صفحات من تاريخ أندونيسيا المعاصرة

من معرفة المصادر

صفحات من تاريخ أندونيسيا المعاصرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقدمة

ما أكثر العبر التي مرت أو تمر على الإنسان في حياته ، ولكن قل أن يتعظ بها . عبر كثيرة ، منها ما حفظ في بطون التاريخ ، ومنها ما انطوى في طي النسيان . عبر لاتبقى للإنسان سوى فترة قصيرة من الزمن ثم تندثر فلا يعرف عنها بعد ذلك أحد ، وكأنها لم تكن.

ملوك ورؤساء زالوا من الوجود ، فقدوا عروشهم ومناصبهم ، منهم من خلدت أسماؤهم كأبطال ومنهم من أدرجوا في عداد الخونة وأصبحوا في ذمة التاريخ .

دول وحكومات زالت وانقرضت ، وقامت بعدها وعلى أنقاضها دول وحكومات أخرى ، مالبثت أن وقعت فيما وقع فيها من سبقها .

حروب شنت وثورات تعاقبت ، لم يهدأ العالم منها يوما ، دفعت إليها نفوس جبلت على حب السيطرة والطموح والرغبة في السلطان . والنفوس جبلت على حب الذات ، والمنصب الذي يتولاه الإنسان يدفعه إلى الطموح والرغبة ف يالمزيد من السيطرة . والإنسان يطلب دائما المزيد . فلقد خلق ملوعا ، وهو في مغامراته لتحقيق طموحه يفشل أو يفوز .

هكذا تدور الحوادث ، وهكذا يعاد تمثيل المسرحية نفسها . وقد يختلف شكلها الخارجي ، ولكن جوهرها لايختلف . ولايزال العالم يشهد أمثال هذه المسرحيات في حياة البشر . والحوادث يتكرر وقوعها ، حتى يقدر الله لهذا العالم وضعا غير هذا الوضع المتقلب المضطرب .

من هذه الحوادث والتي لازالت الذاكرة تعميها ولازالت الآذان تستمع إلى أخبارها ، وتردد صداها ، ثورة الشيوعيين الفاشلة للاستيلاء على السلطة في أندونيسيا بقوة الحديد والنار ، وماصاحبها من ارتكاب أبشع جرائم القتل والاختطاف والتعذيب ودفن الأحياء والتمثيل بجثث الموتى وحرقها جماعيا .

لقد كان الشيوعيين في أندونيسيا منذ عام 1958 كل النفوذ في البلاد ، وكانوا يتمتعون بالسيطرة على السلطة المدنية . ولكنهم طمعوا في أكثر من ذلك ، ورغبوا في أن تكون الدولة شيوعية

وكان المد الشيوعي يجرف أمامه كل يجرف أمامه كل معارض ، وكانت الدولة تقف وراءه مؤيدة معاضدة ، مسخرة كل أجهزتها لخدمته . وقد خطب سوكرنو رئيس الجمهورية الأندونيسية حتى عام 1967 ، في حفل ذكرى مرور 45 عاما على تأسيس الحزب الشيوعي الأندونيسي أمام جمع كبير من المواطنين والوزراء وسفراء الدول العربية والإسلامية وغيرهم ومندوبين عن المنظمات والأحزاب الشيوعية العالمية وذلك في شهر مايو 1965 أي قبل الثورة لاشيوعية الفاشلة بخمسة أشهر ، فقال : (إن استقلال أندونيسيا لم يقم إلا على أكتاف وبسواعد الشيوعيين . إن أندونيسيا مدينة الحزب الشيوعي بالفضل ، فلقد ضحى الشيوعيون بكل ما يملكون من غال ونفسي بينما كانت الأحزاب الأندونيسية الأخرى والعناصر المشابهة لها خداما للاستعمار وعملاء للإمبريالية . ولولا الحزب الشيوعي المناضل ، الحزب الثوري ، الحزب التقدمي ، لما نالت أندونيسيا استقلالها كما نراه اليوم ، ونشاهده ونفسه) .

وتقديرا للحزب الشيوعي المناضل المتمثل في شخصية زعيمه الرقيق عيديد ، فقد قلد سوكرنو بهذه المناسبة الرفيق عيديد نيشان البطولة من الدرجة الأولى ، تقديرا له واعترافا بفضله وفضل الحزب الشيوعي الذي استخلص (الاستقلال بالقوة) . وأدرج سوكرنو اسم عيديد في قائمة الأبطال المجاهدين الأحرار .

تلك كانت سطوة الحزب الشيوعي ، وذلك كان نفوذه ، وهكذا كان مدى سيطرة الشيوعيين . ولم يكن هذا كافيا له ، ولم يكن مرضيا لنصيره الكبير .

وهكذا تم في فجر يوم 30 سبتمبر 1965 تنفيذ مخطط للاستيلاء على الحكم والبلاد ، وتصفية العناصر غير المرغوب فيها ، والثورة على الجمهورية الأندونيسية لتشكل على أنقاضها دولة ملحدة حمراء . وبدأ الشيوعيون باختطاف تسعة من الجنرالات من بيوتهم قبل الفجر ، وهؤلاء من المعروفين بمواقفهم ضد الإلحاد . وقتلهم الشيوعيون ومثلوا بجثثهم . وفي أول يوم أكتوبر 1965 كان الشيوعيون قد سيطروا على الإذاعة ومراكز التلفون والبريد والتلغراف وجميع دوائر بالحكومة والأماكن الإستراتيجية المهمة ، وتمكنوا من تصفية مدينة جاكرتا من مناوئيهم .

ويعجب الناس ويتساءلون ، كيف أمكن لهذه الثورة المخططة تخطيطا دقيقا والتي أوعد لها إعداد كامل محكم مبني على التجارب ، والتي تدعمها قوات سلاح الطيران وفيالق من البوليس في الداخل ، وتعضدها دولة قوية من الخارج بكل طاقاتها وإمكانياتها ، قوامها 700 مليون نسمة ، وكذلك العديد من الدول الشيوعية ، كيف أمكن لهذه الثورة أن تمثل بدلا من أن تنجح؟

إنه لم يعد خافيا على أحد ما للمخططات الشيوعية من دقة متناهية ، وكيف ترصد الدول الشيوعية المبالغ الطائلة لتنفيذ هذه المخططات . وكمثال بسيط يكفي أن يعرف القارئ أن وكالة أنباء (فوفوتسكي) الروسية رصدت للكتاب غير الروسيين الذين يكتبون لصالح الشيوعية ولو بصفة غير مباشرة مكافآت بلغت ميزانيتها في العالم الواحد مائتي مليون روبل .

وهذا عدا الكتب التي تصدرها موسكو وبيكين زعيمتا المعسكر الشيوعي العالمي ، مستهدفة الإغراء والسيطرة على عقول الشعوب التي لم تؤمن بالشيوعية بعد .

وفي هذا الكتاب ، يجد القارئ صورا واضحة للأحداث التي مرت بها أندونيسيا ، مدعمة بالوثائق الرسمية ، تسجل حقيقة الثورة الشيوعية الفاشلة وما صاحبها من ملابسات .

محمد أسد شهاب


كيف دخلت الشيوعية أندونيسيا ؟

ليست الحركة الشيوعية الأندونيسية (نتاجا طبيعيا للمجتمع الأندونيسي) كما يدعي الشيوعيون ، فهذه الحركة لم تكن سوى وليدة الاستعمار الهولندي لمواجهة الحركات الإسلامية التي رفعت راية التحرر في وجهة داخل أندونيسيا .

وإذا كان الحزب الشيوعي الأندونيسي ، كما كان يحاول الشيوعيون (أن يتشدقوا ، من أقدم الأحزاب الشيوعية في العالم ، ومن أكبر الأحزاب الشيوعية خارج الكتلة الشيوعية ، فإن ذلك يعود إلى عوامل بعيدة كل البعد عن تفاعلات المجتمع دينهم الإسلامي الحنيف . وهذا ما سنأتي عليه في الصفحات القادمة .

ولنبدأ بعرض الوقائع التاريخية ن فهذه الوقائع تكشف سر أقدمية الحزب الشيوعي الأندونيسي وتفضح سر ضخامة دعاياته السابقة .

يعود تاريخ الحزب الشيوعي الأندونيسي إلى أواخر وجود الاستعمار الهولندي في الجزر الأندونيسية . ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي ، واجهت هولندا حركة إسلامية وطنية تعارض التسلط الأجنبي الصليبي وتحاربه ، وعجزت السلطات الاستعمارية الهولندية عن مواجهةالمد الإسلامي التحرري ، وأخذت تشاهد يرعب تعاظم التيار الإسلامي الذي وصل إلى قمته في ذلك الوقت بقيام أول منظمة إسلامية باسم (شركت داقنخ اسلام) أعلن تشكيلها رسميا عام 1906 .

ولم تتمكن هولندا بكل الوسائل المتوفرة لديها من أن توقف ذلك التيار الإسلامي للكاسح ، وكانت تراقب بقلق بالغ العلاقات القائمة بين سلطان اتجه بشمال سومترا وبين الخلافة التركية ، وهو أمر أزعج هولندا وأرعبها نظرا لكون تركيا على علاقة حسنة بألمانيا ، وهو أمر قد يعني فيما يعنيه أن أية ثورة تتدلع في الجزر الأندونيسية ضد الوجود الاستعماري الهولندي لن تعتمد على العون من تركيا فحسب ، بل إن ألمانيا ستشارك في تقديم العون أيضا ، وهو أمر لاترغب فيه هولندا بالطبع .

واعتبرت هولندا الحركة الإسلامية في الجزر الأندونيسية خطرا شديد الأهمية ن فهي تتعدةى حدودها الإقليمية الضيقة لتؤثر وتستقطب عون العالم الإسلامي الواسع ز ولذلك امتنعت السلطات االهولندية عن قمع الحركة الإسلامية بالقوة العسكرية في بادئ الأمر خوفا من المضاعفات التي قد يسببها مثل هذا الإجراء . وأخذ المسئولون الهولنديون يبحثون عن سبل جديدة تمكنهم من القضاء على خطر المقاومة الإسلامية ، أو التخفيف من حدته على الأقل . وتفتفت الذهنية الهولندية الاستعمارية عن اختيار المستر (سنوك هوروغوتجي) وهو مستشرق هولندي معروف ، وأوكلت إليه مهمة دراسة وضع حركة المقاومة الإسلامية ، وتقديم تقرير عن الأساليب الكفيلة بقمعها أو التخفيف من حدتها . فكان أن هبط المستر سنوك هوروغروتجي إلى سلطنة أنجه بشمال سومترا ، لأن أنجه تعتبر مقر للسلطنة الإسلامية والمركز الرئيسي ذا التأثير الواسع على الحركات الإسلامية في أندونيسيا . واتخذ المستر سنوك من أتجه مركزا له يدرس فيه الوضع العام وتطورات الأحوال ، وقضى ثلاث سنوات يدرس ويمحص كل مايمكنه معرفته أو التوصل إليه من الأمور . وخلال ذلك كان يلاحق حكومته بالتقارير المتواصلة يحلل فيها ، ويضع الإقتراحات التي يعتقد أنها مناسبة للوضع الذي عجزت السلطات الهولندية في أندونيسيا عن مواجهته .

وعندما عاد سنوك هوروجروتجي إلى بلده بعد ذلك جمع تقاريره ، وهي نتيجة دراساته خلال ثلاث سنوات ، ووضعها في كتاب سماه (أتجه) وطبعت بعد ذلك باللغة الإنجليزية في ليدين (Leiden) بهولندا . واحتوى الكتاب على تفصيلات ما توصل إليه المستشرق الهولندي سنوك . وأشار إلى نقاط الضعف التي اكتشفها في المجتمع الإسلامي والحركات الإسلامية بأندونيسيا ، وقال أن هذه الحركات لايمكن ضربها من الخارج والقضاء علهيا بقوة الجيش والسلاح واعتقال زعمائها وإلغاء نشاطها إذ أن العقيدة الإسلامية متمكنة تمكنا شديدا في نفوس الأندونيسيين . ولهذا فإنه لايمكن ضربها إلا من الداخل ، وذلك عن طريق زرع بذور الخلاف في صفوفها وتشكيك القائمين علهيا بعضهم في بعض ، وتوريد آراء وعقائد جديدة إلى المنطقة .

فالحقيقة التي جابهها سنوك هي أنه لاوجود لأية حركة وطنية سوى الحركات الإسلامية ، كما أنه لم يكتب النجاح لأية محاولة تبشيرية مسيحية أو غيرها . ولاحظ أن العقيدة الإسلامية تحتل المكانة الأولى والوحيدة في قلوب المسلمين وعقولهم في كل أندونيسيا . ولهذا فإن مقترحاته تضمنت الدعوة إلى توريد المفاهيم الهدامة إلى أندونيسيا ، لمحاربة المتانة الخلفية التي تفرضها العقيدة الإسلامية في أتباعها ، واقترح أن تشجع الحركات الإلحادية ، وأن تبث الشكوك وبئار الجدل حول الخلافات المذهبية . وحوت اقتراحات سنوك الرئيسية خلق تيارين رئيسيين في أندونيسيا وهما :

التيار القومي والتيار الماركسي . وهو يرى أن القومية يمكن أن تكون عامل إضعاف للحركة الإسلامية وضمان أمان ضد قيام صلات بين الحركات التحررية في أندونيسيا وبين دولة إسلامية خارج الجزر الأندونيسية . وبالتالي يضعف خطر قيام حركة تحررية تمولها الخلافة الإسلامية في تركيا وصديقتها ألمانيا .

وأما التيار الشيوعي الماركسي فهو كفيل ببث الإلحاد في صفوف الأندونيسيين ونشر الفساد ، وهو أمر سيدعو المسلمين إلى مقاومته بضراوة ، والاتجاه إلى محاربته والانشغال به عن مقاومة الاستعمار الهولندي ومؤسساته المختلفة .

وأكد سنوك على حكومته بأن عليها ألا تفضح نفسها ، وأن تبتعد عن التدخل في الخلافات التي ستقع وألا تقف إلى جانب أي منها بشكل مفضوح . ونصحها في مكان آخر عن تقريره بأن عليها أن تساند الحركات التقدمية ، وتحترم الآراء والأفكار الحديثة متعللة بأنها حركات إصلاحية تدعو إلى التطور وتحارب ارجعية والتأخر . وهذه كانت إشارة واضحة إلى أن على الحكومة الهولندية رعاية الحركة الإلحادية المتمثلة في الحركة الشيوعية بصورة رئيسية والتي تمثل بالطبع مايسمى (بالحركة التقدمية) .

وكا تقرير سنوك نقطة التحول بالنسبة لسياسة الحكومة الهولندية في أندونيسيا . واختارت هولندا المهندس المعماري المستر سنيفليت (N.JFM Snevliet) الماركسي المعروف والعضو البارز في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الهولندي وبعثته إلى أندونيسيا في مهمة تتعلق بتقرير سنوك ، وكان عمله الرئيسي أن ينشر التعاليم والمبادئ الماركسية في أوساط الشعب الأندونيسي . وربما لم يكن المستر ستيفليت يخدم حكومته بهذا القدر ماكان يخدم عقيدته الشيوعية الإلحادية ومبدأه الماركسي . وقدمت له السلطات الهولندية الحاكمة في أندونيسيا تسهيلات واسعة .

وكان ستيفليت ذكيا ويتمتع بخبرة واسعة في مجال العمل الماركسي وكسب الأنصار والتقرير بهم ، وتمكن خلال وقت قصير من الاتصال بعدد من الشخصيات الأندونيسية ووثق صلته بهم ، وأقام صلات متينة بعد ذلك مع عدد لابأس به من الأندونيسيين وأظهر مقدرة فائقة في التعامل مع المواطنين وفي التأثير عليهم وإغرائهم بشتى السبل . بل إنه إذا لم يستطع كسبهم كأعضاء فلا أقل من تكوين صداقات شخصية يستطيع استغلالها لتنفيذ مآربه .

وشاهدت السلطات الهولندية بوادر نجاح ، ولكنها كانت تشعر بأنه لايمكن لستيفليت وحده أن يؤثر على الحركات الإسلامية الأندونيسية وأن يحدث الاتجاه المطلوب ويدفع إلى الإباحية والإلحاد ويقوم بإثارة الخلافات في أوساط المسلمين ، ففي نفس الوقت الذي كان فيه ستيفليت يوطد أركان اتصالاته ، كانت الحركات الإسلامية تقوى ويشتد ساعدها وتجمع المزيد من الأنصار حولها ، وهذا بالطبع أثار قلق وخوف السلطات الهولندية . فقررت الحكومة الهولندية تعزيز ستيفليت بشيوعي هولندي آخر هو المهندس بارس ( Ir. Baars) الذي وصل إلى أندونيسيا على ظهر باخرة هولندية لتعضيد جهود رفيقه الشيوعي ستيفليت .

ولم يكن ستيفليت ولا رفيقه بارس يدعوان إلى الشيوعية دعوة علنية مفتوحة ، وإنما كانا يدعوان إلى مزيد من التحرر والتقدمية والثورية ، ويؤكدان على أن من الضروري إنشاء حركات متحررة وعلى أن العقول الواعية في الحركات الإسلامية يجب أن تتولى مناصب هامة ، وأن تقود هذه الحركات ، لا أن يكون زعماء الرجعية هم قادتها وزعماؤها .

ونجح ستيفليت بهذه الطريقة في خداع عدد من الأشخاص واستطاع أن يؤثر عليهم ، ويقنعهم بأن خير سبيل لهم هو في انتهاج (للسياسة التحررية) وفي اتباع الخط الماركسي على أساس أن الإشتراكية الماركسية تستطيع أن تقدم الحلول لآفات المجتمع بما في ذلك مايعتبره الماركسيون آفة الأخلاق الفاضلة والعادات والتقاليد المتوارثة ، التي يرون القضاء عليها وقطع الصلات ما بين الحاضر والماضي .

وأشار ستيفليت على أصدقائه وأنصاره بالاتصال بالمركز الشيوعي للكومنترن ( Komintern) وذلك عن طريق الحزب الشيوعي الهولندي بهولندا . وكان له ذلك .

وفي عام 1917 أنشئ (الحزب الإشتراكي الديموقراطي الهولندي) بأندونيسيا ، وقد أنشئ الحزب بأندونيسيا كفرع (للحزب الإشتراكي الهولندي) بهولندا . وهذا يكشف عن حقيقة أن الشيوعيين الأندونيسيين لم يكونوا يفكرون - كما كانت تفكر الحركات الإسلامية - بتحرير أندونيسيا من الاستعمار الهولندي ، بل يعتبرون أندونيسيا جزءا من هولندا .

ولم يشعر الشيوعيون الهولنديون في أندونيسيا بالثقة الكافية برفاقهم الشيوعيين الأندونيسيين ، ولذا نشاهد أن عددا كبيرا من زعماء هذا الحزب الشيوعي بأندونيسيا كانوا من الهولنديين وعلى رأسهم المستر ستيفليت والمستر ستوكفيس (J.E. Stokvis ) وفان بونينك (Ir> Cramer) وبارس (Ir> Baars) .

وعندما تنبه الشيوعيون إلى أن ارتباطهم المكشوف بالحزب الإشتراكي الهولندي في هولندا يضعف من فعاليتهم ، أعلنوا بعد الحرب العالمية الأولى في عام 1919 أن الحزب الإشتراكي الديموقراطي بأندونيسيا قد أصبح حزبا مستقلا بذاته ، إلا أن القادة الشيوعيين الهولنديين أبقوا على نفوذهم فه وزعامتهم له . وتمكنوا من كسب بضعة أشخاص إلى صفوفهم كان منهم سماعمون (Semaoen) ودارسونو (Darsono) وتان مالاكا (Tan Malaka) وعالمين (Alimin) وبراويروديرجو (Brawirodirdjo) .

في 23 مايو 1930 أعلن الشيوعيون رسميا عن تأسيس (الحزب الشيوعي الأندونيسي) . وفي 24 ديسمبر من نفس العام التحق الحزب الشيوعي الأندونيسي بصورة رسمية ومباشرة بالمنظمة الشيوعية العالمية كومنترن (Komintern) إلا أن السلطات الهولندية في أندونيسيا كانت تستمر في تقديم التسهيلات والعون للحزب الشيوعي الأندونيسي .

يقول أحد الهولنديين البارزين : (إن الشيوعية لم تكن بالتأكيد في مصلحة هولندا ، ولكن الشيوعيين في أندونيسيا لم يكن همهم استقلال وتحرير المنطقة يقدر ماكان همهم نشر المذهب الشيوعي على أوسع نطاق ممكن ضمن الكيان الهولندي وقد أكد ذلك دستور الحزب الشيوعي الأندونيسي الذي أعلن عام 1923 أن الهدف الرئيسي للحزب هو قيادة الفلاحين والعمال للثورة ضد الرأسماليين والتجار الأندونيسيين .

وتفنن الشيوعيون في الدعاية لأنفسهم ولحزبهم مما أدى إلى التغرير بعدد من الأشخاص كان منهم بعض أعضاء (شركت اسلام) ، وكان ذلك بداية بشائر نجاح مخطط هولندا في استجلاب بعض الأندونيسين للحزب الشيوعي .

وفي مؤتمر (شركت اسلام) المنعقد بمدينة سورابايا (Srabaia) بجاوا الشرقية في شهر أكتوبر عام 1921 قررت شركت اسلام إقالة الذين انجرفوا وراء الشيوعيين من عضويتها .

وكان هذا بداية لسلسلة من المجابهات العنيفة بين شركت اسلام - الحزب القوي - من جهة وبين الحزب الشيوعي الأندونيسي من جهة أخرى .

وفي ذلك الشهر - أكتوبر 1921 - غادر سماعون رئيس الحزب الشيوعي ورفيقه دارسونو أحد قادة الحزب ، أندونيسيا إلى موسكو في وفد رسمي لتقوية أواصر الود والإخاء بين الحزب الشيوعي الأندونيسي والكريملين .

بعد شهر واحد من إقالة الأشخاص الذين غرر بهم الشيوعيون ، عقد الشيوعيون مؤتمرا لهم يوم 24 ديسمبر 1921 برئاسة فان مالاكا وأعلن الحزب للملأ أنه يعتبر لينين الزعيم الأوحد للشيوعية .

بقي سماعون ودارسونو في الاتحاد السوفياتي حتى عام 1923 حين عادا يحملان تعليمات الكريملين وتوصياته لتوطيد أركان الشيوعية ، مسلحين بتجاوب الشيوعية الدولية في هذا المضمار . وكان أول عمل قام به سماعون بعد عودته من موسكو تكوين منظمة عمالية تحت إشرافه ، والاتصال بالفلاحين والتقرب إليهم .

وركز الشيوعيون هجومهم ضد المسلمين في (شركة اسلام) واتهموها بأنها منظمة (بورجوازية تجارية) أقيمت لحماية مصالح البورجوازية الأندونيسية ، وأخذوا يبشرون بكراهية (الرأسماليين والبرجوازيين) ويكتلون العمال والفلحلاني الذين كانوا يجهلون حقيقة الشيوعية والشيوعيين ضد شركت إسلام والمسلمين بصورة عامة وأدى هذا إلى اشتداد الصراع بين الشيوعيين وأنصارهم وشركت اسلام وأنصارها ، وتطور الأمر إلى معارك عنيفة اشتبك فيها الطرفان وأريقت فيها الدماء . واتجهت شركت اسلام إلى مقاومة الشيوعيين بقوة وإصرار ، وكان من نتيجة هذا أن خف الضفط على الحكومة الهولندية المستعمرة ، ورأت شركت اسلام من الضروري الدعوة إلى مؤتمر عام للمسلمين لتدارس التطورات الجديدة ومدى تأثيرها على المجتمع الإسلامي الأندونيسي . وعقد المؤتمر في مدينة شربون (Tsirobon) بجاوا الغربية واشتركت فيه شخصيات إسلامية بارزة ، وتدارس المجتمعون الوضع من جميع جوانبه وبحثوا في احتمالاته ، وفي نهاية المؤتمر وجه المؤتمرون نداء إلى جميع المسلمين في أندونيسيا ، دعوهم فيه إلى التضامن والتعاضد والتكاتف والوحدة وتشكيل جبهة موحدة قوية لمواجهة الأعمال الإستفزازية التييقوم بها الشيوعيون ضد المسلمين . ونبه المؤتمرون إلى أنه إن أهمل المسلمون هذه الدعوة فإن الخطر سيستفحل وسيقوى وسيتفاقم وسيكون وبالا على المسلمين . فالحزب الشيوعي الأندونيسي مؤيد ماديا ومعنويا من قبل موسكو ، والسلطات الإستعمارية الهولندية لا تتوانى عن تقديم العون إليه .

وفي فبراير 1923 تحولت شركت اسلام إلى حزب سياسي باسم (حزب شركت اسلام) مستهدفة من ذلك توسيع قاعدتها وجعلها أكثر قدرة على العمل السياسي ومجابهة الشيوعيين . وأتى هذاالتغيير بثماره والتف مزيد من المسلمين حول حزب شركت اسلام . ومرة أخرى شعرت هولندا بالقلق نتيجة لهذا التحول في المسيرة الإسلامية وأخذت تبحث عن حلول أخرى لإيقاف تكتل المسملمين في حزب واحد تحت راية حزب شركت إسلام ، إذ أن ذلك يوحد ملايين المسلمين في تنظيم قوي واحد قائم على أساس ديني ، وهو أخشى ماتخشاه دولة استعمارية . ولم يكن هم هولندا تشجيع الشيوعيين فحسب بل كانت هناك حركات قومية ضيقة حاول هولندا أن تشجعها على منافسة حزب شركت إسلام كما استغلت بعض من أمكن شراؤهم أو التغرير بهم من الأشخاص لإثارة أمور جدلية مختلفة لتشغل بها المسلمين عن مكافحتها .

وتكشف لهولندا أمر خطير كان من أهم العوامل التي أدت إلى إنهاك قوىالمسلمين في معارك جانبية ، وذلك فتح الباب للدعوة الأحمدية القاديانية تحت ظل أفضل الظروف التي يمكن أن توفر لها السلطة الحاكمة ، وانفتحت فرص العمل القاديانيين في أندونيسيا ، كما شجعوا وأعينةا على فتح مركز قادياني لهم في هولندا عمل على التغرير بالطلبة الأندونيسيين هناك ، وكان عددهم كبيرا ، لجرهم إلى صفها . وانطلق المسلمون يقاومون دعوة القاديانية الجديدة بشدة وعنف ، بينما أخذ القاديانيون يدافعون عن أنفسهم باسم الإسلام أيضا . ووقع المسلمون في دوامة ن المعارك الجدلية وغرقوا فيها .

ووسط هذا الجو المحموم الذي غرق فيه المسلمون ، انطلق الشيوعيون والقوميون يعملون ، كل في سبيله ، ويتعاونون بعضهم مع بعض في مهاجمة المسلمين والتصغير من شأنهم وجديتهم ، واستغلوا المعارك التي دفع إليها المسلمون أفضل استغلال بالنسبة لهم. وكانت دعواهم أن المسلمين يفرقون في المجادلة بعضهم مع بعض بينما البلد يرزح تحت ظل الفقر والأمية ، وبينما يعمل الماركسيون والقوميون على الاهتمام بمطالب الشعب ويكدون في سبيل الرفع من مستواه المعيشي والفوز بحقوق العمال والفلاحين ومكافحة الأية ومحاربة الجهل .

وعندما احتلت اليابان أندونيسيا ضمن شرقي آسيا ف حربها الخاطفة إبان الحرب العالمية الثانية ، صدر مرسوم من السلطات اليابانية في أندونيسيا في شهر إبريل من عام 1942 بحل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى ومنعها من الاستمرار في نشاطها . إلا أن هذا لم يدم طويلا ، ففي 14 أغسطس 1945 استسلمت لليابان الحلفاء ، وفي يوم 17 أغسطس 1945 أعلنت أندونييا استقلالها وانتخب سوكورنو رئيسا للجمهورية والدكتور محمد حتي نائبا له . وتأسست وكالة الأنباء الآسيوية A.B.B يوم 2 سبتمبر 1945 بجانب وكالة الأنباء (انتارا) التي أنشئت قبل الحرب العالمية الثانية .

وفي أول يوم من أكتوبر 1945 بعث سوكورنو بصفته رئيسا للجمهورية بأول رسالة إلى ستالين يهنئه فيها بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر الشيوعية ، ومما جاء في هذه الرسالة : (إننا نؤيد الاتحاد السوفييتي لأنه يحارب من أجل العدالة والسلم للعالميين ومن أجل الإنسانية . إن الاتحاد السوفييتي يمثل اليوم إحدى القوى الكبرى في العالم وهو يستهدف دوما خدمة غاية عادلة وهدف شريف حقيقي) .

التوقيع : سوكورنو رئيس الجمهورية الأندونيسية

وكان انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء ومن ضمنهم روسيا قد قوى من آمال الشيوعيين ، وأخذت روسيا توجه اهتماما خاصا متزايدا إلى جنوب آسيا بصورة عامة وأندونيسيا بصورة خاصة .

وقبل الحرب العالمية الثانية كانت روسيا قد بدأت حربا إعلامية سيكولوجية لمحاربة المسلمين وسرقة انتصاراتهم ضد المستعمرين الهولنديين ، فكانت أجهزتها الإعلامية تصف كل حركات المقاومة الإسلامية بالحركات التقدمية والثورية وتربط هذين الوصفين بالشيوعية . ونجحت في بذر الشكوك حول هويات تلك الإنتفاضات الإسلامية ، ومن أبرز ما حدث هو صف الشيوعيين لثورة 1926 التي كان لحزب شركت إسلام اليد الطولي فيها بأنها (ثورة شيوعية) حتى أن الكثيرين صدقوا هذا القول . ولم يكن الشيوعيون يخجلون من أن يذهبوا إلى مقابر شهداء الثورة من المسلمين ويكتبوا على قبورهم إن هذا الشهيد شهيد شيوعي وعضو في الحزب الشيوعي برقم كذا ثم يرسمون المطرقة والمنجل شعار الشيوعيين ، تأكيدا لمراقة الشهيد في الشيوعية!

وفي عام 1926 استدعى الكريملين عددا من الزعماء الشيوعيين الأندونيسيين إلى موسكو ، ورحل عدد منهم حيث منحوا حقوقا استثنائية ممتازة وأمنت لهم الأعمال والمكافآت والرواتب ، وألحق بعضهم بإذاعة موسكو في القسم الأندونيسي ، وتزوج بعضهم من فتيات روسيات واتخذ البعض الآخر خليلات ، ورزقوا بالأطفال ولازال بعضهم مقيما بموسكو حتى يومنها هذا .

وعندما زاد اهتمام موسكو بأندونيسيا بعد الحرب العالمية الثانية ، عاد الأندونيسيون المقيمون فيها إلى أندونيسيا للقيام بدورهم الذي أعدوا له خلال هذه المدة الطويلة منذ عام 1926 ، كما عاد الرفيق سارجونو الشيوعي الأندونيسي البارز من أستراليا حيث كان يعمل في مكتب الاستعلامات للبعثة الهولندية هناك .

وحالما وصل إلى أندونيسيا عقد اجتماعا هاما مع رفقائه الشيوعيين الأندونيسيين وتمخض هذا الاجتماع عن اجتماع آخر للشيوعيين عقد في شهر مارس 1946 بجاكرتا فيه عقد مؤتمر شيوعي عام .

وعقد المؤتمر يوم 20 إبريل 1946 واستغرق إثنى عشر يوما ، حتى 2 مايو ، وترأسه الرفيق سارجونو نفسه . وفي 12 أغسطس 1946 عاد الزعيم الشيوعي البارز الرفيق عالمين إلى أندونيسيا واتصل عند وصوله مباشرة بالرئيس سوكرنو الذي كان يعجب به كثيرا . واستقبله سوكورنو في العاصمة القديمة جوكجا (Djokja) استقبالا حارا . وكان الرفيق عالمين قد غادر أندونيسيا عام 1926 وغاب عنها عشرين عاما متنقلا من بلد شيوعي إلى آخر ، وكون خلال ذلك صلات وثيقة بماوتسي تونج الزعيم الشيوعي الصيني ، وكان عالمين الشيوعي الأندونيسي الوحيد في ذلك الوقت الذي اتصل بماوتسي تونج .

ولم يحل غيابه عن أندونيسيا عشرين عاما دون أن يعينه سوكورنو عضوا في البرلمان الأندونيسي ثم يقلده لقب (البطل الوطني) وأن يأمر بوضع اسمه في قائمة الأبطال الأندونيسيين وأن يغدق عليه المرتبات والمكافآت .

وعندما بدأت المفاوضات بين أندونيسيا وهولندا في شهر نوفمبر 1946 طالب المسلمون أن تعترف هولندا باستقلال أندونيسيا قبل المفاوضة ، بينما أيد الشيوعيون إجراء المفاوضات بدون أي شروط مسبقة كما كانت تطالب هولندا ، ولم يقلل من قيمة الشيوعيين ويؤثر على نشاطهم رحيل هولندا ، فقد رعاهم سوكرنو بعد أن رحل الاستعمار عن أندونيسيا ، وأعلن سوكرنو الاعتراف منذ أول يوم تولى فيه رئاسة الجمهورية الأندونيسية بالحزب الشيوعي الأندونيسي كحزب سياسي له كل الحقوق . ولم يخف سوكرنو تأييده الشيوعيين بل أعلنه ، ولم يترك مناسبة إلا وعبر عن إعجابه بهم وتأييده لهم ، بل وأحيانا عن انتمائه لهم وعين عددا منهم في مناصب عالمية ومراكز مهمة من مناصب الدولة .

الثورة الشيوعية الأولى

سبتمبر 1948

المحاولة التي قام بها الشيوعيون الأندونيسيون للإستيلاء على السلطة عام 1965 لم تكن المحاولة الوحيدة ، فلقد كانت لهم محاولة أولى عام 1948 خلال المعارك التي كان يخوضها الشعب الأندونيسي ضد المستعمر الهولندي لإرغامه على القبول باستقلال الجمهورية الأندونيسية التي كانت في ذلك الوقت حقيقة واقعة .

وتجربة الشيوعيون عام 1948 لم تقل مرارتها عن تجربة عام 1965 ، فعمليات القتل الجماعي استهدفت ضباط الجيش والعلماء المسلمين في عام 1948 مثلما استهدفته في عام 1965 . ولقد خطط الشيوعيون عام 1965 ثورتهم في شهر سبتمبر ليصادف نفس موعد ثورتهم الأولى الفاشلة التي قاموا بها في سبتمبر أيضا من عام 1948 .

وكان الشيوعيون قد توصلوا قبل ثورتهم الأولى عن طريق سوكرنو للوصول إلى رئاسة الوزراء والحكم لفترة من الوقت قبل أن تثور الجماهير الساخطة ضدهم ويعلن البرلمان والصحافة نقمتها على السياسة التي انتهجها الشيوعيون . ففي 3 يوليو 1947 أوكل سوكرنو إلى الشيوعي المعروف عامر شرف الدين مهمة تأليف وزارة جديدة متجاهلا الامتعاض وعدم الرضا الذي واجه به المواطنون هذا القرار ، لمعرفتهم بموقف عامر شرف الدين المناوئ للدين والتعاليم السماوية . وقد تولى عامر شرف رئاسة الوزارة إلى جانب وزارة الدفاع حتى يتمكن من السيطرة على القوات المسلحة . وانتهج سياسة استهدفت التقرب إلى الكريملين وممالأة موسكو والوقوف إلى صفها كلما واتته الفرصة ، وكادت أندونيسيا أن تصبح دولة شيوعية في عهده . عاد التذمر بين طبقات الشعب وكثرت الانتقادات في الصحف لهذه السياسة الخطيرة ، وارتفعت الأصوات محذرة ومنذرة من هذا الاتجاه الذي يقوده رئيس الوزراء الشيوعي ، ووقف النواب في البرلمان يعبرنن عن معارضتهم الشديدة لحكومة عامر شرف الدين ويطالبون بحلها قبل أن تحول البلاد إلى دولة شيوعية كاملة . وأخذ الضغط الشعبي يزداد يوما بعد يوم حتى اضطر الدكتور محمد حتي نائب رئيس الجمهورية إلى استخدا سلطته كنائب رئيس وأصدر مرسوما جمهوريا بتاريخ 29 يناير 1948 يقضي بحل وزارة عامر شرف الدين . وتولى الدكتور محمد حتي بنفسه مهمة تشكيل وزارة جديدة تخلف وزارة عامر شرف الدين . وثارت ثائرة للشيوعيين لهذا التطور ولم يترددوا في مهاجمة الدكتور محمد حتي ووزارته . وكشف النقاب في ذلك الوقت عن أن عيديد زعيم الحزب الشيوعي قد أشارعلى أعضاء البرلمان الشيوعيين بمعارضة محمد حتي ووزرائه والضغط عليه لإعادة بعض النفوذ الشيوعي وضم وزراء شيوعيين إلى الوزارة . وترتكز أعين الشيوعيين على وزارة الدفاع ، فهم يرون أن من يتولى هذه الوزارة يكون متوليا أهم دائرة في البلاد كلها ، ويستطيع أن يكون قويا بها . وهكذا تقدم عضو البرلمان بحر الدين وعدد من رفاقه ، وجميعهم من أعضاء الحزب الشيوعي بعريضة إلى الحكومة الأندونيسية يطالبون بها بإعادة عامر شرف الدين إلى الوزارة وأن يتولى وزارة الدفاع . وباءت كل محاولات الشيوعيين بالفشل .

وكان وزارة محمد حتي من الوزارات التي تمتعت بها أندونيسيا ، فلقد كان محمد حتي مخلصا شديد الإيمان بوطنه والولاء له ، وكرس كل جهده في سبيل رفع مستوى الشعب وعرف عنه أنه كان يخرج في جولات تفتيشية مفاجئة بين الحين والآخر إلى مختلف الدوائر الحكومية ، فيفاجئ العمال والموظفين خلال تأديتهم لأعمالهم ويتفقد أحوالهم ونشاطهم . ولم يرحب الشيوعيون بهذا النشاط بل تضايقوا منه وعارضوه وحاولوا قدر استطاعتهم مضايقته وخلق المشاكل له ، إذ شعر الشيوعيون بأن فترة حكم الدكتور محمد حتي ستكون وبالا عليهم وسيخسرون خلالها أشياء كثيرة ، ولذا بدأوا بدراسة موقفهم والبحث في خطة تنقذهم مما قد يحل بهم .

وفي 26 مايو 1948 جرت مفاوضات سرية بين الوزير المفوض الروسي الرفيق سبيلين ومندوب خاص عن عامر شرف الدين بحث خلاها وضع الشيوعيين في أندونيسيا وحاجتهم الماسة إلى عون أكثر من الاتحاد السوفييتي . وتم الاتفاق في هذا الاجتماع على أن تقدم روسيا السلاح والمال والتأييد المطلق للشيوعيين في أندونيسيا . وأعلن هذا الاتفاق في حينه من إذاعة موسكو .

وأصبح الشيوعيون بعد هذا الاتفاق أكثر اعتمادا على روسيا وأعظم ثقة بأنفسهم ، لكنهم كانوا يخشون الدكتور محمد حتي ، ولايمكن لهم الاطمئنان إلا بالقضاء على محمد حتي ونظامه . وبذل االشيوعيون جهدهم لإسقاط حكومة الدكتور محمد حتي ثم الضغط عليه بشتى الوسائل لقبول وزير من الشيوعيين يمثلهم في حكومته ، وكانت محاولات الشيوعيين عن طريق البرلمان قد فشلت لأن أغلبية الأعضاء وقفوا بجانب الدكتور محمد حتي يؤيدونه . وانسدت الأبواب أمام الشيوعيين وفكروا في مغامرة أخرى لتحقيق أطماعهم بالإستعانة بخبرة الكريملين ونصائحه وتوجيهاته وإرشاداته . وبدأوا في تدبير مؤامرة واسعة على الشعب الأندونيسي وحكومته .

في 10 أغسطس 1948 عاد الشيوعي الأندونيسي المعروف الرفيق موسى من موسكو بعد أن قضى فيها اثنى عشر عاما ، غاب فيها عن الوطن الأندونيسي وتطورات الحركة الأندونيسية . وبعد وصوله بثلاثة أيام استقبله سوكرنو بالأحضان في مقره الرسمي مرحبا به وهو يقول : (لقد عدت إلى وطنك الذي يرحب بك وينتظرك ، وإني أطلب منك أن تشاكر معنا في بناء هذه الجمهورية وفي تقوية دعاماته) . ورد عليه الرفيق موسى : (إن ذلك كله من واجبي ، وماعدت إلى أندونيسيا إلا لهذه الغاية ، ولأصحح الأوضاع) وقدم موسى لسوكرنو التوصيات الخاصة بمشروع (goen walt) لتطبيقه في أندونيسيا ، وهذا هو المشروع الذي طبقه الشيوعيون في تشيكوسلوفاكيا ونجحوا في الاستيلاء على الحكم .

ألف الحزب الشيوعي مجلسا وقيادة عليا للثورة وتولى موسى القيادة العامة بينما أسند لسويونو (Suyono) كل مايتعلق بالأمور الخارجية وتولى نيونو (Nyono) الداخلية وتولى لقمان الإعلام وتولى عيديد للشئون العمالية وسوريونو (Suryono) كل الأمور المتعلقة بالشباب .

وفي 23 أغسطس وقع الرفيق عيديد مذكرة إلى الحكومة الأندونيسية باسم (العمال الشيوعيين) طالب فيها الحكومة يتبادل البعثات الدبلوماسية مع روسيا والدول الشيوعية الأخرى مثل بولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألبانيا ويوغوسلافيا ورومانيا وبلغاريا ، وضمن مذكرته مطالب شيوعية عدة منها تأميم جميع الممتلكات الخاصة من شركات وملكيات فردية ، ومصادرة الأموال ، وكرر مطالبته أن يشترك الحزب الشيوعي في الوزارة .

واستمرت الاستعدادات للمغامرات الشيوعية الكبرى . وفي 3 سبتمبر 1948 نشرت صحيفة العمال الأندونيسية انحيازها إلى عسكر الشيوعي تحت لواء الكريملين والسير مع الدول الماركسية فيكاب ستالين . وبررت دعوتها هذه بأنه من السذاجة أن تقف أندونيسيا على الحياد بين الكتلتين الضخمتين ، إذ أن العالم مكون من معسكرين كبيرين ، معسكر ثوري بزعامة الاتحاد السوفييتي ومعسكر استعماري إمبريالي ، ولايوجد أي معسكر ثالث غيرهما ، ثم قالت الصحيفة ، إن على أندونيسيا أن تكون عضوا قويا وفعالا في المعسكر الشيوعي .

وأخذ شهر سبتمبر 1948 يكشف شيئا فشيئا للنقاب عن أن الشيوعيين ينوون الإقدام على شيء خطير ، وأخذ الرفيق موسى الذي عاد منذ بضعة أيام إلى أندونيسيا بعد غياب اثنى عشر عاما في موسكو ، أخذ يرفع الراية الحمراء منتقلا بها من مكان إلى آخر ، وبدأ حملته يوم 5 سبتمبر 1948 حين أعلن أمام مهرجان نظمه الشيوعيون للطلبة وجموع الشباب ، بأنه يجب أن توحد الجمهورية الأندونيسية قواها مع القوى الثورية في العالم ضد الإمبريالية العالمية) وأكد موسى السامعين أنه يرى أن لاسبيل للاستقرار وتحقيق هذا الهدف إلا بثورة مسلحة شاملة .

واتضحت نية الشيوعيين أكثر من ذي قبل ، وواصل الرفيق موسى خطبه النارية الثورية في طول البلاد وعرضها وفي كل يوم كانت التجمعات الشيوعية تعقد في إحدى المدن للاستماع إلى خطاب جديد للرفيق موسى ، بينما كانت الأيدي الشيوعية الأخرى تعمل من الخلف وتعد لساعة الصفر الرهيبة . وأخذ برنامج الرفيق موسى الخطابي ينقله من مدينة صولو في 7 سبتمبر إلى مدينة كديري التي ألقى فيها خطابا يوم 8 سبتمبر ثم ماديون يوم 10 سبتمبر فجوميانغ يوم 14 سبتمبر ، وبوجونيقورو يوم 14 سبتمبر ، وجيبو يوم 16 سبتمبر ، وشهدت مدينة بيروودادي perwodadi آخر خطاب له قبل الثورة الشيوعية وذلك يوم 18 سبتمبر .

في نفس يوم 18 سبتمبر 1948 بدأت الحملة الشيوعية ضد المواطنين الأندونيسيين بتنفيذ الجزء الأول من المؤامرة وذلك باختطاف ضباط الجيش والمواطنين ، وبأمر من الرفيق عيديد اختطف في مدينة صولو كل من سلامت وبيجايا وبراديو ثم الميجر اسمارا سوفينغ والكابتين سوتوتو والكابتين سورادي والكابتين موجونر وعدد كبير من الزعماء منهم اليف هارتوير . وانتشر الشيوعيون يبثون الرعب والإرهاب في مختلف مناطق البلاد . وتدخلت الحكومة ونزلت قوات الجيش لحماية المواطنين ، وأعلنت الحكومة إنذارا للشيوعيين بالإفراج عن المختطفين خلال 24 ساعة . ولكن الشيوعيين لم يستجيبوا لهذا الإنذار ، بل انتشرت عمليات الإختطاف إلى كثير من مناطق الجمهورية ، وتعرض القادة المسلمون للاضطهاد والإختطاف في المناطق التي امتد إليها الشيوعيون ، وكان من أبرز قادة المسلمين الذين اختطفوا هو الدكتور ماوردي وثلاث من زملائه ، وقد قتلهم الشيوعيون ومثلوا بهم . ونشر الشيوعيون المنشورات في كل مكان تطالب المواطنين بتأييد الثورة الشيوعية وإلا فالموت لن يعترض . وهجم الشيوعيون على مراكز الجيش والبوليس وأخذوا ينتشرون الخراب والدمار في كل مكان ويعدمون كل من تقع عليه أيديهم ممن يخشونه . وهاجم الشيوعيون مركز الدفاع بجاوا الشرقية واستولوا عليه وأسروا ضابط المركز وجميع جنوده ، وفي معركة أخرى قتلوا ضابط بوليس وجميع زملائه ولم يسلم من تلك المجزرة سوى شخص واحد هو اللفتنانت كولونيل كارتيجو ، الذي لازال يعيش حتى اليوم وهو الآن برتبة بريجادير جنرال . وكانت مدينة (ماديون) واحدة من المدن التي استولى عليها الشيوعيون في حملتهم الدموية .

وفي صباح 19 سبتمبر 1948 سمع المواطنون إذاعة ماديون تعلن عن قيام دولة إندونيسيا السوفييتية ) أول حكومة إندونيسية شيوعية اتخذت لها شعارا : (من ماديون يبدأ النصر) وتولى عامر شرف الدين رئاسة الحكومة الشيوعية وتولى الرفيق موسى القيادة العامة للثورة ، وتولى الرفيق سوبرنو وزارة الخارجية ، والرفيق نيوتو الداخلية ، والرفيق لقمان للإعلام والرفيق عيديد للشئون العمالية ، والرفيق سوريونو لشئون الشباب . وألقى عامر شرف الدين بصفته رئيس الحكومة الشيوعية خطابا أذيع من راديو ماديون ، دافع فيه عن شارك في بناء الحكومة الشيوعية ، وأكد لمستمعيه أن الشيوعية هي عقيدته ، ويجب أن تكون عقيدتهم . وأعلن أنه سيتعاون ويقيم اتحادا مع الاتحاد السوفييتي وذلك للوقوف في وجه الإمبريالية العالمية .

وقد وقعت هذه الثورة الشيوعية في وقت حرج جدا . فالجمهورية الأندونيسية كانت حتى ذلك الوقت تخوض حرب عصابات ضد الهولنديين الذين رفضوا الاعتراف بالجمهورية الأندونيسية ، بل شددوا من مقاومتهم لها . ولم يكن لأي أندونيسي ، إلا إذا كان خائنا ، أن يفتح جبهة داخلية جديدة ، لأن معنى ذلك تحويل جبهة الشعب الأندونيسي وجيشه عن الدفاع عن جمهوريته ومحاربة المستعمر الهولندي ، وجره إلى معارك داخلية جانبية . واستطاع كثير من الصحف إثبات أن عامر شرف الدين تسلم مبالغ كبيرة من المال من الحزب الشيوعي الهولندي أن عامر شرف الدين تسلم مبالغ كبيرة من المال من الحزب الشيوعي الهولندي بأمر من موسكو ليقوم بانقلاب في ذلك الوقت ، إذ أنه هيأ بهذا الهولنديين فرصة شن هجوم قوي على الجمهورية الأندونيسية في آخر سبتمبر ، أي عبد بضعة أيام من الثورة الشيوعية . وبقيام (دولة أندونيسيا السوفييتية) أصبح لأندونيسيا حكومتان عاصمتان ، حكومة الجمهورية الأندونيسية وعاصمتها في ذلك الوقت (جوكجا) ، وحكومة (دولة أندونيسيا السوفييتية) التي أعلنت بأن (ماديون) عاصمة لها . ووالت إذاعة ماديون بعد إعلانها عن نجاح الثورة الشيوعية وقيام حكومة شيوعية ، نشر وإذاعة للبيانات الشيوعية ، وصدرت الصحف الشيوعية من ماديون وهي مليئة بالمقالات الاعتزازية بالنصر مرددة نشكر الخطب والبيانات التي كان يذيعها راديو ماديون .

وأعلن المسلمون الجهاد في كل أنحاء الجمهورية الأندونيسية ودوت كلمة (الله أكبر) في كل مكان ، وانطلق المسلمون من كل حدب وصوب يحاربون في سبيل إعلاء كلمة الله ، والقضاء على (دولة أندونيسيا السوفييتية) الشيوعية . وتحرك الجيش الأندونيسي في حملة كبيرة تحت قيادة أبي الحارث ناسوتيون للقضاء على التمرد الشيوعي وعملاء الكريملين .

وأخذ الشيوعيون يتقهقرون ، بينما الجيش يتقدم بسهولة وبسرعة ، وما إن وصل الجيش إلى ضواحي ماديون حتى فر الشيوعيون إلى قرية بونوروقو (Ponorogo) حيث بدأوا من هناك في شن حرب عصابات ضد قوات الجيش ، وحاول اشيوعيون تجنيد من يمكنهم وضع يدهم عليه ، إلا أن الجيش أخذ يتقدم بانتظام ويسحق الأوكار الشيوعية وكرا وكرا . ولم يتح الشيوعيين أن يقاوموا طويلا ، فهم لم يكسبوا سوى كراهية المواطنين واحتقارهم لهم ، لأنهم عمدوا إلى الإرهاب بشكل فظيع . وقد وافق عدد من الصحفيين قوات الجيش خلال تقدمها في معاركها ضد المتمردين الشيوعيين ، فإذا بهم يشاهدون مناظر تقشعر لها الأبدان : المدن خاوية ، والبيوت معظمها مهدمة ، وجثث القتلى الذين قتلهم الشيوعيون متناثرة على الأرصفة وفي الطرقات والميادين العامة ، بينما أحرقت بعض الجثث وعلقت جثث أخرى على أعمدة التلفونات وغصون الأشجار .

وعندما دخل أول فوج من الجيش من ثلة من الصحفيين مدينة ماديون من الجهة الجنوبية سمعت صرخات في بعض الأبنية ، وعند التحري اكتشف أن الصوت قادم من خلف الأبواب المغلقة بالسلاسل والأقفال ، وعندما تمكن الجنود من كسر أقفال الباب فوجئوا بركام من الجثث وبينهم عدد من الجرحى وغير الجرحى ، وكان هؤلاء الأحياء يعانون من هزال وشحوب نتيجة لعدم تناولهم أي غذاء منذ وقت طويل . وتبين أن الشيوعيين أرادوا القضاء عليهم نهائيا ، لولا اضطرارهم للقرار مدحورين مع اقتراب الجيش من المدينة .

ذكرت وكالة الأنباء الآسيوية (A.P.B) إن عدد العلماء والمدرسين في المدارس الإسلامية الذين أعدمهم الشيوعيون خلال فترة جمهوريتهم السوفييتية بلغت ألفا وخمسمائة رجل ، أحرقت جثثهم بعد إعدامهم . كما شاهد الصحفيون أطفال العلماء والمدرسين ، وتتراوح أعمارهم بين الثامنة والثالثة عشرة ، وقد فقدوا أبصارهم نتيجة لقيام الشيوعيين بكي أعينهم بالحديد المحمي قبل تركهم المدينة ببضع ساعات .

واستمرت قوات الجيش في تقدمها والقوات الشيوعية في تقهقر ، وفقد موسى القائد الأعلى الثورة الشيوعية أكثر أعوانه ، وأخذ يقاتل حتى حوصر في أحد البيوت وأخذ في تبادل إطلاق النار مع قوات الجيش من البيت المحاصر لفترة من الوقت . وعندما توقف إطلاق النار من البيت اقتحم الجيش المبني حيث وجدوا جثثا كثيرة متناثرة ، وفحصوا الموتى ولكنهم لم يجدوا بينها جثة موسى ، وقاموا بالبحث الدقيق عنه في أنحاء المنزل حتى وجدوه مختبئا في بئر ملحق بساحة المنزل ، فأمروه بالاستسلام ولكنه رد بإطلاق النار ، فأطلق الجنود الرصاص عليه وأردوه قتيلا ، وكان ذلك في يوم 31 أكتوبر 1948 .

وبموت موسى قضي على (الدولة السوفييتية الأندونيسية) وبقيت فلول لهم متناثرة هنا وهناك بقيادة عامر شر الدين ، وحولت هذه الفاول نفسها إلى عصابات إرهابية التجأت إلى الجبال وأخذت تغير منها على الطرق ، فأدخلوا الرعب في قلوب المسافرين . وأرسلت حكومة الجمهورية قوة عسكرية للقضاء عليهم . وعندما شعر عامر شرف الدين باشتداد الضغط عليه حاول الفرار والالتجاء إلى هولندا ، ولكن الجيش تمكن من مباغتته قبل أن يفر من البلاد واعتقله مع (2300) من أفراد جيشه الذين استسلموا معه ، وكان من أبرزهم جوكو سويدنو ، كان هذا العدد من الشيوعيين هو ماتبقى من الجيش الشيوعي الذي كان يقدر عند بدء الثورة بخمسة وثلاثين ألفا .

وبهذا انتهت الثورة الشيوعية عام 1948 وسبق زعماؤها أو من تبقى منهم إلى المستقلات للتحقيق والمحاكمة . وأعلنت الحكومة الأندونيسية يوم 7 ديسمبر 1948 عن نهاية الثوةر الشيوعية والقضاء عليها رسميا . وقدم الشيوعيون إلى المحاكمة ، فحكم على عدد منهم بالإعدام ونفذ حكم ا|لإعدام فيهم رميا بالرصاص يوم 19 ديسمبر 1948 في مدينة كارانغ انجار (karanganjar) بمقاطعة سوراكارتا (Surakarta) في كل من :

1- عامر شرف الدين

2- سوريبنو Suripno

3- ماروتو داروسمان Maruto Darusman

4- سارجونو Sardgono

5- جوكو سويونوDjoko Sudjono

6- أوي قوهوات Oei Go Hoat

7- هاريونو Harjono

8- سوكارنو Sukarno

9- رونومارسونو Ronomarsono

10- د. مانكو D. Mangku

انتهت الثورة الشيوعية بهزيمة منكرة للشيوعيين ، ولم يكن يستغرب أن يقوم الشيوعيون بثورتهم تلك ، ولكن الغريب كان موقف الرئيس سوكرنو رئيس الجمهورية الأندونيسية حينذا ك من ثورة الشيوعيين .

فعندما قامت الثورة كان محمد حتي نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ، وهو الذي أصدر أوامره للقضاء فورا على هذه الثورة الشيوعية بينما سوكرنو لم يحرك ساكنا . وبعد القضاء على الثورة بعشرة أيام ، في يوم الإحتفال بالذكرى الرابعة لإعلان الإستقلال الأندونيسي ، وكان ذلك في شهر أغسطس 1949 فوجئ السامعون لخطاب سوكرنو في هذه المناسبة بدفاع حار عن الشيوعيين وعن قتلهم الشيوخ والعلماء . إذ قال مبررا ماقام به الشيوعيون من مذابح (إن حقيقة ماحدث يعود إلى أن الأزمة الإقتصادية كانت شديدة وثقيلة على الكثيرين ، حتى أنها أدت إلى ضعف الثقة في النفوس وفقدان الأمل في تحسين الأوضاع وإنهاء القضايا المستعصية مع الهولنديين بطريقة سلمية ، وقد كانت كل هذه الأسباب هي الدافع إلى حدوث ما وقع في ماديون) .

ولم يشأ سوكرنو أن يصف ما حدث في ماديون بالثورة ولا بالتمرد كما أنه بدلا من أن يدين ما حدث ومن أن يعبر عن الحزن للمآسي التي وقعت إذا به يتحول إلى مدافع عن الشيوعيين وأعمالهم الإرهابية .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمهيدات للثورة الشيوعية

شهد الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر 1965 تركيزا على الجهود الجارية بصورة رسمية وعلى مستوى حكومة الرئيس سوكرنو ، تمهيدا للثورة الشيوعية المنتظرة . وكان الدور الذي قامت به حكومة سوكرنو يشمل التخلص من الشخصيات المسئولة الكبيرة ذات النفوذ في الدولة قبل موعد الثورة بصورة لاتكشف عن حقيقة النوايا المبيتة . فعملت حكومة سوكرنو على تجنيد كل من تريد إبعاده عن مسرح الأحداث ، من غير الشيوعيين ن في بعثات متعددة ومتنوعة . وكان إرسال بعض هذه البعثات إلى مناطق نائية من البلاد بينما أرسل العدد الأكبر من غير المرغوب فيهم في بعثات إلى خارج جزر أندونيسيا . ومن هذه البعثات التي غادرت أندونيسيا خلال شهر سبتمبر 1965 قبل موعد تنفيذ المؤامرة الشيوعية ولم يكن فيها شيوعي واحد :

1- الوفد الجمهورية إلى بيكين برئاسة الوزير خير الصالح للإشتراك في حفلات أول أكتوبر .

2- بعثة الأكاديمية الجوية .

3- بعثة الدفاع الوطني .

4- بعثة التجارة والإقتصاد .

5- بعثة الصداقة .

وتوالت الدلائل المتفرقة المتباعدة حول النية الشيوعية المبيتة في شكل حوادث إرهابية معينة أو كلمات يلقيها زعماء الحزب الشيوعي الأندونيسي . ومن أبرز هذه الحوادث مايلي :

في 16 أكتوبر 1964 ألقى الرفيق عيديد ، زعيم الحزب الشيوعي كلمة في اجتماع حاشد لعدد كبير من الكادر الشيوعي ، وجاء في هذه الكلمة : (إن الرسائل المتوفرة للحزب الشيوعي والتي يستخدمها في الوقت الحاضر ، والسبيل الذي سلكه حزينا والذي نسير عليه ، إنما هي وسائل موقتة وهو سبيل موقت ... نهدف منه إلى غاية واحدة . وعندما يصل الحزب إلى نيل غايته هذه فلن تكون لنا عندئذ حاجة للإستمرار فيما نحن فيه .

(وتلك الغاية ، وذلك الهدف ، هو أن يصبح الحزب الشيوعي الحزب الوحيد في كل أندونيسيا . أي أن تصبح الشيوعية العقيدة الوحيدة التي تعيش في الجزر الأندونيسية بعد إفتاء وسحق جميع الأحزاب والمنظمات الأخرى ، وفي ذلك الوقت ستكون الحكومة الأندونيسية حكومة شيوعية كاملة – وهو مايجب أن تكون عليه الحكومة الأندونيسية في غاياتها وأهدافها ومبادئها وأعمالها .

(هذه غايتنا ، وعلى الحزب الشيوعي أن لايتردد في اتخاذ أي وسيلة كانت بدون تحفظ للوصل إليها) .

أصدر الحزب الشيوعي بعد ذلك لائحة داخلية ضمنها سياساته الداخلية والخارجية ومايهدف إليه كحزب . وجاء في اللائحة حول السياسة الخارجية : (إن الحزب الشيوعي سيعمل على تحويل السياسة الأندونيسية من سياسة (حياد إيجابي) إلى سياسة شيوعية تتضامن في جميع المجالات الدولية مع سياسة حكومة بيكين) .

وأكدت اللائحة أن الحزب الشيوعي يصر على أن تكون وزارة الخارجية بيد الشيوعيين وتحت إشراف الحزب الشيوعي بصورة مباشرة) .

وفي المجال الداخلي أشارت اللائحة الداخلية إلى أنه : (من الضروري تحطيم الأحزاب غير الشيوعية من داخلها يبث الشكوك والحزازيات ين أعضاء الحزب الواحد ، وبين الأحزاب والمنظمات بعضها ضد البعض الآخر ، وأنه يجب أن لايستقر بقاء أي حركة أو منظمة أخرى ، بما في ذلك الأندية الرياضية ، سوى المنظمات والأندية التي تكون تحت الإشراف المباشر للحزب الشيوعي ويتولى إدارتها شيوعيون مخلصون . وتشمل هذه المنظمات : منظمة العمال ، ومنظمة المزارعين ، ومنظمة الطلاب ، ومنظمة الشباب ، ويدخل ضمنها الأندية الرياضية ، ونقابة الفنانين ، ونقابة الصحفيين ، ونقابة الكتاب والأدباء .

بعد خطاب الرفيق عيديد في 16 أكتوبر 1946 وبعد صدور اللائحة الداخلية للحزب الشيوعي ، دفع الشيوعيون بالأحداث إلى اتجاه خطير ، وتتابعت الأعمال الإرهابية والإستفزازية من قبل الشيوعيين في عدد من القرى النائية في أنحاء متفرقة من أندونيسيا . ويبدو أنهم كانوا يستهدفون من ذلك معرفة حجم وكيفية رد الفعل من قبل المواطنين على مثل هذه الأعمال التي يقومون بها ، وذلك تهيئة لعمليتهم الضخمة المنتظرة .

ففي سومترا الشمالية افتعلوا حادثا ، واعتقلوا أحد الجنود وعذبوه تعذيبا وحشيا ثم قتلوه ومثلوا بجثثه ، وانتشر خبر فعلتهم هذه في كل مكان ، وعرفت هذه الحادثة بحادث (تانجونغ موراوا) .

وتشجع الشيوعيون بعد ذلك على ارتكاب أعمال أكثر جرأة في مناطق عديدة ، وفي قرية (كاني قورو) هجم الشيوعيون في عملية مدبرة مسبقا على إحدى المدارس الإسلامية فتصدى لهم الطلبة والمدرسون واشتبكوا معهم في معركة عنيفة أسفرت عن إصابة عدد كبير من الطلبة بجراح واستشهاد عدد آخر منهم . وقد حطم الشيوعيون خلال المعركة أثاث المدرسة .

وفي مدينة (جومبانغ) بجاوا الشرقية هاجمت عصابة من الشيوعيين طالبا مسلما من منظمة (الأنظار) الإسلامية وقتلوه . ثم تعددت وتكاثرت أمثال هذه الحوادث ، وتعددت وتكاثرت شكاوي المواطنين إلى حكومة سوكرنو . ولكن الحكومة تجاهلت الشكاوى وأغمضت عينها عن الحوادث ، وتكررت الإغتيالات وعمليات الإختطاف . وأهم هذه الأحداث تلك التي وقعت في مدن (كلاتين) و(بويولالي) و(اندرامايو) و(جمبر) و(بانيو وانتغي) .

خلال شهر سبتمبر 1965 وقبل الثورة ، عقدت القيادة المركزية العليا للحزب الشيوعي الأندونيسي ثلاث عشرة جلسة سرية ، بحثت فيها استعدادتها ووضعت خلالها خططها للثورة ، ولما بعد الثورة . وتم خلال هذه الإجتماعات اتفاق الشيوعيين على أن تقوم حكومتهم التي سنشئونها بما يلي :

أولا - منع جميع الصحف من الصدور عدا الصحف التي تصدر عن الحزب الشيوعي أو يشرف عليها شيوعيون . ثانيا – حل جميع الأحزاب والمنظمات مع بقاء الحزب الشيوعي ومنظماته . ثالثا – اعتقال ومحاكمة الزعماء والصحفيين والحكام . وستقوم لجنة خاصة من الحزب الشيوعي بوضع أسمائهم في قائمة سوداء قبل موعد الثورة .

رابعا – اعتبار كل من لا يؤيد الثورة الشيوعية خائنا وعميلا يجب اعتقاله .

وفي 15 سبتمبر 1965 عقدت جسة سرية لبحث محتوى وصيغة البيان الذي سيصدره الشيوعيون بعد استيلائهم على السلطة تبريرا لإقدامهم على هذا العمل ، واعلى اغتيال قادة الجيش المناوئين لهم ز وترأس هذه الجلسة الرفيق عيديد ، وحضرها إلى جانبه الرفيق لقمان ن والرفيق نيوتو ، والرفيق سوديسمان ، والرفيق سكيرمان ، والرفيق ريوانغ ، والرفيق أنور سنوسي ، والرفيق بريس بارديدي ن والرفيق سواندي وكلهم من أقطاب القيادة العليا للحزب الشيوعي الأندونيسي . ووضع المجتمعون الحيثيات التالية لإعلانها تبريرا لثورتهم :

(نظرا إلى أن الرئيس سوكرنو يشكو من مرض عضال ألم به ، وأنه معرض الشلل أو الموت .

- وحيث أن قادة القوات المسلحة يبدون اهتماما غير عادي لهذا الأمر .

- وحيث أن قادة القوات المسلحة قد كونوا لأنفسهم مجلسا سموه (مجلس الجنرالات) .

- وحيث أن هذا ، ودلائل أخرى تشير إلى أن قادة للقوات المسلحة يطمعون في الإستيلاء على الحكم بالقوة لفرض سيطرتهم على البلاد بقوة السلاح .

- وحيث أن ذلك يعني أن مجلس الجنرالات سيولي السلطة لوزارة عسكرية يحكم عن طريقها .

- ونظرا إلى كل هذه الأخطار التي تهدد البلاد نتيجة لرغبة مجلس الجنرالات في السيطرة على البلاد بمساندة الرجعية والإمبريالية الدولية .

فإنه يجب اتخاذ خطوات سريعة لإحباط هذه المؤامرة والقضاء على هذه النوايا الخبيثة ، باعتقال الجنرالات المشتركين في المؤامرة لينالوا جزاءهم ، ومحافظة على كيان الجمهورية والثورة ، وللمحافظة على سلامة الرئيس سوكرنو ، وللحفاظ على الأمن في البلاد) .

وقد رفعت هذه الحيثيات بصورة سرية إلى الرئيس سوكرنو بعد إقرارها في هذا الإجتماع وفي نفس اليوم ز كما أبلغ بها سويندريو وزير الخارجية ، وعدد من شخصيات الدولة المقربة إلى الشيوعيين والمتعاونة معهم .

واتخذ الشيوعيون أيضا قرارات تتعلق بالخطوات التي ستتخذ ، وهي :

1- اختطاف الجنرالات في فجر يوم 1 أكتوبر 1965 .

2- إنهاء نفوذ الجنرالات وكل من يؤيدهم من الرجعيين .

3- إلغاء جميع الرتب العسكرية مافوق كولونيل .

4- حل الوزارة الأندونيسية القائمة .

5- تأسيس مجلس الثورة .

6- تقدير جهود الذين قاموا بالثورة ضد الجنرالات بمكافئتهم على ذلك والإعتماد عليهم) .

وشهد مساء 30 سبتمبر 1965 ، ليلة الثورة ، آخر جلسة لقيادة الحزب الشيوعي الأندونيسي . فبينما كانت الأسلحة توزع على فرق الشباب الشيوعي ، كانت الهيئة المركزية العليا للحزب الشيوعي تعقد اجتماعا تبحث فيه التطورات الأخيرة للوضع ، وتضع اللمسات النهائية لمخططها الذي قسمته إلى أربعة مراحل :

المرحلة الأولى :

أ‌- اختطاف الجنرالات وكبار المسئولين الواردة أسماؤهم في القائمة السوداء والذين يخشى كثيرا منهم ، وقتلهم حالا ، ودفهم جماعيا بعد التمثيل بهم ليكون ذلك عبرة للآخرين .

ب‌- الإستيلاء على الجهاز الإعلامي بما في ذلك جميع الإذاعات والتلفزيون والصحف والمطابع .


المرحلة الثانية :

أ‌- نشر وإذاعة بيانات قوية ، بصورة واسعة ، تعلن نجاح للثورة والقضاء على الرجعيين والعملاء والخونة .

ب‌- إعلان قيام المجلس الثوري الأندونيسي .


المرحلة الثالثة :

إعلان قيام الجمهورية الشعبية الأندونيسية .

المرحلة الرابعة :

إصدار الأوامر باعتقال من تبقى من (الخونة) الموجودة أسماؤهم في القائمة السوداء تمهيدا لمحاكمتهم والتشهير بهم وإعدامهم .

وقبل ذلك بيوم واحد ، في مساء الخميس 29 سبتمبر ، كان الرئيس سوكرنو يخطب في مهرجان الشباب الشيوعي في الملعب الرياضي بجاكرتا ، فأعلن في خطبته : (إن الإستقرار لن يكون إلا بعد إراقة الكثير من الدماء فالطريق نحو هذه الغاية صعب جدا ، ولكننا يجب أن لاتأخذنا الرحمة أو الشفقة ، فمصلحة الوطن ومصلحة المجموع هي الأعلى . ولايمكن لنا أن نتهاون مع هؤلاء العملاء والرجعيين وأذناب الإستعمار الذين لن يكون لنا استقرار بوجودهم ، وسنصفيهم حتى ولو أدى بنا الأمر غلى أن يقتل الأخ أخاه أو الإبن أباه والقريب قريبه .

(وقريبا ، سيأتي اليوم الذي يقرر فيه الشعب مصيره ، وسينتصر الشعب ويتخلص من هؤلاء الأذناب خدم الإستعمار ، ومن أولئك الرجعيين) .

وتجاوب الشيوعيون في الملعب الرياضي بالهتافات والتصفيق الحاد الذي كانوا يجيدون تنظيمه ، والذي كان سوكرنو يطلب له كثيرا .

تفاصيل دقيقة عن المؤامرة الشيوعية الفاشلة

في مساء يوم 30 سبتمبر 1965 كان الرئيس سوكرنو يتحدث في مؤتمر نظمته (نقابة المهندسين الفنيين الأندونيسيين) في الملعب الرياضي بجاكرتا ، وكان سوكرنو حينذاك يرتدي حلة القائد الأعلى وطاقية سوداء فوق رأسه ، ونظاراته السوداء التي تحمي عينيه من أشعة الأضواء القوية في الملعب .

وفي تل الليلة لم يكن في مزاجه الخطابي كالمعتاد ، وقد خطب سوكرنو حينذاك ، وسمع معاونوه نداءه لاستدعاء الدكتور ووWH رئيس الهيئة الطيبة الذي أرسله ماوتسي تونغ من بيكين ، ودخل سوكرنو غرفة خاصة في الملعب وأغلق بابها وكان معه عدد قليل من الأشخاص .

وبعد ساعة عاد سوكرنو إلى الإحتفال واستأنف خطابه حتى النهاية ، ولكنه لم يواصل مشاركة الجماهير احتفالها حتى نهايته ، ففي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل أقبل اللفتنانت كولونيل بورنومو(Pornomo) إلى الملعب واقترب من الرئيس سوكرنو وهمس في أذنه ببضع كلمات ، اهتز بعدها سوكرنو وانتصب من مقعهده من الحاضرين عن مواصلة اشتراكه في حضور الحفل بحجة أنه يشعر بالتعب ، وغادر الاجتماع الذي استمر حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل .

وعلى غير عادته اتجه الرئيس سوكرنو في تلك الليلة إلى بيت زوجته اليابانية (راتنا ديوى) ، على عكس عادته المتبعة بأن يقضي لياليه في القصر الجمهوري ، سكنه الخاص ، بعد كل حفلة ليلية مثل هذه الحفلة . وفي هذا الحفل لم يحضر أحد من القادة الشيوعيين ، إذ كانوا مشغولين بالتحضير لثورتهم .

ففي الفجر كان الكولونيل الشيوعي أونتونغ ، قائد الحرس الجمهوري يضغط على أزرار المؤامرة إيذانا ببدئها ، وحينذاك اندفع جنود أونتونغ تحت إشراف الضابط (دول عارف) المكلف بتنفيذ العمليات ن في سيارات الجيب لاختطاف ثمانية من كبار جنرالات الجيش ونقلهم إلى القاعدة الجوية (حليم) إذ فيها مركز الثوار الشيوعيين ، وتبعد هذه القاعدة الجوية حوالي 15 ميلا عن جاكرتا . وهذه العملية تقاسمت مهامها كتيبة الحرس الجمهوري (تشاكرا بيراوا) ومنظمة جبهة الشباب الشيوعي التي تدرب أعضاؤها ضمن جيش (سحق ماليزيا) .

وكان الجنرال أبو الحارث ناسوتيون وزير الدفاع ثم الجنرال أحمد ياني قائد الجيش البري الأندونيسي في رأس القائمة ويأتي بعدها دور الآخرين . وخلال هذه الهجمات استطاع الجنود المتآمرون اختطاف ستة جنرالات من منازلهم في تكل الليلة وهم :

1- الجنرال أحمد ياني .

2- الجنرال سوبرايتو .

3- الجنرال بارمان .

4- الجنرال هاريونو .

5- الجنرال باجيتان .

6- الجنرال سوتويو .

بعد منتصف الليل بقليل استيقظت أسرة أحمد ياني على صوت طلقة رصاص على الباب ، وكان بعض الجنود قد كسروا الحاجز ببنادقهم واندفعوا إلى داخل المنزل بمسدساتهم ، وقد خرج لهم أحمد ياني بملابس النوم ليستطلع الأمر . وسمعت السيدة ياني وأطفالها الثمانية صوت ياني يسأل الجنود أن يفصحوا عن شخصياتهم ، فأجابوا بأن الرئيس سوكرنو أرسلهم لإحضاره إلى القصر ، ولكن ياني راوده الشك ، وسألهم ماذا فعلوا بحرسه الرابط عند باب منزله . ولم يتلق جوابا منهم . فرفض مصاحبتهم ، وقال أنه سيذهب إلى القصر بمفرده . وحاولوا جذبه وعند ذلك تنشبت معركة بينه وبينهم . وأطلق أحدهم النار على الجنرال فأرداه قتيلا في حضور زوجته وأطفاله ، ثم سحبوا جثثه والدماء تسيل منهما وحملوه إلى حيث كانت إحدى سيارات النقل بانتظارهم في الخارج .

ولم يكن الجنرال بارمان الذي يشغل منصب المساعد الأول الجنرال ياني أسعد حظا من زميله ، إذ أنه لم يمت أثناء اعتقاله .

وفي الساعة السادسة من صباح يوم أول أكتوبر 1965 أذاع راديو جاكرتا أو بيان الشيوعيين عن نجاح الثورة بعد أن تمت لهم السيطرة عليه ، وذكر الراديو أن (التقدميين) استولوا على جميع المنشآت الهامة وسيطروا على الأماكن والمراكز الإستراتيجية واعتقلوا (الخونة) . وبعد ساعة أعاد راديو جاكرتا إذاعة هذا الإعلان وبيانات أخرى متعلقة بالوضع ، ثم أذاع الراديو بعد ذلك (البلاغ رقم واحد) بتوقيع الكولونيل أو نتونغ قائد الثورة ، ورددت محطات الإذاعة في جوكجا ، وصولو ، وسمارانغ نفس البيان والإعلانات الصادرة عن قيادة الثورة الشيوعية .

استبشر الشيوعيون كثيرا بنصرهم هذا ، وخرجت المظاهرات الشيوعية من الصباح الباكر ، حمل خلالها الشيوعيون اللافتات والرايات الشيوعية رافعين شارة المنجل والمطرقة يغنون ويرقصون ويهتفون ويصرخون في بعض شوارع المدينة المذهولة . وصدرت الصحف الشيوعية في ذلك اليوم معلنة النصر الكبير ونجاح الثوريين ضد الرجعية وسحق الإمبريالية . إلا أن المفاجأة الكبرى وقعة في قاعدة حليم الجوية في الساعة الثالثة صباحا حيث أحضرت جثة الجنرال أحمد ياني ، إذ أن الشباب والشابات من أفراد حركة الشبيبة الشيوعية الذين كانوا يتظاهرون في أنحاء البلاد منذ عدة أسابيع كانوا قد أبلغوا من قادتهم بالذهاب إلى قاعدة حليم الجوية لأن مفاجئات مثيرة تنتظرهم هناك . وامتلأت أندونيسيا بقصص حول الأحداث الدامية التي جرت في تلك الليلة ، وعن الإستعدادات التي استمرت عدة أشهر لتنفيذها .

وعندما عاد (دول عارف) الضابط المكلف بتنفيذ العملية إلى قاعدة سليم وقبل قائده الكولونيل أونتونغ وقدم إليه التقارير الأولية عن سير الأحداث . فرح أو نتونغ فرحا شديدا لم يتمالك معه من أن يهجم على (دول عارف) ويعانقه عناقا حارا ، مهنئا وشاكرا ، قائلا له : - إن فضلك عظيم ، وفي انتظارك مستقبل باهر ورتب عالية .

وقد مثل الشيوعيون بجثث الجنرالات أقسى تمثيل ، ووصفت ذلك إحدى النساء وهي عضو في منظمة الشبيبة الشيوعية ، وقد شاركت في الأحداث التي وقعت ليلة الإنقلاب الشيوعي ، واسمها جميلة وتبلغ من العمر عشرين عاما ، وهي زوجة لأحد الشيوعيين . وقد وصفت ماشاهدته بقوله : (وزعت علينا خناجر صغيرة وشفرات حلاقة ، و قد حصلت على مومى حلاقة فقط ، وعلى البعد شاهدنا رجلا بدينا يرتدي ملابس النوم ، ويداه مقيدتان وعيناه معصوبتان بعصابة حمراء ، وكان زعيم فصيلتنا ينهال عليه ضربا ، ثم بدأ في تقطيع أجزاء خاصة منه ، وكان الذي بدأ بضربه وتقطيع أوصاله هو (ساسترو) وكانت معه زوجته تساعده ، وكانا زعيما فرع المنظمة . ثم تبعهما بعض الرفاق ، وأخيرا شاركت أنا شخصيا في المجزرة . وجميع النسوة البالغ تعدادهن مائة قمن بالمثل . وأخيرا أطلق النار على الضحية ثلاث مرات فسقط أرضا . ولكنه لم يمت . وقام أحد الأشخاص وهو يرتدي حلة رسمت عليها صورة المنجل والمطرقة وأصدر أوامره للتحقق من موت الرجل وقال : قفوا فوق جثته حتى تتحققوا من موته) .

في صباح يوم الجمعة أول أكتوبر 1965 تلقى سوكرنو تفاصيل انتصارات الثوار الشيوعيين من مدير مخابراته . واتجه سوكرنو بعد ذلك بنفسه إلى قاعدة حليم الجوية ، مقر قيادة الثورة ليشرف بنفسه على الوضع وسير الأحداث ، حيث كان الرفيق عيديد وقائد سلاح الطيران عمر داني هناك يتابعان التفاصيل الواردة من مختلف أنحاء البلاد حول تطور الحوادث ، واجتمع سوكرنو بهما وأخذ يتصافح قادة الثورة الشيوعية مهنئا مباركا .

وقضى سوكرنو نهاره كله في قاعدة حليم ، وكان المنتظر أن يتلو الرئيس سوكرنو بنسه نص البلاغين ، البلاغ رقم واحد والبلاغ رقم اثنين للثوار الشيوعيين ، من الراديو والتلفزيون على الشعب الأندونيسي ليعطي للثورة طابعا دستوريا . وقد كشف عن هذا الملازم أول في الجيش ، غاديمو (Ngadimo) وهو أحد أطقاب الثورة اشيوعية في التحقيقات التي أجريت بعد ذلك . إلا أن الرئيس سوكرنو لم يتمكن من ذلك في الساعات الأولى من النهار نظرا لانشغاله باجتماعات هامة متتالية مع قادة الثورة .

ويقول اللفتنانت كولونيل في سلاح الطيران ن هيرو انموجو ، وهو عضو بارز في قلم المخابرات وأحد رجال الثورة ، أن وفا مكونا من الرفيق سوبرجو والرفيق سوينو والرفيق سوكيرنو قد تشرف بمقابلة الرئيس سوكرنو لإبلاغه بآخر التقارير والتفصيلات عن ثورة فجر 30 سبتمبر . فصافحهم سوكرنو وهنأهم وربت على كتف القائد سوبرجو قائلا : (لقد أديت الواجب وعملت حسنا) .

وقد تم بنجاح واضح الجزء الأول من المؤامرة الإنقلابية ، ولكنه لم يكن تاما ، إذ أن هجمات القتلة لم تصل إلى ضحيتين رئيسيتن هما الجنرال أبو الحارث ناسوتيون والجنرال سوهرتو ، وهو الأمر الذي قلب مجرى الأحداث رأسا على عقب . فعندما وصلت الفرقة المكلفة باعتقال الجنرال ناسوتيون في منزله قبل الفجر ، اشتبه حرسه الخاص المسلح في أمر هذه الفرقة التي تصل قبل الفجر ورفضوا إدخالهم إلى المنزل . ونشبت معركة بين الطرفين قتل خلالها جنديان من الحرس . ثم تمكنت الفقة من الدخول إلى المنزل . وأثناء تبادل إطلاق الرصاص استيقظ الضابط تينديان ، أحد مساعدي ناسوتيون ، من نومه وأيقظ بدوره الجنرال ناسوتيون وأسرته ز وكان الضابط تينديان يشبه من حيث البنيان والمظهر الجنرال ناسوتيون ، وارتدى سترته العسكرية وخرج لمقابلة القتلة حتى يتيح لناستيون الفرصة الكافية . وصاح قائد الفرقة المهاجمة مستفسرا وسأله : هل أنت ناسوتيون؟ وكانا لوقت مظلما ، فرد عليه تينديان : ماذا تريد؟ وكانت النتيجة هي اقتياده إلى سيارة النقل التي حملته متجهة إلى قاعدة حليم . وخلال الطريق شعر أحد الرجال المرافقين له بالشك ، ودقق النظر في أسيره فرفه ، وعلى الفور قتلت الفرقة تينديان وعادت إلى منزل ناسوتيون . وفي غضون ذلك حاولت زوجة ناسوتيون إقناع زوجها بمغادرة المنزل والاختفاء في مكان آخر ، ولكنه صمم على البقاء في منله ومواجهة المعركة المرتقبة ، وحين رجعت فرقة الإغتيال خرج من نافذة خلفية للمنزل ، ثم ذهبت زوجته لحماية ابنتهما البالغة من العمر خمس سنوات ن فأغلقت باب حجرة الطفلة وحاولت تهدئة أعصابها . وخلا بضع دقائق ف الباب برصاصة واندفعت الرقة إلى الداخل وهي تطلق النيران .

ويحدثنا الجنرال أبو الحارث ناسوتيون نفسه عن تفاصيل ذلك اليوم المشئوم فيقول : (مر يوم الخميس 30 سبتمبر 1965 كغيره من الأيام العادية بدون أي حادث هام ، ولم يقع أي أمر هام بالنسبة لي شخصيا . وفي الساعة السابعة مساءا ذهبت إلى الجامعة المحمدية في كبايوران بجاكرتا تلبية لدعوة وجهت إلي . وبقيت هناك حتى الساعة العاشرة مساءا ، وكان يرافقني كل من الكولونيل محضار أمين واللفتانانت كولونيل عيسى إدريس ، وكلا الضابطين ينتميان إلى قيادة القوات البرية .

(وعندما عدت إلى البيت ارتحت قليلا ثم أويت إلى فراشي حوالي الساعة الحادية عشر ليلا . نمت في غرفتي ، وكانت زوجتي في الغرفة المجاورة مع ابنتي الصغيرة (أدي إيرما) . وخلال الليل استيقظت زوجتي على أثر قرصة بعوضة ، وسمعتها تهش البعوض . وفي آخر الليل وقبيل الفجر بقليل قمت منزعجا إثر سماعي أصوات سيارات وضجيج على غير العادة ، وسمعت الأصوات تقترب شيئا فشيئا ، بينما كانت الأبواب تفتح قسرا . وقامت زوجتي لسماعها هذه الأصوات ذلك الضجيج غير العادي ، وفتحت الباب لتستطلع الأمر ، ولكنها ماكادت تفتح الباب حتى تراجعت مسرعة وأغلقت الباب مرة أخرى ، وأخبرتني أن وضع غير طبيعي ، وأن هناك ثلة من الحرس الجمهوري أمام الباب في موقف مريب ، وطلبت مني أن لا أخرج لمقابلة القادمين ، وكانت ابنتي الصغيرة (أدي) قد استيقظت ووقفت بجانب أمها لاتفقه شيئا مما يجري حولها .

(وشعرت برغبة في أن أستفهم من هؤلاء الجنود عن سبب مجيئهم إلي ، وتقدمت لأفتح الباب ، ولكن زوجتي قاومتني محاولة منعي ، غير أني تخلصت منها وفتحت الباب ، وإذا بجندي من الحرس الجمهوري أمامي وقد رفع بندقيته ليطلق الرصاص علي ، فتراجعت إلى الخلف وأغلقت الباب ، وإذا بالطاقات النارية تنهال نحوي من خلال الباب . فاستلقينا على الأرض لنتفاداها ، وحاول الحرس الجمهوري اقتحام الباب عنوة لكي يدخلوا الغرفة التي كنت فيها ، ولكنهم لم يفلحوا ، فعمدوا إلى تكسير الباب بالقوة .

(ومن داخل البيت أقبلت أمي وأختي على غرفتي ، واحتضنت أختي (مرضية) ابنتي الصغيرة (أدي) تريد أخذها إلى غرفة أخرى تكون أكثر أمنا فيها ، وخرجت من غرفتي ، وإذا بالحرس الجمهوري الواقفين يعترضونها ويطلقون عليها النار . واستقرت طلقتان في ذراع أختي وثلاث طلقات في صدر ابنتي الصغيرة . وتوالت الطلقات من الخارج موجهة إلى الغرفة التي كنت فيها ، وأصابت هذه الطلقات زوجتي في مكان غير قاتلي .

(ودفعتني زوجتي للخروج من الغرفة ، لقد كنا محصورين ، فدخلت الحمام المجاور لغرفتي لأخرج منه إلى جانب البيت . ثم تسلقت الجدار الخلف العالي الذي يفصل بين بيتي وبيت السفارة العراقية المجاور . التفت إلى خلفي ورأيت ابنتي الصغيرة مضرجة بالدماء التي تتدفق من صدرها ، ورددت أن أعدل عن التسلق وأعود إلى ابنتي ، ولكن زوجتي منعتني .

(وكان الجدار الذي تسلقته مغطى بالأشجار الكثيفة الكبيرة ، ووثبت منه إلى حديقة السفارة العراقية ، وسمعت صوت طلقات نارية متتابعة موجهة إلي يطلقها الحرس الجمهوري ، ولكن الله سلمني منها ، وحمدت الله على ذلك . وسمعت بعد ذلك أصواتا تصبح : هارب ، هارب ، أطلقوا النار عليه .

(وبقيت مختبئا في ساحة مقر السفارة العراقية ، وكنت خلال تلك الدقائق أسائل نفسي : لماذا يهاجمني الحرس الجمهوري؟ ولماذا يريدون قتلي؟ فالحرس الجمهوري حرس شرف ، فهل أمرهم الرئيس سوكرنو باغتيالي وفي يتي؟

(وفيما كنت كذلك سمعت صوت صفارات ، وسمعت ضجيج للسيارات العسكرية الكبيرة وضوضاء أصوات الجنود وهم يتسابقون إلى السيارات ، واستمرت قوافل السيارات تغدو وتروح أمام البيت ، ولاحظت أن إحدى هذه القوافل كات تابعة للقيادة العسكرية لحماية جاكرتا ، ثم تبعتها قافلة أخرى من جيش الصاعقة ، ففوج البوليس العسكري .

(وبقيت في مخبأي لايعلم عني أحد . وسمعت خلال ذلك أصواتا كثيرة وسمعت أحدهم يسأل زوجتي عني ، ويأتي بعده آخرون وآخرون يستفسرون عني ، وكان جوابها دائما : لاعلم لي به . فلقد كانت ترتاب في كل شخص ولاتثق في أي أحد منهم .

(في الساعة السادسة والنصف صباحا رأيت من خلال الأشجار الكثيفة الكولونيل (هدايت) ، قائد البوليس العسكري أمام منزلي وهو يتلفت يمينا وشمالا كالحائر وكأنه يبحث عن عزيز فقده ، ووثقت من أنه يبحث عني فتسللت من مخبئي إليه ، وفرح كثيرا عندما رآني وعدت غلى البيت متسلقا نفس الجدار العالي الذي تسلفته عند فراري .

(ومن منزلي خرجنا على سيارتي الخاصة واتجهنا إلى بيت بقرب المركز العام لقيادة القوات المسلحة ، وتوافد الضباط إلى حيث كنت ليحرسوني ن وأخذ عدد الضباط يتضاعف شيئا فشيئا وكانوا يلتفون حولي يحاولون فهم مايجري . فالحالة مضطربة والوضع مربك والمصير مجهول ، وخلال ذلك تلقيت تقريرا ملخصه :

1- بعد حادث الهجوم الغادر في الفجر ومحاولة اغتيالي في بيتي جاء جندي من الحرس الجمهوري بلباسه الرسمي يسأل عني في البيت .

2- جاء الكولونيل علي إبراهيم من مكتب مخابرات الحرس الجمهوري ليتحقق من مكان وجودي ، وكيف سلمت من الإغتيال .

3- تم اختطاف الجنرال أحمد ياني والجنرالات الآخرين ن وجرى قتلهم على أيدي الشيوعيين .

4- شاهد الميجر عمر جماعة بلباس مدني مدججين بالسلاح بالقرب من منزلي .

(وكنا نحن الضباط نتابع تطورات الموقف لحظة بلحظة من خلال التقارير التي كانت تصلنا تباعا عن الحالة . كما كنا نستمع إلى إذاعات الشيوعيين من راديو جاكرتا الذي استولوا عليه ، وكذلك من راديو جوكجا وراديو صولو . وأخذت في دراسة الوضع دراسة مستفيضة وقررت أ×يرا أن أبدأ في اتخاذ قرار هام بشأن إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي واستعادة الأمن والإستقرار . وفي الساعة التاسعة صباحا – الجمعة أول أكتوبر 1965 – أصدرت أمرا إلى الكولونيل هدايت في القيادة العليا للقوات المسلحة ، ويتلخص هذا الأمر في النقاط التالية :

أولا- أمرت بمحاصرة قوات الثوار .

ثانيا – عزل مدينة جاكرتا وقطع كل الطرق المؤدية منها وإليها ، وقطع جميع الإتصالات بها ومنها .

تعبئة فيلق سيلي وانغي(Sili wangi) .

رابعا – جعل إذاعة باندونغ إذاعة رسمية لنا ضد الثوار .

خامسا – التأكد من موقف سوكرنو .

سادسا – الإسراع بالاتصال بقيادة القوات البحرية والبوليس ، والاتصال برئيس فرقة الصاعقة البحرية الميجر جنرال هارتونو .

(وبعد قليل عاد إلى الكولونيل هدايت يعلمني بأنه قد نفذ ما أمرته به وأضاف قائلا : إن الحالة لاتزال مضطربة ، ولايعلم شيء عن الرئيس سوكرنو ولا عن مقره . وإن قائد القوات البرية قد نفذ الأوامر .

(وبعد ذلك كتبت أمرا جديدا إلى الجنرال سوهارتو وإلى نائب قائد القوات البحرية وإلى وكيل الفرقة البوليسية ، هذا نصه : إلى قائد القوات البرية الجنرال سوهارتو . إلى نائب قائد القوات البحرية موليادي Mulyadi . إلى وكيل الفرقة البوليسية بردو Pardo . لقد أصبح معلوما عن اختطاف وزير الدفاع والقيادة العامة للجيش وإن حالة القائد الأعلى غير معروفة . ونظرا لتردي الحالة العسكرية في الداخل والخارج .

أصدر أمري باسم القيادة العليا إلى جميع القوات المسلحة بتنفيذ الأوامر التالية :

أولا – تجند كل القوات في القوات المسلحة لتحرير القائد الأعلى .

ثانيا – إعادة القوات المسلحة إلى وضعها الطبيعي .

وعلى سوهارتو بصفته مسئولا أن يقوم بتنفيذ العملية) .

وإلى هنا تنتهي الحكاية على لسان الجنرال أبو الحارث ناسوتيون .

في ذلك الوقت كان سوكرنو يتابع مع قادة الثورة في قاعدة حليم تطورات الأحداث عن طريق التقارير التيك انت تصل من مختلف الوحدات الشيوعية المكلفة بتنفيذ مختلف جوانب مخطط الثورة الشيوعية ، وفجأة علت وجه سوكرنو سورة الغضب العنيف ، فلقد كان الخبر الذي بلغه لتوه مثيرا فعلا . ووردت التقارير مشيرة إلى أن الجنرال أبو الحارث ناسوتيون قد سلم من الإغتيال ، ولايعرف عن مكانه شيء ، وصرخ سوكرنو غاضبا : - كيف أفلت؟ كيف أفلتوه؟ .

     وسادت الغرفة موجة من الصمت الرهيب ، أنهاها أحد القادة الشيوعيين الذين كانوا حاضرين مهدئا روح سوكرنو بقوله : 

- لقد انتهى أمر أبي الحارث ناسوتيون ، وسيلقى القبض عليه لامحالة بعد حين . فالأمر لنا ، والسلطة بأيدينا ، وهو الآن من الهاربين .

غير أن سوكرنو نظر إليه نظرات متتالية عميقة لم يفهم مغزاها غيره . وفي الساعة الرابعة عصرا تسلمت القيادة العليا للقوات البرية أول أمر من الرئيس سوكرنو منذ أن قام الشيوعيون باغتيال الجنرالات والإستيلاء على السلطة ، يقول فيه : 1- القيادة العليا للقوات المسلحة بيدي . 2- عينت الميجر جنرال (برانوتو) ليقوم بتنفيذ الأوامر اليومية . 3- على جميع الجنود والعودة إلى ثكناتهم . ولايحق لأحد منهم التحرك إلا بأمر خاص .

التوقيع : سوكرنو رئيس الجمهورية الأندونيسية والقائد الأعلى للقوات المسلحة

كانت القوات المسلحة قد تحركت في ذلك الوقت في عملية مضادة للقضاء على التمرد الشيوعي ، وانتفض الشعب انتفاضة واحدة في ملاحقة الشيوعيين الذين أصيبوا بالذهول لرد الفعل الذي ووجهوا به من قبل الجيش والمواطنين . وجاء قرار سوكرنو بتعيين الميجر جنرال برانوتو قائدا للقوات المسلحة ، غريبا جدا ، عقدت القيادة العليا للقوات البرية اجتماعا طارئا لبحث أمر سوكرنو ، وكان الجنرال أبو الحارث ناسوتيون والجنرال سوهارتو على رأس الذين حضروا الإجتماع . وبعد بحث دقيق للوضع ومناقشة كلمة لأمر سوكرنو قررت القيادة بالإجماع ، تجميد تنفيذ أوامر الرئيس سوكرنو وذلك للأسباب التالية : أولا – إن القيادة العليا للقوات البرية لاتعمل شيئا عن مصير الجنرال أحمد ياني ، قائد القوات البرية . ثانيا – لم تتم تصفية الشيوعيين الذين اختطفوا واغتالوا الجنرالات تصفية كاملة . ثالثا – في الوقت الذي لايكون فيه الجنرال أحمد ياني متمكنا من أداء واجبه يقوم الجنرال سوهارتو بأعباء أعماله بوصفه نائب قائد القوات البرية .

وبناء على ذلك فإن القيادة العليا للقوات البرية ترى من الناحية الدستورية وبناءا على أحكام القوانين النافذة ، أن تعيين الميجر جنرال برانوتو مخالف للدستور الأندونيسي ، نظرا لأن الجنرال سوهارتو لايزال موجودا .

واستمرت حملة التصفية ضد الشيوعيين جارية بقوة وحزم ، وأخذ الجيش والشعب يتعاونان في هذا السبيل ، بينما كانت قيادة الثوار في قاعدة حليم الجوية عاجزة عن أن تفعل شيئا تجاه الصحوة الشعبية العارمة . وبقي سوكرنو في قاعدة حليم مع القيادة الشيوعية حتى المغرب ثم غادر القاعدة متضايقا فلقا عائدا إلى قصره في مدينة بوقور إحدى ضواحي جاكرتا .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سفارة الصين الشيوعية وثورة سبتمبر 1965

وزعت سفارة الصين الشيوعية بجاكرتا في منتصف سبتمبر 1965 بطاقات دعوة كعادتها سنويا لحضور حفلة كوكتيل بذكرى ثورة أول أكتوبر من كل سنة ، ولكن أكتوبر هذا العام يختلف كثيرا عن السنوات الماضية .

كان أكثر رجالات وزعماء أندونيسيا غير الشيوعيين والمشكوك فيهم قد تلقوا دعوة خاصة من حكومة بكين لحضور حفلات أول أكتوبر في العاصمة الصينية ، وبعثت حكومة بيكين بطاقات الدعوة وأوقفتها مع تذاكر السفر بالدرجة الأولى ذهابا وإيابا على الطائرة إلى بيكين . وقامت سفار الصين بجاكرتا بإعداد العدة وتقديم الخدمات وبذلت نشاطا كبيرا لترحيل أكبر عدد ممكن من المدعوين إلى الصين ، وبقدر المستطاع لكي لايتأخر أحد منهم ، وكان رجال السفارة الصينية يظهرون اللطف وحسن المعاملة فوق العادة . وكان الناس يحسبون ذلك مجرد دعاية فقط لتكسب الصين حسن السمعة ، وماكانوا يدرون ماتبينت لهم الصين وراء ذلك . وكانت الجهات الشيوعية الأندونيسية بجاكرتا تتعاون وتبذل مجهودا كبيرا لإنجاح تسفير المدعوين إلى بيكين مع سفارة الصين الشيوعية . لأول مرة تدعو حكومة الصين الشيوعية عددا كبيرا من زعماء ورجالات أندونيسيا إلى بيكين لحضور حفلة أول أكتوبر .

وفي جاكرتا كانت السفارة الصينية في شغل شاغل بنشاط قوي لتنسيق الحفلة التي ستقيمها في قصرها بشكل أكبر وأعظم من السنين الماضية . وكأن شيئا جديدا كانت تنتظره السفارة ، فالأفراح تنعكس على وجوه جميع أعضائها بشكل غريب .

وفي صباح يوم أول أكتوبر 1965 أذاع راديو جاكرتا في الساعة السادسة إعلانا عن وجود انقلاب في أندونيسيا ، وكانت الثورة التي قام بها التقدميون قد نجحت وتم الإستيلاء على جميع المنشآت المهمة والأماكن الإستراتيجية الحساسة كما تم اعتقال الخونة .

صوت جديد من الإذاعة ماكان الناس يألفونه من قبل ، فانزعج السامعون من الخبر الجديد الغريب والذي يحتاج إلى كثير من الإيضاح . وتململ الناس يتهامسون ويتساءلون عن حقيقة الأمر الواقع ، وماهي اتجاهاته . أمر ترك الناس حيارى . وبعد ساعة مرت ببطء أعاد راديو جاكرتا الخبر ثم أذاع بيانا . وكررت الإذاعة بث البيان عدة مرات . ثم نشر راديو جاكرتا بعد ذلك (البيان الأول للثورة) ثم رددت إذاعات المدن الأخرى ، جوكجا وصولو وسمارانغ نفس الخبر والإعلان والبيان الصادر عن قيادة الثورة الشيوعية . عندئذ عرف الناس حقيقة الثورة وكنهها .

لقد استبشر الشيوعيون وكان الخبر عيدا لهم ، أما غير الشيوعيين فكان حزنا ومأتما . وخرج الشيوعيون على أثر ذلك زرافات إلى الشوارع مبتهجين حاملين معهم الشعارات الشيوعية إعلاما بالنصر .

في هذا اليوم تم الشيوعيين الإستيلاء على الحكم فأصدروا البيانات تلو البيانات كما صدرت الصحف الشيوعية في أول يوم أكتوبر 1965 معلنة النصر والنجاح للثوريين ضد الرجعية الأثيمة والخونة والإمبريالية .

كانت سفارة الصين الشيوعية من الصباح الباكر تتابع نشرات الراديو والصحف ، وكانت دلائل الاستبشار بادية على وجوه الجميع . وظهر السفير الصيني ياو يو مينغ على غير عادته المألوفة كديبلوماسي لبلد كبير في هذا المظهر الهستيري الذي غلب عليه الفرح ، ولم يستطع ضبط عواطفه وإحساساته فكان يخرج ويدخل من غرفته كأنه يبحث عن شيء هام فقده . ولم يستقر في موقف بل كان كثير الحركة والتنقلات يذهب إلى هنا وإلى هناك على غير وعي فقد دفعته العواطف والأفراح من أخبار النصر الشيوعي للتلهف وطلب المزيد من الأخبار عن ذلك النصر الساحق للشيوعيين في أندونيسيا والذي يعتبره السفير بالذات نجاحا خاصا له في تأدية مهمته الدبلوماسية ورسالته في تنفيذ المخططات وواجبه الذي حملته إلى حكومته في هذا البلد . وكانت الإبتسامة لا تفارقه والفرح يبدو من تقاطيع وجهه . وكان السفير بين حين وآخر يعلق على هذه الأخبار والبيانات مستهزئا بالرجعيين . وكان المترجمون من رجال السفارة ينقلون إليه أخبار الراديو وأخبار الصحف ليبشروه ، وكان كلما قدم إليه أحدهم بخبر يتلقاه بالترحيب ويطلب المزيد من الأخبار ، ثم يعلق على الأخبار المترجمة المقدمة إليه بالنكت والهزء والسخرية .

أما الملحق السياسية والملحق العسكري والقائم بأعمال الشيفرة والمخابرات فكانوا مشغولين جدا ومنهمكين في إرسال الأخبار إلى حكومة بيكين عن نجاح الثورة ، وكانوا مجتمعين في غرفة السفير ، وكان السفير عندما يدخل الغرفة يدلي بفكرته في تنسيق إرسال التقارير ، وكانوا يشرحون كل حادثة بالتفصيل عن الثورة والنصر الساحق الذي أحرزه الشيوعيون في ثورتهم الناجحة . وكانوا يبعثون كل خبر عن الثورة والإعلانات والبيانات التي أذاعتها قيادة مجلس الثورة .

لقد كان للصين الشيوعية في هذا اليوم عيدان في يوم واحد . عيد حفلة ثورة أول أكتوبر نجاح الثورة الشيعية في الصين ، وعيد نجاح الشيوعيين في الإستيلاء على الحكم في أندونيسيا ليلة أول أكتوبر . ولكن هذه الفرحة لم تدم أكثر من بضع ساعات فقط ، إذ بوغت السفير الصيني ياويومينغ ورجال السفارة وهم مقبلون على حفلة الكوكتيل في الساعة السابعة بعد المغرب بالأخبار عن قيام القوات المسلحة الأندونيسية بإحباط الثورة الشيوعية التي استولت على البلاد عدة ساعات وأنه قد تم استرجاع كل المنشآت بما في ذلك محطة الإذاعة والتلفزيون والأماكن الإستراتيجية المهمة وقد اعتقل الكثير من الثوار وهرب الباقون إلى أماكن متعددة وصار أمرهم غير معلوم .

وأصدرت القوات المسلحة الأندونيسية بيانا عن القضاء على الثورة ، وخرج الناس إلى الشوارع يريدون المزيد من الحقائق .

لقد ظهرت على وجه السفير الصيني سماه الكآبة وكان عابسا وقد تغير لونه والاضطراب باد منه وهو يقاوم هذه الهواجس التي استولت عليه والأنباء التي صدمته . وتجلد حتى لاتبدو عليه دلائل الاضطراب ، فإنه بعد دقائق معدودة سيستقبل المدعوين للحفلة وهو في موقف محرج ، فلقد أعد خطبة رنانة ضافية لتدعيم حكومة الثورة وتهنئتها بانلصر ولكن جاءت الظروف على عكس غلبا عليهم ، ولم ينتبهوا إلى الأخطاء إلا بعد أن ألقى السفير خطبته هذه أمام الحاضرين وبعد فوات الأوان . وقد جاءت بعض الجمل في الخطبة تدل دلالة صريحة أنها كانت مرتبطة بجمل وعبارات أخرى لم تقرأ . وجاءت هذه العبارات المتفرقة دليلا قاطعا على السياسة الصينية نحو ثورة الشيوعيين . ومن هذه الجمل التي جاءت في خطبة السفير من غير وعي منه قوله : إن في هذا اليوم حادث عظيم يبشر العالم . هذا الحادث العظيم في صالح الماركسية اللينينية .

كان من جملة الحاضرين في هذه الحفلة الدكتورة هوريستياتي عقيلة الدكتور سوبندريو وزير الخارجية الأندونيسي آنذاك . وقد ساد الحفلة جو من الكآبة وطغى على رجال السفارة مصارعة النفس والخوف والارتياب بالرغم من لقد كانت هوريستياتي هي الأخرى يظهر على وجهها القلق والاضطراب وعدم الإستقرار . وقد استفزها كلمة السفير وزاد قلقها ، وكانت كثيرة الحركة لاتستقر في مكان . تتنقل من مكان إلى آخر والكأس بيدها لاتشرب شيئا . فتضع هذا وتأخذ ذاك ، تستفسر الرجال عنا لحالة وتستفهم من أعضاء السفارة عن الوضع المتأزم في البلاد . ولكنها لاتصغي إلى المتكلم وقد تعيد السؤال والمجيب لم ينتهي من نفس السؤال . وقد تطلب المزيد من الشراب رابعا وخامسا بينما هي لم تشرب شيئا . وعندما أعياها التعب اقترب منها دبلوماسي شرقي ليهدئ من روعها فقال لها بعد أن كررت توجيه الأسئلة إليه (ما دام سوكرنو رئيسا للجمهورية فزوجك باق في محله وزيرا للخارجية) . وقد جاءت هذه الكلما مرهما وبلسما لها وزودتها بنوع من الاطمئنان فشكرته وولت مدبرة للتجرع كأسا من عصير الليمون .

إن الكلمة التي جاءت في خطبة السفير عن (الحادثة العظيمة التي تبشر العالم في صالح الماركسية اللينية) هذه الجملة التي مرت على المراجعين ولم يحذفوها إنما كان القصد منها (ثورة الشيوعيين في 30 سبتمبر 1965) ولو لم تفشل الثورة لجاءت الخطبة كاملة كما وضعت من قبل ولكانت لهجة السفير غير هذه اللهجة الباردة المتلكئة والحافلة بالجمل والعبارات المتناقضة المترجرجة .

وجاءت الأيام وافتضح الأمر واتضح أن للسفاة الصينية كان لها دور مهم في دعم الثوار ، وقد انتهى كل شيء بقطع العلاقات نهائيا بني أندونيسيا والصين الشيوعية وقامت جماهير الشعب الأندونيسي بمظاهرات كبيرة وهجمت على السفارة الصينية وحطمتها تحطيما .

الدور الخطير الذي لعبته الصين الشيوعية

اتجهت أندونيسيا بعد استقلالها إلى انتهاج سياسة الحياد الإيجابي الذي تبنته دول العالم الثالث ، إلا أنه عندما اندفع سوكرنو وسوبندريو إلى موالاة بيكين وعقدت معاهدة (محور بيكين – جاكرتا) اتجهت أندونيسيا نحو اليسار الصيني بدون تحفظ ، وفتحت أندونيسيا الأبواب على مصراعيها للنفوذ الصيني الشيوعي الذي وقعت في حبائله . ولبت الصين الشيوعية دورا مهما في سياسة أندونيسيا الخارجية والداخلية ، وكان في إمكانها توجيه السياسة الأندونيسية الموجهة التي تريدها . وقد عارضت العناصر الوطنية والإسلامية في أندونيسيا هذا الإندفاع الشديد إلى اليسار الشيوعي الصيني ، إلا أن هذه المعارضة ووجهت بالقمع والاضطهاد . وسادت البلاد حالة من عدم الاستقرار والاضطراب واستمتر الحالة كذلك حتى قيام الثورة الشيوعية وفشلها في 30 سبتمبر 1965 . وبعد ذلك اتخذت الحكومة الصينية موقفا عدائيا من الوضع الجديد وحاولت ممارسة بعض الضغوط عليه ، بل وإرهابه ، مؤملة أن تستعيد مكانتها التي فقدتها بسقوط الشيوعيين . وكان لهذا الموقف العدائي صداه ورد فعله في جاكرتا ، التي قابلت ذلك المظهر العدائي ، بموقف عدائي مماثل .

وقد حاول المستر ياوتين شان ، سفير بيكين بجاكرتا أن يلعب دورا خطيرا في السياسة الأندونيسية بعد حملة تطهير الشيوعيين ، وقام بالاتصال بالعناصر الشيوعية وبعض أفراد الجالية الصينية المقيمين بأندونيسيا وحرضهم على التحرك والتظاهر والقيام بأعمال التخريب ، ووعدهم بأن حكومة الصين الشيوعية ستساعدهم ضد حكومة سوهرتو . وهكذا بدأ الشيوعيون بالتظاهر بشكل ملفت للنظر ضد الجنرال سوهرتو ، وتوالت هذه المظاهرات الشيوعية في كثير من مدن جاوا الشرقية ، ثم انتقلت إلى جاكرتا للعاصمة . ووقعت بسبب ذلك اشتباكات خلال تلك المظاهرات أدت إلى مقتل أفراد وجرح آخرين . بينما استمر راديو بيكين وصفحها في مهاجمة حكومة الرئيس سوهرتو والتحريض علهيا ، متهمة الحكومة الأندونيسية بالعمالة والرجعية ، وغير ذلك من التهم التي يطلقها عادة الشيوعيون على أعدائهم . كما ضبطت منشورات كانت السفارة الصينية توزعها موقعة باسم الشيوعيين الأندونيسيين الموجودين في بيكين ، ويترأسهم السفير الأندونيسي السابق جاوتو .

واكتشفت الحكومة الأندونيسية شيكات تعمل بمخططات صينية ترمي إلى إثارة القلاقل والاضطراباتفي المدن الرئيسية واغتيال رجال الدولة وكبار الشخصيات . كما ضبطت الحكومة ذخائر وعتادا مرسلا من الصين الشيوعية إلى بعض الجزر الأندونيسية . وقد عم الاستياء جميع أنحاء أندونيسيا ، وقامت الحكومة بناءا على الوثائق المضبوطة واعترافات المعتقلين الذين كان بينهم عدد من الصينيين الشيوعيين باعتقال المتهمين والمشتبه فيهم من الصينيين تمهيدا لترحيلهم إلى الصين الشيوعية . أما الأندونيسيون المتهمون فقد قدموا للمحاكمة . ويزيد عدد الصينيين في اندونيسيا عن ثلاثة ملايين شخص عدد منهم يحمل الجنيسية الصينية والآخرون يحملون الجنسية الأندونيسية باعتبارهم من مواليد أندونيسيا . وينتشر الصينيون فمخلتف أنحاء الجزر الأندونيسية يشتغل معظمهم بالتجارة والصناعة ، مماجعلهم يسيطرون على اقتصاد البلاد . وتعتبر حكومة بيكين أن جميع الصينيين المقيمين في أندونيسيا من رعاياها ، بما في ذلك أولئك الذين تجنسوا بالجنسية الأندونيسية . واستغلت السفارة الصينية هذا العدد الضخم من الأدونيسيين في إثارة القلاقل والاضطراب في أندونيسيا وتأييد الشيوعيين الفارين .

وقد أدى نشاط السفير الصيني المستر ياوتين شان المعادي للحكومة الأندونيسية القائمة والمخالف للعرف الدبلوماسي ، إلى أن تتخذ الحكومة الأندونيسية قرارا بإبعاده من البلاد ، كما اعتبرت بقية الدبلوماسيين الصينيين أشخاصا غير مرغوب فيهم . وقد غادر الجميع مطار جاكرتا يوم الجمعة 18 محرم 1387 .

وقد أغلقت قبل ذلك جميع القنصليات الصينية في المدن الأندونيسية . وعلى أثر ذلك انشق الصينيون في أندونيسيا على أنفسهم ، وانقسموا إلى عدة كتل : كتلة الصينيين الشيوعيين ، وكتلة الصينييين غير الشيوعيين ، وكتلة الصينيين المسلمين وهم قلة ، وكتلة الصينيين المسيحيين . وأخذت هذه الكتل تتراشق بالتهم والشتائم . وأعلن الصينيون غير الشيوعيين في بيان أصدروه أنهم يوالون حكومة الجنرال سوهرتو ولاء تاما ، وأعلنوا معارضتهم الشيوعية والشيوعيين ، وقالوا أنهم تعرضوا لكثير من الضغوط وأعمال القمع والإرهاب خلال حكم سوبندرير نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق ، بتهمة أنهم يوالون حكومة (شان كان شيك) في فورموزا . ومعظم هذه الكتل الثلاثة هم من الصينيين من مواليد أندونيسيا .

وألقى رئيس الجمعية الصينية الإسلامية بجاكرتا خطبا عامة في عدة احتفالات واجتماعات وفي المساجد والجوامع ، حمل فيها بشدة على الصين الشيوعية وسياستها الطغيانية لإبادة المسلمين والقضاء على الدين الإسلامي وإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية وغير ذلك من الأعمال التي تقوم بها حكومة بيكين الملحدة .

وساد الصينيين عامة في أندونيسيا القلق نتيجة لتصرفات الحكومة الصينية .

وماسببه ذلك من استياء شعبي في أندونيسيا ضد حكومة بيكين وضد الصينيين الذين اندفعوا لمساعدة الشيوعيين الأندونيسيين . إذ أن النقمة الشعبية ستعم الصينيين بدون تمييز . واهتمت الحكومة الأندونيسية كذلك بأمر الصينيين الذين يساعدون الشيوعيين في أندونيسيا ، وعقدت عدة اجتماعات اتخذت في نهايتها قرارا بترحيل جميع الشيوعيين الصينيين وإعادتهم إلى بلادهم .

وعندما واجه الصينيون الشيوعيون إجراءات الحكومة بترحيلهم عمدوا إلى تغيير أسمائهم واستبدالها بأسماء أندونيسية إسلامية فاسم (تان لينغ جي) مثلا تحول إلى اسم (نحمد علي) واسم (قوان بوتان) تحول إلى اسم (عبدالله حسن) وهكذا .

أما الحكومة الصينينة فإنها قامت بتسيير مظاهرات كبيرة في بيكين نفسها ضد الحكومة الأندونيسية ، مما اضطر الحكومة الأندونيسية إلى توجيه مذكرة الحكومة الصينية في 27 مايو 1976 احتجت فيها على ماتعرض له بعض أعضاء السفارة الأندونيسية من الإيذاء والامتهان ، وطلبت الحكومة الأندونيسية من حكومة الصين أن تحافظ على سلامة رجال السلك الدبلوماسي الأندونيسي . إلا أن المذاكرة لم تلق أي اهتمام من حكومة بيكين، فألحقتها أندونيسيا بمذكرة أخرى ثم مذكرة ثالثة . ولم تتلق أندونيسيا أي رد رسمي لجميع هذه المذكرات ، ولكنها ووجهت بمظاهرة عدائية ضخمة نظمتها الحكومة الصينية ضد حكومة أندونيسيا ، كما هجم المتظاهرون على السفارة الأندونيسية في بيكين وحطموا أبوابها ونوافذها وأثاثها وأحرقوا ما فيها من أوراق ووثائق ثم أشعلوا النار في مبنى السفارة .

وعندما أراد الدبلوماسيين الأندونيسيون مغادرة بيكين رفضت الحكومة الصينية السماح لهم بذلك ، ولم يجد الدبلوماسيين الأندونيسيون مأوى لهم بعد أن أحرقت سفارتهم ، وأهينوا من قبل الحكومة الصينية . وقد فقد الأندونيسيون كل ملابسهم حتى اضطروا للالتجاء إلى عنبر عام . وبعد هذه الحوادث المؤسفة سمحت حكومة بيكين للأندونيسيين بمغادرة البلاد . وقامت حكومة أندونيسيا بتقديم مذكرة إلى حكومة بيكين يوم 23 أكتوبر 1967 وطلبت منها أن تغلق جميع مكاتب قنصلياتها المتشرة في عدد من مناطق أندونيسيا وسفارتها بجاكرتا قبل 30 أكتوبر 1967 . وفي يوم 31 أكتوبر 1967 وصلت طائرة صينية لتحمل أعضاء السلك الدبلوماسي الصيني مع عائلاتهم إلى بلادهم .

موقف سوكرنو بعد فشل الثورة الشيوعية

استمر سوكرنو في مزاولة نشاطه كرئيس للجمهورية الأندونيسية بعد أن أحبطت الثورة الشيوعية ولوحقت فلولها . وفي نفس الوقت اشتد الصراع بين سوكرنو من جهة وقادة الجيش من جهة أخرى . فبينما كانت خيوط المؤامرة الشيوعية تنكشف وتفاجئ الشعب في كل يوم بدليل جديد عن دور سوكرنو فيها ، كان سوكرنو يحاول إيقاف التحقيقات وإعادة الشيوعيين إلى ماكانوا عليه ، والضغط على قادة الجيش وتقليص نفوذهم بل ومحاولة طرد بعض القادة المسئولين .

ولم يكن الصراع بين سوكرنو وقادة الجيش وليد الأحداث الأخيرة بل إن جذوره تمتد إلى ابعد من ذلك . ففي عام 1952 تردت العلاقات بين سوكرنو وقادة الجيش ووصلت إلى حالة سيئة . وكان الجنرال أبو الحارث ناسوتيون (وكان آنذاك برتبة كولونيل) يتولى في ذلك الوقت منصب قائد القوات البرية ، فا كان من سوكرنو إلا أن أقاله من منصبه فجأة وبدون أي مبرر قانوني . ولكن وحدات الجيش قاومت هذه الإجراءات للتصفية واستمر التوتر بين الجيش وسوكرنو حتى عاد الجنرال أبو الحارث ناسوتيون إلى منصبه عام 1955 .

وبعدها تولى وزارة الدفاع .

وفي أوائل عام 1966 بعد بضعة أشهر من الثورة الشيوعية الفاشلة ، رسم تخطيطا لتدعيم الشيوعية ، فحل الوزراة ثم ألف وزارة جديدة وتولى هو رئاسة الوزارة وأدخل عددا من العناصر الشيوعية المعروفة بعد أن أبعد العناصر غير الشيوعية والتي لم كن موالية له . وعلى رأس من أبعدهم الجنرال أبو الحارث ناسوتيون . وأدى ذلك إلى قيام مظاهرات شعبية كبيرة تصدى لها الحرس الجمهوري والمنظمة الشيوعية عندما حاول المتظاهرون اقتحام القصر الجمهوري ، وسقط في هذه الاصطدامات عدد كبير من الشعب قتلى وجرحى وعلى رغم مقاومة الحرس الجمهوري والمنظمات الشيوعية ، فقد استمرت المظاهرات شهرا ونصفا استسلم في نهايتها سوكرنو للإرادة الشعبية وقبل أن يوقع على مرسوم جمهوري بتحويل كل صلاحيته للجنرال سوهرتو بوصفه وزيرا للدفاع وقائدا للقوات البرية ، وكان ذلك في 11 مارس 1966 . وعرض المرسوم الجمهوري على المجلس الإستشاري الأعلى في جلسة له ، وهذا المجلس هو أعلى سلطة تشريعية في أندونيسيا . وقد صادق المجلس على المرسوم واتخذ قرارا بأن يسري مفعول هذا المرسوم حتى موعد الإنتخابات العامة القادمة التي سيختار فيها الشعب الأندونيسي من يمثله .

وقد اختلفت الآراء ووجهات النظر فيما يتعلق بالحكمة من احتفاظ الجيش بسوكرنو رئيسا للجمهورية فترة طويلة بعد انكشاف نواياه ، وتوالي الأدلة على أنه كان شريكا وعضوا هاما في المؤامرة الشيوعية . وفسرت بعض الأوساط السياسية في جاكرتا هذا الأمر بأن الجيش يريد من وراء استمرار محاكمة أعوان سوكرنو واحدا بعد الآخر أمام المحكمة العسكرية ، اعترافاتهم بأنهم كانوا أداة ينفذون سياسة سوكرنو وأوامره ، وفي الوقت الذي مازال سوكرنو محتفظا فيه بمركزه . وهكذا تقلصت شعبية سوكرنو لدى الأشخاص الذين كانوا مايزالون تحت تأثير الدعاية الشيوعية المؤيدة له ، واقتنع الكثير منهم من الحجج والبيانات بأن سوكرنو هو المسئول الأول عن الحركة الشيوعية الفاشلة في 30 سبتمبر 1965 . أما سوكرنو فإنه قد حاول استغلال الفرصة المتاحة له إلى أقصى حد ممكن ، وأخذ في المجالس العامة يعارض السياسة التي تنهجها حكومة الجنرال سوهرتو . وبعد توقيع معاهدة السلام بين أندونيسيا وماليزيا وإلغاء سياسة المجابهة التي أعلنها سوكرنو تجاه اتحاد ماليزيا ، لم يتردد سوكرنو في الحملة لمواصلة مجابهة ماليزيا في خطاب ألقاه أمام جمع كبير من رجالات القوات المسلحة بجاكرتا يوم 26 رجب 1386 بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج ، وقال للحاضرين أنه يريد أن يقتفي خطوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جميع أعماله . وبناء على ذلك فإنه مستعد بدون تردد لأن يشعل أتون الحرب .

وصرح سوكرنو في الإجتماع الذي عقده للوزراء بعد إحباط الثورة الفاشلة بقوله (إن ماحدث يوم 30 سبتمبر ليست له قيمة كبيرة ، لأنه حدث طبيعي في بلد ثوري) وطالب الوزراء والقادة العسكريين وحكام الولايات بالاهتمام لإنقاذ الثورة الأندونيسية من الخطر الكبير الذي يتهددها من الاستعمار والإمبريالية العالمية وأجهزة المخابرات المريكية بينما كان الشيوعيون يحاولون إثارة حرب إرهابية في عدة جزر من أندونيسيا .

وفي محاولة يائسة للعودة ، أعلن سوكرنو بأنه (موقن من أن المعسكر الإشتراكي هو الذي سيحول دون توصل الإمبريالية إلى تحقيق أهدافها في أندونيسيا) ثم أعاد مكررا ومؤكدا (بأنه لن يحيد عن الخط الذي رسمه لنفسه) .

واشتدت المظاهرات الطلابية والشعبية ضد سوكرنو وضد الشيوعيين . وقال سوكرنو لجماعات كان يخطب فيهم (أنه لو شق صدره لوجدوا فيه كلمة واحدة فقط مسطورة فيه هي كلمة الماركسية) . وزاد تحدي سوكرنو من إلهاب مشاعر المواطنين . فسارت مظاهرات كبيرة متجهة نحو قصره . وقد سارع الحرس الجمهوري لتعزيز الدفاع عن القصر عندما علم بأن المظاهرات متجهة نحوه .

وأحاط الحرس الجمهوري القصر بقوة كبيرة معززة بالرشاشات . وقد حاول المتظاهرون اختراق أسوار القصر ، فأمر سوكرنو الحرس باستخدام الأسلحة وإطلاق النيران على المتظاهرين . فوقعت اصطدامات أدت إلى سقوط قتلى وجرحى كثيرين .

هنالك أوضح قادة الجيش لسوكرنو أنهم لايستطيعون حمايته ضد المواطنين إذا استمر هو في تحدي مشاعرهم . ثم طلب الجيش منه أن يحدد موقفه الصريح من الشيوعيين ومن ثورة 30 سبتمبر . وفي 14 أكتوبر 1965 أدلى سوكرنو بأول تصريح له حول ثورة 30 سبتمبر لوكالة الأنباء الرسمية (انتارا) . ولم يحدد سوكرنو موقفه في تصريحه هذا بوضوح بل اكتفى بقوله (إنه لم يكن له علم مسبق بما حدث) ولم يتطرق إلى شيء أو استنكار ماجرى أو شجبه . ولكنه قال (يجب أن تتوقف جميع الأعمال الموجهة ضد الشيوعيين وأن تترك له كل الأمور ، وهو سيقوم بحل جميع المشاكل التي سببت قيام الثورة) ثم استطرد في تصريحه هذا (بأنه ذهب غلى قاعدة حليم الجوية ، مقر قيادة الثوار بمحض إرادته وتحت حراسة الحرس الجمهوري كما أنه عاد إلى قصره بمدينة بوقور بمشيئته الخاصة أيضا ، ومكث في قصره ببوقور حتى 9 أكتوبر 1965 ثم عاد إلى القصر الجمهوري بجاكرتا . وكان طوال ذلك الوقت تحت حراسة الحرس الجمهوري بجاكرتا) . وبعد إدلاته بهذه التصريحات خرج سوكرنو يوما لزيادة قبور الشهداء وبينهم قبر الشهيد الجنرال أحمد ياني .

كان سوكرنو لايزال يشعر بالقوة ويعتقد بأن الشعب والجيش لايستطيعان الاستغناء عنه ، ولذا فهو يشعر بالقوة ويصر على ما آمن به ويفتخر بأنه ماركسي قلبا وقالبا ويصرح بذلك ويعترف به .

وكان قبل الثورة الشيوعية ببضعة أيام ، وبالتحديد يوم 16 سبتمبر 1965 حضر سوكرنو الحفل الختامي للمؤتمر الشيوعي بجاكرتا وألقى خطابا استغرق أكثر من ساعة ونصف ، وقد نشرته ووزعته وزارة الإستعلامات الأندونيسية .

في حينه ضمن سلسلة مطبوعاتها ونشراتها . وقد حمل هذا الخطاب رقم (70) وجاء في صفحة 10 وصفحة 11 من هذه الخطبة مايلي :

(إنني ماركسي وأفتخر بذلك ، إنني أؤمن بالفلسفة المادية التاريخية فالمادية التاريخية علم وقاعدة وطريقة لمعرفة الحقائق والوقائع التاريخية . ثم هي أيضا قاعدة أساسية التحليل التاريخي ، لتقرير الحقائق . والفلسفة المادية التاريخية تقرر أن التفكير الأيدولوجي الشامل هو جزء من دورة التاريخ الذي يقرر الوضع الإقتصادي والإجتماعي .

(وإذا اتخذ الوضع ا|لإقتصادي اتجاها معينا فإن التفكير الأيدولوجي يتخذ نفس هذا الاتجاه .

(وإذا كان الوضع الإقتصادي والاجتماعي يتبلور في وقت من الأوقات أو يتشكل بشكل أ لون معين فإن التفكير الأيدولوجي يتبلور بنفس الشكل واللون . وهذا هو الذي يسمى بالمادية التاريخية . وعلى هذا الأساس فإني أؤمن بالفلسفة المادية التاريخية .

(وإذا نظرنا وأمعنا النظر في أمتنا من الناحية التاريخية والإجتماعية ، فإننا نجد أن شعبنا شعب مزارع . والتاريخ يقول بذلك ويثبت أن الشعب المزارع يكون عادة شعب متمسك يدين ما ويؤمن بالنيبيات .

(إن العمال الذين يعيشون في المعامل والمصانع وبين هدير آلات النسيج مثلا ، يؤمنون بأن النسيج ليس سوى نتائج لحركة الآلات الميكانيكية ، والإنتاج سيكون مستمرا طالما كانت الآلات جارية . وكذلك الحال بالنسبة لعمال توليد الكهرباء ، فهم يؤمنون ويوقنون بأنه مادامت الآلة مستمرة في عملها فإن النور الكهربائي متوفر .

(ولكن المزارع بعد أن يبذر البذور ويزرع الحبوب والأرز وغيرها فإنه يظل ينتظر الفرج ويدعو الله أن ينزل المطر لتنمو زراعته ولتثمر ثمرا طيبا .

فهو يدعو الشيء الغائب المجهول مستنجدا به ليحفظه ولكي لايصيبه بلاء أو تشتد عليه وعلى مزروعاته حرارة الشمس فتتلفها . إنه يدعوه بضراعة ليعمر مزارعه ويضاعف حاصلاته .

(وإذا نظرنا إلى الشعب المزارع مثل شعبنا ، من وجهة نظر تاريخية ، نجد بلا ريب أن ذلك الشعب يتمسك بالدين ويتعلق بالغيبيات . ومن يعرف المادية التاريخية ويؤمن بها فإنه يوقن مما يراه بوضوح أن الشعور بالقومية والإيمان بالأديان لايكون إلا نتيجة لأوضاع اجتماعية محضة) .

ولم يكن التفكير الماركسي لدى سوكرنو حديثا ، بل إن جذوره تمتد إلى أبعد من هذا . وقد جاء في خطاب لسوكرنو ألقاه في القصر الجمهوري يوم 17 يونيه 1954 مايلي : (إن مفهوم العقيدة والإيمان بوجود (إله) إنما هو سنة مبنية على تطور الحياة من حالة إلى أخرى بفعل دوافع اجتماعية . ونحن نرى أن الحياة البدائية كانت تنتقل بحثا عن الماء وطلبا للقوت ، ثم تطورت هذه الحياة إلى حياة زراعية ، ثم إلى عصر الآلات والميكانيكا .

(إن الشعوب التي تعيش بصورة بدائية علىالزراعة تكون بطبيعة الحال بحاجة إلى دين تؤمن به ، وإلى إله تتوجه إليه . ولكن متى وصلت هذه الشعوب إلى مستوى عصر الآلات والميكانيكا فإنها لاتحتاج حينذاك إلى دين أو إله تؤمن به) .

وقد تشرب سوكرنو بالمبادئ الإشتراكية أثناء دراسته في مدينة باندونغ على يد أستاذه المهندس الهولندي الذي زوده بالكتب الماركسية ، ولم يكون سوكرنو الوحيد الذي تشبع في ذلك الوقت بهذه الآراء والأفكار ، بل جاراه بعض زعماء حزب شركت اسلام من أمثال موسى وسماعون وعالمين وغيرهم من الذين تزعموا حركة الإنشقاق ثم أسسوا الحزب الشيوعي الأندونيسي عام 1920 . هؤلاء تأثروا بهذه المبادئ . وكذلك نادى سوكرنو في بداية اشتغاله بالسياسة بالإشتراكية الوطنية . وكان لهذه الدعوة تأثير كبير على العددي من الشخصيات التي استجابت لها . ونجح سوكرنو فيما أراد وأخذ يحاول تطبيق النظم الإشتراكية تدريجيا ، تمهيدا للتحول إلى الماركسية المطلوبة . فأمر بحل الأحزاب المناوئة الشيوعية بما في ذلكحزب ماشومي الإسلامي ، واعتقل زعماءه وحرم نشاط معظم الحركات الطلابية والعمالية وغير الشيوعية .

وبعد إحباط الثورة الشيوعية لم يبق لدى سوكرنو من شعبية تذكر سوى في منطقتين في جاوى الوسطى وبعض أماكن في جاوى الشرقية . في ذلك الوقت رأى الجنرال سوهرتو عدم اتخاذ أي قرار بشأن سوكرنو يمكن أن يؤدي إلى مصادمات ، خاصة في هاتين المنطقتين . ولكن الضغط الشعبي كان يتعاظم لإرغام هوهرتو على اتخاذ خطوة حاسمة تضع حدا للقلق الشعبي .وعقد الطلاب الأندونيسيين مؤتمرا عاما لهم حضره (350) مندوبا من الطلبة الجامعيين يمثلون ثلاثين منظمة طلابية في مختلف أنحاء أندونيسيا . وقرروا في هذا المؤتمر عدم الإعتراف بالألقاب الممنوحة لسوكرنو ومنها لقت (زعيم الثورة الأبر) وأصدروا بيانا قالوا فيه أنهم يرفضون تعاليم سوكرنو لأنها مملوءة بالإلحاد ومشبعة بالروح الشيوعية ، وطالبوا بإلغاء المنهج الإقتصادي الذي رسمه . وعبروا عن سخريتهم بما يقوله سوكرنو (من أن الثورة لم تنته بعد) وطالبوا بتحميله المسئولية الكاملة لكل ماحدث .

واجتمعت في مدينة باندونغ لجنة مشتركة لشئون التربية الإسلامية وقررت إلغاء كل الألقاب الإسلامية التي منحت لسوكرنو ومنها لقب (ولي الأمر ضروري بالشوكة) و (دكتور فخري في علم التوحيد) و(المرشد الأعظم للعلماء) و(بطل الإسلام والحرية) .

أما الشيوعيون فقد اتجهوا إلى تجميع العناصر الموالية لهم للوقوف خلف سوكرنو . وشكلوا تكتلا جديدا بصورة سرية ، سموه (شباب سوكرنو) واتخذت هذه العناصر من اسم سوكرنو شعارا لوحدة الصف . ووزعت منشورات جاء في أولها : (أنه نظرا لوجوب الدفاع عن الرئيس سوكرنو ، ونظرا لاعتقال رجالات حركة 30 سبتمبر فإن كتلة شباب سوكرنو سوف تبذل جهدها لتوحيد القوى اليسارية للدفاع عن سوكرنو حتى يتم الشيوعيين استرجاع مكانتهم) .

وفي جاوا الغربية أصدرت جبهة الجمعيات والأحزاب والمنظمات بيانا وقع عليه كل من حزب نهضة العلماء وحزب شركت إسلام وحزب التربية الإسلامية وحزب إيبكي والحزب الكاثوليكي وحزب باركيندو والحزب البروتستانتي والحزب الوطني والجمعية المحمدية ومنظمات العمال ومنظمة قاسبيندو ومنظمة الطلاب المسلمين وحركات اتحاد الطلاب ومنظمات كامي وكابي والحركة النسائية وعد آخر من الجمعيات الأخرى .. وجاء في هذا البيان مطالبة الموقعين عليه للمجلس الإستشاري الأعلى بعقد اجتماع مستعجل النظر في أمر تنحية سوكرنو .

وأعلنت رابطة القضاء الأندونيسيين وجمعية المحامين الأندونيسيين أنه من الضروري محاكمة سوكرنو بصفته المسئول الأول عن كل الأحداث التي وقعت .

ومن البيانات التي أدلى بها الذين أدينوا وحوكموا بتهمة الإشتراك في ثورة 30 سبتمبر 1965 قرر المجلس الإستشاري الأعلى مطالبة سوكرنو بتوضيح موقفه وشرح الظروف التي أدت إلى كل ماوقع . وتجاهل سوكرنو هذا القرار ، غير أن وزير الخارجية الأندونيسية آدم مالك أدلى بتصريح قال فيه : (إن الحكومة سوف تحقق مطالب الشعب وتنفذ قرار المجلس الاستشاري الأعلى) .

واستمرت الضغوط على سوكرنو إلى أن أدلى بتصريحه المقتضب يوم 14 أكتوبر 1965

سوكرنو (القائد) نبذة تاريخية عنه

ولد سوكرنو في مدينة بليتار (Blitar) بجاوا الشرقية عام 1901 من أم بوذية اسمها إيدايو (Idnaiu) وتنتمي إلى طبقة للبراهما (Brahma) البوذية في جزيرة بالي . ومن أب جاوي اسمه سوكيمي ، وهو مدرس في إحدى المدارس الأندونيسية . وليس لسوكرنو أخوة ذكور ولكن له أ×ت اسمها سوكارميني (Sukarmini) . وعندما ولد سوكرنو سماه أبوه حسني (Koesno) ولكنه كان يتعرض للكثير من الأمراض . وطبقا للطقوس والعادات رأى والده أن يغير اسمه باسم آخر . وسماه كارنو (Karno) وهو اسم لبطل من أبطال قصص ماهايارتا (Maharbrnta) الهندوكية . ويتركب اسم سوكرنو من كلمتين (سو) بمعنى طيب ، جميل ، ممتاز ، فاخر . و(كارنو) بمعنى بطل .

تلقى سوكرنو دراسته الإبتدائية والثانوية والجامعية بأندونيسيا ، وكان يعد من الطلبة النجباء ومنالشباب المعروفين بولوعهم باملغامرات الغرامية . فقد أحب سوكرنو في أول عهده بالحياة فتاة هولندية اسمها ريكا ميلهاوسن ولكنه لم يتزوج منها . ثم تعلق بفتاة هولندية أخرى اسمها بارلي قوبي وتحول عنها إلى غادة هولندية ثالثة اسمها مين هيل ، ثم إلى رابعة اسمها لورا . وهكذا حتى بلغ سن الحادية والعشرين حين تزوج أول زواج شرعي من أوتاري (Oetari) ابنة الحاد عمر سعيد جوكروامينوتو البالغة من العمر 16 سنة . وكان سوكرنو يسكن في أيام دراسته في بيت الزعيم عمر سعيد جوكرو امينوتو ، زعيم حزب شركت إسلام . وهناك تعرف بأوتاري خلال تلك الفترة . وبعد زواجه من أوتاري أنهى دراسته الثانوية والتحق بكلية الهندسة بمدينة باندونغ . وبتوصية خاصة من الحاج عمر سعيد إلى صديقه الحميم المهندس المعماري سنوسي ، رجاء أن يسكن سوكرنو زوج ابنته عنده خلال دراسته . واستقبل سنوسي الشاب سوكرنو وزوجته أوتاري وهيأ لهما محلا جميلا في بيته ليستقرا فيه . الطبيعي ، وإذا بسوكرنو يهيم حبا بزوجة مضيفه المهندس سنوسي السيدة انفيت قارناسية والتي لم تنجب لزوجها المهندس ولدا ، بالرغم من بلوغها الثلاثين من عمرها في حين لايتجاوز سوكرنو الواحدة والعشرين . إلا أنه هام بها حبا ، وكان كثيرا ما يختلي بها خلسة في غفلة عن زوجها سنوسي ومن زوجته أوتاري . واتفق الإثنان مر علىالزواج وتعهد سوكرنو بأن يطلق زوجته أوتاري بنت الحاج عمر سعيد على أن تسعى انفيت قارناسيه للحصول على الطلاق من زوجها . وهكذا طلق سوكرنو زوجته أوتاري عام 1922 وحصلت أنفيت على الطلاق من زوجها . وبعد أن أكملت انفيت أشهر العدة تزوجها في عام 1923 .

في 25 يونيه 1925 تخرج سوكرنومن كلية الهندسة في الهندسة المعمارية . وفي 26 يوليو 1926 افتتح سوكرنو مع صديقه المهندس أنوري مكتبا للمقاولات .

وكان سوكرنو أحد السبعة من الزعماء الأندونيسيين الذين شكلوا (الحزب الوطني الأندونيسي) في 6 يوليو 1927 وأدى اشتغاله بالحركة السياسية إلى اعتقاله ضمن عدد كبير من ا لزعماء المسلمين عندما بدأت هولندا تشدد قبضتها على الحركات الوطنية . وفي المرة الثانية التي اعتقل فيها نقل سوكرنو إلى جزيرة انديه (Endeh) في المنطقة الشرقية الشرقية من أندونيسيا منفيا وكان ذلك في شهر فبراير عام 1931 .

ومن أنديه نقل سوكرنو إلى بنكولو (Bengkulu) وهي مقاطعة بجزيرة سومترا حيث تعرف إلى الأستاذ حسن الدين الذي ساعده على الإلتحاق بوظيفة التدريس . ومرة أخرى يقع سوكرنو في حب تلميذاته وهي ابنة صديقه حسن الدين في الوقت الذي كانت زوجته انفيت تشاركه متاعب المنفى .

واستمر لهيب الحب يحرق فؤاده حتى بعد احتلال اليابان لأندونيسيا ، والإفراج عن الزعماء الأندونيسيين المعتقلين والمنفيين في الجزر النائية . وانتقل سوكرنو من منفاه في سومترا إلى جاكرتا . واستقر بجاجرتا وهو يذكر تلميذته فاطمة ابنة حسن الدين ، وتوفق في الحصول على رضا والدها واستطاع الزواج منها . وهكذا طلب سوكرنو من يتوكل عنه للزواج من فاطمة حسن الدين في بنكولو نظرا لعدم تمكنه من القدوم إليها ز فتم له ما أراد ، وطلق زوجته انفيت . وبعد سنة أنجبت فاطمة أول مولود ذكر لسوكرنو وكان عمره حينذاك 43 عاما .

كتب سوكرنو كتابا سماه (سارينه) يدافع فيه عن المرأة ، ويتهجم على الرجال المستهترين الذين يعاملون المرأة كمتاع ، وينتقلون من واحدة إلى أخرى ، ويتزوجون أكثر من زوجة واحدة . وهاجم الرجال الذين يسلبون حرية المرأة . ولكنه في حياته العملية عمل على اتباع كل السبل التي حاربها في كتابه ، فهو قد تنقل بين النساء من خليلات إلى خليلات وجمع أكثر من زوجة في وقت واحد .

وقد نشرت جريدة (كامي) لسان حال الطلبة الجامعيين معلومات عن زوجات سوكرنو بعد فشل الثورة الشيوعية . قالت فيه أنه كان لسوكرنو ست زوجات في يوم فشل الثورة لا أربع كما يشاع وأوردت الجريدة أسماء زوجات سوكرنو وعناوينهن بالتفصيل .

أما زوجته فاطمة فقد رضيت بحالها وهي ترى خطوات زوجها العاطفية تتعثر في رحلاته داخل أندونيسيا وخارجها ، مابين حسناوات هوليود وفاتنات إيطاليا واليابان ، إلى جميلات الجزر الأندونيسية ، سواء كن متزوجات أو غير متزوجات . وخلال زيارته لجاوا الوسطى في زيارة رسمية كرئيس للجمهورية التقى في إحدى حفلات الإستقبال حسناء جاوية اسمها هارتيني وهي زوجة لرجل مسيحي ولها منه خمسة أولاد . شاهد سوكرنو هذا الجمال الأخاذ والقد المياس فأعجب بها ووقع في حبها وسعى الظفر بها . وأكره الزوج على طلاق زوجته هارتيني ثم تزوجها سوكرنو .

وأحدثت هذه الواقعة الغرامية لرئيس الجمهورية الأندونيسية ضجة كبرى في أندونيسيا ، وعارضت كثير من الصحف هذا التصرف من استخدام رئيس الجمهورية لنفوذه وسلطته للضغط على مواطن ليطلق زوجته من أجل رغبته في أن يتزوجها . وقابلت الصحف هذا التصرف المستهتر بالنقد الشديد اللاذع حتى تعرضت للإغلاق . ويستغرب سوكرنو هذه الضجة حول قضية غرامية بحتة ، قضية خاصة به ولاعلاقة لها بالجمهور . وفي هذا الصدد يقول سوكرنو في مذكراته صفحة 419 حول زواجه من هارتيني مايلي :

(لماذا تزوجت هارتيني؟ لسبب بسيط جدا ... ذلك السبب القديم ، قدم الزمن نفسه وسيبقى خالدا إلى الأبد . لقد التقيت بهارتيني فأحببتها ، وحبي لها حب رومانتيكي ، كان موحيا لي بكتابة كتبا خاص كامل عن هذا الموضوع) .

وعندما زار سوكرنو اليابان ، أتيحت له الفرصة كي يتعرف بفتاة يابانية حسناء ، تعمل بأحد المتاجر الكبرى في طوكيو ، فوقع في غرامها ، كما وقع في غرام غيرها من الساحرات الفاتنات . والفتاة اليابانية تصغره بسنين كثيرة . فتزوجها ونقلها إلى جاكرتا كملكة متوجهة على الشعب الأندونيسي وسماها رانتا ديوي .

وبالرغم من أن سوكرنو قد دخل سن الشيخوخة إلا أن غرامياته لم تنته ، فهو لم يكد يقع في غرام راتنا ديوي حتى وقع في غرام هارياتي ، وهي طالبة أندونيسية من جاوا الشرقية ومخطوبة لأحد الضباط من الشباب الأندونيسي . فأمر سوكرنو بفسخ الخطبة وإبعاد الأندونيسي . فأمر سوكرنو بفسخ الخطبة وإبعاد الضابط ثم تزوجها سرا ثم نقلها إلى جاكرتا وبنى لها قصرا فخما . ولكن كانت هارياتي تنفاس ضرتها اليابانية ، فلم ترض بالقصر الذي بناه سوكرنو لها ، فاضطر سوكرنو أن يستولي على جميع الأراضي المحيطة بالقصر ثم حولها إلى حديقة كبرى تابعة لقصر هارياتي . وزواج سوكرنو وهارياتي لم يدم طويلا فقد انتهى بالطلاق كما طلق غيرها . وعادت هارياتي إلى خطيبها الأول لتتزوج منه . وهي تعيش معه حتى اليوم . ولسوكرنو كثير من الغراميات القصيرة العمر كما أن له الكثير أيضا من الخليلات اللواتي حافظ على صلاته بهن حتى بعد سقوطه .

أما زوجته فاطمة ، فله منها خمسة أولاد ، ومن راتنا ديوي اليابانية بنت واحدة ، ومن زوج هارتيني عدد من الأولاد .

يقول سوكرنو في مقدمة مذكراته أنه محب عظيم ، يحب وطنه ويحب شعبه ويعشق الجمال ويحب المرأة ، وأكثر من هذا كله فهو يحب نفسه .

وفي موضع آخر من مذكراته ، عندما يدافع عن غرامياته واستهتاره يقول : (يقول الناس أن سوكرنو يحب الجميلات ,انه ينظر إليهن شزرا . لماذا يقولون ذلك ؟ إنه وصف غير صحيح .

إن سوكرنو يحب النظر إلى النساء ويغرق في تأمل الجميلات منهن بكلتا عينيه . وليس في ذلك جريمة . النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يعجب بالجمال . وإني كمسلم من أتباع محمد ... النبي محمد الذي يقول : إن الله خلق المخلوقات الجميلة كالنسوة ، إنه غفور رحيم . وأنا أوافق على مايقوله محمد .

وكما يحدثنا التاريخ فقد كان لمحمد عبد اسمه زيد . وهو أول من آمن واعتنق الإسلام . وكانت له زوجة جميلة اسمها زينب ، وقد رآها محمد ذات يوم ، فقال عند رؤيته لها : الله أكبر . وعندما سأله مريدوه لماذا كبر عندما رأى زينب ، أجاب محمد : إنني أحمد الله إذ خلق مخلوقا جميلا كهذه المرأة . إنني أحترم الرسول العظيم . ولقد درست أقواله بكل دقة . والإعجاب بالجميلات ليس جريمة . ولذا فأنا لا أخجل إن عملت مثل ذلك . إن الإعجاب بالجمال هو الشكر لله لما خلقه) .

عندما تم اختيار سوكرنو رئيسا للجمهورية الأندونيسية قبل إعلان استقلالها في عام 1945 كانت الأحزاب والقوى الوطنية والتي كانت معظمها حركات إسلامية ترى أن تختار سوكرنو ومحمد حتي إرضاء لغير المسلمين وتكتيلا للقوى الوطنية المناضلة . وهكذا فإن وثيقة الإستقلال التي أعلنت يوم 17 أغسطس 1945 موقعة من قبل كل من سوكرنو ومحمد حتي . ونص الوثيقة

كما يلي : وثيقة إعلان الإستقلال نحن الشعب الأندونيسي نعلن بهذا استقلال أندونيسيا سيتم تنفيذ الأمور المتعلقة بتحويل السيادة وغيرها بحكمة وفي أسرع وقت باسم الشعب الأندونيسي

توقيع سوكرنو توقيع محمد حتي

جاكرتا في 17 أغسطس 1945

وكانت اليابان التي احتلت أندونيسيا في بداية الحرب العالمية الثانية قد استسلمت الحلفاء في يوم 14 أغسطس 1945 . وفي يوم 15 أغسطس اجتمع أهل الحل والعقد من زعماء أندونيسيا فجاكرتا وتباحثوا في الموضوع وفيما يجب أن يتخذ من خطوات . وجرى نقاش حاد عجز المجتمعون خلاله عن الوصول إلى اتفاق . وانقسموا إلى فريقين ، فريق يدعو إلى إعلان الإستقلال حالا ، وفريق يدعو إلى التريث وانتظار ماينجلي عنه الموقف الحاضر بعد انتهاء الحرب . ولم يوق هذا الحال لبعض الشباب الأندونيسيين المتحمسين ، فهاجموا مقر الإجتماع واختطفوا الزعماء المجتمعين واقتادوهم إلى قرية صغيرة تبعد ثلاثين كيلو مترا عن جاكرتا . وكان من بين هؤلاء الزعماء المخطوفين سوكرنو ومحمد حتي ، وطالب الشباب بإعلان الإستقلال حالا ، وضغطوا على الزعماء المختطفين حتى أقنعوهم بصياغة وثيقة الإستقلال وتوقيعها .

وهكذا اجتمع المواطنون يوم 17 أغسطس 1945 ، وكان موافقا لشهر رمضان ، في ساحة الإستقلال بمدينة جاكرتا حيث تليت عليهم وثيقة الإستقلال ، وأعلن قيام حكومة الجمهورية الأندونيسية .

واتخذت الحكومة الجديدة مدينة جاكرتا عاصمة لجمهورية إلا أن ذلك لم يستمر سوى ثلاثة أشهر ، ثم انتقلت الحكومة إلى مدينة جوكجاكارتا بجاوا الوسطى نظرا لأن الوضع في جاكرتا كان مضطربا .

في 24 يناير 1947 هاجمت القوات الهولندية بشكل مفاجئ بعض مناطق الجمهورية الأندونيسية في محاولة لإعادة احتلالها .

كانت الدول العربية أولى الدول التي اعترفت بالجمهورية الأنونيسية رسميا . وقد اخترق وفد جامعة الدول العربية الحصار الذي ضربته القوات الهولندية المعتمدة ، ووصل إلى جوكجا في 13 مارس 1947 ليبلغ الحكومة الأندونيسية قرار الدول المنضمة إلى الجامعة العربية باعترفاها باستقلال أندونيسيا .

وبعد اشتداد المعارك بين القوات الهولندية الغازية والقوات الأندونيسية المدافعة ، جرت مفاوضات تم في هايتها التوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار وعقدت هدنة بين الطرفين . ولكن هولندا نقضت الهدنة في 19 ديسمبر 1498 وشنت هجوما عنيفا ، جوا وبرا وبحرا ضد الجمهورية الأندونيسية .

في ذلك الوقت بدأ يتجلى اختلاف وجهات النظر بين قائد القوات المسلحة الجنرال سوديرمان والرئيس سوكرنو . وجاء الجنرال سوديرمان إلى الرئيس سوكرنو عند بداية الهجوم الهولندي المفاجئ وأخبره أن الهولنديين سيدخلون بقواتهم الضخمة ويحتلون مدينة جوكجا ، وطلب الجنرال من سوكرنو أن يغادر قصره ويلتحق بالقوات الأندونيسية المحاربة ، حتى لايقع أسيرا في قبضة الهولنديين . وقد أبى سوكرنو مغادرة قصره وأصر على البقاء .

هاجمت الطائرات الهولندية المدينة وأنزلت رجال المظلات في مطار جوكجا كارتا ، وبعد ساعتين كانت القوات الهولندية تحاصر قصر سوكرنو ، الذي استسلم لها مع عدد آخر من الزعماء الأندونيسيين بعد أن رفع العلم الأبيض إيذانا بالاستسلام وعدم المقاومة . وقد نقلتهم هولندا إلى جزيرة سومترا حيث اعتقلوا هناك . وواصلت القوات الأندونيسية والشعب الأندونيسي حرب العصابات لتحرير أ،دونيسيا من الهولنديين . فتدخلت الأمم المتحدة وطالبت بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات بين الطرفين . فوافق الأندونيسيون على ذلك شرط إطلاق سراح الزعماء المعتقلين ، فاستجابت هولندا لذلك ، وعقدت مفاوضات المائدة المستديرة بين هولندا وأندونيسيا التي كان من نتائجها اعتراف هولندا باستقلال أندونيسيا في 27 ديسمبر 1949 .

وفي يوم 29 ديسمبر 1949 انتقل سوكرنو من جوكجا إلى جاكرتا العاصمة الأولى .

ولم يكد يمضي عام واحد على هذه الأحداث حتى ظهرت الخلافات بين سوكرنو والأحزاب الإسلامية ، وبصورة خاصة مع حزب ماشومي الإسلامي . وانتقلت معارضة الأحزاب لتصرفات سوكرنو واتجاهاته اليسارية والديكتاتورية إلى البرلمان وإلى المجلس ا|لإستشاري الأعلى وإلى الصحف . ودخلت إلى صفوف المعارضة أحزاب غير إسلامية . وتوالت الإنتفاضات الشعبية والثورات ضد حكم سوكرنو وتعددت محاولات الإغتيال ضده ، فكان أن شدد الحراسة حول نفسه . ويقول سوكرنو في مذكراته :

(نعم ، إن هناك خلافات بين القوى الدافعة للتقدم وبين القوىالمعارضة لها . وتطالب حركة دار الإسلام ، للقوة اليمينية المعارضة المخربة المؤسسة على التعاليم الدينية الضيقة الشديدة التعصب ، بقيام حكومة إسلامية . وقد استمرت مطالبتها هذه منذ عام 1948 .

(وقد أمر كارتو سويريو ، زعيم دار الإسلام باغتيالي ، وهو يقول أن سوكرنو يمانع ويعارض قيام حكومة إسلامية ، وإن سوكرنو يقول بأن الله ليس إله المسلمين وحدهم ، وإن سوكرنو يعمل ضد الإسلام ، وإن سوكرنو يقول أن أندونيسيا يجب أن تقوم على الأسس الخمسة .

(وجوابا على هذه التحديات من سوكرنو فإنه يجب قتله) . وفي مكان آخر من مذكراته يتحدث سوكرنو عن علاقته بكارتو سويريو في صفحة 403 بما يلي : (منذ عام 1918 كان كارتسو يريو صديقا حميما لي . كنت أشتغل معه ، وكنا نعمل جنبا إلى جنب ومع الزعيم جوكروامينوتو في سبيل الوطن . وخلال العشرينات كنت أسكن معه في بيت واحد في مدينة باندونغ نأكل ونخطط للمستقبل معا ، ولكن بينما كنت أجاهد على أساس القومية كان هو يجاهد على أساس الدين) .

في 30 نوفمبر 1957 هوجم سوكرنو بعد حفلة مدرسية بقنبلة يدوية ، ولكنه سلم وجرح غيره . وتم إلقاء القبض على الجناة وقدموا للمحاكمة وحكم عليهم جميعا بالإعدام ، ونفذ الحكم فيهم رميا بالرصاص .

وفي 9 مارس 1960 هاجمت طائرة مقاتلة القصر الجمهوري بجاكرتا وضربت بالصواريخ مكتب الرئيس الذي يجلس فيه عادة في ذلك الوقت من اليوم ، ولكن سوكرنو بالصدفة لم يكن موجودا في ذلك الوقت في مكتبه . وهرب قائد الطائرة إلا أنه ألقى القبض عليه وحوكم وأعدم .

وجرت غير هذه محاولات أخرى متعددة باءت جميعها بالفشل ، ومنها محاولتان جرتا في مدينة ماكاسار بجزيرة سولا ويسي الجنوبية خلال زيارة قام بها للمدينة .

وخلال الفترة التي بقى فيها الدكتور محمد حتى نائبا لرئيس الجمهورية حاول بكل جهده المساهمة في إشاعة الديموقراطية وإدخال الروح الإسلامية على نظام الحكم ، ولكنه كان يصطدم بسوكرنو .

فسوكرنو كان يسير في الاتجاه المعاكس تماما ، وكان كل منهما يشعر بذلك ، فكان لابد لها من أن يفترقا .

ويقول سوكرنو حول ذلك في صفحة 159 من مذكراته ما يلي : (لم ألتق مع محمد حتي في موجة واحدة أبدا . وأصدق تصوير يمكن أن أصور به زميلي محمد حتي ما حدث في إحدى الأسيات حين كنا في رحلة ، ولم يكن معنا في السيارة التي كنا نستقلها سوى راكب واحد آخر فقط ، وكان هذا الراكب فتاة جميلة . وفي نقطة معينة من الطريق انفجر إطار السيارة ، وكانت تلك النقطة خالية من البشر ، بعيدة عن العمران . وتوقفت بنا السيارة . وبعد ساعتين عاد السائق بعد أن أتم إصلاح الإطار ، ووجد محمد حتي قد انزوى في ركن السيارة بعيدا عن الفتاة يغط في نوم ساحر . إنني لم ألتق مع محمد حتي في شيء) . وفي صفحة 218 يقول سوكرنو : (في أيام ا|لإحتلال الياباني كنت أعمل مع الدكتور محمد حتي ، وعندما شعرنا بأن الحرب في طريقها إلى النهاية ، وإننا مشرفون على النصر ، بدأ بوادر الخلاف تعود إلينا من جديد . فلقد عاد محمد حتي إلى عادته القديمة التي يعارض فيها آرائي وأفكاري ولايتفق معي في شيء .

(إن محمد حي يدعو إلى قيام حكومة ائتلافية فيدرالية ، بينما أنا أدعو إلى تكوين حكومة اتحادية .

(وكانت هذه آخر مرحلة من مراحل تعاوننا وعملنا في نطاق واحد . ومنذ ذلك الوقت لم نعد زعيمين في جسد واحد) .

والدكتور محمد حتي من مواليد سومترا الغربية . تلقى دراسته الإبتدائية والثانوية في أندونيسيا ، ثم واصل تعليمه العالي في جامعات أوروبا ، واختار كلية التجارة والإقتصاد في هولندا وتخرج منها بشهادة الدكتوراه . وله عدة مؤلفات في الإقتصاد والفلسفة ، وقد تولى رئاسة الوزارة عدة مرات . وكان له الفضل في إخماد الثورة لاشيوعية الأولى عام 1948 . ولهذا حقد علهي الشيوعيون كثيرا .

وعندما عاد الشيوعيون إلى ماركزهم مرة أخرى وسيطروا على الأوضاع في عام الخمسينات حاولوا أن ينتقموا من محمد حتي ، فسيروا المظاهرات الكبيرة المعادية له . ووقف سوكرنو موقف المتفرج بل المشجع لكل الأعمال المعادية لمحمد حتي .

وعندما اندفع سوكرنو نحو الصين الشيوعية ، حاول محمد حتي الوقوف في وجه هذا الإندفاع ، ولكن محاولته كانت بدون جدوى . وفي آخر أيامه في منصبه تمادى سوكرنو في تجاهله إلى حد أنه كان لايستشيره في أي أمر من أمور البلاد .

وعندما تمادى سوكرنو في أعماله والإندفاع نحو الصين ، وازدادت شفة الخلاف بينه وبين محمد حتي ، لم يحاول محمد حتي الصدي لذلك ، بل فضل الإنسحاب من منصبه بهدوء . وقد عارضه كثير من أنصاره .

وعندما قدم محمد حتي استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية ، قبلها سوكرنا بدون تردد . وهكذا خلا الجو لسوكرنو ، إلا أنه لم يتم ملء منصب محمد حتي منذ استقالته ، وظل شاغرا حتى قيام وفشل الثورة الشيوعية وتنحية سوكرنو عن منصبه .

وثائق تدين سوكرنو بالفساد

تكشف خلال التحقيقات والمحاكمات التي جرت على حكام العهد البائد الكثير من الأسرار عن الفساد في نظام حكم سوكرنو ، من أسفل السلم حتى سوكرنو نفسه . وعندما فوجئ المدعي العام بما أدنى به المتهمون سارع إلى رفع تقرير عن الفساد في عهد سوكرنو إلى المجلس الإستشاري الأعلى . وقال المدعي العام أن سوكرنو قد رصد لحسابه مبلغ مليونين ونصف مليون دولار أمريكي في بنك توكيو ، ومبلغ مليوني دولار في البنك الهولندي . وكان سوكرنو كرئيس دولة ، قدوة لزملائه الوزراء . وقد ثبت أن سوبندريو الرجل الثاني بعد سوكرنو قد رصد أيضا لحسابه الخاص قبل الثورة بقليل في أحد بنوك سويسرا مبلغ 92 ألف دولار . وإن الوزير خير الصالح رصد لنفسه مبلغ 16 مليون دولار ( وقد انتحر خير الصالح في السجن قبل تقديمه للمحاكمة) .

ونشرت صحيفة كامي الناطقة بلسان جبهة الطلاب الأندونيسيين وثيقة عن استيلاء سوكرنو مبلغ خمسة وسبعين ألف دولار ، ثم مبلغ خمسة آلاف مليون روبية أندونيسية ، باسم مساعدة الثورة . وكان تاريخ صك الاستسلام هو يوم 25 يونيه 1965 . وتساءلت الصحيفة : أي تذهب مثل هذه المبالغ ؟

ونشرت نفس الصحيفة وثيقة أخرى عن استلام سوكرنو يوم 21 يوليو 1965 مبلغ 525 ألف دولار أمريكي . ووثيقة أخرى أنه صرف لحسابه الشخصي من أموال الدولة بالعملة الأندونيسية القديمة 597 451 734 626 11 روبية أندونيسية . كما نشرت وثائق أخرى عن مصاريف زوجته اليابانية راتنا ديوي التي كان تشتري أثوابها من باريس . وكمثال لهذا الإسراف الكبير صرفت راتنا ديوي مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي لرحلة واحدة فقط من أجل شراء بضعة أثواب وأدوات زينة باريسية .

ونشرت الصحف بعد ذلك الكثير من الوثائق التي استخرجت من البنوك في جاكرتا ومن الإدارة المالية عن مصروفات سوكرنو وعبثه بأموال الشعب ، وكثير من هذه المبالغ كان يصرف على الغانيات الحسناوات . وفيما يلي نذكر شيئا من تلك المبالغ التي كان يأخذها سوكرنو ، بعضها بتاريخ وبعض سندات الاستلام بدون تاريخ . ففي خلال إقامة سوكرنو باليابان أنفق المبالغ التالية من خزينة الدولة : في 6 يونيه 1946 3000000 ين 9 يونيو 1946 20000 دولار 16 يونيه 1964 100000 دولار 19 يونيه 1964 10000 دولار 19 يونيه 1964 70000 دولار 26 أكتوبر 1964 20000 دولار 26 أكتوبر 1964 15000000 ين 26 أكتوبر 1964 2000000 ين 28 أكتوبر 1964 120000 ين

هذه المبالغ المذكورة أخذها سوكرنو خلال شهري يونيه وأكتوبر 1964 فقط خلال زيارته لليابان .

أما خلال عام 1965 فقد تسلم سوكرنو خلال إقامته في جاكرتا المبالغ التالية : 26 يناير 1965 50000 دولار 10 مارس 1965 50000 دولار 15 مارس 1965 50000 دولار بدون تاريخ 100000 دولار 1 سبتمبر 1965 100000 دولار 22 سبتمبر 1965 100000 دولار بدون تاريخ 1965 50000 دولار نوفمبر 1965 100000 دولار بدون شهر 1965 100000 دولار بدون تاريخ ولا سنة 50000 دولار

كما أنه تسلم من (شركت إسلام) المبلغين التاليين : في 25 يونيه 1965 75000 دولار 21 يوليو 1965 525000 دولار

وفي 10 نوفمبر 1965 صرف سوكرنو ثلاثة شيكات باسمه محولة على بنك أندونيسيا كما يلي : من شركة ليان نام (Lian Nam) محرر 9/11/1965 بمبلغ 40418952 روبية أندونيسية . الشيك الثاني من شركة سيناروحيو (Sinar Wahjn) محرر 9/11/1965 بمبلغ 86350780 روبية أندونيسية . الشيك الثالث من شركة أونغ هونغ تاي (Ong Hong Tay) محرر 9/11/1965 وهو بمبلغ 792328557 روبية أندونيسية .

وفي 6 ديسمبر 1965 تسلم سوكرنو من رئيس البوليس السري مجموعة من سبائك الذهب الخالص عيار 24 قيراط يبلغ وزنها خمسين كيلو جراما . وكانت الحكومة قد صادرت هذه المجموعة من السبائد من أصحابها بحجة التهريب وتدكيس الذهب .

وفي 10 مارس 1965 تسلم سوكرنو من شركة بريجستون للإطارات في اليابان (Brigiston) مبلغ 2063130 دولار أمريكي مقبال امتنانها من سوكرنو التسهيلات التي قدمها لهذه الشركة .

كما أن حساب سوكرنو الشخصي في فرع بنك أندونيسيا في هولندا (Banc Indonesia) هو مبلغ 2500000 دولار أمريكي .

وبالطبع إن هذه المبالغ ليست سوى مثال صغير وصورة مصغرة لما كان سوكرنو يتسلمه من خزينة الدولة ومن الشركات التجارية بأساليب شتى . وهذه المبالغ التي أخذها جلها بعد الثورة الشيوعية الفاشلة عندما كان الحكم مايزال بيده ، أما المبالغ التي أخذها قبل الثورة فجلها ضاعت مع الزمن .

وقد جمعت الحكومة الأندونيسية الحالية ما تقدر على جمعه من هذه الوثائق في ملف خاص باسم (ملف سوكرنو) . وصورت هذه الوثائق ليطلع عليها الرأي العام .

ولم تدخل ضمن هذه المبالغ المخصصات الخاصة لسوكرنو وزوجاته ومصاريف القصر الجمهوري وقصوره الأخرى والعلاوات وماشابه ذلك .

سوبندريو المساعد الأيمن لسوكرنو ونيوتو

لعب الدكتور سوبندريو دورا كبير الأهمية في السياسة الأندونيسية خلال سني الرئيس السابق سوكرنو ، كما أنه لعب دورا هاما في الثورة الشيوعية الفاشلة . ومن الضروري أن يخصص له فصل مستقل في هذا الكتاب ، إذ أن نشاط سوبندريو لايلقى ضوءا على نشاط هذا الرجل فحسب ، بل ويسلط الأنوار على المصالح الأجنبية في أندونيسيا .

ويعكس ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ ، فإن الدكتور سوبندريو يحمل هذا اللقب بوصفه طبيبا .

ولد سوبندريو في 15 سبتمبر 1914 بجاوا الشرقية ، وتنقل في حياته السياسية بين عدة أحزاب سياسة دفعته إلهيا مصالحه أكثر من عقيدته السياسية أو غيرها . وقد اشتهر منذ الصغر بالأنانية الإنتهازية . وأفادته هاتان الصفتان في الوصول غلى ماوصل إليه من مراكز هامة حين اعتقل في 18 إبريل 1966 ، إذ كان يشغل حينذاك مناصب : نائب رئيس الوزراء (كان رئيس الوزراء سوكرنو)

ووزير الخارجية والمشرف على التجارة الخارجية . ورئيس قلم الإستخبارات السرية .

هذا إلى جانب مراكز أخرى متعددة أقل أهمية . وكان سوبندريو في وقت من الأوقات من الرجال البارزين في الحزب الإشتراكي ، وإذا به ينتقل فجأة إلى الحزب الوطني الأندونيسي الذي كان حينذاك قويا ، وعندما شعر بأن حزب نهضة العلماء قد قوي ساعده تقدم بطلب للإنضمام إليه ، إلا أن طلبه كان مصيره الرفض . وانتهز سوبندريو الفرصة حين شعر بأن الحزب الشيوعي قد بدأت أياديه تمتد إلى أبعد مما يمكن لحزب آخر ، فسارع إلى تقديم طلب للإنضمام لعضوية هذا الحزب ، فكان أن قبل طلبه بشروط معينة وضعتها له الهيئة المركزية ، وتقبلها والتزم بها حتى آخر أيامه في السلطة . وتتلخص هذه الشروط في أن يبقى سوبندريو في الحزب الوطني الأندونيسي ويعمل على تقوية الجناح اليساري فيه وربطه بالحزب الشيوعي ، وتوجيه سياسة الحزب في اتجاه مساير للاتجاه الشيوعي . وتوطدت علاقته بالشيوعيين بعد ذلك ، واصبح صديقا مقربا من الرفيق نيوتو . وفتح سوبندريو بيته في شارع دفونيقورو 36 بجاركتا للشيوعيين يقضون فيه سهواتهم ويعقدون اجتماعاتهم .

وفي الخارج قويت صلات سوبندريو بالصين الشيوعية ، وبصورة خاصة بشين ين نائب رئيس وزرائها ، الذي كان يتباهى بصداقته ويعبر عن سعادته بها في العديد من خطبه وأحاديثه ، حتى في المحافل العامة . وكان سوبندريو لا يتردد هو الآخر في القول بإيمانه بأن مستقبل العالم يقع في أيدي الشيوعيين ، وأن جميع العقائد والمذاهب والأيديولوجيات والأديان مصيرها الزوال ، ما عدا الشيوعية .

وقد بدا سوبندريو حياته العملية في وزارة الإستعلامات بقسم الأمانة العامة في عمل وظيفي يتعارض مع مؤهلاته كطبيب ، وتمكن خلال وقت قصير من كسب ود وثقة الذين هم أعلى منه مركزا في الوزارة . ومكنته علاقاته هذه من التدرج في المناصب بوزارة الإستعلامات حتى وصل إلى مرتبة الأمين العام . ثم انتقل إلى وزارة الخارجية ، ومن المعتقد أن للشيوعيين يدا في دفعه للتحول إلى الخارجية . ثم عين سفيرا في لندن ثم في موسكو . وعند عودته ألقى محاضرة عن انطباعاته كسفير لبلاده في لندن وموسكو ، ومما قاله لمستمعيه أنه يشعر بأن الشيوعية هي الحل المثالي لكل آفات العالم ومشاكله ، وأن العالم بكامله يسير بخطى حثيثة نحو الشيوعية ، شاء الناس أم أبوا ، وأنه ليوم قريب لن يكون في هذا العالم وجود سوى الشيوعيين ، ولا وجود لمبدا أ عقيدة أو نظام سوى الشيوعية .

وكان الحزب الشيوعي وفيا في برعاية سوبندريو ودعمه ، كما كان سوبندريو مخلصا في التقيد بتعليمات حزبه ومساندة اليسار بين صفوف الحزب الوطني الأندونيسي ، ودفع الحزب الوطني نحو الشيوعية وتنفيذ مخططاتها . وهكذا عين سوبندريو بعد عودته من الخارج أمينا عاما لوزارة الخارجية ، ثم اختاره سوكرنو وزيرا للخارجية .

وعندما شعر الشيوعيون بأن الوقت مناسب لخطوتهم التالية ، شكلوا وفدا يرأسه الرفيق عيديد ويضم الرفاق نيوتو ولقمان ونيونو وجميعهم من أقطاب الحزب الشيوعي ، وأرسلوا الوفد إلى سوكرنو بحسنات سوبندريو وفوائد تعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء ، مع احتفاظه بوزارة الخارجية ، إلا أن الوصول إلى اتفاق لم يمنع الوفد من قضاء نهاره كله في قصر سوكرنو ، وتحت رعاية زوجته هارتيني التي استضافتهم لتناول الغداء ، وشاركتهم الأحاديث والنكات ، ورفعت عنهم كل التقاليد المرعية والبروتوكولات .

ولقد جر سوبندريو أندونيسيا إلى الكثير من المشاكل بتنفيذ مخططات الحزب الشيوعي . إذ ابعد أندونيسيا عن صديقاتها وجاراتها وحليفاتها الطبيعيات ، ودفع بها إلى محور السياسة الصينية الشيوعية . وإذا بأندونيسيا في سياستها الخارجية أكثر دول العالم تطرفا ، وإذا بها تنسحب من هيئة الأمم المتحدة معلنة أنها تفعل ذلك تضامنا مع الصين الشيوعية والثورية للسير في فلك الصين الشيوعية . وتمشيا مع ما تمليه الصين الشيوعية لإثارة القلاقل في جنوب آسيا ، فقد أوعزت لسوكرنو وسوبندريو بقطع العلاقات مع ماليزيا وإعلان سياسة المجابهة ، وسلحت الشيوعية أبناء البلد وأرسلتهم إلى ماليزيا لمحاربتها ، كل ذلك بالرغم من أن الشعبين الأندونيسي والماليزي يرجعان إلى عنصر واحد هو العنصر الملايوي وتجمعهما وحدة اللغة والثقافة .

كان الدكتور سوبندريو طموحا ، وتركزت أنظاره على كرسي رئيس الجمهورية ، إلا ان قنع بأن يكون نائبا لسوكرنو على أمل أن يخلفه بعد ذلك في الرئاسة . ولذلك ركز سوبندريو كل ثقله خلف سوكرنو الذي كان يتمتع بحب الشيوعيين وتأييدهم .

وزار سوبندريو الكثير من الدول الشيوعية ، إلا أن الصين الشيوعية حظيت منه بزيارات متكررة متعددة ، كان خلالها يقابل بكثير من الحفاوة والترحاب . ووقعت آخر زيارة له لبيكين في شهر يناير 1965 ، أي قبل بضعة شهور فقط من الثورة الشيوعية الفاشلة . وقد رافقه في هذه الزيارة الهامة عدد من الزعماء الشيوعيين الأندونيسيين الذين وضعوا الرتوش للنهاية لمخططاتهم وعلى رأسهم الزعيم الشيوعي نيوتو ، ووزير الإستعلامات أحمدي وغيرهما . وقد حوكم هؤلاء الثلاثة إثر فشل الثورة بعد ثبوت اشتراكهم في التخطيط للثورة وتنفيذها . وحكم على سوبندريو ونيوتو بالإعدام وعلى الوزير أحمدي بالسجن 15 عاما مع الأشغال الشاقة .

وفي نهاية هذه الزيارة التاريخية صدر بيان مشترك لم يفصح كثيرا عن المخطط الشيوعي ، إلا أنه قال أنه في يوم 28 يناير 1965 انتهت زيارة الوفد الأندونيسي برئاسة الدكتور سوبندريو بعد أن أجرى محادثات مع رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية شوان لاي تتعلق بالوضع القائم وخاصة في جنوب آسيا ، وبحثت المسائل والقضايا المتعلقة بالتنمية والتطوير في كلا البلدين ، وركز المتباحثون على ضرورة استمرار توطيد علاقات الصداقة والتعاون بين بلديهما ، أندونيسيا والصين الشعبية . وبحث الجانبان مختلف الأمور المتعلقة بالإقتصاد والتجارة والمواصلات والشئون العسكرية . واتفق الجانبان على ضرورة تقوية ودعم التعاون بين بلديهما ، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالجهود العسكرية . كما اتفق الجانبان على استمرار تبادل الوفود العسكرية والتجارية وغيرها . وقال البيان المشترك إن حكومة الصين الشعبية تود أن تعبر عن تقديرها للزيارة التي قام بها صاحب الفخامة الدكتور سوبندريو والوفد المرافق له .

وكانشو إن لاي قد أقام حفل استقبال على شرف الدكتور سوبندريو يوم 24 يناير 1965 ورحب فيه قائلا : (إننا نشعر بسرور بالغ ، اليوم ، في استقبال الوفد الأندونيسي الذي بعثه إلينا الرئيس سوكرنو ، برئاسة النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية للدكتور سوبندريو ورفاقه . إن الدكتور سوبندريو صديق حميم لنا) . واستطرد شو إن لاي إلى القول : (أيها السادة : إن الشعب الأندونيسي يجاهد اليوم من أجل أمجاد جديدة ، وإن جهاد الشعب الأندونيسي هو الوصول إلى مجد البطولات...)

وفي يوم 26 يناير 1965 عقد اجتماع آخر كبير على شرف الدكتور سوبندريو في بيكين . وتحدث في هذا الاجتماع شين بي نائب رئيس وزراء الصين الشعبية فقال : (كلنا يعرف الدكتور سوبندريو معرفة جيدة . إنه سياسي محنك ، وإداري بارع ، ودبلوماسي متفوق . إن الدكتور هو الساعد الأيمن للرئيس سوكرنو وهو المقرب إليه ، وهو لايعرف النصب ولا الملل في خدمة الشيوعية ، وبث المفاهيم الثورية كما وردت في تعاليم الرئيس سوكرنو إنه يجاهد لتعضيد ومساعدة وتدعيم القوى النامية في العالم ، العاملة من أجل سحق القوى الرجعية القديمة البالية . وحسبنا ما نعلمه ويعلمه الجميع مما قام به الدكتور سوبندريو في الإجتماع التمهيدي للمؤتمر الآسيوي الأفريقي الثاني المنعقد في شهر إبريل من العام الماضي 1964 . لقد سجل ذلك الإجتماع نجاحا وانتصارا رائعين برئاسة الدكتور سوبندريو الذي أدار الجلسات بكفاءة فائقة .

(إن الدكتور سوبندريو صديق حميم للصين الشعبية كما هو صديق حميم لي شخصيا . وكنا كثيرا مانجتمع ونتلاقى خلال السنوات الأخيرة ، ونعمل معا ، ونتعاون في سبيل توطيد علاقات الصداقة بين بلدينا) .

وواصل شين بين حديثه متطرقا إلى سياسة للتعايش السامي التي يدعو إليها الإتحادي السوفييتي فقال لمستمعيه : (إن الثورة والثوريين لايمكنهم الستليم بالتعايش السملي مطلقا) .

وماعناه شين بي بالنجاح والانتصار الرائعين الذين حققهما سوبندريو في الاجتماع التمهيدي بجاكرتا للمؤتمر الآسيوي الأفريقي الثاني في شهر إبريل 1964 ، إنما القصد الأول هو إبعاده روسيا عن المؤتمر واعتبارها دولة غير آسيوية . وقد أثار هذا الأمر روسيا فقدمت احتجاجا شديد اللهجة بعد أيام من قرار الإجتماع التمهيدي . وتعتبر الصين أن سد الأبواب في وجه روسيا هو انتصار لها . وفي آخر يوم 27 يناير 1965 قال شين بي :

(لايمكن أن يكون هناك ريب أو شكوك في أن علاقات الصداقة والتضامن بين أندونيسيا والصين قد دخلت مرحلة حاسمة ووصلت إلى درجة هامة) .

وشدد شين بي : (إنه لايمكن لنا أن نتسامح بأي حال من الأحوال ، بل يجب علينا أن نجمع كل قوانا وطاقاتنا وإمكانياتنا لنشكل قوة ضخمة كبرى في حملات الجهاد) .

وعند عودة سوبندريو إلى أندونيسيا ، اجتمع برفاقه الشيوعيين ثم غادر جاكرتا متوجها إلى سومترا مع جماعة من الشيوعيين بينهم عيديد ، زعيم الحزب الشيوعي ز وأخذ ينتقل من هنا إلى هناك بين مختلف المدن الأندونيسية ليشارك في وضع الترتيبات النهائية للثورة التي أصبحت وشيكة الوقوع ، وشارك في الإشراف على تدريب الكادرات الشيوعية على حمل السلاح واستعماله .

وفي يوليو 1965 كان عيديد قد عاد من بيكين بعد أن استعجله سوبندريو وطالبه بالعودة إلى جاكرتا بصورة مستعجلة لأن الثمرة قد قرب موعد قطفها .

وفي أواسط شهر سبتمبر 1965 تم توزيع الشيوعيين بصورة سرية على كافة الجزر والقوى البعيدة ، استعدادا لتولي مقاليد الأمور حالما تعلن الثورة الحمراء .

وفي 28 سبتمبر 1965 غادر سوبندريو جاكرتا إلى سومترا ، على رأس وفد من الشيوعيين بينهم الرفيق نيوتو ، حيث عقد عدة اجتماعات علنية وسرية . وتحدث سوبندريو في الإحتفالات العلنية عن الثورة المرتقبة حاثا الحاضرين على التمرد قائلا : (إن يوم الفصل قد أصبح قريبا جدا ، وهو يوم الفصل بين الثوريين التقدميين وبين الرجعيين الخونة . وفي ذلك اليوم لايمكن لأحد من التقدميين الثوريين أن يتخلف أو يتقاعس أو يصمت . على كل تقدمي وثوري أنيقوم ويؤدي واجبه في الثورة ضد الأوضاع الحاضرة والرجعية الفاسدة فإن أهمل هذا الشعب الثوري في واجبه أو تخلف ، فهو المسئول عن كل مايصيبه أو يقع عليه) .

وفي أول يوم من شهر أكتوبر 1965 والساعة تشير إلى التاسعة صباحا ، كان الدكتور سوبندريو في اضطراب وقلق في الفندق الذي نزل فيه مع بعض رفاقه . وفجأة دخل عليهم جلال الدين يوسف ، الأمين العام للحزب الشيوعي الأندونيسي فرع سومترا الشمالية ونائب رئيس الجبهة الوطنية ، وهو يلهث ، وفي حالة هستيريا يصرخ في وجه سوبندريو يبشره فرحا بنجاح الثورة واستيلاء الشيوعيين على الحكم وأنه تم اختطاف الجنرالات . وفي الحال ظهرت على وجه سوبندريو سماه الفرح فجمع رفاقه وبشرهم بالنصر والبشر يغمره ، فتعانقوا جميعا وعلت أصوات التهاني ، فكل شيء قد تم تنفيذه طبقا للبرنامج الموضوع . وبدلا ن العودة إلى جاكرتا واصل سوبندريو ورحلته إلى مدينة لانفسا والمناطق الأخرى طبقا لبرنامجه السابق ، إلا أنه انتابه الفزع بعد ذلك عندما أبلغوه بفشل الثورة في اليوم التالي ، فقضى يومه مهموما لايستسيغ شرابا ولا طعاما ثم قرر العودة إلى جاكرتا .

وعندما رأى سوبندريو بأن حالة الشيوعيين تزداد سوءا بعد يوم 23 أكتوبر 1965 هاجم الصحف واتهمها بإثارة الفتن والقلاقل والكراهية ضد الشيوعيين ، وبالخيانة وممالأة الرجعيين . إلا أن الأمور لم تجر كما يشتهي سوبندريو ، وهكذا انتقل في يوم 28 فبراير 1966 إلى الدعوة إل مواصلة الجهاد والثورة ضد الرجعية والعقائد المخدرة وذلك في اجتماع لطلبة وشباب الحزب الوطني في قاعوة سنايان الرياضية ، وقال لمستمعيه : (يجب ألا يستسلم الثوريون وألا تفتر عزائمهم أمام تيارات الرجعية ، بل يحب مقابلة ا لقوة بالقوة ومجابهة العنف بالعنف والشدةة بأشد منها) .

وأوى سوبندريو الكثير من الشيوعيين الفارين في بيته ، إلا أنه لم يتمكن من البقاء طويلا بعيدا عن يد العدالة ، بل أخذت الأدلة تتجمع ضده يوما بعد يوم ، وفي 17 إبريل 1966 ، أصدر الرئيس سوهرتو أمرا باعتقاله ، وتم ذلك في يوم 18 إبريل 1966 ، وفي أول يوم من شهر أكتوبر 1966 قدم للمحاكمة .

وقد كان صدى اعتقال سوبندريو ، الرجل الثاني في الدولة ومحاكمته ، واسعا وقويا ، إذ أيدت هذا القرار كل القطاعات الشعبية وخرجت مظاهرات ومسيرات كبيرة خلال محاكمته تطالب بمحاكمة سوكرنو أيضا .

وقد اعترف سوبندريو خلال محاكمته بمحاربة الأحزاب الإسلامية ، وقال أنه إنما كان يتجاوب مع طلبات الحزب الشيوعي الذي كان يعتبر هذه المنظمات الإسلامية منفسا قويا له ، وإن الحزب الشيوعي طالبه بحلها . وقال سوبندريو أن الحزب الشيوعي يؤيد الصين ضد روسيا وأنه كان يعارض اشتراك روسيا في المؤتمر الآسيوي الأفريقي . وإن الشيوعيين الأندونيسيين هددوا رئيس جمهورية يوغسلافيا ، الرئيس تيتو . واعترف سوبندريو أيضا بأنه اتفق مع شو إن لاي رئيس وزراء الصين الشعبية على ألا تدفع أندونيسيا ديونها البالغة مائة مليون دولار لأمريكا ، وأن شو إن لاي وعد بإعطائه مائة ألف بندقية لتسليح الحزب الشيوعي الأندونيسي وتكوين ميلشيا خاصة به .

وحاول سوبندريو التهرب عن مسئوليته فيما حدث بقوله أنه إنما كان ينفذ أوامر صادرة من سلطة أعلى منه ، ويقصد بذلك سوكرنو . إلا أنه في النهاية اعترف بمسئوليته الكاملة بصفته النائب الأول لسوكرنو ، والرئيس الأول لقيادة عمليات التطهير ، وعضو الجبهة القومية التي تعمل لتعبئة الجماهير ، ونائب رئيس العمليات الإقتصادية ، ورئيس وكالة الأنباء (انتارا) التي سلمها في آخر أيامه الشيوعيين .

وقد سأله القاضي في بداية المحاكمة عن اسمه ودينه ، فأجابه سوبندريو بذكر اسمه وبالقول أنه مسلم وأنه ذهب للحج في الأراضي المقدسة . ودار بينه وبين القاضي الحديث التالي : القاضي – كم مرة تصلي في اليوم والليلة ؟ سوبندريو – كثير القاضي – كم عدد ركعات صلاة الصبح ؟ سوبندريو – أربع ركعات ! القاضي – كم عدد ركعات صلاة العصر ؟ سوبندريو أربع ركعات ! القاضي – كم عدد ركعات المغرب ؟ سوبندريو – أربع ركعات ! القاضي كيف تقول أنك مسلم ونقد ذهبت إلى الحج وأنت لاتعرف عدد ركعات الصلاة المفروضة اليومية التي يجب على المسلم تأديتها ؟

وانتهى سير المحاكمة التي دامت أياما وثبت أن سوبندريو كان مذنبا بالجرائم التالية : 1- إنه كان من المساعدين لقلب نظام الحكم . 2- إنه الذي أشاع وجود (مجلس الجنرالات) كذبا . 3- إنه المسبب في وقوع حادثة 30 سبتمبر 1965 . 4- إنه كان يعلم بالتدريبات العسكرية الشيوعية التي كانت تجري استعدادا للثورة ولم يعمل شيئا بشأنها . 5- إنه أثار مشاعر الكراهية والحقد لإثارة القلاقل والفتن في البلاد . 6- إنه اتهم بعض الصحف كذبا بأنها تسلمت أموالا من وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية . 7- إنه على الرغم من التدهور الاقتصادي والتضخم المالي الذي تعانيه البلاد ، فقد حول من أموال الحكومة باسمه إلى سويسرا ما قيمته ألف دولار أمريكي ، وإلى زيوريخ ماقيمته 250 ألف دولار أمريكي وإلى توكيو ولبنان مايوازي ذلك .

وقد أرفق المدعي العام دعواه بوثائق تثبت هذه الإتهامات .

وحكمت المحكمة على سوبندريو بالإعدام .

التمهيد لسقوط سوكرنو

كان يوم 27 رجب 1386 هـ يوما مشهودا في تاريخ أندونيسيا وفي تاريخ سوكرنو بالذات . فلأول مرة يحضر سوكرنو حفلا عاما ينتقد فيه ويحمل عليه من قبل خطيب في الحفل على مرأى ومسمع منه دون أن يستطيع شيئا . كان الخيطب الجنرال سوهرتو والمناسبة حفل ذكرى الإسراء والمعراج ، والمكان هو القصر الجمهوري بجاكرتا . وحضر الحفل زعماء المسلمين والعلماء وكبار رجال الدولة وسفراء الدول الإسلامية ومندوبو الصحف .

قال سوهرتو للحاضرين : (إن الشعب الأندونيسي ساخط على سوكرنو بسبب ممالأته وعطفه على الشيوعيين .

وأشار بيده إلى سوكرنو قائلا : (لقد أعطى سوكرنو للشيوعيين الفرصة للعمل ، وأصر على ذلك إلى اليوم ، وأنه يؤيد أعمال الشيوعية التخريبية والإجرامية من قتل وتعذيب) . وقبل أن يختم الجنرال سوهرتو كلمته وجه تهدديا غير مباشر إلى سوكرنو بقوله : (يجب أن يحاكم كل من اشترك في محاولة الإنقلاب الشيوعي الفاشل يوم 30 سبتمبر 1965) .

وكان يشير بذلك إلى اعترافات المتهمين الشيوعيين ووزراء الدولة الذين قالوا في اعترافاتهم أن لسوكرنو يدا في التخطيط والتنفيذ للثورة ، قاله سوبندريو ويوسف مودا دالم من الوزراء من أنهم كانوا ينفذون أوامر من أعلى منهم ، أي رئيسهم .

ولقد توالت الضغوط من كل جانب ، ابتداء من أول يوم لسقوط الثورة الشيوعية لإقالة سوكرنو وتقديمه للمحاكمة ، إذ كانت المشاعر الوطنية الملتهبة تدفع المواطنين إلى التعبير عن سخطهم على سوكرنو معتبرين أنه هو الأساس المدبر والداعي إلى الثورة – المأساة التي حصلت وقد خرج الطلبة في مظاهرات واسعة هاتفين بسقوط سوكرنو ومحاكمته . وكتب الصحفيون الأندونيسيون يكشفن حقائق دور سوكرنو ويطالبون بتنحيته من الحكم حالا . وأدلى السلم ورجال الحكم بل وقاده القوات المسلحة بتصريحات يناشدون فيها حكومة سوهرتو والبرلمان التعجيل بأقصاه سوكرنو عن السلطة .

كتب الصحفي الأندونيسي مختار لوبيس عدة مقالات كشف فيها الكثير من مخازي سوكرنو . وتساءل مختار لوبيس :

(لقد حكم على سوبندريو بالإعدام ، في حين أنه لم يكن سوى منفذ لسياسة سوكرنو . لماذا لا توجه إليه نفس التهم التي وجهت إلى سوبندريو . إذن ماهو مصير سوكرنو ؟) .

ومختار لوبيس هو صاحب ورئيس تحرير جريدة (أندونيسيا رايا) اليومية وهو من أشد المناوئين للشيوعية . وقد اعتقله سوكرنو مع عدد آخر من الصحفيين والسياسيين المناوئين للشيوعية ثم أفرج عنهم جميعا بعد صعود سوهرتو إلى السلطة . وكانت صحيفة (أندونيسيا رايا) هي التي كشفت النقاب عن فضيحة حكومة سوكرنو التي قدمت الفتيات للضيوف الأجانب الذين اشتركوا في مؤتمر باندونغ الآسيوي الأفريقي عام 1955 . وأثارت هذه الفضيحة الأخلاقية غضب الأحزاب والهيئات الدينية الإسلامية ، وقدمت هذه المنظمات احتجاجات شديدة اللهجة إلى الحكومة على هذه التصرفات المنافية للأخلاق .

وكتب الأستاذ سيوطي مالك المدرس بجامعة جاكرتا ، وأحد أصدقاء سوكرنو ، والذي تخلى عنه بعد ارتباطه بالشيوعيين بصورة مكشوفة كتب يقول :

(إن سكرنو يناقض نفسه بنفسه ، فحينما يقول إن في هذا العالم قوة ثالثة غير منحازة ، ويعمل حسب ادعائه من أجل تقويتها ، نراه يقول مرة أخرى أن في هذا العالم قوتان لاثالث لهما ، وهاتان القوتان هما : معسكر القوى النامية ومعسكر القوى الرجعية .

(ومعسكر القوى النامية على حد قول سوكرنو هما الصين الشيوعية وألبانيا . (فيتنام الشمالية وأندونيسيا ، أما معسكر القوى الرجعية فهو أمريكا وروسيا وباقي الدول التي لاتؤيد الصين الشيوعية) .

ويقول الأستاذ سيوطي مالك في مكان آخر : (لقد هاجم سوكرنو بشدة في خطاباته وكتاباته تعدد الزوجات ، لأنه يرى في ذلك ظلما وإجحافا بحقوق المرأة ، ولكننا نشاهده يعفي نفسه مما يؤاخذه به الغير فيتزوج كثيرا ويطلق كثيرا ، ويجمع في وقت واحد أربع زوجات ، ويختار لنفسه مايروق له من الفتيات الجميلات ويجمعهن عنده .وهو يخصص لزوجاته القصور الكبيرة والفرش الوثيرة وما يستتبع ذلك من حياة البذخ واللهو . ولقد كان لزوجاته نفوذ عظيم وهن يتلاعبن بأموال الشعب ويبذرنها ويتسابقن في كل شيء حتى في السياحة حول العالم ز وما إن تعود الواحدة منه من سياحتها حتى ترحل الثانية بادئة ما انتهت منه الأولى) .

وكتبت صحيفة (كاريا باكتي) اليومية مقالا في صفحتها الأولى عن سوكرنو وضعت له عنوانا : (سوكرنو أكبر مرتش ، يعيش في قمة الترف وسط شعب جائع فقير) .

وكتبت جريدة (كامي) الناطقة بلسان الطلبة الأندونيسيين مقالا جاء فيه : (من سجية سوكرنو وخلقه اتباع الميكافيلية وإنه لايعرف معنى الخلق السياسي أو السياسة الأخلاقية ، فهو لايخجل ولايستحي من أعماله ولايستحي من الفشل الذي يمني به ، كما أنه لايريد أن يترك الميدان لغيره .

(فمن مكره أن اتخذ الشعب مطية له وجعل من نفسه حاكما مطلقا . واتخذ من وداعة الشعب آلة لتنفيذ أغراضه ومن نوايا الشعب المخلصة وسيلة للوصول إلى مآربه . وأخيرا قال الشعب كلمته بعد أن خدع طويلا ، وخاب أمله فيمن ظنه زعيما وطنيا سيوجهه إلى الأفضل ، فإذا به يجره إلى الانحدار ويدفع به إلى الهاوية) .

وكتبت صحيفة (أمبيرا) اليومية التي تصدر بمدينة جاكرتا ، موضوعا افتتاحيا قالت فيه : (إن مظاهرات الطلاب وموقف الشعب وحملهم اللافتات ، إنما هو رد فعل لتصرفات الرئيس سوكرنو الذي عرض أندونيسيا للمجاعة والفقر وأفسح المجال للشيوعيين . وإذا قلنا ذلك فليس تحاملا منا على الرئيس سوكرنو أو انتصارا عاطفيا للشعب بدون تعقل أو روية ، ولكن هذا هو الواقع المؤلم . فالطلبة والشباب هم الذين يعتبرون الآن عن رغبات الشعب .

(وكم مرة طالبنا سوكرنو بالتجاوب مع الشعب ، إلا أن الأحداث تبدي لنا أن سوكرنو لايزال مصرا على آرائه وسياسته ، ولم يكن مع الشعب في شيء ، فهو لايشعر بما يشعر به الشعب ، ولا يحس بما يحس به الشعب ، وبصورة خاصة منذ الانقلاب الشيوعي الفاشل ، بل إنه كثيرا مايقول إن حادث 30 سبتمبر لايتعدى كونه حادثا طفيفا وأمرا عاديا ، يحدث مثله في كل ثورة ، وما هذه الحادثة سوى موجة صغيرة في خضم ثورة كبيرة) .

وطالب الشعب الأندونيسي الرئيس سوكرنو أن يتجاوب مع الشعب وأن يستنكر أعمال الحزب الشيوعي ، فلم يفعل ، بل بقي مصرا على آرائه التي هي في مصلحة الشيوعية ، بل تحدى الشعب الأندونيسي قائلا بأنه ماركسي ، أبعد هذا يلام الشعب الأندونيسي إذا تحرك ضد الرئيس سوكرنو ؟) .


وكتبت جريدة (واتابريتا) اليومية عن الرئيس سوكرنو في مقال افتتاح لها ، بأن سوكرنو يواصل جهوده في سبيل تدعيم الحزب الشيوعي الأندونيسي المنحل حتى يضمن لنفسه للبقاء في الحكم . إذ تعهد الحزب الشيوعي له بذلك ووعده باستمراره رئيسا للجمهورية مدى الحياة .

وقالت الصحيفة : (إن هناك مجهودات كبيرة تبذل اليوم بشتى الطرق لمقاومة قوات سوهرتو وأنصاره وأعوانه ، كما أننا نعلم أن سوكرنو يرفض المصادقة على مشروع إضافة مائة مقعد في البرلمان للأعضاء الجدد ، ويرفض التأييد لمعاقبة الذين قاموا بالثورة عن وعي ودراية . ونحن لانستطيع أن ننسى أو نتناسى موقف سوكرنو وتصرفاته لتاييد الحزب الشيوعي ، ولا نذكر خطابه الذي ألقاه فعيد الحزب الشيوعي الأندونيسي في شهر مايو 1965 أي قبل 4 أشهر فقط من الثورة الشيوعية ، حيث قال : (إنني أعانق الحزب الشيوعي بوصفي مفوضا من قبل مجلس الشورى ، وأعانق هذا الحزق بوصفه القائد الأعلى للثورة ، فهم إخواني وأبنائي ويعز علي أن أفقدهم) .

وقالت صحيفة (جهاد) اليومية :

(هل يخطئ الشعب عندما يطالب بمحاكمة الرئيس سوكرنو باعتباره مشتركا في حركة الثورة الإنقلابية الفاشلة ؟ لاسيما إذا تتبعنا أحاديث سوكرنو وماصرح به منذ أول يوم من أكتوبر 1965 . وهل لايثير الشكوك في النفوس حول موقف سوكرنو الكثير من اعترافات الوزراء التي أدلوا بها ، وإفادة الشهود ، والبيانات التي أعلنت عند محاكمة المتهمين ، واعترافات وتصريحات الشيوعيين وزعمائهم أنفسهم ؟

(وإذا لم يبادر سوكرنو إلى تلبية مطالب الشعب ، فإن التظاهرات التي يتزعمها الشباب ضده لن تنتهي . ثم إن سوبندريو وهو الرجل الثاني إحداث الإنقلاب الشيوعي قد حكوم وحكم بالإعدام فلماذا لايحاكم الرجل الأول في الثورة وهو الرئيس سوكرنو ؟ ) .

وفي وسط هذه الحملة الصحفية الواسعة النطاق كانت المظاهرات الشعبية تسير في شوارع جاكرتا والمدن الرئيسية الأخرى حاملة معها اللافتات التي كتبت علهيا عبارات مثل : (لانريد سوكرنو) أو (حاكمو سوكرنو) . وأعلن الطلبة أنهم لايعترفون بسوكرنو رئيسا للجمهورية وطالبوه بالتخلي عن منصبه . وقال الطلبة أن تعاليم سوكرنو ضللت الشعب الأندونيسي .

وأصدرت المنظمات النسائية الأندونيسية بيانا مفتوحا شديد اللهجة قالت فيه : (إن سوكرنو لم يعد صالحا للحكم لأنه يقاوم رغبات أكثرية الشعب ويؤيد الشيوعية المخربة ، كما صرح بذلك علنا هو بنفسه ، وقال بأنه ماركسي) .

واستطرد البيان : (إن السؤال القائم الآن هو : كيف يبقى سوكرنو على منصة الحكم وهو الذي جر البلاد إلى الفساد ، واستهتر بميزانية الدولة ، وبذر الأموال كما تهوى نفسه ، وأصبح أكبر مرتش في أندونيسيا ؟ إنه يعيش في القصور الفخمة الكبيرة بين شعب فقير جائع) .

وطلب البيان من سوكرنو التخلي عن الحكم ليفسح المجال لغيره ولمن هو أكفأ منه .

وفي ظل هذه النقمة الشعبية العارمة اجتمع البرلمان الأندونيسي واتخذ قرار رفعه إلى المجلس الإستشاري الأعلى للمطالبة بتنحية سوكرنو ، واعتباره المسئول الأول عن الثورة الشيوعية الفاشلة .

وبعد ذلك أعلن سوكرنو في حفل عام بأن مصر على فكرته ومبدئه ، وأنه يستميت للمحافظة على مركزه ومنصبه في الحكم ، وأنه لن يتزحزح أبدا قيد أنملة عن موقفه . وكان بهذا الإعلان يرد على قرار البرلمان الأندونيسي ويتحدى الشعب الذي يطالب بعزله ومحاكمته . وأتت ردة الفعل لتحدي سوكرنو الشعب والبرلمان بإعلانه إنه متصلب في موقفه من جانب الشيوعيين الفارين في جاوا إذ قاموا بحملة إرهابية جديدة واختطفوا طالبا كان يمشي في طريق عودته إلى البيت واقتادوه تحت التعذيب والإرهاب إلى مكان ناء بعيد وقتلوه ثم مثلوا به .

وفي مدينة سولو بجاوا الوسطى اختطف الشيوعيون عددا من الشباب المسلم وقتلوا عشرة منهم بطريقة وحشية .

وألهبت هذه الحوادث وغيرها نار النقمة في نفوس المواطنين فطالبت منظمة الطلاب في جنوب جزيرة سولا ويسي بالإسراع في تنحية سوكرنو ، ثم هاجمت الجزر الأخرى مهددة ومتوعدة بمقاومة كل من تسول له نفسه الدفاع عن الشيوعيين أو تأييد سوكرنو في موقفه الذي يتحدى فيه الشعب الأندونيسي .

سقوط سوكرنو

القرار الأول الذي اتخذه المجلس الإستشاري الأعلى كان بإلغاء قرار (رئاسة سوكرنو مدى الحياة) وتحديدها بمايلي :

(... وإن تستمر رئاسة الرئيس سوكرنو للجمهورية الأندونيسية حتى موعد الإنتخابات العامة ، على أن تجرى هذه الإنتخابات في غضون عامين فقط) .

وجاء القرار الثاني من سوكرنو نفسه ، ففي 20 فبراير 1962 وقع سوكرنو في القصر الجمهوري بالعاصمة جاكرتا أمام جمع من الوزراء والرسميين على وثيقة يتنازل فيها عن السلطة ويعطي جميع صلاحياته للجنرال سوهرتو . وتتلخص هذه الوثيقة فيما يلي : أولا – إن سوكرنو أدرك خطورة الموقف وشعر بأن لا بد من إنهاء حالة التوتر والإضطراب وإعادة الإستقرار . ثانيا – إن سوكرنو بناء على ما ذكر أعلاه يسلم مقاليد السلطة إلى الجنرال سوهرتو ابتداء من يوم 20 فبراير 1967 . ثالثا – يناشد سوكرنو الشعب التمسك بوحدته وتأييد الجنرال سوهرتو . رابعا – إن سوكرنو يسلم السلطة إلى الجنرال سوهرتو وهو يشعر بمسئوليته أمام الشعب والمجلس الإستشاري الأعلى .

واختتمت الوثيقة بالدعاء أن يبارك الله الشعب الأندونيسي ، ويحمل له مجتمعا زاهرا مبنيا على الأسس الخمسة من فلسفة الجمهورية الأندونيسية .

وأدلى الجنرال سوهرتو بعد توقيع سوكرنو على الوثيقة ببيان إلى المواطنين ناشدهم فيه الهدوء ، والمحافظة على الأمن والنظام ، وحذر من أن اية محاولة للتخريب أو الهدم من قبل الشيوعيين الفارين ، ستواجه بحزم وقوة .

ونقل سوكرنو بعد ذلك من قصر الرئاسة في جاكرتا إلى القصر الصيفي في مدينة بوقور التي تبعد عن جاكرتا جنوبا بمسافة ستين كيلو مترا . وأبدل الحرس حول قصره بفرقة جديدة من قيادة الجيش ، وشددت الحراسة عليه حفاظا على حياته ، وحتى لايتصل به أحد إلا بإذن خاص من القيادة العسكرية .

وأصبح سوكرنو يعيش بعد ذلك في انتظار قرار المجلس الإستشاري الأعلى فيما يتعلق بقرار البرلمان الأندونيسي الذي رفع إليه بتقديم سوكرنو للمحاكمة بتهمة المسئولية عن الثورة الفاشلة . وحدد يوم الثلاثاء 7 مارس 1967 موعدا لاجتماع المجلس الإستشاري الأعلى للبحث في مصير الرئيس سوكرنو الذي تربع على كرسي رئاسة الجمهورية الأندونيسية لمدة واحد وعشرين عاما .

وفي انتظار قرار المجملس الإستشاري الأعلى تجددت الأحاديث حول مصير سوكرنو في حالة عدم تقديمه للمحاكمة ، وهل يبقى في أندونيسيا أم يسمح له بمغادرتها ؟ وأعلن الكثيرون من أعضاء البرلمان والمجلس الإستشاري الأعلى عن رأيهم في أنه يجب ألا يسمح لسوكرنو بمغادرة البلاد قبل أن يستجوب ويحاكم باعتباره الرجل الأول في الإنقلاب الشيوعي الفاشل . بينما قال البعض أنه من الأفضل أن يسمح لسوكرنو بمغادرة البلاد إلى حيث يشاء لأن الشعب عرفه على حقيقته ولن يستطيع للعودة من منفاه . وأيدت الصين الشيوعية هذا الرأي الأخير على أن يتجه سوكرنو إلى إحدى البلدان الشيوعية . وكانت الصين تريد ذلك لتقوية مركز سوكرنو في الخارج والعمل على إسقاط نظام سوهرتو .

بينما أعلنت زوجة سوكرنو اليابانية راتنا ديو ، أنها تريد من زوجها أن يأتي للعيش معها في اليابان . ولم ترتح للصين الشيوعية لهذه الفكرة ، لأن طوكيو ليست المكان الذي يمكن لسوكرنو فيه الاتصال بأنصاره الشيوعيين في الخارج .

وفي الخارج وفي بيكين بالذات تزعم السفير الأندونيسي السابق (جاووتو) الدعوة لسوكرنو لمغادرة أندونييا واللجوء إلى الصين الشيوعية ، وعاون السفير المذكور بعض الشيوعيين الفارين من وجه العدالة ، أمثال يوسف اجي توروب الذي يعيش الآن في ألبانيا ، وهو من رجال الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الأندونيسي . ويتخذ هؤلاء جميعا من منظمة الصحافة الآسيوية الأفريقية في بيكين منبرا لنشر أفكارهم

في 7 مارس 1967 ، يوم اجتماع الإستشاري الأعلى ، امتلأت شوارع العاصمة بالدبابات والسيارات المصفحة وتمركزت فرق الجيش بأسلحتها الأوتوماتيكية في المواقع الحساسة من جاكرتا . وشددت الحراسة حول البيت الذي يسكنه سوكرنو بيما خرجت المظاهرات الكبيرة حاملة اللافتات القائلة (حاكموا سوكرنو) (اشنقوا سوكرنو) . في ذلك الوقت أعلن سوهرتو أن على المواطنين التزام الهدوء وأنه لايمكن أن يتخذ أي إجراء من الشعب ضد سوكرنو مباشرة ، سوى الإجراءات القانونية الدستورية .

وعندما افتتح المجلس الاستشاري الأعلى ألقى سوهرتو خطابا قال فيه : (إن الجيس لايريد أن يفرض إرادته على الشعب وإن الشعب حر في التعبير عن إرادته وفيما يتخذه من إجراءات في حدود القانون واحترام الدستور ومراعاة المصلحة العامة) .

وفاجأ سوهرتو الحاضرين حين قال لهم :

(إنه لايرى من الحصافة أن يزحزح سوكرنو من منصبه ، كما أنه لايرى أن يقدم سوكرنو للمحاكمة لأن القرائن لم تدل بعد على اشتراكه مباشرة بالثورة الشيوعية ، وإن كان يعلم بها ويعطف على الشيوعيين ويحبهم) .

ودار نقاش حاد داخل المجلس الإستشاري برئاسة الجنرال أبو الحارث ناسوتيون حول مصير سوكرنو . واستمر النقاش والجدل أربعة أيام ، انتهى بعدها المجلس إلى اتخاذ قرار بتنحية سوكرنو من مركزه وتعيين سوهرتو رئيسا للجمهورية بالنيابة ، ومنع سوكرنو من مزاولة أي نشاط سياسي أو اجتماعي . وقرر المجلس أيضا تشكيل لجنة قضائية خاصة للنظر والتحقيق في اشتراك سوكرنو في الثورة الشيوعية الفاشلة .

وما إن أعلنت هذه القرارات حتى عمت الفرحة مختلف أنحاء الجزر الأندونيسية ، وانطلقت المظاهرات في كل مكان مبتهجة من القرارات ، ودخل الطلاب مكاتب الحكومة ودواوينها وأزالوا صور سوكرنو المعلقة فيها وأحرقوها ورفعوا صور سوهرتو محلها .

وهكذا دخل الجنرال سوهرتو يوم الأحد 12 مارس 1967 المجلس الإستشاري الأعلى ليقسم اليمين الدستورية أمام رئيس الجلسة الجنرال أبو الحارث ناسوتيون وأمام أعضاء المجلس البالغ عددهم ستمائة عضو ، وذلك بحضور الوزراء ورجال الدولة ومندوبي الصحف ووكالات الأنباء والراديو والتلفيزيون . ونقلت وقائع حفلة أداء اليمين رأسا من قاعة المجلس على موجات الأثير إلى المواطنين الذين كانوا يتابعون سير الحوادث باهتمام من جميع الجزر . وعندما خرج رئيس الجمهورية بالوكالة ، الجنرال سوهرتو ،وساتقل سيارته الجيب العسكرية ، استقبلته الجماهير بالتصفيق والهتافات الحارة .

والجنرال سوهرتو من مواليد 20 فبراير 1921 في بلدة جوكجا كارتا . ونشأ في مسقط رأسه وتدرج في مجارسها الإبتدائية والإعدادية والثانوية فالكلية الحربية فكلية الأركان . واشترك كقائد في معارك التحرير ضد قوى الإحتلال الهولندي ولعب دورا هاما في تاريخ الثورة الأندونيسية . وعين قائدا للقوات الأندونيسية بايريان الغربية في عام 1962 لمجابهة الإحتلال الهولندي هناك ، وتمكن من إثارة الإضطرابات في صفوف المحتلين بإنزاله عددا من المظليين في ايريان الغربية .

وكان سوهرتو في ايريان الغربية عندما صدر قرار هيئة الأمم المتحدة في أن يقرر الشعب مصيره ويختار مايشاء .

وفي عام 1963 أعفاه سوكرنو من منصبه وأوكل إليه قيادة الجيش الإحتياطي الإستراتيجي .

حل الجنرال سوهرتو الوزارة القديمة وشكل حكومة جديدة برئاسته ، وقرر المجلس الإستشاري الأعلى تعيينه رئيسا للجمهورية حتى موعد الإنتخابات العامة في عام 1972 . وبهذا أصبح الجنرال سوهرتو ثاني رئيس للجمهورية الأندونيسية منذ الإستقلال .

وأدخل الرئيس سوهرتو تعديلات جديدة على وزارته في أوائل شهر يونيو 1968 ، وألحق بالوزارة عناصر قوية معروفة من الخبراء ذوي الكفاءات الإقتصادية ، وأهم هذه العناصر الدكتور سوميترو الخبير الإقتصادي المعروف ، وهو من أبرز المناوئين للنظام الشيوعي ، وقد أبعدته حكومة سوكرنو واضطهدته ، وكان وزيرا للإقتصاد في وزارة برهان الدين هاراهاب قبل عام 1956 ، وكانت وزارة برهان الدين آخر وزارة إسلامية .

وعين الرئيس سوهرتو كذلك أعضاء جددا في البرلمان والمجالس النيابية والمجلس الإستشاري يمثلون جميع عناصر الشعب واتجاهاته ماعدا الشيوعيين . واعترفت الحكومة بالحزب الإسلامي الجديد (الحزب الإسلامي الأندونيسي) وأصبح مجموع الأحزاب الآن : 1- حزب نهضة العلماء 2- حزب شركت إسلام 3- الحزب الإسلامي الأندونيسي 4- الحزب الوطني الأندونيسي 5- الحزب الكاثوليكي 6- الحزب البروتستاني 7- حزب ايبكي 8- حزب موربا

وبجانب هذه الأحزاب ، هناك منظمات كثيرة منها الطلابية والمهنية والنسائية وغيرها ، وكذلك جبهة الطلبة الجامعيين ومنظمة للمهندسين وأخرى للأطباء وغيرها لأرباب الحرف المختلفة . كما توجد نقابة الصحفيين ورابطة الكتاب والأدباء ، وليست هذه بأحزاب سياسية إلا انها تلعب دورا هاما في الحياة السياسية الأندونيسية .

كيف يقضي سوكرنو آخر أيامه ؟ انتهى حكم ال أنا .. أنا الحاكم ، أنا الرئيس ، أنا الزعيم ..

في 18 ربيع الأول 1967 فرضت حكومة أندونيسيا على سوكرنو الإقامة الجبرية ، وأصبح لايستطيع أن يغادر منزله إلا بإذن خاص من القيادة العسكرية ، ولايمكن لأحد أن يزوره إلا بإذن خاص . فهو لايستطيع أن يذهب ويزور زوجاته الأخريات لأنه محرم عليه دخول العاصمة جاكرتا .

ويفسر الساسة والدبلوماسيون هذه الخطوة بأنها أولى الخطوات لإدانة سوكرنو وتقديمه للمحاكمة . وقد فرضت الإقامة الجبرية عليه بعد أسبوع من حدوث المظاهرات الكبيرة ، إذ طالب المتظاهرون بمحاكمة سوكرنو وذلك في أعقاب اكتشاف خلايا ومؤامرات تحاول الإطاحة بسوهرتو ، وقد تم اعتقال بعض الضباط الذين لهم يد في هذه المؤامرة .

ومن اليوم الذي أعلن فيه قائد حامية جاكرتا الجنرال أمير محمود عن تحديد تحركات سوكرنو ومراقبته ، أصبح سوكرنو فاقد النفوذ . وماكان سوكرنو يتوقف أن يصل إلى هذا المصير وأن يجرد من جميع السلطات ويبعد عن الحكم ثم تحدد تحركاته وتفرض عليه الإقامة الجبرية لأنه يؤمن بأنه الرجل الأول في البلاد وأنه الرئيس المطلق . ورغم هذه الحوادث فلاتزال تحدثه نفسه بالعودة إلى الحكم وإلى رئاسة الجمهورية لأنه يعتقد بأن الأمر لن يستقر للجنرال سوهرتو .

وحتى قبل ثوان من إعلان الإقامة الجبرية كان سوكرنو يعتقد أن حكومة سوهرتو ستنتهي في أقرب وقت ، ولكن عندما أبلغوه إعلان تحديد تحركاته والإقامة الجبرية تغيرت فجأة ملامحه وبانت عليه سماه الغضب والقلق ، وساورته الإنفعالات وأثرت في جسمه تاثيرا عميقا غير مجرى حياته اليومية .. إنه يعاني صدمة نفسية ، وتجلت آثار هذه الصدمة في أحاديثه اليومية . وكثيرا ما تقوم زوجته هارتيني بتهدئته وتخفيف آلامه وتدخل عليه المرح والسرور وتواسيه ، وكثيرا ما تشمت وتهزأ بالحكام الحاليين ومن الحالة الحاضرة ، فيشعر سوكرنو بنوع من الهدوء والإطمئنان ويحييها بابتساماته الساخرة المعروفة .

أين يقيم سوكرنو ؟

في ضاحية تبعد عن العاصمة جاكرتا ستين كيلومترا ، وفي قصر بكير فخم هو قصر الصيف ، يسكن سوكرنو مع زوجته هارتيني وأولاده منها . أما باقي زوجاته فيسكن في بيوت خاصة في مدينة جاكرتا ، ماعدا زوجته اليابانية التي عادت إلى وطنها بعد الثورة الشيوعية الفاشلة عام 1965 .

وقد شيد سوكرنو لنفسه قصرا جديدا كبيرا يقع على رابية جميلة من جبال جاوا الغربية ،ويشرف هذا القصر على سهول ووهاد زاهية ومزارع خضراء وأنهر وجداول جارية . وبعد هذا القصر الجديد تحفة من التحف قد أثث بأفخر الأثاث وفرش بأبدع المفروشات وهو مبني على الطراز الهندسي المزيج من الكلاسيكي الأندونيسي وفن الهندسة الحديثة الغربية ، وقد تكلف البناء والتزبين مبالغ باهظة جدا ، وهذا القصر هو ملك سوكرنو الخاص ، ولم يدخله إلا مرة واحدة بعد أن تم البناء وكان قد فقد كل سلطته ، ويعيش سوكرنو اليوم بعيدا عن المجتمع الساخط عليه فالشعب لايزال يطلب من الحكومة الحالية للتحقيق معه ومحاكمته لاشتراكه الفعلي المباشر في الإنقلاب الشيوعي الفاشل . لكن الحكومة الحالية ترى عدم التسرع في اتخاذ القرارت أو القيام بأعمال ارتجالية قد تأتي نتيجتها ضد المصالح العامة .

وفي الأسبوع الثاني من شهر أغسطس عام 1967 تم نقل سوكرنو من مقره في القصر الصيفي في مدينة بوقور إلى مكان ناء في ضاحية جاكرتا ، وبهذا تم إبعاده كليا عن كل النشاطات وأصبح معزولا تماما .

الحكومة وسوكرنو : تقدم الحكومة الحالية معاشا لسوكرنو ولكل زوجة من زوجاته ، وتؤمن كل حاجاته بما يكفيه ، وهو يعيش عيشة طيبة وله من الخدم رجالا ونساء من يقوم بخدمته ليلا ونهارا .. ولكنه لايعيش اليوم كما كان يعيش في الماضي إبان سطلته . فالقصر الذي كان يسكنه إلى ماقبل شهر أغسطس 1967 هو القصر الجمهوري الصيفي ، وهو القصر الفاخر العظيم الذي تحيط به حديقة غناء كبيرة غرست فيها الرياحين وأنواع الورود وتمرح فيها الغزلان ، وتمر الجداول وتنساب في قنوات بين الأحجار ومغارس الزهور ، ويستطيع كل زائر أن يرى ذلك حينما يمر على القصر . وفي الجهة الخلفية منه أكبر معهد للأغراس النيابية فيه كل نوع من أشجار العالم حتى النخيل والتفاح والزيتون والعنب .

في 7 من شهر إبريل 1967 خرجت من القصر سيارة كبيرة من الطراز الحديث وكان بداخلها سوكرنو الرئيس السابق لجمهورية أندونيسيا ز هذه المرة خرج سوكرنو من القصر بدون ملابس رسمية ولانياشين ولاحرس شرف ، واكتفى بارتداء قميص قصير الأكمام وعلى عينيه نظارة سوداء . خرج ولم يؤد له الجندي الحارس على باب القصر التحية كما كان يفعل دائما ، ولم تعد له تلك الأبهة والعظمة . لقد غادر سوكرنو القصر للمرة الأخيرة ليسكن في ضاحية جاكرتا بعد أن مكث في القصر الجمهوري طوال 17 عاما ، وخرجت بعده سيارة أخرى تحمل الأثاث والأمتعة ومايملكه سوكرنو من تحف وهدايا ، وهذه ايضا آخر سيارة لها علاقة بسوكرنو تخرج من القصر الجمهوري .

ولم يمض غير قليل حتى دخلت القصر سيارة أخرى للجنرال سوهرتو تحمل بعض الأمتعة ، لأنه تقرر أن يقيم الجنرال سوهرتوف ي هذا القصر ، وفي اليوم التالي سيستلم لأول مرة في عهده كرئيس لجمهورية أندونيسيا ورقة اعتماد من سفير الأرجنتين الجديد في يوم 8 إبريل 1967 ، وفي هذا اليوم أذاع راديو جاكرتا خبرا مفاده أن الجنرال سوهرتو سيفتح عهدا جديدا في تاريخ جمهورية أندونيسيا الجديد ، ولأول مرة سيستلم ورقة اعتماد من السفير الأرجنتيني المستر بومي فولير نوزافا . وقد صدرت الصحف المسائية والصباحية في اليوم التالي بوصف شامل وتحقيق صحفي واسع ، ونشر تليفزيون جاكرتا حوادث الحفلة مع التعليق عليها .

جلس سوكرنو أمام التليفزيون وبجانبه مجموعة من الصحف اليومية وبعض المجلات الخارجية الصادرة قبل أسبوع . جلس أما التلفزيون مكفهر الوجه حاسر الرأس يشاهد سير الحفلة وأمامه على منضدة ضغيرة فنجان كبير من القهوة الحلوة يحتسيها من آن إلى آخر كعادته ، لقد شاهد الحفلة وهو يشعر كأنها طعنات في قلبه ، ورأى الوجوه التي ملأت القصر وكيف بلغ اهتمام الصحفيين بها . فقد بلغ عدد الصحفيين الذين حضروا الحفلة أكثر من مائتي صحفي من الداخل والخارج ، مع مراسلي وكالات الأنباء ومندوبين عن السينما والتلفزيون .. إنه حدث كبير في تاريخ أندونيسيا .. لقد تزحزح سوكرنو وزال منالمسرح السياسي .

وتتبع الصحفيون هذا الحدث الجديد والتطور والإنقلاب في تاريخ أندونيسيا والتحول العظيم من حكم فردي استبدادي ديكتاتوري اشتراكي إلى حكم ديمقراطي . لقد تجلى هذا التطور الكبير في الكلمة التي قالها سوهرتو .

تتبع سوكرنو سير الحوادث على التلفزيون محاولا ضبط أعصابه ، وبقي يضغط عليها ، ولكنه فشل فثار وصاح وغضب ، ورمى الصحف من جانبه ، فهرعت إليه زوجته هارتيني تسأله ما الأمر ، واتجهت نحو التلفزيون لتغلقه . ولكن سوكرنو منعها وأبى إلا أن يرى سير الحفلة حتى النهاية ، ويستمع إلى قول المعلق على الأنباء .. .. فاقتربت منه هارتيني تهدئه وقدمت إليه أقراصا من الحبوب المهدئة فتناولها وعاد إلى مقعده وهو غضبان ، وبقيت هارتيني تواسيه بكلمات أشاعت في نفسه بعض الإطمئنان .

وكثيرا مايستمع سوكرنو إلى الراديو ليتتبع نشرة الأخبار ، ويتابع الصحف المحلية باهتمام كبير وبإمعان ودقة ، ويهتم اهتماما خاصا بإذاعة راديو بيكين فلايفوته شيء منها . وهكذا شأن الضعيف الذي فقد سلطته ، يتطلب المعاذير والاستناد إلى القوي ، ويتلمس أشياء تبرد ما ألم به ، ويعلل بتعليلات منطقية واهية ، وقد يقارن بين ماتذيعه الإذاعات الخارجية والداخلية . إنه يأنس لسماع إذاعة بيكين التي لاتزال تمجده وتعتبره الزعيم الأوحد لأندونيسيا ، وأن لا أندونيسيا بدون سوكرنو . إن سوكرنو في سماعه إلى هذه الإذاعات يسلي قلبه ، ويزيل منه المتاعب التي أرهقته ، ويشعر بنوع من الإطمئنان ، ولكن عندما يستمع إلى نشرة الأخبار والتعليقات من راديو أندونيسيا يساوره في الحال الغضب ولايستطيع أن يضغط على أعصابه فيسترسل مع عواطفه وانفعالاته النفسية ، ويصبح بأعلى صوته : - إنهم خونة ، عملاء ، رجعيون ، آلة بيد الاستعمار ، لابد أن أنتقم منهم شر انتقام .. ثم يخطو بضع خطوات وقد تغيرت ملامحه واكفهر ويقف كالذاهل ، وإذا أرهقته الإنفعالات يذهب متجها إلى الحديقة المليئة بالأزهار الشذية المتنوعة ، أو ينصرف لمشاهدة الصور والرسوم الزيتية لتلهيه عن الهواجس التي تنتابه .

كيف يقضي يومه ؟ يقوم سوكرنو من النوم باكرا كعادته . وقد يرتاض رياضة خفيفة |، ويستحم ثم يأتي إلى مائدة الفطور المعدة له في الساعة السابعة صباحا بعد أن يراجع بعض الصحف الصباحية ، ويبتدىء دائما بقراءة صحيفة (سوارا مارهين) و (البحيري) هاتين الجريدتين اللتين لاتزالان تعطفان علهي وتعتقدانه ولاتهاجمانه .

يرتدي سوكرنو في البيت لباسا بسيطا ، وهو يميل دائما إلى اللون الفاتح الزاهي ، وسوكرنو أنيق يحب الأناقة والنظافة والجمال ، وهو معروف بذلك منذ صغره ، فهو متأنق في ملبسه ، في مأكله ، في حياته .

وكثيرا ماكان يزوره أصدقاؤه الخلص قبل قانون الإقامة لاجبرية في الصباح الباكر ، ويتناولون الفطور معه ، ويتبادلون الأحاديث والآراء .. أنهم يجدون في هذا الوقت متسعا للاتصال به مباشرة بدون حاجب . أما وقد أعلنت الإقامة الجبرية ، ومنع عنه الزوار إلا بإذن خاص من قائد حامية المنطقة ، فلم يعد يأتي إليه أحد . وهو يقضي جل وقته مع زوجته ومن في البيت من أولاده وخدمه .

طعامه : يميل سوكرنو إلى أنواع خاصة من المأكولات الأندونيسية ، والأطعمة اليابانية ، فهو لايتناول لحم البقر ولكنه يميل إلى لحم الضأن ، ويقدم إليه مشويا ممزوجا بأنواع من البهارات المعروفة ب(ساتي) .

وتقوم هارتيني بتحضير الطعام بنفسها ، وتتولى هي الطهي ، وكان سوكرنو يبتسم كثيرا إذا ماقدمت له الطعام . أما المأكولات اليابانية فكانت زوجته اليابانية هي التي تحضرها قبل مغادرتها أندونيسيا . وقد حاولت هارتيني أن تقدم له الأطباق اليابانية التي يحبها ، ولكنها مااستطاعت أن تتقنها كاليابانية . ويتناول سوكرنو وجباته اليومية من فطور وغداء وعشان مع زوجته وأولاده وقد كان قبلها مع زمرة من أصدقائه . ولاتخلو مائدته ، خاصة عند الفطور ، من العسل الجرداني المعروف المصفى ، وهو يحب العسل ويميل إليه ، ويأكل وجبات الفطور بشهية ، وعندما ينتهي من تناول الطعام يؤتى إليه بمجموع كبير متنوع من حبوب الفيتامينات والعقاقير المقوية والهرمونات وغيره مما يصف له الأطباء . وسوكرنو يحافظ على مواعيد الوجبات .

وبعد تناول الفطور ، يقضي سوكرنو ساعات وهو مستلق على كرسي طويل في بهو القصر الذي يشرف على الحديقة والجداول المنسابة ، فيستمع إلى خيرير المياه ن وبجانبه على طاولة صغيرة فنجان قهوة على الطريقة الأندونيسية المعروفة التي تشبه القهوة التركية اللذيذة ، مع بعض الحلويات والمرطبات . فيطالع الكتب وهو هادئ البال مستقر الحال ، وقد يقرأ المجلات الخارجية الإنجليزية ، وعندما ترتفع الشمس يترك المكان ويذهب إلى مكتبته ويقضي فيها بعض وقته حتى يحين موعد الغداء .

وعندما يجلس في مكتبته يقوم بكتابة وتدوين مايجيش في صدره ، وقد تكون هذه المجموعة في المستقبل كمذكراته بعد الثورة الفاشلة . وقد أصدر سوكرنو مذكراته وطبعت باللغة الإنجليزية عندما كان رئيسا مطلقا للجمهورية . أما اليوم فهو لايستطيع أن يلقي خطابا ولا أن ينشر كتابا ، ولا ترضى الصحف أن تنتشر له شيئا ، فليس له إلا أن يجمع هذه الهواجس عنده .

يقضي سوكرنو جل أوقاته هذه الأيام فمطالعة الكتب والمجلات والصحف المحلية التي كثيرا ماتثير أعصابه ، ويقرأ كثيرا قبل أن يأوى إلى فراشه . وقد يجلس سوكرنو في وقت من أوقاته وهو هادئ البال ، ليراجع مجموعة الصور الموجودة في الألبوم . وتثير هذه الصور أحداثا تمر في مخيلته كمشهد سينمائي : إنها تذكره بأيامه الماضية الباهرة التي عاش خلالها الزعيم الأوحد ، يأمر فيطاع ، وتتودد الدول إليه رغبة في صداقته أو مجاملة له ، ويقف فجأة عندما يرى صور يوم زيارته لورسيا في شهر أغسطس عام 1956 ، وكيف استقبل في مطار موسكو ، وقد احتفى به آنذاك خلاصة زعماء روسيا مثل خروتشوف وبلغانين وفيروشيلوف وميكوبان ومالينكوف وغيرهم ، وقد ذهبوا كلهم ولايعرف من أمرهم شيء . إنه يذكرهم واحدا واحدا ، وكيف قضى تلك الأيام الحلوة بين الرفقاء في روسيا ، والأحاديث التي دارت بينه وبينهم في مجتمعات وعلى انفراد ...

إنها أيام حلوة لا يستطيع أن ينساها . ثم يتذكر زيارة فوروشيلوف رئيس جمهورية روسيا والحفاوة الكبيرة التي قوبل بها في أندونيسيا ، ولكنه ما لبث أن عزل من منصبه .. ثم زيارة خروشوف إلى أندونيسيا والذي عزل بعد عودته أيضا .. فهذه الشخصيات الشيوعية الروسية تعيش اليوم في المنفى في أماكن مجهولة ، وتحت رقابة شديدة .. وربما أدينوا بالخيانة وفساد العقيدة بالأسلوب الشيوعي المتبع .

شخصية سوكرنو : وسوكرنو ذو شخصية قوية ، فهو ذكي ولبق وسريع الإدراك ، ومرح في الوقت نفسه . وهو حاو الحديث ، يبتسم كثيرا وقد ينكت ، وعنده ملكة خطابية ممتازة لايملكها غيره . إنه يسترسل في خطابه الساعة والساعتين بدون توقف ولا عياء ولا تلكؤ ، يسترسل في كلامه استرسالا ، والكلمات والجمل والعبارات مرتبطة ببعضها البعض . ويمتاز سوكرنو في خطبه أكثر من كتابته النثرية والشعرية ، وجل خطبه ارتجالية ويملحها بالنكات الشعبية التي قد تكون لاذعة في بعض الأحيان . وهو يقول الشعر وله قصائد كثيرة ومقطوعات تمتاز بكثرة التشبيه ، وقصائده فيا سلاسة التعبير ، وتناسق الألفاظ والمعنى . والذي عرفه عن كثب ، وجالسه واتصل به واندمج معه وجد فيه الطروب السمح المضياف الكريم ، وكأنه ليس ذلك الرجل الذي يقف أمام الألوف خطيبا مصقعا .

إن سوكرنو يعتز بقوميته وبلاده ووطنه وأفكاره وسياسته ، فهذه السلطة الطويلة التي تمتع بها طوال عشرين عاما خلق فيه هذا الشعور وهذا الإعتزاز ، وهذا الإندفاع المطلق نحو الاعتداد بآرائه فقط دون غيره من رجالات أندونيسيا ، وعدم الرضا بأخذ آرائه والاستماع إلى نصائحه أدى به إلى الانحراف نحو الماركسية الشيوعية دون تحفظ ، والإندفاع نحو الصين الشيوعية التي وعدته بزعامة جنوب آسيا إذا أعلن قيام حكومة شيوعية ، وقضى على كل حركة تقاوم الشيوعية في أندونيسية قضاء نهائيا .

ومع هذه الصفات كلها ، فإن سوكرنو ضعيف أمام المرأة . إنه يقول دائما ويكتب في مذكراته أنه يحب الجمال .. يحب المرأة الجميلة . تلك ناحية من نواحي ضعفه ، وقد استغل الشيوعيون نقطة ضعفه هذه فتقربوا إليه وتوغلوا في أفكاره .

ومعرفو عن سوكرنو أنه من هواة الفن ، بل هو فنن بارع وملحن بارع ، وهو مهندس معماري معروفوله ذوق خاص يمتاز به ويعرف عنه في الديكور والرسوم والتصوير والغناء والموسيقى .

فالزائر القادم إلى بيته يرى مجموعة كبيرة من الرسوم الزيتية المختارة في غاية الإبداع والإتقان معلقة على الجدران ، حتى ليخيل للقادم والزائر أنه معرض للوحات الرسوم الزيتية لكبار الرسامين والفنانين .

وقد خصص سوكرنو جناحا للهدايا المجموعة التي قدمت إليه من الملوك ورؤساء الدول والمنظمات والأحزاب والزعماء وغيرهم ، وتتكون هذه الهدايا من تحف نادرة ومزهريات تاريخية قديمة ، وسيوف ذهبية مرصعة بالجواهر الثمينة ، وخناجر ذهبية ونياشين وعقود لؤلؤية وغيرها . وقد وضع كل ذلك داخل خزانات من الزجاج فرشت بالديباج الأخضر الفاقع بحيث تسهل للناظر رؤيتها ولايمكن له مسها .

مكتبة سوكرنو : إنها في غرفة كبيرة زينت جدرانها بالديكور الممتاز الجميل وزينت بدواليب فيها مجموعات من الكتب ، ويجلس سوكرنو على كرسي أمام طاولة يكتب عليها ، وخلفه الصور الفوتوغرافية لرؤساء الدول من أصدق أصدقائه مثل : تيتو ، وماوتسي تونغ ، وجمال عبدالناصر ، ونهرو ، وخورشوف ، وقد وضعت هذه الصور في إطار فضي جميل .

ويحتفظ سوكرنو بمجموعة الرسائل التي ترد إليه شخصيا ، وصور عن أجوبته ، ويحتفظ أيضا بالخطب التي كان قد ألقاها ، والمقالات التي نشرتها الصحف عنه ، أما الخطب الإرتجالية فهي محفوظة في أشرطة المسجلات ، ما عدا اخلطب الإرتجالية القديمة التي ألقيت قبل عهد المسجلات ، فقد ضاع أكثرها .. وقد جمعت مختاارت من خطبه ومقالاته ورسائله ، طبعتها الصين الشيوعية قبل عدة سنين في مجلدين كبيرين تحت اسم : (تحت راية للثورة) .

وفي مكتبة سوكرنو مجموعة من الكتب القيمة جلها علمية فلسفية . وبالرغم من أنه خريج كلية الهندسة فإنه يميل إلى الكتب الفلسفية ، وهو مغرم مثلا بمؤلفات الكاتب الإيطالي (مازيني) ، ومؤلفات الفيلسوف الهندي (رامبرانت طاغور) والزعيم الصيني (سون يات سين) ومؤلفات (كارل ماركس) و(فيرياخ) .

وسوكرنو يحب القراءة ويكتب كثيرا ، وهو يقول أنه حينما يقرأ كتاب (داس كابتال) أي (الرأسمال) لكارل ماركس فإنه لا يقرأ مجرد قراءة عابرة ، ولكنه يمعن ويتعمق في فهمه وقد يعيد قراءته لمرات .

بين الأصدقاء والأنداد : عندما كان سوكارنو يتمتع بسلطة واسعة ونفوذ كبير ، كثر المتزلفون والمتملقون حوله .. يتسابقون لكسب رضاه بشتى الطرق ومختلف الأساليب ، فكانوا ينهجون كل السب حتى غير المشروعة ويتخذون كافة الرسائل بلا ضمير وبدون حرج . ويرفعون إليه تقارير قد تكون فيها المبالغة ، وقد تكون كاذبة لا اساس لها من الصحة ، تقارير مغلوطة ومشوهة ، خاصة فيما يتعلق بأنداده وخصومه ، يرجون من عملهم هذا التودد إليه ليتوصلوا إلى أغراضهم . أنهم يصورون له في تقاريرهم خطورة أنداده الذين لايمشون في ركابه ، وأنهم يعملون سرا لاغتياله والإطاحة بحكومته ، حتى آمن بما يقولون ، وهو الذي يرى من ليسوا معه خطرا محدقا به ، فما كان منه إلا أن أودعهم أعماق السجون بدون محاكمة ولا استنطاق تفاديا لهم . وقد أعدم من أعدم ، وسجن من سجن بتهم مصطنعة ملفقة ألصقت بهم وهم أبرياء .

هنا شعر سوكرنو بنشوة افنتصار ، والفوز على خصومه وأنداده بعد إعدامهم ، وشعر أن الجو خلا له ، فأخذ يعمل بكل جد ، وأفسح المجال للشيوعيين ، وزار الصين الشيوعية مرات ، كما تكررت زيارات زعماء الصين الشيوعية لأندونيسيا ، حتى أعقب ذلك خروج أندونيسيا من هيئة الأمم المتحدة تضامنا مع الصين . وماكان يحلم يوما أنه سيزحزح من مركزه ، ويشاهد هذه التطورات السريعة وتدور عليه الدوائر .

لقد أفرج عن أعدائه وأنداده جميعا ، فهو يسمع ويرى أنهم اصبحوا أحرارا ، وماكان في وسعه أن يسمع مثل هذه الأنباء ، بينما هو مقيد الحرية ويعيش تحت الرقابة ، وهو لايزال يقول : إن كل ما وقع له هو من تخطيط ومؤامرة خصومه (عملاء الإستعمار) .

إنه يرى زعماء الإسلام ورجاله وحزب ماشومي والحزب الإشتراكي وحزب اشعب (موديا) الذين كانوا معتقلين أو مشردين في أعماق السجون ، مثل محمد ناصر ومحمد روم وضفر الدين وبركان الدين وكاسمان وبراوتو وغيرهم ، يراهم أحرارا يتنقلون ويجوبون المدن والقرى يوجهون الشعب إلى لاتعاليم الإسلامية .

وإلى ماقبل شهر واحد من الإقامة الجبرية كانسوكرنو حرا طليقا له الحرية الكاملة في التنقل إلى حيث يشاء داخل البلاد ، يذهب إلى زوجاته وتزوره القلة من أصدقائه في الوقت الذي تخلى عنه أكثرهم ، إن هذا القليل من أنصاره وأصدقائه الذين يزورونه من آن إلى آخر في فترات ، يرفعون إليه أخبارا يجد فيها بعض السلوى والإطمئنان ، فيرتاح ضميره وتهدأ أعصابه . وقد يقدمون له آراء ومخططات لمقاومة الحكم الحالي ، أو يحملون معهم رسائل من أنصاره في جاوا الوسطى والشرقية ، معقل الشيوعية والماركسية . إن أكثر أصدقائه قد تخلوا عنه الآن . وأصدقاؤه في الحزب الوطني ، ومنهم أعضاء في البرلمان ، أو في المجلس الإستشاري الأعلى ، قد تخلوا عنه بل قطعوا صلتهم به ، خاصة بعد فرض الإقامة الجبرية عليه ، وربما يعود هذا التخلي من أصدقائه وزملائه إلى الرغبة في الإبتعاد عن اتهام الشعب لهم بأنهم من أنصار سوكرنو أو أن لهم صلات به فيتعرضون إلى متاعب قد تنشأ من هذه الإتصالات . وتلافيا لذلك فإنهم يحاولون الإبتعاد عن كل ما من شأنه أن يجر إلى المشاكل .

وفي أثناء هذه الأحداث ، واستمرار المظاهرات من الطلبة ، والمطالبة بمحاكمة سوكرنو ، كان يتردد إليه من آن إلى آخر متسللون ، أفراد من كادر الشباب متسترين وراء الحزب الوطني . فيتصلون به ويتحدثون إليه ويتداولون معه في أمور عن الوضع الراهن ، وكيف يجب أن تبذل الجهود وتكرس القوى لإعادته إلى الحكم . لقد وضعت مخططات ، ورسمت ترتيبات ، وتظهر من وقت لآخر نشرات في جاوا الوسطى وجاوا الشرقية وأحيانا في العاصمة جاكرتا نفسها ، توزع سرا على الشعب من أناس مجهولين ، وتحت هذه النشرات الشعب الأندونيسي الثوري التقدمي على الولاء التام لسوكرنو ، والإستعداد التام في انتظار ساعة الإنقضاض .

أين هم حاشية سوكرنو والمقربون إليه ؟ لقد فقد أصدقاءه الذين كانوا معه ، والمقربين إليه ، وبطانته وحاشيته . لقد فقد الكثيرين منهم ، وتخلى الآخرون عنه خوفا وطلبا للسلامة . ومنهم من قتل أو لقي حتفه في الثورة الفاشلة ، ومنهم من حكم عليه . عيديد قد قتل ، وخير الصالح انتحر ، وسوبندريو في السجن ينتظر ساعة تنفيذ حكم الإعدام . وجاوتو لاجئ في الصين الشيوعية ، وكثير غيرهم .

الصحف في العهد الجديد : تعتبر الصحف وكذلك الشعب بأن يوم 29 سبتمبر 1965 هو الحد الفاصل بين العهد القديم والعهد الجديد في أندونيسيا . فكل ما يتصل بما قبل هذا اليوم يطلق عليه العهد القديم ، وما بعده يطلق عليه العهد الجديد . فالعهد القديم عبارة عن حكم سوكرنو وسوبندريو والشيوعيين . عهد الإستعباد الشيوعي ، وعهد النساء والرشوة وانحلال الأخلاق وميوعة القيم الإنسانية . لقد قضى العهد الجديد على تلك المفاسد ، وعلى الشيوعية ومفاسدها . فالصحف التي تصدر اليوم هي صحف العهد الجديد ، صحف حرة تدعو إلى محاربة الفساد والإنحلال والشيوعية والعمالة والإلحادية واللادينية . وهي لهذا تهاجم سوكرنو وأعوانه وزملاءه من الشيوعيين والمتملقين بشدة وعنف وقساوة . ومن مجموع سبعة وعشرين جريدة يومية تصدر في العاصمة جاكرتا ، نجدها كلها على وتيرة واحدة ضد الإلحاد والشيوعية ماعدا جريدتين صغيرتين تتمركزان في سيرها ولاتزالان تحاولان أ، تبرزا موقف سوكرنو ولاتهاجمانه أبدا . بل قد تطريانه في بعض المناسبات .

والحكومة الحالية تعطي الصحف كل الحرية في إبداء آرائها ، والتعليق على الأباء ، إلا في الدعوة إلى الشيوعية والماركسية ، فالشيوعية محرمة في أندونيسيا .

أماالصحف الأخرى في العاصمة وغير العاصمة فهي بأجمعها في موقف صريح ضد سوكرنو الذي فتح المجال للشيوعيين وجر البلاد إلى الإفلاس والخراب وسوء الأخلاق . وتنتمي بعض هذه الصحف إلى أحزاب ومنظمات شتى ، وبعضها حرة لاتنتمي إلى فئة أو حزب أو جهة معينة . وقد كان في العهد البائد القديم أقل تعرض يمكن أن يظن أنه يمس سوكرنو أو عدم التأييد له يجر للصحيفة للمحاكمة والمصادرة ، ولنفي الكاتب بتهمة أنه ضد الثورة . ولقد كانت الصحف في عهد سوكرنو كلها موجهة يشرف عليها الحزب ، ويجب عليها الخضوع له . ماعدا بعض مجلات كانت تعارض الحكم البائد في العهد البائد ، حاملة علم الجهاد ضد الشيوعية ، وقد تعرض أربابها ومحرروها إلى التعذيب والتنكيل .

وصحف العهد الجديد تنتشر بصراحة نتفا من حياة سوكرنو البهلوانية والغرامية كجزء لايتجزأ من تاريخ حياته ، فتتطرق إلى حياته الفردية ، وتنشر رسائل غراميات زوجته اليابانية من طوكيو ، أو عن زوجته الصغرى هارياتي .

يرى سوكرنو اليوم كيف أن الصحف تهاجمه هجوما عنيفا ، وقد لاتتورع عن ذكر حياته الشخصية من غير سب ولاشتم ، ولكن بذكر الحقائق ، وكثيرا ماتكون الحقائق مرة ومؤلمة . وبهذه المناسبة فقد أصدرت الحكومة الحالية تعليمات إلى رجال الأمن في جاوا الوسطى للتيقظ التام والحذر من العناصر الشيوعية التي تقوم اليوم بنشاط جديد لإحداث قلاقل في الأقاليم وزعزعة الأمن وخلق بلبلة جديدة .

وقد تم اعتقال 14 ضابطا وكمية كبيرةمن السلاح والعتاد ، ووثائق تبرهن أن الصين الشيوعية تزود الشيوعيين بالأسلحة .

هل نجح مخطط الإنتقام الشيوعي من جديد ؟ استطاع الشيوعيون أن ينفذوا جزءا من مخططاتهم الإرهابية الفظيعة بأسلوب مدروس وغير ارتجالي ومضمون النجاح والجدوى ، ولكنه بطيء . ففي يوم 17 جمادي الأولى 1387 هـ نفذوا أحد هذه المخططات وانتقموا من عدوهم الأل الجنرال إلى أمير محمود قائد حامية جاكرتا وأحد كبار رجال الدولة المسئولين في العهد الجديد ، والذي أصدر أمره بتحديد تحركات سوكرنو بعد أن فرضت الإقامة الجبرية عليه .

لقي قائد البوليس أمير محمود حتفه في حادث طيارة مع جماعة من زملائه من كبار الضباط العسكريين . كانت الطائرة تقله من جزيرة سومترا في طريقها إلى جزيرة جاوا يوم 17 جمادي الأولى 1387 هـ .

هذه المرة الثانية التي نجحت فيها الشيوعية في اغتيال أحد رجال الدولة وكبار المسئولين في حادث طيارة وبأسلوب دقيق . وقد سبق قبله أن قتل بنفس الطريقة الكومودور قائد القوات البحرية (مارتا ديناتا) قبل بضعة أشهر فقط . لقد تحطمت الطائرة بأكملها ومات كل من كان فيها من ركاب ، وتقول الأوساط العليمة أن الحادث هو جزء من المخططات التخريبية الشيوعية الإنتقامية لاغتيال كبار رجال الدولة المسئولين الذين حاربوا الشيوعية .

يشكو سوكرنو منذ مدة بعيدة من مرض مزمن ألم به . وقد بذل جهدا كبيرا لمعالجته في الداخل والخارج ، ودخل عدة مستشفيات منها في (فيينا) ، وتعالج في أميركا واليابان خلال رحلاته الطويلة ، كما استدعى أطباء أخصائيين من أوروبا ، ولكن المجهودات لم تجد شيئا . فلا يزال إلى اليوم يشتكي من هذا المرض . وقد انتهزت الصين الشيوعية إبان حكم سوكرنو هذه المناسبة السانحة والفرصة الطيبة ، فأوفدت بعثة طبية يتكون أعضاؤها من خمسة من كبار الأطباء الأخصائيين ، بينهم عدد من مشاهير الأطباء الذين يمارسون الطب الصيني القديم ، والذين يعالجون المرض بطرق خاصة . هنا بدأت نقطة التحول السريع في سير أفكار ومفاهيم سوكرنو نحو الأيدولوجية الشيوعية واتجاهاتها اليسارية المتطرفة . وقد اتضح أخيرا أن أعضاء هذه البعثة الطبية الصينية من كبار الساسة الصينيين ودهاة رجال مخابراتها . وقد لازم أعضاء هذه البعثة سوكرنو ملازمة تثير الريبة ، فقد لازموه ملازمة الجلد للجسد . وكانوا معه دائما ولايفارقونه أبدا بحجة الإشراف على صحته ومعالجته التي تتطلب هذه الملازمة المتواصلة . كما اتضح واكتشف أمر هذه البعثة ، وأن لها ضلعا في وضع مخططات سرية ، مما عجل في قيام الثورة الشيوعية الفاشلة عام 1965 .

وتسير صحة سوكرنو في هذه الأيام من سيء إلى أسوأ في تدهور مطرد . لقد استحوذ عليه في الأيام الأخيرة بالذات التوتر العصبي الذي طغى على كل شعوره وإحساساته . ويعاني الآن الكثير من المتاعب والآلام بسبب عدم الإستقرار الروحي في نفسه إذ يزعجه أقل شيء . ويشكو أيضا من مرضه المزمن ، مرض (الكلى) . وقد صرح الأطباء الذين يتولون معالجته الآن ، والمكلفون المختصون بالإشراف على صحته ، أنه قد تنتابه نوبات في فترات ، وذلك ناتج عن انفعالات وتوتر بالأعصاب . ماكان في مقدوره أن يتغلب عليه . وتحاول الحكومة الحالية إحضار أطباء لمعالجته .

مشاكل جديدة : بدأت مشاكل جديدة تظهر في المسرح السياسي الأندونيسي . وأسباب هذه المشاكل تعود إلى ما قد ارتكبه سوكرنو وأعوانه في العهد البائد . بينما هو نف لايزال موجودا ، ولم يدن بشيء ولم يحاكم ، وبينما جل أعوانه قد أدينوا وأصدرت المحاكم عليهم الحكم الذي يستحقونه .

وتقول الدوائر العليمة ، أن بقاء سوكرنو بدون محاكمة مع ثبوت اشتراكه الفعلي المباشر في الثورة الشيوعية الفاشلة التي تسببت في مقتل جماعات كبيرة من المسلمين وكبار الضباط والقادة ، يعطي لأنصاره القوة المعنوية لمواصلة النشاط في جاوا الوسطى والشرقية . وقد أعلن أتباع سوكرنو في م . سينغو سيووه فوترو في الأسبوع المنصرم ، أنهم لايزالون يعتبرون سوكرنو هو الزعيم الأوحد لأندونيسيا وأنه الرئيس الشرعي .

وعلى أثر هذه البلبلة الجديدة قدم ثلاثون من أعضاء البرلمان الأندونيسي بيانا شرحوا فيه الوضع غير المستقر بسبب عدم تنفيذ الحكومة الحالية قرارات المجلس الإستشاري الأعلى تجاه سوكرنو في شهر مارس المنصرم ، والقضار على جميع سلطاته ونفوذه واعتباره المسئول الأول عن الثورة الفاشلة

وقد دلت الدلائل الأخيرة على أن سوكرنو قد عاود نشاطه لاسترجاع ما فقده من سلطة ونفوذ . فهو يعمل ويصدر تعلمياته إلى أتباعه في جاوا الوسطى ، وإن الحكومة الحالية إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة وتنفذ قرار المجلس الإستشاري الأعلى ، فمعنى ذلك أنها قد خالفت نص القرارات الرسمية المذكورة . ومن جهة أخرى تدل الوثائق الناطقة والدلائل الحاسمة على أن الشيوعيين وجماعة من أتباع سوكرنو لايزالون يكونون عنصرا ذا أهمية ف كثير من المدن والقرى في جاوا الوسطى ، كما أن الحزب الوطني المنشق يساير الشيوعيين .

نشرة سرية إلى فلول الشيوعيين الأندونيسيين

بعد فشل ثورة 30 سبتمبر 1965 الحمراء تفرق الشيوعيون فجميع أنحاء أندونيسيا ، وانتقل من بقي منهم طليقا بنشاطه الهدام تحت الأرض . وصدرت عن هذه الفلول عدة منشورات سرية ، كان الغرض منها رفع معنويات الفارين الشيوعيين ، وهي في نفس الوقت تعكس قناعة الشيوعيين الأندونيسيين بأن واجبهم لم ينته بعد ، وأن مهمتهم لم تتأثر بما حدث لهم من اندحار . وفيما يلي نموذج من هذه النشرات السرية الشيوعية التي يتداولها الشيوعيون الفارون فيما بينهم : (لم تكن هذه النكسة سوى حادث عابر بسيط في الطريق إلى النصر المرتقب العاجل للشيوعية في أندونيسيا بوجه خاص ، والشيوعية العالمية بوجه عام . وما فوز الرجعية الغادرة سوى النفس الأخير من محتضر لاعلاج له . وتحاول هذه الزمرة المرتزقة من الدول والحكومات الرجعية الهزيلة أن تطيل من عمر هذا المحتضر عبثا ، وذلك خوفا على نفسها وعلى كراسيها ونفوذها .

وإنه لمن المسلم به أن تتكتل الحكومات الرجعية ضد الثورة والتقدمية الشريفة . وذلك هو الشيء الطبيعي . أما نحن الثوريين الشرفاء فسنسير في طريقنا ، وسنقاوم وسنجابه كل التيارات الرجعية العفنة التي ترعاها الحكومات الرجعية والتي تخدر عقول الشعوب بترهات الأديان التي سنحاربها نحن ، بينما يحاولون هم الإبقاء على هذه الخرافات البالية والخيالات العقيمة في عصر النور وعصر الآلة وعصر التقدم التكنولوجي ، وإذا كانوا قد نجحوا على المدى القريب في تثبيت هذه الترهات المتعفنة ، فإنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك على المدى البعيد ، لأن المستقبل هو لنا وبأيدينا .

وكم قاوم الرجعيون من قياصرة روسيا الثورية والتقدمية ،وكانت النتيجة النهائية أن سقط القياصرة وانتصر الثوريون . وكم قاوم وبدل الرجعيون الصينيون ولكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام قوى الثورة التي اكتسحتهم وانتصر الشيوعيون نصرا شاملا كاملا ، وها هي الصين اليوم بسبعمائة مليون نسمة تمثل أكبر دولة في العالم . وكذا كوبا وكوريا الشمالية ومصر وسوريا وفيتنام الشمالية . وكل يوم يمر يشهد العالم تضاعف نفوذ المعسكر الإشتراكي وانتصاراته في جميع أنحاء العالم رغم أنف الرجعية والإمبريالية والبرجووازية والرأسمالية وغيرهم من خونة وعملاء .

إن الثورة الشريفة ستنتصر لامحالة على جميع أعدائها . وستكون لها السيطرة على كل العالم ، وهذه الطوابير الثورية التقدمية تنطلق قدما في صفوف متراصة نحو الهدف الموحد والغاية السامية ، ألا وهي تحقيق الشيوعية في ربوع الدنيا .

إننا لم نخدر بأفيون الأديان والعقائد العقيمة المتعفنة كما خدر غيرنا . إننا أحرار ، ولذا فإن النصر هو حليفنا دائما . وويل لمن يقاوم أو يعترض سبيلنا ، وويل لمن لايكون في صفنا ، ونحن نعرف من هم معنا ومن هم الذين يؤيدوننا ويناصروننا ،ونصرنا سيكون نصرا لهؤلاء ، حيث سيكون لكل منهم جزاءه المشرف مقابل مواقفهم نحونا . أما الخونة الذين لايؤيدوننا ويتعرضون لنا أو يقاومون أعمالنا ، فإنهم جميعا سينالون الجزاء على مايفعلون . إن كل من لايؤيد حركتنا ولايساعدنا ولايساند ثورتنا هو رجعي أثيم ز والحل الوحيد لأمثال هؤلاء هو إبادتهم .

إن تحرير أندونيسيا من حكم الرجعيين هو جزءا لايتجزأ من مخططات تحرير العالم بأسرهمن الرجعية العفنة والإمبريالية التي مازالت تتعلق بأذيالها شرذمة من البشر الفاسدين .

إن الكوبي الثوري والألباني الثوري التقدمي خير لنا من هذا الأندونيسي الرجعي الحقير الذي يرقص لدقات طبول سيده . فالثوري الكوبي والثوري الألباني والثوري الصيني والثوري الأندونيسي ، وكذلك فإن النصر الثوري في أندونيسيا هو نصر الثوريين الصينيين ، ونصر لكل ثوري في العالم . فنحن لانعترف العالم بأي حدود ، فالحد الفاصل هو واحد لا ثاني له ، وهو إما أن يكون اِلإنسان ثوريا وإما أن يكون غير ثوري . ولاشيء غير ذلك .

إن الرجعيين ينظرون ولكنهم لايبصرون ولايعون ، إنهم يقادون كما تقاد السوام إلى المراعي ، فهم ليسوا سوى بهائم في صورة بشر ، ووجودهم في هذا العالم ضرر للإنسانية والبشرية وعبء ثقيل علينا جميعا ، ولذا يجب إزالة هذه الشرذمة الفاسدة وإبادتها كما تباد الحشرات السامة ، والتخلص منها نهائيا . وبالطبع فإننا نعرف أن التخلص من هذه الشرذمة ليس بالأمر الهين ، وإنه يتطلب تضحيات كبيرة منها . وها نحن الآن نكافح من أجل الوصول إلى هذه الغاية الشريفة مضحين بكل ما نملك فداء لمبادئنا السامية وغايتنا النبيلة .

مجابهة التحدي : إن الحياة الحرة الكريمة لاتصلح لأي شخص إلا إذا وطن نفسه على مجابهة هذه التحديات الرجعية الفاسدة ، واستعد دوما لخوض المعركة . ولن نبلغ معركتنا الفاصلة إلا بعد سلسلة من المعارك الضارية . فخصمنا وعدونا سيدافع عن نفسه دفاع المستميت وستتعاون معه كل القوى الرجعية في العالم والإمبريالية ممنية نفسها بالقضاء علينا وانتهاك كرامتنا ، والإعتداء على مقوماتنا وعقيدتنا . ويجب علينا أ، نعمل للإعداد لمجابهة هذه التحديات . وأول واجبنا أن نثير لأعدائنا مشاكل من الداخل ، وأن ندفع بهم في دوامة مشاكلهم الداخلية حتى تستنفد قواهم ويتهاوون من الأعباء . وعندما نفاجئهم يكون الأعياء قد أصابهم وخارت قواهم فلا يتمكنون من مقاومتنا أو الصعود أمام ضرباتنا .

إن النجاح في المعارك لايكون بسبب وفرة السلاح أو كثرة عدد الأفراد ، بل يعتمد على قوة الثبات ومدى الصعود في الأشخاص . وثقتنا بأنفسنا تنبع من معرفتنا بدخائل وأسرار خصمنا . وعلينا أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة من الحقائق عن عدونا ، وأن نجمع المعلومات الدقيقة عن إمكانياته ومدى قوته ونفوذه ، وأن نكشف نقاط ضعفه . وهذا أمر هام جدا . فبدون مثل هذه المعلومات نكون عاجزين عن توفير الإمكانيات اللازمة لسحق العدو .

ولقد أصبحت معارك الثورية والتقدمية الماركسية في العالم مثالا للنضال الإنساني في سبيل الوصول إلى الأفضل . وبالرغم مما تعرضت له الماركسية من اضطهاد وحروب عنيفة ، فإن الأيديولوجية الماركسية كانت هي المنتصرة في النهاية . ولنتذكر ما تعرض له كارل ماركس وما أصاب انجلس حين ارتفعت أصواتهما داعية إلى الشيوعية في أروع معانيها . ولننظر إلى العالم اليوم وهو يتقدم بخطى حثيثة إلى الشيوعية العالمية تقوده في مسيرته المباركة أنغام التقدميين والثوريين على اختلاف ألوانهم وأشكالهم في كل مكان .

الديانات مصيرها الزوال . والعقائد والتقاليد القديمة في طريقها إلى الإضمحلال . والذين يقدسون الأديان ويتشبثون بأذيالها ليسوا إلا ذوي العاهات أو الفاشلين في حياتهم والمنحرفين من البشر .

إننا ندعو إلى الماركسية ونحارب الرجعية الأندونيسية المتمثلة في هذه المجموعات المخدرة بالأديان ، وتلك الشراذم من العسكريين العملاء . ومعنا يقف كل الثوريين والتقدميين في العالم . فهذه معركتهم بقدر ماهي معركتنا ، وتأييدهم لنا قائم بالقول والعمل ، وذلك هو الأمر الطبيعي .

إنها معركة بين الحق والباطل ، بين الثوري التقدمي والرجعي الفاسد . معركة بين القوى المؤمنة بالحق والعلم ، وبين تلك القوى المؤمنة بالأديان والخرافات والغيبيات .

وليست النكسة التي أصابتنا يوم 20 سبتمبر 1965 سوى نصر لنا وليس العكس كما يعتقد البعض ، فلقد أظهرت لنا تلك النكسة كل الحقائق وبينت لنا الطريق ، ومعنوياتن اليوم أقوى منها في أي يوم مضى .

ولقد عرفنا حقيقة المسلمين ، فلاتخافوهم ، ولايخيفنكم الإسلام . إن المسلمين مثلهم كمثل السراب تراهم من بعد كثرة تحسبهم بها قوة ، ولكنك عندما تكشف حقيقتهم تجدها عكس ذلك . إنهم متفرقون ، مختلفون ، ممزقون ، مزقتهم أهواؤهم ، ومزقتهم مفاهيمهم الدينية المتضاربة ز ولاتخدعنكم تلك المؤتمرات التي يعقدونها ، ولا هذه البيانات التي يصدرونها ، فما تلك سوى تمويهات يحاولون بها ستر ضعفهم وتغطية عجزهم . والفوز والنصر لنا) .

لماذا فشلت ثورة الشيوعيين في أندونيسيا ؟

يعتبر فشل الثورة الشيوعية يوم 30 سبتمبر 1965 نكبة عظيمةب النسبة للشيوعية الدولية . وقد اهتمت مختلف الأوساط العالمية بأحداث أندونيسيا خلال الثورة الشيوعية ، واعتبر المعسكر الشيوعي تلك الأحداث ضربة قاصمة وخسارة كبيرة عليه . ووجد غيرهم فيها نصرا كبيرا للقيم الإنسانية وتصحيحا لمسيرة الإنسان ، وانكشاف حقيقة أن الشيوعية ليست بنظام صالح للبقاء ولاقابل للتطبيق في هذا العصر ولا في غيره من العصور .

وقد يستغرب الكثيرون ويعجبون للسهولة النسبية التي تم بها القضاء على الثورة الشيوعية ، وعلى الحزب الشيوعي بمؤسساته الضخمة المتعددة التي امتدت جذورها في الأراضي الأندونيسية طيلة 17 عاما منذ الثورة الشيوعية الأولى . وخلال هذه الفترة كان الحزب قد استفاد من تجربته المريرة عام 1948 واتخذ من الماضي عبرة وعظة ، واستطاع أن يكسب صفة (أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الصين وروسيا) . وتقول الإحصاءات الرسمية للحزب الشيوعي – وهي إحصاءات مبالغ فيها – إن عدد أعضاء الحزب الشيوعي الأندونيسي بلغ 23 مليون عضو . والأهم من ذلك هو أن الحزب الشيوعي الأندونيسي تمكن من السيطرة على أكثر الوزارات والدوائر الحكومية ، وأصبح سوكرنو أطوع له من بناته ، بعد أن احتضنه الحزب الشيوعي وأحاطه بهالة من الغانيات الحسناوات الفاتنات اللواتي يفتتن سوكرنو بهن دوما . وهذه الأمور هي التي أبعدته عن قومه ومكنت الحزب الشيوعي من توجيهه نحو الصين إلى مالا حد له .

إذن كيف ولماذا انهزم الشيوعيون تلك الهزيمة النكراء ؟ وتهاوت أحلامهم الكبيرة في لحظات ؟

إن الذين درسوا الشيوعية في أندونيسيا يعللون هذا الفشل وهذه الهزيمة النكراء بالأسباب الرئيسية التالية : 1- سوء تقدير الشيوعيين لمدى تثبت الشعب الأندونيسي بدينه ؟ واستهانتهم بقوة المشاعر الدينية واستهتارهم بمقدسام المسلمين . 2- تلقي الشيوعيين تعليماتهم وتوجيهاتهم من الخارج ، وهو أمر يؤدي إلى أن تكون هذه التعليمات والتوجيهات بعيدة عن الواقع الأندونيسي ، ولاتتمكن من مس أعماق مشاعر الفرد الأندونيسي . 3- وضع الحزب الشيوعي خططه على أساس اعتماد تجارب الشيوعيين في الصين وأوروبا مع عدم وضع اعتبارات خاصة الفروق الظاهرة والبارزة بين تلك المجتمعات والمجتمع الأندونيسي . 4- معظم المواطنين الأندونيسيين ممن انجرفوا وراء الدعاية الشيوعية البراقة لم يفهموها جيدا ، وهؤلاء كانوا أول من تحول ضد الشيوعيين حين انكشفت لهم الحقائق . 5- الغلو في تقدير الشيوعيين لقوتهم نتيجة الغرور الذي أصابهم بعد أن أسكرتهم السلطة الواسعة والنفوذ العريض . 6- قيام الشيوعيين بأعمال إرهابية أرادوا بها توطيد نفوذهم ببث الرعب في قلوب الناس . فكان أن تحول ذلك وبالا عليهم ، وتضاعفت كراهية الناس لهم .

يقول الرفيق سوريبنو (Suripno) وهو أحد القادة الشيوعيين في مذكراته التي كتبها خلال اعتقاله تمهيدا لمحاكمته :

(إن السبب الرئيسي لفشل الثورة الشيوعية الأولى كان غرورنا الشديد واعتدادنا القوي بأنفسنا ، وبما تم لنا من القوة والنفوذ ، فكان أن استهنا بأعدائنا ولم نحسب أي حساب لأحد منهم . إن ثورة ماديون بنيت على أسس لا واقعية وارتجالية) .

وكان عيديد يفخر أيضا في خطبه كثيرا بالطاقات والقوى البشرية الهائلة التي يملكها الحزب الشيوعي الأندونيسي ، وكان يردد دائما أن الشعب الأندونيسي شعب شيوعي بطبيعته ، والذين يقاومون الشيوعية ليسوا سوى العملاء ، وأن معظم أفراد القوات المسلحة شيوعيون ، ماعدا الخونة منهم الذين يجب تطهيرهم .

ويقول أحد الدة العسكريين الذين شاركوا في تطهير البلاد من الشيوعيين : (لقد تكررت هذه الحوادث والمآسي ، لإننا كنا نتساهل ولم نتعظ ولم نعتبر بالماضي ولم نكترث للتطورات اليومية للأحداث التي كانت تمر بنا . كل ذلك أفسح المجال واسعا للشيوعيين فتمكنوا من استعادة قواهم بعد الثورة الأولى ، ولم تمض سنوات ثلاث فقط حتى كانوا قد استعادوا قواتهم ونفوذهم وأصبح لهم كيان قوي) .

لقد انشغل الناس بصراع من أجل الحصول على لقمة العيش ، وسط سوء الأحوال الإقتصادية التي كانت تهدد بانهيار اقتصادي خطير في أندونيسيا ، وحين اختفت المواد الغذائية الضرورية وأصبح من الصعب على المرء الحصول عليها إلا في الأسواق السوداء حيث تعرض بأثمان باهظة جدا تفوق قدرة المواطن العادي على الشراء . وفي وسط هذه الحالة المتردية لم يكن هناك مجال للاستماع إلى العبارات البراقة الخلابة حول الثقافة الماركسية والأيديولوجيات الحديثة ، فلقد كان هم الناس الأول هو الخبز . وحين عجز الشيوعيون عن تحقيق الأماني للذين جذبتهم كلمة (الخبز) في خطب وبيانات الشيوعيين ، تحولت المشاعر عنهم ورفع الشعب راية الكفاح ضدهم .

ولقد أصر الحزب الشيوعي الأندونيسي على فرض مفاهيمه الماركسية عن طريق الاصطلاح الغريب الذي استحدث (ناسا كوم) وهو اصطلاح قيل أنه يعني توحيد الدين والقومي والشيوعية في إطار واحد بينما هو في الواقع لم يكن سوى دمج أو بالأصح طمس الدين والقومية لحساب الشيوعية التي سادت في كل الأمور .

والمواطن العادي لايهمه شيء بقدر اهتمامه الحصول على الغذاء والمسكن والملبس ، وأن يتوفر له العلاج الصحي ولأطفاله التعليم . وليست له تطلعات أكثر من ذلك . ولكنه تحت ظل النظام الشيوعي الإشتراكي الذي كان مطبقا لم يتحقق له شيء من ذلك . حتى المواد الغذائية الأساسية احتركت فأصبح المواطن يحمل البطاقات الحكومية ويقف في الطوابير الطويلة في انتظار مخصصاته ، وكثرت الرشوات وعمت الفوضى وتعرضت البلاد للأزمات السكنية وعجزت الدولة عن توفير مقاعد للأطفال في المدارس .

وتكشفت الأوضاع عن حقيقة الشيوعي ، فهو ليس سوى عنوان تهور وفظاظة وجلافة وظلم وطغيان وفساد أخلاق وحب السيطرة . وتحت ظل الشيوعيين أصبح المواطن يتعرض لمن يفرض عليه آراء معينة ولمن يملي عليه إرادات خاصة .

وعندما لم يجد الناس من الكتب والنشرات الدعائية التي توزع عليهم بسخاء كبير شيئا ينتفع به ، استنكفوا عن قراءتها ، وأصبحوا يرمونها جانبا ، فتكومت تلك الكتب والنشرات ثم أحرقت . وعلم الشيوعيون ذوو النفوذ كل هذا ففرضوا واجبا غريبا ، وقرروا أن على كل من تعطى له هذه الكتب أن يقرأها وأن يأتي بخلاصتها غيبا بعد بضعة أيام . وعارض الناس الأعمال التعسفية الشيوعية ، وأبرا أن ينصاعوا إلى أوامر الشيوعيين . بينما امتدت أيدي الشيوعيين إلى أطول مما كانت تمتد إليه أية يد ، وفرضوا على جميع الصحف بدون استثناء نشر الدعوة للتعاليم الماركسية كل يوم ، وأمروا الإذاعات والتلفزيون بتخصيص برنامج لتوعية الجماهير عن تاريخ كارل ماركس ولينين ، وطالبوا الخطباء بالإكثار من الإستشهارد بتعاليم وأقوال الرفيق كارل ماركس . ولم يقتصر الأمر على ذلك بل فرض أيضا على المدارس أن تدرس الإشتراكية الشيوعية كمادة أساسية ، ومن يفشل في هذه المادة كتب له الفشل ، حتى وإن كان قد تمكن من النجاح في كل ماعدا هذه المادة . فكان أن هجر معظم الطلبة مقاعد الجامعات والمدارس .

ذلك كان مدى نفوذ الشيوعيين ، ولم يكن له حدود إطلاقا . وفي عهد سوكرنو – سوبندريو لم يكن أحد يجرؤ على أن يقول شيئا مما يحتويه قلبه المتألم ومشاعره الملتهبة ، فلقد كان المواطن يخشى على نفسه من أن يقول الحقيقة .

وأصبحت الشيوعية كابوسا على صدور المواطنين ، حتى وإن كانت المظاهر تجعل الوضع يبدو مستقرا ، والناس ساكنين . لقد كانت التفاعلات الملتهبة تجري تحت سطح هذه المظاهر . وفشلت الشيوعية في استمالة الناس إلها بعد أن انكشفت حقيقتها عن طريق الممارسة الفعلية اليومية لها ، في ظل نظام أتاح لها أقصى حدود السلطةوالتسلط . وعندما واتت الشعب الفرصة ليقول كلمته أطلقها داوية مجلجلة ، وقام قومة رجل واحد يدرك معاقل الشيوعية منتقما لنفسه من عهد الظلم والطغيان .

وفي بحث للأستاذ عبدالله بن نوح رئيس هيئة البحوث الإسلامية والمحرر في مجلة ( ) الواسعة الإنتشار ، عن فشل الثورة لاشيوعية بأندونيسيا ، يقول إن فشل تلك الثورة يعود إلى الأسباب التالية : 1- اغتر الشيوعيون بقوتهم أكثر مما يجب . 2- اعتقادهم بأن القوات المسلحة الأندونيسية ستنحاز إلى ثورتهم استنادا إلى التقارير التي وصلتهم بأن معظم الجنود في العاصمة ينحازون إلى صفهم . 3- سكان القرى والأرياف مسلمون شديدو التمسك لدينهم ، فلم يجد الشيوعيون مأوى لأنفسهم سوى في المدن ، ولذلك لم يتمكن الشيوعيون من القيام بحرب عصابات في القرى الآهلة بالمسلمين . 4- اعتقد عيديد ، قائد الثورة أنه سينجح في ثورته بانيا على ما مر بفيتنام الشمالية وكوريا الشمالية وكوبا ، معتقدا أن بإمكانه أن يتبع الأساليب التي اتبعها ماوتسي تونغ من قبل في الصين عند ثورته ضد شان كاي تشيك زعيم الصين الوطنية . 5- اعتقد الشيوعيون أنه ستتم لهم السيطرة الكاملة على مقاليد الأمور حالما يتم قتل الجنرالات . 6- أساؤوا التصرف بما كان في أيديهم من السلطة والنفوذ ، فتحولت مشاعر الجماهير ضدهم . بينما كان الشيوعيون يعتبرون السلطة حقا من حقوقهم المطلقة وأنها باقية بين أيديهم . 7- ظن الشيوعيون أن بإمكانهم تطبيق تجارب الصين لاشعبية في أندونيسيا دون اعتبار الفوارق الكبيرة بين الشعبين ، والتي نوجزها في فيما يلي :

أ‌- معظم الشعب الصيني غير مسلم ، بينما معظم الشعب الأندونيسي مسلم . ب‌- الحالة الإقتصادية في الصين لم تكن مشابهة للحالة الإقتصادية في أندونيسيا . ت‌- عدد سكان الصين أضعاف سكان اندونيسيا . وفي الصين يوجد فائض من الطاقة البشرية لايتوفر في أندونيسيا . ث‌- النفسية والعقلية الصينية تختلف عن النفسية والعقلية الأندونيسية . ج‌- العادات والتقاليد والثقافة الصينية تختلف تمام الإختلاف عن العادات والتقاليد والثقافة الأندونيسية . ح‌- الوضع الجغرافي للصين يختلف عن الوضع الجغرافي لأندونيسيا ، فالصين حدودها هي حدود روسيا الشيوعية ، بينما تفصل أندونيسيا عن أي بلد شيوعي بحار واسعة . ولذلك فقد فات الشيوعيين أن النجاح الذي تحقق ف الصين لايمكن أن يطبق في أندونيسيا . لقد خطط الشيوعيون الأندونيسيون لأمور كثيرة واعتقدوا أ، هذه الخطط كفيلة لضمان النجاح لهم وتحقيق النصر لثورتهم . ولكنهم أهملوا أمورا أكثر أهمية ، هي في الواقع الضمان المؤكد للنجاح . ومن هذه الأمور : أولا : استهانة الشيوعيين بالواقع الإسلامي . ثانيا : اعتمادهم على نفوذ وسلطة سوكرنو لتحقيق مآربهم . ثالثا : عدم دراستهم دراسة واعية لنفسية الشعب الأندونيسي المسلم الذي لايقبل أية عقيدة تخالف عقيدته الإسلامية . وكان الشيوعيون يقولون في دعاياتهم أنه : - لافرق بين الشيوعية والإسلام سوى في أمر واحد وهو الألوهية ، وهذا أمر ليس بذي بال . والإسلام بدون ألوهية هو الشيوعية نفسها . - الشيوعية محررة الشعوب . - الشيوعية تحارب الملكية الفردية . - يجب أن تسيطر الشيوعية على كل شيء لتحول الملك إلى حق مشاع .

=الرفيق عيديد

ولد عيديد في عام 1922 في جزيرة بليتونغ (Blitung) الأندونيسية ، وكان والده عبدالله عيديد يعمل موظفا في مكتب الشئون الزراعية الهولندية . وتلقى عيديد دروسه الإبتدائية في مدرسة إسلامية بجزيرة بليتونغ . ثم انتقل إلى جاكرتا لمواصلة دراسته الثانوية . وعرف عنه شغفه بالقراءة وبصورة خاصة الكتب الماركسية . وبعد أ، أنهى دراسته الثانوية ، حصل على منحة دراسية إلى موسكو ، فسافر إليها وبقي هناك إلى أن أنهى دراسته ، ثم رحل إلى الصين حيث بقي فيها بعض الوقت وخلال دراسته في موسكو التقى عيديد بفتاة أندونيسية كانت تدرس في جامعة موسكو تدعى تانتي وتزوج منها . وقد واصلت زوجته دراستها في كوريا الشمالية ، وهي تعد من الشيوعيات النابغات . وكان بين عيديد وعامر شرف الدين قائد ومدير الثورة الشيوعية الولى عام 1948 صلات قوية . وبعد فشل الثورة غادر عيديد البلاد في نفس عام 1948 إلى موسكو ومنها إلى بيكين . ولم يعد إلى أندونيسيا إلا في عام 1950 ليسند إليه الحزب الشيوعي الأندونيسي قيادة الحزب .

ويمتاز عيديد بقوة الإدراك وسرعة البديهة ، ويميل إلى قوة النكتة . وله أسلوب بارع في الخطابة أمام الجماهير . وإلى جانب هذا فهو هادئ متزن لا ينفعل حتى وإن أسيء إليه . وكان يكرز نشاطه عادة في أوساط العمال والمزارعين الذين يصفهم دائما (بالمكادحين) وكثيرا ما يتودد إلى الطلبة والشباب ويتصل بهم ويخطب فيهم خطبا حماسية تلهب الوجدان .

ومن خطبه التي يحاول التمويه فيها ، خطاب ألقاه أمام جمهور من العمال المسلمين دافع فيه عن شيوعيته وإلحاده بعد أن قويت الحملة عليه . وبدأ خطبته بالسلام والبسملة والصلاة على النبي (ص) ثم استهل خطابة بالآية الكريمة (الله مافي السموات والأرض) . وقال لمستمعيه (أنه قد وقف نفسه للعمل بما يأمر به الإسلام ولتطبيق ولتطبيق التعاليم الإسلامية كما وردت في القرآن الكريم ، وأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحارب الفقر والظلم والمجاعة والمرض والجهل الذي يعاني منه الشعب معاناة أليمة ، وأنه يريد الشعب تحقيق السعادة والرفاهية والطمأنينة والإزدهار . ويريد لكل فرد بيتا أنيقا جميلا يعيش فيه مع زوجته وأولاده ، وأ، يضاء بيته بالكهرباء ويزود بالماء ، وأن يملك كل مواطن راديو وتلفزيون وغسالة وثلاجة ويذهب أطفاله إلى لامدارس المجانية ، وأن يتلقى الجميع العناية الصحية بدون مقابل) .

واستطرد عيديد إلى القول : (ولكن هناك فئات لاتريد ولاترضى بهذا . إنهم يريدون أ،ي بقى الشعب الأندونيسي المسلم فقيرا مريضا جاهلا حتى يستطيعوا أن يبقوا وان يحتفظوا بمراكزهم على حسبا الشعب الفقير الجاهل المريض . نعم ، إنهم يدعون بأنهم مسلمون ، بينما هم يحاربون تعاليم الإسلام ، ويحاربون الإسلام . إننا نحن الذين نريد ونسعى لكم بالخير ، ولكنهم يتهموننا بالإلحاد والكفر والشيوعية ، وإذا كان الخير والرفاهية لكم أيها المسلمون مو مايسمونه شيوعية ، فمرحبا بالشيوعية .

(ماذا قدم لكم أيها المسلمين ن هؤلاء الذين يدعون الإسلام؟ إنهم يكذبون ، إنهم عملاء ، إنهم استغلاليون ، إنهم احتكاريون ، إنهم استعماريون ، إنهم أعداء الشعب ، أعداء لكم أنتم أيها المسلمون .

(إننا نحارب الجوع ونحارب الفقر ، ونحارب الجهل والمرض ، لذلك قالوا بأننا شيوعيون ن وهل الشيوعية عيب ؟ وهل الشيوعية جريمة ؟

(لقد قرأت القرآن من أول حرف في (الفاتحة) حتى آخر حرف من سورة (الناس) ، وقرأت الأمهات لاست كلها وتفاسير القرآن وبحثت فيها ودققت ، فلم أجد جملة واحدة تقول (إن الشيوعية جريمة أو الشيوعية كفر) فمن أين جاء هؤلاء الزعماء المفتونون الذين يدعون الإسلام كذبا وزورا بهذا القول ؟ إنهم يكذبون على الدين ، يكذبون على الله ، يكذبون على النبي . لقد حرفوا القرآن واختلقوا الأكاذيب . أليست أعمالهم هذه هي الجريمة نفسها ؟ إنهم أحق بأن يعاقبوا . من اين جاءوا بهذه الآيات التي نسبوها إلى القرآن وإلى الأحاديث النبوية بأن الشيوعية جريمة ؟

(وإني الآن أقف أمامكم وأمام هذا الجمع الحاشد ، أتحدى هؤلاء الزعماء الآفكين أن يبرهنوا أن في القرآن حتى جملة واحدة فقط تقول بأن الشيوعي جريمة . إن الإسلام يحارب الفقر والمرض والجهل ، وهذا ماتدعو إليه الشيوعية . إنها تدعو إلى تطبيق هذه التعاليم عمليا . كل شيء في هذه الدنيا ملك مشاع لله وليس للفرد حق ولاملك . واسمعوا قول الله تعالى (لله افي السموات والأرض) إنها آية صريحة واضحة لاتحتاج إلى تفسير أو تعليل . إن الملكية الفردية تخلق الإحتكار وتفسح المجال للاستغلاليين والإستعمار والإمبريالية . والقرآن بكل وضوح يحارب ويحرم الإحتكار) .

هذا مثال لخطبة من خطب عيديد . وقد استطاع أن يتقرب ويؤثر على سوكرنو الذي وثق به كل الثقة ، وأصبح عيديد من أقرب المقربين إليه . وعينه سوكرنو عضوا في المجلس التأسيسي ، وعضوا في البرلمان ، ونائب رئيس المجلس الإستشاري الأعلى ، ووزيرا في وزارته ، وقلده أرفع وأعلى وسام أندونيسي . لقد منحه سوكرنو الوسام تقديرا له وإعجابها به . ولعيديد عدة مؤلفات في المفاهيم الشيوعية ، وكان يكتب كثيرا في الصحف اليومية والمجلات .

وبعد فشل الثورة الشيوعية الثانية فر عيديد بمساعدة القيادة الجوية الأندونيسية على ظهر طائرة خاصة مع بعض أعوانه إلى جوكجا ، إلا أنه لم يبق فيها طويلا حيث لم يجد تعاونا من المواطنين ، بل وجد أ، المشاعر العامة ملتهبة ضده وضد رفقائه من الشيوعيين . فاضطر إلى أني تجه إلى قرية صغيرة متنكرا كحمال محاولا التخفي . وأشاع أتباعه أنه لجأ إلى بيكين ، وأنه قد وصل إليها فعلا . وكانوا يهدفون من وراء ذلك إلى تثبيط همة القوات المسلحة وصرفها عن ملاحقته . هذا من جهة ومن جهة أخرى كانوا يهدفون إلى رفع الروح المعنوية للفاول الشيوعية التي لجأت إلى الأدغال بإيهامها بأن الزعيم الشيوعي عيديد قد وصل سالما إلى بيكين ، وأنه يستعد لجولة أخرى ستكون إمكانيات الصين الشيوعية معه فيها .

ولم تنجح هذه المحاولات القوية والإشاعات في تمويه وخداع الحكومة . فقد كان المسئولون واثقين إلى حد كبير من أن الرفيق عيديد لايزال بأندونيسيا ، بل وبالتحديد في قريةمن قرى جاوا الوسطى . وجردت الحكومة حملة كبيرة للقيام بالبحث عن الرفيق عيديد ومن تبقى من رفقائه على نطاق واسع . وارتفع حماس الشعب وتدافع المواطنون يشاركون القوات المسلحة في البحث عن الشيوعيين عامة ، وعن الرفيق عيديد بصورة خاصة . وأخذت الصحف تطالب وتلح باستمرار وتوسيع عمليات الملاحقة ، وخرجت المظاهرات الكبيرة تطالب وتناشد الحكومة باعتقال عيديد في أسرع وقت ، قبل أن يتمكن من جمع شتات رفقائه .

وتجمعت المعلومات لدى الجيش بأن عيديد موجود في قرية سامبينغ بجاوا الوسطى في بيت أحد رجال القرية واسمه أبو القاسم . وكان البيت المذكو لصديق لعيديد يعمل في الزراعة . وحاصر الجنود البيت واقتحموه فلم يجدوا أثرا له . وعندما سألوا صاحب البيت عن عيديد قال أنه كان في البيت فعلا غير أنه غادره قبل وصول الجند ، وأنه لم يفصح عن المكان الذي ذهب إليه . وكان الجنود يصدقون ماقاله لهم صاحب البيت بعد ان بحثوا عنه ولم يتمكنوا من العثور عليه داخل المنزل . ولكنهم ارتابوا في موقف صاحب البيت فألقوا القبض عليه واقتادوه غلى مركز الشرطة لاستنطاقه ، بينما بقيت ثلة من الجند في البيت يوالون البحث عن عيديد . واكتشف أحد الجنود مكانا مريبا خلف خزانة في الدار ، فداهم المحل وإذا به يجد شخصا مختبئا فاعتقله ، واكتشف بعد ذلك أنه الرفيق عيديد . وسبق مخفورا لمركز القيادة للاستنطاق تمهيدا لتقديمه للمحاكمة . وكان ذلكف ي 22 نوفمبر 1965 .

وحوكم عيديد أمام محكمة عسكرية خاصة شكلت لمحاكمة المسئولين عن ثورة سبتمبر 1965 . وقد أدانته المحكمة وحكم عليه بالإعدام بعد أن جردته المحكمة من جميع رتبه وامتيازاته التي وهبها له الرئيس سوكرنو ، وقد نفذ فيه حكم الإعدام في فجر يوم 4 ديسمبر 1965 .

وكانت صحيفة (أساهي أفينينغ نيوز) اليابانية وتصدر في طوكيو باللغة الإنجليزية قد حصلت على حق نشر مذكرات عيديد عن ثورة 30 سبتمبر 1965 قبل اعتقاله . وتقع هذه المذكرات في حوالي ستين صفحة من القطع الكبير ، ونشرتها الجريدة المذكورة مسلسلة ثم تناقلتها الصحف الأخرى . كما نشرت الصحف الأندونيسية أيضا نص هذه المذكرات ، ومما جاء فيها :

(إنني أنا المسئول الأول عن حركة 30 سبتمبر 1965 ، وقد ساعدني في القيام بمختلف الإجراءات وتنفيذها رجال الهيئة المركزية للحزب الشيوعي الأندونيسي ، ودعمني أيضا المسئولون في المنظمات الشعبية التابعة للحزب الشيوعي الأندونيسي .

(ولم أكن مرتاحا لنظام الحكم القائم ، وكان عدم الارتياح هذا هو دافعي للثورة على السلطة ومحاولة الإستيلاء على الحكم . لقد خططت لهذه الثورة ، وكان من المقرر أن تقوم في أول مايو 1965 ، ولكن الرفاق لقمان ونيوتو وساكيرمان ونيونو وغيهرم عارضوني في توقيت موعد الثورة في أول مايو 1965

وهو يوم ذكرى انتصار الالعمال . وكانت حجتهم أن الإستعدادات لم تكمل بعد . وإذا قمنا بالثورة مبكرة وفي هذا الموعد ، فإن الفشل سيكون حليفنا ، ولذا فمن الضروري تأجيلها إلى وقت مناسب ، وامتثلت لرأيهم . 

(وقد قمت بدراسة مخططات الثورة مع الكولونيل أو نتونغ قائد فرقة الحرس الجمهوري . ثم تكررت وتضاعفت اجتماعاتي به بعد شهر يونيو 1965 . ومع اقتراب يوم تنفيذ العملية بدأت في إعداد الترتيبات التي اتفقنا علهيا . ومنذ أول يوم في شهر يوليو 1965 بدأت في تنفيذ المخططات التي تم بحثها والاتفاق عليها ، وجمعت القوى الثورية لمنظمة شباب الشعب (Pemuda Rayat) وهي منظمة الشباب الشيوعي ، ومنظمة (قيرواني) وهي منظمة الحركة النسائية الشيوعية الأندونيسية ، وأرسلتهم إلى قاعدة حليم الجوية ليتلقوا التدريب العسكري ويتعرفوا على استخدام وحمل السلاح الخفيف والثقيل .

(وعندما غادرت الجزائر في أول شهر أغسطس 1965 في طريقي للعودة إلى أندونيسيا مررت ببيكين لإجراء محادثات مع المسئولين فيها حول مرض الرئيس سوكرنو ، واتفقنا هناك على نفس الخطط التي تم الإتفاق عليها بجاكرتا .

(وحالما وصلت جاكرتا ، وكان ذلكف ي أواسط شهر أغسطس 1965 اجتمعت بالكولونيل أونتونغ بصفة سرية جدا ، وأبلغته بما تم الإتفاق عليه بيني وبين المسئولين في بيكين ، وشرحت له موقف حكومة بيكين من ثورتنا . وواصلت دراسة المخططات وتفاصيل الثورة مع أونتونغ . وعقدنا اجتماعا حاسما اشترك فيه إلى جانبي الكولونيل أونتونغ والرفيق لقمان والرفيق نيوتو والبريجادير سوبر جو ، وتمكنا في هذا الاجتماع من وضع الترتيبات النهائية للثورة ، وتم اتفاقنا على التفاصيل الأخيرة لعملية الإستيلاء على الحكم .

(وكانت التقارير السرية التي تصلني قد أشارت إلى أن قيادة القوات البرية قد أمرت من قبل قائدها الجنرال أحمد ياني بالقيام بحملة تفتيشية واسعة في مكاتب ومراكز تجمعات الحزب الشيوعي الأدونيسي وقادته وأعضائه وأنصاره ، وكذلك جميع لامنظمات الأرى التابعة للحزب الشيوعي . وحجة القوات البرية في إجرائها هذا أن لديها معلومات عن أن الحزب الشيوعي يحتفظ بأسلحة غير مرخصة .

(وكان هذا الخبر مقلقا بالنسبة لنا ، فلقد بدأت الأحوال تضطرب بشكل مرعب ، واضطررنا لذلك أن نعجل بتنفيذ الثورة ، فلقد كنا في سباق مع القوات البرية فإما أن نضرب أولا أو أن تقوم القوات البرية بحملتها التفتيشية علينا .

(واجتمعنا في 25 سبتمبر 1965 لتحديد موعد الثورة ، بعد هذه التطورات ، وقررنا أن نقوم بها يوم 30 سبتمبر مع الفجر . وعبر بعض الرفاق في هذا ا|لإجتماع من اعتقادهم بأنه من الأفضل تأجيل موعد الثورة حتى يوم 5 كتوبر 1965 الذي يصادف الإحتفال بيوم الجيش ، حيث يكون الجيش منشغلا بالإحتفال ، بينما يخلو لنا الجو لتنفيذ خطتنا ، ولكن التطورات الجديدة جعلتنا نخشى أن يقوم الجيش بحملته التفتيشية قبل موعد ثورتنا . وهكذا اتفقنا على اختيار فجر يوم 30 سبتمبر 1965 موعدا للثورة ، ولن الإسراع بتنفيذ مخططنا أكبر ضمان لعدم تسرب الأسرار .

(وبعد أن تم لنا الإعداد لكل الأمور ، أرسلنا الرفيق نيوتو إلى جزيرة سومترا لثقتنا به وبقدرته على السيطرة على الوضع الحساس هناك ، وثقتنا بأنه في إمكانه استخدام دهائه وذكائه في التأثير على الشعب السومتري المتعصب) .

مذكرات زوجة سوكرنو اليابانية

قبل تنحية سوكرنو من منصبه كرئيس للجمهورية الأندونيسية ، ووسط الغليان الشعبي في كل أنحاء أندونيسيا في سبيل تقديم جميع المسئولون عن ثورة 30 سبتمبر 1965 للقضاء ، أعلنت زوجة سوكرنو اليابانية راتنا ديوي ، وهي تعيش في اليابان منذ وقت بعيد ، أنها دعت سوكرنو لمغادرة جاكرتا والقدوم إلى اليابان ليعيش معها بعيدا عن أخطار عواقب أعماله في أندونيسيا . ونشرت راتنا ديوي خلال ذلك مذكراتها عن حركة 30 سبتمبر 1965 . وبصرف النظر عما جاء في هذه المذكرات فإنها جديرة بالإطلاع عليها .

وقد نشرت مجلة (سوكا أساهي) اليابانية هذه المذكرات ، كما نشرتها مجلة (يمبيتا) الأندونيسية وجريدة (كامي9 أيضا . وفيما يلي نص هذه المذكرات :

مضى شهران على الحوادث المسماة باصطدامات 30 سبتبمبر 1965 وتفتحت الزهور الحمراء في المدينة وظل الوضع هادئا في البلاد ، حتى أنه ليصعب على المرء أن يصدق أنه قد كانت هناك حوادث قد وقعت .

إن حديقتي بزهورها الوارفة النضرة كانت هادئة أيضا . وقد تساقطت هذه الزهور الحمراء على الأعشاب الخضراء ، وتذكرت أولئك الضباط الأبطال الذين استشهدوا في تلك الحوادث ، وتذكرت عائلاتهم وأطفالهم ، وتساقطت دموعي من حيث لا أشعر ، ودعوت الله من كل قلبي لتلك الأرواح الشهيدة .

ولقد شاهدت الأوضاع متوترة جدا خلال الشهرين الأخيرين حينما كانت آنذاك أندونيسيا ، وأنا كزوجة للرئيس سوكرنو الذي أحبه ، أرجو أن تستقر الأحوال بأية طريقة كانت .

زارني صديق ياباني بعد وقوع تلك الحوادث وقال لي : (إني أشعر بمدى الإنفعالات النفسية التي تقاسينها الآن ، ولكني شديد الإستغراب لمدى ثباتك كامرأة ، وأعجب لجرأتك وماعندك من روح عالية تتمتعين بها ، ومن قدرتك على مواجهة هذه المشاكل .

والحقيقة أنني لم أشعر بالخوف أو الإضطراب في ذلك الوقت لاعتقادي بأني لاأستطيع أن أعمل شيئا لإنهاء هذه القضية ز وهناك أشياء كثيرة لايمكن لي أن أكشف عنها لأنها تتعلق بالحوادث 30 سبتمبر 1965 ، فلقد وصلت تقارير كثيرة عنها . ولكني يجب أن أقول بكل أسف أن أكثر تلك التقارير مما لا يوثق به ، وأنها تجانب الصواب والحقيقة . ولذلك فقد قررت أن أكتب ما لدي ، آملة في أن أتمكن من توضيح حقيقة هذه الحوادث للشعب الياباني ، مستعينة بالوثائق المتوفرة لدي عن هذه الأحداث التي سأتحدث عنها بتسلسلها الزمني .


الخميس 30 سبتمبر 1965 ماكنت أتصور أبدا ، بل ولم يدر بخلدي أنه سيحدث حادث ما . في يوم الخميس مساء ليلة الجمعة حضرت حفلة في منزل السفير الإيطالي ، وبعدها ذهبت إلى حفلة عشاء في فندق أندونيسيا تلبية لدعوة السفير الإيراني وعقيلته ، وكان ذلك في الساعة 10.30 ليلا . وفي نفس الوقت كان الرئيس سوكرنو يخضر حفلة أخرى في الستاد الرياضي ليلقي خطابا أمام المهندسين ، وبعد أن انتهى من ذلك جاءني إلى حفل العشاء ليصحبني إلى المنزل . وقد نشرت الصحف بعد ذلك أن الرئيس أصيب بنوبة مرضية بعد أن ألقى خطابه ، ولكن الحقيقة أنه لم يحدث شيء من ذلك . فلقد كان في صحة جيدة . وعدنا معا تلك الليلة إلى القصر في الساعة الثانية عشرة ليلا .

الجمعة 1 أكتوبر 1965 الهجوم الذي يتطلب إراقة دماء قد بدأ ، وكنت آنذاك غارقة في نومي ، ولم أعلم أن هناك حوادث قد وقعت ، وكعادتي استيقظت الساعة السادسة صباحا ، وكان الرئيس يعد عدته ويتأهب للخروج إلى قصر الجمهورية ز ومن عادة الرئيس سوكرنو المتبعة أن يستقبل ضيوفه غير الرسميين ابتداءا من الساعة السابعة صباحا . وقد استقبل في ذلك اليوم الدكتور ليمينا ، ووزير البنك المركزي يوسف مودا دالم ، بينما المستشار أسعد كان لايزال ينتظر دوره لمقابلة الرئيس .

عندما خرج الرئيس من باب المنزل الذي نسكنه في الساعة 6.40 صباحا تسلم تقريرا من الضابط محمد صابر ، وهو ضابط القصر الجمهوري ، كما تسلم أيضا تقريرا آخر من اسماعيل قائد الشرطة . ووقف الرئيس برهة صامتا ولكنه بعد لحظات واصل سيره بكل اطمئنان إلى القصر الرسمي . وعلمت بعد ذلك أن الرئيس لم يذهب إلى القصر كعادته بل دخل إلى مكتبه بجوار القصر . وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا ذهب إلى منزل قائد جوي في قاعدة مطار حليم الجوية بمحض إرادته .

وكان نائب رئيس الوزراء الدكتور سوبندريو آنذاك في مدينة فادانغ بجزيرة سومترا في مهمة رسمية ، بينما كان نائب رئيس الوزراء الثالث خير الصالح في بيكين لحضور حفلات التحرير . ودعا الرئيس سوكرنو صديقا قديما له منذ عام 1945 هو الدكتور ليمينا ، وهو أحد نواب رئيس الوزراء وأكبرهم سنا إلى قاعدة حليم الجوية ، كما دعا أيضا قائد القوات البحرية مارتا ديناتا .

وقد بلغني بعد ذلك أن مارتا ديناتا وبعض زملائه رفضوا الحضور وقالوا للرئيس سوكرنو أنه من الممكن أن يكون هؤلاء الذين ثاروا للاستيلاء على لاحكم إنما يستغلون اسم الرئيس لمصلحتهم ، ونصحوا الرئيس سوكرنو بألا يذهب بعيدا معهم ، لإن ذلك محفوف بالمخاطر ، وأوضحوا له أن الفئة التي قامت بالثورة وهاجمت الجنرالات في الصباح الباكر كانت تستغل اسم الرئيس ، وكان أفرادها يرتدون الزي العسكري الخاص بالحرس الجمهوري . أما الدكتور ليمينا فقد قال لرسول سوكرنو الذي حضر لاصطحابه إلى قاعدة حليم الجوية ، إذا كان الرئيس سوكرنو هو الذي يدعوني حقيقة ولم ألب دعوته فإن المر سيكون خطيرا ، وإذا جاؤوني وقتلت في منزلي فمعنى هذا أني فقدت روحي . وعلى أثر ذلك ذهب الدكتور ليمينا إلى قاعدة حليم الجوية وقابل الرئيس سوكرنو واجتمع به ثم عاد إلى منزله سالما .

في ذلك الوقت رفعت تقارير إلى بعض قادة الجيش عن حقيقة الحوادث ، بينما كان الشعب لايعلم شيئا مما حدث سوى جريدة (وارتا باكتي) الشيوعية ، وهي الجريدة الوحيدة التي نشرت حوادث الثورة الشيوعية ومجدتها ، وكتبت مقالا افتتاحيا أيدت فيه الثورة . وتهافت الناس على شرائها لمعرفة حقيقة الأمر ، وبعد أن كان ثمن الجريدة مائتي روبية ارتفع ثمن النسخة الواحدة إلى ثلاثة آلاف روبية . فلقد كانت هذه الجريدة الوحيدة الني انفردت بنشضر الحادث ومجدت خطوات وأعمال الكولونيل أونتونغ قائد الحركة ، كبطل ثار ضد (مجلس الجنرالات) الذي شكله ضباط الجيش البري ، ووصفت الجريدة أونتونغ بأنه ولي الله على أعدائه . وذكرت الصحيفة أن أونتونغ ألف مجلسا للثورة واختار أعضاءه من الوزراء .

بعد قليل ، بعد أن أعلنت الساعة العاشرة صباحا ، جاءني رسول من الرئيس سوكرنو يخبرني بأنه في مأمن ، ورجاني ألا يخشى عليه ، وحدثني هذا لارسول عن النقاط الرئيسية حول ماحدث . ورجاني ألا أخشى عليه ، وحدثني هذا الرسول كونها داخلية ضمن دائرة لاقوات المسلحة . ولهذا لم أهتم بأخبارها كثيرا . إلا أني لاحظت أن الحرس حول بيتي قد ضوعف عددهم حتى بلغ الثلاثين يحيطون بمنزلي بأسلحتهم ويحرسون المدخل الأمامي ، وهذا خلافا للمعتاد ، إذ لايتعدى عدد الحرس عادة الثمانية جنود يتناوبون حراستنا . وقد منع الحرس الجدد الناس من الاتصال بي ماعدا الآنسي (بي) هي الوحيدة التي سمح لها بأن تدخل بيتي . وعندما اكتشفت من همسات الأصدقاء حولي عمق ومدى الحوادث عراني اضطراب وذعر .

وجاءني ضابط اتصال من المخابرات قبل الظهر بقليل وأخبرني بتفاصيل الحوادث التي وقعت وسألني قائلا : هل الرئيس سالم ؟ إني على أتم استعداد لتنفيذ أوامره ، إذا استطعت أن أتصل به بواسطتك . أخبرني الرئيس وأنا في انتظار أوامره . وشرح لي الضابط كيف اختطف ستة جنرالات بينهم أحمد ياني ، وكيف أطلقت النار على الجنرالات عندما رفضوا الذهاب مع الجنود ، وكيف سلم الجنرال أبو الحارث ناسوتيون بفضل بسالة زوجته .

كنت أود أن ارسل الخبر إلى لارئيس في أسرع وقت ممكن . ولكن جنود أونتونغ كانوا يحيطون بي وكأني محاصرة ، بحجة المحافظة على سلامتي ، ومنعوا الزوار عني . ولم أكن أعلم شيئا عن ذلك . وكثرت المكالمات التلفونية ، ولكني كنت غير واثقة مما يقال لي .

وفي الساعة الخامسة جاءني رسول من الرئيس سوكرنو ، وذلك ما كنت أنتظره . ثم حملت الرسول رسالتي إلى الرئيس سوكرنو وذكرت له فيها بأنني أود رؤيته في أسرع وقت ممكن لأمر مهم ، لايمكن أن أسطره في مثل هذه الرسالة ، وطلبت من الرسول أ، يوصل الرسالة للرئيس في الحال .

في الساعة الثامنة مساء رد الرئيس علي وأرسل سيارة جيب ، وعندما وثبت إلى داخلها بجسمي المقوس أخبرت خادمتي التي ودعتني بأني لن أعود هذه الليلة . وانطلقت بنا السيارة خلال كثير من مراكز التفتيش التي لا أعرفها البتة . وفي الساعة التاسعة مساء وصلت إلى قاعدة حليم الجوية . وفي وسط الظلام الدامس ، في ذلك الجو الهادئ بشكل مخيف ، شاهدت مصباحا من بعيد ، تبينت به المبنى الذي أتجه إليه .

رأيت في هذا البيت عشرة أشخاص بينهم الدكتور ليمينا ، النائب الثاني لرئيس الوزراء ، وعمر داني وزير الطيران . وقد قاموا عندما دخلت ، ولم أستطع أن أرى الرئيس ، غير أن الرئيس رفع في تلك اللحظة يده اليمنى وصاح مرحبا بي وبقدومي بصوته الجهوري . أحسست بنبضات قلبي توقفت عن الحركة .

لقد رأيت الحركات مريبة في ساعة حاسمة ملأها الرعب والخوف . شعرت بالريبة عندما رأيت البدلة التي يرتديها الرئيس مفتوحة الأزرار . وأن أكمام قميصه قد تدلت بشكل يوحي بأنه قد ضمد له جرح ما . وطلبنا من الحاضرين مغادرة المكان وبقيت أنا والرئيس لوحدنا فقط . وتحدثنا طويلا ، استغرق حديثنا ساعة كاملة . وقلت للرئيس : إني أرى أنه من المهم أن تسمع المواطنين صوتك حتى يطمئنوا . وكان قد بلغني أن الرئيس عازم على الذهاب إلى (ماديون) لأن الحالة في العاصمة خطرة جدا ، وكانت جاوا الوسطى مركزا للقوى اليسارية التي تتمركز في مدينة (ماديون) . ولهذا قاومت فكرة الرئيس بكل شدة وقلت له : إذا أردت الذهاب فإني سأكون معك ، ولن أتعبك ، فأنا لا أريد البقاء في جاكرتا بل أود أن أكون بجانبك في مجابهة هذه المشاكل . إني أريد أن أساعدك حتى في هذه الساعة ، إذ يجب أن نواجه المشاكل معا . فلماذا لا تريدني أن أرافقك ؟

فأجاب الرئيس بقوله : أشكرك على إخلاصك لي واهتمامك بي ، ولكني أريد منك أن تنتظري حتى تهدأ الحالة . قال الرئيس هذا بتردد وبتؤدة واطمئنان وبنيرات واضحة ، ثم كرر مرارا قوله : سأبعث إليك بمن يصحبك ، وخرج .

وتبعته في الخروج حتى الباب ، ورأيت رتلا من السيارات في انتظاره في الظلام الدامس ، ودخل الرئيس إحدى السيارات واستغل مرافقوه السيارات الأخرى . وقلت في نفسي حينذاك : ربما لن اراه مرة أخرى . ولم أعرف ما يجب علي عمله ، وبقيت واقفة وأ،ا أسرح في تأملات . واستيقظت وكان الدكتور ليمينا بجابي يقول لي : لاتحزني فسأحافظ عليه لأجلك .

ورفعت يدي سائلة المولى أن يحفظه . وعدت إلى البيت ولكن لم أستطع أن أنام لأني كنت أفكر فيه .

السبت 2 أكتوبر 1965 سمعت في الصباح الباكر أن الرئيس سوكرنو عدل عن الذهاب إلى ماديون ، وبلغني أنه بعد مضي 15 دقيقة من تأهبه للذهاب عدل فجأة وعاد إلى قاعدة حليم الجوية ، ومنها ذهب إلى مدينة (بوقور) ، وهي تبعد 60 كيلومترا جنوبي جاكرتا . وكان عدوله عن الذهاب وعودته إلى بوقور بقرار منه وبإيجاد من الدكتور ليمينا .

وكنتيجة لتحرياتي من معلومات الإستخبارات التي وصلتني في مساء هذا اليوم علمت حقائق وأرقاما تهمه أقلقتني ، وأحببت أن أبلغها الرئيس بكل سرعة ، ولكن المشكلة التي كانت تعترضني هي أنه لايمكن لي الخروج من البيت بعد الساعة السادسة مساء . ومن يخالف تطلق عليه النار . وكيف يمكن لي الاتصال بالرئيس وهو في بوقور والمسافة تستغرق ساعة من جاكرتا . ولو كان لي جناح لطرت إليه ، ولم أشعر بخوف بل بالعكس ، كنت مطمئنة وكان قلبي مملوءا بالأمل في إنقاذ البلاد .

في هذه الليلة سمعت صوت الرئيس لأول مرة بعد الحوادث عن الراديو ، وقد دعلني صوته وجعل شعبي يشعر بالإطمئنان .

الأحد 3 أكتوبر 1965 في صباح هذا اليوم أرسلت للرئيس رسالة وتسلمت جوابه عليها ظهرا . وكثرت التقارير التي تصلني ، ولذلك فإن صور حقائق الحوادث بدأت تنجلي بالتدريج وأصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل .

كم كنت أود أن يعرف الرئيس في أسرع وقت ممكن حقيقة الأضاع . إن لكل شخص بالطبع أعداء ، ولكني أكره الأعداء الذين يأتون من الداخل لتحطيم البلاد . أريد أن أقاوم كل اغتيال وكل عملية قتل تقع بين الشعب ، إنني أكره كل حركة تتخذ وسائل غير صحيحة للوصول إلى غاياتها .

لقد دعوت المولى إلى أن يحفظ الرئيس . وإذا كان الرئيس يعلم بهذه الحقائق فإني أشعر بمسئولية كبرى ، وكأني واقعة في هوة سحيقة .

الإثنين 4 أكتوبر 1965 رأيت في التلفزيون البئر المردومة التي دفنت فيها ضحايا 30 سبتمبر وانتشلت الجثث منها .إنها حوادث مرعبة تجعلني خائفة حائرة . ورأيت في هذه الليلة أيضا كيف دفن الشهداء من الجنرالات الوطنيين ، وكانت صناديق النعوش التي تضم رفات أجسادهم بحالة بالعلم الأحمر والأبيض ، ووضعت النعوش على سيارة مصفحة يتبعها رتل من السيارات فيها زوجات الشهداء . ولم أشاهد في حياتي مراسم دفن فيها من الروعة والجلال مثل ماشاهدته حين دفن هؤلاء الشهداء . وكانت كلمة التأبين التي ألقاها الجنرال ناسوتيون في مقبرة حديقة الشهداء في (كالي باتا) ورثى فيها هؤلاء الشهداء مؤثرة جدا بل ومبكية .

إن الجنرال ناسوتيون نفسه قد أصيب بجروح ، وانكسرت ساقه حين استطاع أن ينجو بحياته ، غير أن فقد ابنته . وليس بغريب إذا ثار ليأخذ بالثأر ، وكنت كلماته التي يرثى بها الشهداء مؤثرة . وقال وهو يؤبن الشهداء واقفا مستندا إلى عصاتين : (إن الإنسان قد يخطئ في حياته وإني اسأل الله لكم المغفرة جميعا . وإني أعلم ، بالرغم من كل شيء ، أنكم كنتم مخلصين للوطن ولرئيس جمهوريتكم خلال العشرين عاما الماضية . وإني لعلى استعداد للموت مثلكم ، لو كانت التهم التي ألصقت بنا صحيحة . أستودعكم الله يا إخواني وإلى اللقاء) .

هذه الكلمات التي فاه بها الجنرال ناسوتيون لاتزال ترن في أذني .

الأربعاء 6 أكتوبر 1965 لم أر الرئيس منذ ستة أيام . لم أره في الصالون المعد لاستقبال ضيوفه في المنزل الذي أسكنه . ولم أره في ا|لأستديو ، ولا في الحديقة ، ولا بين زهورها وورودها . هل يعلم الرئيس جميع الحقائق ؟ إن ذلك يجعلني أشعر بالاضطراب .

ولا أستطيع حتى أن أعبر عن جزء بسيط مما يجول في خاطري في رسالة إليه .

الخميس 7 أكتوبر 1965 قضيت الليل بطوله ساهرة . لم أذق طعم النوم أبدا ، فالاضطراب أرقني وأصابني القلق وساورتني هواجس كثيرة ، وكلما حاولت أن أغمض عيني تراءت لي جثة الجنرال أحمد ياني . إنني أشعر بتعب شديد وكأني قطعة قماش ممزقة .

وأخيرا كتبت راسلة مطولة للرئيس حاولت أن أشرح له فيها الحقائق .

الجمعة 8 أكتوبر 1965 كل يوم يمر تطول معه عباراتي ، وتكثر كلماتي ، وفي خطاب أكتبه للرئيس . ومنذ البارحة حتى اليوم كتبت 16 صفحة . ورغم ذلك فإنني أشعر بالاضطراب . أما زوجة الجنرال أحمد ياني فإنها ثابتة كبطلة .

السبت 9 أكتوبر 1965 لأول مرة بعد الحوادث لم أدون في مذكرتي شيئا ، وسأكتب الآن . إن شهيتي للطعام تتناقص يوما بعد يوم . واشعر بتعب بالغ . وينتابني إحساس بأن الأمل لاوجود له . وقد بدأت أكتب مرغمة نفسي على ذلك بالآلة الكاتبة .

في صباح اليوم قلت للرئيس : ارجع حالا حتى يطمئن الشعب ويعود للاستقرار . وفي الساعة العاشرة والنصف قبل الظهر كنت في شغل شاغل بالكتابة وحاولت التخلص من الكسل . وفجأة إذا بباب البيت الأمامي يفتح ، وإذا بي أراه . لقد جاء فجأة . شعرت بدوار بسيط . وشاهدت الرئيس سوكرنو – حبيب قلبي – واقفا أ/امي وهو يبتسم . نحيت الآلة الكاتبة وأبعدتها جانبا وهرولت إليه مرتمية في حضنه . وقال لي الرئيس : لقد عدت


3- حل البرلمان

تم اعادة تشكيل المجلس الاستشاري الأعلى والبرلمان وتعيين أعضاء جدد يكونون من الموالين للشيوعيين ومن الشيوعيين أنفسهم، وكذلك سحب تراخيص المعارضين الشيوعيين وتأميم وكالة الأنباء الآسيوية (A.P.B.) وهي وكالة أنباء غير شيوعية. وأخيرا اعتقال الزعماء المسلمين وغيرهم من المعارضين الشيوعيين. وقبل البدء في تنفيذ كل هذه الاجراءات طلع سوكرنو على الشعب الاندونيسي بتعبير جديد آخر هو (ناساكوم فوبيا) Nasakom phobia وأطلق هذا التعبير على المناوئين للشيوعية والشيوعيين في اندونيسيا، وبعد ذلك بدأ بتنفيذ مخطط تصفية المعارضين الشيوعيين. ولما رأت وزارة الدفاع ذلك الاستهتار بالدستور والتلاعب بالسلطة رفعت مذكرة رسمية نبهت فيها إلى المخاطر التي تجر البلاد إلى الدمار بسبب هذه الاجراءات التهورية. ولكن سكرنو كان مصمما على أن يرى الشيوعيين يرتقون إلى أعلى مراكز في الحكومة بصفتهم (القوى الثورة التقدمية). وحتى ما قبل الثورة الشيوعية بيومين فقط، كانت التحذيرات تصدر عن المسؤولين في وزارة الدفاع، ففي 28 سبتمبر 1965 نبه الجنرال هارينو الى تحركات مريبة وحشود كبيرة يجمعها الشيوعيين مستهدفين القيام بأعمال عنف تجر البلاد إلى مخاطر لا يعلم مداها إلا الله. وفي يوم الثورة كانت الجنرال هاريونو أحد الجنرالات الذين اختطفهم الشيوعيون وقتلوهم ومثلوا بجثثهم ثم دفنوهم جميعا وهم عراة.

إن كلمات الزعيم الشيوعي الأندونيسي الرفيق عيديد وزميلهم نجونو لا تزال ترن في الآذان حينما كانا يتبجحات مفاخرين بالقول: "ان المستقبل في أيدي الشيوعيين، وان نسيم الشرق يهب ليطفي على نسيم الغرب".

ويقول سوكرنو: "أن الماركسية هي التعاليم الوحيدة التي تستطيع أن تبرهن على أنها تعاليم حقيقية تثبت بالحقائق والبرهان القوي".

بينما نجد أقطابا من الشيوعيين أمثال أرثر كوسانرو كرافيشينكو ، وأنا بوكر وغيرهما من الذين قضوا جزءا من أعمارهم في الدفاع عن الشيوعية والدعوة إليها، لم يلبثوا بعد أ، تكشفت لهم حقيقة فساد ما ينادون به أن رجعوا عن مواقفهم الشيوعية وتحولوا إلأى تصحيح المفاهيم الخاطئة وإلى محاربة الشيوعية. وكتبوا عن خبرتهم ونتائج أعمالهم الشئ الكثير، واعترفوا بأن الجهد الذي بذلوه في سبيل تحقيق المفاهيم الشيوعية كان جهدا مبذولا في السبيل الخاطئ. وأعلنوا للملأ أنهم خرجون من تجربتهم الشيوعية وهم واثقين من أن الشيوعية تسير إلى الزوال ، وأنها لا يمكنها أن تقدم أي خير للانسانية.

وقد لمع أخيرا على مسرح السياسة الدولية، أحد أقطاب الشيوعية ورجالاتهم البارزين وهو اليوغسلافي المعروف ميلوفان بيلاس الذي نشر في عام 1957 كتابه المشهور الطبقة الجديدة والذي قال فيه: "ان المنظمات العالمية في العالم الشيوعي لا تتمتع بأي قدر من الحرية، وان كل ما يطالب به الشيوعيين في البلاد غير الشيوعية من عدل وحرية ومساواة لا يتوفر منه شئ للمواطن في الدولة الشيوعية". وانتقد في كتابه الأجهزة الشيوعية نقدا صريحا واعيا.

وميلوفان جيلاس شيوعي عريق ولكنه واعي أدرك أخطاءه فأعلنها على الملأ وجلب عليه هذا الكتاب النكبة والكثير من المتاعب، فقد أبعد عن منصبه واضطهد في بلاده لأنه قال الحقيقة.

لقد عاشت الشيوعية قرابة خمسين عامة منذ اليوم الذي قضى فيه على قيصر روسيا، واستولى الشيوعيين على الحكم بقوة الحديد والنار. ولكن بعد هذه الفترة الطويلة التي قضاها الشيوعيون في محالوة تطبيق التعاليم الماركسية وجد زعماؤهم أنفسهم مضطرين إلى الاعتراف بأخطائهم ، وان كان ذلك بصورة جزئية، وأخذوا يقلبون في مفاهيمهم ويحللون ما حرموا ويسمحون بما منعوا. ووقف المستر بريجينيف، سكرتير عام الحزب الشيوعي الروسي، والمستر كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي ، يعلنان مؤخرا "أن في التجارة الحرب حسنات وأنهما كان مخطئين مع معشر الشيوعيين في أنكار ذلك".

وقد اكتشف الشيوعيون من أخطاء نظمهم وفلسفاتهم الشئ الكثير، ولذا اشتد الخلاف فيما بينهم. ووجد الصينيون الشيوعيون فرصة لمنافسة الروس على زعامة العالم الشيوعي، فاتهموا القادة الشيوعيين في موسكو بأنهم مبتدعين ومحرفين، واشتعلت النار حامية فيما بينهم. الا أن القادة الشيوعيين متفقون على شئ واحد هو استخدام القوة في اخضاع شعوبهم وكل شعب موالي لهم اذا ما رفع رأسه مستهدفا استنشاق شئ من نسيم الحرية.

وقد شهد العالم كيف قضى الشيوعيون على مقاومة الشعب الألماني الشرقي عام 1954، وكيف سقط مئات الشهاداء في المجر عام 1956 تحت جنازير الدبابات الروسية، وكيف وقف الشعب التشيكوسلوفاكي أمام الغزة الروسي عام 1968 أمام نصف مليون جندي روسي ومئات الألوف من جنود حلف وارسو، مع أن تشيكوسلوفاكيا حليفة روسيا.

لقد فشل النظام الشيوعي حق في محاربة النظام الرأسمالي الحر الساري في العالم الغربي. وأكبر دليل على ذلك الفرق الواضح بين الحال في ألمانيا الغربية والحال في ألمانيا الشرقية.

عندما شعر ماوتسي تونغ بعجزه عن تحقيق ما يطالب به الشعب، ألف وأخرج مسرحية جديدة أمساها الحرس الأحمر أدت إلى سقوط المئات من القتلى. ومسرحية الحرس الأ؛مر عبرة للشعوب غير الشيوعية يقدمها ماتوسي تونغ لفائدة الثوار التقدميين.

تعاني الشيوعية اليوم من الفرقة والتدهور والانشقاق في صفوفها، ويعيش زعماؤها الحاكمون بقوة الحديد والنار. وقد أكد سيلوفان جيلاس: "أن الحكم الشيوعي هو حكم بيد طبقة جديدة، تحكم حكما دكتاتوريا أسود".

وهناك تحولات متعددة في علاقات الدول الشيوعية الخارجية، فزعماء الروس الملحدون يزورون البابا في الفاتيكان، زعيم المسيحيين الكاثوليك الديني. ورومانيا الشيوعية تفضل توثيق علاقاتها بألمانيا الغربية الرأسمالية على حساب علاقاتها بألمانيا الشرقية الشيوعية.

واذا ألقينا نظرة على بلدان آسيا وأفريقيا، وعلى حكامها الذين تأثروا بالدعاية الشيوعية مثل أحمد بن بلا في الجزائر، وكوامي نكروما في غانا وموديبو كيتا في مالي وسوكرنو في اندونيسيا، نجد أنهم فقدوا ثقة شعوبهم واختفوا من على مسرح الأحداث.

فجنة الشيوعية لم تكن سوى وهم باطل، طبل له الشيوعيون وغرروا بواسطته بالكثيرين، ولكن هذا الوهم بدأ يتقلص في كل مكان، وأصبحت هذه الأيام هي أيام انهيار الشيوعية العالمية وسقوط باطلها.


تصريح الجنرال سوقندي

الجنرال الحاج رادين سوقندي أحد كبار قادة اندونيسيا يقول:

• الشيوعيون يحاولن كثيرا العودة إلى مسرح الحياة السياسية ولكن الجيش يقف لهم بالمرصاد. • الجيش والزعماء خاضعون للدستور.. والجميع حماة الدين والديموقراطية. • الصين تبذل كل جهدها لتمكين الشيوعيين من السيطرة على اندونيسيا. • برنامج واسع لاصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد. • اعتقد أن الشيوعيين قد أبيدوا ولكنهم يعاودون الظهور دائما.

يعتبر البيرجادير جنرال الحاج رادين سوقندي من أكبر القادة العسكريين في جاكرتا اليوم، خاصة بعد نجاحه في القضاء على الشيوعيين في ثورتهم الفاشلة عام 1965 تحت زعامة وقيادة الجنرال سوهرتو. وقد كان من المجاهدين الأول للاستقلال عام 19645 حيث نفته هولندا وواصل الجهاد المسلح. وكان المساعد الأول والأيمن للرئيس السابق سوكرتو، وقضى معه سنوات عديدة رافقه في رحلاته الكثيرة الى اوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتي. ولكنه اختلف معه أخيرا حينما اندفع سوكرنوا الى الاتجاه الشيوعي الصيني. وبقوة ونفوذ سوكرنو تم ابعاد سوقندي إلى جزيرة سوهترا وقضى بها عدة سنوات، ولكنه ما لبث أن عاد إلى جاكرتا بدعوة من القوات المسلحة ليتولى منصبا كبيرة في القيادة.

وعندما ثار الشيوعيون كان سوقندي من زملاء الجنرال سوهرتو وأبي الحارث ناسوتيون في انقاذ البلاد من الشيوعية، واليوم يتولى البيرجادير جنرال سوقندي منصبا هاما في المركز العام للقوات المسلحة وهو رئيس لقسم الاستعلامات.

بين عهدين

قلت له:

• كنا نتتبع تطورات اندونيسيا باهتمام منذ عهد الحكومة السابقة تحت رئاسة سوكرنو حتى هذا العهد الحالي. فهل لكم أن تشرحوا لنا دور القوات المسلحة ومواقفها لاعادة الديموقراطية وانهاء الدكتوتورية التي ابتليت بها البلاد في الوقت المنصرم؟

فأجاب: في ظرف لا يزيد عن 12 ساعة فقط بعد محاولة الشيوعيين الاستيلاء على الحكم باراقة الدماء حسب خطط المركز العام للحزب الشيوعي التي باركها سوكرنو، استطاعت القوات المسلحة أن تسترجع العاصمة جاكرتها بجميع مواقعها الاستراتيجية ، وأن تحيط حلم الشيوعيين ومجلس ثورتهم تحت قيادة الكولونيل السابق أونتونغ. وعند خلو البلاد وفراغها من حكومة وقيادة وطنية بعد أول اكتوبر 1965 لم تستغل القوات المسلحة المناسبة السيطرة على الحكم ولكنها حافظت على سلامة الدستور وأتاحت الحكومة الماضية فرصة الاستمرار في تسيير دفة الحكم ومواصلة الأعمال تحت قيادة سكورنو. وكانت القوات المسلحة تأمل في أن يعتبر سوكرنو فيصلح من أخطائه الماضية. ولكن خيب أمال الشعب، وظل يدافع عن الشيوعيين وفي أثناء ذلك طالب الشعب بما في ذلك منظماته من الجامعيين والطلاب والشباب بالتخلص من البقية الباقية من الشيوعيين وأعوانهم الذين لا يزالون يعيثون فسادا، وبابعاد سوكرنو عن منصبه. ومن السهل جدا للقوات المسلحة أن تنفذ مطالب الشعب القوات ، ولكنها لا تود أن تسفك دماء جديدة، بل هي حريصة على تطبيق الدستور. حتى ان احتجاز الوزراء الذين لهم علاقة بالثورة وابعاد سوكرنو عن منصبه الذي تربع عليه خلال عشرين سنة يجب أن يكون بالطرق الدستورية والقانونية الشرعية تمشيا مع البيان الصادر في 11 مارس والذي صودق عليه من المجلس الاستشاري الأعلى في اجتماعه الطارئ يوم 12 مارس 1967. ان القوات المسلحة تتشبث وتتمسك بالأسس الخمسة في الدستور الاندونيسي للمحافظة على الديموقراطية.


التخلص من الشيوعيين

• ما الذي حدا بالقوات المسلحة لتصفية الحزب الشيوعي والايدلوجية الماركسية اللينية، هل هذا قرار المجلس الاستشاري الأعلى أم هناك دوافع أخرى؟

مرتان خان فيهما الحزب الشيوعي اندونيسيا حكومة وشعبا. الأولى لدى محاولته الاستيلاء على الحكم بالقوة، وبطريقة غير مشروعة، وكان ذلك في 18 سبتمبر 1948. والثانية في 1 اكتوبر 1965. ان عقيدة الماركسيين واللينيين شيوعية تهدف إلى جعل الدنيا شيوعية، وهذا هو الذي دفع الحزب الشيوعي الاندونيسي إلى الاستمرار بمحاولة الاستيلاء على الحكم بالقوة أو بغيرها حتى تصبح الحكومة شيوعية بحتة. وبما أن أسلوب وطريقة حياتنا الديموقراطية المبنية على الأسس الخمسة بتقوى الله عز وجل وليست الحادية أو شيوعية، فنحن مؤمنون بأن ترك الحزب الشيوعي يعبث بمقوماتنا وعقائدنا أو ترك الأمور على غاربها أو فتح المجال للشيوعيين لكي يظهروا بمظهر آخر على غير حقيقتهم، معنى ذلك أننا فتحنا المجال لأعدائها ليفتكوا بنا. ونحن واثقون كل الثقة من نوايا الحزب الشيوعي السيئة واننا لا نريد أن تتكرر المجازر مرة أخرى.


مقاومة الشيوعية


• هل لكم أن تشرحوا لنا دور القوات المسلحة في مقاومة الشيوعية في العهد المنصرم، وما هي المخططات التي لا تمكن الحزب الشيوعي من العودة؟

ان المشاكل التي تعانيها القوات المسلحة من الشيوعيين هي أنهم يحاولون جعل اندونيسيا شيوعية، وللوصول إلى هذه الغاية فإنهم كانون ينهجون طريقتين، وذلك بشعارات التقدمية الثورية الشيوعية ضد الامبرايالية وضد الاستعمار وأذنابه من أصحاب الاقطاعات، مع أن هذا غير موجود. وكانوا ينتهجون هذه الطريقة كتجربة لمعرفة مدى قوى ومدى احتمال الشعب لهذه الاستفزازات لتكوين مجموعة وكتلة متراصة مترابطة تحت حماية سكورنو وسوبندريو وجامعتهما من الذين يسيرون دفة الحكم في ذلك العهد، ولديهم كل السلطات التنفيذية والتشريعية، وكانوا يضضيقون علينا نحن المخلصين والذين ندافع عن سلامة دستور 1945 بأسسه الخمسة من تلاعب أيدي العابثين والمستهترين. وقد بلغوا قمة الاستهتار في مأساة محاولة استيلائهم على الحكم في اول اكتوبر 1965. اما الطريقة الأخرى التي تتخذها الشيوعية للوصول إلى هدفها فهي المناداة تضليلا وخداعا بتطبيق الديموقراطية ولكن في الوقت نفسه كانوا يرتكبون الارهاب والظلم والأعمال الوحشية. لقد نجحت الشيوعية في عملها بهذه الطريقة كما نجحت في تطبيقها في بعض بلدان اوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. انه ليس من السهل على القوات المسلحة أ، تبيد الحركات السرية الشيوعية في جسم الحكومة وداخل البلاد التي تعاونت مع سوكرنو وسوبندريو وفتحت المجال للشيوعيين بدون تحفظ. وكان على القوات المسلحة أن تقاوم مخططات وشعارات الشيوعية التي حاولت أن تجعل هذه القوات شيوعية وتكيون طابور خامس مسلح وهو شيوعي صرف، ثم تكوين منظمة مسلحة للشباب باسم شباب سوكرنو، والى غير ذلك. وكل هذه المجهودات موجهة ضد القوات المسلحة بالذات، باعتبار أن القوات المسلحة، هي القلعة الصامدة والعنصر المهم الذي يعرقل مساعي الشيوعيين والماركسيين. لا ريب أن الشيوعيين عندما حاولوا العودة مرة أخرى قد استعدوا للجملة عاملين تحت شعارات جديدة بأسلوب التهييج والدفاع عن سوكرنو لتطبيق الماركسية، ثم باثارة العداء بين الأحزاب الموجودة. وللمحافظة على سلامة البلاد وتأمين عدم عودة الشيوعية يجب قبل كل شئ أن يكون الاقتصاد مستقرا والسياسة مرتكزة ارتكازا ثابتا، وأن تقتصر الديموقراطية على النظام الجديد وان تتوحد كل القوى.

موقف الصين

• هل تحاول حكومة الصين الشيوعية اليوم اعادة الحزب الشيوعي، والى أي مدى تملك القوات المسلحة من الوثائق عن نشاط بيكين في هذا المضمار


اننا نعلم أن بكين تبذل جهودا جبارة بكل قواها ساعية لاعادة الحزب الشيوعي واعادة سوكرنو إلىمركزه ولدينا وثائق ناطقة ولا تزال تصلنا وثائق أخرى في هذا الموضوع عن المخططات الصينية.

الحركات الجديدة • نسمع أن هناك انتفاضات شيوعية ومناوشات محلية في جزير كالي مانتات الغربية، فما هي الخطوات التي اتخذتها القوات المسلحة لاحباط توسع هذه الثورة، وما هو موقف القوات المسلحة تجاه تدخل الصين في هذه الحوادث؟

يوجد في جزير كالي مانتان الغربية مهاجرون مستوطنون صينيون، وقد ثاروا مرتين وأحبطت مؤامرتهم. وكانوا يهدفون من عمليهم إلى جعل تلك المنطقة تابعة للصين مباشرة. وقد تصدت لهم القوات المسلحة وأرسلت لفرقة سيلي وانجمي المعروفة لابادة هذه العصابات. وقد تعاون الجيش الماليزي مع الفرقة الاندونوسية. وان تدخل الصين في أمورنا معناه الاستعمار الصيني الامبريالي الذي يهدد سلامة العالم.


الشيوعيون اليوم

• هل أبيدت القوى الشيوعية نهائيا في نظر القوات المسلحة؟ فاذا كان الأمرايجابيا فهل لكم أن توضحوا أكثر، واذا كان بالعكس فكيف تواجهون الأمر الواقع.

لقد ضربت القوات الوطنية الشيوعيين في الصميم. ولكن فلولهم تجسمت مرة أخرى لتكون لنفسها كيانا جديدا قويا. والقوات المسلحة دائما متقيظة وحذرة. فالشيوعيون يحاولون الآن أن يتخذوا من أي ضعف يطرأ على الاقتصاد وسيلة لضربنا من الخلف.

جهود الحكومة في المجلس الاستشاري

• لقد بذل الجنرال سوهرتو جهودا لجعل السياسة الاندونيسية واقتصادياتها مستقرة، فهل هناك عراقيل أو مقاومة من ميؤدي الحزب الشيوعي، والى أي مدى؟

لا ريب أن مؤيدي الشيوعية يحاولن عرقلة مشروع سوهرتو لجعل الحالة السياسية والاقتصادية مضطربة، كما يحولون عرقلة سير الانتخاتبات العامة. كل ذلك يهدفون من ورائه لاعادة سلطة سوكرنو وجعل الماركسية مادة أساسية في المدارس. وقد اكتشفت الحكومة عصابات من الشيوعيين الذين أحرقوا آلاف الأفدنة من المزارع في وادي جبل تامبوماس.

مشاريع اقتصادية

• ما هي المشارع الأخرى التي ستتخذها حكومة الجنرال سوهرتو في الناحية الاقتصادية وتنميتها. وهل هناك مساعي لتوثيق العلاقة مع الدول الأخرى أو أنه من الأفضل لأندونيسيا البقاء على سياسة الانعزال التي رسمها سوكرنو؟

في عرف أصول الاقتصاد لا توجد كلمة معجزة اقتصادية ولكن يجب أن تجند كل الطاقات والقوى للعمل المنتج النافع لتنمية الاقتصاد وليبني على مشاريع ومخططات مدروسة تهدف إلى تحسين مستوى الدخل القومي للشعب. لقد مضى علينا 22 عاما من الاستقلال والتضخم المالي بلغ الاقتصاد إلى اوضاع متدهورة. وقد استطاعت حكومة سوهرتو أن توقف التدهور عند حده في وقت قصير. وبثقة الجمهور وتأييد حكومة سوهرتو ستعاد الأمور إلى نصابها. وبرنامج وزارة سوهرتو مبني على قرارات المجلس الاستشاري الأعلى رقم 3 المكون من مشروع قريب المدى ويشمل:

1- مضاعفة الانتاج لتغطية حاجة الاكتفاء الذاتي. 2- مضاعفة الصادرات. 3- تحسين وضع الاقتصاد في كافة النواحي والمجالات ليكون مستقرا. 4- اعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الخارجية التي جمدتها حكومة سوكرنو.


موقع الدول الغربية والشيوعية

• هل هناك تجاوب واهتمام من الدول الغربية أو من المعسكر السوفيتي لتنمية الاقتصاد الاندونيسي، وما هي هذه الدول؟

المشروع المقرر لتحسين الاقتصاد يفتح المجال لرؤوس الأموال الخارجية بشروط خاصة بموجب القانون المصدق عليه من البرلمان الاندونيسي. وقد أبدى كثير من البلدان في الخارج الاهتمام لاستثمار رؤوس أموالهم لتنمية الاقتصاد الاندونيسي. ومن البلدان التي أبدت استعدادها: اليابان، أستراليا، الهند وهولندا وفرنسا وانجلترا وألمانيا الغربية وأمريكا وغيرها. بما في ذلك الشركات والمؤسسات الأهلية. واندونيسيا لن توصد أبوابها حتى بالنسبة للمعكسر الماركي اذا كانت نواياه حسنة.


مصير سوكرنو

• هل سيقدم سوكرنو للمحاكمة على ما ارتكبه من أخطاء أو سيغض الطرف عنه لما كان له من فضل في الأيام الماضية.

ان القانون والأحكام سارية على جميع الشعب الاندونيسي بدون تفرقة. فالأسس الخمسة التي تتمسك بها اندونيسيا منبثقة من المساوات والعدالة وعدم التفرقة. كل مخلوقات الله عز وجل متساون في الحقوق كما أنهم متساوون في الواجبات. وبهذا تصان العدالة والحقوق. وكل ذلك من الأمور الأساسية التي يبذل النظام الجديد جهده للمحافظة عليها ، بل هو المسؤول عنها. الدستور هو أعلى سلطة تشريعية، والحاكم ينفذ الأحكام بالعدل طبقا للدستور، وكل من خالف وارتكب جريمة وان كان رئيسا للجمهورية يجب أن يكون مسؤولا عن أعماله وتصرفاته وجرائمه حفظا لكرامة الدستور.


منظمة آسيا

• ما هو موقف قيادة القوات المسلحة من منظمة شعوب جنوب آسيا، وهل يؤمل منها الازدهار الفعلي، وهي تتفاءلون من هذه المنظمة وما هي موجبات وجودها؟

ان المنظمة الاقليمية لجنوب آسيا هي منظمة وحلقة اتصال لاعادة العلاقات الطيبة وايجاد ثقة متبادلة بين هذه الشعوب والتعاون في الأمور الاقصتادية والثقافية والاجتماعية. ان شعوب جنوب آسيا لا تجمعهم وحدة العنصر فحسب ولكن تجمعهم أيضا وحدة المسؤولية.

دور القوات المسلحة في الدفاع عن الدين

• نرى الدول العظيم الذي تقوم به القوات المسلحة للدفاع عن الدين والديموقراطية. فهل تتكرمون يايضاح شي من هذه القضية؟

لقد جاهدت القوات المسلحة منذ مندة لازالة المشاكل التي منيت بها اندونيسيا، وذلك بدافع من الشعور بالمسؤولية مباشرة لتقويم الأمور التي يعاني منها الشعب.

ان القوات المسلحة تؤمن ايمانا صادقا بأن عنصر الدين هو قوام الكيان وهو النور الذي يهتدي به في مسيرة الاصلاح، فالدين يخلق في النفوس قوة الايمان ويوجد فيها الوعي، ويحفظ للانسان كرامته ويسمو بأخلافه ويمده بروح معنوية عالية، فلا يمكن الاكتفاء بمجرد الدعوة أو التأييد. وقد أصبح واجبا على كل جندي العمل والتنفيذ باعتباره الرائد والحامي للأسس الخمسة، وعليه بصفة ايجابية أن يجعل بناء الكيان الديني مثاليا في الأمور الدينية الاسلامية والدعوة اليها، فان 95 في المائة من الشعب الاندونيسي من المسلمين.


المنظمات والأحزاب في اندونيسيا

ان حركة الأحزاب الاسلامية في تكوينها وقيامها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحركات الاستقلالية قبل وجود الأحزاب السياسية الأخرى، والاستعمار الهولندي بدأ في أوائل القرن السابع عشر الميلادي محاولا ابادة العقيدة الاسلامية المتمثلة في الحكومات والسلطات الاسلامية، وبدأت الاستعمار يمحو التعاليم الاسلامية والايمان الاسلامي في نفس الشعب، وبدأت المقاومات منذ ذلك القوت ، وقاوم المسلمون الاستعمار بكل قواهم وبكل ما هندهم من طاقات، ولم تنتظم هذه المقاومات انتظاما يمكنها من السيطرة على الموقف، لمجابهة الهولنديين الذين يملكون أسلحة حديثة وقوات كبيرة ومعدات عديدية. واستمرات الحال هكذا في صراع مستمر بين مد وجزر يفوز المسلمون حينا وينكسرون أحيانا، حتى عام 1988م. اذ بدأت الحركات الاسلامية تنتظم بقيادة المجاهد المسلم المعروف باسم إمام برنجول. وبرنجول اسم مدينة في جزير سومترا الغربية. وقاد هذا البطل المقاومة ضد الهولنديين سبعة وعشرين عاما من عام 1811 حتى عام 1838، وفي هذه الأثناء قامت جاوا بالانتفاض ضد الهولنديين بقيادة الأميرة المسلم الأمير ديفونفورو في عام 1825 وانتهت هذه الحركة بأسر الأمير في وقت المفاوضة. من هنا ابتدأت نواة الأحزاب الاسلامية، وتطور الصراع من دموي إلى سياسي.

وما ان هل عام 1900 حتى أصبح الصراع قويا: صراع سياسي (شركت دافنع إسلام) وانضم إليها المسلمون وأصبحت هذه المنظمة أكبر هيئة إسلامية بقيادة الحاج سمنهودي في مدينة صوار. ومن أهداف هذه المنظمة توحيد جهود الاندونيسيين، وتحسين الحالة الاقتصادية للشعب الذي صار زمامه بأيدي المستعمرين ، وكان هذه أول حركة شعبية منظمة تنظيما حسنا. وتوجست هولندا خيفة من هذه الحركات فأخذت الحيطة وبدأت تقاومها ، ومنذ ذلك الحين بدأت المجابهة الاسلامية ضد الاستعمار الهولندي بصفة علنية فعالة، واستمرت هذه الحركة تناهض الهولنديين حتى عام 1911 وفي مؤتمرها العام قررت مضاعفة الجهود بصفة أكبر وأوسع وتقرر تحويل اسم شركت داقنع إسلام إلى اسم شركت إسلام، وانتخب الحاج عمر سعيد جوكر رئيسا عاما للحزب.

وتبوأ الحزب مكانه في قلوب المسلمين. وتطورت المجابهة من سياسية اقتصادية إلى سياسية مسلحة، وصارت نواة للحركة الاستقلالية وأساسا مثاليا للأحزاب الأخرى التي جاءت بعدها.

كذلك قامت منظمات وأحزاب اسلامية كثيرة، كل منها تعمل في حقل، منها المعية المحمدية تحت قيادة الحاج محمد دحلان ولها أعمال كثيرة في حقل التربية والتعليم.

واتخذ الاستعمار سبيلا لتحطيم القوى الاسلامية بايجاد قوى أخرى تقاوم المسلمين عقائديا وبهذا يستطيع أن يفرق شمل الشعب الاندونيسي المسلم إلى عدة ديانات، فجندت هولندا قواها وأرسلت الراهبات المسيحيات وفتحت المدارس وبنت الكنائس ونشرت المجلات والمنشورات الكثيرة، وأخذت الصبية الصغار إلى دور الحضانة، هذا كله لمقاومة الحركات الاسلامية التي تعاظمت وتحتل المكانة المرموقة وتضع الهولنديين في موضع محرج.

ونشطت الجمعية المحمدية فأقامت المدارس الابتدائية ثم الثانوية وأخيرا أقامت الجامعة بجانب المصحات والمستشفيات والمساجد والمصليات والملاجئ ومكتبات للمطالعة ومنظمات للشباب والسيدات.

واذا كان حزب شركة إسلام يعمل أكثر في حقل السياسية فإن الجمعيات الأخرى أخذت لها حقلات آخر في التربية والتعليم ومقاومة التبشير المسيحي، وهكذا اصبح للمسلمين منظمات وأحزاب في الحقل السياسي المسلحة والحقل الثقافي والتعليمي.

وفي عام 1925 ألف بعض العلماء الاندونيسيين حركة اسلامية تربوية وأطلقوا عليها اسم نهضة العلماء وكانت في بدء قيامها حركة اسلامية تربوية محضة، ثم تطورت بمرور الزمن والظروف وأصبحت حزبا سياسيا باسم حزب نهضة العلماء وشاركت فعليا في الميدادين السياسية وللجمعية مدارس معاهد وكتاتيب ورابطات دينية في كثر من مدن جاوا.

كما قامت منظمات طلابية ومنظمات نسائية ومنظمات عماليةوغيرها. وفي هذه الأثناء بدأ الوعي الوفي هذه الأثناء بدأ الوعي الإسلامي يرتكز وينمو في كل فرد مسلم ووجد موقع خصبا في المجمتع الإسلامي، فتعددت الجمعيات الإسلامية التعاونية والتربوية والتعليمية والاجتماعية، وأقيمت جمعيات كثيرة بجانب الأحزاب الإسلامية تسير مع الأحزاب جنبا لجنب للدفاع عن الكيان الإسلامي والقيم الإسلامية بكل نشاطها لتحقيق الغاية. ورغم اضطهاد الإستعمار ومحاربته للإسلام سرا وعلانية فقد استطاعت أن تستمر هذه الجمعيات في تأدية رسالتها الدينية والتعليمية وتخرج من هذه المدارس أفواجا من الطلبة الذين كان لهو القدح الملي في الدفاع عن الإسلام والثورة الاستقلالية، واستشهد من صفوفها الكثيرون من المجاهدين.

وفي عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية اكتسحت اليابان شرق وجنوب آسيا في فترة لا تتجاوز شهرين واحتلت كمبوديا ولاوس وفيتنام والفلبين وبورما وتايلند وجزر الملايو وأندونيسيا حتى وصلت إلى جزائر سليمان. وكان أول خطوة خطتها اليابان أن حرمت المنظمات والحركات السياسية والأحزاب بجميع أنواعهها، وألفت منظمتين جديدتين، الأولى جمعت فيها المسلمين والثاني جمعت فيها الوطنيين وغيرهم من الذين لا يتبعون العقيدة الإسلامية وان كانو مسلمين. وبدأ المسلمون في هذا الجو الضنك المتبلد بالغيوم ينظمون حركاتهم سرا بعيدا عن أعين المخابرات اليابانية التي تعتبر أن كل حركة خارجة عن تنظيماتها إنما هي حركة معادية لليابان، واستطاع المسلمون تحت ستار الكتمان أ، يعملوا بحيث لا يثيرون شكوك اليابانيين فألفوا التنظيمات العسكرية المسلحة، وباسم التطوع لمساعدة اليابان.

وكان هناك مجلس شورى للمسلمين للعمل في حقل الشؤون الاجتماعية والدينية، ولكن المجلس كان يعمل في الفخاء لوضع خطط سياسية بعدية للوصول إلى الاستقلال. ويضم هذا المجلس أكثر العناصر الإسلامية.

وعندما ألقيت القنبلة الذرية على هوروشيما وناغازاكي واضطرت اليابان أن تستسلم للحلفاء بدون قيد أو شرط في 14 اغسطس 1945، انتهز هذه الفرصة الشعب والقوات المسلحة الموجودة في حزب الله وحزب سبيل الله والحركات المسلحة الأخرى وأعلنوا الاستقلال باسم سوكرنو ومحمد حق كنائبين عن الشعب الأندونيسي وذلك في يوم 17 اغسطس 1945، أي بعد استسلام اليابان بثلاثة أيام. وبعد اعلان الاستقلال عقد المسلمون مؤتمرا في جوكجا يحلوا الوسطى لوضع مخططات العمل للرحلة المقبلة. واشترك في هذا المؤتمر زعماء المسلمين والشخصيات الكبيرة وقادة من الجيش وتقرر جعل مجلس شورى مسلمي أندونيسيا حزبا اسلاميا ولأن المجلس قد ضم معظم الشخصيات الإسلامية وزعماؤها.

وقرر المؤتمر الإسلامي المنعقد في يوم 3 ذي الحكمة 1964 هـ بعد البحث والدرس وجوب تركيز الدعامة الإسلامية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بتوحيد كل القوى والجهود في إطار منظم ضمن هيئة الجهاد السياسي تعمل على:

1- تركيز سلطة الجمهورية الإندونيسية والدين الإسلامي. 2- تطبيق التعاليم الإسلامية في الدولة.

وهكذا فقد أعلن رسميا عن قيام حزب إسلامي سياسي ماشومي في 7 نوفمبر عام 1945 يمارس كل السلطات والحقوق السياسية في أندونيسيا، وبرزت ماشومي بشكل حزب إسلامي يعمل لتطبيق الأحكام الإسلامية في حياة الفرد وفي المجتمع طلبا لمرضاة الله.

وظهرت بعد ذلك إلى الوجود أحزاب كثيرة من وطنية واشتراكية وشيوعية، مما جر البلاد إلى البلبلة وأصبح الشعب الإندونيسي يواجه صراعا بين الحركات الإسلامية من جهة وغير الإسلامية من جهة أخرى. وستمرت الحالة كذلك حتى عام 1955 حيث استقبلت أندونيسيا لأول مرة في تاريخ حياتها الانتخابات العامة واشترك في الانتخابات أكثر من ثلاثين حزبا وأكثر من خمسين منظمة وأخذ سوكرنو يجوب بنفسه المدن والقرى ويخطب أمام الشعب داعيا لتأييد الحزب الوطني الأندوينسي الذي كان هو أحد مؤسسيه وعدم تأييد الحركات الإسلامية.

وفي عام 1951 بدأت الحزب الشيوعي اعادة تنظيم صفوفه بعد فشله الذريع في ثورته الفاشلة عام 1948، وكان الفشل أكبر دافع لمتابعة الكفاح بأسلوب أحكم، ثم الاتصال المباشر بحكومة بكين التي أمدته بالمال والسلاح. وعندما بدأ الشيوعيون يسيطرون على الأوضاع في أندونيسيا ألف المسلمون جبهةه مقاومة شيوعية فأصدروا الصحف والمجلات والنشرات التي لم يطل عمرها اذ حل سوكرنو الجبهة واعتقل القائمين بها وزجهم في أعماق السجون بتهمة ايجاد البلبلة في صفوف الشعب ، لأن حقدهم على الشيوعية ، وبغضهم لما، يعد جريمة تخالف تعاليم سوكرنو في توجيهه للبلاد (القومية والدين والشيوعية) المعرف باسم مخطط ناساكوم.

واستطاع الحزب الشيوعي بأسلوبه الجديد أن يسيطر على الوضع السياسي وحل البرلمان الأندونيسي ثم المجلس الاستشاري باسم سوكرنو ثم أتبع ذلك بحل الحزب الإسلامي ماشومي ومنظمة شباب المسلمين باعتبار أن ماشومي أكبر عدو للشيوعية. وزج رجال ماشومي في أعماق السجون بدون محاكمة، وصدورت أملاكهم ، وأغلقت الصحف الإسلامية والصحف التي تقاوم الشيوعيين أولا تماشي الشيوعية. وهكذا صفا الجو للشيوعيين فلم يبق أمامه إلا رجل الجيش الذين لا يزالون يقارعون الشيوعية بقوة ما لديهم من سلاح.

وفي فرصة سانحة في نظر الشوعيوزن، ذلك لأن فرقة الحرس الجمهورية قد انضمت إليهم، ولأن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية سوبندريو هو أكبر سند لهم، ولأن جملة كبيرة من الوزراء يؤيدون الشيوعية، وان لم يكونوا شيوعيين، نفذ الشيوعيون قرارهم وأعلنوا الثورة يوم 30 سبتمبر 1965، الثورة التي انتهت بالفشل بعد استيلائهم على العاصمة يوما واحدا، وسيطرتهم على الموقف سيطرة تامة. ولكن لم تكد تشرق شمس اليوم التالي حتى قضي على الثورة.

وباشراق ذلك اليوم ظهرت مرة أخرى إلى الوجود شعارات الحرية بعد الكبت الشديد.

وهكذا تظل الشيوعية أبدا تحارب الإسلام. وهكذا يظل الإسلام صامدا أمام أعدائه ليقدم في كل يوم تشرف فيه الشمس دليلا على أن في أبنائه شعلة إيمان ستظل أبدا تضئ الطريق للإنسانسية المعذبة. وستبقى إندونيسيا بحول الله وقوته مسلمة دائما ورافعة فوق أراضيها علم التوحيد.

وقد تألف حزب إسلامي جديد باسم الحزب الإسلامي الأندونيسي وأصبح في أندونيسي في العهد الجديد 9 أحزاب غير المنظمات الأخرى، وتتكون هذه الأحزاب من أربعة أحزاب إسلامية هي: 1- حزب نهضة العلماء. 2- حزب شركت إسلام. 3- حزب التربية الإسلامية. 4- الحزب الإسلامي الأندونيسي.

والأحزاب الأخرى هي: 5- الحزب الوطني الأندونيسي. 6- حزب أبيكي. 7- الحزب الكاثوليكي. 8- الحزب البروتستانتي. 9- حزب موريا (الحزب الكادح) وهو حزب إشتراكي.