قصة الحضارة - ول ديورانت - م 10 ك 7 ف 38
صفحة رقم : 14488
قصة الحضارة -> روسو والثورة -> انهيار فرنسا الإقطاعية -> الانهيار السياسي -> القلادة الماسية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل الثامن والثلاثون: الانهيار السياسي 1783- 1789 =
القلادة الماسية 1785
في يونيو 1783 عاد أكسل فون فرسن إلى فرنسيا بعد أن أبلى بلاء حسناً في الدفاع عن أمريكا وكسب الفخار في يوركتون، فوجد ماري أنطوانيت في روعة حسنها الذي تركها عليه قبل ثلاث سنين. وحتى في 1787، حين كانت في الثانية والثلاثين، وجدها آرثر ينج "أجمل امرأة" رآها في البلاط ذلك اليوم(1). ولم تتردد في تأييد طلب جوستاف الثالث إلى لويس السادس عشر أن يعين فرسن الوسيم كولونيلاً للفوج السويدي الملكي في الجيش الفرنسي- مما سيتيح له قضاء وقت غير قصير في فرساي. واعترف أكسيل لأخته صوفي بأنه يحب الملكة، وأنه يتعقد أن حبه يلقى استجابة منها. وما من شك في أنها كانت تحس الود الحار نحوه، وقد تبادلا الرسائل الرقيقة بعد ثمانية أعوام عقب المحاولة الباسلة التي بذلها لتهريبها هي والملك من فرنسا، غير لأن دعوتها لصوفي أن تأتي وتعيش بقربه توحي بعزمها على أن تحتفظ بشعورها نحوه في نطاق الحدود اللائقة(2). ولم يكد يؤمن ببراءتها أحد في البلاط غير زوجها. وأكدت علاقتها الآثمة أغنية ذاعت بين عامة الشعب تقول:
إن شئت أن تعرف
ديوثاً، وابن زنا، وامرأة فاجرة،
فانظر إلى الملك، والملكة.
والأمير ولي العهد(3).
ولقد لخص لوي- فيلب د سيجور الأمر في هذه العبارة: "لقد فقدت سمعتها ولكنها صانت فضيلتها"(4). وفي 25 مارس 1785 ولدت ماري أنطوانيت ابناً ثانياً سمي لوي- شارل. وسر الملك سروراً عظيماً فوهبها قصر سان- كلو الذي كان قد اشتراه من الدوق أورليان بستة ملايين من الجنيهات. وأدان البلاط غلو تقديره للملكة، ولقبتها باريس على سبيل التهكم (السيدة العجز)(5). وقد استخدمت نفوذها على زوجها لتوجيه تعيينه للوزراء والسفراء وغيرهم من كبار القوم وحاولت دون جدوى أن تغير من كراهيته للتحالف مع النمسا، وزادت جهودها هذه من كره الشعب لها.
وفي هذا الجو من عداء الشعب لـ "النمساوية" L, Autrichienne كما كانوا يلقبونها نستطيع أن نفهم تصديق الناس لقصة القلادة الماسية. وكانت هذه القلادة ذاتها أمراً لا يصدق، فهي خيط من 647 ماسة قيل أنها تزن 2.800 قيراط(6) وكان اثنان من جواهرية البلاط هما شارل بومر وبول باسانج- قد اشتريا ماساً من نصف العالم ليصنعا قلادة لمدام دوباري، واثقين من أن لويس الخامس عشر سيبتاعها لها. ولكن لويس الخامس عشر مات، فمن تراه يشتري الآن حلية باهظة الثمن كهذه؟ وعرضها الجوهريان على ماري أنطوانيت لقاء 1.600.000 جنيه، فرفضتها لغلوها الشديد(7) وهنا تصدر الصورة الكاردينال برنس لوي- ريينه- إدوارد دروهان.
وكان الكاردينال ثمر ناضجة لأسرة من أعرق الأسر الفرنسية وأغناها، قيل أن دخله بلغ 1.200.000 جنيه في لعام. رسم قسيساً في 1760، وعين مساعداً لعمه رئيس أساقفة ستراسبورج، وبصفته هذه رحب رسمياً بماري أنطوانيت أول مرة دخلت فيها فرنسا (1770). فلما وجد ستراسبورج ميداناً يضيق به الطموح، عاش أكثر وقته في باريس، حيث أنضم إلى الحزب المناوئ للنمسا والملكة. وفي 1771أوفده لويس السادس عشر إلى فيينا مبعوثاً خاصاً لاستطلاع المناورات النمساوية لتقسيم بولندا. واغتاظت ماريا تريزا ممن الولائم الباذخة التي كان يولمها ومن بثه الشائعات الفاضحة عن ولي العهد الجديد. واستدعاه لويس السادس عشر إلى باريس، ولكن الأقارب الأقوياء أقنعوا الملك بأن يعينه كبير المتصرفين في المبرات الملكي (1777). وبعد عام رقي القس المرح الوسيم إلى رتبة الكاردينالية، وفي 1779 أصبح رئيساً لأساقفة ستراسبورج وهناك التقى بكاليوسترو فوقع تحت تأثير سحر المشعوذ وانطلت عليه دعاواه. وإذ كان روهان قد ارتفع إلى هذا المقام العالي بهذه السرعة الكبيرة، فقد خيل إليه أن في وسعه الطموح إلى تقلد منصب كبير وزراء لويس السادس عشر، شريطة أن يكفر عن سنوات معارضته للملكة. وكان من أسباب لهوه في باريس مدام دلاموت- قالوا، المرأة الجذابة الذكية. وكانت جان دسان- ريمي دفالوا هذه تدعي أنها تحدرت من هنري الثامن ملك فرنسا وإحدى خليلاته. ولكن أسرتها فقدت ثروتها، فاضطرت جان إلى الاستجداء في الشوارع. وفي 1775 أكدت الحكومة نسبها الملكي، ومنحتها معاشاً قدره ثمانمائة فرنك. وفي 1780 تزوجت أنطوان دلاموت، وكان ضابطاً في الجيش يهوى الدس والتآمر، خدعها في أمر دخله، فكان زواجهما على حد قولها رباطاً بين القحط والمجاعة(8). وقد انتحل لقب كونت، فأصبحت جان مونتيسة دلاموت، وبهذه الصفة راحت ترف حول باريس وفراساي، وتغزو قلوب الرجال بما سمته "مظهر العافية والشباب (الذي سميه الرجال التألق)، وبشخصية غاية في الحيوية والمرح"(9). فلما أصبحت خليلة للكاردينال (1784)(10)، ادعت أن لها صلات وثيقة جداً في البلاط، وعرضت أن تنال له موافقة الملكة على أهدافه. فكلفت ريتو دفيليت تقليد خط جلالته، وجاءت الكردينال برسائل حب زعمت أنها من ماري أنطوانيت، وأخيراً وعدت بأن ترتب له لقاء مع الملكة. ثم دربت مومساً تدعى "البارونة" أوليفيا على انتحال شخصية الملكة، وفي "بستان فينوس" بفرساي، في جوف الليل البهيم، التقى الكاردينال فترة قصيرة بهذه المرأة، وحسبها أنطوانيت، ولثم قدمها، وتلقى منها وردة عربوناً للتصالح (أغسطس 1784)، أو هكذا تروي "الكونتيسة"(11).
ثم غامرت مدام دلاموت الآن بخطة أكثر جرأة لو نجحت لوضعت حداً لفقرها. ذلك أنها زورت خطاباً من الملكة يخول لروهان شراء القلادة باسمها، وقدم الكردينال الخطاب إلى بومر، فسلمه هذا الجوهر (14 يناير 1785) بعد تعهد كتابي منه بدفع 1.600.000 فرنك منجمة. وأخذ روهان الماسات إلى الكونتيسة، وبناء على طلبها إلى ممثل مزعوم للملكة. أما تاريخ الماسات بعد ذلك فغير مؤكد، ويبدو أن الكونت دلاموت أخذها إلى إنجلترا وباعها قطعة قطعة(12).
أوارسل بومر فاتورة بالقلادة إلى الملكة فردت بأنها لم تطلبها قط وأنها لم تكتب قط الخطاب الذي يحمل اسمها. فلما وافى القسط الأول (30 يوليو 1785) ولم يعرض روهان غير ثلاثين ألف فرنك من المبلغ المستحق وقدره 400.000 عرض بومر الأمر على البارون دبروتوي وزير البيت الملكي. فأنبأ بروتوي به الملك. فاستدعى لويس الكردينال ودعاه لتفسير تصرفاته، فأراه روهان بعض خطابات زعم أنها من الملكة. وفطن الملك للتو إلى أنها مزورة وقال "ليس هذا خط الملكة، والتوقيع ليس له حتى الشكل المميز"(13)، واشتبه في أن روهان وغيره من الحزب المناوئ لزوجته قد بيتوا هذه المؤامرة لتشويه سمعتها. فأمر بزج الكردينال في الباستيل (15 أغسطس) وطلب إلى الشرطة البحث عن مدام دلاموت وكانت قد هربت إلى المخبأ تلو المخبأ، ولكن أمكن القبض عليها، فزجت هي أيضاً في الباستيل. كذلك قبض على "البارونة" أوليفيا، وريتو دفيليت، وكاليوسترو، الذي اشتبه خطأ في أنه مدبر المؤامرة، مع أنه في الواقع فعل قصاراه ليثبطها(14).
وأعتقد لويس أنه لا بد من محاكمة علنية لإقناع الشعب ببراءة الملكة، فعرض القضية على أعدائه، وهم برلمان باريس. وكانت المحاكمة أشد قضايا القرن في فرسنا إثارة لاهتمام الرأي العام، كما أصبحت قضية وارن هيستنجز في إنجلترا بعدها بثلاث سنين. وصدر حكم البرلمان في 31 مايو 1786. فأعلنت براءة الكردينال روهان، باعتباره مخدوعاً أكثر منه خادعاً، ولكن الملك حرمه مناصبه الرسمية ونفاه إلى دير لاشيز- ديو. وحكم على اثنين من الشركاء في الجريمة بالسجن، وبرئت ساحة كاليوسترو. أما مدام دلاموت فقد جردت من ملابسها علانية وضربت بالسوط في "الكوردمي" أمام قصر العدالة، ورسمت بحرف V (اختصاراً لكلمة Voleur أي اللصة) وحكم عليها بالسجن مدى الحياة في سجن سالبتريير، وهو سجن النساء سيئي السمعة. وبعد أن قضت عاماً في هذا المحبس الذي يورث الجنون فرت، ولحقت بزوجها في لندن، وكتبت ترجمة لحياتها شرحت فيها كل شيء، ثم ماتت في 1791.
واغتبط النبلاء وجماهير الباريسيين بتبرئة ساحة الكردينال وانتقدوا الملكة لإيصالها الأمر إلى محاكمة علنية، وكان الشعور العام أن شرهها المعروف للجواهر هو عذر الكردينال في تصديق الرسائل المزورة. وغالت الشائعات والأقاويل إلى حد اتهماها بمخللة روهان(15)، مع أنها لم تكن رأته خلال السنوات العشر السابقة للقبض عليه. ومرة أخرى صانت الملكة عرضها ولحق الأذى بسمعتها. قال نابليون "إن موت الملكة يجب أن يؤرخ من محاكمة القلادة الماسية"(16).
كالون 1783-1787
في 10 نوفمبر 1783 عين الملك شارل-ألكسندر دكالون مراقباً عاماً للمالية. وكان كالون قد أصاب نجاحاً في منصب الناظر الملكي بمتز وليل، واشتهر بآدابه الساحرة، وروحه المرحة، وبراعته في أمور المال-رغم أنه هو ذات كان غارقاً في الدين شأنه شأن الحكومة التي دعي لإنقاذها(17). ولم يجد غير 360.000 فرنك في الخزانة، مع دين قصير الأجل قدره 646.000.000، يزيد خمسين مليوناً من الفرنكات كل سنة. وقد رفض كما رفض نكير من قبل فرض المزيد من الضرائب مخافة أن يثير الأمر التمرد ويضعف الاقتصاد، وبدلاً من الضرائب قرر عمل يانصيب بعد المفاوضة، جاء بمائة مليون من الجنيهات. ثم لجأ إلى الأكليروس وظفر منهم بمنحة قدرها ثمانية عشر مليوناً من الجنيهات بعد أن تعهد بمصادرة الطبعة التي أصدرها بومارشيه من أعمال فولتير. ثم أعاد سك العملة الذهبية فربح للخزانة بذلك خمسين مليوناً. واقترض 125.000.000 من المصرفيين. وحداه الأمل في حفز التجارة إلى تخصيص مبالغ كبيرة للمشروعات الصحية العامة في المدن ولتحسين الطرق والترع والثغور، واستفادت موانئ الهافر ودنكرك ودييب ولاووشيل، وبدأت الأرصفة الكبرى في شربورج. وعملاً بالنظرية التي تزعم أنه لا بد للحكومة من أن تتخذ لها دائماً واجهة من الثراء، وخصص الاعتمادات دون تردد للحاشية، ولم تسأل أسئلة حول نفقات أخوة الملك أو الملكة. أما الملك نفسه، فإنه برغم نواياه الطيبة سمح بزيادة نفقات بيته من 4.600.000 جنيه في 1775 إلى 6.300.000 في 1787(18). وكان كالون كلما يقترض كلما زاد إنفاقه، وكلما اقترض ازدادت الفائدة التي يتعين دفعها على الدين. وفي أغسطس 1786 اعترف للملك المذهول أن كل الوسائل قد استفدت، وأن الدين القومي والعجز السنوي زادا زيادة لن يسبق لها نظير، وانه لا نجاة للحكومة من الخراب المالي إلا بتوسيع الضرائب لتشمل النبلاء الأكليروس. وكان كالون عليماً بأن برلمان باريس الذي كان آنئذ مرتبطاً بنبلاء السيف في حلف سافر سيقاوم هذا الاقتراح، ومن ثم اقترح أن يدعى لفيف من الرجال البارزين يختارهم بمعرفته من الطبقات الثلاث كلها في جميع أنحاء فرنسا إلى فرساي للتشاور إنقاذاً لمالية الدول، فوافق الملك. والتأم شمل "مجلس الأعيان" وفي 22 فبراير 1787، وكان يضم 46 نبيلاً، و11 كنسياً، و12 عضواً من مجلس الملك، و38 قاضياً، و12 نائباً من "أقطار الدولة" (وهي أقاليم تتمتع بامتيازات خاصة)، و25 موظفاً بلدياً، وجملتهم 144. ووجه كالون إليهم الخطاب بصراحة تنطوي على الشجاعة، وأفاض في الحديث عن المساوئ التي لا بد من القضاء عليها أياً كان رسوخها في الزمن والميول المغرضة، لأنها "ثقيلة الوطأة على أكثر الطبقات إنتاجاً وكداً". وأدان عدم المساواة العام في منح الإعانات المالية، و" عدم التناسب الهائل في النصيب الذي تسهم به مختلف الأقاليم والرعايا الذين يدينون ي بالتبعية لملك واحد"(19). ثم عرض اقتراحات أكثر راديكالية من اقتراحات طورجو، وقدمها على أن الملك قد وافق عليها، ولو أنها نفذت لربما تفادت الثورة، وقبل الأعيان بعضها مما تحدر من عهد طورجو كخفض ضريبة الملح، وإلغاء المكوس على التجارة الداخلية، وإعادة حرية الاتجار في الغلال وإنشاء المجالس الإقليمية، وإنهاء السخرة، أما طلبه فرفض ضريبة جديدة وعامة على الأرض فقد رفض، وكانت حجة الأعضاء الأشراف والأكليروس لأن "إعانة الأرض" تقتضي مسحاً لجميع الأرض، وإحصاء لكل ملاك الأرض، في فرنسا؛ وهذا يستغرق سنة، ولن يكون له أثر في الأزمة الراهنة.
ولجأ كالون إلى الشعب بنشر خطبه، ولم يستطب النبلاء ولا الأكليروس هذا الالتجاء للرأي العام. ورد المجلس بأن طالب كالون بتقديم حساب كامل عن الإيرادات والمصروفات أثناء وزارته. فرفض الامتثال للطلب، لأنه عرف أن الكشف عن وسائله ونفقاته سيكون فيه القضاء عليه. وأصر المجلس على أن الحاجة إلى القصد في النفقات أمس منها إلى تعديل هيكل الضرائب، ثم تشكك في سلطته في وضع نظام جديد للضرائب، فمثل هذه السلطة لا يملكها إلا مجلس طبقات الأمة (Etats Généraux وهو مؤتمر قومي من نواب تختارهم الطبقات الثلاث états) ولم يدع مجلس كهذا منذ عام 1714.
ووافق أحد الأعيان، وهو لافاييت، على معظم مقترحات كالون، ولكنه كان عديم الثقة بالرجل-فاتهمه ببيع بعض الأراضي الملكية دون علم الملك، وتحداه كالون أن يثبت التهمة، فأثبتها(20). وكان لويس السادس عشر قد ساءه التجاء كالون للشعب متخطياً بذلك رجال الحكومة، فأدرك الآن بعد أن تكشفت له الأمور تباعاً أن كالون قد غشه في حالة الخزينة، ووضح له أنه لن يستطيع الحصول على أي تعاون ما دام كالون مراقباً للمالية. فلما طلب كالون إقالة ناقدة البارون دبرتوي الذي كان صديقاً شخصياً لماري أنطوانيت، أشارت على الملك بأن يقبل كالون بدلاً منه. فاتبع النصيحة بعد أن أرهقته هذه الضجة الشديدة (8 أبريل 1787). أما كالون فقد هرب سراً إلى إنجلترا بعد أن علم بأن برلمان باريس يخطط للتحقيق في إدانته وفحص شئونه الخاصة.وفي 23 أبريل حاول لويس تهدئة الأعيان بالوعد بالوفر الحكومي ونشر مالية الدولة. وفي أول مايو، وبناء على نصيحة الملكة أيضاً، عين أحد الأعيان رئيساً لمجلس فرنسا.
لوميني دبريين 1787-1788
كان رئيساً لأساقفة تولوز، ولكنه كان حر الفكر حرية اشتهر بها حتى أن جماعة الفلاسفة رحبوا بتقلده السلطة. وقبل ست سنوات، حين زكى ليخلف كرستوف دبومون رئيساً لأساقفة العاصمة، اعترض لويس السادس عشر قائلاً "يجب على الأقل أن يكون لنا رئيس أساقفة لباريس مؤمن بالله"(21). وكان من أعظم ضرباته الموفقة وهو وزير للمالية أنه حصل على نقله لرآسة أساقفة سانس، وهو منصب أغنى كثيراً من منصب رئيس أساقفة تولوز. وقد أقنع الأعيان بالموافقة على خطته الرامية إلى جمع ثمانين مليوناً من الفرنكات، ولكن حين طلب إليهم الموافقة على ضريبة الأرض الجديدة عادوا يعتذرون بأنهم لا يملكون سلطة هذه الموافقة. فلما رأى لويس أن الأعيان لن يزيدوا على ذلك أقاله في لطف (25 مايو 1787). وقد حاول بريين تحقيق الوفور بطلبه الخفض في نفقات كل مصلحة حكومية، فقاومه رؤساء المصالح، ولم يؤيد الملك وزيره. وخفض لويس نفقات بيته بمليون فرنك، وارتضت الملكة خفضاً كهذا (11 أغسطس) وقد أوتي بريين من الشجاعة ما جعله يرفض المطالب التي طالب بها البلاط، وأصدقاء الملكة، وأخ الملك. ومما يشرفه أنه استصدر من البرلمان الكاره (يناير 1788) وفي وجه مقاومة معظم زملائه الأساقفة المرسوم الملكي الذي بسط مظلة الحقوق المدنية على البروتستانت.
وكان من السوء طالعه أنه تقلد السلطة في فترة انتشر فيها انكماش اقتصادي استمر حتى الثورة، نتيجة لنقصان المحاصيل مراراً ولمنافسة الواردات البريطانية. وفي أغسطس 1787 تصايحت جماهير المشاغبين الجائعة في باريس بالنداءات الثورية وأحرقت الدمى التي مثلت بعض الوزراء. وكتب آرثر ينج في 13 أكتوبر يقول "يبدو أن الناس جميعاً يشعرون بأن الأساقفة لن يقوى على تخليص الدولة من عبء موقفها الراهن،... وأن شيئاً خارقاً للعادة سيقع، وأن إشهار الدولة لإفلاسها فكرة ليست بعيدة الذيوع إطلاقا"(2)ثم أضاف في اليوم السابع عشر "إن رأياً واحداً غلب على الجماعة كلها،وهو أنهم على شفا ثورة عظيمة في الحكومة... وغليان شديد في جميع صفوف الناس، الذين يتوقون إلى تغيير ما،... وخميرة قوية من الحرية، تكبر كل ساعة منذ الثورة الأمريكية"(23).
وكانت الإصلاحات التي دعا كالون وبريين، وقبلها الملك، تنتظر تسجيل البرلمانات لها وإقرارها قانوناً للدولة، أبا برلمان باريس فقد وافق على إطلاق حرية تجارة الغلال وتحويل السخرة إلى مبلغ نقدي، ولكنه رفض التصديق على ضريبة دمغة. وفي 19 يوليو 1787 أرسل إلى لويس السادس عشر تصريحاً بأن "الأمة، ممثلة في مجلس الطبقات، هي وحدها صاحبة الحق في أن تمنح الملك الموارد التي قد تبين أنه لا غنى عنها"(24). ووافقت جماهير باريس على هذا الحكم، وفاتها أن مجلس الطبقات،كما هو معلوم إلى ذلك الحين في التاريخ الفرنسي، ليس إلا مؤسسة إقطاعية شديدة الانحياز إلى الطبقات المميزة. أما نبلاء السيف، الذين لم تغيب عنهم هذه الحقيقة، فقد وافقوا على التصريح، ومنذ ذلك الحين انضموا إلى البرلمان ونبلاء الرداء في هذا "التمرد النبيل" الذي مهد للثورة. وأما لويس فقد تردد في دعوة مجلس الطبقات أن ينهي المجلس استبدادية الملكية البوربونية بتأكيده للسلطات التشريعية.
وفي أغسطس 1787 قدم البرلمان مرسوماً بضريبة على جميع الأراضي في جميع الطبقات. فرفض البرلمان تسجيلها. فدعا لويس الأعضاء إلى مجلس قضائي أعلى "سرير عدالة" في فرساي، وأمرهم بالتسجيل، فلما عاد الأعضاء إلى باريس أعلنوا أن التسجيل باطل، وعادوا يطالبون بعقد مجلس الطبقات. فنفاهم الملك إلى ترويه (14 أغسطس) وثارت البرلمانات الإقليمية احتجاجاً، واندلعت حوادث الشغب في باريس، وأذعن بريين والملك، فاستدعى البرلمان (24 سبتمبر) وسط مظاهر ابتهاج الشعب.
ثم جدد الصراع حين رفض البرلمان التصديق على اقتراح بريين جمع قرض قدره 120.000.000 جنيه.ودعا الملك لعقد "جلسة ملكية" للبرلمان (11 نوفمبر 1787) قدم فيها وزراءه الحجج المؤيدة لتسجيل القانون. ولكن البرلمان أصر على الرفض، وصاح الدوق ورليان "مولاي، هذا غير قانوني!" وأجاب لويس في نوبة غضب طائشة على غير العادة "هذا لا يغير من الأمر شيئاً! أنه قانوني لأنني أريده"-وهكذا أكد مبدأ الحكم الاستبدادي في غير مواربة. ثم أمر بتسجيل المرسوم، فسجل، ولكنه ما أن غادر القاعة حتى ألغى البرلمان التسجيل. فلما سمع لويس بهذا نفى الدوق أورليان إلى فيلليه كوتريه، وزج باثنين من أعضاء البرلمان في الباستيل (20 نوفمبر). واحتجاجاً على هذين الأمرين وغيرهما من أوامر القبض دون محاكمة، بعث البرلمان إلى الملك (1 مارس 1788) "اعتراضات" اشتملت كلاماً سر النبلاء والعامة على السواء: "أن القوانين التعسفية تنتهك الحقوق التي لا يمكن انتزاعها... أن الملوك يحكمون إما بالقهر أو بالقانون... ولأمة تطلب من جلالته أعظم خير يمكن لأي ملك أن يعطيه لرعاياه-وهو الحرية"(25).
ورأت الوزارة أن تهدئ ثائرة البرلمان بالإذعان لما طالب بع من نشر بيان بإيرادات الحكومة ومصروفاتها. فزاد هذا النشر الطين بله لأنه كشف عن عجز مقداره 160.000.000 جنيه. ورفض المصرفيون أن يقرضوا الدولة مزيداً من المال ما لم يصدق البرلمان على القرض، وأقسم البرلمان أنه لن يفعل. وفي 3 مايو 1788 أصدر "إعلاناً للحقوق" ذكر لويس السادس عشر وزراءه بأن فرنسا "ملكية يحكمها ملك، طبقاً للقوانين"، وأن على البرلمان ألا يتخطى عن حقه القديم في تسجيل المراسيم الملكية قبل أن تصبح قوانين. ثم عاود المطالبة بعقد مجلس الطبقات. وأمر الوزراء باعتقال عضوين من زعماء البرلمان هما دبمرنيل وجوابلار (4 مايو)، وتم هذا وسط فوضى واضطراب في القاعة واحتجاجات غاضبة في الشوارع. وفي 8 مايو أعلن بريين عزم الحكومة على إنشاء محاكم جديدة، ترأسها "محكمة مطلقة السلطة" يكون لها وحدها منذ الآن سلطة تسجيل المراسيم الملكية، أما البرلمانات فتقصر سلطتها على أداء الوظائف القضائية البحتة، ثم يصلح هيكل القانون الفرنسي بجملته. ومنح برلمان باريس أثناء ذلك "أجازة"-أي أنه من الناحية الفعلية أوقف عمله. وعليه لجأ البرلمان إلى النبلاء، والأكليروس، والبرلمانات الإقليمية، فخف الجميع لتأييده.وأرسل الأدواق والأشراف إلى الملك احتجاجات على إلغاء حقوق البرلمان التقليدية. وأدان مؤتمر للاكليروس (15 يونيو) "المحكمة المطلقة السلطة" الجديدة، وخفض "منحته" من أثني عشر مليون جنيه في المتوسط إلى 1.800.000، ورفض أي معونة أخرى حتى يعاد البرلمان(26). ثم شقت البرلمانات الواحد تلو الآخر عصا الطاعة على الملك. وأعلن برلمان بو (عاصمة بيارن) أنه لن يسجل مراسيم رفضها برلمان باريس؛ وحين هددت الحكومة أعضاءه باستعمال القوة تسلح الشعب ليحميهم. أما برلمان روان (عاصمة نورمندية) فقد شهر بوزراء الملك باعتبارهم خونة، وحرم من حماية القانون كل الأشخاص الذين يستخدمون المحاكم الجديدة. وأصدر برلمان رين (عاصمة برنتي) قوانين مماثلة، فلما أرسلت الحكومة الجند لفضه تصدى لهم موظفو النبلاء المحليون المسلحون(27). وحين أذاع الحاكم العسكري في جرينويل (عاصمة الدوفنيه) مرسوماً ملكياً بحل البرلمان المحلي، هبت جماهير المدينة التي عززها الفلاحون الذين دعاهم ناقوس الخطر،فقذفت الجند الكارهين لمهمتهم ببلاط من الأسطح، وأكرهت المحاكم على سحب مرسوم الملك (7 يونيو 1787، "يوم البلاط") وإلا شنقوه على ثريا ردهته. ولكن القضاة امتثلوا لأمر ملكي بنفيهم. ولقد صنع مجتمع جرينوبل التاريخ بإنتقاضه هذا. وصمم النبلاء الأكليروس والعامة على إعادة مجلس الطبقات الدوفينية ليلتئم في 21 يوليو ولما كانت الطبقة الثالثة قد قادت النصر في "يوم البلاط" فقد منحت تمثيلاً مكافئاً لتمثيل الطبقتين الأخيرين مجتمعتين، واتفق على أن يكون التصويت في المجلس الجديد بالأفراد لا بالطبقات، وقد وضعت هذه الاتفاقات سوابق لعبت دوراً في تنظيم مجلس الطبقات القومي. فلما حظر على المجلس طبقات الدوفنيه أن يجتمع في جرنوبل، اجتمع في فيزيل على بضعة أميال، وهناك، بقيادة محام شاب يدعى جان-جوزيف مونييه، وخطيب شاب يدهى أنطوان بارناف، وضع النواب الخمسمائة قرارات (أغسطس 1788) أيدت حقوق البرلمانات في التسجيل، وطالبت بإلغاء أوامر القبض الملكية، ودعت إلى عقد مجلس لطبقات الأمة، وتعهدت بعدم الموافقة إطلاقاً على ضرائب جديدة ما لم يصدق عليها مجلس الطبقات. هنا كانت إحدى بدايات الثورة الفرنسية: فإن إقليماً بأسره تحدى الملك، وطالب في واقع الأمر بملكية دستورية.
واستسلم الملك بعد أن قهره هذا التمرد الذي شمل الأمة كلها تقريباً على السلطة الملكية، فقرر أن يدعو مجلس الطبقات، ولما كان آخر اجتماع لهذه الهيئة قد انقضى عليه 174 عاماً، ولما كان نمو الطبقة الثالثة قد استحال معه إتباع الإجراءات القديمة، فقد أصدر لويس السادس عشر (5 يوليو 1788) نداء غير عادي على أنه أمر من أوامر مجلس الملك:
"سيحاول جلالته العمل بما يقرب من الإجراءات القديمة، ولكن إذا لم يتيسر التحقق من هذه الإجراءات فإنه يريد أن يسد الثغرة بالتأكد من مشيئة رعاياه... وعليه فقد قرر الملك أن يأمر بإجراء كل البحوث الممكنة الخاصة بالأمور سالفة الذكر في جميع محفوظات كل إقليم، وأن تبلغ نتائج هذه البحوث إلى مجالس الطبقات الإقليمية ومؤتمراتها،... التي بدورها تبلغ جلالته برغباتها... ويدعو جلالته جميع الدارسين والأشخاص المتعلمين في مملكته.. أن يوافوا حامل الأختام بجميع المعلومات والمذكرات المتصلة بالشئون التي يتضمنها هذا المرسوم"(28). وفي 8 أغسطس دعا لويس طبقات فرنسا الثلاث أن توفد مندوبين إلى دورة لمجلس الطبقات تجتمع بفرساي في أول مايو 1789. ثم عطل في اليوم ذاته "المحكمة المطلقة السلطة" التي ما طواها التاريخ في زوايا النسيان. وفي 16 أغسطس اعترفت الحكومة بإفلاسها في الواقع، إذ أعلنت أن التزامات الدولة ابتداء من 31 ديسمبر 1789 لن تدفع كلها عملة بل يدفع بعضها ورقاً على المواطنين جميعاً أن يقبلوه عملة قانونية. وفي 25 أغسطس استقال بريين محمل بالرضا والثراء في الوقت الذي أحرقت فيه جماهير باريس دمية تصوره. ثم اعتكف في سانس، وهناك انتحر في 1794.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عودة نكير 1788-1789
وطلب الملك إلى نكير على مضض أن يعود إلى الحكومة (25 أغسطس) ومنحه الآن لقب وزير ومقعداً في المجلس الملكي. وهلل الجميع لهذا التعيين من الملكة والأكليروس إلى المصرفيين وعامة الشعب. وتجمع حشد في فناء قصر فرساي ليرحبوا به، فخرج إليهم وقال لهم "نعم يا أبنائي، أنا باق، فاطمئنوا" ووقع بعضهم على ركبهم وقبلوا يديه(29) فبكى على طريقة ذلك العصر. على أن الذي استشرى في الإدارة، وفي الشوارع، وفي الفكر الحكومي والشعبي، وكان قد قارب جداً حالة التحلل السياسي بحيث كان قصارى ما استطاعه نكير هو الاحتفاظ بالاستقرار حتى يجتمع مجلس الطبقات. ثم بلفتة كريمة منه لاستعادة الثقة بالحكومة وضع ملوني فرنك من ماله في الخزانة، وارثهن ثروته الخاصة ضماناً جزئياً لالتزامات الدولة(30). ثم ألغى الأمر الذي صدر في 16 أغسطس بإلزام حملة السندات بقبول البنكنوت بدلاً من النقود، وارتفعت أسعار السندات الحكومية ثلاثين في المائة في السوق، وقدم المصرفيون من المال للخزانة ما يكفي لتجاوز الأزمة عاماً.
وعملاً بنصيحة نكير دعا الملك البرلمان ثانية (23 سبتمبر). واقترف البرلمان في نشوة انتصاره خطأ التصريح بأن مجلس الطبقات القادم ينبغي أن يعمل كما عمل سابقه في 1714-أي منعقداً بطبقات منفصلة ومصوتاً في وحدات طبقية، وهذا كفيل بأن يصيب الطبقة الثالثة أوتوماتيكياً بالعجز السياسي. أما جماهير العامة التي كانت قد صدقت دعوى البرلمان بأنه يدافع عن الحرية ضد الطغيان، فقد أدركت أن الحرية المقصودة هي حرية الطبقتين المميزتين في التسيد على الملك. وهكذا حرم البرلمان نفسه، بانضمامه على هذا النحو إلى وصف النظام الإقطاعي، من تأييد الطبقة الوسطى القوية، ولم بعد منذ الآن عاملاً مؤثراً في تشكيل الأحداث. وبلغ "التمرد النبيل" وبهذا حدوده وأنهى شوطه، ثم أخلى الآن مكانه للثورة البورجوازية. وقد زاد مهمة نكير عسراً ما حل بالبلاد عام 1788 من قحط انتهى بعواصف ثلجية أتلفت المحاصيل الهزيلة. وكان شتاء 1788-89 من أقسى ما غفره تاريخ فرنسا، ففي باريس هبط الترمومتر إلى 18o تحت الصفر الفارنهيتي، وتجمد السين تماماً من باريس إلى الهافر. وارتفع سعر الخبز من تسعة سنتات في أغسطس 1788 إلى أربعة عشر في فبراير 1789. وبذلت الطبقات العليا قصارى جهدها للتخفيف عن الشعب، وأنفق بعض النبلاء، كالدوق أورليان، مئات الألوف من الجنيهات في إطعام الفقراء وتدفئتهم، وتبرع رئيس الأساقفة بأربعمائة ألف جنيه، وظل دير للرهبان يطعم ألفاً ومائتي يومياً على مدى ستة أسابيع(32). وحظر نكير تصدير الغلال، واستورد منها ما قيمته سبعون مليون جنيه، فأمكن تفادي المجاعة، ولكنه ترك لخلفائه أو لمجلس الطبقات مهمة سداد القروض التي اقترضها.
ثم اقنع الملك أثناء ذلك (27ديسمبر 1788) بأنه يجب في مجلس الطبقات القادم أن يكون نواب الطبقة الثالثة مساوين في العدد لنواب الطبقتين الأخيرتين مجتمعتين، وذلك رغم النصيحة المضادة التي أشار بها النبلاء الأقوياء. وفي 24 يونيو 1789 أذاع على جميع فرنسي في الطبقة الثالثة يزيد عمره على أربعة وعشرين عاماً ويدفع أي ضريبة، ومن حقه-بل أنه مأمور-بأن يدلي بصوته، وكذلك جميع المهنيين، ورجال الأعمال، وأعضاء الطوائف الحرفية، أي أن جميع العامة-باستثناء المعدمين وأفقر العمال-كان عليهم أن يدلوا بأصواتهم(32). واجتمع المرشحون الناجحون على هيئة لجنة انتخابية اختارت نائباً عن القسم. أما في الطبقة الأولى (الأكليروس) فكان كل كاهن أو خوري، وكل دير للرهبان أو الراهبات، يدلي بصوته لاختيار ممثل في الجمعية الانتخابية للقسم، وكان رؤساء الأساقفة، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، أعضاء في تلك الجمعية بحكم وظائفهم، واختارت الجمعية مندوباً في مجلس الطبقات. أما في الطبقة الثانية (الأشراف) فقد كان كل نبيل فوق الرابعة والعشرين تلقائياً عضواً في الجمعية الانتخابية التي اختارت مندوباً يمثل نبلاء قسمه. وفي باريس وحدها قصر حق التصويت على من يدفعون فرضة رؤوس قدرها جنيهات أو أكثر، وقد أسقط بذلك معظم أفراد الطبقة العاملة(33). ودعت الحكومة كل جمعية انتخابية في كل طبقة لوضع "كراسة بالشكاوى والمظالم" لإرشاد ممثلها. ولخصت كراسات الأقسام لكل طبقة في كراسات إقليمية، ثم قدمت هذه للملك، كاملة أو مختصرة، وأجمعت الكراسات كلها على إدانة الحكم المطلق، والمطالبة بملكية دستورية تتقيد فيه سلطات الملك ووزرائه بالقانون وبمجلس منتخب على نطاق قومي يجتمع دورياً وله وحده حق تقرير الضرائب الجديدة واعتماد القوانين الجديدة. وطلب إلى جميع النواب تقريباً عدم الموافقة على اعتماد أموال للحكومة حتى تحصل في شئون المال، والمظالم المقترنة بالضرائب غير المباشرة، وشطط السلطة الملكية كما يتمثل في أوامر القبض الملكية. وطالب الجميع بالمحاكمة وفق نظام المحلفين، وبسرية الرسائل، وبإصلاح القانون. ودعا الجميع للحرية، ولكن على طريقتهم الخاصة: فالنبلاء لاستعادة السلطات التي كانت لهم قبل حكم ريشليو، والأكليرس والبرجوازيون للتحرر من كل تدخل للدولة،والفلاحون لتحرر من الضرائب الظالمة والرسوم الإقطاعية. وقبل الجميع من حيث المبدأ المساواة في الضرائب على جميع أنواع الملكية. وأعرب الجميع عن الولاء للملك، ولكن أحداً لم يذكر "الحق الإلهي" في الحكم(34)، فقد كان هذا الحق بإجماع الآراء في عداد الموتى.
واشترطت كراسات النبلاء أن تجتمع كل طبقة من الطبقات الثلاث في مجلس الطبقات منفصلة وتصوت بوصفها طبقة متحدة. أما كراسات الأكليروس فقد رفضت التسامح الديني، وطلبت إلغاء الحقوق المدنية الممنوحة للبروتستانت مؤخراً. وطالبت بعض الكراسات بترك شطر أكبر من ضريبة العشور للأبرشية، وبفتح المناصب في السلم الكهنوتي أمام جميع القساوسة على السواء. وأسلفت معظم الكراسات الكنسية على ما شاب العصر من فساد أخلاقي في الفن والأدب والمسرح، وعزت هذا التدهور إلى حرية النشر المفرطة، وطالبت بقصر الأشراف على التعليم على الأكليروس الكاثوليكي دون سواه. أما كراسات الطبقة الثالثة فأعربت أكثر ما أعربت عن آراء الطبقة الوسطى والفلاحين الملاك. فطالبت بإلغاء الحقوق الإقطاعية ومكوس النقل، وبفتح الطريق للمواهب لجميع الطبقات ولجميع المناصب. ونددت بثراء الكنيسة وتبطل الرهبان الغالي التكلفة. واقترحت إحدى الكراسات على الملك إن أراد تغطية العجز أن يبيع أراضي الأكليروس وايجاراتهم، واقترحت كراسة أخرى مصادرة جميع الأملاك الديرية(35). وشكت كراسات كثيرة من العبث المنكر الذي تحدثه بالمزارع حيوانات النبلاء ومطاردتها لصيدهم. وطلبت التعليم المجاني للجميع، وإصلاح المستشفيات والسجون، والقضاء المبرم على القنية وتجارة الرقيق.وأكدت كراسة نموذجية للفلاحين "أننا ركيزة العرش الرئيسية، وسند الجيوش الصادق... إننا مصدر الثراء للآخرين، بينما نظل فقراء"(36). لقد كان انتخاب مجلس الطبقات هذا،وفي جملته، لحظة نبيلة باعثة على الفخر في تاريخ فرنسا. وكادت فرنسا البوربونية، ولو للحظة، أن تصبح ديموقراطية، على الأرجح بنسبة من السكان تدلي بأصواتها تفوق نسبة من يدلون لأصواتهم في انتخاب أمريكي يجري اليوم. وكان انتخاباً عادلاً، لا يشوبه الخلل الذي قد يتوقع في عملية بهذه الجدة، وواضح أنه كان أقل فساداً من معظم الانتخابات التي أجريت في ديموقراطيات أوربا اللاحقة(37). ولم يحدث قط من قبل، على قدر علمنا، أن أصدرت حكومة من الحومات دعة عريضة كهذه لشعبها لتحيطه علماً بالإجراءات، ولتتعرف إلى شكاوى الشعب ورغباته، وقد أتاحت هذه الكراسات في جملتها للحكومة نظرة للأحوال في فرنسا أشمل من أي نظرة أتيحت لها في أي عهد قبل ذلك. فالآن امتلكت فرنسا، إن كانت قد امتلكت في أي عهد، لمواد المؤهلة لفن الحكم، والآن اختارت خيرة رجالها بمحض حريتها من كل طبقة،ليلتقوا بملك كان قد قام فعلاً بمقدمات شجاعة للتغيير. وملأ الأمل فرنسا كلها حين اتخذ هؤلاء الرجال القادمون من كل فج الدولة سمتهم إلى باريس وفرساي.
يدخل ميرابو
وكان أحدهم نبيلاً انتخبه العامة عن إكس-أن-برفانس ومرسيليا. وقد أصبح هذا الرجل، أنوريه-جابرييل-فكتور ركيتي، كونت ميرابو-الدميم الوجه الساحر الشخصية، والذي تفرد بهذا الشرف الشاذ المزدوج، علماً مسيطراً من أعلام الثورة منذ وصوله إلى باريس "أبريل 1789) حتى موته السابق لأوانه (1791).
ولقد نوهنا من قبل بأبيه-فكتور ركيتي، مركيز ميرابو-فزيوقراطياً و "صديقاً للإنسان"، أي لكل إنسان عدا زوجته وأبنائه، وقد وصف فوفانج "صديق الإنسان" هذا بأنه "ذو طبع ناري مكتئب، أشد عتواً وتقلباً... من البحر، يتسلط عليه نهم دائم للذة والمعرفة والمجد"(38). وقد اعترف المركيز بهذا كله، وأضاف إليه أن "الفساد الخلقي طبيعة ثانية فيه". وحين بلغ الثامنة والعشرين صمم على أن يكتشف إن كان ممكناً أن يكتفي بامرأة واحدة، فطلب يد ماري دفيسان، التي لم يرها قط، ولكنها كانت الوريثة غير المنازعة لثروة كبيرة. وبعد أن تزوجها وجد أنها امرأة سليطة رثة عاجزة، ولكنها أنجبت له في إحدى عشرة سنة أحد عشر طفلاً، تخطى الطفولة منهم خمسة. وفي 1760 زج المركيز في "الشاتو دفانسين" بتهمة الكتابات المهيجة، ولكن أفرج عنه بعد أسبوع. وفي 1762 هجرته وعادت إلى أهلها.
وشب ابنه البكر، أونوريه-جابرييل- وسط هذه الدراما العائلية. وقد ماتت إحدى جدتيه مجنونة، وتعرضت إحدى شقيقاته وأحد إخوته للجنون بين الحين والحين، ومن المعجزات أن ينجو جابرييل نفسه من الجنون وهو يصارع الكارثة تلو الكارثة. وقد ولد وله سنان، وكأنهما تحذير للعالم. وحين بلغ الثالثة أصيب بالجدري الذي خلف في وجهه ندوباً ونقراً كأنه ساحة قتال. وكان غلاماً شديد الحيوية، مشاكساً، عنيداً، وكان أبوه، الشديد الحيوية، المشاكس، العنيد، يكثر من ضربه، فربى فيه كراهية أبيه، وسر المركيز أن يتخلص منه بإرساله حين بلغ الخامسة عشرة (1764) إلى أكاديمية حربية في باريس. وهناك تعلم جابرييل الرياضيات والألمانية والإنجليزية، وقرأ بنهم إذ تسلطت علية رغبة عارمة في الإتيان بجلائل الأعمال. وقرأ فولتير ففقد دينه، وقرأ روسو فتعلم أن يتعاطف مع عامة الشعب وفي الجيش سرق خليلة قائده، واشتبك في مبارزة، وشارك في الغزو الفرنسي لكورسيكا، وظفر بقدر من الثناء على بسالته أشعر أباه بحبه ولو لحظة.
وحين بلغ الثالثة والعشرين تزوج ابتغاء المال بصراحة من إميلي مارنياك، وكانت تتوقع أن ترث 500.000 فرنك. فولدت لجابرييل ولداً، ثم اتخذت عشيقاً، وأخفى خيانته، ثم غفر لها. وتشاجر مع رجل يدعى فللنيف، وحطم شمسية فوق ظهره، فاتهم بتعمد القتل. ورغبة في تفادي القبض عليه حصل أبوه على أمر ملكي مختوم زج بمقتضاه جابرييل في الشاتوديف، القائم على جزيرة حيال مرسيليا، وطلب إلى زوجته أن تلحق به، ولكنها رفضت، وتبادلا رسائل فيها حنق متصاعد، انتهت بأن أقرأها "الوداع إلى الأبد" (14 ديسمبر 1774). واستدفأ أثناء ذلك بمضاجعة زوجة مأمور السجن بين الحين والحين. وفي مايو 1775 نقل بمسعى أبيه إلى سجن أرخى في الشاتودجو، قرب بونتارلييه والحدود السويسرية. ودعاه سجانه المسيو دسان-موري إلى حفلة التقى فيها بصوفي دروفيه، الزوجة ذات التسعة عشر ربيعاً للماركيز ديمونييه السبعيني. وقد وجدت ميرابو أكثر إشباعاً من زوجها؛ صحيح أن وجهه كان منفراً، وشعره صوفي القوام، وأنفه ضخماً، ولكن عينيه كانتا متقدتين، وطبعه كان "نارياً" وكان في استطاعته أن يغوي بحديثه أي امرأة. واستسلمت له صوفي كلية. وفر من بونتارلييه، ثم هرب إلى تونون في إقليم سافوا، وهناك أغوى ابنة عم له. وفي أغسطس 1776 لحقت به صوفي في فريير بسويسرا بأن العيش بعيداً عنه كما قالت معناه "الموت ألف مرة كل يوم"(39). وأقسمت الآن "أما جابرييل أو الموت!" واقترحت أن تشتغل، بأن جابرييل كان مفلساً. فصحبها إلى أمستردام حيث استخدمه مارك ريه ناشر كتب روسو، مترجماً، وعملت صوفي سكرتيرة له، واشتغلت بتدريس الإيطالية. وقد كتب عدة كتب صغيرة تحدث في أحدها عن أبيه فقال "أنه يعظ بالفضيلة، والبر، والقصد، في حين أنه أسوأ الأزواج، وأقسى الأباء وأكثرهم إسرافاً"(40). ورأى ميرابو الأب في هذا خروجاً على أصول اللياقة. فاتفق مع والدي صوفي على تدبير إعادة الزوجين من هولندا، فقبض عليهما (14 مايو 1777) وجئ بهما إلى باريس. وبعد أن فشلت صوفي في محاولة الانتحار، أرسلت إلى إصلاحية، أما جبراييل الساخط فقد زج في الشاتو دفانسين، مقتضياً في ذلك خطى أبيه وديدرو. وهناك ظل يضني في السجن اثنين وأربعين شهراً. وبعد أن قضى فيه عامين سمح له بالكتب والورق والقلم والمداد، فراح يبعث لصوفي برسائل ملؤها الإخلاص المشبوب. وفي 7 يناير 1778 ولدت بنتاً لعلها كانت ابنته. وفي شهر يونيو نقلت الأم وطفلتها إلى دير في جيان قرب أورليان.
والتمس ميرابو من أبيه أن يصفح عنه ويعمل على إطلاق سراحه. وقال متوسلاً "دعني" أرى الشمس، دعني أتنسم هواء أكثر حرية، دعني أرى وجه أخواني البشر!؟ أنني لا أبصر غير الجدران المظلمة. وأبتاه سأموت من آلام التهاب الكلي!" ولكي يخفف من شقائه ويكسب بعض المال لصوفي، ويتقي الجنون، ألف عدة كتب، بعضها جنسي. وكان أهمها هو "الأوامر الملكية المختومة" الذي وصف مظالم القبض دون إذن والسجون دون محاكمة، وطلب بإصلاح السجون والقانون فلما نشر هذا الكتيب في 1782 بلغ تأثر لويس السادس عشر به مبلغاً حمله على أن يأمر في 1784 بالإفراج عن جميع السجناء المعتقلين في فانسين(42). وقد ترافق سجانو ميرابو به، ويعد 1779 سمح له بالتمشي في حدائق الشاتو ولقاء الزوار، ووجد في بعض زائريه منصرفات لطاقته الجنسية العارمة(43). ووافق أبوه على أن يعمل على الإفراج عنه إذا اعتذر لزوجته واستأنف معاشرتها، لأن المركيز العجوز كان تواقاً لحفيد يواصل بقاء الأسرة. فكتب جابرييل إلى زوجته يطلب الصفح. وفي 13 ديسمبر 1780 أطلق سراحه بكفالة أبيه، الذي دعاه إلى قصر الأسرة في لوبنيون. وكانت له بعض العلاقات الغرامية في باريس، وزار صوفي في ديرها، والظاهر أنه أخبرها أنه ينوي العودة إلى زوجته. ثم مضى إلى لوبنيون، وأبهج قلب أبيه. وتلقت صوفي مالاً من زوجها، وانتقلت إلى بيت قريب من الدير، وانهمكت في أعمال البر، ووافقت على الزواج من كبتن سابق في الخيالة. ولكنه مات قبل أن يزف إليها، فأقام في الغد(9 سبتمبر 1789)(44). أما زوجة ميرابو فقد رفضت لقاءه، فأقام عليها دعوى اتهمها فيها بهجرها ل، وخسر دعواه، ولكنه أدهش الأصدقاء والأعداء ببلاغته مرافعته التي استغرقت خمس ساعات دفاعاً عن قضية يستحيل الدفاع عنها. وتبرأ منه أبوه، فقاضاه، وحصل منه على راتب قدره ثلاثة آلاف فرنك في السنة، وراح يقترض المال ويحيا حياة مترفة. وفي 1784 اتخذ خليلة جديدة تدعى هنرييت نيرا. واصطحبها في رحلة إلى إنجلترا وألمانيا (1785-87). وفي الطريق كانت له مغامرات غرامية عارضة، غفرتها له هنرييت لأنه-كما قالت-" ما أن تتودد إليه امرأة أقل تودد حتى يلتهب لفوره"(45). والتقى بفردريك مرتين،وعرف عن بروسيا ما يكفي لتأليف كتابه "في الملكية البروسية" (1788) (من مادة زوده بها ضابط بروسي)، وقد أهدى الكتاب لأبيه، الذي وصفه بأنه "مصنف ضخم لعامل هائج. "وكلفه كالون برسائل سرية عن الشئون الألمانية، فأرسل منها سبعين أدهشت الوزير بإدراكها المرهف وأسلوبها القوي.
فما عاد إلى باريس رأى أن سخط الشعب قارب الحماسة الثورة. وفي رسالة إلى الوزير مونوران حذر من نشوب الثورة ما لم يجتمع مجلس طبقات الأمة قبيل عام 1786 "أني أسأل هل حسبتم حساب قوة الجوع المزلزلة إذا تفاعلت مع روح اليأس. أنني أسأل من سيجرؤ على أن يكون مسئولاً عن سلامة جميع من يلتفون حول العرش، أجل، بل سلامة الملك نفسه؟(46). وقد طواه خضم هذا الهياج فاندفع فيه ووفق في مصالحة هشة مع أبيه (الذي مات في 1789). ثم رشح نفسه في اكس-أن-بروفانس لمجلس طبقات الأمة ودعا نبلاء القسم لاختياره، فرفضوا، فاتجه إلى الطبقة الثالثة، التي رحبت به.وانبعث الآن من شرنقتين المحافظة واتخذ له أجنحة بوصفه ديموقراطياً "أن حق السيادة كامن في الشعب وحده، والملك لا يمكن أن يكون أكثر من القاضي الأول للشعب"(47). وقد أراد الاحتفاظ بالملكية، إنما حماية للشعب من الأرستقراطية، ثم دعا بإلحاح أثناء ذلك إلى إعطاء حق التصويت لجميع الذكور البالغين(48). وفي خطاب موجه لمجلس طبقات إقليم بروفانس هدد الطبقات المميزة بإضراب كل شيء، وهذا الشعب الذي لا يحتاج إلا لفرض الجمود عليه حتى يصبح رهيباً جباراً"(49).
ثم اندلع شغب بسبب الخبز في مرسيليا (مارس 1789)،وأرسل أولوا الأمر في طلب ميرابو ليهدئ ثائرة الشعب لأنهم كانوا على بينة من شعبيته، وتجمعت الجماهير في حشد من 120.000 للهتاف له(50). فنظم دورية لمنع حوادث العنف. وفي "بيان لشعب مرسيليا" نصح العامة الصبر حتى يتاح لمجلس طبقات الأمة الوقت للموازنة بين المنتجين الذين يريدون أسعاراً عالية والمستهلكين الذين يريدون أسعاراً منخفضة. وأطاعه القائمون بالشغب. وبقوة الإقناع ذاتها هدأ تمرداً في إكس. وانتخبه إكس ومرسيليا نائباً عنهما، فشكر الناخبين،وقرر أن يمثل إكس. وفي إبريل 1789 اتخذ سمته إلى باريس ومجلس الطبقات.
التجربة الأخيرة للدراما 1789
واحترق بلداً يواجه المجاعة ويجرب الثورة. ففي ربيع عام 1789 نشبت في أقسام عديدة تمرد على الضرائب وغلاء الخبز. وفي ذلك أن الجماهير في ليون أغاروا على مكاتب جابي الضرائب وأتلفوا سجلاته. وفي آجده، قرب مونبلييه، هدد الشعب بعمليات سلب ونهب شاملة ما لم تخفض أسعار السلع,. ومنعت القرى التي خشيت عجز الغلال عنوة تصديرها من الأقسام. وتحدث بعض الفلاحين عن إحراق جميع القصور الريفية وقتل أمراء الإقطاع (مايو 1789)(51). وفي مونليري قادت النساء حشداً من الغوغاء في حملة على مخازن الغلال والمخابز حين نمى إليهن أن سعر الخبز قد زيد، واستولين على كل ما وصلت إليه لأيديهن من الخبز والدقيق. ومثل هذا حدث في بريه- سير- سين" وبانول،وأميان، وفي كل مكان بفرنسا تقريباً. وفي المدينة تلو المدينة أثار الخطباء الشعب بأبنائهم بأن الملك أجل دفع الضرائب كلها(52). وسرى خلال إقليم بروفانس في شهري مارس وإبريل نبأ يقول أن "خير الملوك يريد المساواة في الضرائب، وألا يكون بعد اليوم أساقفة، ولا إقطاعيون، ولا عشور، ولا مكوس، ولا ألقاب، ولا امتيازات"(53). وبعد أول إبريل 1789كف الناس دفع الرسوم الإقطاعية،وهكذا لم يكن نزول النبلاء "التطوعي" عن حقوقهم الإقطاعية في 4 أغسطس عملاً من أعمال التضحية، بل إقراراً بالأمر الواقع.
وازداد الانفعال والإثارة في باريس كل يوم تقريباً باقتراب موعد انعقاد مجلس طبقات الأمة. فتدفقت النشرات مع المطابع ورفع الخطباء عقائرهم في المقاهي والأندية وصدرت أشهر وأقوى نشرة في التاريخ بأسره في يناير 1789، وبقلم رجل من أحرار الفكر هو الأبيه إيمانويل- جوزف سييس، الوكيل العام لأسقفية شارتر. وكان شامفور قد كتب متسائلاً "ما الطبقة الثالثة؟- إنها كل شيء. وماذا تملك؟ لا شيء". فصاغ سييس هذا "الأبجرام" المتفجر عنواناً جذاباً وحوله إلى ثلاثة أسئلة سرعان ما رددتها نصف فرنسا:
- "ما الطبقة الثالثة؟ كل شيء
- ماذا كانت إلى اليوم في النظام السياسي؟ لا شيء.
- ماذا تطلب؟ أن تصبح شيئاً(54).
وذكر سييس أنه من بين سكان فرنسا البالغين 26.000.000 نسمة، ينتمي إلى الطبقة الثالثة - العلمانية المجردة من الألقاب- على الأقل 25.000.000 وهذا معناه في الحقيقة الأمر أن الطبقة الثالثة هي الأمة. فإذا أبت الطبقتان الأخريان الجلوس معها في مجلس الطبقات، كان لها العذر في أن تؤلف بنفسها "الجمعية الوطنية". وقد حفظ التاريخ تلك العبارة فيما حفظ.
على أن الجوع كان أبلغ حتى من الكلام. فتقاطر الشحاذون والمجرون على مراكز الإغاثة كلما أقامتها في باريس الحكومة والكهنة والأغنياء، وافدين من دخل البلاد ليأكلوا ويغامروا بفقرهم في أفعال يائسة. وكانت الجماهير هنا وهناك تنفد إرادتها بنفسها دون إعداد بالقانون، فهددت بشنق أي تاجر يخفي الغلال أو يغالي في سعرها على أقرب عمود نور، وكثيراً ما اعترضت قوافل الغلال ,نهبتها قبل أن تستطيع هذه القوافل الوصول إلى السوق؛ وكانت أحياناً تطبق على الأسواق بالغوغاء وتستولي عنوة ودون دفع الثمن على الغلة التي أتى بها الفلاحون ليبيعوها(55). وفي 23 إبريل استصدر نكير من المجلس الملكي مرسوماً يخول للقضاة والشرطة جرد مخازن الغلال الخاصة وإلزامها حيثما عز الخبز بإرسال غلالها للسوق، ولكن هذا الأمر نفذ ي تراخ. كذلك كانت صورة باريس في ربيع ذلك العام.
وفي هذه الجماهير الغاضبة من الدهماء تبين الدوق أورليان أداة قد تحقق له مآربه. وكان الحفيد البعيد لفليب أورليان الذي كان وصياً على عرش فرنسا (1751- 23). وقد ولد في 1747، ولقب بدوق شارتر في الخامسة من عمره، ثم تزوج في الثانية والعشرين بلويز- ماري دبوربون بنتييفر، التي جعلته ثروتها أغنى رجل في فرنسا(56). وفي 1785 ورث لقب دوق أورليان، وبعد 1789، وبفضل دفاعه عن القضايا الشعبية، وعرف بفليب إيجالتيه (المساواة). وقد رأيناه يتحدى الملك إلى البرلمان وينفي إلى فيلليه- كوربه. فلما عاد بعد قليل إلى باريس صمم على أن يجعل من نفسه معبود الشعب، مؤملاً أن يختار خلفاً لابن عمه لويس السادس عشر أن اعتزل أو خلع هذا الملك الذي أزعجته الخطوب, فسخا في عطائه للشعب، وأوصى بتأمين أملاك الكنيسة(57)، وفتح للجماهير حديقة البالية- رويال وبعض حجراته في قلب باريس، وكذلك له شمائل الأرستقراطي الجواد وأخلاق سلفه الوصي على العرش. وقامت مربية أبنائه مدام جنليس، همزة وصل بينه وبين ميرابو، وكوندورسيه،ولافاييت،وتاليران،ولافوازييه، وفولني، وسييس، وديمولان. وقد بذل له زملاؤه من الماسون الأحرار التأييد الكبير(58). وقام الروائي شوديرلو دلاكلو، وكان سكرتيره يدور العميل له في تنظيم المظاهرات والانتفاضات الشعبية. وفي الحدائق والمقاهي. وبيوت القمار، والمواخير القريبة من قصره كان كتاب النشرات يتبادلون الأفكار ويضعون الخط، هنا شارك آلاف الناس من جميع الطبقات في اضطرابات لساعة وانفعالاتها، وأصبح الباليه- رويال، بوصفه اسماً على هذا المركب كله، قلب الثورة النابض.
ويزعمون، وهو زعم محتمل ولكنه ليس مؤكداً، أن مال الدوق، ونشاط شودرلو دلاكلو، لعباً دوراً في تنظيم لهجوم على مصنع ريفيون في شارع سانت- أنطوان. أما ريفيون هذا فكان يتزعم ثورته الخاصة: يحل محل الرسوم والنسيجات الجدارية ورقاً رقيقاً رسمه فنانون بتقنية طورها بنفسه، وينتج ما وصفه حجة إنجليزي بأنه "أجمل ما صنع على الإطلاق من ورق الحائط بغير جدال"(59). وقد استخدم مصنعه ثلاثمائة عامل، كان الحد الأدنى لأجر العامل منهم خمسة وعشرين سواً (1.56 دولار؟) في اليوم.وفي اجتماع لجمعية الناخبين في حي سانت- مارجريت نشب نزاع بين ناخبي الطبقة الوسطى والعمال،وخيف أو تخفض الأجور(61). وسرى نبأ كاذب بأن ريفيون قال "أن العامل الذي له زوجة وأولاد في استطاعته أن يعيش على خمسة عشر سواً في اليوم". وفي 27 إبريل احتشد جمع أمام منزل صاحب المصنع، فلما لم يجدوه أحرقوا دمية تمثله. وفي اليوم الثامن والعشرين، أغار الغوغاء بعد أن عززوا قوتهم وتسلحوا على بيته، ونهبوه، وأشعلوا النار في أثاثه، وشربوا الخمر من مخزن خموره، واستولوا على النقود والآنية الفضية, ثم انتقل القائمون بالشغب إلى المصنع ونهبوه. وجرد الجنود لقتالهم، فدافعوا عن أنفسهم في معركة اتصلت عدة ساعات، لقي فيها اثنا عشر جندياً ونيف ومائتا مشاغب مصرعهم. وأغلق ريفيون مصنعه وشد رحاله إلى إنجلترا.
كذلك كان مزاج باريس حين وصل النواب النواب ومناوبوهم لحضور مجلس طبقات الأمة في فرساي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مجلس طبقات الأمة 1789
في 4 مايو تحرك النواب في موكب مهيب للاستماع إلى القداس في كنيسة القديس لويس: يتقدمهم كهنة فرساي، ويليهم ممثلو الطبقة الثالثة في ثياب سوداء، ثم نواب الأشراف في ثيابهم الواهية وقبعاتهم المزينة بالريش، ثم النواب الكنسيون، ثم الملك والملكة يحيط بهما أفراد الأسرة الملكة. وازدحم أهل المدينة في الشوارع والشرفات وأسطح المنازل، وصفقوا لممثلي العامة، وللملك ولدوق أورليان، واستقبلوا بالصمت النبلاء، ورجال الأكليروس، والملكة، وكان كل إنسان (عدا الملكة) سعيداً ذلك اليوم، لأن الأمل الذي تطلع إليه الكثيرون قد تحقق. وبكى الكثيرون، من بين النبلاء، ولمرأى الأمة المنقسمة وقد بدت متحدة.
وفي 5 مايو اجتمع النواب في "قاعة الملاهي الصغير الضخمة، الواقعة على نحو أربعمائة ياردة من القصر الملكي. وبلغ عددهم 621 من العامة، و308 من الأكليروس، و285 من النبلاء (وفيهم عشرون من نبلاء الرداء. أما النواب الكنسيون فكان نحو ثلثيهم من أصل شعبي، وقد اختار كثيرون من هؤلاء الوقوف في صفة العامة. وكان نص النواب الطبقة الثالثة تقريباً من المحامين، وخمسة في المائة من أرباب المهن،وثلاثة عشر في المائة من رجال العمال، وثمانية في المائة يمثلون الفلاحين(63). ومن رجال الأكليروس أسقف أوتان، شارل-موريس دتاليران-بيريجو، الذي وصفه ميرابو وصفاً سبق بعبارة نابليون "الوحل في جوارب حريرية" فقال عنه "رجل خسيس، جشع، سافل، دساس، لا يشتهي غير الوحل والمال، يبيع روحه في سبيل المال، وهو إن فعل كان على حق، لأنه عندها سيأخذ الذهب بدل كومة من الروث"(64)، ولم يكن في هذا الوصف إنصاف لذكاء تاليران الطيع. وكان بين النبلاء عدة رجال دعوا إلى الإصلاحات الجوهرية: لافاييت، وكوندرسيه، ولاللي-ولندال، وفيكونت نواي، وأدواق أورليان، وايجيون، ولاروشفوكو-ليانكور. وقد انضم معظمهم إلى سييس، وميرابو، وغيرهم من نواب لطبقة الثالثة في جمعية الثلاثين" التي قامت بدور الجماعة المنظمة للإجراءات اللبرالية" ومن أبرز نواب الطبقة الثالثة ميرابو، وسييس، ومنييه، وبارناف، والفلكي جان بابي، ومكسمليان روبسبيير. وكان هذا الجمع في مجموعه أبرز تجمع سياسي في التاريخ الفرنسي، وربما في التاريخ الحديث بأسره. وتطلعت النفوس الكريم في طول أوربا وعرضها لهذا الحشد عساه أن يرفع لواء ينضوي تحته المظلومون في كل أمة.
وافتتح الملك الجلسة الأولى بخطاب موجز اعترف فيه صراحة بما تعانيه حكومته من كرب مالي نسبه إلى "حرب غالية التكلفة ولكنها شريفة" وطلب "زيادة في الضرائب" وأبدى الأسف على "الرغبة المغالية في التجديد". ثم تبعه نكير بخطاب استغرق ثلاث ساعات واعترف فيه بعجز بلغ 65.150.000 جنيه (حقيقة الأمر أنه بلغ 150.000.000) وطلب الموافقة على قرض قدره 80.000.000 جنيه. وتململ النواب من الإحصاءات المرهقة للذهن، وكان أكثرهم يتوقع من الوزير اللبرالي أن يبسط برنامجاً للإصلاح.
ثم بدأ صراع الطبقات في الغد، حين انفرد كل من طبقة النبلاء والأكليروس بقاعة منفصلة وشق جمهور الشعب الآن طريقه عنوة إلى قاعة الملاهي الصغيرة، وسرعان ما أخذ يؤثر في أصوات النواب بإعرابه القوي-المنظم عادة-عن الاستحسان أو الاعتراض. ورفضت الطبقة الثالثة أن تعترف بنفسها هيئة منفصلة، وانتظرت في تصميم أن تنضم إليها الطبقتان الأخريان ويتم التصويت بالطبقات-أي بصوت لكل طبقة-جزء من الدستور الملكي لا يمكن تغييره "ذلك أن إدماج الطبقات الثلاث في طبقة واحدة والسماح بالتصويت الفردي، في جمعية تؤلف الطبقة الثالثة الآن نصف مجمعها وفي استطاعتها دون عناء أن تكسب التأييد من صغار الأكليروس هذا كله معناه تسليم عقل فرنسا وخلقها لمجرد الكثرة العددية والإرادة البرجوازية. أما مندوبو الأكليروس المنقسمون بين محافظين وأحرار، فلم يتخذوا موقفاً من الطرفين، منتظرين أن تهديهم الأحداث إلى أفضل. ومضى شهر على هذه الحال. وكان سعر الخبز أثناء ذلك يواصل ارتفاعه برغم محاولات نكير لضبطه،وخطر العنف الجماهيري يتزايد. وتدفق فيض من النشرات، فكتب آرثر ينج في 9 يونيو يقول: "أن الحركة التجارية المتزايدة الآن في حوانيت باريس التي تبيع النشرات لا تصدق. ولقد ذهبت إلى الباليه رويال لأرى ما جد نشره ولأحصل على قائمة بكل ما نشر ووجدت أن كل ساعة تلد جديداً. فقد صدر من النشرات اليوم ثلاث عشرة، وأمس ست عشرة، وفي الأسبوع الماضي اثنتان وتسعون.. وتسع عشرة من عشرين من هذه النشرات يناصر الحرية، ويناوئ الأكليروس والنبلاء عادة... ولا يصدر أي رد عليه"(65). وفي 10 يونيو أوفد نواب الطبقة الثالثة لجنة إلى النبلاء والأكليروس تكرر دعوتهم إلى اجتماع موحد،وتصرح بأنه إذا واصلت الطبقتان لاجتماع منفصلتين فإن الطبقة الثالثة ستأخذ في تشريع للأمة بدونهم.ووقع التصدع في صراع الإرادات الجماعية في 14 يونيو، حين انضم تسعة من كهنة الأبرشيات إلى نواب العامة. وفي ذلك اليوم انتخبت الطبقة الثالثة، بأي رئيساً لها، ووضعت لنفسها نظاماً للمناقشة والتشريع. وفي اليوم الخامس عشر اقترح سييس أن يطلق النواب المجتمعون في قاعة الملاهي الصغير-الذين يمثلون ستة وتسعين في المائة من الأمة-على أنفسهم اسم "جمعية نواب الأمة الفرنسية المعترف بهم ولثابتة صحة عضويتهم. ورأى ميرابو أن العبارة فضفاضة ولا بد أن الملك سيرفضها. وبدلاً من أن يتراجع سييس، بسط الاسم المقترح فجعله "الجمعية الوطنية"، وكذلك تمت الموافقة على الاسم الجديد بأغلبية 491 مقابل 89 صوتاً(66). وقد غير هذا الإعلان الملكية المطلقة تلقائياً إلى ملكية مقيدة،وأنهى السلطات التي امتيازاتها الطبقات العليا، وشكل-من الناحية السياسية-بداية الثورة.
ولكن هل يقبل الملك هذا الغض من سلطته؟ ولكي تعطفه الجمعية الوطنية للقبول قررت أن جميع الضرائب القائمة ينبغي دفعها كالسابق إلى أن تحل الجمعية، وبعدها لا تدفع ضرائب إلا ما أذنت به الجمعية؛ وأن الجمعية ستنظر بأسرع ما تستطيع في أسباب عجز الخبز وعلاجه؛ وأنها بعد قبول دستور جديد ستتكفل بديون الدولة وتوافق على سدادها، وقد استهدف أحد هذه القرارات تهدئة القائمين بالشغب، وسعى آخر إلى كسب تأييد حاملي السندات الحكومية، وقد وضعت كلها بمهارة لتقلل من مقاومة الملك. واستشار لويس مجلسه. فحذره نكير من أن مجلس الطبقات سينهار ما لم تذعن الطبقتان المميزتان، وأن الضرائب لن تدفع، وأن الحكومة ستصبح مفلسة لا حول لها ولا قوة. واعترض وزراء آخرون بأن التصويت الفردي سيكون معناه دكتاتورية الطبقة الثالثة وإصابة طبقة النبلاء بالعجز السياسي. وقرر لويس أن يقاوم الجمعية الوطنية لأنه شعر أن عرشه يعتمد على النبلاء والأكليروس. وقدم نكير استقالته بعد أن هزم. ولكن الملك أقنعه بالبقاء لعلمه بأن الشعب سيقاوم خطوة كهذه. واقتضت "الجلسة الملكية" المقررة تجهيز قاعة الملاهي الصغيرة بترتيبات مادية جديدة فأرسلت الأوامر بإجراء هذه الترتيبات إلى مهرة صناع القصر دون إشعار الجمعية. فلما حاول نواب الطبقة الثالثة دخول القاعة في 20 يونيو وجدوا أبوابها مغلقة مشغولاً بالصناع. واعتقد النواب أن الملك يخطط لطردهم. فانتقلوا إلى ملعب للتنس مجاور (وصلة ملعب التنس وأقسموا يمينا صنعت التاريخ.
"حيث أن الجمعية الوطنية دعيت لوضع دستور المملكة، ولإحداث التجديد في النظام العام، ولصيانة المبادئ الصحيحة للنظام الملكي، وحيث أنه ما من شيء يقوى على منعها من مواصلة مداولاتها في أي مكان تضطر إلى الاجتماع فيه؛ وأخيراً، بما أنه حيثما اجتمع أعضاؤها فهناك تكون الجمعية الوطنية، لذلك تقرر الجمعية أن يقسم جميع أعضائها يميناً مغلظة بألا يتفرقوا، وأن يعاودوا الاجتماع كلما دعت الظروف، حتى يستقر حال المملكة، ويرسى على أسس مكيفة،وانه بعد حلف اليمين المذكورة سيصدق جميع الأعضاء، وكل منهم بمفرده، على هذا القرار الثابت بالتوقيع عليه"(67).
وقد وقع جميع النواب الحاضرين وعددهم 557 نائباً وعشرون مناباً إلا اثنين، ثم وقع في تاريخ لاحق خمسة وخمسون أخر وخمسة قساوسة. فما أن ترامى نبأ هذه الأحداث إلى باريس حتى احتشد جمع غاضب حول الباليه-رويال وأقسموا على الدفاع عن الجمعية لوطنية أياً كان الثمن. وفي فرساي بات من الخطر على أي شريف أو أسقف أن يظهر في الشوارع، وقد لقي عدد منهم معاملة خشنة، ولم ينج رئيس أساقفة باريس بجلده إلا حين وعد بأن ينضم إلى الجمعية. وفي 22 يونيو اجتمع النواب الذي أقسموا اليمين في كنيسة سان لوي، وهنا انضم إليهم بعض النبلاء و149 من النواب الكنسيين البالغ عددهم 308. وفي 23 يونيو اجتمع نواب الطبقات الثلاث في قاعة الملاهي الصغيرة ليستمعوا إلى الملك.وطوق الجنود القاعة. وتخلف نكير عن الحضور مع الحاشية الملكية على النحو واضح. وتكلم لويس فأوجز، ثم أناب وزيراً في قراءة قراره. وقد رفض القرار دعوى النواب الذين أعلنوا أنفسهم جمعية وطنية باعتبارها غير قانونية وباطلة. وسمح باجتماع موحد للطبقات الثلاث، وبالتصويت الفردي على المسائل التي لا تؤثر في هيكل فرنسا الطبقي، ولكن يحظر أي عمل يمس "الحقوق القديمة والدستورية... للملكية، أو الامتيازات التشريفية... للطبقتين الأوليين"، أما الأمور المتصلة بالدين أو لكنيسة فلا بد من أن يوافق عليها الأكليروس. وسمح الملك لمجلس الطبقات بحق الاعتراض على الضرائب والقروض الجديدة، ووعد بالمساواة في فرض الضرائب إذا وافقت عليها الطبقتان المميزتان، وعرض أن تلقي توصيات بالإصلاح. وينشئ مجالس إقليمية يكون التصويت فيها فردياً. ووافق على إنهاء السخرة، والأوامر الملكية المختومة، والمكوس على التجارة الداخلية، وكل آثار القنية في فرنسا. ثم ختم الجلسة بمظهر وجيز للسلطة؛:
"لو أنكم تركتموني وحدي في هذه المغامرة الكبرى فسأعمل وحيداً لرفاهية شعبي... وسوف أعد نفسي دون سواي الممثل الحقيقي لهم... ولن تصبح خطة من خططكم أو إجراء من إجراءاتكم قانوناً ما لم أوافق عليه صراحة... وأني آمركم بالتفوق فوراً، وبمضي كل نائب إلى قاعة طبقته صباح غد لتستأنفوا مناقشاتكم"(68).
فلما انصرف الملك رحل معظم النبلاء وقلة من الأكليروس. وأعلن المركيز بريزيه، كبير التشريفات، على النواب الذين بقوا أن الملك يريد الجميع أن يبرحوا القاعة. ورد ميرابو رداً مشهوراً: "سيدي... ليس لك هنا مكان ولا صوت ولا حق في الكلام... فإذا كنت قد كلفت بإرغامنا على مبارحة هذه القاعة، فلا بد لك من طلب الأوامر باستعمال القوة،... لأننا لن نبرح أماكننا إلا على أسنة الرماح"(69). وظاهرت هذا التصريح صيحة هتف بها الجميع "هذه إرادة الجمعية" فانسحب بريزيه. وصدرت الأوامر للجند المحليين بإخلاء القاعة، ولكن بعض النبلاء الأحرار أقنعوهم بالا يتخذوا أي إجراء. فلما أنبئ الملك بالموقف قال "تباً لهم، فليمكثوا إذن"(70).
وفي 24 يونيو كتب ينج في يوميته: "أن الغليان في باريس لا يمكن تصوره، فقد كان عشرة آلاف شخص طوال اليوم في الباليه رويال... والاجتماعات المستمرة هناك تتصل وتبلغ من التهور.وسورة الحرية درجة لا تكاد تصده"(71). وعجزت السلطات البلدية عن حفظ النظام، لأنها لم تستطع الاعتماد على "الحرس الفرنسيين" المحليين؛ ذلك أن كثيرين من هؤلاء كان لهم أقرباء شرحوا لهم قضية الشعب، وتآخى بعض هؤلاء الجند مع الحشد المحيط بالباليه-رويال؛ وفي فوج في باريس كانت هناك جمعية سرية أقسمت ألا تطيع أوامر مناوئة للجمعية الوطنية.وفي 25 يونيو اجتمع الرجال الذين انتخبوا من قبل نواب الطبقة الثالثة عن باريس،وعدد هؤلاء الرجال 407-وأحلوا أنفسهم محل الحكومة الملكية للعاصمة، فاختاروا مجلساً بلدياً جديداً، وكله تقريباً من الطبقة الوسطى، وترك لهم المجلس القديم مهمة حماية الحياة وأملاك.وفي ذلك اليوم نفسه انتقل سبعة وأربعون نبيلاً يتقدمهم دون أورليان إلى قاعة الملاهي الصغرى. وبدا أن انتصار الجمعية أصبح الآن أكيداً، وأن القوة وحدها هي التي تستطيع زعزعته.
وفي 26 يونيو، بالرغم معارضة نكير، أخبر الأعضاء المحافظون في الوزارة الملك أن الجنود المحليين في فرساي وباريس لا يمكن بعد الآن الركون إلى طاعتهم للأوامر، وأقنعوا بأن يرسل في طلب ستة أفواج من الأقاليم. وفي السابع والعشرين، وتحولا إلى نصيحة نكير، أمر لويس وفود النبلاء والأكليروس بالانضمام إلى باقي النواب. ففعلوا، ولكن النبلاء أبو المشاركة في التصويت بحجة أن تفويضهم عن دوائرهم الانتخابية يمنعهم من التصويت الفردي في مجلس الطبقات. وخلال الأيام الثلاثين التالية عاد أكثرهم إلى ضياعهم.
وفي أول يوليو استدعى الملك إلى باريس عشرة أفواج، معظمهم من الألمان والسويسريين. وفي الأسابيع الأولى من يوليو احتل آلاف جندي بقيادة المشال برولي فرساي، واتخذ عشرة آلاف أخر بقيادة البارون بزينفال مواقعه حول باريس،ولا سيما في الشان دمارس. واعتقدت الجمعية والشعب أن الملك يخط لتفريقهم أو تخويفهم. وبلغ الخوف من القبض ببعض النواب مبلغاً جعلهم يبيتون في قاعة لملاهي الصغرى بدلاً من العودة إلى بيوتهم ليلاً(72). في جو الإرهاب هذا عينت الجمعية لجنة لوضع مخططات لدستور جديد. وقدمت اللجنة للجمعية تقريراً تمهيدياً 9 يوليو، ومن ذلك اليوم أطلق النواب على أنفسهم اسم "الجمعية التأسيسية الوطنية". وكان الميل السائد بين الأعضاء في جانب الملكية الدستورية. وكان من رأي ميرابو المطالبة بـ "حكومة شبيهة بحكومة إنجلترا بوجه عام" تكون فيها الجمعية الهيئة التشريعية، ولكنه واصل في السنتين اللتين أفسحتا له في أجله الإلحاح على الاحتفاظ بملك لفرنسا. وأثني على لويس السادس عشر لما أتصف به من طيبة قلب وسماحة مقصد يشوش عليهما أحياناً مشيروه قصار النظر، ثم تساءل: "هل درس هؤلاء الرجال، في تاريخ أي شعب من الشعوب، كيف تبدأ الثورات وكيف تنفذ؟ وهل لاحظوا بأي سلسلة رهيبة من الظروف يكره أعقل الرجال على إتيان أفعال تتجاوز كثيراً حدود الاعتدال، وبأي دوافع مخيفة يقذف بشعب غاضب إلى ألوان من الشطط لو فكروا فيها بمجرد تفكير لارتعدت فرائصهم فرقاً؟"(73).
وخامر الجمعية الشك في أن ميرابو مأجور من الملك أو الملكة ليدافع عن الملكية، ولكنها أساساً اتبعت نصيحته. وأحس النواب، الذين كان العنصر السائد فيهم الآن رجالاً من الطبقة الوسطى، أن جماهير الشعب أخذت تصبح عسيرة القياد إلى حد خطر، وأن السبيل الوحيد للحيلولة دون التحلل الشامل للنظام الاجتماعي هو الإبقاء فترة على الهيكل التنفيذي الراهن للدولة.
على انهم لم يشعروا بمثل هذا الانعطاف نحو الملكة. فقد علم أنها شاركت إيجاباً في تأييد الحزب المحافظ في مجلس الملك، وأنها تمارس سلطة سياسية تفوق كفايتها كثيراً. وكانت خلال هذه الأشهر الحرجة قد تجلدت لثكل ربما نال من أي قدرة أوتيتها على الحكم الهادئ المتعقل. ذلك أن ابنها البكر، ولي عهد لويس، كان شديد المعاناة من الكساح واعوجاج العمود الفقري إلى درجة أعجزته عن المشي بغير معونة(74). وفي 4 يونيو مات. ولم تعد ماري أنطوانيت التي حطمها الحزن والخوف تلك المرأة الفاتنة التي كانت تمرح طوال سني الحكم الأولى.وباتت وجنتاها شاحبتين نحيلتين، وأخذ الشيب يتسلل إلى شعرها، وشاب الحزن بسماتها وهي تذكر أياماً أسعد، ثم أرق مضجعها وعيها بحشود الدهماء تلعن اسمها في باريس وتحمي الجمعية في فرساي وترهبها. وفي 8 يوليو وافقت الجمعية إلى اقتراح لميرابو يطلب إلى الملك أن ينقل فرساي جنود الإقليميين الذين جعلوا من حدائق لنوتر معسكراً مسلحاً. ورد لويس بأنه ليس هناك أذى مقصود بالجمعية، ولكن في 11 يوليو أفصح عن سطوته بإقالته نكير وأمره بمغادرة باريس فوراً. تقول مدام دستال مستحضرة ذلك الحدث "وتقاطرت باريس كلها لتزوره في الساعات الأربع والعشرين التي سمح له بها للاستعداد لرحلته... وأحال الرأي العام عاره انتصاراً"(75). ثم رحل هو وأسرته في هدوء إلى الأراضي المنخفضة. أما الذين أيدوه في الوزارة فأقيلوا معه. وفي 12 يوليو، وفي استسلام كامل لدعاة استخدام القوة، عين لويس صديق الملكة، البارون دبروتوي، خلفاً لنكير، وعين دبرولي وزيراً لحربية. وبدا أن الجمعية وثروتها الوليدة مقضي عليهما قضاء مبرماً.
ولكن الإنقاذ جاءهما من شعب باريس.
إلى الباستيل
كانت عوامل كثيرة تحمل الجماهير على الانتقال من الغليان إلى مرحلة العمل. فقد كان سعر الخبز قضية مثيرة لحفيظة ربات البيوت، وانتشرت الشبهة في أن بعض تجار لجملة يحبسون الغلال عن السوق طمعاً في أسعار أعلى حتى مما وصلت إليه(76). وأرسلت السلطات البلدية الجديدة الجند لحماية المخابز مخافة أن يفضي الجوع إلى النهب العشوائي. وكانت القضية التي تؤرق الباريسيين علمهم بأن الأفواج التي في خارج المدينة، والتي لم يتسن بعد كسب تأييدها لقضية الشعب، تهدد الجمعية والثورة. وقد بلغ غضب الجماهير وخوفهم أثر سقوط نكير المفاجئ-وهو الرجل الوحيد في الحكومة الذي كان الشعب قد وثق به-نقطة كفت عندها كلمة واحدة لتثير رداً عنيفاً. ففي 12 يوليو وثب كامي ديمولان، وكان أحد خريجي مدارس اليسوعيين ولكنه أصبح الآن محامياً متطرفاً في التاسعة والعشرين من عمره، فوق مائدة خارج "الكافية دافوا" على مقربة من الباليه-رويال وندد بإقالة نكير باعتبارها خذلاناً للشعب، وصاح "إن الألمان (الجند) في الشان دمارس سيدخلون باريس الليلة ليذبحوا سكانها!" ثم لوح بطبنجة وسيف وهتف "إلى السلاح!"(77). وللتو تبعه فريق من السامعين إلى ميدان فاندوم يحملون تماثيل نصفية لنكير والدوق أورليان، وهناك أكرههم بعض الجند على الفرار، ثم تجمع في المساء حشد في حدائق التويلري، فهاجمهم فوج من الجند الألمان، فقاوموهم بالقوارير والحجارة، فأطلق الجنود النار عليهم وجرحوا كثيرين، وبعد أن تفرقوا عادوا إلى التجمع في الأوتيل وانضم الشحاذون والمجرمون إلى القائمين بالشغب، ثم انقض الجميع على عدة بيوت ونهبوها.
وفي 13 يوليو تجمع الحشد مرة أخرى، ودخلوا دير سان-لازار، واستولوا على مخزونه من الغلال وحملوه إلى السوق في لي هال، وفتح حشد آخر سجن لافورس وأطلق سراح السجناء وكان أكثرهم من المدنيين وراح أفراد الشعب يفتشون عن البنادق في كل مكان، فلما لم يجدوا منها إلا القليل، صنعوا خمسين ألف حربة(78). وخافت الطبقات الوسطى في باريس على بيوتها وممتلكاتها، فألفت مليشيا خاصة بها وسلحتها، وفي الوقت نفسه واصل الأغنياء تشجيع الجماهير الثائرة وتمويلها وتسليحها لعل هذا أن يثني الملك عن استعمال القوة مع الجمعية(79).
وفي صباح 14 يوليو الباكر أغار حشد من ثمانية آلاف رجل على الأوتيل ديزنفاليد، واستولوا على 23.000 بندقية، وبعض البارود، واثنتي عشرة قطعة من المدفعية. وفجأة صاح لأحدهم "إلى الباستيل". ولكن لم الباستيل بالذات؟ لا لإطلاق سراح سجنائه، الذين لم يتعدوا السبعة، فضلاً عن أنه كان بوجه عام منذ 1715 يستعمل مكاناً لحبس راق لسراة القوم. غير أن هذه القلعة الضخمة التي بلغ ارتفاعها مائة قدم وسمك أسوارها ثلاثين قدماً والتي أحاط بها خندق عرضه خمسة وسبعون قدماً ظلت أمداً طويلاً رمزاً للاستبداد. وكانت ترمز في ضمير الشعب إلى مئات السجون والزنزانات الخفية، وكان بعض الكراسات قد طالب بتدميرها. ولعل ما أثار الجمع علمهم بأن الباستيل قد صوب بعض المدافع إلى شارع وضاحية سانت-أنطوان، وهي حي يغلي بالمشاعر الثورية. وربما كان أهم من هذا كله ما قيل من أن الباستيل احتوى مخزناً ضخماً من السلاح والذخيرة، لا سيما البارود، ولم يملك الثوار منه إلا القليل. وكان في القلعة حامية قوامها اثنان وثمانون جندياً فرنسياً واثنان وثلاثون من الحرس السويسري، بقيادة المركيز دلوني، وكان رجلاً لين الطبع(80). ولكن ذاع عنه بين الجماهير أنه وحش غليظ القلب(81).
وبينما كان الجمع الذي أكثره من الباعة والصناع يتجه صوب الباستيل استقبل دلوني وفداً من المجلس البلدي، طلب إليه سحب المدافع المهددة من مواقعها، وألا يتخذ أي إجراء عدائي نحو الشعب،ووعد نظير ذلك باستخدام نفوذه لثني الجمع عن مهاجمة الحصن. ووافق القائد،واستضاف الوفد لتناول طعام الغداء، وتلقت لجنة أخرى أوفدها المحاصرون أنفسهم تعهداً من دلوني بألا يطلق جنوده النار على الشعب ما لم تكن هناك محاولة الحصن عنوة. ولكن هذا لم يرض الجمع الهائج، فقد كان مصمماً إلى الاستيلاء على الذخيرة التي لا تستطيع بنادقه بدونها أن تقاوم الزحف المنتظر من جنود بيزنفال الأجانب على المدينة. على أن بيزنفال لم يكن حريصاً على الزحف إلى داخل باريس إذ خامره الظن بأن جنوده سيرفضون إطلاق النار على شعب. لذلك انتظر الأوامر من دبرولي، ولكن شيئاً منها لم يصله.
وحوالي الواحدة بعد الظهر تسلق ثمانية عشر من الثوار سور بناء مجاور، ووثبوا إلى داخل الفناء الأمامي للباستيل، وأنزلوا كوبريين متحركين، فعبر المئات فوق الخندق، وأنزل كوبريان آخران، وسرعان ما امتلأ الفناء بجمع متحفز واثق من نفسه. فأمرهم دلوني بالانسحاب، فأبوا، وعليه فقد أصدره أمره لجنوده بإطلاق النار عليهم. ورد المهاجمون على النار وأشعلوا النيران في بعض الأبنية الخشبية والملاحقة للأسوار الحجرية.وحوالي الثالثة انضم أفراد من الحرس الفرنسيين المتطرفين إلى المحاصرين، وأخذوا يقصفون الحصن بخمسة من المدافع التي استولت عليها الجماهير ذلك الصباح من الأوتيل ديزنفاليد. وبعد أربع ساعات من القتال لقي ثمانية وتسعون من المهاجمين وواحد من المدافعين مصرعهم. أما دلوني فحين رأى الجمع لا يفتأ يزداد عدداً بوصول إمداد جديدة، وإذ لم تصله كلمة عده بالعون من بزينفال، ولم يكن لديه مئونة من الطعام تثبت للحصار، فقد أمر جنده بالكف عن إطلاق النار ورفع علم أبيض. ثم عرض الاستسلام إذا سمح لجنوده بالخروج بسلاحهم آمنين، فرفض الجمع الذي هاجمه منظر قتلاه النظر في أي شيء غير التسليم دون قيد أو شرط(82). وأراد دلوني نسف الحصن فمنعه رجاله. وعليه أرسل إلى المهاجمين أسفا الحصن مفتاح لمدخل الرئيسي. واندفع الجمع، وجردوا الجنود من سلاحهم، وقتلوا ستة منهم، وقبضوا على دلوني، وأطلقوا سراح السجناء المذهولين.
وبينما كان كثير من المنتصرين يستولون على ما وصلت إليه أيديهم من سلاح وذخيرة، وقاد فريق من الجمع دلوني إلى الأوتيل دفيل توطئه لمحاكمته فيما يبدو على جريمة القتل. وفي الطريق أوقفه المتحمسون منهم وأوقعوه أرضاً، وأوسعوه ضرباً حتى مات، ثم قطعوا رأسه، واخترقوا شوارع باريس في عرض ظافر وهم يحملون هذه الغنيمة الدامية مرفوعة عالياً فوق حربة.
في عصر ذلك اليوم عاد لويس السادس عشر إلى فرساي من رحلة صيد قضى فيها نهاره،ودون في يوميته هذه الملاحظة "14 يوليو: لا شيء" فلما وصل الدوق دلاروشكوكو-لانكور قادماً من باريس أنبأه بنبأ الهجوم الناجح على الباستيل. وقال الملك مندهشاً "ماذا، هذا تمرد " وأجاب الدوق "لا يا مولاي، إنها ثورة".
وفي 15 يوليو ذهب الملك إلى الجمعية في تواضع وأكدها أن الجنود الإقليميين والأجانب سيبعدون عن فرساي وباريس، وفي 16 يوليو أقال يروتوي واستدعى نكير لوزارة ثالثة.وبدأ بروتوي وأرتوا ودبرولي وغيرهم من النبلاء حركة نزوح المهاجرين عن فرنسا،ودمرت لجماهير أثناء ذلك الباستيل بعد أن تسلحت بالمعاول والبارود. وفي 17 يوليو ذهب لويس إلى باريس يرافقه خمسون من الجمعية،واستقبله المجلس البلدي والشعب في الأوتيل دفيل، وثبت على قبعته شارة الثورة الحمراء البيضاء والزرقاء.