ضحاك
هذه الترجمة من قصة ضحاك في الشاهنامة في القرن السابع الهجري. و قد يسرّها المترجم و أوجزها فقرّب له حوادث الكتاب، و مكّنه من استيعابه فى زمن قصير، و إن فوّت عليه جمال الشعر و تفصيل الحادثات. و قد حذف المترجم بعض الفصول الصغيرةو حذف بعض حوادث الفصول و حذف أكثر مقدمات الفصول التى يتكلم فيها الشاعر عن نفسه، أو يعظ و يبين العبر من تقلب الأحداث و حذف المدائح و اختصر الرسائل الطويلة، و الخطب، و الوصايا و اختصر كذلك الأوصاف. و كنت أريد أن أقابل الترجمة كلها بأصلها الفارسى و لكن وجدت هذا متعذرا أو مستحيلا. و كتبت العناوين الفارسية أمام العناوين العربية للتقابل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اندر پيدايي ضحاك : ذكر ظهور الضحاك
داستان ضحاك با پدرش: قصة الضحاك مع أبيه
قال صاحب الكتاب كان فى ذلك الزمان أمير كبير يسمى بمرداس. و كان ملك العرب.
و يوصف بصلاح السيرة، و سداد الطريقة. و كانت له أموال كثيرة من الخيل العراب و الإبل و البقر و الغنم. و كان له ابن يسمى بيوراسب، و يلقب بالضحاك. و بَيَور فى لغتهم معناه عشرة آلاف، و اسب هو الفرس. و كان له من الخيل المسرجة بسروج الذهب و الفضة، و المرصعة بأنواع الجواهر الفاخرة مالا يحيط به الحصر و العدّ . و كان مشغوفا باللهو و الطرب، و الصيد و الطرد.
پديد گشتن ابليس در جامه خواليگران: ظهور إبليس في زي الطباخ
فظهر له إبليس فى زى شاب صبيح، و عرض عليه نفسه ليخدمه. فاتصل به. و كان يظهر كل يوم فى الخدمة آثارا مرضية، و يبدى فى المناصحة و المخالصة أفعالا حميدة. فكان يورد عن رأيه، و يصدر عن أمره. فخلا به يوما و قال به إنى ناصح لك، و مشير عليك برأى إن قبلته ملكت رقاب العرب، و استتبت لك أسباب الأمر و النهى، و انتظمت لك أحوال المملكة. فقال الضحاك إنا خبرنا رأيك، و جربنا عقلك فما رأيناك إلا جاريا على سنن الصواب و طريقة السداد. و إنك أثبت علينا بصدق خلوصك، و نصوع طويتك فى موالاة أيامنا، و مشايعة دولتنا حقوقا كثيرة. و كل ما تشير به علينا يتضمن مصالح أمورنا، و مناحج أوطارنا. و ما خالفناك فيما أشرت به مدة مقامك فى هذه الحضرة. فهات ما فى ضميرك، و فاوضنا فيما بدا لك. فقال لا يمكن إفشاء هذا السر إلا بعد الاستظهار من الأمير بأيمان مغلظة، و مواثيق مبرمة، و عهود مؤكدة على أنه إن لم يقبل الرأى، و لم يصغ للنصيحة، جعلها دَبْر أذنه، ثم يضرب عنها صفحا و يطوى دونها كشحا، و يسترها فى أحشاء الكتمان، و يطويها فى تضاعيف النسيان. فوافقه على ذلك، و حالفه على ما أراد، و أخلى له المكان، و خلا به الناصح الفاضح، و زخرف لديه أباطيله، و موّه عليه أكاذيبه، و مهد له مقدّمة كانت نتيجتها أن يستبد بالإمارة، و تولى أمور الخاصة و العامة، و أن ذلك لا يمكن الا بقتل أبيه، و الاستراحة من تكاليفه الباهظة، و أحكامه الفادحة. و أنه إن فعل ذلك ملك مقاليد الخزائن، و تمكن من خبايا الذخائر.
فلما سمع ذلك صعب عليه، و أكبر أن يجازى أباه و من رباه بإراقة دمه، و قطع رحمه. فلم يزل الملعون يفتل منه فى الذروة و الغارب حتى لانت عريكته، و تمكنت منه خديعته. فقال تدبر فى الأمر و احتل فى قتله.
و كان للملك بستان اتخذه الخلواته. فيه حوض تنصب اليه الأمواه. و كان كل ليلة يدخل البستان و يتطهر من ذلك الحوض و يشتغل طول الليل بعبادة اللّه تعالى. فحفر الملعون فى طريقة بئرا و غطاها بحشيش. فقام الملك من الليل و دخل البستان على عادته المعهودة، و توجه نحو الحوض على ذلك الطريق فتردى فى قعر الحفيرة. فلما رأى العدوّ ذلك بالرد اليه و طمها بالتراب، و سواها بالأرض. فاستولى الضحاك على ملك العرب، و أطاعه جميع الأمراء و أخذ أمره فى الاعتلاء.
ثم تبدّى له إبليس بعد ذلك فى زى شاب رشيق يخلب القلوب بلطفه، و يسحر العيون بحسنه.
و جاء الى باب داره، و عرض نفسه عليه. و قال: أنا صانع حاذق أطبخ ألوان الأطعمة، و أحسق خدمة الملوك. فقبله و قلده المطبخ الخاص. فلم يزل يبدع فى اتخاذ ألوان الأطعمة، و يخترع كل يوم شيئا لا يشبه الآخر. و كان أكلهم فى أوّل الأمر من نوع واحد.
فلما رأى الملك ذلك أعجبه، و استصفاه، و مال اليه كل الميل. فطالت مدّته فى خدمته، و القائم بفرائض طاعته، و أخذ بمجامع قلب الملك حتى صار بحيث لا يصبر عنه ساعة.
فدخل عليه يوما فقال له اقترح على حاجة أقضيها لك فان من الواجب مراعاة مثلك، و الإحسان اليك. فأطلق لسانه بالدعاء للملك. و قال مالى حاجة غير بقائك، و دوام ملكك، و ثبات دولتك. فان كان و لا بد من سؤال فأرجو أن يمكنى الملك حتى أقبل منكبيه، و أتشرف بذلك. فأذن له فيه. فتقدّم و قبل منكبيه، و ساخ فى الأرض، و استتر عن العيون. فأخرج اللّه تعالى من كل واحد من منكبيه حية سوداء فهاله ذلك و أزعجه و أحضر الأطباء و الحكماء فأمروه بقطعهما. فلما قطعتا نبتتا فى الحال مثل الأوّل . ففرّق أصحابه فى الأطراف فى طلب الأطباء حتى جمعوا منهم خلقا كثيرا. فعجزوا عن معالجة ذلك الداء، و حسم مادته. فجاء إبليس فى زى طبيب الى باب الملك فأدخل عليه، و قال هذا قضاء أجراه اللّه عليك لا بد من تربية كلتى الحيتين و إطعامهما حتى يستريح الملك. و لا يصلح طعامها إلا من أدمغة الناس. فانه ان فعل ذلك يقل اضطرابهما، و لا تتأذى بهما. و كان مراد الملعون أن يبسط الملك يده فى قتل خلق اللّه تعالى و سفك دمائهم. فكان يحرّضه على ذلك حتى قبل مقالته، و استباح دماء الخلق على ما سيأتى ذكره.
در تباه شدن روزگار جمشید و پایان كار وی: ذكر هلاك جميشذ و انتهاء أمره
قال ثم إن الملوك لما رأوا أن جمشيذ مرق عن الدين، و أطلق يده فى الظلم خرجوا عليه و خلعوا ربقة طاعته، و استبد كل واحد منهم برأيه و ملكه. فكثرت الملوك، و كثر الفساد، و عتم الهرج و المرج، حتى اجتمع ملوك الفرس الى باب الضحاك، و أذعنوا له بالطاعة. فقدم أرضهم، و جلس على تخت السلطنة، و وضع على رأسه تاج الملك، و جمع عساكر البر و البحر، و نهض نحو جمشيذ قاصدا قصده. فلم يطق الثبات قدّامه . فولاه ظهور و هرب الى أرض الهند، و لم ير له أثر مدّة مائة سنة. و بعد ذلك ظهر و خرج من تلك البلاد فلما سمع به الضحاك طار اليه بجناح الركض، و انقض عليه، و جعل الأرض عليه ككفة حابل ثم أخذه و أمر به فنشر بالمنشار فانتهت نوبته بعد سبعمائة سنة، و انقرضت أيامه و ملك مكانه الضحاك. و كذلك سنة اللّه فى الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة اللّه تبديلا.
اندر ضحاك و آن چه در روزگار وی برفت و پادشاهی ضحاك هزارسال بود: ذكر الضحاك و ما جرى من الوقائع فى عهده و كانت مدّة ملكه ألف سنة
قال صاحب الكتاب ثم ملك الضحاك، و عم ملكه طلاع الأرض شرقا و غربا، و برا و بحرا. و كان ظلوما غشوما، محيت فى زمانه آثار العدل و الإنصاف، و طالت على الخلق منه أيدى الجنف و الإجحاف. و كان كل ليلة يأمر برجلين يقتلان و يستخرج دماغهما طعمة للحيتين. حتى غبر على ذلك ألف سنة. فضجت الخلائق، و ارتجت لفظاظة أمره المشارق و المغارب.
در خواب دیدن ضحاك فریدون را: رؤية الضحاك فريدون في المنام
و كان نائما فى طارمه ليلة من الليالى، فرأى رؤيا هائلة تدل على زوال ملكه، و قرب أجله فأصبح مهموما قد نعاه اليه شؤم فعله، و قبح علمه. فجمع العلماء و المنجمين و الكهنة و السحرة و قد أخذه من ذلك المقيم المقعد. فقال لهم إنى سائلكم عن أحوال المملكة على ما أدركتموه من أحكام النجوم، و ألقى الى أنفسكم من أسرار الملكوت. فسكتوا و لم يستطيعوا أن يردّوا جوابا، أو يحيروا خطابا.
فأحضرهم فى اليوم الثانى، و استنطقهم فى السر و الإعلان، و ذكر لهم ما رآه من المنام، و ألح عليهم فى السؤال عن ملكه، و ما بقى من مدّته ، و من يرثه التاج و التخت و متى يكون زوال دولته فما أجابوا عن شيء مما سألهم بغير السكوت.
و علموا أن مدّته شارفت الانقضاء، و دولته قد ناهزت الانتهاء، و أنهم لو أطلعوه على ذلك لبطش بهم، و مزقهم كل ممزق، و أوسعهم عقوبة و نكالا. فأحضرهم فى اليوم الثالث و أعاد عليهم السؤال فأطرقوا و اجمعين، ترتعد فرائصهم، و تضطرب أفئدتهم. و كان فى جملة الحكماء حكيم طاعن فى السنّ . قد مارس العلوم، و عرف الأحكام، و عبد اللّه تعالى فأورثه علما كاملا و أدبا بارعا.
فقام و قبّل الأرض، و قال ما ولد مولود إلا للفناء و لا بقاء إلا لرب العزة و الكبرياء. فاستعد للأمر فإنه قد حضر أو كاد. و سيجرى اللّه فى الانتقام من الظالمين الميعاد.
و اعلم أن زوال ملك يكون على يد ملك اسمه أفريدون. و هو لم يولد بعد. و أنه اذا وضعته أمه قتل أبوه على يدك. ثم أنه اذا ترعرع و نشأ طلب بثأر أبيه، و انتقم منك. فيكون هو وارث الملك بعدك، و صاحب تاجك و تختك. فلما سمع الضحاك ذلك خر من السرير صعقا. و لما أفاق عاد الى مكانه، و بث الرسل فى أطراف البلاد فى طلب أفريدون، و تتبع آثاره، طلبا للفتك به.
اندر زادن فریدون: في ولادة أفريدون
و ولد أفريدون فى تلك السنة. و لما وضعته أمه نظرت اليه فرأت فى وجهه مخايل السعادة واضحة، و أمارات الملك فيه لائحة. فكانت تربيه أحسن تربية، و تؤدّبه أحسن تأديب و هو ينمو نموّ الهلال، متسربلا بفضفاض الجمال. فاتفق أن أباه أخذ و قتل فى جملة من قتل بأمر الضحاك.
ففزعت أمه عليه، و أو جست فى نفسها خيفة من الملك و شره. و كانت تسمى مانك و هى موصوفة بالعقل. فحملت أفريدون و هربت به الى بعض المروج التى ترعى فيها البقر و الغنم. و كان راعي المواشى فى ذلك المرج رجلا صالحا. فسلمت ابنها اليه، و قالت هذا صبى يتيم، و لا آمن عليه من شر هذا الملك. و إني آويت به الى ظل أمانك حتى تكفله و تربيه الى أن يراهق. و تغذوه بلبن هذه البقرة.
و كانت بقرة خلقها اللّه على لون يسر الناظرين، و يعجب الخلائق أجمعين. فكفله الراعى و اتخذه ولدا، و لم يزل يغذوه بلبن تلك البقرة و يشفق عليه، و يميل اليه. فجاءت أمه بعد ثلاث سنين الى ذلك المرج، و اعتذرت الى الشيخ الصالح، و قالت له ان شر هذا الظالم قد تفاقم، و لا آمن على هذا الصبى من بأسه. و قد عزمت على أن أحمله الى بلاد الهند، و آوى به بعض الجبال، فلعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا، و يريح من هذه الدولة. فأخذت أفريدون و توجهت نحو بلاد الهند.
فبلغ الخبر الى الضحاك. و جاء الى ذلك المرج، و قتل الراعى، و نهب المواشى، و أحرق أيضا دار أفريدون و قصر أبيه. ثم ان أمه مانَك لما قربت من أرض الهند صعدت الى جبل عظيم. و كان عليه راهب يعبد اللّه فسلمت عليه، و أجهشت بالبكاء اليه. و أطلعته على أنها أرملة قتل زوجها الضحاك.
و ما لها من الدنيا غير هذا الولد. و قد خرجت به من بلد الظلم هاربة اليه، و أن الضحاك يرصده بالغوائل، و يطلبه بين سمع الأرض و بصرها.
و قد فرّق أصحابه فى طلبه. و قالت أنى قد تمسكت بذيل أمانك، و جئت به اليك. و أرجو أن تحنو عليه بعاطفتك، و تتخذه ولدا يكون قوّة لظهرك، و قرّة لعينك. فان له شأنا عظيما، و خطبا جسيما. و لا يكون زوال ملك الضحاك إلا على يده و سيظهر ذلك فى أقرّب مدّة .
فتفرس الراهب فيه ذلك و قبله. و لم يزل يربيه و يعلمه مكارم الأخلاق و يهديه الى مناهج الخيرات الى أن نشأ و ترعرع.
فلما راهق انقض من حالق ذلك الجبل كالعقاب الحاطف.
پرسیدن فریدون نژاد خود را از مادر: سؤال فريدون أمه عن نسبه
و جاء الى أمه كالقمر الزاهر و استخبرها عن أحواله و آبائه و أجداده. فأعلمته أن أباه كان يسمى أبتين من الفرس ينتسب الى طهمورَث الملك.
و أن الضحاك قد قتله، و أطعم دماغه الحيتين النابتتين على كاهليه. و سردت عليه حكايته من أوّل خروجها الى المرج، و تربيتها إياه بلبن البقرة الى أن حملته الى أرض الهند هاربة به. فلما سمع ذلك منها التهب غيظا، و استشاط غضبا. فأطرق مليا ثم تنفس الصعداء، و فض ختام سره، و قال لا بد من إعمال السيف فى هذه القضية، و صب أسواط القهر على هذا الظالم، و سيجرى بيني و بينه يوم تنفصم فيه متون الصفاح، و تتقصد أصلاب الرماح. فقالت له أمه خفض عليك، و لا تنظر الى الدنيا بعين شبابك، و لا تغتر بقوّة بأسك.
فان كل من سكر من جام الغرور فى مقتبل العمر و ريعان الشبيبة لا يفيق إلا عن ندامة. و الحازم من خمر الرأى و أتقن التدبير، و شاور فى أموره الصغير و الكبير. فكفكفت من غلوائه، و خفضت من طغيانه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
داستان ضحاك با كاوه آهنگر: قصه ضحاك و كاوه الحداد
قال و كان الضحاك لا يفتر لسانه عن ذكر أفريدون، و قد وقع فى قلبه من الذعر منه ما سلبه الرقاد، و حرمه القرار. و كان يتجلد، و بكل شيء كالغريق يتعلق. فأمر يوما أن ينادى فى المملكة بجمع كل موبذ كان موصوفا بكمال العلم، و رزانة الحلم، و ثقوب الرأى، و وفور العقل.
فلما جمعهم قال لهم إن و رأى عدوّا لا يخفى ظهوره عليكم. و إن الملك الحازم لا يكون غافلا عن عدوّه و إن كان صغيرا. فإن شره عن قريب يصير مستطيرا. و إني عزمت على أن أجمع عساكر الجن و الانس، و أنهض فى طلب هذا العدوّ .
فلعل السعادة تظفرنى به، و تمكنى منه. فأمرهم أن يكتبوا محضرا ينطق بأن الملك لم يزل مثابرا على بث المعدله بين الرعية، كافا يد الظلم عن العالم، لا يقدم إلا على ما فيه مصالح الخلائق و مناحج أوطارهم فبيناهم فى ذلك المحفل يكتبون شهاداتهم فى ذلك المحضر إذ فجئهم صياح عظيم ملأ الأسماع من باب الإيوان. فسأل الضحاك عن ذلك فقالوا متظلم مستغيث. فأمر به فأدخل عليه. و لما مثل بين يديه شبك أصابعه على أم رأسه، و رفع صوته بالبكاء و العويل.
و قال أيها الملك: إنك قد ملكت أقاليم الأرض، و نفذت أوامرك فى الشرق و الغرب. لكنك نكايتك منحصرة فى هذه الخطة. و بالأمس قتل ولدى، و قرة عينى لإطعام دماغه للمحيتين، و لم يبق لى غير هذا الولد، و قد أخذ اليوم. فكيف انتهت النوبة إلىّ من بين جميع الخلق فى هذه المدّة القريبة؟
فأمر الملك برد ولده عليه، و استعطافه بالإحسان اليه. ثم قدم ذلك المحضر اليه، فأمر أن يكتب شهادة فيه. فلما قرأه و رأى خطوط العلماء و الزهاد و العباد مثبتة فيه أقبل على الحاضرين، و قال يا علماء السوء، و يا أعداء الحق، و يا أهل النار أ تشهدون بالزور لهذا الظالم الفاجر؟ و مزق المحضر، و رماه فى وجوه القوم، و رفع صوته، و خرج من الإيوان يستغيث و يصبح، و تبعه من أو باش البلد و المظلومين خلق كثير.
و كان هذا الرجل يسمى جاوه(كاوه) و كان حدّاد فجاء الى الدكان و أخذ قطعة جلد يغطى بها الحدّاد قدمه عند تطريق الحديدة المحماة، و رفعه على رأس عصا شبه العلم. فاجتمع تحت رايته خالق كثير، و سواد عظيم و نادوا بشعار أفريدون.
نعم فلما أخبر الضحاك بذلك قال: لما دخل علىّ هذا المتظلم رأيت كأن جبلا من الحديد حال بينى و بينه. و قد أوجست فى نفسى منه خيفة قلقت أحشائى، و شغلت خاطرى. و ما أرى ذلك إلا من علامات زوال ملكى، و انقلاب حالى.و لعل شمس دولتى قد آذنت بالغروب و وجه حظى علته يد الشحوب.
قال فخرج جاوه بمن معه من المنادين بطاعة أفريدون يطلبون مقرّه ، و يتبعون أثره. فلما قرب من أفريدون فى ذلك الجم الغفير و العدد الكبير تهلل وجهه فرحا و بشرته السعادة أن تباشير صبح دولته همت بالطلوع، و تيمن بتلك الراية المنصورة.
و كانت تسمى دِرفش جاوِيان و كان ملوك الفرس يتوارثونها و يتيمنون بها، و رصعوا ذلك الجلد باللآلئ و اليواقيت، و علقوا عليه علائق الديباج و الحرير. و صارت تلك الراية آية بين ملوك الفرس كأنما أنزلت فى شأنها آيات الظفر و الفتح. فما رفعت فى معركة الا و السعادة ترفرف عليها بالأجنحة و الإِقبال يضرب تحت ظلالها بالجران. و سيأتى ذكرها فى مواضعها من الكتاب.
رفتن فريدون به جنگ با ضحاك: ذهاب فريدون لحرب الضحاك
قال ثم إن أفريدون جاء بعد مدّة من الزمان الى أمه كالليث الكاشر، و العقاب الكاسر. و قال الهمة صاعدة و العزيمة مصممة على النهوض الى مخيم هذا الثعبان للانتقام، و كف عاديته عن سائر الأنام. و كان له رفيقان من أولاد المرازبة مخصوصان برزانة الرأى، و رصانة العقل. فشاورهما فى أمر القتال، و أمر هما بإحضار الحدّادين لاتخاذ، عدّة اخترعها بعقله، و استحدثها بفكره. فجاءوا بأحذق الصناع و أذكاهم فى صنعة آلات الحرب، فنقش على الأرض صورة بقرة و أمر أن يعمل على مثالها جرزا من الحديد. فعله و جاء به الى حضرته، فهزه بتلك الأعضاد الشديدة و نهض فيمن معه من بهم الرجال، و أبناء القتال. يقطعون المراحل كالرياح العواصف، و خلايا السفين بالنواصف.
گرفتن فریدون كاخ ضحاك را و دست یافتن بر گنج وی: محاصرة فريدون قصر الضحاك و السيطرة على ثرواته
و لم يزل يصل التأويب بالإسآد، و يجمع بين الإغوار و الإنجاد. حتى خيم على شاطئ دجلة الزوراء فتقدّم الى الملاحين بإحضار المراكب و الزواريق للعبور. فامتنعوا و قالوا لا بد من جواز من الملك. فاحتدم غيظا و أمر العسكر بالعبور على حوارك الخيول. و تقدّمهم كالفحل القطم، و سيل العرم، حتى عبر. و لم يزل يطير على قوادم الركض الى أن قرب من بيت المقدس.
فرأى قصرا منيعا، و طارما مشيدا، و إيوانا عاليا كادت شرفاته تناطح الجوزاء، و تمس السماء. فعلم أنها للضحاك.
فنادى بالعسكر و أمرهم بالهجوم على تلك القصور قبل احتشاد مستحفظيها و الموكلين بها للمدافعة و الممانعة. فلم يحس القوم إلا بالملك الهمام، مطلا عليهم كالغمام، و حجافل محيطة بالمدينة إحاطة الأطواق بالأعناق. فتوغل تلك الديار، و توقل القلاع، و قصد الإيوان الرفيع، و القصر المنيع. فدخله قسرا و أطل على سرير السلطنة قهرا، و أدرج كل من فيها من العفاريت الذين و كلوا بحفظها و حفظ خزائنها تحت و وطأة البأس. و ملك كل ما فيها من الذخائر و الجواهر.
دیدن فریدون دختران جمشید را: رؤية فريدون ابنتي جمشيد
و أحضر حظايا الضحاك و أقمار سجفه، و شموس حجبه. و كانت فيهن شقيقتان لجمشيذ قد أخذهما الضحاك عند استيلائه على الملك.
فلما وقعت أعينهما على أفريدون حركتهما العروق النوازع، و تفجرت من محاجرهما الدموع الهوامع. فاستخبرهما عن الضحاك، و ذكرهما سوء آثاره و قبح أفعاله. فأعلمتاه أنه توجه نحو بلاد الهند فى عساكره، و جماهير جحافله. لسفك دمائهم، و استباحة ذخائرهم و أموالهم، على عادته الذميمة، و سيرته القبيحة.
داستان فریدون با كارگزار ضحاك و پیشكار وی: قصة فريدون مع وكيل الضحاك و وزيره
قال فبينا الملك أفريدون على تحت الضحاك بين حظاياه و جواريه إذ دخل و زير الضحاك عليه. فلما رآه خر ساجدا بين يديه. و لما رفع رأسه أطلق لسانه بالدعاء، لاستدامة دولته العلياء. فقبله أفريدون، و استدناه الى بساطه، و استخبره عن أحوال صاحبه، و ما قاساه الناس من فعله الفظيع، و ظلمه الشنيع. ففتح عليه خزائن الأسرار، و سرد عليه جميع الأخبار. فخرج على غرة من القوم و تشذر جواد كالريح المرسلة و طار الى حضرة الضحاك. فلما وصل الى مخيمه استأذن عليه. فأنكر قدومه. فأخبره بصورة الحال، و أعلمه أن أفريدون هجم على إيوانه فتوغله، و قتل حشمه و خوله، و استبد بتلك الذخائر و الرغائب، و استمتع بالحظايا الخرد الكواعب، و أطاعه أهل المدينة، و صفت له المملكة بلا منازع و لا مدافع.
بند كردن فریدون ضحاك را: تقييد فريدون الضحاك
فلما سمع الضحاك ذلك احترق تغيظا، و تنفس مستشيط، و أمر فنودى فى عسكره بالارتحال، و نهض متوجها نحو بيت المقدس كالسيل المتلاطم، و الليل المتراكم. فلم يحس القوم إلا بطلائع الخيل. متتابعين، و سرعان الجيش متواصلين، تقدم مواكب تسدّ السكاك بالعجاج، و تموج كالبحر المتدافع الأمواج. و أمامهم الضحاك كالتنين الصائل، و الأفعوان الهائل. فلما قربوا من سور المدينة قام أهلها فى وجوههم، و دفعوا فى نحورهم، و أمطروا عليهم عن اليمين و الشمال شآبيب النبال، ينادون بشعار أفريدون، و بظل أمانه يستعيذون. فأخذه الداء العضال لاستعصائهم و ممالأتهم عدوّه عليه. و بات يتلوى حنقا، و يتقلقل أرقا، و يحترق بنار الغيرة، غريقا بين أمواج الحيرة. حيث رأى بعينيه تلك الخرائد الأبكار، و العرائس الأتراب، فى طارمه المنضد بالوشائع و الدبابيج، و على سريره المرصع بالجواهر و اليواقيت، بين يدى عدوّه أفريدون و هو الهادم مبانى ملكه، و المنكس راية دولته.
فحملته الحمية الجاهلية على أن خرج مدججا شاكى السلاح لا يعرف، و أخذ وهقا فى طول ستين ذراعا، فجاء الى عقر قصره و علق الوهق على بعض الشرفات، و توقل حتى صعد القصر على غفلة من الحراس. و اطلع من أعلى الإيوان على أفريدون قاعد على بعض الأرائك مع إحدى زوجتيه. فلما رأى ذلك علق الوهق، و انحط كالقضاء من السماء، و العُقاب ، من العِقاب ، فى يده حربة كشواظ من نار فلما رآه أفريدون أهوى بيده الى الجزر فرفعه، ثم فرفعه، ثم الصاعقه على رأسه، فتشظت البيضة عليه، و همّ أفريدون بقطع وريديه. فَمثل ملَك بين يديه و قال إن اللّه ، قد أنسأ فى أجل هذا الثعبان، و أمر بتعذيبه طوال الزمان. فشُدّ وثاقه، و ضيق عليه خناقه. فاذا وصلت الى جبل دُنباوَند فاحبسه فيه. فأخذ سيرا من جلد الأسد مريراقويا، و جمع به أطرافه فى عقدة لا يذكر عاقدهاالحل.
و غادره تحت تخته طريحا يطيف به الخذلان، و يبكى عليه الكفران. قال فأمر أفريدون فنودى من أعلى ذلك الإيران بصوت يطن به الخافقان: ألا إن جناح الشر قد كسر، و موقد ناره أسر. فيا أسود النزال، و يا فرسان النضال، ردّوا الى المراكز الرماح، و حطوا عن العوافق الصفاح، و بادروا الى مخيم سلطان الزمان، و استعيذوا بظل العدل و الأمان. فأخمدت الحروب نارها، و حطت أوزارها.
و انثالت قوّاد الضحاك و أمراؤه على جناب أفريدون مطاوعين و مبايعين. ففتح الخزائن، و أخرج الدفائن، و فرق فيهم الرغائب، و أفاض عليهم الخلع و المواهب. قال ثم رتب أفريدون نوّابه بالمدينة، و أمرهم ببسط ظلال الرأفة على كافة الرعية. و عزم على النهوض فخرج فى مواكب النصر، و حجافل الظفر، و أمر بالضحاك فأخرج على قتب عار، بين شنار و عار، عبرة للناظرين، و موعظة للظالمين. فلم يزل يخيم و يقوّض ، و يحل و يرحل.
حتى قرب من دُنباوند و هى من نواحى الرى فسار فى مخارم شِعاب ، حتى حصل بين جبلين متناطحين. فوجد هنالك مغارة محشوّة بالظلمات ترى فى النهار الشامس، كالليل الدامس. فدعا بمسامير الحديد، و قيد الضحاك، و أودعه تلك فهو يعذب فيها الى يوم القيامة بسوء علمه، و قبح أثره.