عن 6 أبريل ومسائل أخرى، ابراهيم أصلان
عن 6 أبريل ومسائل أخرى للكاتب المصري ابراهيم أصلان.
سوف نظل نكرر من دون ملل، أن القوات المسلحة المصرية، لا يثير اسمها فى نفوس المصريين إلا مشاعر الطمأنينة والحب، وتكاد كلمة «جيش» تكون فى الوجدان المصرى مرادفة لكلمة «أهل» أو «عيش» أو « دفء»، أو شىء من هذا القبيل.
والمجلس الأعلى للقوات المسلحة إذ تولى الزمام، بعدما قامت الثورة بدورها فى إسقاط العصبة الشريرة التى ظلت تقبض على رقاب البلاد والعباد، هذا المجلس العسكرى، أيًا كان ما يضطلع به الآن، يقوم بدور سياسى كما أكد الكثيرون، وكما هو واضح لكل العيان، وذلك بعدما قام بدوره فى مساندة الثورة وصيانتها بل والتحريض عليها منذ بياناته الأولى، وهو لذلك كله، غير معصوم عن النقاش. الأمر الذى دعانا جميعاً إلى الإيمان بأنه سوف يكون حكماً عدلاً بين الفرقاء، يقف على مسافة واحدة بين الأقوياء والضعفاء، ويتيح الفرصة للجميع بنفس المقدار، ثم بدا وكأن بعض القوانين التى أصدرها غير واضحة، أو أنها تجاهلت ما توقعه الكثيرون، لكن يبدو أنها هكذا متطلبات الحكم، ماذا نعرف نحن، التى يرى المجلس أن بها تستقيم الأحوال، ولا شىء آخر، ولا شىء هناك يمكن أن يقال.
ولكن الزمن لم يطل حتى جاءت اتهامات اللواء الروينى، سواء لجماعة 6 أبريل أو لحركة كفاية بالتشكيك فى وطنيتها على نحو أصاب الحركة الوطنية كلها بالأذى، وقلل من قيمة الثورة ذاتها وشكك فى دوافعها، ودلل على عرضها أمام العالم أجمع، عبر تلويث أهم فصائلها من الطلائع التى ساهمت بقوة فى صناعتها، وهى اتهامات ليس لها من هدف مفهوم، مهما فكرنا وتدبرنا، الأمر الذى خلف جرحاً عميقاً فى قلب الوطن، وجعلنا محزونين.
يفكر الواحد أن التخوين كان وسيلة قريبة العهد ما زالت تعيها الذاكرة بكل القوة، وهو وسيلة غير مجدة كما نرى الآن.
ويفكر الواحد أيضاً أنها وسيلة أقل من قامة اللواء الروينى صاحب المرتبة العسكرية الرفيعة، كما أنه أقل قامة من المجلس العسكرى كله.
والاتهامات، لا تصلح أن تكون عوضاً عن اللجوء، بالمستندات، إلى جهات التحقيق، والاحتكام إلى القانون. من غير ذلك تبدو مجانية، ومستغربة.
ولا يفوت الواحد فى مثل هذه الظروف إلا أن يعود للتعبير عن دهشته البالغة من شباب الثورة الذين توزعوا فيما يقرب من مائة وخمسين تجمعاً وتحالفاً وائتلافاً، وأن يتمنى عليهم شيئاً من إنكار الذات بحيث يختصرون الأمر فى قيادة واحدة ذات صوت محدد ومؤثر مثلما نرى لدى شباب الإخوان مثلاً. فليس معقولاً أن مطالب الثورة التى تجمعت حول إسقاط النظام ثم راحت تختلف حول شعار تحقيق «الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية» بمثل هذا العدد الغفير من الاجتهادات، إنه أمر يدعو إلى ما يشبه السخرية، إلا إذا كانت تحولت إلى اجتهادات حول نشأة الحياة على كوكب الأرض مثلاً.
إلا أنه، رغم هذه الأحوال المدلهمة، والمرتبكة، فالخلاص، كما يتصوره المواطن الذى على باب الله مثلى، ما زال فى المتناول إذا ما جرى التحالف بين القوى الوطنية المستنيرة فى هذا الوطن، فالمطالب شبه واحدة، وإذا هدأت حالة السعار التى انتابت البعض.. وإذا ما أدركنا جميعاً أن فرص التلاعب بمصائر الخلق وقهرهم قد انتهت وفات أوانها.. وإذا ما انتبه الجميع أن البلد أكبر من أن تبتلعه جماعة أو حزب، وأنه أضخم من أن يستقر على رأسه بدلاً من قدميه. وأن الأيام المخجلة قد مضت ولن يرتضيها أحد، وأن الناس عرفوا طريقهم ولن يفرطوا فيه، وأن نتذكر جميعاً أنه لن يصح، مهما طال المدى، إلا الصحيح.
طوبى للودعاء إذن، لأنهم يرثون الأرض.