عودة الحجاب (كتاب)

من معرفة المصادر

عودة الحجاب

القسم الأول معركة الحجاب والسفور

جمع وترتيب محمد أحمد اسماعيل المقدم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة الطبعة الثالثة

الحمد لله الذي اخمد ذكر الطواغيت فصار بعز التوحيد والإسلام مطموساً وأذل بقهره منهم أعناقاً ورؤوساً وصرف عن أهل طاعته بلطفه وإسعاده أذى و بوساً ورفع كيد شياطين الإنس والجن عن قلوب أهل الإيمان فأصبح عنها محبوساً .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في معتقده وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعلى سائر التابعين مقصده الصابرين من البلاء على أشده . أما بعد : فما أشد حاجتنا إلى إعادة النظر في تقويم الرجال بعد رحلة الشقاء التي تركت قلوبنا مجرحة وأيدينا مرتعدة وسيوفنا ملثمة تلك الرحلة التي قام فيها على امرنا فريق التحف الإسلام وتبطن الكفر حمل بين فكيه لساناً مسلماً وبين جنبيه قلباً كافراً مظلماً حرص كل الحرص على أن يطفئ نور الإسلام ويهدم عز المسلمين فلم يجد أعون له على هذا الغرض السيئ من أن يقدم لنا الكفر والفسوق والعصيان في ثوب إسلامي ويتولى تزيينه لنا سدنته من الزعماء وربائبه من المفكرين فكانت النتيجة ركاماً ضحلاً تافهاً مظلماً من المبادئ التي أخذناها لنستر بها عُريَنا فعرينا ! والمناهج التي اقتبسناها لننسج بها آمالنا فنسجنا بها أكفاننا ! ( إن كثيراً ممن نعتبرهم اليوم دعائم النهضة الحديثة لم يصبحوا كذلك في أوهام الناس إلا بسبب الدعايات المغرضة التي أرادت أن تضعهم في هذه المنزلة لتحقق بذلك أغراضها في نشر مذاهبهم والتمكين لأرائهم ولأن كثيراً من الآراء المنحرفة التي لم تكن تستطيع أن تجد طريقها إلى الفكر الإسلامي وإلى مجتمعاته قد أصبح قبولها ممكناً بنسبتها إلى هذه الزعامات وإلى هؤلاء الأئمة الذين لا يتطرق إلى الناس شك في إخلاصهم وعلمهم والواقع أن كثيراً من هؤلاء الرجال قد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجداً وذكراً بين الناس ولم يكن الغرض من ذلك خدمتهم ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه وخطة الاستعمار واليهودية العالمية في ذلك كانت تقوم – ولا تزال – على السيطرة على أجهزة النشر التي نسميها الآن " الإعلام " وإلقاء الأضواء من طريقها على كُتاب ومفكرين من نوع خاص يبنون وينشئون بالطريقة التي يبني بها نجوم التمثيل والرقص والغناء بالمداومة عن الإعلان عنهم والإشادة بهم وإسباغ الألقاب عليهم ونشر أخبارهم وصورهم وذلك في الوقت الذي يُهمل فيه الكتاب والمفكرون الذين يمثلون وجهات النظر المعارضة أو تُشوه آراؤهم وتُسفه و يُشهَّر بهم ثم هي تقوم على تكرار آرائهم آناً بعد آن لا يملون من التكرار لأنهم يعلمون أنهم يخاطبون في كل مرة جيلاً جديداً أو هم يخاطبون الجيل نفسه فيتعهدون بالسقي البذور التي ألقوها من قبل . ونحن حين ندعو إلى إعادة النظر في تقويم الرجال لا نريد أن ننقص من قدر أحد ولكننا لا نريد أن تقوم في مجتمعنا أصنام جديدة معبودة لأناس يزعم الزاعمون أنهم معصومون من كل خطأ وأن أعمالهم كلها حسنات لا تقبل القدح والنقد حتى أن المخدوع بهم والمتعصب لهم والمروج لآرائهم ليهيج ويموج إذا وصف أحد الناس إماماً من أئمتهم بالخطأ في رأي من آرائه في الوقت الذي لا يهيجون فيه ولا يموجون حين يوصف أصحاب رسول الله  ورضي الله عنهم بما لا يقبلون أن يوصف به زعماؤهم " المعصومون " ! ويحتمون بحرية الرأي في كل ما يخالفون به إجماع المسلمين ويأبون على مخالفيهم في الرأي هذه الحرية يخطئون كبار المجتهدين من أئمة المسلمين ويجرحونهم بالظنون والأوهام ويثورون لتخطئة ساداتهم أو مواجهتهم بالحقائق الدامغة ) اهـ (1) ويرهق كثير من الكتاب عقولهم في تحديد هوية أولئك المتآمرين وهذا لا مبرر له إذ يكفينا أنهم ( كارهون لما أنزل الله ) فلا نبالي حينئذ أن يكونوا حقاً صنائع اليهودية أو الصليبية أو الماسونية أو الشيوعية لأن الكفر مهما تعددت ألوانه فهو كفر ينبغي محاربته واستئصاله ودين الشيطان لا يعرف الجنسية .وهؤلاء الذين ما يزالون يتعامَون عن رؤية الواقع الصارخ الذي يؤكد أن هناك مؤامرة وتدبيراً خفياً يستهدف القضاء على الإسلام – غافلون مخدوعون بأصحاب القفازات الحريرية الذين هم " من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " . إن من الغفلة أن نعمى عن أعداء ديننا بل ونتخذهم أولياء من دون المؤمنين وهم – في ذات الوقت – لا يدخرون وسعاً في تحطيم مقومات الأمة وتنفيذ مخططات أعدائها : بأبي وأمي ضـاعت الأحلام أم ضاعت الأذهان والأفهام من حاد عن دين النبي محمد أله بـأمـر المـســلمـين قـيام إن لا تكن أسـيافهم مشـهورة فـينا فتـلك سـيـوفـهـم أقـلام (2)


(1) ( الإسلام والحضارة الغربية ) للدكتور محمد محمد حسين رحمه الله ، ص ( 47-49 ) بتصرف . (2) ( غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب ) لمحمد بن أحمد السفاريني (2/14) . وإذا كنا بصدد الحديث عن المؤامرة على المرأة المسلمة كجزء من مشروع استعماري شامل لتغيير وجه الحياة في مصر واقتلاع المجتمع الإسلامي من جذوره فلا ريب يستوقفنا مواقف رضعاء ألبان الغرب والشرق الذين غسلت أدمغتهم في دهاليز الكفر وترعرعوا في كنف الإلحاد وعادوا إلى بلادنا لترتفع على أكتافهم أعمدة الهيكل العلماني من هنا كان لابد من وقفات معهم تبين بالوثائق والأدلة موقفهم من الإسلام وعليه موقف الإسلام منهم .

ولئن كان هناك رجال وقفوا حياتهم على هدم الإسلام فلابد أن يكون مصيرهم الهدم ومن عجيب أمر بعض السذج أنهم تأخذهم بأولئك الهدامين رأفة في دين الله وينكرون على من يكشف كيدهم قائلين : " وما يدريك لعلهم تابوا ! ففلان حج أو اعتمر وفلان بنى مسجداً وفلان أعلن أنه يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم " ! نقول : هذا فهم قاصر لمعنى التوبة في حق هؤلاء فإن من شرط توبتهم أن يتوبوا عن مظالمهم وان يقلعوا عن غيهم ويتبرأوا مما بدر منهم في حق دين الحق ويندموا على ما بارزوا به الإسلام والمسلمين ويعلنوا ذلك على الملأ . وقد يقول قائل : " لعلهم تابوا ولكن حيل بينهم وبين إعلان توبتهم " نقول : هذا محتمل وقد قال الله تعالى :  إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق  البروج ( 10) وقال  : ( ..... وإنما الأعمال بالخواتيم ) (3) والخواتيم مغيبة فلهذا كان من أصول أهل السنة عدم الحكم لمعين بالجنة ولا الحكم على معين بالنار إلا بنص من الوحي ولكن هذا لم يمنعهم من أن يجروا أحكام الإسلام على من كان يظهر الإسلام في الدنيا وأحكام الكفر على من أظهره في الدنيا وانشرح به صدره ولم يمنعهم ذلك أيضاً من أن يحذروا من ضلال المضلين وتلبيس الملحدين مع علمهم بأن الخواتيم مغيبة إذ إن ذلك من واجبات الديانة .

وحينما نعرض الوثائق التاريخية التي تنطق بإدانة أولئك المتمسلمين الذين رفعوا عقيرتهم بالصد عن سبيل الله فإن مقصودنا الأول هو تحذير المسلمين من ضلالهم أما القطع بخاتمة شخص معين أو الحكم عليه بجنة أو نار فهذا لا يملكه إلا العزيز الغفار .


(3) قطعة من حديث رواه الشيخان – انظر " جامع الأصول " ( 10/220- 221).


ومن هنا يتضح لك الجواب عما رمانا به أحد " عُباد الصليب " وقد أخذته الحمية وتدفقت من قلبه الغيرة على شخصيات تناولها البحث بالنقد فكتب في ( الأهرام ) تحت عنوان : " تشويه العظماء " :

( إن محاولات هؤلاء المتخلفين وهجماتهم لم تقتصر على أعلامنا الأحياء بل امتدت لتشمل روادنا الراحلين أي أن حقد المتخلفين لم يقف احتراماً للموت بل استطاع أن يتجاوز حواجزه حتى ينفث سمومه هناك حيث رحاب الله وانهالت عليهم تهم الإلحاد والكفر والزندقة وكأن هؤلاء المتخلفين قد ورثوا بابوات روما في العصور الوسطى المظلمة في منح صكوك الغفران لمن يحبونه وحجبها عمن يحقدون عليهم !! ( قلت : أنت أدرى !!) . وقد آن الأوان ليعلم هؤلاء المتخلفون الجهلاء أن السلطة الوحيدة التي تملك حق اتهام الآخرين على وجه هذه الأرض هي السلطة القضائية وذلك بناء على قرائن و شواهد محددة أما أن يتخيل جاهل متخلف أن في قدرته تحديد الذاهبين إلى الجنة والساقطين في الجحيم فإنه بهذا يتدخل في إرادة الله سبحانه وتعالى ) اهـ

ولا أجد جواباً عليه إلا أن أنقل قوله :

( ولكي ندرك خطورة ما يجري الآن فلنا أن نتخيل حياتنا الثقافية بدون طابور روادنا العظام ابتداء برفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وهدى شعراوي ولطفي السيد وطه حسين ، ... وسلامة موسى ومحمد مندور وانتهاءً بتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وزكي نجيب محمود ولويس عوض وأمينة السعيد وعبد الرحمن الشرقاوي وحسين فوزي ويوسف إدريس وأحمد بهاء الدين وغيرهم ممن حملوا شعلة الثقافة المستنيرة عبر ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان ) اهـ

ثم أتساءل : ما هو الذي يجمعك يا عابد الصلبان مع هؤلاء الرواد " العظام " سوى وحدة الهدف ؟

إن وثائق الإدانة لهؤلاء الرواد العظام (!) تتزاحم أمامي الآن كل منها يستبق ليحتل السطور القليلة في هذه المقدمة ولكني أرجئ أغلبها وأتخير وثيقة واحدة وهي عبارة مظلمة نطق بها يوماً أحد روادك العظام وهو الذي أسماه أبوه ( أحمد بهاء الدين ) قال :


قال : ( لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيداً عن اللف والدوران وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيماً خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير أما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير ومن ثم فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا ) اهـ (4) إن الإسلام دين الله الحق لا يهزم أبداً في معركة شريفة ولا يهاب الصراع مع الباطل أياً كان إذ : ( ليس الخطر الذي يهدد المجتمع الإسلامي ناشئاً عن هذا الصراع فالصراع بين الأصيل والدخيل سنة من سنن الله العليم الحكيم يضرب فيها الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض  الرعد آية 17 ليس هذا الصراع إذاً مصدر خطر بل إنه ربما يدعو إلى التفاؤل والاطمئنان ولكن مصدر الخطر وعلامته هي أن يزول هذا الصراع وأن يفقد الناس الإحساس بالفرق بين ما هو إسلامي وبين ما هو غربي إن فقدان هذا الإحساس هو النذير بالخطر لأنه يعني فقدان الإحساس بالذات فالجماعات البشرية إنما تدرك ذاتها من طريقين معاً : من طريق وحدتها التي تكونها المفاهيم والتقاليد المشتركة ومن طريق مخالفتها للآخرين التي تنشأ عن المغايرة والمفارقة ولذلك كان الخطر الذي يتهدد هذه الوحدة يأتيها من طريقين : الشعوبية التي تفتتها والعالمية التي تميعها فزوال الإحساس بالمغايرة والمفارقة هو هدم لأحد الركنين اللذين تقوم عليهما الشخصية وهذا هو ما لا نريد أن يكون ، نريد أن يظل هذا التمييز بين ما هو إسلامي وبين ما هو طارئ مستجلب – شرقياً كان أو غربياً – حياً في نفوس الأجيال الصاعدة والتالية وهي أمانة تلقاها جيلنا عمن قبله ولابد أن يحملها إلى من يجئ بعده ) (5)

وأخيراً لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان على نشر هذا الكتاب والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الإسكندرية في الجمعة الثالث عشر من شهر الله المحرم 1406 هـ .

(4) انظر : ( الصحافة والأقلام المسمومة ) للأستاذ أنور الجندي – ص(214). (5) ( الإسلام والحضارة الغربية ) ص ( 59- 60 ) .


مقدمة الطبعة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إلى إلا الله وحده وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون  (آل عمران  : 102 )

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً (النساء : 1 )

                                                                                         يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً   ( الأحزاب : 70 )

أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله و أحسن الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

بين يديك – أيها القارئ – مواقف تاريخية تبين لك فصول ( المعركة ) التي نشبت في أواخر القرن الماضي واستمرت أمداً بعيداً بين ( الحجاب ) وبين ( السفور ) بين ( العفة والفضيلة ) وبين ( التهتك والرذيلة ) .

وقد تركز البحث حول تاريخ هذه المعركة في ( مصر) وإن كان من حقه أن يستوفي تفاصيل المعركة في سائر البقاع الإسلامية ولهذا الأمر مسوغات

منها عزة المصادر المرضية التي يمكن من خلالها استنباط المقصود .

ومنها أن مصر لما لها من مركز حساس ولما تتمتع به من صدارة تؤهلها للقيادة الفكرية – يقر بها الجميع – كانت الأسوة والقدوة في شتى المجالات بعامة وفي مجال ( المرأة ) بخاصة الأمر الذي جعل من فصول المعركة خارجها صورة مطابقة لما حدث فيها ولا ينسى التاريخ وصية الملك " عبد العزيز " لأبنائه بأن يقيسوا حال الأمة العربية قوة وضعفاً بحال مصر فهي ميزان قوة العرب والمسلمين (6)

(6) "مدافع آية الله " لمحمد حسنين هيكل ( ص 254 ) ، وانظر ص ( 17 ، 252 ) من نفس المصدر ، وانظر أيضاً : " تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين " للشيخ عبد الله الشرقاوي المطبوع بهامش " فتوح الشام " للواقدي ص ( 11،17- 21 ) .

ولا ينسى التاريخ أن دفاع المسلمين المصريين ضد الإنكليز وعملائهم من دعاة ما يسمى بـ ( تحرير المرأة ) كان انطلاقاً من وجهة نظر الشاعر " أحمد محرم " التي يلخصها قوله مشيراً إلى " مصر " :

احـفـظـوها إن مـصـر إن تـضـع ضاع في الدنيا تراث المسلمين

ومن هنا لم يكن عفواً أن يبدأ المبشرون الصليبيون بمصر قلعة الإسلام الصامدة ومركز ثـقله ولم يكن عفواً أن يكون قادة الغزو الصليبي الجديد لمصر من القساوسة المعروفين بكيدهم للإسلام والمسلمين أمثال " دنلوب " هذا الكاهن الذي :

( خلع عنه ثوب الكهنوت ودخل في خدمة الحكومة يدير مدارسها في خلال ربع قرن فكان يناهض القرآن مناهضة سرية متواصلة ) (7)

وأمثال" كرومر" الذي تخرج هو و دنلوب من أكبر المدارس اللاهوتية في أوربا (8) وغيرهم من النصارى الذين رحلوا إلى مصر ليتخذوها قاعدة انطلاق وليجندوا زملاءهم من المنافقين والمنافقات الذين أظهروا أسماء المسلمين وأبطنوا قلوب الذئاب يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (البقرة:9 )


فمن هنا جاز تجريحهم وكشف عوارهم تحذيراً منهم ونصيحة للمسلمين كما بين ذلك علماء " الجرح والتعديل " ولا عدوان إلا على الظالمين .( البقرة : 193 )


ولله در القائل :

من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعـن كـل بـدعـي أتـى بـالعـجـائـب ولـولا رجــال مـؤمـنـون لـهــدمــت صــوامـع ديــن الله مــن كـل جـانب

(7) " المخاطر التي تواجه الشباب المسلم " د / " مصطفى حلمي " ص ( 28 ) نقلاً عن ( الإسلام وآسيا أمام المطامع الأوربية ) تأليف أوجين يونج ص ( 157 ) . (8) " المرأة ومكانتها في الإسلام " لأحمد عبد العزيز الحصين ص ( 207 ) .


هذا وقد حرصت أن أعزو – ما استطعت – كل قول إلى قائله لأخرج من تبعته وقصرت جهدي على الجمع والترتيب إلا فيما لابد منه من التوضيح والتهذيب . وهذا الجزء هو الأول من مجموعة ( عودة الحجاب ) يتلوها إن شاء الله تعالى الأجزاء :

الثاني ، وموضوعه : المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية . والثالث ، ويتضمن : مقدمة في ذم التبرج والحث على الحجاب – شروط زي المرأة المسلمة – الاختلاط وأضراره – معاني الحجاب وتاريخه – بدعة الدعوة إلى السفور – السفور والغيرة – السفور والحياء – أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية على وجوب انتقاب المرأة وسرد المذاهب في ذلك ومناقشة أدلة المخالفين . والرابع ، ويتضمن : ثلاث قضايا جامعة : تعليم المرأة ، وعمل المرأة ، وأحكام القرار في البيوت – يسر الله إتمامها .

هذا عدا مسائل أخرى تفرعت من أبواب هذا البحث تعم الحاجة إلى تبيينها وإن بعدت عن المقصود الأصلي منه ولكن قد يذكر الشيء بالشيء وتصح الإضافة بأدنى مشابهة في الزي والفيء وكلها نبضات قد يعوزها الترتيب والتنسيق ولكن أرجو ألا يعوزها الصدق والتوفيق والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل سعيي هذا مشكوراً وجهدي في هذا الجمع والترتيب – وإن كنت مقلاً – مبروراً ويتوب علينا وعلى سائر العصاة فيما فرط منا من السيئات والذنوب توبة لا يصيبنا بعدها نصب ولا يمسنا فيها لغوب وحسبي بعد ذلك أن أدعو الله أن لا يصرف من نيتي شيئاً إلى غيره وأن يوفقني كي لا أبتغي بما سطرته إلا وجه الله والدار الآخرة فإن من كان همه هناك كان في شغل شاغل عن مدح المادحين وقدح القادحين

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله وعليه توكلت وإليه أنيب  ( هود : 88 )


والحمد لله رب العالمين .



معركة الحجاب والسفور ( قضية المرأة ) بين المنهزمين و المتآمرين(9)

إن جملة الأحكام التي يطلق عليها عنوان ( الحجاب ) هي في الحقيقة مشتملة على أهم أجزاء النظام الاجتماعي في الإسلام فإذا وضعت هذه الأحكام موضعها الصحيح في النظام الإسلامي بكامله ثم تأملها أحد فيه أثارة من البصيرة الفطرية السليمة لم يلبث أن يعترف بأنها الصورة الوحيدة الممكنة التي تضمن القصد والاعتدال في الحياة الاجتماعية وأن هذه الأحكام لو عرضت على العالم منفذة في الحياة العملية بروحها الحقيقية الصحيحة لهرولت الدنيا المنكوبة إلى هذا النبع الصافي تلتمس فيه الدواء لأدوائها الاجتماعية المتفشية بدل أن تنفر منه أو تطعن عليه . في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومطلع القرن التاسع عشر فوجئت الممالك الإسلامية بطوفان من الاستعمار الغربي وبينما المسلمون في هجود الكرى لم يستيقظوا بعد كل اليقظة جعل هذا السيل يمتد من قطر إلى قطر حتى شرق العالم الإسلامي وغرب وما أن انتصف القرن التاسع عشر حتى غدت معظم الأمم المسلمة عبيداً للغرب الأوربي وخولاً له والتي لم تدخل منها في عبوديته لم تسلم من الخضوع لسلطانه ورهبة بأسه وسطوته . ولما بلغ هذا الانقلاب تمامه بدأت في المسلمين آثار اليقظة والحركة فلما فتحوا أعينهم على الحال التي قد صاروا إليها فشلت ريحهم وزال عنهم بغتة ذلك الفخار والاعتزاز الذي طالما تأصل فيهم لبقائهم في عز الغلبة ومجد السيادة قروناً متوالية فعادوا يفكرون في أنفسهم كالسكران يفيقه توالي الضربات من عدو شديد ويبحثون عن الأسباب التي هبطت بهم وغلبت الإفرنج عليهم غير أن عقولهم لم تكن ثابت بعد إلى رشدها إذ كان السكر لا ريب قد ذهب عنهم ولكن ميزان الفكر كان لا يزال مختلاً فيهم : فبجانب كان يلح بهم شعور بالذلة والهوان ويؤزهم أزاً على تبديل ما هم فيه من الأحوال وبجانب آخر يغلبهم من حب الراحة وإيثار الدعة والارتخاء ما يحملهم على توخي أقرب الطرق وأسهلها لتبديل تلك الحالة وقد خارت فيهم من جهة ثالثة قوى الفكر والعقل وصدئت ملكات الفهم والذكاء بطول تعطلها عن العمل زد على ذلك كله ما أخذ بمجامع نفوسهم من الدهشة والروعة التي تعتري بالطبع كل أمة منهزمة مستعبدة ،


(9( مستفاد بتصرف من كتاب " الحجاب " للمودودي رحمه الله ص ( 37- 47 ) طبع مؤسسة الرسالة .

وتغلغلت هذه العوامل في محبي الإصلاح من المسلمين وأوقعتهم في كثير من الضلالات العقلية والعملية فأكثرهم ما كادوا يفطنون للأسباب الحقيقية في ارتقاء أوربة وانحطاطهم وأما الذين فهموها منهم وأدركوها فأعوزهم من بعد الهمة والعزيمة ما يتشجعون به على اختيار الطريق الوعرة للرقي والتقدم وكان من وراء ذلك كله الروعة والدهشة التي تعتري الطائفتين على السواء فلما مضوا بهذه العقلية المريضة الزائفة يريدون الإصلاح لم يروا أضمن للرقي من ولا أدنى للوصول إليه من أن يحاكوا في حياتهم اليومية كل مظاهر التمدن والحضارة الغربية فيعودوا كالمرآة الصافية يرى فيها خيال الروضة والأزهار والرياحين وليس فيها من حقيقة هذه المناظر من شيء . " لتتبعن سنن من كان قبلكم " (10) وهذه هي الفترة الانهزامية التي غدت الأمم الإسلامية فيها تحاكي أمم الغرب في الزي واللباس وسائر المظاهر الاجتماعية في آداب المجالس وأطوار الحياة حتى في الحركة والمشي والتكلم والنطق لقد حاولوا تشكيل المجتمع المسلم على الصيغة الغربية وقبلوا الإلحاد والدهرية والمادية في نشوة التجدد بدون حيطة أو شعور بالعواقب وعدوا من لوازم التنور الفكري إيمان المرء بكل ما بلغه من قبل الغرب من فكرة ناضجة أو فجة والإفاضة فيه في مجالسه ورحبوا بالخمر والقمار واليانصيب والتهتك والرقص وما إلى ذلك من ثمرات الحضارة الغربية ثم سلموا بجميع معتقدات الغرب وأعماله في الأخلاق والآداب والاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون حتى في العقائد الإيمانية والعبادات سلموا بكل ذلك من غير فهم أو شعور ومن غير نقد أو تجريح كأنه تنزيل من السماء ليس لهم قبله إلا أن يقولوا : ( آمنا ) وأصبح المسلمون أنفسهم يستحيون من كل ما نظر إليه أعداء الإسلام بالتحقير والتعيير ولو كان هذا الشيء من الأمور الثابتة في الشرع الحنيف وطفقوا يحاولون أن يمحوا تلك السبة عن أنفسهم :

 اعترض الغربيون على ما عندهم من أحكام الجهاد فقال هؤلاء المنهزمون : ( ما لنا وللجهاد يا سادة ؟ إنا نعوذ بالله من هذه الهمجية ) ...

 اعترضوا على الرق فقال هؤلاء : ( إنما هو حرام عندنا أصلاً ) (11)

 وأطالوا لسان القدح في تعدد الزوجات فجاء المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه (12)


(10) صدر حديث رواه الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري عن النبي " وتتمته (.... شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى

       لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ )

(11) انظر " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " للشنقيطي ( 3/386- 389 ) . (12) انظر المرجع السابق ( 3/773- 380 )  ثم قال أولئك الغربيون : ( لابد من مساواة الرجل و المرأة في جميع نواحي الحياة ) فوافقهم المنهزمون وقالوا : ( وهذا هو الذي ينادي به ديننا ويدعو إليه ).

 وطعن القوم في أحكام الزواج والطلاق في الإسلام فقامت طائفة من المنهزمين تعالجها بالإصلاح والتعديل .

 ولما عابوا الإسلام بأنه عدو لما يسمى ( الفنون الجميلة ) استدرك هؤلاء قائلين : ( كلا بل ما زال الإسلام مذ كان يحتضن هذه الفنون ويحضوا عليها ويشرف على الرقص والموسيقى والتصوير والغناء ونحت التماثيل ......)

ففي سبيل دفع تهم الجمود التي يلصقها الغربيون بالشريعة رأينا هؤلاء المنهزمين ينجرفون إلى أقصى الطرف المناقض في بيان ما تنطوي عليه الشريعة من مرونة التطبيق حتى يبلغوا بهذه المرونة حد الميوعة وانعدام الذات والمقومات تلك الميوعة التي تجعلها صالحة لأن تكون ذيلاً لأي نظام وتبعاً للأهواء وبذلك ينتهون إلى إلغاء وظيفة الدين لأنهم بدلاً من تقويم عوج الحياة بنصوص الشريعة يحتالون على نصوص الشريعة حتى يبرروا بها عوج الحياة المعاصرة .

نشأة " مسألة الحجاب " :

كان هذا الدور أخبث الأدوار وأخزاها في تاريخ المسلمين ففي هذا العصر نشأت " مسألة الحجاب " ولو كان البحث في هذه المسألة مقصوراً على تعيين الحد الذي وضعه الإسلام لحرية المرأة لهان الأمر ولم يستعص حله لأن أكثر ما هنالك من الاختلاف بين المسلمين في هذا الباب هو منحصر في وجه المرأة ويديها : هل يجوز إبداؤها أم لا ؟ وليس في هذا كبير خطورة ولكن الواقع ههنا غير ما ذكرنا . الواقع في الحقيقة أنه نشأت هذه المسألة في المسلمين لكون الغرب قد نظر إلى الحجاب والنقاب بعين المقت والازدراء وصوره أقبح تصوير وأشنعه فيما كتب ونشر وعدَّ (حبس) المرأة – على حد تعبيره – من أبرز عيوب الإسلام ولكن أنى للمنهزمين أن يغضوا عن هذه النقيصة التي أخذها ( سادتهم ) عليهم فيما أخذوا ؟! لقد فعلوا في هذه المسألة – الحجاب – مثل ما فعلوا في مسائل الجهاد والرق وتعدد الزوجات وما شاكلها من المسائل فما كان منهم إلا أن عمدوا إلى الكتاب والسنة يتصفحون أوراقهما وإلى كتب الفقه والأحكام ينقبون عن اجتهادات الأئمة فيها وأقوال الفقهاء لعلهم يجدون في ثناياها ما يعينهم على أن يغسلوا عن أنفسهم هذا العار الذميم الذي عيرهم به الغربيون .

فإذا بهم يقعون على أقوال لبعض الأئمة تجيز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها وتخرج كذلك من بيتها لحوائجها ويؤخذ منها أيضاً أن المرأة يجوز لها أن تشهد الحرب لسقي المجاهدين ومداواة الجرحى ثم وجدوا في تلك الأقوال إذناً بخروج المرأة إلى المسجد للصلاة وجلوسها للتعلم والتعليم فكفاهم هذا القدر من المعلومات لأن يدعوا أن الإسلام قد أعطى للمرأة حرية مطلقة (13) وأن الحجاب من تقاليد الجهلاء اتخذه المتأخرون من المسلمين الجامدين المتشددين ولا أثر له في آية ولا في حديث وإنما القرآن والسنة يعلمان الحياء والعفاف على سبيل التوجيه الخلقي العام وليس فيهما قانون أو ضابط بقيد حركة المرأة وتنقلها بقيد ما .

ومن الضعف الطبيعي في الإنسان إنه إذ اختار مذهباً من المذاهب في شئون حياته يكون بدء اختياره لذلك المذهب بنزعة عاطفية غير عقلية ثم يأتي بعد ذلك فيستعين بالمنطق والعقل ليثبت كون نزعته تلك صحيحة معقولة كذلك وقع في أمر الحجاب أيضاً فما عرضت للمسلمين مسألة الحجاب لشعورهم بضرورة عقلية أو شرعية إليه وإنما أتت من ذلك الميل والنزوع الذي نشأ من تأثرهم ببريق حضارة أمة غالية ومن ارتياعهم لدعاية تلك الأمة ضد التمدن الإسلامي .

وذلك أن المسمين برجال ( الإصلاح ) لما رأوا المرأة الأوربية وما هي عليه من زينة وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في المجتمع الغربي .... لما رأوا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضاً حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب ثم أثرت فيهم الدعوات الجديدة إلى تحرير المرأة وتعليم النساء ومساواتهن بالرجال ... تلك الدعوات التي كانت تنصبُّ عليهم كالوابل المدرار بلغة قوية منطقية وفي طبع أنيق كذاب حتى أماتت هذه الكتب والمنشورات الغربية بقوة دعايتها ملكة النقد والتجريح عندهم فاستقر في سويداء قلوبهم أنه لابد لكل من يرغب أن يعدَّ من ( المتنورين التقدميين ) ويدفع عن نفسه تهمة ( الرجعية والتخلف ) أن يؤمن بتلك النظريات إيمانه بالغيب ويؤيدها ويحامي عنها فيما يكتب ويخطب ثم يروجها في الحياة العملية بحسب ما أوتي من همة وجراءة كان هؤلاء تكاد تسوح بهم الأرض من فرط الخجل حينما يرون الغربيين يتهكمون بنسائهم المتنقبات المستورات في اللباس العادي وينبذونهن بـ ( الجنائز المكفنة المتحركة ) وإلى متى – يا ترى – يطيق القوم الصبر على هذه الوخزات ؟ ... لذلك استعدوا آخر الأمر – طوعاً أو كرهاً – لأن يقوموا فيدفعوا عن أنفسهم هذا العار المخزي .


(13) يأتي في ثنايا هذا البحث إبطال هذه الادعاءات ومناقشة شبهات القوم إن شاء الله تعالى .

وهذه النزعات والعواطف هي التي دفعت المنهزمين إلى أن يقوموا بحركة ما يسمى

( تحرير المرأة ) التي بدأوها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي فمنهم من كانت هذه النزعات كامنة في شعورهم الخفي فلا يدرون بأنفسهم ماذا يجرهم ويدفعهم إلى تلك الحركة فكانوا مخدوعين عن أنفسهم ومنهم آخرون كانوا يشعرون بنزعاتهم شعوراً تاماً ولكنهم يستحيون ويحجمون عن إبداء نزعاتهم الحقيقية فهؤلاء لم يكونوا مخدوعين بل دهاة خادعين وأياً كان الأمر فقد قام كلا الفريقين بعمل واحد ألا وهو : سحب ذيل الخفاء

على المحركات والدوافع الحقيقية لحركته تلك وحاول أن يظهرها بمظهر حركة عقلية بدلاً من إظهارها حركة عاطفية وساق في تأييدها جميع الأدلة التي تلقاها من الغرب مباشرة كصحة النساء وارتقائهن في مجال الفكر والعمل وحقوقهن الفكرية واستقلالهن الاقتصادي وتخلصهن من ظلم الرجال وأثرتهم وانحصار رقي المدنية في رقيهن لكونهن شطراً كاملاً من الأمة ... إلى آخر هذه الحجج وحتى ينخدع عامة المسلمين ولا يفتضح عليهم صميم المقصد من تلك الحركة وهو حمل المرأة المسلمة على اقتفاء آثار المرأة الأوربية واتباع المناهج الاجتماعية الرائجة بين أمم الغرب أعني : اليهود والنصارى... ولكن الأدهى والأخبث أنهم عادوا يخدعون الناس في هذا الصدد عن طريق احتيالهم في إثبات حركتهم الضالة بنصوص واستنباطات من الكتاب والسنة بالرغم من وجود البون الشاسع بين المنهج الإسلامي الرباني في الاجتماع ومقاصد هذه الشريعة العليا وبين مبادئ النظام الاجتماعي الأوربي ومقاصده .

فإن المقصد الأعلى الذي يريد أن يحققه الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي هو صون الأعراض وكبح جماح الشهوات وترويضها وضبطها وتقييدها بضوابط أخلاقية تضمن استعمالها في خير الإنسان وطهارته بدل إهمالها أو تضييعها في الفوضى والهمجية .

وأما النظام الاجتماعي الغربي فعلى العكس من ذلك يرمي إلى الحث على سير التمدن بإشراك المرأة والرجل في تدبير شؤون الحياة وتحمل تبعاتها على حد سواء واستعمال الشهوات في فنون ووسائل تحول متاعب الحياة إلى لذات ومسرات .

ومن هنا يتضح الفرق إذ أن الإسلام يضع نظاماً للاجتماع ليخدم مقاصده فقد فصل فيه بين دائرتي عمل الرجل و المرأة إلى حد كبير وحُظر اختلاط الذكور بالإناث بدون قيد خلقي ثم حسمت فيه جميع الأسباب التي يمكن أن تخل بهذا الضبط والتقييد وبذلك تجفف منابع الفتنة وتسد الذرائع إليها وتراعى حرمات الله وتؤدى حقوقه سبحانه وتعالى وكذا حقوق النفس وحقوق الخلق في انسجام فطري وتناسق طبيعي وهذا بخلاف النظام الأوربي الذي يدفع الجنسين إلى ميدان مشترك في الحياة مع رفع جميع الحجب من بينهما تلك الحجب التي تحول دون اختلاطهما الحر ومعاملتهما المطلقة التي لا تحدها حدود .

ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي ثم يُسوِّغون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي .

إن أقصى ما أوتيت المرأة من الحرية في النظام الإسلامي هو أن تبدي وجهها وكفيها إذا دعت الضرورة وأن تخرج من بيتها لحاجتها ولكن هؤلاء يجعلون هذا الحد الأقصى من حريتها نقطة البدء وبداية المسير فيقومون إلى آخر حدود الإسلام ويتقدمون في سبيل الحرية ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الحياء والاحتشام فلا يقف الأمر بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين بل يجاوزه إلى تعرية الوجه والذراع والنحر إلى آخر هذه الهيأة القبيحة المعروفة وهي الهيأة التي لا تخص بها المرأة الأزواج والأخوات والمحارم فقط بل يخرجن بكل تبرج من بيوتهن ويمشين في الأسواق ويخالطن الرجال في الجامعات ويأتين الفنادق والمسارح ويتبسطن مع الرجال الأجانب ...

ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف على أنها يحل لها أن تغدو وتروح في الطرقات وتتردد إلى المنتزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة و أفتنها للناظرين ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية – ذلك الإذن المقيد المشروط بأحوال خاصة – يتخذ حجة ودليل على أن تودِّع المرأة المسلمة جميع تبعات الحياة المنزلية وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تماماً وحذو القذة بالقذة كما فعلت الإفرنجية .

وها هو ذا المودودي – رحمه الله – يصرخ في وجوه هؤلاء الأحرار في سياستهم العبيد في عقليتهم قائلاً :

( ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يستخرج منه جواز هذا النمط المبتذل من الحياة ؟ وإنكم – يا إخوان التجدد – إن شاء أحدكم أن يتبع غير سبيل الإسلام فهلا يجترئ ويصرح بأنه يريد أن يبغي على الإسلام ويتفلت من شرائعه ؟ وهلا يربأ بنفسه عن هذا النفاق الذميم والخيانة الوقحة التي تزيِّن له أن يتبع علناً ذلك النظام الاجتماعي وذلك النمط من الحياة الذي يحرمه الإسلام شكلاً وموضوعاً ثم يخطو الخطوة الأولى في هذا السبيل باسم اتباع القرآن كي ينخدع به الناس فيحسبوا أن خطواته التالية موافقة للقرآن ) أهـ



حركة " تحرير المرأة " في مصر

البذرة الأولى :

( إن المتتبع لتاريخ ما يسمى بحركة " تحرير المرأة " في مصر يجد أن جذور هذه الحركة تمتد إلى عهد محمد علي باشا والي مصر حينما بعث المبعوثين إلى فرنسا ليتلقوا هناك الخبرات والمهارات الفنية ثم يحملوها معهم إلى مصر لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل رجع المبعوثون من فرنسا حاملين تيارات فكرية مادية دخيلة على دينهم بعد أن بهرتهم رهبانية العلم المادي وتعبدهم سلطان العقل لقد عاد أولئك المبعوثون يحتلون مراكز الصدارة والتوجيه في مختلف الميادين السياسية والتربوية والفكرية ) (14)

 دور الشيخ " رفاعة الطهطاوي " ( 1801- 1873 م ) :

( وكان من أعضاء الجيل الأول لهؤلاء المبعوثين الشيخ " رفاعة رافع الطهطاوي " الذي أقام في باريس خمس سنوات " من 1826 – 1831 " تقريباً وكان قد رافق البعثة المصرية كواعظ وإمام لها وما إن عاد إلى مصر حتى بدأ يبذر البذور الأولى لكثير من الدعوات الدخيلة على البيئة المصرية المسلمة تلك الدعوات التي حمل جراثيمها معه من فرنسا مثل الدعوة إلى فكرة " الوطنية القومية " بمفهومها المادي المحدود المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدت أوطانهم وكذا استوحى من واقع الحياة الفرنسية أفكاراً عن المرأة هي أبعد ما تكون عن شرائع الإسلام وآدابه وقد تجلى ذلك في مواقفه الجريئة من قضايا تعليم الفتاة وتعدد الزوجات وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين حيث ادَّعى في كتابه " تخليص الإبريز في تلخيص باريز " (15) (ص 305) أن : { السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد } اهـ وذلك ليُسوِّغ دعوته إلى الاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح والمراقص مدعياً – ما معناه – : { الرقص على الطريقة الأوربية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة } وأنه لا يخرج عن قوانين الحياء ودعا المرأة إلى التعلم حتى تتمكن من تعاطي الأشغال والأعمال التي يتعاطاها الرجال ) (16)

(14) انظر " الإسلام والحضارة الغربية " للدكتور " محمد محمد حسين " رحمه الله ص ( 17 – 18 ) . (15) ( وقد كتب الطهطاوي هذا الكتاب أثناء إقامته في فرنسا وعرضه على أستاذه ( جومار) قبل أن ينشره بعد عودته )

                                                                                              اهـ  من "السابق" ص (19- 20) .         

( وقد بين لنا هذا الكتاب – أي" تخليص الإبريز" - أن صاحبه خلق من جديد في الفترة التي قضاها في فرنسا يأنس إلى علمائها ويأنسون إليه فإذا عاد إلى القاهرة أشرف على حركة الترجمة وعُيِّن رئيساً لتحرير الوقائع المصرية وكتب المقالات وألف الكتب وترجم القوانين وعُيِّن ناظراً لمدرسة الألسن)اهـ من " تطور النهضة النسائية في مصر"لإبراهيم عبده و درية شفيق ص (53) (16) " الإسلام والحضارة الغربية " د / محمد محمد حسين ص ( 36 ) . وهكذا كان "رفاعة الطهطاوي" أول من أثار قضية ( تحرير المرأة ) في مصر في القرن التاسع عشر الميلادي فسنَّ بذلك أسوأ السنن وبذر هذه الأفكار الدخيلة في التربية الإسلامية ولم يدرك أنه حين ينقل هذه الآراء خاصة ما يتعلق منها بمدلول كلمة "الحرية" إلى المجتمع الإسلامي يمكن أن ينتهي إلى نفس النتيجة التي انتهت إليها أوربة وهي نبذ الدين وتسفيه رجاله والخروج على حدوده لم يدرك ذلك ولم يلاحظ إلا الجانب البراق الذي يأخذ نظر المحروم من الحرية حين تمارس في مختلف صورها وألوانها وفي أوسع حدودها فكان كالجائع المحروم الذي بهرته مائدة حافلة بألوان الأطعمة فيها ما يلائمه وما لا يلائمه ولكنه لم ينظر إليها إلا بعين حرمانه ولم يرها إلا صورة من النعيم الذي يتوق إليه ويشتهيه .

( وكانت دعوة جريئة من " رفاعة " لم يجد لها معارضاً خاصة وأن حاكم البلاد قد بارك دعوته وبارك أول كتاب وضعه " رفاعة " وهو " تخليص الإبريز في تلخيص باريز " يبرز فيه تقدم الغرب ويحسن لمواطنيه الانتفاع بتقدمه وأكثر من هذا فقد قرأ"محمد علي"الكتاب قبل نشره – بناء على تزكية له من الشيخ " حسن العطار " شيخ الأزهر – فأمر بطبعه وأصدر أمره بقراءته في قصوره وتوزيعه على الدواوين والمواظبة على تلاوته والانتفاع به في المدارس المصرية بل إنه أمر بعد ذلك بترجمته إلى التركية ) (17) اهـ

لقد كان " رفاعة " أول من وضع الأفكار النظرية موضع التنفيذ وأول من أنتج عملاً فكرياً يمهد لخطة اجتماعية عملية وتجلى ذلك في مؤلفيه ( تلخيص الإبريز ) و ( المرشد الأمين ) الذي ألفه بناء على أمر الخديوي " إسماعيل " وذلك عام (1872) قبل افتتاح أول مدرسة للبنات ترعاها الحكومة بعام واحد وقبل موت رفاعة بأعوام قليلة ولما كان الخديوي " إسماعيل " يقود – في بداية تلك المرحلة – حركة التحديث في كل الميادين السياسية والفكرية والاجتماعية فقد حاول بعد ذلك أن يقنع أهل الرأي بتأليف كتاب في الحقوق والعقوبات يطبقه في المحاكم بحيث يكون سهل العبارة مرتب المسائل على نحو ترتيب القوانين الأوربية ولكن رفض أهل الرأي من مشايخ الأزهر هذه الدعوة فطلب الخديوي من الشيخ رفاعة إقناعهم بقبول ذلك ولكنه اعتذر عن ذلك على الوجه الذي وصفه الشيخ " رشيد رضا " في كتاب تاريخ الإمام " محمد عبده " على الوجه التالي :



(17) " المؤامرة على المرأة المسلمة " د / السيد احمد فرج ص ( 38 ) .

قال الشيخ " رشيد " : { حدثني " علي باشا رفاعة بن رفاعة بك الطهطاوي " قال : إن " إسماعيل باشا " الخديوي لما ضاق بالمشايخ ذرعاً استحضر والده رفاعة بك وعهد إليه أن يجتهد في إقناع شيخ الأزهر وغيره من كبار الشيوخ بإجابة هذا الطلب وقال له : ( إنك منهم ونشأت معهم وأنت أقدر على إقناعهم فأخبرهم أن أوربا تضطرب إذ هم لم يستجيبوا إلى الحكم بشريعة " نابليون " ) فأجابه بقوله : " إنني يا مولاي قد شخت ولم يطعن أحد في ديني فلا تعرضني لتكفير مشايخ الأزهر إياي في آخر حياتي وأقلني من هذا الأمر" فأقاله } (18) وكان أن انزوى " الطهطاوي " بعيداً عن مكان الصدارة و انتأى بعيداً ليحتل مكانه الشيخ " محمد عبده " الذي كان في ذلك الوقت في شرخ الشباب يحدوه جرأة الشباب وإقدامه وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل تحرير المرأة .

  1. مرقص فهمي والقذيفة الأولى :

وفي سنة (1894)أي بعد الاحتلال الإنكليزي لمصر بحوالي اثنتي عشرة سنة ظهر أول كتاب في مصر أصدره صليبي حقود من أولياء ( كرومر) الملقب باللورد أظهره محتمياً بالنفوذ البـريـطـانـي الذي أمَّن له الطـريـق نـحـو طـعـن الإسلام وأهـلـه ذلـكـم هو ( مرقص فهمي ) المحامي وكتابه هو ( المرأة في الشرق ) دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى تحقيق أهداف خمسة محددة وهي  :-

  1. أولاً : القضاء على الحجاب الإسلامي .
  1. ثانياً : إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها .
  1. ثالثاً : تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي .
  1. رابعاً : منع الزواج بأكثر من واحدة .
  1. خامساً : إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط .

وقد أحدث الكتاب ضجة عنيفة ولم يلبث المسلمون حين صدموا به حتى انطلقت في غمرات هذه الضجة قذيفة أخرى تفجرت في الوسط الإسلامي :

(18) " تاريخ الإمام محمد عبده " للشيخ محمد رشيد رضا ( 1/620- 621) .  " الدوق دراكير " و " المصريون " :

فقد صدر كتاب ألفه ( الدوق دراكير ) (19) باسم (المصريون) حمل فيه على نساء مصر وهاجم المصريين وتعدى على الإسلام ونال من الحجاب الإسلامي وقرار المرأة المسلمة في البيت واقتصار وظيفتها على تربية النشء ورعاية الزوج وقد هاجم (المثقفين) المصريين بصفة خاصة لسكوتهم وعدم تمردهم على هذه الأوضاع .

( وقد بدأ الاستعمار الإنكليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزر"مرقص فهمي" فلجأ إلى الأميرة [ نازلي فاضل ] (20) ليستعجلها على عمل شيء يساند"مرقص فهمي" من خلال صالونها ) (21)

 الجذور (22) :

كانت دعوة تحرير المرأة جزءاً من منهج كلي شمل كافة اتجاهات الحياة في المجتمع المصري وتعود خيوطه إلى مدرسة الشيخ "محمد عبده" تلميذ " جمال الدين الأفغاني " أو إن شئت " المتأفغن "(23) وقد سارا على الدرب الذي رسمه الطهطاوي وزاد الأفغاني نشاطه المريب وعلاقاته بالمحافل الماسونية وتبنيه لمبادئ الثورة الفرنـسـية "الماسونية" (*).


(19) وكان داركير قد زار مصر ثلاث مرات سائحاً عابراً في خريف عام (1893م) .

(20) وهي ابنة الأمير " مصطفى فاضل " باشا نجل " إبراهيم " باشا ابن " محمد عفاضل يعتبر نفسه أحق بعرش مصر من الخديوي إسماعيل ومن هنا كانت الأميرة نازلي تعلن الحرب على الخديوي

      (عباس ) اهـ من جريدة المساء الخميس (4أغسطس 1983م) من مقالة [ هل انتحر محرر المرأة بسبب امرأةللصحافي مصطفى أمين .

(21) " الحركات النسائية في الشرق " لمحمد فهمي عبد الوهاب ص ( 13- 14 ) طبعة دار الاعتصام .

(22) انظر " الإسلام والحضارة الغربية " ص ( 41 – 100 ) و " قاسم أمين " للدكتور " ماهر حسن فهمي "

        ص ( 19 - 20 ) .

(23) هناك خلاف منتشر في حقيقة نسب الأفغاني هل هو حقاً أفغاني أم إنه شيعي إيراني انظر ( المجلة ) العدد 233/3

       أغسطس 1984 م / 7 ذو القعدة  1404 هـ  -   ص  ( 61  –  63 )  وانظر أيضاً ( الإسلام والحضارة الغربية ) 
        ص ( 61 – 63 ) . 

(*) انظر : ( دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام ) للأستاذ مصطفى فوزي بن عبد اللطيف غزال نشر ( دار طيبة ) –

    الرياض وهي دراسة كشفت الكثير من جوانب الغموض في سيرته .
ومع وجود بعض الجوانب المشرقة في منهاج محمد عبده إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل نشاطه حيث كان له أخطر الأثر في عملية "التغريب" وتقريب الأمة الإسلامية نحو القيم الغربية مما جعل اللورد كرومر يشيد بدعوته وبتلامذته ويعلق عليهم أمله في تغريب المجتمع المصري ويذكر أنهم لذلك يستحقون ( أن يعاونوا بكل ما هو مستطاع من عطف الأوربي وتشجيعه ) اهـ 
 

ويكفي للتدليل على خطر هذه المدرسة أن نقرر دور تلاميذها في إفساد الحياة في مصر : فهذا " لطفي السيد " يحيي التاريخ الفرعوني والنعرة الوطنية الإقليمية ويرعى الدعوة إلى "الحرية" بمفهومها الغربي الدخيل على الأمة الإسلامية .

وهي كلها مبادئ بلغت مداها على يد تلميذ آخر لمحمد عبده هو ( سعد زغلول ).

وهذا تلميذه ( قاسم أمين ) يفسد الحياة الاجتماعية في مصر بدعوته إلى "تحرير المرأة" بالمعنى الذي يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

لقد كان يريد " محمد عبده " أن يقيم سداً في وجه التيار العلماني اللاديني ليحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه ولكن الذي حدث أن هذا السد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليه إلى العالم الإسلامي لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر ثم جاء فريق من تلاميذ"محمد عبده " وأتباعه فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية ( اللادينية ) .

رام نفعاً فضر به من غير قصد ومـن البـر مـا يـكـون عـقـوقـاً







قاسم أمين ( 1865م – 1908م ) فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال

( ولد " قاسم أمين " في أول ديسمبر عام 1863م بالإسكندرية والتحق بمدرسة رأس التين الابتدائية بالإسكندرية وكانت تقع بحي رأس التين إلى جوار السراي ) (24)

وقيل ( إن أباه "محمد بك أمين" من أصل كردي ) (25) وقيل : ( بل أصل الأسرة تركي وإن بعض أفراد أسرة " محمد بك أمين " قد ولي "السليمانية" من أعمال العراق وبقيت الأسرة ردحاً من الزمن تقوم بهذه الولاية حتى ظن أنها كردية وممن صحح هذا "أحمد خاكي" في كتابه "قاسم أمين" ) (26)

( وكان أبوه قد أخذ رهينة في الأستانة على أثر خلاف وقع بين الدولة العلية والأكراد ثم جاء إلى مصر في عهد إسماعيل باشا وانتظم في الجيش المصري ورقي إلى رتبة أميرالاي وتزوج بكريمة "أحمد بك خطاب" شقيق "إبراهيم باشا خطاب" فولدت له أولاداً أكبرهم " قاسم " ) (27)

( وفي سنة 1881م نال قاسم إجازة الحقوق ثم عمل بمكتب صديق والده التركي "مصطفى فهمي" المحامي ) (28)

( وانضم للكوكبة التي كانت تحيط بجمال الدين الأفغاني حيث التقى بمحمد عبده وسعد زغلول ومحمد فتحي زغلول وعبد الله النديم وأديب إسحاق وغيرهم ) (29)

رحل " قاسم " إلى فرنسا ليتم تعليمه هناك وانبهر بالحياة في أوربا حتى أنه صرح بأن : ( أكبر الأسباب في " انحطاط " الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة التمثيل والتصوير والموسيقى ) (30) ( وبعد أن كان يقر العامة حين يقولون : " مصر أم الدنيا " فإنه الآن في باريس يقول أن الأصح أن تسمى " خادمة الدنيا " ) (31)

(24) ( قاسم أمين ) تأليف د / ماهر حسن فهمي ص ( 30 ) . (25) ( بناة النهضة العربية ) تأليف جرجي زيدان ص (99) . (26) ( قاسم أمين ) تأليف د / ماهر حسن فهمي ص (28) . (27) ( بناة النهضة العربية ) تأليف جرجي زيدان ص (99) . (28) ( قاسم أمين ) تأليف د / ماهر حسن فهمي ص (33) . (29) ( قاسم أمين ) لأحمد خاكي ص (45) . (30) ( كلمات ) تأليف قاسم أمين ص (24) . (31) ( قاسم أمين ) تأليف د / ماهر حسن فهمي ص (44) .

( ويتعرف قاسم على صديقته الفرنسية " سلافا "  التي تصاحبه إلى المجتمعات الفرنسية والحفلات ويتعرف إلى كثير من الأسر وتقوى العلاقة بينهما فبينما كان يقرأ في مصر مقدمة ابن خلدون وإحياء علوم الدين للغزالي والأغاني نجده في فرنسا يقرأ مع زميلته حكم لارشفوكو وشعر لامارتين وفلسفة فنلون ورينان وأعمال فولتير وروسو وسبنسر وغيرهم ) (32) 

( وكانت في فرنسا في الوقت نفسه حركة نسائية كما كانت في إنكلترا وأمريكا حركة نسائية أخرى .. ) (33) ( كل هذه الأفكار تأثر بها مصري يعيش في قلب باريس في قلب هذه النظريات ) (34) ( وفي هذا الوسط اضطرب قاسم المسلم الشرقي ) (35) والتقى قاسم في فرنسا بالأفغاني ومحمد عبده وانضم إلى جمعية العروة الوثقى واتخذه محمد عبده مترجماً له ) (36) ( وبعد أن أتم قاسم دراسته في فرنسا طلب إليه أستاذه لرنود أن يعمل معه بضعة شهور يكتسب فيها خبرات عملية ووافق قاسم أمين ) (37)

الخطوة الأولى : رده على " داركير "

قرأ قاسم أمين كتاب داركير عن المصريين فتألم أشد الألم حتى قيل إنه مرض عشرة أيام بعد قراءته لشدة تأثره فحاول أن يدافع عن المصريين والإسلام وألف رداً بالفرنسية حاول فيه تفنيد اتهاماته لمصر والمصريين وبين فيه فضائل الإسلام على المرأة المصرية ورفع من شأن الحجاب وعده دليلاً على كمال المرأة وحاول شرح الحكمة الإيجابية في قوانين الشرع الإسلامي إلا أن دفاعه قد بدا تبريرياً وشرحه قد اتسم بالخنوع والذلة فيقول وكأنه يناشد داركير أن يعتبر الإسلام في مرتبة النصرانية والمجوسية : ( إن الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية وإن روح القرآن لا تختلف عن الروح الإنجيلية ) (38) اهـ

(32) السابق ص ( 40 – 41 ) . (33) السابق ص ( 43 ) . (34) السابق ص (43 ) . (35) السابق ص ( 45 ) . (36) السابق ص ( 47 ) . (37) السابق ص ( 51 ) . (38) ( قاسم أمين – الأعمال الكاملة ) تحقيق دكتور محمد عمارة المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1976 –

       ( ج 1 / ص 217 ) . 

ويقول أيضاً : ( ... ولهذا كان أمامها – أي مصر – طريقان : العودة إلى تقاليد الإسلام أو محاكاة أوربا وقد اختارت الطريق الثاني .. إنها قد خطت اليوم بعيداً في هذا الطريق حتى ليصعب عليها الارتداد عنه إن مصر تتحول إلى بلد أوربي بطريقة تثير الدهشة وقد أخذت إدارتها و أبنيتها وآثارها وشوارعها وعاداتها ولغتها وأدبها وذوقها وغذاؤها وثيابها تتسم كلها بطابع أوربي .. لقد اعتاد المصريون قضاء الصيف في أوربا ( ؟! ) كما اعتاد الأوربيون قضاء الشتاء في مصر فلعل أوربا تقدر لمصر مسيرتها ولعلها ترد لها يوماً بعض هذا الود الكبير الذي تكنه لها مصر ) (39) اهـ

ومما يجدر الإشارة إليه أن قاسماً استنكر في كتابه – المصريون – خطة بعض السيدات المصريات اللائي يتشبهن بالأوربيات فاقتنص بعض خصومه الفرصة ووشوا به إلى الأميرة نازلي بأن قاسماً إنما يعنيها هي بهذا التعريض بذم المصريات اللائي يقلدن الإفرنجيات ويسرن سيرتهن لأنه لم يكن في نساء مصر آنذاك من يتشبه بالنساء الأوربيات غيرها (40)

فقد كانت الوحيدة التي تختلط بالرجال وتجالسهم في صالونها الذي افتتحته آنذاك ليكون مركزاً تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة وإلى "تحرير المرأة" خاصة (41) .





(39) المصدر السابق (1/263 ) . (40) من مقال لداود بركات رئيس تحرير الأهرام ( جريدة الأهرام مايو 1928 ( . (41) { وكان من رواد " صالون الضرار " هذا سعد زغلول والشيخ محمد عبده واللقاني ومحمد بيرم وغيرهم وكانت نازلي

        تؤيد هؤلاء في قصر الدوبارة وهو مقر المندوب السامي الإنكليزي ضد قصر عابدين وتسعى لترقيتهم وهم يعتمدون 
       عليها في كل أمر وكانت الأميرة نازلي قد افتتحت هذا المنتدى إثر عودتها إلى مصر بعد الاحتلال وبعد أن قويت روابطها 
       مع اللورد كرومر واتخذت من المعتمد البريطاني أداة لحماية رواد هذه الدعوة وتعبئتهم لتوجيه هذه الحركة متى أمكن 
       ذلك } اهـ  من ( الأخوات المسلمات ) ص 240 وما بعدها ، ( الحركات النسائية في الشرق ) ص 15 ،  مقالة داود 
       بركات في عدد الأهرام الخاص بمرور 75 عاماً على تأسيسه .


 رد فعل الأميرة " نازلي " :

غضبت الأميرة مما فعله قاسم أمين وقالت للشيخ ( محمد عبده ) قولاً شديداً بعد أن هددت وتوعدت وقد أشير إلى جريدة ( المقطم ) لسان حال الإنكليز في مصر في ذلك الوقت – أن تكتب ست مقالات تتعقب آراء قاسم أمين في كتابه المصريون وتفند أخطاؤه في دفاعه عن الحجاب واستنكاره الاختلاط بين الجنسين ولكن لم تلبث هذه الحملة أن ألغيت بعد أن اقتنع قاسم أمين بضرورة تصحيح خطأه (42) واتفق معه ( سعد زغلول ) و( محمد عبده ) على أن ينشر كتاباً يصحح فيه خطأه ويؤيد فيه الدوق دراكير ويواصل مناصرته لكتاب ( المرأة في الشرق ) للقبطي ( مرقص فهمي ) وهكذا خرج قاسم أمين على البلاد بكتابه " تحرير المرأة " سنة ( 1899 م) ودعا فيه إلى نفس ما سبق أن دعا إليه ذلك الصليبي بحذافيره اللهم إلا أنه لم يتعرض لمسألة زواج المسلمات من الأقباط .  أثر الأميرة " نازلي " في فكر الشيخ " محمد عبده " :

كان الشيخ محمد عبده مقرباً لدى الأميرة نازلي فاضل وقد سعى لأستاذه الأفغاني كي يتوسط لها لدى السلطان في الآستانة ليمنحها وساماً سلطانياً (43) . وكانت هي قد سعت لدى الخديوي " توفيق " ليعفو عن الشيخ محمد عبده عقب عودته من منفاه كما التمست وساطة كرومر للأمر نفسه (44) وتم المراد وعفا عنه الخديوي . وقد أدركت تلك الأميرة ما للشيخ من تفوق عقلي وخلقي فخصته بمكانة متميزة (45). وقد ظهر تأثيرها على موقف الشيخ محمد عبده من الإنكليز الذين كان يشتد عليهم قبل التعرف على الأميرة أثناء صحبة الأفغاني وعقب الثورة العرابية أما بعد اتصال الشيخ بالأميرة التي كانت صديقة لبعض الإنكليز فقد خفت حملته ضد إنكلترا وسمح بصداقته الشخصية للورد كرومر صديق الأميرة (46) . وهذا ما أحنق صدور بعض الوطنيين عليه وإن دافع عنه تلاميذه بقولهم : (إنه سمح بصداقته للورد كرومر دون تفريط في حق بلاده أو عدول عن رأيه السياسي) (47) . (42) وقد حكت " هدى شعراوي " في مذكراتها المنشورة بمجلة ( حواء ) العدد رقم ( 1221 ) بتاريخ 16 فبراير 1980م

       عن الشيخ عبد العزيز البشري أنه قال في احتفال بذكرى قاسم أمين : 

( إن كثيرين من الحاضرين كانوا أشد من وجع الضرس وضرباته على دعوة قاسم أمين وعلى شخص قاسم أمين وقال : إن قاسماً كان في مبدأ حياته من الرجعيين حتى أنه لما رد على الدوق دراكير دافع عن الحجاب واستنكر السفور فظنت الأميرة نازلي فاضل – وكان مجلسها يجمع العلماء والفضلاء أمثال محمد عبده وسعد زغلول وعبد الكريم سلمان وفارس نمر ويعقوب صروف والمويلحي وأبنه – أنه يقصدها فغضبت لذلك ولكن سعداً قدم صديقه إليها ولما رأى شدة عقلها ورجاحة حلمها ووثاقة فضلها انقلب عن رأيه وأخذ يطالب بتحرير المرأة ) اهـ (43) تاريخ الإمام محمد عبده ) ( 1/897 ) . (44) السابق ( 1/895 ) . (45) مجلة الهلال – العدد الماسي ص (225) من الهلال ج 7 م 66 . (46) السابق . (47) السابق . الخطوة الثانية : كتاب " تحرير المرأة "(48) ظروف تأليف الكتاب :

كتب ( فارس نمر ) صاحب ( المقطم ) في مقال له في مجلة ( الحديث ) الحلبية عام 1929 م يقول : ( إن الشيخ محمد عبده تطوع للقيام بهذه المهمة (49) وتحدث الشيخ محمد عبده مع الأميرة "نازلي" في هذا الشأن واتفق "محمد عبده" و"سعد زغلول" و"محمد المويلحي" وغيرهم على أن يتقدم "قاسم أمين" بالاعتذار إلى سمو الأميرة فقبلت اعتذاره ثم أخذ يتردد على صالونها وارتفع مقامها لديه وإذا به يضع كتابه الأول عن المرأة الذي كان الفضل فيه للأميرة نازلي والذي أقام الدنيا وأقعدها بعد أن كان قاسم أمين أكثر الناس دعوة إلى الحجاب ) اهـ

نظرة في الكتاب :

طبع الكتاب في سنة 1899م وقد ألغى فيه أفكاره الدفاعية التي أوردها في كتابه السابق ( المصريون ) (50) سواء المتعلقة بتقييمه للإنسان المصري أو المتعلقة بالمرأة المصرية أو أحكام الشريعة وما يسميه (المدنية الإسلامية) فبينما نجده في كتابه المصريون يصف المصري بالأمانة والشجاعة والذكاء وقوة الاحتمال ويعزي هذه الخصال الجيدة لحقيقة الهوية الإسلامية للمصري نجده يقول بعد خمس سنوات في كتابه ( تحرير المرأة ) : (( فالتركي مثلاً نظيف صادق شجاع والمصري على ضد ذلك إلا أنك تراهما رغماً عن هذا الاختلاف متفقين في الجهل والكسل والانحطاط إذن لابد أن يكون بينهما أمر جامع وعلة مشتركة هي السبب الذي أوقعهما معاً في حالة واحدة ولما لم يكن هناك أمر يشمل المسلمين جميعاً إلا الدين ذهب جمهور "الأوروباويين" وتبعهم قسم عظيم من نخبة المسلمين إلى أن الدين هو السبب الوحيد في انحطاط المسلمين وتأخرهم عن غيرهم )) (51)

(48) بتأمل عنوان الكتاب يتبين لنا أنه كان يعتبر المرأة مستعبدة وقد أخذ على نفسه أن يحررها وقد جاء في مجلة الهلال أنه

       كان (( يعلم ما يعتور مشروعه من العقبات وما سيلقاه من مقاومة تيار الرأي العام الآن إصلاح المرأة يقتضي منحها 
       الحرية ويتناول تقبيح الحجاب والنهي عن الطلاق وتعدد الزوجات مما يعده العامة من  قبيل العقائد الدينية وهو ليس من 
       الدين في شيء فاضطر أن يبين ذلك في أثناء بحثه ))اهـ    من مقدمة " أسباب ونتائج لقاسم أمين " ص (10) وانظر
       أيضاً " بناة النهضة العربية " لجرجي زيدان" ص (101) .

(49) يشير إلى إيقاف مقالات الهجوم على " قاسم أمين " . (50) بل لم يحاول نقل كتابه ( المصريون ) إلى اللغة العربية ولا إعادة إصداره في مصر . (51) ( قاسم أمين – الأعمال الكاملة ) ( 2 / 72 ) . قد انصرف جهد المؤلف في هذا الكتاب إلى التدليل على ما زعمه من أن : (( حجاب المرأة بوضعه السائد (52) ليس من الإسلام وأن الدعوة إلى السفور (53) ليس فيها خروج على الدين أو مخالفة لقواعده ))

وقد تناول في كتابه هذا أربع مسائل وهي :

الحجاب ، واشتغال المرأة بالشئون العامة ، وتعدد الزوجات ، والطلاق

وهو يذهب في كل مسألة من هذه المسائل إلى ما يطابق مذهب الغربيين زاعماً أن ذلك هو مذهب الإسلام – قال : ( سيقول قوماً إن ما أنشره اليوم بدعة ، فأقول : نعم ! أتيت ببدعة ولكنها ليست في الإسلام بل في العوائد وطرق المعاملة التي يحمد طلب الكمال فيها ) (54) والذي يهمنا فيما نحن بصدده ما كتبه فيما يتعلق بالحجاب : لقد اعتبر قاسم أمين الحجاب

( أصلاً من أصول الأدب يلزم التمسك به ولكنه يطالب بأن يكون منطبقاً على الشريعة الإسلامية ) (55)      ثم يقول :

( إن الشريعة ليس فيها نصاً يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة )

وإنما هي في زعمه :

( عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها ) (56) ثم يورد قاسم أمين قوله تعالى :  قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن  الآيتان (57) ثم يقول : ( إن الآية قد أباحت أن تظهر بعض أعضاء من جسم المرأة أمام الأجنبي عنها غير أنها لم تسم تلك المواضع وقد قال العلماء (58) : إنها وكلت فهمها وتعيينها إلى ما كان معروفاً في العادة وقت الخطاب واتفق الأئمة على أن الوجه والكفين مما شمله الاستثناء في الآية ووقع الخلاف بينهم في أعضاء أخر كالذراعين والقدمين ) (59)اهـ

(52) يقصد تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب . (53) يقصد به كشف وجهها . (54) " تحرير المرأة " ص ( 5) ط محمد زكي الدين بالقاهرة 1347 هـ . (55) " تحرير المرأة " ص ( 54 ) . (56) " المصدر السابق " ص ( 57 – 58 ) . (57) سورة النور ( 30 – 31 ) . (58) كذا !!! ولم يسمِّ واحداً منهم . (59) " تحرير المرأة " ص ( 58 ) . ثم ينتقل إلى الكلام على الحجاب بمعنى قصر المرأة في بيتها وحظر مخالطتها بالرجال فيقول : ( إن الحجاب بهذا المعنى هو تشريع خاص بنساء النبي " ويستشهد على ذلك بقوله تعالى :  وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب  (60) الآية وقوله تعالى :  يا نساء النبي لستن كأحد من النساء  (61) الآية . أما نساء المسلمين عامة فهن – في زعمه – منهيات عن الخلوة بالأجنبي فقط ) (62) اهـ

ويستمر قاسم بنفس التهافت في علاج القضايا الأخرى ويزيد على ذلك تهكمه بالفقهاء واستهزاءه بعلماء الشريعة بل وبنصوصها الصريحة كما فعل في قضية تعدد الزوجات وهو في كل ذلك يستدل بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية (63) ثم يعرض لشرحها شرحاً ملتوياً مغرضاً يوجه لتبرير فكرة معينة يحاول أن يسخر النصوص لخدمتها تلبيساً على ضحاياه المخدوعين .

وما أصدق ما قاله بعض معاصريه : ( ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلام قاسم أمين ) بل هذا " أحمد شوقي " يشير إلى لباقة قاسم أمين في دعم دعوته بالقرآن والسنة متسائلاً : أكان قاسم أمين يَغار على الإسلام أم يُغير عليه ؟؟!!

                 ولك البيان الجـزل في          أثنائـه العـلـم الغـزير
                 في مطـلب خشـن كثير         في مـزالـقـه العـثـور
                 ما بالكتاب ولا الحديث         إذا ذكـرتـهـمـا نـكـير
                 حتى لنسـأل هـل تغـار         على العقائد أم تغير؟  (64)


(60) الأحزاب ( 53 ) . (61) الأحزاب ( 32 ) . (62) اقتضت الضرورة " عدو المرأة المسلمة " أن يتظاهر في بعض المواضع بمظهر المسلم الوقور الغيور على دينه الحافظ لحدود الله المحترم للفقهاء والأدلة الشرعية بينما تخلى عن هذا القناع في مثل قوله : (( في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأن لا وطن له ويكفر بالله ورسله ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم ... يقول ويكتب ما شاء في ذلك ولا يفكر أحد أن ينقص شيئاً من احترامه لشخصه متى كان قوله صادراً عن نية حسنة واعتقاد صحيح ( ! ) كم من الزمن يمر على مصر قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية ؟ )) ا هـ من ( قاسم أمين – الأعمال الكاملة ) ( 1 / 165 ) . (63) " تحرير المرأة " ص ( 68 )

هذا وقد وقع في آخر جملة في الكتاب خطأ مطبعي غير مقصود لفظاً ، ولكن لا يبعد أن الحكمة الإلهية شاءت أن يقع في محله لأنه مطابق لمقصود الكتاب ألا وهو قول " قاسم أمين " : تم كتاب تجريد المرأة

(64) " الشوقيات " ( 2 / 168 ) . وقد علق الدكتور " محمد محمد حسين " – رحمه الله – على هذا المنهج اللئيم بقوله : ( أحب أن أسأل الذين يحاولون أن يسوغوا باطلهم الذي يقحمونه على إسلامنا بمزاعم يتحايلون على إلصاقها بالدين ونصوصه أحب أن أسأل سؤالاً حاسماً يفرق بين الحق والباطل : هل تعلمون أن أحداً من المسلمين قد دعا قبل اليوم بدعوتكم ؟ فإذا كان ذلك لم يحدث من قبل فهل تستطيعون أن تزعموا أن صحابة رسول الله " و رضي الله عنهم وفقهاء المسلمين قد غفلوا جميعاً عن فهم نصوص دينهم حتى جاء هؤلاء الذين أوحى إليهم شياطين الجن والإنس في باريس من أمثال قاسم أمين فانتكس تفكيرهم بين معاهدها ومباذلها حين لم يعتصموا في دين الله بحبل متين ولم يأووا بهديه إلى ركن رشيد يذود عنهم كل شيطان مريد وذلك حين بعثوا إلى تلك البلاد لينقلوا إلينا الصالح النافع من علومها وصناعاتها فضلوا الطريق وعادوا إلينا بغير الوجه الذي بعثوا به جاء هؤلاء بعد ثلاثة عشر قرناً من نزول القرآن ليخرجوا للناس حقائق التنزيل التي غاب علمها عن الأولين والآخرين من الفقهاء والمفسرين ويضربوا بإجماع المسلمين في الأجيال المتعاقبة والقرون المتطاولة عرض الحائط أليس ابتداع هذه الدعوة في ظل الاحتلال الإنكليزي وتزعم فريق من المتفرنجين الذين عرفوا بموالاة ذلك الأجنبي المحتل هو وحده دليلاً كافياً على إنها طارئة علينا من الغرب تقليداً لمذاهب أهله المبتدعين في دينهم بأهوائهم وأهواء رؤسائهم والخارجين على نصرانيتهم وكتابها ) اهـ (65)

 هل كان للشيخ " محمد عبده " ( 1842 – 1905 م ) دور في الكتاب ؟

( كان المعروف عن قاسم أمين أنه ليس له إلمام بالعلوم الإسلامية بحيث يتمكن من إضفاء الصبغة الفقهية على كتابه ومن هنا شاع بين الناس وقتها أن مؤلفه في الحقيقة أستاذه هو الشيخ محمد عبده ) (66) .

قال الدكتور " محمد محمد حسين" : ( جاء كتابه – تحرير المرأة – مملوءاً بالمغالطات سواء كان ذلك في تفسير الآيات القرآنية أو في النصوص التاريخية والفقهية أو الأدلة العقلية وهذا الاتجاه الذي يفسر النصوص تفسيراً جيداً مخالفاً لكل ما هو ثابت متواتر في تفسيرها هو جزء من اتجاه عام تزعمه الشيخ " محمد عبده " متذرعاً إليه بالدعوة إلى فتح باب الاجتهاد الذي زعم أن الفقهاء أغلقوا بابه وهو يدعو إلى الملائمة بين الإسلام وبين الحضارة الغربية ) (67) اهـ .


(65) " حصوننا مهددة من داخلها " ص ( 121 – 122 ) طبعة المكتب الإسلامي ( 1398 هـ ) . (66) " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " ( 1/ 281 – 282 ) للدكتور محمد محمد حسين رحمه الله . (67) " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " ( 1 / 281 – 282 ) للدكتور محمد محمد حسين رحمه الله . قال " داود بركات " رئيس تحرير الأهرام : ( وقد حمل الشيخ محمد عبده الدعوة إلى تحرير المرأة في دروسه في الرواق العباسي بالأزهر حين أعلن أن الرجل والمرأة يتساويان عند الله وقد ترددت آراء كثيرة بأن الشيخ محمد عبده كتب بعض فصول الكتاب أو كان له دور في مراجعتها ) ( 68) . ومما أورده " لطفي السيد " : ( أنه اجتمع في جنيف عام 1897 م بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وأن قاسم أمين أخذ يتلو عليه فقرات من كتاب تحرير المرأة وصفت بأنها تنم عن أسلوب الشيخ محمد عبده ) (69) اهـ . وقالت " وداد السكاكيني " : ( فتح – أي محمد عبده – على الناس أبواباً جديدة تلج منها المرأة المسلمة إلى الحياة التي وهبها الخالق إياها كما وهبها للرجل ولكن النفوس لم تكن هيئت تمام التهيؤ في البداية ورأى الإمام ألا يخاطر فيلج بنفسه هذا الميدان ويرقى مرتقاه الصعب فيقف أمام الجهلاء يحاربونه فيؤثر ذلك على مركزه كإمام للإصلاح يستند على الدين وتضيع بذلك فرص في الإصلاح في الميادين الأخرى فهيأ لهذا الميدان بالذات جندياً يصلح له من تلاميذه هو " قاسم أمين " ثم وقف يسانده ويحميه من بعيد حتى وصلت الدعوة في تحرير المرأة إلى أبعد مما كان يقصد الشيخ " محمد عبده " إذن لم تكن دعوة قاسم أمين مبتكرة ولا بدعة في سبقها ) (70) ا هـ وقال د / محمد عمارة جامع الأعمال الكاملة لـ قاسم أمين ومحققها : ( ففي تحرير المرأة وبالذات في الفصول التي تتناول وجهة نظر الشريعة والدين في هذه القضية نلتقي بمجموعة من الآراء الفقهية والمناقشات لا يستطيع أن يبحثها ولا أن يستخلصها كاتب مثل قاسم أمين وأهم من ذلك نجد أحكاماً كلية تدل على أن صاحبها ومصدرها قد استقصى بحث هذا الأمر في جميع مصادره الرئيسية في الفكر الإسلامي على اختلاف مذاهبه وتياراته الفكرية وهو الأمر الذي لا نعتقد أنه قد توافر في ذلك العصر سوى لقلة قليلة في مقدمتهم جميعاً الأستاذ الغمام محمد عبده ) (71) اهـ

  1. بينما يجزم د / محمد عمارة في موضع آخر بهذه النسبة المشار إليها آنفاً بقوله وهو يعدد إنجازات الشيخ محمد عبده : ( ومن أبرز أعماله الفكرية في هذه المرحلة ... الفصول التي شارك بها في كتاب " تحرير المرأة " لقاسم أمين سنة 1899 م ) (72) اهـ


(68) الأهرام - مايو 1928م

       وانظر ( دحض بدعة المساواة بين الرجل والمرأة ) في القسم الثاني من هذا الكتاب ص ( 93 - 115 ) .

(69) نقلاً عن كتاب ( الأخوات المسلمات ) ص ( 247 )

       وانظر ( تطور النهضة النسائية) لإبراهيم عبده ودرية شفيق ص ( 74 ) ( 75 ) .

(70) " قاسم أمين " لوداد السكاكيني ص ( 46 ) . (71) " قاسم أمين الأعمال الكاملة " المقدمة : دراسة في فكر قاسم أمين ص 144 . (72) " الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده " ص 138 . وذكرت "درية شفيق" ( أن دور محمد عبده في الكتاب قد أثار حفيظة بعض الرجعيين الذين اتهموه بالزيغ والكفران ) (73)

وقال الدكتور السيد أحمد فرج – حفظه الله - : ( وقد بالغ بعض الكتاب فرأى أن فصولاً كاملة بنصوصها في كتاب تحرير المرأة كتبها الشيخ محمد عبده من إنشائه وهي الفصول الآتية : 1 – حجاب النساء من الجهة الدينية ص ( 59 – 72 ) 2 – الزواج ص ( 123 – 132 ) 3 – تعدد الزوجات ص ( 133 – 140 ) 4 – الطلاق ص ( 141 – 164 ) ( محمد عمارة – الأعمال الكاملة " لمحمد عبده " 2/ 105- 129 بيروت 1972 ) وهذا الادعاء من كاتبه يرد عليه لأنه يحتاج إلى دليل يوثقه والأرجح أنها من فكر الشيخ محمد عبده وإنشاء كاتبها فالشيخ هو الذي وجه الأفكار وأرشد إلى ما يحتاجه الكاتب من نصوص الكتاب والسنة وكتب الفقه الإسلامي وهو الذي أرشده بتوجيهاته أثناء الكتابة أو قراءة أصول الكتاب قبل طبعه كما جاء في مذكرات احمد لطفي السيد . والمعروف عن الشيخ محمد عبده أنه كان يملي الأفكار ويوجه إليه أكثر مما يكتب هكذا فعل مع قاسم أمين ومع أشهر تلاميذه في مجال الإصلاح الإسلامي السيد " محمد رشيد رضا " ) (74) .

بين " قاسم " و " سعد " :

قال الصحافي " مصطفى أمين " :

( كان قاسم أمين لا يفترق عن سعد زغلول وكان قاسم أمين هو الذي توسط في زواج سعد زغلول بصفية زغلول وكان سعد زغلول هو الذي وقف إلى جوار قاسم أمين عندما أصدر كتاب تحرير المرأة وهوجم بعنف وضراوة واتهم بالكفر ومنع من دخول قصر الخديوي بدعوى أنه يدعو إلى الإباحية وأقفل الناس بيوتهم في وجهه وذهب عدد من الشباب المتحمسين إلى بيته في شارع الهرم واقتحموا بيته وطالبوا قاسم أمين أن يسمح لهم بأن يجتمعوا بزوجته على انفراد تطبيقاً لدعوته إلى سفور المرأة .


(73) ( تطور النهضة النسائية ) ص ( 78 ) (74) المؤامرة على المرأة المسلمة : تاريخ ووثائق ص ( 76 – 77 ) .

عندما أقفل كبار المصريين في وجه قاسم أمين فتح سعد له بيته ودعاه هو وزوجته ليتناول الغداء والعشاء على مائدته ومائدة صفية زغلول وأصر أن يخرج في عربته مع قاسم أمين ويطوف شوارع العاصمة متحدياً للأصدقاء الذين نصحوه بأن لا يظهر مع قاسم أمين في مكان عام و إلا ضربه الناس بالطوب وعندما وضع قاسم أمين كتابه الثاني " المراة الجديدة " متحدياً العاصفة الهوجاء ومطالباً أن تحضر المرأة مجالس الرجال وتمارس الأعمال الحرة أهدى كتابه الجديد إلى سعد زغلول صديقه الحميم ونصيره الأول ) (75) اهـ

دور سعد زغلول :

قال العقاد : ( وكان- أي "سعد زغلول" – رجلاً له رأي في المرأة وفيما ينبغي أن تكون عليه شريكة الحياة يخالف رأي السواد الغالب في تلك الأوقات وفي جميع الأوقات وحسبه من ذلك أنه هو الذي أعان قاسم أمين زميله وصديقه الحميم على إظهار كتابه في تحرير المرأة وتشجيعه على احتمال ما لقي في سبيله من سخط وعناء ) (76) اهـ

وقال الدكتور السيد احمد فرج – حفظه الله - : ( والرأي أنه لم يكن في استطاعة قاسم أمين أن يبرز نفسه بهذه الآراء الجريئة في ذلك العصر لولا تعضيد الإمام محمد عبده وأحد تلاميذه الذي صار زعيماً للأمة سعد زغلول باشا وقد بلغ حب قاسم أمين لهما مبلغاً كبيراً فأهدى كتابه الثاني المرأة الجديدة لسعد زغلول واستشهد على صحة أقواله فيه بمباركة الشيخ محمد عبده لها وينشر كل بنود اقتراح الشيخ في شأن إصلاح قانون الأحوال الشخصية في آخره . وسعد زغلول في الحقيقة هو الذي ضمن تنفيذ أفكار قاسم أمين تنفيذاً عملياً فقد رحل الشيخ محمد عبده سنة 1905 ورحل تلميذه قاسم أمين بعده بسنوات قليلة وكان في ميعة شبابه ثم بقى سعد زغلول وقد أهلته مواهبه الفذة أن يقود المجتمع ويكيفه كما يريد وكان قادراً خاصة وأن الظروف الاجتماعية والفورة الوطنية قد هيأتا الناس لتقبل الأفكار الجديدة ووضعها موضع التنفيذ العملي فقد ظل العقلاء كما سماهم "جرجي زيدان" يتهامسون في موضوع تحرير المرأة حتى صرح الشيخ محمد عبده بآرائه فكثر مريدوه والمؤمنون على أقواله وأول أولئك قاسم أمين (77) وسعد زغلول المنفذ الحقيقي لهذه الأفكار ) (78) اهـ .

(75) نقلاً عن جريدة المساء الخميس 4 أغسطس 1983 مقالة بعنوان ( هل انتحر محرر المرأة ؟ ) هذا وقد ذكر الصحافي

       مصطفى أمين في مقالته هذه أنه حدثت قطيعة بين الصديقين حتى الموت تسببت من لعب قاسم أمين بالورق 
       " القمار "  حتى خسر مبالغ طائلة أودت بثروته وأثقلته بالدين .

(76) ( سعد زغلول ) تأليف عباس محمود العقاد ص 527 . (77) " بناة النهضة العربية " لجرجي زيدان ص 105 . (78) " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص 64 .

وأياً ما كان الأمر فقد أحدث الكتاب ضجة عنيفة لأنه صادر من مسلم يشغل وظيفة مستشار في الدولة سبق له أن هاجم أعداء الحجاب منذ وقت قريب ولم تقتصر هذه الضجة على الأوساط الإسلامية الغيورة على دينها بل شملت الأوساط الوطنية والأدبية .

ردود فعل كتاب " تحرير المرأة " :

تجلت ردود الفعل في موجة عارمة من المعارضة كان أكثرها مقالات صحافية وقد اتهمه المعارضون بالهذيان وبأنه ممن تخطف زخارف التمدن الغربي بصائرهم يرى المحاسن ولا يرى المساوئ وهاجمه علماء الدين هجوماً عنيفاً وحكم الفقهاء بأنه خرق في الإسلام ومروق من الدين وعدها الكثيرون ضرباً من المبالغة في تقليد الغربيين واتهمه آخرون بالجناية على الدين ثم الوطن وأنه يرمي إلى قلب الهيئة الاجتماعية المصرية وممالأة الإنكليز على ضياع البلاد وإنه ينفذ أمنية من أماني الأمم الصليبية التي تريد بها هدم الإسلام وتقويض الآداب والأخلاق وتحريض النساء على الفساد واتهمه من يعضد هذه الدعوة بأنه ليس من المسلمين . وبادر إلى مناصرة قاسم حفنة من الكتاب وعلى رأسهم "جرجي نقولا باز" الذي ألف تأييداً لقاسم كتابين أحدهما : ( إكليل غار على رأس المرأة ) والآخر ( النسائيات ) (79) . ولم يكتف دعاة الحق وأنصار الحجاب بالمقالات العنيفة بل ألفوا الكتب العديدة ( التي بلغ عددها مائة كتاب ) (80) تبطل شبهات قاسم وتقيم الحجة عليه من أدلة الشريعة المطهرة. من هذه الكتب : ( " السنة والكتاب في حكم التربية والحجاب " لمحمد إبراهيم القياتي . ومنها : " الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس " لمحمد أحمد حسنين البولاقي . ومنها : " خلاصة الأدب " لحسين الرفاعي . ومنها : " نظرات في السفور و الحجاب " لمصطفى الغلاييني . ومنها : " قولي في المرأة " لمصطفى صبري . ومنها : " رسالة في مشروعية الحجاب " لمصطفى نجا . ومنها  : " رسالة الفتى والفتاة " لعبد الرحمن الحمصي ) (81) .

(79) " قاسم أمين " د . " ماهر حسن فهمي " ص ( 172 ) . (80) " تطور النهضة النسائية " ص (12) . (81) " قاسم أمين " د . " ماهر حسن فهمي " ص ( 164 – 165 ) . موقف " محمد طلعت حرب "  :

على أن أول كتاب ألف في الرد على قاسم أمين هو كتاب " تربية المرأة والحجاب " وهو أهم ما ألف وأعمقه أثراً ألفه " محمد طلعت حرب " الذي اقترن اسمه فيما بعد – وللأسف - بشئون الاقتصاد الربوي وقد استنكر في كتابه هذا على قاسم دعوته ودافع عن الحجاب (82) .

ويبدأ الكتاب بمقدمة يثبت فيها المؤلف أن المستعمر الغربي يجاهد بكل الطرق ليغير وضع المرأة المسلمة كأنما وكلتهم المرأة للدفاع عنها وما ذلك إلا ليثبتوا أن الشريعة الإسلامية قد ظلمتهن أما هدفهم البعيد فهو التدخل في شئون المسلمين باسم الإنسانية وفرنجة المرأة في المجتمع الشرقي لتنحل مقوماته الاجتماعية قال :

( إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوربة بالعالم الإسلامي ).

وقال أيضا : ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق لا في مصر وحدها – إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق )

وهو يذكر أن الخديوي " إسماعيل " حين أراد أن ينفصل بمصر عن الدولة العثمانية وعد ملوك أوربة – إن هم أيدوه من أجل تحقيق هدفه – أن يبدل أحكام القرآن فيما يتصل بالحياة السياسية والاجتماعية فيفصل السياسة عن الدين ويطلق الحرية للنساء بحيث يسرن في أثر المرأة الغربية وينقل إلى مصر معالم المدنية الأوربية .





(82) ولمحمد طلعت حرب كتاب آخر في الرد على قاسم أمين هو : ( فصل الخطاب في المرأة والحجاب ) شن فيه حملة عنيفة على ضلالات قاسم ووقفت كثرة الشعب في جانبه وأيدته فاستهدفت قاسم للإهانة تلو الإهانة

  ( انظر : " تطور النهضة النسائية " ص " 70 " )     
         


وذكر أن الحرية كانت دائما شعار الإسلام فكان أولى بقاسم أن يجعل عنوان كتابه تربية المرأة بدلاً من تحريرها ثم يقول طلعت حرب: ( ومن عجيب المصادفات أن الذي يقرأ " الرحلة الأصمعية " التي طبعت باللغة التركية سنة 1893 في مصر يقرأ فيها الاعتراضات التي وجهها الأوربيون إلى مؤلف الرحلة فيما يختص بوضع المرأة المسلمة فإذا ما قرأنا " تحرير المرأة " لقاسم أمين وجناه يردد نفس الاعتراضات فهل هذا يرجع إلى توارد الخواطر ؟ ويتحدث طلعت حرب في الباب الأول من كتابه عن وظيفة المرأة فيقرر أن الأديان(83) جميعاً تنفي مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة ويورد النصوص من التوراة والإنجيل والقرآن التي تؤكد سيادة الرجل وحسن المعاملة والتقدير للمرأة ويقرر أن سعادة الأسرة لا تكون بوجود قائدين في بيت واحد وإنما تكون بتوجيه الرجل توجيها حكيما .

ثم قال : ( إن للمرأة أعمالا غير ما للرجل ليست بأقل أهمية من أعماله ولا بالأدنى منها فائدة وهي تستغرق معظم زمن المرأة إن لم نقل كله : الرجل يسعى ويكد ويشقى ويتعب و يشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله وامرأته ترتب له بيته وتنظف له فرشه وتجهز له أكله وتربى له أولاده وتلاحظ له خدمه وتحفظ عينه عن المحارم وهو يسكن إليها)(84)

وينتقل إلى الباب الثاني فيتناول تربية المرأة ويؤكد أن ( الشريعة قد حثت على التربية الخلقية التي تضمن إصلاح النفس وعمار الكون وضمان السعادتين وكان السلف الصالح يعودون أبنائهم عليها فيشبون وقد تشبعوا بمكارم الأخلاق ولم تول الدنيا عنا إلا يوم أهملنا تلك التربية ثم دهمتنا المدنية الغربية بما بها من مظاهر خادعة فحسبناها منتهى ما يدركه الإنسان من الكمال فتسابقنا إلى التشبه والتقليد . فإذا كنا نريد إصلاح حقيقي فلننظر إلى مدنيتنا الإسلامية ولنقتبس منها أسس التربية السليمة لكل أفراد المجتمع من بنين وبنات ).

ثم ينتقل إلى أهم نقاط البحث وهي مشروعية الحجاب فيعرض لقوله تعالى :

(  قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) وينقل من أحاديث رسول الله "   وسيرة الصحابة رضي الله عنهم أن المقصود ستر الوجه لأنه أعظم زينة للمرأة أما ما جاء في قوله تعالى (  ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فهي الكحل و الخضاب ثم كيف يمكن الاختلاط مع غض البصر ؟

(83) اعلم – رحمك الله – أنه لا يصح أطلاق كلمة " الأديان " ! هكذا مجموعة في سياق التقرير والاحتجاج بها لأن

       الدين واحد هو الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه قال تعالى :  إن الدين عند الله الإسلام  
       ( آل عمران : 19 ) والشرائع هي التي تختلف من نبي لآخر قال تعالى : 

 لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً  ( المائدة : 48 ) والله أعلم . (84) " تربية المرأة والحجاب " ص (17) طبعة القاهرة . وإذا كان " قاسم أمين " يرى أن الحجاب خاص بنساء النبي " وأن قوله تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء )( الأحزاب 32 ) فيه معنى التخصيص فإن قوله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) ( الأحزاب 59 ) قد قطع كل شك في وجوب الحجاب وقد اعتمد "قاسم" على رأي بعض الفقهاء في إباحة كشف الوجه واليدين والقدمين مع أن رأى الفقهاء في هذه الإباحة كان خاصاً بالصلاة وحدها لا بقضية الحجاب والسفور .

على أن من يقول بجواز النظر لوجه المرأة عند أمن الفتنة قد قضى بتحريم ذلك على الإطلاق خصوصاً في هذه الأيام حيث نشاهد تبذل الشباب واستهتارهم كل حين فما بالنا لو خلعت المرأة الحجاب وأطلقنا لها الحرية ؟ إن الإحصائيات تثبت أن المرأة الشرقية - بسبب الحجاب - أكثر نساء العالم تعففاً ولا نريد أن نمزق ستار العفاف . وإذا كان " قاسم " يتساءل : لماذا اختص النساء بالاحتجاب و التبرقع دون الرجال وكلاهما مأمور بغض الأبصار ؟ الإجابة واضحة إذ من المسلم به أن لكل من الزوجين وظيفة اختص بها وكانت وظيفة الرجل خارج بيته للسعي على معاشه ووظيفة المرأة منزلية داخل البيت وخروجها للضرورة فتكليفها بالتبرقع دون الرجل أكثر ملائمة لظروفها (*) أما ما قيل عن علم عائشة رضي الله عنها فهو حجة على قائله لأنها كانت محتجبة حجابا تاما بالإجماع ولم يمنعها الحجاب من التفقه في أمور الدين والمشاركة في أمور الحياة وكذلك كان كل النساء المسلمات اللائي نبغن وبلغن درجة من العلم والكمال فالحجب لم يمنع من تحصيل العلم ولا تدريسه وإذا كان الحجاب هو المانع من الترقي فلما لم يترق كل الرجال ؟


(*) قال الشيخ " سعيد الجابي " رحمه الله في كتابه " كشف النقاب " :

( وإذا قيل ينبغي على الرجال أن يستتروا خوف فتنة النساء اللواتي أمرن بغض أبصارهن .

فنقول : إن النساء اللواتي أمرن بالقرار والوقار وإخفاء صوت الخلخال عن الجار والكلام من وراء حجاب وإدناء الجلباب والإقلال من الخروج خارج الأبواب كاف لهن ومغن عن أن يكلف الرجال بستر وجوههم عنهن سيما وأن أعمال الرجال خارج البيوت وأعمال النساء في داخلها والفرق بين العملين ظاهر لا يماري فيه إلا مكابر ولا سيما أن جمال وجه الرجال سريع الزوال إذا راعوا الحكم الشرعي بإعفاء اللحى القائمة مقام النقاب والحجاب والجلباب وهي عند بعض الزوجات أعظم مصاب ! وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فلا مانع من أن تظهر المرأة عينيها أو عينها بعد ستر وجهها وحينئذ لا يقال : حرموا هذه المسكينة أن تبصر طريقها أو النور أو جمال الطبيعة بل يقال : حرموا هذا المسكين أن يرى جمال وجهها ) اهـ نقله عنه الشيخ محمد أديب كلكل في " فقه النظر " ص ( 64 – 65 ) .

ولو نظرنا إلى المرأة الأوربية لوجدنا الأمر يرجع إلى حاجة أوربا للأيدي العاملة بسبب ظروف حياتها فخرجت النساء لمساعدة الرجال على الكسب والتعمير فلما ابتذلت المرأة هناك أعرض الشباب عن الزواج فاضطرت المرأة أن تستمر في العمل لتعيش على أن الناظر إلى المرأة الشرقية الآن (85)  يراها قد خرجت وأقبلت على ملاذ الدنيا وأغرتنا الحضارة الأوربية على التساهل وسيسير الزمن بنا - باسم الحرية والمدنية - حسب التخطيط الذي يدفعنا الأجنبي إليه إلى أن تصبح المرأة الشرقية مثل الأجنبية ما لم نبادر إلى تقييد تلك الحرية لا إطلاقها وإلى تحرير الرجل قبل المرأة من الجهالة والفساد .

ويختم " طلعت حرب " كتابه قائلا : ( الحجاب أصل من أصول الأدب فيلزم التمسك به إلا أن المطلوب أن يكون منطبقا على ما جاء به الشرع ) (86)

موقف " محمد فريد وجدي " :

ونشر"محمد فريد وجدي" في " المؤيد " و " اللواء " بضع مقالات قال في بعضها : ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب الأمثلة بالغرب دائما ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية ) (87) ويتهكم أحد الكتاب بالدعوة إلى خروج المرأة للعمل ويحاول أن يتصور المرأة وقد خرجت إلى معترك الحياة تعمل فإذا البيوت مقفرة والشوارع مزدحمة بالرجال والنساء والمحال التجارية وقف بها المتحككون بالنساء البائعات أما الزى فخليط عجيب امرأة بقبعة وأخرى بغيرها والمقص قد تحيف الجيوب والذيول والأكمام والتصقت الملابس بالمرأة حتى صارت كبعض جسمها ثم يتساءل قائلا : ( أهذا ما نريده ؟ إن ما نريده حقا هو تربية المرأة قبل كل شيء ) (88)




(85) طبع الكتاب سنة 1899 م . (86) السابق ص (105) . (87) " قاسم أمين " د / " ماهر حسن فهمي " ص (162) . (88) السابق ص ( 163 ) .

موقف " مصطفي كامل " ( 1874 - 1908 ) :

كان للكتاب دوي شديد في الأوساط الوطنية لأنه كان بمثابة تحدى صريح للرأي الإسلامي العام وهجوم سافر ضد الإسلام لذلك لم يكن عجبا أن يقف الحزب الوطني المصري أو بمعنى آخر  أن يقف " مصطفى كامل " من هذه الحركة موقف المقاومة والعناد إذ تحسس ورائها الأصابع البريطانية فربط بين هذه الحركة التي يديرها ذلك النادي الذي جمع بين أذناب الاستعمار وبين الإنكليز على أنها وسيلة من وسائله المتلونة في القضاء على مقومات الأمة فسارع إلى مقاومة هذه الحركة الخائنة وتحذير الأمة منها فأشار إليها في أول اجتماع عام عقده عقب صدور ذلك الكتاب في الخامس من شعبان سنة ( 1317 هـ ) الموافق الثامن عشر من سبتمبر ( 1899 م ) حيث قال : 

( إني لست ممن يرون أن تربية البنات يجب أن تكون على المبادئ الأوربية فإن في ذلك خطراً كبيراً على مستقبل الأمة فنحن مصريون ( * ) ويجب أن نبقى كذلك ولكل أمة مدنية خاصة بها فلا يليق بنا أن نكون قردة مقلدين للأجانب تقليداً أعمى بل يجب أن نحافظ على الحسن من أخلاقنا ولا نأخذ عن الغرب إلا فضائله فالحجاب في الشرق عصمة وأي عصمة فحافظوا عليه في نسائكم وبناتكم وعلموهن التعليم الصحيح وإن أساس التربية التي بدونه تكون ضعيفة ركيكة غير نافعة ... هو تعليم الدين ) (89) وقد بلغ " بمصطفى كامل" الاهتمام بمقاومة هذه الحركة المسمومة إلى الحد الذي جعله يفتح صدر صحيفة " اللواء " منذ أول ظهورها سنة ( 1900 م ) لكل طاعن على " قاسم أمين " وأفكاره فكانت " اللواء " - كما يقول الدكتور " محمد حسين هيكل " -  : ( خصماً لدوداً لقاسم وأفكاره وكانت ميدان لأشد المطاعن عليه ) ( 90) ا هـ

  1. وكتب " مصطفى كامل " في اللواء ( 31 يناير 1901 م ) يؤكد على

( وجوب الالتفات إلى تربية النساء فهي دعوة يوافق عليها كل مثقفي الأمة أما الحرية للمرأة فلا محل للحديث عنها الآن وعملية التطور الطبيعي تسير سيرها المحترم وفرق بين التطور والتطوير القسري الذي لا يؤمن معه من سوء العاقبة فإن الرجل منا أهون عليه أن يموت من أن يرى من أهل بيته امرأة فاسدة ولو كانت بهجة العلم وحليته )

ثم يخدش قاسماً - وما أصاب - فيقول : ( ولست أدري إذا كان هذا الشعور شعوراً طبيعياً عند الرجال أو منشؤه الميراث الذي يحمله كل منا في دمه من أخلاق آبائه و أجداده وسواء كان هذا أو ذاك فإن الحرية التي تقتل العصمة شر عندي من الحجاب القاتل للرذائل ) ( 91 ) .

(*) الواجب أن يقول : ( فنحن مسلمون ) و إلا فما قيمة المصريين أو غيرهم بدون الإسلام ؟ (89) " الحركات النسائية " ص ( 16 – 17 ) . (90) " تراجم مصرية وغربية " للدكتور محمد حسين هيكل باشا ص ( 142) . (91) " قاسم أمين " تأليف د / ماهر حسن فهمي ص ( 160 ) ومما يلزم التنبيه إليه أن هذا الأسلوب المتضمن

        للهمز و اللمز يأباه الإسلام الذي يعلو ولا يعلى والذي يعد النعرة القومية والعصبية الوطنية جاهلية 
        خبيثة منتـنة .

أثر كتاب " تحرير المرأة " في العراق والشام :

واجه الكتاب هناك معارضة عنيفة لا تقل عن التي واجهها في مصر وأعلن المعارضون لقاسم أن الدعوة إلى خروج المرأة المسلمة إقتداء بالغربية دعوة لا تستند إلى حجة مقبولة لأن الغربية لم تناد بالخروج إلى المجتمعات وإلى الحرية المطلقة وإنما الرجال هناك هم الذين دفعوها إلى العمل تخلصاً منها وطمعاً في الانتفاع بتعبها فكانت النتيجة أن استدرجت إلى مواقف لم تأمن معها الذلل وفقدت بيتها وفقدت أنوثتها وإذا كان التاريخ يستفظع وأد بعض رعاع العرب لبناتهم تخلصاً من العار فكم يكون استفظاعه لحياة كثير من الفتيات في هذه المدنية التي يود البعض أن نقتضي بها ؟ ! وثار علماء الدين في الشام ثورة عنيفة ضد " قاسم أمين " فأعلنوا أن دعاة السفور هم دعاة فساد لأنه يخالف ما أمر به الدين ولأن السفور يقود الناس حتما إلى المجون وهدم القيم وبذلك تنحل كل الروابط الاجتماعية ( 92)

الإنكليز يترجمون الكتاب وينشرونه :

وقد كتب"مصطفى كامل" في " اللواء " بتاريخ ( 9 فبراير سنة 1901 م ) يقول : ( هذا وقد انتشر خبر كتاب "تحرير المرأة " في جهات الهند واهتم الإنكليز بترجمته وبث قضاياه وإذاعة مسائله لما وراء العمل به من فائدة لهم ) اهـ

من مواقف الشعراء :

وكان للحركة صدى عميق في نفوس الأدباء والشعراء (93) وهذا " أحمد محرم " ( 94) الذي أعجب به " مصطفى كامل " وطالما أشاد به وبشعره على صفحات اللواء يقول مستنكراً دعوة " قاسم أمين " :

أغرك يا أسماء ما ظن قاسم ؟! أقيمي وراء الخدر( 95) فالمرء واهم تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم

(92) السابق ص ( 163 – 164 ) . (93) كان أكثر شعراء تلك الفترة من أهل الرأي والفكر ولم يكونوا مجرد نظاميين . (94) " أحمد محرم " ( 1871 – 1945 ) عده الأدباء في الطبقة الأولى من شعراء جيله وسلكوه في صف شوقي

        وحافظ و طبع شعره الإسلامي بعنوان ( الإلياذة الإسلامية ) سنة 1963 .

(95) الخدر : ستر يمد للجارية في ناحية البيت وجارية مخدرة و مخدورة إذا ألزمت الخدور وانظر " لسان العرب "

       ( 5 / 312 -  315 ).

سلام على الأخلاق في الشرق كله إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم أقاسم لا تقذف بجيشك تبتغي بقومك والإسلام ما الله عالم لنا من بناء الأولين بقية تلوذ بها أعراضنا والمحارم أسائل نفسي إذا دلفت (96) تريدها أأنت من البانين أم أنت هادم ؟ ولولا اللواتي أنت تبكي مصابها لما قام للأخلاق في مصر قائم نبذت إلينا بالكتاب (97) كأنما صحائفه مما حملنا ملاحم (98) ففي كل سطر منه حتف مفاجئ وفي كل حرف منه جيش مهاجم

إلى أن يقول :

لنا في كتاب الله مجد موثل (99) وملك على الحدثان(100) والدهر دائم إذا نحن شئنا زلزل الأرض نابنا ودامت لنا أقطارها والعواصم

هممنا بربات الحجال(101) نريدها أقاطيع ترعى العيش وهي سوائم وإن امرءاً يلقى بليل نعاجه إلى حيث تستن الذئاب بظالم وكل حياة تثلم العرض سبة ولا كحياة جللتها المآثم أتأتي الثنايا الغر والطرر(102) العلى بما عجزت عنه اللحى والعمائم ؟ فلا ارتفعت سفن الجواء بصاعد إذا حلقت فوق النسور الحمائم عفى الله عن قوم تمادت ظنونهم فلا التهج مأمون ولا الرأي حازم ألا إن بالإسلام داءاً مخامراً وإن كتاب الله للداء حاسم (103)

وهاجم الشاعر العراقي " البناء " السفوريين وخاطب المرأة قائلاً : وجوه الغانيات بلا نقاب تصيد الصيد في شرك العيون إذا برزت فتاة الخدر حسرى تقود ذوي العقول إلى الجنون


(96) دلفت : أي تقدمت . (97) يشير إلى كتاب " تحرير المرأة " . (98) جمع ملحمة : وهي الوقعة العظيمة القتل . (99) أي الحسيب الأصيل العظيم الشريف . (100) الحدثان : النوب . (101) الحجل بفتح الراء وكسرها : الخلخال . (102) الطرر : جمع طرة : جانب الثوب الذي لا هدب له وطرف كل شيء . (103) ديوان محرم ( 2/63 – 65 ) الطبعة الأولى ( 1338 هـ - 1920 م ) – مطبعة الفتوح بدمنهور .

وهذا الشاعر " جواد الشبيبي " يقول مستنكراً الدعوة الأثيمة : منع السفور كتابنا ونبينا فاستنطقي الآثار والآيات تلك الوجوه هي الرياض بها أزدهت للناظرين شقائق الوجنات كانت تكتم في البراقع خفية من أن تمس حصانة الخفرات(104) واليوم فتحها الصبا فتساقطت بعواطف الألحاظ والقبلات صوني جمالك بالبراقع إنها ستر الحسان ومظهر الحسنات وضعي الصدار على الترائب إنه حق عليكي فحق نهدك نات (*) وتماثلي في البيت صورة دمية مكنونة الأعضاء في الحبرات (105)

وفي قصيدة للأزدي يعارض فيها "الرصافي"ويخاطب بنت بغداد " كريمة الزوراء " ويحذرها من ضلال السفوريين ويبصرها بعواقب مسلكهم الوخيم ويقول : أولم يرو أن الفتاة بطبعها كالماء لم يحفظ بغير إناء من يكفل الفتيات بعد ظهورها مما يجيش بخاطر السفهاء ؟ ومن الذي ينهى الفتى بشبابه عن خدع كل خريدة حسناء ؟

إلى أن يقول :

نص الكتاب على الحجاب ولم يبح للمسلمين تبرج العذراء ماذا يريبك من حجاب ساتر جيد المهاة (106) وطلعة الذلفاء (107) ماذا يريبك من إزار مانع وزر الفؤاد وضلة الأهواء ما في الحجاب سوى الحياء فهل من التهذيب أن يهتكن ستر حياء هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى لو أصدقتك ضمائر الجلساء شيد مدارسهن وارفع مستوى أخلاقهن لصالح الأبناء أسفينة الوطن العزيز تبصري بالقعر لا يغررك سطح الماء (108)

وهذا " أديب التقى " يحذر من السفور كذريعة إلى الخلاعة والدمار الاجتماعي : كيف ترضى بأن ترى حاسرات يتملى وجوهها الفجار واتخذن الخلاعة اليوم خلقاً هو للشعب لو أفاق دمار (109)

(104) امرأة خفرة : أي شديدة الحياء . (*) كذا بالأصل ! (105) انظر " قاسم أمين " للدكتور " ماهر حسن فهمي " ص ( 173 ) . (106) الجيد – بالكسر : العنق أو مقدمه و ( المهاة ) : الشمس والبقرة الوحشية . (107) الذلف : صغر الأنف . (108) " الأدب العصري " ( 2 / 56 ) طبعة القاهرة ( 1923 ) . (109) " الاتجاهات الفكرية في بلاد الشام " ص ( 144) طبعة القاهرة ( 1958 ) . وفي السودان هاجم الشيخ " حسيب علي حسيب " يعنف دعاة السفور فقال :

دعوا في خدرها ذات الدلال فقد أرهقتموها بالجدال رأيت شعورها الحساس مضنى على هذا الجمود عن المعالي تذوب وقد تناذرتم حياء بفحش اللفظ أو هجر المقال ويعلو خدها خفر ينادي ألا يا للنساء من الرجال زعمتم تعشقون لها صلاحاً فظني أن ذا عشق الجمال ومسألة (السفور) غدت قديماً لدى الكتاب مشكلة النضال وما أحد لها يدعوا فماذا يريد الناس من قيل وقال أحب في مناجاة الغواني ترى : أم ذاك زهداً في المعالي بلى فالعلم عندهم كريم ولكن المتيم غير سال دعوها فهي تؤلمها كثيراً سهام المصلحين بلا اعتدال عجبت لحلمهم في كل خطب وإن ذكر البنات دعوا نزال

وقال آخر:

زعموهن بالحجاب عن العلم ونور العرفان محتجبات بنت مصر كالشمس يحجبها الليل وراء الآفاق والظلمات وهي في أفقها ضياء ونور ساطع في جدورها النيرات أو هي المسك ينفذ العرف منه من وراء الأستار والحجرات

انتهى من ( التيار التراثي العربي الحديث ) د/ سعد دعيبس ص ( 148)

الخطوة الثالثة :

كتاب (المرأة الجديدة)

لم يلبث مؤلف (تحرير المرأة) حين واجه هذه المعارضة التي أحرجته كثيراً أن (أسفر) وجهه الحقيقي وخلع عنه ثوب الحياء وقناع التدين وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة في كتاب ظهر في العام التالي وهو كتاب ( المرأة الجديدة ) الذي بدأ فيه أثر الحضارة الغربية واضحاً فالتزم فيه مناهج البحث الأوربية الحديثة التي ترفض كل المسلمات والعقائد السابقة سواء منها ما جاء من طريق الدين أو ما جاء من غير طريقه


ولا تقبل إلا ما يقوم عليه دليل من التجربة أو الواقع على حسب المنهج الذي يسلكه باحثو الاجتماع الأوربيين وهو ما يسمونه بـ ( المنهج العلمي ) (110) فتراه يعتمد على آراء مفكري الغرب ويصطنع  أساليبهم في الإحصاء وفي الدراسات النفسية والاجتماعية والتجريبية .

بينما كنت تراه هادئاً في كتابه الأول يحوم حول النصوص الإسلامية ويمتص من رحيقها لتعضيد مواقفه في المطالبة بحقوق المرأة انقلب في الكتاب الثاني يسلط حمم غضبه ويستعمل عبارات قاسية في التعبير عن رأيه عبارات لا تقرها المرأة ذاتها فهو لا يقبل - بزعمه - ( حق ملكية الرجال للنساء ) ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى ولو أدى الأمر إلى ( إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحددها قانون ) (111) ..

 و ( المرأة الجديدة ) التي قصدها " قاسم أمين " هي المرأة الأوربية التي أراد من المصرية أن تتحول إليها وتتخذها مثلاً أعلى . قال " قاسم " : 

( هذا التحول هو كل ما نقصد وغاية ما نسعى إليه هو أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع وأن تخطو هذه الخطوة إلى سلم الكمال وأن تكون مثلها تحرراً فالبنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى أخرى ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما وكان من تحررها أن يكون لها أصحاب غير أصحاب الزوج والرجل يرى أن زوجته لها أن تميل إلى ما يوافق ذوقها وعقلها وإحساسها وأن تعيش بالطريقة التي تراها مستحسنة في نظرها ) (112)

وطلب قاسم أمين من المصريين أن يتخلصوا مما وقر في أنفسهم من أن عاداتهم هي أحسن العادات وأن ما سواها لا يستحق الالتفات وقال : ( إن طالب الحقيقة لا يجب أن يجري في إصدار أحكامه على هذا الضرب من التساهل بل يجب أن يعود نفسه على أن يجري نقده للحوادث الاجتماعية على أسلوب علمي ) ص ( 75)

(110) " المرأة الجديدة " ص ( 75 ) ومما ينبغي التنبه له أن هذا الذي يسميه علماً ليس علماً بالمعنى الصحيح للكلمة إلا

         فيما يتصل بالفروع التجريبية كالطبيعة والكيمياء والهندسة والطب أما ما يتصل منه بالنفس والاجتماع والأخلاق فإنه 
         لا يزيد على أنه فروض لحل بعض المشكلات ونظريات لتعليل ما غاب عن الحس ولذلك فهو دائماً موضع أخذ ورد 
         حتى بين دارسي الغرب ولا ننسى أن هذه الدراسات النفسية و الاجتماعية قد أصبحت موجهة وتسخر لخدمة المذاهب 
         والأحزاب السياسية المختلفة وأن بعضها يتذرع باسم ( العلم ) ليهدم الدين والخلق ويفرض السياسات الاستعمارية ، 
        انظر " الاتجاهات الوطنية " ( 1 / 283 ) .

(111) " مبادئ السياسة والأدب والاجتماع " لأحمد لطفي السيد ص ( 173 ) – كتاب الهلال 1383 هـ - 1963 م . (112) " آثار باحثة البادية " ص ( 274 ) .

ويقول في موضع آخر : ( إن التشريح الفسيولوجي والتجربة في البلاد التي منحت المرأة حريتها قد أثبتت أن المرأة مساوية للرجل في الملكات ) ويستشهد في معرض كلامه عن أثر حرارة الجو في إثارة الشهوة بكلام كاتب إيطالي يقول : ( إن العفة تكتسب بمنح الحرية للمرأة وإن اختلاف الأجواء لا أثر له في ذلك ). ثم يقول في موضع آخر : ( لما تخلصت المرأة المصرية من الاستعباد رأت نفسها في أول الأمر في حيرة لا تدري معها ماذا تصنع بحريتها الجديدة وهكذا يكون الحال بالنسبة لحرية النساء : أول جيل يظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها ويظن الناس أن بلاء عظيما قد حل بهم لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ومع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئاً فشيئاً وترتقي ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنساناً شاعراً بنفسه) (113) ويقول في موضع آخر : ( إننا قد ورثنا الصورة التي كوناها عن المرأة من العرب الذين قامت حياتهم - حسب زعمه - على الغزو والنهب ومن ثم لم يكن فيها للمرأة نصيب ثم لم يكن لها نصيب في تربية الولد لأن تربيته كانت مقصورة على تغذية جسمه ليشب مقاتلاً لا عالماً فاضلاً وصورة المرأة هذه التي ورثها المسلمون - حسب زعمه - عن العرب قد تكون صحيحة بالقياس إلى الماضي ولكنها مزورة إذا نظرنا إلى الحال والمستقبل ) اهـ وكان معارضو "قاسم أمين " يرون أن نهضتنا يجب أن تعتمد على تراثنا القديم وعلى حضارتنا الإسلامية وحدها فقام هو بالرد على ذلك بأن ( الحضارة الإسلامية قامت على دعامتين : الأساس الديني الذي كون من القبائل العربية أمة واحدة والأساس العلمي الذي ارتفعت به الأمة الإسلامية وآدابها ) ثم يزعم أن العلم وقت ذاك كان ضعيفاً في أول نشأته وكانت أصوله ضرباً من الظنون التي لم تؤيدها التجربة ولذلك كانت قوة العلم ضعيفة بجانب قوة الدين فتغلب الفقهاء على رجال العلم ووضعوهم تحت رقابتهم وزجوا بأنفسهم في المسائل العلمية ينتقدونها ويفتون بمخالفتها لنصوص القرآن والحديث التي يؤولونها وبذلك حملوا الناس ( حسب زعمه ) على إساءة الظن بالعلم فنفروا منه وهجروه وانتهى بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن العلوم جميعاً باطلة إلا العلوم الدينية نفسها : إنها يجب أن تقف عند حد لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ثم تقدمت العلوم وظهرت المكتشفات الحديثة واستطاع العلم أن يشيد بناء لا يمكن لعاقل أن يفكر في هدمه وتغلب رجال العلم على رجال الدين ) ( 114)

(113) " المرأة الجديدة " ص ( 70 – 71 ) . (114) إن محاولة " قاسم أمين " إلقاء العداوة بين العلم والدين ما هي إلا مظهر من مظاهر التبعية العمياء للغرب حين سادت

         العداوة بين النصرانية وبين العلوم التجريبية وفي سحب هذا الحكم على الإسلام والمدنية الإسلامية مغالطة تكشف عن 
         جهل بالواقع التاريخي من جهة وبحقائق الدين والعلم من جهة أخرى – راجع كتاب ( ماذا خسر العالم بانحطاط      
         المسلمين ) للشيخ أبي الحسن الندوي وانظر أيضاً ( أضواء البيان ) للشنقيطي ( 3/ 396 – 400 ) وانظر بحث 
         ( فصل الدين عن السياسة ضلالة مستوردة ) للأستاذ يوسف العظم وانظر " بيان الهدى من الضلال " للشيخ إبراهيم 
          بن عبد العزيز السويح ، ومما يجدر التنبيه إليه أن مصطلح " رجل الدين " مصطلح دخيل على الفهم الإسلامي 
         الصحيح بل كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين عليه واجبات تجاه دينه لابد من تأديتها حتى يستحق وصف المسلم . 

وينتهي " قاسم أمين " من هذا العرض إلى أن التمدن الإسلامي قد بدأ وانتهى قبل أن يكشف الغطاء عن أصول العلم فكيف يمكن أن نعتقد أن هذا التمدن كان نموذج الكمال البشري ؟ .. ثم يبين أن كثيراً من ظواهر التمدن الإسلامي لا يمكن أن تدخل في نظام معيشتنا الاجتماعية الحالية ويضرب الأمثلة من نظم هذا التمدن في الحكم وهي في رأيه أقل من المستوى الذي بلغه اليونان والرومان في كفالة الحريات ( 115) كما يضرب أمثلة من نظام الأسرة ليبين أنه كان غاية في الانحلال وأن الفرق واسع بينه وبين النظم والقوانين التي وضعها الأوربيون لتأكيد روابط الأسرة ) ويختم ذلك متسائلاً : ( إذا كانت هذه حالهم فما الذي يطلب منا أن نستعيره منها ؟ .. وأي شيء منها يصلح لتحسين حالنا اليوم ؟ ) ثم يقول :( متى تقرر أن المدنية الإسلامية هي غير ما هو راسخ في مخيلة الكتاب الذين وصفوها بما يحبون أن تكون عليه لا بما كانت في الحقيقة عليه وثبت أنها كانت ناقصة من وجوه كثيرة فسيان عندنا بعد ذلك أن احتجاب المرأة كان من أصولها أو لم يكن وسواء صح أن النساء في أزمان خلافة بغداد والأندلس كن يحضرن مجالس الرجال أو لم يصح فقد صح أن الحجاب هو عادة لا يليق استعمالها في عصرنا ) (116) ثم يستطرد ( عدو المرأة المسلمة ) قائلاً : ( نحن لا نستغرب أن المدنية الإسلامية أخطأت في فهم طبيعة المرأة وتقدير شأنها فليس خطؤها في ذلك أكبر من خطئها في كثير من الأمور الأخرى ...)

(115) هذه المقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الرومانية وترجيح كفة الأخيرة تبين أن المعين الذي كان يستمد منه قاسم أمين و أضرابه هو كتابات ( المتحررين ) في أوربا الذين كانوا يحقرون الحضارة المسيحية ويمجدون الحضارة اليونانية واللاتينية الوثنية السابقة على المسيحية وما هذه المقارنة الغبية إلا صورة جديدة تدل على التخلف الفكري والتقليد الأعمى الذي كان يعاني منه ذلك المفتون بحضارة الغرب الذي نلاحظ من كتاباته كم كان شامخ الأنف متغطرساً مع مواطنيه متعالياً على أمته وفي الوقت ذاته مهدور الكرامة مطأطأ الرأس ذليلاً أمام أعداء دينه وأمته قد وقف حياته على أن يجذب بمنهاجه السقيم أعناقنا نحن المسلمين وجباهنا – نحن الموحدين – لتستقر أمام أقدام أعدائنا اليهود والصليبيين خاشعة خاضعة .

(116) " المرأة الجديدة " ص ( 183 ) ويبدو أن الجذرية في كتابه الثاني هذا لم تكن رد فعل للهجوم القاسي من أوساط العلماء الأزهريين وإنما كان قاسم أمين قد أعد أصول الكتابين في ذهنه قبل نشرهما وخطط لإخراجهما بهذه الصورة وقاسم أمين نفسه كان يؤمن بطريقة غرس الأفكار بالتدريج فقد قال في الصفحات الأولى من " تحرير المرأة "

( إني لست ممن يطمع في تحقيق آماله في وقت قريب لأن تحويل النفوس إلى وجهة الكمال في شئونها لا يسهل تحقيقه وإنما يظهر أثر العاملين فيه ببطء شديد في أثناء حركته الخفية وكل تغيير يحدث في أمة من الأمم وتبدو ثمراته في أحوالها فهو ليس بالأمر البسيط وإنما هو مركب من ضروب من التغيير كثيرة تحصل بالتدريج في نفس كل فرد شيئاً فشيئاً ثم تسري من الأفراد إلى مجموع الأمة فيحدث التغيير في حال ذلك المجموع نشأة أخرى للأمة ) اهـ من " تحرير المرأة " ص ( 2 ، 3 ) . وهذا يوضح أن قاسماً كان يضمر في نفسه شيئاً لم يشأ أن يعلنه في هذا الكتاب حتى لا تسقط كل جهوده فأبرزه في كتابه الثاني " المرأة الجديدة " التي كانت – بالفعل – امرأة " جديدة " مغايرة تماماً لتلك التي رأيناها في كتابه الأول " تحرير المرأة " .

فالحاصل أن كل ما يمكن تركه هجوم شيوخ الأزهر من أثر هو حدة الكلمات والعبارات لا جوهر الفكر ذاته – والله تعالى أعلم – انظر " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 65 ، 78 ) .


ويقول ( .. والذي أراه أن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هون من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعاً لمحاربتها لأنه ميل إلى التدني والتقهقر ..هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له من دواء إلا أننا تربي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها إذا أتى هذا الحين - ونرجو أن لا يكون بعيداً - انجلت الحقيقة أمام عيوننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقنا أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسساً على العلوم العصرية الحديثة وإن أحوال الإنسان مهما اختلفت وسواء كانت مادية أو أدبية خاضعة  لسلطان العلم لهذا نرى أن الأمم المتمدنة على اختلافها في الجنس واللغة والوطن والدين متشابهة تشابهاً عظيماً في شكل حكومتها وإدارتها  ومحاكمها ونظام عائلتها وطرق تربيتها ولغاتها (117) وكتابتها ومبانيها وطرقها بل في كثير من العادات البسيطة كالملبس والتحية والأكل هذا هو الذي جعلنا نضرب الأمثال بالأوربيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على أن نستلفت الأنظار إلى المرأة الأوربية ) ( 118)

بعض ردود فعل الكتاب :

موقف مصطفى كامل :

  تصدى " مصطفى كامل" من جديد   لقاسم أمين وكتب في اللواء بتاريخ 9 / 2 /1901 م  معلقاً على كتاب " المرأة الجديدة " : ( أخرجه أخيراً قاسم أمين ليدعم به أمر كتابه الأول ويفتح به آفاقاً جديدة تحلل المسلمين من دينهم وأخلاقهم ) اهـ 

وحكى "مصطفى كامل " أن سلطان "ملديفي" لما بلغه خبر الكتاب وسئل عن رأيه في هذه الاتجاهات قال : ( أما تعليم النساء المسلمات فقد أصبح من المسائل الحيوية للإسلام والمسلمين ولكنه لو مال عن طريق الشريعة الغراء إلى خطة مدنية الغرب الغبراء كان معولاً لهدم أركان الإسلام وفأساً لفتح القبور لأبنائه ودسهم فيها وهم أحياء أما رفع الحجاب فلا أرضاه لنسائي وبلادي وأما المرأة وحق طلاق زوجها فدعوة لا تصدر من معترف بقول الله في كتابه : ( الرجال قوامون على النساء ) ( النساء 34) فنسأل الله السلامة ) اهـ ( 119)

(117) من المعروف أن قاسم أمين كان يدعو إلى ثورة في لغة الأدب وخطته في ذلك تشبه ثورته الاجتماعية فننسلخ

         من لغة القرآن ونكتب آدابنا بلهجاتنا العامية على نحو ما انسلخت اللغات الأوربية الحديثة من أمها اللاتينية 
         ونعبر في خطنا عن الحركات بحروف تدخل في بنية الكلمة على طريقة الكتابة بالحروف اللاتينية – ( انظر " 
         الأعمال الكاملة " 1/ 157 – 158 ) ولا يخفى ما في هذا " التكتيك الخبيث " من خدمة عظيمة لأعداء 
         الإسلام تشير بإصبع الاتهام من جديد إلى  " قاسم أمين " .

(118) " المرأة الجديدة " ص ( 185 – 186 ) . (119) " الحركات النسائية في الشرق " ص ( 18 ) .

وأفسح " مصطفى كامل " لعلماء المسلمين المجال في جريدة اللواء ليتصدوا لهذه الدعوة الاستعمارية وليبينوا حكم الإسلام فيها وفي أصحابها( وكان من الكتاب الذين نشرت لهم " اللواء " مقالات تعيب على قاسم أمين وذيوله خصومة الحجاب وتجاوز ذلك إلى تحرر يسيء إلى حياة الأمة الأستاذ " محمود سلامة " الأديب المعروف ) (120)

  1. ومن البحوث التاريخية التي نشرها " اللواء " أيضاً ذلك البحث الذي وضعه قاضي قضاة مصر ( 121) السيد " عبد الله جمال الدين أفندي " رحمه الله ونشرته له " اللواء " في عدديها رقم ( 456 و 457 ) بتاريخ ( 25 و 26 من ذي الحجة سنة 1318هـ أي في أواخر سنة 1900م ) وقد استغرق هذا البحث من كل عدد الصفحة الأولى كاملة وثلث الصفحة الثانية (122) .

وبما أن هذه الحركة كانت قد نشأت في بيئة وطيدة الصلة بالاحتلال البريطاني معادية في نفس الوقت لحاكم البلاد الرسمي ( الخديوي ) فكان من الطبيعي أن يقف منها الخديوي موقف العداء ...

أولاً : لمنافاتها للإسلام في وقت كان الحكام والأمراء يفاخرون بالحرص عليه 

وثانياً : لصلتها بالاحتلال الذي يعمل على حشد القوى المناصرة له لمناهضة الخديوي والحد من سلطانه وقد أبرز ( مصطفى كامل ) موقف الخديوي " عباس حلمي " من هذه الحركة في اللواء بتاريخ ( 22 إبريل من سنة 1901 م ) بعنوان : ( رأي الجناب العالي في مسألة الحجاب ) وقد جاء فيه ما نصه : ( يرى الجناب العالي حفظه الله في مسألة الحجاب و إطلاق حرية النساء ما يراه الشرع الشريف ويأمر به وقد عرف رأي جنابه في هذا الشأن بأمرين : الأول : أنه أبى قبول كتاب " المرأة الجديدة " عندما ذهب " قاسم أمين " في الأيام الأخيرة إلى المعية السنية والتمس تقديمه إلى سموه . الثاني : أنه قبل كتاب " الاحتجاب " الذي رفعه إليه يوم الجمعة الماضي حضره الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الله نقيب الأشراف برودس وقريب مؤلف الكتاب عبد الله جمال الدين أفندي رحمه الله و تقبله حفظه الله بكل ارتياح وانشراح وأعرب عن عظيم امتنانه من نشره حتى ينتفع به المسلمون ويرشدهم إلى الحق والصواب ) اهـ .

(120) انظر " تطور النهضة النسائية " ص ( 58 ) . (121) كره بعض العلماء هذا اللقب لشبهه بلقب " شاهنشاه " أي ملك الأملاك المذموم في السنة الصحيحة وذلك

         قوله "   ( إن أخنع اسم عند الله تعالى رجل تسمى ملك الأملاك  ) متفق عليه .

(122) وقد طبع حديثاً في كتيب بعنوان ( حجاب المرأة العفة والأمانة والحياء ) طبع مكتبة التراث الإسلامي

        ( 1402 هـ  -  1982 م ) .

هذا ولم يقف الأمر بالخديوي حيال " قاسم أمين " عند هذا الحد بل لقد أصدر أمراً بمنعه من دخول القصر في أي مناسبة مع أنه مستشار (123) في الدولة وذلك أنصع في الدلالة على استنكار الخديوي لهذه الحركة الأثيمة (124) .

(123) درس " قاسم أمين " الحقوق في فرنسا وعاد إلى مصر سنة 1885 م فتعين وكيلاً للنائب العمومي في

         محكمة مصر المختلطة وما زال يرتقي حتى صار مستشاراً في الاستئناف إلى أن مات بالسكتة في ليلة 23 
         أبريل 1908 م وهو في الثالثة والأربعين من عمره وقد زعم الصحافي " مصطفى أمين " أنه لم يمت موتاً 
          طبيعياً ولكنه انتحر وذكر سبب ذلك في مقالة نشرت بجريدة المساء ( الخميس 4 / 8 / 1983 ) 
          بعنوان " هل انتحر محرر المرأة بسبب امرأة " . 


(124) ومن المواقف ( الملكية ) النادرة ما روته وصيفة " الملكة نازلي " عن شدة معاملة " الملك فؤاد " لها

        قالت :

{ وفي السبع عشرة سنة التي عاشها الملك مع الملكة لم يسمح لها بالسفر إلى أوربا سوى مرة واحدة عندما أجمع الأطباء على ضرورة سفرها إلى إحدى مدن المياه المعدنية بفرنسا لتعالج فيها وذلك عام 1927 م وكان الملك مسافراً لبعض دول أوربا زيارة رسمية ورفض أن يصحبها معه في هذه الزيارات واشترط أن تبقى في أوربا محجبة ورفض أن تكون معه على نفس الباخرة وأمر بأن تسافر باليخت ( المحروسة ) ليتفادى سفرها بالبواخر العادية حتى لا تختلط بالرجال وأمر الملك أن يكون هناك ( ديدبان ) طوال الليل في الممشى أمام الجناح الخاص بالملكة في اليخت وعندما بدأت الرحلة وخيم الظلام في الليلة الأولى رأت الملكة الديدبان فغضبت وهاجت وماجت وأمرت قبطان اليخت المحروسة بسحب الديدبان فوراً وقال لها القبطان في احترام : " إنني أنفذ أوامر جلالة الملك شخصياً " وقالت الملكة : " ولكن وجوده هنا يضايقني وصوت حذائه يزعجني ويقلق نومي " ولم يستطع القبطان أن يقول إن صوت الحذاء لا يسمع مع وجود ( البساط ) المفروش على الأرض بل قال للملكة : إذا كان صوت حذاء الديدبان يزعج جلالتك فإنني سآمره أن يخلع حذائه وفعلاً كان الجنود الذين يتناوبون الحراسة ليلاً أمام جناح الملكة يخلعون أحذيتهم ويقفون حفاة تنفيذاً لأمر الملك من جهة وإرضاءً للملكة من جهة أخرى . وحدث في تلك الأيام أن نشرت مجلة ( روز اليوسف ) صورة للملكة نازلي ووجهها مكشوف فقامت قيامة الملك فؤاد وطلب من " توفيق نسيم " باشا رئيس الديوان الملكي أن يطلب من " عبد الخالق ثروت " باشا رئيس الوزراء إغلاق مجلة روز اليوسف بتهمة ( العيب في الذات الملكية ) .. وحقق مدير المطبوعات مع " روز اليوسف " فقالت : " إن الصورة منقولة عن جريدة فرنسية وزعت في مصر " واكتفى مدير المطبوعات بتوجيه توبيخ شديد اللهجة إلى " روز اليوسف " . وكان الملك فؤاد يحرص أن لا تظهر الملكة نازلي سافرة أمام رجل حتى أنها كانت لا تستطيع أن تتنزه في حدائق القصر الملكي إلا إذا حجبت نصف وجهها وبعدما يتحقق بوليس القصر من عدم وجود رجل في المنطقة التي ستتنزه فيها الملكة وفي الوقت الذي ستتنزه فيه الملكة وفي الوقت نفسه يصدر الأمر إلى جنود الحرس الملكي الذين يقفون فوق جدران القصر أن يديروا ظهورهم إلى حديقة القصر طول مدة سير الملكة في الحديقة ! وحدث أن قرر الملك ( أمان الله خان ) ملك أفغانستان أن يزور مصر وهو في طريقه إلى أوربا فصحب الملكة ( ثريا ) زوجته ورحب الملك فؤاد بملك أفغانستان ثم سمع أن الملك ( أمان الله ) دعا نساء أفغانستان إلى نزع الحجاب إقتداء بالغازي ( كمال أتاتورك ) الذي ألغى الحجاب في تركيا وجاءت البرقيات تقول أن الملكة ثريا سترافق الملك " سافرة " في رحلته وعندئذ ألغى الملك فؤاد استضافته ملك أفغانستان في قصر عابدين بحجة أن التقاليد تحول دون اشتراك الملكة ثريا في الزيارة الرسمية وعُرف أن الملك فؤاد لا يريد أن تقيم ثريا في قصر عابدين حتى لا تسمم أفكار الملكة نازلي ووافق الملك أمان الله على أن تكون إقامة ثريا في مصر إقامة غير رسمية فلا تشترك في الحفلات والاستقبالات التي يدعى إليها ولم يكتفي الملك فؤاد بذلك بل أبلغ الملك أمان الله أنه يرجو ألا تظهر زوجته سافرة أثناء إقامتها في مصر مراعاة لتقاليدها وخضعت ثريا لرغبة الملك وأصدر الملك فؤاد أمره إلى وزارة الداخلية بعدم محاولة تصوير ملكة أفغانستان وفعلاً لم تظهر صورة واحدة للملكة ثريا في الصحف المصرية طوال مدة إقامتها . وعندما انتهت الزيارة وصعدت ملكة أفغانستان إلى الباخرة الإيطالية التي أقلتها إلى أوربا أسرعت ونزعت الحجاب بحركة عصبية وقالت للصحافيين : " أظن أننا لم نعد مقيدين بأوامر الملك فؤاد " اهـ من مقالات بعنوان : ( من عشرة لعشرين ) للصحافي مصطفى أمين - أخبار اليوم 9 يناير 1982 م .


هل رجع " قاسم أمين " عن آرائه ؟

زعم بعض الباحثين أن قاسم أمين ( عدل عن رأيه في عام 1906 م بعد أن تبين له أنه ضل الطريق وذلك ضمن حديث له إلى صحيفة " الظاهر " التي كان يصدرها " محمد أبو شادي " المحامي أعلن فيه رجوعه عن رأيه كما أعلن فيه أنه كان مخطئاً في " توقيت " الدعوة إلى تحرير المرأة ) (125)

وقد استدل من ذهب إلى ذلك بحديثه المذكور آنفاً في صحيفة " الظاهر " وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر لأن عبارته لم تكن صريحة في توبته عن ضلاله بالكلية ولكنه ادعى أن خطأه كان فقط في ( توقيت ) الدعوة إلى تحرير المرأة وليس في مضمون الدعوة ذاتها وإليك نص عبارته في ذلك :

قال " قاسم أمين " :

( لقد كنت أدعوا المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب وإلى إشراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم .. ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة و الإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي ..رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تتطاولوا إليها بألسنة البذاء ثم ما وجدت زحاماً في طريق فمرت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسنة جميعاً .. أنني أرى أن الوقت ليس مناسباً للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذي قصدته من قبل ) (126)


(125) ( الأخوات المسلمات ) ص ( 252) ولعل مما يضعف احتمال رجوعه عن مذهبه ما قالته " هدى شعراوي "

         في حفل تكريم ذكرى رحيل " قاسم أمين " العشرين – والذي حضره صفية زغلول وطه حسين ولطفي السيد 
          وواصف غالي وتوفيق دوس ومصطفى عبد الرزاق : ( سادتي وسيداتي : اسمحوا لي أن أبدأ كلمتي بآخر 
         كلمة نطق بها المرحوم قاسم أمين في حفلة نادي المدارس العليا وهو يحيي الطلبة الرومانيين ليلة وفاته إذ 
         قال : " كم أكون سعيداً في اليوم الذي أرى فيه سيداتنا يزين مجالسنا كما تزين طاقات الزهور قاعات 
                   الجلوس " هذه هي آخر جملة نطق بها المرحوم قاسم قبل أن يلبي دعوة ربه ببرهة وجيزة وهي 
         كما ترون تتضمن أمنية غالية لم يمهله الموت حتى يشاهد تحقيقها )   اهـ 
         من ( حواء ) العدد ( 1249 ) 30 أغسطس 1980 م ص ( 14 – 15 ) .

(126) نقلاً عن كتاب ( رجال اختلف فيهم الرأي ) للأستاذ أنور الجندي ص (29 ) طبع دار الأنصار .


وقد كان نشر هذا الكلام قبل موته بعام ونصف فلعله رأى - بعد أن تغيرت الظروف بزوال " كرومر " و انطفاء نفوذ " نازلي فاضل " ربيبته - أن يتخفف من تبعه هذه الدعوة المدمرة بل ربما كان لبعض التجارب أثرها في نفسه فمما يروى ( أن صديقاً عزيزاً " هو المؤرخ الإسلامي رفيق العظم " زاره ذات مرة فلما فتح له الباب قال : " جئت هذه المرة من أجل التحدث مع زوجك في بعض المسائل الاجتماعية !" فدهش قاسم أمين كيف يطلب مقابلة زوجته ومحادثتها ؟ فقال له صديقه : " ألست تدعو إلى ذلك ؟ إذاً لماذا لا تقبل التجربة مع نفسك ؟ " فأطرق " قاسم أمين " صامتاً ) (127)

( وكلمته زوجة قاسم من وراء ستار وأفهمته أن قاسماً لم يدعو إلى السفور ولا إلى الخلوة بأجنبي ) (128) .


موت " قاسم أمين " :

( ومات قاسم أمين ليلة الثالث والعشرين من إبريل سنة 1908م فأوحى الإنكليز إلى شيعته بإقامة ما يسمى " حفل تأبين " له فأقاموا هذا الحفل وأشادوا فيه بدعوته إلى السفور فقابل رجال الحزب الوطني هذه الحركة بإقامة احتفال كبير للدعوة إلى الحجاب ولإبراز أصابع الإنكليز في فتنة السفور ) (129)



(127) عن مجلة ( الاعتصام ) عدد رمضان سنة 1399 هـ . (128) " قاسم أمين " د / " ماهر حسن فهمي " ص ( 159 ) ،

          = ومن الجدير بالذكر أن زوجة ( قاسم أمين ) كانت محجبة حجاباً كاملاً وقد ذكرت في بعض تصريحاتها بعد 
          وفاته :
          ( أنه – أي قاسم – لم يرغمها على السفور عندما كان ينادي إليه ) وتقول :  ( إنها ظلت ترتدي البرقع 
          والحبرة ) وإن قاسماً ( كان يكتفي بالمناداة بفكرته ولكنه لم يطبقها في أسرته إلا على النشء الجديد ، أعني 
          بناته ) ثم تحاول تبرئة قاسم من وزر الفساد الذي ترتب على دعوته فتقول :  ( إن بنات الجيل الحالي 
          وشبابه قد أخطأوا فهم هذه الدعوة وتجاوزوا مداها فالمظهر الذي تظهر به فتيات هذا العصر ليس سفوراً بل 
          بهرجة فظيعة لم يكن يخطر على بال قاسم أن ينادي بها أو يدعوا إليها و إنما كان قاسم ينادي 
          بالسفور الشرعي ( ! ) الذي لا يزيد عن إظهار الوجه واليدين والقدمين ولا يتجاوزه إلى إظهار العورات و 
         إلى اختلاط المرأة بالرجل بالشكل الحاصل الآن و إني أعتقد أن قاسم بك لو كان حياً لما رضى عن هذه الحال 
          بل لانبرى إلى محاربتها ) اهـ  وانظر " قاسم أمين " لأحمد خاكي  ص ( 106 – 107 ) .

(129) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص ( 19 ) .


من يحمل اللواء ؟

وبموت " قاسم أمين " لم تهدأ هذه الدعوة إلى ( تدمير) المرأة إلا قليلاً وكيف يهدأ للإنكليز بال والخطة لم تصل بعد إلى أهدافها ؟ وإن مات قاسم أمين فهناك على الساحة السياسية من يستأنف الدور ويحمل اللواء هناك "حزب الأمة"وزعاماته المعروفة بعمالتها للإنكليز من أمثال(أحمد فتحي زغلول)(130) عضو محكمة دنشواي والهلباوي جلادها وسفاحها وهناك وكلاء الغرب المنضوون تحت لواء هذا الحزب من أمثال " لطفي السيد " الذي حمل على عاتقه الدعوة إلى خروج النساء باسم التحرير وها هو ذا " أستاذ الجيل " أو " منشئ الوطنية المصرية " على حد تعبير " سلامة موسى " يتحدى المسلمين ويدخل الفتيات طالبات في الجامعة مختلطات بالطلاب سافرات الوجوه ولأول مرة في تاريخ الجامعة المصرية (131) وظل " أستاذ التضليل " يروج لحركة تحرير المرأة على صفحات " الجريدة " لسان حزب الأمة (132) .

(130) أحمد فتحي زغلول شقيق سعد زغلول اشترك في الحكم على المتهمين في حادثة دنشواي إذ كان أحد قضاة

          المحكمة المخصوصة ، { وهي التي أصدر بطرس "باشا" غالي وزير الحقانية بالنيابة قراراً بتشكيلها
           لمحاكمة المتهمين برياسته هو نفسه – أي بطرس – وعضوية كل من ( المستر ) هيتر و ( المستر ) بوند 
           والقائم مقام ( لادلو ) وأحمد فتحي ( بك ) زغلول رئيس محكمة مصر الابتدائية } اهـ من ( مصطفى كامل 
           باعث الحركة الوطنية ) لعبد الرحمن الرافعي ص ( 203 ) وفيه أيضاً أن ( أحمد زغلول هو الذي كتب 
          الحكم بقلمه ورقي بعد الحكم وكيلاً لوزارة الحقانية وسماه مصطفى كامل قاضي دنشواي ) ا هـ     
           ص ( 419 )  وهو المقصود بقول شوقي في " وداع كرومر " :
                            أم من صيانتك القضاء بمصر أن           تأتي بقاضي دنشواي وكيلاً ؟

(131) وكان عضده ونصيره في تلك الخطوة ( طه حسين ) و ( كامل مرسي ) من " المرأة المصرية " لدرية شفيق

         ص ( 153 ، 267 ) أما تفاصيل ذلك فقد حكاها ( طه حسين ) في الاحتفال بتكريم أولى خريجات الجامعة 
         وأول طيارة مصرية في فبراير 1932 م حيث قال في كلمته : ( أظن أن موقفي الآن – ولست من الرجال 
         الرسميين – يسمح لي بأن أكشف لحضراتكم عن مؤامرة خطيرة جداً حدثت منذ أعوام وكان قوامها جماعة 
         من الجامعيين فقد ائتمر الجامعيون وقرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة وأن يختلسوا منها حقاً اختلاساً لا 
         ينبئونها به ولا يشاورونها فيه وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالي في الجامعة المصرية وأؤكد لكم أيها السادة 
        أنه لولا هذه المؤامرة التي اشترك فيها الجامعيون وبنوع خاص أحمد لطفي السيد باشا وعلي إبراهيم باشا 
         وهذا الذي يتحدث إليكم لولا هذه المؤامرة التي دبرناها سراً في غرفة محكمة الإغلاق لما أتيح لنا ولا للإتحاد 
        النسائي أن أقدم إليكم الآن محامية مصرية وأديبات مصريات اتفق هؤلاء الثلاثة فيما بينهم أن يضعوا وزارة 
        المعارف أمام الأمر الواقع وكان القانون الأساسي في الجامعة يبيح دخول المصريين وهو وإن كان لفظاً مذكراً 
         ينطبق على المصريين والمصريات وعلى ذلك ائتمرنا على أن تقبل الفتيات فقبلناهن ولم نحدث أحداً بذلك 
         حتى إذا تم الأمر وأصبح لهن حق مكتسب في الجامعة علمت الوزارة أن الفتيات دخلن الجامعة ) اهـ 
         ص ( 23 – 24 )  من حواء العدد 1255 / 11 أكتوبر 1980 م .

(132) ومن المعروف أنه كان من الداعين إلى "إصلاح الخط العربي " سنة 1899 وذلك بالدلالة بالحرف على

        الحركات فتكتب سعدٌ بالرفع هكذا ( ساعدون ) وبالنصب ( ساعدان ) والجر ( ساعدين ) وبفك الإدغام فتكتب 
         محمد هكذا ( موحاممادان ) في الرفع و ( موحاممادان ) في النصب و ( موحاممدين ) في الجر =
    ........................................................................
  .......................................................................
  .......................................................................



= وهو يوافق في ذلك القاضي الإنكليزي ( ولمور ) و " الأب " ( أنستاس ) في خططهما الخبيثة للقضاء على لغة القرآن المجيد ومحو الشخصية المسلمة من الوجود . { وقد كان ( لطفي السيد ) خصماً للعروبة والوحدة الإسلامية وكان يدعو إلى قصر التعليم على أبناء الأعيان وكان يدعو إلى اللهجة العامية على وفق ما دعا إليه المستشرقون والمبشرون مثل " مولار ، ويلكوكس " رافعاً شعار " تمصير العربية بإحياء العامية " وكان يقاوم التضامن العربي الإسلامي فقد عارض مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي عام 1911 م ودعا إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية "التركية" ومن مواقفه الشهيرة أنه مجّد اللورد كرومر ووصفه بأنه ( من أعظم عظماء الرجال ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا نداً له يضارعه في عظائم الأعمال ) ونشر عنه هذا الكلام في نفس اليوم الذي ألقى فيه كرومر خطاب الوداع فسبّ المصريين جميعاً .

وقد رسم ( أستاذ الجيل ) منهجاً للحياة الاجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية في مصر يقوم على التبعية العامة للنفوذ الأجنبي و الاحتلال البريطاني والفكر الغربي تحت اسم عبارة خادعة هي " مصر للمصريين " . وقد أسس هذا الأستاذ " حزب الأمة " الذي كان " صناعة بريطانية" بإجماع الآراء وكان هدف هذا الحزب تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى مهادنة الغاصب وتقبل ما يسمح به بدون مطالبته بشيء !..

أما موقفه من الدين فيلخصه قوله : ( لست ممن يتشبثون بوجوب تعلم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية بعينها ولكني أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره هذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر ) } انتهى ملخصاً من كتاب ( رجال اختلف فيهم الرأي ) للأستاذ أنور الجندي ص ( 4 – 11 ) وقال د / حسين فوزي : ( والفكرة في عقيدة لطفي السيد هي الحرية ، الحرية في كل صورها ومعانيها والعقيدة هي القومية والديموقراطية والتمدين ) اهـ من " أحمد لطفي السيد " ص ( 287 ) .

وقد كان الرباط وثيقاً جداً بين ( طه حسين ) و( لطفي السيد ) وآية ذلك : - أول رسالة علمية في الجامعة منحت لطه حسين . - وحينما تحولت الجامعة الأهلية إلى حكومية اشترط لطفي السيد أن يكون طه حسين أستاذاً فيها . - وحينما أقيل طه حسين لعدوانه على الإسلام استقال لطفي السيد من الجامعة تضامناً معه .

 ( انظر " لطفي السيد " للدكتور حسين فوزي ص ( 270 – 278 ) .





صدور مجلة " السفور " :

ولما قامت الحرب العالمية الأولى وكانت الفرصة سانحة لإخفات صوت الإسلاميين وتشريد دعاتهم وكتم أنفاسهم - اعتقلت السلطات البريطانية رجال الحزب الوطني وانتهز أنصار الحركة النسائية الفرصة فأصدروا مجلتهم " السفور " باسم " عبد الحميد حمدي " وقد أخذت على عاتقها نشر الدعوة ضد الحجاب وضد الآداب الإسلامية وممن كتب فيها داعياً إلى السفور مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق(133) وطه السباعي وصاحب " المجلة " وغيرهم ( 134) وإلى قيام ثورة 1919 كانت هذه الدعوة الآثمة محصورة في أضيق الحدود حتى إن المتظاهرات اللاتي أغراهن دعاة التحرير بالخروج في ذلك الحين كن محجبات يرتدين البراقع البيضاء ولا يخالطن الرجال (135)



(133) " علي عبد الرازق " صاحب كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) صدر كتابه سنة 1344هـ ( 1925 م ) عقب

         إلغاء الكماليين الخلافة الإسلامية في تركيا ليسوغ صنيعهم زاعماً أن الخلافة نظام تعارف عليه المسلمون 
         وليس في أصول الشريعة الإسلامية ما يلزم به والكتاب ملئ بالتهجم الظالم والمتهور على الخلافة والخلفاء 
         ولم يستثن من ذلك الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وعلى رأسهم خليفة رسول الله  أبو بكر  وزعم 
         عدو الله أن الدين لا يمنع من أن جهاد النبي  كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ( حاشا لرسول الله 
         صلى الله عليه وسلم ) وأنكر أن القضاء وظيفة شرعية ووصف حكومة الخلفاء الراشدين بأنها كانت ( لا 
         دينية ) وهذه جرأة ( لا دينية ) من المؤلف وقد ذهب قبل تأليفه إلى بريطانيا وأقام فيها عامين ولقرائن عديدة 
        ذهب فضيلة الشيخ ( محمد بخيت ) رحمه الله إلى أن الكتاب ليس من تأليف " على عبد الرازق " ورجح 
       الدكتور " ضياء الدين الريس " بأن مؤلف الكتاب الحقيقي هو مستشرق إنجليزي يهودي الأصل وهو ( 
        مرجليوث ) ومن هنا أطلق عليه الأستاذ أنور الجندي ( حاشية على عبد الرازق على بحث مرجليوث ) ! وقد 
        صدرت كتب عديدة ترد على الكتاب وتفضح مؤامراته وحوكم مؤلف الكتاب أمام هيئة كبار العلماء بالأزهر 
        فأصدرت حكمها في 22 من المحرم سنة 1344 هـ الموافق 12 أغسطس 1925 م وهو يقضي ( بإخراج 
       الشيخ على عبد الرازق أحد علماء الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف 
       كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) من زمرة العلماء ومع أن حركة اليقظة الإسلامية واجهت الكتاب المنحول 
       وفندت أباطيله إلا أن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه مع مقدمات إضافية يكتبها المضللون الشعوبيون 
       ليخدعوا المسلمين بأسمائهم وألقابهم – انظر ( الاتجاهات الوطنية ) ( 2 / 85 – 95 ) ، 
      (  رجال اختلف فيهم الرأي ) ص ( 61 – 72 ) .  

(134) ( تطور النهضة المسائية ) ص ( 14 ) . (135 ) من ( خمسون عاماً على ثورة 1919 ) لأحمد عزت عبد الكريم أصدرته مؤسسة الأهرام مركز الوثائق

          والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة ( ص 193 – 197 ) وقد ضمن الكتاب صور المتظاهرات في وسط 
          الطريق وهن يرتدين النقاب الأبيض والجلباب الأسود في حين وقف الرجال على جنبات الطريق ينظرون 
          إليهن وقد مضين قدماً .

الطفرة :

وقد كانت ثورة " 19 " أكبر طور طفر بحركة " تحرير المرأة " وقد تمثل ذلك في مشاركة المرأة في ثورة 1919 ومؤازرة " سعد زغلول " للحركة النسائية وكانت المشاركة الفعلية للمرأة بمظاهرة يوم 20مارس سنة 1919 وكانت هذه المشاركة في ذلك اليوم بمثابة جواز المرور الذي تجاوزت به المرأة الحائط القديم الذي قبعت طويلاً خلفه ولم تعد إليه أبداً بعد أن وضعت قدمها موضع قدم الرجل فعندما تشكل الوفد المصري من الرجال همت المرأة فشكلت لجنة الوفد من السيدات اللاتي اجتمعن برئاسة " هدى شعراوي " بالكنيسة المرقصية ( يوم 8 يناير سنة 1920) ومنذ ذلك التاريخ انتقل التنظيم النسائي إلى مرحلة العمل المنظم على أساس أنه هيئة مستقلة حرة معترف بها لها الحق في أن تشارك في مجريات الأحداث التي تمر بها البلاد . وظلت الصحافة في هذه المرحلة تؤازر المرأة خاصة التي يحررها صحافيون سفوريون ممن كانوا يؤازرونها من قبل وممن انضم إليهم من أمثال الدكتور " محمد حسين هيكل " صاحب جريدة " السياسة " وبعض كتاب مجلة الهلال وغيرهم ورسمت الصحافة صورة المرأة المثالية التي يجب أن تتمثلها المرأة المصرية وهي نفسها صورة المرأة الأوربية في ذلك الوقت يقول أحد الكتاب : ( المرأة الأوربية عندها واجبان مقدسان بيتها ووطنها وبين الواجبين تخص بساعة نفسها فتحضر حفل موسيقي أو تدعو أصحابها لليلة راقصة ولا تنسى أن تقف أمام المرآة لتزين حالها فتتذكر دائماً أنها امرأة إنها في نظري مثال المرأة الأعلى ويحسن بالمرأة الشرقية أن تقتبس عنها كل شيء ) (136) وربط كتاب هذه المرحلة صراحة بين تحرير المرأة وفكرة " المصرية " ونبذ فكرة " الإسلامية " يقول " محمود عزمي " - وكان من أبرز كتاب تلك المرحلة : ( تأثرت بكتب " قاسم أمين " تأثراً عجيباً جعلني أمقت الحجاب مقتاً شديداً يرجع إلى اعتبار خاص هو اعتباره من أصل غير مصري ودخوله إلى العادات المصرية عن طريق تحكم بعض الفاتحين الأجانب فكان حنقي على أولئك الأجانب الفاتحين الإسلاميين يزيد ) اهـ (137) .



(136) انظر : ( المؤامرة على المرأة المسلمة ) ص ( 14) . (137) " الهلال " العدد الماسي - ص ( 132 ) .

جريمة الزعيم :

( صحبت " صفية زغلول " زوجها " سعد زغلول " في باريس لحضور مؤتمر الصلح سنة 1920لعرض القضية المصرية وقد مكثت صفية ترتدي الحجاب إلى أن عادت مع سعد زغلول إلى مصر بعد عودته من منفاه وعلى ظهر الباخرة التي نقلتهما إلى الإسكندرية وجد سعد البحر وقد امتلئ بألوف المخدوعين يستقبلونه بالقوارب وقال سعد لصفية " ارفعي الحجاب " وتدخل " علي الشمسي " و " واصف بطرس " ! - من أعضاء الوفد - وعارضا في ذلك فقال سعد زغلول " المرأة خرجت إلى الثورة بالبرقع ومن حقها أن ترفع الحجاب اليوم " ورفعت صفية زغلول الحجاب (138) ثم وقفت إحدى صنائع الاستعمار تخطب في القاهرة في احتفال الشعب المخدوع بقدوم " الزعيم " وطلب منها رفع الحجاب وعندئذ رفعت الحاضرات الحجاب ) اهـ (139)

وجاء في جريدة الجمهورية الصادرة في 20 / 4 / 1978 في الذكرى السبعين لموت قاسم أمين تحت عنوان : " تحليل شخصية قاسم أمين "  :

( ولما تولى سعد زغلول زعامة الشعب في عام 1919 اشترط على السيدات اللواتي يحضرن سماع خطبه أن يزحن النقاب عما سمح الله به من وجوههن وكانت هذه أول مرحلة عملية للسفور ) اهـ

وفي رواية : ( نفت بريطانيا " صديقها " سعد زغلول وجماعته إلى جزيرة سيسل فترة ثم أعادته إلى مصر لتوليه رئاسة الوزارة وتوقع معه معاهدة فيكون احتلال بريطانيا لمصر شيئاً رسمياً متفقاً عليه !

(138) ويبدو أن الأمر استقر أخيراً على أن لا تخلع صفية الحجاب نزولاً على رغبة ( واصف بطرس غالي )  !! ، فقد حكت هدى شعراوي في مذكراتها قصة عودتها على نفس الباخرة التي عاد عليها سعد فقالت :( وقد بدأ – أي سعد – يهنئ على توفيقي في الوصول إلى رفع الحجاب وكيفية عمل الحجاب الشرعي (!) الذي أرتديه وقال : " إنه قد سر عندما رأى صورتي بهذا الزي الجديد في منفاه " ثم طلب من السيدة حرمه أن تقلدني فوعدت بذلك .. صعدت إلى ظهر الباخرة للنزول وإذا بصفية هانم تقابلني ببرقعها وملاءتها فقلت لها " أين وعدك لسعد باشا بارتداء الإزار الشرعي ؟ " فقالت :" أنا ليس لي زوج واحد .. واصف باشا غالي استحسن ألا أغير زيي حتى لا أحدث تأثيراً سيئاً في المستقبلين " فعجبت من ذلك وصافحتها ونزلت إلى اللنش الذي كان في انتظاري " اهـ من ( حواء ) العدد ( 1237 ) 7 يونيو 1980 م . (139) ( الأخوات المسلمات ) ص ( 255 ) . هيئ الجو في الإسكندرية لاستقبال سعد وأعد سرادق كبير للرجال وآخر للنساء المحجبات وأقيمت الزينات في كل مكان ونزل " سعد " من الباخرة وعلى استقبال حافل وهتافات أخذ طريقها إلى سرادق النساء - دون سرادق الرجال - فلما دخل على النساء المحجبات استقبلته " هدى شعراوي " بحجابها ... فمد يده - يا ويله - فنزع الحجاب عن وجهها تبعاً لخطة معينة وهو يضحك .. فصفقت هدى .... وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ... ونزعن الحجاب ومن ذلك اليوم أسفرت المرأة المصرية استجابة لـ " رجل الوطنية " سعد و أصبح الحجاب نشازاً في حياة المسلمة المصرية ... لقد فعل " سعد " بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه(140) أما سعد .....؟! (141)

ويستنكر الشيخ " مصطفى صبري " رحمه الله هذه الجريمة التاريخية البشعة قائلاً :

( وكأني بعلماء الدين سكتوا عند وقوع تلك الحادثة احتراماً لسعد أو انتقده عليه قليل منهم من غير تصريح باسمه كما هو المعتاد عند علماء مصر في النقد ولكن النهي عن المنكر ليس بجهاد مع الهواء وإن الحق وخاطر الإسلام أكبر من سعد وألف سعد وإني تذكرت هنا سعداً الصحابي رضي الله عنه وقول النبي " فيه (142) : أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ) (143) اهـ


(140) لعله يشير إلى ما رواه بن هشام عن محمد بن إسحاق ( وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن

         أبي عون ، قال : كان من أمر بني قينقاع  أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته في سوق بني قينقاع 
          وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى 
         ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان 
         يهودياً وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضبت المسلمون 
         فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع ) اهـ    
         من " السيرة النبوية " لابن هشام مع " الروض الأنف " للسهيلي  ( 3/ 137 ) .واسناده مرسل معلق ، 
        انظر : ( دفاع عن الحديث النبوي والسيرة )  للشيخ ناصر الدين الألباني   ص  ( 26 – 27 ) .

(141) " المرأة المسلمة " للشيخ وهبي سليمان غوجي الألباني ص ( 188 ) .

(142) متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة  قال سعد بن عبادة  : " لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته

          بالسيف غير مصفح " فبلغ ذلك رسول الله " فقال : " تعجبون من غيرة سعد ؟ والله لانا أغير منه والله 
         أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " الحديث  " جامع الأصول – في أحاديث 
         الرسول " " بتحقيق الأرناؤوط ( 8 /432 ) .

(143) " قولي في المرأة " للشيخ مصطفى صبري رحمه الله ( ص 74 – 75 ) . " سعد زغلول " المنفذ الفعلي لأفكار قاسم أمين :

( في ثورة سنة 1919 استطاع المصريون بقيادة سعد زغلول أن يحققوا الاستقلال عن كل من تركيا وانجلترا وتحقق - وفي الوقت نفسه - بتعضيد من سعد زغلول ومعاونته استقلال المرأة وتحررها العملي وتحققت بذلك نبوءة " قاسم أمين " الذي كان يرى أن آراءه في المرأة لن تأخذ شكلها العملي إلا على يد سعد زغلول ومن ثم فقد أهداه كتاب " المرأة الجديدة " الذي يمثل الثورة الجذرية الفعلية للمرأة المصرية .

والذي لا يعرفه الكثيرون أن " سعد زغلول " كان لا يقل تحمساً لتحرير المرأة عن شيخه الشيخ " محمد عبده " وصديقه " قاسم أمين " إن لم يكن أكثر حماساً وفاعلية منهما فهو الرجل الذي قدر له أن يقرر تاريخ مصر طوال العقد الثالث من هذا القرن .

وكان سعد زغلول من الذين تخرجوا من الأزهر الشريف ودرسوا الحقوق واحترفوا المحاماة واتصل برجال تركيا الفتاة الذين قضوا على الخلافة الإسلامية في تركيا وكانت الأميرة " نازلي فاضل " تؤيد أفكارهم فالتقت فكرياً بسعد زغلول وعهدت إليه بالإشراف على ممتلكاتها وعن طريق منتداها بدأ نجمه يبزغ في ظل نجم الأميرة ونجم الشيخ " محمد عبده " ثم سطع نجمه عندما مثل أول أدواره السياسية بوصفه صهر " مصطفى فهمي " باشا رئيس الوزراء المصري وأحد المقربين إلى اللورد " كرومر " سنة 1907 ثم عندما أسس حزب الأمة الذي بارك اللورد كرومر تكوينه راجياً أن يحد به من نفوذ الحزب الوطني ذي النزعة الإسلامية بقيادة مصطفى كامل - ثم أسند اللورد لسعد زغلول نظارة المعارف مكافأة له على خدماته قبل أن تتغير الاتجاهات السياسية في مصر في نهاية الحرب العالمية الأولى وثورة سنة 1919 ) (144)

( وفي هذه الفترة التي قدر لسعد زغلولا أن يقرر فيها تاريخ مصر قطعت مسألة تحرير المرأة شوطاً لم يكن يتحقق لها بدونه ومن ثم فقد بز دوره الشيخ محمد عبده وقاسم أمين معاً وذلك لأن سعد زغلول - كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا - في مجلة المنار( 28 / 711و 712 ) : ( دخل في أطوار التفرنج في معيشته وأفكاره الاجتماعية وغلبت نزعة " المصرية " عنده على فكر " الجامعة الإسلامية " ولم يعد يذهب إلى المساجد " وهو خريج الأزهر الشريف " إلا في مناسبات الاحتفالات الرسمية وبعض صلوات الجمعة في زمن زعامته و أنكر عليه أهل الدين أموراً منها عمله في تجرئة النساء على


(144) " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 19 – 20 ) .


السفور المتجاوز للحد الشرعي حتى لقد بدا للعيان أنه لو كان الأمر بيد "سعد زغلول " لحول مصر إلى تركيا كمالية ولكن حال دون ذلك نزوع المصريين الفطري إلى التدين والتمسك بعرى الدين وخوف سعد - إذا تمادى في تحدي مشاعر الناس الدينية - من أن يفقد شعبيته واحترام البسطاء له ) (145) اهـ .

" سعد زغلول " : أول وزير مصري في ظل الاحتلال :

لقد بدأ "الزعيم" حياته السياسية صديقاً للإنكليز وختمها كذلك صديقاً للإنكليز (146) وبدأها بمصاهرة أشهر صديق للإنكليز عرفته مصر في تاريخ الاحتلال الإنكليزي من أوله إلى آخره وهو " مصطفى فهمي " باشا أول رئيس وزراء في مصر بعد الاحتلال

( وقد اختار اللورد " كرومر " سعداً وزيراً للمعارف فحاول بمجرد تعيينه إحباط مشروع الجامعة المصرية وتصدى للجمعية العمومية حينما طالبت الحكومة في مارس 1907 بجعل التعليم في المدارس الأميرية باللغة العربية وكان وقتئذ بالإنكليزية وكان الاحتلال هو الذي أحل اللغة الإنكليزية محل العربية في التدريس ) (147)

( وبعد تعينه وزيراً أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور فدخل عليهن وبهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن فرفض الدخول والاجتماع بهن إلا أن يكشفن وجوههن فأبين ذلك ولم يحصل الاجتماع ) (148)



(145) " السابق " ص ( 20 – 21 ) . (146) بل إن مما يحتاج إلى الفحص والتدقيق ما جاء في كتاب ( الأخوات المسلمات ) نقلاً عن مجلة ( المصور ) في

         عددها الخاص الصادر في 23 ديسمبر 1927 بعد وفاة سعد زغلول فقد نشرت المصور صورة الجنازة تحت 
         عنوان : ( الأمة والحكومة تشيعان الفقيد العظيم ) وتحت الصورة مباشرة كتبت العبارة التالية : ( وفد 
         البنائين الأحرار _ الماسون – في تشييع جنازة الزعيم الكبير وكان رحمه الله قطباً من أقطاب الماسونية )
         ومن قبل ذلك نشرت جريدة  " المقطم " في عددها الصادر يوم الجمعة 26 أغسطس في الصفحة الأولى 
        العبارة التالية : ( حداد الماسونية على فقيد البلاد الأعظم .. فقدت الماسونية المصرية بفقد سعد العظيم الخالد  
        عضداً كبيراً وفضلاً كثيراً وذخراً وفيراً كانت تعتز بفضله .. وستقام حفلة جناز ماسونية للفقيد الأعظم يعلن 
        موعدها فيما بعد ) اهـ .

(147) ( مصطفى كامل ) للرافعي ص (239 ، 431 ) وانظر مواقفه ( الوطنية ) ! المماثلة في ( الاتجاهات الوطنية

           في الأدب المعاصر ) للدكتور " محمد محمد حسين "  ( 2 /373 – 393 ) .

(148) من مقالة بقلم " فاطمة عصمت زكريا " ملحقة بكتاب ( المرأة ومكانتها في الإسلام ) لأحمد الحصين

         ص ( 208 ) .  


ومن هنا فلا تعجب إذا رأيت مصطفى كامل يعلق على تصرفات الوزير سعد زغلول قائلاً : ( إن الناس قد فهموا الآن أوضح مما كانوا يفهمون من قبل لماذا اختار اللورد " كرومر " (149) لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا الأمين على وحيه الخادم لسياسته ........ ألا إن الذين كانوا يحترمون الوزير كقاض ليأسفون على حاضره كل الأسف وليخافون على مستقبله كل الخوف ويفضلون ماضيه كل التفضيل ذلك لأن الوزير قائم الآن على منحدر هائل مخيف) (150) اهـ

  1. ولنختم هذا الفصل بما كتبه سعد زغلول عن اللورد " كرومر " قال : ( كان يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور منها في حياتي السياسية ) ، ( وكان يصفه بأن صفاته - أي كرومر- قد اتفق الكل على كمالها )

ويحكي " سعد " في مذكراته وقع خبر استعفاء كرومر من منصبه(11/4/1907)عليه فيقول : ( أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها ... لقد امتلأت رأسي أوهاماً وقلبي خفقاناً وصدري ضيقاً ) . وكان سعد في مقدمة الداعين إلى إقامة حفل لتوديع اللورد كرومر الذي سب في خطاب وداعه المصريين جميعاً ولم يمدح إلا رجلاً واحداً هو " سعد زغلول " وأعلن أنه يترك مصر مستريحاً لأنه أقام فعلاً القاعدة الأساسية لاستدامة الاحتلال وصدق فقد ألف في ذلك العام "حزب الأمة" (151) وأصبح " لطفي السيد " حامل لواء "الجريدة" (152)


(149) ذكر كرومر في تقرير سنة 1906 م ( أن في مصر جماعة صغيرة العدد آخذة في الازدياد هي الحزب الذي يمكن أن أسميه على سبيل الاختصار بأتباع المفتي الأخير " محمد عبده " ) وذكر في خصائصهم أنهم ( غير متأثرين بدعوة الجامعة الإسلامية ويتضمن برنامجهم – إن كنت قد فهمته حق الفهم – التعاون مع الأوربيين لا معارضتهم في إدخال الحضارة الغربية إلى بلادهم ) ثم أشار كرومر إلى أنه ( تشجيعاً لهذا الحزب – وعلى سبيل التجربة – قد اختار أحد رجاله وهو " سعد زغلول " وزيراً للمعارف ) ا هـ و انظر : " الإسلام والحضارة الغربية " للدكتور " محمد محمد حسين " ص ( 75 ) . (150) ( مصطفى كامل ) للرافعي ص ( 422 ) . (151) تكون " حزب الأمة " - كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا – " من أركان أصدقاء الشيخ محمد عبده من كبار رجال الحكومة ووجهاء القطر " اهـ من ( تاريخ الإمام ) ( 1 /591 ) – مطبعة المنار سنة 1935 م .

         قال الدكتور السيد أحمد فرج : ( إن حزب الأمة أنهى علاقاته بالجذور القديمة الإسلامية وصفى آثارها تماماً ليهيئ الجو للفكر العلماني الذي أطبق على البلاد بلا شريك – لأول مرة – وفرض أسلوب الغرب في الحكم والتربية والتشريع والاقتصاد ،  يوضح ذلك بيان الحزب نفسه الذي صدر ليحذر بجلاء الذين يتهمون هذه الحركة الجديدة حركة حزب الأمة بأن لها مظهراً من مظاهر التعصب الديني أي الـ  "pan  Islamism  " لأنهم يريدون بهذه التهمة أن يبعدوا بيننا وبين أحرار الأوربيين خاصة و أنهم يعلمون أن المصريين أبعد الناس عن هذه التهمة وأبرؤهم منها " اهـ  " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 17 ) .  وانظر : ( قصة حياتي ) أحمد لطفي السيد ص ( 44 ) .

(152) ( اتضح أن أهم أسباب إصدار " الجريدة " إظهار نوايا حزب الأمة في تطليق فكرة الإسلامية نهائياً والعمل

          على تغيير العادات والأفكار الاجتماعية في مصر ) اهـ  من " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 17 ) .


 وعين سعد زغلول ناظراً للمعارف وقال كرومر في تعليل هذا التعيين  : 

( إنه يرجع أساساً إلى الرغبة في ضم رجل قادر ومصري مستنير من تلك الطائفة الخاصة من المجتمع المعنية بالإصلاح في مصر ) ، ( كما أن سعداً من تلاميذ محمد عبده وأتباعه الذين أطلق عليهم " جيرونديي " (153)" الحركة الوطنية المصرية " والذي كان برنامجهم تشجيع التعاون مع الأجانب لإدخال الحضارة الغربية إلى مصر الأمر الذي جعل كرومر يحصر فيهم أمله الوحيد في قيام الوطنية المصرية ) (154) اهـ


تلميذ المدرسة الاستعمارية

وبداية " تحرير المرأة " ( * )

لم يكن يتخيل أحد أن " يجاهر " أحد من القائمين على دعوة تحرير المرأة بأن هذا " التحرير " في مفهومه يرادف " الأسر " بل و يرادف " الانحلال " بكل ما تحتمله الكلمة من معان .

ومع وضوح السلسلة التاريخية التي مرت بها حركة " تحرير المرأة " والتي سردنا بعضاً من حلقاتها فيما تقدم ومع إمكان الاختلاف في تحديد بدايتها على وجه الدقة إلا أنه لم يوجد " قلم " يحترم نفسه جرؤ على الزعم بأن عام 1800م هو عام تحرير المرأة المصرية ! وأن " الحملة الفرنسية " كانت نقطة " الانطلاق " إلى " تحرير المرأة" من كل قيد وأول ذلك قيد الدين والخلق والحياء .. فماذا عن عام 1800 ؟


(153) انظر " الموسوعة العربية الميسرة " ص ( 677 ) . (154) انظر ( رجال اختلف فيهم الرأي ) لأنور الجندي ص ( 16 – 18 ) . (*) بتصرف من " ودخلت الخيل الأزهر " ص ( 395 – 414 ) ط . أولى ، ( 1391 هـ - 1972 م ) – الدار

   العلمية – بيروت .

( عام 1800 عام هزيمة ثورة القاهرة الثانية عام سبي جنود الاحتلال الفرنسي لنساء مصر وبناتها وغلمانها ...هو عام تحرير المرأة المصرية ) لقد أنفرد بهذا الكشف " لويس عوض " ! يقول : ( أما عام 1800م فهو عام تحرير المرأة ففي الجبرتي وصف لبدايات حركة السفور ووصف لبدايات حركة تحرير المرأة ووصف لما أصاب بعض نساء القاهرة من انطلاق نتيجة لمخالطة المصريين للفرنسيين ومحاكاتهم في الزي وفي السلوك) (155) ويستشهد " لويس عوض " على حركة " التحرير " هذه بقول الجبرتي : ( ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقنها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن وكان ذلك التداخل أولاً مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات وصرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في حوز الفرنسيين ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهم لهن وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها (156) فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس إلى الشهوات وخصوصاً عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها ) ( ومنها أنه أوفى النيل أذرعه ودخل الماء إلى الخليج وجرت فيه السفن ووقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيين ومصاحبتهن لهم في المراكب والرقص والغناء والشرب بالنهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة عليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وبصحبتهم آلات الطرب وملاحوا السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المجاديف بسخف موضوعاتهم وكثائف مطبوعاتهم وخصوصاً إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير )

(155) " تاريخ الفكر " للويس عوض " ج 1 " . (156) أي حذاؤها . ( وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجاً فرادى وأزواجاً فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك ) اهـ هكذا يفهم " لويس عوض " من العبرات السابقة للجبرتي أنه كانت هناك"ثورة نسائية" أو " ثورة حريم " في مصر " أو على الأقل في القاهرة عام 1800" ومع أن الجبرتي لم يترك فرصة لسوء الفهم هذا فإن تلميذ المدرسة الاستعمارية يصر على أنها ظاهرة عامة نابعة عن " ثورة تحررية " ! وليست حالة انهيار تحدث في جميع المجتمعات التي تتعرض للاحتلال والنهب والسلب والتجويع وأسر بنات الأسر كالجواري ووضعهن في معسكرات الجنود " مأسورات " . مؤرخ المدرسة الاستعمارية يجعل من انحطاط المرأة إلى حد التكسب " بالفاحشة " ثورة نساء وبداية تحرر المرأة ! وهو بذلك يعكس احتقاراً عميقاً للمرأة كما يعكس مفهوماً وقحاً لمعنى تحرر المرأة ولكنه لا يكتفي بذلك بل يصر على أن يجعل هذا التحرر بعلم رجال مصر ورضاهم . والجبرتي دقيق وواضح حين يبين أن الفريق الأول أو " الرائدات " هن من النساء الأسافل والفواحش أما الفريق الثاني من الحرائر فهو يعتذر عنهن بالأسر ولكن " لويس عوض " يأبى إلا أن يلوي عنق النص ويدعي أن الجبرتي ( يتحدث عن الحرائر من ربات البيوت وبناتها ...عن سيدات المجتمع وهؤلاء ما كان يمكن أن يخالطن الفرنسيات والفرنسيين إلا برضاء الأولياء عليهن ) (157) اهـ وهكذا بزعم تلميذ المدرسة الاستعمارية أن المجتمع المصري " المتحرر" تحولت نساؤه إلى بغايا وتحول رجاله إلى قوم يرضون بذلك ! ثم تأمل افتراءه - عامله الله بعدله - حينما يدعي أن طبقات النساء اللواتي حاكين المتفرنسات والعادات الفرنسية وطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار قد اتسعت ( بتأثير سبايا الفرنسيين المتحررات من بنات بولاق ) اهـ نعم في منطق " لويس عوض " وأمثاله لا تتعارض كلمة " سبايا " مع كلمة " متحررات " لأن الحرية التي هي مسار الجدل هنا هي " الحرية الشهوانية " بمعناها السوقي المبتذل ومن ثم يمكن أن تكون المرأة جارية سبية وفي نفس الوقت " متحررة " بل وطليعة ثورة تحررية لأنها تتبرج في ثيابها وتخرج سافرة الوجه متأبطة ذراع " محررها " و " مالكها " في نفس الوقت ومن ثم يمكن أيضاً - في منطق الرجل - الفصل بين ( حرية المرأة المملوكة ) وبين ( حرية الوطن الأسير ) . إن ظاهرة " الاحتلال " ظاهرة عامة في المستعمرات ولا علاقة لها بمركز المرأة إذ إنها ظاهرة تنشأ عند قشرة المجتمع عند نقطة احتكاكه بالمحتل الأجنبي وهي حينئذ لن تتحول إلى ثورة نسائية ولا إلى حركة تحرير المرأة لأن المرأة لا تتحرر على يد جيش احتلال يهتك الأعراض ويدنس الحرمات .

(157) " تاريخ الفكر " لويس عوض ( ج 1 ) . الاستعمار الأوربي حملة صليبية جديدة

( ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) سورة البقرة آية (217)

كان الجندي الإيطالي يرتدي لباس الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام وهو ينشد بأعلى صوته :

                            ( يا أماه ...
                              أتمي صلاتك .... ولا تبكي
                              بل اضحكي وتأملي ...ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني
                              وأنا ذاهب إلى طرابلس
                              فرحاً مسروراً ...
                              لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ... ( * )
                              ولأحارب الديانة الإسلامية ...
                              سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن ...) (158) .

( والمتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب وشعوب الإسلام يلاحظ حقداً مريراً يملئ صدر الغرب حتى درجة الجنون يصاحب هذا الحقد خوف رهيب من الإسلام إلى أبعد نقطة في النفسية الأوربية . هذا الحقد وذلك الخوف لا شأن لنا بهما إذا كانا مجرد إحساس نفسي شخصي أما إذا كانا من أهم العوامل التي تبلور مواقف الحضارة الغربية من الشعوب الإسلامية سياسياً واقتصادياً وحتى هذه الساعة فإن موقفنا يتغير بشكل حاسم . سوف تشهد لنا أقوال قادتهم أن للغرب والحضارة الغربية بكل فروعها القومية وألوانها السياسية موقفاً تجاه الإسلام لا يتغير إنها تحاول تدمير الإسلام وإنهاء وجود شعوبه دون رحمة .

(158) " قادة الغرب يقولون " نقلاً عن القومية والغزو الفكري " ص ( 208 ) وهذه الأنشودة المشهورة تسمى " أغنية الفاشيست " كانت جيوش الطليان الجرارة تترنم بها وهي تسير مدججة بالسلاح في طرقات طرابلس وبرقة بصوت واحد ( انظر : الاتجاهات الوطنية 2 / 157 ) . (*) بل هي – ولله الحمد – أمة مرحومة كما قال نبيها نبي الرحمة  : " أمتي أمة مرحومة " الحديث في الصحيحة رقم ( 959 ) . حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية (159) ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين فعادوا يخططون من جديد لينهضوا .. ثم ليعودوا إليهم بجيوش جديدة وفكر جديد وهدفهم تدمير الإسلام من جديد ) (160) .

ومهما حاولت هذه الحملات الاستتار تحت راية " نشر الحضارة والتقدم " في البلاد المستعمرة فإن الحقيقة التي لا تخفى على كل ذي لب أن الغرب بنى ولا يزال يبني علاقاته معنا على أساس أن الحروب الصليبية بيننا وبينهم لا تزال مستمرة وهاكم البراهين على ذلك :

  1. فسياسة أمريكا معنا تخطط على هذا الأساس :

قال " أيوجين روستو " رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس " جونسون " لشئون الشرق الأوسط حتى عام 1967 : ( يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي . إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا أنما هي جزء مكمل للعالم الغربي فلسفته وعقيدته ونظامه وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها ) (161) اهـ وبالأمس ( وقف مندوب أمريكا في هيئة الأمم قائلاً : إن الصراع الحقيقي في الشرق ليس بين العرب واليهود إنما الصراع الحقيقي هو ما بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب فإذا استطعنا أن نزيح حضارة الإسلام عن ميدان الصراع هان علينا تصفية القضية وسهل علينا الجمع ما بين العرب واليهود ) (162) .


(159) ( ويوم دخلوا بيت المقدس ذبحوا فيه سبعين ألفاً من المسلمين حتى غاصت الخيل إلى صدورها في دماء

           المسلمين ) اهـ من ( حاضر العالم الإسلامي ) لستودارد ص ( 208 ) .

(160) ( قادة الغرب يقولون ) للأستاذ جلال العالم ص ( 6 – 7 ) طبعة المختار الإسلامي . (161) المصدر السابق ص ( 25 – 26 ) نقلاً عن ( معركة المصير ) ص ( 87 – 94 ) . (162) " محاضرات الجامعة الإسلامية " موسم عام ( 1395 – 1396 هـ ) هامش ( 124 ) . والحرب الصليبية الثامنة قادها " أللنبي " :

قال " باترسون سمث " في كتابه " حياة المسيح الشعبية "  : ( باءت الحروب الصليبية بالفشل لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك حينما بعثت إنكلترا بحملتها الصليبية الثامنة ففازت هذه المرة إن حملة " أللنبي " على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة ) (163) . ولذلك نشرت الصحف البريطانية صور أللنبي تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما فتح القدس : ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ونشرت هذه الصحف خبراً آخر يبين أن هذا الموقف ليس موقف "أللنبي" وحده بل هو موقف السياسة الإنكليزية كلها قالت الصحف : ( هنأ " لويد جورج " وزير الخارجية البريطاني الجنرال " أللنبي " في البرلمان البريطاني لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية التي سماها " لويد جورج " : ( الحرب الصليبية الثامنة ) وقال " ألان مورهيد " مؤلف كتابي : ( النيل الأبيض ) و(النيل الأزرق ) : ( إن احتلال الإنكليز لمصر سنة 1881 كانت لمواجهة مؤامرة إسلامية خطيرة وتيار محمدي متعصب ) (164) .

والفرنسيون أيضاً صليبيون :

فالجنرال " غورو " عندما تغلب على جيش " ميسلون " خارج دمشق توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله بقدمه قائلاً : ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) (165) وقد صرح القائد الفرنسي " بيبر كيلر " (166) : ( إن مصالح فرنسا في الشرق الأوسط هي قبل كل شيء مصالح روحية وتعود هذه العلاقات إلى عهد الصليبيين حيث وقعت معاهدات لحفظ الأماكن المقدسة وجددت هذه المعاهدات على مر القرون وتحملت فيها فرنسا مهمة حماية نصارى الشرق ) اهـ


(163) عن مجلة الطليعة القاهرية – مقال وليم سليمان عدد ديسمبر 1966 – ص ( 84 ) . (164) " محاضرات الجامعة الإسلامية " عام ( 1395 – 1396 هـ ) ص ( 31 ) . (165) " قادة الغرب يقولون " نقلاً عن ( القومية والغزو الفكري ) ص (84 ) . (166) ص ( 119 ) عن ( الاتجاهات الوطنية ) ( 2 / 20 ) . ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله " بيدو " وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في " مراكش " فأجابهم : ( إنها معركة بين الهلال والصليب ) (167) وفي ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر قال الحاكم الفرنسي في الجزائر : ( إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية فيجب أن نزيل القرآن العربي من جودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم ) (168) . وهذا هو الكاتب الفرنسي " فرنسيس جانسون " يعترف بـ ( أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كان منذ البدء يحمل طابع الحروب الصليبية : " التبشير والاستعمار")(169) .

  1. وبعد سقوط القدس عام ( 1967)

قال " راندولف تشرشل " : ( لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين وقد أصدر الكنيست اليهودي ثلاثة قرارات بضمها إلى القدس اليهودية ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مقبلة ما بين المسلمين واليهود )(170)

وعندما دخلت قوات إسرائيل القدس عام 1967م تجمهر الجنود حول حائط المبكى وأخذوا يهتفون مع " موشى ديان " : { هذا يوم بيوم خيبر... يا لثارات خيبر }

  1. وخرج أعوان إسرائيل بمظاهرات قبل حرب 1967 تحمل لافتات في باريس سار تحت هذه اللافتات اليهودي الوجودي " جان بول سارتر " وقد كتب عليها وعلى جميع صناديق التبرعات لإسرائيل جملة واحدة من كلمتين هما : ( قاتلوا المسلمين )

فالتهب الحماس الصليبي الغربي وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدة كتبت عليها  : " هزيمة الهلال " بيعت بالملايين لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الأوربية في المنطقة وهي : ( محاربة الإسلام وتدمير المسلمين ) (171) .


(167) " قادة الغرب يقولون " ص (28) نقلاً عن ( القومية والغزو الفكري ) ص ( 84 ) . (168) السابق ص ( 33 ) نقلاً عن ( المنار ) عدد ( 9 / 11 / 1962 م ) . (169) " محاضرات الجامعة الإسلامية " ( 1395 – 1396 هـ ) ص (131 ) . (170) " قادة الغرب يقولون " عن ( حرب الأيام الستة ) لراندولف تشرشل ص ( 139 ) من الترجمة العربية . (171) السابق ص ( 30 – 31 ) عن ( طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية ص 20 – 21 ) . وهذا " لورنس براون " يقول : ( إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي ) (172) . وهذا " جلاد ستون " رئيس وزراء إنكلترا (173) وقد وقف في أواخر القرن الماضي في مجلس العموم البريطاني وقد أمسك بيمينه القرآن المجيد وصاح في أعضاء البرلمان قائلاً : ( إن العقبة الكئود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد المسلمين هي شيئان ولابد من القضاء عليهما مهما كلفنا الأمر : أولهما هذا الكتاب وسكت قليلاً بينما أشار بيده اليسرى نحو الشرق وقال : ( وهذه الكعبة ) (174) وقال أيضاً : ( ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان ) (175) . وهو القائل أيضاً : ( لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن ) (176) . وهذا " كرومر" يقول : { جئت لأمحو ثلاثاً : القرآن والكعبة والأزهر } (177) وهذا القسيس " زويمر " يبشر المؤتمرين في " مؤتمر القاهرة التبشيري" (1906م) الذي ناقش خطة تنصير العالم الإسلامي ويوصيهم بجملة وصايا كان آخرها : ( أن لا يقنطوا إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين وإلى تحرير نسائهم ) (178) وهذا " جان بول رو" يقول في كتابه " الإسلام في الغرب " (179) : ( إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب رأس على عقب المجتمع الإسلامي لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة ) اهـ وفي تصريح لـ " بن غوريون " في الكنيست قال : ( اصبروا فلن يكون هناك سلام لإسرائيل ما دام العرب تحت قيادة الرجعيين إن الشرط الأساسي للسلام هو أن يقوم في البلدان العربية حكومات ديموقراطية تقدمية متحررة من " التقاليد " الإسلامية ) (180) .

(172) ( التبشير والاستعمار ) ص ( 184 ) طبعة المكتبة العصرية بيروت 1957 م . (173) كان ( مصطفى كامل ) قد راسل غلادستون هذا من باريس يسأله رأيه في مسألة مصر والاحتلال فأجابه ( غلادستون )

         جواباً جاء في جملته : ( إننا يجب أن نترك مصر بعد أن نتم فيها بكل شرف – وفي فائدة مصر نفسها – العمل الذي 
         من أجله دخلناها ) انتهى من ( بناة النهضة العربية ) ص ( 58 ) .

(174) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص ( 7 ) . (175) ( الإسلام على مفترق الطرق ) ص ( 39 ) . (176) ( المرأة ومكانتها ) للحصين ص ( 12 ) . (177) " الخنجر المسموم " لأنور الجندي ص ( 29 ) . (178) " أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي " للدكتور علي جريشة ومحمد شريف الزيبق ص ( 34 ) . (179) انظر ص ( 178 – 189 ) والكتاب ترجمة : نجدة هاجر وزميله طبع في مصر 1960 م . (180) " محاضرات الجامعة الإسلامية " ص ( 131 ) عام ( 1395 – 1396 هـ ) . وبالأمس القريب نشرت مجلة ( الأمة ) أن رئيس أمريكا (ريجان) وجه إليه أحد الصحافيين سؤالاً نصه : ( متى تنتهي مهزلة ما يحدث في بيروت والدماء تنزف ؟ ) فأجاب رئيس أمريكا في غرور واضح : ( إننا لا نزال صليبيين ! ولابد من إنهاء المناوشات بين المسلمين واليهود وحماية أتباع المسيح في لبنان من المسلمين الغرباء ) (181) . ( بل هذه قلعة " الشقيف " القائمة على تل في جنوب لبنان ويسميها الأوربيون قلعة " بوفور" نسبة إلى القائد الذي أقامها أيام الحروب الصليبية منذ قرون وقد كانت محل قصف دائم من إسرائيل طيلة سنوات وفي اكتساحها للجنوب لم تتمكن من إخراج المقاومة منها إلا بعد أن دمرتها تماماً واستدعى يومها الجنرال " إيتان " قائد الجيش الإسرائيلي " مناحم بيجن " إلى أطلال القلعة ليقدم له القلعة هدية وجاء بيجن ليرفع عليها العلم الإسرائيلي قائلاً :( ها قد عدنا ) ناسياً بذلك غزوه إلى الغزوات الأوربية التي أقامت ممالكها في تلك المنطقة قروناً قبل أن يستردها العرب ومستخدماً عبارة الجنرال " غورو" القائد الفرنسي حين احتل دمشق سنة 1920 ، ووقف أمام قبر " صلاح الدين الأيوبي" وقال : ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) ) (182) .

ومن هنا :

لم يكن عفواً أن يبدأ المبشرون الصليبيون بمصر قلعة الإسلام الصامدة ومركز ثقله وموطن الأزهر . ولم يكن عفواً أن يكون قادة الغزو الصليبي الجديد لمصر من القساوسة المعروفين بكيدهم للإسلام والمسلمين أمثال " دنلوب " كاهن السياسة التعليمية الفاسدة التي زرعها في مصر لقطع صلة الأجيال بالإسلام و " كرومر " الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن من الزمان والذي حرص على صياغة جيل من المثقفين ثقافة أوربية يقبل التعاون مع الاستعمار ويخلفه في حمل راية التفرنج بعد رحيل جيوشه حتى يضمن قهر الإسلام و يأمن بعث المسلمين من جديد بعد رحيله ،



(181) " الأمة " العدد ( 31 ) السنة الثالثة . (182) ( يوميات ) الأهرام ( 12 / 8 / 1982 م ) ص ( 18 ) .

وكلا الرجلين " دنلوب" و " كرومر " قد تخرجا من أكبر المدارس اللاهوتية في أوربا ولم يكن من المستغرب أيضاً أن ينشط لدعوة الحرية عامة وتحرير المرأة خاصة النصارى و الشاميون المقيمون في مصر (183) ، فهؤلاء كانوا يعملون لنصرة أبناء دينهم أمثال " كرومر وزويمر ودنلوب وغورو واللنبي " ، ( وتصورهم الديني غارق في التثليث والعشاء الرباني وصكوك الغفران ...لكن من المؤسف أن يصير في هذا الخط المدمر أناس من أبناء المسلمين أضلهم الشيطان على علم وعميت أبصارهم عن الحقيقة فكانوا خداماً لأسيادهم وأولياء نعمتهم من الفرنج ) (184) .

وكعناصر أي معركة : كانت ( القيادة ) صليبية و ( القاعدة ) أرض وطننا المسلم مصر و( الأسلحة) بسطاء المسلمين ومستضعفيهم و ( العملاء ) الهواة منهم والمحترفون الحكام والقادة الفكريون يمارسون بأيديهم إبادة مقومات القوة في أمتنا ليسهلوا على العدو الخبيث المتربص التهامها .. وما أفظعها من مهمة يمارسها العملاء حين يدمرون أممهم ثم يدفعونها في فم الغول الاستعماري البشع ليلتهمها .. لقمة سائغة ! لقد استطاع أعداء الإسلام في تلك الحقبة أن يغرسوا في نفوس الكثير من المنهزمين أنهم ما أتوا إلا لتعمير بلادنا ونشر الحضارة والثقافة وجهل هؤلاء المنهزمون أن هؤلاء الأعداء الموتورين قد توارثوا الأحقاد على الإسلام وأنهم لا يألون جهداً حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا .

كأن أنسالهم من بعدهم حلفوا أن يبعثوا الحقد نيراناً وينتقموا هذي حضارتهم والشر يملؤها ماتت على صرحها الأخلاق والشيم

والآن .. وبعد أن انكشفت لنا الحقائق جلية عن نوايا أعدائنا بنا وخططهم لتدميرنا وعن حقيقة هؤلاء الذين قامت على أكتافهم دعوة " تحرير المرأة " وسنكشف فيما بعد إن شاء الله عن حقيقة هؤلاء اللاتي طفن بأوربا وحججن إلى حضارتها وشددن الرحال إلى مؤتمراتها و " مؤامراتها " ثم عدن نائبات عن ( أسيادهن ) في مهمة ( تدمير المرأة المسلمة )


(183) أمثال : مرقص فهمي وميخائيل عبد السيد وجرجي زيدان ولويس عوض وسلامة موسى وفرح أنطون

          وشبلي الشميل وقسطنطين رزق وميشيل عفلق وجورج حبش وأنطون سعادة وشاعر المجون والعربدة 
          نزار قباني وغيرهم انظر ( المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التحرر ) للدكتور " عمر الأشقر " ص ( 14 ) 
          و ( المرأة ومكانتها ) للحصين ص ( 208 ) ، و ( الاتجاهات الوطنية ) ( 1 / 203 ) وما بعدها .

(184) ( المرأة ومكانتها في الإسلام ) للحصين ص ( 219 ) بتصرف .

وبذلن كل فروض الطاعة والولاء الصريح لأعداء الإسلام وبخلن في الوقت نفسه بإظهار أي صورة من صور الولاء الحقيقي لله ولرسوله وللمؤمنين وجهر بعضهن بعد ذلك بالطعن في الدين والتبري مكن شريعة سيد المرسلين " أفلا يحق لنا بعد هذا كله أن نتساءل : ( ما سر العلاقة الودية الوثيقة التي تربط بين دعاة تحرير المرأة وبين القوى الاستعمارية والمعادية للإسلام وعلمائه ودعاته وأهله في كل مكان من العالم حولنا ؟ إنه بالرغم من افتراض حسن النية أو الجهل عند من كان يظهر الإسلام من دعاة تحرير المرأة لكن هذا الافتراض لم يمنع بعض المحللين والباحثين حق الاجتهاد والبحث عن علاقة ما محتملة سرية أو علنية بين مخططات البهائية والصهيونية والماسونية ومسيرتها السرطانية الدؤوبة التي لا نشعر بها إلا بعد ظهور الأورام وتفشي الموت في الدم واللحم والعظم - وبين قيادات ودعاة السفور على مساحة ديار المسلمين الواسعة و " من أوقع نفسه في مواقع التهمة فلا يلومن من أساء الظن به " )

فلنستصحب هذه المعاني ونحن نجول بين أعلام نسائية بارزة كان لها دور ما في معركة " الحجاب والسفور " ولنتأمل جيداً دورهن " كتلميذات للاستعمار " ما منهن واحدة إلا ورحلت إلى " هناك " لتلقن أصول الدعوة المدمرة ثم عادت إلى " هنا " لنتبوأ مراكز التوجيه ... متجردة من الولاء للإسلام والاعتزاز بأحكامه ومخلصة في عبادتها لأوربا بل فخورة باستعباد أوربا لها رافضة بلسان حاله وسلوكها ولحن قولها أن تجعل الإسلام منظار على عينيها ترى الأشياء من خلاله وتحكمه فيما هي عليه من عقيدة ومنهاج .



    



خريجات البيوت العميلة في موكب الرذيلة

ارتبطت الأحزاب النسائية في الشرق على اختلاف أسمائها بعجلة الاستعمار منذ أول يوم من نشأتها وقامت بتزعم هذه الأحزاب نسوة لا نستطيع تفسير نشاطهن ضد الآداب والأحكام الإسلامية إلا بإلقاء بعض الضوء حسبما تسمح هذه العجالة على الخلفيات والبيئات التي نشأن فيها وبالتالي خرجت منهن زعيمات مقلدات للغرب بل ومنفذات لخططه في تدمير الأسرة المسلمة وانخدع بهن كثير من المسلمات وانقدن وراء دعوتهن

أعمى يقود بصيراً لا أبالكم قد ضل من كانت العميان تهديه

 " صفية زغلول " (185)

زوجة " الزعيم " " سعد زغلول " وابنة " مصطفى فهمي " رئيس الوزراء التركي الأصل الذي كانت سياسته تمثل الخضوع التام للاحتلال الإنكليزي وهو " أشهر صديق للإنكليز " عرفته مصر في تاريخ الاحتلال الإنكليزي من أوله إلى آخره (186) ، " ولم يكن من أنصار الاحتلال فحسب بل كان من المخلصين له العاملين على تحقيق مآربه مما دفع الخديوي " عباس " إلى إقصائه عن رئاسة الوزارة سنة (1893م) فحدثت أزمة مع كرومر انتهت بتأليف " الوزارة الطويلة " برئاسة"مصطفى فهمي" ثانية والتي حكمت مصر بالحديد والنار لمدة ثلاثة عشر عاماً خضوعاً للاحتلال الإنكليزي " (187) ، ( وقد حرصت أن تستأثر بالزعامة السياسية فأرادت أن تفتح مجالاً جديداً تنفرد فيه بالزعامة فكان ذلك هو مجال المرأة خاصة ) (188) وقد ذكرنا آنفاً دورها في سن فتنة السفور إلى جانب أنها تزعمت مع " هدى شعراوي " أول مظاهرة نسائية سنة ( 1919 م ).


(185) هي بنت ( مصطفى فهمي ) وقد تسمت باسم زوجها " سعد زغلول " تشبهاً بالإفرنج في نسبة المرأة إلى زوجها ولقبت بأم المصريين . (186) ( الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ) ( 2 / 386 ) . (187) (مصطفى كامل ) للرافعي ص ( 416 ) . (188) ( رجال اختلف فيهم الرأي ) ص ( 34 ) .  " هدى شعراوي " ( ت 1947 م ) :

( هي نور الهدى بنت محمد سلطان باشا – التي تسمت فيما بعد على الطريقة الأوربية بهدى شعراوي إلحاقاً لها باسم زوجها " على باشا شعراوي " بواسطة حرم حسين باشا رشدي الفرنسية وقد اعترفت هدى شعراوي بنفسها في مواضع كثيرة من مذكراتها بفضل هذه السيدة عليها (189) و أبوها " محمد سلطان باشا " (190) الذي كان يرافق جيش الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة والذي كان يدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته و يهيب بها علانية أن تقدم له كافة المعاونات والمساعدات وقد سجل التاريخ فوق هذه الصفحة السوداء صفحة أخرى أشد سواداً حينما تقدم هذا الخائن مع فريق من الكبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة إلى قادة جيش الاحتلال شكراً لهم على " إنقاذ البلاد " .. وهكذا لم يكن عجباً أن يفرض الاحتلال على الخديوي أن يمنح أمثال هذا الخائن عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية اعترافاً من بريطانيا له بالجميل .. ليس هذا فحسب بل لقد أنعمت عليه انجلترا بنيشان " سان ميشيل " و " سان جورج " الذي يلقب حامله بلقب " سير " (191) وهي زوجة " علي شعراوي " باشا ابن عمتها وتلميذ محمد عبده (*) ورفيق سعد زغلول وعبد العزيز فهمي أصدقاء الإنكليز والصديق الوفي للطفي السيد وأحد أعضاء " حزب الأمة " الذين أطلق عليهم " الإنكليز " اسم " الرجال المعتدلون " لأنهم حاربوا في سبيل بريطانيا " مصطفى كامل " وناوأوه ووصفوه بالرجل العنيف وقد كان هذا الحزب المشبوه ينكر الجامعة الإسلامية ويحاربها داعياً إلى وطنية تقوم على المصلحة المتبادلة والمنفعة المادية لا على الإسلام وهو الحزب الذي عرف فيما بعد باسم ( حزب الوفد ) (192) والذي كان ( علي شعراوي ) نفسه وكيلاً له (193) . وهي أيضاً رفيقة " صفية زغلول " ابنة " مصطفى فهمي " تلقفتها جماعات تحرير المرأة في روما وأمستردام ومرسيليا واستانبول وباريس وبرلين وبروكسل وبودابست وكوبنهاجن وجنيف وحيدر أباد ونيو دلهي لتقود حركة " تحطيم المرأة المسلمة " في مصر .

(189) " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص (23 ) . (190) انظر تفاصيل خيانته للثورة العرابية في كتاب ( محمد سلطان أمام التاريخ ) للدكتور عبد العزيز رفاعي و

         ( الأستاذ الإمام محمد عبده ) لرشيد رضا ( 1 / 258 – 259 )    ، 
          و  ( رجال اختلف فيهم الرأي )لأنور الجندي ( 31 – 33 ) .

(191) ( الحكات النسائية في الشرق ) للأستاذ " محمد فهمي عبد الوهاب " ص ( 23 – 24 ) . (*) " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 64 ) . (192) ( الاتجاهات الوطنية ) ( 2/ 135 ) ، و " حواء " العدد ( 1231 ) ( 26 / 4 / 1980 م ) . (193) ( حواء ) ( 1227 ) تاريخ ( 29 / 3 / 1980 م ) ص (19) . وهي أيضاً تلميذة وفية لزوجة " حسين رشدي " باشا الفرنسية التي كانت " هدى " تكبرها وتفيض في ذكر مبررات إعجابها بها واتخاذها مثلها الأعلى فقالت : ( لم تكن تعني بظروفي وحالتي واسمي فقط و إنما كانت أيضاً تجتهد في تثقيفي في اللغة الفرنسية وكانت ترشدني إلى أثمن الكتب وأنفعها وكانت تناقشني فيما قرأت وتفسر لي ما يصعب عليّ فهمه وكانت تغذي عقلي وروحي بكل أنواع الجمال والكمال وتحتم عليّ حضور صالونها كل يوم سبت وتقول لي : أنت زهرة صالوني ) (194) . وكانت هذه المرأة الفرنسية الأصل التي أعدت "هدى شعراوي" إعداداً خاصاً لمهمتها قد ألفت كتابين الأول بعنوان " حريم ومسلمات مصر " وكتاب " المطلقات " تعبر فيهما – على حد قولها – عن مدى الألم والتعاسة التي تعانيها من " أجل تعاسة المصرية وظلم الرجل لها " (195) . وكانت على صلة وثيقة بحركة تحرير المرأة المصرية كما كانت موضع إعجاب النابهين في مصر من رواد هذه الحركة وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين الذي كانت تعجب به كثيراً وتأسف لعدم تقدير المصريين له التقدير اللائق برسالته " وكانت كثيراً ما تقص على صفيتها هدى شعراوي ما كان يدور بينها وبين هؤلاء الثلاثة الكبار من حديث " (196) تشعل به كيانها وتدفعها إلى التطلع إلى تحسين أحوال المرأة المصرية والسير بحركتها إلى الأمام . وكانت كثيراً ما تحدث هدى شعراوي " حول البحث عن الطريقة العملية المجدية للوصول إلى تحسين حال المرأة المصرية والترفيه عنها وكانت توجهها إلى أن تبدأ مشروعها بتوجيه المرأة المصرية إلى ممارسة الرياضة البدنية أولاً قبل تنبيهها إلى خوض الحياة الاجتماعية وترغيبها في دراسة الفنون و الآداب وعقد اجتماعات تجمع بين الرياضة الفكرية والرياضة البدنية وكذا إعداد ملعب " للتنس " في حديقة مصطفى رياض باشا ) (197) . قالت ( وداد السكاكيني ) في ترجمة " هدى شعراوي " : ( .. وقد توقد فيها الذكاء والإباء فتأبت على هذه التقاليد التي كانت تضطر نظائرها من بنات الصعيد إلى التزام الحجاب (198) والبعد عن السياسة ولو كانت تدار من بيوتهن ) (199) .


(194) ( مذكرات هدى شعراوي ) ص ( 96 ) - كتاب الهلال سبتمبر / 1981 . (195) السابق ص ( 99 ) . (196) السابق ص ( 102 ) . (197) السابق ص ( 99 ) . (198) ومن هذه الوجهة كانت تصف زوجها بأنه كان يسلبها كل حق في الحياة وذكرت من أمثلة ذلك ما نصه

       : ( ولا أستطيع تدخين سيجارة لتهدئة أعصابي حتى لا يتسلل دخانها إلى حيث يجلس الرجال فيعرفوا 
       أنه دخان سيجارة السيدة حرمه إلى هذا الحد كانت التقاليد تحكم بالسجن على المرأة وكنت لا أحتمل 
       مثل هذا العذاب ولا أطيقه ) ا هـ من ( المرأة المصرية ) ص ( 139 ) .

(199) ( نساء شهيرات من الشرق والغرب ) ص ( 5 ) . وقالت : ( لما عادت هدى شعراوي للمرة الأولى من الغرب كانت تفكر في هذه التقاليد الموروثة التي لا تسمح لها بالظهور سافرة في بلادها فثارت عليها وما كادت تطل على الإسكندرية (200) حتى ألقت الحجاب جانباً ودخلت مصر مع صديقتها ( سيزا نبراوي ) بدون نقاب (201) فلقيتا من جراء هذا السبق بالسفور لغطاً و تعنتاً من المتزمتين ولم يكن هذا الأمر من رائدة النهضة النسوية بدعاً أو خروجاً على الحشمة والوقار بل كان منها سلوكاً مثالياً في السفور السليم " ؟ ! " واستنكاراً للانحراف والتبرج " ! ! " اللذين ظهرت فيهما بعض السافرات المتطرفات ) (202) ا هـ .

تقول " درية شفيق " :

وقد شجعت ( هدى ) عدداً من الفتيات على السفر إلى أوربة ( كي تعود الطالبات حاملات إلى الوطن عناصر الثقافية الغربية ومثلها العليا في الحياة الاجتماعية ) (203) . ( كانت " هدى " لا تزال تفكر في النظرة التي تقابل بها المصرية كلما سافرت إلى أوربا إن القوم هناك يسخرون من ذلك الحجاب الذي يغطي وجوه المصريات حتى إنهم كانوا - إذ يرون هدى شعراوي وزميلاتها بلا يشامك ولا براقع – يشككون في مصريتهن وفي ذلك المؤتمر الأخير بالذات كانت مندوبات الدول المختلفة ينكرن على "هدى" مصريتها ولا يكدن يعترفن إلا بمصرية واحدة كانت تصر على حضور تلك المؤتمرات محجبة لا تكشف شيئاً من وجهها وهي السيدة " نبوية موسى " ) (204) اهـ تقول " هدى شعراوي " في حديث لها : و " .. ورفعنا النقاب أن وسكيرتيرتي " سيزا نبراوي " وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافراً لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو " سعد " متشوقين إلى طلعته " (205) اهـ . وقد دفعت بعد ذلك مباشرة ثمن جرأتها ورأت تأثير الوجه السافر حينما واجهتها هي وزميلاتها كثير من التعليقات الساخرة كلما سرن في الطريق وعرضن أنفسهن حتى للعبارات النابية والصفات المؤذية (206) .

(200) كانت في هذه الرحلة تستقل الباخرة التي يعود عليها سعد زغلول من فرنسا بعد استشفائه ( المرأة المصرية )

          ص ( 136 ) .

(201) وقد ذكرت ( صافي ناز كاظم ) أن ( هدى شعراوي وسيزا نبراوي ألقتا حجابهما وداستاه بأقدامهما فور

         وصولهما من مؤتمر النساء الدولي الذي عقد بروما صيف 1923 م ) اهـ من ( مسألة السفور والحجاب ) 
         ص ( 9 )  ،  وانظر ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 134 – 135 ) . 

(202) ( نساء شهيرات من الشرق والغرب ) لوداد السكاكيني ص ( 5 ، 6 ) . (203) " تطور النهضة النسائية في مصر " ص ( 15 ) . (204) ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 136 ) . (205) المصدر السابق ص ( 137 ) . (206) انظر المصدر السابق ص ( 138 ) . وهذه " الزعيمة " هي التي قادت مع زوجة " الزعيم " سعد المظاهرة النسائية المشهورة سنة 1919 تقول في مذكراتها : ( وبينما كنت أتأهب لمغادرة منزلي في ذلك اليوم للاشتراك في المظاهرة بادرني زوجي بالسؤال : إلى أين تذهبين والرصاص يدوي ويتساقط في أنحاء المدينة ؟ فأجبت : للقيام بالمظاهرة التي قررتها اللجنة !! فأراد أن يمنعني فقلت له : هل الوطنية مقصورة عليكم معشر الرجال فقط وليس للنساء نصيب فيها ؟ فأجابني : هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن يفزع بعض النساء ويولولن " يا أمي ... يا لهوتي  !! " . فقلت له إن النساء لسن أقل منكم شجاعة ولا غيرة قومية أيها الرجال وتركته وانصرفت لألحق بالسيدات اللاتي كن في انتظاري ... ) (207) .

في ذمة الفضـلى هدى جـيـل إلـى هـاد فـقـيـر أقبلن يسألن الحضـارة مــا يـفـيـد ومــا يـضـير ما الـســبـل بـيـنـه ولا كـل الهـداة بـهـا بـصـير (208)

وتقول وداد السكاكيني : ( وكانت هدى اليد اليمنى لصفية زغلول والمفكرة المتحررة لنسوة الطليعة الواعية بمصر والبلاد العربية وقد استجابت لدعوة المؤتمرات النسوية في الشرق والغرب فلما عقد أول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923 م حضرته " هدى شعراوي " مع " نبوية موسى " و " سيزا نبراوي " صديقتها و أمينة سرها .. وقد توالت بعدئذ رحلات " هدى شعراوي " للشرق والغرب ممثلة نساء بلادها رافعة علمها بين أعلام الدول الوافدات على المؤتمر ) (209) اهـ .



(207) ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 139 ) وانظر : ( رجال اختلف فيهم الرأي ) لأنور الجندي ص

         ( 34 – 35 ) .

(208) ( الشوقيات ) ( 2 / 168 ) . (209) ( نساء شهيرات ) ص ( 5 ) .

لقاء ( هدى ) و ( موسوليني ) :

قالت ( هدى ) في ( مذكراتها ) : ( كان من بين ما حققه مؤتمر روما الدولي أننا التقينا بالسنيور موسوليني ثلاث مرات وقد استقبلنا و صافح أعضاء المؤتمر واحدة واحدة وعندما جاء دوري وقدمت إليه كرئيسة وفد مصر عبر عن جميل عواطفه ومشاعره نحو مصر وقال إنه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر ، .. ثم كررت رجائي الخاص بمنح المرأة الإيطالية حقوقها السياسية ) (210) اهـ . ولما عادت هدى من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المذكور كونت الاتحاد النسائي المصري سنة 1923 ووضعت الحجر الأساسي له في إبريل 1942 م وبطبيعة الحال عمل ذلك الاتحاد بقيادتها لتحقيق الأهداف التي حرص الاستعمار على الوصول إليها وردد نفس المبادئ التي نادى بها من قبل ( مرقص فهمي ) ونقلها عنه ( قاسم أمين ) وفي مقدمتها تعديل قوانين الطلاق ومنع تعدد الزوجات علاوة على المطالبة للمرأة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المزعومة التي وصلت أخيراً (211) إلى حد المطالبة بالمساواة في الميراث ) (212) .

وقفة مع الاتحاد النسائي  :

وقد اهتمت الدوائر الأجنبية بأمر ذلك الاتحاد النسائي عند قيامه حتى أن الدكتورة ( ريد ) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية ولتناصر الحركة بنفوذها في المحيط الأوربي وبتصريحاتها التي ترمي إلى المساعدة بإعطاء المرأة المصرية الحقوق السياسية المزعومة .



(210) ( حواء ) العدد ( 1223 ) تاريخ ( 10 مايو 1980 ) . (211) { ومن الجدير بالذكر أن سلامة موسى النصراني كان قد خطب في جمعية ( الشبان المسيحية ) وتحدث في

          أمر لا يخصه وهو التعرض للمرأة المسلمة و حجابها وسفورها وما عينه لها القرآن من نصيب في الميراث 
           وبعد هذه المحاضرة حاول – زيادة منه في الكفر – أن يحرض هدى شعراوي على مطالبة الحكومة 
          المصرية بسن قانون يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث وذلك ضمن رسالة شخصية بعث بها إليها لكنها 
          أنكرت عليه ذلك وردت عليه في مقال بجريدة الأهرام } انظر(المرأة بين الفقه والقانون) للسباعي رحمه الله 
           ص ( 219 – 220 ) ( حواء ) العدد ( 1252 ) تاريخ  ( 20 سبتمبر 1980 ) ص ( 34 – 36 ) .

(212) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص ( 24 ) .

وبعد عشرين عاماً من تكوين هذا الاتحاد استطاع بالنفوذ الأجنبي و أذناب الاستعمار أن يمهد لعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944 م وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة (213) واتخذت فيه القرارات "المعتادة " وفي مقدمتها بالطبع :

 المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب .

 تقييد حق الطلاق .

 الحد من سلطة الولي أياً كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي .

 تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء

 الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة و التعليم الابتدائي .

ثم في نهاية القرارات : ( اقتراح : تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية ) (214) .

( هدى شعراوي ) .. و الأديان  :


{ وطالبت هدى شعراوي في المؤتمر الثاني عشر للاتحاد النسائي الدولي في مدينة استانبول ( 18 إبريل 1935 م ) بإزالة الفوارق الجنسية والدينية بين الشعوب } (215) .



(213) ولقد احتج علماء سوريا رسمياً على حكومتهم على تمثيل بعض النساء السوريات في ذلك المؤتمر كما أصدر

         الملك عبد الله ملك شرق الأردن حينذاك منشوراً إلى رئيس وزرائه يلفت فيه نظره إلى حركة التمرد على 
         الآداب والتقاليد الإسلامية ووجوب التزام المرأة بالحجاب الذي كرمها الله به . ( المصدر السابق ص (25)) 

(214) المصدر السابق ص ( 25 ) وانظر : ( تطور النهضة النسائية في مصر ) ( 145 – 147 ) . (215) ( حواء ) : العدد ( 1227 ) تاريخ ( 29 مارس 1980 ) ص (15) . وتجلى موقفها في هذه القضية من قبل حينما صورت في ( مذكراتها ) العلاقة بين ممثلي الأديان خلال ثورة 19 فقالت  : ( .. وكان أن تآخى الجميع وصاروا يجتمعون في الكنائس والمساجد والمعابد وهم شيع مختلفة وكان الشيخ يتأبط ذراع القسيس أو الحاخام أمام عدسات المصورين ليظهروا للملأ اتحاد الجميع على الثورة ضد الإنجليز ) (216) . وفي الخطبة التي ألقتها ( هدى ) بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للاتحاد النسائي قالت : ( .. ومنذ ذلك اليوم - أي يوم قبلت عضوية مصر في الاتحاد النسائي الدولي - قطعنا على أنفسنا عهداً أن نحذو حذو أخواتنا الغربيات في النهوض بجنسنا مهما كلفنا ذلك و أن نساهم بأمانة وإخلاص في تنفيذ برامج الاتحاد النسائي الدولي الذي يشمل أغراضنا المشتركة . وهنا يطيب لي أن أذكر حادثاً كان له تأثيره عند افتتاح ذلك المؤتمر وهو إننا لما دخلنا قاعة الاجتماع قبل انعقاده ووجدنا أعلام الدول المشتركة ترفرف على جدرانها ولم نكن قد أخذنا الأهبة لذلك لعدم معرفتنا بهذا التقليد كلفنا طلاب البعثة المصرية بتحضير علم مصري يتعانق فيه الهلال والصليب فصنعوه و إذا به أكبر الأعلام الموجودة حجماً .. ولما رأت رئيسة المؤتمر الصليب يعانق الهلال تأثرت تأثراً عظيماً و أمرت بوضعه على يسار المنصة معادلاً لعلم الدولة المنعقد المؤتمر بأرضها فشغل بذلك محلاً ممتازاً وقدمتنا الرئيسة عند الافتتاح بعبارات ملؤها التأثر و التقدير وكانت أكبر عامل في إزالة الفكرة الخاطئة التي شابت حركتنا الوطنية بوصفها بالتعصب الديني ) (217) . ’ (216) السابق ص ( 18 ) ومن الجدير بالذكر أن ثورة 19 قد استغلت تحت ستار مقاومة الاحتلال في الترويج في

          مفاسد خطيرة ما كانت لتجد إلى قلوب الناس سبيلاً لولا جو الثورة الذي يلهي الناس عن تدبر ما يراد بهم 
          ومن أخطر هذه المفاسد الترويج لتحرير المرأة وتمييع قضية مولاة المؤمنين ومعاداة الكافرين تحت ستار 
          الأخوة الوطنية بهدف محو معالم الإسلام من ضمير الأمة شيئاً فشيئاً كما نرى ذلك جلياً في النص المنقول 
          أعلى ومن المواقف المماثلة لذلك ما حكاه الشيخ العلامة محمد بخيت رحمه الله قال : ( لما قامت الحركة 
          الوطنية عقب الحرب العظمى السابقة واتحد هؤلاء المارقون مع الأقباط ليطالبوا بالاستقلال كان مقر 
          اجتماعهم وقطبهم الجامع الأزهر ومنه كانت تنظم المظاهرات فكان يعمر بالأقباط والقسس منهم يصعدون 
          إلى المنبر خطباء مناوبة مع المصريين قال : وذات يوم كان المسمى " مصطفى القاياتي " وهو من 
          المدرسين في الأزهر والقائل بأن سعداً أفضل من النبي (و أنه جاء بما لم يأتي به النبي) و أنه رسول 
          الوطنية كان هذا الرجل حاضراً معهم فأخذ الصليب ووضعه في محراب الأزهر وقام – لعنه الله – خطيباً 
          فدعا إلى اتحاد الإسلام والنصرانية القبطية ودعا الحاضرين إلى صلاة ركعتين جميعاً مع وضع الصليب في 
          المحراب وكبر وصلى ركعتين والصليب أمامه يصلي له ولله معاً في زعمه لعنه الله تعالى ) ا هـ انتهى بنصه 
          من " مطابقة الاختراعات العصرية " لأبي الفيض أحمد بن الصديق ص ( 84 ) .

(217) " تطور النهضة النسائية في مصر " ص ( 124 ) .

          ومما ينبغي أن يعلم أن ( الهلال ) علامة مهنية ترمز في عرف الناس إلى مهنة الطب ، أما ( الصليب ) 
          فعلامة اعتقا دية تشير إلى ما يعتقده النصارى الكفرة في شأن عيسى عليه السلام فالمسلم الذي يتخذ هذه 
          العلامة على خطر عظيم لأن في إقرارها تكذيباً صريحاً للقرآن الذي جاء فيه قوله تعالى : (  وما قتلوه وما 
           صلبوه ولكن شبه لهم  ) النساء ( 157 ) ولهذا لم يكن  يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه 
           والله تعالى أعلم .

لقاء ( هدى ) و ( أتاتورك ) :

عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935 م وتكون من هدى شعراوي رئيسة وعضوية اثنتي عشر سيدة – وقد انتخب المؤتمر " هدى " نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي تقول ( هدى ) في مذكراتها :

( وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه " مصطفى كمال أتاتورك " محرر تركيا الحديثة .. وفي الصالون المجاور لمكتبه وقفت المندوبات المدعوات على شكل نصف دائرة وبعد لحظات قليلة فتح الباب ودخل " أتاتورك " تحيطه هالة من الجلال والعظمة وسادنا شعور بالهيبة والإجلال ، ... وعندما جاء دوري تحدثت إليه مباشرة من غير ترجمان وكان المنظر فريداً أن تقف سيدة شرقية مسلمة وكيلة عن الهيئة النسائية الدولية وتلقي كلمة باللغة التركية تعبر فيها عن إعجاب وشكر سيدات مصر بحركة التحرير التي قادها في تركيا (*) ، وقلت : إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر والمطالبة بحقوق المرأة ، وقلت : إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم و أسموك " أتاتورك " فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا "أتاشرق" فتأثر كثيراً بهذا الكلام الذي تفردت به ولم يصدر معناه عن أي رئيسة وفد و شكرني كثيراً في تأثر بالغ ثم رجوته في إهدائنا صورة لفخامته لنشرها في مجلة " الإجيبسيان " .

وذكرت هدى في حديث لها مع جريدة المقطم بعد عودتها إلى مصر ما معناه :

( إن ما أحدثه الغازي العظيم بلا ريب من نعمة الأقدار على أخواتنا في استانبول ) 

(218) . (*) انظر ص ( 193 : 202 ) من هذا القسم .

(218) ( حواء ) العدد ( 1256 ) ( 18 أكتوبر 1980 م ) ص ( 16 ) وأفعال " أتاتورك " وجرائمه في حق

         الإسلام أكثر من أن تحصى فليت شعري ما الذي يدعو ( هدى ) إلى هذا الانبهار به سوى وحدة الهدف 
          والخطة بين أعداء الإسلام في مصر وفي تركيا ؟ 
          ولعله من أجل هذا علق الأستاذ " محمد أمين هلال " في مقال له في  مجلة " الإسلام " الغراء بتاريخ  
          الجمعة 16 أغسطس 1935 م بقوله :
         (  ...   ولعل السبب في دفاعه عن الكماليين إنه رأى وليات نعمته من بعض النسوة الأرستقراطيات 
           المدعيات كذباً تمثيل نساء مصر ولم يجتمعن في الغالب إلا للغناء والرقص و إمتاع النظارة بضروب من 
           المغريات ولم يحاولن أن يلمسن جوانب الإصلاح الحق الذي يستدعي هجر الراحة والتضحية فليس لهن 
            سبيل إلى المعرفة بها و إن عرفنها فلا يصبرن عليها قد ذهب وفدهن إلى إسلام بول مدعياً بهتاناً وزوراً 
           أن نساء مصر راضيات بما اختطه الكماليون للمرأة التركية وبكل ما فعله الكماليون !! مع أن كل المسلمين 
            ومعظم الشرقيين لا يرضون مذاهب الكماليين ومذهبهم حيال الدين والمرأة ويستعيذون بالله من الشيطان 
            ويلعنون الطغيان ) انتهى ص ( 44 ) .  

 " سيزا نبراوي " :

تقول في مذكراتها : ( وعندما عدت من الخارج حيث عشت حتى بلغت الثامنة عشرة من عمري كنت متحررة متحمسة ولهذا رفضت لبس البرقع و أصررت على لبس القبعة وبحكم الصداقة التي كانت بين والدتي وبين هدى شعراوي أخذت تهدئ من ثورتي وتقنعني بأن الظروف غير مواتية للحصول على حقوق المرأة مرة واحدة و أن المطالبة بها في هدوء يجنبنا ثورة الرجال الذين كانوا كل شيء في ذلك الوقت ) (219) ( ولما تقدم الفنان مصطفى نجيب للزواج منها قالت : إنها لا تستطيع أن ترتبط بحياة يكون من حق أحد طرفيها فقط أن يتخلى عن التزامه فيها بالطلاق في أي وقت يشاء فتزوجها على أن تكون العصمة في يدها ولم يدم الزواج أكثر من أربع سنوات ) (220) ( وفي أثناء مرور " غاندي " بمصر عائداً إلى الهند بعد حضوره مؤتمر المائدة المستديرة بلندن في ديسمبر 1931 م فكرت الهيئات في إرسال وفود عنها لتحيته والتعبير عن مشاعر المصريين نحوه وقد سافر ( محمود فهمي النقراشي ) مندوباً عن " الوفد " ، .. و الآنسة " سيزا نبراوي " مندوبة عن " الاتحاد النسائي " وقد طلبت منه سيزا أن يوجه كلمة للسيدات المصريات فكتب بالإنكليزية ما ترجمته بالعربية

" أرجو أن تلعب الأخت المصرية نفس الدور الذي تلعبه أخواتها الهنديات في حركة تحرير أراضيهم المحترمة لأني أعتقد أن عدم القسوة هو امتياز المرأة " (221) اهـ .



(219) ( مجلة حواء ) العدد 21 / 12 / 1957 م . (220) ( الأخوات المسلمات ) ص ( 258 – 259 ) . (221) ( مجلة حواء ) العدد 4 أكتوبر 1980 م رقم ( 1254 ) ص ( 16 – 17 ) .

          ومن الجدير بالذكر أن ( غاندي ) هذا كان هندوسياً وثنياً كارهاً للإسلام ومتعصباً ضد المسلمين وكان يخفي 
          وثنيته البغيضة وراء المغزل والشاة وهو الذي سرق الحركة الإسلامية من الزعماء المسلمين بالخيانة و 
          التآمر مع الاستعمار الإنكليزي فسيقوا إلى السجن وسحب غاندي الحركة الوطنية من أيديهم واستعان 
           ببريطانيا من أجل تحويل المسلمين في الهند إلى أقلية وقد كان للمسلمين قوة بلغت حداً جعل الحكومة التي 
           صارت تقبض على ألف مسلم في الصباح تطلقهم في المساء بسبب أن السجون لم تعد تسع المعتقلين 
           وخطب  الـ ( لورد ) ريدنج الحاكم العام في كلكتا فقال :
          ( إنني شديد الحيرة من جراء هذه الحركة و لست أدري ماذا أصنع فيها ؟ ) فلا تغتر أيها المسلم بهذا الوثني 
            الذي يحرص أعداء الإسلام على أن يرسموا له صورة مزخرفة تخفي جرائمه في حق الإسلام والمسلمين 
             وتنبه لخطر " القومية النسائية " التي تجعل المسلمة الموحدة أختاً للهندية المشركة .
          انظر ص ( 123 – 124 ) من هذا الكتاب ، و ( رجال اختلف فيهم الرأي ) ص ( 104 – 114 ) .   

 درية شفيق .. المرأة الغامضة (222) ( وبعد ظهر يوم 20 سبتمبر 1975 م عدت إلى بيتي بعد أن تناولت الغداء في أحد الفنادق وفي ردهة العمارة رأيت جمعاً من الناس يلتف حول ملاءة بيضاء وسألت : ماذا حدث ؟ قالوا :إن سيدة ألقت بنفسها من شرفة الطابق السادس ورفعت الملاءة البيضاء و وجدت جثة جارتي درية شفيق ) " مصطفى أمين " الأخبار 12 / 4 / 86 .

تلميذة وفية من تلميذات ( لطفي السيد ) رحلت وحدها – بمجرد تخرجها – إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراة ثم تعود لتشكل حزب ( بنت النيل ) ثم ترحل إلى إنكلترا حيث تقابل بحفاوة بالغة قيل أنه لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها ورحبت بها الصحف البريطانية بدون استثناء ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده .. أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات ، ومن هذه الأحاديث ما كتبه مراسل جريدة الـ ( سكتشمان ) يقول : ( إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة " درية شفيق " : منح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات و إدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر ) اهـ .

ولما عادت إلى مصر عظم نشاطها و توفرت لها أسباب الحماية والحرية وتهيأت لها عوامل النشر والإذاعة حتى لقد حيل بين أهل الرأي ودعاة الدين وحماته وبين الرد على دعوتها التي وصفتها هي نفسها بأنها تريد للمرأة ( حقاً في الحرية الحرة المطلقة من كل قيد ) (223) .

وبلغ التوتر مبلغه ونهض علماء الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق على قلب رجل واحد يجابهون الاستعمار في شخص هذه المرأة أمام أعظم حصن من حصون الإسلام وهو الأسرة المسلمة ووقف الاستعمار بأمواله و نفوذه ...



(222) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص (29 ) وما بعدها . (223) " تطور النهضة النسائية " ص ( 60 ) .

وانكشف بعض المستور حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة و كم كانت الدهشة كبيرة حين علم انه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنوياً (224) عدا الورق المصقول وغيره فضلاً عن تقديم المشورة والتوجيه و قد أشادت " درية شفيق " بجهود " طه حسين " بك ومدرسته من أصدقائه وتلامذته في القضاء على ما أسمته " التقاليد السخيفة " حتى أخذ الناس بفضلها يتسابقون في تحرير بناتهم ثم تقول : ( وكان من نتيجة هذه الجهود مجتمعة أن تيسر تحقيق حلم الخديوي إسماعيل القديم وهو اعتبار مصر جزءاً من أوربا ) (225) وهي تعتبر أن الخديوي إسماعيل كان ( ضرورة ) لمصر ليطفر بها من الخمول و اليأس إلى النضوج والاستواء وتقيم أدلتها الدامغة ( ! ) على ذلك فتقول : ( ترقت الحياة في عهد إسماعيل فشهدت قصوره حياة اجتماعية لم تعرف في مصر الحديثة شهدت قصوره الحفلات الراقصة و شهد عصره أذواق الملابس الجديدة حتى ألوان الطعام تنوعت ودخل فيها جديد ) ثم تتحدث عن " اكتشاف " تاريخي " خطير " قائلة : ( وقد حدثتنا الوثائق المكتشفة أخيراً أنه اشترك لزوجاته و سيدات أسرته في سبع مجلات " للموضة " فكانت نماذج الأزياء في مصر والشرق العربي تخرج من قصوره) ، ثم تقول : ( وهذه العناية بشئون النساء – و إن كانت خاصة – إلا أن ورائها قلباً كبيراً يعرف للمرأة حقها و نوايا طيبة بدأ أثرها في خلال عصره الزاهر ) (226) . وهذه المرأة هي التي قادت مظاهرة الجامعة الأمريكية في إبريل سنة ( 1951 م ) بتحريض من وزير الشئون الاجتماعية البريطانية " سمر سكيل " حين اجتمعت به في مصر (227) وقادت الإضراب عن الطعام والاعتصام بنقابة الصحافيين في ( 12 مارس 1954 م ) – مطالبة بحقوق المرأة المزعومة .

(224) وكانت ( درية ) قد أنشأت معهداً نسائياً لتدعيم نشاطها في حركة " تحرير المرأة " وقد عددت في كتابها

         ( تطور النهضة النسائية في مصر من عهد محمد على إلى عهد الفاروق ) أفضال بعض الشخصيات 
         ( الكريمة ) التي مولت عملية إنشاء هذه الدار قالت : ( وهنا لا يمكنني أن أجحد فضل المرحوم ( ! ! ) 
         المستر هربرمان الأمريكي الذي تبرع بمبلغ مائتي جنيه أرسلها من أمريكا مساعدة في تأسيس هذه الدار ) ، 
          وقالت : ( كما أخذ المسيو بيانكي المقاول الكبير على عاتقه بناء هذه الدار بقدر ما يمكن من العناية
          و الاقتصاد ) اهـ ص ( 131 ).

(225) ( تطور النهضة النسائية في مصر ) ص ( 15 ) . (226) السابق ص ( 45 – 46 ) . (227) انظر تفاصيل تلك ( المهزلة ) في كتابها ( المرأة المصرية ) ص ( 201 – 208 ) . وفي إبريل سنة ( 1951 م ) عقد مؤتمر نسائي دولي في أثينا حضرته هذه المرأة ممثلة المرأة المصرية زوراً وبهتاناً و قد كان المؤتمر مؤامرة استعمارية بعيدة المدى كما يبدو من أحد قراراته التي أيدتها " درية شفيق " فيما يتعلق بإقرار " سياسة التسليح الدفاعي " مما كان من شأنه تأييد الاحتلال البريطاني لمصر و لذلك صفقت المندوبة البريطانية تصفيقاً حاراً لذلك القرار . وكانت تلك المرأة تصرخ مطالبة بحق المرأة في الانتخاب والترشيح وبضرورة إيجاد نص في القانون يجعل النساء سواسية مع الرجال إزاء هذا الحق المزعوم فقامت ضدها قومة علماء الدين " وعلى رأسهم فضيلة مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ محمد حسنين مخلوف حفظه الله " ودعاة الفضيلة والأخلاق بحملتهم الناجحة التي أحبطت كيد الاستعمار و أذنابه و أسندت ظهر الأمة أمام الخطر و إذا " بالزعيمة " تتصل بإنكلترا مستغيثة فلجأت على الفور إلى مندوب الإذاعة البريطانية في مصر " باتريك سميث " ليرفع إلى بلاده شكوى عميلتها من الحكومة المصرية ! ولذلك لم يعجب هؤلاء الذين استمعوا إلى المذيع البريطاني المذكور حينما تكلم إلى بلاده حينذاك قائلاً ما ملخصه : ( جاءتني الدكتورة " درية شفيق " زعيمة حزب بنت النيل و قد شكت إلىّ من أن الجهات المسئولة في مصر تعارض بشدة مطالبتها بحقوق المرأة السياسية و كفاحها من أجل تمثيل المرأة داخل البرلمان المصري و طلبت مني أن أناشد الصحف البريطانية كي تؤازرها بكل ما تستطيعه و أن تضغط على الدوائر المصرية حتى تكف عن معارضتها القائمة ) ، ثم أوصى " حضرته " في رسالته ( بضرورة مؤازرة هذه الزعيمة في دعوتها إلى تحرير المرأة المصرية عملاً بميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي تحتكم إليه الزعيمة و الذي ينص على تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق السياسية و الاجتماعية بين الرجال و النساء في الدول الأعضاء و التي من بينها مصر ) اهـ ، وفي عهد وزارة " على ماهر " إذا به يسمح لها بالسفر إلى لندن لحضور المؤتمر النسائي الدولي هناك ثم تنتقل بعد ذلك على الفور بصحبة مندوبة إنكلترا لحضور المؤتمر النسائي في نابلي وقد استقبلتها الصحف الإنجليزية جميعها على عادتها استقبالاً حاراً علقت عليه بعض الصحف المصرية – في دهشة – بأنه استقبال لم يحدث له مثيل . ثم اتجهت " الزعيمة " إلى " روما " بصحبة مندوبة إنكلترا و مندوبة إسرائيل " تبيهلا مانمون " و أثناء انعقاد المؤتمر اتصلت بوفد إسرائيل ورئيسته المذكورة طوال الأيام التي مكثتها هناك ونشرت الصحف الأوربية وبعض المجلات النسوية المصرية الصور الكثيرة التي بدت فيها الدكتورة " درية شفيق " في أحاديث هامة و أوضاع شتى مع هذه الإسرائيلية الخطيرة ..

و أعلنت المندوبة الإسرائيلية المذكورة ارتياحها بالمندوبة المصرية بلندن ومصاحبتها لها إلى نابلي حيث قالت فيما نشرته الصحف الإيطالية والفرنسية : ( إنني أهنئ نفسي بهذا الاتصال الذي ربط بيني وبين السيدة " درية شفيق " و إنني أعلن لعضوات المؤتمر السادس عشر في نابلي أني عقدت أمالي على الزعيمة المصرية لحل جميع المشكلات بين البلدين : إسرائيل ومصر ) . وقد نشرت مجلة نسوية مصرية الصور المختلفة لدرية شفيق مع رئيسة وفد إسرائيل نقلاً عن الصحف الإيطالية كما نشرت صورة زنكوغرافية لمقال نشرته بعض الصحف الإسرائيلية الصادرة في " تل أبيب " باللغة العبرية وكانت صورة " درية شفيق " وهي تحادث مندوبة إسرائيل تزين ( ! ) المقال المذكور وقد جاء في هذا المقال بعد ترجمته : (إن تل أبيب تتوقع أن الحوادث المقبلة ستزيد مكانة"درية شفيق"شأناً ورفعة) (228) اهـ .

" درية شفيق " ، ومثلها الأعلى :

وتجهر " درية شفيق " بالدعوة إلى التبعية المطلقة للغرب ولبريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك على وجه الخصوص فتقول : ( وبالرغم من أن ثقافة معظم المصريين المتعلمين متأثرة أشد التأثر بالثقافة الفرنسية و بالرغم من أن كثيراً من مظاهر حياتنا الاجتماعية منقولة عن مظاهر الحياة الفرنسية الاجتماعية فإنا لا نجد في ظروفنا الحاضرة مثلاً أرفع من مثل الإنجليزية المثالية التي نرجو أن نخطو في نشاطنا النسائي على نهجها وهداها . فالمرأة الإنجليزية سيدة عركها الزمن واستحقت مكانها في حياة بريطانيا " العظمى " بجدارة تحسدها عليها بنات جنسها جميعاً إنها سيدة بيت من الطراز الأول .. ، وهي أم مثالية بين الأمهات .. لأن وظيفة الأم عندها رعاية الابن الممثل فيه الجيل الجديد : جيل إنجلترا الذي ينبغي أن يحافظ على تقاليد تلك الأمة وفي مقدمتها تربية الطفل تربية تليق بـ " عظمة " بريطانيا ، .. فيشب مواطناً يعرف مقامه في الدنيا وحسبه هذا المقام الذي يشغله الإنجليز منذ مئات السنين ) (229) . وتقول : ( وقد تأثرت المرأة الإنجليزية في ذلك كله بملكة إنجلترا .. ، ونحن بذلك نضرب المثل بخير مثل وهو جلالة ملكة بريطانيا .. فلنأخذ القدوة من أهل القدوة وليكن في السيدة الإنجليزية وعلى رأسها ملكة إنجلترا مثالاً لنا في كفاحنا من أجل السيدة المصرية ونصيبها في الحياة ) (230) اهـ .

(228) نقلاً عن ( الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار والصهيونية العالمية ) تأليف محمد فهمي عبد

         الوهاب ص ( 28 – 50 ) باختصار .

(229) " تطور النهضة النسائية " ص ( 97 ) . (230) السابق ص ( 99 ) . " درية شفيق " .. و " الحملة الفرنسية " :

وفيما رأى المسلمون الواعون أن الحملة الفرنسية بقيادة " نابليون بونابرت " سنة 1798 م كانت حملة صليبية جديدة فاجتمعوا يواجهونها و يجاهدونها الجهاد المقدس في سبيل الله رأت " درية شفيق " أن اعتبار تاريخ مصر الحديثة يبدأ بنزول الفرنسيين إلى وادي النيل – مبدأ مقبول إلى حد بعيد ، وتقول :

( ذلك لأن مصر شهدت جديداً أثناء تلك الحملة و أنها منذ عرفت الفرنسيين عرفت التقدم في مراحله جميعاً و أنها مضت قدماً نحو أهداف سياسية واجتماعية ... ) (231) .

لماذا فشلت " درية شفيق " ؟

( كانت " درية شفيق " قلقة مضطربة كالعصر الذي ظهرت فيه فلم تكن في تعقل " هدى شعراوي " التي كانت تتحرك كجزء في الجهاز العام لحركة " التنوير " التي وضع أسسها الشيخ " محمد عبده " و " قاسم أمين " و " سعد زغلول " على اختلاف مواهبهم الدينية أو الفكرية أو السياسية .

ولم تستطع " درية شفيق " أن تسوس الرجل فتملكه ثم تطلب ما تريد كما فعلت سابقاتها ولكنها أرادت أن تثور على الرجل فتأخذ حقها غلاباً بأسنانها و أنيابها فلم تستطع لأن أنياب الرجل و أظافره لا تزال أقوى وستظل كذلك .

أما السبب الأكثر خطورة في فشل " درية شفيق " فيتمثل في أنها رأت أن من النساء من هن أحق من الرجال بحق التمثيل السياسي و أنه من العار بزعمها " أن يصوت الطاهي وتحرم من ذلك السيدة التي تستخدمه في منزلها " (232) فتجاوزت بذلك الحدود و الأطوار الأمر الذي لم يقبله الرجل ولم يرض عنه ) (233) .



(231) السابق ص ( 29 ) ومما يعكس بعضاً من تلك الأهداف الاجتماعية ما حكاه الجبرتي في " تاريخ عجائب

          الآثار و التراجم و الأخبار "  وقد تقدمت الإشارة إليه ، فراجع ص ( 73 – 76 ) .

(232) " الحركة النسائية " د / إجلال خليفة ص ( 174 ) . (233) " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص ( 108 – 109 ) .  " ماري إلياس زيادة " :

( الأديبة السورية الأصل التي اشتهرت فيما بعد " بالآنسة مي " وكان لها محفل يشبه محافل الباريسيات يجتمع فيه الرجال والنساء وكانت " مي " سافرة متحررة يجتمع في دارها في هذا المحفل الذي أسسته سنة 1913م (234) أهل الأدب و السياسة والفن ورجال الأعمال والصحافيون وكان المحفل يضم رجالاً ونساءاً من طرز مختلفة من الأوربيين و المصريين والعرب المقيمين بمصر خاصة النصارى منهم وكان يؤمه من الشيوخ الأزهريين الشيخ مصطفى عبد الرزاق وكان يضم طائفة من العلمانيين و اللادينيين والليبراليين و الماسونيين أمثال : يعقوب صروف و شبلي شميل و أنطوان فرح و إدريس راغب وغيرهم وكانت " مي " غالية في تحررها و قد انعكس تأثير محفلها على طبقة محصورة من الرجال و النساء الأوربيين و المصريين دون أن ينعكس انعكاساً مباشراً على أغلبية نساء المجتمع المصري و إن ظل يؤرخ له على أنه أحد العوامل المساعدة في سير الحركة النسائية نحو التحرر ) (235) .

 " أمينة السعيد " :

تلميذة وفية لـ " طه حسين " ترأس تحرير مجلة ( حواء ) ، ( ومن خلالها تحرض نساءنا على النشوز و فتياتنا على التهتك و الانحلال ) (236) وقد تواتر لدى الجميع أنها تهاجم الحجاب الإسلامي بكل جرأة و هي – و إن كانت تلقفت الراية من " الزعيمات " السابقات – إلا أنها تفوقت على كل اللائي سبقنها في باب التجرد من الآداب و الأخلاق الأساسية ، إذ إنها لا تألو جهداً في الصد عن سبيل الله و الاستهزاء من شرعه عز وجل حتى وصل بها الأمر إلى أن قالت : ( كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام و لدينا الميثاق ؟ ) ، وقالت : ( إنني لا أطمئن على حقوق المرأة إلا إذا تساوت مع الرجل في الميراث ) (237) . وهي المرأة التي أزعجتها ظاهرة ( عودة الحجاب ) إلى المجتمع المصري فجردت قلمها المسموم لتواجه هذه الظاهرة ( المقلقة ) ووصفت الحجاب بأنه ( كفن ككفن الموتى )


(234) و أسس هذا المحفل - فيما بعد – بصورة رسمية سنة 1914 وذلك بجهود البرنس " أولفادي لبيدف " . (235) انظر : " رجال عرفتهم " لعباس محمود العقاد ( الهلال 1963 ) فصل : " رجال حول مي " ، و" المؤامرة

          على المرأة المسلمة " للدكتور السيد أحمد فرج ص ( 21 ) .

(236) ( الأخوات المسلمات ) ص ( 264 ) . (237) السابق ( ص 268 – 269 ) نقلاً عن ( المصور ) .

فقد قالت في إحدى جولاتها ضد الحجاب : ( إن هذه الثياب الممجوجة قشرة سطحية لا تكفي وحدها لفتح أبواب الجنة أو اكتساب رضا الله فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها " زي إسلامي " لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لف أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء ) (238) اهـ وقالت أيضاً مستنكرة : ( هل من الإسلام أن ترتدي البنات في الجامعة ملابس تغطيهن تماماً وتجعلهن كالعفاريت .. وهل لابد من تكفين البنات بالملابس وهن على قيد الحياة حتى لا يرى منها شيء وهي تسير في الشارع ؟ ) (239) اهـ . وقالت أيضاً : ( عجبت لفتيات مثقفات ! كيف يلبسن أكفان الموتى وهن على قيد الحياة ؟! ) (240) اهـ . بل إنها تعتبر ظاهرة (عودة الحجاب) مشكلة وترهق نفسها في البحث عن تبرير لهذه الظاهرة فيهديها شيطانها إلى تبرير يشابه إلى حد كبير موقف المنافقين الذين كانوا يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات الذين لا يستطيعون أن يتصوروا إخلاص المؤمنين في طاعتهم لربهم وصدقهم في الصبر على دينه وامتثال أمره لأنهم لم يألفوا الصدق ولم يذوقوا الإخلاص ومن هنا راحوا يطعنون في الغني المتصدق بأنه مراء وفي الفقير بأنه أحوج إلى صدقته قال تعالى : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) التوبة (79) . تقول أمينة السعيد : ( الانفتاح أباح لبعض الفتيات الفرصة في ارتداء الأزياء الغالية و متابعة الموضات المختلفة مما تسبب عنه مشكلة اجتماعية ترتب عليها في نظري مشكلة الحجاب و ارتداء الملابس الإسلامية .. وهو في معظم أوقاته ليس تديناً بل هرباً من مواجهة المقارنة الرهيبة في الجامعة بين الأزياء الباهظة الثمن المتنوعة وبين البنت غير القادرة وهي عندما تلبس ما يطلقون عليه الزي الإسلامي تنقذ روحها من محنة مالية هي غير قادرة عليها ) (241) اهـ .


(238) مجلة ( حواء ) تاريخ 18 نوفمبر 1972 م . (239) ( المصور ) 22 يناير 1982 م ص ( 75 ) . (240) نقلاً عن ( الولاء والبراء في الإسلام ) لمحمد بن سعيد بن سالم ص ( 404 ) . (241) ( المصور ) العدد رقم ( 3139 ) 14 ربيع الأول 1405هـ ، 7 ديسمبر 1984 م ، ص ( 74 ) .

وتفاخر ( أمينة السعيد ) بصفحات نضالها ضد الشريعة الإسلامية تحت ستار ( تحرير المرأة ) فتقول : ( اقتراحي بإجراء تلقيح صناعي لزوجة عقيم من زوجها أقام الدنيا و أقعدها ومطالبتي بإلغاء المحاكم الشرعية كاد يدخلني السجن أما مهاجمتي لقانون الأحوال الشخصية فقد أثارت الدنيا من حولي وجاءت مظاهرة إلى "دار الهلال" تهتف بسقوطي ) (242) اهـ . ولنعرض فيما يلي – إن شاء الله – أنموذجاً من جولاتها ضد الحجاب و الآداب الإسلامية في ردها على بعض الشيوخ مستنكرة عليه آراءه التي (أثارت القلق والأسف ) على حد تعبيرها ولن نتتبع شبهاتها بالرد والتعقيب لأن فسادها يغني عن إفسادها وصدق القائل :

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

وهي تذكر أن أكث ما أثار القلق في أقوال الشيخ الفاضل نقطتان : أولاهما : الدعوة إلى إلزام الطالبات بما يسمونه " الزي الإسلامي " وهو ما تفضل سيادته بتسميته الحجاب بحجة أنه دليل إسلامي رائع على الإيمان العميق والبعد عن الفتنة و الإغراء .. إلخ ، ثم ترتدي هذه المرأة ( الثعلب ) ثياب ( الناسكين ) وتعظ الشيخ قائلة : ( ما كان ينبغي على شيخ المفروض فيه – بحكم ثقافته ومكانته – أن يكون ضليعاً في الإسلام أن يصدر عنه مثل هذا الكلام ونحن نعرف جميعاً استناداً إلى ما ورد بالقرآن الكريم – وهو دستورنا الديني الأول- أن الإسلام لم يحدد على الإطلاق زياً معيناً للمرأة المسلمة ولم يقدم رسماً كامل الأوصاف لا من حيث الشكل أو النوع أو اللون ) ثم تزعم أن ( المعنى الواضح من هذا الكلام المقدس أن الدين الحنيف لا يستهدف من ملابس المرأة سوى الوقار والاحتشام و البعد عن التبرج و الابتذال فكان أي ثوب تتوافر فيه هذه الاشتراطات هو زي إسلامي بمعنى الكلمة سواء كان مقتبساً من الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب أما ما نراه اليوم شائعاً بين الفتيات والسيدات مما يسمونه " الزي الإسلامي " فالإسلام منه براء لأنه تقليد حرفي لزي الراهبات المسيحيات و الذي نعلمه جميعاً أن لا كهانة و لا رهبانية في الإسلام )


(242) السابق .

ثم تستطرد تحت عنوان : ( أزياء دخيلة ) (243) فتقول :

( و الأدهى من ذلك : " المقنعات " وهن قلة من المتطرفات في إعلان عن تدينهن فقد ذهبن في ثيابهن إلى تحريم ما أحله الله فغطين وجوههن بأنسجة كثيفة ليس بها سوى خرمين صغيرين للاستعانة بهما في النظر ولم يكتفين بذلك بل ذهبن في مبالغتهن إلى تغطية الخرمين الصغيرين بنظارات سوداء خوفاً من أن تتغلغل الأنظار من خلال الخرمين إلى حدقتي العينين وهو كل ما يحتمل أن يظهر من هذا القناع العجيب الدخيل هذا بالطبع غير جائز في الإسلام بدليل الفتوى الذي أصدرها سيد الأئمة كلهم الإمام الأكبر الشيخ " محمد عبده " وقد أورد فيها أن " المقنعات " لا ينبغي أن ترفع لهن قضية أو تسمع لهن شهادة في المحاكم ... ولو كنا نساير روح الإسلام الأصيل ما سمحنا لهن بدخول الامتحانات العامة لسهولة تزييف الشخصية تحت هذا القناع العجيب ) .

وتشتد " غيرة " " أمينة السعيد " على الإسلام و " يتدفق " حرصها على"مخالفة الكفار " فتقول :

( وما يقال عن الحجاب يسري أيضاً على ملابس الرجال فمع عظيم إجلالي للعمامة و الجبة والقفطان أعرف أنها ليست زياً إسلامياً أصيلاً و إنما هي اقتباس من ملابس الأحبار اليهود في قديم الزمان )

وتختم مقالتها الطويلة مستنكرة على الشيخ تصريحاته قائلة :

( إنها عملية هدم للإسلام من أساسه فاللهم ارحمنا و ارحم ديننا من شر أنفسنا إنه السميع المجيب ) (244) اهـ وصدقت فإن ما تفعله حقاً هو عملية هدم للإسلام من أساسه وهي أولى بهذه الكلمات من غيرها ، و صدق الله العظيم :

( ولتعرفنهم في لحن القول )

الآية (245). 


(243) تعـني بتلك الأزياء الدخيلة الجلباب و النقاب وهي تعلم تماماً أن ما عدا هذه الأزياء هو الدخيل الطارئ و أن

        هذا الحجاب كان سائداً في كل المجتمع المصري قبل ظهور دعاة تحرير المرأة و لكنها تستغـل جهل الجيل 
        الحاضر بالماضي الذي عاصرته هي وأمثالها من الطاعنات في السن و تتحدث عن الحجاب كأنه من اختراع 
        " المتطرفات الجدد " على حد تعبيرها .

(244) من مقالة بعنوان ( هذه دعاوي غير إسلامية ) مجلة حواء . (245) جزء من آية رقم ( 30 ) سورة محمد " .

لعبة العرائس المتحركة :

وفي موكب الرذيلة صحافيات أخريات ومذيعات ومعلمات طبيبات وسياسيات قد تلونت تصوراتهن بألوان شتى و تفرقت مللهن أيما تفرق و برغم انتساب بعضهن إلى الإسلام فقد جمعهن هدف واحد هو طعن الإسلام في الصميم وهؤلاء جميعاً وضعن أنفسهن بهذا المسلك الوخيم في صف المواجهة مع الإسلام يرمينه عن قوس واحدة شئن أم أبين رضين أم كرهن وتحصنّ في هذه الحرب في خندق واحد ضم إليهن اليهود والنصارى والملاحدة و المنافقين والفاسقين وكأني بهن يشرن إلى أوليائهن ورفاقهن قائلين : ( هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ) الآية النساء ( 51 ) ، فما أجدر هؤلاء بقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) (246) . وغير هؤلاء صفوف وصفوف ممن رباهن الاستعمار الصليبي و الصهيوني في محاضنه وأخريات ممن هن في دور الإعداد و التربية ليخلفهن في مهمة "تدمير المرأة " كل بأسلوبه وبقدر طاقته ، ( ولكل وجهة هو موليها ) البقرة ( 148 ) ، لكن يجمعهن محور واحد يؤكد أن هذه الشخوص التي تبدو للناظر كأنها تتحرك بإرادتها لا تتحرك إلا حسب خطة واحدة قدّرها ورسم خطوطها الذين فضلوا أن يجذبوا الخيوط من خلف ستار كفانا الله و المسلمين شرورهم .

من يحرر من ؟

إن المرأة المسلمة الواعية البصيرة بحقوقها وواجبتها في ضوء كتاب الله وسنة رسوله " هي المرأة الجديرة بصفة الحرية أما المرأة الغير المسلمة أو المنحرفة في فهمها للإسلام فهي الأسيرة التي تحتاج إلى تحرير سواء كان هذا التحرير من رق الشرك والوثنية وعبادة غير الله أو رق الرذيلة والتهتك أو رق العادات والأعراف و التقاليد المنافية لدين الإسلام . ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران (85)


(246) سورة النساء آية ( 115 ) .

" لا " للقومية النسائية :

( كان دأب دعاة تحرير المرأة منذ البداية لجعل القضية : قضية " تحرير المرأة " فقط مع إسقاط التعيين " المسلمة " ومن ثم ربطها بقضية تحرير المرأة في العالم كأنما صارت هناك قومية خاصة اسمها " القومية النسائية " تربط المرأة المسلمة بالمرأة النصرانية بالمرأة اليهودية بالمرأة عابدة البقروالأوثان بالمشركة بالملحدة (247) ... إلخ . كأن قضيتهن واحدة ومطالبهن واحدة وأهدافهن واحدة ومعتقداتهن واحدة و كان السعي


(247) بل الأدهى من ذلك أن تتجاوز هذه ( القومية النسائية ) حدود الزمان لتجعل

         المسلمة الموحدة أختاً لنساء قدماء المصريين الوثنيات انظر ما كتبته ( إحداهن ) 
         مفتخرة بالفراعنة :
        ( كان الفراعنة هم أول من رفع المرأة إلى مقاعد الحكم و ارتضى رجالهم في 
          فخر واعتزاز أن تحكمهم ملكات كانت عهودهن رمز العدالة و التقدم 
          والاستقرار .. ولقد وصلت المرأة الفرعونية إلى هذه المكانة العالية في قومها 
          بغير معارك وبدون اعتراض .. وما كان ذلك إلا لأن المجتمع الفرعوني كان 
          هو المجتمع المتحضر الذي رسم للبشرية بأجمعها طريق الحضارة و العلم و 
         الحكمة ) اهـ من ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 7 )

         ثم تفتخر ببعض مظاهر حرية المرأة عند الفراعنة مثل : 
        ( حق اقتسام الميراث في مساواة مع رجل أسرتها و كانت تملك حق تطليق 
         زوجها بعد أن تدفع له تعويضاً و كانت تسمي أولادها باسمها ) اهـ ص ( 15 ) 
         وتنقل بإعجاب عن ( هيرودوت ) قوله : 
        ( إن المرأة في مصر القديمة أكثر نشاطاً من رجلها فالنساء يذهبن إلى السوق يبعن ويشترين في حين 
          أن الرجال يلازمون بيوتهم حيث يقومون بنسج الأقمشة ) اهـ ص ( 16 )ثم تفتخر زعيمة حزب
        ( بنت النيل ) بنفرتيتي زوجة إخناتون { التي حملت لواء حركة الانقلاب الديني .. وهي الحركة التي 
         قامت في عهد حكم زوجها واشتركت نفرتيتي معه في صنع أسس الدين الجديد الذي توحدت فيه لأول 
         مرة في تاريخ الأديان ( !! ) جميع الآلهة في إله واحد هو ( آتون ) أي الشمس } اهـ ص ( 16 ) ، 
        وليت شعري ما الذي يدعو إلى هذا الفخار وقد انتقلت نفرتيتي وقومها من شرك إلى شرك ؟ و أي 
        شيء يدعو للإعجاب و الاعتزاز بفراعنة وحدوا آلهتهم المتعددة في ( كومبانية ) آلهة مشتركة هي 
       ( الشمس ) تعالى الله عما يشركون ! ، وهل خفى على هذه ( المتحررة ) أن عقيدة توحيد الله سبحانه 
       وتعالى أول من نزل بها إلى الأرض من البشر آدم وحواء  ..  و أنهما كانا على دين الإسلام الذي أرسل 
       الله به جميع رسله و أنزل به جميع كتبه ؟ و أن التوحيد ليس إختراعاً فرعونياً ؟ وهل تتجاهل الكاتبة 
       حقيقة تلك الوثنية الفرعونية البغيضة التي لا يصح إسلام أحد حتى يتبرأ منها ومن أصحابها ؟ قال 
       تعالى :  قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم و مما 
       تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده  
       الآية ( 4 ) )  الممتحنة : 4 ) .         
   

و كان السعي فعلاً حثيثاً لتأخذ المرأة المسلمة ملامح المرأة الغربية و كلما تطابقت صورتها مع الغربية كلما زاد الإعجاب بها و تقريظها بأنها لا تفترق عن الأجنبية ! حتى سقطت بعض المسلمات فيما لم تسقط فيه عابدة البقر التي ظلت معتزة بزيها الخاص " الساري " و تميزها بالنقطة الحمراء بين عينيها ) (248) .

وقد قامت الدوائر الاستعمارية خاصة في أمريكا وإنكلترا بتغذية هذه"القومية النسائية " في البلاد الإسلامية خاصة مصر فحينما استطاع " الاتحاد النسائي المصري " أن يعقد ما سمي بـ " المؤتمر النسائي العربي " سنة 1944 م وسط استنكار الشعوب العربية و المسئولين فيها ووسط احتجاج العلماء وثورة الإسلاميين إذا بزوجة الرئيس الأمريكي " روزفلت "(249) تبرق إلى المؤتمر المذكور في 17 ديسمبر 1944 م البرقية الآتية :


( يسرني أن تتاح لي فرصة إرسال تحيتي إلى مندوبات الاتحادات النسائية في مختلف بلاد الشرق العربي والواقع أن نفوذ السيدات ليتعاظم ويزداد قوة في مختلف أرجاء العالم و إني لواثقة من أن النساء العربيات سيقمن بدورهن إلى جانب " شقيقاتهن " في باقي بلدان العالم أملاً في نشر التفاهم و السلم العالمي في المستقبل ) (250)


ومن قبلها حضرت إلى مصر " الدكتورة ريد " رئيسة الاتحاد النسائي الدولي بنفسها لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية و لتناصر الحركة بنفوذها في المحيط الأوربي و بتصريحاتها التي ترمي إلى " المسارعة بإعطاء المرأة المصرية الحقوق السياسية " المزعومة !



(248) ( في مسألة الحجاب و السفور ) ( لصافي ناز محمد كاظم ) ص ( 26 ) بتصرف . (249) ( ولسنا في حاجة إلى أن نذكر الدور الخطير الذي لعبته " مسز روزفلت " في تكوين الوطن القومي لليهود

          في فلسطين ) من ( الحركات النسائية ) لمحمد فهمي عبد الوهاب ص ( 28 ) .

(250) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص ( 27 ) .

( ومن هنا أيضاً لم يدهش الشعب المصري لزيارة وزيرة الشئون الاجتماعية البريطانية " مسز سمر سكيل " لتتفقد الأحزاب النسائية في مصر وتجتمع بـ " درية شفيق " رئيسة حزب " بنت النيل " المشبوه وتحرضها على أن تترك المقالات والمناقشات و المجلات و تتجه إلى المظاهرات و اقتحام أبواب البرلمان (251) . و تمتثل رئيسة " حزب بنت النيل " لتلك التوجيهات ففي إبريل سنة 1952 خرجت مظاهرة من قاعة "إيوارت" بالجامعة الأمريكية – ذات التاريخ الطويل في التبشير – قوامها بضع عشرات من الفتيات الكاسيات ... ، تتقدمهن زعيمة الحزب المذكور و بعض الشبان من أصدقاء حزبها و أنصاره إلى دار البرلمان هاتفات بالحقوق السياسية المزعومة ! وفوراً أبرقت جمعية " سان جيمس " الإنكليزية إلى الزعيمة المذكورة بتهنئتها على نجاحها في اتجاهها الجديد نحو المظاهرات و تعلن تأييدها لها حتى تنال المرأة المصرية على يديها الحقوق السياسية تحت قبة البرلمان و فوق كرسي الوزارة ) (252) اهـ .

فهل أدركت يا أخت الإسلام :

حقيقة " الحركات النسائية " .. وهدف " القومية النسائية العالمية " ؟

( إن الكلام عن " العالمية " في هذا المجال ضار جداً و هادم لأسباب النهضة عند الأمم الضعيفة بنوع خاص لأنها إذا أرادت أن تنهض فلن تقوم لها نهضة إلا على مغارسها و أصولها الأولى و النهضة على غير هذا الأساس فناء لذات العنصر الأضعف في العنصر الأقوى ) (253) .



(251) وكان الهدف من ذلك كله إشغال الرأي العام بقضية المرأة عن التفرغ لقضية ( الوطن الأسير ) الذي كانت

          تحتله آنذاك الدولة التي تمثلها " مسز سمر سكيل " الغيورة على ( حقوق المرأة المصرية ) ! 

(252) ( الحركات النسائية في الشرق ) ص ( 37 – 39 ) بتصرف . (253) من مقالة للدكتور " محمد محمد حسين " رحمه الله بمجلة الأمة العدد ( 31 ) السنة الثالثة ص ( 26 ) .

حصاد المؤامرة :

في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه نعرة توحيد " القومية النسائية " كان دأب " دعاة تحرير المرأة " رجالاً ونساءً الأهم هو فصل قضية تحرير " المرأة " المسلمة عن قضية تحرير " الوطن " المسلم وفصل قضية الظلم الواقع عليها عن قضية الظلم الواقع على الرجل المسلم : تجزئة للقضية الواحدة من أجل أن تتفتت في مسارات متباينة متعارضة بل ومتصارعة إذ لم يقف الأمر عند هذه التجزئة بل تعداه إلى أن جُعلت المرأة المسلمة تقف خصماً أمام الرجل المسلم و أمام الوطن المسلم تقف خصماً ضد شريعتها تمتلئ رعباً وهلعاً كلما قيل لها : هناك من يطالب بتطبيق حكم شريعتك وتنفرج أساريرها فرحة كلما وجهت ضربة إلى الشرع الحنيف عن طريق سن المزيد من القوانين العلمانية المستمدة من قوانين الغرب .


  ذهـب العـصـر الذي شـيـبـنا         و أتى عصر الشباب الملحدين 
 عــيـرونـا إن عــبـدنـا ربـنـا         وحفـظـنا عهده في الحافـظـين 
  وعـدوها لـنـا " رجـعــية "         جـعـلـوهـا ســبـة لـلـمـؤمـنـيـن 
 للمـصـلـيـن إذا ما ســجــدوا         من حديث السوء ما للصائمين 
 نسخ الأخلاق في شرعتهم           أنـهـا مـن تـرهـات الـجـامـدين 
 إن نقل"دين"يقولوا"فتنة"         هاجها في مصر بعض المفسدين 
 فسد الأمر فهل من مصلح           أصلحوه يا شباب المسلمين (*)
   


(*) " الاتجاهات الوطنية " ( 2 / 314 ) .

الصحافة، والمرأة المسلمة (*)

وصف "محمد التابعى"- الذى كانوا يعدونه أستاذ جيل الصحافيين الذين خرجتهم مجلة (روز اليوسف)- واقع الصحافة يوما، فقال ما نصه :

{ هذه الصحيفة صنيعة أمريكا، وهذه الصحيفة مأجورة للإنجليز، وهذه المجلة تصدر بأموال شيوعية، وهذا الصحفى يتلقى أوامره ومرتبه الشهرى من موسكو أو وارسو أو براج. وهكذا أصبحنا جميعا نحن الصحفيين بين فاسدين ومفسدين، ومنافقين وخونة، مأجورين للكتلة الغربية والكتلة الشرقية، وأصبح الشعب في حيرة من لسانه المسموم: الصحف التى أيدت الطغيان ودافعت عن الفساد، الصحفيون الذين مرغوا جباههم تحت أقدام الطغيان، بعد أن أسفر الطغيان}.

انتهى من (الصحافة والأقلام المسمومة) للأستاذ " أنور الجندي " ص ( 68 – 69 ) نقلاً من : ( أخبار اليوم ) تاريخ ( 25 / 10 / 1952) .

                          دور الصحافة فى حركة ( تدمير ) المرأة

أولت الصحافة ( اليومية و الأسبوعية ) اهتماما كبيراً للمرأة، وظهرت صحف متخصصة لقضايا المرأة، تحمل ذلك الفكر الذى يعتمد على مفاهيم مضللة عن حرية المرأة، وعمل المرأة من خلال مفهوم يقوم على الهجوم الدائم والمتصل على كل الدعوات التى تحمل لواء مسئولية المرأة فى المنزل، ورسالتها الحقيقية فى الأسرة والزواج وتربية الأبناء، وتركز على مجموعة من المفاهيم الخاطئة كالقول بأن عمل المرأة من شأنه أن يزيد دخل الأسرة مادياً، وأن المرأة تعاون الزوج فى نفقات البيت، ثم تركز على مسائل الأزياء الجديدة، وكل ما يتصل بالزينة والملابس والإغواء، وهى تتمثل بأن هناك عداءً للمرأة يحمل لواءه الرجل، وأن نظم الزواج و الطلاق لا تحقق للمرأة رغبتها فى التحرر وامتلاك الإرادة، والقضاء على ما يسمى بالقوامة، وتستمد هذه الكتابات مفاهيمها من دعوة منحرفة تقودها منظمات عالمية هي فى الأغلب على صلة بالصهيونية العالمية، وتعتمد على عبارات مسمومة مما يتردد فى كتابات بعض دعاة الهدم أمثال( سيمون دى بوفوار) و (فرانسوا ساجان) وكثيرات ممن يجرين في نفس الفلك.

(*) مختصر – بتصرف – من : " الصحافة والأقلام المسمومة " للأستاذ أنور الجندي . ولعل مجلتي ( حواء ) و ( الشرقية ) كانتا أشد المجلات عنفاً وجرأة فى هذا المجال، حيث تشن حملات مستمرة شديدة متصلة على كل قيم الإسلام، وقد حملتا حملات واسعة على حركة الدعوة إلى الله التى ظهرت فى مجال الطالبات الجامعيات والدعوة إلى الحجاب الإسلامي، ووصفتا هذه الحركة بكل تحقير، كما أعلنتا خصومتها لكل دعوة إلى الملابس المحتشمة أو أخلاقيات الملابس، وسخرتا من القائمين بها، كما حملتا على القائمين على حدود الله فى أمور الطلاق وتعدد الزوجات. وما تزال المجلات النسائية فى مصر والبلاد العربية تحتضن فى أعماقها خلفية من الكراهية للمفهوم الإسلامي، وتعليماً واضحاً لبث هذه السموم يوماً بعد يوم. لقد حرصت الصحافة العربية على أن تغير العرف الإسلامي العام فى مجال الاجتماع و المرأة و الأسرة و العلاقة بين الرجل والمرأة، مستهدفة تحطيم ذلك الحاجز القوى الذى أقامه الإسلام على أساس المحافظة على العرض والشرف والخلق، وتنطلق النظرة الغربية الوافدة التى تحمل لواءها الصحافة العربية من خلفية آثمة تستهدف إخراج المرأة من دائرة حياتها الحقة، من موقعها الأصيل، لتكون أداة تسلية ولهو وإفساد كما تصور ذلك ( بروتوكولات صهيون تحت اسم تحرير المرأة، وحقوق المرأة، وقد أكد كثير من الباحثين أن المرأة ما تزال سلعة يتلاعب بها يهود العالم، وأن الصحافة هي وسيلتهم الكبرى فى ترويج هذه السلعة.

إن من أشد مقاتل الصحافة و مصادر اتهامها أنها لا تقدم الحقيقة للمرأة، وإنما تفضل أن تقدم لها الرأي المضل الخادع الغاش، أنها تخفى الحقائق الأصلية، وتحجبها لأنها تتعارض مع هدفها الأساسي من التدمير . مثال ذلك أنها تكثر من تقديم كتابات الغرب الداعية إلى الفساد، وتتجاهل عمدا عشرات الأبحاث الجادة التى تكشف الحقيقة، والتي كتبها غربيون منصفون، يحذرون من مخاطر المنزلق الذى هوت إليه المرأة .

  1. ففي قضية ( عمل المرأة وحريتها ) حذر الكثيرون من أمثال ( ألكس كاريل ) والكثيرات ومنهن ( مارتن باولى ) من أخطار انهيار الأسرة بسبب تمرد المرأة على التزاماتها التى توثـقها بالأسرة، وبسبب اندراج عدد كبير من الزوجات في العمل خارج المنزل، مما يخضعن لسلطة أخرى هي سلطة المؤسسات وقوانينها، مما أدى إلى ارتفاع معدل الطلاق إلى ما يقارب الخمسين بالمائة من عدد الزيجات، وتغيرت صورة المنزل التقليدية وأصبحت مجرد خيال ... حتى العلاقة بين الآباء والأبناء، أصبحت تعصف بها الشكوك ... الخ .
  2. وفى مسألة " تحديد النسل " : كشفت دراسات غربية كثيرة عن فساد الدعوة إلى تحديد النسل، وكيف أن الغرب يدعو إلى ما يضادها من تشجيع النسل، وكيف أن قادة الدين النصراني رفضوا الموافقة على تحديد النسل .

وكشفت الأبحاث عن أخطار طبية واجتماعية نتيجة حبوب منع الحمل، ولكن صحافتنا تحجب هذه الجوانب.

  1. وفى مجال قضايا الأسرة والشباب كشفت دراسات كثيرة فى مقدمتها كتابات

( برتراند راسل ) عن فساد الأسرة فى المجتمع الغربي الذى تصوره لنا الصحافة العربية على أنه المثل الأعلى. إن الصحافة العربية متهمة بأنها تخفى عن قومنا أن المرأة فى الغرب تجأر الآن بالشكوى، وتطلب العودة إلى البيت.

ويمكن تلخيص عمل الصحافة فى سبيل إفساد المرأة المسلمة فى ميادين مختلفة :

أولاً : فى مجال الدعوة إلى حريتها الزائفة ، وغرس الشعور " بالقومية النسائية " عن طريق التهليل والتصفيق لكل امرأة وليت عملا من الأعمال : منادية فى البورصة، سائقة تاكسي ، كناسة فى شوارع روسيا .. الخ .

ثانياً : إشاعة جو من التبرج الصارخ، والتمرد على الفطرة من خلال قنوات الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية والسينما والمسرح والقصة، وغيرها، والإفاضة فى شأن الموديلات والسهرات ومسابقة الجمال وأخبار الفاسقات من الممثلات والراقصات، والإلحاح فى ذلك حتى يوجدوا لدى الجميع انطباعاً بأن هذه هي صورة المجتمع الطبيعية التى لا مناص من الإقرار بها ثم الاندماج فيها . وبينما يدعو الإسلام المرأة إلى إغماد سلاح الفتنة أمام الرجل، وتجنب مخالطتهم والاحتجاب عنهم ، تدعو الصحافة إلى الملابس الضيقة والعرى وإيقاد الشهوات .

ثالثاً : تعمل الصحافة جاهدة لتحقيق هدف خطير ألا وهو : دمج الرجولة فى الأنوثة، وتحويل الأنوثة إلى رجولة والعكس، وإلباس الرجل ثياب المرأة، والمرأة ثياب الرجل، وذلك معارضة لحكمة الإسلام فى حتمية الفصل الدقيق والعميق بين الرجل والمرأة .

رابعاً : دعوة الصحافة إلى إغراء المرأة باتخاذ حبوب منع الحمل : تحمل فى طياتها خطراً شديداًً ، فإن انتشار هذه الحبوب بلا رقابة من شأنه إشاعة الفاحشة، والترويج للحرام، وهدم الأسر .

خامساً : تستهدف الصحافة من وراء نشر عشرات الحوادث المخلة والإغراء بها ، وكذا ما تنقله عن المجتمعات الغربية تستهدف بذلك أن تبدو العلاقة المحرمة فى نظر الناس سهلة يسيرة بل ومقبولة، ويحاول بعض الصحافيين الإيحاء بين الناس أن الشرف والفضيلة والعرض كلها مسائل تافهة لا يتمسك بها إلا السذج والبسطاء و الرجعيون ؛ تقول ( أمينة السعيد ) : ( الحرية الجنسية فى البلاد الأخرى طاغية فى خطابات القراء عندهم، فإذا وجدوا بنتاً معقدة شجعوها أن تنطلق جنسياً، وتمارس حياتها بلا حدود ، عندنا البنت عندما تخطيء تكاد تقتل نفسها ، هناك يقولون : " إنها إحدى تجارب الحياة ، ستتعلمين منها، واحترسي فى المرة القادمة " ، إذا كانت حاملاً دون زواج ، يقولون  : " وماله ؟! أعط الطفل أمومتك، وواجهي به المجتمع " يعنى شيء مختلف لا يمكن أن يسرى عندنا .. ) (254) . وجاء فى مجلة " صباح الخير "  : ( إن نظام الزواج فى وطننا العربي هو نظام مضحك يدعو إلى السخرية : مهر، وعقد .. مظاهر جوفاء تقتل فيها الإرادة ، وتقتل المشاعر الإنسانية ) (255) اهـ .

وتقول ( عايدة ثابت ) في ( أخبار اليوم ) تاريخ ( 17 سبتمبر 1970 ) وهى تتحدث عن المجتمع الأوربي تحت عنوان  : " حرية الفتاه بلا حدود " : ( إن ما نسميه نحن انحلالاً يفعلونه كأي ظاهرة طبيعية أخرى، فلم يعد فى هذا المجتمع شيء غير مباح وغير مقبول، ولم يعد الشباب يواجه فى سلوكه وعلاقاته كلمة "ممنوع " ) اهـ . ولقد عمدت الصحافة إلى الغش والتمويه وذلك فى طرق عرض الجرائم الخلقية، وهى تعرف أن أخبار الجرائم الأخلاقية تثير النفوس، فتعرضها على نحو تهون فيه من شأنها، وتوحي من وراء التعدد والموالاة والتكرار أن الظاهرة عامة، وأنها طبيعية، وأنها لا تؤثر على المجتمع .


(254) ( المصور ) العدد ( 3139 ) تاريخ 7 ديسمبر 1984 م – ص ( 74 ) . (255) نقلاً من : ( مجلة الجامعة الإسلامية ) ( 1395 – 1396 هـ ) ص ( 128 ) . وهى لا تحاول مطلقاً أن تقدم مع الحدث الوجهة الصحيحة أو الدرس المستفاد، أو الدعوة إلى الإصلاح، فذلك أمر تتجاهله تماماً، ولا ريب أن موالاة عرض الجرائم والأحداث أسبوعاً بعد أسبوع، ويوماً بعد يوم، وإعداد صفحات دائمة، وأبواب ثابتة لها هو من أخطر ما تقوم به الصحافة فى سبيل توهين روابط المجتمع، وليس عملها فى هذا المجال أقل من اهتمامها بنشر التفصيلات الوافية عن أفلام الجريمة والفحش . وهناك فى الصحافة النسوية اهتمام بالغ بالموضة ( أي بالأساليب المتجددة للزى ) وهناك إصرار بالغ واهتمام كبير بهذه التغييرات، وبالرغم من الأخطار التى يتحدث الباحثون عن آثارها فى المرأة فان موجة الاندفاع لا تتوقف، يقول واحد من هذه الأبحاث :

إن المجتمع يدفع المرأة إلى الجنون، ففي كل دقيقة تظهر موضة جديدة، وفى كل لحظة هناك منتجات ظهرت خصيصاً للمرأة، وتجد المرأة نفسها منجذبة نحو هذا التيار الجارف من المعروضات لدرجة تكاد تدفعها إلى الجنون، إنها تريد أن تجرب كل شيء ، وتشترى كل شيء ، وعندما لا تستطيع تصاب بعقدة. ويقول علماء النفس : " إن المرأة التى ليس لها رصيد من القناعة، يصبح لها رصيد من العقد، فهناك آلاف من الأشياء التى تجذب المرأة إليها، والتي تجعلها تفقد الاهتمام بزوجها، والحل هو أن المرأة عليها أن تلزم التوازن، وأن تحدد باقتناع ما تريد، وتزن الأمور حتى لا تصبح فى النهاية فريسة للضياع فى بحر من العقد " . هذا ما قاله علماء النفس ، لكن الصحافة العربية تقول غير هذا، تقول على لسان " أنيس منصور " (256) . ( سوف تكون خيوط الموضة هذا الشتاء حشمة جداً ، و سخيفة جداً لأن الفساتين سوف تكون طويلة وواسعة ، وسوف تبدو المرأة وكأنها شماعة تحمل هذه الفساتين، وأن ما بينها وبين هذه الفساتين خصام ) ،

ثم يصف فى عبارة بذيئة هذه الثياب إلى أن يقول : 

( ثم إن الفساتين تبدو وكأنها إهانة للمرأة ، فلا الساقان ظاهرتان، ولا... ولا... ولا الذراعان، ولا العنق، كأنها أنواع مختلفة من الخيام، وإن المرأة قد ضربت حولها وأمامها ووراءها الخيام فلا يراها أحد )

(256) ( محمد أنيس منصور ) من أعداء المرأة المسلمة الكارهين لما أنزل الله الذين لم يدخروا وسعاً في بلبلة الأفكار وتشويه العقائد و صرف الشباب عن مفهوم الدين الحق و قد قام بدور ضالع في إحياء الأساطير الفرعونية و الفكر الفلسفي عند الفراعنة وسوّد الصفحات بأفكار مسمومة عن سارتر و الوجودية و فرنسوا ساجان الكاتبة الفرنسية الإباحية وهو لا يألو جهداً في الترويج للراقصات و الفاجرات بطرق شتى تهدف في جملتها إلى إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا فراجع " الصحافة والأقلام المسمومة " للأستاذ أنور الجندي ص ( 107 – 111 ) ، ( 184 ) لتطالع دوره في الصد عن سبيل الله وتحطيم الشباب المسلم . ثم يقول :

( إن ملوك الأناقة عوضوا المرأة عن هذه الخيمة بأشكال جميلة من قمصان النوم، ومعنى ذلك أن الموضة ستعجل المرأة جميلة فى البيت، وغير ذلك فى الشارع ، على الرغم من أن المرأة حريصة على أن تبدو جميلة لكل الناس، فإنها تفضل أن تكون جميلة لشخص واحد، والمرأة التى لا تسعد برجل واحد، فإنها تحاول أن تلفت عيون الآخرين، ولذلك فإن المرأة تسارع إلى الشارع، وتتمتع بنظرات الناس إليها، لأنها لا تجد هذه المتعة فى البيت ) (257) .

سادساً : ومن أخطر محاولات الصحافة بالنسبة لتغيير العرف الإسلامي للمرأة هي رفع قدر الممثلات والراقصات والمغنيات، وجعلهن مثلاً أعلى للفتاة فى أمور الملبس والمأكل والعادات والتقاليد.

سابعاً : ومن ذلك الدعوة إلى إلغاء قوامة الزوج على زوجته تقول ( أمينة السعيد ) : ( القوامة اليوم لا مبرر لها لأن هذه القوامة مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي في مجال الثقافة و المال وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات فلا مبرر للقوامة ) (258) اهـ . ولا ريب أن هذه الآراء المسمومة التي ترددها ( أمينة السعيد) هي نفسها التي طرحتها ( سيمون دي بوفوار ) ، ومجمع المؤامرات المنعقد ضد المرأة المسلمة .

ثامناً : فساد توجيه الصحافة لطالبات الإجابة عن المشاكل و القضايا وما يتخلل الردود من سخرية واضحة بالدين واستهانة بالخلق ودعوة إلى التخفف من العقوبات الشرعية و اللامبالاة الاجتماعية بالآثام و الميل إلى اعتبار الآثام الخلقية داخلة في إطار الحرية الشخصية .

تاسعاً : حملت الصحافة حملات شعواء على العلماء على العلماء الذين قدموا حكم الإسلام في المرأة في مواجهة سمومهم و ضلالاتهم و ذلك كما فعل

            " أحمد بهاء الدين " و " موسى صبري " و غيرهما .


(257) انظر ( الصحافة و الأقلام المسمومة ) ص ( 42 – 43 ) ، ( 56 ) . (258) السابق ص ( 48 ) – و انظر القسم الثاني من هذا الكتاب ص ( 93 – 99 ) . عاشراً : حاولت الصحافة تصوير الدعاة إلى تحرير المرأة بأنهم أنصارها الذين يدفعونها إلى الحرية والعمل و الواقع غير ذلك فإن هؤلاء هم أعداؤها الحقيقيون الذين يدعونها إلى النار ويقودونها إلى الهاوية و صدق الله العظيم : ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً ) النساء ( 27 – 28 ) .

وقفة مع بعض دعاة " تحرير المرأة "

 إحسان عبد القدوس :

( وهو أحد المسئولين عن إفساد هذا الجيل بما كتبه من روايات تجر الشباب جراً إلى القاع و تقتل فيهم نوازع السمو و السعي نحو مستوى خلقي أفضل إنه يرضي مظاهر و اتجاهات الانحراف فيشجعها و يمجدها و يفلسفها و يرصد اتجاهات الاستقامة والفضيلة فيخذلها و يصدر عنها و يحاربها ) (259) . يقول " إحسان " : ( إن إيماني بحرية المرأة ليس له حدود ) . { و قد كتب في إحدى توجيهاته التي كان يبثها في المجلة التي تحمل اسم والدته اليهودية ( روز اليوسف ) : ( إنني أطالب كل فتاة أن تأخذ صديقها في يدها و تذهب إلى أبيها و تقول له : " هذا صديقي " ! ) ، و قال في " أخبار اليوم "  : إنه زار إحدى الجامعات الألمانية ورأى هناك من أوضاع الطلاب و الطالبات كذا و كذا – مما يرفض جبين القلم من الخجالة بتسطيره – ثم قال : ( فقلت في نفسي : متى أرى ذلك المنظر في جامعة أسيوط ! لكي تراه عيون أهل الصعيد و تتعود عليه ! ) اهـ (*) . ( وما زال " إحسان " يقف مع كوكبة من أمثال " لويس عوض " و " نجيب محفوظ " و " مصطفى أمين " و " يوسف إدريس " في إصرار عجيب على الترويج للفحشاء وتبريرها في نفس الوقت الذي أخذت فيه ظاهرة المرأة المسلمة المحتشمة تبدو واضحة في كل مكان على أنها واقع أصيل يصفع الداعين إلى الشهوات و الآثام ) (260) .


(259) مجلة ( المجتمع ) الكويتية العدد ( 18 / 1 / 1977 م ) . (*) انظر : " واقعنا المعاصر " ص ( 294 – 295 ) . (260) انظر : " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 205 ) .  نجيب محفوظ :

{ الشاك في كل قيمة المتذبذب في كل فكره الضائع في كل واد المتحدي لعقيدة الأمة و المتجه ناحية المشارب الأخرى يعب منها حتى يطفح فيفيض ما عليه على غيره و ينتكس بعد ذلك إلى غيره } (261) . { و قد اتضح في آثاره ظاهرتان خطيرتان أولاهما : إشاعة الفاحشة و تبريرها و ثانيتهما : الإلحاد ولهذا يوليه الماركسيون اهتماماً خاصاً وقد استخدموه في دعوتهم إلى الإباحية و إلى المفاهيم الهدامة للأسرة و الفتاة وعمل المرأة وعلاقتها بالرجل } (262) .

 مصطفى أمين :

خريج مدرسة " التابعي " و الصحافي البارع في وضع السموم في علب ملونة حلوة المظهر تخدع القراء قال الأستاذ " أنور الجندي " : ( كان " مصطفى أمين " يصنع الأصنام و يعبدها و يحاول أن يجر الشعب معه ليسجد لتلك الأصنام ) ، ومن مواقفه إزاء حركة الإصلاح الإسلامي قوله : ( حارب الأحرار في هذه البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها و يظهر أن بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء وقد يحدث هذا في أي مكان و لكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم و الفكر الحر ) (263) .

(261) انظر : " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 189 – 196 ) .

         و إذا عرفنا أنه صنيعة ( طه حسين ) و ( سلامة موسى ) لم نستغرب اجتهاده في تحطيم الشباب فإن 
         أستاذيه كانا يعرفان أنهما يقدمان سماً من نوع خطير إلى الأجيال الجديدة فيخدمان به دعوتهما و 
         يكونان جيلاً يحمل أفكارها انظر المرجع السابق ص ( 186 ) ، ( 189 ) .

(262) السابق ، هذا وقد كافأته الأيدي الملحدة القذرة بمنحه جائزة نوبل للآداب لعام 1988 لتأليفه رواية

         " أولاد حارتـنا " وجاء في حيثيات الترشيح الرسمية أن الرواية تعني بالبحث الأزلي للإنسان عن 
        القيم الروحية فآدم وحواء وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء و الرسل يظهرون في تخف 
        طفيف ) اهـ و قد نشر ملخص هذه الرواية بجريدة النور عدد ( 22 ربيع الأول 1409 هـ ) فإذا بها 
        تتضمن الإلحاد في ذات الله و التفريط في جنب الله و الاستهزاء بكعبة الله و التطاول على مقامات 
        أنبياء الله و تجريح رسل الله بما فيهم موسى وعيسى ومحمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين و 
        الاستخفاف بملائكة الله بحيث يتحقق في صاحب هذه الرواية قول القائل :
               وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى      بي الحال حتى صار إبليس من جندي
        ولا نبالغ إذا قلنا في ضوء هذه الرواية التي رقعت بوثنيات اليونان و إباحيات الرومان و خبث 
        الماسون و إلحاد الماركسيين لا نبالغ إذا قلنا عن انتساب " نجيب محفوظ " إلى البشرية عار على 
        الجنس البشري و أولى به أن يرجم كرجم العرب قبر أبي رغال و إن الكفر البواح و الشرك الأكبر 
        الذين تلبس بهما ليجعلانه عدواً لدوداً لكل ذي دين ولو كان يهودياً أو نصرانياً بله المسلم الموحد . 

(263) ( أخبار اليوم ) ( 5 نوفمبر 1977 م ( . ومع أنه قلما يفصح عن أهدافه إلا أنه كتب يوماً تحت عنوان : " الأهداف التي ستعمل لها مصر بعد الاستقلال " (264) وجعل من أهدافه التي سيعني بها و يقود لها الرأي العام : ( أن يحارب التعصب الديني و أن يجدد الأزهر و أن ينادى بتحرير المرأة قلبياً لأن الحب الطاهر لا يزال جريمة يعاقب عليها المجتمع و المجتمع المصري إلى اليوم مجتمع لا روح فيه لأنه خال من المرأة و الشباب المصري لا شخصية له لأنه ليس في حياته امرأة ... ومن أهدافه أن يشجع المرأة على المطالبة بحقوقها السياسية و تولي الوظائف و أن ترث كما يرث الرجل تماماً و أن يدعو إلى اتحاد شرقي لا اتحاد إسلامي (265) على نظام الولايات المتحدة الأمريكية ) (266) ومع أن أسمى ما تطمح إليه الأمة في هذا العصر هو تطبيق الشريعة الإسلامية نجد " مصطفى أمين " يسفه هذا المطلب و يقول : ( إن حضارة مصر عمرها سبعة آلاف سنة ولا يمكن أن تعود القهقري إلى الخلف ) (267) .  نزار قباني (268) :

وهو من عصابة المجان الكارهين لما أنزل الله المحرضين على الفساد والفاحشة يقول في بعض أحاديثه : ( لو كنت حاكماً لألغيت مؤسسة الزواج و ختمت أبوابها بالشمع الأحمر ) ، ويقول مستهزئاً : ( العري أكثر حشمة من التستر ) ، وقد حمل لواء الرفض لكل ما يمت إلى الإسلام و العروبة بصلة و يعده المتحررون من أعمدة الدعوة إلى تحرير المرأة ، قال الأستاذ " أنور الجندي " :

أما شعر " نزار قباني " الذي أوسعت له الصحافة العربية الصفحات فيكفيني في التعريف به ما كتبه " محمد سالم غيث " في كتاب له حول شعر " نزار " يقول : لقد خلع " نزار " ثياب الرجل كثيراً و لبس ثياب المرأة و تقمص شخصيتها و تحدث بلسانها و قال : إنه يفعل ذلك " دفاعاً عن المرأة التي حكم عليها هذا الشرق الغبي بالإعدام "


(264) و تاريخ المقال ( 15 مارس 1943 م ) بمجلة الاثنين . (265) بهذا النص ! (266) انظر " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 99 – 106 ) . (267) انظر " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 99 – 106 ) . (268) " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 167 – 168 ) بتصرف . حتى إنه ليقدم أحد كتبه الفاجرة إلى طالبات الجامعة الأمريكية و يقول :

" إنه كتابكن كتاب كل امرأة حكم عليها هذا الشرق الغبي بالإعدام و نفذ حكمه فيها قبل أن تفتح فمها و لأن هذا الشرق غبي وجاهل و معقد يضطر رجل مثلي أن يلبس ثياب امرأة و يستعير كحلها و أساورها ليكتب عنها من مفارقات القدر أن أصرخ أنا بلسان النساء ولا تستطيع النساء أن يصرخن بأصواتهن الطبيعية " ؟

و لا نستطيع أن نعلق على هذا إلا بما كتبه " صالح جودت " قائلاً  :

( لا رحم الله نزار : لقد مات كسوري ومات كعربي

و مات كشاعر ومات كإنسان )   (269) اهـ .

شعر :

لا بـوركــت تـلـك الأكــف فــإنـهـا ضـربـت عـلـى الألـبـاب سـداً عـاتـيـاً حجبت صديع(270) الرشد عــنـهــا فارتمت تجتاب ليل الغي أسفع داجياً بـعـثـوا الصـحائف يلتوين كـأنـمـا بـعـثـوا بـهـن عــقـاربـاً و أفــاعــيــا صحف يزل الصدق عن صفحاتها و يـظــل جــد الـقــول عـنــهـا نـابـيـا ليت الزلازل و الصواعق في يدي فــأصــبــهــا لــلــغــافــلــيــن قــوافيا فنـيـت بـراكـين القـريض ولا أرى مــا شــفـنـي مـن جـهـل قـومي فانيا فـلـئـن صـمـتُّ لأصـمـتـن تـجــلـدا ولـئـن نـطـقـت لأنطقن تشاكيا (271)



(269) " الصحافة والأقلام المسمومة " ، ص ( 167 – 168 ) بتصرف . (270) الصديع : الصبح . (271) " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " ، ( 1 / 220 ) .

موقف الإسلام من دعاة تحرير المراة

إذا كان حال هؤلاء الدعاة و الداعيات كما تقدم وولاؤهم لأعداء الإسلام كما وصفنا فهل يحتاج الأمر منا إلى كثير تدبر فيما ينبغي أن يكون عليه موقف كل مسلمة ومسلم من دعوتهم الأثيمة ؟ أليس هؤلاء ممن قال تعالى فيهم : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) النور (19)

  1. وإذا كان القوم أشربت قلوبهم حب الكافرين و أولعوا بما هم عليه من الضلال المبين فأين أنت أيتها المسلمة من قوله تعالى :

( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة و يحذركم الله نفسه ) آل عمران (28)

  1. وقوله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) المجادلة (22)
  1. وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ) آل عمران (149)
  1. وقوله تعالى : ) و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم و إن أطعتموهم إنكم لمشركون ( الأنعام (121)
  1. وقوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( المائدة (51).

قال حذيفة : " ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر لهذه الآية ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) " .

  1. وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) المائدة (54)

قال علي  : " ( أذلة على المؤمنين ) أهل رقة على أهل دينهم ( أعزة على الكافرين ) أهل غلظة على من خالفهم في دينهم "

  1. وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء ) المائدة (57)
  2. وقال تعالى : ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون ) المائدة (80)
  1. وقال تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) هود (113)

قال بن عباس  : " ( ولا تركنوا ) ولا تميلوا " . قال بعض المفسرين في الآية : ( فالنهي متناول للانحطاط في هوتهم و الانقطاع إليهم ومصاحبتهم و مجالستهم وزياراتهم و مداهنتهم و الرضي بأعمالهم والتشبه بهم و التزيي بزيهم و مد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم و الركون هو الميل اليسير) اهـ

  1. وقال تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ( الآية الممتحنة (1)

قال بن عباس  : " من أحب في الله و أبغض في الله و عادى في الله ووالى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك "

  1. وقال تعالى : ( و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير ) الأنفال (73) .

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله " لأبي ذر: يا أبا ذر أي عرى الإيمان أوثق ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : المولاة في الله والحب في الله والبغض في الله (272) وعن أبي أمامة عن النبي " قال : من أحب لله و أغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان (273) وقال "  : المرء مع من أحب (274) وقال "  : ولا يحب رجل قوماً إلا جاء معهم (275)

وإذا كان الله سبحانه و تعالى قد فرض علينا تلاوة سورة الفاتحة في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في كل مرة ندعو الله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ثم يبين سبحانه صفة هذا الصراط بقوله ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود ( ولا الضالين ) وهم النصارى ( الفاتحة 7 ) فما ذاك إلا لأنه لا يمكن للمسلم أن يستقيم إلا إذا خالف أصحاب الجحيم و تميز عن هديهم وطريقهم ( و أن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام (153).

(272) حسن بشواهده أنظر تحقيق ( شرح السنة ) للبغوي ( 13 / 53 – 54 ) . (273) جزء من حديث أخرجه أبو داود و حسنه الأرناؤوط ( شرح السنة 13 / 54 ) . (274) متفق عليه . (275) قطعة من حديث أخرجه البغوي في " شرح السنة " ( 13 / 64 ) . كيف إذاً نصدق هؤلاء الأفاكين وننقاد لأولئك المغررين من أعداء ديننا و أمتنا الذين يخبرنا سبحانه عما في قلوبهم بقوله : ( و لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ( البقرة (120) و قوله : ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ( آل عمران (118) .

فيا أيتها الأخت المسلمة :

إن أيديهم الماكرة الخبيثة الخادعة قد امتدت إليك في هذه الفتنة لتنزلك من علياء كرامتك وتهبط بك من سماء مجدك و تخرجك من دار سعادتك فاقطعيها بسرعة وبقوة فإنها يد مجرمة ظالمة واهتفي بما هتفت به من قبل " عائشة التيمورية " (276) :

بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي وبـفــكــرة وقــادة وقــريــحــة نــقــادة قـــد كــمـلــت آدابــي ما ضرني أدبي وحسن تعلمي إلا بــكــونــي زهــرة الألـبـاب ما عاقني خجلي عن العليا ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي(277)

قولي كما قالت أختك من قبل :

أيها القوم أصلحوا أنفســكم خاب من رام السفور اليوم خابا برقعي وسط محيطي شرفي لـم أحـد عـنـه ولـو ذقـت العذابا

واحذري من الذين :

قالوا ارفعي عنك الحجابا أو مـا كـفـاك بـه احـتـجابا واســتـقـبـلي عهد السفور الـيـوم واطـرحــي النــقـابا عـهـد الحـجـاب لقـد تباعد يـــومــه عـــنـــا وغـــابـــا

(276) هي الأديبة الألمعية شقيقة أحمد تيمور باشا ( ت 1902 ) . (277) ( الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ) لزينب يوسف فواز العاملي ص (309 ) . (278) ( فقه النظر في الإسلام ) لمحمد أديب كلكل ص ( 188 ) .

السفور مَطِيَّة الفجور

عن النواس بن سمعان عن رسول الله " أنه قال : " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا و داع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه فالصراط الإسلام و السوران حدود الله و الأبواب المفتحة محارم الله و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله و الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " (281) . وعن حذيفة أنه قيل له : ( في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم ؟ ) قال : ( لا ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه و إذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه ) (282) . و معلوم أن المعاصي تزرع أمثالها و يولد بعضها بعضاً حتى يعز على العبد مفارقتها و الخروج منها فكلما فرط من العبد معصية قالت أخرى إلى جانبها : ( اعملني أيضاً ) فإذا عملها قالت الثالثة كذلك و هلم جرا حتى تصير المعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة بحيث لو عطل المسيء سيئاته لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت و أحس من نفسه أنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه و تقر عينه ولا يزال المسكين يألف المعاصي حتى ينسلخ من قلبه استقباحها فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له بل يحبها حتى يرسل الله عليه الشياطين تؤزه إليها أزاً فيكونون أعواناً عليه . وقال شيخ من أهل الشام : ) من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولاً لم ينج آخراً و إن كان جاهداً ) (283) وفي بعض الآثار : ( إذا استشرفت للفتن استشرفت لك ) ومن هنا قال أبو السعود في " مراقي السعود " : سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم إن الذي يسمح لقدمه أن تنزلق خطوة واحدة في أول الطريق لا يدري إلى أين تسوقه قدماه و إلى أين ينتهي به المسير لذا كان علينا أن نضع للأشياء حدوداً لا نسمح لأنفسنا بتخطيها .

(281) رواه الإمام أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان و أخرجه الترمذي والنسائي و الحاكم وقال : صحيح على

         شرط مسلم ووافقه الذهبي ، قال الألباني " وهو كما قالا " ( صحيح الجامع رقم 3782 ) .

(282) رواه عن حذيفة أبو نعيم في الحلية . (283) ( ذم الهوى ) لابن الجوزي .

سنة إبليسية : ( لقد نهج دعاة التحرير نفس منهج إمامهم الأول إبليس لعنه الله إذا ما كان من إبليس إلا أن زيف للأبوين الحقيقة و ألبس الحق لباس الباطل و الباطل لباس الحق لم يأت الشيطان ليقول للإنسان : كل من الشجرة المحرمة كي يغضب الله عليك و يطردك من جنته وينزلك إلى دار الشقاء بل قال له : إن في الأكل من الشجرة سعادتك وهناءك وخيرك وقال له : إن أنت أكلت من الشجرة حصلت على الملك العظيم والحياة الخالدة و تحولت إلى ملك غير قابل للفناء . وزيادة في الإضلال و إمعاناً في التغرير بآدم أقسم له ولزوجه أنه صادق فيما يقول و أنه ناصح لهما يقدم لهما الخير ويدلهما على الطريق الحق ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) طه (120) ، ( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) وما النتيجة ؟ ( فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) الأعراف (20 : 22 ) . ( قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) (284) . وهكذا تذرع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى يستنزل بها المرأة المسلمة من عليائها وعفتها وما كان للمسلمة أن تطيعه أبداً إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب و التعفف إلى ما نراه الآن مثلاً على شواطئ البحار وفي دور الخيالة لكن الخبيث تدرج معها ابتداءً بأن السفور ( كشف الوجه ) جائز شرعاً و انتهاءً بأن خير الهدي هدي أوربا و أمريكا . قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في معرض كلامه عن أثر كشف المرأة وجهها في وقوع الافتتان بها : ( .. ولهذا أمر النساء بستر وجوههن عن الرجال فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال المحاسن فيقع الافتتان ) (285) اهـ . جاء في ترجمة عبيد بن عمير المكي من " ثقات العجلي " قال : ( كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها : أترى أحداً يرى هذا الوجه ولا يفتن به ؟ قال : نعم فقالت : من ؟ قال : عبيد بن عمير قالت : فأذن لي فلأفتننه ! قال : قد أذنت لك فأتته فاستفتته فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قالت : فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها :" يا أمة الله اتقي الله " ) (286) . ومن قبل قال (بعض) أهل الأهواء في تصوير فتنة السفور أو الحجاب " النصفي " :

      قل للميلحة في الخمار المذهـب     أذهبت دين أخي التقى المتعبد
      نور الخمار ونور وجهك ساطع     عـجـبـاً لوجهك كيف لم يتوقد

(284) ( المرأة بين دعاة الإسلام و أدعياء التقدم ) للدكتور عمر سليمان الأشقر ص ( 17 – 18 ) بتصرف . (285) ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين ) ص (67) . (286) ( حجاب المرأة المسلمة ) للألباني هامش ص (53) . تمسك المصريين بالحجاب : لقد بلغ تمسك المسلمين في مصر بالحجاب مبلغاً عظيماً إلى حد دفع الشاعر ( حافظ إبراهيم ) يعبر عن عجز المتفرنجين عن إزاحة النقاب عن وجه المرأة المسلمة ويأسه هو نفسه من استجابة الشعب لتلك النعرة بقوله ( وبئس ما قال ) : فلو خطرت في مصر حواء أمناً يـلـوح مـحـيـاهـا لـنـا ونـراقـبــــه وفي يدها العذراء يسفر وجهها تـصـافـح مـنـا مـن ترى وتخاطبه وخلفها موسى وعيسى و أحمد و جيش من الأملاك ماجت مواكبه وقـالـوا لـنا : رفع النقاب محلل لقلنا لهم : حق ولكن نجانبه (287) مع أن ( حافظاً ) هو نفسه القائل : الأم مــدرســــة إذا أعــددتــهـــا أعـددت شـعـبـاً طـيـب الأعراق أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً بين الرجال يجلن فـي الأسواق يدرجن حـيث أردن لا مـن وازع يحـذرن رقـبته و لا مـن واقــي يـفـعـلـن أفـعـال الـرجـال لـواهياً عـن واجـبـات نـواعس الأحداق فـي دورهـــن شــؤونهن كـثـيرة كشئون رب السيف و المرزاق (288)

سياسة " تكسير الموجة " ولما كان تمسك المسلمين بالحجاب أصلاً من أصول نظامهم الاجتماعي نهج أعداء المرأة المسلمة سياسة تكسير الموجة شيئاً فشيئاً وهي سياسة استعمارية معروفة (289) فكانت الخطوة الأولى إبراز فكرة جديدة كنقطة انطلاق يتبعها ما وراءها وتضفي عليها الصبغة الدينية الشرعية حتى لا تصدم شعور العامة ويكون التذرع بالدين و فتح باب الاجتهاد سبيلاً إلى قبولها ولابد في ذلك من استدراج بعض الشيوخ والعلماء لكي يدلوا بدلوهم في القضية باعتبار أنها خلاف فقهي فيه راجح و مرجوح ومن هنا تبدأ القابلية للتردد وزلزلة الأفكار ، أجل ! لابد أن يبدأ الزحف بصحبة الشيوخ الذين تقدسهم العامة و الذين يستغلون في البداية كأسلحة مؤقتة ولا بأس أيضاً بالتنقيب في الأسفار و البحث هنا وهناك عن عبارات وفتاوى مبتورة تبرر الانحراف عن الشريعة ثم بعد ذلك وبعد تمكن الفكرة الجديدة من القلوب وشن الحملات على ما يخالفها من الأوضاع الاجتماعية السائدة يبدأ الانخلاع من الدين شيئاً فشيئاً لتختفي النبرة الإسلامية حيناً ثم تأتي مرحلة الهدم والضرب العشوائي الذي يحطم كل شيء .

(287) جريدة الأهرام ( 5 / 9 / 1982 م ) . (288) المزراق : الرمح . (289) انظر : ( الاتجاهات الوطنية ) ( 2 / 245 – 246 ) ، و ( من أصداء الدين في الشعر المصري الحديث )

          للدكتور سعد الدين محمد الجيزاوي ( 1 / 322 ) .

لقد بدأت حركة (تحرير المرأة) على أيدي المتفرنجين فقلدهم بعض الخطباء الجهلة والكتاب الفسقة ونشبت المعركة أول ما نشبت حول ( كشف وجه المرأة ) أي السفور و أقام العلماء الناصحون الدنيا و أقعدوها ليحبطوا تلك الدعوة إلى السفور لا لأنه الحكم الراجح في المسألة فحسب ولكن لأنهم فطنوا لحقيقة الخطة المدمرة التي تستهدف القضاء على المرأة المسلمة وتحطيم كيانها لقد نادوا بتخليص المرأة من الحجاب و لزوم البيت والخضوع للآباء و الخنوع للأزواج والبعد عن الحياة الاجتماعية والسياسية وواتت هذه الحركة فرصة وجود الأمة المسلمة مستعبدة للأجنبي الكافر مستعمرة له ترزح تحت نيرانه و تأن تحت كلكله تتوجب لما يصب عليها من جم غضبه وما يسومها من سوء عذابه فنسبوا – مكراً و خديعة – كل ما حل بالأمة المسلمة من تأخر و ضعف وهون ودون إلى حجاب المرأة وعفتها و حيائها وبعدها عن التعليم العقيم و السياسة الفاجرة والحياة الاجتماعية الفاسدة . و انخدع كثير من النساء و أوليائهن بتلك الدعاوى المعسولة المسمومة و أخذت الفتاة المسلمة تتمرد على الحجاب وتحاول التخلص منه فبدأت لأول مرة بإلقاء البرقع الذي كان على وجهها ونزع النقاب من الوجه كذلك فظهرت الوجوه ما يحجبها برقع ولا يغطيها نقاب – و إنا لله و إنا إليه راجعون . لقد كانت خطوة جريئة من المرأة يومذاك صفق لها دعاة السفور وعباد الشهوات ورواد الفجور . سنة سيئة : ثم كان أن خطا الناس إلى أبعد مما نادى به " قاسم أمين " فقد زعم أنه إنما يدعو إلى الوقوف بالحجاب عندما أمر الله به و لم يدع قط إلى كشف العورات كالأذرع والسوق وغيرها ولم يدع صراحة إلى الاختلاط بالرجال ومراقصتهم كلا و لا دعا إلى شيء مما نراه الآن من انحطاط وتهتك ولكن قاسم أمين – و إن لم يدعو إلى شيء من ذلك صراحة – هو الذي فتح الباب لهذه الدعوات وهو الذي سن تلك السنة القبيحة سنة السفور لتكون ذريعة إلى ما تلاها من فساد وهو الذي خطا بالمرأة المسلمة في طريق يعلم كل عاقل أن الناس لابد أن يسيروا فيه من بعده خطوات وخطوات .. و يعلم كل مدرك واع أن الخلف بين المسلمين وبين الغربيين في هذه القضية خاصة مما لا يرجى معه اتفاق إلا بفناء أحد المذهبين في الآخر تماماً وبلا قيود وبلا حد وسط .

" ومعظم النار من مستصغر الشرر " :

أخذت الأمور تتطور سريعاً حتى استنفدت " دعوة قاسم أمين " – في وقت وجيز – كل أغراضها وسارت الحال على سنة التدرج المعروفة و اندفع الناس إلى ما وراء السفور في سرعة غير منتظرة فقد بدأت الفتنة العظمى بان خلعت المرأة النقاب وخلعت معه ما هو أغلى منه و أثمن ألا وهو ثوب الحياء الذي طالما صان وجهها أن يكون معروضاً و مبذولاً لكل من شاء أن يراه من أجنبي أو فاسق أو كافر ثم استبدلت المرأة المعطف الأسود بالحبرة (290) وما هي إلا فترة من الزمن حتى امتدت يد التحرر إلى الخمار الذي كان لا يزال يستر شعر الرأس وبدا – لأول مرة – شعر المسلمة مكشوفاً لا شيء عليه يستره عن أعين الناس من أجانب و أقارب و بذلك شل جسم الحياء في المرأة ولم يعد قادراً على منعها من أن تحدث وتجالس أو تصافح وتضاحك من شاءت من الرجال عامة و أصدقاء و أقارب الزوج خاصة و إن بعدوا أو سفلوا . وتأتي بعد ذلك الخطوة الأكثر جرأة إذ تعمد المرأة إلى ملاءتها أو عباءتها أو معطفها فتلفها كالثوب الخرق و ترمي بها بعيداً عن ساحة الحياة وتخرج المرأة المسلمة لأول مرة في تاريخ إسلامها في درع سابغ مزين بالألوان المزخرفة تحته غلالة لطيفة و ما فوقه شيء ... ثم إذا بالمقص يتحيف هذه الثياب في الذيول و الأكمام وفي الجيوب (291) و لم يزل يجور عليها فضيقها على صاحبتها حتى أصبحت كبعض جلدها ثم أنها تجاوزت ذلك كله إلى الظهور على شواطئ البحر في المصايف بما لا يكاد يستر شيئاً و لم تعد عصمة النساء في أيدي أزواجهن ولكنها أصبحت في أيدي صانعي الأزياء في باريس و غيرها من اليهود ومشيعي الفجور . و قطعت المرأة مراحل التعليم المختلفة و اقتحمت الجامعة مخالطة للرجال في الطرقات والمواصلات والمدرجات مزاحمة فيما يلائمها وفيما لا يلائمها من ثقافات و صناعات وشاركت في وظائف الحكومة ثم لم تقف مطالبها عند حد في الجري وراء ما سماه أنصارها " حقوق المرأة " أ و " مساواتها بالرجل " و كأنما كان عبثاً خلق الله سبحانه و تعالى الذكر والأنثى و أقام كل منهما فيما أراد بحكمته جل وعلا ، و امتلأت المصانع و المتاجر بالعاملات والبائعات وحطم النساء الحواجز التي كانت تقوم بينهن وبين الرجال في المسارح وفي الترام وفي كل مكان فاختفت المقاعد التي جرت العادة بتخصيصها للسيدات بعد أن أصبحن لا يستحيين من مشاركة الرجال . تتابعت هذه التطورات في سرعة مذهلة ولم تدع فرصة للمعارضة و أعان على اندفاعها جو الثورة التي تلت الحرب وما كان يوحي به من جرأة ومن تمرد على كل قديم وقد ظهرت طلائع ذلك في مظاهرة النساء المشهورة في مارس سنة 1919 التي طافت بشوراع القاهرة هاتفة بالحرية في طريقها إلى دار المعتمد البريطاني لتقدم إليه احتجاجا مكتوباً على تعسف سلطات الاحتلال وقد كان عدد المتظاهرات يربو على الثلاثمائة

(290) الحبرة : بفتحتين – إزار كانت المرأة تلتحف به إذا برزت للطريق و قد كان يتخذ من قماش أسود و يتكون

         من قطعتين تدور إحداهما حول الخصر و تنسدل إلى أن تغطي الساقين و تنزل الأخرى من فوق الرأس فتغطي 
         الصدر والكتفين  و تنتهي إلى ما دون الخصر  و قد اختفى هذا الزي الآن .

(291) الجيب : فتحة إدخال الرأس . وعلى رأسهن " صفية زغلول " و " هدى شعراوي " ( 292) وهذه المظاهرة هي التي قال فيها " حافظ إبراهيم " يصف تعرض الجيش البريطاني لها متهكماً ( 293 ) : خـــرج الغــوانــي يـحـتـجـجن ورحـت أرقـب جـمـعـهـنه فـــإذا بــهـــن تـــخـــذن مــــن سود الثيـاب شـعـارهـنـه وظــلــلــن مــثـــــل كـــواكـــب يسـطعن في وسط الدجنه و أخـذن يـجــتـــزن الطــريــق ودار ســـعـد قـصــدهـنـه يمـشـيـن في كــنـــف الوقــــار وقـــد أبــن شــعـورهـنـه وإذا بـــجـــيـــــش مــــقـــبـــل والخــيــل مطـلقة الأعنه و إذا الجــنــود ســـــيـوفــهــا قــد صــوبــت لنحورهنه و إذا الـمـدافــــع والبـــنـــادق و الصـوارم والأســــنــه و الخـيــل والفـرســــــان قـــد ضـربـت نـطـاقـاً حولهنه و الـورد والـــريــــحــان فــي ذاك النـهـار ســـلاحـهـنه فـتـطـاحـن الجـيشــان ساعات تـشــــيـب لـهـا الأجــنــه فتضعضع النسوان و النسوان لــيــس لــهــن مـُنَّـــه (*) ثــم أنــهــزمــن مشـــــــتـتـات الشــمل نـحـو قصورهنه فـلـيـهـنـأ الجــيـــش الفــخــور بـنـصــره وبـكـســـرهـنه فــكـــأنـــمـــا الأ لــمــان قــــد لـبـســــوا البـراقع بينهنه و أتــوا ( بـهـنـدنـبرج ) (294) مـخـتـفـياً بمصر يقودهنه فـلـذاك خــافــوا بــأســــــهــن و أشــفـقـوا مـن كـيدهنه و تجرأت المرأة منذ ذلك الوقت على المشاركة في القضايا الوطنية (295) وفي مختلف الميادين الاجتماعية فتألفت لجنة مركزية للسيدات الوفديات شاركت مشاركة فعالة في حركة المقاطعة الاقتصادية سنة(1922) وتزعمت " صفية زغلول " حرم


(292) ومن النساء اللاتي اشتركن في تلك المظاهرة كزعيمات ( حرم حنا مسيحة ، حرم د . نجيب اسكندر ، حرم

        اسكندر مسيحة ، الآنسة جولييت صليب ، رفائيل بغدادي ، حرم ويصا واصف ، الآنسة ماري ميرهم ، حرم 
         صليب منقريوس ، حرم ميخائيل لبيب ) ، و حرم قاسم أمين .

(293) ديوان حافظ إبراهيم ( 2 / 87 ) . ( * ) منة : أي قوة . (294) هو رئيس الجمهورية الألمانية وقائد جيشها ، انظر الموسوعة العربية الميسرة ص ( 1905 ) . (295) من ذلك ما حدث يوم الجمعة 12 ديسمبر من نفس العام حيث ( سبقت حفنة من سيدات مصر جمع الهيئات

        الوطنية إلى الاحتجاج – ضد لجنة ملنر – على شكل مؤتمر وطني في دار الكنيسة المرقسية بالقاهرة ) اهـ 
        عن ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 126 ) .

زعيم الثورة الأول و كريمة مصطفى فهمي باشا هذه الحركة الأولى التي طفرت بالمرأة إلى وضع لم يحلم به " قاسم أمين " أن تبلغه في مثل هذه المدة الوجيزة و بهذه السهولة و غفلت عين المعارضين من المحافظين عن هذه الخطوات الجريئة التي أضفى عليها جو الثورة لون من النبل حفظها من أن تهاجم أو تمس . ثم تنبه المعارضون فإذا المراة ماضية قدماً في استئناف الطريق التي وضعت قدمها على أوله باشتراكها في ثورة (1919) فأخذت تؤسس الجماعات و تقيم الحفلات و تعقد الندوات و المحاضرات وتزعمت هذه الحركة النسوية " هدى شعراوي " و تجرأت هذه المتزعمة على ما لم تتجرأ عليه امرأة مسلمة من قبل فسافرت إلى باريس و إلى أمريكا لدراسة شئون المرأة و أخذت تلقي بالتصريحات والأحاديث لمندوبي الصحف وجزع المحافظون لما صحب هذه الحركة من ميل إلى التبرج و من نزوع إلى التحرر و الانطلاق و أنكروا ما رأوا من تغير حال المراة ومن جرأتها على التقاليد وتمردها على سلطة الأب والزوج و راحوا يتابعون في ذهول تطور الزي و تقلص الثوب فوق جسدها في سرعة تجاوزت كل ما يتخيلون من حدود . يقول عبد المطلب ناعياً على النساء تقصير الثياب و التبرج (296) : مـــا فـــي بـــنــات النيل من أرب لـــذي غـــرض نـــبـــيـــل أصــــبــحن عاباً في الزمان و ســـــــوأة فــي شـــــر جــيـل مــــا هــــذه الحــبــــــــرات تـهـفـو فـي الخــمــائل والحقول نـكـر العـفـــــاف ذيــولــهــا و مــن الخــنـــى قــصر الذيول إن يـنـتـســبـن إلـى الحجاب فــــــإنــه نـســــــــب الدخـــيــل يـخـتــلــن أبـــنـــاء الهــوى بـــالـدل و النــــظـر الخــــتــــول مــن كــل خــائــنــة الحلـيل تــهــيــم فـــي طــلـــب الخــلـيـل مـا لأبـنـة الخـدر المـصـون وربــــــــة المــــجـــد الأثـــيــــل أودى شـــفـيـف نـقـابـــهــا بـــــكــرامــة الأم البــتــول (297) و عـلـى رنــيــن حـجـولـها أســـــــــفـاً عـلى الذيـل الطـويـل فـــإذا مــشـــــت النـــقـــاب مـحـاســــــــن الوجــه الجـمـيـل و لــقــد يــنــم عــبــيــرهـا فــتـحـســــــــه مـن نـحـو مـيـل تـرتـاد خـــائــنـة العــيــون بـــلــــحـــظ فــاتـــنــة قـــتـــول يا هل درى ( ذاك ) الغيور بما جرى !؟ ويح الجهول (298) أهي التي فـرض الحـجـاب لــصـــــونـهـا شـــرع الرسول ؟

(296) { ديوان عبد المطلب ( ص 184 – 188 ) و ليت شعري ماذا كان عساه قائلاً لو رأى أزياء المرأة اليوم فقد

       يبدو أن أشد أنصار الحشمة تطرفاً لا يكاد يطمع في أن يعيد المرأة إلى مثل هذا الزي الذي يشكو منه الشاعر } 
       من تعليق الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله .

(297) الشاعر هنا لا يشكو من نزع النقاب و لكنه يشكو من رقته التي تشف عما تحته ؟! . جــــعـل الحـجـاب مـعـاذها مـــــن ذلــــك الداء الوبـــــيــــل يــا مــنـــزل القــرآن نوراً لــلــبــصــــــائـــر والعــقــول ! عـمـيـت بصائر أهل وادي النـــيــل عـــن وضــح الســبـيـل ذهــلــوا عـن الأعراض لو يـدرون عــاقـــبـــة الذهــــول ! كان تيار السفور والتبرج جارفاً لم تستطع صيحات المحافظين أن تقف في وجهه بل لم تستطع أن تقلل من حدته أو تخفف من سرعته ولكن ذلك لم يكن ليثنيهم عن التنبيه والتحذير على كل حال ...

صيحة نذير :

وهذا هو " شكيب أرسلان " (299) ينشر مقالاً عن ( السفور و الحجاب ) (300) يحاول أن يقدم للناس درساً يستنبط فيه العظة من تطورات السفور في تركيا فيعرض للمراحل التي مر بها ليبين أن الدعوة إلى نزع الحجاب هي مرحلة تهيئ لما يليها من الدعوات التي ترمي إلى هدم أحكام الإسلام فيقول فيما يقول : ( عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 قال " أحمد رضا " بك من زعماء أحرار الترك : " ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر غلطة (301) وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية " فكانت هذه المرحلة الأولى و في هذه الأيام بلغني أن أحد مبعوثي مجلس أنقرة الكاتب "رفقي بك" الذي كان كاتباً عند " جمال باشا " في سورية كتب : " إنه ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت ولو كان من غير المسلمين (302) بل ما دامت لا تعقد مقاولة مع رجل تعيش و إياه كما تريد مسلماً كان أو غير مسلم فإنه لا يعد تركيا قد بلغت رقياً " فهذه هي المرحلة الثانية )

(298) لعله يُعَّرِض بـ " قاسم أمين " . (299) ولولد " شكيب أرسلان " في بلدة الشويفات من مقاطعة " الشوف " التي تبعد من بيروت قرابة عشرة أميال

         و معنى " شكيب " بالفارسية : الصابر و معنى " أرسلان " بالفارسية والتركية : الأسد  ، وهو من طائفة 
        ( الدروز ) اللبنانية و هم ( إسماعيلية فاطمية ) و قد ذكر الشيخ الشرباصي أن الأمير شكيباً كان سنياً و إن 
        انتسب سياسياً أو إدارياً إلى الدروز و أنه كان يتعبد على طريقة السنيين فهو يصلي و يصوم ويحج كما يفعل 
        جمهور المسلمين قال : ( وقد أكدت لي زوجته هذه الحقيقة و قالت أن الدروز يحرمون الزواج من سنية و 
        لكن زوجي تزوجني و أنا سنية مسلمة و قد تسبب هذا الوضع في متاعب لشكيب فمن الدروز من لا يرونه 
        درزياً كاملاً و من السنيين من لا يرونه سنياً كاملاً فضاع جانب من حقه بين هؤلاء وهؤلاء ) اهـ من ( شكيب 
        أرسلان ) للشيخ أحمد الشرباصي ، ص ( 51 – 52 )  و يعكر على هذا ما هو معلوم من زواج ( كمال 
        جنبلاط )  زعيم الدروز من " مي " ابنة شكيب فالله أعلم بحقيقة أمره .

(300) ( المنار ) عدد 29 ذي الحجة 1343 هـ - 21 يولية 1925 م ص ( 206 – 210 ) . (301) كوبري جلتا أو بلتا جسر شهير في مركز مدينة استانبول يربط بين قارتي أسية و أوربة و يصل بين شطري

        المدينة التي تمتد في القارتين .

(302) و بالفعل نص القانون المدني التركي فيما بعد على إباحة زواج النصراني من المسلمة ، انظر مجلة الرسالة

        العدد 80 تاريخ 9 شوال 1353 هـ 14 يناير 1935 م ص ( 45 ) .  

ثم يقول " شكيب أرسلان " : ( فأنت ترى أن المسألة ليست منحصرة في السفور ولا هي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجئ كيفما تشاء بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصل بعضها ببعض لابد من أن ينظر الإنسان إليها كلها من أولها إلى آخرها فإذا كان ممن يرى حرية المرأة المطلقة فعليه أن يقبلها بحذافيرها ... أما أن نجمع بين حرية المراة وعدم حريتها و أن نطلق لها الأمر تذهب حيث أرادت وتحادث من أرادت وتضاحك من أرادت وتغامز من أرادت ثم إذا صبا قلبها إلى رجل من غير جنسنا فذهبت و ساكنته و كان بينها وبينه ما يكون بين الرجل وزوجته أقمن القيامة و دعونا بالمسدس و قلنا : يا للحمية يا للأنفة يا للغيرة على العرض ! فهذا لا يكون ! وليس من العدل ولا من المنطق أن يكون ) .

ثم يقول : ( و النتيجة التي نريدها قد حصلت وهي أن سلوكنا مسلك الأوربيين حذو القذة (303) بالقذة في هذه المسألة هذا له توابع ولوازم لابد أن نقبلها ولا يبقى معها محل لكلمة : " أعوذ بالله " كلا ! لا يوجد هناك " أعوذ بالله " بل تلك مدنية وهذه مدنية تلك نظرية وهذه نظرية و علينا أن نختار إحدى المدنيتين أو إحدى النظريتين مهما استتبعت من الأمور التي كان يقال في مثلها عندنا : أعوذ بالله ) اهـ .

و قد كان الذي قاله " شكيب أرسلان " و توقعه في سنة 1925 صحيحاً تماماً فلم تمض عليه ثلاث عشرة سنة حتى ارتفع صوت يقول تحت عنوان  :

" بعد السفور " (304) :

( إننا لم نخط بعد الخطوة الحاسمة في سبيل تطبيق روح الحضارة العصرية على عاداتنا و أخلاقنا و أساليب حياتنا إن نساءنا العصريات المتعلمات اللواتي يطالعن الصحف ويقرأن القصص ويغشين المسارح ودور السينما ما يزال يحال بينهن و بين الظهور في المجتمعات البيتية أمام رجل غريب فنحن قد سلمنا بمبدأ تعليم نسائنا و لكنا لم نسلم بعد بقدرة هؤلاء النساء على الانتظام في حفل كبير يضم عدداً من أفراد الجنسين ويتألف منه مجتمع مصري مختلط أشبه بالمجتمعات الأوربية التي نشهدها في مصر ونحسد الأجانب عليها ).

(303) القذة : ريش السهم ، و الحذو : القطع والتقدير على مثال أي كما تقدر كل واحدة منها على صاحبتها و تقطع (304) مقال في ( الهلال ) بعدد أول يناير 1938 – 29 شوال 1356 هـ ص ( 268 – 272 ) للصحافي

        الكاثوليكي إبراهيم المصري – انظر جريدة " أخبار اليوم " تاريخ 30 / 10 / 1980 م ص ( 11 ) .


ويزعم الكاتب الكاثوليكي أن ذلك راجع إلى أن ( ثقة الرجل المصري بالرجل المصري لا تزال معدومة )

ثم يقول : ( وقد ترتب على ذلك أنك أصبحت ترى امرأة صديقك السافرة في الشارع و في المحل التجاري وفي دار المسرح أو السينما ثم لا تستطيع أن تراها في بيتها لتتفهم حقيقة شخصيتها وتعرف كيف تعيش ؟ وكيف تشعر ؟ و كيف تفكر ؟ أصبحت تبصرها في الحياة العامة وتعجب بها و لكنك متى أردت تهذيب عواطفك وصقل إحساساتك ومشاعرك بالجلوس إليها و التحدث معها و إشراكها في المسائل التي تشغل عقلك وعقل مواطنيك حيل بينك وبينها واتهمت بفساد النية وسوء القصد ) .

ثم يزعم الكاتب في مقاله أن ( المجتمع المختلط هو الذي يقرر مسافة الخلف بين الجنسين و يقيم علاقات بين الرجل و المرأة على قاعدة التفاهم الفكري العاطفي ) . ثم يدعو الكاتب المصريين لأن يطردوا من عقولهم : ( الاعتقاد الشرقي الشائع بأن الرجل والمرأة متى التقيا فلابد أن ينهض الشيطان بينهما وينفث في نفسيهما سموم الرذيلة والشر (305) هذا هو سر تأخرنا وهو بقايا عصور الجهل و الخوف والظلام ) أهـ كلامه . شعر :

من عذيري من معشر هجروا العقل و حادوا عن طرقه المستقيمة لا يرون الإنسان قد نال حظاً من صلاح حتى يكون بهيمة (306)

و إذا كانت هذه أدنى ثمرات السفور فلننظر إلى أقصى ثمراته المريرة لندرك الهدف الذي يدعو إليه ( المتحررون ) : جاء في مجلة " صباح الخير " ما نصه :

( إن نظام الزواج في وطننا العربي هو نظام مضحك يدعو إلى السخرية : مهر و عقد .. مظاهر جوفاء تقتل فيها الإرادة وتقتل المشاعر الإنسانية ) (307) اهـ

و الآن يا أختي المسلمة :

هل أدركت مدى فطنة فقهائنا لما حرموا السفور سداً للذريعة ؟

(305) هذا من الكاتب النصراني زيادة في الكفر إذ إن الذي يشير إليه ليس اعتقاداً شرقياً و لكنه معنى حديث شريف

         عن سيد ولد آدم   . 

(306) من شعر الإمام ( ابن دقيق العيد ) رحمه الله نقلاً عن " المجددون في الإسلام " ص ( 270 ) . (307) نقلاً من " محاضرات الجامعة الإسلامية " موسم عام ( 1395 – 1396 هـ ) ص ( 128 ) . وهل لك أن تسمعي هذه النصيحة من شيخ ناصح أمين (308) :

( إن بداية السفور والتبرج الجاهلي الذي عليه جل نساء المؤمنين اليوم في ديار المسلمين إنما بدأ من كشف الوجه بإزالة البرقع والنقاب عنه حتى بات و أصبح و أضحى و ظل و أمسى من المعلوم بالضرورة : أن من كشفت من الفتيات عن وجهها اليوم ستكشف غداً حتماً عن رأسها وصدرها و ساقيها وحتى فخذيها ولا يجادل في هذا أو لا يسلمه إلا مغرور مخدوع أو مضلل مغرر مخادع يعمل لحساب الماسونية العالمية التي جعلت من أهدافها القضاء على الإسلام عقيدة وبيتاً ومجتمعاً ودولة .. وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجه فتياتنا اليوم ينبغي الضرب عليها و إن اللسان الذي يدعو فتاتنا إلى نزع الحجاب بإسقاط ملاءتها ينبغي أن يقطع )

ويقول فضيلته محذراً من المغررين (309) :

( إنهم اليوم لا يطلبون منك أكثر من كشف وجهك وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه بين أهل العلم في كونه الزينة التي يجب أن تخفيها المسلمة أو من غير الزينة مما لا يجب عليها إخفاؤها .. غير إنهم يعلمون علم اليقين – بحكم التجارب الطويلة العديدة – أنك يوم تكشفين عن وجهك ويذهب ماؤه و حياؤه ستكشفين لهم عما عدا ذلك ) اهـ .

و صدق الشيخ " سعيد الجابي " رحمه الله إذ قال :

  رفع النقاب وسيلة إن حبذت                ضمت إليها للفجور وسائل

فـالاخـتلاط فـمرقـص فتواعد فالإجتماع فخلوة فتواصل (310)

وصدق الشاعر " أحمد شوقي " حين قال :

صــداح يــا مــلــك الكنار ويـــا أمـــيــــر البــــلـبـــل إن طــرت عــن كــنــفـي وقعت على النسور الجهل حرصي عليك هوى ومن يــحـرز ثـمـيـنـاً يبخل (311)


(308) هو فضيلة الداعية الإسلامي الكبير " أبو بكر جابر الجزائري " حفظه الله في رسالته : ( إلى الفتاة السعودية والمسئولين عنها ) ص (26) . (309) السابق ص ( 17 – 18 ) . (310) ( فقه النظر في الإسلام ) ص ( 74 ) . (311) ( مهلاً يا صاحبة القوارير ) ص ( 29 ) .

وقال آخر :

يــا أخــت ســابــغـة البراقع فـي الأبــاطـــح والوعــور قــري فـــديــتــك حــيــث لا تؤذيك لا فــحة الهـــجـــيــر و دعي الجنوح إلى السفور وخــفــفـي ألـم العــشـــــيـر النمر لو لزم الشــرى (312) من كان يطمع في النمور ؟ و الطــيـــر تــأخـذهـا شباك الصيد في ترك الوكور (313)

عبرة

و الآن فلنتوقف – إلى حين – لنطالع هذه ( العبرة ) كما حكاها الكاتب الأديب

" المنفلوطي " في مقال له في مسألة الحجاب (314)  قال رحمه الله : 

{ ذهب فلان إلى أوربا وما ننكر من أمره شيئاً فلبث فيها بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرف منه شيء : ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها و عاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة و ذهب بقلب نقي طاهر يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر و عاد بقلب ملفف مدخول لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها وعلى السماء و خالقها و ذهب بنفس غضة خاشعة ترى كل نفس فوقها وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئاً فوقها ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها و ذهب بنفس مملوءة حكمة ورأياً وعاد برأس كرأس التمثال المثقب لا يملأه إلا الهواء المتردد وذهب وما على الأرض أحب إليه من دينه ووطنه وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما و كنت أرى أن هذه الصور الغريبة التي يتراءى بها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغاً لا تلبث أن تطلع عليها شمس المشرق حتى تنصل و تتطاير ذراتها في أجواء السماء و أن مكان المدنية من نفوسهم مكان الوجه من المرآة إذا انحرف عنها زال خياله منها فلم أشأ أن أفارق ذلك الصديق فلبسته على علاته وفاء بعهده السابق و رجاء لغده المنتظر متحملاً في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه و فساد تصوراته و غرابة أطواره ما لا طاقة بمثلي باحتمال مثله حتى جاء في ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب فكانت آخر عهدي به دخلت عليه فوجدته واجماً مكتئباً فحييته فأومأ إلي بالتحية إيماء فسألته ما باله ؟

(312) الشرى : كعلي ، الجبل ، و طريق في سلمى كثيرة الأسد ، و جبيل بتهامة كثيرة السباع – انظر " القاموس

        المحيط " ( 4 / 350 ) .

(313) ( فقه النظر في الإسلام ) ص ( 49 ) . (314) ( العبرات ) للمنفلوطي ص ( 49 ) .

فقال : " ما زلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه ولا أدري مصير أمري فيه "     قلت  : " و أي امرأة تريد ؟ " 

قال : " تلك التي يسميها الناس زوجتي و أنا أسميها الصخرة العاتية في طريق مطالبي و آمالي " قلت : " إنك كثير الآمال يا سيدي ففي أي آمالك تَحَدَّث ؟ " قال : " ليس لي في الحياة إلا أمل واحد وهو أن أغمض عيني ثم أفتحها فلا أرى برقعاً على وجه امرأة في هذا البلد " قلت : " ذلك ما لا تملكه و لا أرى لك فيه " قال : " إن كثيراً من الناس يرون في الحجاب رأيي و يتمنون في أمره ما أتمنى ولا يحول بين نزعه عن وجوه نسائهم و إبرازهن إلى الرجال يجالسنهم كما يجلس بعضهم إلى بعض إلا العجز والضعف و الهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي (315)القديم الذي وقف سداً دون سعادة الأمة وارتقائها دهراً طويلاً و أن يتم على يدي ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية و أشياعها فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته و أعظمته وخيل إليها أنني جئتها بإحدى النكبات العظام و الرزايا الجسام وزعمت إنها إن برزت للرجال فإنها لا تستطيع أن تبرز إلى النساء بعد ذلك حياءاً منهن وخجلاً ولا خجل هناك ولا حياء ولكنه الموت والجمود و الذل الذي ضربه الله على هؤلاء النساء في هذا البلد أن يعشن في قبور مظلمة من خدورهن وخمرهن حتى يأتيهن الموت فينقلهن من مقبرة الدنيا إلى مقبرة الآخرة فلابد لي أن أبلغ أمنيتي و أن أعالج هذا الرأس القاسي المتحجر علاجاً ينتهي بإحدى الحسنيين إما بكسره أو بشفائه " فورد علي من حديثه ما ملأ نفسي هماً وحزناً ونظرت إليه نظرة الراحم الرائي :

" أعالم أنت أيها الصديق ما تقول ؟ "

قال : " نعم أقول الحقيقة التي أعتقدها و أدين نفسي بها واقعة من نفسك و نفوس الناس جميعاً حيث وقعت " قلت : " هل تأذن لي أن أقول لك أنك عشت فترة طويلة في ديار قوم لا حجاب بين رجالهن ونسائهن فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوماً من الأيام و أنت فيهم بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك من أعراض نسائهم فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه ؟ " قال : " ربما وقع لي شيء من ذلك فماذا تريد ؟" قلت : " أريد أن أقول لك إني أخاف على عرضك أن يلم به من الناس ما ألم بأعراض الناس منك " قال : " إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال وهي من شرفها وعفتها في حصن حصين لا تمتد إليه المطامع " فداخلني ما لم أملك نفسي منه وقلت له : " تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان أيها

(315) أي القديم ، نسبة إلى عاد .

الضعفاء والثلمة التي يعثر بها في زوايا رؤوسكم فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم الشرف كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة ومعاجمها فإن أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس و أفئدتهم قلما نجدها والنفس الإنسانية كالغدير الراكد لا يزال صافياً رائقاً حتى يسقط فيه حجر فإذا هو مستنقع كدر و العفة لون من ألوان النفس لا جوهر من جواهرها و قلما تثبت الألوان على أشعة الشمس المتساقطة " 

قال : " أتنكر وجود العفة بين الناس ؟ " قلت : " لا أنكرها لأني أعلم أنها موجودة بين البله و الضعفاء والمتكلفين و لكنني أنكر وجودها عند الرجل القادر المختلب و المرأة الحاذقة المترفقة إذا سقط بينهما الحجاب و خلا وجه كل منهما لصاحبه في أي جو من أجواء هذا البلد تريدون أن تبرز نساؤكم لرجالكم : أفي جو المتعلمين وفيهم من سئل مرة : " لِمَ لم تتزوج ؟ فأجاب : نساء البلد جميعاً نسائي " أم في جو الطلبة وفيهم من يتوارى عن أعين خلانه و أترابه حياءاً وخجلاً إن خلت محفظته يوماً من الأيام من صور عشيقاته وخليلاته و أقفرت من رسائل الحب والغرام أم في جو الرعاع والغوغاء وكثير منهم يدخل البيت خادماً ذليلاً و يخرج صهراً كريماً ؟ وبعد فما هذا الولع بقصة المرأة والتمطق (316) بحديثها والقيام والقعود بأمرها و أمر حجابها وسفورها وحريتها و أسرها كأنما قمتم بكل واجب للأمة عليكم في أنفسكم فلم يبق إلا أن تفيضوا من تلك النعم على غيركم هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز أبواب الفخر أمامكم كثيرة فاطرقوا أيها شئتم ودعوا هذا الباب موصداً فإنكم إن فتحتموه فتحتم على أنفسكم ويلاً عظيماً وشقاءاً أروني رجلاً واحداً منكم يستطيع أن يزعم في نفسه أنه يمتلك هواه بين يدي امرأة يرضاها فأصدق أن امرأة تستطيع أن تملك هواها بين يدي رجل ترضاه إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه وتطلبون عندها ما لا تعفونه عند أنفسكم فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعدها أم تخسرونها وما أحسبكم إلا خاسرين ما شكت المرأة إليكم ظلماً ولا تقدمت إليكم في أن تحلوا قيدها وتطلقوها من أسرها فما دخولكم بينها وبين نفسها وما تمضغكم ليلكم و نهاركم بقصصها و أحاديثها ؟ إنها لا تشكوا إلا فضولكم و إسفافكم ومضايقتكم لها ووقوفكم في وجهها حيث سارت و أينما حلت حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها سبيلاً إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها فوق ما سجنها أهلها فأوصدت من دونها بابها و أسبلت أستارها تبرماً بكم وفراراً من فضولكم فواعجباً لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها و تندبون شقاءها ! إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً و يتدفق خلاعة واستهتاراً و تودون بجدع الأنف لو


(316) التمطق : التصويت باللسان عند استطابة الطعام . ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك لقد كنا وكانت العفة في سقاء من الحجاب موكوء فما زلتم به تثقبون في جوانبه كل يوم ثقباً و العفة تسيل منه قطرة قطرة حتى تقبض وتكرش ثم لم يكفكم ذلك منه حتى جئتم اليوم تريدون أن تحلوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة عاشت المرأة المصرية حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشها ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها و ترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عن رضاهما وكانت تفهم معنى الحب و تجهل معنى الغرام فتحب زوجها لأنه زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب فقلتم لها : " إن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً ولا أقدر على النظر لك من النظر لنفسك فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك " فازدرت أباها و تمردت على زوجها و أصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة مناحة قائمة لا تهدأ نارها و لا يخبو أوارها وقلتم لها : " لابد لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك " فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها فلم يزد عمر سعادتها عن يوم وليلة ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم و قلتم لها : " إن الحب أساس الزواج " فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج فغنيت به عنه و قلتم لها : " أن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها " وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق فأصبحت كل يوم تبغي زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت وقلتم لها  : " لابد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شئون بيتك " فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها و القيام على شئون بيتها و قلتم لها : " نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها و يلائم ذوقها ذوقنا و شعورها شعورنا " فرأت أن لابد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ومباهج انظاركم لتتجمل لكم بما تحبون فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات المستهترات والضحكات اللاعبات و الإعجاب بهن و الثناء على ذكائهن و فطنتهن و تخلعت و استهترت لتبلغ رضاكم وتنزل عند محبتكم ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً كما تعرض الأمة نفسها في سوق الرقيق فأعرضتم عنها و نبوتم عنها و قلتم لها : " إنا لا نتزوج النساء العاهرات " لأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم فرجعت أدراجها خائبة منكسرة و قد أباها الخليع وترفع عنها المحتشم فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت كذلك انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعاً و تمشت الظنون بين رجالها ونسائها فتعاجز الفريقان و أظلم الفضاء بينهما و أصبحت البيوت كالأديرة ( 317) لا يرى فيها الرائي إلا رجالاً مترهبين ونساء عانسات . ذلك بكاؤكم على الرمأة أيها الراحمون وهذا رثاؤكم لها و عطفكم عليها نحن نعلم كما تعلمون أن المرأة في حاجة إلى العلم فليهذبها أبوها و أخوها أنفع لها من العلم (318) و إلى اختيار الزوج العادل الرحيم فليحسن الآباء اختيار الأزواج لبناتهم وليجمل الأزواج عشرة نسائهم و إلى النور والهواء تبرز إليهما وتتمتع فيهما برؤية الحياة فيأذن لها أولياؤها بذلك وليرافقها رفيق منهم في غدواتها و روحاتها كما يرافق الشاه راعيها خوفاً عليها من الذئاب فإن عجزنا أن نأخذ الآباء والأزواج بذلك فلننفض أيدينا من الأمة جميعاً نسائها ورجالها فليست المرأة بأقدر على إصلاح نفسها من الرجل على إصلاحها. أعجب ما أعجب له من شئونكم أنكم تعلمتم كل شيء إلا شيئاً واحداً هو أدنى إلى مدارككم أن تعلموه قبل كل شيء وهو أن لكل تربة نباتاً ينبت فيها و لكل نبات زمن ينمو فيه رأيتم العلماء في أوربا يشتغلون بكماليات العلوم بين أمم قد فرغت من ضرورياتها فاشتغلتم بها مثلهم في أمة لا يزال سوادها الأعظم في حاجة إلى معرفة حروف الهجاء ... و رأيتم الرجل الأوربي حراً مطلقاً يفعل ما يشاء و يعيش كما يريد لأنه يستطيع أن يملك نفسه وخطواته في الساعة التي يعلم فيها أنه قد وصل إلى حدود الحرية التي رسمها لنفسه فلا يتخطاها فرأيتم أن تمنحوا هذه الحرية نفسها رجلاً ضعيف الإرادة و العزيمة يعيش في حياته الأدبية في رأس منحدر زلق إن زلت به قدمه مرة تدهور من حيث لا يستطيع أن يستمسك حتى يبلغ الهوة ويتردى في قرارتها و رأيتم الزوج الأوربي الذي أطفأت بيئته غيرته و زالت خشونة نفسه وحرشتها يستطيع أن يرى زوجته تخاصر من تشاء و تصاحب من تشاء و تخلو بمن تشاء فيقف أمام ذلك المشهد موقف الجامد المتبلد فأردتم من الرجل الشرقي الغيور المتلهب أن يقف موقفه و يستمسك استمساكه ورأيتم المرأة الأوربية الجريئة المتفتية تستطيع في كثير من مواقفها مع الرجال أن تحتفظ بنفسها و كرامتها (*) فأردتم من المرأة المصرية الضعيفة الساذجة أن تبرز للرجال بروزها وتحتفظ بنفسها احتفاظها وكل نبات يزرع في أرض غير أرضه أو في ساعة غير ساعته إما أن تأباه الأرض فتلفظه و إما أن يستنبت فيها فيفسدها .

إنا نذرع إليكم باسم ... الحرمة الدينية أن تتركوا تلك البقية من نساء الأمة آمنات مطمئنات في بيوتهن ولا تزعجوهن بأحلامكم و آمالكم كما أزعجتم من قبلهن فكل جرح

(217) الأديرة جمع دير . (218) يعني علم ما لم يكون ضرورياً كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . ( * ) في هذه العبارة نظر ، إذ ليست علة منع الاختلاط سذاجة المرأة وعدم جرأتها بحيث يقال إذا زالت العلة زال

        المعلول فيباح الاختلاط للمرأة الجريئة المتفتية و يمنع للساذجة الضعيفة وهذا باطل لمخالفته نصوص 
        الشريعة وقواعدها و قد فصَّلت ذلك في " القسم الثالث " من هذا الكتاب فانظره ص ( 51 : 60 ) .    

من جروح الأمة له دواء إلا جرح الشرف فإن أبيتم إلا أن تفعلوا فانظروا بأنفسكم قليلاً ريثما تنتزع الأيام من صدوركم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم و أجدادكم لتستطيعوا أن تعيشوا في حياتكم سعداء آمنين " .

فما زاد الفتى أن ابتسم في وجهي ابتسامة الهزء و السخرية و قال : 

" تلك حماقات إلا لنعالجها فلنصطبر عليها حتى يقضي الله بيننا وبينها " و قلت له : " لك أمرك في نفسك و أهلك فاصنع بهما ما تشاء و ائذن لي أن أقول لك إني لا أستطيع أن اختلف إلى بيتك بعد اليوم إبقاءً عليك وعلى نفسي لأن الساعة التي ينفرج لي فها جانب ستر من أستار بيتك عن وجه امرأة من أهلك تقتلني حياءً وخجلاً ثم انصرفت وكان هذا فراق ما بيني وبينه .

وما هي إلا أيام قلائل حتى سمعت الناس يتحدثون أن فلاناً هتك الستر في منزله بين نسائه و رجاله و أن بيته أصبح مغشياً لا تزال النعال خافقة ببابه فذرفت عيني دمعة لا اعلم هل هي دمعة الغيرة على العرض المزال أو الحزن على الصديق المفقود .

مرت على تلك الحادثة ثلاثة أعوام لا أزوره ولا يزورني و لا ألقاه في طريقه إلا قليلاً فأحييه تحية الغريب للغريب من حيث لا يجري لما كان بيننا ذكر ثم أنطلق في سبيلي . وإني لعائد إلى منزلي ليلة أمس – و قد مضى الشطر الأول من الليل – إذ رأيته خارجاً من منزله يمشي مشية الذاهل الحائر و بجانبه جندي من جنود الشرطة كأنما هو يحرسه أو يقتاده فأهمني أمره ودنوت منه فسألته عن شأنه فقال : " لا علم لي بشيء سوى أن هذا الجندي قد طرق الساعة بابي يدعوني إلى مخفر الشرطة ولا أعلم لمثل هذه الدعوة في مثل هذه الساعة سبباً وما أنا بالرجل المذنب ولا المريب فهل أستطيع أن أرجوك يا صديقي بعد الذي كان بيني وبينك أن تصحبني الليلة في وجهي علني أحتاج بعض المعونة فيما قد يعرض لي هناك من الشئون ؟ " قلت : " لا أحب إلي من ذلك " ومشيت معه صامتاً لا أحدثه ولا يقول لي شيئاً ثم شعرت كأنه يزور في نفسه كلاماً يريد أن يفضي به إلي فيمنعه الخجل والحياء ففاتحته الحديث وقلت له : " ألا تستطيع أن تذكر لهذه الدعوة سبباً ؟ " فنظر إلي نظرة حائرة وقال : " إن أخوف ما أخافه أن يكون قد حدث لزوجتي الليلة حادث فقد رابني من أمرها أنها لم تعد إلى المنزل حتى الساعة وما كان ذلك شأنها من قبل " قلت : " أما كان يصحبها أحد ؟ " قال : " لا " قلت : " ألا تعلم المكان الذي ذهبت إليه ؟ " قال : " لا " قلت : " ومم تخاف عليها ؟ " قال : " لا أخاف شيئاً سوى أني أعلم أنها امرأة غيور حمقاء فلعل بعض الناس حاول العبث في طريقها فشرست عليه فوقعت بينهما واقعة انتهى أمرها إلى مخفر الشرطة " وكنا وصلنا إلى المخفر فاقتادنا الجندي إلى قاعة المأمور فوقفنا بين يديه فأشار إلى جندي أمامه إشارة لم نفهمها ثم استدنى الفتى إليه وقال له : " يسوءني أن أقول لك يا سيدي إن رجال الشرطة قد عثروا الليلة في مكان من أمكنة الريبة برجل و امرأة في حال غير صالحة فاقتادوهما إلى المخفر فزعمت المرأة أن لها بك صلة فدعوناك لتكشف لنا الحقيقة في أمرها فإن كانت صادقة أذنا لها بالانصراف معك إكراماً لك و إبقاءً على شرفك و إلا فهي امرأة عاهرة لا نجاة لها من عقاب الفاجرات و ها هما وراءك فانظرهما " و كان الجندي قد جاء بهما من غرفة أخرى فالتفت وراءه فإذا المرأة زوجته و إذا الرجل أحد أصدقائه فصرخ صرخة رجفت لها جوانب المخفر وملأت نوافذه و أبوابه عيوناً و آذاناً ثم سقط مكانه مغشياً عليه فأشرت على المأمور أن يرسل المرأة إلى منزل أبيها ففعل و أطلق سبيل صاحبها ثم حملنا الفتى في مركبة إلى منزله " ثم ذكر السيد المنفلوطي رحمه الله و حاصلها أن الفتى مات كمداً و حسرة من هذه الفضيحة التي اختتم بها حياته ...

" طه حسين " عميد التغريب في الفكر المعاصر دوره في " تحرير المرأة " و جرائمه في حق الإسلام(319)

في يناير 1950 م :

حمل " حسين سري " ( رئيس الديوان ) إلى الملك " فاروق " مشروع التشكيل الوزاري الذي سلمه إليه " مصطفى النحاس " رئيس حزب الوفد أخذ الملك في مراجعته ولما بلغ اسم " طه حسين " قال فاروق : ( مستحيل مستحيل أنتم لا تعرفون خطورة هذا الرجل ) و قال أيضاً : ( من المحال أن أوافق على أن يكون وزيراً للمعارف بالذات مستحيل ) و تدخل " كريم ثابت " الصليبي و أقنع الملك بالعدول عن موقفه .

فمن هو ذلك الرجل الذي أشفق الطاغية " فاروق " من خطره ؟

لعل أغلب أبناء هذا الجيل طرق أسماعهم اسم " طه حسين " الموصوف زوراً بأنه " عميد الأدب العربي " و تخيلوه – من جراء الدعاية المسلطة على عقولهم – الرجل المسلم الوقور تحيطه هالة من الشهرة المدوية والتاريخ الحافل بالأمجاد .

(319) استفدت فقرات هذا الفصل من ( طه حسين : حياته وفكره في ميزان الإسلام ) للأستاذ " أنور الجندي "

         بتصرف و انظر : ( محاكمة فكر طه حسين ) له أيضاً .

إن من الواجب على أبناء اليقظة الإسلامية المعاصرة أن يمحصوا حقيقة ذلك الرجل حتى لا ينخدعوا بالدعايات الكاذبة التي تملأ الآفاق مدحاً في " طه حسين " و تمجيداً له في حين أنه كان صنيعة لأعداء الإسلام وداعية للتبعية المطلقة للمدنية الغربية بكل مفاسدها وشرورها . إن " طه حسين " مسئول عن كثير من مظاهر الفساد والتحلل التي ينوء بها المجتمع اليوم ولقد خاض معركة بل معارك من أجل " تسميم " الآبار الإسلامية وتزييف مفهوم الإسلام والتاريخ الإسلامي معتمداً على سياسة المستشرقين في التحول من المهاجمة العلنية للإسلام إلى خداع المسلمين بتقديم طعم ناعم في أول الأبحاث ثم دس السم على مهل متستراً وراء دعوى " البحث العلمي " و " حرية الرأي " !! وليس المقام مقام ( الترجمة ) لطه حسين و لكنه مقام التنبيه إلى دوره الخطير في محاربة الإسلام وتهديد حصونه من داخلها ثم سرد مقتطفات من أقواله و أفعاله التي تبين مدى حقده على هذا الدين وعلى هذه الأمة ولا أجد أصدق في التعبير عن ذلك من حكم أستاذه " التلمودي " المستشرق " ما سينيون " عليه . فقد قال الدكتور زكي مبارك : ( وقف المستشرق ماسنيون يوم أديت امتحان الدكتوراة وقال : إنني حين أقرأ بحثاً لطه حسين أقول : " هذه بضاعتنا ردت إلينا " ) (320) اهـ

و هاك أمثلة من أقواله الكفرية ومواقفه الإبليسية :

1 – فمن ذلك : تكذيبه القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية في قوله : ( للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم و إسماعيل و للقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً و لكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة و نشأة العرب و نحن مضطرون أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى ) اهـ .

2 – ومن ذلك قوله : ( أن القرآن المكي يمتاز بالهروب من المناقشة و الخلو من

                          المنطق )  تعالى الله عما يقول الملحدون علواً كبيراً .



(320) ( زكي مبارك ) للأستاذ " أنور الجندي " .

3 – ومن ذلك قوله : ( إن الدين لم ينزل من السماء وإنما خرج من الأرض كما

                           خرجت الجماعة نفسها ) 

( إن الدين حين يقول بوجود الله و نبوة الأنبياء يثبت أمرين لا يعترف بهما العلم ) اهـ .

4 - ومن ذلك قوله : ( إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين و ستبقى كذلك بل يجب أن تبقى وتقوى و المصري فرعوني قبل أن يكون عربياً ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها و إلا كان معنى ذلك : إهدمي يا مصر أبا الهول والأهرام وانسي نفسك واتبعينا لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع أن تعطي مصر لن تدخل في وحدة عربية سواء كانت العاصمة القاهرة أم دمشق أم بغداد و أؤكد قول أحد الطلبة القائل : " لو وقف الدين الإسلامي حاجزاً بيننا و بين فرعونيتنا لنبذناه " ) اهـ .

5 – ومنه قوله في مجلة " كوكب الشرق " ( 12 أغسطس 1933 ) : ( لم أكن في اللجنة التي وضعت الدستور القديم ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد و لم يستشرني أولئك وهؤلاء في هذا النص الذي اشتمل عليه الدستوران جميعاً و الذي يعلن أن للدولة المصرية ديناً رسمياً هو الإسلام ولو قد استشارني أولئك وهؤلاء لطلبت إليهم أن يتدبروا و أن يتفكروا قبل أن يضعوا هذا النص في الدستور ) اهـ .

6 - ومن ذلك أنه دعا طلاب كلية الآداب إلى اقتحام القرآن في جرأة ونقده بوصفه كتاباً أدبياً يقال فيه : هذا حسن و هذا ( كذا ) تعالى الله عن زندقته علواً كبيراً فقد حكى عنه ( عبد الحميد سعيد ) قوله : ( ليس القرآن إلا كتاباً ككل الكتب الخاضعة للنقد فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائياً عن قداسته التي تتصورونها و أن تعتبروه كتاباً عادياً فتقولوا فيه كلمتكم و يجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب ويبين ما يأخذه عليه ) (*) اهـ .

7 – ومن ذلك : حملته الشديدة على الأزهر الشريف وعلمائه الأفاضل ورميهم جميعاً بالجمود وحثه على : ( استئصال هذا الجمود ووقاية الأجيال الحاضرة والمقبلة من شره ) على حد تعبيره .



(*) من " طه حسين " لأنور الجندي ص ( 229 ) .

8 – ومن ذلك أيضاً تشجيعه لحملة ( محمود أبو رية ) على السنة الشريفة ومن ذلك أيضاً تأييده لـ ( عبد الحميد بخيت ) حين دعا إلى الإفطار في رمضان وثارت عليه ثائرة علماء المسلمين .

9 – ومنه : مطالبته بإلغاء التعليم الأزهري و تحويل الأزهر إلى جامعة أكاديمية للدراسات الإسلامية وقد أطلق عليها ( الخطوة الثانية ) و كانت " الخطوة الأولى " هي إلغاء المحاكم الشرعية التي هلل لها كثيراً .

10 – قوله : ( خضع المصريون لضروب من البغي و العدوان جاءتهم من الفرس والرومان والعرب أيضاً ) اهـ .

11 – ومن ذلك أنه أعاد خلط الإسرائيليات والأساطير إلى السيرة النبوية بعد أن نقاها العلماء المسلمون منها و التزيد في هذه الإسرائيليات والتوسع فيها .

12 - ومن ذلك : حملته على الصحابة رضي الله عنهم و على الرعيل الأول من الصفوة المسلمة وتشبيههم بالسياسيين المحترفين الطامعين في السلطان – وحاشاهم رضي الله عنهم – وذلك في محاولة منه لإزالة ذلك التقدير الكريم الذي يكنه المؤرخون المسلمون لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .

13 – ومن ذلك : عمله على إعادة طبع رسائل " إخوان الصفا " و تقديمها بمقدمة ضخمة في محاولة إحياء هذا الفكر الباطني المجوسي المدمر و إحياؤه شعر المجون والفسق والحديث عن شعرائهما بهالة من التكريم كأبي نواس و بشار و غيرهم و كذا ترجمة القصص الفرنسي الإباحي الماجن وطعنه في ابن خلدون والمتنبي وغيرهما .

14 – ومن ذلك قوله : ( أريد أن أدرس الأدب العربي كما يدرس صاحب العلم الطبيعي علم الحيوان والنبات و مالي أدرس الأدب لأقصر حياتي على مدح أهل السنة و ذم المعتزلة من الذي يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشراً للإسلام أو هادماً للإلحاد)اهـ .

15 – ومنه قوله : ( إن الإنسان يستطيع أن يكون مؤمناً وكافراً في وقت واحد مؤمناً بضميره كافراً بعقله فإن الضمير يسكن إلى الشيء و يطمئن إليه فيؤمن به أما العقل فينقض ويبدل ويفكر أو يعيد النظر من جديد فيهدم ويبني ويبني ويهدم ) اهـ .

16 – ومن ذلك قوله : ( علينا أن نسير سيرة الأوربيين و نسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً فنأخذ الحضارة خيرها وشرها وحلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب ) اهـ.

17 – ومن ذلك قوله في تصوير سر إعجابه " بأندريه جيد " : ( لأنه شخصية متمردة بأوسع معاني الكلمة وأدقها متمردة على العرف الأدبي و على القوانين الأخلاقية وعلى النظام الاجتماعي وعلى النظام السياسي و على أصول الدين ) و ذكر أنه يحب " أندريه جيد " ويترسم خطاه ويصور نفسه من خلال شخصيته .

18 – ومن ذلك : وصفه لوحشية المستعمرين الفرنسيين وقسوتهم في معاملة المسلمين المغاربة : بأنها ( معانة ومشقة في سبيل بسط الحضارة الفرنسية والمدنية على تلك الشعوب المتوحشة التي ترفض التقدم والاستنارة ) .

19 – ومن ذلك : استقدامه لبعض المستشرقين المحاربين لله ورسوله الطاعنين في القرآن الكريم لإلقاء محاضرات حول الإسلام في الجامعة المصرية لتشكيك الطلاب في القرآن والإسلام .

20 – ومن ذلك : تشجيعه تيار التنصير في الجامعة و حينما اكتشف هذا المخطط التنصيري قال : ( ما يضر الإسلام أن ينقص واحداً أو تزيد المسيحية واحداً ) وعندما تكشف أن هناك كتباً مقررة في قسم اللغة الإنكليزية تتضمن هجوماً على الإسلام و رسوله " قال : ( إن الإسلام قوي ولا يتأثر ببعض الآراء ) و اكتفى بهذا في حين ترك للأساتذة الإنكليز مطلق الحرية في هذا العمل .

21 – ثم عمد " طه حسين " إلى إخراج كل من له رأي أو أصالة من كلية الآداب و استبقى أعوانه الذين سار بهم إلى الطريق الذي رسمه وعانه على ذلك " لطفي السيد " الذي كان مديراً للجامعة و في نفس الوقت تابعاً لخطط " طه حسين " و خاصة في خطة إنشاء معهد " التمثيل والرقص الإيقاعي " و دعوة الطالبات إلى الاختلاط و تحريضهن على ذلك ومعارضة الجبهة المسلمة التي حاولت أن تدعو إلى الدين والأخلاق وهكذا تحولت الجامعة إلى مجتمع متحلل من قيود الأخلاق الإسلامية فأقيمت حفلات رسمية في دار الأوبرا خليت لها الراقصات المحترفات ومن ثم عرفت حفلات الرقص والسمر في البيوت مما قصت أخباره بعض الخريجات وغيرها و الرحلات المشتركة وما كان يجري في اتحاد الجامعة و رابطة الفكر العالمي من محاضرات مادية إلحادية ومقطوعات فرنسية على البيانو وروايات تمثيلية تقوم على الحب والغرام .. و قد وصل الأمر إلى حد أن أحد الأساتذة " الأجانب " ضاق ذرعاً بذلك الفساد فكتب يقول :

( إنه خليق بالجامعة أن تمثل المثل الأعلى – " يعني للطلاب " – لا أن تمثل فيهم دور السكير ) !.

وكان " طه حسين " يرعى ذلك ويقول : ( إن هذا النوع من الحياة الحديثة يمضي عليه وقت طويل في مصر حتى يغير العقلية المصرية تغييراً كبيراً ) .

22 – و تتابعت خطوات " طه حسين " في كلية الآداب في سبيل خطته فأقام حفلاً لتكريم " رينان " الفيلسوف الفرنسي الذي هاجم الإسلام أعنف هجوم ورمى المسلمين والعرب بكل نقيصة في آدابهم وفكرهم وكذلك جعل " طه حسين " الشعار الفرعوني هو شعار الجامعة وقد لقي من ذلك كله معارضة شديدة و خصومة واسعة وصلت إلى كل مكان في البلاد العربية و أرسل إليه الأستاذ " توفيق الفكيكي " من العراق برقية قال فيها : " إن شعاركم الفرعوني سيكسبكم الشنار و ستبقى أرض الكنانة وطن الإسلام و

   العروبة برغم الفرعونية المندحرة " .

23 – و ذكرت مجلة " النهضة الفكرية " في عددها الصادر في 7

      نوفمبر 1932 م : 

( أن الدكتور " طه " تعمد في إحدى كنائس فرنسا وانسلخ من الإسلام من سنين في

  سبيل شهوة ذاتية ) (321) .

صراع حركة اليقظة مع "طه حسين"

و لقد هوجم " طه حسين " منذ اليوم الأول إلى اليوم الأخير لم تتوقف حركة اليقظة عن متابعته وكشف شبهاته و تزييف آرائه و دحر مخططه ولكنه مع كل ذلك كان يقبض الثمن و يكافأ بكل إصرار على خدماته لأعداء الإسلام فلقد ظل يترقى في المناصب رغم الحملات التي شنها عليه علماء الإسلام في كافة البقاع الإسلامية ظل يترقى في مخطط مرسوم من أستاذ إلى عميد إلى مدير جامعة إلى مستشار فني إلى وزير و ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته مشرفاً على اللجنة الثقافية في الجامعة العربية و رئيساً لمجمع اللغة العربية و له نفوذه الواسع في وزارة المعارف والجامعات وذلك مصداق قول " هاملتون جب " المستشرق : ( سواء قوبلت آراء " طه حسين " بالموافقة أم لم تقابل فلابد أن يقضي نفوذه الواسع الذي يتمتع به إلى توطيد المبادئ التي يدعو إليها ) اهـ.

(321) انظر ما قيل حول تنصره في " طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام " للأستاذ أنور الجندي

        ص ( 73 – 74 ) .

و قال المستشرق " كاممفاير " : ( إن المحاولة الجريئة التي قام بها " طه حسين " ومن يشايعه في الرأي لتخليص دراسة العربية من شباك العلوم الدينية هي حركة لا يمكن تحديد آثارها على مستقبل الإسلام )اهـ بل قال هو عن نفسه : ( إنني أفكر بالفرنسية و أكتب بالعربية ) اهـ .

و في تقرير خطير يصف المكر اليهودي الأمريكي لإبادة الجيل المسلم و بصورة مكشوفة يطالب التقري بوجوب الإفادة من آراء " طه حسين " ومؤلفاته .

{ و قد دعا هذا التقرير إلى وجوب تأليف " لجنة مكافحة الإسلام " تنبع من وكالة الأمن القومي الأمريكي و قد استعانت هذه اللجنة بعدة شخصيات منها نائب ما يسمى بـ ( البابا المسئول عن التبشير مع الجمعيات الدينية كما استعانت بتقرير الإدارة البريطانية وغيرها من تقارير الدول الاستعمارية في الغرب و الشرق . وقد جاء في توصيات اللجنة السابقة بالحرف الواحد : " وجوب تسليط الدعاية و الإعلام على مجددي الدين المزعومين

  كطه حسين و أمثاله " } (322) اهـ .

هذا و قال الأستاذ الشيخ " عبد ربه مفتاح " من علماء الأزهر في مقالة نشرها الكوكب مخاطباً " طه حسين " :

 ( و كيف تزعم أيها الدكتور أن " بعض " العلماء أثار هذا الأمر– أمر كفرك – وهاأنا ذا أصرح لك – و التبعة في ذلك علي وحدي – بأن العلماء أجمعين وعلى بكرة أبيهم يحكمون عليك بالكفر و بالكفر الصريح الذي لا تأويل فيه ولا تجوز و أتحداك و أطلب منك بإلحاح أو رجاء أن تدلني على واحد منهم " وواحد فقط " يحكم عليك بالفسوق والعصيان دون الكفر أجل إني و أنا من بينهم أتهمك بالكفر و أتحمل تبعة هذا الاتهام وعليك تبرئة نفسك من هذا الاتهام الشائن و المطالبة بما لك من حقوق نحوي ) (323) اهـ .

و أخيراً : فهذه لمحة خاطفة عن " طه حسين " الرجل الذي تشهد كتبه بأنه لم يكن إلا بوقاً من أبواق الغرب وواحداً من عملائه الذين أقامهم على حراسة السجن الكبير يروج لثقافاته و يعظمها و يؤلف قلوب العبيد ليجمعهم على عبادة جلاديهم ( ويوطد دعائم الود والتفاهم بين الحمار وراكبه وهي دعائم تفيد الراكب دائماً ولا تفيد الحمار ! ) (*) .

(322) ( طه حسين في ميزان العلماء و الأدباء ) للأستاذ محمود مهدي الاستانبولي ، نقلاً عن مجلة ( حضارة الإسلام ) ع : ( 4420 ) بين 1391 ( 1919 ) . (323) السابق – ص ( 552 ) . ( * ) انظر : ( حصوننا مهددة من داخلها ) ص ( 101 ) الطبعة السابعة . كيف واجه المسلمون مؤامرات " طه حسين " ؟

أصر ( طه حسين ) على استبقاء كتب ( برنارد شو ) و غيره التي تهاجم الإسلام في كلية الآداب بحجة أن الإسلام قوي و لن يتأثر بهذا الرأي وذاك .

سرت عند ذلك روح الغيرة الإسلامية عند الطلاب فقاومت مؤامرات ( طه حسين ) على الإسلام وحاصرته في مكتبه بكلية الآداب و كادت أن تفتك به لولا أن أنقذه بعض الخدم فهرب – و اعتكف كمقدمة لخروجه من كلية الآداب .

و أحرق الشباب العربي في الشام كتب ( طه حسين ) في ميدان عام في العاصمة دمشق ووصفه العلماء بالإلحاد والزندقة .

وقام بعض تلامذته الذين استيقظ فيهم الشعور بالكرامة والعزة الإسلامية وكشفوا حقيقته بفضح أهدافه وكشف تزويره و سرقته من كتب المؤلفين الغربيين (324) .

و تصدى له عشرات العلماء والدعاة والمفكرين لعدوانه المتكرر على حرمات الإسلام وفضحوا مؤامراته على الإسلام ومن ذلك المقالة التالية :

بين " حسن البنا " و " طه حسين " :

فقد عقد الأستاذ " حسن البنا " رحمه الله فصلاً في مجلة " التعارف " تحت عنوان : " إذا كان هذا (325) صحيحاً يا دكتور فقد أتفقنا " و كان مما جاء فيه بصدد قضية " الاختلاط " :

( و هل من الدعوة الإسلامية يا دكتور أن تخلط بين الفتيان والفتيات هذا الخلط في كلية الآداب فتحذو حذوها غيرها من الكليات و تبوء أنت بإثم ذلك كله ؟ و تريد للفتيات في صراحة هذا الاختلاط وتحثهن عليه و تدعوهن إليه ولا تقل إن هذا من عمل غيرك فيداك أوكتا وفوك نفخ وما تحمس لهذا و دعا إليه وحمل لواءه و استخدم نفوذه في تحقيقه أحد كما فعلت ذلك أنت و لعلك تعتبر هذا من مآثرك ومفاخرك و لكني أخالفك يا دكتور و أصارحك بأن هذا الاختلاط ليس من الإسلام و قد رأينا – و سترى – ما كان وما سيكون له من آثار ) اهـ .

(324) انظر " طه حسين " للأستاذ أنور الجندي ص ( 79 ) . (325) يقصد الشيخ حسن البنا رحمه الله بكلمة ( هذا ) الإشارة إلى قول " طه حسين " في حفل تكريم أقيم له :

        ( و أتمني أن يقيض الله للإسلام من يدافع عنه كما أدافع أنا عنه و أن ينشره  و يحببه للناس كما أبشر به أنا
         وكما أحبب مبادئه للناس ) اهـ  !   و انظر " طه حسين " للأستاذ أنور الجندي ص ( 85 – 89 ) .   

و قالت ( درية شفيق ) : ( و في سنة 1932 ظهرت صورة للدكتور " طه حسين " بك في نادي الجامعة وعلى

 يمينه ويساره الطلبة والطالبات جلوساً يتناولون الشاي و قامت القيامة لهذه الصورة
 البريئة التي تضرب المثل للأبوة في وجود العميد و " الإخوة " ! في جلسة الطلبة
 والطالبات واتخذت الصورة تكأة يتخلص بها الرجعيون من ( طه حسين) و ( لطفي
 السيد ) ووقف الرجعيون في مجلس النواب يحملون على الجامعة ورجالها فكرة تعليم
البنات فيها ويرون ذلك فضيحة من الفضائح يجب أن تحول دونها الحكومة ) (326) اهـ.
  1. وفي غرة المحرم 1356 هـ ( الموافق 14 مارس 1937 م ) زحف موكب كبير من

طلبة الجامعة المصرية والأزهر و دار العلوم يزيد على أربعة آلاف نسمة ومن خلفهم أضعافهم من ولاة أمور الطلاب و اتجه الموكب إلى قصر الأمير ( محمد علي ) رئيس مجلس الوصايا مطالبين بتعميم التعليم الديني والتربية الإسلامية في جميع أدوار التعليم إلى نهاية درجته العليا و فصل الشابات عن الشبان في الجامعة المصرية كما هو الحال في أدوار التعليم التي قبل الجامعة و الاهتمام بالتربية بقدر الاهتمام بالتعليم ) (327) اهـ.

  1. و انبرى الأديب الكبير ( مصطفى صادق الرافعي ) يبارك مطالب شباب الجامعة التي تجاوبت بها أصداء البلاد ويرد على " طه حسين " و أشياعه تحت عنوان :

إلى شباب الجامعة (328)

( حياكم الله يا شباب الجامعة المصرية لقد كتبتم الكلمات التي تصرخ منها الشياطين كلمات لو انتسبن لانتسبت كل واحدة منهن إلى آية مما أنزل به الوحي في كتاب الله . وطلب تعليم الدين لشباب الجامعة ينتمي إلى هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } الأحزاب 33 و طلب الفصل بين الشباب و الفتيات يرجع إلى هذه الآية : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } الأحزاب 53 يريد الشباب مع حقيقة العلم حقيقة الدين فإن العلم لا يعلم الصبر ولا الصدق ولا الذمة يريدون قوة النفس مع قوة العقل فإن القانون الأدبي في الشعب لا يضعه العقل وحده ولا ينفذه وحده .

(326) من " تطور النهضة النسائية في مصر " ص ( 72 ) . (327) " إهابة " للكاتبة " عزيزة عباس عصفور " ص ( 128 ، 133 ) ، و قد كان لهذه المطالب صدى واسع لدى المؤيدين والمعارضين و في هذا الكتاب " إهابة " جمعت الكاتبة النشرات والمقالات التي باركت تلك الحركات الإسلامية الطلابية فراجعه إن شئت . (328) " وحي القلم " ( 3 / 184 – 188 ) تحت عنوان ( قنبلة بالبارود لا بالماء المقطر ) ، و انظر " إهابة " لعزيزة عباس عصفور ص ( 78 – 80 ) . يريدون قوة العقيدة حتى إذا لم ينفعهم في بعض شدائد الحياة ما تعلموه نفعهم ما اعتقدوه.. لا ... لا ... ، يا رجال الجامعة  ! إن كان هناك شيء اسمه حرية الفكر فليس هناك شيء اسمه حرية الأخلاق . وتقولون : أوربا و تقليد أوربا ؟ ونحن نريد الشباب الذين يعملون لاستقلالنا لا لخضوعنا لأوربا . و تقولون : إن الجامعات ليست محل الدين ومن الذي يجهل أنها بهذا صارت محلاً لفوضى الأخلاق ؟ و تزعمون أن الشباب تعلموا ما يكفي من الدين في المدارس الابتدائية والثانوية فلا حاجة إليه في الجامعة . أفترون الإسلام دروساً ابتدائية وثانوية فقط ؟ أم تريدونه شجرة تغرس هناك لتقلع عندكم ؟ ) اهـ .

بين " الزهاوي" و " ابن الخطيب " :

ومن فصول المعركة الهجمات التي شنها الشاعر العراقي الملحد المدعو " جميل صدقي الزهاوي " (329) حيث أكثر من الطعن في الدين والتنفير من شرائعه حتى قال في الحجاب : أخر المسلمين عن أمم الأرض حجاب تشقى به المسلمات فانبرى له الشيخ ابن الخطيب وعارضه قائلاً (330) :

بـئس مـا يـدعـي فلاسـفة العصر مـن أن السـفـور فـيـه حـيــاء وهو حق إذ أن أسلافنا الأعراب من فرط ما يحبون ماتوا (331)

(329) و الزهاوي هو القائل في حب الإنكليز أعداء الإسلام و التنفير من الترك المسلمين :

                               تبصر أيهـا العــربي و اتـرك                ولاء التـرك مــن قــــوم لــئـام
                               ووال الإنجـليز رجـــال عــدل                و صدق في الفعال وفي الكلام
                               أحــب الإ نكليز و أصـطـفيهم                لــمـــرض الإخـــاء فـي الأنام
                               جلوا في الملك ظلمة كل ظلم                 بـعـدل ضــاء كـالـبدر التـــمام
       ( من ديوان الزهاوي ) ط  دار الدعوة - بيروت و له أشعار كثيرة في ذم الحجاب والتنفير منه ضربنا عنها صفحاً –  عليه من الله ما يستحقه .

(330) ( حقائق ثابتة في الإسلام ) لابن الخطيب ص ( 81 – 86 ) . (331) تهكم بهذا الرأي الفاسد والقول المذموم فهو يصدقهم في ما زعموه من أن السفور سبب للحياة إشارة إلى أن من مات من أعفاء العرب حزناً و جوى لعجزهم عن رؤية من يحبون نظراً لأن الحجاب كان يحول دون ذلك فيموت العاشق أو يجن و في هذا يقول قائلهم : ما كان أغناني عن حب من من دونه الأستار والحجب

        في حين أن السفور الممقوت قد خلط الحابل بالنابل و جعل العاشق متمكناً ومالكاً لمن يعشقها فانقشع(بفضل)
        السفور الأسى والجوى وحل محلهما القرب والنجوى فعم بذلك الشر والبلوى و استوجبوا به غضب الجبار ولا 
        حول ولا قوة إلا بالله .

يا خليلي حدث عن الشرق قدماً حين كانت تعـظـم المـعـجــزات حين كان القرآن يرجى ويخشى و القـوانـيـن آيــة البــيــنـــات حـيـن كـان الحـديـث يـتـلـى ولا يـرويـه إلا ذوو العقول الثقات إننا فـي الزمـان نـلـقى أنــاســاً في التوضي علومهم قاصرات(332) و هـمـوا بـعـد يـدعـون عـلـوماً أنكرتها عصورنا الخاليات(333) ليت شعري مـاذا يـريـدون مـنـا وصنـوف الأذى بـنـا مـحـدقـات بنت مصرهاتي سفورك واغشي كل ناد و لتمل منك الجهات(334) عـرفـي نـفـسـك الغـداة وطوفي لا تـفـتـك الأســـواق والحـانـات ثم أمي مجالس القوم و ادعيهم إلـى حــيــث لا تــمــل الدعـــاة عـلـنـاً بـالسـفـور نـبني حصوناً شـــــامــخــات بـهـا تـرد العداة و عـســانـا نرى البرايا سجوداً لابن مصر وقد علاه الثبات(335) ولـعـمـري قد بكى الدين حزناً حين قال الخطيب : يا سيدات(336)

ومن قذائف الحق في هذه المعركة : ما قاله الأديب الشاعر "مصفى صادق الرافعي" رداً على دعاة "تحرير" المرأة :

أراك تـــرجــيـــن الذي لـسـت أهـله وما كل عـــلــم إبـــرة وثــيـــاب كفى الزهر ما تندى به راحة الصبا و هل للندى بين السيول حساب وما أحمق الشاة استفرت بظلـفـهـا إذا حـسـبـت أن الشــيـاه ذئـــاب فحسـبك نبلاً قـالـة النـاس أنـجـبـت وحـسـبـك فخراً أن يصونك باب لـك القـلـب مـن زوج وولـد ووالــد وملك جـميـع العـالـمـيـن رقــاب ولم تخـلقي إلا نــعــيـماً لـــبـــائـــس فمـن ذا رأى أن النـعــيـم عـذاب دعـي عـنـك قوماً زاحمتهم نساؤهم فـكـانـوا كـما حف الشراب ذباب


(332) أي أنهم لا يتقنون الوضوء ، أو : لا يتوضئون أصلاً لتركهم الصلاة . (333) و ذلك لأنهم مع جهلهم حتى بفقه الوضوء يتقمصون صور العلماء والأحبار و يتشدقون بالنصوص الشرعية بعد تحريفها و تأويلها مدعين أن السفور لا ينافي الدين و يأتون بفهم للنصوص سقيم لم يسبقهم إليه سلف ولا خلف . (334) أمر قصد به التهكم والاستهزاء . (335) أي تركه النوم والخمول . (336) أي عندما غشيت النساء المحافل و المنتديات مختلطات بالرجال و صار الخطباء يفتتحون كلامهم بقولهم

        ( سيداتي سادتي ) ، هذه العبارة كان ( سعد ) يحلم باليوم الذي تقال فيه إذ قال في حفل تكريم له أقامه تجار 
        العاصمة على أثر عودته من منفاه : ( سادتي  .. كنت أود أن أقول : " سيداتي و سادتي " ، .. و أتعشم أن 
        يأتي يوم أرى فيه خطباءنا يبدأون بتلك البداية ) اهـ من كتاب ( المرأة المصرية ) لدرية شفيق ص ( 133) 

تـســاووا فــهـذا بـيـنـهـم مـثـل هذه وسـيـان معــنى يــافــع وكـعـاب وما عجبـي أن النــســاء تـرجــلــت ولكن تأنيث الرجال عجاب(237)

ومنها : ما كان من الشاعر الأستاذ ( محمد حسن النجمي ) وقد أطلع على رد فضيلة الشيخ ( مصطفى صبري ) رحمه الله على السفوريين (338) فأنشأ القصيدة الآتية :

زعـم السـفـور والاخـتـلاط وسـيـلة للـمجـد قوم في المجانة أغرقوا كذبوا متـى كـان التـعـرض للـخـنـا شـيئاً تـعـز به الشعوب وتسبق أيـكـون كـشـف السـوأتـيـن فـضيلة فـيـذيـعـهـا هـذا الشباب الأحمق ما بالـهـم والبـنـت قـد فـتـنـت بـمـا قالوا و حل بها الجنون المطبق وبـدت مـقـاتـل عـرضــهــا لـرمـاته حـتـى لـهـم بـه الجـبان الأخرق و القول أصبح في الخروج لها فلا كَـفٌ تـكُـف ولا رتـاج يــغـــلــق كـرهـوا الزواج بـها وباتت سوقها بعد التـبذل عـــنـدهــم لا تـنـفـق ما خطبهم كلفـوا بـنـزع حـجـابـهـا و تــكــلـفـوا فيها البيان ونمقوا و تناولوا بالضـعـف مـن حـاجـاتنا و اللـيـن ما هـو بالصرامة أخلق أغدت مـشـاكـلـنـا الكـبـيـرة كـلـهـا ذيل يجرجـره السـفـور المـطـلـق أم أنـهـم ضـلـوا السـبـيـل وغـرهم بــبــريــقــه هـذا الجـديـد المخلق

أشــبـابـنـا المـرجـو صـيحة جازع أغرى بـها هـذا البــلاء المـحـدق و نصـيحة يفـدي بـرائـع ســـرهـا لـقـوام نـهـضــتـنـا مـحب مشفق لا تـرهـفـوا ســمـع الحـفـي لـقالة أبداً بــهـا بــوم البـطـالة تـنـعــق لم يقـصـدوا خـيـراً بـهـا لـكـنـهـم رأوا القوى يسيـغـهـا فـتـمـلـقـوا و لـربـمـا أجـتـرح القـوى خطيئة فمضى الضعيف بمدحها يتشدق قوا أهلكـم ونـفـوســكـم عـاراً إذا لــم تـتـقـوه بـغــيـركــم لا يـعـلق وتـنـاولـوا بـالزجـر حـمـراً كـلما هيجت إلى متـع الإبـاحـة تـنـهـق ليس التمدن أن نرى روح الحيا بـيـد الخـلاعـة كـل يـوم تــزهـق و البنت يدفعها براحـتـه الهـوى فـتروح تهوى من تشاء وتعشق لـكـنـه العــلـم اهـتـدى بـضـيـائه غرب البسيطة حين ضل المشرق

(337) ديوان الرافعي (2/1321هـ) (ربة الحسن والقلم) و للرافعي قصيدة أنشأها ينقد فيها تبرج النساء لاقت في 
         زمنه رواجاً عظيماً ووزع منها عشرة آلاف نسخة وذكر ذلك صديقه (أبورية) في كتابه(من رسائل الرافعي) 
         قال في مطلعها :             دلالك في التبرج من ضلالك         وما عاب الدلال سوى دلالك

(338) في كتابه ( قولي في المرأة ) . قال الشاعر " محمد إقبال " في قصيدته " جواب شكوى " (*) :

لقد سئم الهوى في البيد قيس ومــل مــن الشــــكـايــة والعـــذاب يـحـاول أن يباح العـشق حتى يرى لـيلاه وهــي بــلا احــتــجــاب يريد سـفور وجه الحـسـن لما رأى وجـــه الغـــرام بــــلا نــقـاب فـهـذا العـهد أحرق كل غرس مـن المــاضـي و أغــلـق كـل بـاب قد أفنت صواعــقـه المـغـانـي و عاثت في الجبال و في الهضاب

هــي النار الجديدة ليس يلقى لها حطب سوى المجد القديم خــذوا إيــمـــان إبراهيم ينبت لـكم في النار روضات النعيم و يذكوا من دم الشهـداء ورد ســـنـي العـطر قدسـي النسيم

ولعل مما يصور واقع ( المرأة الجديدة ) التي أنتجتها دعوة التحرير أصدق تصوير هذه القصيدة لفضيلة الشيخ"عبد الفتاح عشماوي" كتبها جواباً لشاب مسلم حائر بعنوان :

" حيرة "

سأل الفـتى هــلا أزلــت لــحــيــرتـي كيف السبيل وقد جعـلتـك قدوتي ؟ فـأجـبـت أفـصــح مــا بــذاتـك عـلني أجـد السـبـيـل بـقـدر ما في طاقتي فأجاب أبغـي أن أصـون غــريــزتـي بـزواج مـن تـدعـى بـحق زوجتي ليست مشاع للجــمــيــع يــرونــهــا تمشي لتعرض ما يـذل رجـولـتـي إن قـلـت صـونـي سـمعتي وتستري ألفيتها عابت عليَّ ( رجـعـيـتـي ) أو قـلت : قــال الله كان جــوابــهــا ما قال ( قاسم ) أو(فرويد) غايتي و إذا خطبت وقلت:ما هو مهرها ؟ لم يتركوا إلا الفراغ بــجــعــبـتــي و إذا رأتــنـي بـالشـــعـيـرات التـي في عارضي طلبت إزالة لحـيــتــي أو لا زواج و قــد أطــاعــوا أمرها و أنــا الطــريــد أجــر ذيـل الخيبة فإذا رضخت وصار وجهي نـاعمــاً و تــزوجــتــنــي والمـضيع سنتي ورأيتها يــومــاً تــغــادر بــيــتــنــا و ســـألـتـها قـالت : أريد إدارتي لــم يــبــق إلا أن أكــون مــكــانـها وهـي التـي تـســعى لتجلب لقمتي و طعامها أطهو و أغسل ثــوبــهـا و كـذاك أرضــع طفــلها يا بلوتي

( * ) ( تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة ) لأحمد بن يحيي النجمي ص ( 59 ) . لــم لا تــكــون وقــد رأت حـكـامها أعـــطـــوا لــها ما حرمته شريعتي من لي بذات الدين تحفظ غيبـتـي غـابـــت فـــلـم أر مـن أراها زوجتي فأجبته و أنـا أغــالــب دمــعــتــي أســــمـعــتني ما زادني من حسرتي لـكــن أقـــول وقـــد وُهِبْتَ هـداية لا تـــيـأســـن و أبــحث عن المهدية فهناك من صن الحـياء و إنــمـــا غـيبن خــلـف الخــدر خــدر العــفــة قل للتي أخضرت ولكن من دمن(339) لا أشــتــريــك لــكــي أبــيــع ديانتي لو عشت طول العمر غير مزوج فــأنــا حــريــص أن أبيض صفحتي و لـــدي وعـــد الله حـــق قـاطع عندي عروسك والزفاف بجنتي (340)

المصير الأسود

وكنتيجة حتمية لذلك السفور وهذا التبرج الجاهلي الكبير و لنفس النظام التعليمي الفاسد الذي غايته المثلى و هدفه الأسمى الوظيفة الحكومية وغير الحكومية امتلأت دور الحكومة ومصالحها بالموظفات و ازدحمت بهن المسارح ودور السينما و كذلك المسابح والمصطافات وضمت البلاد بالخبث و عمها الفساد و انمسخ المجتمع الإسلامي فأصبح غيره بالأمس في مظهره ومخبره وظاهره وباطنه .

ثم جردت جيوش الشيطان ونفثت سمومها في كل مكان عبر السينما والتليفزيون والمسارح و إذا بنا أمام مخطط إلحادي يجوس خلال ديارنا و إذا بالزنا يحميه قانون و إذا بالفسقة والفاسقات من أهل " الفن " تقام لهم الأعياد و تضفى عليهم صفات البطولة وتهدى لهم الجوائز ليستعينوا بها على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا .

لقد كرم الإسلام المرأة كتاباً و سنة وحفلت شريعته برفع شأنها و صيانة حقوقها لكنها أذلت نفسها لما اتبعت الذين حرضوها ضد فطرتها ودينها و فسلخوها من دينها و أبعدوها عن ربها و ألقوا بها في متاهات الحياة لتقاسي شظف العيش و مكاره المحن التي ناء بها كاهل الرجل بله المرأة لقد حملوها حملاً على أن تصطف في طابور المنقادين لحضارة الغرب لتدخل جنته المنشودة ولكن بعد أن تخلع على أعتابها إيمانها بالله واليوم الآخر .


(339) مأخوذ من معنى حديث ضعيف جداً نصه : ( إياكم وخضراء الدمن فقيل وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ) – أنظر سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم ( 14 ) . (340) محاضرات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - الموسم الثقافي للعام الدراسي 1394 هـ - 1395 هـ .

 و دفعت المرأة الثمن :

لقد فقدت المرأة التي كان يلوح لها " أنصارها " بسعادة التحرر و التطور – ليس فقط سعادتها – بل فقدت وجودها كله ذات قيمة في المجتمع ووزن فيه لقد قبضت فيما مضى على دينها فقبض الله عنها السوء و بسط لها الحلال حتى لم تكد تينع الثمرة في بيت أبيها إلا وتمتد يد الحلال وتقطفها فلا تفتح عينها إلا على حليلها و لكنها قد ابتذلت و أهينت على يد أصدقائها و أنصارها كان أول من زهد فيها أنصارها المخادعون ولم تعد – كما كانت – تتمتع باحترام الآباء و الأزواج و لم تعد تحاط بهالة التقدير والتعظيم و إنما أصبحت في نظر الجميع أشبه بمحترفة تطلب العيش و تقرع كل باب للعمل لعلها تحصل على وظيفة – أي كانت – تدر عليها دراهم معدودة تنفق أكثرها في المساحيق للتجميل و في الثياب القصيرة للفتنة ولفت الأنظار. هذا هو المنحدر الفظيع و الهاوية السحيقة والمصير الأسود القاتم الذي انتهت إليه المرأة في كثير من بلاد المسلمين .

 و الآن :

و قد خلعت المرأة حجابها وغادرت حصنها وعصت ربها فهل جنينا حقاً التقدم والرخاء والحضارة ؟ لقد خالطت الرجال واختلط الحابل بالنابل فهل زالت العقد النفسية ؟ وهل استقرت دواخلهما ؟ و هل جنينا سوى الثمار المريرة ؟ لقد فتحنا بلادنا أمام الغزو الفكري اليهودي والصليبي والعلماني الذي سلط علينا سموم الشبهات و سهام الشهوات التي كانت أفتكها المرأة فهل وجدناهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ؟

 التجربة خير شاهد :

إننا لن نطيل في وصف الهاوية التي تردت إليها المرأة " المتحررة " بفضل " أنصارها " و " أصدقائها " لأن الواقع حولنا يكفينا مؤنة هذه الإطالة إنه حقاً واقع مرير مرير تستطيع أن تدرك عواقبه و آثاره حيثما وقعت عينك في كل بيت في كل طريق في كل وظيفة . و ربما إذا كنا نتكلم من خلال خيال حالم أو حتى منذ قرن واحد مضى لا تهمنا بالتحامل أو المبالغة .. و لكنه واقع أليم خير من ينبئك عنه :

                            هذه المرأة الضحية ... 
                             و هؤلاء " الأ نصار " و " الأصدقاء " ... 
                             إن صدقوا !

السياسة في المعركة

 معركة سلاحها الأقلام :

رأينا – فيما سبق – كيف تحولت قضية ( تحرير ) المرأة المسلمة إلى حملة ( السفور ) مسعورة ضد الحجاب و كيف أخذت كلمة ( تحرير ) مدلول( السفور ) برغم أن التحرير في الإسلام يأخذ مدلول الحجاب فكانت المحجبة هي " الحرة " و السافرة – أي التي تكشف وجهها – هي " الأمة " فكان السفور عنوان العبودية أما في ظل دعاة التحرير فأن الحجاب عندهم هو عنوان العبودية .

و تابعنا فيما مضى بعض فصول المعركة الفكرية التي انتصر فيها ( السفور ) على ( الحجاب ) وكانت ساحة هذه المعركة في الغالب صفحات الصحافة ثم الكتب والمطبوعات وقاعات الجامعة وسائر وسائل الإعلام ..

و قد كانت هذه الوسائل متوافرة في أيدي دعاة السفور ومن ثم لم تكن المعركة متكافئة و لم تكن الحرب عادلة خاصة إذا انضم غلى ذلك ادعاء السفوريين أن السفور جاء نتيجة طبيعية للتطور الحضاري المرتقب و أن السفور هو اختيار المرأة ذاتها ورغبتها الفعلية الحرة من أجل خلاصها من العبودية .

بل لم يبخل السفوريون بان يخدعوا أنفسهم أو يخادعوا الإسلاميين بقواعد شرعية صحيحة يحرفونها عن مواضعها و يستدلون بها لتسويغ باطلهم .

و تطوع علماء السوء بالتزلف – تحت ضغط " سيف المعز " و " ذهب المعز " – وراحوا ينتزعون من النصوص الشرعية ما يمكن أن يبرروا به للحكام مخالفتهم للشرع هؤلاء الحكام الذين راحوا يتشدقون بأن ( الدين في نظرهم ثقافة ليس إلا ) و إنه( لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ) هم أنفسهم رحبوا بالدين طالما صلى لهم " رجال الدين " " صلاة الاستسقاء " إذا عطشوا و " صلاة النصر " إذا انتصروا و " صلاة الحاجة " إذا مرضوا ثم " صلاة الجنازة "إذا ماتوا .

 معركة سلاحها البطش :

إذا كانت دعوة " تحرير المرأة " أساساً دعوة استعمارية أسسها الاستعمار وربى دعاتها على موائده ومكن تلاميذه من نشرها ..

و إذا كان هؤلاء السفوريون سلكوا تلك الأساليب الملتوية في عرض دعوتهم لتزييف الحقيقة و الصد عن سبيل الله .. و إذا كانت إعراض التآمر واضحة في كل خطوة من خطوات حركة تحرير المرأة .. فهل يمكن بعد ذلك أن يزعم زاعم أن المعركة التي انتصر فيها السفور على الحجاب في بلاد المسلمين كانت معركة شريفة حقاً انتصر فيها ( السفور ) لأنه التطور الحضاري المرتقب كما يزعمون و لأنه الرغبة الفعلية للمرأة واختيارها الحر من أجل خلاصها ؟

و إذا كانت فصول المعركة الفكرية بعد أن انتهت بهذا الانتصار الكاذب قد تحولت إلى معركة حقيقية تفرضها سياسة جائرة تحكم أمة مستضعفة مقهورة و جنود مسلحون أمام نساء عزل و قوانين إرهابية و إجراءات تعسفية ومشانق تعلق و سجون تعمر و نيران تضرم فهل يمكن بعد هذا كله القول بأنها كانت معركة شريفة انتصر فيها السفور على الحجاب طبقاً للاختيار الحر للمرأة وأنها ثمرة من ثمرات " الديموقراطية " المزعومة أو " الحرية " الأسيرة أو " التقدم " الرجعي الذي يعيدنا إلى الجاهلية الأولى ؟

و الآن – و قبل أن نستأنف عرض تفاصيل المعركة المسلحة ضد الحجاب – دعونا نطالع أولاً هذه السطور المضيئة للإمام المحقق ابن قيم الجوزية وهو يعدد واجبات أولي الأمر :

 مسؤولية الحاكم المسلم :

قال رحمه الله (341) :

( ومن ذلك : أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال . قال مالك رحمه الله ورضي الله عنه : " أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم و أرى أن لا يترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع فأما المرأة المتجالة و الخادم الدون التي لا تتهم على القعود ولا يتهم من تقعد عنده : فإني لا أرى بذلك بأساً " انتهى . فالإمام مسؤول عن ذلك و الفتنة به عظيمة قال "  : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " (342) وفي حديث آخر أنه قال للنساء : " لكُن حافات الطرق " (343) و يجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات و منعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك

(341) " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية " ص ( 280 – 281 ) . (342) رواه الشيخان وغيرهما عن أسامة رضي الله عنه . (343) أخرجه أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري بلفظ : ( ليس لكُن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق : وفي سنده مجهول لكن له شاهد حسن من حديث أبي هريرة بلفظ : ( ليس للنساء وسط الطريق ) رواه ابن حبان وغيره ، فيتقوى به ( صحيح الجامع 5 / 98 ) ، وتحقيق " شرح السنة " ( 12 / 322 ) . و إن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة – إذا تجملت وتزينت وخرجت – ثيابها بحبر و نحوه فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء و أصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية و له أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها – ولا سيما إذا خرجت متجملة – بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية و الله سائل ولي الأمر عن ذلك و قد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال و الاختلاط بهن في الطريق (344) فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك . وقال الخلال في جامعه : أخبرني محمد بن يحيي الكحال أنه قال لأبي عبد الله : أرى الرجل السوء مع المرأة ؟ قال : صح به و قد أخبر النبي "  : " أن المرأة إذا تطيبت و خرجت من بيتها فهي زانية " (345) ويمنع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد (346) فقد قال النبي "  : " المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان " (347) . ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر و هو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة و اختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة ) اهـ . فهذه نبذة يسيرة مما ينبغي أن يكون عليه الحاكم المسلم و أن سلطته – بقوة الشرع الذي يجعل طاعته جزء من الدين – تمتد إلى هذه الحدود الواسعة ردعاً للفسقة ومشيعي الفاحشة و مراعاة لقوله "  : " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته : الإمام راع و هو مسؤول عن رعيته " الحديث (348) . قال الله تعالى : ( و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميه ليمكروا فيها ) الآية الأنعام 123 .


(344) و قد روى أنه رأى رجلاً و امرأة يتكلمان في الطريق – و قد تكون زوجته أو من محارمه – فعلاهما

         بالدرة ، و قال : ( ما وجدتما مكاناً غير هذا تتكلمان فيه ؟ ) فأين أنت يا عمر و أين درتك ؟ ما أحوجنا إليكما 
         الآن ! .

(345) أخرجه النسائي و أبو داود و الترمذي و الحاكم والإمام أحمد و ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من

         حديث أبي موسى الأشعري بلفظ : ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية ) و 
         قال الترمذي : حسن صحيح و قال الحاكم : صحيح الاسناد ، ووافقه الذهبي .

(346) لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله "  : ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة )

        أخرجه مسلم و أبو عوانة في صحيحيهما و أصحاب السنن و غيرهم .

(347) رواه البزار والترمذي والطبري في الكبير و صححه الألباني ( إرواء الغليل 1 / 303 ) رقم ( 273 ) . (348) رواه الشيخان و غيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما . و هذا ما جرى من " أكابر مجرميها " قرانا حيث تمكن منها تلامذة الاستعمار الأمناء على عهده الحافظون لمآربه وهم قوم صغار النفوس لا يقف استهتارهم وعنادهم للشرع عند حد و الأمة إذا أسندت أمرها إلى صغار النفوس كبرت رذائلهم لا نفوسهم و إذا حكم الفاسق فقد حكم الفسق .

و للخير أهل يعرفون بهديهم إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع وللشــر أهل يعرفون بشكلهم تـشـــيـر إلـيـهـم بالفجور الأصابع

و قد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله "  : " صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس و نساء كاسيات عاريات مميلات (349) مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ".

قال الأستاذ " محمد أديب كلكل " (350) مشيراً إلى فوائد هذا الحديث : ( و فيه ربط بين الاستبداد السياسي " قوم معهم سياط " و الانحلال الخلقي " ونساء كاسيات عاريات " وهذا ما يصدقه الواقع فإن المستبدين من الطغاة والمتسلطين من الفراعنة يشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات ويزينها ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة لكي يبقوا سادرين في غفلاتهم غارقين في شهواتهم لا يهتمون بطغيان ولا يسألون عن انحراف ولا يقاومون ظلماً و لا عدوان ) اهـ بمعناه .

أجل ! لقد تطرف هؤلاء " الأكابر " في انجذابهم إلى طريق الشيطان حتى خرجوا من الدائرة بالكلية و صاروا هم في الحقيقة الرجعيين المتطرفين الداعين إلى الرجعية الجاهلية المظلمة قبل بزوغ فجر الإسلام .

ومن عجيب أمرهم أنه إذا أنكر عليه منكر فتحهم باب الطعن في أحكام الإسلام احتجوا بأن هذه أمور تخضع للحرية الشخصية و أن لابد من التزام مبدأ حرية الرأي والسلوك أفلا يحتجون بحرية الرأي و السلوك في حق من يكفر بنظمهم " الأساسية " و يطعن في مناهجهم العلمانية ؟ أم أنهم يغارون على دنياهم و يستكثرون منا أن نغار على ديننا ؟ يقاد للسجن من سب الزعيم ومن سب الإله فإن الناس أحرار

(349) قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله : ( " مائلات مميلات " مائلات : أي زائغات عن طاعة اللهو عما

         يلزمهن من حفظ الفروج و مميلات : يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن ) اهـ محل الغرض منه 
        ( جامع الأصول 11 / 789 ) .
         و قال الشيخ إسماعيل حقي في تفسير قوله ( مميلات ) : ( أي قلوب الرجال إلى الفساد بهن ، أو مميلات 
         أكتافهن و أكفالهن كما تفعل الراقصات أو مميلات مقانعهن عن رؤوسهن لتظهر وجوههن ) اهـ  من 
        ( روح البيان ) ( 7 / 170 ) – و انظر هامش " المجموع " للنووي ( 4 / 307 ) .

(350) في كتابه ( حكم النظر في الإسلام ) ص ( 134 ) . عود على بدء

الآن نعرض فصولاً من المعركة التي دارت بين الحجاب والسفور في بعض البقاع الإسلامية وقد تحولت من معركة فكرية سلاحها القلم و التضليل إلى معركة حقيقية سلاحها البطش و الإرهاب والتنكيل .

1 – في تركيا :

( شرع أتاتورك – عليه من الله ما يستحق – قانونه لنزع حجاب المرأة المسلمة و راقب تنفيذه و عاقب مخالفيه وشنق معارضيه ) (351) . و قال في تسويغ حربه على الحجاب : " لقد رأيت كثيرات من أخواتنا يغطين وجوههن إذا ما رأين غريب يتقدم نحوهن ومن المؤكد أن هذا الغطاء يضايقهن كثيراً في الحر " (352)اهـ . و قام عام (1925 ) بإجبار تركيا بأكملها – و ليس المرأة فقط – على هجر الإسلام كلية حتى الحرف الذي تكتب به اللغة التركية متشابهاً مع لغة القرآن أم نزع حجاب المرأة التركية فقد تم بالإرهاب و الإهانة في الطرقات حين كان البوليس يقوم بنزع حجاب المرأة التركية بالقوة ) (353) . و هكذا كان نزع الحجاب خطوة ضمن خطة علمانية شاملة لإزالة كل أثر للإسلام في تركيا مركز الخلافة العثمانية (354) ويصور الأستاذ " أحمد حسن الزيات " بعض ملامح هذه الخطة فيقول : ( و ألزموا التركي المسلم بلبس القبعة و أرغموه أن يكتب من الشمال و فصلوا الدين عن الدولة و انتزعوا العربية من التركية و ألغوا العيدين و استبدلوا بعيد الجمعة عيد الأحد و عطلوا الصلاة بمسجد أيا صوفيا و أسكتوا المؤذنين و أبعدوا المصلين فلا يمرون عليه إلا باكين مستعبرين و حولوه إلى متحف وبيت للأوثان و طمست منه آيات القرآن و أظهرت فيه الصور والأوثان – و كأن أتاتورك و أشياعه قد نقلوا أمتهم المروعة المشدوهةعلى المدرعات إلى الشاطئ الأوربي ثم أحرقوامن ورائها سفائن طارق)(355)

(351) ( المرأة المسلمة ) لوهبي غاوجي الألباني ص (189) . (352) " مصطفى كمال أتاتورك " إعداد لجنة الرواد والمشاهير " بإشراف الدكتور رء وف سـلامة موسى

         ص ( 96 ) .

(353) ( في مسألة السفور والحجاب ) لصافي ناز كاظم ص ( 9 ) . (354) ومن الجدير بالذكر أن زوجة أتاتورك رفضت الاستجابة لطلب زوجها حينما راودها على كشف وجهها و

        رأسها و أمرها بالتخلي عن الحجاب و أصرت على لزوم الحجاب حتى كان هذا الأمر أحد أسباب طلبها 
        الطلاق منه .

(355) مستفاد من ( الرسالة ) العدد 88 السنة الثالثة 6 ذي الحجة 1353 هـ ، 11 مارس 1935 م . ( أجل ! لقد حولوا جامع " أيا صوفيا " وهو مسجد الأستانة الكبير كنيسة بمنع الصلاة فيه و محو ما فيه من آيات قرآنية و أحاديث و الكشف عما ستره المسلمون الفاتحون من الصور التي زعمها النصارى للملائكة ومن يسمونهم القديسين و الصلبان ونحوها من نقوش نصرانية ) (356).

وفي هذا قال حافظ :

" أيا صوفيا " حان التفرق فاذكري عــهــود كـرام فيك صلوا وسلموا إذا عــدت يــومــاً لـلـصـلـيب و أهله وحلي نواحيك المـســـيح ومريم و دقــت نــواقـــيــس و قــام مــزمـر مــن الروم فــي مـحـرابـه يترنم فـلا تـنــكــري عـــهــد المــآذن إنــه على الله من عهد النواقيس أكرم (357)

( ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة في 3 مارس عام 1924 من دون مناقشة للجمعية الوطنية وصدر قانون يحكم بالإعدام على من يتآمر على عودتها (358) .... و في نفس العام (1924) صدر قانون بإلغاء التعليم الديني و جعل التعليم مدنياً فقط ثم ألغيت المحاكم الشرعية و أصبحت التركية هي لغة البلاد و أنقرة هي عاصمتها . وكان أتاتورك يجوب تركيا لابساً قبعة من القش و كان يثور كلما رأى رجلاً يلبس الطربوش و قد أثار أزمة مع سفير مصر في أنقرة إذ صرخ فيه في إحدى الحفلات : " قل للملك إني لا أحب هذا ا للباس " . وفي عام ( 1926 ) ألغى الزواج الشرعي وجعله مدنياً و ألزم توثيقه أمام موظفي الدولة و قد أمر أتاتورك الأتراك بالتوقف عن إلقاء السلام بالفم و نصحهم بأن تكون تحيتهم بالمصافحة باليد و حرم ارتداء الملابس الدينية لغير رجال الدين ثم ألغى الحريم و أصدر قانوناً بإلغاء الحجاب للمرأة و ألغى تعدد الزوجات و أدخل التعليم المختلط ... و استبدل بالقانون المدني التركي القانون السويسري و أوقف التقويم الهجري و أمر باستخدام التقويم الميلادي و جعل العطلة الأسبوعية يوم الأحد من كل أسبوع ) (359) .


(356) مجلة " الإسلام " – 17 جماد الأولى 1354 هـ - 16 أغسطس 1935 م – ص ( 44 ) . (357) " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر " ( 2 / 20 – 21 ) . (358) ( جاء في دائرة المعارف الماسونية ص (162 ) ما نصه : " إن الانقلاب الذي قام به الأخ " مصطفى كمال

         أتاتورك " أفاد الأمة الماسونية فقد أبطل السلطنة و ألغى الخلافة الإسلامية و أبطل المحاكم الشرعية و أبعد 
          دين الإسلام عن الحياة " ) ، و انظر " محاضرات الجامعة الإسلامية " عام ( 1395 م – 1396 هـ ) 
          ص ( 132 ) .

(359) انظر " مصطفى كمال اتاتورك " د . رؤف سلامة موسى ص ( 93 : 96 ) . و هذه صحيفة " السياسة الأسبوعية " (360) تكتب مقالاً عن ( فتاة تركيا 1926) تصف فيه باخرة اتخذتها وزارة التجارة التركية معرضاً عاماً في رحلة على نفقة الحكومة تنتقل فيها بين موانئ أوربا الشهيرة فتقول أن هذه الباخرة كانت تقل ( خمساً وعشرين فتاة من فتيات تركيا الجديدة كلهن جميلات مقصوصات الشعور لا يكاد يميزهن الرائي من فتيات لندن وباريس )

ويقول المراسل : " إن أكثر الفتيات يتكلمن الإنجليزية بإتقان يدعو إلى الدهشة و إن بعضهن قد تلقى العلم في الكلية الأمريكية في القسطنطينية " و يروي بعض ما صرحت به الفتيات من مثل قول إحداهن في بعض الموانئ الإنجليزية : 

( إن المرأة التركية اليوم حرة فلن تسير إلى الطرقات في ظلام و إننا نعيش اليوم مثل نسائكم الإنجليزيات نلبس أحدث الأزياء الأوربية و الأمريكية و نرقص وندخن ونسافر وننتقل بغير أزواجنا ) ومن مثل تصريح أخرى بأن ( معيشتهن على ظهر الباخرة معيشة سرور و صفاء لا يوصف فكلهن يرقص و بعد العشاء يبدأ الرقص من " تانجو " و " فوكس تروت " و قد تعلمت ذلك في المدرسة ) و يعلق مراسل الصحيفة على ذلك الوصف بقوله : ( إن هذا من أظهر الآثار التي تدل على تقدم المرأة التركية و مجاراتها لأختها الغربية في ميدان العمل و الجهاد الفكري والاقتصادي ولا يسع كل محب لتركيا إلا أن يغبطها على هذه الخطوات ) اهـ .

و هذه هي صحيفة ( المقتطف ) تكتب مقالاً عن (الأحوال في تركيا المعاصرة ) (361) تشيد فيه بمصطفى كمال أتاتورك و تقرنه بواشنجتن زاعمة إنه أكبر زعيم معاصر وهي تثني على صنيعه في فصل الدولة عن الدين و اعتباره الدين ( أمراً شخصياً بين المرء وخالقه ) ثم تشيد الصحيفة بالتطور الاجتماعي الذي طرأ على تركيا بسفور النساء واشتراكهن في المجتمعات مع الرجال ومشاركتهن الشبان في الدراسات الجامعية و إنشاء صحيفة تدافع عن حقوقهن و يشير الكاتب بإعجاب إلى ما أنشئ من الدور المختلطة التي تضم الشباب من الجنسين ليمارسوا الرياضة و يروي الكاتب بلهجة الاستحسان ( طلب بعض النابغات منهن أن يسمح لهن بإلقاء خطب في الجوامع كل أسبوع في تدبير المنزل وما أشبهه من الموضوعات ) اهـ.

لقد كان أتاتورك يجعل من رذائل الأوربيين فضائل لهم على رغم أنفهم يتبرءون منها و يلحقها هو بقومه .. إنه لم يحكم على شبر من أوربا بجعله تركيا و لكنه جعل رذائل أوربة تتجنس بالجنسية التركية .

(360) " السياسة الأسبوعية " – عدد 17 يوليو 1926 م . (361) المقتطف عدد إبريل ( نيسان ) 1926 ( ص 410 – 413 ) . المثل الأعلى للفراعنة :

و لعل سيرة اتاتورك تفسر لنا لماذا يصر طواغيت اليوم على اتخاذه أسوة وقدوة حتى لقد افتخر " فرعون مصر " الملقب بـ " أنور اليهود " يوماً بأن مثله الأعلى هو"أتاتورك" و كأنه لم يكفه أن زعيم الترك بعد أن أرغم قومه على إلغاء الحروف العربية بغضاً في العرب ودينهم وحملهم على لبس القبعة فأحسوها ذلة تطأطأ لها الرءوس و عاراً تذل له النفوس و حاول بعض المتقين نبذها فقطعت رءوسهم و أراد بعض الغيورين استهجانها فشلت ألسنتهم و لم يكفه أن " أتاتورك " رمى بالمصحف ساخراً و قال لعنة الله عليه : " لا تفلحوا ما دام هذا الكتاب البالي أمامكم " و كان يأمر فيترجم له بعض آياته لنقدها والسخرية بها . و قال في حديث مع ( المس جريس أليسون ) : " إنك تتحدثين عن الدين ألا فاعلمي أني رجل لا دين له وكثيراً ما وددت لو كان في وسعي أن أقذف بجميع الأديان إلى البحر ! إن الحاكم الذي يشعر بحاجته إلى الدين ليدعم به حكومته لهو أخرق الرأي ضعيف السلطان يحاول اصطياد الرعية بالحبال الواهية أما الشعب التركي فسيتعلم مبادئ الديموقراطية الصحيحة ويرضع لبان العلوم الحقة و سنضرب الخرافات بيد من حديد ثم ندع للناس حرية الاعتقاد ليعبدوا ما يشاءون " . و قرر أن لا يدرس الفقه الإسلامي في جامعة استمبول الجديدة لأنه يعتقد أن التخصص في العلوم الدينية لا يطابق حالة العصر ( 362) . ( وتبنى القانون المدني السويسري و قانون الجرائم الإيطالي و أمر بتحريق مصادر الفقه الإسلامي ثم أضطهد علماء المسلمين أبشع الاضطهاد وقتل منهم العشرات وعلق جثثهم على أعواد الشجر بأقمشة عمائمهم . لقد أحياهم في التاريخ أم هم فقتلوه في التاريخ و جاءهم بالرحمة من جميع المسلمين أما هم فجاءوه باللعنة من المسلمين جميعاً ) (363) .

و جاء في جريدة "المسلمون " الدولية – العدد الثالث والثلاثون – السبت ( 7 – 13 المحرم 1406 هـ ) الموافق ( 21 – 27 سبتمبر 1985م ) تحت عنوان : ( الدكتورة " نبهة " هل تخلع الحجاب بالقوة في تركيا ؟ ) : ( الدكتورة " نبهة كورو " اسم تردده وكالات الأنباء العالمية أستاذة مساعدة في جامعة إيجه في أزمير مشكلتها أنها تعرضت للاضطهاد بسبب ارتدائها الحجاب و إصرار السلطات على أن تخلعه .

(362) مجلة " الإسلام " 17 جمادى الأولى 1354 هـ - ص ( 43 – 44 ) – ومما يذكر أن الطاغية

        " جمال عبد الناصر " كان هو أيضاً يفاخر في مناسبات عديدة بأن مثله الأعلى هو " أتاتورك " .

(363) مجلة " الجامعة الإسلامية " عام 1395 – 1396 هـ ص ( 133 ) . قصتها بدأت في منتصف العام الماضي عقب عودتها من الولايات المتحدة بعد حصولها على درجة الدكتوراة في الطاقة الشمسية وجدت أن الحكم العسكري الذي كان مسيطراً على مقاليد الحكم في تركيا في ذلك الوقت قد سيطر على الجامعات من خلال تنظيم مجلس التعليم العالي و أسند رئاسة المجلس إلى " إحسان دوجر ماس " وهو أستاذ تلقى تعليمه في الولايات المتحدة و قام بعد رئاسته للمجلس بشن حملة فصل تعسفي شملت أكثر من ألفي عضو هيئة تدريس بحجة مخالفة القوانين . حرصت الدكتورة " نبهة " على ارتداء الحجاب أثناء إلقاء محاضراتها بجامعة أزمير وسرعان ما بدأ الصدام حيث بدأ الأستاذ دوجر ماس – مفوض الحاكم العسكري على الجامعات – حملة مضايقات ضدها وكان الإنذار الأول بأن لا ترتدي غطاء الرأس أثناء وجودها في الجامعة والإنذار الثاني من السلطات الرسمية يتضمن طلباً رسمياً بخلع الحجاب . و رفضت الدكتورة " نبهة " خلع الحجاب و كان ذلك بمثابة تحد و عصيان على سلطة " دوجر ماس " المطلقة على التعليم العالي في تركيا و أحيلت إلى المحاكمة ورفضت أن يدافع عنها أحد ووقفت لمدة ساعة تترافع عن نفسها و لم تستشهد إلا بنصوص القانون العلماني الذي يريدون أن يحاكموها طبقاً له واستحوذ أسلوبها على اهتمام الناس وهي تطالب بإلغاء الحكم الصادر ضدها بخلع الحجاب ولم تكتف بالدفاع عن الحجاب بل كشفت أيضاً تفاصيل المعاملة غير العادلة التي تقوم بها سلطات الجامعة . و قد أعلنت المحكمة تأجيل القضية للحكم و بعد شهرين من التأجيل أصدرت المحكمة العليا حكماً جاء في حيثياته : " رغم أن مواد الدستور تنص على حماية الحرية الدينية لكل مواطن إلا أن هناك مبادئ عليا في الدولة هي المبادئ الكمالية – نسبة إلى مصطفى كمال اتاتورك – و إن إصرار الدكتورة " نبهة " على ارتداء الحجاب ضد روح الدستور " . والدكتورة نبهة تقدمت بطعن إلى المحكمة العليا لم ينظر حتى الآن و منعت من ممارسة التدريس و ما زالت في الانتظار تبحث عن جواب ... من يملك الحق في تحريم الحجاب ؟ )

دعاة " حقوق الإنسان " ضد الحجاب

أعرب " معمر إكسوي " أحد الموقعين على التماس إلى الرئيس التركي لإعطاء مزيد من الحريات للشعب عن رأيه بضرورة صياغة قانون لمنع ارتداء الحجاب في المؤسسات و الهيئات الحكومية . كما وجهت " توريكان أديكان " رئيسة منظمة الدفاع عن حقوق المرأة وعضو البرلمان اللوم إلى زوجات أعضاء البرلمان اللائي حضرن حفل افتتاح جلساته وهن يرتدين الحجاب و تقول : إنه لا يجب التسامح في ارتداء السيدات للحجاب و جدير بالذكر أن " معمر " و " توريكان " من كبار الدعاة لحقوق الإنسان (*) في تركيا . و طبقاً للقانون العلماني في تركيا يعاقب كل من يكتب في الصحف أو يشير في وسائل الإعلام الأخرى عن الشريعة الإسلامية أو الحجاب بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات والتهديد بالإغلاق . ورغم ذلك هناك أصوات إسلامية قوية تقف ضد التيار العلماني الذي يطالب بمنع الحجاب فهناك الكاتبة الإسلامية " سولي يوكسل سينلر " التي تعرضت للسجن أكثر من مرة وتعيش في أحد الأحياء الفقيرة في أنقرة واكتسبت شهرة كبيرة بين أوساط النساء بدعوتها إلى الحجاب عندما ظهر أول مقال لها في صحيفة الاستقلال في عام 1967 تحت عنوان ( خطاب إلى المرأة المسلمة) وبدأت تجذب انتباه عشرات الآلاف في تركيا تم القبض عليها وحكم عليها بالسجن عامين .

وفي عام 1972 تأسس حزب " السلامة " الإسلامي 

بزعامة " نجم الدين أرباكان " و حاز على تأييد قوي في انتخابات عام 1973 بعد ستة أشهر فقط من تأسيسه وبدأ الحزب حملة نضال من أجل حقوق المرأة المحجبة و لكن رئيس الحزب فوجئ باتهام موجه له بأنه يعمل على محاولة إقامة دولة دينية و يواجه الآن حكماً بالسجن لمدة عامين . و قد وصل عدد الطالبات اللاتي تم فصلهن من جامعة أنقرة بسبب ارتدائهن الحجاب إلى مائة طالبة ومن بين حالات الطالبات اللاتي تم فصلهن الطالبة " أيس نورمان " التي كانت على أبواب التخرج من كلية الطب في جامعة أنقرة و كان تخرجها بعد خمسة أشهر إلا أن الجامعة خيرتها بين خلع الحجاب وبين الفصل من الجامعة و " هدم مستقبلها " ! و فضلت الطالبة الفصل من الجامعة على أن لا تخلع الحجاب و قالت : " أنها لا تشعر بالأسف على هذا الاختيار و إنها لن تتخلى عن موقفها

         وتخلع الحجاب " .

و الطالبة " ربيعة ألماظ " من كلية الطب في اسطنبول كان مفروضاً أن تلقي خطاباً في حفل التخرج باعتبارها أولى الخريجات و لكن سلطات الجامعة منعتها من إلقاء الخطاب لأنها ترتدي الحجاب .


(*) إنما ذكرت هذا من باب إلزامهم بما ألزموا أنفسهم به ألا وهو احترام الحرية الشخصية و الفكرية وهذا

    الإلزام هو من باب " ورهبانية ابتدعوها " الآية ، و إلا فإن ما يسمى بـ " إعلان حقوق الإنسان " 
    يتضمن مخالفات صريحة للشرع الإسلامي و مصادمات واضحة لمقاصده العليا مما لا يتسع المجال لبسطه 

ومن الحوادث المؤلمة في تاريخ جامعة لنقرة حادث " هايتس بابا كان " و المعروف باسم حادث جامعة أنقرة في أواخر الستينات كانت " هايتس " تدرس الأديان في جامعة أنقرة و رفضت خلع الحجاب وكانت حالة لم يسبق لها مثيل في كلية دراسة الأديان وفي محاضرة عن مقارنة الأديان قام الأستاذ " نيست كاجاتي " بطرد " هايتس " من قاعة المحاضرات بعد إهانتها بألفاظ غير لائقة لأنها ترتدي الحجاب و قام مجلس الكلية بفصلها وهنا وقع انقسام وتمرد بين الطلاب و قاطعوا الدراسة و أعلنوا الإضراب عن الطعام تضامن مع زميلتهم و تم إغلاق الكلية لمدة ستة أشهر وتقول " هايتس " وهي تتحدث اليوم عن هذه الذكريات :

( إن عميد الكلية " حسين غازي " استدعاني إلى مكتبه وقال لي : " إنني اعلم أنك تغطين رأسك و جسمك لأنك غير قادرة على التحكم في غريزتك الجنسية و لأنك شاذة جنسياً فيجب أن تخجلي من نفسك " .

وتضيف " هايتس " : لقد كان يغشى علي عند سماعي هذا الكلام من أستاذ جامعي و بدءوا في محاصرتي وحاولوا إشاعة أنني مريضة نفسياً ونصحني البعض بالحصول على شهادة طبية تثبت صحة قواي العقلية للرد على هذه الشائعات ) .

وفي عام 1968 أصدرت حكومة " سليمان ديميريل " قانوناً يحظر على المدرسات المسلمات ارتداء الحجاب في العمل وتم فصل عدد كبير منهن واضطرت أعداد كبيرة إلى الاستقالة ولجأ بعضهن إلى القضاء ولكنه لم ينصفهن .

 المحاميات ممنوعات من الحجاب :

و لم تنج مهنة المحاماة من الاضطهاد فتم منع " أمينة إيكينار " – وهي محامية مسلمة – من المرافعة في المحكمة مرتدية الحجاب ورفعت المحامية قضية ضد الحكومة كانت نتيجتها الخسارة و اضطرت إلى ترك المحاماة و التزام منزلها . يتغير الموقف تدريجياً الآن فهناك أربع مجلات إسلامية توزع نحو مائة ألف نسخة أسبوعياً والحكومة التركية بدأت تطالب بالتخفيف من القوانين العلمانية خاصة فيما يتعلق بحجاب المرأة المسلمة . أصدرت المحكمة العسكرية التركية حكماً على الكاتبة التركية المسلمة " أمينة سينليكو جلو " بالسجن ست سنوات و النفي داخل البلاد لمدة سنتين بحجة انتهاك قوانين الدولة العلمانية وكانت الكاتبة التركية قد وضعت كتاباً عن مستقبل الإسلام بين النشء في تركيا الحديثة وهي متزوجة وأم لطفل واحد ) .

2 – في إيران (364) :

في عام 1926 عندما نصَّب الإنجليز الكلونيل " رضا بهلوي " شاه إيران مؤسساً للأسرة البهلوية ألغى من فوره الحجاب الشرعي و كانت زوجته أول من كشفت عن رأسها في احتفال رسمي ثم أصدر أوامره إلى الشرطة بمضايقة النساء اللواتي رفضن الاقتداء بملكتهن و خرجن محجبات فما كانت امرأة تخرج من بيتها محجبة إلا وعادت إليه سافرة فقد كانت الشرطة تنزع حجابها غصباً و تستولي على عباءتها وتهين صاحبتها ما استطاعت إلى الإهانة سبيلاً و حُظِرَ على الفتيات والمعلمات وضع الحجاب ودخول مدارسهن به ومنع أي ضابط من ضباط الجيش من الظهور في الأماكن العامة أو في الشوارع برفقة امرأة محجبة مهما كانت صلته و قرابتها به و قد كان " رضا خان " صديقاً حميماً لكمال أتاتورك و كان يحرص دوماً على تقليده و اقتفاء خطاه و بالفعل كان " رضا بهلوي " في حربه للإسلام صورة طبق الأصل عن أتاتورك . و عندما سئل ذلك الشاه عن سبب ضغطه على النسوة في نزع الحجاب مع أن عجلة التاريخ قد تضمن له تحقيق أهدافه أجاب : ( لقد نفد صبري إلى متى أرى بلادي و قد ملئت بالغربان السود ؟! ) اهـ .

3 – و في أفغانستان :

تولت السلطة نزع حجاب المرأة بقانون و ذلك في عهد " محمد أمان " .

4 – في ألبانيا :

حارب " أحمد زوغو " الحجاب بقانون ثم عادت المرأة المسلمة الألبانية إلى الحجاب أيام الحرب العالمية الثانية ثم عاد " أنور خوجة " مرة ثانية و شن حرباً شعواء على الحجاب في ألبانيا .

5- في روسيا :

حاربت روسيا الحجاب في تركستان والقوقاز و التشن والقرم و سائر ما تحتل من بلاد المسلمين و هم يبلغون ستين مليوناً .

(364) انظر ( وجاء دور المجوس ) للدكتور محمد عبد الله الغريب ص ( 91 – 92 ) ، و ( في مسألة السفور و الحجاب ) لصافي ناز كاظم ص ( 9 ) و اعلم أن " إيران الشيعة " لا تدرج بالمقياس الإسلامي الصحيح ضمن البلاد الإسلامية إلا باعتبار وجود أقلية سنية فيها أو عوام جهلة لم تقم عليهم الحجة و إلا فإن شيعة إيران الروافض أبعد ما يكونون عن أصول وفروع الإسلام كما يعلمه من له مسكة من علم أو معاشرة لهم و الله تعالى أعلم . 6 – في يوغسلافيا :

و كذلك فعل " تيتو " في يوغسلافيا (365)

7 – في الجزائر :

سرق " أحمد بن بيلا " الثورة الإسلامية وحولها إلى ثورة اشتراكية بعيدة عن الإسلام مناوئة له و دعا المرأة الجزائرية إلى خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال : ( إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك ! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر ) (*)

8 – في سوريا :

( طرح " حافظ الأسد " فكرة تعديل قانون الأحوال الشخصية وفكرة التجنيد الإجباري للمرأة كما مزق الحجاب في شوارع دمشق ومنع المحجبات من دخول المدارس بحجابهن ) (**) اهـ

9 – في تونس :

( نادى " بورقيبة " بتخليص المرأة من قيود الدين و جعلها رسولاً لمبادئه العلمانية ) (366)

( وفي حديث " للحبيب بو رقيبة " بأهرام 20 / 12 / 1975م صرح الرئيس التونسي بأنه أصدر في سنة 1956 م قانوناً بمنع تعدد الزوجات يعتبر التعدد جنحة يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة سنة و غرامة مالية " 240 " ديناراً ) (367) اهـ


(365) ( المرأة المسلمة ) لوهبي الألباني ص ( 189 – 190 ) . (*) ( واقعنا المعاصر ) للأستاذ محمد قطب ص (260) و يقال أن " بن بيلا " عاد إلى الإسلام بعد حبسه . (**) " هذه تجربتي و هذه شهادتي " للأستاذ سعيد حوي رحمه الله وعفا عنه ص ( 105 ) . (366) ( المرأة ومكانتها في الإسلام ) لأحمد عبد العزيز الحصين ص (225) و انظر محاضرات الجامعة الإسلامية

         الموسم الثقافي ( 1395 – 1396هـ ) ص ( 126 ) .

(367) ( أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي ) هامش ص ( 89 ) و جاء فيه أيضاً : ( و في مقال شيخ الأزهر ذكر

          أن أحد التونسيين ضبط متلبساً بجريمة الزواج الثاني و لم يخل سبيله إلا بعد أن قرر أن هذه الثانية خليلة و 
          ليست زوجة ) اهـ   { ألا ساء ما يزرون } .

10 – في الصومال :

( شددت حكومة " سياد بري " حملتها ضد الإسلام في الصومال وقد طردت مؤخراً كل طالبة ترتدي الزي الإسلامي من المدارس كما ألغت تفسير القرآن الكريم من المناهج و تقوم بطرد الطلاب الذين يقبض عليهم وهم يؤدون الصلاة أو يقرؤون القرآن الكريم من المدارس ) (368)

11 – في ماليزيا :

جاء في ( أخبار اليوم ) تاريخ السبت ( 7محرم 1406 هـ ) الموافق ( 21 / 9 / 1985 م )

( أصدرت الجامعة التكنولوجية في ماليزيا قراراً بإيقاف تسع طالبات عن الدراسة بحجة ارتدائهن الحجاب الذي تمنعه وزارة التعليم الماليزية و ذكر مسؤول كبير في الجامعة أن قرار إيقاف الطالبات سيظل سارياً مادام هؤلاء الطالبات يرتدين الحجاب )

اهـ 11 – في مصر :

وضع عبد الناصر وزبانيته كتاب " الميثاق " متأسياً في ذلك بإمامه الأول جنكيز خان حيث وضع الأخير كتابه ( الياسق ) (369) ليصد به الناس عن القرآن وكان مما جاء بصدد المرأة في ( الميثاق ) : ( المرأة تتساوى بالرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك الرجل بعمق و إيجابية في صنع الحياة ) اهـ و بوحي من هذه الفلسفة العلمانية المادية اتخذت إجراءات و خطوات حاسمة في هذا الصدد و صدرت قوانين تقضي : - بفرض ثلاثين نائبة على الأقل في مجلس الشعب . - بفرض خمسة وعشرين بالمائة من النساء على الأقل في عضوية جميع المجالس الشعبية والمحلية . - بجعل الانتخاب والتصويت إجبارياً على كل أنثى تبلغ الثامنة عشرة من عمرها مع كونهما ليسا إجباريين على الرجل . - و أخيراً صدر قانون تعديل أحكام قوانين الأحوال الشخصية الذي خططوا له طويلاً وتحقق أمل " مرقص فهمي " و " قاسم أمين " .

(368) ( المرأة ومكانتها في الإسلام ) للحصين ص ( 62 ) . (369) انظر " عمدة التفسير عن الحافظ بن كثير " لمحدث الديار المصرية العلامة أحمد شاكر رحمه الله

        ( 4 / 171 – 174 ) .

الحركة النسائية في ظل النظام الجمهوري (*)

{ ظهرت الحركة النسائية في ظل الحكم الجمهوري بمظهر يغاير نظيره في العهد الملكي فبينما كانت المرأة تطالب أو تحرض على المطالبة بما أسمته " حقوقها " منذ بدأت حركتها في منتصف القرن العشرين سارعت حكومات العهد الجمهوري باستقطابها و الاستفادة منها في حقل الإنتاج هذا من ناحية أما الجانب الآخر فقد بات واضحاً أن أهم المسائل التي تشغل الحكومة قبل المرأة تنحصر في شيئين هامين هما : حق العمل للمرأة و هذا الحق مؤدٍّ بالضرورة لحق آخر وهو التمثيل النيابي والمشاركة في حل القضايا الاجتماعية ومن ثم لم تعد المرأة هذا المخلوق الضعيف الذي يطالب بل صارت المخلوق القوي الذي يمنح و يعطي كل ما يمنحه و يعطيه الرجل تماماً . وهذا الرأي بالضرورة لا يتناقض مع فشل حركة المرأة عند قيامها بأعنف مظاهرة لها في تاريخها الحديث في 12 مارس 1954 م أي في بداية العهد الجمهوري لأن اللاتي قمن بهذه المظاهرة كن ينتمين للعهد السابق " الملكي " و يرتبطن به ثقافياً و سياسياً و اجتماعياً و لا يرتبطن بأوهى رباط بالعهد الجديد و قيمه و إن بدا في الأفق – وقتها – أن الحكومة الجمهورية راضية عن هذا العمل رضاء تاماً حينما أعلن اللواء " محمد نجيب " رئيس الجمهورية الاستعداد للاستجابة لهن و أن حقوقهن في أيدي أمينة و أنه سيشكل لجنة مختصة للنظر في تكوين الجمعية التأسيسية للنظر في مطالبهن و كان ذلك في 21 مارس 1954 م . وبعد ذلك اختفت الحركة التي تزعمتها " درية شفيق " و اختفت معها زعيمتها و لم تعد للظهور أبداً حتى فاجأ الطاغوت " جمال عبدالناصر " خلف محمد نجيب الناس في يوم(16 يناير 1957 ) بخطاب أعلن فيه منح المرأة لأول مرة حقوقها السياسية ( لأن الحقوق التي اكتسبها الشعب بالثورة باشرتها المرأة أيضاً كما باشرها الرجل فقد وقفت المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب طوال كفاحه المرير و استشهدت بعض نسائنا في سبيل الكفاح المشترك من أجل الحرية والحياة و كما كافحت المرأة من أجل الحصول على حق الشعب فمن حقها أن تسترد حقوقها كاملة ) (370) وكان دستور ( 1956 ) قد نص على ( أن الانتخاب حق للمصريين على الوجه المبين في القانون و أن مساهمتهم في الحياة العامة واجب وطني عليهم ) (371)

(*) من " المؤامرة على المرأة المسلمة " للدكتور السيد أحمد فرج ص ( 115 – 122 ) بتصرف . (370) من خطاب جمال عبد الناصر يوم 16 يناير 1957 بمناسبة تقديم الدستور ( 1956 ) . (371) دستور 1956 مادة : ( 16 ) . فجاء خطاب الطاغية بمثابة البيان لهذا النص الذي تأكد عملياً في العام نفسه في أول انتخابات تجرى في العهد الجمهوري عام ( 1957) إذ انتخبت سيدتان لمجلس الأمة هما : " أمينة شكري " في الإسكندرية و " راوية عطية " في حي الجيزة .

ثم كان أكبر دفعة لتحرير المرأة ما جاء في " الميثاق الوطني " سنة 1962 لينص على أن ( المرأة تتساوى بالرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق و إيجابية في صنع الحياة ) (372) ذلك أن الميثاق وهو دليل العمل في الستينات نظر للمرأة على إنها كم اقتصادي كالرجل سواء بسواء .

وكان الطاغية عبد الناصر الموصوف بأنه صاحب الإرادة الوحيد في تلك الفترة قد مهد لهذا من قبل فقال وهو يخطب في معسكر للفتيات في رشيد في ( 28 يوليو 1959 ) 
( كان لابد لنا بعد أن اكتشفنا أنفسنا أن نكتشف نصف شعبنا – المرأة – و نعطيها جميع حقوقها و قد وضعنا هذا موضع التنفيذ ) (373)

ثم أكد ذلك في خطابه في معسكر الفتيات للتدريب العسكري بالورديان بالإسكندرية في ( 4 أغسطس 1959 ) معلناً شعوره بالفخر ( لأن المرأة العربية اليوم نصف المجتمع وعليها مسئولية كبرى لتشارك الرجل في بناء هذا الوطن و في بناء المصانع و في التعليم الفني و في التدريب العسكري (374) وفي اليوم نفسه زار معسكر فتيات المكس بالإسكندرية و طالب فيه بضرورة تضافر جهود كل فرد من المواطنين جميعاً من الرجال و النساء (375) كان عبد الناصر قادراً على أن يبرر للشعب أهمية مساواة المرأة بالرجل في كل المجالات : في الإنتاج وفي التدريب العسكري وغير ذلك لأن الوطن يحتاج إلى تضافر الجنسين معاً نساءً ورجالاً ومن ثم فقد نادى في جلسات المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في شرح الميثاق : (بوجوب عمل المرأة لأن في عملها يمكنها أن تحافظ على نفسها إذا كانت غير متزوجة) (376)!! وفي المؤتمر نفسه أبدى عزمه على ( تعيين المرأة في كل الأعمال ابتداء من الأعمال اليدوية حتى الوزارة ) (377)

(372) " الميثاق الوطني الباب السابع : الإنتاج والمجتمع . (373) مجموعة خطب عبد الناصر وتصريحاته وبياناته القسم الثاني ص ( 571 ) – مصلحة الاستعلامات . (374) السابق ( 2 / 603 ) . (375) السابق ( 2 / 605 ) . (376) السابق ( 4 / 69 ) . (377) السابق ( 4 / 70 ) . و بعد ليلتين أي في مساء 28 / 5 / 1962 رأى عبد الناصر تحرير المرأة بدنياً و معنوياً برفضه لطلب مواطن سأله بصفته رئيساً للجمهورية أن يوجه نظر الناس إلى أهمية الحجاب الشرعي للمرأة " الخاص بالملبس فقط " لأنه على حد تعبيره ( لا يريد أن يدخل معركة كبيرة جداً مع 25 مليون من المواطنين " هم كل تعداد مصر في ذلك الوقت " أو مع نصفهم على الأقل ) (378)

و هكذا أعطى عبد الناصر المرأة ما طلبت وما لم تطلب وفوق ما كانت تطمع بل أعطاها تصريحاً بالإمعان في السفور و اختفت القيادات النسائية القديمة لأنهن لا يستطعن التجاوب مع الفكر الجديد أو التفاعل معه و ظهرت نجمات أخريات استقطبتهن القيادة السياسية الجديدة التي قادت البلاد تعتنق الفكر الجديد وهو ليس كفكر " درية شفيق " المتعالي " فكر المرأة سيدة الدار " المترفع على الرجل " طاهيها " (379) لأنه لا يتناسب مع روح الاشتراكية الجديدة هذا بالإضافة إلى أن القيادة الجديدة للحركة النسائية لم تكن في يد هذا الصنف من النساء اللاتي ينتمين لطبقة الأعيان التي كان منها الوزراء و أصحاب المراكز الهامة الحاكمة في الدولة وزعيمات الحركة النسائية في العهد الملكي ولكن الريادة في هذه المرة انتقلت إلى نوع آخر من المثقفات الجامعيات اللائى نشأن و درجن في أحضان الطبقة الشعبية العاملة مثل الدكتورة " حكمت أبو زيد " التي بدأ ظهورها و بروزها في المجتمع في أكتوبر 1962 أي بعد إعلان الميثاق الوطني بثلاثة شهور و عينت وزيرة للشئون الاجتماعية في أول حكومة تتولى حكم البلاد بعد إعلان القوانين الاشتراكية سنة 1961 و الميثاق الوطني سنة 1962 و منذ ذلك التاريخ صارت وزارة الشئون الاجتماعية قصراً على النساء بحيث لم يعد يخطر على قلب رجل أن يفكر في ولوج بابها .

وتحت رعاية الحكومة أو من استأمنتهم الحكومة على حراسة الفكر الجديد تحدد وضع المرأة في النظام الجديد كله على أنها أصبحت " كمًّاً إنتاجياً " في ميدان الاقتصاد دون النظر إلى التأثير السلبي الناتج عن ذلك والذي أثر تأثيراً سيئاً في وضع المرأة نفسها في مجالات أخرى أكثر أهمية لوجودها الاجتماعي نفسه كما ان المؤتمرات النسائية التي عقدت في تلك الفترة بدعوة من الحكومة نفسها أعطت إشارة البدء لإعلان أفكار جذرية تخص حركة المرأة نفسها نابعة من الفكر الاشتراكي الذي بينه الميثاق و بوحي من الفلسفة المادية العلمانية ومن هنا نظر الناظرون الجدد إلى الطريقة القديمة و أسلوب العمل الذي كانت تمارسه الحركة النسائية منذ ظهور " هدى شعراوي " و انتهاء بـ " درية شفيق " نظرة ازدراء و عدوها طريقة عفنة لمعالجة القضايا لا تليق بالمرحلة

(378) السابق ( 4 / 81 ) . (379) راجع ص ( 124 ) . " الثورية " التي تعيشها البلاد ورأوا أن المرأة منذ ظهور " هدى شعراوي " حتى الآن لم تتمكن من تحقيق التحرر الفعلي لها وكل ما حققته لم يتجاوز الحقوق الشكلية لمقاصد المرأة المتعالية المرفهة . إن الذين يفكرون بالطريقة الجديدة يرفضون النظر إلى المرأة – بزعمهم – ( من خلال مفاهيم رومانسية للأمومة والشرف و تربية الأجيال ومن خلال مفاهيم قبلية أو رعوية حول الشرف و العرض و إطاعة الزوج و السهر على راحته ) (380) وهم يطالبون بالقضاء على النظام الاجتماعي الأبوي الذي يسيطر فيه الرجل – رب العائلة – و القضاء على سلطة الرجل في أي شكل كان ( زوجاً أو أخاً أو رئيساً ) على المرأة لأن هذا النظام يعطل تحرير المرأة وللقضاء على هذه السيطرة يجب السيطرة على النظام كله المتمثل في " سيطرة الأب والنظام الطبقي الرأسمالي " (381) و لهذا فإن هؤلاء ينظرون إلى المجتمع الذي يقوم على الأسرة المستقرة على أنه مجتمع تسلطي يجب أن يعاد النظر في بحث أهم قضاياه " و هي قضية سلطة الرجل على المرأة سلطة الذكر على الأنثى " (382) . ومن هنا فهم يحرضون المرأة ( على أن لا يقتصر دورها على إنجاب الأبناء الذين يحملون عادة اسم الأب و أن لا يقتصر أيضاً على العمل المنزلي لأنه غير مقيم اقتصادياً و أيضاً الإشباع الجنسي والعاطفي للرجل وهذا الدور الأخير بالذات يناط بها من خلال عقد الزواج المكرس في قوانين واضحة ) (383) وهو ما يجب أن ترفضه . و الخلاصة :

أنهم يريدون أن يتحقق للمرأة الاستقلالية الكاملة وهي لا تتحقق إلا إذا تمسكت بالوسائل الآتية :

1 – أن تحصل المرأة على الأمن الاقتصادي والبدني ( و إن فرضت عملية الزوجية – و اللفظ لهم – طاعة الزوج تستطيع أن تتحول بشكل غير مباشر إلى باردة عاطفياً ) (384) 2 – أن تحصل كذلك على الأمن الاجتماعي ( المرأة غير آمنة كلية من الناحية الاجتماعية ويصل الأمر إلى أنها لا تستطيع أن ترتاد وحدها بعض الأماكن ) (385) و تتصرف بحرية كاملة كالرجل . 3 – أن تخرج من استغلالية الرجل بتوفير العمل لها ( في كل الميادين العملية مع ضمان أن لا يكون الرجل هو المتحكم في الدخل أو الأجر الذي تتقاضاه المرأة و بذلك تخرج من وضعها المقهور أو المكبوت ) (386)

(380) مجلة الطليعة عدد نوفمبر 1968 ص (78) – د / إجلال خليفة . (381) مجلة " المستقبل العربي " ص (120) عدد يناير (1981) د / نوال السعداوي . (382) السابق – ص ( 122 ) – د / عباس مكي . (383) السابق نفسه . (384) السابق نفسه . (385) السابق د / هدى بدران ص ( 126 ) . (386) السابق ص ( 128) د / إيليا حريق . 4- قيام حركة نسائية موجهة ضد الرجل ( { المطلق } و يكون هو المقصود بها فعلاً ) (387) 5 – أن تحرير المرأة يحتاج إلى القضاء على النظام الطبقي كما يحتاج إلى تغيير النظام الأبوي في الأسرة ويحتاج إلى قوانين مدنية عادلة { لا شرعية } تسوي بين المواطنين { فالمرأة يجب أن تسمى مواطناً لا امرأة } و إلى قوانين علمانية لا دينية مدنية تطبق في الأسرة (388) . و الأمر الذي يجدر ملاحظته ان حركة المرأة سارت منذ البداية مع حركة التغيير الاجتماعي في ظروفه المختلفة سواء جنحت به هذه الظروف نحو الغرب أو نحو الشرق ففي حركة المرأة الأولى التي بدأت من " منتدى الأميرة نازلي فاضل " بريادة الشيخ محمد عبده وانتهاء بإضراب النساء عن تناول الطعام سنة 1954 كانت حركة المرأة تواكب حركة التغيير في كل الميادين في مصر في ميلها نحو الغرب و انجذابها له وعندما اتجهت وجهة المجتمع في بداية الستينات إلى اعتناق الاشتراكية اتجهت معها الحركة النسائية إلى وجهتها وبدأت تظهر قيادات نسائية تؤمن بالثقافة الاشتراكية وتعتنقها و تبرز دور المرأة المشارك لعملية الإنتاج و تقييم المرأة على أنها كم اقتصادي

على أن المرأة في كل من المرحلتين كانت تابعة للرجل فهو الذي يحرضها على أن تطلب ثم يمنح فهو المانح دائماً بينما اقتصر دورها على قبول هذا المنح غير أن الرجل في الحالة الأولى – حالة الاتجاه التغريبي – حافظ للمرأة على شخصيتها الاعتبارية فبدت للعيان – على أقل تقدير – أنها هي التي كافحت من أجل ما تسميه حقوقها التي حصلت عليها بينما اختلفت الأمور في الحالة الثانية – حالة التطبيق الاشتراكي – فقد عمل الرجل على إذابتها في الجماعة فهو الذي أشار عليها أن تقبل منحه و أرغمها على ألا ترفضه فهو الذي فرض عليها ان تكون عضواً في المجالس النيابية والمحلية وهو الذي فرض عليها أن تكون وزيرة وسفيرة و شاغلة لمناصب الرجال دون أن يعطيها فرصة إبداء رأيها أو معرفة رأيها الحقيقي فيما آلت إليه حياتها ) اهـ .

تكلف ... واصطناع :

ومن يتأمل حال القوم يدرك أن اعتراضاتهم على الشرائع الإسلامية تأتي لمجرد الاعتراض فهذه المطالب التي تلهث المتحررات وراءها لمجرد إسماع الناس أصواتهن و هذه المنازعات الوهمية بين الرجل و المرأة كل هذه مشاكل مصطنعة و أزمات مختلقة فهم يخالفون لمجرد المخالفة لا لحاجة أوجبت هذا الاختلاف و المرأة لا توضع حيث

(387) السابق نفسه ص (132) . (388) السابق نفسه ص ( 129 ) د / نوال السعداوي . تدعو الحاجة – صحيحة كانت أو مزعومة – إلى أن توضع و لكنها توضع لمجرد إثبات وجودها في كل مكان و لإقحامها على كل ما كان العقل والعرف ينادي بعدم صلاحيتها له فلم يكن المقصود بتوظيفها مثلاً في تلك الأيام سد حاجة موجودة ولكن كان المقصود هو مخالفة عرف راسخ و تحطيم قاعدة قائمة مقررة و إقامة عرف جديد في الدين و في الأخلاق وفي الذوق وابتداع المبررات التي تجعل انسلاخنا من ديننا أمر واقع وتجعل دخولنا في دين الغرب و مذاهبه وفسقه أمر واقع كذلك .

وقصة " دعاة التحرير " هنا في مصر وغيرها تشبه ( قصة ذلك الرجل الذي قدم إلى أبرز ساحة في العاصمة فملأ وسطها بالأنقاض ثم جاء بسارية رفع عليها مصباح أحمر و جعل الناس ينظرون بدهشة إلى عمله ... و سأله بعضهم : ماذا تريد بهذا المصباح ؟ فأجاب : تنبيه الناس إلى الخطر لكي لا يصطدموا بالأنقاض فلما سألوه : ولما جئت بهذه الأنقاض أجاب : لكي أرفع هذا المصباح ) (389) .


و إذا أردنا أن نشرح دور السياسة في معركة الحجاب في مصر فلا شك يقفز إلى أذهاننا الدور الذي لعبه " صديق إسرائيل " (390) و " خادم أمريكا " و" حليف الشيطان " الذي تهكم بالحجاب علناً ووصفه بأنه " خيمة " و جرائم هذا المخلوق في حق الإسلام ثم في حق وطنه كثيرة لا تكاد تخفى على أحد وقد ختم حياته " النضالية " ضد أمة محمد " بتلك الإجراءات التعسفية و الحرب المسعورة ضد المحجبات عموماً والمنقبات خصوصاً فكان رجاله يتعرضون للمنقبات في الطرقات و كانت صحفه ناراً تصب حميمها على المنقبات وفرض عليهن الخيار بين السفور و بين الفصل من وظائفهن ولم تنج النساء من حملة الاعتقالات الواسعة التي عمت البلاد واصطف جنود الشرطة البواسل صامدين رابضين كالأسود على بوابات الجامعة و دور التعليم للتصدي لأي طالبة منقبة تسول لها نفسها دخول الجامعة بهذا النقاب الساتر و ذلك الجلباب السابغ الذي وصفه بأنه خيمة : فرعون حقير يرقد الآن في مزبلة التاريخ وحسابه على الله .


(389) ( تأملات في المرأة والمجتمع ) لمحمد مجذوب ص ( 33 – 34 ) . (390) و قد أقيمت الصلوات اليهودية في ميادين تل أبيب على ضوء الشموع حزناً على موته و حضر ثلاثة من رؤساء أمريكا قداساً جنائزياً بالكنيسة على روحه .. لقد كان مصراً على أن يدخل التاريخ و قد دخله .. و لكن من نفس الباب الذي دخل منه إبليس و فرعون وقارون و مضى إلى ربه بعد أن صفى كل عداواته إلا عداوته لأمته .

بل هذه زوجة هذا الفرعون تدلي قبل أن تدور عليها دائرة السوء وهي في قمة غرورها - ولا أقول مجدها – بحديث إلى مجلة " ماري كلير " الفرنسية المتخصصة في شئون المرأة حول ما يتعلق بالمرأة الشرقية من عرف وتقاليد متوارثة كالحجاب  وختان الفتيات (391) و جريمة الزنا وذلك خلال أربعة أسئلة و جهتها الصحافية الفرنسية " كاتي برين " التي زارت مصر أخيراً لإجراء هذا الحوار و كان السؤال الأول :

{ انتشرت عادة الحجاب بين الفتيات في مصر فما رأي السيدة " جيهان السادات " في تلك الظاهرة ؟ فأجابت : ( أنني ضد الحجاب لأن البنات المحجبات يخفن الأطفال بمنظرهن الشاذ و قد قررت " بصفتي مدرسة بالجامعة " أن أطرد أي طالبة محجبة في محاضرتي فسوف آخذها من يدها و أقول لها : " مكانك الخارج " وفي نظري فإن المسئولية تقع على عاتق أساتذة الجامعات فهم سبب في انتشار هذه الظاهرة فإذا قام أستاذ بطرد فتاة واحدة من محاضراته مرة واثنين فسوف تقلع الفتيات عن ارتداء الحجاب . و تستطرد قائلة : إن التحجب ليس بالشكل و بارتداء الأقنعة فالإسلام لم يدع إلى ارتداء الحجاب إنما تلك مسائل تفصيلية بعيدة عن جوهر الإسلام و عن مبادئه الأساسية ثم تذكر في نهاية الحوار أنها تعمل ليل نهار حتى تحقق للمرأة المصرية بعض حقوقها و أن أبرز ما أنجزته هو صدور قانون الأحوال الشخصية الجديد ثم ذكرت أنها دائماً " تعاكس " زوجها في طلباتها للمرأة ولكنه يجيب بقوله : " إن هذه ليست هي اللحظة المناسبة " و تقول : " و لكنني أعاود وألح عليه في طلباتي من أجل المرأة " (392)

و يتضح من هذا الحديث أن ظاهرة "عودة الحجاب " كانت قد أخذت في الانتشار السريع و كادت تفرض نفسها كواقع يكشف الحقيقة للمخدوعين والمخادعين على السواء لولا أن " الأكابر بدءوا يبيتون " وأد " هذه " العودة " قبل أن يفلت الزمام فبدأت الدوائر السياسية والصحافية تمهد للحملة المجنونة التي توجتها السلطة بمذبحة " سبتمبر 1981م " ومن هذه الإرهاصات المقالة التالية :

" الغزالي حرب " و حربه ضد الحجاب :

" الغزالي حرب " مفتش أول اللغة العربية بشمال القاهرة إنسان أقلقه كثيراً مظهر الحجاب الإسلامي و شيوعه وسط الفتيات يوماً بعد يوم فشهر قلمه ليدلي بدلوه مع إخوانه من دعاة السفور فنشر في الأهرام أكثر من مقال يهاجم فيه الحجاب و يحرض فيه

(391) انظر " الصحافة والأقلام المسمومة " ص ( 72 – 73 ) . (392) ملحق جريدة ( القبس ) العدد (2625) تاريخ الاثنين 6 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1980 .

" الأكابر " على تشريع جديد يصفه بأنه ( قرار حاسم يحقق التوازن والاعتدال في أزياء الطالبات والمدرسات بين التفريط و الإفراط وبين الانغلاق و الانضباط )

و يفتتح إحدى مقالاته بقوله : ( منذ بضعة أيام اتصل بي تليفونياً الشيخ الدكتور عبد المنعم النمر ليحدثني عن بعض الطالبات في إحدى المدارس الأجنبية الثانوية ممن يحرصن على ارتداء ما يسمينه " الزي الإسلامي " أو " الزي الشرعي " و لقد اتفقنا في هذا الحوار التليفوني على أن تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي و لا ترتاح إليه اللوائح و التعليمات المدرسية أو الجامعية وما هو إلا شذوذ مظهري مريب )

ثم يقول : ( فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زياً من صميم الأزياء الجاهلية البائدة التي عفى عليها الزمان و لم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية و لن يبقى فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي " قاسم أمين " من أن هذا الزي الشاذ يمثل دوراً من الأدوار التاريخية لحياة المرأة في العالم ومن العبث الذي لا طائل من ورائه أن تتشبث بعض المدرسات أو الطالبات متمسحات في ذلك بالإسلام الذي يدعو المرأة – و لا شك – إلى الاحتشام المنضبط الذي يقره العرف القويم والذوق السليم لا إلى الاحتشام " المنغلق " المثير للشبهات ولا سيما شبهة محاولة " إخفاء الشخصية (393) "

ثم يستطرد قائلاً ( ما أروع الحديث النبوي الشريف القائل : " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ – طلب البراءة والسلامة - لدينه وعرضه ) و خاصة في ظروفنا الحاضرة التي تمس فيها الحاجة دائماً إلى التحقق من كل طالب و طالبة حرصاً على استتباب الأمن والنظام و سيادة الأمن العام و حرام – والله – أن نضيع مثقال ذرة من الوقت الغالي الثمين بلابسات البراقع والجدل حولهن باسم الإسلام الذي يقول بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام : " ما غضب الله على قوم إلا ابتلاهم بالجدل و صرفهم عن العمل " (394) .....


(393) يأتي دفع هذه الشبهة الإبليسية إن شاء الله عند تفسير قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك و نساء المؤمنين } الآية بالقسم الثالث من هذا الكتاب يسر الله تمامه . (394) روى الترمذي وبن ماجه والإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا : { ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } ( الزخرف 58 ) و قال الترمذي حسن صحيح و صححه الحاكم ووافقه الذهبي ( جامع الأصول 2 / 749 ) و الجدال و المراء : المخاصمة والمحاجة و طلب المغالبة ولا شك أن الحديث نفسه يدين الكاتب وهو حجة عليه لعدوانه على أهل الحق و مجادلته إياهم بالباطل كما سترى الحمد لله الذي أنطقه بالحجة لنا . ..... حرام والله – أن تشغلنا هذه " الظاهرة المرضية " عن النصح لكريماتنا و أخوتنا المنتقبات أن يكن في أزيائهن منضبطات متفتحات لا منغلقات أو مبرقعات و أن يذكرن – و الذكرى تنفع المؤمنين والمؤمنات – أنه عندما نهض قاسم أمين بدعوته المتحررة باركها باسم الإسلام أستاذنا " الإمام محمد عبده " حاربه الجامدون والمتنطعون داعين النساء إلى ارتداء النقاب والبرقع اتقاء للفتنة فانتهزت ملاهي أوربا هذه الفرصة و أخذت تعرض رقصة أسمتها " رقصة برقع الإسلام " و هكذا التقى جد الرجعيين وهزل العابثين في اتهام الإسلام بأنه دين البراقع ) . ثم يذكر معنى الحجاب في الإسلام في نظره فيقول : ( وما هو إلا دين الاحتشام المعتدل المشرق بأنوار العفة والفضيلة والحياء و في ضوئها و هداها التقى الجنسان على سواء معتصمين بحجاب الوازع الخلقي والضمير الحي ) إلى أن يبتهل داعياً المولى عز وجل في نهاية مقاله قائلاً : ( و اللهم أبعد عن مدارسنا ومعاهدنا و جامعاتنا و طرقاتنا و سائر مجالاتنا شبح الجمود والممات وشبح الظواهر المرضية المثيرة للفتن والخلافات والانقسامات ) (395) انتهى

ولا يقل عنه تحاملاً الصحافية " منى رمضان " التي كتبت مقالاً في مجلة " أكتوبر " تحت عنوان " طبيبات ولكن محجبات " تبدؤها بقولها : ( عاد الحجاب مرة أخرى كظاهرة على وجوه الفتيات و السيدات في مصر و هذه ليست آخر صيحة في عالم الموضة كما قد يتبادر إلى الذهن ولكنه نوع من الحشمة و إحياء التقاليد (396) الإسلامية التي تطلب من النساء أن " يدنين عليهن من جلابيبهن " ) و تحت صورة التقطت لمحجبتين تكتب قائلة : ( النقاب الذي ترتديه فتاة الجامعة يقربها إلى الرهبانية و لا رهبنة في الإسلام ) لكنها حرصت على أن تنشر ثلاث صور إحداها على غلاف المجلة لفتاتين سافرتين ترتديان " الحجاب النصفي " أو " الحجاب العصري " الضيق المزين والثانية لثلاث فتيات سافرات ولكن في عرفهن " محجبات " يرتدين ثياباً لا يقرهن عليها مسلم عالم و قد علقت مسرورة بثيابهن قائلة : ( الحشمة الغير مبالغ فيها مطلوبة داخل الجامعات المصرية بدلاً من التقليعات الدخيلة علينا ) و الثالثة لفتاة متزينة بالحجاب العصري الفتان و قد علقت الصحافية تحتها : ( هكذا تكون الفتاة الجامعية : علم و إيمان ). تقول الكاتبة الحائرة القلقة : ( والحشمة هنا نابعة من داخل المرأة و على أساسها فصَّلت هذه الثياب و فضلت أن تخرج بها إلى الشارع و إلى الجامعة .. و قد تكون هذه الظاهرة عودة إلى عصر الحريم (*) لا ينقصها إلا " قاسم أمين " جديد ليطلق صرخته مرة .....

......................................................................................................................................


(395) الأهرام – الاثنين 2 فبراير 1981 م مقالة بعنوان ( أزياء الطالبات بين الانضباط و الانغلاق ) . (396) ينبغي التحفظ من مثل هذه العبارات فليس الإسلام " تقاليد " و ما عرفناه إلا مناراً وتعاليم و شرائع ومعالم وردت في أكثر من حديث : منها قول رسول الله " : ( ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم – أي دلائل و مسائل – دينكم ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر  بهذا اللفظ ومنها قوله " : ( إن الإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و أن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم و أن تسلم على القوم إذا مررت بهم فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره ) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الإيمان " وغيره – أنظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " حديث رقم ( 333) و معنى " صوى " جمع صوة : أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي و المفازة المجهولة يستدل بها على الطريق وعلى طرفيها أراد أن للإسلام طرائق و أعلام يهتدي بها كذا في " لسان العرب " . عن أبي عمرو بن العلاء . و عن عبد الله بن يسر المازني  عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت و أنا كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به و لا تكثر علي فأنسى قال : ( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ) رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي . و في بعض الآثار ( أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم و إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ) ... فكم تفر أعين المتغربين و المتفرنجين والمجامحين الخارجين عن ربقة الإسلام بكلمة " التقاليد " الإسلامية ؟! إنهم بذلك يحولون شرع الله ووحيه إلى أعراف وتقاليد تواضع الناس – في زمن من الأزمان – على احترامها وبناء على ذلك فما يصلح لجيل لا يصلح لآخر وما يناسب مجتمعاً لا يناسب المجتمعات الأخرى وما يتفق مع زمن فلا شأن له بباقي الأزمان ! فالهدف إذاً من التعبير عن الأحكام الشرعية بـ ( التقاليد ) واضح و هو جعلها عرضة للتغيير و التبديل بحجة أن " تقاليد " عصر الصحراء لن تناسب عصر الفضاء  كبرت كلمة تخرج من أفواههم  الكهف 5 ! أنظر : " مهلاً يا صاحبة القوارير " ص ( 10 – 11 ) . (*) الصحافية هنا تنسج على منوال إخوانها في الضلال حيث أخذوا يسخرون ويتفكهون بعصر " الحريم " ثم ربطوا الدعوة إلى الحجاب بعصر الحريم تنفيراً منه تماماً كما يربط العلمانيون الملاحدة الدين بالرجعية ولكن ما هو ( الحريم ) ؟ جاء في مجلة ( الأسبوع العربي ) اللبنانية العدد ( 14153 أيار ) : ( كانت كلمة " حريم " تعني منذ الأزمان البعيدة الحرم المقدس أو المعبد المحرم الدخول إليه و قد أطلق هذا الاسم على القسم الخاص بالعائلة أي بالنساء والأطفال و الذي كان محرماً على الغرباء ولوجه بينما سمح لهم بالدخول على باقي أقسام المنزل ولم يكن النساء ليبرحن " الحريم " إلا لزيارة صديقاتهن أو لحضور الاحتفالات العائلية أو الدينية فقد كان للنساء إذاً عالمهن الخاص المقتصر عليهن فقط إذ حرم عليهن تماماً الاختلاط بالرجال أو استقبالهم أو التحدث إليهم ) اهـ . و جاء في جريدة ( الأخبار ) على لسان باحثة أمريكية مشهورة تدعى الدكتورة " إيدالين " ما نصه : ( إن تدهور الأخلاق في أمريكا راجع إلى ترك المرأة بيتها و اشتغالها بالحياة العامة و إن عودة المرأة إلى " نظام الحريم " هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الخلقي الذي يسير فيه ) اهـ . من ( الحركات النسائية في الشرق ) ص (35) . ..... لا ينقصها إلا " قاسم أمين " جديد ليطلق صرخته مرة أخرى .. و ربما تكون نوعاً من الموضة تأخذ مداها ثم تتلاشى بعد فترة طالت أو قصرت وقد تكون حنيناً على العودة إلى رحاب الروحانيات بعد أن طغى سلطان المادة على نواح كثيرة في حياتنا إلى آخر هذه التساؤلات التي تتبادر إلى أذهاننا جميعاً ) ثم تعبر عن حسرتها وقلقها قائلة : ( إن هذه الظاهرة انتشرت وبصورة أكثر و أوسع داخل كليات الطب في الجامعات الثلاث ) . ثم تنقل الكاتبة في حوارها كلمة " دكتور يوسف عبد الرحمن " رئيس قسم الفسيولوجيا بطب القاهرة : ( باعتباري رجلاً مسلماً أفضل الزي الإسلامي فهو " مستحب " لأنه حشمة و يخفي عورة المرأة وهذا الزي كما أعرف لا يعوق المرأة عن العمل أما النقاب الذي ظهر حالياً فهو غير مستحب ولا أفضله أبداً فهو يقترب بالمرأة من الرهبانية و لا رهبانية في الإسلام ) ثم يقول : ( و ما دامت المرأة قد خرجت إلى الشارع والعمل فلابد أن يتعرف عليها المدرس وكمسري الأتوبيس و كل من يتعامل معها أما النقاب فهذا غريب و غير عملي في هذا العصر و أنا أعلم أن النقاب كان موجود في العصور المظلمة فقط ) انتهى كلامه . و هذه ( مها عثمان ) تكتب في " آخر ساعة " مقالاً بعنوان ( ظاهرة الحجاب : لماذا ؟ ) و تقول : ( ظاهرة الحجاب من الظواهر اللافتة للنظر الآن ليس فقط في الشارع المصري و إنما في الدواوين و المصالح الحكومية والكثير من مواقع العمل والظاهرة تتنامى و يأخذ معها الحجاب أشكالاً متعددة . و الأسئلة التي تثيرها تلك الظاهرة عديدة و في مقدمتها : لماذا الحجاب ؟ و ماذا وراء تلك الظاهرة ؟ ثم ما هو الفرق بين الحجاب والنقاب ؟ و تحاول الكاتبة الإيحاء بأن الحجاب تقليد مملوكي أو تركي . ثم تقول : ( و ظلت المرأة تحرص على وضع النقاب على فمها و أنفها عند ظهورها في المجتمعات الراقية واستمر حجاب المرأة بهذه الطريقة حتى دعا " قاسم أمين " إلى السفور عام "1912" (397) و التحرر من قيود هذه الأغطية وغيرها ) . و تتسلل روح التغريب و كراهية الحضارة الإسلامية بين السطور فتقول الكاتبة : ( و يمكننا فهم دعوة " قاسم أمين " للسفور و إلغاء الحجاب على إنها دعوة للإنسان للأخذ بقيم الحضارة الغربية على حساب حضارة أخرى و هي الحضارة التي تمثلها الدولة العثمانية )

(397) كذا ! فما هي تلك الحضارة " الأخرى " التي تمثلها الدولة العثمانية إن لم تكن الحضارة الإسلامية ؟ ثم تمضي الكاتبة قائلة : ( و قد نجحت دعوة " قاسم أمين " حيث كان الجو العام مهيئاً .. و أصبح هذا النمط السائد في التعليم و الملبس والمسكن و " القانون " و " السياسة " و الفلسفة لكن إذا كان هذا هو ما حدث في فترة تاريخية معينة فما هو تحليل " عودة الحجاب " مرة أخرى ؟ ) .

المركز القومي للبحوث الاجتماعية في حالة ( طوارئ ) بسبب عودة الحجاب

تقول الدكتورة " زينب رضوان " رئيسة وحدة البحوث الدينية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية : ( إن هذه الظاهرة من أهم الظواهر التي اهتم المركز برصدها وتحليلها و لذلك فقد أجري بحثاً حول عوامل هذه الظاهرة و أسبابها و التفاعلات الاجتماعية المرتبطة بها والصلات التي تربط الحجاب بالعوامل الاقتصادية والثقافية والدينية وتلك التي تتعلق بالتنشئة الاجتماعية . و قد ضم هذا البحث تقريرين أحدهما يتعلق بالطالبات و الثاني يهتم بالموظفات و قد تناول البحث حوالي 800 من الفتيات ما بين محجبات وغير محجبات .. واهتمت الأسئلة بالدوافع بالنسبة لكل من الطالبة والسيدة المتزوجة .. وهل هي واحدة أم أنها مختلفة ؟ وهل هذه الدوافع دينية أم أنها لأسباب أخرى ؟ ) و تضيف الدكتورة " زينب رضوان " : إنه ينبغي لنا أن نسجل ملاحظة هامة وهي : ( أن الإنسان يتصرف وفق ما يعتقد أنه صحيح لا وفق ما هو صحيح بالفعل و لذلك فبعض المحجبات يرفضن المساواة بالرجل مستشهدات بالآية الكريمة  الرجال قوامون على النساء  و هذا تفسير نختلف عليه .. و الحجاب ليس مجرد مظهر و لكنه سلوك إسلامي حضاري ..) ثم تستطرد قائلة : ( إنه إذا أردنا ان نضع هذه الظاهرة داخل إطار معين و أن نفسرها فسنجد أن هناك ثلاثة تفسيرات مختلفة : التفسير الأول : يرى أن الحجاب في مصر يدخل ضمن مجموعة من الظواهر التي يمكن التأريخ لها عام ( 1967 ) و أنه دليل على اتجاه المجتمع للبحث عن " بديل " للفكر والقيم والسلوكيات العلمانية التي نقلها مجتمعنا عن الغرب و لهذا فإن هذه الظاهرة ما هي في الحقيقة إلا جزء من فكر " بديل " ألا وهو البديل الديني ) اهـ .

لا .. لا أيتها الباحثة ! حاشا أن يكون دين الإسلام " بديلاً " فبئس ما قلت إنما العودة إلى الإسلام عودة إلى الله بعد أن طغى سلطان " اللادينية " في ظل " انقلاب يوليو 1952 " و ليس الإسلام في ذلك بديلاً كأي بديل ولكنه سير على الطريق الوحيد الموصل إلى سعادتي الدنيا والآخرة فكل طريق إلى الجنة مسدود إلا طريقاً على رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم . و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يجب ما كان قبله ) (398) و ليس الإسلام ( بديلاً ) و لكنه هو الأصل وما عداه طارئ بل ما عداه " زبد " حانت له الفرصة يوماً ما أن يطفو على السطح ثم لم يلبث أن تلاشى كأن لم يكن  فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ينفع الناس فيمكث في الأرض  ( الرعد 17 ) . قال فضيلة الأستاذ الدكتور " مصطفى حلمى " حفظه الله في تحليل ظاهرة عودة الشباب إلى الدين : ( و كما يفيق المغمى عليه و يعود إلى نفسه كذلك أخذت الطلائع الشابة الواعية ترقب فشل الأنظمة المستوردة من الشرق أو الغرب التي أدى تطبيقها إلى المزيد من الفشل والهوان و أدركت أن هذا الفشل يرجع إلى بعد الأمة عن طريقها وانقطاع صلتها بالعقيدة و التراث و أخذ صوت الإسلام يدوي بين الصفوف لم الاستغراب إذن من عودة ظهور التدين بين شباب الإسلام ؟ إن العقيدة لم تختف أصلاً بل ظلت باقية كل ما هنالك أنها اختفت وراء ستر رقيق ذلك أنه ينبغي التمييز بين العوامل الجوهرية للنهوض بالأمم و اندثارها و بين مظاهر التدهور والضعف التي تنتابها بين حين و آخر كعوارض مرضية تظهر لتختفي ) (399) اهـ . ثم تقول الكاتبة : ( التفسير الثاني : يحاول أن يتجاوز الواقع المصري إلى الواقع الإسلامي بأكمله فهو يرى أن الحجاب ما هو إلا نوع من الإحياء للحضارة والثقافة الإسلامية في مواجهة الطابع الإنساني للعلاقات التي سقطت فيها الحضارة الغربية . أما التفسير الثالث و الأخير : فهو يرى أن الحجاب شكل من أشكال الرفض التلقائي للظواهر الاستهلاكية التي بدأت تسود مجتمعنا والتي تحول هذه المجتمعات إلى أسواق استهلاكية تابعة للحضارة الرأسمالية الغربية المنتجة فهي صحوة تحاول الحفاظ على " طهارة " الذات القومية في مقابل الترف الاستهلاكي ) اهـ .

(398) رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني و لمسلم نحوه بلفظ : " يهدم " . (399) " المخاطر التي تواجه الشباب المسلم و كيف نتوقاها ؟ " ص ( 16 – 17 ) . و لن نشغل أنفسنا بمناقشة هذه التفسيرات الهزيلة لأن هدفها واضح وهو إضعاف الصبغة الإسلامية لعودة الحجاب والتشويش على نوايا الفتيات المخلصات لربهن المعتزات بإسلامهن و " الانحراف " بهذه الظاهرة الإسلامية الواضحة إلى مفاهيم مائعة تفت في عضد الملتزمات و توهن عزيمة الراغبات في التحجب وهيهات هيهات .

( و لتعرفنهم في لحن القول ) سورة محمد (30) ( ردة ونكسة ومأساة) زكي نجيب محمود (*)

أعداء الإسلام من المنافقين المتمسلمين الكارهين لما أنزل الله الصادين عن سبيل الله الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف لا يملون ولا يكلون من ممارسة هوايتهم الرخيصة في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا والترويج للذرائع المفضية إلى مزيد من الفساد و الإفساد لهذه الأمة الغافلة عما يراد بها إنهم لا يألون جهداً في قطع صلتنا بأسلافنا ووصل الحبال مع أعداء ديننا الكارهين – أيضاً – لما أنزل الله . نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 9 / 4 / 1984 م مقالاً بعنوان ( ردة في عالم المرأة ) للفيلسوف الهرم ( الذي أفنى عمره داعية لثقافة الغرب و كارهاً للحياة في ظلال الإسلام إنه الرجل الذي رشح لاقتعاد محل الصنم الضال " طه حسين " بعد هلاكه الذي أنفق ردحاً من عمره في دراسة الفكر المادي الذي كانت قمته كتابه المعروف بـ ( خرافة الميتافيزيقا ) أي بمعنى آخر : اتهام مفهوم ( الغيب ) بأنه ( خرافة ) و إنكار كل ما سوى المحسوس تبعاً لمدرسة الفيلسوف الملحد " أوجست كنت " تلك المدرسة التي يفاخر فيلسوفنا الهرم بأنه يمثلها ) (400)

(*) استفدت كثيراً من فقرات هذا الفصل من كتاب " صحوة في عالم المرأة " للدكتور عبد الحي الفرماوي حفظه الله . (400) انظر " رجال اختلف فيهم الرأي " ص ( 115 – 224 ) . إنه الكاتب الذي ( باع عقله للهوى و انضوى تحت لواء الأعداء فهو جندي من جنود الاستعمار الفكري و الانحراف الخلقي ) (401) إنه الرجل الذي لم يستح أن يجهر في " الأهرام " بقوله :(من الخطأ الظن بأن التشريع الإلهي قد غطى كل معضلات الحياة ) (402) لقد أثار الفيلسوف الهرم في مقاله " قضية المرأة " و من خلال هذه القضية أثار قضية أخرى أخطر و أهم وهي قضية ارتباط جيلنا بدينه و أسلافه المسلمين أكثر من ارتباطه بجيل الآباء ورأى الكاتب في هذا الارتباط خطراً وبيلاً على الفكر والأمة والمستقبل . و أول ما يفجع القارئ أن يرى الكاتب يعنون مقالته بقوله " ردة في عالم المرأة " فلربما يستبشر القارئ و يخيل إليه من أول وهلة أن الكاتب يقصد استنكار الحال الذي وصلت إليه بعض النساء اللاتي ارتددن عن الإسلام بأن تكون منهن – مثلاً – من قد أنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو استحلت شيئاً حرمه الله أو أنها اتهمت شرع الله بالنقص أو طعنت في حكمه سبحانه وتعالى أو اتهمت الإيمان بالغيب بأنه ( خرافة ) مثلاً و لكن القارئ لا يلبث أن يصدم شعوره حين يرى الكاتب منكوس القلب منكوس الرأي مطموس البصيرة مركوس السريرة قد رأى الأشياء على عكس حقائقها كالمريض الذي فسد مزاجه فإنه يحس بالأشياء على خلاف طبائعها :

وما على العنبر الفواح من حرج أن مات من شمه الزبال والجعل

فتراه كالجعل الذي اعتاد الخبائث فهو يندفع إليها و يسقط عليها و ينفر غاية النفرة أو يموت من الروائح الطيبة . فالمرأة المسلمة عنده ( مرتدة ) لأنها كفرت بفكر ( مرقص فهمي ) و ( قاسم أمين ) و ( سعد زغلول ) و أمثالهم و رضيت بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً . و المرأة المسلمة في نظره قد أصابتها ( نكسة ) لأنها كفرت بهدى شعراوي و صفية زغلول و درية شفيق و أمينة السعيد ومن على شاكلتهن في حين أنها عادت تلتمس القدوة في أمهات المؤمنين و نساء وبنات المهاجرين والأنصار ومثيلاتهن من خيرات نساء العالمين الطاهرات المحصنات المؤمنات الخاشعات رضي الله عنهن . و المرأة المسلمة عنده ( نكصت على عقبيها ) لأنها سترت عورتها وحجبت بدنها و أطاعت زوجها ووقفت حياتها على أولادها ورفضت أن تقتدي بهدى شعراوي التي ألقت حجابها في البحر عند شواطئ الإسكندرية (403) و أبت أن تتأسى برائدات ( الفن ) من الراقصات الفاسقات وداعيات ( الموضة ) من الصهيونيات و الماسونيات .

(401) ( الاعتصام ) عدد رمضان 1404هـ / يونيو 1984 م – ص 10 . (402) ( الصحافة والأقلام المسمومة ) ص (215) نقلاً عن الأهرام . (403) راجع ص ( 79 – 81 ) . و يبدو أن الرجل لا يقصد بمقاله المرأة وحدها بل يقصد إدانة الاتجاه العام السائد بين الشباب و الذي يرمي إلى استلهام التصور الإسلامي في بعث الأمة الإسلامية و الوصول بها إلى واقع جديد يختلف عن واقع الهزيمة والتخلف والظلم وها هو يهاجمنا – نحن المسلمين – في أخص ما نملك و أعز و أغلى ما عندنا إلا وهو ديننا الحنيف و من هنا و قبل أن نتتبع أقواله ينبغي : أولاً : أن نرفع اللبس و الإبهام والتعتيم عن كلمة ( المرأة المصرية ) التي يتحدث عنها فنقول إنه يعني بالمرأة المصرية ( المرتدة الناقصة على عقبها المنتكسة الرجعية التي تعيش مأساة ...إلخ ) المرأة المسلمة .. فالمرأة المسلمة المصرية وحدها هي المقصودة وهي المستهدفة بسهامه المسمومة و أفكاره المحمومة و فتنته المضلة التي تطل برأسها بين الحين والحين والتي ( زرعت في أرحام بلاد غير بلادنا وولدت في أكناف غير أكنافنا و لكنها زرعت خصيصاً للمسلمين وولدت خصيصاً للمسلمين وصدرت منهم خصيصاً للمسلمين ) . ثانياً : أن تحدد هدف هذا المقال وهو كما يمكن استخلاصه من عباراته : التصدي لظاهرة ( عودة الحجاب ) و الدعوة صراحة إلى الخلع الحجاب و إلقائه في البحر و إغراقه في اليم ليصبح نسياً منسياً و بالتالي : محاكاة المرأة الغربية في كل ما تأتي وتذر بيد أن الهدف يتسلل بين السطور على استحياء ويدخل على الناس ممتطياً حلو الكلام و لين الحديث و بريق الخداع قال تعالى في وصف المنافقين : (و إن يقولوا تسمع لقولهم) المنافقون (4) و قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحراً ) (404) . و لعل أبرز ما يتميز به الكاتب أنه يتقن الصنعة اليهودية القديمة وهي حرفة " التبديل " و عكس المعاني فإنك لو عكست أكثر كلامه لكان هذا الأكثر هو الحق فهو كمن " يمشي مكباً على وجهه " وهو كالذين ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) المائدة (13) ¸في صده عن سبيل الله وتنفير المسلمات عن الحجاب و طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مثل الذي ( ينهى عبداً إذا صلى ) العلق (10) ومثل الذين وصفهم الله تعالى بقوله : (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف و يقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) التوبة (67) و بقوله سبحانه : ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) آل عمران (118) و بقوله عز وجل : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) محمد (30) . فالكاتب في الحقيقة هو المنتكس المرتد إلى الجاهلية حين يرى طاعة الله ورسوله ردة قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة (50) و قال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب (33) و الكاتب الذي يصف عودة المرأة المسلمة إلى الله و عودتها إلى الحجاب بأنها قد

(404) رواه مالك و أحمد والبخاري و أبو داود و الترمذي من حديث بن عمر رضي الله عنه . خرجت بذلك من ضوء النهار إلى غسق الظلام والله عز وجل يقول : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) البقرة (257) و الله تعالى يقول : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون ) الأعراف (3) هو الناكص على عقبيه . و الكاتب الذي يدعو المرأة إلى دخول عصر النور الذي بدأ في زعمه بإلقاء الحجاب في البحر على شواطئ الإسكندرية وانتهى إلى ما نعلمه اليوم على شواطئ الإسكندرية هو شيطان الظلام وليس الدعاة إلى الإسلام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر و المأساة التي يتصور الكاتب أن المراة المسلمة تعيشها اليوم لا وجود لها إلا في قوله الفاسد ورأيه الكاسد و إنما هي من صنع نفسه التي سولت له أن المجتمع يرفض دعوته ودعوة أمثاله من شياطين الإنس و لن يؤثر في عقل المراة اليوم وسوسة شيطان يدعي أنها بهذا الاختيار تكون " تابعة " أو " خاضعة " لأحد من البشر إنما هي متبعة لأوامر ربها وخاضعة لحكم الله رب العالمين تتحجب صيانة لنفسها واستجابة لشرع الله وترفض السفور لأنه دعوى الشياطين ووسوسة الذين في قلوبهم مرض . إن " المأساة حقاً " هي التي تعيشها المرأة في التعليم المختلط والنوادي المختلطة والشواطئ المتجردة من ثوب الحياء . إن ( المأساة ) حقاً هي واقع أمثاله من دعاة ( تدمير المرأة ) الذين وقفوا حياتهم على هدم حصون الإسلام وعرقلة مسيرة الصحوة الإسلامية أما أن تعيش المسلمة في مأساة لأنها تحجبت بمحض أختيارها فقد : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) الكهف (5) . يقول صاحب ( الردة ) : ( المرأة اليوم – بعد كل ما صنعته أخوات لها من بنات الجيل الماضي لترفع عنها نير الهوان – تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بحجاب والد أو زوج فكأنها بذلك الحجاب الطوعي تقف على مئذنة لتصيح في الناس : ها هي ذي سلعة من عهود الحريم لمن يشتري ) اهـ ويلك يا شيخ التغريب ! لقد قلبت الأمور رأساً على عقب . ما مقصودك بهذا ؟ أنت مطالب ببيان الفرق بين " الإنسان " و بين " السلعة " ثم إثبات ان المسلمين قد عاملوها معاملة السلعة ببراهين و أدلة صحيحة أما الكذب والفجور فكل خبيث ساقط منسلخ من الدين لا يعجز عنه و لايهابه لأنه غذاء قلبه وروحه :

لـي حـيلة فيمن ينم و ليس لي في الكذب حيلة من كان يخلق قوله فــحــيــلــتــي فــيـه قـلـيلة

إن مجرد إحصان المرأة في البيت لا يقضي بكونها سلعة فإن السلعة لا تختص بالأحراز في البيوت بل أكثر السلع تعرض في الأسواق والمجامع وفي كل مكان بل السلع التي تحرز أنفس من السلع التي تعرض في كل محل و ليس مجرد المعاوضة يوجب التشبيه بالسلع . ومن المسلم به في عالم التجارة وفي قانون العرض والطلب أن على أصحاب السلعة أن يحسنوا عرضها على الناس فيكشفوا عنها حتى يتعرف الراغبون في شرائها على مزاياها و الأمر هنا مختلف جد الاختلاف إذ أن المرأة في حياتنا هذه تخفي مفاتنها و تحجب عن الناس رؤية وجهها وهو أمارة الجمال وعلامته فهي إذن لم تحاول عرض نفسها كسلعة تباع وتشترى ولم تناد من فوق مئذنة بصوت خفيض أو جهوري لأنها أكرم على نفسها من هذا الوصف المهين الذي لا يليق بالمسلمة المحجبة ولكنه أليق بتلك التي خلعت حجابها على شواطئ الإسكندرية لتدخل " عصر النور " في زعمك فأنت في الحقيقة الذي جعلتها سلعة لأنك أعرضت عن كل ما شرعه لها ربه ورسولها صلى الله عليه وسلم من الحقوق التي هي في غاية العدل والإحسان من العفة والإحصان و الصيانة والتكريم و التعليم الصحيح و أنت الذي سلكت فيها مسلك السلع المبتذلة وطلبت منها أن تخرج من بيتها لتخالط الرجال بادية عوراتها و أن تنطلق إلى عصر " النور " لتكون رائدة في " الفن والموسيقى والرقص " و أن تعمل " مضيفة في الطائرة و بائعة في المحلات و سكرتيرة في الإدارات و أن تمرح وتسرح و تذهب وتجئ كالسائمة المهملة كيف شاءت شهواتها .. أليس هذا هو شأن " بعض " السلع المبتذلة ؟! كلا ليس التوبة ردة وليس النور ظلاماً و ليست اليقظة مأساة بل هي " صحوة " مباركة أدركت المرأة بعد أن عثرت على ذاتها التي ضاعت في عصر " الثورة " فلما عاد إليها صوابها أدركت بعقلها و سليقتها وفطرتها حاجتها إلى أن تحتمي بنور الإيمان فأسبغت على نفسها ملابسها وغطت رأسها و بذلك عادت إليها روحها أصيلة و هي راضية حيث رجعت من تلقاء نفسها إلى طاعة ربها ( قبل أن يأمرها بذلك والد أو زوج ) كما يعترف الفيلسوف الهرم وهذا هو السمو الخلقي والروحي الذي لا سمو يعلو عليه . فما الذي رابك أيها العجوز من ستر الأجساد و صيانة الأعراض ؟ وما الذي تعيبه على نساء مسلمات عرفن أن الله سبحانه وتعالى هو ربهم الواحد الجدير بأن يطاع لا شياطين الشرق والغرب من أعداء الله ورسوله و المؤمنين ؟! فإن كنت ترثي للمحجبات لأنهن في زعمك ( مرتدات ) فأولى بك أن ترثي لنفسك و قد تماديت في غيك وضلالك و أنت ابن الثمانين و لم يزدك تطاول السنين إلا تهوراً واستكباراً عن الرجوع إلى الله والتكفير عن الصد عن سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة ) رواه البخاري و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة لقد أعذر الله إليه ) رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه و المقصود أنه سبحانه لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة . إن المسلمة المحجبة يهمها أولاً أن تنجو من عذاب النار و غضب الواحد القهار ولا يهمها بعد ذلك أن تنجو من اتهام الأقزام أمثالك بالردة او الرجعية أو النكسة أو النكوص على الأعقاب أو التزمت أو التطرف . فإن المؤمنين والمؤمنات تعودوا على هذا المسلك من أعداء الدين فيما مضى ولابد من أن يعيد التاريخ نفسه ( و لكل قوم وارث ) و قد سبق الكاتب من هم على شاكلته بهذه السخرية و ذلك الاستهزاء كما قال تعالى : (و إذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً و لعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) المائدة ( 58) و قال تعالى : (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) الآيات ( المطففين 29) فالمهم من يضحك أخيراً ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم ) هود (38) و قال عز وجل : ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) البقرة (212) . هذا و إن هذه الدعاوي التي رمى بها ( الفيلسوف الهرم ) و المهانة التي ألحقها بكرامة المرأة المسلمة لو أن أكفر يهودي أدعاها على شعب أو أمة لكان لابد أن تعامله معاملة أعدى عدو لها فكيف بأمة الإسلام و كيف بنساء المسلمين !. و يتمادى الكاتب في عدوانه ليصف ظاهرة عودة الحجاب بأنها ( موجة رجعية عاتية نثرت رذاذها في كل اتجاه حتى أصاب المرأة ما أصابها ) نقول : إن التقدم الفكري ليس له صلة بكشف العورات أو إلهاب الشهوات لأن الشهوة هي التي تطفئ العقل و تذهب باللب و إلا فأن الحيوانات العارية التي تقارف الشهوة في قارعة الطريق أدنى – في نظرك – و بهذا المنطق الممسوخ إلى التقدم الفكري و كأنك بهذا النهج الذي يدل على ( التخلف الفكري ) تصف النساء المسلمات منذ عصر النبوة حتى بدأ غزو الحضارة الغربية بالتخلف والجمود والانحطاط و لا يستبعد صدور هذا من أمثالك . و لعمر الحق .. إن أقل امرأة منهن – ولو كانت أمية جاهلة بفلسفتك – لهي أدنى إلى الحق و الصواب والحكمة منك لأنها آمنت بدين الله و التزمت أوامر الله بفطرتها أما أنت فقد فسدت فطرتك حين ضيعت عمرك في فلسفة أكثرها سفه و أعرضت عن علم الوحي والحكمة واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير إن عودة المرأة إلى جادة الصواب ليس رجعية و لكنه تعبير فطري بجانب أنه تعبير عقائدي تسعى إليه الفطرة السليمة التي تأبى الفوضى الاجتماعية . و عقد الكاتب مقارنة هزيلة بين ( الليلة ) و ( البارحة ) في حياة ( المرأة المصرية ) فقال – عامله الله بعدله – ( ألا ما أبعد الفرق في حياة المرأة المصرية بين الليلة والبارحة ففي بارحتها ألقت بحجابها في مياه البحر عند شواطئ الإسكندرية إيذاناً بدخولها عصر النور و أما في ليلتها هذه فباختيارها تطلب من شياطين الظلام أن ينسجوا لها حجاباً يرد عنها ضوء النهار ) اهـ . نقول : نعم ! ( إن المرأة المصرية حين ألقت بحجابها في بداية القرن العشرين في مياه البحر عند الإسكندرية إنما ألقته عندما كان البحر الأبيض المتوسط في حالة الجزر فانحسرت الأمواج عن شواطئ الإسكندرية وهي تحمله فوق زبدها فلما أسبل الليل سدوله انتشر الظلام و هبت الريح العاتية و خضع البحر لعوامل المد فزحف الموج عائداً إلى الشاطئ حاملاً مع ما فوقه من الزبد الميني جيب فالتقطه قلة من المصريات وفرحن به فارتدينه أسوة بأخوات لهن في أوربا و أمريكا فكشفت كل واحدة منهن عن ساقيها و سرن بهذا اللباس في الطرقات و ذهبن به إلى بعض أماكن العمل ثم دار الزمان دورة أخرى وجاء ليل مظلم آخر و سيطر على البحر عامل المد مرة ثانية و زحف الموج كعادته عندما يعم الظلام قاصداً شواطئ الإسكندرية و حاملاً " ملابس البحر فوق زبد الموج الزاحف فهرعت إليه قلة قليلة من فتياتنا و أعجبن به كما أعجبت به من قبل أخوات لهن في أوربا و أمريكا فارتدينه و سرن به شبه عاريات على بعض شواطئ الإسكندرية و استمر سيرهن على هذا الحال .. ) (405) اهـ حتى شاء الله أن يعود لهؤلاء الفتيات أو لقسم كبير منهن ( الوعي ) بحقائق الإسلام التي جهدت مدرسة ( السفور) أن تطمسها .. و عاد الوعي بأباطيل خصوم الإسلام ومؤامراتهم .. و عاد الوعي بحقيقة ( الرائدات ) و الرواد الذين أضرموا فتنة ما يسمى بـ ( تحرير المرأة ) .. و كانت نتيجة ذلك كله ضرورة أن ( عاد الحجاب ). إن الفرق بين نهار المرأة المسلمة المحجبة وليلتها البارحة هي أنها أدركت أنكم يا شياطين الظلام تعيشون في حالة ( ردة ) عن دين الله القويم إلى الجاهلية الأولى و ( نكسة ) إلى الفرعونية الوثنية و ( مأساة ) يرثى لكم من أجلها من أنعم الله عليهن بالهداية إلى الصراط المستقيم . ولعل من أغرب ما في كلام الفيلسوف الهرم أن أكثر ما يشعل النار نار الغيظ في قلبه هو أن الفتيات يرتدين الحجاب طوعاً لا كرهاً بمحض اختيارهن وقناعتهن الذاتية و ( حريتهن الشخصية ) فإذا كان هو أحد دعاة احترام ( الحرية الشخصية ) و(حرية الرأي) فما الذي يغيظه و يكيده سوى الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين والكيد الرخيص لمعاندة شرع الله ( قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) و لما لم تصدر منه عبارة واحدة في استنكار صور الانحراف الأخلاقي في المجتمع وما أكثرها و إنما الذي استحق أن يلفت نظره هو فتيات آمنَّ بالله سبحانه و صدقن في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم و حجبن عوراتهن عن نظر قوم فاسقين لا خلاق لهم ولا خلق لا تعني " حرية الرأي " عندهم إلا " حرية الفسق والفجور ".

(405) من مجلة الأزهر عدد رمضان 1404 هـ يونيو 1984 م من مقالة الأستاذ عبد المنعم عمر بعنوان ( حجاب المرأة عودة للتمسك بالدين و العفة و الفضيلة ) ص ( 1484 ) . ثم عقد الفيلسوف الهرم مقارنة أخرى بين الشباب الثائر في العالم وبين الشباب المسلم في بلادنا فقال : ( بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة و بطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف ) (406) اهـ . هكذا يرتمي الكاتب ثانية في أحضان أوربا و أمريكا ويجتهد في التمسح بالغرب حتى في فساد عقول شبابه . إن الفرق جد واضح بين هذا و ذاك . إن ثورات الشباب في أمريكا ظهرت بالانحلال وعدم المبالاة والجري اللاهث وراء " اللامعقول " بل محاولة كل ما ليس بمعقول فظهرت هناك – و الكل يعلم ذلك – فرق الخنافس و الهيبز و سائر الفرق الحشرية ... و انتشر بينها تعاطي الماريجوانا والحشيش و عقاقير الهلوسة و شاع بين أفرادها الفحش والانحراف والانتحار الجماعي ..إلخ . و لسنا بصدد الحديث عن ( مظاهر ) تلك الفوضى تاريخاً و أسباباً ولكن نريد أن نثبت أن : التنطع على أبواب الغرب والتمسح بعتبات الغرب مرض استشرى في كثير من كتابنا . فهل الذين يعبدون الله وحده لا شريك له ... متأثرون بثورات الشباب الغربي الماجن ؟ و هل المسلمة التي تتحجب ابتغاء رضوان الله متأثرة بالفتيات الأوربيات التي لا يعلم كثيرات منهن أباً أو أماً أو بيتاً و يتسكعن على الأرصفة هنا وهناك في أزقة عالمهن المادي الكافر ؟

وهل من يتأثر باطنه بظاهره فيصدق الحديث و يفي بالعهد ويؤدي الأمانة ويصبح – هو أو هي – عضواً نافعاً في الجماعة التي يحيا بينها و يشيع الطمأنينة والراحة النفسية بينه وبين كل من يتعامل معهم 

هل نقول عنه : إنه متأثر بثورات الشباب الذي يدفعه اليأس و الضلال كل يوم إلى مزيد من العنف و الجرائم الخلقية و مزيد – كذلك – من الانتحار ؟!! أم كنت أيها الفيلسوف الهرم تحب أن يكون شبابنا وبناتنا كهؤلاء حتى لا يكون " الصدى جاء عندنا – كما تقول – ليعكس الترتيب الطبيعي للأوضاع " ؟؟ و يثير صاحب " الردة " شبهة طالما يحلو لأمثاله أن يرددوها وهي أن هذا الحجاب ( نموذج نقل إلينا عن آخرين فوجد ذلك النموذج ترحيباً من الشباب اليائس ) اهـ . نقول : إن كان قصدك بالآخرين : صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم و نساءهم رضي الله عنهن و التابعين لهم بإحسان من المؤمنين والمؤمنات الممتثلين والممتثلات لشرع الله سبحانه و تعالى في أي مكان وجدوا أو في أي زمان عاشوا منذ أن كان الصحابة و إلى زماننا هذا ...

(406) " بريد غاضب " الأهرام ( 7 / 5 / 84 ) .

فنحن نوافقك في ذلك تمام الموافقة مع تصحيح بسيط جداً و هو أن الذين رحبوا بهذا ( النموذج المبارك ) ليسوا هم الشباب ( اليائس ) لكنهم الشباب ( المؤمن ) و المؤمن لا ييأس أبداً لقوله تعالى : ( و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف (87) فمهما بلغ الأمر بالعاصين والمفرطين فهم لا يزالون يستمعون و ينصتون إلى قول الله تبارك وتعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) الزمر (53) .

و إن كان قصدك بالآخرين الذين نقل عنهم ذلك النموذج غير هؤلاء .. فخبرنا بربك عنهم .. لتزداد سعادتنا نحن المسلمين بهم و نزهو بكثرة أتباع رسول الله  الذين تعرفهم أنت وحدك . ثم يؤرخ صاحب النكسة لبداية ظهور مأساة عودة الحجاب فيقول : ( لقد بدأت هذه الموجة المتحفظة مع شبابنا – ذكوراً و إناثاً – بعد نكسة 1967 م ثم أخذت في التضخم والاتساع حين وجدت من ينفخ لها النار حتى أصبحت " ظاهرة " في حياتنا الاجتماعية ) اهـ ثم يحاول صاحب ( الردة ) أن يعلل هذه الظاهرة الخطيرة التي أقضت مضجعه فيقول : ( ماذا حدث فأحدث في حياتنا الاجتماعية تلك المفارقة ؟ و الذي حدث - أولاً – هو هزيمة 1967 م فنتج عن تلك الهزيمة – ثانياً – شعور قوي بالإحباط و اليأس و انسداد الطريق أمام الشباب قبل سواهم ) اهـ . و الخطأ الأول الذي وقع فيه صاحب الردة هو في تحديد تاريخ امتثال المؤمنات لأوامر الله عز وجل و لا نقول تاريخ الظاهرة ..فإنه لم يبدأ بعد النكسة و لكن قبلها و منذ زمن بعيد بعيد جداً . و لكن صاحب الردة لا يعرف ذلك التاريخ وهو أمر سيئ . أو : يعرف و لكنه يغالط و يغش و يخدع .. وهو أمر أسوأ . و على كلا الاحتمالين : فلقد بدأ الامتثال : 1 - يوم أنزل الله تعالى على عبده و رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين و كان الله غفوراً رحيماً ) الأحزاب (59) . 2 - يوم أن أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال في سورة النور : (و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن و توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور (31) 3 - يوم أن قال تعالى آمراً أمهات المؤمنين : ( و قرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب (23) و لسائر المؤمنات فيهن أسوة . 4 - و يوم أن أمر الله عز وجل المؤمنين بقوله في حق أمهات المؤمنين : (و إذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم و قلوبهن) الأحزاب ( 53 ) و غيرهن من المؤمنات أولى بذلك . 5 - و يوم أن أثنت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على الممتثلات لأمر الله سبحانه وتعالى في قولها : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : ( و ليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن أكف مروطهن فاختمرن بها ) . ويوم ... ويوم ... ويوم ... فإن كنت تعرف تلك ( الأيام الكثيرة الحافلة ) خاصة و أنك تزعم أن القرآن كتابك كما هو كتابنا .. فأنت تخدع نفسك وتكذب على ربك و تغش القارئين . و إن كنت لا تعرف : فأنت – بالتالي – لا تقدر ما تقول قدره . المهم : أن المسلمين حافظوا على هذا الامتثال – ذكوراً و إناثاً – غير من شذ منهم وعصى الله سبحانه وتعالى و خالف تعاليم النبي  . و ظل الأمر على ذلك : حتى كانت تلك الفترة التي تغدق عليها آيات التمجيد و تعطرها بالفخر والثناء وهي الخمسون سنة التي بدأت مع مطلع هذا القرن وهي التي أسميتها " بارحة المرأة المصرية " .

وفيها .. و بعد التزام المرأة المسلمة المصرية لتشريع الله تعالى طيلة هذه القرون ..رأينا : أول امرأة مصرية منتسبة إلى الإسلام .. تخلع الحجاب (407) 

ورأينا كذلك : أول زوجة زعيم سياسي عربي – تقريباً – تظهر معه سافرة الوجه في المحافل والصور (408) و تبعهما في ذلك من تبع .. ورأينا من ينفخ لهن النار ..نار تلك الفتنة من أمثال صاحب ( الردة ) بيد أنه قد بقيت الكثرة الغالبة منهن : تؤمن بالله رباً و بالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً و بمحمد  نبياً و رسولاً في كل ما تأتي وتذر و ذلك قبل نكسة ( 67) و بعد نكسة ( 67) و ستظل كذلك بإذن الله إلى ما شاء ربك ..دون أن تحتاج إلى من ينفخ لها النار كما يدعي صاحب ( الردة ) .


(407) و هي ( هدى شعراوي ) انظر ( الأعلام ) للزركلي ( 8 /87 ) . (408) و هي ( صفية زغلول ) انظر ( سعد زغلول ) ص ( 204 ) . أما عن علاقة النكسة بـ ( عودة الحجاب ) .. فلا ننكر أنها قد أثرت في تقوية هذا الاتجاه لدى كثرة كثيرة من الناس أيقنت بصدق شيئين وهما : أولاً : أن نكسة 67 واحدة من الآثار المشئومة والنتائج الحتمية لبارحة المرأة المصرية التي أخذت تتغشى المجتمع المصري كله بفسادها وضلالها وانحرافها تحت ستار " تحرير المرأة " وبعبارة أخرى : إن الحجاب لم يكن ثمرة النكسة بقدر ما كانت النكسة ثمرة التخلي عن الحجاب كمظهر من مظاهر التخلي عن الإسلام . ثانياً : أن الخلاص من تلك البارحة التي انساق المجتمع كله في تيارها وسرت فيه عدواها و أن التخلص من آثارها ونتائجها الوخيمة لا يكون ولن يكون – إلا بالعودة إلى الله تعالى و الالتجاء إلى حماه والالتزام بشرعه و الامتثال لمنهجه – توسلاً لمرضاته تعالى وطاعة رسوله  . و بعبارة أخرى : أن التخلص من آثار ( العدوان ) اليهودي لن يتم إلا بالتخلص من آثار العدوان العلماني على شريعة الله عز و جل و أن الصوت الوحيد الذي ينبغي أن يعلو كل صوت هو الذي يدوى قائلاً : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم و لكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف (40) و قد ظهر ذلك كله في الجنود المسلمين يوم دكوا خط ( بارليف ) بصيحة " الله أكبر " قبل أن يدكوها بسلاحهم ويوم تجاوبت أصداء البلاد بالمطالبة بالحكم بما أنزل الله و تحرير البلاد من الاستعمار ( التشريعي ) و يوم كانت عودة المرأة إلى الحجاب ( رمزاً صامتاً ) يصفع أحلام الرائدات والرواد الأول و يتحدى مؤامرات اللاحقين من دعاة " النهضة " النسائية – استغفر الله - : بل ( الكبوة ) الشيطانية .

صدق وهو كذوب :

و من عجيب أمر صاحب الردة أنه فهم من أمر الحجاب معنا زائداً على ما يفهمه كثير من بسطاء المسلمين في هذا الزمان و هم الذين يصفون كل ما يمت إلى المظهر الإسلامي بصلة كالحجاب واللحية ... إلخ بأنه ( قشور و فرعيات ) لا ينبغي أن تشغل حيزاً من اهتمام المسلمين . أما صاحب الردة فقد فطن إلى أن الحجاب ( رمز له دلالته ) في قوله : ( و لم يكن أحد ليعلق بكلمة واحدة على قطعة من ثياب امرأة اختارتها كما يختار أي إنسان ثيابه التي تلائم ذوقه لكن الموقف يتغير إذا أريد بقطعة معينة من الثياب أن تكون رمزاً له دلالته ) اهـ . و هذا حق .. فإن " الحجاب " عند نساء المسلمين و " اللحية " عند رجالهم وغيرهما من المظاهر الإسلامية المتميزة بجانب أنها طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنها أيضاً " رمزاً لتحدي الواقع الجاهلي الحريص على طمس معالم الشخصية الإسلامية وهي " تعبير صامت " عن الحنين إلى جذورنا الأصيلة الضاربة في أعماق التاريخ و التي جعلت من سلفنا خير أمة أخرجت للناس وهي أخيراً ( راية ) على وجوه المسلمين رجالاً ونساءاً تؤكد استعلاءهم على مؤامرات أعداء الإسلام الذين يقف معهم صاحب الردة في خندق واحد حاملاً ( قوسه المشدود إلى صدر الإسلام و قد شحن بالتحفز حتى إذا ما ارتخت عنها قبضة الرامي ارتدت إلى نحره وكان فيها حتفه بإذن الله )  و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون  الشعراء (227) ولما كان من المستحيل أن يجمع الإنسان بين إيمانه بالإسلام كما فهمه السلف الصالح وعملوا له و بين الإيمان بمبادئ " العلمانية " و " الليبرالية " (409) و لما كان الاقتداء بالسلف الصالح ينافي دعوة " المتغربين " إلى الاقتداء بفلاسفة الغرب ورجالاته .. ولما كانت قوة المسلمين منوطة بمدى انتهاجهم النهج السلفي القويم .. رأينا " شيخ التغريب " لا يفوته أن يربط ( عودة الحجاب ) بـ ( سلفية الشباب و الفتيات ) على أن هذا الرباط من الأمور التي أزعجته وجعلته يجرد قلمه المسموم ليحذر من هذه ( الموجة الرجعية العاتية ) فيقول : ( لقد أصبحت هذه الموجة المتحفظة ظاهرة في حياتنا الاجتماعية ولا أظن أن لها شبيهاً في بلدان أخرى كثيرة و الظاهرة التي أعنيها هي أن يكون الجيل الأكبر في معظم الأسر أو قل في كثير منها أقل نزوعاً إلى تلك المحافظة من الجيل الأصغر ففي حالات كثيرة نرى الأم سافرة و ابنتها محجبة ... وفي حالات كثيرة أيضاً ترى الوالد حليق اللحية و أبنه مرسلها على هذا النحو أو ذاك و إنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع : أن ترى الجيل الأصغر سلفياً بدرجة تزيد على الحد المألوف و ترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية – في ظاهرة على الأقل – من أبنائه وبناته ) اهـ . و قال في بريده الغاضب : ( بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة و بطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة و تدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف)اهـ لقد أتي الفيلسوف الهرم من عقدة الخضوع للمفاهيم الغربية الشائعة والانسياق ورائها ظناً منه أنها مطابقة للتصورات المماثلة في المجتمعات الإسلامية فمال هو و أمثاله إلى الغض من الاتجاه السلفي و أصحابه و نفروا الناس منه وقاموا بحملة تشهير ظالمة ضده

(409) تعني الليبرالية : ( أي : التحررية ) رفض الخضوع لسلطان الدين و التسليم بقضاياه والوقوف عند حدوده

        والتزام أوامره ونواهيه في تنظيم المجتمع ورسم سياسته  انظر ( الإسلام والحضارة الغربية ) للدكتور محمد 
        محمد حسين رحمه الله ص ( 116 – 118 ) .  

و لنقف هذه الوقفة مع هذا المصطلح الشريف : ( السلفية ) (410).

( فمن حيث المصطلح أصبحت السلفية علماً على أصحاب منهج الاقتداء بالسلف من الصحابة و التابعين من أهل القرون الثلاثة الأولى و كل من تبعهم من الأئمة كالأئمة الأربعة و سفيان الثوري و سفيان بن عيينة والليث بن سعد و عبد الله بن المبارك و البخاري ومسلم و سائر أصحاب السنن و شمل شيوخ الإسلام المحافظين على طريقة الأوائل مع تباين العصور وتفجر مشكلات و تحديات جديدة أمثال ابن تيمية وابن القيم و محمد بن عبد الوهاب و كذلك أصحاب أغلب الاتجاهات السلفية المعاصرة بالجزيرة العربية و القارة الهندية ومصر و شمال أفريقيا وسوريا و كانت ذات أثر واضح في تنقية مفاهيم الإسلام و دفعه إلى الأمام لمواجهة الحضارة و التطور و للكشف عن جوهر الثقافة العربية والإسلامية الأصيلة القادرة على الحياة في كل جيل وكل بيئة ).

( ومن حيث المضمون تعني السلفية في الإسلام التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة وقمته الحضارية كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الأولى المفضلة و فيها تحقق الشكل العلمي و التنفيذ الفعلي ومنه استمدت حضارة المسلمين أصولها و مقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعاً للتوحيد و بياناً لدور الإنسان في هذه الحياة وتنفيذاً لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة في الاجتماع و الاقتصاد والسياسة وروابط الأسرة وفضائل الأخلاق . و السلفية كمصطلح تعني أيضاً في مدلولها الخاص – الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن أمتنا تنفرد بمزية لا تشاركها فيها أمة أخرى في الماضي أو الحاضر أو المستقبل تلك هي تحقق القدوة في شخصه صلى الله عليه وسلم - إذ حفظت سيرته كاملة محققة بكافة تفاصيلها فنحن نعلم عنه كل شيء وفقاً لما نقل إلينا في كتب وعلوم مصطلح الحديث بأدق منهج تاريخي علمي عرفه المؤرخون . و هكذا فإن السيرة النبوية حية في كياننا و نحن نعيشها كل يوم و هي تمثل القمة للسلفيين و تطبيق الشريعة الإسلامية ممتد على طول الزمن لا يتعلق بعصر دون آخر بل إن كل جيل من المسلمين مطالب بتنفيذ أصولها النصية مع الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص عند مواجهة أحوال الحياة المتغيرة كما هو معروف في أصول الفقه .

(410) انظر ( قواعد المنهج السلفي ) و ( السلفية بين العقيدة الإسلامية و الفلسفة الغربية ) للأستاذ الدكتور مصطفى

        حلمي .

و إزاء خطط الغزو الفكري ومظاهر الاشتباك العقلي مع خصوم الإسلام صمد السلفيون للمحافظة على جوهر الإسلام وأصوله إيماناً بأنه لم يظهر زيف هذه العقائد و النحل إلا بطريقة السلف أنفسهم مهما تغيرت الأزمنة والأعصار لأنها طريقة موضوعية ذات أسس عليمة منهجية تعتمد على النصوص الشرعية الموثقة فهناك مسائل ثابتة لا تتغير : كفطرة التوحيد و مخاطبة العقول البشرية للبرهنة على النبوات عامة ونبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة و الرد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كل ما انحرفوا به عن الشرع المنزل مع دحض شبهات الملحدين والمشركين . هذا فضلاً عن ثبات الفضائل الأخلاقية و قواعد التحليل و التحريم في المأكل والمشرب و الملبس و تنظيم العلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع و إقامة العلاقات الدولية مع سائر الأمم وفقاً لأصول الشرع و لقد أصبحت الحركة السلفية هي الحركة الكبرى التي جددت الدعوة الإسلامية ولولاها لهان على الغرب أن يستعبد الشرق روحياً و فكرياً إلى أمد بعيد . فإذا كان المسلمون يتلمسون اليوم طريقاً للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم ووحدة الجماعة ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح و الإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة و هذه خلاصة الاتجاه السلفي : عودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وفي العصر الحديث يعمل السلفيون على استئناف الحياة الإسلامية على أساس هذا الفهم و طبقاً للنظرة الرحبة الفسيحة لكل جوانب الإسلام كمنهج رباني شامل لا يعتوره نقص في أي من مجالات الحياة . وقد اتفق المسلمون السلفيون على قاعدة اضطراد العلاقة بين تقدم المسلمين و استمساكهم بالإسلام و على العكس تدهورهم وضعفهم عند الانسلاخ منه فالعلاقة بينهما علاقة المد والجذر مع الإسلام والإيمان .

السلفية والتقدم :

يزعم خصوم الإسلام بعامة و السلفية بخاصة أنها دعوة رجعية و هو زعم خاطئ من جذوره فلا تتعارض السلفية مع التقدم لأن التقدم في الإسلام تقدم أخلاقي يمضي قدماً في تحقيق الرسالة التي نيطت بهذه الأمة مع الأخذ بأسباب العمران المادي في نواحي الحياة كلها . و القديم في تاريخ أوربا تعبير يطلق على العصور المظلمة في القرون الوسطى السابقة لعصر النهضة ورفض أوربا لتاريخها القديم موقف عادي يتلاءم مع رغبتها في التقدم لأن الماضي يعد سبباً لتخلفها .

" و إذا قارنا الإسلام بمختلف ديانات العالم عرفنا أن عقائدها منعت معتنقيها من التقدم الحضاري عندما استمسكوا بها و دارس التاريخ يلاحظ أن أهل أوربا و البوذيين في اليابان على سبيل المثال لما كانوا راسخين في معتقداتهم الدينية كانوا على أسوأ ما يكون من أدوار التخلف و لما أحرزوا لأنفسهم الرقي والتقدم في حياتهم العلمية و العقلية والمادية ما عادوا مؤمنين بمعتقداتهم المسيحية والبوذية إلا اسماً . أما المسلمون فعندما كانوا أقوياء في إيمانهم بمعتقداتهم صاروا أكثر أمم الأرض تقدماً وازدهاراً و قوة ومجداً وما أن دب دبيب الضعف في إيمانهم بها حتى تخلفوا في ميادين العلم وضعفوا في صراعهم للرقي الدنيوي و تحكمت فيهم واستولت عليهم أمم أجنبية و هذا فرق عظيم بين معتقدات الإسلام و معتقدات الديانات الأخرى في العالم " (411) .

فالأمر عكسي بالنسبة لنا تماماً : فإن تاريخنا يعبر عن تقدم حضاري في كافة المجالات و إذا نحن طالبنا ( بالترقي ) إلى مستوى السلف فإننا نعني بذلك التمسك بالمفاهيم الإسلامية الشاملة للعقيدة والعبادة والشريعة و سائر الأنشطة الإنسانية التي منها – بلا شك – الحقل العلمي . و لكننا في الوقت نفسه لا نزعم – و لا نظن أن عاقلاً يخطر له على بال – أن نضع الأمة الإسلامية في متحف للتاريخ ! بمعنى أن نطالب بإرجاعها للأخذ بوسائل العصور السابقة في الحياة العمرانية بأساليبها في الإنتاج والنقل و التعليم والتطبيب وتشييد المدن وتجهيز الجيوش و بناء المدارس والجامعات والمستشفيات ....إلخ . و يتضح لكل دارس للإسلام أن المفهوم الإسلامي للحضارة أرقى بكثير من التصور الغربي فلا نحن نرضى بتخلف المسلمين الحالي عن تحقيق النموذج الإسلامي و لا نرضى في الوقت نفسه بتقليد الغرب في فلسفته و مضامينه الفكرية الشاملة . أما نبذ السلفية بحجة التسابق مع الزمن و اللحاق بكل ما هو جديد فمنهج خاطئ قائم على مفاهيم غربية متصلة بفلسفتها فإن ما نراه اليوم جديداً سيصبح غداً – وحتماً – قديماً فليست الموازنة إذن بين قديم و جديد موازنة صحيحة ولكن ينبغي أن تتم بالمقارنة بين الحق و الباطل أياً كان العصر والزمان لأن القيم لا تتغير ولا تتبدل فليس الجديد مقدماً بالضرورة عن سلفه . و لعلنا نصدم أصحاب دعوى التجديد المتغربين النابذين للسلفية عندما نضع أمامهم الحديث النبوي :

 ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) (412) 

والتجديد إنما يكون بعد الدروس فالتجديد ارتقاء وتقدم بالأمة لتسلك طريقها مرة أخرى كلما بعدت عن الصحيح الأصيل المتوارث .

(411) " المخاطر التي تواجه الشباب المسلم وكيف نتوقاها ؟ " للأستاذ الدكتور مصطفى حلمي ص ( 48 – 49 ) . (412) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في " المعرفة " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه و صححه الألباني . و نحن نرفض تقليد الغرب ونبحث عن الأصالة و لا تأتي الأصالة بترقيع الشخصية بل بالارتباط بالعقيدة التي كانت حجر الزاوية في كيان هذه الأمة و ينبغي هنا التمييز بين تقليد ( مقومات الشخصية والعقائد والتصورات ) و بين النتائج العلمية فلا وطن للعلم ولا جنسية للاكتشاف و الأبحاث الإنسانية في الميادين المختلفة .. ولكن المشكلة هي اختلافنا الأساسي معهم على قواعد جوهرية تتناول عقيدة التوحيد و الإيمان بالله سبحانه وتعالى و إفراده بالألوهية و الربوبية و ما هية الإنسان والغرض من خلقه و بيان مآله في اليوم الآخر و ما هي وسائله لسلوك أحسن السبل الممكنة في الحياة والارتقاء بها ؟ و تأتي آفة التقليد عندما ننسى أصالتنا و لذا ينبغي التنبيه إلى الحكمة النبوية في الحديث الذي رواه البخاري ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون " الأمم " قبلها شبراً بشبر و ذراعاً بذراع فقيل : يا رسول الله ! كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك ؟ ) (413) . و في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال  : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب خرب لتبعتموهم قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن غيرهم ! ) (414) . إذا عرفنا كل هذا أصبح هدف السلفية واضحاً أمامنا كضوء الشمس وهو يتلخص في : تطهير العقيدة من شوائب البدع وتربية الشخصية الإسلامية و فتح الذهن البشري لقبول كل جديد في ميادين العلوم التجريبية و إحياء العقيدة من منابعها بعيداً عن المذهبية الضيقة بصورتها الأخيرة أو تطويع العقيدة و الشريعة في الإسلام لدعاوي التطوير الخاطئة و رفض فكرة لا دينية الدولة . و أخيراً : أسعفت الفيلسوف الهرم ذاكرته فتذكر أن هناك قرآناً يستدل المسلمون بآياته على حتمية الحجاب فقال : ( ثم وجدت هذه اللفتة السلفية من يربطها للشباب بالدين و هنا تأتي النقطة الرابعة التي سأجعلها الأخيرة ) و هذه النقطة المؤخرة عنده – أخره الله و أخزاه – هي آيات القرآن المجيد الآمرة بالحجاب و كان ينبغي أن يبدأ بما انتهى به و أن يقدم ما أخره فإن حق كلام الله عز وجل أن يقدم على كل كلام لو كان صدقاً فكيف إذا كان لغواً وزوراً و افتراءً على الله كتلك المئات من السطور التي سودها ذلك المنافق يصد بها الناس عن القرآن ؟! قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله ) الآية ( الحجرات : 1 ) و قال عز وجل : ( و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الآية ( الحشر : 7 )


(413) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه . (414) رواه الإمام أحمد والشيخان و ابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه .

و قال تبارك وتعالى  : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء

                            قليلاً ما تذكرون )       ( الأعراف : 3 )

و لقد ذم الله قوماً يعرضون عن آياته فقال عز وجل : ( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ) ( النجم : 30 ) و قال سبحانه : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به و يريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله و إلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ) إلى قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) النساء ( 60 – 65 ) . ثم إن الفيلسوف الهرم لم يكتف بذلك بل تجاهل آيات القرآن تماماً فضلاً عن مناقشة تفسيرها و ترقى إلى ما هو أبعد من ذلك – رماه الله في المهالك – حين تقول على الله بغير علم و فكَّر و قدَّر فقتِل كيف قدَّر ثم قتل كيف قدر ثم حكم ببطلان أن الحجاب أمر تحتمه الشريعة الإسلامية فقال – قاتله الله – ( أوردت الرسائل في سياقها آيات قرآنية كريمة يستشهد بها أصحاب الرسائل على أن فتور الهمة نحو العلم و نحو العمل في امرأة هذا الجيل و ميلها نحو العودة إلى البيت و نحو أن تتحجب – أو على الأقل أن تضع فوق رأسها رمزاً يشير إلى معنى الحجاب – هو أمر تحتمه الشريعة الإسلامية و أقول إنه لو كان ذلك صحيحاً لكنت أول الداعين إليه و لكن هل هو صحيح ؟ ) اهـ

وهنا بدأت نبرة الكاتب تتحول إلى الإنسحاب الهادئ فبعد أن طعن الدين في الصميم و شعر أنه أسرف في الكذب و الافتراء وجد نفسه مضطراً إلى ممارسة ( فن التلون الحربائي ) فإذا به يتوارى ويتحصن في الدين فيقول : ( لو كان ذلك – يعني أن القرآن يحتم الحجاب – صحيحاً لكنت أول الداعين إليه ) و نحن إذا أحْسَنَّا الظن به حملنا أمر الفيلسوف " الكبير " ! على أنه لم يقرأ القرآن مرة واحدة أو أنه قرأه ثم نسيه لانشغاله عنه بفلسفة أكثرها سفه و إلا فهو عدو للإسلام والمسلمين متآمر ضد أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( و لو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم و لتعرفنهم في لحن القول ) القتال (30)

ثم يذكر الكاتب دليله على قطع الصلة بين القرآن والحجاب فيقول : ( أكانت تلك الشريعة معطلة حتى جاء شباب هذا الجيل ليعيدها إلى الحياة ؟ ) اهـ نقول : كلا بل ما زالت شريعة القرآن نافذة و سائدة طوال عصور الإسلام و ما زالت قلوب المسلمين رجالاً و نساءً تخفق بالاعتزاز بها و الإذعان لها إلى أن هجمت جيوش الغزو الفكري متترسة بالفلاسفة و العملاء و العميلات اللائى أسميتهن ( رائدات الجيل الماضي ) ليرفعوا الحجاب عن وجه المرأة و يعطلوا الشريعة الحنيفية شكلاً ثم موضوعاً وواقعاً فجاء شباب هذا الجيل ليصحح الأوضاع و يعود إلى حظيرة الإيمان و يجدد معالم دينه الذي ارتضاه الله له فما الذي يغيظك من ذلك كله ؟ و إذا كنت محباً لهذه الأمة المحمدية و مخلصاً لهذه الملة الحنيفية فلماذا تنزعج هكذا من عودة الشباب على الإسلام و عودة المسلمات إلى الحجاب ؟ ثم يمضي غمام الضلالة مدعياً مرتبة الاجتهاد المطلق بل ها هو ذا يقدم نفسه على كل أئمة الهدى في كافة عصور الإسلام ويبرهن على ذلك بقوله : ( إنني مهما تواضعت في قدر نفسي فلا أظنني أصل بذلك التواضع درجة تحرمني من فهم الآيات الكريمة التي سيقت في الرسائل شواهد على ما أراده أصحابها فالقرآن الكريم كتابهم وكتابي ) اهـ أقول : لو أن هذا المختال الفخور درس القضية في ضوء الكتاب العزيز و السنة المطهرة لوجد فيها من الشفاء و الهدى والنور ما يغنيه عن ظلماته و ضلالاته التي أوقعته في مهواة البلاء و العجب بنفسه و تكبره الذي دعاه إلى أن يضرب بسهم مع الأفاضل و أرباب التقوى مع أنه كما قال القائل : نزلوا بمكة في قبائل هاشم و نزلت بالبيداء أبعد منزل وكما قال القائل : أيها المدعي لسلمى انتساباً لست منها ولا قلامة ظفر و الفيلسوف الزائغ ليس من أهل الترجيح لأقوال أهل العلم بعضها على بعض بل لا يصلح أن يكون حكماً بين صبيين فضلاً عن أن يكون حكماً بين العلماء الربانيين : ما أنت بالحكم الترضي حكومته و لا الأصيل و لا ذي الرأي و الجدل فإن من شرط الحكم أن يكون عالماً بالكتاب والسنة و أقوال الصحابة و مذاهب المجتهدين فمن أين لهذا الزائغ من هذه العلوم و هو بالنسبة إلى الأئمة الذين " قضوا بالحق و كانوا به يعدلون " طفل راقد في مهد طفوليته ؟! بل أين المخلصون المجاهدون في سبيل الإسلام من الطاعنين فيه الصادين عن سبيله ؟! قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم و ساءت مصيراً ) النساء (115) و قال عز وجل : ( ألم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ص (28) أما قول صاحب ( الردة ) : ( فالقرآن الكريم كتابهم وكتابي ) فما أشبهه بقول من حكى الله عنهم : ( و يحلفون بالله أنهم لمنكم وما هم منكم ) التوبة (56) و قوله تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله و الله يشهد أن المنافقين لكاذبون ) المنافقون (1) فعادة المنافقين " الاستجنان " بالإيمان الكاذبة كما استجنوا بالشهادة الكاذبة ( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ) المنافقون (2) فيتخذون حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة تحميهم مما يعامل به الكفار و أخبر سبحانه عن صفتهم وشأنهم فقال : ( و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم ) المنافقون (4) لفصاحتهم و ذلاقة ألسنتهم إلى أن قال عز و جل ( هم العدو ) أي هم الكاملون في العداوة و الراسخون فيها فإن أعدى الأعادي العدو المداجى الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي ( فاحذرهم ) لكونهم أعدى الأعادي و لا تغترن بظاهرهم

فلا تقنع بأول ما تراه فأول طالع فجر كذوب

فمن هذا الباب قول الكاتب ( فالقرآن الكريم كتابهم وكتابي ) نقول : إن القرآن حق في نفس الأمر و ليس هو محتاجاً لأن يحامي مثلك عنه و المحاماة عن القرآن تكون بإقامة البراهين و دفع الشبهات الباطلة أما تحريف معناه و تغييره أما تجاهله و الإعراض عنه أما مراغمة نصوص القرآن و معاكستها ووصف الممتثلين لها بوصف ( الردة و النكسة و المأساة ) وما إلى ذلك من العبارات الشنيعة فهذا كله إفساد للقرآن و صد عن سبيله و استحلال لحرماته و استهزاء بآياته : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ) الأنبياء (18) و لئن جاز أن يتسامح المسلمون مع الكاتب فيما كتب – و هذا بعيد جداً – فلا يمكن أن يتسامحوا معه بأي وجه من الوجوه حينما ( أبى و استكبر وعاند ) الآيات التي بلغها إليه القراء في رسائلهم الغاضبة ثم إذا به يضرب بها كلها عرض الحائط و يتبجح في عتو عناد بمقولة تعيد إلى أذهاننا عناد صناديد قريش : ( إنني لم أجد في تلك الرسائل جميعاً ما يحملني على أن أغير حرفاً مما كتبته و لو أعدت الكتابة لكررت ما قلته كلمة كلمة ) اهـ فإذ لم يرفع بآيات الله الآمرة بالحجاب رأساً فإنا نذكره بقول الله تبارك وتعالى :

( ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم و إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ) الجاثية ( 7 – 9 ) .

وقوله عز وجل : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ) السجدة (22) .

و قوله سبحانه وتعالى : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها و نسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في آذانهم وقراً و إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً و ربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً ) سورة المدثر ( 16 ) .

ثم نقول كون هذه الآراء صحيحة عندك و أنك مؤمن بها لن تتراجع عن كلمة منها لا يدل على صحتها في نفسها فكل حيوان يستطيب ريقه و إن كان خبيثاً و قد قال تعالى في إخوانك من قبل : ( و يحسبون أنهم على شيء ألا انهم هم الكاذبون استحوذ عليهم

                       الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان 
                            ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) ( المجادلة : 18 – 19 )

وما أحسن ما قيل في مثله :

و لقد أقول لمن تحرش بالهدى عرضت نفسك للبلا فاستهدف آخر :

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل (*) فنسألك اللهم أن تخلع من أعداء الحق وثائق قلوبهم و أفئدتهم و أن تباعد بينهم وبين أزودتهم و أن تحيرهم في سبلهم و أن تضللهم عن وجههم و أن تقطع المدد عنهم و أن تنقص منهم العدد و أن تملأ أفئدتهم بالرعب و تقبض أيديهم عن البسط و تحرم ألسنتهم عن النطق و تشرد بهم من خلفهم و تنكل بهم من وراءهم و تقطع بحربهم أطماع من بعدهم اللهم عقم أرحام نسائهم و يَبِّس أصلاب رجالهم وعجل لهم الوبال والنكال و أخرس منهم عضو المقال و فرق جمعهم وشتت شملهم وأفسد رأيهم و أخمد أنفاسهم و هدِّم أساسهم إنك على ما تشاء قدير .


(*) و في أحدث محاولات الفيلسوف الهرم لينطح الجبل العالي كتب مقالة مطولة في " آخر ساعة " يدافع فيها

   عن العلمانية و يهاجم الجماعات الإسلامية و فيها تطرق إلى الحجاب زاعماً أن علة انتشاره بين الفتيات هي 
    : ( انخفاض الدخل في كثير من الأسر مما جعل عدد من السيدات والفتيات يعجزن عن التنافس في دنيا 
    الثياب – الموضات – فيجدن ملاذاً في الزي الديني ) و ادَّعى أن من الأسباب أيضاً : ( ارتفاع أجور العناية 
    بالشعر عند الكوافير فيحدث أن حجبه – حجب الشعر تحت الحجاب – أيسر و أقل تكلفة ) و لما سئل عن 
    رأيه في المنقبات قال في غرور : ( المنقبات لا يستأهلن الحديث مني عنهن ... ) ثم راح يتساءل ( هل هو 
   عدم جمال خلقة ؟ .. و لكن أقول إن فيهن صاحبات وجوه مليحة و مقبولة ! أيضاً أقول : هل هي حركة 
   احتجاجية داخل الأسرة ؟ هل هي حالة عدم رضاء كاملة عن النفس ؟ هل النقاب هو الإسلام ؟ )  اهـ 
   من  "  آخر ساعة  "  ص  ( 34 )  مايو  1986 م .  

حقاً .. إنها معركة مارق يتحدى مشاعر المسلمين و يستعدي " السلطة" على المحجبات

إنه المدعو " حسين احمد أمين " (*) الذي فتحت له الصحافة أبوابها على مصراعيها فصال وجال داعياً إلى البهتان العظيم و العدول عن صراط الله المستقيم و مناقضة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم و صَدَحَ به كتاب الله المبين جاء هذا الغبي الجاهل المكابر فأعرض عن الحق الصريح الظاهر وكتب المقالات المطولة التي حشاها من الكذب و الافتراء والظلم و العدوان و شتم أهل الحق و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات والصد عن سبيل الله عز وجل . ويبدو أن الدور الذي شاء له أسياده ووقع اختيارهم عليه لأجل إنجازه هو " محاربة الحجاب " .. ذلك الحجاب الذي أشعلت عودته نار الحقد و الغيظ في قلبه فأنشأ يسوِّغ محاربته إياه قائلاً : ( رأيت ظاهرة تنتشر في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم هي ظاهرة الحجاب و سمعت أنصارها يربطون بينه و بين الإسلام فأحببت أن أتحقق بنفسي مما إذا كان القرآن قد أمر به و قد توصلت إلى أن حجاب المرأة ليس من الإسلام ) اهـ و قال في موضع آخر (415) :

( ليس للحجاب أي علاقة بالإسلام ) ! ثم يزعم أن الحجاب إنما عرف عند الفرس و يقول : ( ومن المعروف أن أول مفسرين للقرآن الكريم على الإطلاق كانوا من الفرس (*) ومن الطبيعي أن يتأثر المفسرون بالتقاليد والقيم التي نشأوا عليها . لقد درست الآيات القرآنية التي ورد ذكر الحجاب بها ووجدت أنه ليس هناك آية واحدة تفرض الحجاب على المسلمات ) اهـ

(*) و انظر : " قصة الهجوم على السنة " للدكتور علي السالوس – حفظه الله – ص (54) لتقف على بعض افتراءاته

   على الإسلام .

(415) من مقاله المنشور بمجلة " روز اليوسف " الاثنين 17 يونية 1985 م العدد ( 2975 ) بعنوان ( المفكر الإسلامي " حسين أمين " يتحدى : ليس في القرآن آية واحدة تفرض الحجاب ) و في نفس المقالة استهزأ من حكم الإسلام بأن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين قائلاً : ( هل يمكن أن تكون شهادة بواب عمارتنا تعادل شهادة " أمينة السعيد " " سهير القلماوي " معاً هل نستطيع الآن أن نقول هذا ..؟) اهـ ص (35 ) . (*) راجع " التفسير و المفسرون " للدكتور محمد حسين الذهبي – رحمه الله –(1 / 32 – 142 ) حتى تقف على

    فساد هذا القول .

و نراه يبين منهجه الذي انتهجه في هذا " التحقيق الفذ " فيقول : ( إنني أعتمد على أمهات الكتب و أدرس ما اتفق عليه العلماء و الأئمة الأربعة و غيرهم غير إني لا أعتبر نفسي ملزماً إلا بما انتهى إليه تفكيري ... و لا يضيرني أن أكون أول من قال بهذا الرأي أو ذاك دون أن أستند إلى مرجع ) (416) و الفقهاء كلهم – في نظره – ( لا قولهم حجة و لا من الواجب الأخذ به ) بل إنه يرد على مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف حمزة قائلاً : ( نعم يا سيدي المفتي أنا زعيم لك بأني أهل لأن أنافس الأئمة المجتهدين و أن أدلي بدلوي كما أدلوا بدلائهم ) اهـ (417) فانظروا أيها المسلمون ما يقول ذلك ( الإمام المجدد ) و العبقري الفذ و المجتهد المطلق ! الذي نفتق عنه القرن الرابع عشر الهجري و حلَّق في آفاق الاجتهاد حتى أنه ليشهد لنفسه بملء فمه أنه أهل لأن " ينافس " أبا حنيفة ومالكاً و الشافعي و أحمد وسفياناً و سائر الأئمة و أن تتمخض عبقريته عن آراء و اكتشافات كان هؤلاء جميعاً في غفلة عنها بل مخطئين فيها ومن أعظم هذه " الاكتشافات " أن حجاب المرأة ليس من الإسلام !! قال اخزاه الله (418) : (متى نشأ في مجتمع معين وفي زمن محدود ما لا يمكن وصفه إلا بأنه ظاهرة متفشية تنطوي إلى حد ما على عنصر المفاجأة فلابد لنا من أن نلتمس التفسير أو بعضه على الأقل في أسباب خارج نطاق الموضوع محور الظاهرة فعودة الكثير من نسائنا (419) – بمحض إرادتهن - لا نتيجة ضغط من آبائهن أو أزواجهن " بل أحياناً ضد رغبة آبائهن و أزواجهن و رغم استهجان السلطة في بلدهن " يمكن أن نحدد لبدايتها تاريخاً لا يزيد على ستة عشر عاماً (420) ثم انتشرت منذ ذلك الحين وفي هذه الحقبة القصيرة انتشار النار في الهشيم مثل هذا الانتشار المفاجئ لظاهرة ما إن كان يمكن تفسيره في بعض الأحيان بظهور نبي جديد (421) أو قيام حكومة ثيوقراطية في بلد معين فليس بالوسع الاقتصار في تفسيره على الإشارة إلى رغبة عامة مفاجئة في التمسك بتعاليم الدين علماً بأن القرآن كان دائماً بين أيدينا و كانت تعاليم الدين دوماً في متناول الجميع (422) فلم ظهر الأمر فجأة إذن ؟ و لم اتخذ صورة الظاهرة المتفشية خلال سنوات قلائل ؟ لا مفر إذن من تفسير هذا النوع الذي ذكرناه في بداية المقال و إن كره الكارهون وغضب الغاضبون ) اهـ .

(416) ، (417) جريدة " الأهالي " الماركسية تاريخ ( 23 / 1 / 85 ) ص ( 10 ) . (418) مجلة أكتوبر العدد ( 351 ) تاريخ 17 يوليو 1983 م 7 شوال 1403 هـ ص ( 24 – 26 ) . (419) كذا ( ! ) و لعل تمام العبارة : ( إلى الحجاب ) . (420) قد بينا الخطأ الفادح في هذا التأريخ في الرد على مقالة " ردة في عالم المرأة " للدكتور زكي نجيب محمود في

        هذه الطبعة فراجعه ص ( 236 – 239 ) .

(421) و هل ظهور نبي جديد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أمر قابل للاحتمال في عقيدة الكاتب ؟ . (422) ومن هنا فنحن نوجه للكاتب سؤالاً صريحاً : إن كنت تعلم أن الحجاب من تعاليم الدين ومن أوامر القرآن الذي

        بين أيدينا فما هو موقفك الصريح من هذه التعاليم و ما هو الموقف الذي ترتضيه وترضاه من غيرك تجاه أوامر 
        القرآن ؟ التي هي حجة على من يخالفها أو حجة لمن يتبعها فأين أنت منهما ؟ . 
 

و لعمر الحق لو كان هذا مخلصاً للإسلام محباً لأهله لشغلته الفرحة والابتهاج بتوبة العاصيات و إنابتهن إلى ربهن عن البحث في أسباب الظاهرة التي إن بحث فيها المخلص إنما ليدعمها و يسعى في تمكينها وتدعيمها لا تهوينها والتنفير عنها كما يفعل الذين في قلوبهم مرض و حتى ندرك الفرق بين الفريقين نضرب المثال بقول أحد الدعاة المسلمين في تحليل نفس الظاهرة (423) (أ) قال حفظه الله : ( على الداعية الإمساك بهذه الظاهرة – ظاهرة تدين الشباب و استمساكه بالإسلام – و جعلها باعثاً لتحقيق الآمال في النفوس فما الشباب إلا تجسيد لآمال المستقبل و تعبير عن استعادة الأمة لحيويتها بسواعد أبنائها على أن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود فما ظهور الشباب المتدين إلا بمثابة مولود جديد خرج إلى الحياة بعد آلام المخاض التي عانت منها الأمة الإسلامية ما عانت فإذا لم يحظ بالعناية الكافية ربما حدثت ردة لا يعلم إلا الله مدى آثارها ) اهـ كلامه .

ثم يستمر الكاتب – حسين أمين - في تحليل أسباب تمسك البعض بالحجاب فيقول : ( إن ظاهرة عودة نسائنا إلى الحجاب لا يمكن وصفها بأنها شأن عادي و لا القول بأن العائدات إليه – في مجموعهن – و كطائفة نساء عاديات و لا عجب في هذا أن نجد من بينهن الكثيرات من الفتيات والنسوة العاديات اللواتي خضعن لتأثير أو ضغط أو دفعهن إلى التحجب نزوع إلى تقليد أو اتجهن إلى التدين ثم سألهن من يعتقدن أنهم أفقه منهن في أمور الدين فاخترن ما ذكر لهن أنها ثياب إسلامية يأمر الشرع بها فالمهم هنا ليس أن المتحولة إلى هذا النوع من الثياب امرأة عادية إنما المهم هو نوعية ممارسي الضغط و التأثير في المناخ العام الذي جعل هذا الضغط و هذا التأثير شائعين ) اهـ . و كأن الكاتب الحاقد يشير بكلمات مسمومة هدفها الواضح : أن هذه الثياب لا علاقة لها بالإسلام و إنما هناك ضغوط خفية مؤثرة يجب البحث عنها و القضاء عليها . ثم يؤكد في مقاله على القيم التي يرى من وجهة نظره أن تكون أساساً لاختيار المرأة ثيابها فيعتبر جمال الوجه والقوام أساس اختيار الثوب أما اختيار الثوب طبقاً لأحكام الإسلام و أوامر القرآن فهذه عنده سلوك غير عادي و يجب محاربته يقول : ( و لو أن امرأة اختارت ارتداء الثوب الإسلامي على أساس أنه أجمل أو أنسب لوجهها و قوامها ولا شيء غير ذلك لكان سلوكها عادياً و لما كان الأمر محل جدل ومثار مناقشات عنيفة وسبب احتكاك عائلي وشجارات وطلاق و منع من دخول الجامعات إلى آخره غير أن الواقع أن تبنى الرجل أو المرأة للزي الإسلامي ليس نابعاً من مزاج إنما هو موقف ... يراه البعض شاذاً مستنكراً وجديراً بالمحاربة و يراه أصحابه الموقف السليم الوحيد الذي ينبغي محاربة غيره و استئصاله ) اهـ .

(423) (أ) (المخاطر التي تواجه الشباب المسلم وكيف نتوقاها) للأستاذ الدكتورمصطفى حلمي–حفظه الله–ص(17). وكأن العبقري الفذ الذي يقول : ( أهلاً و سهلاً و مرحباً بطاعة " بيوت الأزياء " الصهيونية الفاجرة ولا مرحباً بطاعة الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ) يريد أن يذكرنا بمسلكه الوخيم هذا بمن قال فيه الله تبارك وتعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) الفرقان ( 43 ، 44 ) و قوله عز وجل : ( و إذا ذكر الله وحده أشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) الزمر ( 45 ) . ثم يحاول ذلك الشيطان الإنسي أن يبث بذور الفرقة والعداوة و يوطد دعائم " الحواجز النفسية " الحاقدة بين المحجبة وغير المحجبة حتى لا تتأثر الأخيرة بدعوة الأولى لها إلى الحجاب يوماً ما فيقول : ( إنه يكاد يكون من المؤكد أنه ما من امرأة محجبة تجلس إلى غير محجبة إلا ونظرت كل منهما إلى الأخرى نظرة الارتياب هذه في استنكار وتحفز و تلك في حيرة وتساؤل كما أنه من الصعب أن نتخيل قيام علاقة عادية بين الاثنين ) اهـ

ثم يدعي أنه قابل منذ أيام عاملاً ميكانيكياً بسيطاً و مرت بهم امرأة محجبة و ينسب إلى ذلك الميكانيكي " الملهم ... الأديب ... " تعليقه على منظرها قائلاً في امتعاض : ( أنا لست ضد الدين و أنا و امرأتي نصلي و نصوم و لله الحمد و لكن هذا الشيء (423) (ب) من ديننا في شيء هؤلاء – لاحظ استخدامه لكلمة "هؤلاء" في معرض الحديث عن واحدة (424) – قوم يبغضوننا و يتربصون بنا و ينتظرون أن تكون لهم الغلبة حتى يخسفوا بنا الأرض – أنا لست ضد الحجاب في حد ذاته .. فليتحجب من شاء .. و لكني ضد ما يخفيه هذا الحجاب من مشاعر سوداء .... تسألني ماذا لقيت منهن ؟ لم ألق منهن شيئاً و لكني أحس إحساساً قوياً بما تشعر به نحوي و هي تنظر إليَّ و أعرف ما تهددني به " إننا " نتركهن يرتدين ما يردن و يتصرفن كما يحلو لهن و لكن أتظن متى وصلت جماعتهن إلى السلطة يتركننا نلبس ما نشاء و نتصرف كما نريد ؟ ) ثم يمضي الكاتب ينفث سمومه السوداء و أحقاده الدفينة قائلاً : ( و قد هالني أن أرى الشبه الشديد بين موقفه هذا من المرأة المحجبة و موقف الرومان خلال القرون الثلاثة الأولى بعد مولد المسيح من المسيحيين في الإمبراطورية لقد كان يسود الإمبراطورية خلال تلك القرون تسامح ديني نادراً ما عرف العالم نظيراً له غير أنهم استثنوا المسيحيين من هذا التسامح و كان هذا الاستثناء راجعاً إلى مخالفة المسيحيين لهم في العقيدة إنما إلى عداء المسيحية لكل من عاداها من عقائد مما دفع الرومان إلى تسمية أتباعهم بأعداء الجنس البشري ، كانت روح المسيحية خطراً على تقاليد .........

(423) (ب) يقصد الميكانيكي الفذ بكلمة " هذا الشيء " : الحجاب . (424) هذا التعليق من ذلك الكاتب الحاقد على دين الله أو ممن وراءه من ( الميكانيكية ) – هدفه إقامة الحواجز النفسية

        بين أهل الطاعة و عموم الناس حتى يترسخ العداء بينهما و يحول دون استجابتهم لأحكام الشرع .

..... على تقاليد المجتمع الروماني و أسسه و مع ذلك فقد كانت كراهية عامة الشعب للمسيحيين أقوى منها عند الأباطرة والسلطات فالجمهور قد أزعجه أن يرى أتباع هذا الذين يكرهون آلهتهم و يصلون من أجل نهاية العالم و يفرحون متى لحقت الهزيمة بجيوش الإمبراطورية و كانت العامة تنسب الكوارث التي تحل بها كالفيضانات و المجاعات والحرائق إلى ما يمارسه المسيحيون من سحر أسود وكانت تدرك أن المسيحيين يبغضون كافة مظاهر الحضارة التي يعيشون في ظلها و أنهم إن تمت لهم الغلبة فسيسحقون أنظمة الدولة و آلهتها و لن يبدوا تجاه الأديان المخالفة ذلك التسامح الذي يطالبون به لأنفسهم فاستثناؤهم إذن من تطبيق مبدأ التسامح الديني إنما كان لحماية مبدأ التسامح الديني ) (425) اهـ .


(425) { اعلم أخي المسلم أن بعض الناس يخلطون بين لفظة ( التعصب ) و لفظة ( التسامح ) خلطاً معيباً يؤدي إلى خلل في دينهم و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فإذا سمعك أحدهم مثلاً تقول : " لا يجوز الترحم على اليهودي أو النصراني لأنه لا يدخل الجنة " اعتبر هذا تشدداً وتعصباً و تشدق بأن رحمة الله واسعة وعدَّ نفسه متمسكاً بسماحة الإسلام و لكشف النقاب عن هذا الخلط نقول : إن التعصب و التسامح لا يكونان إلا في المعاملة فالتعصب : أن تعامل الذمي اليهودي أو النصراني بحيف و تبخسه حقه و الشرع يأبى ذلك ولا يرضاه و التسامح : أن تعامله بالعدل و الإنصاف و تعاشره بالمجامة والألطاف و أن تحسن جيرته إن كان جاراً لك و أن تصله إن كان من قرابتك غير أنك لا تعطيه من زكاة مالك ولا من زكاة فطرك لأنهما خاصتان بفقراء المسلمين ولا بأس أيضاً بجريان بعض المعاملات الدنيوية بينك وبينه كقرض أو نحوه مما لا تعلق له بالدين و شرط هذا كله أن لا يكون محارباً ومع هذا يجب عليك أن تعتقد اعتقاداً جازماً لا تردد فيه أنه على باطل و إنه إن مات كافراً لا يجوز الترحم عليه و لا الدعاء له بالمغفرة قال تعالى : ( و قدمنا إلى ما عملوا من عمل ) من الخير كصدقة وصلة رحم و إغاثة ملهوف ( فجعلناه هباءً منثوراً ) الفرقان (23) لا ثواب له في الآخرة و هذه الآية تفيد أنه لا يوجد منهم ولي أو قديس كما يقولون لأن الولاية أو القداسة نتيجة العمل الصالح المقبول وعملهم غير مقبول لبطلان دينهم المخالف للإسلام ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران (85) و قال صلى الله عليه وسلم : ( و الذي نفس محمداً بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه الإمام أحمد و مسلم فمن جوز وجود ولي منهم أو تبرك بأحد قديسيهم فقد تخلى عن عقيدته ودينه إذ التساهل في شيء من العقيدة لا يكون تسامحاً كما ظن المخلطون الواهمون لكنه تنازل عنها يلزم منه الخروج من الدين لأنه مبني على العقيدة فإذا فقدت فقد ، فينبغي عدم إقراره على كفره وعدم الرضا به و بغضه ببغض الله تعالى له وعدم موالاته وموادته قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) آل عمران (28) و عدم التشبه به وعدم إنكاحه المؤمنة و عدم بداءته بالسلام و أن يضطره إلى أضيق الطريق فهذا كله من التمسك بالدن و ليس من التعصب في شيء و التفريط فيه ليس تسامحاً ولكنه تنازل عن حدود الله عز وجل و الله سبحانه وتعالى أعلم } اهـ بتصرف من " خواطر دينية " ص ( 101 – 102 ) . يتضح من هذا أن الكاتب يحاول أن يقيم أدلة على أن " الشبه شديد " بين موقف " الميكانيكي " من " المحجبات " و بين موقف " الرومان " من " المسيحيين " و يلزم من قياسه أن يرمي المسلمين في واقعنا زوراً بأنهم " أعداء الجنس البشري "وأنهم (يصلون من أجل نهاية العالم) وأنهم " يبغضون كافة مظاهر الحضارة التي يعيشون في ظلها " . وذلك كله كي يصل إلى نتيجة وهي : أنه يجب على الحكومات استثناء المسلمين من مبدأ " التسامح " تماماً كما فعل الرومان مع المسيحيين (*) و قياسه هذا باطل من أوجه عديدة لا تخفى على المخلصين لدينهم المؤمنين بأن الحق واحد لا يتعدد و بأن هؤلاء النصارى إن كانوا على دين الحق الذي بعث الله به عيسى عليه السلام وهو دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله و أنزل به كتبه التي منها " الإنجيل " فإنما هم مسلمون موحدون مؤمنون يحررون ولائهم لله سبحانه وتعالى وحده و يتبعون رسولهم المسيح عليه السلام و يصبرون على أذى الرومان ابتغاء وجه الله و نصرة لدينه الحنيف فعداوة ( الإسلام ) لما عداه من العقائد الكفرية أمر لا ينكره إلا من لا حظ له في الإسلام قال تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) البقرة (256) فالعروة الوثقى هي " كلمة لا إله إلا الله " المتضمنة لإفراد الله سبحانه وحده باستحقاق العبادة و الكفر بكل طاغوت يعبد من دون الله عز وجل .. و هذا هو جوهر الإسلام ولبه ، فأين أنت منه يا صاحب القياس ؟ ثم يستطرد ذلك الشيطان قائلاً : ( أعود فأقول إن ما يدفع البعض إلى اعتبار المرأة المحجبة امرأة غير عادية هو أن الزي الذي تبنته يفصح عن موقف عقلي غير عادي وعن مفاهيم و قيم يراها الآخرون غير عادية فخلاصة اعتقاد مثل هذه المرأة هي : أن النظر سهم من سهام إبليس مسموم و لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة و لا المرأة إلى الرجل حيث إن قصدها منه كقصده منها ،..فالمرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها .. و الكشف عن غير الوجه و الكفين مدعاة للافتتان فإن كانت المرأة جميلة الوجه و خيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك .. إلى آخره مما نقلناه من تفسيرات القرطبي فالمرأة التي تعتقد مثل هذا في أيامنا هذه حين أصبح بالإمكان أن يجلس الرجل إلى المرأة دون أن تخطر ببال أيهما فكرة جنسية و التي ترفض أن تصافح الرجل بيد عارية خشية أن تثور لدى أيهما إحساسات جنسية محرمة و التي تشغل بالها مشكلة ما إذا كان ظاهر قدمها سيثير عند الرجل في الطريق رغبات حيوانية امرأة غير عادية )


(*) و تماماً كما قال : " مناحم بيجن " في إذاعة فلسطين المغتصبة : ( لقد سمعت اعتراضات كثيرة في أمريكا ضد حملة السادات على المتعصبين المتطرفين " الذين يريدون العودة إلى تطبيق قوانين العصور الوسطى بل العصور الحجرية " و قد سمعت اعتراضات كثيرة هناك ضد هذه الحملة باعتبارها تتعارض مع التقاليد الديموقراطية و لكنني دافعت عن إجراءات السادات بحرارة و أقنعت المعترضين بأنه يجب عليهم أن يتناسوا التقاليد الديموقراطية حين يتعلق الأمر بالمسلمين ) اهـ باختصار نقلاً عن صحيفة " القبس " الكويتية عدد رقم (3382) تاريخ ( 12 / 10 / 1981 م ) ثم ذكر فوق هذه التعبيرات الساخرة عبارات " فاحشة " ننزه قلمنا و أسماع إخواننا عن تسطيرها بل لم يكتف – أخزاه الله – بهذا بل ها هو يصف المحجبات " بالكبت بدل أن يصف فعلهن " بالتعفف " و الامتثال لأوامر رب العالمين بل تصل الجرأة وسوء الأدب أقصاهما حين يصف معنى الحجاب الوارد في قوله تعالى :  و إذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب  الأحزاب (53) بأنه معنى " ضيق " ثم يمضي فيتهم المحجبات العفيفات المحصنات – بارك الله فيهن – بأنهن لا يفكرن إلا فيما سماه " الجنس " و أنها – أي المحجبة – ترتدي الحجاب ( ليقيها من هذه المثيرات التي تسببت من قبل في إحداث تهيج شديد عندها لم يكن لها طاقة به .. بمعنى أنها قبل أن ترتدي الحجاب قد تأثرت بهذه المثيرات التي أحدثت لها هذا التهيج الجنسي الذي استجابت له و لم تستطع مقاومته ... ) اهـ إلى هذا الحد يطعن هذا الفاجر في سلوك المحجبات نسأل الله أن يجعله هو و أمثاله من أعداء الدين عبرة لمن يعتبر و أن يحبط كيدهم و يرده في نحورهم و أن يشغلهم بأنفسهم عن أهل محبته وطاعته و أن يجعل تدبيرهم في تدميرهم إنه سميع مجيب . ثم يتحدى مشاعر المسلمين جميعاً قبل المسلمات بقوله : ( و لو كانت مرتديات الحجاب صريحات مع أنفسهن لاعترفن في النهاية بأن سبب ارتدائهن له هو تعرضهن لاختبار صعب أو موقف صعب لم تكن لهن به طاقة ) اهـ . ثم يشير إلى أن هدف المتمردين على التقاليد هو ( أن يشد بعضهم من أزر بعض حتى أصبح مجرد سيرهم في الطريق ورؤيتهم فيه لأمثالهم يشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم في خضم الصراع فإذا بإرادتهم الاستمرار في المقاومة تثبت و إذا ثابتهم يدفع غيرهم إلى التشبه بهم فيكثرون و إذا الكثرة تبهجهم فيشجعون والحجاب في مجتمعنا يؤدي الغرض نفسه ) اهـ . ثم يمضي الكاتب متحفزاً مستنفراً إخوانه من أعداء الإسلام مستعدياً إياهم على أولياء الله قائلاً : ( فإذا كان منا من يعلم هذا كله و يرى مع ذلك ضرراً اجتماعياً خطيراً في العودة إلى الحجاب فعليه أن يضع في حسبانه – فوق كل اعتبار آخر – أن انتهاج سبيل العنف مع هؤلاء كوسيلة للحل ليس فقط من قبيل العبث إنما هو أمر يرحب به هؤلاء فما من سعادة يرونها أعظم من سعادة الاستشهاد في سبيل العقيدة ) اهـ و يختتم مقاله مستنهضاً همم إخوانه من دعاة العري والانحلال قائلاً : ( ليست الحكومة وحدها المطالبة بالتصدي لتصحيح الأوضاع التي دفعت هؤلاء إلى مثل هذا الموقف والمسلك .. فالأفراد و الجماعات كافة – حتى ميكانيكي السيارات الذي تحدثت عنه – مطالبون هم أيضاً بالمساهمة وهي مساهمة نوجزها في جملة واحدة : كبح جماح النفس قبل أن يأتي اليوم الذي يذهب بنفوسهم ) انتهى كلامه عليه من الله ما يستحقه و نحن لا نملك إلا أن نقول له : ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) هذه نفثة مقهور و أنه معثور  موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور  آل عمران (119) . ولتكونن " عودة الحجاب " شجى في حلقك وقذى في عينك و ريبة في قلبك إلى أن يقطع الله دابرك و صدق الله العظيم :  إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة و لهم سوء الدار  غافر ( 51 – 52 ) فاللهم وعدك الذي وعدت به عبادك المؤمنين  و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون و إن جندنا لهم الغالبون  الصافات ( 171 – 173 )  إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز  المجادلة ( 20 – 21 ) . لقد هذا الموتور أنه بهذه الترهات و القحة الزائدة ينال من أهل الإسلام و يشفي غيظه .. وهيهات  وما كيد الكافرين إلا في ضلال  غافر (25) .

وهـل حط قدر البدر عند طلوعه إذا مـا كـلاب أنـكـرته فهرت وما إن يضر البحر إن قام أحمق على شطه يرمي إليه بصخرة (426)

وما أحرى ذلك المأفون بقول الشاعر :

ألا أيها الغمر(427) الذي غره الكبر ترديت من عال و ناسبك القعر تفكر طويلاً يا جهولاً ترادفت عليه المخازي فهي في متنه أسر نبذت نفيس الدر و اخترت ضده ومن يكره الياقوت يعجبه البعر فأصبحت مصبوباً عليك شتائم كما كان مشبوباً على قلبك الجمر ظننت خداع الله في الدين هيناً و لن يخرج الله الذي كنه الصدر؟ فجئت بأقوال النفاق مخادعاً فقد بان ما تخفيه وانهتك الستر تحارب دين الله يا شر ملحد و تلصق آراء به ما لها قدر و تسلك في أمر النسا شر مسلك إباحية صلعاء ليس لها ستر ألا يا نصير الكفر ويلك فاتئد و لا تنطح الصفوان يدمغك الصخر

(426) " بيان الهدي من الضلال " للشيخ إبراهيم بن عبد العزيز السويح ( 1 / 539 ) . (427) الغمر : بفتح الغين وضمها وتسكين الميم : من لم يجرب الأمور . لقد ضل من أغراك بالسب و الهجا كما زل من أغواك نيته المكر أتحسب أن الدين سهلاً أساسه ستنزله أقوالك الجور والفجر أتحسب أن الدين تخفى ضياءه عجاجتك (428) الهوجا و آثارها الكدر أتحسب أن الناس قد غاب عنهم مقاصدك السوءى و أفعالك المر فما أنت في دعواك إلا منافق كأصـ ـحابك النوكى (429) و هم في الورى كثر فأنتم فساد الناس في كل أمة و جرثومة يضنى بها الجسم و الفكر لحي الله (430) قوماً صانعوك غباوة لأهواء نفس نالها الخوف والذعر فلا تجعل العدوان للدين راحة فبعداً وسحقاً عاقك العسر و الخسر فإنك لن تشفى من الغيظ و البلا بلى إن هذا الوحر (431) يلهبه الوحر فمهلاً قليلاً إنك اليوم غافل ستندم في الدنيا ومن بعدها القبر (432) ومن بعد ذا يوم عسير حسابه به يعلم الإنسان ما أثمر العمر وكل بذي الأيام يلقى جزاءه فليس بها هضم لحق ولا جور (433)

اعرف عدوك

يتحلى أغلب أعداء الحجاب بخاصية " الجهل المركب " فهم ليسوا فقط جُهالاً بل يجهلون أيضاً أنهم جُهال ... و قديماً قالوا " عدو عاقل خير من صديق جاهل " فإذا اجتمعت في شخص العداوة مع الجهل ترى كيف يكون حاله و ماذا يكون مقاله ؟ نورد فيما يلي ما كتبته الطبيبة النفسية والكاتبة ( نوال السعداوي ) تحت عنوان : " ليس هناك نص ... أتحدى " (434) : ( إن ما هو طبيعي و ما هو إنساني أن تعامل المرأة كعقل و جسد و تتعامل مع الآخرين من هذا المنطلق أنا ضد أن نحكم على المرأة بالزي فحجاب المرأة ونقابها ما هو إلا اختزال لإنسانيتها و أنا ضده بالذات حين يكون باسم الدين ..

(428) عجاجتك : العجاج : الغبار والدخان و عجعج : صاح و رفع صوته . (429) النوكي : جمع أنوك وهو الأحمق . (430) لحي الله قوماً : أي قبحهم ولعنهم . (431) الوحر : بفتحتين هو الحقد والغيظ . (432) القبر : مبتدأ مؤخر فهو ليس معطوفاً على الدنيا . (433) السابق ( 2 / 595 ) بتصرف . (434) جريدة ( الأهالي ) الشيوعية عدد 5 / 10 / 83 الصفحة الثالثة ومن الجدير بالذكر أن هذه الكاتبة ممن يطالبون

        بما يسمى " التحرر الجنسي " و لها في هذا الشأن و متعلقاته مؤلفات عديدة انظر(الصحافة والأقلام المسمومة) 
        للأستاذ أنور الجندي ص ( 200 ) .  

.. و الذين ينادون بأن تتحجب المرأة لم يفهموا المرأة المسلمة و لم يدرسوا أحاديث الرسول و لم يقرأوا القرآن قراءة صحيحة و لم يطلعوا على التاريخ بل أخذوا أشياء دخيلة على الإسلام الحقيقي و على الحضارة المصرية والعربية الحقيقية ، فأنا لي خمسة وعشرون عاماً أدرس الدين الإسلامي و أقارن .. و لا توجد آية قرآنية واحدة تنص على تحجيب المرأة .. زوجات سيدنا محمد لم يكن محجبات و أتحدى أي شخص يقول بأن السيدة خديجة مثلاً – كانت محجبة أو أن سيدنا محمد فرضه عليها ... و الحجاب تاريخياً بدأ في الدين اليهودي الذي يرى أن حواء ترمز إلى الخطيئة الأولى و ما هي إلا جسد فقط على عكس آدم الذي يرمز للعقل لذلك يجب أن تشعر بطبيعتها الناقصة و تغطي رأسها خجلاً وعاراً ) اهـ .

شيوخ في المعركة

{ إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية } عمر بن الخطاب رضي الله عنه طال الأمد على المسلمين و تم تحريف تصوراتهم بتأثير هذه الهجمات و اعتادت قلوبهم وعيونهم رؤية المنكر فلا يحركون ساكناً و لا يتمعر لأكثرهم وجه غضباً الله تعالى وتضاعفت المحنة حينما وقع بعض الشيوخ أسرى للغزو الفكري المسموم فراحوا يرددون دعاوى انهزامية لا تليق أن تصدر من أفواه ورثة النبي  و أدلوا بدلوهم في فتنة ( تحرير المرأة ) عن طريق السخرية والتهكم أحياناً و عن طريق دعاوى علمية زائفة أحياناً أخرى فمن الأول قول الكاتب محمد الغزالي : ( إن المحجبة تظهر في سمت عفريت ) و أن الدعاة إلى حجاب المرأة وقرارها في البيت ( قوم غلبهم الهوى الجنسي و أنهم أصحاب عقد نفسية و أنهم يصدرون في غيرتهم عن

  ضعف جنسي أو شبق جنسي )  

ويتساءل : ( لماذا تحترم الراهبات ولا تحترم المحجبات و زيهما واحد ) (435)

(435) انظر " أضواء على تفكيرنا الديني " للشيخ محمد الغزالي ص (22 – 29 ) و مما يجدر ذكره أن لهذا الكاتب دوراً مؤسفاً في تغذية الاتجاه العقلاني المنحرف لا في قضية المرأة وحدها بل في كثير من القضايا العلمية و قد كانت آراءه المبتدعة متناثرة في ثنايا كتبه و كان العلماء يغضون الطرف عنها لضالتها و تفرقها إلى أن خرج على الأمة بكتابه الأبتر الذي لم يفتح بالحمد ولا بالبسملة و الذي ضم محصلة طعونه في السنة المشرفة : ( السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث ) وهنا توالت ردود حماة السنة وفرسان الحديث و جهابذة الفقه و جماهير الدعاة الغيورين و طلاب العلم المخلصين متعاقبة متناصرة ترد كيد المعتدي في نحره : جاءت تهادي مشرفاً ذراها تحن أولاها على أخراها ..........................................................................................................................................................................................



فتتبعوا كلامه الساقط وشبهاته المتهافتة و بينوا أنه حاف في حكمه و جار في قضائه و انتصر لرأي نفسه وسفه علماء الأمة و بث الخلاف و شق الصف و حشر نفسه في خندق واحد مع خصوم سنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام . و على الجانب الآخر احتفى بالكتاب المسموم كافة وسائل الإعلام المشبوهة و احتفل به العلمانيون واليساريون و الأعداء التقليديون للصحوة الإسلامية من الساسة والصحافيين و ضربوا الدفوف ابتهاجاً به و صرح أحدهم بأن هذا الكتاب هو " بيروسترويكا " في الإسلام !

أما أهم ملامح منهج الكاتب فتتلخص في :

1 - العقلانية الاعتزالية المفرطة التي تهدر ميزان أهل السنة و الجماعة في ضبط العلاقة بين العقل والنقل .

2 - تشوش مفهوم الاعتزاز بذاتية الإسلام و الاستعلاء بأحكامه و شريعته على ما خالفها وكذا اضطرابه في قضية الولاء والبراء الذي يتجلى في موقفه الفظ الغليظ من شباب الصحوة الأمر الذي عمق الحواجز النفسية بينه وبين طلاب العلم سيما و أنهم رأوا الكاتب في غاية التلطف و الرفق مع " القوانين العالمية " و بعض أهل الكتاب و أهل البدع كالرافضة و غيرهم .

3 - الانهزام النفسي بسبب " عقدة ضغط الواقع الغربي " و الذي يتجلى في افتتانه البالغ ببعض ما تواضع عليه الغرب من قيم ومفاهيم و اعتباره إياها نبراساً ييهتدى به و يخضع له بل أنه يجعل مراعاة خاطر الغرب مرجحاً في الخلافيات له حضور الحاكمية و له سلطة التأثير على مسار الفتيا سلباً و إيجاباً

4 - عدوانه على عشرات الأحاديث الصحيحة عن طريق إهدار اعتبار قواعد علم الحديث و القفز فوق الضوابط الفنية التي أحكمها العلماء خصوصاً في مجال التعارض و الترجيح و فتح باب الطعن على السنة و أهلها من خلال بدعة " فتح باب نقد متن الحديث و إن صح سنده " لكل من هب ودب متأثراً في ذلك بالقرآنيين و ربما بالمستشرقين .

5 - استخفافه بقضايا الهدي الظاهر و تناوله إياها بأسلوب ساخر مما يجرئ السفهاء على تنقص بعض الأحكام الشرعية والاستهانة بها تقليداً له .

..........................................................................................................................................................................................

6 - الاستبداد الفكري و مصادرة آراء الآخرين و الفرار من الحوار العلمي المنضبط و تحت ستار من العاطفة والغيرة على الإسلام رفع الكاتب الأسنة على بعض أئمة أهل السنة بكل ما أمكنه من الهجاء اللاذع و أطلق في حقهم عبارات لا تليق مع الصبية الأحداث فضلاً عن قمم الإسلام ورموز نهضته من العلماء الربانيين و المجددين المجاهدين بل لم يسلم من تجاوزاته بعض الصحابة و التابعين رضي الله عنهم أجمعين .

إن خطورة منهج البيروسترويكا الغزالية الحقيقية سوف تظهر جلية صريحة عندما يمسك بتلابيب هذا المنهج المتربصون بالإسلام و الصحوة الإسلامية الذين سيجدون في أيديهم آلة فعالة تتيح لهم هدم قواعد الدين و أركانه و خصوصياته التشريعية و ذلك لأن كتابات الغزالي تتسق – رغماً عنه – مع خطط خبيثة ترمي لضرب شريعة الله في مقتل و إنهم يستغلون الغزالي – و إن لم يقصد – كمصدة ريح أو كاسحة ألغام تمهد الطريق أمام طروحات أكثر خطورة و تحدث الثغرة الأولى في التحصينات الفكرية الإسلامية لينفذ منها بعده من يبدأ من حيث انتهى الغزالي فيشتط في التطاول على أحكام الشريعة الغراء فبينما سمعنا الغزالي يقول : ( المرأة الروسية غزت الفضاء ويراد أن تعجز المرأة المسلمة عن معرفة الطريق إلى المسجد )

سمعنا من سماه أبوه " أحمد بهاء الدين " يوبخ المسلمين الذين ( يبحثون حتى الآن في مسألة هل الربا حرام أم حلال و فوائد البنوك ؟ بينما الأمريكيون يتابعون رحلات الفضاء الهائلة التي جاوزت كوكب نبتون )

و إنا لنسأل الله عز وجل أن يلهم الغزالي التوبة من هذا المنهج الخطير ليصون جهاده الطويل ومواقفه المجيدة في الانتصار للإسلام فيما مضى بأن يحسن عاقبته فيما بقى :

فكم يوماً رأينا فيه صحواً فأسمعنا بآخره الرعودا و عاد الصحو بعد كما علمنا و أنت كذلك نرجوا أن تعودا





ومن الثاني قول بعضهم : ( إن النقاب بدعة لا أصل لها في كتاب ولا سنة و لا مذهب إمام من الأئمة ) (436) ومنهم من يحمل المنقبة على خلع النقاب و ينفرها منه . و هؤلاء جميعاً يهرفون بما لا يعرفون يثبطون ولا يثبتون و كان الأحرى بهم –إذ قصرت هممهم عن همم هؤلاء الفتيات المؤمنات الصابرات على دينهن القابضات على الجمر – أن يتمثلوا ما قاله النبي  لأبي بكرة  : " زادك الله حرصاً " (437) أي على الخير و قد مضت السنة أن من رأى شخصاً على عمل صالح فليثبته عليه فعن ابن عباس  أن رسول الله  أتى زمزم وهم يسقون و يعملون فيها فقال : ( اعملوا فإنكم على عمل صالح ) (438) و عنه رضي الله عنه قال : قدم رسول الله  و خلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ (439) فشرب و سقى فضله أسامة وقال : ( أحسنتم كذا فاصنعوا ) (440) . نعم كان الأولى بهم أن يحفظوا قوله  لجابر بن سليم الهجيمي  : ( اتق الله و لا تحقرن من المعروف شيئاً ) (441) و ليتهم قلدوا العلماء الذين يبيحون كشف الوجه ورغبوا في النقاب باعتباره فضلاً لا فرضاً و لكن هؤلاء ادَّعوا أن الانتقاب بدعة لا فرض ولا فضل و استباحوا السخرية والتهكم من المنقبات و هذا ما لم يسبقهم إليه عالم . ومن تناقضاتهم أنهم يعيبون دعوة " قاسم أمين " و ينددون بها و بالويلات التي جرتها على الأمة ثم هم يفكرون بعقلية " قاسم أمين " . ألا إن كل من يدعو المرأة إلى كشف وجهها و إلى الخروج للعمل و المشاركة في الحياة العامة مخالطة للرجال إنما هو " قاسم أمين " جديد مهما كان اسمه بلا فرق بين الأصل و الصورة في هذه الدعوة الأثيمة فلا تحاربوا يا قوم " قاسم أمين " و أنتم من حيث لا تشعرون تدعون بدعوته .

أخطاء ... أم خطايا ؟ :

هذا و إن الذي يدفعنا إلى التنبيه على دور هؤلاء الشيوخ في المعركة أنهم جهروا بهذه الآراء و نشرت لهم على نطاق واسع خلال الصحف التي حرصت – خلال المعركة – على أن تخلط دائماً ذهبنا بعملتها المزيفة لتتناولها الأيدي متسترة وراء هذه الأسماء .

(436) ( الدعوة ) عدد ( 59 ) جمادى الأولى 1401 هـ ص ( 12 – 13 ) . (437) رواه البخاري ( كتاب الآذان - باب إذا ركع دون الصف ) . (438) رواه البخاري في صحيحه ( انظر فتح الباري 3 / 491 ) . (439) النبيذ : كل شارب نبذ سواء تعجلوا شربه وهو حلو قبل أن يختمر و هو الأكثر وهو المراد هنا أو تركوه حتى

        يختمر و كل ذلك يسمى عندهم نبيذاً .

(440) رواه مسلم وانظر "الأذكار" للنووي ص ( 259 ) . (441) أخرجه جمع الأئمة منهم الإمام أحمد و أبو داود و النسائي و البغوي و ابن حبان و غيرهم ( فيض القدير )

        ( 1 / 133 ) .

و مما يبعث على الأسف أن العديد ممن تصدروا و ترأسوا في هذا الزمان يدعون احترام الأئمة والعلماء – و قد ذابوا في تعظيم الأجانب – ثم هم يخرجون على الأمة بآراء

انهزامية أمام افتتانهم بالحضارة الغربية العاتية و كأنهم يحملون تحت العمائم أدمغة أصحاب القبعات ....  ثم هم يفرضون هذا الفكر المنهزم على الدعوة الإسلامية الفتية الناهضة و يحكمون على مخالفيهم بما يحلو لهم من عقوبات ظالمة يستبيحون في سبيل تطبيقها حتى أساليب الأحزاب السياسية و بذلك يقفون غصة في حلق دعوة الحق و يقهرون العمل الإسلامي و الإصلاح السلفي " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " .

إن هذا الأمر دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم

قال البخاري رحمه الله في أول كتاب الفرائض من "صحيحه" : قال عقبة بن عامر : " تعلموا قبل الظانين " قال البخاري : يعني الذين يتكلمون بالظن ، وقال النووي رحمه الله تعالى : " ومعناه : تعلموا العلم من أهله المحققين الورعين قبل ذهابهم و مجيء قوم يتكلمون في العلم بمثل نفوسهم وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي " (442) اهـ . و قال الإمام العلامة أبو شامة رحمه الله (443) : ( و في الحديث عن ثوبان  أن النبي  قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس و لكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا " ) (444) . قال الإمام الطرطوشي رحمه الله : ( و قد صرَّف عمر  هذا المعنى تصريفاً فقال : " ما خان أمين قط و لكن ائتمن غير أمين فخان " قال : و نحن نقول : " ما ابتدع عالم قط و لكنه استفتي من ليس بعالم فضل و أضل " وكذلك فعل ربيعة ، قال مالك رحمه الله تعالى : بكى ربيعة يوماً بكاءاً شديداً فقيل له : أمصيبة نزلت بك ؟ قال : لا و لكن استفتى من لا علم عنده و ظهر في الإسلام أمر عظيم ) اهـ . شعر : وكنا نستطب إذا مرضنا فصار هلاكنا بيد الطبيب آخر : بالملح يصلح ما يخشى تغيره فكيف بالملح إن حلت به الغير

(442) " المجموع شرح المهذب " ( 1 / 41 ) . (443) " الباعث على إنكار البدع والحوادث " للعلامة أبي شامة رحمه الله ص ( 56 ) – مطبعة السعادة . (444) أخرجه الشيخان وهو مسوق بالمعنى فإنه مغاير لسياقهما في بعض الألفاظ . آخر : إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء ؟ آخر : فـلو بـغـيـر المـاء حـلقي شــرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري

و نحمد الله عز وجل أن تكفل ببقاء طائفة أهل الحق من العلماء الربانيين الذين أضطلعوا بواجبهم و أنكروا على الخالفين المخالفين و ألفوا كتباً و رسائل و أصدروا فتاوى تفضح خطط المتآمرين على المرأة المسلمة وتدعوها إلى الحرية الحقيقية الممثلة في العبودية الكاملة لله رب العالمين و توجب على المرأة قرارها في البيت و لزوم الانتقاب و الحجاب الكامل عند خروجها للحاجة (*) .

بشائر عودة الحجاب

 فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال  الرعد (17)

أرأيت من ينطح برأسه الصخر و يشرب بفيه البحر ؟ إنه هذا الذي يتنكر للإسلام و يسعى في إذابة أهله و صدَّهم عن دين ربهم .. إنه لا يحطم الصخر و لا يجفف البحر .. و لكنه يمشي على رأسه إلى القبر ..

السيادة لقانون الله :

علمنا – مما تقدم – أن السفور حالة طارئة بدأت على استحياء منذ ما يقرب من خمسين عاماً و بلغت أوجها منذ ثلاثين عاماً ثم بدأ صعودها البياني في التوقف ثم الهبوط و لا يزال آخذاً في الهبوط السريع منذ عشر سنوات تقريباً و يلاحظ الجميع أن المؤشرات كلها تؤكد أن السفور يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة و ستبقى بإذن الله السيادة لقانون الله و أمره بالحجاب  و كلمة الله هي العليا  التوبة (40) . إن الشارع المصري يخبرنا أنه قد آن الأوان لهذا المرض الطارئ – السفور وملحقاته – أن ينقشع و تبرأ منه أمتنا ككل باطل مصيره الهزيمة والاندحار مهما طال الأمد . فطوبى لمن تنزع عنها غلالة الرجعية الجاهلية وتعود من غربتها و اغترابها و تأتي اليوم و غداً بالحجاب و معها العلم والوعي و البصيرة و الحرية الحقة من عبودية العبيد،

(*) و سيأتي ذكر أسمائهم ومصنفاتهم حول هذه القضية في " القسم الثالث " إن شاء الله تعالى . قائلة لشياطين الإنس الذين يزينون لها معصية الله ورسوله  :  إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم  يونس (15) وجهة نظر صحافي ألماني : قال الكاتب الألماني هيلمنسدورفر في كتابه " العبور العظيم و الروح الجديدة لمصر " : ( لقد عشت في القاهرة كمراسل صحفي من عام 1956 م حتى عام 1961 م و منذ هذا التاريخ كانت طبيعة عملي وراء حضوري إلى المنطقة بين الحين والحين و كنت أفضل دائماً الإقامة بجوار النيل إن التغيير الهائل الذي طرأ على القاهرة عاصمة الملايين معروف للجميع فقد انتقلت هذه المدينة الضخمة من الطابع الشرقي حيث كانت النساء يرتدين الأحجبة و الرجال يرتدون الطربوش إلى عاصمة كبرى ولم تعد الفتيات اللواتي يرتدين البنطلونات و الملابس العصرية يلفتن نظر أحد أو يقابلن بدهشة واستغراب و أصبحت العلاقات بين الجنسين علاقة سوية لا تتخللها رواسب الجاهلية التي استمرت فترات طويلة في الشرق و يكفي أن تعلم أنه منذ عشرين عام فقط كان (90) في المائة من الرجال في القاهرة يرتدون الجلباب و كانت كل النساء تقريباً يرتدين الحجاب أما اليوم فإن القاعدة العامة هي ارتداء البدل العصرية وعلى أحدث موضة في الغرب و بالنسبة للنساء فإنه حتى في أكثر المناطق شعبية لم نعد نرى الحجاب ) (445) اهـ لقد فرح ذلك الصحافي الألماني .. و لم يكن يدري أنها فرحة .. لن تتم فتلك طبيعة هذه الدعوة و تلك سنة الله في خلقه .. أن دولة الباطل ساعة .. و دولة الحق إلى قيام الساعة بل لعله فرح لأنه لم يبلغه رأي أخيه ( لاكوست ) وزير المستعمرات الفرنسي منذ سنوات مضت : أقوى من فرنسا : ففي ذكرى مرور مائة عام على احتلال فرنسا للجزائر وقف الحاكم الفرنسي في الجزائر يقول : ( يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ... و نقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم ) (446) .. وبعد ذلك بسنوات قلائل : ( قامت فرنسا – من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر – بتجربة عملية فتم انتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية و لقنتهن الثقافة الفرنسية و علمتهن اللغة الفرنسية فأصبحن كالفرنسيات تماماً . وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دعي إليها الوزراء و المفكرون والصحافيون ..

(445) نقلاً عن ترجمة الكتاب المنشورة في جريدة الأهرام بتاريخ 1 / 10 / 1982 . (446) المنار عدد 9 / 11 / 1962 .

و لما ابتدأت الحفلة فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري ..

فثارت ثائرة الصحف الفرنسية و تساءلت : " ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية و عشرين عاماً ؟! " أجاب ( لاكوست ) وزير المستعمرات الفرنسي : ( وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا ؟! ) (447) .

رجع الصدى .. وترديد الببغاوات :

قالوا : إن العودة إلى الحجاب عودة إلى الجاهلية الأولى .. و قالوا : إن الحجاب لا يصلح إلا في مجتمع قبلي جاهلي .. و قالوا : إن الحجاب تقليد من التقاليد البالية العتيقة .. و قالوا : إن الحجاب تطرف و تنطع يأباه الإسلام .. و راحوا يبحثون عن علة هذه الظاهرة فمن قائل : إنه اكتئاب حط على القلوب الشابة حتى لجأن إلى الحجاب يتوارين فيه .

ومن قائل : بل هو تطرف مفاجئ نتج عن الفراغ السياسي و العاطفي عقب النكسة .

العودة إلى الحجاب .. عودة إلى الله ¬ لقد فعلوا – كما تقدم آنفاً – شتى الحيل ليصدوا المسلمة عن دينها و يوقعوها في شراكهم ويذبحوا على أعتاب جامعاتهم ومصانعهم و متاجرهم حياءها قرباناً لأغراضهم و قد استجاب لهم كثيرات و كثيرات . و لكن لم تعدم أمتنا من يقمن الحجة على هؤلاء الكثيرات و يحيين السنة المطهرة فخرج من بينهن فتيات عفيفات طاهرات يهتفن من أعماق سويدائهن بنداء صارم بدد أطماع الأعداء فردهم خاسئين : ( رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً و بمحمد  نبياً و رسولاً ) و بعائشة الصديقة بنت الصديق و فاطمة الزهراء و أسماء ذات النطاقين و الخنساء أسوة وقدوة لعلنا نحشر في زمرتهن يوم القيامة قال  : ( المرء مع من أحب ) (448) .

(447) جريدة الأيام عدد 7780 – بتاريخ 6 كانون الأول 1962 . (448) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه . و إذا بالفتيات المسلمات في كل مكان تهوى قلوبهن لهذا النداء العزيز و تنضم الواحدة تلو الأخرى إلى موكب العفاف و الفضيلة بعد أن تهجر الفسق والرذيلة ..  وقل جاء الحق وزهق الباطل إن البطل كان زهوقاً  الإسراء (81) . و أنى لباطل أعداء الإسلام أن يصبر أمام الحجة والبرهان ؟ إن باطلهم ظلام وحجتنا نور وبرهان و أنى تصبر جيوش الظلام أمام جحافل الحق .  بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق  الأنبياء (18) . إن الرد على دعاوى المبطلين قريب و أقوى رد هو تخلى المرأة المسلمة عن هؤلاء بعد أن انخدعت بهم زمناً طويلاً و خلعت الحجاب وخالطت الرجال و ذاقت ويلات جاهلية القرن العشرين و جرت في دروب التقدميين والاشتراكيين طويلاً فما وجدت عندهم إلا الشقاء والضنك فعادت المسلمات – زرافات ووحداناً – مستغفرات تائبات خاشعات قانتات ما لهن هجيرى سوى .  سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير  البقرة (285) .

يا أعداء الإسلام ! موتوا بغيظكم :

لقد اغتاظ أدعياء التحرر و صارت ( عودة الحجاب ) غصة في حلوقهم فراحوا يتابعون هذه الظاهرة في حسرة وقلق (449) .

الصنم الذي تحطم :

كتبت جريدة الأهرام بتاريخ ( 29 / 4 / 77 ) تقول : ( أمس مر (71) عام على وفاة " قاسم أمين " محرر المرأة الذي دعا إلى تحرير المرأة ورفع الحجاب ) ثم يقول الكاتب مغتاظاً متحسراً متأسفاً : ( الغريب أنه بعد مرور (71) سنة على وفاته – وفي نفس الوقت الذي نحتفل فيه بذكراه – تقوم الدعوة إلى رجوع المرأة إلى البيت و حجبها عن المشاركة في الحياة العامة ) اهـ


(449) حتى إنهم اعترفوا بهزيمتهم في " المعركة الحقيقية " و عللوا ذلك بأن الفتيات يتحجبن عن اقتناع كامل متحديات كل ما وضع في طريقهن من العراقيل و الضغوط حتى صار الحجاب في عرف القوم حرياً بوصف " الظاهرة " ومن هنا كان هذا الإقرار الواضح والاعتراف الصريح وثيقة إدانة لكل الذين يصرون على فرض التبرج و السفور بالقهر زاعمين في الوقت نفسه احترام ما يسمى بـ " الحرية الشخصية " و " حرية الرأي " .

الإسلام يعود من الجامعة :

و هذا الصحافي ( مصطفى أمين ) يقلقه انتشار المد الإسلامي بين الفتيات في مصر خاصة في الجامعات و بين أعلى الطبقات ثقافة فيقول : ( حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها و يظهر أن بعض الناس يريدون العودة بها إلى الوراء و قد يحدث هذا في أي مكان لكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر ) (450) اهـ .

ذهب مع الريح :

و قال أحدهم في " صباح الخير" و قد تلقى بعض الردود المفحمة من فتيات محجبات عن آرائهن في ما يسمى (الحب) فلم ترقه إجاباتهن : ( أي جامعة هذه ؟ و أي طالبات جامعيات هؤلاء في النصف الثاني من القرن العشرين !؟ حيث المرأة مساوية للرجل و تصعد إلى الفضاء إن كل ما يفعله المجتمع و كل ما تفعله الحكومة من تعليم البنت وتشغيلها وما تفعله زعيمات النشاط النسائي في مصر لتأكيد هذه المساواة و تربية المرأة المصرية على الخروج على عقلية الحريم تهدمه مثل هذه الأساليب في التربية و الرعاية في المدن الجامعية للطلاب ) (451) اهـ .

لا .. لجيل " هدى شعراوي " :

و جاء في مجلة أكتوبر عدد ( 22 ) : نشرت صحيفة " كريستيان مونتيور " بحثاً عن الإنجازات التي حققتها المرأة المصرية في ميادين العلم والدراسات الاجتماعية و قالت الصحيفة : ( شيء غريب في مصر لقد كانت الأمهات من جيل " هدى شعراوي " أكثر تحرراً و تقدماً من بعض الفتيات في مصر الآن .. الفتيات المحجبات و المتشددات ! و معنى ذلك أن هدى شعراوي و جيلها كن أكثر تحرراً و تطوراً من فتيات اليوم بنات وحفيدات هدى شعراوي ) اهـ .


(450) ( أخبار اليوم ) 5 نوفمبر 1977م . (451) ( صباح الخير ) 16 يناير 1975 م .

وهذه جريدة " الأهالي " الشيوعية تتابع الظاهرة في قلق و غيظ و تفرد لها بحثاً جاء في أثنائه على لسان " د / زينب رضوان " قولها : ( انتشر الحجاب بين الطبقة المثقفة قبل العوام و هذا على عكس ما هو متعارف عليه و نفس هذه الطبقة المثقفة هي التي رفضت الحجاب في زمن " هدى شعراوي " و خلعته وداسته (452) و هي ذاتها التي عادت تنادي به و بالعودة إلى الأصالة بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من المحجبات من الطبقة الوسطى و هي الطبقة التي تقود التغيير في أي مجتمع صحيح أنه انتشر أيضاً بين الطبقة الأرستقراطية و لكن بنسبة أقل ) (453) اهـ .

وهذه ( أمينة السعيد ) تصف الحجاب بأنه ثياب ممجوجة و تقول وقد ملأتها الحسرة : ( فتيات يخرجن إلى الشارع و الجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها زي إسلامي لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لف أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء ) (454) .

عاد الحجاب :

و كتبت " منى رمضان " في ( أكتوبر ) : ( عاد الحجاب مرة أخرى كظاهرة على وجوه الفتيات و السيدات في مصر و هذه ليست آخر صيحة في عالم الموضة كما قد يتبادر إلى الذهن و لكنه نوع من الحشمة و " إحياء " التقاليد الإسلامية التي تطلب من النساء أن " يدنين عليهن من جلابيبهن " و الحشمة هنا نابعة من داخل المرأة و على أساسها فصلت هذه الثياب ) اهـ .

سلفيات .. لا مرتدات :

حقاً إنهم حائرون .. و هذا فيلسوفهم الهرم " زكي نجيب محمود " يتباكى على تبرج الجاهلية الذي انقشع أمام الصحوة الإسلامية فيقول : ( أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ارتدت بها إلى ما قبل .. هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي .. و المأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج .

(452) أقول : بل و أحرقته بأن سكبت عليه البترول و أشعلت فيه النار و ذلك في ميدان الإسماعيلية

        ( التحرير فيما بعد ) – انظر " واقعنا المعاصر " للأستاذ " محمد قطب " ص ( 258 ) .

(453) ( الأهالي ) تاريخ 5 / 10 / 1983 الصفحة الثالثة . (454) ( حواء ) ( 18 نوفمبر 1972 م ) . إن أبشع جوانب هذه الردة في حياة المرأة المصرية ليس أن أحداً يتدخل في شئون حياتها ليس هو أنها تريد أن تتعلم إلى آخر المدى فيمنعها أحد لأن أحداً لا يمنعها من ذلك و ليس هو أنها تريد أن تعمل بما تعلمته فيمنعها أحد لأن أحداً لا يقفل في وجهها أبواب العمل و إنما الجانب البشع من تلك الردة هو أن المرأة اليوم تريد أن تجعل من نفسها – و بمحض اختيارها – حريماً يتحجب وراء الجدران أو يتستر وراء حجب وبراقع ) (455) .

ثم يصف زمن السفور متحسراً عليه قائلاً : ( ذلك زمن أوشك على الذهاب مع رائدات الجيل الماضي ) ، ويستطرد قائلاً : ( إن في طائفة كبيرة من نساء هذا الجيل و بناته نكوصاً على الأعقاب بالقياس إلى الطموح الذي تميزت به أمهاتهن في الجيل الماضي و أنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع أن ترى الجيل الأصغر منه سلفياً بدرجة تزيد على الحد المألوف و ترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية .. و بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة و تدعو إلى العودة بها إلى نموذج السلف ) (456) .

و في فرنسا أيضاً قلقون :

فقد كان أول سؤال وجهته الصحافية الفرنسية " كاتي برين " إلى " سيدة مصر الأولى و الأخيرة " : ( انتشرت عادة الحجاب بين الفتيات في مصر فما رأي السيدة " جيهان " في هذه الظاهرة ؟) فتجيب – و كأنه أسقط في يدها أمام قوة انتشار هذه الظاهرة : ( في نظري أن المسئولية تقع على عاتق أساتذة الجامعات فهم سبب في انتشار تلك الظاهرة فإذا قام أستاذ واحد بطرد فتاة واحدة من محاضراته مرة و اثنتين فسوف تقلع الفتيات عن ارتداء الحجاب ... ) اهـ .



(455) ( الأهرام ) ( 9/ 4 / 84 ) ص ( 13 ) . (456) ( الأهرام ) ( 7 / 5 / 84 ) ص ( 13 ) .

أمريكا و إسرائيل تحذران الغرب :

" الإسلام قادم و نحن على خطر عظيم " : في مقال عن قلق أمريكا و إسرائيل من الصحوة الإسلامية كتبت صحيفة " فورتشن " تقول : ( إنه حتى في الجامعات العبرية في إسرائيل بدأ الطلاب العرب المسلمون يبدون اهتماماً متزايداً بالعودة إلى دينهم و بدءوا يمارسون ضغوطاً على السلطات اليهودية للسماح بفتح كليات للثقافة الإسلامية و الشريعة الإسلامية في الجامعات اليهودية كما بدأ العديد منهم يطلقون لحاهم ويؤدون العبادات الإسلامية في الجامعات اليهودية في حين بدأت الفتيات المسلمات في ارتداء الزي الإسلامي الشرعي ) (457) .

" عسى أن يكون قريباً "

و في مقال آخر تقول الصحيفة نفسها : ( إن الاتجاه الديني في مصر يرسخ أقدامه يوماً بعد يوم فالشباب المصري مفتون بالصحوة الإسلامية الثورية كما أن الفتيات المصريات يبدين اهتماماً متزايداً بالإسلام و في جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات الملتزمات بالزي الشرعي و قد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا و قد ارتدت الزي الشرعي الإسلامي ) (458) اهـ .

المعركة مستمرة :

أعداء الحق في كل عصر على وتيرة واحدة و قلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشئون وعلى المسلمة الصادقة أن توقن أن المعركة بين الحجاب و السفور بين الحق والباطل بين الإيمان والكفر لا تنقطع فإن التاريخ يعيد نفسه و إن هذه سنة الله في خلقه  ولن تجد لسنة الله تحويلاً  فاطر (43) .

ألا إنما الأيام أبناء واحد و هذي الليالي كلها أخوات فلا تبطلن من عند يوم ولا غد خلاف الذي مرت به السنوات


(457) نقلاً عن صحيفة " القبس " الكويتية عدد ( 30 / 6 / 86 ) . (458) المصدر السابق عدد ( 8 / 7 / 1979 ) .

قال تعالى :

 يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنم و بئس المصير  (459) التوبة (73) .


و عن كعب بن مالك مرفوعاً :

" اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه و ماله و الذي نفس محمد بيده كأنما تنضحوهم بالنبل " (460)


فيا كتائب الحق في كل مكان :

جردوا أسنة العزائم والرد و استعينوا على رد الباطل بالواحد الفرد اكشفوا ما في مناهجهم من المؤاخذات و بينوا ما فيها من الخطأ و الغلطات ليظهر جهل أعداء الحق و فساد أقوالهم للناظرين ولا عدوان إلا على الظالمين .. فتالله ما بارز جنود الحق قط قرن إلا كسروا قرنه فقرع من ندم سنه و لا ناحرهم خصم إلا بشروه بسوء منقلبه و سدوا عليه طريق مذهبه لمهربه .



(459) قال الزمخشري في تفسير هذه الآية : ( جاهد الكفار ) بالسيف ( والمنافقين ) بالحجة ( و اغلظ عليهم )

        في الجهادين جميعاً  و لا تحابهم وكل من وقف منه على فساد في العقيدة فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد 
        بالحجة وتستعمل معه الغلظة ما أمكن ) اهـ من الكشاف( 1 / 516 ) .

(460) رواه الإمام احمد في مسنده و حسنه الألباني . فاللهم من أراد الإسلام و أهله بسوء فاردد عليه دائرة السوء و رد كيده في نحره و اجعل تدبيره في تدميره – اللهم اغفر لجامعه ولوالديه و  ارحمهما كما ربياني صغيراً  و لإخوانه في الله ولمن نظر فيه فدعا له بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة و لجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين و المسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات و صل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين .

تم بحمد الله القسم التاريخي من " عودة الحجاب " و يليه بإذن الله القسم الخاص بمكانة المرأة و موضوعه :

المرأة بين تكريم الإسلام و إهانة الجاهلية

                           الإسكندرية في 

السبت 12 من ربيع الثاني 1404 هـ الموافق 17 من ديسمبر 1983 م