قلق هنا وتفاؤل هناك - محمد أبو الغار
قلق هنا وتفاؤل هناك، د. محمد أبو الغار.
هناك ظواهر كثيرة تشير إلى أن مصر فى طريق خطر وظواهر أخرى تشير إلى أن هناك بوادر أمل.
انظر مثلاً إلى ما حدث فى إمبابة، إنها حادثة تدل على تصرفات عقول وأفكار قادمة من القرون الوسطى، ممزوجة بمسحة فساد وبلطجة من آثار فساد نظام مبارك، ولكن الشىء المضىء أن مصر تحركت كلها تدافع عن نفسها وتاريخها، والتف الناس فى إمبابة حول الفتنة، وكتبت الصحف وشاهدنا البرامج العديدة التى حاصرت الفتنة، وتحرك المجلس العسكرى بقوة لأول مرة فى مثل هذه الأحداث، وتخلى عن فكرة حل هذه الكوارث الكبرى عن طريق المشايخ، ولجأ إلى تطبيق القانون، وهو الأمر الحاسم فى الطريق إلى مواجهة الفتن.
على الناحية الأخرى كتبت إحدى الصحف أن قانون الانتخاب وممارسة الحياة السياسية سوف يصدر، وبه مادة تحرم المصريين بالخارج من ممارسة حقوقهم السياسية، وأضافت أن السبب هو أن ولاءهم لمصر محل شك، ويبدو أن خطورة ما كتب وتم تسريبه أدى إلى حذفه من الطبعات التالية للصحيفة، وأعلن المجلس العسكرى تأجيل إصدار هذا القانون، ثم أعلن المجلس أن المصريين فى الخارج لهم حق التصويت، وما حدث يشير إلى أن القرار الأخير للمجلس العسكرى صائب، وأن جميع دول العالم تعطى مواطنيها فى الخارج حق التصويت خاصة أنه فى مصر بالذات يشارك المصريون فى كم هائل من التحويلات التى تساند الاقتصاد المصرى، وكذلك كم هائل من المساعدة لآلاف من العائلات فى مصر، بالإضافة إلى التبرعات للمشروعات الخيرية. أما مبدأ تخوين مواطن مصرى – عمال على بطال - فهو أمر مرفوض فى كل الأحوال.
ما حدث يشير إلى أن هناك من مستشارى المجلس العسكرى من يصيد فى الماء العكر، وكان على وشك تمرير مواد جائرة فى القانون قد تؤدى إلى مشاكل كبيرة، ولكن على الجانب الآخر هناك عقلاء قاموا بالنصح فى اتجاه العقل والحكمة لتفادى كوارث نصنعها بأيدينا.
شىء آخر يبعث على التفاؤل، كنت فى زيارة إلى مدينة الغردقة فى الأسبوع الماضى، واستمعت إلى خطبة رصينة عاقلة من الشيخ عصام، شيخ مسجد الشهيد عبدالمنعم رياض، عن علاقة المسلمين بالمسيحيين فى العصور الذهبية للإسلام، وقد ذكر الشيخ العديد من الأحداث، التى تشير إلى أن المسلمين الأوائل وحكامهم كانوا يدافعون عن الكنائس وعن المسيحيين، وأن ما يحدث الآن ليس له علاقة بالدين الإسلامى، وبعد انتهاء الصلاة تحدث الشيخ عصام معى واقترح عمل مسيرة إلى الكنيسة وهو ما حدث فعلاً، واستقبلنا هناك أبونا مينا أسقف الكنيسة، وخطب الشيخ عصام من على منبر الكنيسة ثم دعانى أن ألقى كلمة، فألقيت كلمة قصيرة، ثم ألقى أبونا مينا كلمة واتفق الجميع على إقامة لقاء جماهيرى فى الجمعة التالى بين قيادة الجامع والكنيسة مع شعب الغردقة. هذه نقطة مضيئة ومبادرة مهمة قام بها شيخ مستنير وأيدها قسيس حريص على مستقبل الوطن.
نقطة أخرى أعتقد أنها تشير إلى أننا مازلنا نعيش عصر مبارك، فقد قام عدد كبير من أساتذة الجامعات فى مختلف الجامعات المصرية بوقفات احتجاجية للمطالبة بتعديل عاجل لقانون الجامعات يسمح بإعادة انتخابات القيادات الجامعية، وقد شكل الوزير لجنة من قيادات الوزارة بالاشتراك مع مجموعة من أساتذة 9 مارس والإخوان المسلمين، واجتمعت اللجنة مرتين، وكان واضحاً أن ممثلى الوزير يدفعون ضد الانتخاب المباشر، وأساتذة التغيير يريدون تلبية مطالب جماهير الأساتذة، وبينما اللجنة منعقدة فوجئنا جميعاً ببيان هلامى لا معنى له من المجلس الأعلى للجامعات يشير إلى تأييد القيادات الجامعية وصياغة غامضة عن تطبيق القانون فى تغيير القيادات.
الأمر ببساطة أن الجامعة فى مصر لاتزال غير مستقلة، وأن المجلس الأعلى للجامعات هو مؤسسة نتاج العصر القمعى، ويتدخل فى تفاصيل دقيقة تخص الجامعات، التى من المفروض أن تكون مستقلة، والآن نحن نطالب بأن يتم إلغاء جميع مهام المجلس الأعلى للجامعات ويصبح هيئة استشارية تقدم أفكاراً للجامعات تساعدها على التقدم، لأن هذا مجلس لا قيمة له غير التسلط على الجامعات وتعطيل المراكب السايرة.
وشىء آخر مفزع هو ما حدث فى الأسبوع الماضى حين وقف المعتصمون من الأقباط فى ماسبيرو يحتجون على ما حدث فى إمبابة ضد الهجوم، الذى قام به السلفيون والبلطجية هناك، وقد استمر الاعتصام عدة أيام، وفجأة حدث هجوم مفاجئ عليهم بعد منتصف الليل بالخرطوش والمولوتوف والأسلحة البيضاء، فأصيب عدد كبير من المعتصمين، ولم تُعرف بدقة هوية المهاجمين، وقد علمت من أحد المصادر أنهم بلطجية من أعوان النائب السابق فى دائرة بولاق، وهو ضابط شرطة من رجال الحزب الوطنى، وقد رحل عن دنيانا منذ شهور قليلة، ولكن يبقى من الذى حرضهم ومن قام بتمويل هذه العملية العسكرية!! لا أحد يدرى.
وفى هذا الأسبوع حدث شىء مضىء وهو أن منظمة مدنية اسمها «التحرك الإيجابى» بالاشتراك مع منظمات أخرى للمجتمع المدنى قد أقامت حواراً وطنياً بين القوى المدنية من الأحزاب حول تصورها للمستقبل، وكان الحضور هائلاً تعدى ألف مشارك غير المئات الذين لم يستطيعوا الدخول إلى القاعة من الزحام، وقد أدير الحوار بطريقة منظمة وأعتقد أن الحوارات القادمة لابد أن تضم الأحزاب الإسلامية والأحزاب اليسارية حتى يكتمل الحوار المجتمعى بكل أطياف الأحزاب الأساسية المصرية.
مصر الآن فى مفترق الطرق، نحن نريد الشفافية وتطبيقاً للقانون، ونريد قواعد تضع مستقبلاً أفضل، وتضمن تمثيل كل القوى الوطنية فى المشاركة فى صناعة مستقبل مصر. الثورة قام بها الشعب المصرى كله ويجب أن يشارك كل المصريين فى التخطيط لمستقبل الوطن، ومحاولة الالتفاف على ذلك سوف تؤدى إلى استقطاب واضطراب وربما ثورة أخرى، أو استبدال نظام ديكتاتورى بنظام فاشى. نريد للعقلاء جميعاً أن يتحدوا حتى تندفع مصر للأمام.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .