قتل الأقباط مع سبق الإصرار.. جريمة دولة - محمد أبو الغار

من معرفة المصادر

قتل الأقباط مع سبق الإصرار.. جريمة دولة، د. محمد أبو الغار.

حادثة مقتل ستة من الأقباط ومعهم شرطي مسلم في ليلة العيد الكبير للأقباط ليست هي الأولي من نوعها، وإنما هي حادثة متكررة حدثت عشرات المرات عبر السنوات الماضية وراح ضحيتها مئات الأقباط بالإضافة إلي الاعتداء علي الممتلكات القبطية بالحريق والتكسير ودون أي تعويضات عنها، ومعظم الحوادث تقع في الصعيد ولكن هناك عدة حوادث تمت في الوجه البحري والإسكندرية وبعض عشوائيات القاهرة. الموضوع خطير ومهم ويثير القلق الشديد علي الوطن كله لأن الأمر لم يعد قضية أقباط يُعتدي عليهم وإنما وطن يتفتت ويتشرذم ونهاية للمشروع المدني بتحقيق المواطنة والمساواة، وسوف تكون له أبعاد كارثية علينا جميعاً.

أولاً: القول إن هذه حادثة فردية أو إنها حادثة جنائية قام بها مجرم محترف شيء لا يمكن أن يأخذه أحد بجدية لأنه حتي لو كان القاتل محترفاً فمن حرضه؟ هم جماعة من المسلمين.

ثانياً: الطريقة التي تم بها معالجة القضية في الصحف القومية تميزت بنفس خط هذه الصحف في محاولة إبعاد النظام عن أي مصيبة يتسبب فيها، بينما نشرت الصحف المستقلة جميعها الخبر بحرفية عالية وبطريقة تشير لخطورة الأمر علي كل المصريين.

ثالثاً: الدولة والنظام المصري يتعاملان مع الأمر المتكرر بطريقتين، الأولي بإخفاء رأسه في الرمال مثل النعامة وكأن الموضوع أن شخصاً قبطياً انزلقت رجله في الشارع وكسرت ويقفلون علي الأمر بسرعة بالقبض علي أي متهمين تفرج عنهم النيابة بعد ذلك أو تتم تبرئتهم بواسطة القضاء، وهو شيء متكرر بسبب إهمال الشرطة من ناحية ومحاولة إخلاء مسئوليتها وذلك بالقبض علي أي متهمين ليس بالضرورة أنهم مرتكبو الجريمة من ناحية أخري، والأمر الثاني يوحي بأن هناك جناحاً متطرفاً في النظام لا يمانع من ممارسة العنف ضد الأقباط، وهو الذي يغمض عينيه عن حجم الكارثة ويحاول غلق الملف بسرعة ولا من شاف ولا من دري، هذا بالإضافة إلي عدم كفاءة أجهزة النظام التي ترهلت والتي لم تصبح ذات كفاءة عالية إلا في حماية الرئيس وعائلته.

رابعاً: المتهم الآخر هو النظام المصري ممثلاً في نواب الشعب عن الدائرة والحكم المحلي والمحافظ الذي تقع في دائرته الواقعة. لأن المنوط بهم الأمر يعلمون أن هناك تربصاً ومشكلة ولكنهم لا يتحركون ولا يرصدون ولا يفكرون لأن المشكلة لا تخص إلا بضعة فلاحين من الأقباط، والكارثة أن بعض أصابع الاتهام بالتحريض قد وجهت في بعض الصحف وعلي الإنترنت إلي مسئولين ونواب محليين ذكروا بالاسم.

خامساً: المتهم الأكبر هو المناخ العام الكارثي الذي بدأ في عهد السادات ولكنه ترعرع ونما حتي غطي المحروسة كلها في عهد مبارك، فهذه الدولة التي تتحكم في كل نسمة هواء قد تعكر مزاج الحكام وتقبض علي الآلاف لأسباب واهية أو دون أسباب تركت أغلبية الجماهير المصرية في القري تتربي علي كراهية الأقباط، ورد الأقباط بالانفصال عن المجتمع والاحتماء بالكنيسة، وانفصل المجتمع تدريجياً والحكام ملهيون بتشجيع الفساد ومكافأة المفسدين ومنع أي عقوبة عليهم.

سادساً: اختيار المسئولين من الذين يضعون المناهج المدرسية من المتعصبين، أو علي الأقل غير واعين بأن هناك ديناً آخر لبعض التلاميذ في مصر، فجاءت اختياراتهم في القراءة العامة والقصص وحتي آيات القرآن الكريم لا تتناسب ولا تراعي المرحلة العمرية للطالب ولا طريقة تفكيره، وخير مثال حدث هو إلغاء الكتاب البديع الممتع «الأيام» لطه حسين من المدارس الثانوية وكذلك وضع المناهج الدراسية التي لا تشير إلي الاختلاف بين البشر، في اللون واللغة والدين الجنس، وأننا يجب أن نحترم هذه الفروق لأن البشر جميعاً سواسية.

سابعاً: سمحت الدولة لبعض المدرسين المتعصبين بإثارة التعصب ضد الأقباط وخلق كراهية في قلوب التلاميذ المسلمين تجاه زملائهم من الأقباط ولم تتخذ إجراءات رادعة في هذا الصدد.

ثامناً: تركت الدولة عدداً من الدعاة والكتاب، كبارهم وصغارهم يحرضون ضد الأقباط ويحطون من شأنهم، مما خلق اتجاهاً عاماً ضد الأقباط بين فئات كبيرة من المسلمين.

تاسعاً: ساعد علي ذلك أن الأقباط انسحبوا داخل الكنيسة التي أصبحت بيتاً ونادياً ومدرسة وملجأ للقبطي فتم تقسيم المجتمع، وأصبحوا يؤيدون النظام الفاسد الذي لا شعبية له حتي يقوم بحمايتهم وهم في ذلك واهمون لأن من سيحميهم فعلاً هو الشعب المصري كله.

وأخيراً: هل يمكن إيجاد حل لهذه الكارثة؟ الأمر عويص وصعب، لأن الدولة الرخوة- كما سماها جلال أمين. لا تتدخل في مشكلة إلا بعد تفاقمها، وغالباً تتدخل بطريقة خاطئة.

أعتقد أن الإخوان المسلمين عليهم واجب وطني لحل هذه المشكلة ليس بتصريحات وردية تضامنية من المتفتحين في الجماعة وإنما بعمل جماعي تنظيمي عن طريق وحداتهم الصغيرة المنتشرة في القري المصرية بأن يقوموا بحملة لتوعية المسلمين بخطورة هذا الأمر علي مصر كلها وكذلك لطمأنة الأقباط وعمل علاقات معهم. ولو فعل الإخوان ذلك بصدق وجدية ربما يكون هو أهم عمل وطني في تاريخ الجماعة يعطيها المصداقية والقبول بين جموع المصريين، لأنه للأسف لا الدولة ولا الحزب الوطني يقدران علي ذلك لعدم ثقة المواطنين فيهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر