قصة الحضارة - ول ديورانت - م 10 - الختام

من معرفة المصادر

صفحة رقم : 14532



قصة الحضارة -> روسو والثورة -> الختام


الختام


وهكذا نختتم في هذين المجلدين الأخيرين مسحنا للقرن الذي مازالت صراعاته وإنجازاته فعالة اليوم في حياة البشر. لقد رأينا الثورة الصناعية تبدأ بذلك السيل المتدفق من المخترعات التي قد تحقق-قبل أن نصل إلى الألف الثاني للميلاد-حلم أرسطو بالآلات التي تحرر البشر من كل عناء يدوي. ولقد سجلنا المراحل التي خطتها علوم كثيرة صوب فهم أفضل للطبيعة وتطبيق أجدى لقوانينها. ولقد رحبنا بانتقال الفلسفية من الميتافيزيقا العقيمة إلى اجتهادات العقل في شئون البشر الدنيوية. ولقد تتبعنا باهتمام حي محاولة تحرير الدين من الشعوذة والتعصب وعدم التسامح، وتنظيم الأخلاقية



 صفحة رقم : 14533   



قصة الحضارة -> روسو والثورة -> الختام


دون الاستعانة بالثواب والعقاب السماويين؛ ولقد علمتنا جهود الساسة والفلاسفة أن نقيم حكومة عادلة قادرة، وأن نوفق بين الديموقراطية وبين بساطة البشر وعدم مساواتهم الطبيعية. ولقد استمتعنا بمختلف إبداعات الجمال في الباروك، والفن الكلاسيكي المحدث، وانتصارات الموسيقى في باخ، وهندل، وفيفالدي وفي جلوك، وهيدن، وموتسارت. ولقد شهدنا ازدهار الأدب في ألمانيا على يد شيلر وجوته، وفي إنجلترا على يد فحول الروائيين وأعظم المؤرخين، وفي إسكتلندة على يد بوزويل وبيرنز، وفي السويد بتفجر الأغنية في عهد جوستاف الثالث؛ وفي فرنسا ترددنا بين فولتير منافحاً عن العقل والذكاء وبين روسو مدافعاً بالدموع عن حقوق الوجدان. ولقد سمنا التصفيق الذي عاش عليه جاريك وكليرون، وأعجبنا بسلسلة من النساء الفاتنات في صالونات فرنسا وإنجلترا، وبملك النساء المتألق في النمسا وروسيا. ثم راقبنا الملوك الفلاسفة. وقد يبدو من السخف أن ننهي قصتنا في اللحظة التي أوشك الكثير جداً من الأحداث على بث الحياة ونفخ الروح في هذه الصفحات.وما كان أسعدنا لو أتيح لنا الزحف خلال ضجيج الثورة وعجيجها، ثم فحصنا ذلك التفجير البركاني للطاقة المعروف بنابليون، واستمتعنا أيما استمتاع بثروة القرن التاسع عشر في الأدب، والعلم، والفلسفة، والموسيقى، والفن، والتكنولوجيا، والحكم. وكان يبهجنا أكثر لو عدنا إلى وطننا أمريكا، جنوبها وشمالها، وحاولنا أن ننسج قطعة النسيج المعقدة، ونسيج الحياة والتاريخ الأمريكيين في صورة واحدة متماسكة متحركة. بيد أنه لا بد لنا أن نروض أنفسنا على تقبل فكرة الفناء، وأن نترك لعقول أنضر القيام بمهمة ومغامرة، هما إضافة تجارب في التأليف والتركيب إلى البحوث الأساسية التي قام بها الأخصائيون التاريخيون والعلميون. لقد أتممنا على قدر استطاعتنا قصة الحضارة هذه، ومع أننا كرسنا معظم حياتنا لهذا العمل، فإننا عليمان بأن عمر الإنسان أن هو إلا لحظة قصيرة في التاريخ، وبأن خير ما يقدمه المؤرخ من عمل سرعان ما يكتسح حين



 صفحة رقم : 14534   



قصة الحضارة -> روسو والثورة -> الختام


يطمو نهر المعرفة ويتعاظم. غير أننا ونحن نتابع دراستنا من قرن إلى قرن، ازددنا يقناً بأن كتابة التاريخ الرسمي قد أسرف في تجزئتها أبواباً وفروعاً، وأنه ينبغي لبعضنا أن يحاول كتابة التاريخ كلاً، كما كان يعاش، في جميع وجوه الدراما المعقدة الموصولة. لقد انقضت الآن أربعون عاماً من المشاركة السعيدة في ملاحقة التاريخ. وكنا نحلم باليوم الذي نكتب فيه آخر كلمة في آخر مجلد. والآن وقد أقبل هذا اليوم فإننا سنفتقد الهدف الممتع الذي أضفى على حياتنا معنى واتجاهاً. وإننا لشاكر للقارئ الذي صاحبنا هذه لسنين الكثيرة بعض الرحلة الطويلة أو كلها. لقد كنا على الدوام واعين بحضوره. والآن نستأذنه في الرحيل ونقرئه تحية الوداع.