قصة الحضارة - ول ديورانت - م 4 المقدمة

صفحة رقم : 4117

قصة الحضارة -> عصر الإيمان -> مقدمة -> مقدمة المترجم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة الترجمة

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الله نبدأ الجزء الأول من المجلد الرابع من مجلدات قصة الحضارة السبعة، وقد صدر منها بعد هذا مجلد خامس في حضارة عصر النهضة. أما هذا المجلد فيروي قصة حضارة العصور الوسطى من قسطنطين إلى دانتي، وهي فترة دامت أكثر من ألف عام. وقد أطلق المؤلف على هذا العهد اسم عصر الإيمان لأنه كان عصر العقيدة الدينية القوية، ولأن فيه أضحت المسيحية دين الدولة الرومانية، وفيه ظهر الدين الإسلامي وانتشر في آسية وأفريقية وأوربا، وبلغت الحضارة الإسلامية فيه ذروة مجدها في الشرق والغرب على السواء. وهذا المجلد الرابع- وإن لم يشمل من الزمن إلا هذه الفترة القصيرة من تاريخ العالم- من أكبر مجلدات هذه القصة؛ فهو في الأصل الإنجليزي يبلغ نحو ألف ومائتي صفحة مقسمة إلى خمس "كتب" سنصدرها باللغة العربية في ستة أجزاء.

وهذه الفترة من أهم الفترات وأبقاها أثراً في تاريخ العالم، وحسبنا أن نعيد ما قلناه من قبل وهو أن فيها ثبتت دعائم المسيحية، وظهر الإسلام، وقام الصراع بين اليهودية والمسيحية. وفيها بدأت أوربا تتشكل، وتحطمت الإمبراطورية الرومانية وظهرت الأمم الأوربية الحديثة، ونشبت الحروب الصليبية، وظهر الإسلام وعم نوره الآفاق، ولاحت تباشير عصر النهضة وسيجد القارئ ذلك كله مفصلاً في هذا الجزء والأجزاء التالية إن شاء الله. ونرى مرة أخرى أن نكرر الشكر للإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية وللجنة التأليف والترجمة والنشر وللقراء الكرام الذين كان إقبالهم على الأجزاء السابقة أكبر مشجع لنا على مواصلة الجهد في ترجمة هذا المجلد الضخم ونرجو ألا يطول انتظارهم لبقية الأجزاء.


مقدمة

إلى القارئ

إن الغرض الذي أبغيه من تأليف هذا الكتاب هو أن أعرض على القارئ قصة حضارة العصور الوسطى من عام 325 م إلى عام 1300 كاملة بقدر ما تتسع لها صفحاته، بعيدة عن الهوى بقدر ما تسمح له الطبيعة البشرية، والطريقة التي اتبعتها في تأليفه هي النظر إلى التاريخ كله على أنه وحدة شاملة يكمل بعضه بعضاً، أي تصوير جميع مظاهر حضارة من الحضارات أو عصر من العصور في صورة جامعة شاملة، وإيراد قصة تلك الحضارة وذلك العصر بهذه الطريقة عينها. ولذلك كان اضطرارنا إلى الإحاطة بجميع النواحي الاقتصادية، والسياسية، والقانونية، والحربية، والأخلاقية، والاجتماعية، والدينية، والتربوية، والعلمية، والطبية، والفلسفية، والدبية، والفنية لأربع حضارات متباينة- البيزنطية، والإسلامية، واليهودية، والأوربية الغربية، مما جعل وحدة المنهج والإيجاز من اشق الأمور. فأما من حيث الوحدة فإن التقاء الحضارات الأربع واصطراعها أيام الحروب الصليبية قد خلع على هذا المنهج شيئاً منها، وأما الإيجاز ففي وسع القارئ المتعب، الذي يرهقه طول الكتاب، أن يجد شيئاً من العزاء إذا علم أن المخطوط في صورته الأصلية كان يزيد على هذا النص الذي بين يديه بقدر نصف طوله . ذلك أننا لم نبق من المخطوط الأصلي إلا ما كان في رأينا لا غنى عنه لفهم تلك الفترة من تاريخ العالم على الوجه الصحيح، أو لجعل القصة حية واضحة زاهية.

على أن في وسع القارئ غير المتخصص أن يمر ببعض الفقرات العويصة دون أن يقف عندها طويلاً، ولن يخل هذا بسياق القصة أو يشوه الصورة. وهذا المجلد هو القسم الرابع من قصة الحضارة التي ستكون بعد تمامها مؤلفة من ستة أقسام : القسم الأول هو "تراث الشرق" (1935)، وقد أحطنا فيه بتاريخ مصر والشرق الأدنى من أقدم العهود إلى أن فتحهما الإسكندر حوالي 330 ق.م، وبتاريخ الهند والصين واليابان إلى الوقت الحاضر؛ والقسم الثاني "حياة اليونان" (1939)، يروي تاريخ اليونان والشرق الأدنى ويصف حضارتهما إلى أن فتح الرومان بلاد اليونان في عام 146 ق.م؛ والقسم الثالث "قيصر والمسيح" (1944) يروي تاريخي روما والمسيحية من بدايتهما، وتاريخ الشرق الأدنى من عام 146 ق.م، إلى مجمع نيقية الذي عقد في عام 325 م. ويواصل هذا الكتاب دراسة حياة الرجل الأبيض حتى موت دانتي في عام 1321. ويشمل القسم الخامس "النهضة والإصلاح" تاريخ الفترة الواقعة بين 1321، 1648 ونعتزم إصداره في عام 1955؛ وأما الجزء السادس "عصر العقل" الذي يصل بالقصة إلى الوقت الحاضر، فيصدر بمشيئة الله في عام 1960 وفي هذا الوقت يكون المؤلف قد قرب من الشيخوخة قرباً يضطره إلى أن يتخلى عن ميزة تطبيق الطريقة الجامعة التي سار عليها في الأقسام الستة على الأمريكتين.

والخطة التي اتبعناها في هذه الأقسام الستة هي أن يكون كل منها وحدة مستقلة بذاتها، ولكن القراء الذين درسوا "القيصر والمسيح" سيجدون أن من السهل عليهم أكثر من غيرهم أن يمسكوا بخيوط القصة التي نرويها في هذا الكتاب. وسيضطرنا تاريخ الحوادث وتسلسلها إلى أن نبدأه بأقل ما يعني به الناس عادةً من نواحي حضارة العصور الوسطى الرباعية وهو الحضارتان البيزنطية والإسلامية؛ وسيدهش القارئ المسيحي من كثرة الصحف التي اختصصنا بها الثقافة الإسلامية كما أن العالم الذي درس حضارة الإسلام سيأسف أشد الأسف للحيز الضيق الذي خصصنا به حضارة المسلمين الزاهرة في العصور الوسطى ولاضطرارنا إلى اختصار تاريخها هذا الاختصار الشديد. ولقد بذلنا جهدنا على الدوام في أن نكون بعيدين عن الهوى والتحيز، وأن ننظر إلى كل دين وكل ثقافة كما ينظر إليهما أهلهما؛ ولكنا مع هذا لا ندعي العصمة من الهوى، ولا ننكر انه قد بقي في قصتنا شيء من التحيز في اختيار مادة الكتاب وفي توزيع صحفه على موضوعاته المختلفة إن لم يكن في غير هاتين الناحيتين. ذلك أن العقل كالجسم سجين في جلده لا يستطيع الفكاك منه. ولقد أعدنا كتابة المخطوط ثلاث مرات، وكنا في كل مرة نكشف فيه عن أخطاء جديدة، وما من شك أنه ما يزال به كثير منها، غير أننا قد ضحينا بتحسين الجزء بغية إكمال الكل، وإنا لنرحب بكل ما يبلغ إلينا من هذه الأخطاء. ولقد كان من الواجب أن نهدي هذا الكتاب إلى زوجتي كما أهديت إليها الكتب السابقة، فلقد ظلت سبعة وثلاثين عاماً تحبوني في صبر جميل بقدر من تسامحها، وحمايتها، وإرشادها، وإلهامها لا تفي به هذه المجلدات جميعها. ولكنها هي التي أشارت عليَّ بأن أهدي هذا الكتاب إلى ابنتنا، وإلى زوجها، وإلى حفيدنا.

ول ديورانت

في الثاني والعشرين من نوفمبر سنة 1949