قصة الحضارة - ول ديورانت - م 6 ك 1 ف 11
صفحة رقم : 7953
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير -> البرتغال تستهل الثورة التجارية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الحادي عشر: البرتغال تستهل الثورة التجارية 1300 - 1517
لقد جعلت البرتغال الصغيرة من نفسها في هذا العصر، دولة من أغنى وأقوى دول أوربا، مع انه لم يكن لها من المزايا الطبيعية غير ساحل يطل على البحر ولم تبلغ هذه المكانة إلا بالعزيمة الخالصة والمغامرة الجسور. ولقد أنشئت الملكية فيها عام 1139، فبلغت حكومتها ولغتها وثقافتها مكانة وطيدة في عهد أحب حكامها إليها وهو دينيز "العامل" الإداري والمصلح والبناء والمعلم، وداعي الفنون والمكابد الحاذق للأدب والحب. ولقد نضج ابنه أفونسو الرابع بعد حوادث إعدام وقائية، فأصبح عهده مثمراً، ربطت فيه التجارة النامية مع إنكلترا، في اتحاد سياسي بين الأمتين لا يزال باقياً إلى اليوم. ووجه فونسو ابنه بدرو إلى الزواج من دونا كنستانزا مانويل، توكيداً لمحالفة رشيدة مع قشتالة الآخذة في القوة. فاستجاب الابن وتزوجها، ولكنه استمر على حبه إينيه ده كاسترو، وهي من أصل ملكي. ولما مات كنستانزا، كانت إينيه عقبة في سبيل زواج ديبلوماسي اّخر لبدرو، وأمر أفونسو بها فقتلت (1335) على مضض. ولقد أورد كامبونز، الذي يعد ملتن البرتغالي هذه القصة الغرامية المشهورة في ملحمته القومية، وهي لوزياد:
وهكذا جاءت جماعة القتلة ضد إينيه ...
وأنفذ الوحوش سيوفهم في نهديها الأبيضين ...
وفي سورة غضب صبغوا باللون القرمزي،
ولن يكون هناك انتقام سماوي بعد ذلك مثله.
واحتفظ بدرو بالرغبة في الثأر، حتى إذا ورث العرش بعد عامين من هذا الحادث اقتص من القتلة، ونبش القبر عن جثمان حبيبته وتوجها ملكة، ثم أعاد دفنها بما تستحقه من مراسيم ملكية. وحكم بقسوة غذتها هذه المأساة.
وثمة قصة أقل شأناً حكم خلفه. ذلك أن فرناندو الأول فقد رأسه وقلبه في سبيل ليونورا، زوجة أمير بومبيرو، وفك خطبته لأميرة قشتالية، وتزوج من ليونورا على الرغم من زوجها الذي على قيد الحياة ومن كنيسة قد أهينت. وبعد أن توفي فرناندو (1383)، ادعت انها نائبة الملك، وجعلت ابنتها بياتريز الملكة، وخطبتها إلى جون الأول ملك قشتالة. وثار الشعب لأنه توقع أن يصبح إقطاعاً تابعاً لقشتالة، وأعلن مجلس نواب اجتمع في كوامبرا أن العرش البرتغالي انتخابي واختار دون جُوَا- جون- ابن بدرو من أبيه ملكاً على البرتغال.وأخذت قشتالة على نفسها، أن توطد ملك بياتريز بالقوة، فحشد جون جيشاً، واقترض خمسمائة من حملة السهام من إنجلترا، وهزم القشتاليين في ألجوباروتا، وذلك في الخامس عشر من أغسطس عام 1385- وهو اليوم الذي يحتفل به سنوياً على انه عيد استقلال البرتغال.
وهكذا افتتح جون الكبير حكمه الذي استمر ثماني وأربعين سنة، كما بدأ أسرة- بين افز- التي جلست على العرش قرنين من الزمان. واعترف بالإدارة وأصلح القانون والقضاء، وجعلت اللغة البرتغالية هي اللغة الرسمية، وبدأ أدبها في الظهور. وكان العلماء هنا، كما كانوا في أسبانيا، يستعملون اللغة اللاتينية، حتى القرن الثامن عشر، ولكن فاسكو دا لوبيرا كتب باللغة القومية قصة فروسية، أما ديس دا جولا (1400) التي أصبحت بعد ترجمتها أشيع كتاب غير ديني في أوربا. وعبر الفن القومي عن نفسه مزدهيا في كنيسة سانتا ماريا دا فكتوريا، التي شيدها في باطلها جون الأول، تمجيداً لوقعة ألجوباروتا، وهي تضارع كاتدرائية ميلان في الحجم، وكنيسة نوتردام في باريس، في الفخامة المعقدة للركائز والأبراج. وفي عام 1436 أضيفت كنيسة صغيرة جميلة التصميم والزخرف تستقبل رفات الملك ابن السفاح".
ومجد في بنيه. فخلفه دورات- إدوارد- وأحسن الحكم مثله تقريباً ووحد بدرو القوانين، واستهل- هنريك -"هنري الملاح" الثورة التجارية التي قدر لها تغير خريطة الكرة الأرضية. ولما استولى جون الأول على سبتة من المغاربة (1415) خلف هنري البالغ من العمر إحدى وعشرين سنة حاكماً على هذا المعقل المنيع، وهي عند مضيق جبل طارق تماماً. وفتنته روايات المسلمين عن تمبكتو والسنغال والذهب والعاج والعبيد التي يمكن الحصول عليها على طول الساحل الغربي لأفريقيا، فعزم الشاب الطموح على أن يكتشف تلك الربوع ويضمها إلى البرتغال. فربما قاده نهر السنغال الذي تحدث عنه من اخبروه، صوب الشرق إلى منابع نهر النيل وإلى بلاد الحبشة المسيحية، وبذلك يُفتتح طريق مائي عبر إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر- ومن ثم إلى الهند، ويتحطم الاحتكار التجاري للتجارة مع الشرق، وتصبح البرتغال دولة كبرى. وقد يدخل سكان الإقليم بعد فتحه في المسيحية ويحصر الإسلام في أفريقيا من الشمال ومن الجنوب بدول مسيحية، ويصير البحر الأبيض المتوسط آمناً للملاحة المسيحية. ويبدو أن هنري لم يفكر في طريق يدور حول أفريقيا، ولكن هذا الطريق كان ثمرة جهده.
ولقد أقام حوالي عام 1420 في ساجرس على الرف الجنوبي الشرقي للبرتغال وأوربا، داراً لاستخلاص الأخبار المتعلقة بالمعرفة والمغامرة البحريتين. وجمع ودرس هناك، هو ومعاونوه، وفهم فلكيون ورسامو خرائط من اليهود والمسلمين في مدى أربعين سنة تقارير الملاحين والرحالة، وسيروا إلى البحار المحفوفة بالمخاطر، سفناً خفيفة، مزودة بالأشرعة والمجاديف، ويقوم عليها من ثلاثين إلى ستين رجلاً. وكان أحد قباطنة هنري قد أعاد كشف مادريه (سنة 1418)، التي سبق أن رآها البحارة الجنوبيون قبل ذلك بسبعين سنة ثم عفّا عليها النسيان، ولقد طور وقتذاك المستعمرون البرتغاليون مواردها، وسرعان ما عوضت غله من السكر وغيره من المنتجات، نفقات الاستعمار، وشجعت الحكومة البرتغالية الاستجابة لمطالب هنري إلى المال ولاحظ جزر الآزور على خريطة إيطالية رسمت عام 1351، فأرسل جنزالو كابرال للبحث عنها. وتحقق مراده وبين عامي 1432-44، ضم الجواهر البحرية، الواحدة بعد الأخرى إلى التاج البرتغالي.
بيد أن أفريقيا هي التي استهوته أكثر من غيرها. ولقد أبحر البحارة القطلونيون والبرتغاليون، ما يقرب من تسعمائة ميل على طول الساحل الغربي إلى بوجا دور (1341- 46). ومع ذلك، فإن النتوء الكبير للقارة العظيمة الممتد غرباً في المحيط الأطلسي، قد ثبط همم البحارة في الكشف عن الجنوب، فانسحبوا إلى أوربا متعللين بحكايات عن المواطنين المفزعين، وعن بحر تشتد كثافة الملح فيه إلى حد لا تستطيع معه أن تشقه أي سفينة، وعن دلائل تؤكد أن كل مسيحي يجاوز بوجا دور ينقلب إلى زنجي. ولقد رجع القبطان جيليان إلى سامبرس بأعذار مشابهة عام 1433، فأمره هنري أن يعيد الكرة، وطالبه أن يعود ببيان واضح عن الأراضي والبحار جنوبي الرأس المحرم. وأدى هذا التحريض بجيليان إلى أن يصل إلى مسافة تبعد مائة وخمسين ميلا عن بوجادرو (1435) وأذهله ما رآه من وفرة النبات في المناطق الاستوائية، مناقضاً ما قاله أرسطو وبطليموس، من أن الصحارى هي التي توجد فقط تحت الشمس المحرقة، وبعد ذلك بست سنوات أبحر نونو ترستاو، إلى رأس بلانكو، وعاد إلى موطنه ومعه بعض الزنوج الأشداء، الذين سرعان ما عمدوا واستعبدوا، وشغلهم الأمراء الإقطاعيون في المزارع البرتغالية، وكانت أول نتيجة هامة لجهود هنري، هي افتتاح تجارة الرقيق. وزود الأمير بمعونة مالية جديدة. وأبحرت سفنه لتستكشف وتنصر الأهلين في الظاهر، ولتحصل على الذهب والعاج والعبيد في الواقع.
وعاد القبطان لانزاروت عام 1444 ومعه مائة وخمسة وستون زنجياً، وقد شرعوا في فلاحة أراضي فرقة يسوع المسيح الرهبانية العسكرية. ولقد وصف معاصر برتغالي اقتناص هؤلاء الزنوج بقوله:
كان رجالنا يهتفون، "القديسة ياجو، القديس جورج، البرتغال". ويسقون عليهم فيقتلون أو يخطفون كل من تقع عليه أيديهم. وقد تشاهد هناك أمهات يهربن بأطفالهن، وأزواجاً يفرون بزوجاتهم وكل منهم يبذل- قصاراه للنجاة. يقفز بعضهم في البحر، ويرى بعضهم أن يختبئ في أركان أخصاصهم، وخبأ البعض أطفالهم تحت الشجيرات... حيث كان رجالنا يعثرون عليهم. واللّه الذي يمنح كل إنسان ما يستحق من جزاء وهب رجالنا آخر الأمر في اليوم النصر على أعدائهم، وتعويضا لهم على ما بذلوه من عناء في خدمته أخذوا مائة وخمسة وستين بين رجال ونساء وأطفال، ولم يحسب القتلى في هذا العدد". ولم يأت عام 1448 حتى كان قد أحضر إلى البرتغال نيف وتسعمائة عبد، ويجب أن نضيف أن المسلمين في شمال أفريقيا قد سبقوا المسيحيين في نشر تجارة الرقيق، وكان زعماء الزنوج أنفسهم يبتاعون الرقيق من البرتغاليين في مقابل الذهب والعاج، وكان الإنسان سلعة للوحوش الآدمية المفترسة.
ولقد بلغ دينيز دياز عام 1445 الجبل الخصب الداخل في البحر المعروف بالرأس الأخضر، واكتشف لانزاروت عام 1446 مصب نهر السنغال، وعثر كادا موستو عام 1456 على جزر الرأس الأخضر. وفي هذه السنة مات الأمير هنري، ولكن المغامرة استمرت بالحافز الذي منحها إياه وبالغنم الاقتصادي الذي يمولها. وعبر جواو ده سانتارم خط الاستواء (1471). ووصل دو يوجو كاو إلى نهر الكونغو (1484)، وأخيراً شق بارثلميودياز، بعد نصف قرن من حملة هنري الأولى، طريقه وسط العواصف وإغراق السفن، حتى طاف بأقصى الطرف الجنوبي لأفريقيا (1486). وابتهج عندما وجد أنه يستطيع بذلك الإبحار شرقا، فالهند مستقيمة أمامه، وقد بدت في قبضته تقريبا، ولكن رجاله المتعبين أرغموه على العودة، فندب البحار القاسية التي خلعت قلوب رجاله فأطلق على الطرف الجنوبي لأفريقيا اسم رأس النداب، ولكن الملك جون الثاني، رأى الهند بعد الانحناءة أطلق على الموضع اسم رأس الرجاء الصالح.
ولم يعش دياز أو الملك ليريا تحقق الحلم الذي أثار البرتغال بأسرها وهو طريق مائي كامل إلى الهند، واستشعر الملك عمانويل الغيرة للثروة والتشريف اللذين جلبهما كلمبوس إلى إسبانيا فكلف عام 1497 فاسكودا. جاما أن يبحر حول إفريقيا إلى الهند، ولقد أبحر القبطان البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما، وقد أغمته العواصف أن يتخذ طريقا دائريا ما يقرب من خمسة آلاف ميل وسبعة وثلاثين يوما حتى بلغ رأس الرجاء الصالح، ثم رحل أربعة آلاف وخمسمائة ميل في مائة وثمانية وسبعين يوما أخرى.. تتخللها المخاطر والأهوال حتى بلغ كاليكوت وهي ملتقى رئيسي للتجارة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب في آسيا، وألقى مراسيه هناك في العشرين من مايو عام 1498، أي بعد عشرة أشهر وأثنى عشر يوماً من تركه لشبونة، وما أن هبط إلى البر حتى قبض عليه باعتباره قرصانا ًونجا من الإعدام بأعجوبة. وتغلب بشجاعته النادرة ومنطقه الخلاب على ارتياب الهنود فيه وغيرة المسلمين منه وظفر بالترخيص للبرتغاليين بالتجارة وأخذ معه مقداراً عظيما من الفلفل والزنجبيل والقرفة وجوز الطيب والجواهر وترك كاليكوت في التاسع والعشرين من أغسطس في رحلة شاقة استغرقت سنة عائداً إلى لشونة. وهكذا وجد البرتغاليون آخر الأمر طريقا إلى الهند متحرراً من نقل السلع من سفينة إلى أخرى ومن المكوس المفروضة على الطرق البحرية والبرية في إيطاليا عبر مصر وبلاد العرب وفارس. وكانت النتائج الاقتصادية أكثر حيوية لأوربا مدى قرن كامل من تلك التي نجمت عن اكتشاف أمريكا.
ولم يفكر البرتغاليون إلى عام 1500 في محاولة الإبحار غربا لأنهم اعتزلوا بالوصول إلى الهند الحقيقية، بينما كان الملاحون الإسبان تخبطون في جزر الهند المزعومة بالبحر الكاريبي. بيد أن بدرو كبرال وقع على البرازيل في تلك السنة بعد أن جرفته الرياح من الطريق الذي سلكه إلى الهند عن طريق إفريقيا، وفي هذه السنة أيضاً أعاد جاسبار كورت ريال اكتشاف لبرادور. وفي عام 1503 اكتشف أمريجو فيسبوتشي في ظل العلم البرتغالي ريو بلاتا وباراجواي، وعثر ترستاو داكونها على الجزيرة التي تحمل اسمه في النصف الجنوبي من المحيط الأطلسي. ومع ذلك فقد رأى السياسيون البرتغاليون، البرازيل قليلة الغناء في حين أن كل حمولة تأتي من الهند تملأ خزانة الملك وجيوب التجار والملاحين.
واحتفظت الحكومة البرتغالية بالسيطرة الكاملة على التجارة الجديدة، ما دامت التجارة تحتاج إلى حماية عسكرية صارمة. وكان التجار المسلمون قد وطدوا أقدامهم منذ أمد طويل في المراكز الهندية، وانضم إليهم بعض ذوي النفوذ من الهنود في مقاومة الغزو البرتغالي، واختلطت إذ ذاك التجارة بالحرب والمال بالدم في هذه الثورة التجارية العارمة. وأصبح أفونسوده ألبوكرك أول حاكم على الهند البرتغالية عام 1509 وشن هجوما بعد هجوم على المسلمين والهندوس حتى استولى على عدن وهرمز على الساحل العربي وحصنهما. كما استولى على جوا في الهند وملقة في شبه جزيرة الملايوا، ومن ملقة أحضر إلى بلاده غنيمة مقدارها مليون بندق. وأصبحت البرتغال بفضل تسلحها على هذا النحو سيدة التجارة الأوربية مع الهند وجزر الهند الشرقية مدى مائة وخمسين سنة. ووطد التجار البرتغاليون أقدامهم شرقاً حتى بلغوا مولوكاس (1512) وابتهجوا إذ وجدوا جوز الطيب والتوابل وللقرنفل في جزر التوابل هذه ألذ طعماً وأرخص ثمناً منها في الهند. ولم يقنع البوكرك بما حققه فأبحر ومعه عشرون سفينة إلى البحر الأحمر واقترح على ملك الحبشة المسيحي أن يجمعوا قوتهما ليحفرا قناة من النيل الأعلى إلى البحر الأحمر وبذلك يحولان مجرى النهر ويجعلان مصر الإسلامية بأسرها صحراء قاحلة. وأرغمت المتاعب البوكرك راجعاً إلى جوا حيث مات 1515. وفي العام التالي فتح دوارت جولهو، الصين الكوشينية سيام للتجارة البرتغالية، وفي عام 1517 أنشأ فرناو بيرز ده اندراد علاقات تجارية مع كانتون وبيكين.
وأصبحت الإمبراطورية البرتغالية- وهي أول إمبراطورية استعمارية حديثة- أوسع الإمبراطوريات رقعة في العالم، لا تضارعها إلا الإمبراطورية التي تتكون لأسبانيا في الأمريكتين. وأضحت لشبونة سوقا تجارية نافقة، ترسو في مياهها سفن لآتية من بلاد رومانسية بعيدة. ووجد تجار أوربا الشمالية أن تفشل البندقية وجنوى في الحصول على السلع الآسيوية بأرخص الأسعار. وحزنت إيطاليا على احتكارها المفقود للتجارة الشرقية. وأصيبت النهضة الإيطالية بضربات قاضية على يد كولمبوس وفاسكو دا جاما ولوثر في جيل واحد، فضعف أمرها وذبلت، بينما سبقت البرتغال وأسبانيا، اللتان سيطرتا على البحار المفتوحة في الازدهار الدول التي على المحيط الأطلسي.
وانتعش الأدب والفن بهذا المجد الطريف. وأخذ فرنار لوبس يصف مدى عشرين سنة (1334-54) "تاريخه" الضخم الذي سرد فيه قصة البرتغال تتدفق في السرد وقدرة التشخيص يضارعان ما عند فروسار. واستهل جيل قيسانت الدراما البرتغالية بمسرحيات صغيرة للبلاط وفصول تمثل في الأعياد العامة (1500) وظهرت مدرسة برتغالية في التصوير، اتخذت قدوتها في غلاندرز ولكنها حققت مزاجها ومزاياها الخاصة. وبلغ نوتوجونكالفز شأو مونتانيا وكاد يضارع آل فان ايكس، في مجموعة صورة القاتمة التي رسمها لدير القديس سانت فنسنت. فإن الصور الجدارية بدائية في المنظور والنسق، بيد أن صور الأشخاص الخمسة والخمسين- وأحسنها صورة هنري الملاح- تبرز الشخصية الفردية ببراعة واقعية. وأراد الملك عمانويل المحدود أن يخلد ذكرى رحلة فاسكودا جاما المظفرة، فكلف المعماري جواد القشتالي، أن يشيد بالقرب من لشبونه دير بلم (1500) الفخم على الطراز القوطي المشع. وهكذا دخلت البرتغال في عصرها الذهبي.