْبٍ - قَالَ نُعَيْمٌ: الأَرْضُ مِثْلُ ظَهْرِ التّرْسِ لَيْسَ فِيهَا لِبَعِيرٍ شَىْءٌ - وَإِنّمَا يُصْلِحُنَا عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ تَرْعَى فِيهِ الظّهْرُ وَالْخَيْلُ وَنَشْرَبُ اللّبَنَ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ، وَلا أَخْرُجُ فَيَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، وَيَكُونُ الْخُلْفُ مِنْ قِبَلِهِمْ أَحَبّ إلَىّ، وَنَجْعَلُ لَك عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَشْرًا جِذَاعًا وَعَشْرًا حِقَاقًا، وَتُوضَعُ لَك عَلَى يَدَىْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَيَضْمَنُهَا لَك. قَالَ: نُعَيْمٌ رَضِيت. وَكَانَ سُهَيْلٌ صَدِيقًا لِنُعَيْمٍ فَجَاءَ سُهَيْلاً فَقَالَ: يَا أَبَا يَزِيدَ تَضْمَنُ لِى عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَلَى أَنْ أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَأَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّى خَارِجٌ، فَخَرَجَ عَلَى بَعِيرٍ حَمَلُوهُ عَلَيْهِ وَأَسْرَعَ السّيْرَ فَقَدِمَ، وَقَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ مُعْتَمِرًا، فَوَجَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَتَجَهّزُونَ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷: مِنْ أَيْنَ يَا نُعَيْمُ؟ قَالَ: خَرَجْت مُعْتَمِرًا إلَى مَكّةَ. فَقَالُوا: لَك عِلْمٌ بِأَبِى سُفْيَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَأَجْلَبَ مَعَهُ الْعَرَبَ، فَهُوَ جَاءَ فِيمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَأَقِيمُوا وَلا تَخْرُجُوا، فَإِنّهُمْ قَدْ أَتَوْكُمْ فِى دَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ فَلَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ إلاّ الشّرِيدُ، وَقُتِلَتْ سَرَاتُكُمْ وَأَصَابَ مُحَمّدًا فِى نَفْسِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجِرَاحِ. فَتُرِيدُونَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ فَتَلْقَوْهُمْ فِى مَوْضِعٍ مِنْ الأَرْضِ؟ بِئْسَ الرّأْىُ رَأَيْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ - وَهُوَ مَوْسِمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ النّاسُ - وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَذَا الْقَوْلِ فِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى رَعَبَهُمْ وَكَرّهَ إلَيْهِمْ الْخُرُوجَ حَتّى نَطَقُوا بِتَصْدِيقِ قَوْلِ نُعَيْمٍ أَوْ مَنْ نَطَقَ مِنْهُمْ. وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ وَقَالُوا: مُحَمّدٌ لا يَفْلِتُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَاحْتَمَلَ الشّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ النّاسِ لِخَوْفِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ ذَلِكَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ عِنْدَهُ حَتّى خَافَ رَسُولُ اللّهِ أَلاّ يَخْرُجَ مَعَهُ أَحَدٌ. فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى قُحَافَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَا مَا سَمِعَا، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ، وَقَدْ وَعَدْنَا الْقَوْمَ مَوْعِدًا، وَنَحْنُ لا نُحِبّ أَنْ نَتَخَلّفَ عَنْ الْقَوْمِ فَيَرَوْنَ أَنّ هَذَا جُبْنٌ مِنّا عَنْهُمْ فَسِرْ لِمَوْعِدِهِمْ فَوَاَللّهِ إنّ فِى ذَلِكَ لَخِيرَةٌ فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِذَلِكَ، ثُمّ قَالَ: “وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَخْرُجَن، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِى أَحَدٌ”، قَالَ: فَلَمّا تَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَكَلّمَ بِمَا بَصّرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَذْهَبَ مَا كَانَ رَعَبَهُمْ الشّيْطَانُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ بِتِجَارَاتٍ لَهُمْ إلَى بَدْرٍ. فَحُدّثْت، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ خَصِيفَةَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَحِمَهُ اللّهُ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنَا وَقَدْ قُذِفَ الرّعْبُ فِى قُلُوبِنَا، فَمَا أَرَى أَحَدًا لَهُ نِيّةٌ فِى الْخُرُوجِ حَتّى أَنْهَجَ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ بَصَائِرَهُمْ وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ تَخْوِيفَ الشّيْطَانِ، فَخَرَجُوا فَلَقَدْ خَرَجْت بِبِضَاعَةٍ إلَى مَوْسِمِ بَدْرٍ، فَرَبِحْت لِلدّينَارِ دِينَارًا، فَرَجَعْنَا بِخَيْرٍ وَفَضْلٍ مِنْ رَبّنَا. فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ وَنَفَقَاتٍ، فَانْتَهَوْا إلَى بَدْرٍ لَيْلَةَ هِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ، وَقَامَ السّوقُ صَبِيحَةَ الْهِلالِ، فَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ وَالسّوقُ قَائِمَةٌ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ خَرَجَ فِى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَتْ الْخَيْلُ عَشْرَةَ أَفْرَاسٍ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَفَرَسٌ لأَبِى بَكْرٍ، وَفَرَسٌ لِعُمَرَ، وَفَرَسٌ لأَبِى قَتَادَةَ، وَفَرَسٌ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ، وَفَرَسٌ لِلْحُبَابِ، وَفَرَسٌ لِلزّبَيْرِ، وَفَرَسٌ لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ. فَحَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ: شَهِدْت بَدْرَ الْمَوْعِدَ عَلَى فَرَسِى سُبْحَةً أَرْكَبُ ظَهْرَهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ بَعَثْنَا نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ لأَنْ يَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ جَاهِدٌ، وَلَكِنْ نَخْرُجُ نَحْنُ فَنَسِيرُ لَيْلَةً، أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمّ نَرْجِعُ فَإِنْ كَانَ مُحَمّدٌ لَمْ يَخْرُجْ بَلَغَهُ أَنّا خَرَجْنَا، فَرَجَعْنَا، لأَنّهُ لَمْ يَخْرُجْ، فَيَكُونُ هَذَا لَنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَظْهَرَنَا أَنّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَلا يُصْلِحُنَا إلاّ عَامُ عُشْبٍ، قَالُوا: نَعَمْ مَا رَأَيْت. فَخَرَجَ فِى قُرَيْشٍ، وَهُمْ أَلْفَانِ وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا، حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَجَنّةَ، ثُمّ قَالَ: ارْجِعُوا، لا يُصْلِحُنَا إلاّ عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ نَرْعَى فِيهِ الشّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللّبَنَ، وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَإِنّى رَاجِعٌ فَارْجِعُوا، فَسَمّى أَهْلُ مَكّةَ ذَلِكَ الْجَيْشَ جَيْشَ السّوِيقِ، يَقُولُونَ: خَرَجُوا يَشْرَبُونَ السّوِيقَ. وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ رَسُولِ اللّهِ ÷ الأَعْظَمَ يَوْمَئِذٍ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى ضَمْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَخْشِىّ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ الّذِى حَالَفَ رَسُولَ اللّهِ ÷ عَلَى قَوْمِهِ فِى غَزْوَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ الأُولَى إلَى وَدّانَ، فَقَالَ - وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِى سُوقِهِمْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَكْثَرُ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ – فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ لَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَمَا أَعْلَمُكُمْ إلاّ أَهْلَ الْمَوْسِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِيَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ قُرَيْشٍ: “مَا أَخْرَجَنَا إلاّ مَوْعِدُ أَبِى سُفْيَانَ، وَقِتَالُ عَدُوّنَا، وَإِنْ شِئْت مَعَ ذَلِكَ نَبَذْنَا إلَيْك، وَإِلَى قَوْمِك الْعَهْدَ، ثُمّ جَالَدْنَاكُمْ قَبْلَ أَنْ نَبْرَحَ مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا”. فَقَالَ الضّمْرِىّ: بَلْ نَكُفّ أَيْدِيَنَا عَنْكُمْ وَنَتَمَسّكُ بِحِلْفِك. وَسَمِعَ بِذَلِكَ مَعْبَدُ بْنُ أَبِى مَعْبَدٍ الْخُزَاعِىّ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا، وَكَانَ مُقِيمًا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ، وَقَدْ رَأَى أَهْلَ الْمَوْسِمِ، وَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَسَمِعَ كَلامَ مَخْشِىّ، فَانْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ مَوْسِمِ بَدْرٍ، فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِكَثْرَةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، وَأَنّهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ، وَمَا سَمِعَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ ÷ لِلضّمْرِىّ، وَقَالَ: وَافَى مُحَمّدٌ فِى أَلْفَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حَتّى تَصَدّعَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ لأَبِى سُفْيَانَ: قَدْ وَاَللّهِ نَهَيْتُك يَوْمَئِذٍ أَنْ تَعِدَ الْقَوْمَ وَقَدْ اجْتَرَءُوا عَلَيْنَا وَرَأَوْا أَنْ قَدْ أَخْلَفْنَاهُمْ، وَإِنّمَا خَلّفَنَا الضّعْفُ عَنْهُمْ، فَأَخَذُوا فِى الْكَيْدِ وَالنّفَقَةِ فِى قِتَالِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَاسْتَجْلَبُوا مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ، وَجَمَعُوا الأَمْوَالَ الْعِظَامَ وَضَرَبُوا الْبَعْثَ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ، فَلَمْ يُتْرَكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ أَنْ يَأْتِىَ بِمَا قَلّ أَوْ كَثُرَ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَقَلّ مِنْ أُوقِيّةٍ لِغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَقَالَ مَعْبَدٌ لَقَدْ حَمَلَنِى مَا رَأَيْت أَنْ قُلْت شِعْرًا: تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الأَتْلَدِ وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَــى الْغَـــدِ إذْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِ إذْ نَفَـــرَتْ مِـــنْ رُفْقَتَىْ مُحَمّــدِ وَعَجْـــوَةٍ مَوْضُوعَــــةٍ كالعَنْجَـــــدِ وَيَزْعُمُونَ أَنّ حُمّامًا قَالَهَا. وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: ×الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ% الآيَةَ، يَعْنِى نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - قَالَ الْوَاقِدِىّ: أَنْشَدَنِيهَا مَشْيَخَةُ آلِ كَعْبٍ وَأَصْحَابُنَا جَمِيعًا:

لِمَوْعِدِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا

رَجَعْت ذَمِيمًا وَافْتَقَدْت الْمَوَالِيَا وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا وَأَمْرُكُمْ السّيّئُ الّذِى كَانَ غَاوِيَا فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِى وَمَا لِيَا شِهَابًا لَنَا فِى ظُلْمَــــةِ اللّيْلِ هَادِيَا وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتنَا فَلَقِيتنَا تَرَكْنَا بِهَا أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنِهِ عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ وَإِنّى وَإِنْ عَنّفْتُمُونِى لَقَائِلٌ أَطَعْنَا فَلَمْ نَعْـدِلْ سِـــوَاهُ بِغَيْـــرِهِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىّ - ثَبَتَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا: أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِىّ تُبْدَى أُصُولَهُ إذَا هَبَطَتْ خَوْرَاتٍ مِنْ رَمْلِ عَالِجٍ ذَرُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا بِأَيْدِى رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ فَإِنْ نَلْقَ فِى تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا وَإِنْ نَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ وَأُدْمٍ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِىّ الرّوَاتِك فَقُولا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ ضِرَابٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الأَوَارِكِ وَأَنْصَارِ حَقّ أُيّدُوا بِمَلائِكِ فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ نَــــزِدْ فِى سَوَادِ وَجْهِهِ لَوْنَ حَالِكِ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. هَكَذَا كَانَ.

  • * *






سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى أَبِى رَافِعٍ خَرَجُوا لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِى السّحَرِ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَغَابُوا عَشْرَةَ أَيّامٍ. حَدّثَنِى أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ بِخَيْبَرَ يَهُودِيّةً أَرْضَعَتْهُ وَقَدْ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ خَمْسَةَ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ. قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إلَى خَيْبَرَ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أُمّهِ فَأَعْلَمَهَا بِمَكَانِهِ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا بِجِرَابٍ مَمْلُوءٍ تَمْرًا كَبِيسًا وَخُبْزًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ لَهَا: يَا أُمّاهُ إنّا قَدْ أَمْسَيْنَا، بَيّتِينَا عِنْدَك فَأَدْخِلِينَا خَيْبَرَ. فَقَالَتْ أُمّهُ: كَيْفَ تُطِيقُ خَيْبَرَ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ؟ وَمَنْ تُرِيدُ فِيهَا؟ قَالَ: أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَتْ: لا تَقْدِرْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَاَللّهِ لأَقْتُلَنهُ أَوْ لأُقْتَلَن دُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَادْخُلُوا عَلَىّ لَيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا نَامَ أَهْلُ خَيْبَرَ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُمْ: اُدْخُلُوا فِى خَمَرِ النّاسِ، فَإِذَا هَدَأَتْ الرّجْلُ فَاكْمُنُوا فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا عَلَيْهَا، ثُمّ قَالَتْ: إنّ الْيَهُودَ لا تُغْلِقُ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا فَرَقًا أَنْ يَطْرُقَهَا ضَيْفٌ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ بِالْفِنَاءِ، وَلَمْ يُضَفْ فَيَجِدُ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ فَيَتَعَشّى. فَلَمّا هَدَأَتْ الرّجْلُ، قَالَتْ: انْطَلِقُوا حَتّى تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَقُولُوا: إنّا جِئْنَا لأَبِى رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَإِنّهُمْ سَيَفْتَحُونَ لَكُمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمّ خَرَجُوا لا يَمُرّونَ بِبَابٍ مِنْ بُيُوتِ خَيْبَرَ إلاّ أَغْلَقُوهُ حَتّى أَغْلَقُوا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ كُلّهَا، حَتّى انْتَهَوْا إلَى عَجَلَةٍ عِنْدَ قَصْرِ سَلاّمٍ، قَالَ: فَصَعِدْنَا وَقَدِمْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ، لأَنّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيّةِ، ثُمّ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَرَطَنَ بِالْيَهُودِيّةِ: جِئْت أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَفَتَحَتْ لَهُ، فَلَمّا رَأَتْ السّلاحَ أَرَادَتْ تَصِيحُ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: وَازْدَحَمْنَا عَلَى الْبَابِ أَيّنَا يَبْدُرُ إلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ، قَالَ: فَأَشَرْت إلَيْهَا السّيْفَ، قَالَ: وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَنِى أَصْحَابِى إلَيْهِ، قَالَ: فَسَكَنَتْ سَاعَةً، قَالَ: ثُمّ قُلْت لَهَا: أَيْنَ أَبُو رَافِعٍ؟ وَإِلاّ ضَرَبْتُك بِالسّيْفِ، فَقَالَتْ: هُوَ ذَاكَ فِى الْبَيْتِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ إلاّ بِبَيَاضِهِ كَأَنّهُ قُطْنَةٌ مُلْقَاةٌ، فَعَلَوْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَهَمّ بَعْضُنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا، ثُمّ ذَكَرْنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ نَهَانَا عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ. قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْنَا جَعَلَ سَمْكُ الْبَيْتِ يَقْصُرُ عَلَيْنَا، وَجَعَلَتْ سُيُوفُنَا تَرْجِعُ، قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: وَكُنْت رَجُلاً أَعْشَى لا أُبْصِرُ بِاللّيْلِ إلاّ بَصَرًا ضَعِيفًا. قَالَ: فَتَأَمّلْته كَأَنّهُ قَمَرٌ. قَالَ: فَأَتّكِئُ بِسَيْفِى عَلَى بَطْنِهِ حَتّى سَمِعْت خَشّهُ فِى الْفِرَاشِ وَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَضَى. قَالَ: وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا، ثُمّ نَزَلْنَا وَنَسِىَ أَبُو قَتَادَةَ قَوْسَهُ فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ، فَقَالَ: أَصْحَابُهُ دَعْ الْقَوْسَ، فَأَبَى فَرَجَعَ فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَانْفَكّتْ رِجْلُهُ فَاحْتَمَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدّارِ بَعْدَ مَا قُتِلَ. فَلَمْ يَفْتَحْ أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْلاً طَوِيلاً، وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِى بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ. وَأَقْبَلَتْ الْيَهُودُ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ الْقَوْمُ الآنَ. فَخَرَجَ الْحَارِثُ فِى ثَلاثَةِ آلافٍ فِى آثَارِنَا، يَطْلُبُونَنَا بِالنّيرَانِ فِى شُعَلِ السّعَفِ وَلَرُبّمَا وَطِئُوا فِى النّهْرِ فَنَحْنُ فِى بَطْنِهِ، وَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ فَلا يَرَوْنَا، فَلَمّا أَوْعَبُوا فِى الطّلَبِ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا رَجَعَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ قَالَتْ: سَمِعْت مِنْهُمْ كَلامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ، فَإِنْ كَانَ فِى بِلادِنَا هَذِهِ فَهُوَ مَعَهُمْ، فَكُرّوا الطّلَبَ الثّانِيَةَ، وَقَالَ الْقَوْمُ: فِيمَا بَيْنَهُمْ لَوْ أَنّ بَعْضَنَا أَتَاهُمْ فَنَظَرَ هَلْ مَاتَ الرّجُلُ أَمْ لا. فَخَرَجَ الأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ حَتّى دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَتَشَبّهَ بِهِمْ فَجَعَلَ فِى يَدِهِ شُعْلَةً كَشُعَلِهِمْ حَتّى كَرّ الْقَوْمُ الثّانِيَةَ إلَى الْقَصْرِ، وَكَرّ مَعَهُمْ وَيَجِدُ الدّارَ قَدْ شُحِنَتْ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا يَنْظُرُونَ إلَى أَبِى رَافِعٍ مَا فَعَلَ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ مَعَهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، ثُمّ أَحْنَتْ عَلَيْهِ، تَنْظُرُ أَحَىّ أَمْ مَيّتٌ هُوَ، فَقَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ مُوسَى، قَالَ: ثُمّ كَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ إلاّ بِأَمْرٍ بَيّنٍ، قَالَ: فَدَخَلْت الثّانِيَةَ مَعَهُمْ فَإِذَا الرّجُلُ لا يَتَحَرّكُ مِنْهُ عِرْقٌ. قَالَ: فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ فِى صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَأَخَذُوا فِى جَهَازِهِ يَدْفِنُونَهُ، قَالَ: وَخَرَجْت مَعَهُمْ وَقَدْ أَبْطَأْت عَلَى أَصْحَابِى بَعْضَ الإِبْطَاءِ، قَالَ: فَانْحَدَرْت عَلَيْهِمْ فِى النّهْرِ فَخَبّرْتهمْ فَمَكَثْنَا فِى مَكَانِنَا يَوْمَيْنِ حَتّى سَكَنَ عَنّا الطّلَبُ، ثُمّ خَرَجْنَا مُقْبِلِينَ إلَى الْمَدِينَةِ، كُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِىّ ÷، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمّا رَآنَا، قَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقُلْنَا: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “أَقَتَلْتُمُوهُ”؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ، قَالَ: “عَجّلُوا عَلَىّ بِأَسْيَافِكُمْ”، فَأَتَيْنَا بِأَسْيَافِنَا، ثُمّ قَالَ: “هَذَا قَتَلَهُ، هَذَا أَثَرُ الطّعَامِ فِى سَيْفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ”. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِى غَطَفَانَ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِى الْعَرَبِ، وَجَعَلَ لَهُمْ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَبَعَثَ النّبِىّ ÷ إلَيْهِ هَؤُلاءِ النّفَرَ. فَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، قَالَ: حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَوْا إلَى أَبِى رَافِعٍ تَشَاجَرُوا فِى قَتْلِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْشَى، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالُوا: تَرَى بَيَاضَهُ كَأَنّهُ قَمَرٌ، قَالَ: قَدْ رَأَيْت، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَقَامَ النّفَرُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَفْرُقُونَ أَنْ تَصِيحَ قَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَيْهَا؛ وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَضَرَبَ بِالسّيْفِ فَرَجَعَ السّيْفُ عَلَيْهِ لِقِصَرِ السّمْكِ فَاتّكَأَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ خَمْرًا حَتّى سَمِعَ خَشّ السّيْفِ، وَهُوَ فِى الْفِرَاشِ، وَيُقَالُ: كَانَتْ السّرِيّةُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ.

  • * *



غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فَإِنّمَا سُمّيَتْ ذَاتِ الرّقَاعِ، لأَنّهُ جَبَلٌ فِيهِ بُقَعٌ حُمْرٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضٌ. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لَيْلَةَ السّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَقَدِمَ صِرَارًا يَوْمَ الأَحَدِ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ وَغَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ. فَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مُقْسِمٍ، وَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِى حَفْصَةَ، عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنِى بِهِ. قَالُوا: قَدِمَ قَادِمٌ بِجَلَبٍ لَهُ فَاشْتَرَى بِسُوقِ النّبَطِ وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ جَلَبْت جَلَبَك؟ قَالَ: جِئْت مِنْ نَجْدٍ وَقَدْ رَأَيْت أَنْمَارًا وَثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا، وَأَرَاكُمْ هَادِينَ عَنْهُمْ. فَبَلَغَ النّبِىّ ÷ قَوْلُهُ، فَخَرَجَ فِى أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانَمِائَةٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ، حَتّى سَلَكَ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمّ أَفْضَى إلَى وَادِى الشّقَرَةِ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا، وَبَثّ السّرَايَا فَرَجَعُوا إلَيْهِ مَعَ اللّيْلِ وَخَبّرُوهُ أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً. ثُمّ سَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَصْحَابِهِ حَتّى أَتَى مَحَالّهُمْ فَيَجِدُونَ الْمَحَالّ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الأَعْرَابُ إلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَهُمْ مُطِلّونَ عَلَى النّبِىّ ÷. وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارّونَ. وَخَافَتْ الأَعْرَابُ أَلاّ يَبْرَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى يَسْتَأْصِلَهُمْ. وَفِيهَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ صَلاةَ الْخَوْفِ. فَحَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: فَكَانَ أَوّلَ مَا صَلّى يَوْمَئِذٍ صَلاةُ الْخَوْفِ وَخَافَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِ وَهُمْ فِى الصّلاةِ وَهُمْ صُفُوفٌ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّيْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ صَلاةَ الْخَوْفِ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْقِبْلَةَ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوّ فَصَلّى بِالطّائِفَةِ الّتِى خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ ثَبَتَ قَائِمًا فَصَلّوْا خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ سَلّمُوا، وَجَاءَتْ الطّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَالطّائِفَةُ الأُولَى مُقْبِلَةٌ عَلَى الْعَدُوّ فَلَمّا صَلّى بِهِمْ رَكْعَةً ثَبَتَ جَالِسًا حَتّى أَتَمّوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَصَابَ فِى مَحَالّهِمْ نِسْوَةً وَكَانَ فِى السّبْىِ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَ زَوْجُهَا يُحِبّهَا، فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَلَفَ زَوْجُهَا لَيَطْلُبَن مُحَمّدًا، وَلا يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ حَتّى يُصِيبَ مُحَمّدًا، أَوْ يُهْرِيقَ فِيهِمْ دَمًا، أَوْ تَتَخَلّصُ صَاحِبَتَهُ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى مَسِيرِهِ عَشِيّةَ ذَاتِ رِيحٍ فَنَزَلَ فِى شِعْبٍ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: “مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا اللّيْلَةَ”؟ فَقَامَ رَجُلانِ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَكْلَؤُك، وَجَعَلَتْ الرّيحُ لا تَسْكُنُ وَجَلَسَ الرّجُلانِ عَلَى فَمِ الشّعْبِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَىّ اللّيْلِ أَحَبّ إلَيْك، أَنْ أَكْفِيَك أَوّلَهُ فَتَكْفِينِى آخِرَهُ؟ قَالَ اكْفِنِى أَوّلَهُ. فَنَامَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَبّادُ بْنُ بِشْر ٍ يُصَلّى، وَأَقْبَلَ عَدُوّ اللّهِ يَطْلُبُ غِرّةً وَقَدْ سَكَنَتْ الرّيحُ فَلَمّا رَأَى سَوَادَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ: يَعْلَمُ اللّهُ إنّ هَذَا لَرَبِيئَةُ الْقَوْمِ فَفَوّقَ لَهُ سَهْمًا فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَمَاهُ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، ثُمّ رَمَاهُ الثّالِثَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَلَمّا غَلَبَ عَلَيْهِ الدّمُ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: اجْلِسْ فَقَدْ أَتَيْت، فَجَلَسَ عَمّارٌ فَلَمّا رَأَى الأَعْرَابِىّ أَنّ عَمّارًا قَدْ قَامَ عَلِمَ أَنّهُمْ قَدْ نَذَرُوا بِهِ. فَقَالَ عَمّارٌ: أَىْ أَخِى، مَا مَنَعَك أَنْ تُوقِظَنِى بِهِ فِى أَوّلِ سَهْمٍ رَمَى بِهِ؟ قَالَ: كُنْت فِى سُورَةٍ أَقْرَأهَا وَهِىَ سُورَةُ الْكَهْفِ، فَكَرِهْت أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أَفْرُغَ مِنْهَا، وَلَوْلا أَنّى خَشِيت أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِى بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا انْصَرَفْت وَلَوْ أُتِىَ عَلَى نَفْسِى، وَيُقَالُ: الأَنْصَارِىّ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَأَثْبَتُهُمَا عِنْدَنَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: إنّا لَمَعَ النّبِىّ ÷ إذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِفَرْخٍ طَائِرٍ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَأَقْبَلَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتّى طَرَحَ نَفْسَهُ فِى يَدَىْ الّذِى أَخَذَ فَرْخَهُ، فَرَأَيْت النّاسَ عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الطّائِرِ؟ أَخَذْتُمْ فَرْخَهُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ رَحْمَةً لِفَرْخِهِ، وَاَللّهِ لَرَبّكُمْ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ هَذَا الطّائِرِ بِفَرْخِهِ”. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُصَلّى عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فِى غَزْوَتِه قَالَ جَابِرٌ: فَإِنّا لَفِى مُنْصَرَفِنَا أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَنَا تَحْتَ ظِلّ شَجَرَةٍ فَقُلْت: هَلُمّ إلَى الظّلّ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَدَنَا إلَى الظّلّ فَاسْتَظَلّ فَذَهَبْت لأُقَرّبَ إلَيْهِ شَيْئًا، فَمَا وَجَدْت إلاّ جَرْوًا مِنْ قِثّاءٍ فِى أَسْفَلِ الْغِرَارَةِ، قَالَ: فَكَسَرْته كَسْرًا ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا”؟ فَقُلْنَا: شَيْءٌ فَضَلَ مِنْ زَادِ الْمَدِينَةِ. فَأَصَابَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَقَدْ جَهَرْنَا صَاحِبًا لَنَا، يَرْعَى ظَهْرَنَا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَخَرّقٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمَا لَهُ غَيْرُ هَذَا”؟ فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لَهُ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ فِى الْعَيْبَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خُذْ ثَوْبَيْك”، فَأَخَذَ ثَوْبَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمّ أَدْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَلَيْسَ هَذَا أَحْسَنَ؟ مَا لَهُ ضَرَبَ اللّهُ عُنُقَهُ”؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ الرّجُلُ، فَقَالَ: فِى سَبِيلِ اللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فِى سَبِيلِ اللّهِ”، قَالَ جَابِرٌ: فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللّهِ. قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَتَحَدّثُ عِنْدَنَا إلَى أَنْ جَاءَنَا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ الْحَارِثِىّ بِثَلاثِ بَيْضَاتٍ أَدَاحِى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَجَدْت هَذِهِ الْبَيْضَاتِ فِى مَفْحَصِ نَعَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “دُونَك يَا جَابِرُ فَاعْمَلْ هَذِهِ الْبَيْضَاتِ” فَوَثَبْت فَعَمِلْتهنّ، ثُمّ جِئْت بِالْبَيْضِ فِى قَصْعَةٍ وَجَعَلْت أَطْلُبُ خُبْزًا فَلا أَجِدُهُ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْضِ بِغَيْرِ خُبْزٍ. قَالَ جَابِرٌ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ أَمْسَكَ يَدَهُ وَأَنَا أَظُنّ أَنّهُ قَدْ انْتَهَى إلَى حَاجَتِهِ وَالْبَيْضُ فِى الْقَصْعَةِ كَمَا هُوَ. قَالَ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَكَلَ مِنْهُ عَامّةُ أَصْحَابِنَا، ثُمّ رُحْنَا مُبَرّدِينَ. قَالَ جَابِرٌ: وَإِنّا لَنَسِيرُ إلَى أَنْ أَدْرَكَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مَا لَك يَا جَابِرُ”؟ فَقُلْت: أَىْ رَسُولَ اللّهِ جَدّى أَنْ يَكُونَ لِى بَعِيرُ سُوءٍ، وَقَدْ مَضَى النّاسُ وَتَرَكُونِى قَالَ: فَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعِيرَهُ، فَقَالَ: “أَمَعَك مَاءٌ”؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَجِئْته بِقَعْبٍ مِنْ مَاءٍ فَنَفَثَ فِيهِ، ثُمّ نَضَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَعَلَى عَجُزِهِ، ثُمّ قَالَ: “أَعْطِنِى عَصًا” فَأَعْطَيْته عَصًا مَعِى - أَوْ قَالَ: قَطَعْت لَهُ عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ. قَالَ: ثُمّ نَخَسَهُ ثُمّ قَرَعَهُ بِالْعَصَا، ثُمّ قَالَ: “ارْكَبْ يَا جَابِرُ”، قَالَ: فَرَكِبْت. قَالَ: فَخَرَجَ وَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً مَا تَفُوتُهُ نَاقَتُهُ. قَالَ: وَجَعَلْت أَتَحَدّثُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ ثُمّ قَالَ: “يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَتَزَوّجْت”؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: “بِكْرًا أَمْ ثَيّبًا”؟ فَقُلْت: ثَيّبًا، فَقَالَ: “أَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُك” فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى وَأُمّى إنّ أَبِى أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ وَتَزَوّجْت امْرَأَةً جَامِعَةً تَلُمّ شَعَثَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ، قَالَ: “أَصَبْت”، ثُمّ قَالَ: إنّا لَوْ قَدِمْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَسَمِعَتْ بِنَا فَنَفّضَتْ نَمَارِقَهَا”، قَالَ: قُلْت: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا نَمَارِقُ، قَالَ: “أَمَا إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلاً كَيّسًا”، قَالَ: قُلْت: أَفْعَلُ مَا اسْتَطَعْت، قَالَ: ثُمّ قَالَ: “بِعْنِى جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ”. قُلْت: بَلْ هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “لا، بَلْ بِعْنِيهِ”، قَالَ: قُلْت: نَعَمْ سُمْنِى بِهِ، قَالَ: “فَإِنّى آخُذُهُ بِدِرْهَمٍ”، قَالَ: قُلْت: تَغْبِنُنِى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: “لا، لَعَمْرِى”، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زَالَ يَزِيدُنِى دِرْهَمًا دِرْهَمًا حَتّى بَلَغَ بِهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - أُوقِيّةً - فَقَالَ: “أَمَا رَضِيت”؟ فَقُلْت: هُوَ لَك، فَقَالَ: “فَظَهْرُهُ لَك حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ”، قَالَ: وَيُقَالُ: إنّهُ قَالَ: “آخُذُهُ مِنْك بِأُوقِيّةٍ وَظَهْرُهُ لَك فَبَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ”. قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا صِرَارًا أَمَرَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمَهُ، ثُمّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْت لِلْمَرْأَةِ: قَدْ أَمَرَنِى النّبِىّ ÷ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلاً كَيّسًا، قَالَتْ: سَمْعًا وَطَاعَةً لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدُونَك فَافْعَلْ. قَالَ: ثُمّ أَصْبَحْت فَأَخَذْت بِرَأْسِ الْجَمَلِ فَانْطَلَقْت حَتّى أَنَخْته عِنْدَ حُجْرَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَجَلَسْت حَتّى خَرَجَ فَلَمّا خَرَجَ قَالَ: “أَهَذَا الْجَمَلُ”؟ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ الّذِى اشْتَرَيْت، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِلالاً، فَقَالَ: “اذْهَبْ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً، وَخُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك يَا ابْنَ أَخِى فَهُوَ لَك”. فَانْطَلَقْت مَعَ بِلال، فَقَالَ بِلالٌ: أَنْتَ ابْنُ صَاحِبُ الشّعْبِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: “وَاَللّهِ لأُعْطِيَنك وَلأَزِيدَنك”، فَزَادَنِى قِيرَاطًا أَوْ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ: فَمَا زَالَ ذَلِكَ يُثْمِرُ وَيَزِيدُنَا اللّهُ بِهِ وَنَعْرِفُ مَوْضِعَهُ حَتّى أُصِيبَ هَا هُنَا قَرِيبًا عِنْدَكُمْ - يَعْنِى الْجَمَلَ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا انْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ فَكُنّا بِالشّقْرَةِ، قَالَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا جَابِرُ مَا فَعَلَ دَيْنُ أَبِيك”؟ فَقُلْت: عَلَيْهِ انْتَظَرْت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يُجَذّ نَخْلُهُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إذَا جَذَذْت فَأَحْضِرْنِى”، قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، ثُمّ قَالَ: “مَنْ صَاحِبُ دَيْنِ أَبِيك”؟ فَقُلْت: أَبُو الشّحْمِ الْيَهُودِىّ، لَهُ عَلَى أَبِى سِقَةُ تَمْرٍ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَمَتَى تَجُذّهَا”؟ قُلْت: غَدًا، قَالَ: يَا جَابِرُ، فَإِذَا جَذَذْتهَا فَاعْزِلْ الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَتِهَا، وَأَلْوَانَ التّمْرِ عَلَى حِدَتِهَا. قَالَ: فَفَعَلْت، فَجَعَلْت الصّيْحَانِىّ عَلَى حِدَةٍ وَأُمّهَاتَ الْجَرَادَيْنِ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ عَمَدْت إلَى جُمّاعٍ مِنْ التّمْرِ مِثْلِ نُخْبَةٍ وَقَرْنٍ وَشُقْحَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَنْوَاعِ وَهُوَ أَقَلّ التّمْرِ فَجَعَلْته حَبْلاً وَاحِدًا، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَخَبّرْته فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَمَعَهُ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ فَدَخَلُوا الْحَائِطَ، وَحَضَرَ أَبُو الشّحْمِ، قَالَ: فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى التّمْرِ مُصَنّفًا، قَالَ: “اللّهُمّ بَارِكْ لَهُ”، ثُمّ انْتَهَى إلَى الْعَجْوَةِ فَمَسّهَا بِيَدِهِ وَأَصْنَافَ التّمْرِ، ثُمّ جَلَسَ وَسَطَهَا، ثُمّ قَالَ: “اُدْعُ غَرِيمَك”، فَجَاءَ أَبُو الشّحْمِ، فَقَالَ: “اكْتَلْ”، فَاكْتَالَ حَقّهُ كُلّهُ مِنْ حَبْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَجْوَةُ وَبَقِيّةُ التّمْرِ كَمَا هُوَ، ثُمّ قَالَ: “يَا جَابِرُ هَلْ بَقِىَ عَلَى أَبِيك شَىْءٌ”؟ قَالَ: قُلْت: لا، قَالَ: وَبَقِىَ سَائِرُ التّمْرِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ دَهْرًا وَبِعْنَا مِنْهُ حَتّى أَدْرَكَتْ الثّمَرَةُ مِنْ قَابِلَ وَلَقَدْ كُنْت أَقُولُ لَوْ بِعْت أَصْلَهَا مَا بَلَغَتْ مَا كَانَ عَلَى أَبِى مِنْ الدّيْنِ فَقَضَى اللّهُ مَا كَانَ عَلَى أَبِى مِنْ الدّيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتنِى وَالنّبِىّ ÷ لَيَقُولُ: “مَا فَعَلَ دَيْنُ أَبِيك”؟ فَقُلْت: قَدْ قَضَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. فَقَالَ: “اللّهُمّ اغْفِرْ لِجَابِرٍ”، فَاسْتَغْفَرَ لِى فِى لَيْلَةٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرّةً. حَدّثَنِى عَائِذُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ.

  • * *






غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ وَقَدِمَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الآخَرِ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى لَبِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، فَكِلاهُمَا قَدْ حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا. قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَدْنُوَ إلَى أَدْنَى الشّامِ، وَقِيلَ لَهُ: إنّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشّامِ، فَلَوْ دَنَوْت لَهَا كَانَ ذَلِكَ مِمّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَنّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرّ بِهِمْ مِنْ الضّافِطَةِ وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ وَتُجّارٌ وَضَوَى إلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنْ الْمَدِينَةِ. فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ فَخَرَجَ فِى أَلْفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ هَادٍ خِرّيتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مُغِذّا لِلسّيْرِ وَنَكَبَ، عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ سَيْرَ الرّاكِبِ الْمُعْتِقِ - قَالَ لَهُ الدّلِيلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَوَائِمَهُمْ تَرْعَى فَأَقِمْ لِى حَتّى أَطّلِعَ لَك، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ الْعُذْرِىّ طَلِيعَةً حَتّى وَجَدَ آثَارَ النّعَمِ وَالشّاءِ وَهُمْ مُغَرّبُونَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ وَقَدْ عَرَفَ مَوَاضِعَهُمْ فَسَارَ النّبِىّ ÷ حَتّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِى كُلّ وَجْهٍ. وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرّقُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِسَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيّامًا وَبَثّ السّرَايَا، وَفَرّقَهَا حَتّى غَابُوا عَنْهُ يَوْمًا، ثُمّ رَجَعُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يُصَادِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَتَرْجِعُ السّرِيّةُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الإِبِلِ إلاّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَخَذَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَتَى بِهِ النّبِىّ ÷ فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسِ حَيْثُ سَمِعُوا بِأَنّك قَدْ أَخَذْت نَعَمَهُمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ الإِسْلامَ أَيّامًا، فَأَسْلَمَ فَرَجَعَ النّبِىّ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ.

  • * *









غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ فِى سَنَةِ خَمْسٍ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لِهِلالِ رَمَضَانَ وَغَابَ شَهْرًا إلاّ لَيْلَتَيْنِ. حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَخَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى، وَعُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِىّ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِىّ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ وَغَيْرُ هَؤُلاءِ قَدْ حَدّثَنِى قَالُوا: إنّ بَلْمُصْطَلِقَ مِنْ خُزَاعَةَ كَانُوا يَنْزِلُونَ نَاحِيَةَ الْفُرُعِ، وَهُمْ حُلَفَاءُ فِى بَنِى مُدْلِجٍ، وَكَانَ رَأْسُهُمْ وَسَيّدُهُمْ الْحَارِثَ بْنَ أَبِى ضِرَارٍ، وَكَانَ قَدْ سَارَ فِى قَوْمِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَرَبِ، فَدَعَاهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَابْتَاعُوا خَيْلاً وَسِلاحًا وَتَهَيّئُوا لِلْمَسِيرِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. وَجُعِلَتْ الرّكْبَانُ تَقَدّمَ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ فَيُخْبِرُونَ بِمَسِيرِهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَبَعَثَ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ الأَسْلَمِىّ يَعْلَمُ عِلْمَ ذَلِكَ وَاسْتَأْذَنَ النّبِىّ ÷ أَنْ يَقُولَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ حَتّى وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَاءَهُمْ فَوَجَدَ قَوْمًا مَغْرُورِينَ قَدْ تَأَلّبُوا وَجَمَعُوا الْجُمُوعَ فَقَالُوا: مَنْ الرّجُلُ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْكُمْ قَدِمْت لِمَا بَلَغَنِى عَنْ جَمْعِكُمْ لِهَذَا الرّجُلِ فَأَسِيرُ فِى قَوْمِى وَمَنْ أَطَاعَنِى فَتَكُونُ يَدُنَا وَاحِدَةً حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِى ضِرَارٍ: فَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ فَعَجّلْ عَلَيْنَا. قَالَ بُرَيْدَةُ: أَرْكَبُ الآنَ فَآتِيكُمْ بِجَمْعٍ كَثِيفٍ مِنْ قَوْمِى وَمَنْ أَطَاعَنِى، فَسَرّوا بِذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوّهِمْ، فَأَسْرَعَ النّاسُ لِلْخُرُوجِ وَقَادُوا الْخُيُولَ، وَهِىَ ثَلاثُونَ فَرَسًا، فِى الْمُهَاجِرِينَ مِنْهَا عَشَرَةٌ، وَفِى الأَنْصَارِ عِشْرُونَ، وَلِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَرَسَانِ، وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلام فَارِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَالزّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو. وَفِى الأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِىّ وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَزْمَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ. قَالُوا: وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَخْرُجُوا فِى غَزَاةٍ قَطّ مِثْلِهَا، لَيْسَ بِهِمْ رَغْبَةٌ فِى الْجِهَادِ إلاّ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ عَرَضِ الدّنْيَا، وَقَرُبَ عَلَيْهِمْ السّفَرُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى سَلَكَ عَلَى الْحَلائِقِ فَنَزَلَ بِهَا، فَأُتِىَ يَوْمَئِذٍ بِرَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَيْنَ أَهْلُك”؟ قَالَ: بِالرّوْحَاءِ. قَالَ: “أَيْنَ تُرِيدُ”؟ قَالَ: إيّاكَ جِئْت لأُومِنَ بِك وَأَشْهَدُ أَنّ مَا جِئْت بِهِ الْحَقّ، وَأُقَاتِلَ مَعَك عَدُوّك، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى هَدَاك لِلإِسْلامِ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَىّ الأَعْمَالِ أَحَبّ إلَى اللّهِ؟ قَالَ: “الصّلاةُ فِى أَوّلِ وَقْتِهَا”، قَالَ: فَكَانَ الرّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلّى حِينَ تَزِيغُ الشّمْسُ وَحِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَحِينَ تَغْرُب الشّمْسُ، لا يُؤَخّرُ الصّلاةَ إلَى الْوَقْتِ الآخَرِ، قَالَ: فَلَمّا نَزَلَ بِبَقْعَاءَ أَصَابَ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا لَهُ: مَا وَرَاءَك؟ أَيْنَ النّاسُ؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِى بِهِمْ. فَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: لَتَصْدُقَن أَوْ لأَضْرِبَن عُنُقَك، قَالَ: فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَلْمُصْطَلِقَ، تَرَكْت الْحَارِثَ بْنَ أَبِى ضِرَارٍ قَدْ جَمَعَ لَكُمْ الْجُمُوعَ وَتَجَلّبَ إلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَبَعَثَنِى إلَيْكُمْ لآتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ وَهَلْ تَحَرّكْتُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ. فَأَتَى عُمَرُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الإِسْلامِ وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى، وَقَالَ: لَسْت بِمُتّبِعٍ دِينَكُمْ حَتّى أَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ قَوْمِى؛ إنْ دَخَلُوا فِى دِينِكُمْ كُنْت كَأَحَدِهِمْ وَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ فَأَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَضَرَبَ عُنُقَه فَذَهَبَ الْخَبَرُ إلَى بَلْمُصْطَلِقَ. فَكَانَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَقُولُ: بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ جَاءَنَا خَبَرُهُ وَمَقْتَلُهُ وَمَسِيرُ رَسُولِ اللّهِ ÷ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا النّبِىّ ÷ فَسِيءَ أَبِى وَمَنْ مَعَهُ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا، وَتَفَرّقَ عَنْهُمْ مَنْ كَانَ قَدْ اجْتَمَعَ إلَيْهِمْ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ، فَمَا بَقِىَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سِوَاهُمْ. ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ الْمَاءُ فَنَزَلَهُ وَضُرِبَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ وَمَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ عَائِشَةُ وَأُمّ سَلَمَةَ، وَقَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى الْمَاءِ وَأَعَدّوا وَتَهَيّئُوا لِلْقِتَالِ فَصَفّ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ وَدَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِى بَكْر ٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَرَايَةَ الأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ: كَانَ مَعَ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ. ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَنَادَى فِى النّاسِ: قُولُوا: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ تَمْنَعُوا بِهَا أَنَفْسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. فَفَعَلَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَأَبَوْا فَكَانَ أَوّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنّبْلِ، ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ. وَسَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَغُنِمَتْ النّعَمُ، وَالشّاءُ وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ ذُو الشّقْرِ فَلَمْ تَكُنْ لِى بِأُهْبَةٍ حَتّى شَدَدْت عَلَيْهِ وَكَانَ الْفَتْحُ. وَكَانَ شَعَارُهُمْ يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدّثُ أَنّ النّبِىّ ÷ أَغَارَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارّونَ وَنَعَمُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيّهُمْ. وَالْحَدِيثُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ ضُبَابَةَ قَدْ خَرَجَ فِى طَلَبِ الْعَدُوّ، فَرَجَعَ فِى رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَعَجَاجٍ فَتَلْقَى رَجُلاً مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ يُقَالُ لَهُ: أَوْسٌ فَظَنّ أَنّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ فَعَلِمَ بَعْدُ أَنّهُ مُسْلِمٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ تُخْرَجَ دِيَتُهُ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ؛ فَقَدِمَ أَخُوهُ مِقْيَسٌ عَلَى النّبِىّ ÷ فَأَمَرَ لَهُ بِالدّيَةِ فَقَبَضَهَا، ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ مُرْتَدّا وَهُوَ يَقُولُ:

يُضَرّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الأَخَادِعِ

سَرَاةَ بَنِى النّجّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ وَكُنْت إلَى الأَوْثَانِ أَوّلَ رَاجِـــعِ شَفَى النّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ثَأَرْت بِهِ فِهْرًا وَحَمّلْت عَقْلَهُ حَلَلْت بِهِ وِتْرِى وَأَدْرَكْـت ثُؤْرَتِــــى سَمِعْت عَبْدَ الرّحْمَنِ يَقُولُ: أَنْشَدَنِيهَا أَبِى. فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دَمَهُ حَتّى قَتَلَهُ نُمَيْلَةُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى الأَبْيَضِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّتِهِ، وَهِىَ مَوْلاةُ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ تَقُولُ: أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَنَحْنُ عَلَى الْمُرَيْسِيعِ، فَأَسْمَعُ أَبِى يَقُولُ: أَتَانَا مَا لا قِبَلَ لَنَا بِهِ، قَالَتْ: فَكُنْت أَرَى مِنْ النّاسِ، وَالْخَيْلِ مَا لا أَصِفُ مِنْ الْكَثْرَةِ، فَلَمّا أَنْ أَسْلَمْت وَتَزَوّجَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷، وَرَجَعْنَا جَعَلْت أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسُوا كَمَا كُنْت أَرَى، فَعَلِمْت أَنّهُ رُعْبٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى يُلْقِيهِ فِى قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ. فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ يَقُولُ: لَقَدْ كُنّا نَرَى رِجَالاً بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ مَا كُنّا نَرَاهُمْ قَبْلُ وَلا بَعْدُ. حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضِيلِ، قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ مَسْعُودِ بْنُ هُنَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيت رَسُولَ اللّهِ ÷ بِبَقْعَاءَ، فَقَالَ: “أَيْنَ تُرِيدُ يَا مَسْعُودُ”؟ فَقُلْت: جِئْت لأَنْ أُسَلّمَ عَلَيْك وَقَدْ أَعْتَقَنِى أَبُو تَمِيمٍ. قَالَ: “بَارَكَ اللّهُ عَلَيْك، أَيْنَ تَرَكْت أَهْلَك”؟ قَالَ: تَرَكَتْهُمْ بِمَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِالْخَذَوَاتِ وَالنّاسُ صَالِحُونَ وَقَدْ رَغِبَ النّاسُ فِى الإِسْلامِ وَكَثُرَ حَوْلَنَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَلِلّهِ الْحَمْدُ الّذِى هَدَاهُمْ”، ثُمّ قَالَ: مَسْعُودٌ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَأَيْتنِى أَمْسِ وَلَقِيت رَجُلاً مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَدَعَوْته إلَى الإِسْلامِ فَرَغّبْته فِيهِ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لإِسْلامُهُ عَلَى يَدَيْك كَانَ خَيْرًا لَك مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ”، ثُمّ قَالَ: “كُنْ مَعَنَا حَتّى نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنّى أَرْجُو أَنْ يُنَفّلَنَا اللّهُ أَمْوَالَهُمْ”. قَالَ: فَسِرْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى غَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ، فَأَعْطَانِى رَسُولُ اللّهِ ÷ قِطْعَةً مِنْ إبِلٍ وَقِطْعَةً مِنْ غَنَمٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَسُوقَ الإِبِلَ وَمَعِى الْغَنَمُ؟ اجْعَلْهَا غَنَمًا كُلّهَا أَوْ إبِلاً كُلّهَا، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثُمّ قَالَ: “أَىّ ذَلِكَ أَحَبّ إلَيْك”؟ قُلْت: تَجْعَلُهَا إبِلاً، قَالَ: “أَعْطِهِ عَشْرًا مِنْ الإِبِلِ” قَالَ: فَأَعْطَيْتهَا. فَيُقَالُ لَهُ: قَارَعَهُ مِنْ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْخُمُسِ؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا أَدْرِى، فَرَجَعْت إلَى أَهْلِى، فَوَاَللّهِ مَا زِلْنَا فِى خَيْرٍ مِنْهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى جَهْمٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالأَسْرَى فَكُتِفُوا وَجُعِلُوا نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ، وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِى رِحَالِهِمْ مِنْ رِثّةِ الْمَتَاعِ، وَالسّلاحِ، فَجُمِعَ وَعُمِدَ إلَى النّعَمِ وَالشّاءِ فَسِيقَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ مَوْلاهُ وَجَمَعَ الذّرّيّةَ نَاحِيَةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَقْسَمِ - مَقْسَمِ الْخُمُسِ - وَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَغْنَمِ، فَكَانَ يَلِيهِ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ. وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالا: جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، قَالا: وَكَانَ يَجْمَعُ الأَخْمَاسَ وَكَانَتْ الصّدَقَاتُ عَلَى حِدَتِهَا، وَأَهْلُ الْفَىْءِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الصّدَقَةِ، وَأَهْلُ الصّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْفَىْءِ، وَكَانَ يُعْطِى مِنْ الصّدَقَةِ الْيَتِيمَ وَالْمِسْكِينَ وَالضّعِيفَ، فَإِذَا احْتَلَمَ الْيَتِيمُ نُقِلَ إلَى الْفَىْءِ، وَأُخْرِجَ مِنْ الصّدَقَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَإِنْ كَرِهَ الْجِهَادَ وَأَبَاهُ لَمْ يُعْطَ مِنْ الصّدَقَةِ شَيْئًا، وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكْسِبَ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لا يَمْنَعُ سَائِلاً، فَأَتَاهُ رَجُلانِ يَسْأَلانِهِ مِنْ الْخُمُسِ، فَقَالَ: “إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا مِنْهُ وَلا حَظّ فِيهَا لِغَنِىّ وَلا لِقَوِىّ مُكْتَسِبٍ”. قَالُوا: فَاقْتُسِمَ السّبْىُ وَفُرّقَ فَصَارَ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، وَقُسِمَتْ الرّثّةُ، وَقُسِمَ النّعَمُ وَالشّاءُ وَعُدِلَتْ الْجَزُورُ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ وَبِيعَتْ الرّثّةُ، فِيمَنْ يُرِيدُ وَأُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ. وَكَانَتْ الإِبِلُ أَلْفَىْ بَعِيرٍ وَخَمْسَةَ آلافِ شَاةٍ، وَكَانَ السّبْىُ مِائَتَىْ أَهْلِ بَيْتٍ، فَصَارَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَكَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ذَهَبٍ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ جَارِيَةً حُلْوَةً لا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلاّ ذَهَبَتْ بِنَفْسِهِ فَبَيْنَا النّبِىّ ÷ عِنْدِى، وَنَحْنُ عَلَى الْمَاءِ إذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُوَيْرِيَةُ تَسْأَلُهُ فِى كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْتهَا، فَكَرِهْت دُخُولَهَا عَلَى النّبِىّ ÷، وَعَرَفْت أَنّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الّذِى رَأَيْت، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ، وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ضِرَارٍ سَيّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنَا مِنْ الأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت، وَوَقَعْت فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَتَخَلّصَنِى مِنْ ابْنِ عَمّهِ بِنَخَلاتٍ لَهُ بالمدينة، فكاتبنى ثابت عَلَى مَا لا طَاقَةَ لِى بِهِ، وَلا يَدَانِ، وَمَا أَكْرَهَنِى عَلَى ذَلِكَ إلاّ أَنّى رَجَوْتُك صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَأَعِنّى فِى مُكَاتَبَتِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ”؟ فَقَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “أُؤَدّى عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك”، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَدْ فَعَلْت فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى ثَابِتٍ فَطَلَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ ثَابِتٌ: هِىَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى وَأُمّى، فَأَدّى رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ وَرِجَالُ بَنِى الْمُصْطَلِقِ قَدْ اُقْتُسِمُوا وَمُلِكُوا وَوُطِئَ نِسَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ النّبِىّ ÷ فَأَعْتَقُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ السّبْىِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: فَأَعْتَقَ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إيّاهَا، فَلا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا. فَحَدّثَنِى حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ: رَأَيْت قَبْلَ قُدُومِ النّبِىّ ÷ بِثَلاثِ لَيَالٍ كَأَنّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ حَتّى وَقَعَ فِى حِجْرِى، فَكَرِهْت أَنْ أُخْبِرَهَا أَحَدًا مِنْ النّاسِ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَلَمّا سُبِينَا رَجَوْت الرّؤْيَا، فَلَمّا أَعْتَقَنِى، وَتَزَوّجَنِى وَاَللّهِ مَا كَلّمْته فِى قَوْمِى، حَتّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمْ الّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ وَمَا شَعَرْت إلاّ بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمّى تُخْبِرُنِى الْخَبَرَ، فَحَمِدْت اللّهَ عَزّ وَجَل. وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: كَانَ السّبْىُ مِنْهُمْ مَنْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ اُفْتُدِىَ، وَذَلِك بَعْدَ مَا صَارَ السّبْىُ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، فَافْتُدِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالذّرّيّةُ بِسِتّ فَرَائِضَ، وَكَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بِبَعْضِ السّبْىِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أَهْلُوهُمْ فَافْتَدَوْهُمْ، فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ إلاّ رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا، وَهَذَا الثّبْتُ. فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَدِمَ الْوَفْدُ الْمَدِينَةَ، فَافْتَدَوْا السّبْىَ بَعْدَ السّهْمَانِ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى الأَبْيَضِ، عَنْ جَدّتِهِ، وَهِىَ مَوْلاةُ جُوَيْرِيَةَ، كَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِهِمْ، قَالَتْ: سَمِعْت جُوَيْرِيَةَ تَقُولُ: افْتَدَانِى أَبِى مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ بِمَا اُفْتُدِىَ بِهِ امْرَأَةٌ مِنْ السّبْىِ، ثُمّ خَطَبَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَبِى فَأَنْكَحَنِى، قَالَتْ: وَكَانَ اسْمُهَا بَرّ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: “خَرَجَ مِنْ بَيْتِ بَرّةَ”. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَأَثْبَتُ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، أَنّ النّبِىّ ÷ قَضَى عَنْهَا كِتَابَتَهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا. وَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَانَ يَقْسِمُ لَهَا كَمَا كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ. وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ أَبِى مُحَيْرِيزٍ، وَأَبِى ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى غَزْوَةِ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبَايَا، وَبِنَا شَهْوَةُ النّسَاءِ، وَاشْتَدّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا الْعَزْلَ فَقُلْنَا: نَعْزِلُ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: “مَا عَلَيْكُمْ أَلاّ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلاّ هِىَ كَائِنَةٌ”. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا وُفُودُهُمْ فَافْتَدَوْا الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَرَجَعُوا بِهِنّ إلَى بِلادِهِمْ وَخُيّرَ مَنْ خُيّرَ مِنْهُنّ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَ مَنْ صَارَتْ فِى سَهْمِهِ فَأَبَيْنَ إلاّ الرّجُوعَ. قَالَ الضّحّاكُ: فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا النّضْرِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: وَخَرَجْت بِجَارِيَةٍ لِى أَبَيْعُهَا فِى السّوقِ، فَقَالَ لِى: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَعَلّك تُرِيدُ بَيْعَهَا، وَفِى بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ، قَالَ: فَقُلْت كَلاّ، إنّى كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا، فَقَالَ: تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصّغْرَى، قَالَ: فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرْته ذَلِكَ، فَقَالَ: “كَذَبَتْ الْيَهُودُ، كَذَبَتْ الْيَهُودُ”.

  • * *










ذِكْرُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ ابْنِ أُبَىّ قَالُوا: فَبَيْنَا الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَاءِ الْمُرَيْسِيعِ قَدْ انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ وَهُوَ مَاءٌ ظَنُونٌ، إنّمَا يَخْرُجُ فِى الدّلْوِ نِصْفُهُ أَقْبَلَ سِنَانُ بْنُ وَبَرٍ الْجُهَنِيّ - وَهُوَ حَلِيفٌ فِى بَنِى سَالِمٍ - وَمَعَهُ فَتَيَانِ مِنْ بَنِى سَالِمٍ يَسْتَقُونَ فَيَجِدُونَ عَلَى الْمَاءِ جَمْعًا مِنْ الْعَسْكَرِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَكَانَ جَهْجَا بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِىّ أَجِيرًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَأَدْلَى سِنَانٌ وَأَدْلَى جَهْجَا دَلْوَهُ وَكَانَ جَهْجَا أَقْرَبَ السّقَاءِ إلَى سِنَانِ بْنِ وَبَرٍ فَالْتَبَسَتْ دَلْوُ سِنَانٍ وَدَلْوُ جَهْجَا، فَخَرَجَتْ إحْدَى الدّلْوَيْنِ وَهِىَ دَلْوُ سِنَانِ بْنِ وَبَرٍ. قَالَ سِنَانٌ: فَقُلْت: دَلْوِى. فَقَالَ جَهْجَا: وَاَللّهِ مَا هِىَ إلاّ دَلْوِى. فَتَنَازَعَا إلَى أَنْ رَفَعَ جَهْجَا يَدَهُ فَضَرَبَ سِنَانًا فَسَالَ الدّمُ فَنَادَى: يَا آلَ خَزْرَجٍ وَثَارَتْ الرّجَالُ. قَالَ سِنَانٌ: وَأَعْجَزَنِى جَهْجَا هَرَبًا وَأَعْجَزَ أَصْحَابِى، وَجَعَلَ يُنَادِى فِى الْعَسْكَرِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ يَا آلَ كِنَانَةَ فَأَقْبَلَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ سِرَاعًا. قَالَ سِنَانٌ: فَلَمّا رَأَيْت مَا رَأَيْت نَادَيْت بِالأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَشَهَرُوا السّلاحَ حَتّى خَشِيت أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ حَتّى جَاءَنِى نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُونَ: اُتْرُكْ حَقّك. قَالَ سِنَانٌ: وَإِذَا ضَرَبْته لَمْ يَضْرُرْنِى شَيْئًا، قَالَ سِنَانٌ: فَجَعَلْت لا أَسْتَطِيعُ أَفْتَاتُ عَلَى حُلَفَائِى بِالْعَفْوِ لِكَلامِ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَوْمِى يَأْبَوْنَ أَنْ أَعْفُو إلاّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَوْ أَقْتَصّ مِنْ جَهْجَا. ثُمّ إنّ الْمُهَاجِرِينَ كَلّمُوا حُلَفَائِى، فَكَلّمُوا عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ وَنَاسًا مِنْ حُلَفَائِى، فَكَلّمَنِى حُلَفَائِى فَتَرَكْت ذَلِكَ وَلَمْ أَرْفَعْهُ إلَى النّبِىّ ÷. وَكَانَ ابْنُ أُبَىّ جَالِسًا فِى عَشَرَةٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ابْنُ أُبَىّ، وَمَالِكٌ وَدَاعِسٌ وَسُوَيْدٌ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلَ - وَفِى الْقَوْمِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ غُلامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ قَدْ بَلَغَ - فَبَلَغَهُ صِيَاحُ جَهْجَا: يَا آلَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَ ابْنُ أُبَىّ غَضَبًا شَدِيدًا، وَكَانَ مِمّا ظَهَرَ مِنْ كَلامِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ أَنْ قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ مَذَلّةً، وَاَللّهِ إنْ كُنْت لَكَارِهًا لِوَجْهِى هَذَا، وَلَكِنْ قَوْمِى غَلَبُونِى قَدْ فَعَلُوهَا، قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِى بَلَدِنَا، وَأَنْكَرُوا مِنّتَنَا، وَاَللّهِ مَا صِرْنَا وَجَلابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ إلاّ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلْك، وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنّى سَأَمُوتُ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِمَا هَتَفَ بِهِ جَهْجَا، وَأَنَا حَاضِرٌ لا يَكُونُ لِذَلِكَ مِنّى غِيَرٌ، وَاَللّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَة ِ لَيُخْرِجَن الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلادَكُمْ فَنَزَلُوا مَنَازِلَكُمْ وَآسَيْتُمُوهُمْ فِى أَمْوَالِكُمْ حَتّى اسْتَغْنَوْا أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوّلُوا إلَى غَيْرِ بِلادِكُمْ، ثُمّ لَمْ يَرْضَوْا بِمَا فَعَلْتُمْ، حَتّى جَعَلْتُمْ أَنَفْسَكُمْ أَغْرَاضًا لِلْمَنَايَا، فَقَتَلْتُمْ دُونَهُ فَأَيْتَمْتُمْ أَوْلادَكُمْ وَقَلَلْتُمْ وَكَثُرُوا، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيَجِدُ عِنْدَهُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ - أَبَا بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَسَعْدًا، وَمُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَوْسَ بْنَ خَوْلِىّ وَعَبّادَ بْنَ بِشْرٍ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَبَرَهُ وَتَغَيّرَ وَجْهَهُ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا غُلامُ لَعَلّك غَضِبْت عَلَيْهِ”، قَالَ: لا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْته مِنْهُ، قَالَ: “لَعَلّهُ أَخْطَأَ سَمْعُك”، قَالَ: لا يَا نَبِىّ اللّهِ، قَالَ: “لَعَلّهُ شُبّهَ عَلَيْك”، قَالَ: لا، وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْته مِنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ. وَشَاعَ فِى الْعَسْكَرِ مَا قَالَ ابْنُ أُبَىّ، وَلَيْسَ لِلنّاسِ حَدِيثٌ إلاّ مَا قَالَ ابْنُ أُبَىّ، وَجَعَلَ الرّهْطُ مِنْ الأَنْصَارِ يُؤَنّبُونَ الْغُلامَ، وَيَقُولُونَ: عَمَدْت إلَى سَيّدِ قَوْمِك تَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَقَدْ ظَلَمْت وَقَطَعْت الرّحِمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت مِنْهُ، قَالَ: وَوَاللّهِ مَا كَانَ فِى الْخَزْرَجِ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَحَبّ إلَىّ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ، وَاَللّهِ لَوْ سَمِعْت هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ أَبِى لَنَقَلْتهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِنّى لأَرْجُو أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ حَتّى يَعْلَمُوا أَنَا كَاذِبٌ أَمْ غَيْرِى، أَوْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ ÷ تَصْدِيقَ قَوْلِى، وَجَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ: اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيّك مَا يُصَدّقُ حَدِيثِى، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مُرْ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَلْيَأْتِك بِرَأْسِهِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَيُقَالُ: قَالَ: قُلْ لِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَأْتِك بِرَأْسِهِ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “وَأَعْرَضَ عَنْهُ لا يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ”، وَقَامَ النّفَرُ مِنْ الأَنْصَارِ الّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ النّبِىّ ÷ وَرَدّهُ عَلَى الْغُلامِ، فَجَاءُوا إلَى ابْنِ أُبَىّ فَأَخْبَرُوهُ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ: يَا أَبَا الْحُبَابِ، إنْ كُنْت قُلْته فَأَخْبِرْ النّبِىّ يَسْتَغْفِرْ لَك، وَلا تَجْحَدْهُ فَيَنْزِلَ مَا يُكَذّبُك، وَإِنْ كُنْت لَمْ تَقُلْهُ فَأْتِ رَسُولَ اللّهِ فَاعْتَذِرْ إلَيْهِ وَاحْلِفْ لِرَسُولِ اللّهِ مَا قُلْته. فَحَلَفَ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. ثُمّ إنّ ابْنَ أُبَىّ أَتَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “يَا ابْنَ أُبَىّ، إنْ كَانَتْ سَلَفَتْ مِنْك مَقَالَةٌ فَتُبْ”، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا قُلْت مَا قَالَ زَيْدٌ، وَلا تَكَلّمْت بِهِ، وَكَانَ فِى قَوْمِهِ شَرِيفًا، فَكَانَ يُظَنّ أَنّهُ قَدْ صَدَقَ وَكَانَ يُظَنّ بِهِ سُوءُ الظّنّ. فَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ: لَمّا كَانَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أُبَىّ مَا كَانَ أَسْرَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ السّيْرَ، وَأَسْرَعْت مَعَهُ وَكَانَ مَعِى أَجِيرٌ اسْتَأْجَرْته يَقُومُ عَلَى فَرَسِى، فَاحْتَبَسَ عَلَىّ فَوَقَفْت لَهُ عَلَى الطّرِيقِ أَنْتَظِرُهُ حَتّى جَاءَ فَلَمّا جَاءَ وَرَأَى مَا بِى مِنْ الْغَضَبِ أَشْفَقَ أَنْ أَقَعَ بِهِ فَقَالَ: أَيّهَا الرّجُلُ عَلَى رِسْلِك، فَإِنّهُ قَدْ كَانَ فِى النّاسِ أَمْرٌ مِنْ بَعْدِك، فَحَدّثْنِى بِمَقَالَةِ ابْنِ أُبَىّ، قَالَ عُمَرُ: فَأَقْبَلْت حَتّى جِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ وَهُوَ فِى فَىْءِ شَجَرَةٍ عِنْدَهُ غُلَيْمٌ أُسَيْوِدُ يَغْمِزُ ظَهْرَهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ كَأَنّك تَشْتَكِى ظَهْرَك، فَقَالَ: “تَقَحّمَتْ بِى النّاقَةُ اللّيْلَةَ”. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إِيذَنْ لِى أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَ ابْنِ أُبَىّ فِى مَقَالَتِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَوَكُنْت فَاعِلاً”؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إذًا لأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ بِيَثْرِبَ كَثِيرَةٌ لَوْ أَمَرْتهمْ بِقَتْلِهِ قَتَلُوهُ”. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ فَمُرْ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقْتُلُهُ، قَالَ: “لا يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا قَتَلَ أَصْحَابَهُ”، قَالَ: فَقُلْت: فَمُرْ النّاسَ بِالرّحِيلِ، قَالَ: “نَعَمْ”، فَأَذّنْت بِالرّحِيلِ فِى النّاسِ. وَيُقَالُ: لَمْ يَشْعُرْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ إلاّ بِرَسُولِ اللّهِ ÷ قَدْ طَلَعَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ وَكَانُوا فِى حَرّ شَدِيدٍ، وَكَانَ لا يَرُوحُ حَتّى يُبْرِدَ إلاّ أَنّهُ لَمّا جَاءَهُ خَبَرُ ابْنِ أُبَىّ رَحَلَ فِى تِلْكَ السّاعَةِ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: السّلامُ عَلَيْك أَيّهَا النّبِىّ وَرَحْمَةُ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَعَلَيْك السّلامُ”، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَحَلْت فِى سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرْحَلُ فِيهَا، وَيُقَالُ: لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ خَرَجْت فِى سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرُوحُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَوَلَمْ يَبْلُغْكُمْ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ”؟ قَالَ: أَىّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “ابْنُ أُبَىّ، زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ”، قَالَ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ تُخْرِجُهُ إنْ شِئْت، فَهُوَ الأَذَلّ وَأَنْتَ الأَعَزّ، وَالْعِزّةُ لِلّهِ وَلَك وَلِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ اللّهُ بِك، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيُنَظّمُونَ لَهُ الْخَرَزَ مَا بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ إلاّ خَرَزَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ يُوشَعَ الْيَهُودِىّ قَدْ أَرّبَ بِهِمْ فِيهَا لِمَعْرِفَتِهِ بِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا لِيُتَوّجُوهُ فَجَاءَ اللّهُ بِك عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا يَرَى إلاّ قَدْ سَلَبَتْهُ مُلْكَهُ. قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَسِيرُ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُعَارِضُ النّبِىّ ÷ بِرَاحِلَتِهِ يُرِيهِ وَجْهَهُ فِى الْمَسِيرِ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ فَهُوَ مُغِذّ فِى السّيْرِ إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ تَأْخُذُهُ الْبُرَحَاءُ وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ وَتَثْقُلُ يَدَا رَاحِلَتِهِ حَتّى مَا كَادَ يَنْقُلُهَا، عَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يُوحَى إلَيْهِ وَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ تَصْدِيقُ خَبَرِى. قَالَ زَيْدُ ابْنُ أَرْقَمَ: فَسُرّىَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخَذَ بِأُذُنِى، وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِى، حَتّى ارْتَفَعْت مِنْ مَقْعَدِى، وَيَرْفَعُهَا إلَى السّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: “وَفَتْ أُذُنُك يَا غُلامُ وَصَدّقَ اللّهُ حَدِيثَك”، وَنَزَلَ فِى ابْنِ أُبَىّ السّورَةُ مِنْ أَوّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَحْدَهُ: ×إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ%. فَحَدّثَنِى عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْهُرَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ لابْنِ أُبَىّ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ: إِيتِ رَسُولَ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك، قَالَ: فَرَأَيْته يَلْوِى رَأْسَهُ مُعْرِضًا، يَقُولُ عُبَادَةُ: أَمَا وَاَللّهِ لَيُنْزِلَن فِى لَىّ رَأْسِك قُرْآنٌ يُصَلّى بِهِ. وَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: مَرّ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ عَشِيّةَ رَاحَ النّبِىّ ÷ مِنْ الْمُرَيْسِيعِ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى النّبِىّ ÷ سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ فَلَمْ يُسَلّمْ عَلَيْهِ، ثُمّ مَرّ أَوْسُ ابْنُ خَوْلِىّ فَلَمْ يُسَلّمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ أُبَىّ: إنّ هَذَا الأَمْرَ قَدْ تَمَالأْتُمَا عَلَيْهِ، فَرَجَعَا إلَيْهِ فَأَنّبَاهُ وَبَكَتَاهُ بِمَا صَنَعَ، وَبِمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إكْذَابًا لِحَدِيثِهِ، وَجَعَلَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ يَقُولُ: لا أَكَذِبُ عَنْك أَبَدًا حَتّى أَعْلَمَ أَنْ قَدْ تَرَكْت مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَتُبْت إلَى اللّهِ إنّا أَقْبَلْنَا عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَلُومُهُ وَنَقُولُ لَهُ: كَذَبْت عَلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِك، حَتّى نَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ حَدِيثِ زَيْدٍ وَإِكْذَابِ حَدِيثِك، وَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ يَقُولُ: لا أَعُودُ أَبَدًا، وَبَلَغَ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ مَقَالَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷: مُرْ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَأْتِك بِرَأْسِهِ، فَجَاءَ إلَى النّبِىّ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ أَبِى فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ فَمُرْنِى، فَوَاَللّهِ لأَحْمِلَن إلَيْك رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِك هَذَا، وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ فِيهَا رَجُلٌ أَبَرّ بِوَالِدٍ مِنّى، وَمَا أَكَلَ طَعَامًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا مِنْ الدّهْرِ وَلا يَشْرَبُ شَرَابًا إلاّ بِيَدِى، وَإِنّى لأَخْشَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ تَأْمُرَ غَيْرِى فَيَقْتُلَهُ فَلا تَدَعُنِى نَفْسِى أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ أَبِى يَمْشِى فِى النّاسِ فَأَقْتُلُهُ، فَأَدْخُلُ النّارَ، وَعَفْوُك أَفْضَلُ وَمَنّك أَعْظَمُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا عَبْدَ اللّهِ مَا أَرَدْت قَتْلَهُ، وَمَا أَمَرْت بِهِ، وَلَنُحْسِنَنّ صُحْبَتَهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا”. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِى كَانَتْ هَذِهِ الْبَحْرَةُ قَدْ اتّسَقُوا عَلَيْهِ لِيُتَوّجُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ اللّهُ بِك، فَوَضَعَهُ اللّهُ وَرَفَعَنَا بِك، وَمَعَهُ قَوْمٌ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَذْكُرُونَ أُمُورًا قَدْ غَلَبَ اللّهُ عَلَيْهَا، قَالَ: فَلَمّا انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ÷ وَعَرَفَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ تَرَكَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَتْلِهِ قَالَ: وَمِنْ أَعْجَبِ الأَحْدَاثِ مَا قَالَهُ عُمَرْ وَلَمْ يَسْتَشِرْهُ بِاَلّتِى تَحْلِقُ الشّعَرْ فَقُلْت لَهُ مَا قَالَ فِى وَالِدِى كَشَرْ لِيَقْتُلَهُ بِئْسَ لَعَمْرُك مَا أَمَرْ كَفَيْتُك عَبْدَ اللّهِ لَمْحَــكَ بِالْبَصـــَرِ وَقَلْبٌ عَلَى الْبَلْوَى أَشَدّ مِنْ الْحَجَرْ وَفِى الْعَيْنِ مِنّى نَحْوَ صَاحِبِهَا عَوَرْ أَبَــاهُ وَقَــدْ كَادَتْ تَطِيرُ بِهَا مُضَـــرْ أَلا إنّمَا الدّنْيَا حَوَادِثُ تُنْتَظَرْ يُشِيرُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ الْوَحْىُ هَكَذَا وَلَوْ كَانَ لِلْخَطّابِ ذَنْبٌ كَذَنْبِهِ غَدَاةَ يَقُولُ ابْعَثْ إلَيْهِ مُحَمّدًا فَقُلْـت رَسُـولَ اللّهِ إنْ كُنْــت فَاعِلاً تُسَاعِدُنِى كَفّ وَنَفْسٌ سَخِيّةٌ وَفِى ذَاكَ مَا فِيهِ وَالأُخْرَى غَضَاضَة فَقَــالَ أَلا لا يَقْتُــــلُ الْمَــرْءُ طَائِعًا أَنْشَدَنِيهَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخَذْتهَا فِى الْكِتَابِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. فَحَدّثَنِى عُبَيْدُ اللّهِ ابْنُ الْهُرَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: لَمّا رُحْنَا مِنْ الْمُرَيْسِيعِ قَبْلَ الزّوَالِ كَانَ الْجَهْدُ بِنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، مَا أَنَاخَ مِنّا رَجُلٌ إلاّ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِصَلاةٍ يُصَلّيهَا، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ وَيَخْلُفُ بِالسّوْطِ فِى مَرَاقّهَا حَتّى أَصْبَحْنَا، وَمَدَدْنَا يَوْمَنَا حَتّى انْتَصَفَ النّهَارُ أَوْ كَرَبَ، وَلَقَدْ رَاحَ النّاسُ وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ بِمَقَالَةِ ابْنِ أُبَىّ وَمَا كَانَ مِنْهُ فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ أَخَذَهُمْ السّهَرُ وَالتّعَبُ بِالْمَسِيرِ فَمَا نَزَلُوا حَتّى مَا يُسْمَعُ لِقَوْلِ ابْنِ أُبَىّ فِى أَفْوَاهِهِمْ - يَعْنِى ذِكْرًا- وَإِنّمَا أَسْرَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالنّاسِ لِيَدْعُوَا حَدِيثَ ابْنِ أُبَىّ، فَلَمّا نَزَلُوا وَجَدُوا مَسّ الأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا، ثُمّ رَاحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالنّاسِ مُبْرِدًا، فَنَزَلَ مِنْ الْغَدِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: بَقْعَاءُ فَوْقَ النّقِيعِ، وَسَرّحَ النّاسُ ظَهْرَهُمْ فَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ حَتّى أَشْفَقَ النّاسُ مِنْهَا، وَسَأَلُوا عَنْهَا رَسُولَ اللّهِ ÷ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ خَالَفَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: لَمْ تَهِجْ هَذِهِ الرّيحُ إلاّ مِنْ حَدَثٍ، وَإِنّمَا بِالْمَدِينَةِ الذّرَارِىّ وَالصّبْيَانُ، وَكَانَتْ بَيْنَ النّبِىّ ÷ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ مُدّةٌ فَكَانَ ذَلِكَ حِينَ انْقِضَائِهَا فَدَخَلَهُمْ أَشَدّ الْخَوْفِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ خَوْفُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَيْسَ عَلَيْكُمْ بَأْسٌ مِنْهَا، مَا بِالْمَدِينَةِ مِنْ نَقْبٍ إلاّ عَلَيْهِ مَلَكٌ يَحْرُسُهُ، وَمَا كَانَ لِيَدْخُلَهَا عَدُوّ حَتّى تَأْتُوهَا؛ وَلَكِنّهُ مَاتَ الْيَوْمَ مُنَافِقٌ عَظِيمُ النّفَاقِ بِالْمَدِينَةِ، فَلِذَلِكَ عَصَفَتْ الرّيحُ”. وَكَانَ مَوْتُهُ لِلْمُنَافِقِينَ غَيْظًا شَدِيدًا، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. فَحَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: كَانَتْ الرّيحُ يَوْمَئِذٍ أَشَدّ مَا كَانَتْ قَطّ إلَى أَنْ زَالَتْ الشّمْسُ، ثُمّ سَكَنَتْ آخِرَ النّهَارِ، قَالَ جَابِرٌ: فَسَأَلْت حِينَ قَدِمْت قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتِى: مَنْ مَاتَ؟ فَقَالَ: زَيْدُ ابْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ، وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنّهُمْ وَجَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ شِدّةِ الرّيحِ حَتّى دُفِنَ عَدُوّ اللّهِ فَسَكَنَتْ الرّيحُ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ يَوْمَئِذٍ لابْنِ أُبَىّ أَبَا حُبَابٍ: مَاتَ خَلِيلُك، قَالَ: أَىّ أَخِلاّئِى؟ قَالَ: مَنْ مَوْتُهُ فَتْحٌ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: زَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ. قَالَ: يَا وَيْلاه، كَانَ وَاَللّهِ وَكَانَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ، فَقُلْت: اعْتَصَمْت بِالذّنْبِ الأَبْتَرِ، قَالَ: مَنْ أَخْبَرَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِمَوْتِهِ؟ قُلْت: رَسُولُ اللّهِ ÷ أَخْبَرَنَا السّاعَةَ أَنّهُ مَاتَ هَذِهِ السّاعَةَ، قَالَ: فَأُسْقِطَ فِى يَدَيْهِ وَانْصَرَفَ كَئِيبًا حَزِينًا، قَالُوا: وَسَكَنَتْ الرّيحُ آخِرَ النّهَارِ فَجَمَعَ النّاسُ ظُهُورَهُمْ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالا: وَفُقِدَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ الْقَصْوَاءُ مِنْ بَيْنِ الإِبِلِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهَا فِى كُلّ وَجْهٍ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ - وَكَانَ مُنَافِقًا وَهُوَ فِى رِفْقَةٍ قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ، مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقَشٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ – فَقَالَ: أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤُلاءِ فِى كُلّ وَجْهٍ؟ قَالُوا: يَطْلُبُونَ نَاقَةَ رَسُولِ اللّهِ قَدْ ضَلّتْ، قَالَ: أَفَلا يُخْبِرُهُ اللّهُ بِمَكَانِ نَاقَتِهِ؟ فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: قَاتَلَك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ نَافَقْت، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى لا أَدْرِى مَا يُوَافِقُ رَسُولُ اللّهِ مِنْ ذَلِكَ لأَنْفَذْتُ خُصْيَتَك بِالرّمْحِ يَا عَدُوّ اللّهِ فَلِمَ خَرَجْت مَعَنَا وَهَذَا فِى نَفْسِك؟ قَالَ: خَرَجْت لأَطْلُبَ مِنْ عَرَضِ الدّنْيَا، وَلَعَمْرِى إنّ مُحَمّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النّاقَةِ يُخْبِرُنَا عَنْ أَمْرِ السّمَاءِ، فَوَقَعُوا بِهِ جَمِيعًا وَقَالُوا: وَاَللّهِ لا يَكُونُ مِنْك سَبِيلٌ أَبَدًا وَلا يُظِلّنَا، وَإِيّاكَ ظِلّ أَبَدًا، وَلَوْ عَلِمْنَا مَا فِى نَفْسِك مَا صَحِبْتنَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمّ وَثَبَ هَارِبًا مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ أَنْ يَقَعُوا بِهِ وَنَبَذُوا مَتَاعَهُ فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَلَسَ مَعَهُ فِرَارًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَعَوّذًا بِهِ، وَقَدْ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ خَبَرُ مَا قَالَ مِنْ السّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ: “إنّ رَجُلاً مِنْ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ، وَقَالَ: أَلا يُخْبِرُهُ اللّهُ بِمَكَانِهَا؟ فَلَعَمْرِى إنّ مُحَمّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النّاقَةِ، وَلا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلاّ اللّهُ، وَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَنِى بِمَكَانِهَا، وَإِنّهَا فِى هَذَا الشّعْبِ مُقَابِلَكُمْ قَدْ تَعَلّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ فَاعْمِدُوا عَمْدَهَا”. فَذَهَبُوا فَأَتَوْا بِهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَلَمّا نَظَرَ الْمُنَافِقُ إلَيْهَا قَامَ سَرِيعًا إلَى رُفَقَائِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَإِذَا رَحْلُهُ مَنْبُوذٌ وَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُمْ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالُوا لَهُ حِينَ دَنَا: لا تَدْنُ مِنّا قَالَ: أُكَلّمُكُمْ فَدَنَا، فَقَالَ: أُذَكّرُكُمْ بِاَللّهِ، هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمّدًا فَأَخْبَرَهُ بِاَلّذِى قُلْت؟ قَالُوا: لا، وَاَللّهِ وَلا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا، قَالَ: فَإِنّى قَدْ وَجَدْت عِنْدَ الْقَوْمِ مَا تَكَلّمَتْ بِهِ، وَتَكَلّمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَإِنّهُ قَدْ أُتِىَ بِنَاقَتِهِ وَإِنّى قَدْ كُنْت فِى شَكّ مِنْ شَأْنِ مُحَمّدٍ فَأَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ، وَاَللّهِ لَكَأَنّى لَمْ أُسْلِمْ إلاّ الْيَوْمَ، قَالُوا لَهُ: فَاذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَاعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، وَيُقَالُ: إنّهُ لَمْ يَزَلْ فَسْلاً حَتّى مَاتَ وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شَدّادٍ، قَالَ: لَمّا مَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالنّقِيعِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْمُرَيْسِيعِ وَرَأَى سَعَةً وَكَلأً وَغُدُرًا كَثِيرَةً تَتَنَاخَسُ وَخُبّرَ بِمَرَاءَتِهِ، وَبَرَاءَتِهِ فَسَأَلَ عَنْ الْمَاءِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إذَا صِفْنَا قُلْت الْمِيَاهُ وَذَهَبَتْ الْغُدُرُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَاطِبَ بْنَ أَبِى بَلْتَعَةَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، وَأَمَرَ بِالنّقِيعِ أَنْ يُحْمَى، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىّ، فَقَالَ بِلالٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَكَمْ أَحَمْى مِنْهُ؟ قَالَ: أَقِمْ رَجُلاً صَيّتًا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ – يَعْنِى مُقْمِلاً – فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ فَاحْمِهِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَإِبِلِهِمْ الّتِى يَغْزُونَ عَلَيْهَا. قَالَ بِلالٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَرَأَيْت مَا كَانَ مِنْ سَوَائِمِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لا يَدْخُلُهَا، قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ وَالرّجُلَ الضّعِيفَ تَكُونُ لَهُ الْمَاشِيَةُ الْيَسِيرَةُ وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ التّحَوّلِ؟ قَالَ: دَعْهُ يَرْعَى، فَلَمّا كَانَ زَمَانُ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ حَمَاهُ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَمَاهُ، ثُمّ كَانَ عُمَرُ فَكَثُرَتْ بِهِ الْخَيْلُ وَكَانَ عُثْمَانُ فَحَمَاهُ أَيْضًا، وَسَبّقَ النّبِىّ ÷ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الْخَيْلِ وَبَيْنَ الإِبِلِ فَسَبَقَتْ الْقَصْوَاءُ الإِبِلَ وَسَبَقَ فَرَسُهُ - وَكَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ لِزَازٌ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الظّرِبُ - فَسَبَقَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الظّرِبِ، وَكَانَ الّذِى سَبَقَ عَلَيْهِ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ، وَاَلّذِى سَبَقَ عَلَى نَاقَتِهِ بِلالٌ.

  • * *

ذِكْرُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا وَأَصْحَابِ الإِفْكِ حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: حَدّثِينَا يَا أُمّهُ حَدِيثَك فِى غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ. قَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِى، إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَانَ إذَا خَرَجَ فِى سَفَرٍ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا، وَكَانَ يُحِبّ أَلاّ أُفَارِقَهُ فِى سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ. فَلَمّا أَرَادَ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ أَقْرَعَ بَيْنَنَا فَخَرَجَ سَهْمِى وَسَهْمُ أُمّ سَلَمَةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فَغَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَنْزِلاً لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى مَاءٍ. وَقَدْ سَقَطَ عِقْدٌ لِى مِنْ عُنُقِى، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَقَامَ بِالنّاسِ حَتّى أَصْبَحُوا؛ وَضَجّ النّاسُ وَتَكَلّمُوا وَقَالُوا: احْتَبَسَتْنَا عَائِشَةُ. وَأَتَى النّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: أَلا تَرَى إلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ حَبَسَتْ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَالنّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَضَاقَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَجَاءَنِى مُغَيّظًا فَقَالَ: أَلا تَرَيْنَ مَا صَنَعَتْ بِالنّاسِ؟ حَبَسْت رَسُولَ اللّهِ ÷ وَالنّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِى عِتَابًا شَدِيدًا وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى، فَلا يَمْنَعُنِى مِنْ التّحَرّكِ إلاّ مَكَانُ رَسُولِ اللّهِ ÷ رَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى وَهُوَ نَائِمٌ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: وَاَللّهِ إنّى لأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ لَنَا رُخْصَةٌ وَنَزَلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لا يُصَلّونَ إلاّ فِى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَجُعِلَتْ لِى الأَرْضُ طَهُورًا حَيْثُمَا أَدْرَكَتْنِى الصّلاةُ” فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِىَ بِأَوّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ. قَالَتْ: وَكَانَ أُسَيْدُ رَجُلاً صَالِحًا فِى بَيْتٍ مِنْ الأَوْسِ عَظِيمٍ، ثُمّ إنّا سِرْنَا مَعَ الْعَسْكَرِ حَتّى إذَا نَزَلْنَا مَوْضِعًا دَمِثًا طَيّبًا ذَا أَرَاكٍ قَالَ: “يَا عَائِشَةُ هَلْ لَك فِى السّبَاقِ”؟ قُلْت: نَعَمْ، فَتَحَزّمْت بِثِيَابِى وَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ ثُمّ اسْتَبَقْنَا فَسَبَقَنِى، فَقَالَ: “هَذِهِ بِتِلْكَ السّبْقَةِ الّتِى كُنْت سَبَقْتِينِى”، وَكَانَ جَاءَ إلَى مَنْزِلِ أَبِى وَمَعِى شَيْءٌ فَقَالَ: هَلُمّيهِ فَأَبَيْت فَسَعَيْت وَسَعَى عَلَى أَثَرِى فَسَبَقْته، وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ الْحِجَابُ. قَالَتْ: وَكَانَ النّسَاءُ إذْ ذَاكَ إلَى الْخِفّةِ هُنّ إنّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ مِنْ الطّعَامِ لَمْ يُهَيّجْنَ بِاللّحْمِ فَيَثْقُلْنَ، وَكَانَ اللّذَانِ يُرَحّلانِ بَعِيرِى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَوْهِبَةَ وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا، وَكَانَ الّذِى يَقُودُ بِى الْبَعِيرَ، وَإِنّمَا كُنْت أَقْعُدُ فِى الْهَوْدَجِ، فَيَأْتِى فَيَحْمِلُ الْهَوْدَجَ فَيَضَعُهُ عَلَى الْبَعِيرِ، ثُمّ يَشُدّهُ بِالْحِبَالِ وَيَبْعَثُ بِالْبَعِيرِ وَيَأْخُذُ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ فَيَقُودُ بِى الْبَعِيرَ. وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ يُقَادُ بِهَا هَكَذَا، فَكُنّا نَكُونُ حَاشِيَةً مِنْ النّاسِ يَذُبّ عَنّا مَنْ يَدْنُو مِنّا، فَرُبّمَا سَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى جَنْبِى، وَرُبّمَا سَارَ إلَى جَنْبِ أُمّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ نَزَلْنَا مَنْزِلاً فَبَاتَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعْضَ اللّيْلِ، ثُمّ ادّلَجَ وَأَذِنَ لِلنّاسِ بِالرّحِيلِ فَارْتَحَلَ الْعَسْكَرُ، وَذَهَبْت لِحَاجَتِى فَمَشَيْت حَتّى جَاوَزَتْ الْعَسْكَرَ وَفِى عُنُقِى عِقْدٌ لِى مِنْ جَزَعِ ظِفَارِ، وَكَانَتْ أُمّى أَدْخَلَتْنِى فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. فَلَمّا قَضَيْت حَاجَتِى انْسَلّ مِنْ عُنُقِى فَلا أَدْرِى بِهِ فَلَمّا رَجَعْت إلَى الرّحْلِ ذَهَبْت أَلْتَمِسُهُ فِى عُنُقِى فَلَمْ أَجِدْهُ وَإِذَا الْعَسْكَرُ قَدْ نَغَضُوا إلاّ عِيرَاتٌ وَكُنْت أَظُنّ أَنّى لَوْ أَقَمْت شَهْرًا لَمْ يُبْعَثْ بَعِيرِى حَتّى أَكُونَ فِى هَوْدَجِى، فَرَجَعْت فِى الْتِمَاسِهِ فَوَجَدْته فِى الْمَكَانِ الّذِى ظَنَنْت أَنّهُ فِيهِ فَحَبَسَنِى ابْتِغَاؤُهُ وَأَتَى الرّجُلانِ خِلافِى، فَرَحّلُوا الْبَعِيرَ وَحَمَلُوا الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّى فِيهِ فَوَضَعُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَلا يَشُكّونَ أَنّى فِيهِ - وَكُنْت قَبْلُ لا أَتَكَلّمُ إذْ أَكُونُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا - وَبَعَثُوا الْبَعِيرَ فَقَادُوا بِالزّمَامِ وَانْطَلَقُوا، فَرَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَيْسَ فِيهِ دَاعٍ وَلا مُجِيبٌ وَلا أَسْمَعُ صَوْتًا وَلا زَجْرًا. قَالَتْ: فَأَلْتَفِعُ بِثَوْبِى وَاضْطَجَعْت وَعَلِمْت أَنّى إنْ اُفْتُقِدْت رُجِعَ إلَىّ. قَالَتْ: فَوَاَللّهِ إنّى لَمُضْطَجِعَةٌ فِى مَنْزِلِى، قَدْ غَلَبَتْنِى عَيْنِى فَنِمْت. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطّلٍ السّلَمِىّ ثُمّ الذّكْوَانِىّ عَلَى سَاقَةِ النّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ فَادّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِى فِى عَمَايَةِ الصّبْحِ فَيَرَى سَوَادَ إنْسَانٍ فَأَتَانِى، وَكَانَ يَرَانِى قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ وَأَنَا مُتَلَفّعَةٌ فَأَثْبَتَنِى فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِى، فَخَمّرْت وَجْهِى بِمِلْحَفَتِى، فَوَاَللّهِ إنْ كَلّمَنِى كَلِمَةً غَيْرَ أَنّى سَمِعْت اسْتِرْجَاعَهُ حِينَ أَنَاخَ بَعِيرَهُ، ثُمّ وَطِئَ عَلَى يَدِهِ مُوَلّيًا عَنّى، فَرَكِبْت عَلَى رَحْلِهِ وَانْطَلَقَ يَقُودُ بِى حَتّى جِئْنَا الْعَسْكَرَ شَدّ الضّحَا، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الإِفْكِ الّذِى قَالُوا - وَتَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ - وَلا أَشْعُرُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِى قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ. ثُمّ قَدِمْنَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ اشْتَكَيْت شَكْوَى شَدِيدَةً وَلا يَبْلُغُنِى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ إلَى أَبَوَىّ وَأَبَوَاىَ لا يَذْكُرَانِ لِى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، إلاّ أَنّى قَدْ أَنْكَرْت مِنْ رَسُول اللّهِ ÷ لُطْفَهُ بِى وَرَحْمَتَهُ فَلا أَعْرِفُ مِنْهُ اللّطْفَ الّذِى كُنْت أَعْرِفُ حِينَ اشْتَكَيْت، إنّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلّمُ فَيَقُولُ: “كَيْفَ تِيكُمْ”؟ فَكُنْت إذَا اشْتَكَيْت لَطَفَ بِى وَرَحِمَنِى وَجَلَسَ عِنْدِى، وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا لا نَعْرِفُ الْوُضُوءَ فِى الْبُيُوتِ نَعَافُهَا وَنَقْذُرُهَا، وَكُنّا نَخْرُجُ إلَى الْمَنَاصِعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِحَاجَتِنَا، فَذَهَبْت لَيْلَةً وَمَعِى أُمّ مِسْطَحٍ مُلْتَفِعَةً فِى مِرْطِهَا، فَتَعَلّقَتْ بِهِ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْت: بِئْسَ لَعَمْرُ اللّهِ مَا قُلْت، تَقُولِينَ هَذَا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَتْ لِى: مُجِيبَةً مَا تَدْرِينَ وَقَدْ سَالَ بِك السّيْلُ، قُلْت: مَاذَا تَقُولِينَ؟ فَأَخْبَرَتْنِى قَوْلَ أَصْحَابِ الإِفْكِ فَقَلّصَ ذَلِكَ مِنّى، وَمَا قَدَرْت عَلَى أَنْ أَذْهَبَ لِحَاجَتِى، وَزَادَنِى مَرَضًا عَلَى مَرَضِى، فَمَا زِلْت أَبْكِى لَيْلِى وَيَوْمِى، قَالَتْ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُلْت: ائْذَنْ لِى أَذْهَبُ إلَى أَبَوَىّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا. فَأَذِنَ لِى فَأَتَيْت أَبَوَىّ فَقُلْت لأُمّى: يَغْفِرُ اللّهُ لَكِ تَحَدّثَ النّاسُ بِمَا تَحَدّثُوا بِهِ وَذَكَرُوا مَا ذَكَرُوا وَلا تَذْكُرِينَ لِى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَتْ: يَا بُنَيّةُ خَفّضِى عَلَيْك الشّأْنَ فَوَاَللّهِ مَا كَانَتْ جَارِيَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلاّ كَثّرْنَ عَلَيْهَا الْقَالَةَ وَكَثّرَ النّاسُ عَلَيْهَا. فَقُلْت: سُبْحَانَ اللّهِ وَقَدْ تَحَدّثَ النّاسُ بِهَذَا كُلّهِ؟ قَالَتْ فَبَكَيْت تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى أَصْبَحْت لا يَرْقَأُ لِى دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلِيّا وَأُسَامَةَ فَاسْتَشَارَهُمَا فِى فِرَاقِ أَهْلِهِ. قَالَتْ: وَكَانَ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ أَلْيَنَ قَوْلاً مِنْ الآخَرِ. قَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ وَلا نَعْلَمُ إلاّ خَيْرًا، وَإِنّ بَرِيرَةَ تَصْدُقُك. وَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: لَمْ يُضَيّقْ اللّهُ عَلَيْك، النّسَاءُ كَثِيرٌ وَقَدْ أَحَلّ اللّهُ لَك وَأَطَابَ فَطَلّقْهَا وَانْكِحْ غَيْرَهَا. قَالَتْ: فَانْصَرَفَا، وَخَلا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبَرِيرَةَ، فَقَالَ: “يَا بَرِيرَةُ، أَىّ امْرَأَةٍ تَعْلَمِينَ عَائِشَةَ”؟ قَالَتْ: هِىَ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِ الذّهَبِ، وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلاّ خَيْرًا، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَيُخْبِرَنك اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِذَلِكَ إلاّ أَنّهَا جَارِيَة تَرْقُدُ عَنْ الْعَجِينِ حَتّى تَأْتِىَ الشّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا، وَقَدْ لُمْتهَا فِى ذَلِكَ غَيْرَ مَرّةٍ. وَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَلَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُضَاهِى عَائِشَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ ÷ غَيْرَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ كُنْت أَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ لِلْغَيْرَةِ عَلَىّ فَقَالَ لَهَا النّبِىّ ÷: “يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْت عَلَى عَائِشَةَ”؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَاشَى سَمْعِى وَبَصَرِى، مَا عَلِمْت عَلَيْهَا إلاّ خَيْرًا، وَاَللّهِ مَا أُكَلّمُهَا وَإِنّى لَمُهَاجِرَتُهَا، وَمَا كُنْت أَقُولُ إلاّ الْحَقّ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: أَمّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللّهُ وَأَمّا غَيْرُهَا فَهَلَكَ مَعَ مَنْ هَلَكَ، ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أُمّ أَيْمَنَ، فَقَالَتْ: حَاشَى سَمْعِى وَبَصَرِى أَنْ أَكُونَ عَلِمْت أَوْ ظَنَنْت بِهَا قَطّ إلاّ خَيْرًا. ثُمّ صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: “مَنْ يَعْذِرُنِى مِمّنْ يُؤْذِينِى فِى أَهْلِى؟ وَيَقُولُونَ لِرَجُلٍ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت عَلَى ذَلِكَ الرّجُلِ إلاّ خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِى إلاّ مَعِى، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْحَقّ”. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُك مِنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ يَكُ مِنْ الأَوْسِ آتِك بِرَأْسِهِ، وَإِنْ يَكُ مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ فَمُرْنَا بِأَمْرِك نَمْضِى لَك، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ – وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنّ الْغَضَبَ بَلَغَ مِنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ مَا غُمِصَ عَلَيْهِ فِى نِفَاقٍ وَلا غَيْرُ ذَلِكَ إلاّ أَنّ الْغَضَبَ يَبْلُغُ مِنْ أَهْلِهِ – فَقَالَ: كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ لا تَقْتُلْهُ وَلا تَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ، وَاَللّهِ مَا قُلْت هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلاّ أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الأَوْسِ مَا قُلْت ذَلِكَ وَلَكِنّك تَأْخُذُنَا بِالذّحُولِ كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَك فِى الْجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ مَحَا اللّهُ ذَلِكَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: كَذَبْت وَاَللّهِ لَنَقْتُلَنّهُ وَأَنْفُك رَاغِمٌ فَإِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ مِنْ ذَلِكَ فِى رَهْطِى الأَدْنَيْنَ مَا رَامَ رَسُولُ اللّهِ مَكَانَهُ حَتّى آتِيَهُ بِرَأْسِهِ وَلَكِنّى لا أَدْرِى مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: تَأْبَوْنَ يَا آلَ أَوْسٍ إلاّ أَنْ تَأْخُذُونَا بِذُحُولٍ كَانَتْ فِى الْجَاهِلِيّةِ. وَاَللّهِ مَا لَكُمْ بِذِكْرِهَا حَاجَةٌ وَإِنّكُمْ لَتَعْرِفُونِ لِمَنْ الْغَلَبَةُ فِيهَا، وَقَدْ مَحَا اللّهُ بِالإِسْلامِ ذَلِكَ كُلّهُ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: قَدْ رَأَيْت مَوْطِنَنَا يَوْمَ بُعَاثَ ثُمّ تَغَالَظُوا. وَغَضِبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَنَادَى: يَا آلَ خَزْرَجٍ فَانْحَازَتْ الْخَزْرَجُ كُلّهَا إلَى سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ. وَنَادَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا آلَ أَوْسٍ فَانْحَازَتْ الأَوْسُ كُلّهَا إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ حَزْمَةَ مُغِيرًا حَتّى أَتَى بِالسّيْفِ يَقُولُ: أَضْرِبُ بِهِ رَأْسَ النّفَاقِ وَكَهْفَهُ، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ فِى رَهْطِهِ، وَقَالَ: ارْمِ بِهِ يُحْمَلُ السّلاحُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ لَوْ عَلِمْنَا أَنّ لِرَسُولِ اللّهِ فِى هَذَا هَوًى أَوْ طَاعَةً مَا سَبَقْتنَا إلَيْهِ. فَرَجَعَ الْحَارِثُ وَاصْطَفّتْ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْحَيّيْنِ جَمِيعًا أَنْ اُسْكُتُوا، وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَهَدّأَهُمْ وَخَفّضَهُمْ حَتّى انْصَرَفُوا. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَدَخَلَ عَلِىّ فَجَلَسَ عِنْدِى، وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ لا يُوحَى إلَيْهِ فِى شَأْنِى، قَالَتْ: فَتَشَهّدَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ جَلَسَ، ثُمّ قَالَ: “أَمَا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنّهُ بَلَغَنِى كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْت بَرِيئَةً يُبَرّئُك اللّهُ، وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِشَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَاسْتَغْفِرِى اللّهَ عَزّ وَجَلّ، فَإِنّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمّ تَابَ إلَى اللّهِ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ”، قَالَتْ: فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ كَلامَهُ ذَهَبَ دَمْعِى حَتّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا، وَقُلْت لأَبِى: أَجِبْ رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: وَاَللّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ وَمَا أُجِيبُ بِهِ عَنْك. قَالَتْ: فَقُلْت لأُمّى: أَجِيبِى عَنّى رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَتْ: وَاَللّهِ مَا أَدْرِى مَا أُجِيبُ عَنْك لِرَسُولِ اللّهِ. وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السّنّ لا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ. قَالَتْ: فَقُلْت: إنّى وَاَللّهِ قَدْ عَلِمْت أَنّكُمْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَوَقَعَ فِى أَنْفُسِكُمْ فَصَدّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْت لَكُمْ: إنّى بَرِيئَةٌ لا تُصَدّقُونِى، وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ اللّهُ أَنّى مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدّقُونِى، وَإِنّى وَاَللّهِ مَا أَجِدُ لِى مِثْلاً إلاّ أَبَا يُوسُفَ إذْ يَقُولُ: بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ، وَاَللّهُ مَا يَحْضُرُنِى ذِكْرُ يَعْقُوبَ وَمَا أَهْتَدِى مِنْ الْغَيْظِ الّذِى أَنَا فِيهِ. ثُمّ تَحَوّلْت فَاضْطَجَعْت عَلَى فِرَاشِى وَقُلْت: وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّى بَرِيئَةٌ وَأَنَا بِاَللّهِ وَاثِقَةٌ أَنْ يُبَرّئَنِى اللّهُ بِبَرَاءَتِى. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: فَمَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْعَرَبِ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِى بَكْرٍ. وَاَللّهِ مَا قِيلَ لَنَا هَذَا فِى الْجَاهِلِيّةِ حَيْثُ لا نَعْبُدُ اللّهَ وَلا نَدَعُ لَهُ شَيْئًا، فَيُقَالُ لَنَا فِى الإِسْلامِ، قَالَتْ: وَأَقْبَلَ عَلَىّ أَبِى مُغْضَبًا. قَالَتْ: فَاسْتَعْبَرْت، فَقُلْت فِى نَفْسِى: وَاَللّهِ لا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْتُمْ أَبَدًا، وَاَيْمُ اللّهِ لأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِى نَفْسِى وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِىّ قُرْآنٌ يَقْرَؤُهُ النّاسُ فِى صَلاتِهِمْ، وَلَكِنْ قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُهُمْ اللّهُ عَنّى بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِى، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا، فَأَمّا قُرْآنٌ فَلا وَاَللّهِ مَا ظَنَنْته قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتّى يَغْشَاهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا كَانَ يَغْشَاهُ. قَالَتْ: فَسُجّىَ بِثَوْبِهِ وَجُمِعَتْ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مَا رَأَيْت فَوَاَللّهِ لَقَدْ فَرِحْت بِهِ وَعَلِمْت أَنّى بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ تَعَالَى غَيْرُ ظَالِمٍ لِى. قَالَتْ: وَأَمّا أَبَوَاىَ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا سُرّىَ عَنْ النّبِىّ ÷ حَتّى ظَنَنْت لَتَخْرُجَن أَنْفُسُهُمَا فَرَقًا أَنْ يَأْتِىَ أَمْرٌ مِنْ اللّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ، ثُمّ كَشَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَإِنّهُ لَيَتَحَدّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ فَكَانَتْ أَوّلَ كَلِمَة قَالَهَا: “يَا عَائِشَةُ، إنّ اللّهَ قَدْ أَنَزَلَ بَرَاءَتَك”، قَالَتْ: وَسُرّىَ عَنْ أَبَوَىّ وَقَالَتْ أُمّى: قَوْمِى إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقُلْت: وَاَللّهِ لا أَقُومُ إلاّ بِحَمْدِ اللّهِ لا بِحَمْدِك، فَأَنْزَلَ اللّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ×إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ% الآيَةَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى النّاسِ مَسْرُورًا، فَصَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ تَلا عَلَيْهِمْ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِى بَرَاءَةِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحَدّ، وَكَانَ الّذِى تَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ، وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمْ يَضْرِبْهُمْ - وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: فِى هَذِهِ الآيَةِ مَنْ رَمَى مُحْصَنَةً لَعَنَهُ اللّهُ فِى الدّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَقَالَ: إنّمَا ذَاكَ لأُمّ الْمُؤْمِنِينَ خَاصّةً. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِى أَيّوبَ أَنّ أُمّ أَيّوبَ قَالَتْ لأَبِى أَيّوبَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِى عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَفَكُنْتِ يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: لا وَاَللّهِ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك. فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ أَهْلُ الإِفْكِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: ×لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ% يَعْنِى أَبَا أَيّوبَ حِينَ قَالَ لأُمّ أَيّوبَ، وَيُقَالُ: إنّمَا قَالَهَا أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ فَحَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ، قَالَتْ: قَالَتْ أُمّ الطّفِيلِ لأُبَىّ بْنِ كَعْبٍ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِى عَائِشَةَ؟ قَالَ: أَىّ ذَلِكَ؟ قَالَتْ مَا يَقُولُونَ. قَالَ: هُوَ وَاَللّهِ الْكَذِبُ أَوَكُنْتِ تَفْعَلِينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللّهِ. قَالَ: فَهِىَ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك، قَالَتْ: وَأَنَا أَشْهَدُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قَالُوا: وَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَيّامًا، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى نَفَرٍ، فَخَرَجَ يَقُودُ بِهِ حَتّى دَخَلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُ، فَتَحَدّثَا عِنْدَهُ سَاعَةً وَقَرّبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ طَعَامًا، فَأَصَابَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمَنْ مَعَهُ، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَمَكَثَ أَيّامًا، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَنَفَرٍ مَعَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتّى دَخَلَ مَنْزِلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَقَرّبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ طَعَامًا، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُمْ، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَنْ يَذْهَبَ مَا كَانَ فِى أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الّذِى تَقَاوَلا. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ حِينَ احْتَبَسَ عَلَى قِلادَةِ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا بِذَاتِ الْجَيْشِ فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ كَادَ نَزَلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ فَمَسَحْنَا الأَرْضَ بِالأَيْدِى ثُمّ مَسَحْنَا الأَيْدِىَ إلَى الْمَنَاكِبِ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصّلاتَيْنِ فِى سَفَرِهِ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أُمّهِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، وَعِمَادُ الْحَدِيثِ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: لَمّا قَالَ ابْنُ أُبَىّ مَا قَالَ، وَذَكَرَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ وَجَهْجَا، وَكَانَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَيْنِ يَكْثُرُ عَلَى قَوْمِى، وَقَدْ أَنَزَلْنَا مُحَمّدًا فِى دُورِ كِنَانَةَ وَعِزّهَا وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ جُعَيْلٌ يَرْضَى أَنْ يَسْكُتَ فَلا يَتَكَلّمُ فَصَارَ الْيَوْمَ يَتَكَلّمُ، وَقَوْلُ ابْنِ أُبَىّ أَيْضًا فِى صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ وَمَا رَمَاهُ بِهِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَمْسَى الْجَلابِيبُ قَدْ رَاعُوا وَقَدْ كَثُرُوا وَابْــــنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَـــدِ فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ جَاءَ صَفْوَانُ إلَى جُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا، نَضْرِبُ حَسّانَ فَوَاَللّهِ مَا أَرَادَ غَيْرَك وَغَيْرِى، وَلَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْهُ، فَأَبِى جُعَيْلٌ أَنْ يَذْهَبَ فَقَالَ لَهُ: لا أَفْعَلُ إلاّ أَنْ يَأْمُرَنِى رَسُولُ اللّهِ، وَلا تَفْعَلُ أَنْتَ حَتّى تُؤَامِرَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ. فَأَبَى صَفْوَانُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُصْلِتًا السّيْفَ حَتّى ضَرَبَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ فِى نَادِى قَوْمِهِ فَوَثَبَتْ الأَنْصَارُ إلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا - وَكَانَ الّذِى وَلِى ذَلِكَ مِنْهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ - وَأَسَرُوهُ أَسْرًا قَبِيحًا. فَمَرّ بِهِمْ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ أَمِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَرِضَائِهِ أَمْ مِنْ أَمْرٍ فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا عَلِمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷. قَالَ: لَقَدْ اجْتَرَأْت، خَلّ عَنْهُ ثُمّ جَاءَ بِهِ وَبِثَابِتٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يَسُوقُهُمْ فَأَرَادَ ثَابِتٌ أَنْ يَنْصَرِفَ فَأَبَى عُمَارَةُ حَتّى جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: حَسّانُ يَا رَسُولَ اللّهِ شَهَرَ عَلَىّ السّيْفَ فِى نَادِى قَوْمِى، ثُمّ ضَرَبَنِى لأَنْ أَمَوْتَ وَلا أَرَانِى إلاّ مَيّتًا مِنْ جِرَاحَتِى، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى صَفْوَانَ فَقَالَ: “وَلِمَ ضَرَبْته وَحَمَلْت السّلاحَ عَلَيْهِ”؟ وَتَغَيّظَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِى وَهَجَانِى وَسَفِهَ عَلَىّ وَحَسَدَنِى عَلَى الإِسْلامِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَسّانَ فَقَالَ: “أَسَفِهْت عَلَى قَوْمٍ أَسْلَمُوا”؟ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “احْبِسُوا صَفْوَانَ فَإِنْ مَاتَ حَسّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ”. فَخَرَجُوا بِصَفْوَانَ فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَا صَنَعَ صَفْوَانُ، فَخَرَجَ فِى قَوْمِهِ مِنْ الْخَزْرَجِ حَتّى أَتَاهُمْ فَقَالَ: عَمَدْتُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ تُؤْذُونَهُ وَتَهْجُونَهُ بِالشّعْرِ وَتَشْتُمُونَهُ فَغَضِبَ لِمَا قِيلَ لَهُ ثُمّ أَسَرْتُمُوهُ أَقْبَحَ الإِسَارِ وَرَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالُوا: فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَنَا بِحَبْسِهِ، وَقَالَ: “إنْ مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَاقْتُلُوهُ”، قَالَ سَعْدٌ: وَاَللّهِ إنّ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ لَلْعَفْوُ وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَضَى بَيْنَكُمْ بِالْحَقّ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ يَعْنِى لَيُحِبّ أَنْ يَتْرُكَ صَفْوَانَ، وَاَللّهِ لا أَبْرَحُ حَتّى يُطْلَقَ فَقَالَ حَسّانُ: مَا كَانَ لِى مِنْ حَقّ فَهُوَ لَك يَا أَبَا ثَابِتٍ، وَأَبَى قَوْمُهُ فَغَضِبَ قَيْسٌ ابْنُهُ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: عَجَبًا لَكُمْ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ إنّ حَسّان قَدْ تَرَكَ حَقّهُ وَتَأْبَوْنَ أَنْتُمْ مَا ظَنَنْت أَنّ أَحَدًا مِنْ الْخَزْرَجِ يُرِدْ أَبَا ثَابِتٍ فِى أَمْرٍ يَهْوَاهُ، فَاسْتَحْيَا الْقَوْمُ وَأَطْلَقُوهُ مِنْ الْوَثَاقِ فَذَهَبَ بِهِ سَعْدٌ إلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ حُلّةً ثُمّ خَرَجَ صَفْوَانُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلّىَ فِيهِ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “صَفْوَانُ”؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “مَنْ كَسَاهُ”؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: “كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ”، ثُمّ كَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا أُكَلّمُك أَبَدًا إنْ لَمْ تَذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَتَقُولَ: كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ فَهُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ. فَأَقْبَلَ حَسّانُ فِى قَوْمِهِ حَتّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ فَهُوَ لَك. قَالَ قَدْ أَحْسَنْت وَقَبِلْت ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَرْضًا بَرَاحًا وَهِىَ بَيْرُحَاءُ وَمَا حَوْلَهَا وَسِيرِينَ، وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَائِطًا كَانَ يَجِدُ مَالاً كَثِيرًا عِوَضًا لَهُ مِمّا عَفَا عَنْ حَقّهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَحَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ ابْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَ صَفْوَانَ، فَلَمّا بَرِئَ حَسّانُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِ، فَقَالَ: “يَا حَسّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَك”، فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بُرَاحًا وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ عِوَضًا. فَحَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَذْكُرُ حَسّانَ إلاّ بِخَيْرٍ، وَلَقَدْ سَمِعَتْ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ يَوْمًا يَسُبّهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَتْ: لا تَسُبّهُ يَا بُنَىّ أَلَيْسَ هُوَ الّذِى يَقُولُ: فَإِنّ أَبِى وَوَالِــــــدَهُ وَعِرْضــــِى لِعِـــــرْضِ مُحَمّــــدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى زَيْدٍ الأَنْصَارِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “حَسّانُ حِجَازٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لا يُحِبّهُ مُنَافِقٌ وَلا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ”. وَقَالَ حَسّانُ يَمْدَحُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا:

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

فَلا رَفَعَتْ سَوْطِى إلَـــىّ أَنَامِلِـــى حَصَانٌ رَزَانٌ لا تَزْنِ بِرِيبَةٍ فَإِنْ كَانَ مَـــا قَـــدْ جَــاءَ عَنّـى قُلْته هِىَ أَبْيَاتٌ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِى عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: كُنْت رَفِيقَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِى غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، فَأَقْبَلْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى وَادِى الْعَقِيقِ فِى وَسَطِ اللّيْلِ، فَإِذَا النّاسُ مُعَرّسُونَ، قُلْنَا: فَأَيْنَ رَسُولُ اللّهِ ÷؟ قَالُوا: فِى مُقَدّمِ النّاسِ قَدْ نَامَ. فَقَالَ لِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا جَابِرُ هَلْ لَك بِنَا فِى التّقَدّمِ وَالدّخُولِ عَلَى أَهْلِنَا؟ فَقُلْت: يَا أَبَا مُحَمّدٍ لا أُحِبّ أَنْ أُخَالِفَ النّاسَ لا أَرَى أَحَدًا تَقَدّمَ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: وَاَللّهِ مَا نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ تَقَدّمٍ، قَالَ جَابِرٌ: أَمّا أَنَا فَلَسْت بِبَارِحٍ، فَوَدّعَنِى وَانْطَلَقَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى ظَهْرِ الطّرِيقِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَطَرَقَ أَهْلَهُ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَإِذَا مِصْبَاحٌ فِى وَسَطِ بَيْتِهِ وَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ إنْسَانٌ طَوِيلٌ فَظَنّ أَنّهُ رَجُلٌ وَسُقِطَ فِى يَدَيْهِ وَنَدِمَ عَلَى تَقَدّمِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: الشّيْطَانُ مَعَ الْغُرّ، فَاقْتَحَمَ الْبَيْتَ رَافِعًا سَيْفَهُ قَدْ جَرّدَهُ مِنْ غِمْدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَهُمَا، ثُمّ فَكّرَ وَاذّكَرَ فَغَمَزَ امْرَأَتَهُ بِرِجْلِهِ فَاسْتَيْقَظَتْ فَصَاحَتْ وَهِىَ تَوْسَنُ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللّهِ فَمَنْ هَذَا؟ قَالَتْ رُجَيْلَةُ مَاشِطَتِى، سَمِعْنَا بِمَقْدِمِكُمْ فَدَعَوْتهَا تُمَشّطُنِى فَبَاتَتْ عِنْدِى، فَبَاتَ فَلَمّا أَصْبَحَ خَرَجَ مُعْتَرِضًا لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَلَقِيَهُ بِبِئْرِ أَبِى عُتْبَةَ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَسِيرُ بَيْنَ أَبِى بَكْرٍ، وَبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَشِيرٍ، فَقَالَ: “يَا أَبَا النّعْمَانِ”، فَقَالَ: لَبّيْكَ، قَالَ: إنّ وَجْهَ عَبْدِ اللّهِ لَيُخْبِرُك أَنّهُ قَدْ كَرِهَ طُرُوقَ أَهْلِهِ، فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ قَالَ رَسُولُ اللّهِ: “خَبَرَك يَا ابْنَ رَوَاحَةَ”، فَأَخْبَرَهُ كَيْفَ كَانَ تَقَدّمَ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً”، قَالَ جَابِرٌ: فَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷. قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْعَسْكَرِ وَلُزُومَهُ وَالْجَمَاعَةَ لَقَدْ أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَكُنّا مَرَرْنَا عَلَى وَادِى الْقُرَى فَانْتَهَيْنَا إلَى الْجُرُفِ لَيْلاً، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: “لا تَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً”، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقَ رَجُلانِ فَعَصَيَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَرَأَيَا جَمِيعًا مَا يَكْرَهَانِ.

  • * *












غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ عَسْكَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الثّلاثَاءِ لِثَمَانٍ مَضَتْ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ فَحَاصَرُوهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَانْصَرَفَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ سَنَةَ خَمْسٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، وَعَبْدُ الصّمَدِ بْنُ مُحَمّدٍ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَحِزَامُ بْنُ هِشَامٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَأَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى الزّرَقِىّ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَغَيْرُ هَؤُلاءِ قَدْ حَدّثَنِى، فَكَتَبْت كُلّ مَا حَدّثُونِى. قَالُوا: لَمّا أَجْلَى رَسُولُ اللّهِ ÷ بَنِى النّضِيرِ سَارُوا إلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهَا مِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ أَهْلُ عَدَدٍ وَجَلَدٍ وَلَيْسَتْ لَهُمْ مِنْ الْبُيُوتِ وَالأَحْسَابِ مَا لِبَنِى النّضِيرِ - كَانَ بَنُو النّضِيرِ سِرّهُمْ وَقُرَيْظَةُ مِنْ وَلَدِ الْكَاهِنِ مِنْ بَنِى هَارُونَ - فَلَمّا قَدِمُوا خَيْبَرَ خَرَجَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَهَوْذَةُ بْنُ الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِىّ مِنْ الأَوْسِ مِنْ بَنِى خَطْمَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الرّاهِبُ فِى بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً إلَى مَكّةَ يَدْعُونَ قُرَيْشًا وَأَتْبَاعَهَا إلَى حَرْبِ مُحَمّدٍ ÷ فَقَالُوا لِقُرَيْشٍ: نَحْنُ مَعَكُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمّدًا. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذَا الّذِى أَقْدَمَكُمْ وَنَزَعَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ جِئْنَا لِنُحَالِفَكُمْ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَقِتَالِهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً، أَحَبّ النّاسِ إلَيْنَا مَنْ أَعَانَنَا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ. قَالَ النّفَرُ: فَأَخْرَجَ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلّهَا أَنْتَ فِيهِمْ وَنَدْخُلُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، حَتّى نُلْصِقَ أَكْبَادَنَا بِهَا، ثُمّ نَحْلِفُ بِاَللّهِ جَمِيعًا لا يَخْذُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَتَكُونَن كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الرّجُلِ مَا بَقِىَ مِنّا رَجُلٌ. فَفَعَلُوا فَتَحَالَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَتَعَاقَدُوا، ثُمّ قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ: قَدْ جَاءَكُمْ رُؤَسَاءُ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الأُوَلِ فَسَلُوهُمْ عَمّا نَحْنُ عَلَيْهِ وَمُحَمّدٌ أَيّنَا أَهْدَى؟ قَالَتْ قُرَيْشٌ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الأُوَلِ، وَالْعِلْمِ، أَخْبِرُونَا عَمّا أَصْبَحْنَا نَحْنُ فِيهِ وَمُحَمّدٌ دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ؟ فَنَحْنُ عُمّارُ الْبَيْتِ وَنَنْحَرُ الْكَوْمَ وَنَسْقِى الْحَجِيجَ وَنَعْبُدُ الأَصْنَامَ، قَالُوا: اللّهُمّ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ إنّكُمْ لَتُعَظّمُونَ هَذَا الْبَيْتَ وَتَقُومُونَ عَلَى السّقَايَةِ وَتَنْحَرُونَ الْبُدْنَ وَتَعْبُدُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُكُمْ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِى ذَلِكَ: ×أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً% فَاتّعَدُوا لِوَقْتٍ وَقّتُوهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ قَدْ وَعَدْتُمْ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ لِهَذَا الْوَقْتِ، وَفَارَقُوكُمْ عَلَيْهِ فَفُوا لَهُمْ بِهِ لا يَكُونُ هَذَا كَمَا كَانَ وَعَدْنَا مُحَمّدًا بَدْرَ الصّفْرَاءِ، فَلَمْ نَفِ بِمَوْعِدِهِ وَاجْتَرَأَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ وَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِمِيعَادِ أَبِى سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ. فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ حَتّى أَتَتْ غَطَفَانَ، وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ فِى الْجَهَازِ وَسَيّرَتْ فِى الْعَرَبِ تَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهَا، وَأَلّبُوا أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، ثُمّ خَرَجْت الْيَهُودُ حَتّى جَاءُوا بَنِى سُلَيْمٍ فَوَعَدُوهُمْ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ إذَا سَارَتْ قُرَيْشٌ. ثُمّ سَارُوا فِى غَطَفَانَ، فَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً وَيَنْصُرُونَهُمْ وَيَسِيرُونَ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى مُحَمّدٍ إذَا سَارُوا. فَأَنْعَمَتْ بِذَلِكَ غَطَفَانُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَسْرَعَ إلَى ذَلِكَ مِنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَحَابِيشِهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ وَعَقَدُوا اللّوَاءَ فِى دَارِ النّدْوَةِ، وَقَادُوا مَعَهُمْ ثَلاثَمِائَةِ فَرَسٍ وَكَانَ مَعَهُمْ مِنْ الظّهْرِ أَلْفُ بَعِيرٍ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ. وَأَقْبَلَتْ سُلَيْمٌ فَلاقَوْهُمْ بِمَرّ الظّهْرَانِ، وَبَنُو سُلَيْمٍ يَوْمَئِذٍ سَبْعُمِائَةٍ يَقُودُهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ حَلِيفُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ أَبُو أَبِى الأَعْوَرِ الّذِى كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بِصِفّينَ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ يَقُودُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَخَرَجَتْ بَنُو أَسَدٍ وَقَائِدُهَا طَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِىّ، وَخَرَجَتْ بَنُو فَزَارَةَ وَأَوْعَبَتْ وَهُمْ أَلْفٌ يَقُودُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَخَرَجَتْ أَشْجَعُ وَقَائِدُهَا مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ - لَمْ تُوعِبْ أَشْجَعَ، وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ يَقُودُ قَوْمَهُ بَنِى مُرّةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ، لَمّا أَجَمَعَتْ غَطَفَانُ السّيْرَ أَبَى الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمَسِيرَ وَقَالَ لِقَوْمِهِ: تَفَرّقُوا فِى بِلادِكُمْ وَلا تَسِيرُوا إلَى مُحَمّدٍ فَإِنّى أَرَى أَنّ مُحَمّدًا أَمْرُهُ ظَاهِرٌ لَوْ نَاوَأَهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَكَانَتْ لَهُ الْعَاقِبَةُ. فَتَفَرّقُوا فِى بِلادِهِمْ وَلَمْ يَحْضُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهَكَذَا رَوَى الزّهْرِىّ وَرَوَتْ بَنُو مُرّةَ. حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالا: شَهِدَتْ بَنُو مُرّةَ الْخَنْدَقَ، وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُرّىّ، وَهَجَاهُ حَسّانُ وَأَنْشَدَ شِعْرًا، وَذَكَرُوا مُجَاوَرَةَ النّبِىّ ÷ يَوْمَئِذٍ، فَكَانَ هَذَا أَثْبَتَ عِنْدَنَا أَنّهُ شَهِدَ الْخَنْدَقَ فِى قَوْمِهِ وَلَكِنّهُ كَانَ أَمْثَلَ تُقْيَةً مِنْ عُيَيْنَةَ، قَالُوا: وَكَانَ الْقَوْمُ جَمِيعًا الّذِينَ وَافَوْا الْخَنْدَقَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَسُلَيْمٍ وَغَطَفَانَ، وَأَسَدٍ، عَشَرَةَ آلافٍ فَهِىَ عَسَاكِرُ ثَلاثَةٍ وَعِنَاجُ الأَمْرِ إلَى أَبِى سُفْيَانَ، فَأَقْبَلُوا فَنَزَلَتْ قُرَيْشٌ بِرُومَةَ وَوَادِى الْعَقِيقِ فِى أَحَابِيشِهَا وَمَنْ ضَوَى إلَيْهَا مِنْ الْعَرَبِ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ فِى قَادَتِهَا حَتّى نَزَلُوا بِالزّغَابَةِ إلَى جَانِبِ أُحُدٍ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تُسَرّحُ رِكَابَهَا فِى وَادِى الْعَقِيقِ فِى عِضَاهِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَىْءٌ لِلْخَيْلِ إلاّ مَا حَمَلُوهُ مَعَهُمْ مِنْ عَلَفٍ - وَكَانَ عَلَفُهُمْ الذّرَةَ - وَسَرّحَتْ غَطَفَانُ إبِلَهَا إلَى الْغَابَةِ فِى أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا فِى عِضَاهِ الْجُرُفِ، وَقَدِمُوا فِى زَمَانٍ لَيْسَ فِى الْعِرْضِ زَرْعٌ فَقَدْ حَصَدَ النّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ، فَأَدْخَلُوا حَصَادَهُمْ وَأَتْبَانَهُمْ، وَكَانَتْ غَطَفَانُ تُرْسِلُ خَيْلَهَا فِى أَثَرِ الْحَصَادِ - وَكَانَ خَيْلُ غَطَفَانَ ثَلاثَمِائَةٍ - بِالْعِرْضِ، فَيُمْسِكُ ذَلِكَ مِنْ خَيْلِهِمْ، وَكَادَتْ إبِلُهُمْ تَهْلِكُ مِنْ الْهُزَالِ، وَكَانَتْ الْمَدِينَةُ لَيَالِىَ قَدِمُوا جَدِيبَةً. فَلَمّا فَصَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، خَرَجَ رَكْبٌ مِنْ خُزَاعَةَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرُوهُ بِفُصُولِ قُرَيْشٍ، فَسَارُوا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، فَذَلِكَ حِينَ نَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوّهِمْ وَشَاوَرَهُمْ فِى أَمْرِهِمْ بِالْجِدّ وَالْجِهَادِ وَوَعَدَهُمْ النّصْرَ إنْ هُمْ صَبَرُوا وَاتّقُوا، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَشَاوَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ يُكْثِرُ مُشَاوَرَتَهُمْ فِى الْحَرْبِ فَقَالَ: “أَنَبْرُزُ لَهُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ، أَمْ نَكُونُ فِيهَا وَنُخَنْدِقُهَا عَلَيْنَا، أَمْ نَكُونُ قَرِيبًا وَنَجْعَلُ ظُهُورَنَا إلَى هَذَا الْجَبَلِ”؟ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَكُونُ مِمّا يَلِى بُعَاثَ إلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ إلَى الْجُرْفِ، فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْعُ الْمَدِينَةَ خُلُوفًا، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا إذْ كُنّا بِأَرْضِ فَارِسَ وَتَخَوّفْنَا الْخَيْلَ خَنْدَقْنَا عَلَيْنَا، فَهَلْ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نُخَنْدِقَ؟ فَأَعْجَبَ رَأْىُ سَلْمَانَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرُوا حِينَ دَعَاهُمْ النّبِىّ ÷ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يُقِيمُوا وَلا يَخْرُجُوا، فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الْخُرُوجَ وَأَحَبّوا الثّبَاتَ فِى الْمَدِينَةِ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، قَالَ: حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَهْمٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ رَكِبَ فَرَسًا لَهُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَارْتَادَ مَوْضِعًا يَنْزِلُهُ فَكَانَ أَعْجَبَ الْمَنَازِلِ إلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ سَلْعًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَيُخَنْدِقَ مِنْ الْمَذَادِ إلَى ذُبَابٍ إلَى رَاتِجٍ، فَعَمِلَ يَوْمَئِذٍ فِى الْخَنْدَقِ، وَنَدَبَ النّاسَ فَخَبّرَهُمْ بِدُنُوّ عَدُوّهِمْ وَعَسْكَرَهُمْ إلَى سَفْحِ سَلْعٍ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَعْمَلُونَ مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ الْعَدُوّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَعْمَلُ مَعَهُمْ فِى الْخَنْدَقِ لِيُنَشّطَ الْمُسْلِمِينَ وَعَمِلُوا، وَاسْتَعَارُوا مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ آلَةً كَثِيرَةً مِنْ مَسَاحِى، وَكَرَازِينَ وَمَكَاتِلَ يَحْفِرُونَ بِهِ الْخَنْدَقَ - وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سِلْمٌ لِلنّبِىّ ÷ يَكْرَهُونَ قُدُومَ قُرَيْشٍ. وَوَكّلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِكُلّ جَانِبٍ مِنْ الْخَنْدَقِ قَوْمًا يَحْفِرُونَهُ فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَحْفِرُونَ مِنْ جَانِبِ رَاتِجٍ إلَى ذُبَابٍ، وَكَانَتْ الأَنْصَارُ تَحْفِرُ مِنْ ذُبَابٍ إلَى جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ، وَكَانَ سَائِرُ الْمَدِينَةِ مُشَبّكًا بِالْبُنْيَانِ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: كُنْت أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَالشّبَابُ يَنْقُلُونَ التّرَابَ وَالْخَنْدَقُ بَسْطَةٌ أَوْ نَحْوُهَا، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَنْقُلُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فِى الْمَكَاتِلِ وَكَانُوا إذَا رَجَعُوا بِالْمَكَاتِلِ جَعَلُوا فِيهَا الْحِجَارَةَ يَأْتُونَ بِهَا مِنْ جَبَلِ سَلْعٍ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ التّرَابَ مِمّا يَلِى النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابَهُ وَكَانَ يَسْطُرُونَ الْحِجَارَةَ مِمّا يَلِيهِمْ كَأَنّهَا حِبَالُ التّمْرِ - وَكَانَتْ الْحِجَارَةُ مِنْ أَعْظَمِ سِلاحِهِمْ يَرْمُونَهُمْ بِهَا. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ يَحْمِلُ التّرَابَ فِى الْمَكَاتِلِ وَيَطْرَحُهُ وَالْقَوْمُ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ:

هَـــذَا أَبَــرّ رَبّنَـــــا وَأَطْـــهَــرُ

هَـــذَا الْجَمَالُ لا جَـــمَالُ خَيْبـَرَ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ إذَا رَأَوْا مِنْ الرّجُلِ فُتُورًا ضَحِكُوا مِنْهُ، وَتَنَافَسَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ فِى سَلْمَانَ الْفَارِسِىّ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنّا وَكَانَ قَوِيّا عَارِفًا بِحَفْرِ الْخَنَادِقِ. وَقَالَتْ الأَنْصَارُ: هُوَ مِنّا وَنَحْنُ أَحَقّ بِهِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَوْلُهُمْ فَقَالَ سَلْمَانُ: “رَجُلٌ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ”، وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَعْمَلُ عَمَلَ عَشَرَةِ رِجَالٍ حَتّى عَانَهُ يَوْمَئِذٍ قَيْسُ بْنُ أَبِى صَعْصَعَةَ، فَلُبِطَ بِهِ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مُرُوهُ فَلْيَتَوَضّأْ لَهُ وَلْيَغْتَسِلْ بِهِ وَيُكْفِئْ الإِنَاءَ خَلْفَهُ”. فَفَعَلَ فَكَأَنّمَا حُلّ مِنْ عِقَالٍ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ مُبَشّرٍ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْت أَرَى سَلْمَانَ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ جَعَلُوا لَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ طُولاً وَخَمْسًا فِى الأَرْضِ فَمَا تَحَيّنْته حَتّى فَرَغَ وَحْدَهُ وَهُوَ يَقُولُ: اللّهُمّ لا عَيْشَ إلاّ عَيْشُ الآخِرَةِ وَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَعَلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَرْتَجِزُ وَنَحْفِرُ وَكُنّا - بَنِى سَلِمَةَ - نَاحِيَةٌ فَعَزَمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَىّ أَلاّ أَقُولَ شَيْئًا، فَقُلْت: هَلْ عَزَمَ عَلَى غَيْرِى؟ قَالُوا: حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ: فَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ إنّمَا نَهَانَا لِوَجْدِنَا لَهُ وَقِلّتِهِ عَلَى غَيْرِنَا، فَمَا تَكَلّمْت بِحَرْفٍ حَتّى فَرَغْنَا مِنْ الْخَنْدَقِ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ: “لا يَغْضَبُ أَحَدٌ مِمّا قَالَ صَاحِبُهُ لا يُرِيدُ بِذَلِكَ سُوءًا، إلاّ مَا قَالَ كَعْبٌ وَحَسّانُ فَإِنّهُمَا يَجِدَانِ ذَلِكَ”. وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ جُعَيْلُ ابْنُ سُرَاقَةَ رَجُلاً صَالِحًا، وَكَانَ ذَمِيمًا قَبِيحًا، وَكَانَ يَعْمَلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ غَيّرَ اسْمَهُ يَوْمَئِذٍ فَسَمّاهُ عَمْرًا، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَرْتَجِزُونَ وَيَقُولُونَ:

وَكَــــانَ لِلْبَائِــــسِ يَوْمًا ظَهْــرًا

سَمّــــاهُ مِــــنْ بَعْـدِ جُعَيْلٍ عَمْرًا قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لا يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إلاّ أَنْ يَقُولَ: “عَمْرًا”. فَبَيْنَا الْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَنْ يَنْقُلُ التّرَابَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ الّذِى أَبْقَانِى حَتّى آمَنْت بِك؛ إنّى عَانَقْت أَبَا هَذَا يَوْمَ بُعَاثَ، ثَابِتَ بْنَ الضّحّاكِ، فَكَانَتْ اللّبْجَةُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمَا إنّهُ نِعْمَ الْغُلامُ”، وَكَانَ زَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ قَدْ رَقَدَ فِى الْخَنْدَقِ، غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتّى أُخِذَ سِلاحُهُ وَهُوَ لا يَشْعُرُ وَهُوَ فِى قُرّ شَدِيدٍ - تُرْسُهُ وَقَوْسُهُ وَسَيْفُهُ - وَهُوَ عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ وَيَحْرُسُونَهُ وَتَرَكُوا زَيْدًا نَائِمًا، وَلا يَشْعُرُونَ بِهِ حَتّى جَاءَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَأَخَذَ سِلاحَهُ وَلا يَشْعُرُ حَتّى فَزِعَ بَعْدَ فَقْدِ سِلاحِهِ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَدَعَا زَيْدًا فَقَالَ: “يَا أَبَا رُقَادٍ نِمْت حَتّى ذَهَبَ سِلاحُك”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسِلاحِ هَذَا الْغُلامِ”؟ فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ وَهُوَ عِنْدِى، فَقَالَ: “فَرُدّهُ عَلَيْهِ”، وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يُرَوّعَ الْمُسْلِمُ أَوْ يُؤْخَذَ مَتَاعُهُ لاعِبًا جَادّا. حَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا كَانَ فِى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إلاّ يَحْفِرُ فِى الْخَنْدَقِ أَوْ يَنْقُلُ التّرَابَ وَلَقَدْ رُئِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لا يَتَفَرّقَانِ فِى عَمَلٍ وَلا مَسِيرٍ وَلا مَنْزِلٍ - يَنْقُلانِ التّرَابَ فِى ثِيَابِهِمَا يَوْمَئِذٍ مِنْ الْعَجَلَةِ إذْ لَمْ يَجِدَا مَكَاتِلَ لِعَجَلَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَقُولُ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَحْسَنَ فِى حُلّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِنّهُ كَانَ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ، كَثِيرَ الشّعْرِ يَضْرِبُ الشّعْرُ مَنْكِبَيْهِ. وَلَقَدْ رَأَيْته يَوْمَئِذٍ يَحْمِلُ التّرَابَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتّى حَالَ الْغُبَارُ بَيْنِى وَبَيْنَهُ وَإِنّى لأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ بَطْنِهِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: لَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ يَحْفِرُ فِى الْخَنْدَقِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالتّرَابُ عَلَى صَدْرِهِ وَبَيْنَ عُكَنِهِ وَإِنّهُ لَيَقُولُ:

وَلا تَصَدّقْنَــــــا وَلا صَلّيْنَــــــا

اللّهُــــمّ لَـــوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَــا يُرَدّدُ ذَلِكَ. وَحَدّثَنِى أُبَىّ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ وَضَرَبَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَجَرًا فَصَلّ الْحَجَرَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّ تَضْحَكُ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَضْحَكُ مِنْ قَوْمٍ يُؤْتَى بِهِمْ مِنْ الْمَشْرِقِ فِى الْكُبُولِ يُسَاقُونَ إلَى الْجَنّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ”. فَحَدّثَنِى عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْحُكْمِىّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، يَضْرِبُ يَوْمَئِذٍ بِالْمِعْوَلِ فَصَادَفَ حَجَرًا صَلْدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْهُ الْمِعْوَلَ وَهُوَ عِنْدَ جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَذَهَبَتْ أَوّلُهَا بَرْقَةً إلَى الْيَمَنِ، ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى فَذَهَبَتْ بَرْقَةً إلَى الشّامِ، ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى فَذَهَبَتْ بَرْقَةً نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَكُسِرَ الْحَجَرُ عِنْدَ الثّالِثَةِ. فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ وَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ لَصَارَ كَأَنّهُ سَهْلَةٌ وَكَانَ كُلّمَا ضَرَبَ ضَرْبَةً يَتْبَعُهُ سَلْمَانُ بِبَصَرِهِ فَيُبْصِرُ عِنْدَ كُلّ ضَرْبَةٍ بَرْقَةً فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْت الْمِعْوَلَ كُلّمَا ضَرَبْت بِهِ أَضَاءَ مَا تَحْتَهُ. فَقَالَ: “أَلَيْسَ قَدْ رَأَيْت ذَلِكَ”؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ النّبِىّ ÷: “إنّى رَأَيْت فِى الأُولَى قُصُورَ الشّامِ، ثُمّ رَأَيْت فِى الثّانِيَةِ قُصُورَ الْيَمَنِ، وَرَأَيْت فِى الثّالِثَةِ قَصْرَ كِسْرَى الأَبْيَضَ بِالْمَدَائِنِ”، وَجَعَلَ يَصِفُهُ لِسَلْمَانَ فَقَالَ: صَدَقْت وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ إنّ هَذِهِ لَصِفَتُهُ، وَأَشْهَدُ أَنّك لَرَسُولُ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَذِهِ فُتُوحٌ يَفْتَحُهَا اللّهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِى يَا سَلْمَانُ لَتُفْتَحَن الشّامُ، وَيَهْرُبُ هِرَقْلُ إلَى أَقْصَى مَمْلَكَتِهِ، وَتَظْهَرُونَ عَلَى الشّامِ فَلا يُنَازِعُكُمْ أَحَدٌ، وَلَتُفْتَحَن الْيَمَنُ، وَلَيُفْتَحَن هَذَا الْمَشْرِقُ وَيُقْتَلُ كِسْرَى بَعْدَهُ”. قَالَ سَلْمَانُ: فَكُلّ هَذَا قَدْ رَأَيْت. قَالُوا: وَكَانَ الْخَنْدَقُ مَا بَيْنَ جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ بِخُرْبَى إلَى رَاتِجٍ، فَكَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ ذُبَابٍ إلَى رَاتِجٍ، وَكَانَ لِلأَنْصَارِ مَا بَيْنَ ذُبَابٍ إلَى خُرْبَى، فَهَذَا الّذِى حَفَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَالْمُسْلِمُونَ وَشَبّكُوا الْمَدِينَةَ بِالْبُنْيَانِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَهِىَ كَالْحِصْنِ. وَخَنْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ عَلَيْهَا فِيمَا يَلِى رَاتِجٍ إلَى خَلْفِهَا، حَتّى جَاءَ الْخَنْدَقُ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ وَخَنْدَقَتْ بَنُو دِينَارٍ مِنْ عِنْدِ خُرْبَى إلَى مَوْضِعِ دَارِ ابْنِ أَبِى الْجُنُوبِ الْيَوْمَ. وَرَفَعَ الْمُسْلِمُونَ النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فِى الآطَامِ وَرَفَعَتْ بَنُو حَارِثَةَ الذّرَارِىّ فِى أُطُمِهِمْ وَكَانَ أُطُمًا مَنِيعًا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ فِيهِ. وَرَفَعَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ فِى الآطَامِ وَخَنْدَقَ بَعْضُهُمْ حَوْلَ الآطَامِ بِقُبَاءَ وَحَصّنَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلَفّهَا، وخَطْمَةُ وَبَنُو أُمَيّةَ، وَوَائِلٌ وَوَاقِفٌ فَكَانَ ذَرَارِيّهُمْ فِى آطَامِهِمْ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبْجَرَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسّانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى شُيُوخُ بَنِى وَاقِفٍ أَنّهُمْ حَدّثُوهُ أَنّ بَنِى وَاقِفٍ جَعَلُوا ذَرَارِيّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِى أُطُمِهِمْ وَكَانُوا مَعَ النّبِىّ ÷ وَكَانُوا يَتَعَاهَدُونَ أَهْلِيهِمْ بِأَنْصَافِ النّهَارِ بِإِذْنِ النّبِىّ ÷ فَيَنْهَاهُمْ النّبِىّ ÷ فَإِذَا أَلَحّوا أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلاحَ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ، فَكَانَ هِلالُ بْنُ أُمَيّةَ يَقُولُ: أَقْبَلْت فِى نَفَرٍ مِنْ قَوْمِى وَبَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ نَكَبْنَا عَنْ الْجِسْرِ وَصَفْنَةَ فَأَخَذْنَا عَلَى قُبَاءَ، حَتّى إذَا كُنّا بِعَوْسَ إذَا نَفَرٌ مِنْهُمْ فِيهِمْ نَبّاشُ ابْنُ قَيْسٍ الْقُرَظِىّ، فَنَضَحُونَا بِالنّبْلِ سَاعَةً وَرَمَيْنَاهُمْ بِالنّبْلِ وَكَانَتْ بَيْنَنَا جِرَاحَةٌ ثُمّ انْكَشَفُوا عَلَى حَامِيَتِهِمْ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا، فَلَمْ نَرَ لَهُمْ جَمْعًا بَعْدُ. وَحَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ الْخَنْدَقُ الّذِى خَنْدَقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا بَيْنَ جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ إلَى رَاتِجٍ وَهَذَا أَثْبَتُ الأَحَادِيثِ عِنْدَنَا. وَذَكَرُوا أَنّ الْخَنْدَقَ لَهُ أَبْوَابٌ فَلَسْنَا نَدْرِى أَيْنَ مَوْضِعُهَا. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِى هُنَيْدَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: أَصَابَ النّاسُ كُدْيَةً يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبُوا فِيهَا بِمَعَاوِلِهِمْ حَتّى انْكَسَرَتْ فَدَعَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبّهُ عَلَيْهَا فَعَادَتْ كَثِيبًا. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَحْفِرُ وَرَأَيْته خَمِيصًا، وَرَأَيْت بَيْنَ عُكَنِهِ الْغُبَارَ فَأَتَيْت امْرَأَتِى فَأَخْبَرْتهَا مَا رَأَيْت مِنْ خَمَصِ بَطْنِ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَتْ: وَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إلاّ هَذِهِ الشّاةُ وَمُدّ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ جَابِرٌ: فَاطْحَنِى وَأَصْلِحِى. قَالَتْ: فَطَبَخْنَا بَعْضَهَا وَشَوَيْنَا بَعْضَهَا، وَخُبِزَ الشّعِيرُ. قَالَ جَابِرٌ: ثُمّ أَتَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَمَكَثْت حَتّى رَأَيْت أَنّ الطّعَامَ قَدْ بَلَغَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ صَنَعْت لَك طَعَامًا فَأْتِ أَنْتَ وَمَنْ أَحْبَبْت مِنْ أَصْحَابِك، فَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصَابِعَهُ فِى أَصَابِعِى، ثُمّ قَالَ: “أَجِيبُوا، جَابِرٌ يَدْعُوكُمْ فَأَقْبَلُوا مَعَهُ”، فَقُلْت: وَاَللّهِ إنّهَا الْفَضِيحَةُ فَأَتَيْت الْمَرْأَةَ فَأَخْبَرْتهَا فَقَالَتْ: أَنْتَ دَعَوْتهمْ أَوْ هُوَ دَعَاهُمْ؟ فَقُلْت: بَلْ هُوَ دَعَاهُمْ، قَالَتْ: دَعْهُمْ هُوَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَكَانُوا فِرَقًا، عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ ثُمّ قَالَ لَنَا: “اغْرِفُوا وَغَطّوا الْبُرْمَةَ وَأَخْرِجُوا مِنْ التّنّورِ الْخُبْزَ ثُمّ غَطّوهُ”. فَفَعَلْنَا فَجَعَلْنَا نَغْرِفُ وَنُغَطّى الْبُرْمَةَ ثُمّ نَفْتَحُهَا، فَمَا نَرَاهَا نَقَصَتْ شَيْئًا، وَنُخْرِجُ الْخُبْزَ مِنْ التّنّورِ، ثُمّ نُغَطّيهِ فَمَا نَرَاهُ يَنْقُصُ شَيْئًا. فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا، وَأَكَلْنَا وَأَهْدَيْنَا، فَعَمِلَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ كُلّهُمْ وَالنّبِىّ ÷، وَجَعَلَتْ الأَنْصَارُ تَرْتَجِزُ وَتَقُولُ: نَحْنُ الّذِينَ بَايَعُــــوا مُحَمّـــــدًا عَلَـــــى الْجِهَادِ مَـــا بَقِينَا أَبَـــدًا فَقَالَ النّبِىّ ÷: اللّهُمّ لا خَيْرَ إلاّ خَيْــــرُ الآخِــرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَــــارِ وَالْمُهَاجِـــــرَهْ وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللّيْثِىّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَعْرِضُ الْغِلْمَانَ وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ، فَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ وَرَدّ مَنْ رَدّ وَكَانَ الْغِلْمَانُ يَعْمَلُونَ مَعَهُ الّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا وَلَمْ يُجِزْهُمْ وَلَكِنّهُ لَمّا لُحِمَ الأَمْرُ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ إلَى الآطَامِ مَعَ الذّرَارِيّ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةَ آلافٍ فَلَقَدْ كُنْت أَرَى رَسُولَ اللّهِ ÷ وَإِنّهُ لَيَضْرِبُ مَرّةً بِالْمَعُولِ وَمَرّةً يَغْرِفُ بِالْمِسْحَاةِ التّرَابَ وَمَرّةً يَحْمِلُ التّرَابَ فِى الْمِكْتَلِ. وَلَقَدْ رَأَيْته يَوْمًا بَلَغَ مِنْهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷، ثُمّ اتّكَأَ عَلَى حَجَرٍ عَلَى شِقّهِ الأَيْسَرِ فَذَهَبَ بِهِ النّوُمُ، فَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاقِفَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ يُنَحّيَانِ النّاسَ أَنْ يَمُرّوا بِهِ فَيُنَبّهُوهُ، وَأَنَا قَرّبْت مِنْهُ فَفَزِعَ وَوَثَبَ فَقَالَ: “أَلا أَفْزَعْتُمُونِى فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ يَضْرِبُ بِهِ” وَإِنّهُ لَيَقُولُ: اللّهُمّ إنّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ اللّهُمّ الْعَنْ عَضْـــــلاً وَالْقَــــارَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَهُـــمْ كَلّفُونِــــى أَنْقُلُ الْحِجَارَهْ فَكَانَ مِمّنْ أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ؛ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ حَفَرَهُ سِتّةَ أَيّامٍ وَحَصّنَهُ وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دُبُرَ سَلْعٍ، فَجَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَالْخَنْدَقَ أَمَامَهُ وَكَانَ عَسْكَرُهُ هُنَالِكَ. وَضَرَبَ قُبّةً مِنْ أَدَمٍ وَكَانَتْ الْقُبّةُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الأَعْلَى الّذِى بِأَصْلِ الْجَبَلِ - جَبَلُ الأَحْزَابِ - وَكَانَ النّبِىّ ÷ يُعْقِبُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَتَكُونُ عَائِشَةُ أَيّامًا، ثُمّ تَكُونُ أُمّ سَلَمَةَ ثُمّ تَكُونُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَكَانَ هَؤُلاءِ الثّلاثُ اللاّتِى يُعْقِبُ بَيْنَهُنّ فِى الْخَنْدَقِ وَسَائِرُ نِسَائِهِ فِى أُطُمِ بَنِى حَارِثَةَ، وَيُقَالُ: كُنّ فِى الْمَسِيرِ أُطُمٌ فِى بَنِى زُرَيْقٍ وَكَانَ حَصِينًا. وَيُقَالُ: كَانَ بَعْضُهُنّ فِى فَارِعٍ - وَكُلّ هَذَا قَدْ سَمِعْنَاهُ. فَحَدّثَنِى أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ يَقُولُ لأَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَلِقُرَيْشٍ فِى مَسِيرِهِ مَعَهُمْ: إنّ قَوْمِى قُرَيْظَةَ مَعَكُمْ وَهُمْ أَهْلُ حَلْقَةٍ وَافِرَةٍ هُمْ سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَخَمْسُونَ مُقَاتِلاً، فَلَمّا دَنَوْا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِحُيَىّ ابْنِ أَخْطَبَ: ائْتِ قَوْمَك، حَتّى يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الّذِى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ، فَذَهَبَ حُيَىّ حَتّى أَتَى بَنِى قُرَيْظَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ قَدِمَ صَالَحَ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرَ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ أَلاّ يَكُونُوا مَعَهُ وَلا عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ مِمّنْ دَهَمَهُ مِنْهُمْ وَيُقِيمُوا عَلَى مَعَاقِلِهِمْ الأُولَى الّتِى بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَيُقَالُ: إنّ حُيَىّ عَدَلَ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ فَسَلَكَ عَلَى الْعَصَبَةِ حَتّى طَرَقَ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ، وَكَانَ كَعْبٌ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِى قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهَا. فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ يُحَدّثُ يَقُولُ: كَانَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ رَجُلاً مَشْئُومًا؛ هُوَ شَأْمُ بَنِى النّضِيرِ قَوْمُهُ وَشَأْمُ قُرَيْظَةَ حَتّى قُتِلُوا، وَكَانَ يُحِبّ الرّئَاسَةَ وَالشّرَفَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ فِى قُرَيْشٍ شَبَهٌ، أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ. فَلَمّا أَتَى حُيَىّ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ كَرِهَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ دُخُولَهُ دَارَهُمْ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ، فَقَالَ لَهُ حُيَىّ: قَدْ جِئْتُك بِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ مُحَمّدٍ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ حَلّتْ وَادِى الْعَقِيقِ، وَغَطَفَانَ بِالزّغَابَةِ. قَالَ غَزَالٌ: جِئْتنَا وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ، قَالَ حُيَىّ: لا تَقُلْ هَذَا ثُمّ وُجّهَ إلَى بَابِ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ فَدَقّ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُ كَعْبٌ، وَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِدُخُولِ حُيَىّ عَلَىّ رَجُلٌ مَشْئُومٌ قَدْ شَأَمَ قَوْمَهُ وَهُوَ الآنَ يَدْعُونِى إلَى نَقْضِ الْعَهْدِ، قَالَ: فَدَقّ عَلَيْهِ. فَقَالَ كَعْبٌ: إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٍ قَدْ شَأَمْت قَوْمَك حَتّى أَهْلَكْتهمْ فَارْجِعْ عَنّا فَإِنّك إنّمَا تُرِيدُ هَلاكِى وَهَلاكَ قَوْمِى فَأَبَى حُيَىّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا حُيَىّ، إنّى عَاقَدْتُ مُحَمّدًا وَعَاهَدْته، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إلاّ صِدْقًا؛ وَاَللّهِ مَا أَخْفَرَ لَنَا ذِمّةً وَلا هَتَكَ لَنَا سِتْرًا، وَلَقَدْ أَحْسَنَ جِوَارَنَا. فَقَالَ حُيَىّ: وَيْحَك إنّى قَدْ جِئْتُك بِبَحْرِ طَامٍ وَبِعَزّ الدّهْرِ جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، وَجِئْتُك بِكِنَانَةَ حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِرُومَةَ وَجِئْتُك بِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِالزّغَابَةِ إلَى نَقْمَى، قَدْ قَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الإِبِلَ وَالْعَدَدُ عَشَرَةُ آلافٍ وَالْخَيْلُ أَلْفُ فَرَسٍ وَسِلاحٌ كَثِيرٌ، وَمُحَمّدٌ لا يُفْلَتُ فِى فَوْرِنَا هَذَا، وَقَدْ تَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا أَلاّ يَرْجِعُوا حَتّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ كَعْبٌ: وَيْحَك جِئْتنِى وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ وَبِسَحَابٍ يَبْرُقُ وَيَرْعُدُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَأَنَا فِى بَحْرٍ لُجّىّ لا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَرِيمَ دَارِى، وَمَالِى مَعِى وَالصّبْيَانُ وَالنّسَاءُ فَارْجِعْ عَنّى، فَإِنّهُ لا حَاجَةَ لِى فِيمَا جِئْتنِى بِهِ. قَالَ حُيَىّ: وَيْحَك أُكَلّمُك، قَالَ كَعْبٌ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ: وَاَللّهِ مَا أَغْلَقْت دُونِى إلاّ لِجَشِيشَتِك أَنْ آكُلَ مَعَك مِنْهَا، فَلَك أَلاّ أُدْخِلَ يَدِى فِيهَا، قَالَ: فَأَحْفَظُهُ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَفْتِلُهُ فِى الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتّى لانَ لَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ عَنّى يَوْمَك هَذَا حَتّى أُشَاوِرَ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: قَدْ جَعَلُوا الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ إلَيْك فَأَنْتَ تَرَى لَهُمْ، وَجَعَلَ يُلِحّ عَلَيْهِ حَتّى فَتَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا حُيَىّ، قَدْ دَخَلْت فِيمَا تَرَى كَارِهًا لَهُ، وَأَنَا أَخْشَى أَلاّ يُقْتَلَ مُحَمّدٌ وَتَنْصَرِفُ قُرَيْشٌ إلَى بِلادِهَا، وَتَرْجِعُ أَنْتَ إلَى أَهْلِك، وَأَبْقَى فِى عُقْرِ الدّارِ وَأُقْتَلُ وَمَنْ مَعِى. فَقَالَ حُيَىّ: لَك مَا فِى التّوْرَاةِ الّتِى أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ، لَئِنْ لَمْ يُقْتَلْ مُحَمّدٌ فِى هَذِهِ الْفَوْرَةِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُوا مُحَمّدًا، لأَدْخُلَن مَعَك حِصْنَك حَتّى يُصِيبَنِى مَا أَصَابَك. فَنَقَضَ كَعْبٌ الْعَهْدَ الّذِى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَدَعَا حُيَىّ بِالْكِتَابِ الّذِى كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَيْنَهُمْ فَشَقّهُ حُيَىّ، فَلَمّا شَقّهُ حُيَىّ عَلِمَ أَنّ الأَمْرَ قَدْ لَحَمَ وَفَسَدَ فَخَرَجَ عَلَى بَنِى قُرَيْظَةَ، وَهُمْ حِلَقٌ حَوْلَ مَنْزِلِ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، فَخَبّرَهُمْ الْخَبَرَ. يَقُولُ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: وَا هَلاكَ الْيَهُودِ تُوَلّى قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَيَتْرُكُونَنَا فِى عُقْرِ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا وَذَرَارِيّنَا، وَلا قُوّةَ لَنَا بِمُحَمّدٍ مَا بَاتَ يَهُودِىّ عَلَى حُزَمٍ قَطّ، وَلا قَامَتْ يَهُودِيّةٌ بِيَثْرِبَ أَبَدًا. ثُمّ أَرْسَلَ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ إلَى نَفَرٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ خَمْسَةً - الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا، وَنَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ، وَغَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَعْبَ بْنَ زَيْدٍ فَخَبّرَهُمْ خَبَرَ حُيَىّ وَمَا أَعْطَاهُ حُيَىّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فَيَدْخُلَ مَعَهُ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ. يَقُولُ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: وَمَا حَاجَتُك إلَى أَنْ تُقْتَلَ وَيُقْتَلَ مَعَك حُيَىّ، قَالَ: فَأُسْكِتَ كَعْبٌ، وَقَالَ: الْقَوْمُ نَحْنُ نَكْرَهُ نُزْرِى بِرَأْيِك أَوْ نُخَالِفُك، وَحُيَىّ مَنْ قَدْ عَرَفْت شُومَهُ. وَنَدِمَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَلَى مَا صَنَعَ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَلَحَمَ الأَمْرُ لَمّا أَرَادَ اللّهُ تَعَالَى مِنْ حَرْبِهِمْ وَهَلاكِهِمْ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَالْمُسْلِمُونَ فِى الْخَنْدَقِ أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ فِى قُبّتِهِ - وَقُبّةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ مَضْرُوبَةٌ مِنْ أَدَمٍ فِى أَصْلِ الْجَبَلِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الّذِى فِى أَسْفَلِ الْجَبَلِ - مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى خَنْدَقِهِمْ يَتَنَاوَبُونَ مَعَهُمْ بِضْعَةً وَثَلاثُونَ فَرَسًا، وَالْفُرْسَانُ يَطُوفُونَ عَلَى الْخَنْدَقِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ يَتَعَاهَدُونَ رِجَالاً وَضَعُوهُمْ فِى مَوَاضِعَ مِنْهُ إلَى أَنْ جَاءَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلَغَنِى أَنّ بَنِى قُرَيْظَةَ قَدْ نَقَضَتْ الْعَهْدَ وَحَارَبَتْ، فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَقَالَ: مَنْ نَبْعَثُ يَعْلَمُ لَنَا عِلْمَهُمْ؟ فَقَالَ عُمَرُ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، فَكَانَ أَوّلَ النّاسِ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، فَقَالَ: “اذْهَبْ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ”، فَذَهَبَ الزّبَيْرُ فَنَظَرَ، ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، رَأَيْتهمْ يُصْلِحُونَ حُصُونَهُمْ وَيُدْرِبُونَ طُرُقَهُمْ، وَقَدْ جَمَعُوا مَاشِيَتَهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ لِكُلّ نَبِىّ حَوَارِيّا، وَحَوَارِىّ الزّبَيْرُ وَابْنُ عَمّتِى”. ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: إنّهُ قَدْ بَلَغَنِى أَنّ بَنِى قُرَيْظَةَ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ الّذِى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَحَارَبُوا، فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا إنْ كَانَ مَا بَلَغَنِى حَقّا؛ فَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَأَظْهِرُوا الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ حَقّا فَتَكَلّمُوا بِكَلامٍ تَلْحَنُونَ لِى بِهِ أَعْرِفُهُ لا تَفُتّوا أَعْضَادَ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَنَاشَدُوهُمْ اللّهَ وَالْعَهْدَ الّذِى كَانَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِمَ الأَمْرُ وَأَلاّ يُطِيعُوا حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ. فَقَالَ كَعْبٌ: لا نَرُدّهُ أَبَدًا، قَدْ قَطَعْته كَمَا قَطَعْت هَذَا الْقِبَالَ لِقِبَالِ نَعْلِهِ، وَوَقَعَ كَعْبٌ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَسُبّهُ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: تَسُبّ سَيّدَك يَا عَدُوّ اللّهِ؟ مَا أَنْتَ لَهُ بِكُفْءٍ أَمَا وَاَللّهِ يَا ابْنَ الْيَهُودِ، لَتُوَلّيَن قُرَيْشٌ إنْ شَاءَ اللّهُ مُنْهَزِمَةً وَتَتْرُكُك فِى عُقْرِ دَارِك، فَنَسِيرُ إلَيْك فَتَنْزِلُ مِنْ جُحْرِك هَذَا عَلَى حُكْمِنَا، وَإِنّك لَتَعْلَمُ النّضِيرَ كَانُوا أَعَزّ مِنْك وَأَعْظَمَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ دِيَتُك نِصْفُ دِيَتِهِمْ، وَقَدْ رَأَيْت مَا صَنَعَ اللّهُ بِهِمْ، وَقَبْلَ ذَلِكَ بَنُو قَيْنُقَاعَ، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِنَا. قَالَ كَعْبٌ: يَا ابْنَ الْحُضَيْرِ تُخَوّفُونَنِى بِالْمَسِيرِ إلَىّ؟ أَمَا وَالتّوْرَاةِ، لَقَدْ رَآنِى أَبُوك يَوْمَ بُعَاثَ - لَوْلا نَحْنُ لأَجْلَتْهُ الْخَزْرَجُ مِنْهَا، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا لَقِيتُمْ أَحَدًا يُحْسِنُ الْقِتَالَ، وَلا يَعْرِفُهُ نَحْنُ وَاَللّهِ نُحْسِنُ قِتَالَكُمْ وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ أَقْبَحَ الْكَلامِ وَشَتَمُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ شَتْمًا قَبِيحًا حَتّى أَغْضَبُوهُ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: دَعْهُمْ فَإِنّا لَمْ نَأْتِ لِهَذَا، مَا بَيْنَنَا أَشَدّ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ - السّيْفُ وَكَانَ الّذِى يَشْتُمُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: عَضِضْتَ بِبَظْرِ أُمّك فَانْتَفَضَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ غَضَبًا، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: إنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ بَنِى النّضِيرِ. قَالَ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ: أَكَلْت أَيْرَ أَبِيك قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ: ثُمّ رَجَعُوا إلَى النّبِىّ ÷ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى النّبِىّ ÷، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: عَضَلُ وَالْقَارَةُ، وَسَكَتَ الرّجُلانِ - يُرِيدُ بِعَضَلَ وَالْقَارَةَ غَدْرَهُمْ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِ الرّجِيعِ - ثُمّ جَلَسُوا. فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ: “أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ بِنَصْرِ اللّهِ وَعَوْنِهِ”، وَانْتَهَى الْخَبَرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِنَقْضِ بَنِى قُرَيْظَةَ الْعَهْدَ فَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَعَظُمَ الْبَلاءُ. قُرِئَ عَلَى ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَخَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا. قَالُوا: وَنَجَمَ النّفَاقُ وَفَشِلَ النّاسُ وَعَظُمَ الْبَلاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذّرَارِىّ وَالنّسَاءِ وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى: ×إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ% وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَالْمُسْلِمُونَ وِجَاهَ الْعَدُوّ لا يَسْتَطِيعُونَ الزّوَالَ عَنْ مَكَانِهِمْ يَعْتَقِبُونَ خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ. وَتَكَلّمَ قَوْمٌ بِكَلامٍ قَبِيحٍ، فَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ: يَعِدُنَا مُحَمّدٌ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى حَاجَتِهِ وَمَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُورًا فَحَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى لأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَآخُذَ الْمِفْتَاحَ، وَلَيُهْلِكَن اللّهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَلَتُنْفَقَن أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ”، يَقُولُ ذَلِكَ حِينَ رَأَى مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرْبِ، فَسَمِعَهُ مُعَتّبٌ فَقَالَ مَا قَالَ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: هَمّتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَنْ يُغَيّرُوا عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ لَيْلاً، فَأَرْسَلُوا حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَمِنْ غَطَفَانَ أَلْفٌ فَيُغِيرُوا بِهِمْ، فَجَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ الْخَبَرُ بِذَلِكَ فَعَظُمَ الْبَلاءُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الأَشْهَلِىّ فِى مِائَتَىْ رَجُلٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِى ثَلاثِمِائَةٍ يَحْرَسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التّكْبِيرَ وَمَعَهُمْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَصْبَحُوا أَمّنُوا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَقَدْ خِفْنَا عَلَى الذّرَارِىّ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ أَشَدّ مِنْ خَوْفِنَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، وَلَقَدْ كُنْت أُوفِى عَلَى سَلْعٍ فَأَنْظُرُ إلَى بُيُوتِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَيْتهمْ هَادِينَ حَمِدْت اللّهَ عَزّ وَجَلّ فَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ بِهِ قُرَيْظَةَ عَمّا أَرَادُوا أَنّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ تُحْرَسُ. حَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ: دَعَانِى رَسُولُ اللّهِ ÷ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: “انْطَلِقْ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى لَهُمْ غُرّةً أَوْ خَلَلاً مِنْ مَوْضِعٍ فَتُخْبِرُنِى”. قَالَ: فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَتَدَلّيْت مِنْ سَلْعٍ وَغَرَبَتْ لِى الشّمْسُ فَصَلّيْت الْمَغْرِبَ، ثُمّ خَرَجْت حَتّى أَخَذْت فِى رَاتِجٍ، ثُمّ عَلَى عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمّ فِى زُهْرَةَ، ثُمّ عَلَى بُعَاثَ، فَلَمّا دَنَوْت مِنْ الْقَوْمِ قُلْت: أَكْمُنُ لَهُمْ، فَكَمَنْت وَرَمَقْت الْحُصُونَ سَاعَةً ثُمّ ذَهَبَ بِى النّوْمُ فَلَمْ أَشْعُرْ إلاّ بِرَجُلٍ قَدْ احْتَمَلَنِى وَأَنَا نَائِمٌ فَوَضَعَنِى عَلَى عُنُقِهِ، ثُمّ انْطَلَقَ يَمْشِى، قَالَ: فَفَزِعْت وَرَجُلٌ يَمْشِى بِى عَلَى عَاتِقِهِ فَعَرَفْت أَنّهُ طَلِيعَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ، وَاسْتَحْيَيْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ حِيَاءً شَدِيدًا، حَيْثُ ضَيّعْت ثَغْرًا أَمَرَنِى بِهِ، ثُمّ ذَكَرْت غَلَبَةَ النّوْمِ. قَالَ: وَالرّجُلُ يُرْقَلُ بِى إلَى حُصُونِهِمْ فَتَكَلّمَ بِالْيَهُودِيّةِ فَعَرَفْته، قَالَ: أَبْشِرْ بِجَزْرَةٍ سَمِينَةٍ، قَالَ: وَذَكَرْت وَجَعَلْت أَضْرِبُ بِيَدِى - وَعَهْدِى بِهِمْ لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَبَدًا إلاّ بِمِعْوَلٍ فِى وَسَطِهِ، قَالَ: فَأَضَعُ يَدِى عَلَى الْمِعْوَلِ فَأَنْتَزِعُهُ وَشُغِلَ بِكَلامِ رَجُلٍ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ فَانْتَزَعْته فَوَجَأْت بِهِ كَبِدَهُ، فَاسْتَرْخَى وَصَاحَ السّبُعُ، فَأَوْقَدَتْ الْيَهُودُ النّارَ عَلَى آطَامِهَا بِشُعَلِ السّعَفِ، وَوَقَعَ مَيّتًا وَانْكَشَفَ فَكُنْت لا أُدْرَكُ وَأَقْبَلَ مِنْ طَرِيقِى الّتِى جِئْت مِنْهَا. وَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “ظَفِرْت يَا خَوّاتُ”، ثُمّ خَرَجَ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: “كَانَ مِنْ أَمْرِ خَوّاتٍ كَذَا وَكَذَا”، وَآتِى رَسُولَ اللّهِ ÷ وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ، وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فَلَمّا رَآنِى قَالَ: “أَفْلَحَ وَجْهُك” قُلْت: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “أَخْبِرْنِى خَبَرَك” فَأَخْبَرْته، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “هَكَذَا أَخْبَرَنِى جِبْرِيلُ”. وَقَالَ الْقَوْمُ: هَكَذَا حَدّثَنَا رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالَ خَوّاتٌ: فَكَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا، قَالَ غَيْرُ صَالِحٍ: قَالَ خَوّاتٌ: رَأَيْتنِى وَأَنَا أَتَذَكّرُ سُوءَ أَثَرِى عِنْدَهُمْ بَعْدَ مُمَالَحَةٍ وَخِلْصِيّةٍ مِنّى لَهُمْ فَقُلْت: هُمْ يُمَثّلُونَ بِى كُلّ الْمَثْلَ حَتّى ذَكَرْت الْمِعْوَلَ. حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: خَرَجَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ لَيْلَةً مِنْ حِصْنِهِمْ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَشِدّائِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ عَسَى أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ غُرّةً. فَانْتَهَوْا إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَيَجِدُونَ نَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ فَنَاهَضُوهُمْ فَرَامُوهُمْ سَاعَةً بِالنّبْلِ ثُمّ انْكَشَفَ الْقُرَيْظِيّونَ مُوَلّينَ. وَبَلَغَ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ وَهُمْ بِنَاحِيَةِ بَنِى حَارِثَةَ، فَأَقْبَلَ فِى أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى حُصُونِهِمْ فَجَعَلُوا يُطِيفُونَ بِحُصُونِهِمْ حَتّى خَافَتْ الْيَهُودُ، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ عَلَى آطَامِهِمْ وَقَالُوا: الْبَيَاتَ وَهَدَمُوا قَرْنَىْ بِئْرٍ لَهُمْ وَهَوّرُوهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا يَطْلُعُوا مِنْ حِصْنِهِمْ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا. وَحَدّثَنِى شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ: هَذَا أَثْبَتُ مِنْ الّذِى فِى أُحُدٍ، قَالَ: كَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَجُلاً جَبَانًا، فَكَانَ قَدْ رُفِعَ مَعَ النّسَاءِ فِى الآطَامِ فَكَانَتْ صَفِيّةُ فِى أُطُمِ فَارِعٍ، وَمَعَهَا جَمَاعَةٌ وَحَسّانُ مَعَهُمْ. فَأَقْبَلَ عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَرَأْسُهُمْ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ نَهَارًا، فَجَعَلُوا يَنْقَمِعُونَ وَيَرْمُونَ الْحِصْنَ فَقَالَتْ صَفِيّةُ لِحَسّانَ: دُونَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قَالَ: لا وَاَللّهِ لا أُعَرّضُ نَفْسِى لِهَؤُلاءِ الْيَهُودِ، وَدَنَا أَحَدُهُمْ إلَى بَابِ الْحِصْنِ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ فَاحْتَجَزَتْ صَفِيّةُ بِثَوْبِهَا، ثُمّ أَخَذَتْ خَشَبَةً فَنَزَلَتْ إلَيْهِ فَضَرَبَتْهُ ضَرْبَةً شَدَخَتْ رَأْسَهُ فَقَتَلَتْهُ فَهَرَبَ مَنْ بَقِىَ مِنْهُمْ. وَاجْتَمَعَتْ بَنُو حَارِثَةَ فَبَعَثَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ؛ وَلَيْسَ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ مِثْلَ دَارِنَا، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ غَطَفَانَ أَحَدٌ يَرُدّهُمْ عَنّا، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَى دُورِنَا فَنَمْنَعْ ذَرَارِيّنَا وَنِسَاءَنَا. فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَرَجَعُوا بِذَلِكَ وَتَهَيّئُوا لِلانْصِرَافِ. فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا تَأْذَنْ لَهُمْ إنّا وَاَللّهِ مَا أَصَابَنَا وَإِيّاهُمْ شِدّةٌ قَطّ إلاّ صَنَعُوا هَكَذَا. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِبَنِى حَارِثَةَ: “هَذَا لَنَا مِنْكُمْ أَبَدًا، مَا أَصَابَنَا وَإِيّاكُمْ شِدّةٌ إلاّ صَنَعْتُمْ هَكَذَا”، فَرَدّهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷. وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِىّ ÷ تَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ لَيْلَةً، وَنَحْنُ بِالْخَنْدَقِ لا أَزَالُ أُحِبّهُ أَبَدًا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَخْتَلِفُ إلَى ثُلْمَةٍ فِى الْخَنْدَقِ يَحْرُسُهَا، حَتّى إذَا آذَاهُ الْبَرْدُ جَاءَنِى فَأَدْفَأْته فِى حِضْنِى، فَإِذَا دَفِئَ خَرَجَ إلَى تِلْكَ الثّلْمَةِ يَحْرُسُهَا وَيَقُولُ: “مَا أَخْشَى أَنْ يُؤْتَى النّاسُ إلاّ مِنْهَا”. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى حِضْنِى قَدْ دَفِئَ وَهُوَ يَقُولُ: “لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا يَحْرُسُنِى”، قَالَتْ: إلَى أَنْ سَمِعْت صَوْتَ السّلاحِ وَقَعْقَعَةَ الْحَدِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ هَذَا”؟ فَقَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: “عَلَيْك بِهَذِهِ الثّلْمَةِ فَاحْرُسْهَا”. قَالَتْ: وَنَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ. قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى الْخَنْدَقِ فَلَمْ أُفَارِقْهُ مَقَامَهُ كُلّهُ، وَكَانَ يَحْرُسُ بِنَفْسِهِ فِى الْخَنْدَقِ، وَكُنّا فِى قُرّ شَدِيدٍ فَإِنّى لأَنْظُرُ إلَيْهِ قَامَ فَصَلّى مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُصَلّىَ فِى قُبّتِهِ، ثُمّ خَرَجَ فَنَظَرَ سَاعَةً فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: “هَذِهِ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ تُطِيفُ بِالْخَنْدَقِ مَنْ لَهُمْ”؟ ثُمّ نَادَى: “يَا عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ”. فَقَالَ عَبّادٌ: لَبّيْكَ، قَالَ: “أَمَعَك أَحَدٌ”؟ قَالَ: نَعَمْ أَنَا فِى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِى كُنّا حَوْلَ قُبّتِك. قَالَ: “فَانْطَلِقْ فِى أَصْحَابِك فَأَطِفْ بِالْخَنْدَقِ فَهَذِهِ خَيْلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ تُطِيفُ بِكُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْكُمْ غُرّةً، اللّهُمّ ادْفَعْ عَنّا شَرّهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ، وَاغْلِبْهُمْ لا يَغْلِبُهُمْ غَيْرُك”، فَخَرَجَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِى أَصْحَابِهِ، فَإِذَا بِأَبِى سُفْيَانَ فِى خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُطِيفُونَ بِمَضِيقِ الْخَنْدَقِ، وَقَدْ نَذَرَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ، فَوَقَفْنَا مَعَهُمْ فَرَمَيْنَاهُمْ حَتّى أَذْلَقْنَاهُمْ بِالرّمْىِ فَانْكَشَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَنْزِلِهِمْ، وَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَجِدُهُ يُصَلّى فَأَخْبَرْته. قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: فَنَامَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ فَمَا تَحَرّكَ حَتّى سَمِعْت بِلالاً يُؤَذّنُ بِالصّبْحِ وَبَيَاضِ الْفَجْرِ فَخَرَجَ فَصَلّى بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: يَرْحَمُ اللّهُ عَبّادَ ابْنَ بِشْرٍ، فَإِنّهُ كَانَ أَلْزَمَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ لِقُبّةِ رَسُولِ اللّهِ يَحْرُسُهَا أَبَدًا. فَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَحْرُسُ الْخَنْدَقَ فِى أَصْحَابِهِ، فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ مِنْ الْخَنْدَقِ تَطْفُرُهُ الْخَيْلُ فَإِذَا طَلِيعَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِائَةُ فَارِسٍ أَوْ نَحْوُهَا، عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيّرُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عَلَيْهَا بِأَصْحَابِهِ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ حَتّى أَجْهَضُوا عَنّا وَوَلّوْا. وَكَانَ فِى الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ سَلْمَانُ الْفَارِسِىّ، فَقَالَ لأُسَيْدٍ: إنّ هَذَا مَكَانٌ مِنْ الْخَنْدَقِ مُتَقَارِبٌ وَنَحْنُ نَخَافُ تَطْفُرَهُ خَيْلُهُمْ، وَكَانَ النّاسُ عَجِلُوا فِى حَفْرِهِ، وَبَادَرُوا فَبَاتُوا يُوَسّعُونَهُ حَتّى صَارَ كَهَيْئَةِ الْخَنْدَقِ، وَأَمّنُوا أَنْ تَطْفُرَهُ خَيْلُهُمْ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَنَاوَبُونَ الْحِرَاسَةَ وَكَانُوا فِى قُرّ شَدِيدٍ وَجُوعٍ. فَحَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عَتِيقٍ السّلَمِىّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِى أَحْرُسُ الْخَنْدَقَ، وَخَيْلُ الْمُشْرِكِينَ تُطِيفُ بِالْخَنْدَقِ وَتَطْلُبُ غُرّةً وَمُضِيقًا مِنْ الْخَنْدَقِ فَتَقْتَحِمُ فِيهِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ هُمَا اللّذَانِ يَفْعَلانِ ذَلِكَ يَطْلُبَانِ الْغَفْلَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَلَقِينَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِى مِائَةِ فَارِسٍ، قَدْ جَالَ بِخَيْلِهِ يُرِيدُ مَضِيقًا مِنْ الْخَنْدَقِ يُرِيدُ أَنْ يَعْبُرَ فُرْسَانُهُ فَنَضَحْنَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى انْصَرَفَ، فَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ تِلْكَ اللّيْلَةَ فِى مِائَةِ فَارِسٍ، فَأَقْبَلُوا مِنْ الْعَقِيقِ حَتّى وَقَفُوا بِالْمُذَادِ وِجَاهَ قُبّةِ النّبِىّ ÷. فَنَذِرْت بِالْقَوْمِ، فَقُلْت لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ، وَكَانَ عَلَى حَرَسِ قُبّةِ النّبِىّ ÷ وَكَانَ قَائِمًا يُصَلّى، فَقُلْت: أَتَيْت فَرَكَعَ ثُمّ سَجَدَ، وَأَقْبَلَ خَالِدٌ فِى ثَلاثَةِ نَفَرٍ هُوَ رَابِعُهُمْ فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ قُبّةُ مُحَمّدٍ ارْمُوا فَرَمَوْا، فَنَاهَضْنَاهُمْ حَتّى وَقَفْنَا عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ بِشَفِيرِ الْخَنْدَقِ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَتَرَامَيْنَا، وَثَابَ إلَيْنَا أَصْحَابُنَا، وَثَابَ إلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ وَكَثُرَتْ الْجِرَاحَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، ثُمّ اتّبَعُوا الْخَنْدَقَ عَلَى حَافّتَيْهِ وَتَبِعْنَاهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى مَحَارِسِهِمْ فَكُلّمَا نَمُرّ بِمَحْرِسٍ نَهَضَ مَعَنَا طَائِفَةٌ، وَثَبَتَ طَائِفَةٌ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى رَاتِجٍ فَوَقَفُوا وَقْفَةً طَوِيلَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ قُرَيْظَةَ يُرِيدُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ، فَمَا شَعَرْنَا إلاّ بِخَيْلِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ يَحْرُسُ فَيَأْتُونَ مِنْ خَلْفِ رَاتِجٍ، فَلاقَوْا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَاقْتَتَلُوا وَاخْتَلَطُوا، فَمَا كَانَ إلاّ حَلْبُ شَاةٍ حَتّى نَظَرْت إلَى خَيْلِ خَالِدٍ مُوَلّيَةً وَتَبِعَهُ سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ حَتّى رَدّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ. فَأَصْبَحَ خَالِدٌ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ تَزِرِى عَلَيْهِ وَتَقُولُ: مَا صَنَعْت شَيْئًا فِيمَنْ فِى الْخَنْدَقِ وَلا فِيمَنْ أَصْحَرَ لَك. فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا أَقْعُدُ اللّيْلَةَ وَابْعَثُوا خَيْلاً حَتّى أَنْظُرُ أَىّ شَىْءٍ تَصْنَعُ. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ÷ قَالَتْ: وَاَللّهِ إنّى لَفِى جَوْفِ اللّيْلِ فِى قُبّةِ النّبِىّ ÷ وَهُوَ نَائِمٌ إلَى أَنْ سَمِعْت الْهَيْعَةَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: يَا خَيْلَ اللّهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ جَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَا خَيْلَ اللّهِ، فَفَزِعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِصَوْتِهِ فَخَرَجَ مِنْ الْقُبّةِ، فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ الصّحَابَةِ عِنْدَ قُبّتِهِ يَحْرُسُونَهَا، مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالَ: “مَا بَالُ النّاسِ”؟ قَالَ: عَبّادٌ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا صَوْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، اللّيْلَةَ نَوْبَتُهُ يُنَادِى: يَا خَيْلَ اللّهِ، وَالنّاسُ يَثُوبُونَ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ حُسَيْكَةَ مَا بَيْنَ ذُبَابٍ وَمَسْجِدِ الْفَتْحِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ: “اذْهَبْ فَانْظُرْ، ثُمّ ارْجِعْ إلَىّ إنْ شَاءَ اللّه فَأَخْبِرْنِى”، قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: فَقُمْت عَلَى بَابِ الْقُبّةِ أَسْمَعُ كُلّ مَا يَتَكَلّمَانِ بِهِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَائِمًا حَتّى جَاءَهُ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ فِى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُ مَسْعُودُ بْنُ رُخْيَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ ابْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلالِ بْنِ خَلاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، فِى خَيْلِ غَطَفَانَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَخَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ حَتّى أَتَى تِلْكَ الثّغْرَةَ، فَلَمْ يَلْبَث أَنْ رَجَعَ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: “صَرَفَهُمْ اللّهُ وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ”. قَالَتْ: فَنَامَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ وَسَمِعْت هَائِعَةً أُخْرَى، فَفَزِعَ فَوَثَبَ فَصَاحَ: “يَا عَبّادُ بْنَ بِشْرٍ”، قَالَ: لَبّيْكَ، قَالَ: “اُنْظُرْ مَا هَذَا”. فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ، فَقَالَ: هَذَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِى خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِى خَيْلِ غَطَفَانَ عِنْدَ جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ، فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ إلَى تِلْكَ الثّغْرَةِ، فَلَمْ يَأْتِنَا حَتّى كَانَ السّحَرُ فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: “رَجَعُوا مَفْلُولِينَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ”، ثُمّ صَلّى بِأَصْحَابِهِ الصّبْحَ وَجَلَسَ، فَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ تَقُولُ: قَدْ شَهِدْت مَعَهُ مَشَاهِدَ فِيهَا قِتَالٌ وَخَوْفٌ - الْمُرَيْسِيعَ، وَخَيْبَرَ، وَكُنّا بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَفِى الْفَتْحِ، وُحَنَيْنٍ - لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَىْءٌ أَتْعَبُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَلا أَخْوَفُ عِنْدَنَا مِنْ الْخَنْدَقِ، وَذَلِكَ أَنّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِى مِثْلِ الْحَرَجَةِ، وَأَنّ قُرَيْظَةَ لا نَأْمَنُهَا عَلَى الذّرَارِىّ، وَالْمَدِينَةُ تُحْرَسُ حَتّى الصّبَاحِ يُسْمَعُ تَكْبِيرُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَتّى يُصْبِحُوا خَوْفًا، حَتّى رَدّهُمْ اللّهُ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ. حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: كُنّا حَوْلَ قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ نَحْرُسُهُ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ نَائِمٌ نَسْمَعُ غَطِيطَهُ إذْ وَافَتْ أَفْرَاسٌ عَلَى سَلْعٍ، فَبَصُرَ بِهِمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَأَخْبَرَنَا بِهِمْ، قَالَ: فَأَمْضَى إلَى الْخَيْلِ وَقَامَ عَبّادٌ عَلَى بَابِ قُبّةِ النّبِىّ ÷ آخِذًا بِقَائِمِ السّيْفِ يَنْظُرُنِى، فَرَجَعْت فَقُلْت: خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ فَرَجَعْت إلَى مَوْضِعِنَا. ثُمّ يَقُولُ: مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ كَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا حَتّى فَرّجَهُ اللّهُ. حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِى عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: كَانَ خَوْفُنَا عَلَى الذّرَارِىّ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ أَشَدّ مِنْ خَوْفِنَا مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ. قَالُوا: فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاوَبُونَ بَيْنَهُمْ فَيَغْدُو أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِى أَصْحَابِهِ يَوْمًا، وَيَغْدُو هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ يَوْمًا، وَيَغْدُو عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ يَوْمًا، وَضِرَارُ ابْنُ الْخَطّابِ يَوْمًا، فَلا يَزَالُونَ يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ مَا بَيْنَ الْمَذَادِ إلَى رَاتِجٍ، وَهُمْ فِى نَشَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ يَتَفَرّقُونَ مَرّةً وَيَجْتَمِعُونَ أُخْرَى، حَتّى عَظُمَ الْبَلاءُ وَخَافَ النّاسُ خَوْفًا شَدِيدًا. وَيُقَدّمُونَ رُمَاتَهُمْ - وَكَانَ مَعَهُمْ رُمَاةٌ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَأَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ - فَعَمَدُوا يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَتَنَاوَشُوا بِالنّبْلِ سَاعَةً وَهُمْ جَمِيعًا فِى وَجْهٍ وَاحِدٍ وِجَاهَ قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ قَائِمٌ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ وَيُقَالُ: عَلَى فَرَسِهِ. فَيَرْمِى حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَرّقَ اللّهُ وَجْهَك فِى النّارِ”، وَيُقَال: أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ رَمَاهُ وَكَانَ دَارِعًا. فَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِىّ ÷ تَقُولُ: كُنّا فِى أُطُمِ بَنِى حَارِثَةَ قَبْلَ الْحِجَابِ، وَمَعَنَا أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَمَرّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِ رَدْعٌ خَلُوقٌ مَا رَأَيْت أَحَدًا فِى الْخَلُوقِ مِثْلَهُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُشْمِرَةٌ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، وَاَللّهِ إنّى لأَخَافُ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مِنْ تَشْمِيرَةِ دِرْعِهِ مَا أَصَابَهُ فَمَرّ يُرَفّلُ فِى يَدِهِ الْحَرْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَحَسَنَ الْمَوْتَ إذَا حَانَ الأَجَلْ لَبِثَ قَلِيلاً يُدْرِكُ الْهَيْجَـــا حَمَــــلْ

وَأُمّهُ تَقُولُ: الْحَقْ بِرَسُولِ اللّهِ يَا بُنَىّ وَقَدْ وَاَللّهِ تَأَخّرْت، فَقُلْت: وَاَللّهِ يَا أُمّ سَعْدٍ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ أَسْبَغُ عَلَى بَنَانِهِ. قَالَتْ أُمّ سَعْدٍ: يَقْضِى اللّهُ مَا هُوَ قَاضٍ فَقَضَى لَهُ أَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ وَلَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنّهُ قَدْ رُمِىَ تَقُولُ: أُمّهُ وَا جَبَلاهُ، ثُمّ إنّ رُؤَسَاءَهُمْ أَجَمَعُوا أَنْ يَغْدُوَا جَمِيعًا، فَغَدَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِىّ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَنَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ، فِى عِدّةٍ فَجَعَلُوا يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ وَمَعَهُ رُؤَسَاءُ غَطَفَانَ - عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَمَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ؛ وَمِنْ سُلَيْمٍ رُؤَسَاؤُهُمْ وَمِنْ بَنِى أَسَدٍ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ. وَتَرَكُوا الرّجَالَ مِنْهُمْ خُلُوفًا، يَطْلُبُونَ مُضِيقًا يُرِيدُونَ يَقْتَحِمُونَ خَيْلَهُمْ إلَى النّبِىّ ÷ وَأَصْحَابِهِ فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ قَدْ أَغْفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يُكْرِهُونَ خَيْلَهُمْ وَيَقُولُونَ: هَذِهِ الْمَكِيدَةُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا وَلا تَكِيدُهَا. قَالُوا: إنّ مَعَهُ رَجُلاً فَارِسِيّا، فَهُوَ الّذِى أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا. قَالُوا: فَمَنْ هُنَاكَ إذًا؟ فَعَبَرَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَضِرَارُ ابْنُ الْخَطّابِ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدٍ، وَقَامَ سَائِرُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وَرَاءِ الْخَنْدَقِ لا يَعْبُرُونَ وَقِيلَ لأَبِى سُفْيَانَ أَلا تَعْبُرُ؟ قَالَ: قَدْ عَبَرْتُمْ فَإِنْ احْتَجْتُمْ إلَيْنَا عَبَرْنَا. فَجَعَلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ، وَيَقُولُ: وَلَقَــــدْ بُحِحْــــتُ مـِنْ النّدَا ءِ لِـــجَمْعِكُمْ هَـــلْ مِــنْ مُبَارِزْ وَعَمْرٌو يَوْمَئِذٍ ثَائِرٌ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَارْتُثّ جَرِيحًا فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا، وَحَرّمَ الدّهْنَ حَتّى يَثْأَرَ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرٌ - يُقَالُ: بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً. فَلَمّا دَعَا إلَى الْبِرَازِ، قَالَ عَلِىّ، عَلَيْهِ السّلامُ: أَنَا أُبَارِزُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ. وَإِنّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ كَأَنّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطّيْرُ لِمَكَانِ عَمْرٍو وَشَجَاعَتِهِ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَيْفَهُ، وَعَمّمَهُ، وَقَالَ: “اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ”، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَمْرٌو يَوْمَئِذٍ وَهُوَ فَارِسٌ وَعَلِىّ رَاجِلٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: إنّك كُنْت تَقُولُ فِى الْجَاهِلِيّةِ لا يَدْعُونِى أَحَدٌ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلاثٍ إلاّ قَبِلْتهَا، قَالَ: أَجَلْ. قَالَ عَلِىّ: فَإِنّى أَدْعُوك أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَتُسْلِمَ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِى، أَخّرْ هَذَا عَنّى، قَالَ: فَأُخْرَى، تَرْجِعُ إلَى بِلادِك، فَإِنْ يَكُنْ مُحَمّدٌ صَادِقًا كُنْت أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ، وَإِنْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ الّذِى تُرِيدُ، قَالَ: هَذَا مَا لا تَتَحَدّثُ بِهِ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَبَدًا، وَقَدْ نَذَرْت مَا نَذَرْت وَحَرّمْت الدّهْنَ، قَالَ: فَالثّالِثَةُ؟ قَالَ: الْبِرَازُ، قَالَ: فَضَحِكَ عَمْرٌو، ثُمّ قَالَ: إنّ هَذِهِ الْخَصْلَةُ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ يُرَوّمُنِى عَلَيْهَا إنّى لأَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَ مِثْلَك، وَكَانَ أَبُوك لِى نَدِيمًا، فَارْجِعْ فَأَنْتَ غُلامٌ حَدَثٌ إنّمَا أَرَدْت شَيْخَىْ قُرَيْشٍ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: فَإِنّى أَدْعُوك إلَى الْمُبَارَزَةِ فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك، فَأَسِفَ عَمْرٌو وَنَزَلَ وَعَقَلَ فَرَسَهُ، فَكَانَ جَابِرٌ يُحَدّثُ يَقُولُ: فَدَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَثَارَتْ بَيْنَهُمَا غَبَرَةٌ فَمَا نَرَاهُمَا، فَسَمِعْنَا التّكْبِيرَ تَحْتَهَا فَعَرَفْنَا أَنّ عَلِيّا قَتَلَهُ، فَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ الّذِينَ فِى الْخَنْدَقِ هَارِبِينَ وَطَفَرَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ إلاّ أَنّ نَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ وَقَعَ بِهِ فَرَسُهُ فِى الْخَنْدَقِ، فَرُمِىَ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَ، وَرَجَعُوا هَارِبِينَ وَخَرَجَ فِى أَثَرِهِمْ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَنَاوَشُوهُمْ سَاعَةً. وَحَمَلَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِالرّمْحِ، حَتّى إذَا وَجَدَ عُمَرُ مَسّ الرّمْحِ رَفَعَهُ عَنْهُ، وَقَالَ: هَذِهِ نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ فَاحْفَظْهَا يَا ابْنَ الْخَطّابِ، إنّى قَدْ كُنْت حَلَفْت لا تُمَكّنَنِى يَدَاىَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَدًا، فَانْصَرَفَ ضِرَارٌ رَاجِعًا إلَى أَبِى سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ قِيَامٌ عِنْدَ جَبَلِ بَنِى عُبَيْدٍ، وَيُقَالُ: حَمَلَ الزّبَيْرُ عَلَى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِالسّيْفِ حَتّى شَقّهُ بِاثْنَيْنِ وَقُطِعَ أَنَدُوجُ سَرْجِهِ - وَالأُنْدُوجُ اللّبْدُ الّذِى يَكُونُ تَحْتَ السّرْجِ - وَيُقَالُ: إلَى كَاهِلِ الْفَرَسِ، فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ مَا رَأَيْنَا سَيْفًا مِثْلَ سَيْفِك، فَيَقُولُ: وَاَللّهِ مَا هُوَ بِالسّيْفِ وَلَكِنّهَا السّاعِدُ، وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ وَهُبَيْرَةُ فَلَحِقَا بِأَبِى سُفْيَانَ وَحَمَلَ الزّبَيْرُ عَلَى هُبَيْرَةَ فَضَرَبَ ثُفْرَ فَرَسِهِ فَقَطَعَ ثُفْرَ فَرَسِهِ وَسَقَطَتْ دِرْعٌ كَانَ مُحْقِبَهَا الْفَرَسَ، فَأَخَذَ الزّبَيْرُ الدّرْعَ وَفَرّ عِكْرِمَةُ وَأَلْقَى رُمْحَهُ. فَلَمّا رَجَعُوا إلَى أَبِى سُفْيَانَ، قَالَ: هَذَا يَوْمٌ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ شَىْءٌ ارْجِعُوا فَنَفَرَتْ قُرَيْشٌ فَرَجَعَتْ إلَى الْعَقِيقِ، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إلَى مَنَازِلِهَا، وَاتّعَدُوا يَغْدُونَ جَمِيعًا وَلا يَتَخَلّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يُعَبّئُونَ أَصْحَابَهُمْ وَبَاتَتْ غَطَفَانُ يُعَبّئُونَ أَصْحَابَهُمْ وَوَافَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالْخَنْدَقِ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ. وَعَبّأَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ وَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَوَعَدَهُمْ النّصْرَ إنْ صَبَرُوا، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ جَعَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِى مِثْلِ الْحِصْنِ مِنْ كَتَائِبِهِمْ فَأَخَذُوا بِكُلّ وَجْهٍ مِنْ الْخَنْدَقِ. فَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَاتَلُونَا يَوْمَهُمْ وَفَرّقُوا كَتَائِبَهُمْ وَنَحْوًا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ كَتِيبَةً غَلِيظَةً فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى هَوِىّ مِنْ اللّيْلِ مَا يَقْدِرُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَزُولُوا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ وَمَا يَقْدِرُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى صَلاةِ الظّهْرِ وَلا الْعَصْرِ وَلا الْمَغْرِبِ وَلا الْعِشَاءِ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا صَلّيْنَا، فَيَقُولُ: “وَلا أَنَا وَاَللّهِ مَا صَلّيْت”، حَتّى كَشَفَهُمْ اللّهُ تَعَالَى فَرَجَعُوا مُتَفَرّقِينَ. فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَنْزِلِهَا، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إلَى مَنْزِلِهَا، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَأَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عَلَى الْخَنْدَقِ فِى مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ إذْ كَرّتْ خَيْلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ غُرّةً، عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؛ فَنَاوَشَهُمْ سَاعَةً وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحْشِىّ، فَزَرَقَ الطّفَيْلَ بْنَ النّعْمَانِ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ بِمِزْرَاقِهِ فَقَتَلَهُ فَكَانَ يَقُولُ: أَكْرَمَ اللّهُ تَعَالَى حَمْزَةَ وَالطّفَيْلَ بِحَرْبَتِى وَلَمْ يُهِنّى بِأَيْدِيهِمَا. فَلَمّا صَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى مَوْضِعِ قُبّتِهِ أَمَرَ بِلالاً فَأَذّنَ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَأَذّنَ وَأَقَامَ لِلظّهْرِ وَأَقَامَ بَعْدُ لِكُلّ صَلاةٍ إقَامَةً إقَامَةً. وَقَدْ حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ - وَهُوَ أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَنَا - قَالَ: أَخْبَرَنِى الْمَقْبُرِىّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَلَسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِىّ مِنْ اللّيْلِ حَتّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَكَانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزًا. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ بِلالاً فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ صَلاةَ الظّهْرِ فَصَلاّهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِى وَقْتِهَا. ثُمّ أَقَامَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَصَلاّهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِى وَقْتِهَا، ثُمّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلاّهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِى وَقْتِهَا، ثُمّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلاّهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِى وَقْتِهَا، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ صَلاةَ الْخَوْفِ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا. وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُحَدّثُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: يَوْمَئِذٍ شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ صَلاةِ الْوُسْطَى - يَعْنِى الْعَصْرَ - مَلأَ اللّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، وَأَرْسَلَتْ بَنُو مَخْزُومٍ إلَى النّبِىّ ÷ يَطْلُبُونَ جِيفَةَ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَشْتَرُونَهَا بِالدّيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّمَا هِىَ جِيفَةُ حِمَارٍ وَكَرِهَ ثَمَنَهُ”. فَلَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ تِلْكَ اللّيْلَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِتَالٌ جَمِيعًا حَتّى انْصَرَفُوا، إلاّ أَنّهُمْ لا يَدْعُونَ يَبْعَثُونَ الطّلائِعَ بِاللّيْلِ يَطْمَعُونَ فِى الْغَارَةِ، وَخَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ طَلِيعَتَانِ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ لَيْلاً، فَالْتَقَيَا وَلا يَشْعُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلا يَظُنّونَ إلاّ أَنّهُمْ الْعَدُوّ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ جِرَاحَةٌ، وَقَتْلٌ، وَلَسْنَا نَعْرِفُ مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يُسَمّ لَنَا، ثُمّ نَادَوْا بِشَعَارِ الإِسْلامِ وَكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ شَعَارُهُمْ: “حم لا يُنْصَرُونَ”. فَجَاءُوا إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “جِرَاحُكُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَإِنّهُ شَهِيدٌ”. فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا دَنَا الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ نَادَوْا بِشَعَارِهِمْ لأَنْ يَكُفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلا يَرْمُونَ بِنَبْلٍ وَلا بِحَجَرٍ. كَانُوا يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ بِاللّيْلِ حَتّى الصّبَاحِ يَتَنَاوَبُونَ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا، يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ حَتّى يُصْبِحُوا. قَالَ: فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِى يَطْلُعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللّه ÷: “إنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَنِى قُرَيْظَةَ”، فَإِذَا أَلَحّوا فِى كَثْرَةِ مَا يَسْتَأْذِنُونَهُ يَقُولُ: مَنْ “ذَهَبَ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْ سِلاحَهُ، فَإِنّى لا آمَنُ بَنِى قُرَيْظَةَ هُمْ عَلَى طَرِيقِكُمْ”، وَكَانَ كُلّ مَنْ يَذْهَبُ مِنْهُمْ إنّمَا يَسْلُكُونَ عَلَى سَلْعٍ حَتّى يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ، ثُمّ يَذْهَبُونَ إلَى الْعَالِيَةِ. فَحَدّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَيْفِىّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِى السّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ فِى بَيْتِهِ فَوَجَدَهُ يُصَلّى، قَالَ: فَجَلَسْت أَنْتَظِرُهُ حَتّى يَقْضِىَ صَلاتَهُ. قَالَ: فَسَمِعْت تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرِهِ فِى بَيْتِهِ فَإِذَا حَيّةٌ فَقُمْت لأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إلَىّ أَنْ اجْلِسْ، فَلَمّا جَلَسْت سَلّمَ وَأَشَارَ إلَى بَيْتٍ فِى الدّارِ، فَقَالَ لِى: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: إنّهُ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ يَسْتَأْذِنُهُ بِأَنْصَافِ النّهَارِ لِيَطّلِعَ إلَى أَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَوْمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خُذْ سِلاحَك فَإِنّى أَخْشَى عَلَيْك بَنِى قُرَيْظَة”. قَالَ: فَأَخَذَ الرّجُلُ سِلاحَهُ وَذَهَبَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَهَيّأَ لَهَا الرّمْحَ لِيَطْعَنَهَا، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ: اُكْفُفْ عَلَيْك رُمْحَك حَتّى تَرَى مَا فِى بَيْتِك فَكَفّ وَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ، فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ فانتظمها فيه، ثم خرج به فَنَصَبَهُ فِى الدّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيّةُ فِى رَأْسِ الرّمْحِ وَخَرّ الْفَتَى مَيّتًا، فَمَا نَدْرِى أَيّهمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا، الْفَتَى أَوْ الْحَيّةُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَجِئْنَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يُحْيِيَهُ، فَقَالَ: “اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ”، ثُمّ قَالَ: “إنّ بِالْمَدِينَةِ جِنّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ”. فَحَدّثَنِى قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: بَعَثْنَا ابْنَ أُخْتِنَا ابْنَ عُمَرَ يَأْتِينَا بِطَعَامٍ وَلُحُفٍ وَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ حَتّى إذَا هَبَطَ مِنْ سَلْعٍ - وَذَلِكَ لَيْلاً - غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ حَتّى أَصْبَحَ، فَاهْتَمَمْنَا بِهِ فَخَرَجْت أَطْلُبُهُ فَأَجِدُهُ نَائِمًا، وَالشّمْسُ قَدْ ضَحّتْهُ فَقُلْت: الصّلاةُ أَصَلّيْت الْيَوْمَ؟ قَالَ: لا، قُلْت: فَصَلّ، فَقَامَ سَرِيعًا إلَى الْمَاءِ وَذَهَبَتْ إلَى مَنْزِلِنَا بِالْمَدِينَةِ فَجِئْت بِتَمْرٍ وَلِحَافٍ وَاحِدٍ فَكُنّا نَلْبَسُ ذَلِكَ اللّحَافَ جَمِيعًا - مَنْ قَامَ مِنّا فِى الْمَحْرَسِ ذَهَبَ مَقْرُورًا ثُمّ رَجَعَ حَتّى يَدْخُلَ فِى اللّحَافِ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نُصِرْت بِالصّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُورِ”. وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: جَاءَتْ الْجَنُوبُ إلَى الشّمَالِ، فَقَالَتْ: انْطَلِقِى بِنَصْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَتْ الشّمَالُ: إنّ الْحُرّةَ لا تَسْرِى بِلَيْلٍ، فَبَعَثَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الصّبَا، فَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ وَقَطَعَتْ أَطْنَابَ فَسَاطِيطَهُمْ. حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِيَاحٍ الأَنْصَارِىّ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ مِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ النّجّارِ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ابْنَتَهَا بِجَفْنَةِ تَمْرٍ عَجْوَةٍ فِى ثَوْبِهَا، فَقَالَتْ: يَا بُنَيّةُ اذْهَبِى إلَى أَبِيك بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا. فَانْطَلَقَتْ الْجَارِيَةُ حَتّى تَأْتِىَ الْخَنْدَقَ، فَتَجِدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ جَالِسًا فِى أَصْحَابِهِ وَهِىَ تَلْتَمِسُهُمَا، فَقَالَ: تَعَالَىْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك؟ قَالَتْ: بَعَثَتْنِى أُمّى إلَى أَبِى وَخَالِى بِغَدَائِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَاتِيهِ”، قَالَتْ: فَأَعْطَيْته فَأَخَذَهُ فِى كَفّيْهِ، ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ وَجَاءَ بِالتّمْرِ فَنَثَرَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ الثّوْبِ، فَقَالَ لِجُعَالِ بْنِ سُرَاقَةَ: نَادِ بِأَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ يَأْكُلُونَ مِنْهُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ وَإِنّهُ لَيَفِيضُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ. وَحَدّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُعَتّبٍ، قَالَ: أَرْسَلَتْ أُمّ عَامِرٍ الأَشْهَلِيّةُ بِقَعْبَةٍ فِيهَا حَيْسٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ فِى قُبّتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أُمّ سَلَمَةَ فَأَكَلَتْ أُمّ سَلَمَةَ حَاجَتَهَا، ثُمّ خَرَجَ بِالْبَقِيّةِ فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَى عَشَائِهِ فَأَكَلَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ حَتّى نَهِلُوا وَهِىَ كَمَا هِىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: حُصِرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ بِضْعَ عَشْرَةَ حَتّى خَلُصَ إلَى كُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ الْكَرْبُ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ إنّى أَنْشُدُك عَهْدَك وَوَعْدَك اللّهُمّ إنّك إنْ تَشَأْ لا تُعْبَدُ”، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَالِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ - وَلَمْ يَحْضُرْ الْخَنْدَقَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَلا قَوْمُهُ، وَيُقَالُ: حَضَرَهَا الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَإِلَى عُيَيْنَةَ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَكُمْ ثُلُثَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ تَرْجِعَانِ بِمَنْ مَعَكُمْ وَتُخَذّلانِ بَيْنَ الأَعْرَابِ؟ قَالا: تُعْطِينَا نِصْفَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَزِيدَهُمَا عَلَى الثّلُثِ فَرَضِيَا بِذَلِكَ وَجَاءَا فِى عَشَرَةٍ مِنْ قَوْمِهِمَا حِينَ تَقَارَبَ الأَمْرُ فَجَاءُوا وَقَدْ أَحَضَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ وَأَحْضَرَ الصّحِيفَةَ وَالدّوَاةَ وَأَحْضَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فَأَعْطَاهُ الصّحِيفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ ÷ مُقَنّعٌ فِى الْحَدِيدِ. فَأَقْبَلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ - ÷ وَلا يَدْرِى بِمَا كَانَ مِنْ الْكَلامِ فَلَمّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَجَاءَ عُيَيْنَةُ مَادّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَلِمَ مَا يُرِيدُونَ فَقَالَ: يَا عَيْنَ الْهِجْرِسِ اقْبِضْ رِجْلَيْك أَتَمُدّ رِجْلَيْك بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ؟ وَمَعَهُ الرّمْحُ، وَاَللّهِ لَوْلا رَسُولُ اللّهِ لأَنْفَذْتُ خُصْيَتَيْك بِالرّمْحِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ لا نُعْطِيهِمْ إلاّ السّيْفَ مَتَى طَمِعُوا بِهَذَا مِنّا؟ فَأُسْكِتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَعَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَاسْتَشَارَهُمَا فِى ذَلِكَ وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَيْهِمَا، وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَتَكَلّمَ بِكَلامٍ يُخْفِيهِ وَأَخْبَرَهُمَا بِمَا قَدْ أَرَادَ مِنْ الصّلْحِ. فَقَالا: إنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَمْ تُؤْمَرْ فِيهِ وَلَك فِيهِ هَوًى فَامْضِ لِمَا كَانَ لَك فِيهِ هَوًى، فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِنْ كَانَ إنّمَا هُوَ الرّأْىُ فَمَا لَهُمْ عِنْدَنَا إلاّ السّيْفُ. وَأَخَذَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْكِتَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسِ وَاحِدَةٍ، فَقُلْت أُرْضِيهِمْ وَلا أُقَاتِلُهُمْ”. فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانُوا لَيَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ فِى الْجَاهِلِيّةِ مِنْ الْجَهْدِ مَا طَمِعُوا بِهَذَا مِنّا قَطّ، أَنْ يَأْخُذُوا تَمْرَةً إلاّ بِشِرًى أو قِرًى فَحِينَ أَتَانَا اللّهُ تَعَالَى بِك، وَأَكْرَمَنَا بِك، وَهَدَانَا بِك نُعْطِى الدّنِيّةَ لا نُعْطِيهِمْ أَبَدًا إلاّ السّيْفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “شُقّ الْكِتَابُ” فَتَفَلَ سَعْدٌ فِيهِ ثُمّ شَقّهُ، وَقَالَ: بَيْنَنَا السّيْفُ فَقَامَ عُيَيْنَةُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا وَاَللّهِ لَلّتِى تَرَكْتُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْخُطّةِ الّتِى أَخَذْتُمْ وَمَا لَكُمْ بِالْقَوْمِ طَاقَةٌ. فَقَالَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ: يَا عُيَيْنَةُ أَبِا لسّيْفِ تُخَوّفُنَا؟ سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَجْزَعَ وَإِلاّ فَوَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أَنْتَ وَقَوْمَك تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَالرّمّةَ مِنْ الْجَهْدِ فَتَأْتُونَ هَاهُنَا مَا تَطْمَعُونَ بِهَذَا مِنّا إلاّ قِرًى أَوْ شِرًى، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ شَيْئًا، فَلَمّا هَدَانَا اللّهُ وَأَيّدَنَا بِمُحَمّدٍ ÷ سَأَلْتُمُونَا هَذِهِ الْخُطّةَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلا مَكَانُ رَسُولِ اللّهِ مَا وَصَلْتُمْ إلَى قَوْمِكُمْ. فَقَالَ النّبِىّ ÷: “ارْجِعُوا، بَيْنَنَا السّيْفُ رَافِعًا صَوْتَهُ”، فَرَجَعَ عُيَيْنَةُ وَالْحَارِثُ وَهُمَا يَقُولانِ: وَاَللّهِ مَا نَرَى أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَلَقَدْ أُنْهِجَتْ لِلْقَوْمِ بَصَائِرُهُمْ وَاَللّهِ مَا حَضَرْت إلاّ كُرْهًا لِقَوْمٍ غَلَبُونِى، وَمَا مَقَامُنَا بِشَيْءٍ مَعَ أَنّ قُرَيْشًا إنْ عَلِمَتْ بِمَا عَرَضْنَا عَلَى مُحَمّدٍ عَرَفْت أَنّا قَدْ خَذَلْنَاهَا وَلَمْ نَنْصُرْهَا. قَالَ عُيَيْنَةُ: هُوَ وَاَللّهِ ذَلِكَ، قَالَ الْحَارِثُ: أَمَا إنّا لَمْ نُصِبْ بِتَعَرّضِنَا لِنَصْرِ قُرَيْشٍ عَلَى مُحَمّدٍ وَاَللّهِ لَئِنْ ظَهَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مُحَمّدٍ لَيَكُونَن الأَمْرُ فِيهَا دُونَ سَائِرِ الْعَرَبِ، مَعَ أَنّى أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا ظَاهِرًا. وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ أَحْبَارُ يَهُودِ خَيْبَرَ وَإِنّهُمْ يُحَدّثُونَ أَنّهُمْ يَجِدُونَ فِى كُتُبِهِمْ أَنّهُ يُبْعَثُ نَبِىّ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صِفَتِهِ، قَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا وَاَللّهِ مَا جِئْنَا نَنْصُرُ قُرَيْشًا، وَلَوْ اسْتَنْصَرْنَا قُرَيْشًا مَا نَصَرَتْنَا وَلا خَرَجْت مَعَنَا مِنْ حَرَمِهَا، وَلَكِنّى كُنْت أَطْمَعُ أَنْ نَأْخُذَ تَمْرَ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ لَنَا بِهِ ذِكْرٌ مَعَ مَا لَنَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْغَنِيمَةِ مَعَ أَنّا نَنْصُرُ حُلَفَاءَنَا مِنْ الْيَهُودِ فَهُمْ جَلَبُونَا إلَى مَا هَاهُنَا. قَالَ الْحَارِثُ: قَدْ وَاَللّهِ أَبَتْ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ إلاّ السّيْفَ وَاَللّهِ لَتُقَاتِلُنّ عَنْ هَذَا السّعَفِ مَا بَقِىَ مِنْهَا رَجُلٌ مُقِيمٌ وَقَدْ أَجْدَبَ الْجَنَابُ وَهَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ. قَالَ عُيَيْنَةُ لا شَىْءَ. فَلَمّا أَتَيَا مَنْزِلَهُمَا جَاءَتْهُمَا غَطَفَانُ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكُمْ؟ قَالُوا: لَمْ يَتِمّ الأَمْرُ رَأَيْنَا قَوْمًا عَلَى بَصِيرَةٍ وَبَذْلِ أَنْفُسِهِمْ دُونَ صَاحِبِهِمْ وَقَدْ هَلَكْنَا وَهَلَكَتْ قُرَيْشٌ، وَقُرَيْشٌ تَنْصَرِفُ وَلا تُكَلّمُ مُحَمّدًا وَإِنّمَا يَقَعُ حَرّ مُحَمّدٍ بِبَنِى قُرَيْظَةَ إذَا وَلّيْنَا جَثَمَ عَلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ جُمُعَةً حَتّى يُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ. قَالَ الْحَارِثُ: بُعْدًا وَسُحْقًا مُحَمّدٌ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ الْيَهُودِ.

  • * *

ذِكْرُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَاصِمٍ الأَشْجَعِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَهْلَ شَرَفٍ وَأَمْوَالٍ وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا، لا نَخْلَ لَنَا وَلا كَرْمَ وَإِنّمَا نَحْنُ أَهْلُ شَاةٍ وَبَعِيرٍ، فَكُنْت أَقْدَمُ عَلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، فَأُقِيمُ عِنْدَهُمْ الأَيّامَ أَشْرَبُ مِنْ شَرَابِهِمْ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ثُمّ يُحَمّلُونَنِى تَمْرًا عَلَى رِكَابِى مَا كَانَتْ فَأَرْجِعُ إلَى أَهْلِى، فَلَمّا سَارَتْ الأَحْزَابُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ سِرْت مَعَ قَوْمِى، وَأَنَا عَلَى دِينِى، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَارِفًا، فَأَقَامَتْ الأَحْزَابُ مَا أَقَامَتْ حَتّى أَجْدَبَ الْجَنَابُ وَهَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَقَذَفَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِى قَلْبِى الإِسْلامَ، وَكَتَمْت قَوْمِى إسْلامِى، فَأَخْرُجُ حَتّى آتِى رَسُولَ اللّهِ ÷ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَجِدُهُ يُصَلّى، فَلَمّا رَآنِى جَلَسَ، ثُمّ قَالَ: “مَا جَاءَ بِك يَا نُعَيْمُ”؟ قُلْت: إنّى جِئْت أُصَدّقُك وَأَشْهَدُ أَنّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ، فَمُرْنِى بِمَا شِئْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَاَللّهِ لا تَأْمُرُنِى بِأَمْرٍ إلاّ مَضَيْت لَهُ قَوْمِى لا يَعْلَمُونَ بِإِسْلامِى وَلا غَيْرُهُمْ. قَالَ: “مَا اسْتَطَعْت أَنْ تُخَذّلَ النّاسَ فَخَذّلْ”، قَالَ: قُلْت: أَفْعَلُ وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقُولُ فَأَذِنَ لِى، قَالَ: “قُلْ مَا بَدَا لَك فَأَنْتَ فِى حِلّ”. قَالَ: فَذَهَبْت حَتّى جِئْت بَنِى قُرَيْظَةَ فَلَمّا رَأَوْنِى رَحّبُوا وَأَكْرَمُوا وَحَيّوْا وَعَرَضُوا عَلَىّ الطّعَامَ وَالشّرَابَ فَقُلْت: إنّى لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ إنّمَا جِئْتُكُمْ نَصَبًا بِأَمْرِكُمْ وَتَخَوّفًا عَلَيْكُمْ لأُشِيرَ عَلَيْكُمْ بِرَأْىٍ وَقَدْ عَرَفْتُمْ وُدّى إيّاكُمْ وَخَاصّةَ مَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ. فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَأَنْتَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تُحِبّ مِنْ الصّدْقِ وَالْبِرّ. قَالَ: فَاكْتُمُوا عَنّى، قَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ إنّ أَمْرَ هَذَا الرّجُلُ بَلاءٌ - يَعْنِى النّبِىّ ÷ - صَنَعَ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ بِبَنِى قَيْنُقَاعَ وَبَنِى النّضِيرِ وَأَجْلاهُمْ عَنْ بِلادِهِمْ بَعْدَ قَبْضِ الأَمْوَالِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ قَدْ سَارَ فِينَا فَاجْتَمَعْنَا مَعَهُ لِنَصْرِكُمْ وَأَرَى الأَمْرَ قَدْ تَطَاوَلَ كَمَا تَرَوْنَ، وَإِنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ مِنْ مُحَمّدٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمّا قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ فَهُمْ قَوْمٌ جَاءُوا سَيّارَةً حَتّى نَزَلُوا حَيْثُ رَأَيْتُمْ فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ أَوْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ انْشَمَرُوا إلَى بِلادِهِمْ، وَأَنْتُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَقَدْ غَلُظَ عَلَيْهِمْ جَانِبُ مُحَمّدٍ أَجَلَبُوا عَلَيْهِ أَمْسِ إلَى اللّيْلِ فَقَتَلَ رَأْسَهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَهَرَبُوا مِنْهُ مُجَرّحِينَ وَهُمْ لا غَنَاءَ بِهِمْ عَنْكُمْ لِمَا تَعْرِفُونَ عِنْدَكُمْ. فَلا تُقَاتِلُوا مَعَ قُرَيْشٍ وَلا غَطَفَانَ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ تَسْتَوْثِقُونَ بِهِ مِنْهُمْ أَلاّ يُنَاجِزُوا مُحَمّدًا. قَالُوا: أَشَرْت بِالرّأْىِ عَلَيْنَا وَالنّصْحِ. وَدَعَوْا لَهُ وَتَشَكّرُوا، وَقَالُوا: نَحْنُ فَاعِلُونَ. قَالَ وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّى. قَالُوا: نَعَمْ نَفْعَلُ. ثُمّ خَرَجَ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جِئْتُك بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَنّى، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنّ قُرَيْظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَأَرَادُوا إصْلاحَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ. أَرْسَلُوا إلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُمْ إنّا سَنَأْخُذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً نُسَلّمُهُمْ إلَيْك تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَتَرُدّ جَنَاحَنَا الّذِى كَسَرْت إلَى دِيَارِهِمْ - يَعْنُونَ بَنِى النّضِيرِ - وَنَكُونُ مَعَك عَلَى قُرَيْشٍ حَتّى نَرُدّهُمْ عَنْك. فَإِنْ بَعَثُوا إلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَشْرَافِكُمْ وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّى وَلا تَذْكُرُوا مِنْ هَذَا حَرْفًا. قَالُوا: لا نَذْكُرُهُ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، إنّى رَجُلٌ مِنْكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّى، وَاعْلَمُوا أَنّ قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إلَى مُحَمّدٍ - وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ - فَاحْذَرُوا أَنْ تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا مِنْ رِجَالِكُمْ. وَكَانَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَصَدّقُوهُ. وَأَرْسَلَتْ الْيَهُودُ غَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ: إنّ ثَوَاءَكُمْ قَدْ طَالَ وَلَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا وَلَيْسَ الّذِى تَصْنَعُونَ بِرَأْىٍ إنّكُمْ لَوْ وَعَدْتُمُونَا يَوْمًا تَزْحَفُونَ فِيهِ إلَى مُحَمّدٍ فَتَأْتُونَ مِنْ وَجْهٍ وَتَأْتِى غَطَفَانُ مِنْ وَجْهٍ وَنَخْرُجُ نَحْنُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ يُفْلِتْ مِنْ بَعْضِنَا. وَلَكِنْ لا نَخْرُجُ مَعَكُمْ حَتّى تُرْسِلُوا إلَيْنَا بِرِهَانٍ مِنْ أَشْرَافِكُمْ يَكُونُونَ عِنْدَنَا، فَإِنّا نَخَافُ إنْ مَسّتْكُمْ الْحَرْبُ وَأَصَابَكُمْ مَا تَكْرَهُونَ شَمّرْتُمْ وَتَرَكْتُمُونَا فِى عُقْرِ دَارِنَا وَقَدْ نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْعَدَاوَةِ. فَانْصَرَفَ الرّسُولُ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذَا مَا قَالَ نُعَيْمٌ. فَخَرَجَ نُعَيْمٌ إلَى بَنِى قُرَيْظَةَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِى قُرَيْظَةَ أَنَا عِنْدَ أَبِى سُفْيَانَ حَتّى جَاءَ رَسُولُكُمْ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الرّهَانَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَمّا وَلّى، قَالَ: لَوْ طَلَبُوا مِنّى عَنَاقًا مَا رَهَنْتهَا أَنَا أَرْهَنُهُمْ سَرَاةَ أَصْحَابِى يَدْفَعُونَهُمْ إلَى مُحَمّدٍ يَقْتُلُهُمْ فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ حَتّى تَأْخُذُوا الرّهْنَ فَإِنّكُمْ إنْ لَمْ تُقَاتِلُوا مُحَمّدًا وَانْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ تَكُونُوا عَلَى مُوَاعَدَتِكُمْ الأُولَى. قَالُوا: تَرْجُو ذَلِكَ يَا نُعَيْمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: فَإِنّا لا نُقَاتِلُهُ، وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا وَلَكِنْ حُيَىّ رَجُلٌ مَشْئُومٌ. قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: إنْ انْكَشَفَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ عَنْ مُحَمّدٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنّا إلاّ السّيْفُ. قَالَ نُعَيْمٌ: لا تَخْشَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ. قَالَ الزّبَيْرُ: بَلَى وَالتّوْرَاةُ، وَلَوْ أَصَابَتْ الْيَهُودُ رَأْيَهَا وَلَحَمَ الأَمْرُ لَتَخْرُجَن إلَى مُحَمّدٍ وَلا يَطْلُبُونَ مِنْ قُرَيْشٍ رَهْنًا، فَإِنّ قُرَيْشًا لا تُعْطِينَا رَهْنًا أَبَدًا، وَعَلَى أَىّ وَجْهٍ تُعْطِينَا قُرَيْشٌ الرّهْنَ وَعَدَدُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِنَا، وَمَعَهُمْ كُرَاعٌ وَلا كُرَاعٌ مَعَنَا، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْهَرَبِ وَنَحْنُ لا نَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ وَهَذِهِ غَطَفَانُ تَطْلُبُ إلَى مُحَمّدٍ أَنْ يُعْطِيَهَا بَعْضَ تَمْرِ الأَوْسِ وَتَنْصَرِفُ فَأَبَى مُحَمّدٌ إلاّ السّيْفَ فَهُمْ يَنْصَرِفُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ كَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ أَنْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ الْجَنَابَ قَدْ أَجْدَبَ وَهَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ، وَغَدَرَتْ الْيَهُودُ وَكَذَبَتْ وَلَيْسَ هَذَا بِحَيْنِ مُقَامٍ فَانْصَرِفُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ: فَاعْلَمْ عِلْمَ الْيَهُودِ وَاسْتَيْقِنْ خَبَرَهُمْ. فَبَعَثُوا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ حَتّى جَاءَ بَنِى قُرَيْظَةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ مَسَاءَ لَيْلَةِ السّبْتِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ إنّهُ قَدْ طَالَ الْمُكْثُ وَجَهَدَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ، وَإِنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامَةٍ اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى نُنَاجِزَهُ بِالْغَدَاةِ. قَالُوا: غَدًا السّبْتُ لا نُقَاتِلُ وَلا نَعْمَلُ فِيهِ عَمَلاً، وَإِنّا مَعَ ذَلِكَ لا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إذَا انْقَضَى سَبْتُنَا حَتّى تُعْطُونَا رِهَانًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ مَعَنَا لِئَلاّ تَبْرَحُوا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا، فَإِنّا نَخْشَى إنْ أَصَابَتْكُمْ الْحَرْبُ أَنْ تُشَمّرُوا إلَى بِلادِكُمْ وَتَدْعُونَا وَإِيّاهُ فِى بِلادِنَا وَلا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مَعَنَا الذّرَارِىّ وَالنّسَاءُ وَالأَمْوَالُ. فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ إلَى أَبِى سُفْيَانَ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِى جَاءَ بِهِ نُعَيْمٌ حَقّ، لَقَدْ غَدَرَ أَعْدَاءُ اللّهِ. وَأَرْسَلَتْ غَطَفَانُ إلَيْهِمْ مَسْعُودَ بْنَ رُخَيْلَةَ فِى رِجَالٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ رِسَالَةِ أَبِى سُفْيَانَ فَأَجَابُوهُمْ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِى سُفْيَانَ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: حَيْثُ رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْهُمْ نَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِى قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقّ. وَعَرَفُوا أَنّ قُرَيْشًا لا تُقِيمُ فَسُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ فَكّرَ أَبُو سُفْيَانَ إلَيْهِمْ، وَقَالَ: إنّا وَاَللّهِ لا نَفْعَلُ إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: مِثْلَ قَوْلِهِمْ الأَوّلِ وَجَعَلَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ تَقُولُ: الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَيَئِسَ هَؤُلاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ وَيَئِسَ هَؤُلاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ، وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ فَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا خَذّلْتُ بَيْنَ الأَحْزَابِ حَتّى تَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللّهِ ÷ عَلَى سِرّهِ، فَكَانَ صَحِيحَ الإِسْلامِ بَعْدُ. فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَالَتْ قُرَيْظَةُ لِعِكْرِمَةَ ابْنِ أَبِى جَهْلٍ مَا قَالَتْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِحُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ: أَيْنَ مَا وَعَدْتنَا مِنْ نَصْرِ قَوْمِك؟ قَدْ خَلّوْنَا وَهُمْ يُرِيدُونَ الْغَدْرَ بِنَا، قَالَ حُيَىّ: كَلاّ وَالتّوْرَاةِ، وَلَكِنّ السّبْتَ قَدْ حَضَرَ وَنَحْنُ لا نَكْسِرُ السّبْتَ فَكَيْفَ نُنْصَرُ عَلَى مُحَمّدٍ إذَا كَسَرْنَا السّبْتَ؟ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الأَحَدِ اُغْدُوا عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِمِثْلِ حَرْقِ النّارِ. وَخَرَجَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ حَتّى أَتَى بَنِى قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: فِدَاءَكُمْ أَبِى وَأُمّى، إنّ قُرَيْشًا قَدْ اتّهَمَتْكُمْ بِالْغَدْرِ وَاتّهَمُونِى مَعَكُمْ وَمَا السّبْتُ لَوْ كَسَرْتُمُوهُ لِمَا قَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ عَدُوّكُمْ؟ قَالَ: فَغَضِبَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، ثُمّ قَالَ: لَوْ قَتَلَهُمْ مُحَمّدٌ حَتّى لا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ مَا كَسَرْنَا سَبْتَنَا. فَرَجَعَ حُيَىّ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْك يا يَهُودِىّ أَنّ قَوْمَك يُرِيدُونَ الْغَدْرَ؟ قَالَ حُيَىّ: لا وَاَللّهِ مَا يُرِيدُونَ الْغَدْرَ وَلَكِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ يَوْمَ الأَحَدِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَا السّبْتُ؟ قَالَ: يَوْمٌ مِنْ أَيّامِهِمْ يُعَظّمُونَ الْقِتَالَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنّ سَبْطًا مِنّا أَكَلُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ السّبْتِ فَمَسَخَهُمْ اللّهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لا أَرَانِى أَسْتَنْصِرُ بِإِخْوَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ بَعَثْت عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لا نُقَاتِلُ حَتّى تَبْعَثُوا لَنَا بِالرّهَانِ مِنْ أَشْرَافِكُمْ. وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا جَاءَنَا غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ بِرِسَالَتِهِمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَحْلِفُ بِاَللاّتِى إنْ هُوَ إلاّ غَدْرُكُمْ وَإِنّى لأَحْسَبُ أَنّك قَدْ دَخَلْت فِى غَدْرِ الْقَوْمِ، قَالَ حُيَىّ: وَالتّوْرَاةِ الّتِى أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ مَا غَدَرْت، وَلَقَدْ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ هُمْ أَعْدَى النّاسِ لِمُحَمّدٍ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى قِتَالِهِ وَلَكِنْ مَا مُقَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتّى يَخْرُجُوا مَعَك، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لا وَاَللّهِ وَلا سَاعَةً لا أُقِيمُ بِالنّاسِ انْتِظَارَ غَدْرِكُمْ، حَتّى خَافَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَبِى سُفْيَانَ فَخَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ الْخَوْفِ حَتّى بَلَغَ الرّوْحَاءَ، فَمَا رَجَعَ إلاّ مُتَسَرّقًا لِمَا أَعْطَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ مِنْ نَفْسِهِ لَيَرْجِعَن إلَيْهِ فَدَخَلَ مَعَ بَنِى قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ لَيْلاً وَيَجِدُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ زَحَفَ إلَيْهِمْ سَاعَةَ وَلّتْ الأَحْزَابُ. فَحَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: كَانَ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ حِينَ جَاءَهُ وَجَعَلَ كَعْبٌ يَأْبَى، فَقَالَ حُيَىّ: لا تُقَاتِلْ حَتّى تَأْخُذَ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِهَانًا عِنْدَكُمْ. وَذَلِكَ مِنْ حُيَىّ خَدِيعَةً لِكَعْبٍ حَتّى يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَعَرَفَ أَنّهُ إذَا نَقَضَ الْعَهْدَ لَحَمَ الأَمْرُ. وَلَمْ يُخْبِر حُيَىّ قُرَيْشًا بِاَلّذِى، قَالَ لِبَنِى قُرَيْظَةَ: فَلَمّا جَاءَهُمْ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ السّبْتَ قَالُوا: لا نَكْسِرُ السّبْتَ وَلَكِنْ يَوْمَ الأَحَدِ وَلا نَخْرُجُ حَتّى تُعْطُونَا الرّهَانَ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَىّ رِهَانٍ؟. قَالَ كَعْبٌ: الّذِى شَرَطْتُمْ لَنَا، قَالَ: وَمَنْ شَرَطَهَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَأَخْبَرَ أَبَا سُفْيَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِحُيَىّ: يَا يَهُودِىّ، نَحْنُ قُلْنَا لَك كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لا وَالتّوْرَاةِ، مَا قُلْت ذَلِكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: بَلْ هُوَ الْغَدْرُ مِنْ حُيَىّ، فَجَعَلَ حُيَىّ يَحْلِفُ بِالتّوْرَاةِ مَا قَالَ ذَلِكَ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّهِ قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: يَا حُيَىّ، لا نَخْرُجُ حَتّى نَأْخُذَ مِنْ كُلّ أَصْحَابِك مِنْ كُلّ بَطْنٍ سَبْعِينَ رَجُلاً رَهْنًا فِى أَيْدِينَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ حُيَىّ لِقُرَيْشٍ وَلِغَطَفَانَ وَقَيْسٍ، فَفَعَلُوا وَعَقَدُوا بَيْنَهُمْ عَقْدًا بِذَلِكَ حَتّى شَقّ كَعْبٌ الْكِتَابَ. فَلَمّا أَرْسَلَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ تَسْتَنْصِرُهُ، قَالَ: الرّهْنُ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا، لِمَا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. وَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: سَمِعْته يَقُولُ: أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِى سُفْيَانَ أَنْ ائْتُوا، فَإِنّا سَنُغِيرُ عَلَى بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوَادِعًا لِلنّبِىّ ÷، وَكَانَ عِنْدَ عُيَيْنَةَ حِينَ أَرْسَلَتْ بِذَلِكَ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِى سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَأَقْبَلَ نُعَيْمٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا وَمَا أَرْسَلَتْ بِهِ قُرَيْظَةُ إلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَلَعَلّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ”، فَقَامَ نُعَيْمٌ بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ تِلْكَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ. قَالَ: وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلاً لا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَلَمّا وَلّى مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ ذَاهِبًا إلَى غَطَفَانَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِى قُلْت؟ إنْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فَامْضِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِك فَإِنّ شَأْنَ بَنِى قُرَيْظَةَ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا يُؤْثَرُ عَنْك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلْ هُوَ رَأْىٌ رَأَيْته، الْحَرْبُ خُدْعَةٌ”، ثُمّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى أَثَرِ نُعَيْمٍ، فَدَعَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَرَأَيْت الّذِى سَمِعْتنِى قُلْت آنِفًا”؟ اُسْكُتْ عَنْهُ فَلا تَذْكُرْهُ فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى جَاءَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ مُحَمّدًا قَالَ شَيْئًا قَطّ إلاّ كَانَ حَقّا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَإِنّهُ قَالَ لِى فِيمَا أَرْسَلَتْ بِهِ إلَيْكُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَلَعَلّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، ثُمّ نَهَانِى أَذْكُرَهُ لَكُمْ. فَانْطَلَقَ عُيَيْنَةُ حَتّى لَقِىَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ نُعَيْمٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ لَهُمْ: إنّمَا أَنْتُمْ فِى مَكْرِ بَنِى قُرَيْظَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نُرْسِلُ إلَيْهِمْ الآنَ فَنَسْأَلُهُمْ الرّهْنَ فَإِنْ دَفَعُوا الرّهْنَ إلَيْنَا فَقَدْ صَدَقُونَا، وَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَنَحْنُ مِنْهُمْ فِى مَكْرٍ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ أَبِى سُفْيَانَ فَسَأَلَهُمْ الرّهْنَ لَيْلَةَ السّبْتِ، فَقَالُوا: هَذِهِ لَيْلَةُ السّبْتِ وَلَسْنَا نَقْضِى فِيهَا وَلا فِى يَوْمِهَا أَمْرًا، فَأَمْهِلْ حَتّى يَذْهَبَ السّبْتُ، فَخَرَجَ الرّسُولُ إلَى أَبِى سُفْيَانَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ الأَحْزَابِ مَعَهُ هَذَا مَكْرٌ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ: فَارْتَحِلُوا فَقَدْ طَالَتْ إقَامَتُكُمْ، فَآذَنُوا بِالرّحِيلِ وَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرّيحَ حَتّى مَا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يَهْتَدِى لِمَوْضِعِ رَحْلِهِ فَارْتَحَلُوا فَوَلّوْا مُنْهَزِمِينَ. وَيُقَالُ: إنّ حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ، قَالَ لأَبِى سُفْيَانَ: أَنَا آخُذُ لَك مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ سَبْعِينَ رَجُلاً رَهْنًا عِنْدَك حَتّى يَخْرُجُوا فَيُقَاتِلُوا، فَهُمْ أَعْرَفُ بِقِتَالِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ. فَكَانَ هَذَا الّذِى قَالَ: إنّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ الرّهْنَ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَأَثْبَتُ الأَشْيَاءِ عِنْدَنَا قَوْلُ نُعَيْمٍ الأَوّلِ. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ دَعَا عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ: “اللّهُمّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمْ الأَحْزَابَ اللّهُمّ اهْزِمْهُمْ”. فَحَدّثَنِى كُثَيّرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الأَحْزَابِ فِى مَسْجِدِ الأَحْزَابِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلاثَاءِ وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ. قَالَ: فَعَرَفْنَا السّرُورَ فِى وَجْهِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَمَا نَزَلَ بِى أَمْرٌ غَائِظٌ مُهِمّ إلاّ تَحَيّنْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَدْعُو اللّهَ فَأَعْرِفُ الإِجَابَةَ. وَكَانَ ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ يُحَدّثُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْجَبَلِ الّذِى عَلَيْهِ الْمَسْجِدُ فَدَعَا فِى إزَارٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا، ثُمّ جَاءَهُ مَرّةً أُخْرَى فَصَلّى وَدَعَا. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى الْخَرِيقِ الْقَابِلِ الصّابّ عَلَى أَرْضِ بَنِى النّضِيرِ، وَهُوَ الْيَوْمَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ الّذِى بِأَسْفَلَ الْجَبَلِ، وَيُقَالُ: إنّهُ صَلّى فِى تِلْكَ الْمَسَاجِدِ كُلّهَا الّتِى حَوْلَ الْمَسْجِدِ الّذِى فَوْقَ الْجَبَلِ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهَذَا أَثْبَتُ الأَحَادِيثِ. وَقَالُوا: لَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ بَعَثَ اللّهُ الرّيحَ فَقَلَعَتْ وَتَرَكَتْ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُصَلّى إلَى أَنْ ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ لَيْلَةَ قُتِلَ ابْنُ الأَشْرَفِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إذَا حَزَبَهُ الأَمْرُ أَكْثَرَ الصّلاةَ. قَالُوا: وَكَانَ حِصَارُ الْخَنْدَقِ فِى قُرّ شَدِيدٍ وَجُوعٍ، فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنَا فِى الْخَنْدَقِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْنَا الْبَرْدُ وَالْجُوعُ وَالْخَوْفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ جَعَلَهُ اللّهُ رَفِيقِى فِى الْجَنّةِ”، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْجَنّةَ وَالرّجُوعَ، فَمَا قَامَ مِنّا رَجُلٌ، ثُمّ عَادَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وَمَا قَامَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ شِدّةِ الْجُوعِ وَالْقُرّ وَالْخَوْفِ، فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ ذَلِكَ لا يَقُومُ أَحَدٌ، دَعَانِى، فَقَالَ: “يَا حُذَيْفَةُ”، قَالَ: فَلَمْ أَجِدْ بُدّا مِنْ الْقِيَامِ حِينَ فَوّهَ بِاسْمِى، فَجِئْته وَلِقَلْبِى وَجَبَانٌ فِى صَدْرِى، فَقَالَ: “تَسْمَعُ كَلامِى مُنْذُ اللّيْلَةَ وَلا تَقُومُ”؟ فَقُلْت: لا، وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ قَدَرْت عَلَى مَا بِى مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَقَالَ: “اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ وَلا تَرْمِينَ بِسَهْمٍ وَلا بِحَجَرٍ وَلا تَطْعَنُ بِرُمْحٍ وَلا تَضْرِبَن بِسَيْفٍ حَتّى تَرْجِعَ إلَىّ”. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بِى يَقْتُلُونِى وَلَكِنّى أَخَافُ أَنْ يُمَثّلُوا بِى، قَالَ: رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ”، فَعَرَفْت أَنّهُ لا بَأْسَ عَلَىّ مَعَ كَلامِ رَسُولِ اللّهِ ÷ الأَوّلِ. ثُمّ قَالَ: “اذْهَبْ فَادْخُلْ فِى الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَاذَا يَقُولُونَ”، فَلَمّا وَلّى حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ”، فَدَخَلَ عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا هُمْ يَصْطَلُونَ عَلَى نِيرَانِهِمْ وَإِنّ الرّيحَ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ لا تُقِرّ لَهُمْ قَرَارًا وَلا بِنَاءً، فَأَقْبَلْت فَجَلَسْت عَلَى نَارٍ مَعَ قَوْمٍ فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: احْذَرُوا الْجَوَاسِيسَ وَالْعُيُونَ، وَلْيَنْظُرْ كُلّ رَجُلٍ جَلِيسَهُ. قَالَ: فَالْتَفَتّ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ وَهُوَ عَنْ يَمِينِى، فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَالْتَفَتّ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ. ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّكُمْ وَاَللّهِ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغْنَا عَنْهُمْ الّذِى نَكْرَهُ وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ وَاَللّهِ مَا يَثْبُتُ لَنَا بِنَاءٌ وَلا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّى مُرْتَحِلٌ، وَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ وَجَلَسَ عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، ثُمّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلاثِ قَوَائِمَ فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلاّ بَعْدَ مَا قَامَ، وَلَوْلا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَىّ لا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتّى تَأْتِىَ، ثُمّ شِئْت، لَقَتَلْته، فَنَادَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ إنّك رَأْسُ الْقَوْمِ وَقَائِدُهُمْ تَقْشَعُ وَتَتْرُكُ النّاسَ؟ فَاسْتَحْيَى أَبُو سُفْيَانَ فَأَنَاخَ جَمَلَهُ وَنَزَلَ عَنْهُ وَأَخَذَ بِزِمَامِهِ وَهُوَ يَقُودُهُ، وَقَالَ: ارْحَلُوا، قَالَ: فَجَعَلَ النّاسُ يَرْتَحِلُونَ وَهُوَ قَائِمٌ حَتّى خَفّ الْعَسْكَرُ، ثُمّ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ، لا بُدّ لِى وَلَك أَنْ نُقِيمَ فِى جَرِيدَةٍ مِنْ خَيْلٍ بِإِزَاءِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنّا لا نَأْمَنُ أَنْ نُطْلَبَ حَتّى يَنْفُذَ الْعَسْكَرُ. فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أُقِيمُ، وَقَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: مَا تَرَى يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَيْضًا أُقِيمُ، فَأَقَامَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ فِى مِائَتَىْ فَارِسٍ، وَسَارَ الْعَسْكَرُ إلاّ هَذِهِ الْجَرِيدَةُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، قَالُوا: وَذَهَبَ حُذَيْفَةُ إلَى غَطَفَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ ارْتَحَلُوا، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ. وَأَقَامَتْ الْخَيْلُ حَتّى كَانَ السّحَرُ ثُمّ مَضَوْا فَلَحِقُوا الأَثْقَالَ وَالْعَسْكَرَ مَعَ ارْتِفَاعِ النّهَارِ بِمَلَلَ فَغَدَوَا إلَى السّيّالَةِ. وَكَانَتْ غَطَفَانُ لَمّا ارْتَحَلَتْ وَقَفَ مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ فِى خَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَوَقَفَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فِى خَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَوَقَفَ فُرْسَانٌ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ فِى أَصْحَابِهِمْ ثُمّ تَحَمّلُوا جَمِيعًا فِى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَتَفَرّقُوا حَتّى أَتَوْا عَلَى الْمِرَاضِ ثُمّ تَفَرّقَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ إلَى مَحَالّهَا. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمّدٍ الأَخْنَسِىّ - قَالَ: لَمّا انْصَرَفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: قَدْ عَلِمَ كُلّ ذِى عَقْلٍ أَنّ مُحَمّدًا لَمْ يَكْذِبْ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ: أَنْتَ أَحَقّ النّاسِ أَلاّ يَقُولَ هَذَا، قَالَ عَمْرٌو: لِمَ؟ قَالَ: لأَنّهُ نَزَلَ عَلَى شَرَفِ أَبِيك وَقَتَلَ سَيّدَ قَوْمِك، وَيُقَالُ: الّذِى تَكَلّمَ بِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلا نَدْرِى، لَعَلّهُمَا قَدْ تَكَلّمَا بِذَلِكَ جَمِيعًا. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: قَدْ عَلِمَ كُلّ حَلِيمٍ أَنّ مُحَمّدًا لَمْ يَكْذِبْ قَطّ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: إنّ أَحَقّ النّاسِ أَلاّ يَقُولَ هَذَا أَنْتَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: نَزَلَ عَلَى شَرَفِ أَبِيك، وَقَتَلَ سَيّدَ قَوْمِك أَبَا جَهْلٍ. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: كَانَ مُحَاصَرَةُ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى الْخَنْدَقِ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: عِشْرِينَ يَوْمًا، وَيُقَالُ: خَمْسَةَ عَشَرِ يَوْمًا، وَهَذَا أَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْخَنْدَقِ أَصْبَحَ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعَسَاكِرِ قَدْ هَرَبُوا وَذَهَبُوا. وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الثّبَتُ أَنّهُمْ انْقَشَعُوا إلَى بِلادِهِمْ، وَلَمّا أَصْبَحُوا أَذِنَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلْمُسْلِمِينَ فِى الانْصِرَافِ إلَى مَنَازِلِهِمْ، فَخَرَجُوا مُبَادِرِينَ مَسْرُورِينَ بِذَلِكَ. وَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ تَعْلَمَ بَنُو قُرَيْظَةَ رَجْعَتَهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ، فَأَمَرَ بِرَدّهِمْ وَبَعَثَ مَنْ يُنَادِى فِى أَثَرِهِمْ فَمَا رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَكَانَ مِمّنْ يَرُدّهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَجَعَلْت أَصِيحُ فِى أَثَرِهِمْ فِى كُلّ نَاحِيَةٍ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا، فَمَا رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْقُرّ وَالْجُوعِ، فَكَانَ يَقُولُ: كَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَرَى سُرْعَتَهُمْ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِقُرَيْشٍ عُيُونٌ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ أَرُدّهُمْ فَجَعَلْت أَصِيحُ بِهِمْ فَمَا يَرْجِعُ أَحَدٌ، فَانْطَلَقْت فِى أَثَرِ بَنِى حَارِثَةَ، فَوَاَللّهِ مَا أَدْرَكْتهمْ حَتّى دَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَلَقَدْ صِحْت، فَمَا يَخْرُجُ إلَىّ أَحَدٌ مِنْ جَهْدِ الْجُوعِ، وَالْقُرّ، فَرَجَعَتْ إلَى النّبِىّ ÷، فَأَلْقَاهُ فِى بَنِى حَرَامٍ مُنْصَرِفًا، فَأَخْبَرْته فَضَحِكَ ÷. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى وَجْزَةَ، قَالَ: لَمّا مَلّتْ قُرَيْشٌ الْمُقَامَ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ، وَضَاقُوا بِالْخَنْدَقِ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يُغِيرَ عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ، كَتَبَ كِتَابًا فِيهِ: بِاسْمِك اللّهُمّ فَإِنّى أَحْلِفُ بِاَللاّتِى وَالْعُزّى، لَقَدْ سِرْت إلَيْك فِى جَمْعِنَا، وَإِنّا نُرِيدُ أَلاّ نَعُودَ إلَيْك أَبَدًا حَتّى نَسْتَأْصِلَك، فَرَأَيْتُك قَدْ كَرِهْت لِقَاءَنَا، وَجَعَلْت مَضَايِقَ وَخَنَادِقَ فَلَيْتَ شِعْرِى مَنْ عَلّمَك هَذَا؟ فَإِنْ نَرْجِعْ عَنْكُمْ فَلَكُمْ مِنّا يَوْمٌ كَيَوْمِ أُحُدٍ، تُبْقَرُ فِيهِ النّسَاءُ. وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ مَعَ أَبِى أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ فَلَمّا أَتَى بِالْكِتَابِ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ، فَدَخَلَ مَعَهُ قُبّتَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ أَبِى سُفْيَانَ. وَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ... أَمَا بَعْدُ: فَقَدِيمًا غَرّك بِاَللّهِ الْغَرُورُ أَمّا مَا ذَكَرْت أَنّك سِرْت إلَيْنَا فِى جَمْعِكُمْ وَأَنّك لا تُرِيدُ أَنْ تَعُودَ حَتّى تَسْتَأْصِلَنَا، فَذَلِكَ أَمْرٌ اللّهُ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ، وَيَجْعَلُ لَنَا الْعَاقِبَةَ حَتّى لا تَذْكُرَ اللاّتِى وَالْعُزّى، وَأَمّا قَوْلُك: مَنْ عَلّمَك الّذِى صَنَعْنَا مِنْ الْخَنْدَقِ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى أَلْهَمَنِى ذَلِكَ لِمَا أَرَادَ مِنْ غَيْظِك بِهِ وَغَيْظِ أَصْحَابِك، وَلَيَأْتِيَن عَلَيْك يَوْمٌ تُدَافِعُنِى بِالرّاحِ وَلْيَأْتِيَن عَلَيْك يَوْمٌ أَكْسِرُ فِيهِ اللاّتِى، وَالْعُزّى، وَإِسَافَ وَنَائِلَةَ وَهُبَلَ حَتّى أُذَكّرُك ذَلِكَ”. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى أَنّ فِى الْكِتَابِ: وَلَقَدْ عَلِمْت أَنّى لَقِيت أَصْحَابَك بِأَحْيَاءَ، وَأَنَا فِى عِيرٍ لِقُرَيْشٍ فَمَا حَصَرَ أَصْحَابُك مِنّا شَعْرَةً وَرَضُوا بِمُدَافَعَتِنَا بِالرّاحِ، ثُمّ أَقْبَلْت فِى عِيرِ قُرَيْشٍ حَتّى لَقِيت قَوْمِى، فَلَمْ تَلْقَنَا، فَأَوْقَعْت بِقَوْمِى وَلَمْ أَشْهَدْهَا مِنْ وَقْعَةٍ، ثُمّ غَزَوْتُكُمْ فِى عُقْرِ دَارِكُمْ فَقَتَلْت وَحَرَقْت - يَعْنِى غَزْوَةَ السّوِيقِ - ثُمّ غَزَوْتُك فِى جَمْعِنَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَكَانَتْ وَقْعَتُنَا فِيكُمْ مِثْلَ وَقْعَتِكُمْ بِنَا بِبَدْرٍ، ثُمّ سِرْنَا إلَيْكُمْ فِى جَمْعِنَا وَمَنْ تَأَلّبَ إلَيْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَلَزِمْتُمْ الصّيَاصِىَ وَخَنْدَقْتُمْ الْخَنَادِقَ.

  • * *

بَابُ مَا أَنَزَلَ اللّهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِى الْخَنْدَقِ حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِى شَأْنِ الْخَنْدَقِ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ وَكِفَايَتَهُ عَدُوّهُمْ بَعْدَ سُوءِ الظّنّ مِنْهُمْ وَمَقَالَةِ مَنْ تَكَلّمَ بِالنّفَاقِ، فَقَالَ: ×يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا%. قَالَ: وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِى أَتَتْ الْمُؤْمِنِينَ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ وَأَسَدًا وَسُلَيْمًا، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِى بَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرّيحَ وَذَكَرَ: ×إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ%، وَكَانَ الّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَاَلّذِينَ جَاءُوا مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَسُلَيْمٌ. ×هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا% ×وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا%، قَوْلُ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ، ×وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النّبِىّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَارًا% يَقُولُ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ. ×وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا% مِنْ نَوَاحِيهَا ×ثُمّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا إِلاّ يَسِيرًا% يَعْنِى الْمُنَافِقِينَ، ×وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلّونَ الأَدْبَارَ% إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ×وَإِذًا لا تُمَتّعُونَ إِلاّ قَلِيلاً% كَانَ ثَعْلَبَةُ عَاهَدَ اللّهَ يَوْمَ أُحُدٍ لا يُوَلّى دُبُرًا أَبَدًا بَعْدَ أُحُدٍ. ثُمّ ذَكَرَ أَهْلَ الإِيمَانِ حِينَ أَتَاهُمْ الأَحْزَابُ فَحَصَرُوهُمْ وَظَاهَرَتْهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ فِى الْخَنْدَقِ فَاشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْبَلاءُ فَقَالُوا: لَمّا رَأَوْا ذَلِكَ ×هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ% وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِى الْبَقَرَةِ: ×أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ% وَفِى قَوْلِهِ: ×رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ% يَقُولُ: قُتِلَ أَوْ أُبْلِىَ، ×وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ% أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُبْلَى، ×وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً% مَا تَغَيّرَتْ نِيّاتُهُمْ ×لِيَجْزِىَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا%. حَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهَدٍ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ فَقَالَ: “هَذَا مِمّنْ قَضَى نَحْبَهُ”.

  • * *

ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ فَمَاتَ، وَيُقَالُ: رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ. وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الأَعْلَمِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ الأَشْهَلِىّ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عُوَيْفٍ فَقَتَلَهُ. وَمِنْ بَنِى سَلِمَةَ الطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ قَتَلَهُ وَحْشِىّ، وَكَانَ وَحْشِىّ يَقُولُ: أَكْرَمَ اللّهُ بِحَرْبَتِى حَمْزَةَ وَالطّفَيْلَ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِىّ بْنِ نَابِى، قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ الْمَخْزُومِىّ. وَمِنْ بَنِى دِينَارٍ كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ وَكَانَ قَدْ اُرْتُثّ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَصَحّ حَتّى قُتِلَ فِى الْخَنْدَقِ، قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ. فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِتّةُ نَفَرٍ.

  • * *

ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِى قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ قَتَلَهُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - عَلَيْهِ السّلامُ - وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَيُقَالُ عَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ. وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ عُثْمَانُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ مَاتَ بِمَكّةَ مِنْ رَمْيَةٍ رُمِيَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ. ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِى الْخَنْدَقِ قَالَ ضِرَارُ ابْنُ الْخَطّابِ: هَكَذَا كَانَ [.....].

  • * *

تم بحمد الله الجزء الأول من كتاب المغازى للواقدى، ويليه بإذن الله الجزء الثانى وأوله: “بَابُ غَزْوَةِ بَنِى قُرَيْظَةَ”

  • * *