علم الذكاء العاطفي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

علم الذكاء العاطفي

إعداد: د.إيهاب عبد الرحيم محمد

لقد نضجت فكرة جديدة في علم النفس، وتبشر بتفسير كيف يمكن للاهتمام بالمشاعر أن يساعدنا في حياتنا اليومية.

خلال العقد الماضي، سمعت الغالبية العظمى من متابعي الثقافة الشعبية الأمريكية باصطلاح الذكاء العاطفي emotional intelligence. وكمفهوم جديد، حقق الذكاء العاطفي شهرة واسعة: فكان موضوع عدة كتب، منها واحد حقق أعلى المبيعات ، ومناقشات لا تعد ولا تحصى في البرنامج الحوارية والحلقات الدراسية للمدارس والهيئات. ويمكنك اليوم أن تستأجر مدربا لمساعدتك في تحسين "الحاصل العاطفي" emotional quotient لك- أو لطفلك. وبرغم (أو ربما بسبب) مكانته الشعبية العالية، كان الذكاء العاطفي محلا لقدر معتبر من النقد العلمي. وقد نشأ بعض الخلاف عن حقيقة كون التعريفين الشعبي والعلمي للذكاء العاطفي يختلفان بصورة حادة. وبالإضافة إلى ذلك ، فلم يكن قياس الذكاء العاطفي بالأمر السهل. وبرغم هذه الصعوبات، فقد تمكنت الأبحاث التي أجريت على الذكاء العاطفي من إثبات نفسها، بل إنها في الحقيقة تظهر وعدا كبيرا كفرع جاد من البحث العلمي. وقد اتضح أن الذكاء العاطفي يمكن أن في الحقيقة أن يُقاس، كمجموعة من القدرات العقلية، وأن عمل ذلك يمثل تمرينا غنيا بالمعلومات المفيدة يمكنه مساعدة الأفراد على فهم دور المشاعر في حياتهم اليومية. بعد عشرة سنوات من ظهور ذلك الكتاب الأكثر مبيعاً وغلاف مجلة TIME الذي تساءل قائلا "ما هو حاصلك العاطفي؟ " يبدو من المنطقي أن نتساءل عما هو معروف، علمياً، عن الذكاء العاطفي . في تاريخ علم النفس الحديث، يمثل هذا المفهوم مرحلة في تطور تفكيرنا بشأن العلاقة بين العاطفة والمنطق، ويمثل ثمرة مهمة للنظريات الجديدة للذكاء. وقد أنتجت الأبحاث المجراة في هذا الحقل الثانوي نموذجا مكونا من أربعة عوامل للذكاء العاطفي يستخدم كدليل للبحث التجريبي. وفي هذه المقالة سنوضح طرق تقييم الذكاء العاطفي باستخدام الاختبارات المبنية على القدرات ability-based tests وبعض المكتشفات التي نتجت عن هذه الطريقة.

قبل "الذكاء العاطفي "

ناقش الفلاسفة العلاقة بين الفكر والمشاعر طوال ألفيتين على الأقل. واعتقد الرواقيون في اليونان وروما القديمة بأن العاطفةً تكون مشبوبة ومتقلبة لدرجة كبيرة بحيث لا تفيد الفكر العقلاني كثيرا. وقد ارتبطت العاطفة بقوة بالنساء أيضاً ، في رأيهم، وبالتالي فهي ممثلة للجوانب الضعيفة والدنيا للبشرية. إن الفكرة النمطية stereotype الشائعة عن النساء باعتبارهن الجنس الأكثر "عاطفية" هي فكرة باقية حتى اليوم. وبرغم أن حركات رومانسية مختلفة احتضنت العاطفةً على مر القرون، إلا أن المنظور الرواقي للعاطفة باعتبارها لاعقلانية irrational بشكل أو بآخر استمر ،بصورة أو بأخرى، حتى وقت طويل من القرن العشرين.

لكن العديد من الأفكار انقلبت خلال التطور السريع لعلم النفس الحديث في القرن العشرين. ولإعداد الساحة لطريقة جديدة للتفكير في العاطفة والفكر، وضع علماء النفس psychologists تعريفات أوسع للذكاء،كما ظهرت وجهات نظر جديدة حول العلاقة بين الشعور والتفكير. وفي مرحلة مبكرة ، في ثلاثينات القرن العشرين ، ذكر عالم القياس النفسي psychometrician روبرت ثورندايك Thorndike احتمال امتلاك البشر لنوع من "الذكاء الاجتماعي" social intelligence – أي القدرة على إدراك الحالات الداخلية internal states والمحفِّزات والسلوكيات الخاصة بهم وبالآخرين ، والتصرف وفقاً لذلك.

في عام 1934 ،كتب ديفيد ويكسلر Wechsler، وهو عالم النفس الذي يرتبط اسمه اليوم باختباريّ ذكاء معروفين ، عن الجوانب "غير الذهنية" non-intellective للشخص، والتي تساهم في ذكائه الكلي. لكن ملاحظات ثورندايك و ويكسلر، على أية حال،تبقى مجرد تخمينات. وبرغم أن الذكاء الاجتماعي بدا كاحتمالية مؤكدة، فقد اعترف ثورندايك بوجود أدلة علمية محدودة على وجوده .وقد توصّل خبير القياس النفسي لي كرونباخ Cronbach إلى استنتاج مماثل، فقد أعلن في عام 1960 أنه بعد نصف قرن من التخمين، يظل الذكاء الاجتماعي "غير معرّف ولم يتم قياسه." "undefined and unmeasured."

لكن ثمانينات القرن العشرين جلبت موجة من تجدد الاهتمام بتوسيع تعريف الذكاء ؛ ففي 1983، اشتهر هوارد جاردنر Gardner من جامعة هارفارد بين عشية وضحاها عندما وصف، في كتابه المعنون "أطُر العقل" Frames of Mind، سبعة أنماط محددة من الذكاء . اقترح جاردنر وجود "ذكاء بين-شخصي" intrapersonal intelligence شبيه جدا بالمفهوم الحالي للذكاء العاطفي . وقد كتب يقول "إن القدرة الرئيسية الفاعلة هنا هي ولوج المرء إلى حياته الشعورية feeling life الخاصة - وهي المدى الذي يمتلكه الفرد من العواطف أو المشاعر: أي القدرة الفورية على التمييز بين هذه المشاعر، وفي النهاية، تصنيفها ، ومن ثم تشبيكها enmesh في شفرات رمزية، والاعتماد عليها كوسيلة لفهم وتوجيه سلوكه."

هل "الذكاء العاطفي"،إذن ، مجرد اسم جديد للذكاء الاجتماعي و"أنواع الذكاء" الأخرى التي تم التعرف عليها بالفعل؟ نأمل في الإجابة على هذا السؤال الشائك من خلال وضع تفسير محدَّد لما نحاول قياسه عند تقييم الذكاء العاطفي . ومن المؤكد أنه من الممكن اعتباره كضرب من الذكاء الاجتماعي ، لكننا نفضل التركيز بشكل واضح على معالجة المشاعر والمعرفة المتوافرة حول المشاعر والمعلومات المتعلقة بها،واقتراح أن ذلك يمثل نمطا خاصا من الذكاء. لقد تم تعريف الذكاء الاجتماعي بشكل عام للغاية، و لهذا السبب –جزئياً- بقيت المهارات الوثيقة الصلة المكتنفة مراوغة elusive بالنسبة للعلماء.

إن الذكاء العاطفي مفهوم أكثر تركيزاً. من المؤكد أن التعامل مع المشاعر له نتائج مهمة بالنسبة للعلاقات الاجتماعية، لكن المشاعر تسهم أيضاً في الجوانب الأخرى من الحياة؛ فلكل منا حاجة لوضع أولوياته، والتوجه إيجابياً نحو المساعي المستقبلية وإصلاح الحالات المزاجية السلبية قبل أن تتحول إلى قلق واكتئاب . إن مفهوم الذكاء العاطفي يعزل مجموعة معينة من المهارات المنطمرة ضمن القدرات المشمولة بشكل واسع بفكرة الذكاء الاجتماعي .

العاطفة والتفكير

أدت التفهمات الجديدة للعلاقة بين الفكر والعاطفة لتقوية الأساس العلمي لدراسة الذكاء العاطفي ؛ فباستخدام مهمة بسيطة لاتخاذ القرار ، قدم طبيب الأعصاب أنطونيو ر. داماسيو Damasio وزملاؤه في جامعة آيوا ، دليلاً مقنعاً على أن العاطفة والمنطق متلازمان جوهرياً. وعند اتخاذ القرارات، يركّز الناس في أغلب الأحيان على الفوائد والمضار المنطقية للخيارات التي تواجههم. وعلى أية حال، فقد أظهر داماسيو أنه بدون مشاعر، قد لا تكون القرارات التي نتخذها في مصلحتنا تماما.

في أوائل التسعينات من القرن العشرين، طلب داماسيو من بعض الأشخاص أن يشاركوا في مهمة للمقامرة gambling task يتمثل هدفها في تحقيق أعلى قدر من الربح على قرض من الأموال الزائفة. وقد طُلب من المشاركين اختيار 100 بطاقة، واحدة تلو الأخرى، من أربعة مجموعات (بطاريات: decks) مختلفة. قام الباحث بترتيب البطاقات بحيث يؤدي الاختيار من اثنين من المجموعات للحصول على دفعات أكبر (100 دولار مقارنة بخمسين دولارا فقط ) ،كما جعل هناك أيضاً عقوبات أكبر على فترات لا يمكن التنبؤ بها. كان اللاعبون الذين اختاروا من المجموعتين ذواتي الجائزة الأكبر، والخطر الأعلى، يفقدون مبلغا صافيا قدره 250 دولارا كل 10 بطاقات؛ بينما يكسب الذين يختارون أوراقهم من المجموعتين ذواتي فئة الخمسين دولارا مبلغا صافيا قدره 250 دولارا كل 10 بطاقات.

تم تشخيص أفراد واحدة من مجموعات المشاركين في هذه الدراسة للإصابة بآفات في القشرة البطنية الأنسية أمام الجبهية ventromedial prefrontal cortex في الدماغ. ويمتلك المرضى بهذا النوع من التلف الدماغي وظائف فكرية طبيعية، لكنهم يكونون غير قادرين على استخدام العاطفة في اتخاذ القرارات . أما المجموعة الأخرى فكانت سوية، بمعنى أن أدمغتهم كانت سليمة بالكامل. ولأن أيا من اللاعبين لم تكن لديه أية وسيلة لحساب أية مجموعات بالضبط كانت تنطوي على مخاطرة أكبر، توجب عليهم أن يعتمدوا على مشاعرهم "الحدسية" "gut" feelings لتجنب خسارة المال.

بيّنت مجموعة داماسيو أن مرضى الأذيات الدماغية أخفقوا في الانتباه إلى هذه المشاعر (والتي يعتقد أنها "واسمات جسدية" somatic markers) ، وبالتالي خسروا لاحقا أموالا أكثر بكثير مما فقده المشاركون الأسوياء. ولذلك، فإن العيوب الدماغية التي تسبب اختلال العاطفة والشعور من الممكن أن تؤدي لاحقا إلى اختلال القدرة على اتخاذ القرارات. وقد استنتج داماسيو أن "الأفراد يتخذون الأحكام ليس فقط بواسطة تقييم مدى وخامة العواقب، ولكن أيضاً -وبصورة رئيسية- وفقا لملكاتهم العاطفية." وتبيّن هذه التجربة أن العمليات الشعورية والفكرية ترتبط فيما بينها بصورة وثيقة. ومهما كانت الأفكار التي نستقيها من تراثنا الرواقي والديكارتي Cartesian، فإن فصل التفكير عن الشعور ليس بالضرورة أكثر تكيفاً -كما أنه قد يؤدي، في بعض الحالات، إلى عواقب كارثية.

النموذج ذو الفروع الأربعة

ربما كانت المرة الأولى التي استُخدم فيها اصطلاح "الذكاء العاطفي " في أطروحة غير منشورة تعود إلى عام 1986. وقد قام أحد المؤلفان (سالوفي Salovey)، بالاشتراك مع جون د. ماير Mayer من جامعة نيوهامبشير، بطرح التعبير على مجتمع علم النفس العلمي في عام 1990، بتعريف الذكاء العاطفي على أنه "القدرة على مراقبة المرء لمشاعره ومشاعر الآخرين، والتفريق بينها، واستخدام هذه المعلومات لتوجيه تفكير وأفعال الفرد."

اعتبر بعض النقاد مفهوم الذكاء العاطفي على أنه مجرد نتيجة طبيعية لروح العصر zeitgeist السائدة في أواخر القرن العشرين - وفي الحقيقة، كما نتأمل في خاتمة هذه المقالة، فلهذا التعبير اليوم حياة من الثقافة الشعبية المفعمة بالحيوية الخاصة به. لكن ضمن حدود علم النفس، تطوّر المفهوم بفعل التأكيد المتنامي على إجراء الأبحاث حول التفاعل بين العاطفة والفكر. وفي أواخر السبعينات، قام علماء النفس بإجراء تجارب تبحث في عدد من المواضيع غير المرتبطة ببعضها البعض ظاهريا عند نقطة التفاعل interface بين العاطفة والتفكير: مثل تأثير الاكتئاب على الذاكرة، وفهم العواطف المكتنفة في التعبيرات الوجهية، والأهمية الوظيفية لتنظيم أو إظهار العاطفة.

يمثل الذكاء العاطفي أحد المفاهيم التي انبثقت عن هذه الأبحاث؛ وهو يدمج ما بين عدد من النتائج إلى مجموعة متقاربة من المهارات التي يمكن قياسها وتمييزها عن الشخصية والمهارات الاجتماعية؛ ويمكن تعريفه في إطار علم النفس على أنه نوع من الذكاء لأنه قابل للقياس quantifiable ،وهو في الحقيقة جانب يمكن قياسه من قدرة الفرد على التفكير المجرّد ،والتعلم، والتكيف مع البيئة. ويمكن إظهار أن الذكاء العاطفي يعمل على المعلومات العاطفية بالطريقة نفسها التي قد تعمل بها الأنواع الأخرى من الذكاء على جهاز كمبيوتر مكسور أو ما يراه المصور في شاشته.

ونظرا لاهتمامهما بمساعدة حقل المشاعر على صياغة نظرية تنظّم الجهود العديدة التي بُذلت لإيجاد فروق فردية في العمليات المتعلقة بالمشاعر، طرح سالوفي وماير نموذجا ذي أربعة فروع للذكاء العاطفي، والذي يُبرز أربعة من مجالات المهارات ذات العلاقة: (أ) القدرة على إدراك المشاعر بدقة؛ (ب) القدرة على استخدام المشاعر لتسهيل التفكير والتعليل؛ (ج) القدرة على فهم المشاعر، وخصوصاً لغة المشاعر؛ و(د) القدرة على تدبير manage المشاعر في كل من نفسه وفي الآخرين. يقترح هذا النموذج للذكاء العاطفي ذي الأربعة فروع أن الأفراد يتباينون في هذه المهارات، وأن لهذه الاختلافات نتائج في البيت، والمدرسة والعمل، وفي العلاقات الاجتماعية.

إدراك واستخدام المشاعر

إن المجال الأول للذكاء العاطفي ، وهو إدراك المشاعر، يشمل القدرات المكتنفة في التعرّف على المشاعر في الوجوه، والأصوات، والصور، والموسيقى والمحفّزات الأخرى. وعلى سبيل المثال، فالفرد الذي يبرع في إدراك المشاعر يمكنه أن يدرك بسرعة متى يكون صديقه منزعجا عن طريق الترجمة الدقيقة للتعبيرات الوجهية facial expressions لصديقه.

ويمكن للمرء اعتبار هذه المهارة الأكثر أساسية المكتنفة في الذكاء العاطفي لأنها تجعل كل المعالجات الأخرى للمعلومات العاطفية ممكنة. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن مهارتنا في قراءة الوجوه تُعد واحدة من الخصائص التي يتشاركها البشر من جميع الثقافات. قام بول إيكمان Ekman ،من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، بعرض صور أمريكيين يُظهرون مشاعر مختلفة ،على مجموعة من سكان غينيا الجديدة المعزولين،فوجد أن سكان غينيا الجديدة يمكنهم التعرّف على المشاعر المُعبَّر عنها في الصور بدقة تامة، برغم أنه لم يسبق لهم أن صادفوا أي أمريكي ،إضافة لكونهم نشأوا في ثقافة مختلفة تماماً.

لكن إدراك المشاعر يتفاوت بين الأفراد. وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت دراسة أجراها سيث بولاك Pollak من جامعة ويسكونسن بمدينة ماديسون في عام 2000، أن الانتهاك الجسدي physical abuse قد يعوق قدرة الأطفال على إدراك التعبيرات الوجهية بتكيّف adaptively.

طلب بولاك من أطفال منتهكين وغير منتهكين، تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 10 سنوات، أن يحضروا إلى المختبر للعب "ألعاب حاسوبية." عرضت على الأطفال صور لوجوه معدّلة morphed إلكترونياً لتُظهر تعبيرات عاطفية تتراوح بين سعيد إلى خائف، ومن سعيد إلى حزين، ومن غاضبة إلى خائف، أو من غاضب إلى حزين. وفي إحدى الألعاب، عرضت على الأطفال صورة واحدة وطلب منهم التعرف على العاطفة emotion الظاهرة فيها. ولأن كل الوجوه كانت معبرة عن درجات متباينة من عاطفة معينة، كان بوسع الباحثين اكتشاف كيف يُدرك الأطفال التعبيرات الوجهية المختلفة. وقد وجدوا أن الأطفال المنتهكين كانوا أقرب احتمالا لتصنيف وجه ما على أنه غاضب، حتى عندما يُظهر قدرا ضئيلا فقط من الغضب.

وبالإضافة إلى ذلك ، قام بولاك بقياس النشاط الدماغي للأطفال أثناء استكماله لهذه المهمة باستخدام أقطاب كهربائية electrodes مثبّتة بفروة رأس كل منهم. أظهر الأطفال المنتهكون أيضاً نشاطا دماغيا أكثر عند رؤية وجه غاضب. ويظهر هذا البحث أن الخبرات الحياتية يمكنها أن تشكل بقوة نوع التعرّف على التعبيرات الوجهية. ويمكننا التخمين بأن هذا الاختلاف في إمكانية إدراك الغضب قد تكون له نتائج مهمة بالنسبة لتفاعلات الأطفال مع الأشخاص الآخرين.

إن الفرع الثاني للذكاء العاطفي ،وهو استخدام المشاعر، يتمثل في القدرة على تسخير المعلومات العاطفية لتيسير الأنشطة المعرفية (الاستعرافية) الأخرى. ويمكن لبعض الحالات المزاجية خلق المواقف العقلية mind-sets الأكثر ملاءمة لبعض أنواع المهام.

وفي تجربة ذكية أجريت خلال الثمانينات من القرن العشرين، وجدت أليس آيسن Isen من جامعة كورنيل أن الشعور بمزاج مبتهج يساعد الناس على استباط حلول أكثر إبداعاً للمشاكل. جلبت آيسن عددا من الطلاب الجامعيين إلى المختبر وحرّضت induced فيهم إما مزاجا إيجابيا (بأن عرضت عليهم مقاطع من حلقات كوميدية) أو مزاج محايد neutral (بأن عرضت عليهم مقطعا قصيرا من فيلم عن الرياضيات).

بعد مشاهدة أحد الأفلام، أُجلس كل طالب على منضدة فردية وأعطي علبة ثقاب ، وصندوقا من المسامير وشمعة. وكان على المنضدة لوح من الفلين corkboard. أعطي الطلاب 10 دقائق لتقديم حل للمعضلة التالية: كيف يثبت الشمعة إلى لوح الفلين بحيث تحترق بدون تقاطر dripping الشمع على المنضدة. كان الطلاب الذين شاهدوا الأفلام الكوميدية، وبالتالي كانوا في مزاج أسعد، أقرب احتمالا للتوصل إلى حل كاف للمعضلة: فقد أدركوا أن المهمة يمكن أن تُنجز بسهولة بإفراغ الصندوق، وتثبيته إلى الحائط واستعماله كمنصة platformللشمعة. يبدو أن الذكاء العاطفي يمكنه أن يسهل بعض المهام؛ فالشخص المتمتع بالذكاء العاطفي يمكنه استخدام المشاعر المبهجة بفاعليةٍ أكثر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فهم وإدارة المشاعر

صنف ماير Mayer وسالوفي Salovey الفرعين الثالث والرابع لنموذج الذكاء العاطفي على أنهما نوعين من الذكاء "الاستراتيجي" strategic (وليس "التجريبي" experiential) . والفرع الثالث، فهم المشاعر ، هو القدرة على فهم المعلومات الخاصة بالعلاقات بين المشاعر، والتحولات من عاطفة إلى أخرى، وتسمية المشاعر باستخدام كلمات معبرة عن العاطفة emotion words. والشخص الماهر في فهم المشاعر ستكون لديه القدرة على رؤية الفروق بين المشاعر المتقاربة، مثل تلك الموجودة بين الزهو pride والبهجة. ويكون نفس الشخص أيضاً قادرا على إدراك ، على سبيل المثال، أن التهييج irritation يمكن أن يؤدي إلى الغضب الشديد rage إذا ترك الأمر دون عناية.

بيّنت عالمة النفس بكلية بوسطن، ليسا فيلدمان باريت Feldman Barrett ، أن للقدرة على التفريق بين الحالات الشعورية للفرد تضمينات مهمة للعافية well-being. طلبت فيلدمان باريت وزملاؤها من مجموعة من 53 طالبا جامعيا الاحتفاظ بمفكرة يومية عن مشاعرهم لمدة أسبوعين. وبصورة محددة، أن يقيّموا التجربة العاطفية الأكثر حدة التي تعرضوا لها يوميا بتقدير شدة تجربتهم لتسعة مشاعر، ممثلة بالكلمات، على مقياس من صفر، بمعنى: كلا، على الإطلاق، إلى 4، بمعنى: كثيراً جدا. كانت أربع من الكلمات المعبرة عن المشاعر متعلقة بعاطفة إيجابية (سعادة، بهجة، حماس، تسلية)؛ وخمس متعلقة بعاطفة سلبية (عصبي، غاضب، حزين، خجلان ashamed،يشعر بالذنب guilty).

قامت فيلدمان باريت وزملاؤها بعد ذلك بحساب الارتباطات correlations بين التجارب المبلغ عنها للمشاعر الإيجابية ،كما بحثوا أيضاً في مدى ارتباط التجارب المبلغ عنها للمشاعر السلبية. والمفحوص subject الذي كانت تقاريره للمشاعر الإيجابية مترابطة إلى حدٍ كبير يفرّق بصورة أقل بين الحالات الإيجابية. وبنفس الطريقة، فإن الارتباطات الأكبر بين تقارير كل عاطفة سلبية تشير إلى تمييز أقل بين الحالات السلبية.

وعند نهاية الدراسة، أكمل جميع المشاركين استبيانا يقيّم مدى انخراطهم في الاستراتيجيات المختلفة لتنظيم المشاعر emotion-regulation strategies خلال الأسبوعين السابقين (على سبيل المثال، "التحدث إلى الآخرين"). لم يكن للتمييز الأكبر بين الحالات العاطفية الإيجابية أي تأثير على الاستراتيجيات التنظيمية. لكن تمييز الحالات السلبية له تأثير واضح عليها؛ بمعنى أن المشاركين الذين كانوا قادرين على التحديد النوعي الأدق لأية عاطفة سلبية كانوا يستشعرونها في كل يوم ،انخرطوا أيضاً في استراتيجيات أكثر لتدبير مشاعرهم.ويظهر ذلك أن القدرة على تمييز وتسمية label المشاعر قد يمثل مهارة مهمة في تعلّم كيفية التعامل مع المشاعر بنجاح.

أما الفرع الرابع للذكاء العاطفي فهو قدرة المرء على إدارة (تدبير) مشاعره، بالإضافة إلى مشاعر الآخرين. وربما كانت مهارة إدارة المشاعر هذه هي الملمح الأكثر تمييزا للذكاء العاطفي . والذكاء العاطفي أكثر بكثير من مجرد أن تكون قادرا على تنظيم المزاج السيئ بصورة فعالة، فقد يكون مهما أيضا للإبقاء على المشاعر سلبية عند الحاجة. وعلى سبيل المثال، فالمتحدثة التي تحاول إقناع مستمعيها بتعرضها لبعض الظلم يجب أن تكون عندها القدرة على استخدام غضبها لتحريض الآخرين على الفعل.

ونجد في أبحاث جيمس س . جروس Gross ،من جامعة ستانفورد ،مثالا على كيف يمكن لاستخدام استراتيجيات مختلفة لإدارة المشاعر أن تكون له نتائج متباينة ؛ ففي تجارب أجراها في منتصف التسعينات، عرض جروس لقطات فيديو على طلاب جامعيين تُظهر بعض الإجراءات الطبية التي تثير الاشمئزاز، مثل البتر amputation. تم تقسيم الطلاب إلى ثلاث مجموعات مختلفة. في حالة الكبت suppression، أُمر الطلاب بإخفاء مشاعرهم أثناء مشاهدة الفيلم بقدر المستطاع بتقييد تعبيراتهم الوجهية. وفي حالة إعادة النظر reappraisal، أُمر الطلاب بمشاهدة الفيلم بموضوعية بقدر الإمكان وبالبقاء معزولين عاطفياً عما كانوا يشاهدون. أما المجموعة الثالثة، فلم توجه إليها أية تعليمات خاصة قبل مشاهدة الفيلم. تم تسجيل كافة ردود أفعال الطلاب للأفلام بآلة تصوير الفيديو، كما تم كذلك قياس ردود أفعالهم الفيزيولوجية، مثل سرعة القلب وموصلية الجلد skin conductance. وبالإضافة إلى ذلك ، طُلب من المشاركين إعداد تقارير ذاتية عن مشاعرهم قبل، وأثناء، وبعد مشاهدة الفيلم.

كانت لدى الطلاب في حالات إعادة النظر والكبت تجارب مختلفة بصورة مدهشة لمشاهدة الفيلم؛ ففي حالة الكبت، كان بوسع المشاركين تقليص التجربة الخارجية لمشاعرهم بنجاح بتقليل تعبيراتهم الوجهية وردود أفعالهم السلوكية الأخرى تجاه الفيلم. لكنهم ،على أية حال، أظهروا إثارة arousal فيزيولوجية قوية، وقرروا الشعور بمستويات أقل من الاشمئزاز مقارنة بالمجموعة الضابطة. أما المشاركون في حالة إعادة النظر، فذكروا الشعور بمستويات أدنى من الاشمئزاز عند مشاهدة الفيلم ، مع كونهم لم يُظهروا أية إثارة طبيعية قوية (مقارنة بالمجموعة الضابطة). وتُبين أبحاث جروس أنه قد تكون هناك تكاليف جسدية physical مهمة، وأحياناً خفية، على أولئك الأفراد الذين يكبتون بشكل مزمن التعبير عن مشاعرهم السلبية؛ ومع ذلك، فإن مراقبة وتقييم مشاعر المرء قد تكون مفيدة من الناحية الاستراتيجية.

قياس الذكاء العاطفي

يجب على أية خصيصة attribute يتم اقتراحها كنوع من الذكاء ، أن تلاقي معايير قياس العمليات النفسية psychometrics، وهو مجال القياس النفسي. يجب أن يكون العلماء قادرين على إظهار أن الاختبارات لا تتعرف فقط على الخصال الشخصية أو تمدنا بمعلومات عن القدرات الأخرى. تم استخدام ثلاث مقاربات لقياس الذكاء العاطفي: اختبارات التقرير الذاتي self-report tests، والتقارير التي تُعد من قبل الآخرين؛ والاختبارات المبنية على القدرات ability-based tests.

تم تطوير اختبارات التقرير الذاتي أولاً ،ولا تزال واسعة الاستخدام، بسبب السهولة التي يمكن بها إجراؤها وتسجيل نتائجها؛ فالخاضعين للاختبار يوافقون أو يرفضون البنود التي تحاول أسر capture السمات المختلفة للذكاء العاطفي المحسوس. وعلى سبيل المثال، فإن اختبار التقرير الذاتي للذكاء العاطفي (SREIT)  الشائع الاستعمال، لمؤلفه نيكولا شاتل Schutte، يطلب من المستجيبين تقدير rate مدى موافقتهم على بنود مثل "إنني أتحكم في مشاعري، "و" يجد الآخرون أنه من السهل الوثوق بيّ."

أما التقارير التي تُعدّ من قبل الآخرين فيتم تجميعها عادة باستخدام "360" أداة . فيطلب من الأشخاص الذين يتفاعلون كثيراً مع بعضهم البعض (مثل الأصدقاء والزملاء) تقدير الدرجة الظاهرة لبعضهم البعض للذكاء العاطفي . وتحتوي هذه الأدوات عادة على بنود مشابهة لتلك المستعملة في اختبارات التقرير الذاتي، مثل تقرير أن "هذا الشخص يتحكم في مشاعره أو مشاعرها."

ولسوء الحظ، فإن اختبارات التقرير الذاتي تقيّم التخمينات الذاتية للسمات التي كثيرا ما تتخطى نطاق تعريفات الذكاء العاطفي ؛ فهي تميل إلى دمج مظاهر الشخصية والطبع character التي يتم قياسها تقليدياً بواسطة اختبارات الشخصية الحالية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقييم الذكاء العاطفي بواسطة إجراءات التقرير الذاتي يطرح نفس المعضلة التي قد تواجه المرء عند محاولة تقييم الذكاء التحليلي المعياري بسؤال الناس، "هل تعتقدون أنكم أذكياء؟ "بطبيعة الحال، فإن أكثر الناس يرغبون في أن يبدوا أذكياء. وبالإضافة إلى ذلك، فقد لا تكون لدى الأفراد فكرة جيدة عن نقاط القوة والضعف لديهم، خصوصاً في مجال المشاعر. وبالمثل، فبرغم أن التقارير التي يعدها الآخرون تبدو أكثر وعدا بتقديم معلومات دقيقة، فهي عرضة أيضاً -وإلى حدٍ كبير- لوجهات النظر المتحيزة والتفسيرات الشخصية للسلوك.

وفي محاولة للتغلب على هذه المشاكل، وفي عام 1998،تم طرح الإجراء الأول المبني على القدرات للذكاء العاطفي - والذي يتمثل في مقياس الذكاء العاطفي المتعدد العوامل(MEIS) . وفي عام 2002 ،فإن نسخة محسنة ومنشورة بشكل محترف من الاختبار MEIS، والتي أزيلت منها البنود العويصة ، أصدرت على شكل اختبار الذكاء العاطفي حسب ماير،وسالوفي،وكاروسو (MSCEIT) ، والذي سمي على أسماء كل من ماير Mayer ، وسالوفي Salovey وزميله ديفيد ر. كاروسو Caruso من "مجموعة مهارات الذكاء العاطفي" .

يتكون الاختبار MSCEIT من ثماني مهام مختلفة – تم تخصيص مهمتين لكل من فروع الذكاء العاطفي الأربعة. وعلى سبيل المثال، يتم اختبار الفرع الأول،وهو إدراك المشاعر، بعرض صورة شخص ما على المشاركين، وبعد ذلك يطلب منهم تقييم مدى الحزن، أو السعادة، أو الخوف، إلخ. الذي يكتشفونه في التعبير الوجهي لذلك الشخص.

ويتم اختبار المهارة في استخدام المشاعر بالطلب من الناس تحديد مدى ملاءمة حالات مزاجية معينة، مثل السأم أو السعادة، لأداء بعض الأنشطة ، مثل التخطيط لحفلة عيد الميلاد. ويتضمن ذلك الجزء من الاختبار المتعلق بفهم المشاعر أسئلة تطلب من المشاركين إكمال جُمل تختبر معرفتهم بالمفردات العاطفية emotion vocabulary وكيف يمكن للمشاعر أن تتقدم progress من واحد إلى الآخر. أما ذلك القسم من الاختبار المتعلق بالفرع الرابع، أي إدارة المشاعر ، فيطرح على المشاركين سيناريوهات من الحياة الواقعية. فيُطلب من المشاركين أن يختاروا، من بين خيارات متعددة،أفضل استراتيجية لتدبير المشاعر المعروضة في كل سيناريو. وبعد استكمال الاختبار MSCEIT، يتم الحصول على نتائج (أحراز scores) لكل من الفروع الأربعة، بالإضافة إلى نتيجة كلية إجمالية.

ما مدى جودة الاختبار؟

قام مارك أ . براكيت Brackett من جامعة ييل، مع ماير بحساب التداخل overlap الشامل بين اختبارات التقرير الذاتي للذكاء العاطفي، وبين اختبارات الشخصية الشائعة الاستخدام.ويتم تنظيم العديد من دراسات الشخصية وفقا لنموذج الخمسة الكبار للشخصية ؛ فيُطلب من المشاركين عمل تقييم ذاتي لمدى عرضهم للخلال التالية: العُصابية neuroticism، والانبساط النفسي extraversion، والانفتاح openness والرضا agreeableness والضمير conscientiousness.

قام براكيت وماير بتطبيق مقاييس scales خاصة لتقييم الخمسة الكبار على مجموعة من طلبة الكليات ،بالإضافة إلى اختباري MSCEIT وSREIT. فوجدا أن أحراز الخلال الشخصية الخمس الكبرى كانت مرتبطة أكثر بأحراز المشاركين في الاختبار SREIT أكثر منها في الاختبار MSCEIT. فخلة "الانبساط النفسي "،على سبيل المثال، كان لديها معامل ارتباط قدره 0.37 بأحراز الاختبار SREIT لكن معامل ارتباطها كان 0.11 فقط بأحراز الاختبار MSCEIT. ولذلك، يبدو أن اختبارات التقرير الذاتي للذكاء العاطفي قد تزودنا بمعلومات محدودة حول شخص ما، أكثر مما توفره استبيانات الشخصية القياسية.

إن المشكلة الأكبر التي يواجهها المرء عند محاولة استخدام إجراء للذكاء العاطفي مبني على القدرات هي كيفية تحديد الأجوبة الصحيحة. وبخلاف اختبارات الذكاء التقليدية، قد تفتقر اختبارات الذكاء العاطفي إلى الحلول الصحيحة أو الخاطئة بصورة قاطعة؛فهناك العشرات من الطرق التي يمكن للمرء استخدامها لمعالجة العديد من المواقف المشحونة بالمشاعر ، لذا من يجب أن يقرر أية طريقة هي الذكية عاطفياً لعمل الأشياء؟ من الخصائص الجوهرية لنموذج الفروع الأربعة للذكاء العاطفي، نجد فرضية كون المهارات العاطفية غير قابلة للفصل عن سياقها الاجتماعي. فمن أجل استخدام المشاعر على نحوٍ مفيد، يجب أن يتوافق المرء مع المعايير الاجتماعية والثقافية للبيئة التي يتفاعل فيها ذلك الفرد. ولذلك، يقترح النموذج أن الأجوبة الصحيحة ستعتمد إلى حدٍ كبير على توافق المرء مع الآخرين ضمن مجموعته الاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن الخبراء في مجال أبحاث المشاعر يجب أن يمتلكون القدرة كذلك على التعرف على الأجوبة الصحيحة، حيث زودتنا الطرق العلمية بمعرفة جيدة بخصوص البدائل الصحيحة للمشاكل المتعلقة بالمشاعر.

ونتيجة لذلك،يتم احتساب أحراز الاختبار MSCEIT باستخدام طريقتين مختلفتين: الإجماع العام general consensus والإحراز الخبير expert scoring. في الإحراز الإجماعي consensus scoring، تتم مقارنة أجوبة الفرد إحصائيا بالأجوبة التي زودت من قبل عينة عالمية متنوعة من 5,000 مستجيب تبلغ أعمارهم 18 عاما أو تزيد، والذين أكملوا الاختبار MSCEIT قبل مايو 2001. وهذه العينة متباينة تربويا وعرقياً، حيث أتى المستجيبون من سبعة بلدان مختلفة بما فيها الولايات المتحدة.

أما في مقاربة الإجماع، فإن التداخل الإحصائي الأكبر بأجوبة العينة يعكس مستويات أعلى من الذكاء العاطفي. في الإحراز الخبير ، تتم مقارنة أجوبة الشخص بتلك المزودة من قبل مجموعة من خبراء المشاعر، في هذه الحالة 21 باحثا في مجال المشاعر تم ترشيحهم لعضوية الجمعية الدولي لأبحاث المشاعر (ISRE) .

تم فحص مدى التداخل بين الإحراز الإجماعي والخبير بعناية. تم تسجيل ردود المشاركين أولا باستخدام طريقة الإجماع، وبعد ذلك بطريقة الخبراء، وبعد ذلك تم ربط هذه النتائج ببعضها البعض.

يبلغ متوسط الارتباط بين مجموعتي الأحراز أكبر من 0.90، مما يشير إلى وجود تداخل كبير بين آراء الخبراء وبين الإجماع العام لآخذي الاختبار. وبكلمات أخرى ، فإن عامة الناس وخبراء المشاعر ، يتلاقون عند الأجوبة "الأكثر ذكاء عاطفياً". تنزع أحراز الخبراء إلى التوافق مع بعضها البعض أكثر مما تفعل تلك في مجموعة الإجماع، مما يشير إلى أن خبراء المشاعر ينزعون على الأرجح لامتلاك تمثيل اجتماعي مشترك لما يشكل الذكاء العاطفي. أظهر الاختبار MSCEIT موثوقية reliability جيدةً،مما يعني أن الأحراز تميل إلى الثبات بمرور الوقت وأن الاختبار متسق consistent داخلياً. وبصورة إجمالية، فباعتبار تداخله البسيط مع الاختبارات الشائعة الاستخدام للخلال الشخصية والذكاء التحليلي، يبدو أن MSCEIT يختبر بشكل موثوق ذلك الشيء المتميز عن كل من الشخصية وحاصل الذكاء.

تطبيق الأبحاث عمليا

وضعت الأبحاث المتعلقة بالذكاء العاطفي قيد الاستخدام العملي بسرعة غير عادية. وقد يكون السبب بسيطا: تشير التجارب إلى أن أحراز قياسات الذكاء العاطفي المبنية على القدرات ترتبط بعدد من النتائج الواقعية المهمة.

قد يساعد الذكاء العاطفي المرء على الانسجام مع أقرانه والمشرفين عليه في العمل. ترأس باولو ن . لوبيز Lopes من جامعة سوري بالمملكة المتحدة ، دراسة أجريت في إحدى شركات التأمين المدرجة في قائمة مجلة "فورتشن" لأكبر 500 شركة Fortune 500 ، حيث يعمل الموظفون ضمن فرق عمل. طُلب من كل فريق تعبئة استطلاعات تطلب من الأفراد تقييم أعضاء الفريق الآخرين بناء على واصفات descriptors شخصية متعلقة بمشاعر مثل: "هذا الشخص يتعامل مع الضغوط دون أن يتوتر كثيرا" ، أو" هذا الشخص مدرك لمشاعر الآخرين."

وقد طُلب أيضاً من المشرفين في الشركة تصنيف مرؤوسيهم وفقا لبنود مشابهة؛ وكذلك فقد خضع كل المشاركين في الدراسة للاختبار MSCEIT. وبرغم أن عينة المشاركين كانت صغيرة، فقد حصل المستخدمون الذين أحرزوا معدلات أعلى في الاختبار MSCEIT على تقديرات أكثر إيجابية من كل من أقرانهم ومشرفيهم. وقد قرر أقرانهم وجود نزاعات أقل معهم، كما فُهموا على أنهم يخلقون جوا إيجابيا في العمل. وقيّم المشرفون موظفيهم الأذكياء عاطفياً لكونهم أكثر حساسية للعلاقات الشخصية ، ولكونهم اجتماعيين ،ومتحملين للضغوط، ولامتلاكهم إمكانيات قيادية أكثر. كانت الأحراز الأعلى مرتبطة إيجابياً أيضاً بالدرجة الوظيفية والراتب في الشركة.

قد يكون الذكاء العاطفي مهما أيضاً لإنشاء واستمرار العلاقات الجيدة مع الأقران. وفي دراسة مختلفة أجراها لوبيز وزملاؤه، طُلب من طلبة الكليات الألمان الاحتفاظ بمفكرات تصف تفاعلاتهم اليومية مع الآخرين على مدى أسبوعين. وبالنسبة لكل تفاعل اجتماعي دام لمدة 10 دقائق على الأقل ، طُلب من الطلاب تسجيل جنس الشخص الذي تفاعلوا معه، وكيف شعروا حيال هذا التفاعل، ومدى رغبتهم في إحداث انطباع معين، وإلى أي مدى اعتقدوا أنهم نجحوا في تحقيق ذلك الانطباع.

كانت الأحراز الخاصة بفرع استخدام المشاعر من الاختبار MSCEIT متعلقة إيجابيا بمدى المتعة والإثارة التي استشعرها الطلاب في تفاعلاتهم ، بالإضافة إلى مدى الأهمية والأمان اللذين شعروا بها خلالها . أما الأحراز المتعلقة بفرع تدبير المشاعر، فقد بدت أكثر أهميةً في التفاعلات مع الجنس الآخر. وبالنسبة لهذه التفاعلات، قرّر الطلاب الذين أحرزوا معدلات مرتفعة فيما يتعلق بتدبير المشاعر شعورهم بقدر أكبر من المتعة، والألفة، والاهتمام، والأهمية، والاحترام. وبالإضافة إلى ذلك ، فقد تعلّق تدبير المشاعر إيجابياً باعتقاد الطلاب بأنهم حققوا الانطباع المطلوب على شركائهم من الجنس الآخر (أن يُنظر إليهم ، على سبيل المثال، باعتبارهم ودودين أو أكفاء).

درس براكيت أيضاً كيفية ارتباط الأحراز على الاختبار MSCEIT بنوعية العلاقات الاجتماعية بين طلبة الكليات. قام طلبة الكليات الأمريكان بإكمال الاختبار MSCEIT بالإضافة إلى استبيانات تقيّم نوعية صداقاتهم ومهاراتهم الشخصية. وبالإضافة إلى ذلك ، طُلب من هؤلاء الطلاب تحديد اثنين من أصدقائهم لتقييم نوعية صداقتهم. تم تقييم الأفراد الذين أحرزوا معدلات عالية في إدارة المشاعر، من قبل أصدقائهم ، على أنهم أكثر عطفا وتقديما للمساندة العاطفية. وكذلك، فقد كانت الأحراز الخاصة بإدارة المشاعر متعلقة سلبياً بتقارير الأصدقاء عن وجود نزاعات معهم. وفي دراسة حديثة أخرى أجريت من قبل نيكول ليرنر Lerner وبراكيت ،حصل طلاب جامعة ييل الذين أحرزوا معدلات أعلى في الذكاء العاطفي على تقييم أكثر إيجابية من قبل شركائهم في السكن؛ بمعني أن شركائهم في السكن أبلغوا عن تعرضهم لنزاعات أقل معهم.

ومن الممكن للذكاء العاطفي أيضاً أن يساعد الناس على تحقيق المزيد من النجاح في تسيير علاقاتهم مع أزواجهم وشركائهم الرومانسيين. وقد جندت الدراسة الأخرى برئاسة براكيت 180 من الأزواج الشبان (متوسط العمر: 25 سنة) من منطقة لندن. أكمل الأزواج اختبار MSCEIT ،وقاموا بعد ذلك بتعبئة تشكيلة من الاستبيانات التي تستفسر عن سمات علاقات الأزواج، مثل نوعية التفاعلات مع شركائهم ومدى سعادتهم بالعلاقة. كانت السعادة مرتبطة بأحراز عالية لكلا الشريكين، وحيثما حقق أحد الشركاء حرزا عاليا والآخر حرزا منخفضا، كانت تقديرات الرضا تنزع للوقوع ضمن المدى المتوسط.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مستقبل الذكاء العاطفي

يلعب السياق دوراً مهماً في صياغة كيفية تشغيل هذه المهارات. ويمكننا جميعا أن نسمي بعض الأشخاص – فيتبادر إلى الذهن بعض السياسيين البارزين الذين يبدون موهوبين للغاية في استخدام مشاعرهم في حياتهم المهنية، بينما يبدو أن حياتهم الشخصية تعج في الفوضى. وقد يكون الناس أكثر براعة في استخدام مهارات الذكاء العاطفي في بعض المواقف أكثر من غيرها. ومن بين الاتجاهات الواعدة للأبحاث المستقبلية، نجد التركيز على المهارات غير المستقرة (السائلة) fluid skills بدلاً من المعرفة المتبلورة crystallized عن المشاعر.

وبرغم أنه أثبت قيمته حتى الآن كاختبار عام للذكاء العاطفي،إلا أن الاختبار MSCEIT يحتاج إلى مزيد من التنقيح والتحسين. نحن ننظر إلى الاختبارين MEIS و MSCEIT باعتبارهما الأوليان في خط طويل فعلاً من الطرق المحسنة لتقييم القدرات العاطفية.

نحن نؤمن بأن الأبحاث المتعلقة بالذكاء العاطفي ستكون لها قيمة عالية، خصوصاً إذا ما تركزت على الفروق الفردية في العمليات العاطفية – وهو موضوع نأمل في أن يستمر في توليد المزيد من الاهتمام التجريبي empirical. وبالتالي، فإن علم المشاعر قد أكد لهذا الحد على مبادئ الشمولية.

إن أبحاث إيكمان على الوجوه، والمذكورة أعلاه،إضافة إلى النتائج عبر-الثقافية cross-cultural المشابهة تمنحنا تبصرات مهمة حول طبيعة التجربة العاطفية الإنسانية. وعلى أية حال، ففي أية ثقافة بعينها، يختلف الناس عن بعضهم البعض في قدراتهم على ترجمة واستخدام المعلومات العاطفية. ولأن النقائص الفردية في المهارات العاطفية قد تؤدي إلى نتائج سلبية، فإن أي فرد مهتم بتحسين المهارات العاطفية في المواقف المختلفة يجب أن يركّز على كيف ولماذا يكون بعض الناس، منذ الطفولة، أفضل في التعامل مع المشاعر من الآخرين. تزودنا مثل هذه المعرفة بالأمل في أن نتمكن من تعليم مثل هذه المهارات بنجاح للآخرين.

الترويج "للحاصل العاطفي "

اشتعل اهتمام أجهزة الإعلام بالذكاء العاطفي بفعل الكتاب الذي احتل قمة قائمة جريدة النيويورك تايمز للكتب أكثر رواجاً في العام 1995 ، والمعنون "الذكاء العاطفي"، لمؤلفه الكاتب العلمي دانييل جولمان Goleman. وفي شهر أكتوبر من نفس السنة، ظهر غلاف مجلة التايم TIMEمع مزيد من التغطية الإعلامية لتعلن أن الذكاء العاطفي هو الطريق الجديد لكي تكون ذكيا،إضافة لكونه أفضل مُنبئ predictor بالنجاح في الحياة.

وفّرت فترة أواخر التسعينيات المناخ الثقافي المثالي لظهور الذكاء العاطفي . وقد اندلعت الحلقة الأخيرة في سلسلة الخلافات حول حاصل الذكاء في عام1994 بنشر كتاب "منحنى الجرس" ، الذي ادعى مؤلفاه أن المجتمع المعاصر أصبح مرتبا على نحو متزايد ليس حسب المال، أو القوة، أو الطبقة الاجتماعية، لكن حسب الذكاء في تعريفه التقليدي.

قُرئ كتاب منحنى الجرس كمروج لوجهة النظر القائلة بأن الذكاء هو المُنبئ الأكثر أهميةً لكل شيء تقريباً مما يبدو مهما بالنسبة لمعظم الناس: البقاء بصحة جيدة، اكتساب أموال كافية، حتى تحقيق زواج ناجح. ومع ذلك فإن نصف السكان يمتلكون، بالتعريف، حاصل ذكاء دون المعدل ؛ وعلاوة على ذلك، فإن حاصل الذكاء يُرى على أنه يتعذر تغييره طوال فترة حياة المرء. وبالنسبة للعديد من القراء، احتوى كتاب منحنى الجرس على رسالة متشائمة للغاية. وكما لو كان يمثل إجابة على المخاوف المتنامية بأن حاصل الذكاء الثابت نسبياً هو المُنبئ الأساسي للنجاح في الحياة، تضمّن كتاب جولمان عن الذكاء العاطفي هذه العبارة على الغلاف مباشرة: "لماذا يمكن أن يكون ذلك أكثر أهمية من حاصل الذكاء". وقد استجاب الجمهور بصورة إيجابية لهذا الوعد الجديد، وسرعان ما أصبح الكتاب مادة رئيسية في أكشاك بيع الصحف في المطارات حول العالم.

تجاوبت أصداء التشكك بالتعريفات الضيقة لكلمة "الذكاء" بقوة مع جمهور بدا متفقا على أن هناك شيئا آخر - شيئا ملموسا أكثر - قد يكون أكثر قوة في تقرير نوعية حياة الفرد. أدت الأدلة على أن اختبار اللياقة الدراسية (SAT)، والذي يرتبط إلى حدٍ كبير بحاصل الذكاء، يخفق في توقع النجاح الأكاديمي- وخصوصاً فيما بعد السنة الأولى من الكلية، إلى مواصلة إثارة الاهتمام بكيف يمكن للمهارات العاطفية، أو لأي شيء آخر خلاف الذكاء التقليدي، أن تقرر بصورة أكثر اعتدادا إنجازات الفرد المستقبلية. لقد ظل الأمريكان دوما يتفاخرون بامتلاكهم لأخلاقيات عمل work ethic قوية؛ كما أن شعار "البطيء والثابت يربح السباق " يمثل موقفاً يتلاءم جيداً مع مفاهيم الجمهور حول الذكاء العاطفي كعلامة على حُسن الخلق.

ويمتلك الأمريكان أيضاً صورة ذاتية جماعية collective قوية للمساواة، والتي تدعمها وجهات النظر الشعبية للذكاء العاطفي التي تعرّف النجاح على أن يعتمد على مجموعة من المهارات التي يمكن أن يتعلمها أي إنسان.

يبقى كتاب جولمان أحد أكثر الكتب من نوعه نجاحا وتأثيرا ،كما ظهرت في السنوات الأخيرة كتب تجارية أخرى معنية بالذكاء العاطفي (أو الحاصل العاطفي EQ، كما يشار إليه في الأدب الشعبي).ولكونه أكثر من مجرد بدعة عابرة، أو رد فعل مؤقت ضد طرق الاختبار القياسية، استحوذ الذكاء العاطفي على الاهتمام الطويل المدى لأرباب الأعمال والتربويين. وخلال سنوات قليلة فقط، فإن ما بدأ كمجال غامض نسبياً من أبحاث علم النفس الموجهة بالعلم قد تحوّل سريعا إلى صناعة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات لتسويق الكتب والأشرطة والحلقات الدراسية والبرامج التدريبية التي تهدف لرفع مستويات الذكاء العاطفي .

أدى التبسيط في بعض الحالات إلى تحريف التعريف العلمي الأصلي للذكاء العاطفي؛ إذ يساوي العديد من الناس الآن بين الذكاء العاطفي وبين كل شيء مرغوب تقريباً في بنية الشخص التي لا يمكن قياسها بأحد اختبارات حاصل الذكاء، مثل الطبع ، والحافز ، والثقة ، والثبات النفسي ،والتفاؤل و"مهارات التعامل مع الناس."

أظهرت الأبحاث أن المهارات العاطفية قد تُسهم في بعض هذه السمات، لكن معظمها يتخطى كثيرا حدود الذكاء العاطفي المعتمد على المهارات. ونحن نفضّل تعريف الذكاء العاطفي على أنه مجموعة معينة من المهارات التي يمكن أن تستعمل لأغراض إما مفيدة للمجتمع prosocial أو معادية للمجتمع antisocial. ومن الممكن استخدام القدرة على الإدراك الدقيق للكيفية التي يشعر بها الآخرون من قبل المعالجين لتقدير أفضل طريقة لمساعدة عملائهم، بينما قد يستعملها فنان محتال لخداع ضحاياه المحتملين. إن كون المرء ذكيا عاطفياً لا يجعله شخصا أخلاقيا بالضرورة.

وبرغم أن الادعاءات الشعبية بخصوص الذكاء العاطفي تتخطى كثيراً حدود ما يمكن للأبحاث أن تدعمه بصورة معقولة، فقد كانت التأثيرات العامة للاهتمام الجماهيري مفيدة أكثر من كونها ضارة. إن السمة الأكثر إيجابية لهذا الترويج هي تأكيد جديد ومطلوب بشدة على أهمية المشاعر من قبل أرباب الأعمال والتربويين وغيرهم من المهتمين بتعزيز الرخاء الاجتماعي. فقد ساعد الترويج للذكاء العاطفي كلا من الجمهور وأبحاث علم النفس على إعادة تقييم وظيفة المشاعر والكيفية التي تخدم بها تكيّف البشر على مواقف الحياة العادية.

وبرغم أن الشعبية المستمرة للذكاء العاطفي مبرّرة ومرغوبة في الوقت نفسه، نأمل في أن يؤدي مثل هذا الاهتمام إلى تحفيز اهتمام أكبر بالدراسة العلمية والأكاديمية للمشاعر. ونأمل أن يؤدي التقدم في العلوم الإدراكية والعاطفية خلال العقود القادمة،إلى عرض وجهات نظر متشابكة يمكننا من خلالها دراسة كيفية إدارة الناس لشؤون حياتهم. ومن الممكن للذكاء العاطفي، بتركيزه على كل من العقل والقلب معا، أن يساعد بشكل كاف في توجيهنا إلى الاتجاه الصحيح.

لمحات سريعة

  • رحّب المجتمع بمفهوم الذكاء العاطفي منذ ظهوره لأول مرة في تسعينات القرن العشرين؛ فبوسع الآباء تعلّم كيفية تحسين "الحاصل العاطفي" EQ لأبنائهم- وهو المقابل العاطفي لحاصل الذكاء IQ- كما أن الشركات توظّف أحيانا مدربين للحاصل العاطفي. يذكر تقرير المؤلفان أن الأبحاث قد أثبتت صحة اختبارات الذكاء العاطفي، وعرفّاه على أنه مجموعة من المهارات التي تفيد في توجيه التفكير والتفاعلات الاجتماعية. نُشر غلاف مجلة تايم الذي شَهَر الحاصل العاطفي في عام 1995؛ بينما تمثل الصور الأخرى المبينة في الشكل أمثلة على المنتجات المتوافرة حاليا عبر شبكة الإنترنت.
  • اعتبر الرواقيون أن المشاعر أمر غير منطقي ، وهي رؤية ظلت باقية حتى العصور الحديثة، كما جسدتها شخصية سبوكSpock ، والتي مثلها ليونارد نيموي في المسلسل التلفزيوني Star Trek. أتى سبوك من كوكب فولكان Vulcan، حيث يبجّل المنطق الصرف pure logic ، مما يجعله الضابط العلمي القدير لأسطول النجوم ؛ ومع ذلك فقد تزوج والده المنحدر من كوكب فولكان ، من مُدرّسة بشرية ، مما منح سبوك جانبا عاطفيا سريع التأثر vulnerable.


  • تتعارض الأبحاث الحديثة مع المنظور الرواقي الذي يرفض المشاعر باعتبارها معوقا للتفكير العقلاني. في تجربة للمقامرة أجريت في جامعة أيوا، وجد أن المرضى المصابون بتلف دماغي يعطل استخدامهم للمشاعر في عملية اتخاذ القرارات، يخسرون أموالهم باستمرار. قام المرضى بآفات في القشرة المخية البطنية الإنسية قبل الجبهية بأداء نفس المهمة التي قام بها المرضى الأسوياء، وهي اختيار البطاقات من بين أربعة مجموعات decks بهدف تحقيق أقصى ربح مالي ممكن من اللعب. كانت المجموعات المحتوية على بطاقات تمنح ربحا عاليا (100 دولار لكل منها)، تحتوي أيضا على بطاقات تنطوي على غرامات مرتفعة، بحيث تكون الخسارة الصافية لجميع البطاقات العشرة هي 250 دولار؛ أما المجموعات الأخرى المحتوية على بطاقات تمنح ربحا منخفضا (50 دولارا) ، فكانت تضم بطاقات تنطوي على غرامات أقل، مما يمنحها ربحا قدره 250 دولارا لكل 10 بطاقات . كان المرضى الأسوياء ، باهتمامهم "بإحساسهم الداخلي" ، يحققون الحد الأقصى من مكاسبهم بسحب المزيد والمزيد من البطاقات من المجموعات ذات القيمة العالية ؛ بينما استمر المرضى ذوي الآفات المخية في الخسارة).


  • إن الذكاء العاطفي هو مجموعة من المهارات التي نظمها المؤلف بيتر سالوفي وزميله جون د. ماير إلى أربعة مجالات : القدرة على إدراك المشاعر بدقة؛ القدرة على استخدام المشاعر لتسهيل التفكير والتعليل المنطقي؛ والقدرة على فهم المشاعر ؛ والقدرة على تدبير المشاعر في كل من الذات والآخرين . ويُرى أن للفروق في هذه المهارات تأثيرات في كل من البيت، والمدرسة، والعمل، وفي العلاقات الاجتماعية.
  • قد يبدو إدراك المشاعر مهارة أساسية يشترك فيها جميع البشر. وتظهر الدراسات العابرة للثقافات cross-cultural أن الناس يدركون المشاعر بطرق متوقعة. لكن المهارات الفردية تتفاوت- على سبيل المثال، في الأطفال الذين عانوا من الانتهاكabuse .في دراسة أجريت بجامعة ويسكونسين ، كان الأطفال المنتهكون الذين يشاهدون وجوها تم تعديلها رقميا (أعلى) في إحدى "ألعاب" الحاسوب ،عرضة أكثر من الأطفال الأسوياء لتصنيف الوجوه على أنها غاضبة . سجلت الأقطاب الكهربية الموصلة بفروات رؤوسهم (يسار) نشاطا دماغيا أعلى في أولئك الأطفال عند رؤيتهم لوجه غاضب.


  • يمكن للمشاعر الإيجابية تحسين الأداء في مهمة ما. في تجربة أجريت بجامعة كورنيل، أُعطي الطلاب مهمة بسيطة تنطوي على حل لمعضلة بعد أن شاهدوا فيلما كوميديا أو فيلما "متعادلا". حقق الطلاب الذين شاهدوا الفيلم الكوميدي معدلات نجاح أكبر بكثير من أقرانهم الذين شاهدوا الفيلم المتعادل أو لم يشاهدوا فيلما على الإطلاق. كانت مشاهدة الفيلم الكوميدي "مفيدة" بنفس القدر تقريبا مثل لوحة عرض تزود بتلميحات مفيدة لحل المعضلة.


  • أظهرت الدراسات أن الأشخاص الماهرون في تدبير المشاعر لا يقومون بالضرورة بكبت المشاعر السلبية أو التحكم في تعبيرها. وقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة ستانفورد نتائج اتباع استراتيجيتين واعيتين intentional للتعامل مع تجربة غير سارة: البقاء موضوعيا ومنفصلا ("إعادة التقييم")، مع إخفاء المشاعر عن طريق الحد من التعبير الوجهي ("الكبت"). عُرض على الطلاب شريط فيديو طبيا تم اختياره ليثير الاشمئزاز . لوحظ أن أفراد المجموعة الضابطة (مجموعة "المشاهدة") يظهرون تعبيرات توحي بالتقزز (أعلى-يسار)؛ وقد قرروا أنهم شعروا بالتقزز وأظهروا ارتفاعات حادة spikes على مقاييس التفاعل الفيزيولوجي (المستطيلات السفلية). أحرز أفراد مجموعة إعادة التقييم ، عموما، نتائج أقل فيما يتعلق بالتفاعلات الملاحَظة والمقررة ذاتيا كما أظهروا استجابات فيزيولوجية مشابهة ؛ تحكّم أفراد مجموعة الكبت في تعبيراتهم الوجهية لكنهم أظهروا ستجابات فيزيولوجية قوية بصورة غير معتادة.


  • يُنظر أحيانا إلى الذكاء الصناعي على أنه تعبير عن روح العصرzeitgeist التي كانت سائدة في تسعينات القرن العشرين. عند نشره في عام 1995، سرعان ما احتل كتاب دانييل جولمان المعنون "الذكاء العاطفي" قائمة جريدة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا. أدى الجدل الذي أثاره كتاب "منحنى الجرس" (1994) إلى زرع شعور حزين في نفوس كثير من الناس بأن توقعاتهم الحياتية مقدّرة سلفا بفعل حاصل ذكائهم الثابت نسبيا . كانت فرصة النجاح عن طريق بناء وتسخير المهارات العاطفية مثيرة للإعجاب appealing. وبرغم أن الانتشار الشعبي لذلك المفهوم أدى إلى تحريف التعريف العلمي الأصلي، يخلص المؤلفان إلى أن الرواج الشعبي كان مفيدا أكثر من كونه ضارا، إذ حفّزت الاهتمام بالمشاعر بين أرباب الأعمال والتربويين.